You are on page 1of 1219

‫الكتاب ‪ :‬تفسير القرآن العظيم‬

‫المؤلف ‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي [ ‪774- 700‬‬
‫هـ ]‬
‫المحقق ‪ :‬سامي بن محمد سلمة‬
‫الناشر ‪ :‬دار طيبة للنشر والتوزيع‬
‫الطبعة ‪ :‬الثانية ‪1420‬هـ ‪ 1999 -‬م‬
‫عدد الجزاء ‪8 :‬‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف‬
‫‪www.qurancomplex.com‬‬
‫[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ‪ ،‬والصفحات مذيلة بحواشي المحقق ]‬

‫جعَلْنَا ُهمْ‬
‫َومَا أَ ْرسَلْنَا قَبَْلكَ إِلّا ِرجَالًا نُوحِي إِلَ ْيهِمْ فَاسْأَلُوا أَ ْهلَ ال ّذكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا َتعَْلمُونَ (‪َ )7‬ومَا َ‬
‫طعَا َم َومَا كَانُوا خَاِلدِينَ (‪ُ )8‬ث ّم صَ َدقْنَا ُهمُ ا ْلوَعْدَ فَأَ ْنجَيْنَاهُ ْم َومَنْ نَشَا ُء وَأَهَْلكْنَا‬
‫جسَدًا لَا يَ ْأكُلُونَ ال ّ‬
‫َ‬
‫ا ْلمُسْ ِرفِينَ (‪)9‬‬

‫ح ّقتْ عَلَ ْي ِهمْ كَِلمَةُ‬


‫بذلك ‪ ،‬أفهؤلء يؤمنون باليات لو (‪ )1‬رََأوْها دون أولئك ؟ كل بل { إِنّ الّذِينَ َ‬
‫ن وََلوْ جَاءَ ْتهُمْ ُكلّ آيَةٍ حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ اللِيمَ } [ يونس ‪.] 97 ، 96 :‬‬
‫ك ل ُي ْؤمِنُو َ‬
‫رَ ّب َ‬
‫هذا كله ‪ ،‬وقد شاهدوا من اليات الباهرات ‪ ،‬والحجج القاطعات ‪ ،‬والدلئل البينات ‪ ،‬على يدي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ما هو أظهر وأجلى ‪ ،‬وأبهر وأقطع وأقهر ‪ ،‬مما شُوهِدَ مع غيره‬
‫من النبياء ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬ذكر عن زيد بن الحباب ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا الحارث بن‬
‫زيد الحضرمي ‪ ،‬عن علي بن رباح اللخمي ‪ ،‬حدثني من شهد عبادة بن الصامت ‪ ،‬يقول ‪ :‬كنا في‬
‫المسجد ومعنا أبو بكر الصديق ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ُ ،‬يقْ ِرئُ بعضنا بعضا القرآن ‪ ،‬فجاء عبد ال بن‬
‫أبي بن سلول ‪ ،‬ومعه ُنمْرُقة وزِرْبِيّة ‪ ،‬فوضع واتكأ ‪ ،‬وكان صبيحًا فصيحًا جدل فقال ‪ :‬يا أبا بكر‬
‫‪ ،‬قل لمحمد يأتينا بآية كما جاء الولون ؟ جاء موسى باللواح ‪ ،‬وجاء داود بالزبور ‪ ،‬وجاء‬
‫صالح بالناقة ‪ ،‬وجاء عيسى بالنجيل وبالمائدة‪ .‬فبكى أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فخرج رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ :‬قوموا إلى رسول ال (‪ )2‬صلى ال عليه وسلم نستغيث‬
‫به من هذا المنافق‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنه ل يقام لي ‪ ،‬إنما يقام ل عز‬
‫وجل"‪ .‬فقلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنا لقينا من هذا المنافق‪ .‬فقال ‪" :‬إن (‪ )3‬جبريل قال (‪ )4‬لي ‪ :‬اخرج‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فأخبر بنعم ال التي أنعم بها عليك ‪ ،‬وفضيلته التي ُفضّلت بها ‪ ،‬فبشرني أني بعثت إلى الحمر‬
‫والسود ‪ ،‬وأمرني أن أنذر الجن ‪ ،‬وآتاني كتابه وأنا أمّي ‪ ،‬وغفر ذنبي ما تقدم وما تأخر ‪ ،‬وذكر‬
‫اسمي في الذان وأيدني (‪ )5‬بالملئكة ‪ ،‬وآتاني النصر ‪ ،‬وجعل الرعب أمامي ‪ ،‬وآتاني الكوثر ‪،‬‬
‫وجعل حوضي من أعظم الحياض يوم القيامة ‪ ،‬ووعدني المقام المحمود والناس مهطعون مقنعو (‬
‫‪ )6‬رءوسهم ‪ ،‬وجعلني في أول زمرة تخرج من الناس ‪ ،‬وأدخل في شفاعتي سبعين ألفًا من أمتي‬
‫الجنة بغير حساب وآتاني السلطان والملك ‪ ،‬وجعلني في أعلى غرفة في الجنة في جنات النعيم (‬
‫‪ ، )7‬فليس فوقي أحد إل الملئكة الذين يحملون العرش ‪ ،‬وأحل لي (‪ )8‬الغنائم (‪ ، )9‬ولم تحل‬
‫لحد كان قبلنا"‪ .‬وهذا الحديث غريب جدًا‪.‬‬
‫جعَلْنَا ُهمْ‬
‫{ َومَا أَرْسَلْنَا قَبَْلكَ إِل ِرجَال يُوحَى إِلَ ْيهِمْ فَاسَْألُوا أَ ْهلَ ال ّذكْرِ إِنْ كُنْ ُتمْ ل َتعَْلمُونَ (‪َ )7‬ومَا َ‬
‫عدَ فَأَنْجَيْنَا ُه ْم َومَنْ نَشَا ُء وَأَ ْهَلكْنَا‬
‫ص َدقْنَاهُمُ ا ْلوَ ْ‬
‫طعَا َم َومَا كَانُوا خَالِدِينَ (‪ )8‬ثُ ّم َ‬
‫جسَدًا ل يَ ْأكُلُونَ ال ّ‬
‫َ‬
‫ا ْلمُسْ ِرفِينَ (‪.} )9‬‬
‫يقول تعالى رادّا على من أنكر بعثة الرسل من البشر ‪َ { :‬ومَا أَرْسَلْنَا قَبَْلكَ إِل ِرجَال يُوحَى (‪)10‬‬
‫إِلَ ْيهِمْ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬ولو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬إلى رسوله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬أتى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وأمرني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬مقنعي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عدن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لي ولمتي"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬المغانم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نوحي"‪.‬‬

‫( ‪)5/333‬‬

‫َلقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَ ْي ُكمْ كِتَابًا فِيهِ ِذكْ ُركُمْ َأفَلَا َت ْعقِلُونَ (‪)10‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أي ‪ :‬جميع الرسل الذين تقدموا كانوا رجال من البشر ‪ ،‬لم يكن فيهم أحد من الملئكة ‪ ،‬كما قال‬
‫سلْنَا مِنْ قَبِْلكَ إِل رِجَال يُوحَى (‪ )1‬إِلَ ْي ِهمْ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلقُرَى } [ يوسف ‪:‬‬
‫في الية الخرى ‪َ { :‬ومَا أَرْ َ‬
‫سلِ } [ الحقاف ‪ ، ] 9 :‬وقال تعالى حكاية‬
‫‪ ، ] 109‬وقال تعالى ‪ُ { :‬قلْ مَا كُ ْنتُ بِدْعًا مِنَ الرّ ُ‬
‫عمن تقدم من المم أنهم أنكروا ذلك فقالوا ‪ { :‬أَ َبشَرٌ َيهْدُونَنَا } [ التغابن ‪ ] 6 :‬؛ ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫{ فَاسْأَلُوا أَ ْهلَ ال ّذكْرِ إِنْ كُنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ } أي ‪ :‬اسألوا أهل العلم من المم كاليهود والنصارى‬
‫وسائر الطوائف ‪ :‬هل كان الرسل الذين أتوهم بشرًا أو ملئكة ؟ إنما كانوا بشرًا ‪ ،‬وذلك من تمام‬
‫نِعمَ ال على خلقه ؛ إذ بعث فيهم رسل (‪ )2‬منهم يتمكنون من تناول البلغ منهم والخذ عنهم‪.‬‬
‫طعَامَ } أي ‪ :‬بل قد كانوا أجسادًا يأكلون الطعام ‪ ،‬كما‬
‫جعَلْنَاهُمْ جَسَدًا ل يَ ْأكُلُونَ ال ّ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫سوَاقِ }‬
‫طعَا َم وَ َيمْشُونَ فِي ال ْ‬
‫سلِينَ إِل إِ ّنهُمْ لَيَ ْأكُلُونَ ال ّ‬
‫قال تعالى ‪َ { :‬ومَا أَرْسَلْنَا قَبَْلكَ مِنَ ا ْلمُرْ َ‬
‫[ الفرقان ‪ ]20 :‬أي ‪ :‬قد كانوا بشرا من البشر ‪ ،‬يأكلون ويشربون مثل الناس ‪ ،‬ويدخلون السواق‬
‫للتكسب والتجارة ‪ ،‬وليس ذلك بضار لهم ول ناقص منهم شيئًا ‪ ،‬كما توهمه المشركون في قولهم‬
‫سوَاقِ َلوْل أُنزلَ إِلَيْهِ مََلكٌ فَ َيكُونَ َمعَهُ َنذِيرًا َأوْ‬
‫طعَا َم وَ َيمْشِي فِي ال ْ‬
‫‪ { :‬مَالِ َهذَا الرّسُولِ يَ ْأ ُكلُ ال ّ‬
‫يُ ْلقَى إِلَ ْيهِ كَنز َأوْ َتكُونُ َلهُ جَنّةٌ يَ ْأ ُكلُ مِ ْنهَا َوقَالَ الظّاِلمُونَ إِنْ تَتّ ِبعُونَ إِل رَجُل مَسْحُورًا } [ الفرقان‬
‫‪.] 8 ، 7 :‬‬
‫جعَلْنَا لِبَشَرٍ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا كَانُوا خَاِلدِينَ } أي ‪ :‬في الدنيا ‪ ،‬بل كانوا يعيشون ثم يموتون ‪َ { ،‬ومَا َ‬
‫مِنْ قَبِْلكَ الْخُ ْلدَ } [ النبياء ‪ ، ] 34 :‬وخاصتهم أنهم يوحى إليهم من ال عز وجل ‪ ،‬تنزل عليهم‬
‫الملئكة عن ال بما يحكم (‪ )3‬في خلقه مما يأمر به وينهى عنه‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ث ّم صَ َدقْنَا ُهمُ ا ْلوَعْدَ } أي ‪ :‬الذي وعدهم ربهم ‪" :‬ليهلكن الظالمين" ‪ ،‬صدقهم ال وعده‬
‫ففعل ذلك ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَأَنْجَيْنَاهُ ْم َومَنْ نَشَاءُ } أي ‪ :‬أتباعهم من المؤمنين ‪ { ،‬وَأَهَْلكْنَا ا ْلمُسْ ِرفِينَ‬
‫} أي ‪ :‬المكذبين بما جاءت الرسل به‪.‬‬
‫{ َلقَدْ أَنزلْنَا إِلَ ْيكُمْ كِتَابًا فِيهِ ِذكْ ُركُمْ َأفَل َتعْقِلُونَ (‪} )10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نوحي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول" ‪ ،‬وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬يحكمه"‪.‬‬

‫( ‪)5/334‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حسّوا بَأْسَنَا ِإذَا ُهمْ مِ ْنهَا‬
‫صمْنَا مِنْ قَرْ َيةٍ كَا َنتْ ظَاِلمَ ًة وَأَ ْنشَأْنَا َبعْدَهَا َق ْومًا َآخَرِينَ (‪ )11‬فََلمّا أَ َ‬
‫َوكَمْ َق َ‬
‫جعُوا إِلَى مَا أُتْ ِرفْتُمْ فِي ِه َومَسَاكِ ِنكُمْ َلعَّلكُمْ ُتسْأَلُونَ (‪ )13‬قَالُوا يَا‬
‫يَ ْر ُكضُونَ (‪ )12‬لَا تَ ْر ُكضُوا وَارْ ِ‬
‫حصِيدًا خَامِدِينَ (‪)15‬‬
‫جعَلْنَا ُهمْ َ‬
‫عوَاهُمْ حَتّى َ‬
‫وَيْلَنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ (‪َ )14‬فمَا زَاَلتْ تِ ْلكَ دَ ْ‬

‫حسّوا بَأْسَنَا ِإذَا ُهمْ مِ ْنهَا‬


‫صمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَا َنتْ ظَاِلمَ ًة وَأَنْشَأْنَا َب ْعدَهَا َق ْومًا آخَرِينَ (‪ )11‬فََلمّا أَ َ‬
‫{ َوكَمْ َق َ‬
‫جعُوا إِلَى مَا أُتْ ِرفْتُمْ فِي ِه َومَسَاكِ ِنكُمْ َلعَّلكُمْ تُسْأَلُونَ (‪ )13‬قَالُوا يَا‬
‫يَ ْر ُكضُونَ (‪ )12‬ل تَ ْر ُكضُوا وَارْ ِ‬
‫حصِيدًا خَامِدِينَ (‪.} )15‬‬
‫جعَلْنَا ُهمْ َ‬
‫عوَاهُمْ حَتّى َ‬
‫وَيْلَنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ (‪َ )14‬فمَا زَاَلتْ تِ ْلكَ دَ ْ‬
‫يقول تعالى منبهًا على شرف القرآن ‪ ،‬ومحرضًا لهم على معرفة قدره ‪َ { :‬لقَدْ أَنزلْنَا ِإلَ ْيكُمْ كِتَابًا‬
‫فِيهِ ِذكْ ُركُمْ } قال ابن عباس ‪ :‬شَ َرفُكم‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬حديثكم‪ .‬وقال الحسن ‪ :‬دينكم‪.‬‬

‫( ‪)5/334‬‬

‫خذْنَاهُ مِنْ لَدُنّا إِنْ كُنّا‬


‫خذَ َل ْهوًا لَاتّ َ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا لَاعِبِينَ (‪َ )16‬لوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتّ ِ‬
‫سمَا َء وَالْأَ ْر َ‬
‫َومَا خََلقْنَا ال ّ‬
‫ق وََلكُمُ ا ْلوَ ْيلُ ِممّا َتصِفُونَ (‪)18‬‬
‫طلِ فَيَ ْد َمغُهُ فَِإذَا ُهوَ زَا ِه ٌ‬
‫فَاعِلِينَ (‪َ )17‬بلْ َنقْ ِذفُ بِا ْلحَقّ عَلَى الْبَا ِ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َومَنْ عِنْ َدهُ لَا يَسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَ ِت ِه وَلَا يَسْ َتحْسِرُونَ (‪ )19‬يُسَبّحُونَ‬
‫وَلَهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫ل وَال ّنهَارَ لَا َيفْتُرُونَ (‪)20‬‬
‫اللّ ْي َ‬

‫س ْوفَ ُتسْأَلُونَ } [ الزخرف ‪.] 44 :‬‬


‫ك وَ َ‬
‫ك وَِل َقوْ ِم َ‬
‫{ وَإِنّهُ لَ ِذكْرٌ َل َ‬
‫صمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَا َنتْ ظَاِلمَةً } هذه صيغة تكثير ‪ ،‬كما قال { َوكَمْ أَهَْلكْنَا مِنَ‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكَمْ َق َ‬
‫ا ْلقُرُونِ مِنْ َبعْدِ نُوحٍ } [ السراء ‪.]17 :‬‬
‫شهَا وَبِئْرٍ ُمعَطّلَةٍ‬
‫وقال تعالى ‪َ { :‬فكَأَيّنْ (‪ )1‬مِنْ قَرْيَةٍ َأهَْلكْنَاهَا وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ َف ِهيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُو ِ‬
‫َو َقصْرٍ مَشِيدٍ } [ الحج ‪ .]45 :‬وقوله ‪ { :‬وَأَنْشَأْنَا َبعْدَهَا َق ْومًا آخَرِينَ } أي ‪ :‬أمة أخرى بعدهم‪.‬‬
‫{ فََلمّا َأحَسّوا بَأْسَنَا } أي ‪ :‬تيقنوا أن العذاب واقع (‪ )2‬بهم ‪ ،‬كما وعدهم نبيهم ‪ِ { ،‬إذَا ُهمْ مِ ْنهَا‬
‫يَ ْر ُكضُونَ } أي ‪ :‬يفرون هاربين‪.‬‬
‫جعُوا إِلَى مَا أُتْ ِرفْتُمْ فِي ِه َومَسَاكِ ِنكُمْ } هذا تهكم بهم قدرًا أي ‪ :‬قيل لهم قدرًا ‪ :‬ل‬
‫{ ل تَ ْر ُكضُوا وَارْ ِ‬
‫تركضوا هاربين من نزول العذاب ‪ ،‬وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور ‪ ،‬والمعيشة‬
‫والمساكن الطيبة‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬استهزاء بهم‪.‬‬
‫{ َلعَّل ُكمْ تُسْأَلُونَ } أي ‪ :‬عما كنتم فيه من أداء شكر النعمة‪.‬‬
‫عوَاهُمْ‬
‫{ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ } اعترفوا بذنوبهم حين ل ينفعهم ذلك ‪َ { ،‬فمَا زَاَلتْ تِ ْلكَ دَ ْ‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حصِيدًا خَامِدِينَ } أي ‪ :‬ما (‪ )3‬زالت تلك المقالة ‪ ،‬وهي العتراف بالظلم ‪،‬‬
‫جعَلْنَاهُمْ َ‬
‫حَتّى َ‬
‫هِجيراهم حتى حصدناهم حصدًا (‪ )4‬وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودًا‪.‬‬
‫خذْنَاهُ مِنْ لَدُنّا إِنْ‬
‫سمَا َء وَال ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا لعِبِينَ (‪َ )16‬لوْ أَ َردْنَا أَنْ نَتّخِذَ َل ْهوًا لتّ َ‬
‫خَلقْنَا ال ّ‬
‫{ َومَا َ‬
‫ق وََلكُمُ ا ْلوَ ْيلُ ِممّا َتصِفُونَ (‪)18‬‬
‫طلِ فَيَ ْد َمغُهُ فَِإذَا ُهوَ زَا ِه ٌ‬
‫كُنّا فَاعِلِينَ (‪َ )17‬بلْ َنقْ ِذفُ بِا ْلحَقّ عَلَى الْبَا ِ‬
‫ض َومَنْ عِ ْن َدهُ ل يَسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَ ِت ِه وَل َيسْتَحْسِرُونَ (‪)19‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْر ِ‬
‫وَلَهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫يُسَبّحُونَ اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ ل َيفْتُرُونَ (‪.} )20‬‬
‫يخبر تعالى أنه خلق السموات والرض بالحق ‪ ،‬أي ‪ :‬بالعدل والقسط ‪ { ،‬لِيَجْ ِزيَ الّذِينَ أَسَاءُوا ِبمَا‬
‫عمِلُوا وَيَجْ ِزيَ الّذِينَ أَحْسَنُوا بِا ْلحُسْنَى } [ النجم ‪ ، ]31 :‬وأنه لم يخلق ذلك عبثًا ول لعبًا ‪ ،‬كما‬
‫َ‬
‫سمَاءَ (‪ )5‬وَال ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا بَاطِل ذَِلكَ ظَنّ الّذِينَ كَفَرُوا َفوَ ْيلٌ لِلّذِينَ َكفَرُوا‬
‫قال ‪َ { :‬ومَا خََلقْنَا ال ّ‬
‫مِنَ النّارِ } [ ص ‪]27 :‬‬
‫خذَ َل ْهوًا لتّخَذْنَاهُ مِنْ َلدُنّا إِنْ كُنّا فَاعِلِينَ } قال ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن‬
‫وقوله تعالى ‪َ { :‬لوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتّ ِ‬
‫خذْنَاهُ مِنْ لَدُنّا } يعني ‪ :‬من عندنا ‪ ،‬يقول ‪ :‬وما خلقنا جنة ول‬
‫مجاهد ‪َ { :‬لوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتّخِذَ َل ْهوًا لتّ َ‬
‫نارًا ‪ ،‬ول موتًا ‪ ،‬ول بعثًا ‪ ،‬ول حسابًا‪.‬‬
‫خذَ َل ْهوًا } اللهو ‪ :‬المرأة بلسان أهل اليمن‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما ‪َ { :‬لوْ أَ َردْنَا أَنْ نَتّ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وكأين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬تيقنوا العذاب أنه واقع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬فما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬جعلناهم حصيدا خامدين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬السماوات"‪.‬‬

‫( ‪)5/335‬‬

‫خذَ َل ْهوًا لتّخَذْنَاهُ } من الحور العين‪.‬‬


‫وقال إبراهيم النّخعِي ‪َ { :‬لوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتّ ِ‬
‫وقال عكرمة والسدي ‪ :‬المراد باللهو هاهنا ‪ :‬الولد‪.‬‬
‫طفَى ِممّا يَخُْلقُ‬
‫وهذا والذي قبله متلزمان ‪ ،‬وهو كقوله تعالى ‪َ { :‬لوْ أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَتّخِ َذ وَلَدًا لصْ َ‬
‫مَا يَشَاءُ سُبْحَا َنهُ } [الزمر ‪ ، ]4 :‬فنزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقًا ‪ ،‬ل سيما عما يقولون من الفك‬
‫عمّا َيقُولُونَ عُُلوّا‬
‫والباطل ‪ ،‬من اتخاذ عيسى ‪ ،‬أو العزير (‪ )1‬أو الملئكة ‪ { ،‬سُبْحَا َن ُه وَ َتعَالَى َ‬
‫كَبِيرًا } [ السراء ‪.]43 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنْ كُنّا فَاعِلِينَ } قال قتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وإبراهيم النخعي ‪ ،‬ومغيرة بن ِمقْسَم ‪ ،‬أي ‪ :‬ما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كنا فاعلين‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬كل شيء في القرآن "إن" فهو إنكار‪.‬‬
‫طلِ } أي ‪ :‬نبين الحق فيدحض الباطل ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَيَ ْد َمغُهُ‬
‫حقّ عَلَى الْبَا ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬بلْ َنقْ ِذفُ بِالْ َ‬
‫فَإِذَا ُهوَ زَاهِقٌ } أي ‪ :‬ذاهب مضمحل ‪ { ،‬وََلكُمُ ا ْلوَ ْيلُ } أي ‪ :‬أيها القاتلون ‪ :‬ل ولد ‪ِ { ،‬ممّا‬
‫َتصِفُونَ } أي ‪ :‬تقولون وتفترون‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى عن عبودية الملئكة له ‪ ،‬ودأبهم في طاعته ليل ونهارًا ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَلَهُ مَنْ فِي‬
‫ض َومَنْ عِنْ َدهُ } يعني ‪ :‬الملئكة ‪ { ،‬ل يَسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } أي ‪ :‬ل‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْر ِ‬
‫ال ّ‬
‫يستنكفون عنها ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬لَنْ يَسْتَ ْن ِكفَ ا ْلمَسِيحُ أَنْ َيكُونَ عَ ْبدًا لِلّ ِه وَل ا ْلمَل ِئكَةُ ا ْل ُمقَرّبُونَ َومَنْ‬
‫جمِيعًا } [ النساء ‪.]172 :‬‬
‫حشُرُهُمْ إِلَيْهِ َ‬
‫يَسْتَ ْن ِكفْ عَنْ عِبَادَ ِت ِه وَيَسْ َتكْبِرْ فَسَيَ ْ‬
‫حسِرُونَ } أي ‪ :‬ل يتعبون ول يَملّون‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل يَسْتَ ْ‬
‫ل وَال ّنهَارَ ل َيفْتُرُونَ } فهم دائبون في العمل ليل ونهارًا ‪ ،‬مطيعون قصدًا وعمل‬
‫{ ُيسَبّحُونَ اللّ ْي َ‬
‫قادرون عليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬ل َي ْعصُونَ اللّهَ مَا َأمَ َرهُ ْم وَ َي ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ } [ التحريم ‪:‬‬
‫‪.]6‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن أبي دُلمة البغدادي ‪ ،‬أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء ‪ ،‬حدثنا‬
‫سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن صفوان بن مُحرِز ‪ ،‬عن حكيم بن حِزَام قال ‪ :‬بينا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بين أصحابه ‪ ،‬إذ قال لهم ‪" :‬هل تسمعون ما أسمع ؟" قالوا ‪ :‬ما نسمع من شيء‪ .‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إني لسمع أطيط السماء ‪ ،‬وما تلم أن تئط ‪ ،‬وما فيها موضع‬
‫شِبْر إل وعليه ملك ساجد أو قائم"‪ .‬غريب ولم يخرجوه (‪.)2‬‬
‫ثم رواه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زُرَيْع ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن قتادة مرسل‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق (‪ ، )3‬عن حسان بن مخارق ‪ ،‬عن عبد ال بن الحارث بن نوفل قال ‪ :‬جلست‬
‫ل وَال ّنهَا َر ل‬
‫إلى كعب الحبار وأنا غلم ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬أرأيت قول ال [للملئكة] (‪ُ { )4‬يسَبّحُونَ اللّ ْي َ‬
‫َيفْتُرُونَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬أو عزيز"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )3/201‬والطحاوي في مشكل الثار برقم (‪ )1134‬من‬
‫طريق عبد الوهاب بن عطاء به ‪ ،‬وله شاهد من حديث أبي ذر الغفاري أخرجه الترمذي في‬
‫السنن برقم (‪ )2312‬وقال ‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬محمد بن إسحاق" والمثبت من الطبري ‪.17/70‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/336‬‬

‫أَمِ اتّخَذُوا آَِلهَةً مِنَ الْأَ ْرضِ ُهمْ يُنْشِرُونَ (‪َ )21‬لوْ كَانَ فِي ِهمَا آَِل َهةٌ إِلّا اللّهُ َلفَسَدَتَا َفسُبْحَانَ اللّهِ َربّ‬
‫ل وَهُمْ ُيسْأَلُونَ (‪ )23‬أَمِ اتّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَِل َهةً ُقلْ هَاتُوا‬
‫عمّا َي ْفعَ ُ‬
‫صفُونَ (‪ )22‬لَا يُسَْألُ َ‬
‫عمّا َي ِ‬
‫ا ْلعَرْشِ َ‬
‫حقّ َفهُمْ ُمعْ ِرضُونَ (‪)24‬‬
‫ي وَ ِذكْرُ مَنْ قَبْلِي َبلْ َأكْثَرُهُمْ لَا َيعَْلمُونَ الْ َ‬
‫بُرْهَا َنكُمْ هَذَا ِذكْرُ مَنْ َمعِ َ‬

‫أما يشغلهم عن التسبيح الكلم والرسالة والعمل ؟‪ .‬فقال ‪ :‬فمن هذا الغلم ؟ فقالوا ‪ :‬من بني عبد‬
‫المطلب ‪ ،‬قال ‪ :‬فقبل رأسي ‪ ،‬ثم قال لي ‪ :‬يا بني ‪ ،‬إنه جعل لهم التسبيح ‪ ،‬كما جعل لكم النفس ‪،‬‬
‫أليس تتكلم وأنت تتنفس (‪ )1‬وتمشي وأنت تتنفس ؟‪.‬‬
‫سدَتَا فَسُ ْبحَانَ اللّهِ َربّ‬
‫{ َأمِ اتّخَذُوا آِل َهةً مِنَ ال ْرضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (‪َ )21‬لوْ كَانَ فِي ِهمَا آِل َهةٌ إِل اللّهُ َلفَ َ‬
‫عمّا َي ْف َعلُ وَ ُهمْ يُسْأَلُونَ (‪} )23‬‬
‫صفُونَ (‪ )22‬ل يُسَْألُ َ‬
‫عمّا َي ِ‬
‫ا ْلعَرْشِ َ‬
‫ينكر (‪ )2‬تعالى على من اتخذ من دونه آلهة ‪ ،‬فقال ‪ :‬بل { اتّخَذُوا آِلهَةً مِنَ ال ْرضِ هُمْ يُ ْنشِرُونَ }‬
‫أي ‪ :‬أهم يحيون الموتى وينشرونهم من الرض ؟ أي ‪ :‬ل يقدرون على شيء من ذلك‪ .‬فكيف‬
‫جعلوها ل ندًا وعبدوها معه‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى أنه لو كان في الوجود آلهة غيره لفسدت السموات الرض ‪ ،‬فقال { َلوْ كَانَ فِي ِهمَا‬
‫ن وَلَ ٍد َومَا كَانَ‬
‫خذَ اللّهُ مِ ْ‬
‫آِلهَةٌ } أي ‪ :‬في السماء والرض ‪َ { ،‬لفَسَدَتَا } ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬مَا اتّ َ‬
‫صفُونَ }‬
‫عمّا َي ِ‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ سُ ْبحَانَ اللّهِ َ‬
‫ق وََلعَل َب ْع ُ‬
‫َمعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا َلذَ َهبَ ُكلّ إِلَهٍ ِبمَا خَلَ َ‬
‫صفُونَ } أي ‪ :‬عما يقولون إن‬
‫عمّا َي ِ‬
‫[ المؤمنون ‪ ، ]91 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬فَسُ ْبحَانَ اللّهِ َربّ ا ْلعَرْشِ َ‬
‫له ولدًا أو شريكًا ‪ ،‬سبحانه وتعالى وتقدس وتنزه عن الذي يفترون ويأفكون علوًا كبيرًا‪.‬‬
‫عمّا َي ْف َعلُ وَ ُهمْ يُسْأَلُونَ } أي ‪ :‬هو الحاكم الذي ل معقب لحكمه ‪ ،‬ول يعترض‬
‫وقوله ‪ { :‬ل يُسَْألُ َ‬
‫عليه أحد ‪ ،‬لعظمته وجلله وكبريائه ‪ ،‬وعلوه وحكمته وعدله ولطفه ‪ { ،‬وَ ُهمْ يُسْأَلُونَ } أي ‪ :‬وهو‬
‫عمّا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } [ الحجر ‪، 92 :‬‬
‫ج َمعِينَ َ‬
‫سائل خلقه عما يعملون ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬فوَرَ ّبكَ لَنَسْأَلَ ّن ُهمْ أَ ْ‬
‫‪ ]93‬وهذا كقوله تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ ُيجِي ُر وَل ُيجَارُ عَلَ ْيهِ } [ المؤمنون ‪.]88 :‬‬
‫{ َأمِ اتّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آِلهَةً ُقلْ هَاتُوا بُرْهَا َن ُكمْ َهذَا ِذكْرُ مَنْ َم ِعيَ وَ ِذكْرُ مَنْ قَبْلِي َبلْ َأكْثَرُ ُه ْم ل‬
‫َيعَْلمُونَ ا ْلحَقّ َفهُمْ ُمعْ ِرضُونَ (‪} )24‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وأنت تمشي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬فينكر"‪.‬‬

‫( ‪)5/337‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َومَا أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ رَسُولٍ إِلّا نُوحِي إِلَ ْيهِ أَنّهُ لَا إِلَهَ إِلّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (‪)25‬‬

‫{ َومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ رَسُولٍ إِل نُوحِي إِلَ ْيهِ أَنّهُ ل إَِلهَ إِل أَنَا فَاعْبُدُونِ (‪} )25‬‬
‫خذُوا مِنْ دُونِهِ آِلهَةً ُقلْ } يا محمد ‪ { :‬هَاتُوا بُ ْرهَا َنكُمْ } أي ‪ :‬دليلكم على ما‬
‫يقول تعالى ‪ :‬بل { اتّ َ‬
‫تقولون ‪ { ،‬هَذَا ِذكْرُ مَنْ َم ِعيَ } يعني ‪ :‬القرآن ‪ { ،‬وَ ِذكْرُ مَنْ قَبْلِي } يعني ‪ :‬الكتب المتقدمة على‬
‫خلف ما تقولون وتزعمون ‪ ،‬فكل كتاب أنزل على كل نبي أرسل ‪ ،‬ناطق بأنه ل إله إل ال ‪،‬‬
‫ولكن أنتم أيها المشركون ل تعلمون الحق ‪ ،‬فأنتم معرضون عنه ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ‬
‫قَبِْلكَ مِنْ رَسُولٍ إِل يُوحَى (‪ )1‬إِلَيْهِ أَنّهُ ل إِلَهَ إِل أَنَا فَاعْبُدُونِ } ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَاسَْألْ مَنْ أَرْسَلْنَا‬
‫حمَنِ آِل َهةً ُيعْبَدُونَ } [الزخرف ‪، ]45 :‬‬
‫جعَلْنَا مِنْ دُونِ الرّ ْ‬
‫مِنْ قَبِْلكَ مِنْ رُسُلِنَا َأ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نوحي"‪.‬‬

‫( ‪)5/337‬‬

‫ل وَهُمْ بَِأمْ ِرهِ َي ْعمَلُونَ (‬


‫ن وَلَدًا سُبْحَا َنهُ َبلْ عِبَادٌ ُمكْ َرمُونَ (‪ )26‬لَا يَسْ ِبقُونَهُ بِا ْل َقوْ ِ‬
‫حمَ ُ‬
‫َوقَالُوا اتّخَذَ الرّ ْ‬
‫شفِقُونَ (‪)28‬‬
‫ش َفعُونَ إِلّا ِلمَنِ ارْ َتضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَ ِتهِ مُ ْ‬
‫‪َ )27‬يعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْلفَهُمْ وَلَا َي ْ‬
‫جهَنّمَ َكذَِلكَ نَجْزِي الظّاِلمِينَ (‪َ )29‬أوَلَمْ يَرَ الّذِينَ‬
‫َومَنْ َي ُقلْ مِ ْنهُمْ إِنّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَِلكَ َنجْزِيهِ َ‬
‫حيّ َأفَلَا ُي ْؤمِنُونَ (‬
‫شيْءٍ َ‬
‫جعَلْنَا مِنَ ا ْلمَاءِ ُكلّ َ‬
‫ت وَالْأَ ْرضَ كَانَتَا رَ ْتقًا فَفَ َتقْنَا ُهمَا وَ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫َكفَرُوا أَنّ ال ّ‬
‫جعَلْنَا‬
‫جعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا َلعَّلهُمْ َيهْتَدُونَ (‪ )31‬وَ َ‬
‫سيَ أَنْ َتمِيدَ ِب ِه ْم وَ َ‬
‫جعَلْنَا فِي الْأَ ْرضِ َروَا ِ‬
‫‪ )30‬وَ َ‬
‫شمْسَ‬
‫ل وَال ّنهَا َر وَال ّ‬
‫حفُوظًا وَ ُهمْ عَنْ آَيَا ِتهَا ُمعْ ِرضُونَ (‪ )32‬وَ ُهوَ الّذِي خََلقَ اللّ ْي َ‬
‫سقْفًا مَ ْ‬
‫سمَاءَ َ‬
‫ال ّ‬
‫وَا ْلقَمَرَ ُكلّ فِي فََلكٍ َيسْبَحُونَ (‪)33‬‬

‫وقال ‪ { :‬وََلقَدْ َبعَثْنَا فِي ُكلّ ُأمّةٍ َرسُول أَنِ اُعْ ُبدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ } [ النحل ‪ ، ]36 :‬فكل‬
‫نبي بعثه ال يدعو إلى عبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬والفطرة شاهدة بذلك أيضا ‪ ،‬والمشركون ل‬
‫برهان لهم ‪ ،‬وحجتهم داحضة عند ربهم ‪ ،‬وعليهم غضب ‪ ،‬ولهم عذاب شديد‪.‬‬
‫ل وَهُمْ بَِأمْ ِرهِ َي ْعمَلُونَ (‬
‫ن وَلَدًا سُ ْبحَانَهُ َبلْ عِبَادٌ ُمكْ َرمُونَ (‪ )26‬ل يَسْ ِبقُونَهُ بِا ْل َقوْ ِ‬
‫حمَ ُ‬
‫خذَ الرّ ْ‬
‫{ َوقَالُوا اتّ َ‬
‫شفِقُونَ (‪)28‬‬
‫ش َفعُونَ إِل ِلمَنِ ارْ َتضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَ ِتهِ مُ ْ‬
‫‪َ )27‬يعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْلفَهُمْ وَل يَ ْ‬
‫جهَنّمَ َكذَِلكَ نَجْزِي الظّاِلمِينَ (‪.} )29‬‬
‫َومَنْ َي ُقلْ مِ ْنهُمْ إِنّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَِلكَ َنجْزِيهِ َ‬
‫يقول تعالى ردًا على من زعم أن له ‪ -‬تعالى وتقدس ‪ -‬ولدًا من الملئكة ‪ ،‬كمن قال ذلك من‬
‫العرب ‪ :‬إن الملئكة بنات ال ‪ ،‬فقال ‪ { :‬سُ ْبحَانَهُ َبلْ عِبَادٌ ُمكْ َرمُونَ } أي ‪ :‬الملئكة عباد ال‬
‫مكرمون عنده ‪ ،‬في منازل عالية ومقامات سامية ‪ ،‬وهم له في غاية الطاعة قول وفعل‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل وَهُمْ بَِأمْ ِرهِ َي ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬ل يتقدمون بين يديه بأمر ‪ ،‬ول يخالفونه فيما أمر‬
‫{ ل يَسْ ِبقُونَهُ بِا ْل َقوْ ِ‬
‫(‪ )1‬به بل يبادرون إلى فعله ‪ ،‬وهو تعالى عِلْمه محيط بهم ‪ ،‬فل يخفى عليه منهم خافية ‪َ { ،‬يعْلَمُ‬
‫مَا بَيْنَ أَيْدِي ِه ْم َومَا خَ ْل َفهُمْ }‬
‫شفَعُ عِنْ َدهُ إِل بِِإذْنِهِ } [ البقرة ‪:‬‬
‫ش َفعُونَ إِل ِلمَنِ ارْ َتضَى } كقوله ‪ { :‬مَنْ ذَا الّذِي يَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل يَ ْ‬
‫شفَاعَةُ عِنْ َدهُ إِل ِلمَنْ أَذِنَ َلهُ } [سبأ ‪ ، ]23 :‬في آيات كثيرة في معنى‬
‫‪ ، ]255‬وقوله ‪ { :‬وَل تَ ْنفَعُ ال ّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫شفِقُونَ َومَنْ َي ُقلْ مِ ْن ُهمْ إِنّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ } أي ‪ :‬من‬
‫خشْيَتِهِ } أي ‪ :‬من خوفه ورهبته { ُم ْ‬
‫{ وَ ُهمْ مِنْ َ‬
‫جهَنّمَ َكذَِلكَ نَجْزِي الظّاِلمِينَ } أي ‪:‬‬
‫ادعى منهم أنه إله من دون ال ‪ ،‬أي ‪ :‬مع ال ‪ { ،‬فَذَِلكَ َنجْزِيهِ َ‬
‫ن وََلدٌ فَأَنَا‬
‫حمَ ِ‬
‫كل من قال ذلك ‪ ،‬وهذا شرط ‪ ،‬والشرط ل يلزم وقوعه ‪ ،‬كقوله ‪ُ { :‬قلْ إِنْ كَانَ لِلرّ ْ‬
‫عمَُلكَ } [الزمر ‪.]65 :‬‬
‫َأ ّولُ ا ْلعَا ِبدِينَ } [الزخرف ‪ ، ]81 :‬وقوله { لَئِنْ َأشْ َر ْكتَ لَيَحْ َبطَنّ َ‬
‫حيّ‬
‫شيْءٍ َ‬
‫جعَلْنَا مِنَ ا ْلمَاءِ ُكلّ َ‬
‫ت وَال ْرضَ كَانَتَا رَ ْتقًا َففَتَقْنَا ُهمَا وَ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ َأوََلمْ يَرَ الّذِينَ كَفَرُوا أَنّ ال ّ‬
‫جعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُل َلعَّل ُهمْ َيهْتَدُونَ‬
‫سيَ أَنْ َتمِيدَ ِب ِه ْم وَ َ‬
‫جعَلْنَا فِي ال ْرضِ َروَا ِ‬
‫َأفَل ُي ْؤمِنُونَ (‪ )30‬وَ َ‬
‫حفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَا ِتهَا ُمعْ ِرضُونَ (‪ )32‬وَ ُهوَ الّذِي خَلَقَ اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ‬
‫س ْقفًا َم ْ‬
‫سمَاءَ َ‬
‫جعَلْنَا ال ّ‬
‫(‪ )31‬وَ َ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ ُكلّ فِي فََلكٍ يَسْ َبحُونَ (‪.} )33‬‬
‫شمْ َ‬
‫وَال ّ‬
‫يقول تعالى منبهًا على قدرته التامة ‪ ،‬وسلطانه العظيم في خلقه الشياء ‪ ،‬وقهره لجميع المخلوقات‬
‫‪ ،‬فقال ‪َ { :‬أوَلَمْ يَرَ الّذِينَ َكفَرُوا } أي ‪ :‬الجاحدون للهيته العابدون (‪ )2‬معه غيره ‪ ،‬ألم يعلموا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أمرهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬العابدين"‪.‬‬

‫( ‪)5/338‬‬

‫أن ال هو المستقل بالخلق ‪ ،‬المستبد بالتدبير ‪ ،‬فكيف يليق أن يعبد غيره أو يشرك به ما سواه ‪،‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضَ كَانَتَا رَ ْتقًا } أي ‪ :‬كان الجميع متصل بعضه ببعض‬
‫ألم (‪ )1‬يروا { أَنّ ال ّ‬
‫متلصق متراكم ‪ ،‬بعضه فوق بعض في ابتداء المر ‪ ،‬ففتق هذه من هذه‪ .‬فجعل السموات سبعًا ‪،‬‬
‫والرض (‪ )2‬سبعًا ‪ ،‬وفصل بين سماء الدنيا والرض بالهواء ‪ ،‬فأمطرت السماء وأنبتت الرض‬
‫حيّ َأفَل ُي ْؤمِنُونَ } أي ‪ :‬وهم يشاهدون المخلوقات‬
‫شيْءٍ َ‬
‫جعَلْنَا مِنَ ا ْلمَاءِ ُكلّ َ‬
‫؛ ولهذا قال ‪َ { :‬و َ‬
‫تحدث شيئًا فشيئًا عيانًا ‪ ،‬وذلك دليل على وجود الصانع الفاعل المختار القادر على ما يشاء ‪َ :‬ففِي‬
‫ُكلّ شيء لَهُ آيَة‪ ...‬تَ ُدلّ علَى أنّه وَاحد‪...‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عكرمة قال ‪ :‬سئل ابن عباس ‪ :‬الليل كان قبل أو النهار ؟‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فقال ‪ :‬أرأيتم السموات والرض حين كانتا رتقًا ‪ ،‬هل كان بينهما إل ظلمة ؟ ذلك لتعلموا أن الليل‬
‫قبل النهار‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن أبي حمزة ‪ ،‬حدثنا حاتم ‪ ،‬عن حمزة بن أبي‬
‫محمد ‪ ،‬عن عبد ال بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن رجل أتاه يسأله عن السموات والرض { كَانَتَا‬
‫رَ ْتقًا َففَ َتقْنَا ُهمَا } ؟‪ .‬قال ‪ :‬اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله ‪ ،‬ثم تعال فأخبرني بما قال لك‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فذهب إلى ابن عباس فسأله‪ .‬فقال ابن عباس ‪ :‬نعم ‪ ،‬كانت السموات رتقًا ل تمطر ‪ ،‬وكانت‬
‫الرض رتقًا ل تنبت‪.‬‬
‫فلما خلق للرض أهل فتق هذه بالمطر ‪ ،‬وفتق هذه بالنبات‪ .‬فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره ‪،‬‬
‫فقال ابن عمر ‪ :‬الن قد علمت أن ابن عباس قد أوتي في القرآن علمًا ‪ ،‬صدق ‪ -‬هكذا كانت‪ .‬قال‬
‫ابن عمر ‪ :‬قد كنت أقول ‪ :‬ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن ‪ ،‬فالن قد علمت أنه‬
‫قد أوتي في القرآن علمًا‪.‬‬
‫وقال عطية ال َعوْفي ‪ :‬كانت هذه رتقًا ل تمطر ‪ ،‬فأمطرت‪ .‬وكانت هذه رتقًا ل تنبت ‪ ،‬فأنبتت‪.‬‬
‫ت وَال ْرضَ كَانَتَا‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫وقال إسماعيل بن أبي خالد ‪ :‬سألت أبا صالح الح َنفِي عن قوله ‪ { :‬أَنّ ال ّ‬
‫رَ ْتقًا َففَ َتقْنَا ُهمَا } ‪ ،‬قال ‪ :‬كانت السماء واحدة ‪ ،‬ففتق منها سبع سماوات ‪ ،‬وكانت الرض واحدة‬
‫ففتق منها سبع أرضين‪.‬‬
‫وهكذا قال مجاهد ‪ ،‬وزاد ‪ :‬ولم تكن السماء والرض متماستين‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬بل كانت السماء والرض ملتزقتين ‪ ،‬فلما رفع السماء وأبرز منها‬
‫الرض ‪ ،‬كان ذلك فتقهما الذي ذكر ال في كتابه‪ .‬وقال الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬كانتا جميعًا ‪ ،‬ففصل‬
‫بينهما بهذا الهواء‪.‬‬
‫حيّ } أي ‪ :‬أصل كل الحياء منه‪.‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫جعَلْنَا مِنَ ا ْلمَاءِ ُكلّ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أولم"‪".‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والرضين"‪.‬‬

‫( ‪)5/339‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الجماهر (‪ ، )1‬حدثنا سعيد بن بشير ‪ ،‬حدثنا قتادة عن‬
‫أبي ميمونة (‪ ، )2‬عن أبي هريرة أنه قال ‪ :‬يا نبي ال إذا رأيتك قرت عيني ‪ ،‬وطابت نفسي ‪،‬‬
‫فأخبرني عن كل شيء ‪ ،‬قال ‪" :‬كل شيء خلق من ماء"‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أبي ميمونة ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني إذا رأيتك طابت نفسي ‪ ،‬وقرت عيني ‪ ،‬فأنبئني عن كل شيء‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"كل شيء خلق من ماء" قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أنبئني عن أمر إذا عملتُ به دخلت الجنة‪ .‬قال ‪" :‬أفْش‬
‫السلم ‪ ،‬وأطعم الطعام ‪ ،‬وصِل الرحام ‪ ،‬وقم بالليل والناس نيام ‪ ،‬ثم ادخل الجنّة بسلم" (‪.)3‬‬
‫ورواه أيضا عبد الصمد وعفان و َبهْز ‪ ،‬عن همام (‪ .)4‬تفرد به أحمد ‪ ،‬وهذا إسناد على شرط‬
‫الصحيحين ‪ ،‬إل أن أبا ميمونة من رجال السنن ‪ ،‬واسمه سليم ‪ ،‬والترمذي يصحح له‪ .‬وقد رواه‬
‫سعيد بن أبي عَرُوبة ‪ ،‬عن قتادة مرسل وال (‪ )5‬أعلم‪.‬‬
‫سيَ } أي ‪ :‬جبال أرسى الرض بها وقرّرها وثقلها ؛ لئل تميد‬
‫جعَلْنَا فِي ال ْرضِ َروَا ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫بالناس ‪ ،‬أي ‪ :‬تضطرب وتتحرك ‪ ،‬فل يحصل لهم عليها قرار (‪ )6‬لنها غامرة في الماء إل‬
‫مقدار الربع ‪ ،‬فإنه باد للهواء والشمس ‪ ،‬ليشاهد أهلها السماء وما فيها من اليات الباهرات ‪،‬‬
‫والحكم والدللت ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَنْ َتمِيدَ ِبهِمْ } أي ‪ :‬لئل تميد بهم‪.‬‬
‫جعَلْنَا فِيهَا ِفجَاجًا سُبُل } أي ‪ :‬ثغرًا في الجبال ‪ ،‬يسلكون فيها طرقًا من قطر إلى قطر‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫‪ ،‬وإقليم إلى إقليم ‪ ،‬كما هو المشاهد في الرض ‪ ،‬يكون الجبل حائل بين هذه البلد وهذه البلد ‪،‬‬
‫فيجعل ال فيه فجوة ‪ -‬ثغرة ‪ -‬ليسلك الناس فيها من هاهنا إلى هاهنا ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬لعَّلهُمْ‬
‫َيهْتَدُونَ }‪.‬‬
‫سمَاءَ‬
‫سقْفًا } أي ‪ :‬على الرض وهي كالقبة عليها ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَال ّ‬
‫سمَاءَ َ‬
‫جعَلْنَا ال ّ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫سمَا ِء َومَا بَنَاهَا } [الشمس ‪، ]5 :‬‬
‫سعُونَ } [الذاريات ‪ ، ]47 :‬وقال ‪ { :‬وَال ّ‬
‫بَنَيْنَاهَا بِأَ ْي ٍد وَإِنّا َلمُو ِ‬
‫سمَاءِ َف ْو َقهُمْ كَ ْيفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا َومَا َلهَا مِنْ فُرُوجٍ } [ق ‪ ، ]6 :‬والبناء هو‬
‫{ َأفََلمْ يَنْظُرُوا ِإلَى ال ّ‬
‫نصب القبة ‪ ،‬كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بُنِي السلم على خمس" أي ‪ :‬خمس (‪)7‬‬
‫دعائم ‪ ،‬وهذا ل يكون إل في الخيام ‪ ،‬على ما (‪ )8‬تعهده العرب‪.‬‬
‫حفُوظًا } أي ‪ :‬عاليًا محروسًا أن يُنال‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬مرفوعا‪.‬‬
‫{ مّ ْ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدّشْتَكي ‪ ،‬حدثني‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الجماهير"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبي ميمون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )2/295‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )4/129‬من طريق يزيد بن هارون وصححه‪.‬‬
‫ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (‪" )642‬موارد" من طريق أبي عامر العقدي عن همام به‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )493 - 2/323‬من طريق عبد الصمد ‪ )2/323( ،‬من طريق عفان ‪ )2/324( ،‬من‬
‫طريق بهز‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )5/16‬رجاله رجال الصحيح ‪ ،‬خل أبي ميمونة وهو‬
‫ثقة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬فال"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬قرار عليها"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬خمسة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ " :‬كما"‪.‬‬

‫( ‪)5/340‬‬

‫جعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبِْلكَ الْخُ ْلدَ َأفَإِنْ ِمتّ َفهُمُ ا ْلخَالِدُونَ (‪ُ )34‬كلّ َنفْسٍ ذَا ِئقَةُ ا ْل َم ْوتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشّرّ‬
‫َومَا َ‬
‫جعُونَ (‪)35‬‬
‫وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْ َ‬

‫أبي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أشعث ‪ -‬يعني ابن إسحاق ال ُقمّي ‪ -‬عن جعفر بن أبي المغيرة ‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما هذه السماء ‪ ،‬قال ‪" :‬موج مكفوف‬
‫عنكم" (‪ )1‬إسناد غريب‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ َيمُرّونَ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهمْ عَنْ آيَا ِتهَا ُمعْ ِرضُونَ } ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ آيَةٍ فِي ال ّ‬
‫عَلَ ْيهَا وَهُمْ عَ ْنهَا ُمعْ ِرضُونَ } [يوسف ‪ ]105 :‬أي ‪ :‬ل يتفكرون فيما خلق ال فيها من التساع‬
‫العظيم ‪ ،‬والرتفاع الباهر ‪ ،‬وما زينت به من الكواكب الثوابت والسيارات في ليلها ‪ ،‬وفي نهارها‬
‫(‪ )2‬من هذه الشمس التي تقطع الفلك بكماله ‪ ،‬في يوم وليلة فتسير غاية ل يعلم قدرها إل الذي (‬
‫‪ )3‬قدرها وسخرها وسيرها‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن أبي الدنيا ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في كتابه "التفكر والعتبار" ‪ :‬أن بعض عباد بني إسرائيل‬
‫تعبد ثلثين سنة ‪ ،‬وكان الرجل منهم إذا تعبد ثلثين سنة أظلته غمامة ‪ ،‬فلم ير ذلك الرجل شيئًا‬
‫مما كان يرى لغيره ‪ ،‬فشكى ذلك إلى أمه ‪ ،‬فقالت له ‪ :‬يا بني ‪ ،‬فلعلك أذنبت في مدة عبادتك‬
‫هذه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل وال ما أعلم ‪ ،‬قالت ‪ :‬فلعلك هممت ؟ قال ‪ :‬ل (‪ )4‬ول هممت‪ .‬قالت ‪ :‬فلعلك‬
‫رفعت بصرك إلى السماء ثم رددته بغير فكر ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬كثيرًا‪ .‬قالت ‪ :‬فمن هاهنا أتيت‪.‬‬
‫ل وَال ّنهَارَ } أي ‪ :‬هذا في ظلمه وسكونه ‪،‬‬
‫ثم قال منبهًا على بعض آياته ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي خَلَقَ اللّ ْي َ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ } هذه‬
‫شمْ َ‬
‫وهذا بضيائه وأنسه ‪ ،‬يطول هذا تارة ثم يقصر أخرى ‪ ،‬وعكسه الخر‪ { .‬وَال ّ‬
‫لها نور يخصها ‪ ،‬وفلك بذاته ‪ ،‬وزمان على حدة ‪ ،‬وحركة وسير خاص ‪ ،‬وهذا بنور خاص‬
‫آخر ‪ ،‬وفلك آخر ‪ ،‬وسير آخر ‪ ،‬وتقدير آخر ‪َ { ،‬وكُلّ فِي فََلكٍ يَسْبَحُونَ } [ يس ‪ ، ]40 :‬أي ‪:‬‬
‫يدورون‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬يدورون كما يدور المغزل في الفلكة‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ :‬فل يدور المغزل إل‬
‫بالفلكة ‪ ،‬ول الفلكة إل بالمغزل ‪ ،‬كذلك النجوم والشمس والقمر ‪ ،‬ل يدورون إل به ‪ ،‬ول يدور إل‬
‫حسْبَانًا ذَِلكَ َتقْدِيرُ‬
‫شمْسَ وَالْ َقمَرَ ُ‬
‫سكَنًا وَال ّ‬
‫ج َعلَ اللّ ْيلَ َ‬
‫ح وَ َ‬
‫ق الصْبَا ِ‬
‫بهن ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَالِ ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ } [ النعام ‪.]96 :‬‬
‫جعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبِْلكَ ا ْلخُلْدَ َأفَإِنْ ِمتّ َفهُمُ الْخَاِلدُونَ (‪ُ )34‬كلّ َنفْسٍ ذَا ِئقَةُ ا ْل َم ْوتِ وَنَبْلُوكُمْ‬
‫{ َومَا َ‬
‫جعُونَ (‪.} )35‬‬
‫بِالشّ ّر وَا ْلخَيْرِ فِتْنَ ًة وَإِلَيْنَا تُ ْر َ‬
‫جعَلْنَا لِ َبشَرٍ مِنْ قَبِْلكَ } أي ‪ :‬يا محمد ‪ { ،‬ا ْلخُلْدَ } أي ‪ :‬في الدنيا بل { ُكلّ مَنْ‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫ل وَالكْرَامِ } [ الرحمن ‪.]27 ، 26 :‬‬
‫ن وَيَ ْبقَى وَجْهُ رَ ّبكَ ذُو الْجَل ِ‬
‫عَلَ ْيهَا فَا ٍ‬
‫وقد استدل بهذه الية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الخضر ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مات وليس‬
‫جعَلْنَا لِ َبشَرٍ‬
‫بحي إلى الن ؛ لنه بشر ‪ ،‬سواء كان وليًا أو نبيًا أو رسول وقد قال تعالى ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫مِنْ قَبِْلكَ الْخُ ْلدَ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم (‪ )539‬من طريق أحمد بن القاسم عن أحمد بن عبد‬
‫الرحمن الدشتكي به‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬النهار"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بل وال"‪.‬‬

‫( ‪)5/341‬‬

‫وقوله ‪َ { :‬أفَإِنْ ِمتّ } أي ‪ :‬يا محمد ‪َ { ،‬ف ُهمُ الْخَاِلدُونَ } ؟! أي ‪ :‬يؤملون أن يعيشوا بعدك ‪ ،‬ل‬
‫يكون هذا ‪ ،‬بل كل إلى فناء ؛ ولهذا قال ‪ُ { :‬كلّ َنفْسٍ ذَا ِئقَةُ ا ْل َم ْوتِ } ‪ ،‬وقد روي عن الشافعي ‪،‬‬
‫رحمه ال ‪ ،‬أنه أنشد واستشهد بهذين البيتين ‪ :‬تمنى رجال أن أموت وإن أمت فَت ْلكَ سَبيل َلسْت‬
‫فيهَا بأوْحد‬
‫فقُلْ للّذي يَبْغي خلف الذي مضى ‪َ :‬تهَيّأ لخْرى مثْلها فكَأن قد (‪)1‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَنَبْلُوكُمْ بِالشّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } أي ‪ :‬نختبركم بالمصائب تارة ‪ ،‬وبالنعم أخرى ‪ ،‬لننظر‬
‫من يشكر ومن يكفر ‪ ،‬ومن يصبر ومن يقنط ‪ ،‬كما قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫{ ونبلوكم } ‪ ،‬يقول ‪ :‬نبتليكم بالشر والخير فتنة ‪ ،‬بالشدة والرخاء ‪ ،‬والصحة والسقم ‪ ،‬والغنى‬
‫والفقر ‪ ،‬والحلل والحرام ‪ ،‬والطاعة والمعصية والهدى والضلل‪..‬‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬فنجازيكم بأعمالكم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِلَيْنَا تُ ْر َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيتان ذكرهما البيهقي في مناقب الشافعي (‪ )2/62‬والرازي في مناقب الشافعي (ص ‪.)119‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/342‬‬

‫حمَنِ ُهمْ كَافِرُونَ‬


‫خذُو َنكَ ِإلّا هُ ُزوًا أَ َهذَا الّذِي َي ْذكُرُ آَِلهَ َتكُمْ وَهُمْ ِب ِذكْرِ الرّ ْ‬
‫وَإِذَا َر َآكَ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ يَتّ ِ‬
‫جلٍ سَأُرِي ُكمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْ َت ْعجِلُونِ (‪)37‬‬
‫(‪ )36‬خُِلقَ الْإِ ْنسَانُ مِنْ عَ َ‬

‫حمَنِ هُمْ‬
‫{ وَإِذَا رَآكَ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ يَتّخِذُو َنكَ إِل هُ ُزوًا أَ َهذَا الّذِي يَ ْذكُرُ آِلهَ َت ُك ْم وَهُمْ ِب ِذكْرِ الرّ ْ‬
‫جلٍ سَأُرِي ُكمْ آيَاتِي فَل تَسْ َت ْعجِلُونِ (‪.} )37‬‬
‫كَافِرُونَ (‪ )36‬خُلِقَ النْسَانُ مِنْ عَ َ‬
‫يقول تعالى لنبيه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ { ،‬وَإِذَا رَآكَ الّذِينَ كَفَرُوا } يعني ‪ :‬كفار قريش‬
‫كأبي جهل وأشباهه { إِنْ يَتّخِذُو َنكَ إِل هُ ُزوًا } أي ‪ :‬يستهزئون بك وينتقصونك ‪ ،‬يقولون ‪ { :‬أَ َهذَا‬
‫الّذِي َي ْذكُرُ آِلهَ َتكُمْ } يعنون ‪ :‬أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلمكم ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬وَ ُهمْ بِ ِذكْرِ‬
‫حمَنِ هُمْ كَافِرُونَ } أي ‪ :‬وهم كافرون بال ‪ ،‬ومع هذا يستهزئون برسول ال ‪ ،‬كما قال في‬
‫الرّ ْ‬
‫الية الخرى ‪ { :‬وَإِذَا رََأ ْوكَ إِنْ يَتّخِذُو َنكَ إِل هُ ُزوًا أَهَذَا الّذِي َب َعثَ اللّهُ رَسُول‪ .‬إِنْ كَادَ لَ ُيضِلّنَا عَنْ‬
‫ضلّ سَبِيل } [ الفرقان ‪:‬‬
‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ حِينَ يَ َروْنَ ا ْلعَذَابَ مَنْ َأ َ‬
‫ن صَبَرْنَا عَلَ ْيهَا وَ َ‬
‫آِلهَتِنَا َلوْل أَ ْ‬
‫‪.]42 ، 41‬‬
‫جلٍ } ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪َ { :‬وكَانَ (‪ )1‬النْسَانُ عَجُول }‬
‫وقوله ‪ { :‬خُلِقَ النْسَانُ مِنْ عَ َ‬
‫[السراء ‪ ]11 :‬أي ‪ :‬في المور‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬خلق ال آدم بعد كل شيء من آخر النهار ‪ ،‬من يوم خلق الخلئق فلما أحيا الروح‬
‫عينيه ولسانه ورأسه ‪ ،‬ولم يبلغ (‪ )2‬أسفله قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬استعجل بخلقي قبل غروب الشمس‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سِنَان ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أنبأنا محمد بن علقمة بن‬
‫وقاص الليثي ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"خير يوم طلعت فيه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وخلق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬تبلغ"‪.‬‬

‫( ‪)5/342‬‬

‫ن وُجُو ِههِمُ‬
‫وَيَقُولُونَ مَتَى َهذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪َ )38‬لوْ َيعَْلمُ الّذِينَ َكفَرُوا حِينَ لَا َيكُفّونَ عَ ْ‬
‫ظهُورِهِ ْم وَلَا ُهمْ يُ ْنصَرُونَ (‪َ )39‬بلْ تَأْتِيهِمْ َبغْتَةً فَتَ ْبهَ ُتهُمْ فَلَا َيسْتَطِيعُونَ رَدّهَا وَلَا هُمْ‬
‫النّا َر وَلَا عَنْ ُ‬
‫يُنْظَرُونَ (‪)40‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الشمس يوم الجمعة ‪ ،‬فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة ‪ ،‬وفيه أهبط منها ‪ ،‬وفيه تقوم الساعة ‪ ،‬وفيه‬
‫ساعة ل يوافقها مؤمن يصلي ‪ -‬وقبض أصابعه قَلّلَها (‪ - )1‬فسأل ال خيرًا ‪ ،‬إل أعطاه إياه"‪ .‬قال‬
‫أبو سلمة ‪ :‬فقال عبد ال بن سلم ‪ :‬قد عرفت تلك الساعة ‪ ،‬وهي آخر ساعات النهار من يوم‬
‫جلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي‬
‫الجمعة ‪ ،‬وهي التي خلق ال فيها آدم ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬خُلِقَ النْسَانُ مِنْ عَ َ‬
‫فَل تَسْ َتعْجِلُونِ } (‪.)2‬‬
‫والحكمة في ذكر عجلة النسان هاهنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول ‪ ،‬صلوات ال [وسلمه] (‬
‫‪ )3‬عليه ‪ ،‬وقع في النفوس سرعة النتقام منهم واستعجلت (‪ ، )4‬فقال ال تعالى ‪ { :‬خُِلقَ النْسَانُ‬
‫جلٍ } ؛ لنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ‪ ،‬يؤجل ثم يعجل ‪ ،‬وينظر ثم ل يؤخر‬
‫مِنْ عَ َ‬
‫؛ ولهذا قال ‪ { :‬سَُأوْرِيكُمْ آيَاتِي } أي ‪ :‬نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني ‪ { ،‬فَل‬
‫تَسْ َتعْجِلُونِ }‪.‬‬
‫ن وُجُو ِههِمُ‬
‫{ وَ َيقُولُونَ مَتَى هَذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَا ِدقِينَ (‪َ )38‬لوْ َيعْلَمُ الّذِينَ َكفَرُوا حِينَ ل َيكُفّونَ عَ ْ‬
‫ظهُورِهِ ْم وَل ُهمْ يُ ْنصَرُونَ (‪َ )39‬بلْ تَأْتِيهِمْ َبغْتَةً فَتَ ْبهَ ُتهُمْ فَل يَسْ َتطِيعُونَ رَدّهَا وَل هُمْ‬
‫النّا َر وَل عَنْ ُ‬
‫يُنْظَرُونَ (‪.} )40‬‬
‫يخبر تعالى عن المشركين أنهم يستعجلون أيضًا بوقوع العذاب بهم ‪ ،‬تكذيبًا وجحودًا وكفرًا وعنادًا‬
‫واستبعادًا ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَ َيقُولُونَ مَتَى هَذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَا ِدقِينَ }‬
‫ظهُورِهِمْ } أي ‪:‬‬
‫ن وُجُو ِههِمُ النّا َر وَل عَنْ ُ‬
‫قال ال تعالى ‪َ { :‬لوْ َيعْلَمُ الّذِينَ َكفَرُوا حِينَ ل َي ُكفّونَ عَ ْ‬
‫لو تيقنوا أنها واقعة بهم ل محالة لما استعجلوا ‪ ،‬به ولو يعلمون حين يغشاهم العذاب من فوقهم‬
‫ومن تحت أرجلهم ‪َ { ،‬لهُمْ مِنْ َف ْو ِقهِمْ ظَُللٌ مِنَ النّارِ َومِنْ َتحْ ِتهِمْ ظَُللٌ } [ الزمر ‪َ { ، ]16 :‬لهُمْ مِنْ‬
‫غوَاشٍ } [ العراف ‪ ، ]41 :‬وقال في هذه الية ‪ { :‬حِينَ ل َي ُكفّونَ عَنْ‬
‫جهَنّمَ ِمهَا ٌد َومِنْ َف ْوقِهِمْ َ‬
‫َ‬
‫ن وَ َتغْشَى وُجُو َههُمُ النّارُ } [إبراهيم‬
‫ظهُورِهِمْ } وقال ‪ { :‬سَرَابِيُلهُمْ مِنْ قَطِرَا ٍ‬
‫وُجُو ِههِمُ النّارَ وَل عَنْ ُ‬
‫‪ ، ]50 :‬فالعذاب محيط بهم من جميع جهاتهم ‪ { ،‬وَل هُمْ يُ ْنصَرُونَ } أي ‪ :‬ل ناصر لهم كما قال‬
‫ن وَاقٍ } [الرعد ‪.]34 :‬‬
‫‪َ { :‬ومَا َلهُمْ مِنَ اللّهِ مِ ْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬بلْ تَأْتِيهِمْ َبغْ َتةً } (‪ )5‬أي ‪" :‬تأتيهم النار بغتة" ‪ ،‬أي ‪ :‬فجأة { فَتَ ْبهَ ُتهُمْ } أي ‪ :‬تذعرهم (‬
‫‪ )6‬فيستسلمون لها حائرين ‪ ،‬ل (‪ )7‬يدرون ما يصنعون ‪ { ،‬فَل يَسْ َتطِيعُونَ رَدّهَا } أي ‪ :‬ليس لهم‬
‫حيلة في ذلك ‪ { ،‬وَل ُهمْ يُنْظَرُونَ } أي ‪ :‬ول يؤخر عنهم ذلك ساعة واحدة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬يقللها"‬
‫(‪ )2‬أخرج مالك في الموطأ (‪ )1/108‬من طريق يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي‬
‫سلمة عن أبي هريرة نحوه دون ذكر الية وأخرج الشيخان أوله وال أعلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬واستعجلت ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬بغته فتبهتهم"‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تدعوهم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬حائرون ول"‪.‬‬

‫( ‪)5/343‬‬

‫سخِرُوا مِ ْن ُهمْ مَا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‪ُ )41‬قلْ مَنْ‬
‫سلٍ مِنْ قَبِْلكَ فَحَاقَ بِالّذِينَ َ‬
‫وَلَقَدِ اسْ ُتهْ ِزئَ بِرُ ُ‬
‫حمَنِ َبلْ ُهمْ عَنْ ِذكْرِ رَ ّب ِهمْ ُمعْ ِرضُونَ (‪َ )42‬أمْ َلهُمْ آَِلهَةٌ َتمْ َن ُعهُمْ مِنْ‬
‫ل وَال ّنهَارِ مِنَ الرّ ْ‬
‫َيكَْل ُؤكُمْ بِاللّ ْي ِ‬
‫سهِ ْم وَلَا ُهمْ مِنّا ُيصْحَبُونَ (‪)43‬‬
‫دُونِنَا لَا َيسْتَطِيعُونَ َنصْرَ أَ ْنفُ ِ‬

‫سلٍ مِنْ قَبِْلكَ فَحَاقَ بِالّذِينَ سَخِرُوا مِ ْنهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‪ُ )41‬قلْ مَنْ‬
‫{ وََلقَدِ اسْ ُتهْ ِزئَ بِ ُر ُ‬
‫حمَنِ َبلْ ُهمْ عَنْ ِذكْرِ رَ ّب ِهمْ ُمعْ ِرضُونَ (‪َ )42‬أمْ َلهُمْ آِلهَةٌ َتمْ َن ُعهُمْ مِنْ‬
‫ل وَال ّنهَارِ مِنَ الرّ ْ‬
‫َيكَْل ُؤكُمْ بِاللّ ْي ِ‬
‫سهِ ْم وَل ُهمْ مِنّا ُيصْحَبُونَ (‪.} )43‬‬
‫دُونِنَا ل يَسْ َتطِيعُونَ َنصْرَ أَ ْنفُ ِ‬
‫يقول تعالى مسليًا لرسوله [صلوات ال وسلمه عليه] (‪ )1‬عما آذاه به المشركون من الستهزاء‬
‫سلٍ مِنْ قَبِْلكَ فَحَاقَ بِالّذِينَ سَخِرُوا مِ ْنهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْ َتهْزِئُونَ }‬
‫والتكذيب ‪ { :‬وََلقَدِ اسْ ُتهْ ِزئَ بِ ُر ُ‬
‫سلٌ مِنْ قَبِْلكَ‬
‫يعني ‪ :‬من العذاب الذي كانوا يستبعدون وقوعه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ كُذّ َبتْ رُ ُ‬
‫َفصَبَرُوا عَلَى مَا كُذّبُوا وَأُوذُوا حَتّى أَتَاهُمْ َنصْرُنَا وَل مُبَ ّدلَ ِلكَِلمَاتِ اللّ ِه وََلقَدْ جَا َءكَ مِنْ نَبَإِ‬
‫ا ْلمُرْسَلِينَ } [النعام ‪.]34 :‬‬
‫ثم ذكر تعالى نعمته على عبيده في حفظه لهم بالليل والنهار ‪ ،‬وكلءته وحراسته لهم بعينه التي ل‬
‫حمَنِ } ؟ أي ‪ :‬بدل الرحمن بمعني غيره كما‬
‫ل وَال ّنهَارِ مِنَ الرّ ْ‬
‫تنام ‪ ،‬فقال ‪ُ { :‬قلْ مَنْ َيكَْل ُؤكُمْ بِاللّ ْي ِ‬
‫قال الشاعر (‪)2‬‬
‫جَارية لَمْ تَلْبَس المُرقّقا‪ ...‬وَلَم تَذق منَ البُقول الفُسْتُقا‪...‬‬
‫أي ‪ :‬لم تذق بدل البقول الفستق‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪َ { :‬بلْ هُمْ عَنْ ِذكْرِ رَ ّبهِمْ ُمعْرِضُونَ } أي ‪ :‬ل يعترفون (‪ )3‬بنعمه عليهم وإحسانه‬
‫إليهم ‪ ،‬بل يعرضون عن آياته وآلئه ‪ ،‬ثم قال { أَمْ َلهُمْ آِلهَةٌ َتمْ َن ُعهُمْ مِنْ دُونِنَا } استفهام إنكار‬
‫وتقريع وتوبيخ ‪ ،‬أي ‪ :‬ألهم آلهة تمنعهم وتكلؤهم غيرنا ؟ ليس المر كما توهموا ول كما (‪)4‬‬
‫س ِهمْ } أي ‪ :‬هذه [اللهة] (‪ )5‬التي استندوا إليها‬
‫زعموا ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ل يَسْ َتطِيعُونَ َنصْرَ أَ ْنفُ ِ‬
‫غير ال ل يستطيعون نصر أنفسهم‪.‬‬
‫صحَبُونَ } قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَل ُهمْ مِنّا ُيصْحَبُونَ } أي ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل هُمْ مِنّا ُي ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يجارون (‪ )6‬وقال قتادة ل يصحبون [من ال] (‪ )7‬بخير وقال غيره ‪ { :‬وَل ُهمْ مِنّا ُيصْحَبُونَ }‬
‫يمنعون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو أبو نخيلة يعمر بن حزن ‪ ،‬والبيت في اللسان مادة (فسق) وصدره ‪ :‬دسته لم تأكل المرققا‬
‫وقد حمل صاحب اللسان قوله بأنه ظن الفستق من البقول‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل يعرفون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ول قد كما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يجازون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)5/344‬‬

‫صهَا مِنْ أَطْرَا ِفهَا‬


‫َبلْ مَ ّتعْنَا َهؤُلَا ِء وَآَبَا َءهُمْ حَتّى طَالَ عَلَ ْيهِمُ ا ْل ُعمُرُ َأفَلَا يَ َروْنَ أَنّا نَأْتِي الْأَ ْرضَ نَ ْن ُق ُ‬
‫َأ َفهُمُ ا ْلغَالِبُونَ (‪)44‬‬

‫{ َبلْ مَ ّتعْنَا َهؤُل ِء وَآبَا َءهُمْ حَتّى طَالَ عَلَ ْيهِمُ ا ْل ُعمُرُ َأفَل يَ َروْنَ أَنّا نَأْتِي ال ْرضَ نَ ْن ُقصُهَا مِنْ َأطْرَا ِفهَا‬
‫َأ َفهُمُ ا ْلغَالِبُونَ (‪.} )44‬‬

‫( ‪)5/345‬‬

‫عذَابِ‬
‫سمَعُ الصّمّ الدّعَاءَ إِذَا مَا يُ ْنذَرُونَ (‪ )45‬وَلَئِنْ مَسّ ْت ُهمْ َنفْحَةٌ مِنْ َ‬
‫حيِ وَلَا َي ْ‬
‫ُقلْ إِ ّنمَا أُنْذِ ُركُمْ بِا ْلوَ ْ‬
‫سطَ لِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ فَلَا ُتظْلَمُ َنفْسٌ شَيْئًا‬
‫رَ ّبكَ لَ َيقُولُنّ يَا وَيْلَنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ (‪ )46‬وَ َنضَعُ ا ْل َموَازِينَ ا ْلقِ ْ‬
‫وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبّةٍ مِنْ خَ ْر َدلٍ أَتَيْنَا ِبهَا َوكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (‪)47‬‬

‫حةٌ مِنْ عَذَابِ‬


‫سمَعُ الصّمّ الدّعَاءَ إِذَا مَا يُ ْنذَرُونَ (‪ )45‬وَلَئِنْ مَسّ ْتهُمْ َنفْ َ‬
‫ي وَل َي ْ‬
‫حِ‬‫{ ُقلْ إِ ّنمَا أُ ْنذِ ُركُمْ بِا ْلوَ ْ‬
‫سطَ لِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ فَل ُتظْلَمُ َنفْسٌ شَيْئًا‬
‫رَ ّبكَ لَ َيقُولُنّ يَا وَيْلَنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ (‪ )46‬وَ َنضَعُ ا ْل َموَازِينَ ا ْلقِ ْ‬
‫وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبّةٍ مِنْ خَ ْر َدلٍ أَتَيْنَا ِبهَا َوكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (‪.} )47‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن المشركين ‪ :‬إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلل ‪ ،‬أنهم مُتّعوا‬
‫في الحياة الدنيا ‪ ،‬ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم فيه ‪ ،‬فاعتقدوا أنهم على شيء‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صهَا مِنْ َأطْرَا ِفهَا } اختلف المفسرون في‬
‫ثم قال واعظًا لهم ‪َ { :‬أفَل يَ َروْنَ أَنّا نَأْتِي الرْضَ نَ ْن ُق ُ‬
‫حوَْلكُمْ مِنَ‬
‫معناه ‪ ،‬وقد أسلفناه في سورة "الرعد" ‪ ،‬وأحسن ما فسر بقوله تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ أَ ْهَلكْنَا مَا َ‬
‫جعُونَ } [الحقاف ‪.]27 :‬‬
‫ا ْلقُرَى َوصَ ّرفْنَا اليَاتِ َلعَّل ُهمْ يَرْ ِ‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬يعني بذلك ظهور السلم على الكفر‪.‬‬
‫والمعنى ‪ :‬أفل يعتبرون بنصر ال لوليائه على أعدائه ‪ ،‬وإهلكه المم المكذبة والقرى الظالمة ‪،‬‬
‫وإنجائه لعباده المؤمنين ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬أ َف ُهمُ ا ْلغَالِبُونَ } يعني ‪ :‬بل هم المغلوبون السفلون‬
‫الخسرون الرذلون‪.‬‬
‫حيِ } أي ‪ :‬إنما أنا مبلغ (‪ )1‬عن ال ما أنذركم (‪ )2‬به من العذاب‬
‫وقوله ‪ُ { :‬قلْ إِ ّنمَا أُ ْنذِ ُركُمْ بِا ْلوَ ْ‬
‫والنكال ‪ ،‬ليس ذلك إل عما أوحاه ال إليّ ‪ ،‬ولكن ل يجدي هذا عمن أعمى ال بصيرته ‪ ،‬وختم‬
‫سمَعُ الصّمّ الدّعَاءَ إِذَا مَا يُ ْنذَرُونَ }‪.‬‬
‫على سمعه وقلبه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَل َي ْ‬
‫عذَابِ رَ ّبكَ لَ َيقُولُنّ يَا وَيْلَنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ } أي ‪ :‬ولئن مس‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَئِنْ مَسّ ْت ُهمْ َنفْحَةٌ مِنْ َ‬
‫هؤلء المكذبين أدنى شيء من عذاب ال ‪ ،‬ليعترفن بذنوبهم ‪ ،‬وأنهم كانوا ظالمين أنفسهم في‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫ظلَمُ َنفْسٌ شَيْئًا } أي ‪ :‬ونضع الموازين العدل‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َنضَعُ ا ْل َموَازِينَ ا ْلقِسْطَ لِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ فَل تُ ْ‬
‫ليوم القيامة‪ .‬الكثر على أنه إنما هو ميزان واحد ‪ ،‬وإنما جمع باعتبار تعدد العمال الموزونة‬
‫فيه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَل ُتظْلَمُ َنفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبّةٍ مِنْ خَ ْر َدلٍ أَتَيْنَا ِبهَا َوكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } كما قال‬
‫حدًا } [الكهف ‪ ، ]49 :‬وقال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ل يَظِْلمُ مِ ْثقَالَ ذَ ّر ٍة وَإِنْ َتكُ‬
‫تعالى ‪ { :‬وَل َيظْلِمُ رَ ّبكَ أَ َ‬
‫عظِيمًا } [النساء ‪ ، ]40 :‬وقال لقمان ‪ { :‬يَا بُ َنيّ إِ ّنهَا إِنْ َتكُ‬
‫ع ْفهَا وَ ُي ْؤتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا َ‬
‫حسَنَةً ُيضَا ِ‬
‫َ‬
‫سمَاوَاتِ َأوْ فِي ال ْرضِ يَ ْأتِ ِبهَا اللّهُ إِنّ اللّهَ لَطِيفٌ‬
‫مِ ْثقَالَ حَبّةٍ مِنْ خَ ْر َدلٍ فَ َتكُنْ فِي صَخْ َرةٍ َأوْ فِي ال ّ‬
‫خَبِيرٌ } [ لقمان ‪.]16 :‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كلمتان خفيفتان‬
‫على اللسان ‪ ،‬ثقيلتان في الميزان ‪ ،‬حبيبتان إلى الرحمن ‪ :‬سبحان ال وبحمده ‪ ،‬سبحان ال‬
‫العظيم" (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطّاَلقَاني ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪ ،‬عن ليث بن سعد ‪،‬‬
‫حدثني عامر بن يحيى ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن الحبلي ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت عبد ال بن عمرو بن‬
‫العاص يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال عز وجل يستخلص رجل من أمتي‬
‫على رءوس الخلئق يوم القيامة ‪ ،‬فينشر عليه تسعة وتسعين سجل كل سجل مد البصر ‪ ،‬ثم يقول‬
‫أتنكر من هذا شيئًا ؟‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مبلغكم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أنذرتكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )7563‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2694‬‬

‫( ‪)5/345‬‬

‫أظلمتك كتبتي الحافظون ؟ قال ‪ :‬ل يا رب ‪ ،‬قال ‪ :‬أفلك عذر ‪ ،‬أو حسنة ؟" قال ‪ :‬فيبهت الرجل‬
‫فيقول ‪ :‬ل يا رب‪ .‬فيقول ‪ :‬بلى ‪ ،‬إن لك عندنا حسنة واحدة ‪ ،‬ل ظلم اليوم عليك‪ .‬فيخرج له‬
‫بطاقة فيها ‪" :‬أشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن (‪ )1‬محمدًا عبده ورسوله" فيقول ‪ :‬أحضروه ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫يا رب ‪ ،‬ما هذه البطاقة مع هذه السجلت ؟ فيقول ‪ :‬إنك ل تظلم ‪ ،‬قال ‪" :‬فتوضع السجلت في‬
‫كفة [والبطاقة في كفة]" (‪ ، )2‬قال ‪" :‬فطاشت السجلت وثقلت البطاقة" قال ‪" :‬ول يثقل شيء بسم‬
‫ال الرحمن الرحيم" (‪.)3‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث الليث بن سعد ‪ ،‬به ‪ )4( ،‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن عمرو بن يحيى ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن‬
‫الحبلي ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو بن العاص ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬توضع‬
‫الموازين (‪ )5‬يوم القيامة ‪ ،‬فيؤتى بالرجل ‪ ،‬فيوضع في كفة ‪ ،‬فيوضع (‪ )6‬ما أحصى عليه ‪،‬‬
‫فتايل (‪ )7‬به الميزان" قال ‪" :‬فيبعث به إلى النار" قال ‪ :‬فإذا أدبر به إذا (‪ )8‬صائح من عند‬
‫الرحمن عز وجل يقول ‪[ :‬ل تعجلوا] (‪ ، )9‬فإنه قد بقي له ‪ ،‬فيؤتى ببطاقة فيها "ل إله إل ال"‬
‫فتوضع مع الرجل في كفة (‪ )10‬حتى يميل به الميزان" (‪.)11‬‬
‫وقال المام أحمد أيضًا ‪ :‬حدثنا أبو نوح قراد (‪ )12‬أنبأنا ليث بن سعد ‪ ،‬عن مالك بن أنس ‪ ،‬عن‬
‫الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة ؛ أن رجل من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫جلس بين يديه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن لي مملوكين ‪ ،‬يكذبونني ‪ ،‬ويخونونني ‪ ،‬ويعصونني ‪،‬‬
‫وأضربهم وأشتمهم ‪ ،‬فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يحسب ما‬
‫خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم ‪ ،‬إن (‪ )13‬كان عقابك إياهم دون ذنوبهم ‪ ،‬كان فضل لك‬
‫[عليهم] (‪ )14‬وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم ‪ ،‬كان كفافا ل لك ول عليك ‪ ،‬وإن كان عقابك‬
‫إياهم فوق ذنوبهم ‪ ،‬اقتص لهم منك الفضل الذي يبقى (‪ )15‬قبلك"‪ .‬فجعل الرجل يبكي بين يدي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ويهتف ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما له أما يقرأ‬
‫ظلَمُ َنفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِ ْثقَالَ حَبّةٍ مِنْ‬
‫كتاب ال ؟ ‪ { :‬وَ َنضَعُ ا ْل َموَازِينَ ا ْلقِسْطَ لِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ فَل تُ ْ‬
‫خَ ْر َدلٍ أَتَيْنَا ِبهَا َوكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } فقال الرجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما أجد شيئًا خيرًا من فراق‬
‫هؤلء ‪ -‬يعني عبيده ‪ -‬إني أشهدك أنهم أحرار كلهم (‪.)16‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وأشهد أن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)2/213‬‬
‫(‪ )4‬سنن الترمذي برقم (‪ )2639‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)4300‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬يوضع الميزان"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬ويوضع"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬فيمايل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬فإذا"‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬كفته"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪.)2/221‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مرارا"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ف ‪" :‬فإن"‪.‬‬
‫(‪ )14‬زيادة من ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ف ‪" :‬بقي"‪.‬‬
‫(‪ )16‬المسند (‪.)6/280‬‬

‫( ‪)5/346‬‬

‫شوْنَ رَ ّبهُمْ بِا ْلغَ ْيبِ وَ ُهمْ مِنَ‬


‫وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ ا ْلفُ ْرقَانَ َوضِيَا ًء وَ ِذكْرًا لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪ )48‬الّذِينَ يَخْ َ‬
‫شفِقُونَ (‪ )49‬وَهَذَا ِذكْرٌ مُبَا َركٌ أَنْزَلْنَاهُ َأفَأَنْتُمْ لَهُ مُ ْنكِرُونَ (‪ )50‬وََلقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْ َدهُ‬
‫عةِ مُ ْ‬
‫السّا َ‬
‫مِنْ قَ ْبلُ َوكُنّا بِهِ عَاِلمِينَ (‪ )51‬إِذْ قَالَ لِأَبِي ِه َو َقوْمِهِ مَا هَ ِذهِ ال ّتمَاثِيلُ الّتِي أَنْتُمْ َلهَا عَاكِفُونَ (‪ )52‬قَالُوا‬
‫وَجَدْنَا آَبَاءَنَا َلهَا عَا ِبدِينَ (‪ )53‬قَالَ َلقَدْ كُنْتُمْ أَنْ ُت ْم وَآَبَا ُؤكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (‪ )54‬قَالُوا َأجِئْتَنَا بِا ْلحَقّ‬
‫ن وَأَنَا عَلَى ذَِلكُمْ مِنَ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ الّذِي فَطَ َرهُ ّ‬
‫أَمْ أَ ْنتَ مِنَ اللّاعِبِينَ (‪ )55‬قَالَ َبلْ رَ ّب ُكمْ َربّ ال ّ‬
‫الشّا ِهدِينَ (‪)56‬‬

‫ب وَهُمْ‬
‫شوْنَ رَ ّبهُمْ بِا ْلغَ ْي ِ‬
‫ن َوضِيَا ًء وَ ِذكْرًا لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪ )48‬الّذِينَ َيخْ َ‬
‫{ وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ ا ْلفُ ْرقَا َ‬
‫شفِقُونَ (‪ )49‬وَهَذَا ِذكْرٌ مُبَا َركٌ أَنزلْنَاهُ َأفَأَنْتُمْ لَهُ مُ ْنكِرُونَ (‪.} )50‬‬
‫عةِ مُ ْ‬
‫مِنَ السّا َ‬
‫قد تقدم التنبيه على أن ال تعالى كثيرًا ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليهما ‪ ،‬وبين كتابيهما ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ ا ْلفُ ْرقَانَ }‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬يعني ‪:‬‬
‫الكتاب‪ .‬وقال أبو صالح ‪ :‬التوراة ‪ ،‬وقال قتادة ‪ :‬التوراة ‪ ،‬حللها وحرامها ‪ ،‬وما فرق ال بين‬
‫الحق والباطل‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬يعني ‪ :‬النصر‪.‬‬
‫وجامع القول في ذلك ‪ :‬أن الكتب السماوية تشتمل على التفرقة بين الحق والباطل ‪ ،‬والهدى‬
‫والضلل ‪ ،‬والغي والرشاد ‪ ،‬والحلل والحرام ‪ ،‬وعلى ما يحصل نورًا في القلوب ‪ ،‬وهداية‬
‫وخوفًا وإنابة وخشية ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ا ْلفُ ْرقَانَ َوضِيَا ًء وَ ِذكْرًا لِ ْلمُتّقِينَ } أي ‪[ :‬تذكيرًا] (‪ )1‬لهم‬
‫وعظة‪.‬‬
‫ب وَجَاءَ ِبقَلْبٍ‬
‫حمَنَ بِا ْلغَ ْي ِ‬
‫شيَ الرّ ْ‬
‫خِ‬‫شوْنَ رَ ّبهُمْ بِا ْلغَ ْيبِ } كقوله { مَنْ َ‬
‫ثم وصفهم فقال ‪ { :‬الّذِينَ َيخْ َ‬
‫شوْنَ رَ ّبهُمْ بِا ْلغَ ْيبِ َلهُمْ َمغْفِ َر ٌة وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [الملك ‪:‬‬
‫مُنِيبٍ } [ ق ‪ ، ]33 :‬وقوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َيخْ َ‬
‫ش ِفقُونَ } أي ‪ :‬خائفون وجلون‪.‬‬
‫‪ { ، ]12‬وَهُمْ مِنَ السّاعَةِ مُ ْ‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَ َهذَا ِذكْرٌ مُبَا َركٌ أَنزلْنَاهُ } يعني ‪ :‬القرآن العظيم ‪ ،‬الذي ل يأتيه الباطل من بين‬
‫يديه ‪ ،‬ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد ‪َ { ،‬أفَأَنْتُمْ لَهُ مُ ْنكِرُونَ } أي ‪ :‬أفتنكرونه وهو في غاية‬
‫[الجلء] (‪ )2‬والظهور ؟‪.‬‬
‫ل لبِي ِه َو َقوْمِهِ مَا هَ ِذهِ ال ّتمَاثِيلُ الّتِي‬
‫{ وََلقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْ َدهُ مِنْ قَ ْبلُ َوكُنّا بِهِ عَاِلمِينَ (‪ِ )51‬إذْ قَا َ‬
‫أَنْتُمْ َلهَا عَا ِكفُونَ (‪ )52‬قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا َلهَا عَا ِبدِينَ (‪ )53‬قَالَ َلقَدْ كُنْتُمْ أَنْ ُت ْم وَآبَا ُؤكُمْ فِي ضَللٍ‬
‫ت وَال ْرضِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫حقّ أَمْ أَ ْنتَ مِنَ اللعِبِينَ (‪ )55‬قَالَ بَل رَ ّبكُمْ َربّ ال ّ‬
‫مُبِينٍ (‪ )54‬قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْ َ‬
‫ن وَأَنَا عَلَى ذَِل ُكمْ مِنَ الشّاهِدِينَ (‪.} )56‬‬
‫الّذِي َفطَرَهُ ّ‬
‫يخبر تعالى عن خليله إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه آتاه رشده من قبل ‪ ،‬أي ‪ :‬من صغره ألهمه‬
‫حجّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى َق ْومِهِ } [النعام ‪:‬‬
‫الحق والحجة على قومه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَتِ ْلكَ ُ‬
‫‪ ، ]83‬وما يذكر من الخبار عنه (‪ )3‬في إدخال أبيه له في السرب ‪ ،‬وهو رضيع ‪ ،‬وأنه خرج به‬
‫بعد أيام ‪ ،‬فنظر إلى الكوكب والمخلوقات ‪ ،‬فتبصر فيها وما قصه كثير من المفسرين وغيرهم ‪-‬‬
‫فعامتها أحاديث بني إسرائيل ‪ ،‬فما وافق منها الحق مما بأيدينا عن المعصوم قبلناه لموافقته‬
‫الصحيح ‪ ،‬وما خالف شيئًا من ذلك رددناه ‪ ،‬وما ليس فيه موافقة ول مخالفة ل نصدقه ول‬
‫نكذبه ‪ ،‬بل نجعله وفقًا ‪ ،‬وما كان من هذا الضرب منها فقد ترخص كثير من السلف في روايتها ‪،‬‬
‫وكثير من ذلك ما ل فائدة فيه ‪ ،‬ول حاصل له‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬عنه من الخبار"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/347‬‬

‫وَتَاللّهِ لََأكِيدَنّ َأصْنَا َمكُمْ َبعْدَ أَنْ ُتوَلّوا مُدْبِرِينَ (‪)57‬‬

‫مما ينتفع به في الدين‪ .‬ولو كانت فيه فائدة تعود على المكلفين في دينهم لبينته هذه الشريعة الكاملة‬
‫الشاملة‪ .‬والذي نسلكه (‪ )1‬في هذا التفسير العراض عن كثير من الحاديث السرائيلية ‪ ،‬لما‬
‫فيها من تضييع الزمان ‪ ،‬ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم ‪ ،‬فإنهم ل تفرقة (‬
‫‪ )2‬عندهم بين صحيحها وسقيمها كما حرره الئمة الحفاظ المتقنون من هذه المة‪.‬‬
‫والمقصود هاهنا ‪ :‬أن ال تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده ‪ ،‬من قبل ‪ ،‬أي ‪ :‬من قبل ذلك ‪،‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكُنّا بِهِ عَاِلمِينَ } أي ‪ :‬وكان أهل لذلك‪.‬‬
‫ل لبِي ِه َو َق ْومِهِ مَا هَ ِذهِ ال ّتمَاثِيلُ الّتِي أَنْ ُتمْ َلهَا عَا ِكفُونَ } هذا هو الرشد الذي أوتيه‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِذْ قَا َ‬
‫من صغره ‪ ،‬النكار على قومه في عبادة الصنام من دون ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فقال ‪ { :‬مَا هَ ِذهِ‬
‫ال ّتمَاثِيلُ الّتِي أَنْتُمْ َلهَا عَا ِكفُونَ } أي ‪ :‬معتكفون على عبادتها‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد الصباح ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية الضرير ‪ ،‬حدثنا سعد بن‬
‫طريف ‪ ،‬عن الصبغ بن نباته ‪ ،‬قال ‪ :‬مر عليّ ‪ ،‬على قوم يلعبون بالشطرنج ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذه‬
‫التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ لن يمس أحدكم جمرًا حتى يطفأ خير له من أن يمسها‪.‬‬
‫جدْنَا آبَاءَنَا َلهَا عَابِدِينَ } ‪ :‬لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلل ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫{ قَالُوا وَ َ‬
‫{ َلقَدْ كُنْ ُتمْ أَنْتُمْ وَآبَا ُؤكُمْ فِي ضَللٍ مُبِينٍ } أي ‪ :‬الكلم مع آبائكم الذين احتججتم بصنيعهم كالكلم‬
‫معكم ‪ ،‬فأنتم وهم في ضلل على غير الطريق المستقيم‪.‬‬
‫حقّ َأمْ أَ ْنتَ مِنَ اللعِبِينَ }‬
‫فلما سفه أحلمهم ‪ ،‬وضلل آباءهم ‪ ،‬واحتقر آلهتهم { قَالُوا َأجِئْتَنَا بِالْ َ‬
‫يقولون (‪ : )3‬هذا الكلم الصادر عنك تقوله لعبًا أو محقًا فيه ؟ فإنا لم نسمع به قبلك‪.‬‬
‫ت وَال ْرضِ الّذِي فَطَ َرهُنّ } أي ‪ :‬ربكم الذي ل إله غيره ‪ ،‬هو الذي‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ قَالَ بَل رَ ّبكُمْ َربّ ال ّ‬
‫خلق السموات [والرض] (‪ )4‬وما حوت من المخلوقات الذي ابتدأ خلقهن ‪ ،‬وهو الخالق لجميع‬
‫الشياء { وَأَنَا عَلَى ذَِلكُمْ مِنَ الشّا ِهدِينَ } أي ‪ :‬وأنا أشهد أنه ل إله غيره ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬
‫{ وَتَاللّهِ لكِيدَنّ َأصْنَا َمكُمْ َبعْدَ أَنْ ُتوَلّوا مُدْبِرِينَ (‪} )57‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪" :‬يذكر" والمثبت من ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬ل معرفة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/348‬‬

‫جعُونَ (‪ )58‬قَالُوا مَنْ َف َعلَ هَذَا بِآَِلهَتِنَا إِنّهُ َلمِنَ الظّاِلمِينَ (‬


‫جعََلهُمْ جُذَاذًا إِلّا كَبِيرًا َلهُمْ َلعَّلهُمْ إِلَيْهِ يَ ْر ِ‬
‫فَ َ‬
‫شهَدُونَ‬
‫س ِمعْنَا فَتًى يَ ْذكُرُهُمْ ُيقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (‪ )60‬قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النّاسِ َلعَّلهُمْ يَ ْ‬
‫‪ )59‬قَالُوا َ‬
‫(‪ )61‬قَالُوا أَأَ ْنتَ َفعَ ْلتَ هَذَا بِآَِلهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (‪ )62‬قَالَ َبلْ َفعَلَهُ كَبِيرُ ُهمْ َهذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا‬
‫طقُونَ (‪)63‬‬
‫يَنْ ِ‬

‫جعُونَ (‪ )58‬قَالُوا مَنْ َف َعلَ هَذَا بِآِلهَتِنَا إِنّهُ َلمِنَ الظّاِلمِينَ‬


‫جعََلهُمْ جُذَاذًا إِل كَبِيرًا َلهُمْ َلعَّلهُمْ إِلَيْهِ يَ ْر ِ‬
‫{ َف َ‬
‫شهَدُونَ‬
‫س ِمعْنَا فَتًى يَ ْذكُرُهُمْ ُيقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (‪ )60‬قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النّاسِ َلعَّلهُمْ يَ ْ‬
‫(‪ )59‬قَالُوا َ‬
‫(‪ )61‬قَالُوا أَأَ ْنتَ َفعَ ْلتَ هَذَا بِآِلهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (‪ )62‬قَالَ َبلْ َفعَلَهُ كَبِيرُ ُهمْ َهذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا‬
‫طقُونَ (‪.} )63‬‬
‫يَنْ ِ‬
‫ثم أقسم الخليل قسمًا أسمعه بعض قومه ليكيدن أصنامهم ‪ ،‬أي ‪ :‬ليحرصن على أذاهم وتكسيرهم‬
‫بعد أن يولوا (‪ )1‬مدبرين أي ‪ :‬إلى عيدهم‪ .‬وكان لهم عيد يخرجون إليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬تولو"‪.‬‬

‫( ‪)5/348‬‬

‫قال السدي ‪ :‬لما اقترب (‪ )1‬وقت ذلك العيد قال أبوه ‪ :‬يا بني ‪ ،‬لو خرجت معنا إلى عيدنا‬
‫لعجبك ديننا! فخرج معهم ‪ ،‬فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه إلى الرض‪ .‬وقال ‪ :‬إني سقيم ‪،‬‬
‫فجعلوا يمرون عليه وهو صريع ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬مه! فيقول ‪ :‬إني سقيم ‪ ،‬فلما جاز عامتهم وبقي‬
‫ضعفاؤهم قال ‪ { :‬تَاللّ ِه لكِيدَنّ َأصْنَا َمكُمْ } فسمعه أولئك‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬لما خرج قوم إبراهيم ‪ ،‬إلى عيدهم‬
‫مروا عليه فقالوا ‪ :‬يا إبراهيم أل تخرج معنا ؟ قال ‪ :‬إني سقيم‪ .‬وقد كان بالمس قال ‪ { :‬تَاللّهِ‬
‫لكِيدَنّ َأصْنَا َمكُمْ َبعْدَ أَنْ ُتوَلّوا مُدْبِرِينَ } فسمعه ناس منهم‪.‬‬
‫جذَاذًا } أي ‪ :‬حطامًا كسرها كلها { إِل كَبِيرًا َل ُهمْ } يعني ‪ :‬إل الصنم الكبير‬
‫جعََلهُمْ ُ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ف َ‬
‫عندهم كما قال ‪ { :‬فَرَاغَ عَلَ ْيهِ ْم ضَرْبًا بِالْ َيمِينِ } [ الصافات ‪.]93 :‬‬
‫جعُونَ } ذكروا أنه وضع القدوم في يد كبيرهم ‪ ،‬لعلهم يعتقدون أنه هو‬
‫وقوله ‪َ { :‬لعَّلهُمْ إِلَيْهِ يَ ْر ِ‬
‫الذي غَارَ لنفسه ‪ ،‬وأنف أن تعبد معه هذه الصنام الصغار ‪ ،‬فكسرها‪.‬‬
‫{ قَالُوا مَنْ َف َعلَ هَذَا بِآِلهَتِنَا إِنّهُ َلمِنَ الظّاِلمِينَ } أي ‪ :‬حين رجعوا وشاهدوا ما فعله الخليل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بأصنامهم من الهانة والذلل الدال على عدم إلهيتها ‪ ،‬وعلى سخافة عقول عابديها { قَالُوا مَنْ‬
‫َف َعلَ هَذَا بِآِلهَتِنَا إِنّهُ َلمِنَ الظّاِلمِينَ } أي ‪ :‬في صنيعه هذا‪.‬‬
‫س ِمعْنَا فَتًى‬
‫س ِمعْنَا فَتًى يَ ْذكُ ُرهُمْ ُيقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } أي ‪ :‬قال من سمعه يحلف أنه ليكيدنهم ‪َ { :‬‬
‫{ قَالُوا َ‬
‫} أي ‪ :‬شابًا { يَ ْذكُرُهُمْ ُيقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عوف ‪ ،‬حدثنا سعيد بن منصور ‪ ،‬حدثنا جرير بن عبد الحميد‬
‫‪ ،‬عن قابوس [عن أبيه] (‪ ، )2‬عن ابن عباس قال ‪ :‬ما بعث ال نبيًا إل شابًا ‪ ،‬ول أوتي العلم‬
‫س ِمعْنَا فَتًى َي ْذكُرُهُمْ ُيقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }‪.‬‬
‫عالم إل وهو شاب ‪ ،‬وتل هذه الية ‪ { :‬قَالُوا َ‬
‫علَى أَعْيُنِ النّاسِ } أي ‪ :‬على رءوس الشهاد في المل الكبر بحضرة‬
‫وقوله ‪ { :‬قَالُوا فَأْتُوا بِهِ َ‬
‫الناس كلهم ‪ ،‬وكان هذا هو المقصود الكبر لبراهيم أن يتبين (‪ )3‬في هذا المحفل العظيم كثرة‬
‫جهلهم وقلة عقلهم (‪ )4‬في عبادة هذه الصنام التي ل تدفع عن نفسها ضرًا ‪ ،‬ول تملك (‪ )5‬لها‬
‫نصرًا ‪ ،‬فكيف يطلب منها شيء من ذلك ؟‪.‬‬
‫{ قَالُوا أَأَ ْنتَ َفعَ ْلتَ َهذَا بِآِلهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ َبلْ َفعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا } يعني ‪ :‬الذي تركه لم يكسره‬
‫طقُونَ } وإنما أراد بهذا أن يبادروا من تلقاء أنفسهم ‪ ،‬فيعترفوا أنهم ل‬
‫{ فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَ ْن ِ‬
‫ينطقون ‪ ،‬فإن هذا ل يصدر عن هذا الصنم ‪ ،‬لنه جماد‪.‬‬
‫وفي الصحيحين من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين ‪ ،‬عن أبي هريرة ؛ أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لم يكذب غير ثلث ‪ :‬ثنتين في ذات‬
‫سقِيمٌ } قال ‪" :‬وبينا هو يسير في أرض‬
‫ال (‪ ، )6‬قوله ‪َ { :‬بلْ َفعَلَهُ كَبِيرُ ُهمْ َهذَا } وقوله { إِنّي َ‬
‫جبار من الجبابرة ومعه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬قرب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يبين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬عقولهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬ول تستطيع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كتاب"‪.‬‬

‫( ‪)5/349‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سهِمْ َلقَدْ عَِل ْمتَ مَا َهؤُلَاءِ‬
‫سهِمْ َفقَالُوا إِ ّنكُمْ أَنْ ُتمُ الظّاِلمُونَ (‪ُ )64‬ثمّ ُنكِسُوا عَلَى رُءُو ِ‬
‫جعُوا إِلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫فَرَ َ‬
‫طقُونَ (‪ )65‬قَالَ َأفَ َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لَا يَ ْن َف ُعكُمْ شَيْئًا وَلَا َيضُ ّركُمْ (‪ُ )66‬أفّ َلكُ ْم وَِلمَا َتعْبُدُونَ‬
‫يَنْ ِ‬
‫مِنْ دُونِ اللّهِ َأفَلَا َت ْعقِلُونَ (‪)67‬‬

‫سارة ‪ ،‬إذ نزل منزل فأتى الجبار رجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنه قد نزل بأرضك رجل معه امرأة أحسن‬
‫الناس ‪ ،‬فأرسل إليه فجاء ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذه المرأة منك ؟ قال ‪ :‬هي أختي‪ .‬قال ‪ :‬فاذهب فأرسل بها‬
‫إليّ ‪ ،‬فانطلق إلى سارة فقال ‪ :‬إن هذا الجبار (‪ )1‬سألني عنك فأخبرته أنك أختي فل تكذبيني‬
‫عنده ‪ ،‬فإنك أختي في كتاب ال ‪ ،‬وأنه ليس في الرض مسلم غيري وغيرك ‪ ،‬فانطلق بها‬
‫إبراهيم ثم قام يصلي‪ .‬فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها ‪ ،‬فتناولها ‪ ،‬فأخذ أخذًا شديدًا ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ادعي ال لي ول أضرك ‪ ،‬فدعت له فأرسل ‪ ،‬فأهوى إليها ‪ ،‬فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد‪ .‬ففعل‬
‫ذلك الثالثة فأخذ ‪[ ،‬فذكر] (‪ )2‬مثل المرتين الوليين (‪ )3‬فقال ادعي ال فل أضرك‪ .‬فدعت ‪ ،‬له‬
‫فأرسل ‪ ،‬ثم دعا أدنى حجابه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنك لم تأتني بإنسان ‪ ،‬وإنما (‪ )4‬أتيتني بشيطان ‪ ،‬أخرجها‬
‫وأعطها هاجر ‪ ،‬فأخرجت وأعطيت هاجر ‪ ،‬فأقبلت ‪ ،‬فلما أحس إبراهيم بمجيئها انفتل من‬
‫صلته ‪ ،‬قال (‪َ : )5‬مهْيَم ؟ قالت ‪ :‬كفى ال كيد الكافر الفاجر ‪ ،‬وأخدمني هاجر" قال محمد بن‬
‫سيرين (‪ )6‬وكان (‪ : )7‬أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث قال ‪ :‬فتلك أمكم يا بني ماء السماء (‪)8‬‬
‫سهِمْ َلقَدْ عَِل ْمتَ مَا َهؤُلءِ‬
‫علَى ُرءُو ِ‬
‫س ِهمْ َفقَالُوا إِ ّنكُمْ أَنْتُمُ الظّاِلمُونَ (‪ )64‬ثُمّ ُن ِكسُوا َ‬
‫جعُوا إِلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫{ فَ َر َ‬
‫طقُونَ (‪ )65‬قَالَ َأفَ َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا ل يَ ْن َف ُعكُمْ شَيْئًا وَل َيضُ ّركُمْ (‪ُ )66‬أفّ َلكُ ْم وَِلمَا‬
‫يَنْ ِ‬
‫َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َأفَل َت ْعقِلُونَ (‪.} )67‬‬
‫سهِمْ } أي ‪:‬‬
‫جعُوا إِلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫يقول تعالى مخبرًا (‪ )9‬عن قوم إبراهيم حين قال لهم ما قال ‪ { :‬فَرَ َ‬
‫بالملمة في عدم احترازهم وحراستهم للهتهم ‪ ،‬فقالوا ‪ { :‬إِ ّنكُمْ أَنْتُمُ الظّاِلمُونَ } أي ‪ :‬في ترككم‬
‫سهِمْ } أي ‪ :‬ثم أطرقوا في الرض فقالوا ‪َ { :‬لقَدْ‬
‫لها مهملة ل حافظ عندها ‪ُ { ،‬ثمّ ُنكِسُوا عَلَى رُءُو ِ‬
‫طقُونَ } قال قتادة ‪ :‬أدركت القوم حيرة سوء فقالوا ‪َ { :‬لقَدْ عَِل ْمتَ مَا َهؤُلءِ‬
‫عَِل ْمتَ مَا َهؤُلءِ يَ ْن ِ‬
‫طقُونَ }‪.‬‬
‫يَنْ ِ‬
‫سهِمْ } أي ‪ :‬في الفتنة‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ { :‬ثُمّ ُنكِسُوا عَلَى ُرءُو ِ‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬أي في الرأي‪.‬‬
‫وقول قتادة أظهر في المعنى ؛ لنهم إنما فعلوا ذلك حيرة وعجزًا ؛ ولهذا قالوا له ‪َ { :‬لقَدْ عَِل ْمتَ‬
‫طقُونَ } ‪ ،‬فكيف تقول لنا ‪ :‬سلوهم إن كانوا ينطقون ‪ ،‬وأنت تعلم أنها ل تنطق فعندها‬
‫مَا َهؤُلءِ يَنْ ِ‬
‫قال لهم إبراهيم لما اعترفوا بذلك ‪َ { :‬أفَ َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا ل يَ ْن َف ُعكُمْ شَيْئًا وَل َيضُ ّركُمْ } أي ‪:‬‬
‫إذا كانت ل تنطق (‪ ، )10‬وهي ل تضر ول تنفع ‪ ،‬فلم تعبدونها من دون ال‪.‬‬
‫{ ُأفّ َلكُمْ وَِلمَا َتعْ ُبدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َأفَل َتعْقِلُونَ }‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬الجبار قد سألني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬والسنن‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الولتين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬ولكنك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إدريس"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫(‪ )8‬لم أجده في الصحيحين من طريق هشام بن حسان وإنما هو في السنن ‪ :‬فرواه أبو داود في‬
‫السنن برقم (‪ )2212‬من طريق عبد الوهاب الثقفي عن هشام بن حسان‪ .‬ورواه النسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم (‪ )8374‬من طريق أبي أسامة عن هشام بن حسان‪ .‬وهو في الصحيحين من طريق‬
‫أيوب عن محمد بن سيرين ؛ صحيح البخاري برقم (‪ ، )5084‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2371‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يخبر تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬كان ل ينطق"‪.‬‬

‫( ‪)5/350‬‬

‫قَالُوا حَ ّرقُو ُه وَا ْنصُرُوا آَِلهَ َتكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (‪ )68‬قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (‬
‫جعَلْنَاهُمُ الَْأخْسَرِينَ (‪)70‬‬
‫‪ )69‬وَأَرَادُوا بِهِ كَ ْيدًا فَ َ‬

‫أي ‪ :‬أفل تتدبرون ما أنتم فيه من الضلل والكفر الغليظ ‪ ،‬الذي ل يروج إل على جاهل ظالم‬
‫فاجر ؟ فأقام عليهم الحجة ‪ ،‬وألزمهم بها ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬وَتِ ْلكَ حُجّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى‬
‫َق ْومِهِ } الية [ النعام ‪.]83 :‬‬
‫{ قَالُوا حَ ّرقُوهُ وَا ْنصُرُوا آِلهَ َتكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (‪ )68‬قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (‬
‫خسَرِينَ (‪.} )70‬‬
‫جعَلْنَاهُمُ ال ْ‬
‫‪ )69‬وَأَرَادُوا بِهِ كَ ْيدًا فَ َ‬
‫لما َدحَضت حجتهم ‪ ،‬وبان عجزهم ‪ ،‬وظهر الحق ‪ ،‬واندفع الباطل ‪ ،‬عدلوا إلى استعمال جاه‬
‫ملكهم ‪ ،‬فقالوا ‪ { :‬حَ ّرقُوهُ وَا ْنصُرُوا آِلهَ َتكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } فجمعوا حطبًا كثيرًا جدًا ‪ -‬قال‬
‫السدي ‪ :‬حتى إن كانت المرأة تمرض ‪ ،‬فتنذر إن عوفيت أن تحمل حطبًا لحريق إبراهيم ‪ -‬ثم‬
‫جوْبة من الرض ‪ ،‬وأضرموها نارًا ‪ ،‬فكان لها شرر عظيم ولهب مرتفع ‪ ،‬لم توقد قط‬
‫جعلوه في َ‬
‫نار (‪ )1‬مثلها ‪ ،‬وجعلوا إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في كفة المنجنيق بإشارة رجل من أعراب فارس‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شعَيب الجبائي ‪ :‬اسمه هيزن ‪ -‬فخسف ال به الرض ‪ ،‬فهو يتجلجل فيها إلى‬
‫من الكراد ‪ -‬قال ُ‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬فلما ألقوه قال ‪" :‬حسبي ال ونعم الوكيل" ‪ ،‬كما رواه البخاري ‪ ،‬عن ابن عباس أنه‬
‫قال ‪" :‬حسبي (‪ )2‬ال ونعم الوكيل" قالها إبراهيم حين ألقي في النار ‪ ،‬وقالها (‪ )3‬محمد حين قالوا‬
‫شوْهُمْ فَزَادَ ُهمْ إِيمَانًا َوقَالُوا حَسْبُنَا اللّ ُه وَ ِنعْمَ ا ْل َوكِيلُ } [ آل عمران ‪:‬‬
‫ج َمعُوا َلكُمْ فَاخْ َ‬
‫‪ { :‬إِنّ النّاسَ قَدْ َ‬
‫‪.)4( ]173‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا ابن هشام ‪ ،‬حدثنا إسحاق (‪ )5‬بن سليمان ‪ ،‬عن أبي جعفر ‪ ،‬عن‬
‫عاصم ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "لما ألقي‬
‫إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في النار قال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إنك في السماء واحد ‪ ،‬وأنا في الرض واحد‬
‫أعبدك" (‪.)6‬‬
‫ويروى أنه لما جعلوا يوثقونه قال ‪ :‬ل إله إل أنت سبحانك لك الحمد ‪ ،‬ولك الملك ‪ ،‬ل شريك لك‬
‫(‪.)7‬‬
‫وقال شعيب الجبائي ‪ :‬كان عمره ست عشرة سنة‪ .‬فال أعلم‪.‬‬
‫وذكر بعض السلف أنه عرض له جبريل وهو في الهواء ‪ ،‬فقال ‪ :‬ألك حاجة ؟ فقال ‪ :‬أما إليك فل‬
‫[وأما من ال فبلى] (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" ،‬نار قط"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬حسبنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪)4563‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو إسحاق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه البزار في مسنده برقم (‪" )2349‬كشف الستار" وأبو نعيم في الحلية (‪)1911‬‬
‫والخطيب في تاريخ بغداد (‪ )10/346‬من طريق أبي هشام الرفاعي به‪ .‬وقال البزار ‪" :‬ل نعلم‬
‫رواه عن عاصم إل أبا جعفر ‪ ،‬ول عنه إل إسحاق ‪ ،‬ولم نسمعه إل من أبي هشام" قلت ‪ :‬عاصم‬
‫بن عمر بن حفص متكلم فيه‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه الطبري في تفسيره كما في الدار المنثور (‪ )5/642‬عن أرقم‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)5/351‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ -‬ويروى (‪ )1‬عن ابن عباس أيضًا ‪ -‬قال ‪ :‬لما أُلقيَ إبراهيم جعل خازن‬
‫المطر يقول ‪ :‬متى أومر بالمطر فأرسله ؟ قال ‪ :‬فكان (‪ )2‬أمر ال أسرع من أمره ‪ ،‬قال ال ‪:‬‬
‫[عز وجل] (‪ { )3‬يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } قال ‪ :‬لم (‪ )4‬يبق نار في الرض إل‬
‫طفئت‪.‬‬
‫وقال كعب الحبار ‪ :‬لم ينتفع [أحد] (‪ )5‬يومئذ بنار ‪ ،‬ولم تحرق النار من إبراهيم سوى وثاقه‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن شيخ ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب ‪ { :‬قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا‬
‫وَسَلمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } [قال ‪ :‬بَ َر َدتْ عليه حتى كادت تقتله ‪ ،‬حتى قيل ‪ { :‬وَسَلمًا } ] (‪ ، )6‬قال‬
‫‪ :‬ل تضرّيه‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وأبو العالية ‪ :‬لول أن ال عز وجل قال ‪ { :‬وَسَلمًا } لذى إبراهيم بَرْدُها‪.‬‬
‫جوَيبر ‪ ،‬عن الضحاك ‪ { :‬كُونِي بَرْدًا وَسَلمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } قال ‪ :‬صنعوا له حظيرة من‬
‫وقال ُ‬
‫حطَب جَزْل ‪ ،‬وأشعلوا فيه النار من كل جانب ‪ ،‬فأصبح ولم يصِبه منها شيء حتى أخمدها ال ‪-‬‬
‫َ‬
‫قال ‪ :‬ويذكرون أن جبريل كان معه يمسح وجهه من العرق ‪ ،‬فلم ُيصِبْه منها شيء غيرُ ذلك‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬كان معه فيها ملك الظل‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا يوسف بن موسى ‪ ،‬حدثنا ِمهْران ‪ ،‬حدثنا‬
‫إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن المِ ْنهَال بن عمرو قال ‪ :‬أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫كان (‪ )7‬فيها إما خمسين وإما أربعين ‪ ،‬قال ‪ :‬ما كنت أيامًا وليالي قط أطيب عيشًا إذ كنت فيها ‪،‬‬
‫وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها‪.‬‬
‫وقال أبو زُرْعَة بن عمرو بن جرير ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬إن أحسن [شيء] (‪ )8‬قال أبو‬
‫إبراهيم ‪ -‬لما رفع عنه الطبق وهو في النار ‪ ،‬وجده يرش جبينه ‪ -‬قال عند ذلك ‪ :‬نعْمَ الربّ ربك‬
‫يا إبراهيم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬لم يأت يومئذ دابة إل أطفأت عنه النار ‪ ،‬إل الوَزَغ ‪ -‬وقال الزهري ‪ :‬أمر النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ :‬بقتله وسماه فويسقًا (‪.)9‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو عبيد ال ابن أخي ابن وهب ‪ ،‬حدثني عمي ‪ ،‬حدثنا جرير بن‬
‫حازم ‪ ،‬أن نافعًا حدثه قال ‪ :‬حدثتني مولة (‪ )10‬الفاكه بن المغيرة المخزومي قالت ‪ :‬دخلت على‬
‫عائشة فرأيت في بيتها رمحا‪ .‬فقلت ‪ :‬يا أم المؤمنين ‪ ،‬ما تصنعين بهذا الرمح ؟ فقالت ‪ :‬نقتل به‬
‫هذه الوزاغ ‪ ،‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن إبراهيم حين ألقي في النار ‪ ،‬لم يكن‬
‫(‪ )11‬في الرض دابة إل تطفئ النار ‪ ،‬غير الوَزَغ ‪ ،‬فإنه كان ينفخ على إبراهيم" ‪ ،‬فأمرنا رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم بقتله (‪.)12‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وروي"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )9‬جاء من حديث أم شريك ‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ )3307‬ومسلم في صحيحه برقم (‪.)2237‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثني موله"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬تكن"‬
‫(‪ )12‬ورواه أحمد في المسند (‪ )109 ، 6/83‬وابن ماجه في السنن برقم (‪ )3231‬من طريق نافع‬
‫عن سائبة مولة الفاكه به‪.‬‬

‫( ‪)5/352‬‬

‫ق وَ َيعْقُوبَ نَافَِل ًة َوكُلّا‬


‫وَنَجّيْنَا ُه وَلُوطًا إِلَى الْأَ ْرضِ الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا لِ ْلعَاَلمِينَ (‪َ )71‬ووَهَبْنَا لَهُ ِإسْحَا َ‬
‫جعَلْنَا صَاِلحِينَ (‪)72‬‬
‫َ‬

‫جعَلْنَاهُمُ الخْسَرِينَ } أي ‪ :‬المغلوبين السفلين ؛ لنهم أرادوا بنبي ال‬


‫وقوله ‪ { :‬وَأَرَادُوا ِبهِ كَيْدًا َف َ‬
‫كيدا ‪ ،‬فكادهم ال ونجاه من النار ‪ ،‬فغلبوا هنالك‪.‬‬
‫وقال عطية العوفي ‪ :‬لما ألقِيَ إبراهيم في النار ‪ ،‬جاء ملكهم لينظر إليه فطارت شرارة فوقعت‬
‫على إبهامه ‪ ،‬فأحرقته مثل الصوفة‪.‬‬
‫ق وَ َيعْقُوبَ نَافَِل ًة َوكُل‬
‫{ وَنَجّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الرْضِ الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا لِ ْلعَاَلمِينَ (‪َ )71‬ووَهَبْنَا لَهُ ِإسْحَا َ‬
‫جعَلْنَا صَاِلحِينَ (‪} )72‬‬
‫َ‬

‫( ‪)5/353‬‬

‫ت وَِإقَامَ الصّلَا ِة وَإِيتَاءَ ال ّزكَاةِ َوكَانُوا لَنَا‬


‫جعَلْنَاهُمْ أَ ِئمّةً َيهْدُونَ بَِأمْرِنَا وََأوْحَيْنَا إِلَ ْي ِهمْ ِف ْعلَ الْخَيْرَا ِ‬
‫وَ َ‬
‫ح ْكمًا وَعِ ْلمًا وَنَجّيْنَاهُ مِنَ ا ْلقَرْيَةِ الّتِي كَا َنتْ َت ْع َملُ الْخَبَا ِئثَ إِ ّنهُمْ كَانُوا َقوْمَ‬
‫عَابِدِينَ (‪ )73‬وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ ُ‬
‫حمَتِنَا إِنّهُ مِنَ الصّالِحِينَ (‪)75‬‬
‫سقِينَ (‪ )74‬وَأَ ْدخَلْنَاهُ فِي رَ ْ‬
‫سوْءٍ فَا ِ‬
‫َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جعَلْنَاهُمْ أَ ِئمّةً َيهْدُونَ بَِأمْرِنَا وََأوْحَيْنَا إِلَ ْيهِمْ ِف ْعلَ ا ْلخَيْرَاتِ وَِإقَامَ الصّل ِة وَإِيتَاءَ ال ّزكَا ِة َوكَانُوا لَنَا‬
‫{ وَ َ‬
‫ح ْكمًا وَعِ ْلمًا وَنَجّيْنَاهُ مِنَ ا ْلقَرْيَةِ الّتِي كَا َنتْ َت ْع َملُ الْخَبَا ِئثَ إِ ّنهُمْ كَانُوا َقوْمَ‬
‫عَابِدِينَ (‪ )73‬وَلُوطًا آتَيْنَاهُ ُ‬
‫حمَتِنَا إِنّهُ مِنَ الصّالِحِينَ (‪.} )75‬‬
‫سقِينَ (‪ )74‬وَأَ ْدخَلْنَاهُ فِي رَ ْ‬
‫سوْءٍ فَا ِ‬
‫َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن إبراهيم ‪ ،‬أنه سلمه ال من نار قومه ‪ ،‬وأخرجه من بين أظهرهم مهاجرًا‬
‫إلى بلد الشام ‪ ،‬إلى الرض المقدسة منها ‪ ،‬كما قال الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبيّ‬
‫بن كعب في قوله ‪ { :‬إِلَى ال ْرضِ الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا لِ ْلعَاَلمِينَ } قال ‪ :‬الشام ‪ ،‬وما من ماء عذب إل‬
‫يخرج من تحت الصخرة‪.‬‬
‫وكذا قال أبو العالية أيضًا‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان بأرض العراق ‪ ،‬فأنجاه ال إلى الشام ‪[ ،‬وكان يقال للشام ‪ :‬عماد دار الهجرة ‪،‬‬
‫وما نقص من الرض زيد في الشام] (‪ )1‬وما نقص من الشام زيد في فلسطين‪ .‬وكان يقال ‪ :‬هي‬
‫أرض المحشر والمنشر ‪ ،‬وبها ينزل عيسى ابن مريم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وبها يهلك المسيح الدجال‪.‬‬
‫وقال كعب الحبار في قوله ‪ { :‬إِلَى ال ْرضِ الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا لِ ْلعَاَلمِينَ } إلى حران‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬انطلق إبراهيم ولوط قِبَل الشام ‪ ،‬فلقي إبراهيم سارة ‪ ،‬وهي ابنة ملك حران ‪ ،‬وقد‬
‫طعنت على قومها في دينهم ‪ ،‬فتزوجها على أل يغيرها‪.‬‬
‫رواه ابن جرير ‪ ،‬وهو غريب [والمشهور أنها ابنة عمه ‪ ،‬وأنه خرج بها مهاجرًا من بلده] (‪.)2‬‬
‫وقال العَوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬إلى مكة ؛ أل تسمع قوله ‪ { :‬إِنّ َأ ّولَ بَ ْيتٍ ُوضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِ َبكّةَ‬
‫مُبَا َركًا وَهُدًى لِ ْلعَاَلمِينَ } [ آل عمران ‪.]96 :‬‬
‫ق وَ َي ْعقُوبَ نَافِلَةً } قال عطاء ‪ ،‬ومجاهد ‪ :‬عطية‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ووَهَبْنَا لَهُ إِسْحَا َ‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والحكم بن عُيينة ‪ :‬النافلة ولد الولد ‪ ،‬يعني ‪ :‬أن يعقوب ولد إسحاق ‪،‬‬
‫سحَاقَ َيعْقُوبَ } [ هود ‪.]71 :‬‬
‫ن وَرَاءِ إِ ْ‬
‫ق َومِ ْ‬
‫كما قال ‪ { :‬فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَا َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)5/353‬‬

‫وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَ ْبلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ا ْلكَ ْربِ ا ْلعَظِيمِ (‪ )76‬وَ َنصَرْنَاهُ مِنَ ا ْل َقوْمِ‬
‫ج َمعِينَ (‪)77‬‬
‫سوْءٍ فَأَغْ َرقْنَاهُمْ َأ ْ‬
‫الّذِينَ َكذّبُوا بِآَيَاتِنَا إِ ّنهُمْ كَانُوا َقوْمَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬سأل واحدًا فقال ‪َ { :‬ربّ َهبْ لِي مِنَ الصّاِلحِينَ } [ الصافات‬
‫‪ ، ]100 :‬فأعطاه ال إسحاق وزاده يعقوب نافلة‪.‬‬
‫جعَلْنَاهُمْ أَ ِئمّةً } أي ‪ :‬يقتدي بهم ‪،‬‬
‫جعَلْنَا صَاِلحِينَ } أي ‪ :‬الجميع أهل خير وصلح ‪ { ،‬وَ َ‬
‫{ َوكُل َ‬
‫ت وَِإقَامَ‬
‫{ َي ْهدُونَ بَِأمْرِنَا } أي ‪ :‬يدعون إلى ال بإذنه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وََأوْحَيْنَا إِلَ ْي ِهمْ ِف ْعلَ ا ْلخَيْرَا ِ‬
‫الصّلةِ وَإِيتَاءَ ال ّزكَاةِ } من باب عطف الخاص على العام ‪َ { ،‬وكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } أي ‪ :‬فاعلين لما‬
‫يأمرون الناس به‪.‬‬
‫ثم عطف بذكر لوط ‪ -‬وهو لوط بن هاران بن آزر ‪ -‬كان قد آمن بإبراهيم ‪ ،‬واتبعه ‪ ،‬وهاجر‬
‫ط َوقَالَ إِنّي ُمهَاجِرٌ ِإلَى رَبّي } [العنكبوت ‪ ، ]26 :‬فآتاه ال‬
‫معه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَآمَنَ لَهُ لُو ٌ‬
‫سدُومَ وأعمالها ‪ ،‬فخالفوه وكذبوه ‪ ،‬فأهلكهم‬
‫حكمًا وعلمًا ‪ ،‬وأوحى إليه ‪ ،‬وجعله نبيًا ‪ ،‬وبعثه إلى َ‬
‫ال و َدمّر عليهم ‪ ،‬كما قص خبرهم في غير موضع من كتابه العزيز ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَنَجّيْنَاهُ مِنَ‬
‫حمَتِنَا إِنّهُ مِنَ‬
‫سقِينَ * وََأدْخَلْنَاهُ فِي رَ ْ‬
‫سوْءٍ فَا ِ‬
‫ا ْلقَرْيَةِ الّتِي كَا َنتْ َت ْع َملُ ا ْلخَبَا ِئثَ إِ ّنهُمْ كَانُوا َقوْمَ َ‬
‫الصّالِحِينَ }‪.‬‬
‫{ وَنُوحًا ِإذْ نَادَى مِنْ قَ ْبلُ فَاسْ َتجَبْنَا لَهُ فَنَجّيْنَا ُه وَأَهَْلهُ مِنَ ا ْلكَ ْربِ ا ْلعَظِيمِ (‪ )76‬وَ َنصَرْنَاهُ مِنَ ا ْل َقوْمِ‬
‫ج َمعِينَ (‪.} )77‬‬
‫سوْءٍ فَأَغْ َرقْنَاهُمْ َأ ْ‬
‫الّذِينَ َكذّبُوا بِآيَاتِنَا إِ ّنهُمْ كَانُوا َقوْمَ َ‬
‫يخبر تعالى عن استجابته لعبده ورسوله نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين دعا على قومه لما كذبوه ‪:‬‬
‫{ َفدَعَا رَبّهُ أَنّي َمغْلُوبٌ فَانْ َتصِرْ } [ القمر ‪َ { ، ]10 :‬وقَالَ نُوحٌ َربّ ل تَذَرْ عَلَى ال ْرضِ مِنَ‬
‫ك وَل يَلِدُوا إِل فَاجِرًا َكفّارًا } [نوح ‪، ]27 ، 26 :‬‬
‫ا ْلكَافِرِينَ دَيّارًا‪ .‬إِ ّنكَ إِنْ تَذَرْ ُهمْ ُيضِلّوا عِبَا َد َ‬
‫ولهذا قال هاهنا ‪ِ { :‬إذْ نَادَى مِنْ قَ ْبلُ فَاسْ َتجَبْنَا لَهُ فَ َنجّيْنَاهُ (‪ )1‬وَأَهَْلهُ } أي ‪ :‬الذين آمنوا به كما قال‬
‫ن َومَا آمَنَ َمعَهُ إِل قَلِيلٌ } [هود ‪.]40 :‬‬
‫ل َومَنْ آمَ َ‬
‫‪ { :‬وَأَهَْلكَ إِل مَنْ سَبَقَ عَلَ ْيهِ ا ْل َقوْ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬مِنَ ا ْلكَ ْربِ ا ْل َعظِيمِ } أي ‪ :‬من الشدة والتكذيب والذى ‪ ،‬فإنه لبث فيهم ألف سنة إل‬
‫خمسين عامًا يدعوهم إلى ال عز وجل ‪ ،‬فلم يؤمن به منهم إل القليل ‪ ،‬وكانوا يقصدون لذاه (‪)2‬‬
‫ويتواصون قرنًا بعد قرن ‪ ،‬وجيل بعد جيل على خلفه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َنصَرْنَاهُ مِنَ ا ْل َقوْمِ } أي ‪ :‬ونجيناه وخلصناه منتصرًا من القوم { الّذِينَ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا إِ ّنهُمْ‬
‫ج َمعِينَ } أي ‪ :‬أهلكهم ال بعامة ‪ ،‬ولم يُ ْبقِ على وجه الرض منهم‬
‫سوْءٍ فَأَغْ َرقْنَا ُهمْ أَ ْ‬
‫كَانُوا َقوْمَ َ‬
‫أحدًا ؛ إذ (‪ )3‬دعا عليهم نبيهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ونجيناه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ :‬أذاه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬كما"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/354‬‬

‫ح ْك ِمهِمْ شَا ِهدِينَ (‪)78‬‬


‫شتْ فِيهِ غَنَمُ ا ْلقَوْ ِم َوكُنّا ِل ُ‬
‫ح ُكمَانِ فِي الْحَ ْرثِ ِإذْ َنفَ َ‬
‫وَدَاوُو َد وَسُلَ ْيمَانَ إِذْ يَ ْ‬
‫ن وَالطّيْ َر َوكُنّا فَاعِلِينَ (‬
‫سخّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبّحْ َ‬
‫ح ْكمًا وَعِ ْلمًا وَ َ‬
‫َففَ ّهمْنَاهَا سُلَ ْيمَانَ َوكُلّا آَتَيْنَا ُ‬
‫سكُمْ َف َهلْ أَنْ ُتمْ شَاكِرُونَ (‪ )80‬وَلِسُلَ ْيمَانَ الرّيحَ‬
‫حصِ َنكُمْ مِنْ بَأْ ِ‬
‫‪ )79‬وَعَّلمْنَاهُ صَ ْنعَةَ لَبُوسٍ َلكُمْ لِ ُت ْ‬
‫شيْءٍ عَاِلمِينَ (‪)81‬‬
‫عَاصِفَةً َتجْرِي بَِأمْ ِرهِ إِلَى الْأَ ْرضِ الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا َوكُنّا ِب ُكلّ َ‬

‫ح ْك ِمهِمْ شَا ِهدِينَ (‪)78‬‬


‫شتْ فِيهِ غَنَمُ ا ْل َقوْ ِم َوكُنّا لِ ُ‬
‫ح ُكمَانِ فِي الْحَ ْرثِ إِذْ َنفَ َ‬
‫{ وَدَا ُو َد وَسُلَ ْيمَانَ إِذْ َي ْ‬
‫ن وَالطّيْرَ َوكُنّا فَاعِلِينَ (‪)79‬‬
‫ح ْكمًا وَعِ ْلمًا وَسَخّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبّحْ َ‬
‫َففَ ّهمْنَاهَا سُلَ ْيمَانَ َوكُل آتَيْنَا ُ‬
‫صفَةً‬
‫سكُمْ َفهَلْ أَنْ ُتمْ شَاكِرُونَ (‪ )80‬وَلِسُلَ ْيمَانَ الرّيحَ عَا ِ‬
‫حصِ َنكُمْ مِنْ بَأْ ِ‬
‫وَعَّلمْنَاهُ صَ ْنعَةَ لَبُوسٍ َلكُمْ لِ ُت ْ‬
‫شيْءٍ عَاِلمِينَ (‪} )81‬‬
‫تَجْرِي بَِأمْ ِرهِ إِلَى ال ْرضِ الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا َوكُنّا ِب ُكلّ َ‬

‫( ‪)5/355‬‬

‫ك َوكُنّا َلهُمْ حَافِظِينَ (‪)82‬‬


‫عمَلًا دُونَ ذَِل َ‬
‫َومِنَ الشّيَاطِينِ مَنْ َيغُوصُونَ لَ ُه وَ َي ْعمَلُونَ َ‬

‫ك َوكُنّا َل ُهمْ حَا ِفظِينَ (‪.} )82‬‬


‫عمَل دُونَ ذَِل َ‬
‫{ َومِنَ الشّيَاطِينِ مَنْ َيغُوصُونَ َل ُه وَ َي ْعمَلُونَ َ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ ،‬عن مُرّة ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ :‬كان ذلك الحرث كرمًا قد نَبَ َتتْ عناقيده‪ .‬وكذا قال‬
‫شُرَيْح‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬ال ّنفْشُ ‪ :‬الرعي‪.‬‬
‫وقال شُرَيح ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬ال ّنفْشُ بالليل‪ .‬زاد قتادة ‪ :‬وال َه ْملُ بالنهار‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب وهارون بن إدريسَ الصم قال حدثنا المحاربي ‪ ،‬عن أشعت ‪،‬‬
‫ح ُكمَانِ فِي ا ْلحَ ْرثِ‬
‫عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن مُرّة ‪ ،‬عن ابن مسعود في قوله ‪ { :‬وَدَاوُ َد وَسُلَ ْيمَانَ ِإذْ يَ ْ‬
‫شتْ فِيهِ غَ َنمُ ا ْل َقوْمِ } قال ‪ :‬كرم قد أنبتت عناقيده ‪ ،‬فأفسدته‪ .‬قال ‪ :‬فقضى داود بالغَنَم لصاحب‬
‫إِذْ َنفَ َ‬
‫الكَرْم ‪ ،‬فقال سليمان ‪ :‬غيرُ هذا يا نبي ال! قال ‪ :‬وما ذاك ؟ قال ‪ :‬تدفع الكرم إلى صاحب‬
‫الغنم ‪ ،‬فيقوم عليه حتى يعود كما كان ‪ ،‬وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيُصيب منها حتى إذا كان‬
‫الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه ‪ ،‬ودفعت الغنم إلى صاحبها ‪ ،‬فذلك قوله ‪َ { :‬ف َف ّهمْنَاهَا‬
‫سُلَ ْيمَانَ }‪.‬‬
‫وهكذا روى ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬حدثنا (‪ )1‬خليفة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬فحكم (‪ )2‬داود‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بالغنم لصحاب الحرث ‪ ،‬فخرج الرّعاء معهم الكلب ‪ ،‬فقال لهم سليمان ‪ :‬كيف قضى بينكم ؟‬
‫فأخبروه ‪ ،‬فقال ‪ :‬لو وليت أمركم لقضيتُ بغير هذا! فأخبر بذلك داود ‪ ،‬فدعاه فقال ‪ :‬كيف تقضي‬
‫بينهم ؟ قال (‪ )3‬أدفع الغنم إلى صاحب الحرث ‪ ،‬فيكون له أولدها وألبانها وسلؤها ومنافعها‬
‫ويبذُر أصحاب الغنم لهل الحرث مثلَ حرثهم ‪ ،‬فإذا بلغ الحرث الذي كان عليه أخذ أصحاب‬
‫الحرث الحرثَ وردوا الغنم إلى أصحابها‪.‬‬
‫خدَيْج ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سعيد بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫مُرّة ‪ ،‬عن مسروق قال ‪ :‬الحرث الذي نفشت فيه الغنم إنما كان كرما نفشت فيه الغنم ‪ ،‬فلم َتدَع‬
‫فيه ورقة ول عنقودًا من عنب إل أكلته ‪ ،‬فأتوا داود ‪ ،‬فأعطاهم رقابها ‪ ،‬فقال سليمان ‪ :‬ل بل‬
‫تؤخذ الغنم فيعطاها (‪ )4‬أهلُ الكرم ‪ ،‬فيكون لهم لبنها ونفعها ‪ ،‬ويعطى أهل الغنم الكرم فيصلحوه‬
‫ويعمروه (‪ )5‬حتى يعود كالذي كان ليلة َنفَشت فيه الغنم ‪ ،‬ثم يُعطَى أهل الغنم غنمهم ‪ ،‬وأهل‬
‫الكرم كرمهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬حدثني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قضى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬فتعطى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬فيعمره ويصلحوه"‪.‬‬

‫( ‪)5/355‬‬

‫وهكذا قال شُرَيح ‪ ،‬ومُرّة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد وغير واحد‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن أبي زياد ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أنبأنا إسماعيل ‪ ،‬عن عامر ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬جاء رجلن إلى شُرَيح ‪ ،‬فقال أحدهما ‪ :‬إن شاة هذا قطعت غزل لي ‪ ،‬فقال شريح ‪ :‬نهارًا أم‬
‫ضمِن ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬وَدَاوُدَ وَسُلَ ْيمَانَ إِذْ‬
‫ليل ؟ فإن كان نهارًا فقد برئ صاحب الشاة ‪ ،‬وإن كان ليل َ‬
‫شتْ فِيهِ } الية‪.‬‬
‫ح ُكمَانِ فِي الْحَ ْرثِ ِإذْ َنفَ َ‬
‫يَ ْ‬
‫وهذا الذي قاله شُرَيح شبيه بما رواه المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من حديث الليث بن‬
‫سعد ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن حَرام بن مُحَيْصة (‪ )1‬؛ أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطًا ‪،‬‬
‫فأفسدت فيه ‪ ،‬فقضى رسول ال صلى ال عليه وسلم على أهل الحوائط حفظها بالنهار ‪ ،‬وما‬
‫أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها (‪ .)2‬وقد عُلّل هذا الحديث ‪ ،‬وقد بسطنا الكلم عليه في‬
‫كتاب "الحكام" وبال التوفيق‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ح ْكمًا وَعِ ْلمًا } قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫ن َوكُل آتَيْنَا ُ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ف َف ّهمْنَاهَا سُلَ ْيمَا َ‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن حميد ؛ أن إياس بن معاوية لما‬
‫استقضى أتاه الحسن فبكى ‪ ،‬قال (‪ )3‬ما يبكيك ؟ قال (‪ )4‬يا أبا سعيد ‪ ،‬بلغني أن القضاة ‪ :‬رجل‬
‫اجتهد فأخطأ ‪ ،‬فهو في النار ‪ ،‬ورجل مال به الهوى فهو في النار ‪ ،‬ورجل اجتهد فأصاب فهو في‬
‫الجنة‪ .‬فقال الحسن البصري ‪ :‬إن فيما قص ال من نبأ داود وسليمان ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬والنبياء‬
‫ح ُكمَانِ فِي ا ْلحَ ْرثِ‬
‫سلَ ْيمَانَ إِذْ َي ْ‬
‫حكمًا يرد قول هؤلء الناس عن قولهم ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬وَدَاوُ َد وَ ُ‬
‫ح ْك ِمهِمْ شَاهِدِينَ } فأثنى ال على سليمان ولم يذم داود‪ .‬ثم قال ‪-‬‬
‫شتْ فِيهِ غَ َنمُ ا ْل َقوْ ِم َوكُنّا لِ ُ‬
‫إِذْ َنفَ َ‬
‫يعني ‪ :‬الحسن ‪ : -‬إن ال اتخذ على الحكماء ثلثًا ‪ :‬ل يشترون به ثمنًا قليل ول يتبعون فيه‬
‫ح ُكمْ بَيْنَ النّاسِ‬
‫جعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ال ْرضِ فَا ْ‬
‫الهوى ‪ ،‬ول يخشون فيه أحدًا ‪ ،‬ثم تل { يَا دَاوُدُ إِنّا َ‬
‫شوُا النّاسَ‬
‫خَ‬‫ق وَل تَتّ ِبعِ ا ْل َهوَى فَ ُيضِّلكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (‪[ } ] )5‬ص ‪ ]26 :‬وقال ‪ { :‬فَل تَ ْ‬
‫حّ‬‫بِالْ َ‬
‫شوْنِ } [ المائدة ‪ ، ]44 :‬وقال { وَل تَشْتَرُوا بِآيَاتِي َثمَنًا قَلِيل } [ المائدة ‪.]44 :‬‬
‫وَاخْ َ‬
‫قلت ‪ :‬أما النبياء ‪ ،‬عليهم السلم ‪ ،‬فكلهم معصومون مُؤيّدون من ال عز وجل‪ .‬وهذا مما ل‬
‫خلف (‪ )6‬فيه بين العلماء المحققين من السلف والخلف ‪ ،‬وأما من سواهم فقد ثبت في صحيح‬
‫البخاري ‪ ،‬عن عمرو بن العاص أنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا اجتهد‬
‫الحاكم فأصاب فله أجران ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬عن حرام عن الزهري بن محيصة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )5/435‬وسنن أبي داود برقم (‪ )3570‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)2332‬‬
‫تنبيه ‪ :‬هذا الطريق إنما هو طريق ابن ماجه ‪ ،‬أما أحمد فرواه عن مالك وسفيان ومعمر عن‬
‫الزهري ‪ ،‬وأما أبو داود فرواه عن معمر والوزعي عن الزهري‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬ما ل اختلف فيه"‪.‬‬

‫( ‪)5/356‬‬

‫وإذا اجتهد فأخطأ (‪ )1‬فله أجر" (‪ )2‬فهذا الحديث يرد نصا ما توهمه "إياس" من أن القاضي إذا‬
‫اجتهد فأخطأ فهو في النار ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وفي السنن ‪" :‬القضاة ثلثة ‪ :‬قاض في الجنة ‪ ،‬وقاضيان في النار ‪ :‬رجل علم الحق وقضى به‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فهو في الجنة ‪ ،‬ورجل حكم بين الناس على جهل فهو في النار ‪ ،‬ورجل علم الحق وقضى بخلفه‬
‫‪ ،‬فهو في النار (‪.)3‬‬
‫وقريب من هذه القصة المذكورة في القرآن ما رواه المام أحمد في مسنده ‪ ،‬حيث قال ‪ :‬حدثنا‬
‫حفْص ‪ ،‬أخبرنا وَرْقاء عن أبي الزّنَاد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول‬
‫علي بن َ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بينما امرأتان معهما ابنان لهما ‪ ،‬جاء (‪ )4‬الذئب فأخذ أحد البنين ‪،‬‬
‫فتحاكمتا إلى داود ‪ ،‬فقضى به للكبرى ‪ ،‬فخرجتا‪ .‬فدعاهما سليمان فقال ‪ :‬هاتوا السكين أشقه‬
‫بينهما ‪ ،‬فقالت الصغرى ‪ :‬يرحمك ال هو ابنها ‪ ،‬ل َتشُقه ‪ ،‬فقضى به للصغرى" (‪.)5‬‬
‫وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما (‪ )6‬وبوّب عليه النسائي في كتاب القضاء ‪( :‬باب الحاكم‬
‫يوهم خلف الحكم ليستعلم الحق) (‪.)7‬‬
‫وهكذا القصة التي أوردها الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمة "سليمان عليه السلم" من‬
‫تاريخه ‪ ،‬من طريق الحسن بن سفيان ‪ ،‬عن صفوان بن صالح ‪ ،‬عن الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن بشر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬فذكر قصة مطولة (‪ )8‬ملخصها ‪ : -‬أن‬
‫امرأة حسناء في زمان بني إسرائيل ‪ ،‬راودها عن نفسها أربعة من رؤسائهم ‪ ،‬فامتنعت على (‪)9‬‬
‫كل منهم ‪ ،‬فاتفقوا فيما بينهم عليها ‪ ،‬فشهدوا عليها عند داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنها َمكّنت من نفسها‬
‫كلبًا لها ‪ ،‬قد عودته ذلك منها ‪ ،‬فأمر برجمها‪ .‬فلما كان عشية ذلك اليوم ‪ ،‬جلس سليمان ‪ ،‬واجتمع‬
‫معه وِلْدانٌ ‪ ،‬مثله ‪ ،‬فانتصب حاكمًا وتزيا أربعة منهم بزيّ أولئك ‪ ،‬وآخر بزيّ المرأة ‪ ،‬وشهدوا‬
‫عليها بأنها مكَنت من نفسها كلبًا ‪ ،‬فقال سليمان ‪ :‬فرقوا بينهم‪ .‬فقال لولهم ‪ :‬ما كان لون الكلب ؟‬
‫فقال ‪ :‬أسود‪ .‬فعزله ‪ ،‬واستدعى الخر فسأله عن لونه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أحمر‪ .‬وقال الخر ‪ :‬أغبش‪ .‬وقال‬
‫الخر ‪ :‬أبيض‪ .‬فأمر بقتلهم ‪ ،‬فحكي ذلك لداود ‪ ،‬فاستدعى من فوره بأولئك الربعة ‪ ،‬فسألهم‬
‫متفرقين عن لون ذلك الكلب ‪ ،‬فاختلفوا عليه ‪ ،‬فأمر بقتلهم (‪.)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وأخطأ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)7352‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪ )3573‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪ )5922‬وسنن ابن ماجه برقم (‬
‫‪)2315‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬إذ جاء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪)2/322‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬صحيحيهما"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )6769‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1720‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‬
‫‪ )5958‬والباب فيه "التوسعة للحاكم في أن يقول للشيء الذي ل يفعله أفعل ليستبين له الحق"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬طويلة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )10‬تاريخ دمشق (‪" 7/565‬المخطوط")‬

‫( ‪)5/357‬‬

‫ن وَالطّيْ َر َوكُنّا فَاعِلِينَ } ‪ :‬وذلك لطيب صوته بتلوة‬


‫سخّرْنَا مَعَ دَاوُدَ ا ْلجِبَالَ ُيسَبّحْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫كتابه الزبور ‪ ،‬وكان إذا تَرَنّم به تقف الطير في الهواء ‪ ،‬فتجاوبه ‪ ،‬وتَرد عليه الجبال تأويبًا ؛‬
‫ولهذا لمّا مَرّ النبي صلى ال عليه وسلم على أبي موسى الشعري ‪ ،‬وهو يتلو القرآن من الليل ‪،‬‬
‫وكان له صوت طيب [جدًا] (‪ .)1‬فوقف واستمع لقراءته ‪ ،‬وقال ‪" :‬لقد أوتي هذا مزامير آل داود"‪.‬‬
‫قال يا رسول ال ‪ ،‬لو علمت أنك تسمع (‪ )2‬لحبرته لك تحبيرًا (‪.)3‬‬
‫وقال أبو عثمان النهدي ‪ :‬ما سمعت صوت صَنْج ول بربط ول مزمار مثل صوت أبي موسى‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬ومع هذا قال ‪ :‬لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود‪.‬‬
‫سكُمْ } يعني صنعة الدروع‪.‬‬
‫حصِ َنكُمْ (‪ )4‬مِنْ بَأْ ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَعَّلمْنَا ُه صَ ْنعَةَ لَبُوسٍ َلكُمْ لِيُ ْ‬
‫قال قتادة ‪ :‬إنما كانت الدروع قبله صفائح ‪ ،‬وهو أول من سردها حَلقًا‪ .‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَأَلَنّا َلهُ‬
‫ع َملْ سَا ِبغَاتٍ َوقَدّرْ فِي السّرْدِ } [سبأ ‪ ]11 ، 10 :‬أي ‪ :‬ل توسع الحلقة فتقلق (‪)5‬‬
‫حدِيدَ‪ .‬أَنِ ا ْ‬
‫الْ َ‬
‫سكُمْ } يعني ‪ :‬في‬
‫حصِ َنكُمْ (‪ )6‬مِنْ بَ ْأ ِ‬
‫المسمار ‪ ،‬ول تغلظ المسمار ف َتقَدّ الحَلْقة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬لِ ُي ْ‬
‫القتال ‪َ { ،‬ف َهلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ } أي ‪ :‬نعم ال عليكم ‪ ،‬لما ألهم به عبده داود ‪ ،‬فعلمه ذلك من أجلكم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلِسُلَ ْيمَانَ الرّيحَ عَاصِفَةً } أي ‪ :‬وسخرنا لسليمان الريح العاصفة ‪َ { ،‬تجْرِي بَِأمْ ِرهِ إِلَى‬
‫شيْءٍ عَاِلمِينَ } وذلك أنه كان له بساط‬
‫ال ْرضِ الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا } يعني أرض الشام ‪َ { ،‬وكُنّا ِب ُكلّ َ‬
‫من خشب ‪ ،‬يوضع عليه كل ما يحتاج إليه من أمور المملكة ‪ ،‬والخيل والجمال والخيام والجند ‪،‬‬
‫ثم يأمر الريح أن تحمله فتدخل تحته ‪ ،‬ثم تحمله فترفعه وتسير به ‪ ،‬وتظله الطير من الحر ‪ ،‬إلى‬
‫سخّرْنَا لَهُ الرّيحَ‬
‫حيث يشاء من الرض ‪ ،‬فينزل وتوضع آلته وخشبه (‪ ، )7‬قال ال تعالى ‪ { :‬فَ َ‬
‫شهْرٌ } [سبأ ‪:‬‬
‫حهَا َ‬
‫شهْ ٌر وَ َروَا ُ‬
‫غ ُدوّهَا َ‬
‫تَجْرِي بَِأمْ ِرهِ ُرخَاءً حَ ْيثُ َأصَابَ } [ص ‪ ، ]36 :‬وقال { ُ‬
‫‪.]12‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن أبي سِنَان ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬كان‬
‫يُوضَع لسليمان ستمائة ألف كرسي ‪ ،‬فيجلس مما يليه مؤمنو النس ‪ ،‬ثم يجلس من ورائهم مؤمنو‬
‫الجن ‪ ،‬ثم يأمر الطير فتظلهم ‪ ،‬ثم يأمر الريح فتحمله صلى ال عليه وسلم (‪.)8‬‬
‫وقال عبد ال بن عُبَيْد بن عمير ‪ :‬كان سليمان يأمر الريح ‪ ،‬فتجتَمع كالطّود العظيم ‪ ،‬كالجبل ‪ ،‬ثم‬
‫يأمر بفراشه فيوضع على أعلى مكان منها ‪ ،‬ثم يدعو بفَرَس من ذوات الجنحة ‪ ،‬فترتفع (‪)9‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حتى تصعد (‪ )10‬على فراشه ‪ ،‬ثم يأمر الريح فترتفع به كُل شَرَف دون السماء ‪ ،‬وهو مطأطئ‬
‫رأسه ‪ ،‬ما يلتفت يمينا ول شمال تعظيمًا ل عز وجل ‪ ،‬وشكرًا لما يعلم من صغر ما هو فيه في‬
‫ملك ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬تستمع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق الحديث في فضائل القرآن‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لتحصنكم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬فتفلق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لتحصنكم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬وحشمه"‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬فتحملهم عليه السلم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيرتفع"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يصعد"‪.‬‬

‫( ‪)5/358‬‬

‫شفْنَا مَا بِهِ مِنْ‬


‫حمِينَ (‪ )83‬فَاسْ َتجَبْنَا لَهُ َفكَ َ‬
‫وَأَيّوبَ إِذْ نَادَى رَبّهُ أَنّي َمسّ ِنيَ الضّ ّر وَأَ ْنتَ أَ ْرحَمُ الرّا ِ‬
‫حمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَ ِذكْرَى لِ ْلعَا ِبدِينَ (‪)84‬‬
‫ضُ ّر وَآَتَيْنَاهُ أَهَْل ُه َومِثَْلهُمْ َم َعهُمْ رَ ْ‬

‫تعالى (‪ )1‬حتى تضعه (‪ .)2‬الريح حيث شاء أن تضعه (‪)3‬‬


‫وقوله ‪َ { :‬ومِنَ الشّيَاطِينِ مَنْ َيغُوصُونَ َلهُ } أي ‪ :‬في الماء يستخرجون الللئ [وغير ذلك‪.‬‬
‫عمَل دُونَ ذَِلكَ } أي ‪ :‬غير ذلك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَالشّيَاطِينَ ُكلّ بَنّاءٍ وَغَوّاصٍ * ]‬
‫{ وَ َي ْعمَلُونَ َ‬
‫صفَادِ }‪[ .‬ص ‪.]38 ، 37 :‬‬
‫(‪ )4‬وَآخَرِينَ ُمقَرّنِينَ فِي ال ْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكُنّا َلهُمْ حَافِظِينَ } (‪ )5‬أي ‪ :‬يحرسه ال أن يناله أحد من الشياطين بسوء ‪ ،‬بل كل في‬
‫حكّم (‪ )6‬فيهم ‪،‬‬
‫قبضته وتحت قهره ل يتجاسر أحد منهم على الدنو إليه والقرب منه ‪ ،‬بل هو ُم َ‬
‫صفَادِ }‬
‫إن شاء أطلق ‪ ،‬وإن شاء حبس منهم من يشاء ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَآخَرِينَ ُمقَرّنِينَ فِي ال ْ‬
‫شفْنَا مَا بِهِ مِنْ‬
‫حمِينَ (‪ )83‬فَاسْتَجَبْنَا َلهُ َفكَ َ‬
‫حمُ الرّا ِ‬
‫{ وَأَيّوبَ إِذْ نَادَى رَبّهُ أَنّي مَسّ ِنيَ الضّ ّر وَأَ ْنتَ أَرْ َ‬
‫حمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَ ِذكْرَى لِ ْلعَا ِبدِينَ (‪.} )84‬‬
‫ضُ ّر وَآتَيْنَاهُ أَهَْل ُه َومِثَْلهُمْ َم َعهُمْ رَ ْ‬
‫يذكر تعالى عن أيوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ما كان أصابه من البلء ‪ ،‬في ماله وولده وجسده (‪، )7‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وذلك أنه كان له من الدواب والنعام والحرث شيء كثير ‪ ،‬وأولد كثيرة ‪ ،‬ومنازل مرضية‪.‬‬
‫فابتلي في ذلك كله ‪ ،‬وذهب عن آخره ‪ ،‬ثم ابتلي في جسده ‪ -‬يقال ‪ :‬بالجذام في سائر بدنه ‪ ،‬ولم‬
‫يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه ‪ ،‬يذكر بهما ال عز وجل ‪ ،‬حتى عافه الجليس ‪ ،‬وأفردَ في ناحية‬
‫من البلد ‪ ،‬ولم يبق من الناس أحد (‪ )8‬يحنو عليه سوى زوجته ‪ ،‬كانت تقوم بأمره (‪ ، )9‬ويقال ‪:‬‬
‫إنها احتاجت فصارت تخدم الناس من أجله ‪ ،‬وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أشد الناس‬
‫بلء النبياء ‪ ،‬ثم الصالحون ‪ ،‬ثم المثل فالمثل" (‪ )10‬وفي الحديث الخر ‪" :‬يبتلى الرجل على‬
‫قدر دينه ‪ ،‬فإن كان في دينه صلبة زيد في بلئه" (‪.)11‬‬
‫وقد كان نبي ال أيوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬غاية في الصبر ‪ ،‬وبه يضرب المثل في ذلك‪.‬‬
‫وقال يزيد بن ميسرة ‪ :‬لما ابتلى ال أيوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بذهاب الهل والمال والولد ‪ ،‬ولم له‬
‫يبق شيء ‪ ،‬أحسن الذكر ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أحمدك رب الرباب ‪ ،‬الذي أحسنت إلي ‪ ،‬أعطيتني المال‬
‫والولد ‪ ،‬فلم يبق من قلبي شعبة ‪ ،‬إل قد دخله ذلك ‪ ،‬فأخذت ذلك كله مني ‪ ،‬وفرّغت قلبي ‪ ،‬ليس‬
‫يحول بيني وبينك شيء ‪ ،‬لو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت ‪ ،‬حسدني‪ .‬قال ‪ :‬فلقي إبليس من‬
‫ذلك منكرًا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقال أيوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إنك أعطيتني المال والولد ‪ ،‬فلم يقم على بابي أحد‬
‫يشكوني لظلم ظلمته ‪ ،‬وأنت تعلم ذلك‪ .‬وأنه كان يوطأ لي الفراش فأتركها وأقول لنفسي ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬يضعه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حيث يشاء أن يضعه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬له"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يحكم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬وجسده وولده"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬أحد من الناس"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬بأوده"‪.‬‬
‫(‪ )10‬رواه أحمد في المسند (‪ )1/172‬والترمذي في السنن برقم (‪ )2398‬وابن ماجه في السنن‬
‫برقم (‪ )4023‬من حديث سعد بن أبي وقاص رضي ال عنه‪ .‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن‬
‫صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )11‬هو جزء من الحديث المتقدم ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/359‬‬

‫يا نفس ‪ ،‬إنك لم تخلقي لوطء الفرش (‪ ، )1‬ما تركت ذلك إل ابتغاء وجهك‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقد ذكر عن وهب بن منبه في خبره قصة طويلة ‪ ،‬ساقها ابن جرير وابن أبي حاتم بالسند عنه ‪،‬‬
‫وذكرها غير واحد من متأخري المفسرين ‪ ،‬وفيها غرابة تركناها لحال الطول (‪.)2‬‬
‫وقد روى أنه مكث في البلء مدة طويلة ‪ ،‬ثم اختلفوا في السبب المهيج له على هذا الدعاء ‪ ،‬فقال‬
‫الحسن وقتادة ‪ ،‬ابتلي أيوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬سبع سنين وأشهرًا ‪ ،‬ملقى على كُنَاسَة بني إسرائيل ‪،‬‬
‫عظَمّ له الجر ‪ ،‬وأحسن عليه الثناء‪.‬‬
‫تختلف الدواب في جسده ففرج ال عنه ‪ ،‬و َ‬
‫وقال وهب بن منبه ‪ :‬مكث في البلء ثلث سنين ‪ ،‬ل يزيد ول ينقص‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬تساقط لحم أيوب حتى لم يبق إل العصب والعظام ‪ ،‬فكانت امرأته تقوم عليه وتأتيه‬
‫بالزاد يكون فيه ‪ ،‬فقالت له امرأته لما طال وجعه ‪ :‬يا أيوب ‪ ،‬لو دعوت ربك (‪ )3‬يفرج عنك ؟‬
‫فقال ‪ :‬قد عشت سبعين سنة صحيحًا ‪ ،‬فهل (‪ )4‬قليل ل أن أصبر له سبعين سنة ؟ فجَزَعت من‬
‫ذلك فخرجت ‪ ،‬فكانت تعمل للناس بأجر وتأتيه بما تصيب فتطعمه ‪ ،‬وإن إبليس انطلق إلى رجلين‬
‫من فلسطين كانا صديقين له وأخوين ‪ ،‬فأتاهما فقال ‪ :‬أخوكما أيوب أصابه من البلء كذا وكذا ‪،‬‬
‫فأتياه وزوراه واحمل معكما من خمر أرضكما ‪ ،‬فإنه إن شرب منه بَرَأ‪ .‬فأتياه ‪ ،‬فلما نظرا إليه‬
‫بكيا ‪ ،‬فقال ‪ :‬من أنتما ؟ فقال (‪ : )5‬نحن فلن وفلن! فرحّب بهما وقال ‪ :‬مرحبًا بمن ل يجفوني‬
‫عند البلء ‪ ،‬فقال يا أيوب ‪ ،‬لعلك كنت تُسر شيئًا وتظهر غيره ‪ ،‬فلذلك ابتلك ال ؟ فرفع رأسه‬
‫إلى السماء ثم قال ‪ :‬هو يعلم ‪ ،‬ما أسررت شيئًا أظهرت غيره‪ .‬ولكن ربي ابتلني لينظر أأصبر‬
‫أم أجزع ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا أيوب ‪ ،‬اشرب من خمرنا فإنك إن شربت منه بَرَأت‪ .‬قال ‪ :‬فغضب وقال‬
‫جاءكما الخبيث فأمركما بهذا ؟ كلمكما وطعامكما وشرابكما عليّ حرام‪ .‬فقاما من عنده ‪،‬‬
‫وخرجت امرأته تعمل للناس فخبزت لهل بيت لهم صبي ‪ ،‬فجعلت لهم قرصًا (‪ ، )6‬وكان ابنهم‬
‫نائمًا ‪ ،‬فكرهوا أن يوقظوه ‪ ،‬فوهبوه لها‪.‬‬
‫فأتت به إلى أيوب ‪ ،‬فأنكره وقال ‪ :‬ما كنت تأتيني بهذا ‪ ،‬فما بالك اليوم ؟ فأخبرته الخبر‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فلعل الصبي قد استيقظ ‪ ،‬فطلب القرص فلم يجده فهو يبكي على أهله‪[ .‬فانطلقي به إليه‪ .‬فأقبلت‬
‫حتى بلغت درجة القوم ‪ ،‬فنطحتها شاة لهم ‪ ،‬فقالت ‪ :‬تعس أيوب الخطاء! فلما صعدت وجدت‬
‫الصبي قد استيقظ وهو يطلب القرص ‪ ،‬ويبكي على أهله] (‪ ، )7‬ل يقبل منهم شيئًا غيره ‪ ،‬فقالت‬
‫‪ :‬رحم ال أيوب فدفعت القرص إليه ورجعت‪ .‬ثم إن إبليس أتاها في صورة طبيب ‪ ،‬فقال لها ‪:‬‬
‫إن زوجك قد طال سُقمه ‪ ،‬فإن أراد أن يبرأ فليأخذ ذبابًا فليذبحه باسم صنم بني فلن فإنه يبرأ‬
‫ويتوب بعد ذلك‪ .‬فقالت ذلك ليوب ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد أتاك الخبيث‪ .‬ل عليّ إن برأت أن أجلدك مائة‬
‫جلدة‪ .‬فخرجت تسعى عليه ‪ ،‬فحظر عنها الرزق ‪ ،‬فجعلت ل تأتي أهل بيت فيريدونها ‪ ،‬فلما اشتد‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليها ذلك وخافت على أيوب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬الفراش"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)1/42‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فهو"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قرصة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/360‬‬

‫الجوع حلقت من شعرها قرنًا فباعته من صبية من بنات الشراف ‪ ،‬فأعطوها طعامًا طيبًا كثيرًا‬
‫فأتت به أيوب ‪ ،‬فلما رآه أنكره وقال ‪ :‬من أين لك هذا ؟ قالت ‪ :‬عملت لناس فأطعموني‪ .‬فأكل‬
‫منه ‪ ،‬فلما كان الغد خرجت فطلبت أن تعمل فلم تجد فحلقت أيضًا قرنًا فباعته من تلك الجارية ‪،‬‬
‫فأعطوها من ذلك الطعام ‪ ،‬فأتت به أيوب ‪ ،‬فقال ‪ :‬وال ل أطعمه حتى أعلم من أين هو ؟‬
‫فوضعت خمارها ‪ ،‬فلما رأى رأسها محلوقًا جزع جزعًا شديدًا ‪ ،‬فعند ذلك دعا ربه عز وجل ‪:‬‬
‫حمِينَ }‪.‬‬
‫حمُ الرّا ِ‬
‫{ أَنّي مَسّ ِنيَ الضّ ّر وَأَ ْنتَ أَرْ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬حدثنا أبو عمران‬
‫الجوني ‪ ،‬عن َنوْف ال ِبكَالي ؛ أن الشيطان الذي عرج في أيوب كان يقال له ‪" :‬سوط" (‪ ، )1‬قال ‪:‬‬
‫وكانت امرأة أيوب تقول ‪" :‬ادع ال فيشفيك" ‪ ،‬فجعل ل يدعو ‪ ،‬حتى مر به نفر من بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬ما أصابه ما أصابه إل بذنب عظيم أصابه ‪ ،‬فعند ذلك قال ‪:‬‬
‫"رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين"‪.‬‬
‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو سلمة ‪ ،‬حدثنا جرير بن حازم ‪ ،‬عن عبد ال بن عبيد بن عمير قال ‪ :‬كان‬
‫ليوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أخوان فجاءا يومًا ‪ ،‬فلم يستطيعا أن يدنوا منه ‪ ،‬من ريحه ‪ ،‬فقاما من بعيد‬
‫‪ ،‬فقال أحدهما للخر ‪ :‬لو كان ال علم من أيوب خيرًا ما ابتله بهذا ؟ فجزع أيوب من قولهما‬
‫جَزعا لم يجزع من شيء قط ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان (‪ )2‬وأنا‬
‫أعلم مكان جائع ‪ ،‬فصدقني‪ .‬فصدق من السماء وهما يسمعان‪ .‬ثم قال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إن كنت تعلم أني‬
‫لم يكن لي قميصان قط ‪ ،‬وأنا أعلم مكان عار ‪َ ،‬فصَدقني فصدق من السماء وهما يسمعان‪ .‬اللهم (‬
‫‪ )3‬بعزتك ثم خر ساجدًا ‪ ،‬ثم قال (‪ )4‬اللهم بعزتك ل أرفع رأسي أبدًا حتى تكشف عني‪ .‬فما رفع‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رأسه حتى كشف عنه‪.‬‬
‫وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعًا بنحو هذا فقال ‪ :‬أخبرنا يونس بن عبد العلى ‪،‬‬
‫عقَيل ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬أن‬
‫أخبرنا ابن وهب أخبرني نافع بن يزيد ‪ ،‬عن ُ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن نبي ال أيوب لبث به بلؤه ثماني عشرة سنة ‪ ،‬فرفضه‬
‫القريب والبعيد ‪ ،‬إل رجلين من إخوانه ‪ ،‬كانا من أخص إخوانه ‪ ،‬كانا (‪ )5‬يغدوان إليه‬
‫ويروحان ‪ ،‬فقال أحدهما لصاحبه ‪َ :‬تعَلّم ‪ -‬وال ‪ -‬لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين‪.‬‬
‫فقال له صاحبه ‪ :‬وما ذاك ؟ قال ‪ :‬منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ال فيكشف (‪ )6‬ما به‪ .‬فلما‬
‫راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ‪ ،‬فقال أيوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬ما أدري ما تقول ‪،‬‬
‫غير أن ال عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران ال ‪ ،‬فأرجع إلى بيتي‬
‫فأكفر عنهما ‪ ،‬كراهة أن يذكرا ال إل في حق‪ .‬قال ‪ :‬وكان يخرج في حاجته (‪ ، )7‬فإذا قضاها‬
‫أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ‪ ،‬فلما كان ذات يوم أبطأت عليه ‪ ،‬فأوحى إلى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مبسوط"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬شبعانا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ثم قال ‪ :‬اتللهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬له"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬فكشف"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬حاجة"‪.‬‬

‫( ‪)5/361‬‬

‫أيوب في مكانه ‪ :‬أن اركض برجلك ‪ ،‬هذا مغتسل بارد وشراب" (‪.)1‬‬
‫رفع هذا الحديث غريب جدًا‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬أخبرنا علي بن زيد ‪،‬‬
‫عن يوسف بن ِمهْران ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬وألبسه ال حلة من الجنة ‪ ،‬فتنحى أيوب فجلس‬
‫في ناحية ‪ ،‬وجاءت امرأته ‪ ،‬فلم تعرفه ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا عبد ال ‪ ،‬أين ذهب المبتلى الذي كان هاهنا ؟‬
‫لعل الكلب ذهبت به أو الذئاب ‪ ،‬فجعلت تكلمه ساعة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ويحك! أنا أيوب! قالت ‪ :‬أتسخر‬
‫مني يا عبد ال ؟ فقال ‪ :‬ويحك! أنا أيوب ‪ ،‬قد رد ال علي جسدي‪.‬‬
‫وبه قال ابن عباس ‪ :‬ورد عليه ماله وولده عيانا ‪ ،‬ومثلهم معهم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال وهب بن منبه ‪ :‬أوحى ال إلى أيوب ‪ :‬قد رددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم ‪ ،‬فاغتسل‬
‫بهذا الماء ‪ ،‬فإن فيه شفاءك ‪ ،‬وقرب عن صاحبتك (‪ )2‬قربانًا ‪ ،‬واستغفر لهم ‪ ،‬فإنهم قد عصوني‬
‫فيك‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫[وقال] (‪ )3‬أيضًا ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا عمرو بن مرزوق ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن‬
‫النضر ابن أنس ‪ ،‬عن بَشير (‪ )4‬بن َنهِيك ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‬
‫‪" :‬لما عافى ال أيوب ‪ ،‬أمطر عليه جرادًا من ذهب ‪ ،‬فجعل يأخذ بيده ويجعله في ثوبه"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فقيل له ‪ :‬يا أيوب ‪ ،‬أما تشبع ؟ قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ومن يشبع من رحمتك"‪.‬‬
‫أصله في الصحيحين (‪ ، )5‬وسيأتي في موضع آخر‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَآتَيْنَاهُ َأهْلَ ُه َومِثَْلهُمْ َم َعهُمْ } قد تقدم عن ابن عباس أنه قال ‪ :‬ردوا عليه بأعيانهم‪ .‬وكذا‬
‫رواه العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس أيضًا‪ .‬وروي مثله عن ابن مسعود ومجاهد ‪ ،‬وبه قال الحسن‬
‫وقتادة‪.‬‬
‫جعَة ‪ ،‬وإن‬
‫وقد زعم بعضهم أن اسم زوجته رحمة ‪ ،‬فإن كان أخذ ذلك من سياق الية فقد أبعد النّ ْ‬
‫كان أخذه من نقل أهل الكتاب ‪ ،‬وصح ذلك عنهم ‪ ،‬فهو مما ل يصدق ول يكذب‪ .‬وقد سماها ابن‬
‫عساكر في تاريخه ‪ -‬رحمه ال تعالى ‪ -‬قال ‪ :‬ويقال ‪ :‬اسمها ليا ابنة مِنَشّا بن يوسف بن يعقوب‬
‫بن إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬قال ‪ :‬ويقال ‪ :‬ليا بنت يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬زوجة أيوب كانت معه‬
‫بأرض البَثَنيّة‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬قيل له ‪ :‬يا أيوب ‪ ،‬إن أهلك لك في الجنة ‪ ،‬فإن شئت أتيناك بهم ‪ ،‬وإن شئت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (‪" )2091‬موارد" من طريق حرملة بن يحيى عن ابن‬
‫وهب بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬صحابتك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬بشر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/582‬من طرق عن عمرو بن مرزوق به ‪ ،‬وسيأتي أصل‬
‫الحديث في صحيح البخاري عند تفسير الية ‪ 42 :‬من سورة ص‪.‬‬

‫( ‪)5/362‬‬

‫حمَتِنَا إِ ّنهُمْ مِنَ الصّالِحِينَ (‬


‫س وَذَا ا ْل ِك ْفلِ ُكلّ مِنَ الصّابِرِينَ (‪ )85‬وَأَ ْدخَلْنَا ُهمْ فِي رَ ْ‬
‫سمَاعِيلَ وَِإدْرِي َ‬
‫وَإِ ْ‬
‫‪)86‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تركناهم لك في الجنة ‪ ،‬وعوضناك مثلهم‪ .‬قال ‪ :‬ل بل اتركهم لي في الجنة‪ .‬فتُركوا له في الجنة‬
‫وعوض مثلهم في الدنيا‪.‬‬
‫جوْني ‪ ،‬عن نَوف ال ِبكَالي قال ‪ :‬أوتي أجرهم في الخرة ‪،‬‬
‫وقال حماد بن زيد ‪ ،‬عن أبي عمران ال َ‬
‫وأعطي مثلهم في الدنيا‪ .‬قال ‪ :‬فحدثت به ُمطَرّفا ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما عرفت وجهها قبل اليوم‪.‬‬
‫وهكذا روي عن قتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغير واحد من السلف ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫حمَةً مِنْ عِنْدِنَا } أي ‪ :‬فعلنا به ذلك رحمة من ال به ‪َ { ،‬و ِذكْرَى ِل ْلعَابِدِينَ } أي ‪:‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ر ْ‬
‫وجعلناه في ذلك قدوة ‪ ،‬لئل يظن أهل البلء إنما فعلنا بهم ذلك (‪ )1‬لهوانهم علينا ‪ ،‬وليتأسوا به‬
‫في الصبر على مقدورات ال وابتلئه لعباده بما (‪ )2‬يشاء ‪ ،‬وله الحكمة البالغة في ذلك‪.‬‬
‫حمَتِنَا إِ ّنهُمْ مِنَ الصّاِلحِينَ‬
‫خلْنَاهُمْ فِي َر ْ‬
‫ل وَإِدْرِيسَ وَذَا ا ْل ِك ْفلِ ُكلّ مِنَ الصّابِرِينَ (‪ )85‬وَأَدْ َ‬
‫سمَاعِي َ‬
‫{ وَإِ ْ‬
‫(‪.} )86‬‬
‫أما إسماعيل فالمراد به ابن إبراهيم الخليل ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬وقد تقدم ذكره في سورة مريم ‪،‬‬
‫وكذلك إدريس ‪ ،‬عليه السلم (‪ )3‬وأما ذو الكفل فالظاهر من السياق أنه ما قرن مع النبياء إل‬
‫وهو نبي‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬إنما كان رجل صالحًا ‪ ،‬وكان ملكًا عادل وحكمًا مقسطًا ‪ ،‬وتوقف ابن‬
‫جرير في ذلك ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيج ‪ ،‬عن مجاهد في قوله ‪ { :‬وَذَا ا ْل ِك ْفلِ } قال ‪ :‬رجل صالح غير نبي ‪ ،‬تكفل لنبي‬
‫قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل ‪ ،‬ففعل ذلك ‪ ،‬فَسُمي ‪ :‬ذا الكفل‪ .‬وكذا‬
‫روَى ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد أيضًا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا وُهَيب ‪ ،‬حدثنا داود ‪ ،‬عن مجاهد‬
‫قال ‪ :‬لما كبر اليسع قال ‪ :‬لو أني استخلفت رجل على الناس يعمل عليهم في حياتي ‪ ،‬حتى أنظر‬
‫كيف يعمل ؟ فجمع الناس ‪ ،‬فقال ‪ :‬من يتقبل مني بثلث ‪ :‬أستخلفه يصوم النهار ‪ ،‬ويقوم الليل ‪،‬‬
‫ول يغضب‪ .‬قال ‪ :‬فقام رجل تزدريه العين ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا‪ .‬فقال ‪ :‬أنت تصوم النهار ‪ ،‬وتقوم الليل ‪،‬‬
‫ول تغضب ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فردهم (‪ )4‬ذلك اليوم ‪ ،‬وقال مثلها في اليوم الخر ‪ ،‬فسكت‬
‫الناس ‪ ،‬وقام ذلك الرجل وقال (‪ )5‬أنا‪ .‬فاستخلفه ‪ ،‬قال ‪ :‬وجعل إبليس يقول للشياطين ‪ :‬عليكم‬
‫بفلن‪ .‬فأعياهم ذلك (‪ ، )6‬قال ‪ :‬دعوني (‪ )7‬وإياه ‪ ،‬فأتاه في صورة شيخ كبير فقير ‪ ،‬فأتاه حين‬
‫أخذ مضجعه للقائلة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬إنما فعل ذلك بهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬فيما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬تفسير اليات ‪.57 - 54 :‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيردهم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬فقال"‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ذلك الرجل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬دعوني أنا وإياه"‪.‬‬

‫( ‪)5/363‬‬

‫‪ -‬وكان ل ينام الليل والنهار إل تلك النومة ‪ -‬فدق الباب ‪ ،‬فقال ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬شيخ كبير‬
‫مظلوم‪ .‬قال ‪ :‬فقام ففتح الباب ‪ ،‬فجعل يقص عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن بيني وبين قومي خصومة ‪ ،‬وإنهم‬
‫ظلموني ‪ ،‬وفعلوا بي وفعلوا‪ .‬وجعل يُطَول عليه حتى حضر الرواح وذهبت القائلة ‪ ،‬فقال (‪: )1‬‬
‫إذا رحت فأتني آخذ لك بحقك‪ .‬فانطلق ‪ ،‬وراح‪ .‬فكان في مجلسه ‪ ،‬فجعل ينظر هل يرى الشيخ ؟‬
‫فلم يره ‪ ،‬فقام يتبعه ‪ ،‬فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس ‪ ،‬وينتظره ول (‪ )2‬يراه ‪ ،‬فلما رجع‬
‫إلى القائلة فأخذ مضجعه ‪ ،‬أتاه فدق الباب ‪ ،‬فقال ‪ :‬من هذا ؟ قال (‪ )3‬الشيخ الكبير المظلوم‪ .‬ففتح‬
‫له (‪ )4‬فقال ‪ :‬ألم أقل لك إذا قعدت فأتني ؟ قال ‪ :‬إنهم أخبث قوم ‪ ،‬إذا عرفوا (‪ )5‬أنك قاعد قالوا‬
‫‪ :‬نحن نعطيك حقك‪ .‬وإذا قمت جحدوني‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق ‪ ،‬فإذا رحت فأتني‪ .‬قال ‪ :‬ففاتته القائلة ‪،‬‬
‫فراح فجعل ينتظره (‪ )6‬ول يراه ‪ ،‬وشق عليه النعاس ‪ ،‬فقال لبعض أهله ‪ :‬ل تدعن أحدًا يَقرب‬
‫هذا الباب حتى أنام ‪ ،‬فإني قد شق عليّ النوم‪ .‬فلما كان تلك الساعة أتاه (‪ )7‬فقال له الرجل ‪:‬‬
‫وراءك وراءك ؟ فقال ‪ :‬إني قد أتيته أمس ‪ ،‬فذكرت له أمري ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل وال لقد أمرنا أل ندع‬
‫أحدًا يقربه‪ .‬فلما أعياه نظر فرأى ُكوّة في البيت ‪ ،‬فتسور منها ‪ ،‬فإذا هو في البيت ‪ ،‬وإذا هو يدق‬
‫الباب من داخل ‪ ،‬قال ‪ :‬فاستيقظ الرجل فقال ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬ألم آمرك ؟ فقال (‪ )8‬أما من قبلي وال‬
‫فلم تؤتَ ‪ ،‬فانظر من أين أتيت ؟ قال ‪ :‬فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه ‪ ،‬وإذا الرجل معه‬
‫في البيت ‪ ،‬فعرفه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أعدو ال ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬أعييتني في كل شيء ‪ ،‬ففعلت ما تَرَى‬
‫لغضبك‪ .‬فسماه ال ذا الكفل ؛ لنه تكفل بأمر فوفى به (‪.)9‬‬
‫وهكذا رواه بن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث زهير بن إسحاق ‪ ،‬عن داود ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬بمثله‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن يونس ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن مسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬كان قاض في بني إسرائيل ‪ ،‬فحضره الموت ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬من يقوم مقامي على أل يغضب ؟ قال ‪ :‬فقال رجل ‪ :‬أنا‪ .‬فسمي ذا الكفل‪ .‬قال ‪ :‬فكان (‬
‫‪ )10‬ليله جميعًا يصلي ‪ ،‬ثم يصبح صائمًا فيقضي بين الناس ‪ -‬قال ‪ :‬وله (‪ )11‬ساعة يقيلها ‪-‬‬
‫قال ‪ :‬فكان كذلك ‪ ،‬فأتاه الشيطان عند نومته ‪ ،‬فقال له أصحابه ‪ :‬ما لك ؟ قال ‪ :‬إنسان مسكين ‪،‬‬
‫له على رجل حق ‪ ،‬وقد غلبني عليه‪ .‬قالوا ‪ :‬كما أنت حتى يستيقظ ‪ -‬قال ‪ :‬وهو فوق نائم ‪ -‬قال‬
‫‪ :‬فجعل يصيح عمدا حتى يوقظه (‪ ، )12‬قال ‪ :‬فسمع ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لك ؟ قال ‪ :‬إنسان مسكين ‪ ،‬له‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫على رجل حق‪ .‬قال ‪ :‬اذهب فقل له يعطيك‪ .‬قال ‪ :‬قد أبى‪ .‬قال ‪ :‬اذهب أنت إليه‪ .‬قال ‪ :‬فذهب ‪،‬‬
‫ثم جاء من الغد ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لك ؟ قال ‪ :‬ذهبت إليه فلم يرفع بكلمك رأسًا‪ .‬قال ‪ :‬اذهب إليه فقل‬
‫له يعطيك حقك ‪ ،‬قال ‪ :‬فذهب ‪ ،‬ثم جاء من الغد حين قال ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال له أصحابه ‪ :‬اخرج ‪ ،‬فعل‬
‫ال بك ‪ ،‬تجيء كل يوم حين ينام ‪ ،‬ل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬ففتح الباب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬اعترفوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬ينتظر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬جاءه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)17/59‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬فله"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪" :‬يغضبه"‪.‬‬

‫( ‪)5/364‬‬

‫تدعه ينام ؟‪ .‬فجعل (‪ )1‬يصيح ‪ :‬من أجل أني إنسان مسكين ‪ ،‬لو كنت غنيا ؟ قال ‪ :‬فسمع أيضًا ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ما لك ؟ قال ‪ :‬ذهبت إليه فضربني‪ .‬قال ‪ :‬امش حتى أجيء معك‪ .‬قال ‪ :‬فهو ممسك بيده ‪،‬‬
‫فلما رآه ذهب معه نَثَر يده منه (‪َ )2‬ففَر‪.‬‬
‫وهكذا روي عن عبد ال بن الحارث ‪ ،‬ومحمد بن قيس ‪ ،‬وابن حُجَيرة الكبر ‪ ،‬وغيرهم من‬
‫السلف ‪ ،‬نحو من هذه القصة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الجماهر (‪ ، )3‬أخبرنا سعيد بن بشير ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪،‬‬
‫عن أبي كنانة بن الخنس قال ‪ :‬سمعت الشعري وهو يقول على هذا المنبر ‪ :‬ما كان ذو الكفل‬
‫بنبي ‪ ،‬ولكن كان ‪ -‬يعني ‪ :‬في بني إسرائيل ‪ -‬رجل صالح يصلي كل يوم مائة صلة ‪ ،‬فتكفل له‬
‫ذو الكفل من بعده ‪ ،‬فكان يصلي كل يوم مائة صلة ‪ ،‬فسمي ذا الكفل‪.‬‬
‫وقد رواه ابن جرير من حديث عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة قال ‪" :‬قال أبو موسى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الشعري‪ "...‬فذكره منقطعا (‪ ، )4‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد حديثًا غريبًا فقال ‪:‬‬
‫حدثنا أسباط بن محمد ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن عبد ال بن عبد ال ‪ ،‬عن سعد (‪ )5‬مولى طلحة ‪،‬‬
‫عن ابن عمر قال ‪ :‬سمعت من رسول ال صلى ال عليه وسلم حديثا لو لم أسمعه إل مرة أو‬
‫مرتين ‪ -‬حتى عدّ سبع مرات ‪ -‬ولكن قد سمعته أكثر من ذلك ‪ ،‬قال ‪" :‬كان الكفل من بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬ل يتورّع من ذنب عمله ‪ ،‬فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا ‪ ،‬على أن يَطَأها ‪ ،‬فلما قعد‬
‫منها (‪ )6‬مَقعدَ الرجل من امرأته ‪ ،‬أرعِدَت (‪ )7‬وبكت ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما يبكيك ؟ أكْرَهْتُك ؟ قالت ‪ :‬ل‬
‫حمَلني عليه الحاجة‪ .‬قال ‪ :‬فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ؟ فَنزل‬
‫ولكن هذا عمل لم أعمله قط ‪ ،‬وإنما َ‬
‫(‪ )8‬فقال ‪ :‬اذهبي فالدنانير لك‪ .‬ثم قال ‪" :‬وال ل يَعصي ال الكفل أبدًا‪ .‬فمات من ليلته فأصبح‬
‫مكتوبًا على بابه ‪ :‬قد غفر ال للكفل" (‪.)9‬‬
‫هكذا وقع في هذه الرواية "الكفل" ‪ ،‬من غير إضافة ‪ ،‬فال أعلم‪ .‬وهذا الحديث لم يخرجه أحد من‬
‫أصحاب الكتب الستة (‪ ، )10‬وإسناده غريب ‪ ،‬وعلى كل تقدير فلفظ الحديث إن كان "الكفل" ‪ ،‬ولم‬
‫يقل ‪" :‬ذو الكفل" ‪ ،‬فلعله رجل آخر ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬فجعل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬منه فذهب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو الجماهير"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)17/60‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬معها"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ارتعدت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬ثم نزل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)2/23‬‬
‫(‪ )10‬قلت ‪ :‬بل أخرجه الترمذي في السنن برقم (‪ )2496‬من طريق عبيد بن أسباط عن أبيه به ‪،‬‬
‫وقال ‪" :‬هذا حديث حسن قد رواه شيبان وغير واحد عن العمش نحو هذا ورفعوه وروى بعضهم‬
‫عن العمش فلم يرفعه"‪.‬‬

‫( ‪)5/365‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وَذَا النّونِ ِإذْ ذَ َهبَ ُمغَاضِبًا فَظَنّ أَنْ لَنْ َنقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلّا أَ ْنتَ سُبْحَا َنكَ‬
‫إِنّي كُ ْنتُ مِنَ الظّاِلمِينَ (‪ )87‬فَاسْ َتجَبْنَا لَ ُه وَنَجّيْنَاهُ مِنَ ا ْلغَ ّم َوكَذَِلكَ نُ ْنجِي ا ْل ُمؤْمِنِينَ (‪)88‬‬

‫{ وَذَا النّونِ إِذْ ذَ َهبَ ُمغَاضِبًا َفظَنّ أَنْ لَنْ َنقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلمَاتِ أَنْ ل إِلَهَ إِل أَ ْنتَ سُ ْبحَا َنكَ‬
‫إِنّي كُ ْنتُ مِنَ الظّاِلمِينَ (‪ )87‬فَاسْ َتجَبْنَا لَ ُه وَنَجّيْنَاهُ مِنَ ا ْلغَ ّم َوكَذَِلكَ نُ ْنجِي ا ْل ُمؤْمِنِينَ (‪.} )88‬‬
‫هذه القصة مذكورة هاهنا وفي سورة "الصافات" وفي سورة "ن" (‪ )1‬وذلك أن يونس بن مَتّى ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬بعثه ال إلى أهل قرية "نينوى" ‪ ،‬وهي قرية من أرض الموصل ‪ ،‬فدعاهم إلى ال ‪،‬‬
‫فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم ‪ ،‬فخرج من بين أظهرهم مغاضبا لهم ‪ ،‬ووعدهم بالعذاب بعد‬
‫ثلث‪ .‬فلما تحققوا منه ذلك ‪ ،‬وعلموا أن النبي ل يكذب ‪ ،‬خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم‬
‫ومواشيهم ‪ ،‬وفرقوا بين المهات وأولدها ‪ ،‬ثم تضرعوا إلى ال عز وجل ‪ ،‬وجأروا (‪ )2‬إليه ‪،‬‬
‫حمْلنها ‪ ،‬فرفع ال عنهم العذاب‬
‫ورغت البل و ُفضْلنها ‪ ،‬وخارت البقر وأولدها ‪ ،‬وثغت الغنم و ُ‬
‫شفْنَا عَ ْنهُمْ‬
‫‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬فََلوْل كَا َنتْ قَرْيَةٌ آمَ َنتْ فَنَ َف َعهَا إِيمَا ُنهَا إِل َقوْمَ يُونُسَ َلمّا آمَنُوا كَ َ‬
‫عَذَابَ (‪ )3‬ا ْلخِ ْزيِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َومَ ّتعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } [يونس ‪.]98 :‬‬
‫وأما يونس ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فإنه ذهب فركب مع قوم في سفينة فََلجّجت بهم ‪ ،‬وخافوا أن يغرقوا (‬
‫‪ .)4‬فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه ‪ ،‬فوقعت القرعة على يونس ‪ ،‬فأبوا (‪)5‬‬
‫أن يلقوه ‪ ،‬ثم أعادوا القرعة فوقعت عليه أيضًا ‪ ،‬فأبوا ‪ ،‬ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا ‪ ،‬قال ال‬
‫حضِينَ } [ الصافات ‪ ، ]141 :‬أي ‪ :‬وقعت عليه القرعة (‪ ، )6‬فقام‬
‫تعالى ‪ { :‬فَسَاهَمَ َفكَانَ مِنَ ا ْلمُ ْد َ‬
‫يونس ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وتجرد من ثيابه ‪ ،‬ثم ألقى نفسه في البحر ‪ ،‬وقد أرسل ال ‪ ،‬سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ،‬من البحر الخضر ‪ -‬فيما قاله ابن مسعود ‪ -‬حوتًا يشق البحار ‪ ،‬حتى جاء فالتقم يونس‬
‫حين ألقى نفسه من السفينة ‪ ،‬فأوحى ال إلى ذلك الحوت أل تأكل له لحمًا ‪ ،‬ول تهشم له عظما ؛‬
‫فإن يونس ليس لك رزقا ‪ ،‬وإنما بطنك له يكون سجنًا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَذَا النّونِ } يعني ‪ :‬الحوت ‪ ،‬صحت الضافة إليه بهذه النسبة‪.‬‬
‫وقوله ‪ِ { :‬إذْ َذ َهبَ ُمغَاضِبًا } ‪ :‬قال الضحاك ‪ :‬لقومه ‪َ { ،‬فظَنّ أَنْ لَنْ َنقْدِرَ عَلَ ْيهِ } [أي ‪ :‬نضيق‬
‫عليه في بطن الحوت‪ .‬يُروَى نحو هذا عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم ‪،‬‬
‫واختاره (‪ )7‬ابن جرير ‪ ،‬واستشهد عليه بقوله تعالى ‪َ { :‬ومَنْ ُقدِرَ عَلَيْهِ رِ ْزقُهُ فَلْيُ ْنفِقْ ِممّا آتَاهُ اللّهُ‬
‫عسْرٍ يُسْرًا } [ الطلق ‪.]7 :‬‬
‫ج َعلُ اللّهُ َبعْدَ ُ‬
‫ل ُيكَّلفُ اللّهُ َنفْسًا إِل مَا آتَاهَا سَيَ ْ‬
‫وقال عطية العَوفي ‪َ { :‬فظَنّ أَنْ لَنْ َنقْدِرَ عَلَ ْيهِ } (‪ ، )8‬أي ‪ :‬نقضي عليه ‪ ،‬كأنه جعل ذلك بمعنى‬
‫التقدير ‪ ،‬فإن العرب تقول ‪ :‬قدَر وقَدّر بمعنى واحد ‪ ،‬وقال الشاعر ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سورة الصافات اليات ‪ ، )148 - 139( :‬وسورة نون (القلم) اليات ‪.)50 - 48( :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ولجؤوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬العذاب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تغرق بهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬فأتوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬فوقعت القرعة عليه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬واختارهم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/366‬‬

‫ك المْرُ‪...‬‬
‫فَل عَائد ذَاكَ ال ّزمَانُ الذي َمضَى‪ ...‬تباركت ما َتقْدرْ َيكُنْ ‪ ،‬فََل َ‬
‫ومنه قوله تعالى ‪ { :‬فَالْ َتقَى ا ْلمَاءُ عَلَى َأمْرٍ قَدْ ُقدِرَ } [القمر ‪ ، ]12 :‬أي ‪ :‬قدر‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَنَادَى فِي الظُّلمَاتِ أَنْ ل إِلَهَ إِل أَ ْنتَ سُ ْبحَا َنكَ إِنّي كُ ْنتُ مِنَ الظّاِلمِينَ } قال ابن مسعود ‪:‬‬
‫ظلمة بطن الحوت ‪ ،‬وظلمة البحر ‪ ،‬وظلمة الليل‪ .‬وكذا روي عن ابن عباس (‪ ، )1‬وعمرو بن‬
‫ميمون ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫وقال سالم بن أبي الجعد ‪ :‬ظلمةُ حُوت في بطن حوت (‪ ، )2‬في ظلمة البحر‪.‬‬
‫شقّها ‪ ،‬حتى‬
‫قال ابن مسعود ‪ ،‬وابنُ عباس وغيرهما ‪ :‬وذلك أنه ذهب به الحوتُ في البحار يَ ُ‬
‫انتهى به إلى قرار البحر ‪ ،‬فسمع (‪ )3‬يونسُ تسبيح الحصى في قراره ‪ ،‬فعند ذلك وهنالكَ قال ‪{ :‬‬
‫ل إِلَهَ إِل أَ ْنتَ سُ ْبحَا َنكَ }‬
‫وقال عوف ‪ :‬لما صار يونس في بطن الحوت ‪ ،‬ظن أنه قد مات ‪ ،‬ثم حرك رجليه فلما تحركت‬
‫سجد مكانه ‪ ،‬ثم نادى ‪ :‬يا رب (‪ ، )4‬اتخذت لك مسجدًا (‪ )5‬في موضع ما اتخذه (‪ )6‬أحد‪.‬‬
‫وقال سعيد بن أبي الحسن البصري ‪ :‬مكث في بطن الحوت أربعين يومًا‪ .‬رواهما (‪ )7‬ابن جبير‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق بن يَسَار ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن عبد ال بن رافع ‪ -‬مولى أم سلمة ‪ -‬سمعتُ‬
‫أبا هريرة يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬لما أراد ال حَ ْبسَ يونس في بطن‬
‫الحوت ‪ ،‬أوحى ال إلى الحوت أن خذه ‪ ،‬ول تخدش لحما ول تكسر عظما ‪ ،‬فلما انتهى به إلى‬
‫أسفل البحر ‪ ،‬سمع يونس حسًا ‪ ،‬فقال في نفسه ‪ :‬ما هذا ؟ فأوحى ال إليه ‪ ،‬وهو في بطن (‪)8‬‬
‫الحوت ‪ :‬إن هذا تسبيح دواب البحر‪ .‬قال ‪ :‬فَسَبّح وهو في بطن الحوت ‪ ،‬فسمع (‪ )9‬الملئكة‬
‫تسبيحه فقالوا ‪ :‬يا ربنا ‪ ،‬إنا نسمع صوتًا ضعيفًا [بأرض غريبة] (‪ )10‬قال ‪ :‬ذلك عبدي يونس ‪،‬‬
‫عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر‪ .‬قالوا ‪ :‬العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في‬
‫كل يوم وليلة عملٌ صالح ؟‪ .‬قال ‪ :‬نعم"‪ .‬قال ‪" :‬فشفعوا له عند ذلك ‪ ،‬فأمر الحوت فقذفه في‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سقِيمٌ } [الصافات ‪.]145 :‬‬
‫الساحل ‪ ،‬كما قال ال عز وجل ‪ { )11( :‬وَ ُهوَ َ‬
‫ورواه ابن جرير (‪ ، )12‬ورواه البزار في مسنده ‪ ،‬من طريق محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫رافع ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬فذكره بنحوه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ل نعلمه يروى عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫إل من هذا الوجه بهذا السناد (‪ ، )13‬وروى ابن عبد الحق من حديث شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن مرة‬
‫‪ ،‬عن عبد ال بن سَلمَة (‪، )14‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬ابن مسعود"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حوت آخر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حتى يسمع" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬حتى سمع"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬رب الحوت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬مسجد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما أخده"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬رواها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬وهو ببطن"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فسمعت"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬ال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )12‬تفسير الطبري (‪.)17/65‬‬
‫(‪ )13‬مسند البزار برقم (‪" )2254‬كشف الستار"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬مسلم"‪.‬‬

‫( ‪)5/367‬‬

‫عن علي مرفوعًا ‪ :‬ل ينبغي لعبد أن يقول ‪ " :‬أنا (‪ )1‬خير من يونس بن متى" ؛ سبح ل في‬
‫الظلمات (‪.)2‬‬
‫وقد روي هذا الحديث بدون هذه الزيادة ‪ ،‬من حديث ابن عباس ‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬وعبد ال بن‬
‫جعفر ‪ ،‬وسيأتي أسانيدها في سورة "ن" (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو عبد ال أحمد بن عبد الرحمن بن أخي ابن وهب ‪ ،‬حدثنا عمي ‪:‬‬
‫حدثني أبو صخر ‪ :‬أن يزيد الرقاشي حدثه قال ‪ :‬سمعت أنس بن مالك ‪ -‬ول أعلم إل أن أنسا‬
‫يرفع الحديث إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أن يونس النبي ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين بدا له‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت ‪ ،‬قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬سبحانك ‪ ،‬إني كنت‬
‫من الظالمين"‪ .‬فأقبلت هذه الدعوة تحف بالعرش (‪ ، )4‬فقالت الملئكة ‪ :‬يا رب ‪ ،‬صوت ضعيف‬
‫معروف من بلد غريبة ؟ فقال ‪ :‬أما تعرفون ذاك (‪ )5‬؟ قالوا ‪ :‬ل يا رب (‪ ، )6‬ومن هو ؟ قال‬
‫ع َملٌ متقبل (‪ ، )7‬ودعوة مجابة ؟‪[ .‬قال‬
‫‪ :‬عبدي يونس‪ .‬قالوا ‪ :‬عبدك يونس الذي لم يزل يُرفَع له َ‬
‫‪ :‬نعم] (‪ .)8‬قالوا ‪ :‬يا رب ‪َ ،‬أوَل (‪ )9‬ترحم ما كان يصنع (‪ )10‬في الرخاء فتنجيَه من البلء ؟‬
‫قال ‪ :‬بلى‪ .‬فأمر الحوت فطرحه في العراء (‪.)11‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَاسْ َتجَبْنَا َل ُه وَنَجّيْنَاهُ مِنَ ا ْلغَمّ } أي ‪ :‬أخرجناه من بطن الحوت ‪ ،‬وتلك الظلمات ‪،‬‬
‫{ َوكَذَِلكَ نُ ْنجِي ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬إذا كانوا في الشدائد ودَعَونا منيبين إلينا ‪ ،‬ول سيما إذا دعوا بهذا‬
‫الدعاء في حال البلء ‪ ،‬فقد جاء الترغيب في الدعاء بها عن سيد النبياء ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫عمَر ‪ ،‬حدثنا يونس بن أبي إسحاق الهمداني ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن محمد (‪)12‬‬
‫حدثنا إسماعيل بن ُ‬
‫ابن سعد ‪ ،‬حدثني والدي محمد عن أبيه سعد ‪ - ،‬وهو ابن أبي وقاص ‪ -‬قال ‪ :‬مررت بعثمان بن‬
‫عفان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬في المسجد ‪ ،‬فسلمت عليه ‪ ،‬فمل عينيه مني ثم لم يَردُدْ عليّ السلم ‪،‬‬
‫فأتيت عمر بن الخطاب فقلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬هل حدث في السلم شيء ؟ مرتين ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ل وما ذاك ؟ قلت ‪ :‬ل إل أني مررتُ بعثمان (‪ )13‬آنفا في المسجد ‪ ،‬فسلمت عليه ‪ ،‬فمل عينيه‬
‫مني ‪ ،‬ثم لم يَرْدُد (‪ )14‬علي السلم‪ .‬قال ‪ :‬فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما منعك أل‬
‫تكون َردَدت على أخيك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬أنا عند ال خير"‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا (ابن عبد الحق) ‪ ،‬وأظنه تحريف عن عبد بن حميد ‪ ،‬إل أني ل أجزم بذلك ‪ ،‬وقد ذكره‬
‫الهندي في كنز العمال (‪ )12/476‬وعزاه لبن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن مردويه وابن‬
‫عساكر في تاريخه‪.‬‬
‫(‪ )3‬كذا قال الحافظ ابن كثير ‪ ،‬وإنما ذكره هناك من حديث ابن مسعود وأبي هريرة رضي ال‬
‫عنهما‪.‬‬
‫فأما حديث ابن عباس ‪ :‬فرواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )3395‬ومسلم في صحيحه برقم (‬
‫‪.)2377‬‬
‫وأما حديث عبد ال بن جعفر ‪ :‬فرواه أبو داود في السنن برقم (‪.)4670‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬نحو العرش" وفي ف ‪" :‬تحت العرش"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يا ربنا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬متقبل"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أفل"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يصنعه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬ورواه ابن أبي الدنيات في الفرج بعد الشدة برقم (‪ )32‬من طريق أحمد بن صالح عن عبد‬
‫ال بن وهب به‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬محمد بن إبراهيم"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بعثمان بن عفان رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬يرد"‪.‬‬

‫( ‪)5/368‬‬

‫السلم ؟ قال ‪ :‬ما فعلتُ‪ .‬قال سعد ‪ :‬قلتُ ‪ :‬بلى (‪ )1‬حتى حلفَ وحلفت ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم إن عثمان ذكرَ‬
‫فقال ‪ :‬بلى ‪ ،‬وأستغفر ال وأتوب إليه ‪ ،‬إنك مررت بي آنفا وأنا أحدّث نفسي بكلمة سمعتُها من‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ل وال ما ذكرتها قط إل َتغْشَى بصري وقلبي غشَاوة‪ .‬قال سعد ‪:‬‬
‫فأنا أنبئك بها ‪ ،‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم ذكر لنا [أول دعوة] (‪ )2‬ثم جاء أعرابي فشغله‬
‫‪ ،‬حتى قَام رسولُ ال صلى ال عليه وسلم فاتبعته ‪ ،‬فلما أشفقت أن يسبقني إلى منزله ضربت‬
‫بقدمي الرض ‪ ،‬فالتفت إليّ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬من هذا ؟ أبو إسحاق ؟" قال‬
‫‪ :‬قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬يا رسول ال‪ .‬قال ‪" :‬فمه ؟" قلت ‪ :‬ل وال ‪ ،‬إل أنك ذكرتَ لنا أول دعوة ‪ ،‬ثم جاء‬
‫هذا العرابي فشغلك‪ .‬قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬دعوةُ ذي النون ‪ ،‬إذ هو في بطن الحوت ‪ { :‬ل إِلَهَ إِل أَ ْنتَ‬
‫سُ ْبحَا َنكَ إِنّي كُ ْنتُ مِنَ الظّاِلمِينَ } ‪ ،‬فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إل استجاب له"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬والنسائي في "اليوم والليلة" ‪ ،‬من حديث إبراهيم بن محمد بن سعد ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن سعد (‪ ، )3‬به (‪.)4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو خالد الحمر ‪ ،‬عن كَثِير بن زيد ‪ ،‬عن‬
‫المطلب بن حنطب ‪ -‬قال أبو خالد ‪ :‬أحسبه عن مصعب ‪ ،‬يعني ‪ :‬ابن سعد ‪ -‬عن سعد (‪ )5‬قال‬
‫‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من دعا بدعاء يونس ‪ ،‬اس ُتجِيب (‪ )6‬له"‪ .‬قال أبو سعيد ‪:‬‬
‫يريد به { َوكَذَِلكَ نُ ْنجِي ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } (‪.)7‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني عمران بن َبكّار الكَلعي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن صالح ‪ ،‬حدثنا أبو يحيى بن‬
‫عبد الرحمن ‪ ،‬حدثني بِشْر بن منصور ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب قال ‪ :‬سمعت‬
‫سعد بن مالك ‪ -‬وهو ابن أبي وقاص ‪ -‬يقول ‪ :‬سمعت رسولَ ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫"اسم ال الذي إذا دُعي به أجاب ‪ ،‬وإذا سُئِل به أعطى ‪ ،‬دعوةُ يونس بن متى"‪ .‬قال ‪ :‬قلت (‪: )8‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال ‪ :‬هي ليونس بن متى خاصة‬
‫وللمؤمنين عامة ‪ ،‬إذا دعوا بها ‪ ،‬ألم تسمع قول ال عز وجل ‪ : { :‬فَنَادَى فِي الظُّلمَاتِ أَنْ ل إِلَهَ‬
‫إِل أَ ْنتَ سُبْحَا َنكَ إِنّي كُ ْنتُ مِنَ الظّاِلمِينَ‪ .‬فَاسْتَجَبْنَا َل ُه وَنَجّيْنَاهُ مِنَ ا ْل َغ ّم َوكَذَِلكَ نُنْجِي ا ْل ُم ْؤمِنِينَ }‪.‬‬
‫فهو شرط من ال لمن دعاه به" (‪.)9‬‬
‫حذَم‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن أبي سُرَيج ‪ ،‬حدثنا داود بن ال ُمحَبّر بن قَ ْ‬
‫المقدسي ‪ ،‬عن كثير بن معبد قال ‪ :‬سألت الحسن ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا أبا سعيد ‪ ،‬اسم ال العظم الذي إذا‬
‫دعي به أجاب ‪ ،‬وإذا سئل به أعطى ؟ قال ‪ :‬ابنَ أخي ‪ ،‬أما تقرأ القرآن ؟ قول ال ‪ { :‬وَذَا النّونِ‬
‫إِذْ ذَ َهبَ ُمغَاضِبًا }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬ويلي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ابن سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )1/170‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3505‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)10492‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عن سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬استجبت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/584‬من طريق يحيى بن عبد الحميد ‪ ،‬وابن عدي في‬
‫الكامل (‪ )6/68‬من طريق أبي هشام الرفاعي كلهما عن أبي خالد الحمر به‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فقلت"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)17/65‬‬

‫( ‪)5/369‬‬

‫وَ َزكَرِيّا ِإذْ نَادَى رَبّهُ َربّ لَا تَذَرْنِي فَ ْردًا وَأَ ْنتَ خَيْرُ ا ْلوَارِثِينَ (‪ )89‬فَاسْتَجَبْنَا َل ُه َووَهَبْنَا لَهُ َيحْيَى‬
‫شعِينَ (‬
‫ت وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا َوكَانُوا لَنَا خَا ِ‬
‫وََأصْلَحْنَا لَهُ َزوْجَهُ إِ ّن ُهمْ كَانُوا ُيسَارِعُونَ فِي ا ْلخَيْرَا ِ‬
‫‪)90‬‬

‫إلى قوله ‪ { :‬ا ْل ُمؤْمِنِينَ } ‪ ،‬ابن أخي ‪ ،‬هذا اسم ال العظم ‪ ،‬الذي إذا دُعي به أجاب ‪ ،‬وإذا سئل‬
‫به أعطى‪.‬‬
‫{ وَ َزكَرِيّا إِذْ نَادَى رَبّهُ َربّ ل َتذَرْنِي فَ ْردًا وَأَ ْنتَ خَيْرُ ا ْلوَارِثِينَ (‪ )89‬فَاسْتَجَبْنَا َل ُه َووَهَبْنَا لَهُ َيحْيَى‬
‫شعِينَ (‬
‫ت وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا َوكَانُوا لَنَا خَا ِ‬
‫وََأصْلَحْنَا لَهُ َزوْجَهُ إِ ّن ُهمْ كَانُوا ُيسَارِعُونَ فِي ا ْلخَيْرَا ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪.} )90‬‬
‫يخبر تعالى عن عبده زكريا ‪ ،‬حين طلب أن يَهبَه ال ولدا ‪ ،‬يكون من بعده نبيًا‪ .‬وقد تقدمت‬
‫القصة مبسوطة في أول سورة "مريم" وفي سورة "آل عمران" أيضا ‪ ،‬وهاهنا أخصر منهما ؛ { إِذْ‬
‫نَادَى رَبّهُ } أي ‪ :‬خفية عن قومه ‪َ { :‬ربّ ل َتذَرْنِي فَ ْردًا } أي ‪ :‬ل ولدَ لي ول وارثَ يقوم بعدي‬
‫في الناس ‪ { ،‬وَأَنْتَ خَيْرُ ا ْلوَارِثِينَ } دعاء وثناء مناسب للمسألة‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فَاسْ َتجَبْنَا لَ ُه َووَهَبْنَا َلهُ يَحْيَى وََأصْلَحْنَا َلهُ َزوْجَهُ } أي ‪ :‬امرأته‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ :‬كانت عاقرا ل تلد ‪ ،‬فولدت‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن مهدي (‪ ، )1‬عن طلحة بن عمرو ‪ ،‬عن عطاء ‪ :‬كان في لسانها طول‬
‫فأصلحها ال‪ .‬وفي رواية ‪ :‬كان في خَلْقها شيء فأصلحها ال‪ .‬وهكذا قال محمد بن كعب ‪،‬‬
‫والسدّي‪ .‬والظهر من السياق الول‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّن ُهمْ كَانُوا ُيسَارِعُونَ فِي ا ْلخَيْرَاتِ } أي ‪ :‬في عمل القُرُبات وفعل الطاعات ‪،‬‬
‫{ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا } قال الثوري ‪ { :‬رَغَبًا } فيما عندنا ‪ { ،‬وَرَهَبًا } مما عندنا ‪َ { ،‬وكَانُوا لَنَا‬
‫شعِينَ } قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أي مصدقين بما أنزل ال‪ .‬وقال مجاهد ‪:‬‬
‫خَا ِ‬
‫مؤمنين حقا‪ .‬وقال أبو العالية ‪ :‬خائفين‪ .‬وقال أبو سِنَان ‪ :‬الخشوع هو الخوف اللزم للقلب ‪ ،‬ل‬
‫شعِينَ } أي ‪ :‬متواضعين‪ .‬وقال الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪:‬‬
‫يفارقه أبدًا‪ .‬وعن مجاهد أيضًا { خَا ِ‬
‫شعِينَ } أي ‪ :‬متذللين ل عز وجل‪ .‬وكل هذه القوال متقاربة‪ .‬وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي‬
‫{ خَا ِ‬
‫‪ ،‬حدثنا علي بن محمد الطّنَافِسيّ ‪ ،‬حدثنا محمد بن فضيل ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق بن (‪)2‬‬
‫عبد ال القرشي ‪ ،‬عن عبد ال بن حكيم قال ‪ :‬خطبنا أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما بعد‬
‫‪ ،‬فإني أوصيكم بتقوى ال ‪ ،‬وتُثنُوا عليه بما هو له أهل ‪ ،‬وتخلطوا الرغبة بالرهبة ‪ ،‬وتجمعوا‬
‫اللحاف بالمسألة ‪ ،‬فإن ال عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته ‪ ،‬فقال ‪ { :‬إِ ّنهُمْ كَانُوا ُيسَارِعُونَ‬
‫شعِينَ }‪.‬‬
‫ت وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا َوكَانُوا لَنَا خَا ِ‬
‫فِي الْخَيْرَا ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ابن منبه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عن"‪.‬‬

‫( ‪)5/370‬‬

‫جعَلْنَاهَا وَابْ َنهَا آَيَةً ِل ْلعَاَلمِينَ (‪ )91‬إِنّ هَ ِذهِ ُأمّ ُتكُمْ ُأمّةً‬
‫جهَا فَ َنفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَ َ‬
‫حصَ َنتْ فَ ْر َ‬
‫وَالّتِي َأ ْ‬
‫جعُونَ (‪َ )93‬فمَنْ َي ْع َملْ مِنَ‬
‫طعُوا َأمْرَ ُهمْ بَيْ َنهُمْ ُكلّ إِلَيْنَا رَا ِ‬
‫وَاحِ َد ًة وَأَنَا رَ ّب ُكمْ فَاعْبُدُونِ (‪ )92‬وَتَقَ ّ‬
‫سعْ ِي ِه وَإِنّا لَهُ كَاتِبُونَ (‪)94‬‬
‫ت وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَلَا ُكفْرَانَ لِ َ‬
‫الصّالِحَا ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جعَلْنَاهَا وَابْ َنهَا آ َيةً لِ ْلعَاَلمِينَ (‪.} )91‬‬
‫جهَا فَ َنفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَ َ‬
‫حصَ َنتْ فَرْ َ‬
‫{ وَالّتِي أَ ْ‬
‫هكذا قَرَن تعالى (‪ )1‬قصة مريم وابنها عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بقصة زكريا وابنه يحيى ‪ ،‬عليهما‬
‫السلم ‪ ،‬فيذكر أول قصة زكريا ‪ ،‬ثم يتبعها بقصة مريم ؛ لن تلك ُموَطّئة لهذه ‪ ،‬فإنها إيجاد ولد‬
‫طعَن في السن ‪ ،‬ومن امرأة عجوز عاقر لم تكن تلد في حال شبابها ‪ ،‬ثم يذكر‬
‫من شيخ كبير قد َ‬
‫قصة مريم وهي أعجب ‪ ،‬فإنها إيجاد ولد من أنثى بل ذكر‪ .‬هكذا وقع في سورة "آل عمران" ‪،‬‬
‫حصَنَتْ‬
‫وفي سورة "مريم" ‪ ،‬وهاهنا ذكر قصة زكريا ‪ ،‬ثم أتبعها بقصة مريم ‪ ،‬فقوله ‪ { :‬وَالّتِي َأ ْ‬
‫عمْرَانَ الّتِي‬
‫جهَا } يعني ‪ :‬مريم ‪ ،‬عليها السلم ‪ ،‬كما قال في سورة التحريم ‪َ { :‬ومَرْيَمَ ابْ َنتَ ِ‬
‫فَرْ َ‬
‫جهَا فَ َنفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا } [التحريم ‪.]12 :‬‬
‫حصَ َنتْ فَرْ َ‬
‫أَ ْ‬
‫جعَلْنَاهَا وَابْ َنهَا آيَةً ِل ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬دللة على أن ال على كل شيء قدير ‪ ،‬وأنه يخلق‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫ما يشاء ‪ ،‬و { إِ ّنمَا َأمْ ُرهُ ِإذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ َيقُولَ َلهُ كُنْ فَ َيكُونُ } [يس ‪ .]82 :‬وهذا كقوله ‪:‬‬
‫جعَلَهُ آ َيةً لِلنّاسِ } [مريم ‪.]21 :‬‬
‫{ وَلِ َن ْ‬
‫عمْرو بن علي ‪ ،‬حدثنا أبو عاصم الضحاك بن ُمخَلّد (‪)2‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫عن شَبِيب (‪ - )3‬يعني ابن بشر (‪ - )4‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬في قوله ‪ { :‬لِ ْلعَاَلمِينَ }‬
‫قال ‪ :‬العالمين ‪ :‬الجن والنس‪.‬‬
‫جعُونَ (‪)93‬‬
‫طعُوا َأمْرَهُمْ بَيْ َن ُهمْ ُكلّ إِلَيْنَا رَا ِ‬
‫ح َد ًة وَأَنَا رَ ّبكُمْ فَاعْبُدُونِ (‪ )92‬وَ َتقَ ّ‬
‫{ إِنّ هَ ِذهِ ُأمّ ُتكُمْ ُأمّ ًة وَا ِ‬
‫سعْيِ ِه وَإِنّا لَهُ كَاتِبُونَ (‪.} )94‬‬
‫َفمَنْ َي ْعمَلْ مِنَ الصّاِلحَاتِ وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَل ُكفْرَانَ ِل َ‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله ‪ { :‬إِنّ (‪)5‬‬
‫ح َدةً } يقول ‪ :‬دينكم دين واحد‪.‬‬
‫هَ ِذهِ ُأمّ ُتكُمْ ُأمّ ًة وَا ِ‬
‫وقال الحسن البصري ؛ في (‪ )6‬هذه الية ‪ :‬بين لهم ما يتقون وما يأتون ثم قال ‪ { :‬إِنّ َه ِذهِ ُأمّ ُتكُمْ‬
‫ح َدةً } أي ‪ :‬سنتكم سنة واحدة‪ .‬فقوله ‪ { :‬إِنّ هَ ِذهِ } إنّ واسمها ‪ ،‬و { ُأمّ ُتكُمْ } خبر إن ‪ ،‬أي‬
‫ُأمّ ًة وَا ِ‬
‫‪ :‬هذه شريعتكم التي بينت لكم ووضحت لكم ‪ ،‬وقوله ‪ُ { :‬أمّ ًة وَاحِ َدةً } نصب (‪ )7‬على الحال ؛‬
‫عمَلُوا صَاِلحًا‬
‫ت وَا ْ‬
‫سلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَا ِ‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬وَأَنَا رَ ّب ُكمْ فَاعْبُدُونِ } ‪َ ،‬كمَا قَالَ ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الرّ ُ‬
‫إِنّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنّ َه ِذهِ ُأمّ ُتكُمْ ُأمّ ًة وَاحِ َد ًة وَأَنَا رَ ّبكُمْ فَا ّتقُونِ } [المؤمنون ‪، ]52 ، 51 :‬‬
‫وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬نحن معشر النبياء أولد عَلت ديننا واحد" ‪ ،‬يعني ‪ :‬أن‬
‫جعَلْنَا‬
‫المقصود هو عبادة ال وحده ل شريك له بشرائع متنوعة لرسله ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ِ { :‬ل ُكلّ َ‬
‫ع ًة َومِ ْنهَاجًا } [المائدة ‪.]48 :‬‬
‫مِ ْنكُمْ شِرْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬يقرن ال تعالى" وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يقرن تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬عن مجلز"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬شعيب"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬نصيب"‪.‬‬

‫( ‪)5/371‬‬

‫ج وَهُمْ مِنْ ُكلّ‬


‫ج َومَأْجُو ُ‬
‫حتْ يَأْجُو ُ‬
‫جعُونَ (‪ )95‬حَتّى إِذَا فُ ِت َ‬
‫وَحَرَامٌ عَلَى قَرْ َيةٍ أَهَْلكْنَاهَا أَ ّنهُمْ لَا يَ ْر ِ‬
‫صةٌ أَ ْبصَارُ الّذِينَ َكفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنّا فِي‬
‫خ َ‬
‫حقّ فَإِذَا ِهيَ شَا ِ‬
‫عدُ الْ َ‬
‫ح َدبٍ يَ ْنسِلُونَ (‪ )96‬وَاقْتَ َربَ ا ْلوَ ْ‬
‫َ‬
‫غفْلَةٍ مِنْ هَذَا َبلْ كُنّا ظَاِلمِينَ (‪)97‬‬
‫َ‬

‫طعُوا َأمْرَهُمْ بَيْ َن ُهمْ } أي ‪ :‬اختلفت المم على رسلها ‪ ،‬فمن بين ُمصَدق لهم ومكذب ؛‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َتقَ ّ‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬فيجازَى كل بحسب عمله ‪ ،‬إن خيرًا فخير ‪،‬‬
‫ولهذا قال ‪ُ { :‬كلّ إِلَيْنَا رَا ِ‬
‫ت وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ } أي ‪ :‬قلبه مصدق ‪ ،‬وعمل‬
‫وإن شرًا فشر ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬فمَنْ َي ْع َملْ مِنَ الصّالِحَا ِ‬
‫عمَل } [الكهف ‪:‬‬
‫سعْيِهِ } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬إِنّا ل ُنضِيعُ َأجْرَ مَنْ َأحْسَنَ َ‬
‫عمل صالحا ‪ { ،‬فَل ُكفْرَانَ ِل َ‬
‫شكَر ‪ ،‬فل يظلم مثقال ذرة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَإِنّا َلهُ‬
‫‪ ]30‬أي ‪ :‬ل ُي ْكفَر سعيُه ‪ ،‬وهو عمله ‪ ،‬بل ُي ْ‬
‫كَاتِبُونَ } أي ‪ :‬يُكتب جميعُ عمله ‪ ،‬فل يَضيع عليه منه شيء‪.‬‬
‫ج وَهُمْ مِنْ ُكلّ‬
‫ج َومَأْجُو ُ‬
‫حتْ يَأْجُو ُ‬
‫جعُونَ (‪ )95‬حَتّى إِذَا فُ ِت َ‬
‫{ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ َأهَْلكْنَاهَا أَ ّنهُمْ ل يَ ْر ِ‬
‫صةٌ أَ ْبصَارُ الّذِينَ َكفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنّا فِي‬
‫خ َ‬
‫حقّ فَإِذَا ِهيَ شَا ِ‬
‫عدُ الْ َ‬
‫ح َدبٍ يَ ْنسِلُونَ (‪ )96‬وَاقْتَ َربَ ا ْلوَ ْ‬
‫َ‬
‫غفْلَةٍ مِنْ هَذَا َبلْ كُنّا ظَاِلمِينَ (‪.} )97‬‬
‫َ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ } قال ابن عباس ‪ :‬وجب ‪ ،‬يعني ‪ :‬قدرًا ُمقَدرًا (‪ )1‬أن أهل كل‬
‫(‪ )2‬قرية (‪ )3‬أهلكوا أنهم ل يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة‪ .‬هكذا صرح به ابن عباس ‪ ،‬وأبو‬
‫جعفر الباقر ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬ل يتوبون‪.‬‬
‫وفي رواية عن ابن عباس ‪ { :‬أَ ّنهُمْ ل يَرْ ِ‬
‫والقول الول أظهر ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ج َومَأْجُوجُ } ‪ :‬قد قدمنا أنهم من سللة آدم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بل هم‬
‫حتْ يَ ْأجُو ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬حَتّى إِذَا فُ ِت َ‬
‫من نسل نوح أيضا (‪ )4‬من أولد يافث أبي الترك ‪ ،‬والترك شرذمة منهم ‪ ،‬تركوا من وراء السد‬
‫الذي بناه ذو القرنين‪.‬‬
‫ضهُمْ‬
‫حقّا‪ .‬وَتَ َركْنَا َب ْع َ‬
‫جعََلهُ َدكّاءَ َوكَانَ وَعْدُ رَبّي َ‬
‫حمَةٌ مِنْ رَبّي فَِإذَا جَا َء وَعْدُ رَبّي َ‬
‫وقال ‪ { :‬هَذَا رَ ْ‬
‫ج ْمعًا } [الكهف ‪ ، ]99 ، 98 :‬وقال في هذه‬
‫ج َمعْنَاهُمْ َ‬
‫ض وَ ُنفِخَ فِي الصّورِ فَ َ‬
‫َي ْومَئِذٍ َيمُوجُ فِي َب ْع ٍ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج وَ ُهمْ مِنْ ُكلّ حَ َدبٍ يَ ْنسِلُونَ } أي ‪ :‬يسرعون في‬
‫حتْ يَ ْأجُوجُ َومَأْجُو ُ‬
‫الية الكريمة ‪ { :‬حَتّى ِإذَا فُتِ َ‬
‫المشي إلى الفساد‪.‬‬
‫والحَدَب ‪ :‬هو المرتفع من الرض ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬والثوري وغيرهم‬
‫‪ ،‬وهذه صفتهم في حال خروجهم ‪ ،‬كأن السامع مشاهد لذلك ‪ { ،‬وَل يُنَبّ ُئكَ مِ ْثلُ خَبِيرٍ } [فاطر ‪:‬‬
‫‪ : ]14‬هذا إخبار عالم ما كان وما يكون ‪ ،‬الذي يعلم غيب السموات والرض ‪ ،‬ل إله إل هو‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن مثنى ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن عُبَيد ال بن‬
‫أبي يزيد قال ‪ :‬رأى ابُن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض ‪ ،‬يلعبون ‪ ،‬فقال ابن عباس ‪:‬‬
‫هكذا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬مقدورا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬إن كل أهل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬القرية"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬

‫( ‪)5/372‬‬

‫يخرج يأجوج ومأجوج (‪.)1‬‬


‫وقد ورد ذكر خروجهم في أحاديث متعددة من السنة النبوية ‪:‬‬
‫فالحديث الول ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬عن عاصم بن‬
‫عمَر بن قتادة ‪ ،‬عن محمود بن لَبيد ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال‬
‫ُ‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬يُفتَح يأجوجُ ومأجوجُ ‪ ،‬فيخرجون كما قال ال عز وجل" ‪[ { :‬وَهُمْ ] (‪ )2‬مِنْ‬
‫سلُونَ } ‪ ،‬فيغشونَ الناس ‪ ،‬وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم (‪، )3‬‬
‫ُكلّ حَ َدبٍ يَنْ ِ‬
‫ويضمون إليهم مواشيَهم ‪ ،‬ويشربون مياه الرض ‪ ،‬حتى إن بعضَهم ليمر بالنهر ‪ ،‬فيشربون ما‬
‫فيه حتى يتركوه يَبَسا ‪ ،‬حتى إن مَنْ بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول (‪ : )4‬قد كان هاهنا ماء مرةً‬
‫حتى إذا لم يبقَ من الناس أحد إل أحدٌ في حصن أو مدينة قال قائلهم ‪ :‬هؤلء أهلُ الرض ‪ ،‬قد‬
‫فرغنا منهم ‪ ،‬بقي أهلُ السماء‪ .‬قال ‪" :‬ثم يهزّ أحدهم حربته ‪ ،‬ثم يرمي بها إلى السماء ‪ ،‬فترجع‬
‫إليه ُمخْتَضبَةً دما ؛ للبلء والفتنة‪ .‬فبينما هم على ذلك إذ بعث ال عز وجل دودا في أعناقهم‬
‫ك َنغَف الجراد الذي يخرج في أعناقه ‪ ،‬فيصبحون (‪ )5‬موتى ل يُسمَع لهم حس ‪ ،‬فيقول المسلمون‬
‫‪ :‬أل رجل يَشْري لنا نفسه ‪ ،‬فينظر ما فعل هذا العدو ؟" قال ‪" :‬فيتجرّد رجل منهم محتسبا نفسه ‪،‬‬
‫قد أوطنها على أنه مقتول ‪ ،‬فينزل فيجدهم موتى ‪ ،‬بعضهم على بعض ‪ ،‬فينادي ‪ :‬يا معشر‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المسلمين ‪ ،‬أل أبشروا ‪ ،‬إن ال عز وجل قد كفاكم عدوكم ‪ ،‬فيخرجون من مدائنهم وحصونهم‬
‫ويُسَرّحون مواشيهم ‪ ،‬فما يكون لها رعي إل لحومهم ‪ ،‬فَ َتشْكر عنه كأحسن ما شَكرَت عن شيء‬
‫من النبات أصابته قط‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجه ‪ ،‬من حديث يونس بن ُبكَيْر ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫الحديث الثاني ‪ :‬قال [المام] (‪ )7‬أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي ‪ ،‬حدثنا‬
‫عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ‪ ،‬حدثني يحيى بن جابر الطائي ‪ -‬قاضي حمص ‪ -‬حدثني عبد‬
‫الرحمن بن جُبَير بن ُنفَير الحضرمي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬أنه سمع ال ّنوّاس بن سمْعانَ الكلبي قال ‪ :‬ذكر‬
‫خفَض فيه و َرفَع ‪ ،‬حتى ظنناه في طائفة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم الدجال ذات غَداة ‪ ،‬ف َ‬
‫النخل ‪[ ،‬فلما رُحْنَا إليه عرف ذلك في وجوهنا ‪ ،‬فسألناه فقلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ذكرت الدجال‬
‫خ َوفُني‬
‫الغداة ‪ ،‬فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل] (‪ .)8‬فقال ‪" :‬غير الدجال أ ْ‬
‫عليكم ‪ ،‬فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حَجِيجُه دونكم ‪ ،‬وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ‪،‬‬
‫جعْدُ َقطَط عينه‬
‫وال خليفتي على كل مسلم ‪ :‬إنه شاب َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)17/70‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وحضرتهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فيقولون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬فيحصون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )3/77‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ ، )4079‬وقال البوصيري في الزوائد (‪: )3/260‬‬
‫"هذا إسناد صحيح رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫( ‪)5/373‬‬

‫طافية ‪ ،‬وإنه يخرج خََلةَ بين الشام والعراق ‪ ،‬فعاث يمينا وشمال يا عباد ال اثبتوا"‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما لبثه في الرض ؟ قال ‪" :‬أربعين يوما ‪ ،‬يوم كسنة ‪ ،‬ويوم كشهر ‪ ،‬ويوم‬
‫كجمعة ‪ ،‬وسائر أيامه كأيامكم"‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬فذاك اليوم الذي هو كسنة ‪ ،‬أتكفينا فيه صلة يوم وليلة ؟ قال ‪" :‬ل اقدروا له‬
‫قدره"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬فما إسراعه في الرض ؟ قال ‪" :‬كالغيث استدبرته الريح"‪ .‬قال ‪" :‬فيمر‬
‫بالحي فيدعوهم فيستجيبون له ‪ ،‬فيأمر السماء فتمطر ‪ ،‬والرض فتنبت ‪ ،‬وتروح عليهم سارحتهم‬
‫وهي أطول ما كانت ذُرَى ‪ ،‬وأمده خواصر ‪ ،‬وأسبغه ضروعا‪ .‬ويمر بالحي فيدعوهم فيردون‬
‫عليه قولَه ‪ ،‬فتتبعه أموالهم ‪ ،‬فيصبحون ُممْحلين ‪ ،‬ليس لهم من أموالهم‪ .‬ويمر بالخَربة فيقول لها ‪:‬‬
‫أخرجي كنوزك ‪ ،‬فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل"‪ .‬قال ‪" :‬ويأمر برجل فيُقتَل ‪ ،‬فيضربه بالسيف‬
‫فيقطعه جَزْلتين َرمْيَةَ الغَرَض ‪ ،‬ثم يدعوه فيقبل إليه [يتهلل وجهه] (‪.)1‬‬
‫فبينما هم على ذلك ‪ ،‬إذ بعث ال عز وجل المسيح ابن مريم ‪ ،‬فينزل عند المنارة (‪ )2‬البيضاء ‪،‬‬
‫شرقي دمشق ‪ ،‬بين َمهْرُودَتَين واضعا يَدَه على أجنحة مَلَكين ‪ ،‬فيتبعه فيدركه ‪ ،‬فيقتله عند باب لُدّ‬
‫الشرقي"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فبينما هم كذلك ‪ ،‬إذ أوحى ال عز وجل إلى عيسى ابن مريم ‪ :‬أني قد أخرجت عبادا من‬
‫حوّز عبادي إلى الطور ‪ ،‬فيبعث ال عز وجل يأجوج ومأجوج ‪،‬‬
‫عبادي ل يَدَانِ لك بقتالهم ‪ ،‬فَ َ‬
‫وهم كما قال ال ‪ { :‬مِنْ ُكلّ حَ َدبٍ يَنْسِلُونَ } فيرغب عيسى وأصحابه إلى ال عز وجل ‪ ،‬فيرسل‬
‫ال عليهم َن َغفًا في رقابهم ‪ ،‬فيصبحون فَرْسى ‪ ،‬كموت نفس واحدة‪.‬‬
‫فيهبط عيسى وأصحابه ‪ ،‬فل يجدون في الرض بيتا إل قد مله زَ َهمُهم ونَتْنهُم ‪ ،‬فيرغب عيسى‬
‫وأصحابه إلى ال ‪ ،‬فيرسل عليهم طيرًا كأعناق ال ُبخْت ‪ ،‬فتحملهم فتطرحهم حيث شاء ال"‪.‬‬
‫سكْسَكيّ (‪ ، )4‬عن كعب ‪ -‬أو غيره ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫قال ابن جابر (‪ )3‬فحدثني عطاء بن يزيد ال ّ‬
‫فتطرحهم بال َمهْبِل‪[ .‬قال ابن جابر ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا أبا يزيد ‪ ،‬وأين ال َمهْبِل ؟] (‪ ، )5‬قال ‪ :‬مطلع‬
‫الشمس‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ويرسل ال مطرًا ل َيكُنّ (‪ )6‬منه بيت َمدَر ول وَبَر أربعين يوما ‪ ،‬فيغسل الرض حتى‬
‫يتركها كالزَّلقَةِ ‪ ،‬ويقال للرض ‪ :‬أنبتي ثمرتك ‪ ،‬ورُدي بركتك"‪ .‬قال ‪" :‬فيومئذ يأكل النفر من‬
‫الرمانة ويستظلون بقحْفها ‪ ،‬ويُبَارك في الرَسْل ‪ ،‬حتى إن الّلقْحَ َة من البل لتكفي الفِئَامَ من‬
‫الناس ‪ ،‬واللقحة من البقر تكفي الفخذ ‪ ،‬والشاة من الغنم تكفي أهل البيت"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬المنازل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬جرير"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬السلسلي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬يكون"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/374‬‬

‫قال ‪" :‬فبينما هم على ذلك (‪ ، )1‬إذ بعث ال عز وجل ريحا طيبة تحت آباطهم ‪ ،‬فتقبض روح كل‬
‫مسلم ‪ -‬أو قال ‪ :‬كل مؤمن ‪ -‬ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمير ‪ ،‬وعليهم تقوم‬
‫الساعة"‪.‬‬
‫انفرد (‪ )2‬بإخراجه مسلم دون البخاري ‪ ،‬فرواه مع بقية أهل السنن من طرق ‪ ،‬عن عبد الرحمن‬
‫بن يزيد بن جابر ‪ ،‬به (‪ )3‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫الحديث الثالث ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن بشر ‪ ،‬حدثنا محمد بن عمرو ‪ ،‬عن ابن حَ ْرمَلَة‬
‫عقْرب ‪،‬‬
‫‪ ،‬عن خالته قالت ‪ :‬خطب رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو عاصب أصبعُه من لدغة َ‬
‫فقال ‪" :‬إنكم تقولون ‪" :‬ل عدو (‪ ، )4‬وإنكم ل تزالون تقاتلون عدوًا ‪ ،‬حتى يأتي يأجوج ومأجوج‬
‫حدَب ينسلون ‪ ،‬كأن وجوههم المَجَانّ‬
‫صهْبَ الشّعاف ‪ ،‬من كل َ‬
‫عراض الوجوه ‪ ،‬صغار العيون ‪ُ ،‬‬
‫المُطرَقة" (‪.)5‬‬
‫وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث محمد بن عمرو ‪ ،‬عن خالد بن عبد ال بن حَ ْرمَلة المدلجي ‪،‬‬
‫عن خالة له ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فذكر مثله (‪.)6‬‬
‫الحديث الرابع ‪ :‬قد تقدم في تفسير آخر سورة العراف من رواية المام أحمد ‪ ،‬عن هُشَيْم ‪ ،‬عن‬
‫عفَا َزةَ ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال‬
‫ال َعوّام ‪ ،‬عن جَبَلَة بن سُحَيْم ‪ ،‬عن مُؤثر بن َ‬
‫عليه وسلم قال ‪ :‬لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى ‪ ،‬عليهم السلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فتذاكروا‬
‫أمر الساعة ‪ ،‬فردوا أمرهم إلى إبراهيم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل علم لي بها (‪ .)7‬فردوا أمرهم إلى موسى ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ل علم لي بها (‪ .)8‬فردوا أمرهم إلى عيسى ‪ ،‬فقال ‪ :‬أما وَجْبَتها فل يعلم بها أحد إل ال ‪،‬‬
‫وفيها عهد إلي ربي أن الدجال خارج"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ومعي قضيبان ‪ ،‬فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص" قال ‪" :‬فيهلكه ال إذا رآني ‪ ،‬حتى‬
‫إن الحجر والشجر يقول ‪ :‬يا مسلم إن تحتي كافرًا ‪ ،‬فتعال فاقتله"‪ .‬قال ‪" :‬فيهلكهم ال ‪ ،‬ثم يرجع‬
‫حدَب يَنسلون ‪،‬‬
‫الناس إلى بلدهم وأوطانهم"‪ .‬قال ‪" :‬فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل َ‬
‫فيطؤون بلدهم ‪ ،‬ل (‪ )9‬يأتون على شيء إل أهلكوه ‪ ،‬ول يمرون على ماء إل شربوه"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"ثم يرجع الناس إليّ يشكونهم ‪ ،‬فأدعو ال عليهم ‪ ،‬فيهلكهم ويميتهم ‪ ،‬حتى تَجوى الرض من نَتْن‬
‫ريحهم ‪ ،‬وينزل ال المطر فيجترف أجسادهم ‪ ،‬حتى يقذفهم في البحر‪ .‬ففيما عهد إليّ ربي أن ذلك‬
‫إذا كان كذلك ‪ ،‬أن الساعة كالحامل المُ ِتمّ ‪ ،‬ل يدري أهلها متى َتفْجُؤهم بولدها ليل أو نهارا"‪.‬‬
‫حوْشَب ‪ ،‬به (‪)10‬‬
‫ورواه ابن ماجه ‪ ،‬عن محمد بن بشار ‪ ،‬عن يزيد بن هارون ‪ ،‬عن ال َعوّام بن َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬هم كذلك"‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وانفرد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )4/181‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2137‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4321‬وسنن الترمذي‬
‫برقم (‪ )2240‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪ )10783‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)4075‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل عدو لكم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)5/217‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مثله سواء"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )1/375‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ )4081‬وسبق عند تفسير الية ‪ 187 :‬من سورة‬
‫العراف‪.‬‬

‫( ‪)5/375‬‬

‫حتْ يَأْجُوجُ‬
‫‪ ،‬نحوه وزاد ‪" :‬قال ال َعوّام ‪ ،‬ووجد تصديق ذلك في كتاب ال عز وجل ‪ { :‬حَتّى إِذَا فُ ِت َ‬
‫ح َدبٍ يَ ْنسِلُونَ }‪.‬‬
‫َومَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ ُكلّ َ‬
‫ورواه ابن جرير هاهنا من حديث جبلة ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫والحاديث في هذا كثيرة جدا ‪ ،‬والثار عن السلف كذلك‪.‬‬
‫وقد روى ابُن جرير وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث َم ْعمَر ‪ ،‬عن غير واحد ‪ ،‬عن حميد بن هلل ‪،‬‬
‫عن أبي الصّيف قال ‪ :‬قال كعب ‪ :‬إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج ‪ ،‬حفروا حتى يسمع الذين‬
‫يلونهم قرع فؤوسهم ‪ ،‬فإذا كان الليل قالوا ‪ :‬نجيء غدا فنخرج ‪ ،‬فيعيده ال كما كان‪ .‬فيجيئون من‬
‫الغد فيجدونه قد أعاده ال كما كان ‪ ،‬فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ‪ ،‬فإذا كان‬
‫الليل ألقى ال على لسان رجل منهم يقول ‪ :‬نجيء غدا فنخرج إن شاء ال‪ .‬فيجيئون من الغد‬
‫فيجدونه كما تركوه ‪ ،‬فيحفرون حتى يخرجوا‪ .‬فتمر الزمرة الولى بالبحيرة ‪ ،‬فيشربون ماءها ‪،‬‬
‫ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها ‪ ،‬ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون (‪ : )2‬قد كان هاهنا مرة‬
‫خضّبة‬
‫ماء ‪ ،‬ويفر الناس منهم ‪ ،‬فل يقوم لهم شيء‪ .‬ثم يرمون بسهامهم إلى السماء فترجع إليهم مُ َ‬
‫بالدماء فيقولون ‪ :‬غلبنا أهل الرض وأهل السماء‪ .‬فيدعو عليهم عيسى ابن مريم ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫فيقول ‪" :‬اللهم ‪ ،‬ل طاقة ول َيدَين لنا بهم ‪ ،‬فاكفناهم بما شئت" ‪ ،‬فيسلط ال عليهم دودا يقال له ‪:‬‬
‫النغف ‪ ،‬فيفرس (‪ )3‬رقابهم ‪ ،‬ويبعث ال عليهم طيرا تأخذهم بمناقيرها فتلقيهم في البحر ‪ ،‬ويبعث‬
‫سكْن"‪ .‬قيل ‪:‬‬
‫ال عينا يقال لها ‪" :‬الحياة" يطهر ال الرض وينبتها ‪ ،‬حتى أن الرمانة ليشبع منها ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وما السّكن يا كعب ؟ قال ‪ :‬أهل البيت ‪ -‬قال ‪" :‬فبينما الناس كذلك إذ أتاهم الصّريخ أن ذا‬
‫السّويقَتَين يريده‪ .‬قال ‪ :‬فيبعث (‪ )4‬عيسى ابن مريم طليعة سبعمائة ‪ ،‬أو بين السبعمائة والثمانمائة‬
‫‪ ،‬حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث ال ريحا يمانية طيبة ‪ ،‬فيقبض فيها روح كل مؤمن ‪ ،‬ثم‬
‫يبقى عَجَاج (‪ )5‬الناس ‪ ،‬فيتسافدون كما تَسَا َفدُ البهائم ‪َ ،‬فمَثل الساعة كمثل رجل يطيف حول‬
‫فرسه ينتظرها متى تضع ؟ قال كعب ‪ :‬فمن تكلف بعد قولي هذا شيئا ‪ -‬أو بعد علمي هذا شيئا ‪-‬‬
‫فهو المتكلف (‪.)6‬‬
‫هذا من أحسن سياقات كعب الحبار ‪ ،‬لما شهد له من صحيح الخبار‪.‬‬
‫وقد ثبت في الحديث أن عيسى ابن مريم يحج البيت العتيق ‪ ،‬وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سليمان بن‬
‫داود ‪ ،‬حدثنا عمران ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي عُت َبةَ ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫حجّنّ هذا البيت ‪ ،‬ول ُيعْ َتمَرنّ بعد خروج يأجوج ومأجوج"‪ .‬انفرد‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ليُ َ‬
‫بإخراجه البخاري (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)17/72‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فيقول"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فيفرش"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فيبعث ال عيسى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عجاج من"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)17/71‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )3/27‬وصحيح البخاري برقم (‪.)1593‬‬

‫( ‪)5/376‬‬

‫جهَنّمَ أَنْتُمْ َلهَا وَارِدُونَ (‪َ )98‬لوْ كَانَ َهؤُلَاءِ آَِلهَةً مَا وَرَدُوهَا‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫إِ ّنكُ ْم َومَا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َ‬
‫س َمعُونَ (‪ )100‬إِنّ الّذِينَ سَ َبقَتْ َلهُمْ مِنّا‬
‫َوكُلّ فِيهَا خَالِدُونَ (‪َ )99‬لهُمْ فِيهَا َزفِي ٌر وَ ُهمْ فِيهَا لَا يَ ْ‬
‫حسْنَى أُولَ ِئكَ عَ ْنهَا مُ ْبعَدُونَ (‪)101‬‬
‫الْ ُ‬

‫وقوله ‪ { :‬وَاقْتَ َربَ ا ْلوَعْدُ ا ْلحَقّ } يعني ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬إذا وُجدت هذه الهوال والزلزل‬
‫عسِرٌ } [القمر ‪:‬‬
‫والبلبل ‪ ،‬أزفت الساعة واقتربت ‪ ،‬فإذا كانت ووقعت قال الكافرون ‪َ { :‬هذَا َيوْمٌ َ‬
‫خصَةٌ أَ ْبصَارُ الّذِينَ َكفَرُوا } أي ‪ :‬من شدة ما يشاهدونه من‬
‫‪ .]8‬ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فَإِذَا ِهيَ شَا ِ‬
‫غفْلَةٍ مِنْ هَذَا } أي ‪ :‬في الدنيا ‪،‬‬
‫المور العظام ‪ { :‬يَا وَيْلَنَا } أي ‪ :‬يقولون ‪ { :‬يَا وَيْلَنَا َقدْ كُنّا فِي َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ َبلْ كُنّا ظَاِلمِينَ } ‪ ،‬يعترفون بظلمهم لنفسهم ‪ ،‬حيث ل ينفعهم ذلك‪.‬‬
‫جهَنّمَ أَنْتُمْ َلهَا وَارِدُونَ (‪َ )98‬لوْ كَانَ َهؤُلءِ آِلهَةً مَا‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫{ إِ ّن ُك ْم َومَا َتعْ ُبدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َ‬
‫س َمعُونَ (‪ )100‬إِنّ الّذِينَ سَ َب َقتْ َلهُمْ‬
‫وَرَدُوهَا َو ُكلّ فِيهَا خَالِدُونَ (‪َ )99‬لهُمْ فِيهَا َزفِي ٌر وَ ُهمْ فِيهَا ل َي ْ‬
‫حسْنَى أُولَ ِئكَ عَ ْنهَا مُ ْبعَدُونَ (‪.} )101‬‬
‫مِنّا الْ ُ‬

‫( ‪)5/377‬‬

‫سهُمْ خَاِلدُونَ (‪ )102‬لَا َيحْزُ ُنهُمُ ا ْلفَ َزعُ الَْأكْبَرُ وَتَتَلَقّاهُمُ‬


‫سهَا وَهُمْ فِي مَا اشْ َت َهتْ أَ ْنفُ ُ‬
‫حسِي َ‬
‫س َمعُونَ َ‬
‫لَا يَ ْ‬
‫ا ْلمَلَا ِئكَةُ َهذَا َي ْو ُمكُمُ الّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (‪)103‬‬

‫ع الكْبَرُ وَتَتَلَقّاهُمُ‬
‫سهُمْ خَاِلدُونَ (‪ )102‬ل يَحْزُ ُنهُمُ ا ْلفَزَ ُ‬
‫سهَا وَهُمْ فِي مَا اشْ َت َهتْ أَ ْنفُ ُ‬
‫حسِي َ‬
‫س َمعُونَ َ‬
‫{ ل يَ ْ‬
‫ا ْلمَل ِئكَةُ َهذَا َي ْو ُمكُمُ الّذِي كُنْ ُتمْ تُوعَدُونَ (‪.} )103‬‬
‫يقول تعالى مخاطبا لهل مكة من مشركي قريش ‪ ،‬ومن دان بدينهم من عبدة الصنام والوثان ‪:‬‬
‫جهَنّمَ } ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬أي وقودها ‪ ،‬يعني كقوله ‪:‬‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫{ إِ ّن ُك ْم َومَا َتعْ ُبدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َ‬
‫حجَا َرةُ } [التحريم ‪.]6 :‬‬
‫س وَالْ ِ‬
‫{ َوقُودُهَا النّا ُ‬
‫جهَنّمَ }‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫جهَنّمَ } بمعنى ‪ :‬شجر جهنم‪ .‬وفي رواية قال ‪َ { :‬‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫وقال ابن عباس أيضا ‪َ { :‬‬
‫يعني ‪ :‬حطب جهنم ‪ ،‬بالزنجية‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬حطبها‪ .‬وهي كذلك في قراءة علي وعائشة ‪ -‬رضي ال‬
‫عنهما‪.‬‬
‫جهَنّمَ } أي ‪ :‬ما يرمى به فيها‪.‬‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫وقال الضحاك ‪َ { :‬‬
‫وكذا قال غيره‪ .‬والجميع قريب‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أَنْ ُتمْ َلهَا وَارِدُونَ } أي ‪ :‬داخلون‪.‬‬
‫{ َلوْ كَانَ َهؤُلءِ آِلهَةً مَا وَرَدُوهَا } يعني ‪ :‬لو كانت هذه الصنام والنداد التي اتخذتموها من دون‬
‫ال آلهة صحيحة لما وردوا النار ‪ ،‬ولما دخلوها ‪َ { ،‬و ُكلّ فِيهَا خَالِدُونَ } أي ‪ :‬العابدون‬
‫شهِيقٌ } [هود ‪:‬‬
‫ومعبوداتهم ‪ ،‬كلهم فيها خالدون ‪َ { ،‬لهُمْ فِيهَا َزفِيرٌ } ‪َ ،‬كمَا قَالَ ‪َ { :‬لهُمْ فِيهَا َزفِي ٌر وَ َ‬
‫س َمعُونَ }‪.‬‬
‫‪ ، ]106‬والزفير ‪ :‬خروج أنفاسهم ‪ ،‬والشهيق ‪ :‬ولوج أنفاسهم ‪ { ،‬وَهُمْ فِيهَا ل يَ ْ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن محمد الطّنَافِسيّ ‪ ،‬حدثنا ابن ُفضَيْل ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫الرحمن ‪ -‬يعني ‪ :‬المسعودي ‪ -‬عن أبيه قال ‪ :‬قال ابن مسعود ‪ :‬إذا بقي من يخلد في النار ‪،‬‬
‫جُعلوا في توابيت من نار ‪ ،‬فيها مسامير من نار ‪ ،‬فل يَرَى أحد منهم أنه يعذب في النار غيره ‪،‬‬
‫ثم تل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/377‬‬

‫س َمعُونَ }‪.‬‬
‫عبد ال ‪َ { :‬لهُمْ فِيهَا َزفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا ل يَ ْ‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬من حديث حجاج بن محمد ‪ ،‬عن المسعودي ‪ ،‬عن يونس بن خَبّاب (‪ ، )1‬عن‬
‫ابن مسعود فذكره‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ سَ َبقَتْ َلهُمْ مِنّا الْحُسْنَى } ‪ :‬قال عكرمة ‪ :‬الرحمة‪ .‬وقال غيره ‪ :‬السعادة ‪،‬‬
‫{ أُولَ ِئكَ عَ ْنهَا مُ ْبعَدُونَ } لما ذكر تعالى أهل النار وعذابهم بسبب شركهم بال ‪ ،‬عطف بذكر‬
‫السعداء من المؤمنين بال ورسُله (‪ ، )2‬وهم الذين سبقت لهم من ال السعادة ‪ ،‬وأسلفوا العمال‬
‫الصالحة في الدنيا ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬لِلّذِينَ َأحْسَنُوا ا ْلحُسْنَى وَزِيَا َدةٌ } [يونس ‪ : ]26 :‬وقال { َهلْ جَزَاءُ‬
‫حسَانُ } [الرحمن ‪ ، ]60 :‬فكما أحسنوا العمل في الدنيا ‪ ،‬أحسن ال مآلهم‬
‫الحْسَانِ إِل ال ْ‬
‫حصَل (‪ )3‬لهم جزيل الثواب ‪ ،‬فقال ‪ { :‬أُولَ ِئكَ عَ ْنهَا مُ ْبعَدُونَ‪ .‬ل‬
‫وثوابهم ‪ ،‬فنجاهم من العذاب ‪ ،‬و َ‬
‫سهَا } أي ‪ :‬حريقها في الجساد‪.‬‬
‫س َمعُونَ حَسِي َ‬
‫يَ ْ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عمار ‪ ،‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪،‬‬
‫سهَا } ‪ ،‬قال ‪ :‬حيات على‬
‫س َمعُونَ حَسِي َ‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن الجريري (‪ ، )4‬عن أبي عثمان ‪ { :‬ل َي ْ‬
‫الصراط (‪ )5‬تلسعهم ‪ ،‬فإذا لسعتهم قال ‪ :‬حَسَ حَسَ‪.‬‬
‫سهُمْ خَاِلدُونَ } فسلمهم من المحذور والمرهوب ‪ ،‬وحصل لهم‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهمْ فِي مَا اشْ َت َهتْ أَ ْنفُ ُ‬
‫المطلوب والمحبوب‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن أبي سُرَيج ‪ ،‬حدثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد‬
‫الهمداني ‪ ،‬عن ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن ابن عم النعمان بن بشير ‪ ،‬عن النعمان بن بشير قال ‪-‬‬
‫سمَرَ مع علي ذات ليلة ‪ ،‬فقرأ ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ سَ َبقَتْ َلهُمْ مِنّا الْحُسْنَى أُولَ ِئكَ عَ ْنهَا مُ ْبعَدُونَ } قال ‪:‬‬
‫وَ‬
‫أنا منهم ‪ ،‬وعمر منهم ‪ ،‬وعثمان منهم ‪ ،‬والزبير منهم ‪ ،‬وطلحة منهم ‪ ،‬وعبد الرحمن منهم ‪ -‬أو‬
‫س َمعُونَ‬
‫قال ‪ :‬سعد منهم ‪ -‬قال ‪ :‬وأقيمت الصلة فقام ‪ ،‬وأظنه يجر ثوبه ‪ ،‬وهو يقول ‪ { :‬ل يَ ْ‬
‫سهَا }‪.‬‬
‫حسِي َ‬
‫َ‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن يوسف المكي ‪ ،‬عن محمد بن حاطب (‪ )6‬قال ‪ :‬سمعت عليا‬
‫يقول في قوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ سَ َبقَتْ َلهُمْ مِنّا الْحُسْنَى } قال ‪ :‬عثمان وأصحابه‪.‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم أيضا ‪ ،‬ورواه ابن جرير من حديث يوسف بن سعد ‪ -‬وليس بابن ماهك ‪-‬‬
‫عن محمد بن حاطب ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬فذكره ولفظه ‪ :‬عثمان منهم‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ سَ َب َقتْ َلهُمْ مِنّا ا ْلحُسْنَى أُولَ ِئكَ عَ ْنهَا‬
‫مُ ْبعَدُونَ } ‪ :‬فأولئك أولياء ال يمرون على الصراط مرًا هو أسرع من البرق ‪ ،‬ويبقى الكفار فيها‬
‫جِثيًا‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ابن حبان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ورسوله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وجعل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن أبي عثمان الجريري"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬على الصراط المستقيم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬خاطب"‪.‬‬

‫( ‪)5/378‬‬

‫فهذا مطابق لما ذكرناه ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬بل نزلت استثناء من المعبودين ‪ ،‬وخرج منهم عزير‬
‫والمسيح ‪ ،‬كما قال حجاج بن محمد العور ‪ ،‬عن ابن جريج وعثمان بن عطاء ‪ ،‬عن عطاء ‪،‬‬
‫جهَنّمَ } ‪ ،‬ثم استثنى فقال ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫عن ابن عباس ‪ { :‬إِ ّنكُمْ َومَا َتعْ ُبدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َ‬
‫سَ َب َقتْ َل ُهمْ مِنّا ا ْلحُسْنَى } فيقال (‪ : )1‬هم الملئكة ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬ونحو ذلك مما يعبد من دون ال عز‬
‫وجل‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وابن جريج (‪.)2‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ سَ َب َقتْ َلهُمْ مِنّا ا ْلحُسْنَى } قال ‪ :‬نزلت في‬
‫عيسى ابن مريم وعُزَير ‪ ،‬عليهما السلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الحسين بن عيسى بن مَيْسَرَة ‪ ،‬حدثنا أبو ُزهَير ‪ ،‬حدثنا‬
‫حسْنَى } قال ‪:‬‬
‫سعد بن طَرِيف ‪ ،‬عن الصبغ ‪ ،‬عن عَليّ في قوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ سَ َب َقتْ َل ُهمْ مِنّا الْ ُ‬
‫كل شيء يعبد من دون ال في النار إل الشمس والقمر وعيسى ابن مريم‪ .‬إسناده ضعيف‪.‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬أُولَ ِئكَ عَ ْنهَا مُ ْبعَدُونَ } ‪ ،‬قال ‪ :‬عيسى ‪ ،‬وعُزَيْر ‪ ،‬والملئكة‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬عيسى ‪ ،‬ومريم ‪ ،‬والملئكة ‪ ،‬والشمس ‪ ،‬والقمر‪ .‬وكذا روي عن سعيد بن‬
‫جُبَيْر ‪ ،‬وأبي صالح وغير واحد‪.‬‬
‫وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثا غريبًا جدا ‪ ،‬فقال ‪ :‬حدثنا الفضل بن يعقوب الرّخّاني ‪،‬‬
‫حدثنا سعيد بن مسلمة بن عبد الملك ‪ ،‬حدثنا الليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مُغيث ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ سَ َبقَتْ َلهُمْ مِنّا الْحُسْنَى أُولَ ِئكَ عَ ْنهَا مُ ْبعَدُونَ }‬
‫قال ‪ :‬عيسى ‪ ،‬وعُزَير ‪ ،‬والملئكة (‪.)3‬‬
‫وذكر بعضهم قصة ابن الزّ َبعْرَى ومناظرةَ المشركين ‪ ،‬قال أبو بكر بن مَرْدُويه ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن علي بن سهل ‪ ،‬حدثنا محمد بن حسن النماطي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن محمد بن‬
‫عَرْعَ َرةَ ‪ ،‬حدثنا يزيد بن أبي حكيم ‪ ،‬حدثنا الحكم ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن أبان ‪ -‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عباس قال ‪ :‬جاء عبد ال بن الزبعرى إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬تزعم أن ال أنزل‬
‫جهَنّمَ أَنْتُمْ َلهَا وَا ِردُونَ } ‪ ،‬فقال ابن‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫عليك هذه الية ‪ { :‬إِ ّن ُك ْم َومَا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َ‬
‫الزبعرى ‪ :‬قد عُبدت الشمس والقمر والملئكة ‪ ،‬وعُزَير وعيسى ابن مريم ‪ ،‬كل هؤلء في النار‬
‫صدّونَ‪َ .‬وقَالُوا أَآِلهَتُنَا خَيْرٌ َأمْ ُهوَ‬
‫مع آلهتنا ؟ فنزلت ‪ { :‬وََلمّا ضُ ِربَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَل إِذَا َق ْومُكَ مِنْهُ َي ِ‬
‫صمُونَ } ‪ ،‬ثم نزلت ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ سَ َب َقتْ َلهُمْ مِنّا ا ْلحُسْنَى‬
‫خ ِ‬
‫مَا ضَرَبُوهُ َلكَ إِل جَدَل (‪َ )4‬بلْ ُهمْ َقوْمٌ َ‬
‫أُولَ ِئكَ عَ ْنهَا مُ ْبعَدُونَ }‪ .‬رواه الحافظ أبو عبد ال في كتابه "الحاديث المختارة"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وابن ماجه وابن جريج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وفي إسناده سعيد بن مسلمة وشيخه ليث بن أبي سليم وهما ضعيفان‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬مثل"‪.‬‬

‫( ‪)5/379‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا قَبِيصة بن عقبة ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ -‬يعني ‪ :‬الثوري ‪ -‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن أصحابه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬إِ ّنكُ ْم َومَا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ‬
‫جهَنّمَ أَنْتُمْ َلهَا وَا ِردُونَ } قال المشركون ‪ :‬فالملئكة (‪ ، )1‬عُزَير ‪ ،‬وعيسى ُيعْبَدون من‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫دون ال ؟ فنزلت ‪َ { :‬لوْ كَانَ َهؤُلءِ آِلهَةً مَا وَرَدُوهَا } ‪ ،‬اللهة التي يعبدون ‪َ { ،‬و ُكلّ فِيهَا خَالِدُونَ‬
‫}‪.‬‬
‫وروي عن أبي كُدَيْنَة ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس مثل ذلك ‪،‬‬
‫حسْنَى أُولَ ِئكَ عَ ْنهَا مُ ْبعَدُونَ }‪.‬‬
‫وقال فنزلت ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ سَ َب َقتْ َل ُهمْ مِنّا الْ ُ‬
‫وقال [المام] (‪ )2‬محمد بن إسحاق بن يسار (‪ ، )3‬رحمه ال ‪ ،‬في كتاب "السيرة" ‪ :‬وجلس‬
‫رسول ال ‪ -‬فيما بلغني ‪ -‬يومًا مع الوليد بن المغيرة في المسجد ‪ ،‬فجاء النضر بن الحارث حتى‬
‫جلس معهم ‪ ،‬وفي المسجد (‪ )4‬غير واحد من رجال قريش ‪ ،‬فتكلم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فعرض له النضر بن الحارث ‪ ،‬فكلمه رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أفحمه ‪ ،‬وتل‬
‫جهَنّمَ أَنْ ُتمْ َلهَا وَارِدُونَ } إلى قوله ‪ { :‬وَ ُهمْ‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫عليه وعليهم { إِ ّنكُمْ َومَا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َ‬
‫س َمعُونَ } (‪ ، )5‬ثم قام رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأقبل عبد ال بن الز َبعْرَى‬
‫فِيهَا ل َي ْ‬
‫السهمي حتى جلس ‪ ،‬فقال الوليد بن المغيرة لعبد ال بن الزبعرى ‪ :‬وال ما قام النضر بن‬
‫الحارث لبن عبد المطلب آنفًا ول قعد ‪ ،‬وقد زعم محمد أنّا وما نعبد (‪ )6‬من آلهتنا هذه حصب‬
‫جهنم‪ .‬فقال عبد ال بن الزبعرى ‪ :‬أما وال لو وجدته لَخَصمته ‪ ،‬فسلوا محمدًا ‪ :‬كل ما ُيعْبَد (‪)7‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من دون ال في جهنم مع من عَبَده ‪ ،‬فنحن نعبد الملئكة ‪ ،‬واليهود تعبد عزيرًا ‪ ،‬والنصارى تعبد‬
‫عيسى ابن مريم ؟ فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس ‪ ،‬من قول عبد ال بن الزبعرى ‪،‬‬
‫ورأوا أنه قد احتج وخاصم‪.‬‬
‫حبّ أن ُيعْبَدَ من دون ال فهو مع‬
‫فَذُكر ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬كل مَنْ أ َ‬
‫من عبده ‪ ،‬إنهم إنما يعبدون الشياطين (‪ )8‬ومن أمَرَ ْتهُم (‪ )9‬بعبادته‪ .‬وأنزل ال ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ‬
‫سهُمْ‬
‫سهَا وَهُمْ فِي مَا اشْ َت َهتْ أَ ْنفُ ُ‬
‫حسِي َ‬
‫س َمعُونَ َ‬
‫سَ َب َقتْ َل ُهمْ مِنّا ا ْلحُسْنَى أُولَ ِئكَ عَ ْنهَا مُ ْب َعدُونَ‪ .‬ل يَ ْ‬
‫خَاِلدُونَ } أي ‪ :‬عيسى وعزير ومن عُبدوا من الحبار والرهبان ‪ ،‬الذين مضوا على طاعة ال ‪،‬‬
‫فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضللة أربابًا من دون ال‪ .‬ونزل فيما يذكرون ‪ ،‬أنهم يعبدون‬
‫ن وَلَدًا سُبْحَا َنهُ َبلْ عِبَادٌ ُمكْ َرمُونَ‪ .‬ل َيسْ ِبقُونَهُ‬
‫حمَ ُ‬
‫الملئكة ‪ ،‬وأنهم بنات ال ‪َ { :‬وقَالُوا اتّخَذَ الرّ ْ‬
‫جهَنّمَ كَذَِلكَ‬
‫ل وَهُمْ بَِأمْ ِرهِ َي ْعمَلُونَ } إلى قوله ‪َ { :‬ومَنْ َيقُلْ مِ ْنهُمْ إِنّي إَِلهٌ مِنْ دُونِهِ َفذَِلكَ نَجْزِيهِ َ‬
‫بِا ْلقَ ْو ِ‬
‫نَجْزِي الظّاِلمِينَ } [النبياء ‪ ، ]29 - 26 :‬ونزل فيما ذُكر من أمر عيسى ‪ ،‬وأنه يعبد من دون ال‬
‫حضَره من حُجّته وخصومته ‪ { :‬وََلمّا ضُ ِربَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَل ِإذَا َق ْو ُمكَ مِ ْنهُ‬
‫‪ ،‬وعَجَب الوليد ومن َ‬
‫صمُونَ‪ .‬إِنْ ُهوَ إِل عَ ْبدٌ‬
‫خ ِ‬
‫جدَل َبلْ ُهمْ َقوْمٌ َ‬
‫َيصِدّونَ‪َ .‬وقَالُوا أَآِلهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ ُهوَ مَا ضَرَبُوهُ َلكَ إِل َ‬
‫جعَلْنَا مِ ْن ُكمْ مَل ِئكَةً فِي ال ْرضِ َيخُْلفُونَ‪ .‬وَإِنّهُ‬
‫جعَلْنَاهُ مَثَل لِبَنِي ِإسْرَائِيلَ‪ .‬وََلوْ نَشَاءُ لَ َ‬
‫أَ ْن َعمْنَا عَلَيْ ِه وَ َ‬
‫َلعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَل َتمْتَرُنّ ِبهَا } [الزخرف ‪]61 - 57 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬والملئكة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ابن بشار"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬المجلس"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أنتم لها واردون‪ .‬لو كان هؤلء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون‪ .‬لهم فيها‬
‫زفير وهم فيها ل يسمعون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬تعبدون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬يعبدون"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الشيطان"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬أمرهم"‪.‬‬

‫( ‪)5/380‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أي ‪ :‬ما وضعت على يديه من اليات من إحياء الموتى وإبراء السقام ‪ ،‬فكَفى به دليل على علم‬
‫الساعة ‪ ،‬يقول ‪ { :‬فَل َتمْتَرُنّ ِبهَا وَاتّ ِبعُونِ َهذَا صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ } [الزخرف ‪.)1( ]61 :‬‬
‫وهذا الذي قاله ابن الزبعرى خطأ كبير ؛ لن الية إنما نزلت خطابًا لهل مكة في عبادتهم‬
‫الصنام التي هي جماد ل تعقل ‪ ،‬ليكون ذلك تقريعًا وتوبيخًا لعابديها ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِ ّن ُك ْم َومَا‬
‫جهَنّمَ } فكيف يورد على هذا المسيح والعزير (‪ )2‬ونحوهما ‪ ،‬ممن (‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َ‬
‫‪ )3‬له عمل صالح ‪ ،‬ولم يَ ْرضَ بعبادة من عبده‪ .‬وعَوّل ابن جرير في تفسيره في الجواب على أن‬
‫"ما" لما ل يعقل عند العرب‪.‬‬
‫وقد أسلم عبد ال بن الزبعرى بعد ذلك ‪ ،‬وكان من الشعراء المشهورين‪ .‬وكان يهاجي المسلمين‬
‫أول ثم قال معتذرًا ‪:‬‬
‫يا رَسُولَ المليك ‪ ،‬إنّ لساني‪ ...‬رَاتقٌ مَا ف َتقْتُ إذْ أنَا بُورُ‪...‬‬
‫إذْ أجَاري الشّيطَانَ في سَنَن الغَي‪َ ...‬ومَنْ مَالَ مَيْلَه مَثْبُور (‪)4‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل يَحْزُ ُن ُهمُ ا ْلفَ َزعُ الكْبَرُ } قيل المراد بذلك الموت‪ .‬رواه عبد الرزاق ‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫ربيعة عن عطاء‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بالفزع الكبر ‪ :‬النفخة في الصور‪ .‬قاله ال َعوْفي عن ابن عباس ‪ ،‬وأبو سِنَان سعيد (‬
‫‪ )5‬ابن سنان الشيباني ‪ ،‬واختاره ابن جرير في تفسيره‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬حين ُي ْؤمَر بالعبد إلى النار‪ .‬قاله الحسن البصري‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬حين تُطبق النار على أهلها‪ .‬قاله سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬وابن جُرَيج‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬حين يُذبَح الموت بين الجنة والنار‪ .‬قاله أبو بكر الهذلي (‪ ، )6‬فيما رواه ابن أبي حاتم ‪،‬‬
‫عنه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَتَتََلقّاهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ هَذَا َي ْو ُمكُمُ الّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } ‪ ،‬يعني ‪ :‬تقول لهم الملئكة ‪ ،‬تبشرهم‬
‫عدُونَ } أي ‪ :‬قابلوا (‪ )7‬ما‬
‫يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم ‪ { :‬هَذَا َي ْومُكُمُ الّذِي كُنْتُمْ تُو َ‬
‫يسركم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬السيرة النبوية لبن هشام (‪ ، )1/358‬ورواه الطبري في تفسيره (‪.)17/76‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وعزير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وممن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬البيتين في السيرة النبوية لبن هشام (‪.)2/419‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الهمداني"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فأملوا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/381‬‬

‫جلّ لِ ْلكُ ُتبِ َكمَا بَدَأْنَا َأ ّولَ خَ ْلقٍ ُنعِي ُد ُه وَعْدًا عَلَيْنَا إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ (‪)104‬‬
‫طيّ السّ ِ‬
‫سمَاءَ كَ َ‬
‫طوِي ال ّ‬
‫َيوْمَ نَ ْ‬

‫جلّ لِ ْلكُ ُتبِ َكمَا َبدَأْنَا َأ ّولَ خَلْقٍ ُنعِي ُد ُه وَعْدًا عَلَيْنَا إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ (‬
‫طيّ السّ ِ‬
‫سمَاءَ كَ َ‬
‫طوِي ال ّ‬
‫{ َيوْمَ نَ ْ‬
‫‪.} )104‬‬
‫جلّ لِ ْلكُ ُتبِ } كما قال تعالى ‪{ :‬‬
‫طيّ السّ ِ‬
‫سمَاءَ كَ َ‬
‫طوِي ال ّ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬هذا كائن يوم القيامة ‪َ { ،‬يوْمَ نَ ْ‬
‫طوِيّاتٌ بِ َيمِي ِنهِ سُ ْبحَانَهُ‬
‫جمِيعًا قَ ْبضَتُهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَالسّماوَاتُ مَ ْ‬
‫َومَا َقدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْ ِر ِه وَال ْرضُ َ‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ } [الزمر ‪ ]67 :‬وقد قال البخاري ‪:‬‬
‫وَ َتعَالَى َ‬
‫حدثنا ُمقَدم بن محمد ‪ ،‬حدثني عمي القاسم بن يحيى ‪ ،‬عن عُبَيد ال ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪،‬‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪" :‬إن ال يقبض يوم القيامة الرضَين ‪ ،‬وتكون‬
‫السموات بيمينه" (‪.)1‬‬
‫انفرد به من هذا الوجه البخاري ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن أحمد بن الحجاج ال ّرقّي ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬عن أبي الواصل (‪ ، )2‬عن أبي المليح الزدي (‪ ، )3‬عن أبي الجوزاء الزدي ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬يطوي ال (‪ )4‬السموات السبع بما فيها من الخليقة والرضين السبع بما فيها من‬
‫الخليقة ‪ ،‬يطوي ذلك كله (‪ )5‬بيمينه ‪ ،‬يكون ذلك كله في يده بمنزلة خردلة‪.‬‬
‫جلّ لِ ْلكُ ُتبِ } ‪ ،‬قيل ‪ :‬المراد بالسجل [الكتاب‪ .‬وقيل ‪ :‬المراد بالسجل] (‪)6‬‬
‫طيّ السّ ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ك َ‬
‫هاهنا ‪ :‬مَلَك من الملئكة‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن العلء ‪ ،‬حدثنا يحيى بن يمان ‪ ،‬حدثنا‬
‫جلّ‬
‫طيّ السّ ِ‬
‫سمَاءَ كَ َ‬
‫طوِي ال ّ‬
‫أبو الوفاء الشجعي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عمر في قوله تعالى ‪َ { :‬ي ْومَ نَ ْ‬
‫لِ ْلكُ ُتبِ } ‪ ،‬قال ‪ :‬السجل ‪ :‬مَلَك ‪ ،‬فإذا صعد بالستغفار قال ‪ :‬اكتبها نورًا‪.‬‬
‫وهكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬عن أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن ابن يمان ‪ ،‬به‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬وروي عن أبي جعفر (‪ )7‬محمد بن علي بن الحسين أن السجل ملك‪.‬‬
‫وقال السدي في هذه الية ‪ :‬السجل ‪ :‬مَلَك موكل بالصحف ‪ ،‬فإذا مات النسان رفع (‪ )8‬كتابُه إلى‬
‫السجل فطواه ‪ ،‬ورفعه إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد به اسم رجل صحابي ‪ ،‬كان يكتب للنبي صلى ال عليه وسلم الوحي ‪ :‬قال ابن أبي‬
‫ج ْهضَميّ ‪ ،‬حدثنا نوح بن قيس ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعة ‪ ،‬حدثنا نصر بن علي ال َ‬
‫جلّ لِ ْلكُ ُتبِ } ] (‪، )9‬‬
‫طيّ السّ ِ‬
‫سمَاءَ كَ َ‬
‫طوِي ال ّ‬
‫مالك ‪ ،‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { [ :‬يوْمَ نَ ْ‬
‫قال ‪ :‬السجل ‪ :‬هو الرجل‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)7412‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬المواصل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬الودي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬إليه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬كله ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أبي حفص"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬دفع"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)5/382‬‬

‫قال نوح ‪ :‬وأخبرني يزيد بن كعب ‪ -‬هو ال َعوْذي ‪ -‬عن عمرو بن مالك ‪ ،‬عن أبي الجوزاء عن‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬السجل كاتب (‪ )1‬للنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وهكذا رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة بن سعيد (‪ ، )2‬عن نوح بن قيس ‪ ،‬عن يزيد بن كعب ‪،‬‬
‫عن عمرو بن مالك ‪ ،‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬السجل كاتب (‪ )3‬للنبي صلى‬
‫ال عليه وسلم (‪.)4‬‬
‫ورواه ابن جرير عن نصر بن علي الجهضمي ‪ ،‬كما تقدم‪ .‬ورواه ابن عدي من رواية يحيى بن‬
‫عمرو بن مالك الّنكْريّ عن أبيه ‪ ،‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان للنبي (‪ )5‬صلى‬
‫جلّ لِ ْلكُ ُتبِ } ‪،‬‬
‫طيّ السّ ِ‬
‫سمَاءَ كَ َ‬
‫طوِي ال ّ‬
‫ال عليه وسلم كاتب يسمى (‪ )6‬السجل وهو قوله ‪َ { :‬يوْمَ نَ ْ‬
‫قال ‪ :‬كما يطوى السجل الكتاب ‪ ،‬كذلك نطوي السماء ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وهو غير محفوظ (‪.)7‬‬
‫وقال الخطيب البغدادي في تاريخه ‪ :‬أنبأنا أبو بكر البَ ْرقَاني ‪ ،‬أنبأنا محمد بن محمد بن يعقوب‬
‫الحجاجي ‪ ،‬أنبأنا أحمد بن الحسن الكرخي ‪ ،‬أن حمدان بن سعيد حدثهم ‪ ،‬عن عبد ال بن نمير ‪،‬‬
‫عن عبيد ال بن عمر ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬قال ‪ :‬السجلّ ‪ :‬كاتب للنبي صلى ال عليه‬
‫وسلم (‪.)8‬‬
‫وهذا منكر جدًا من حديث نافع عن ابن عمر ‪ ،‬ل يصح أصل وكذلك ما تقدم عن ابن عباس ‪ ،‬من‬
‫رواية أبي داود وغيره ‪ ،‬ل يصح أيضًا‪ .‬وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه ‪ -‬وإن كان في‬
‫سنن أبي داود ‪ -‬منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المِزّي ‪ ،‬فَسَح ال في عمره ‪ ،‬ونَسَأ في‬
‫أجله ‪ ،‬وختم له بصالح عمله ‪ ،‬وقد أفردت لهذا الحديث جزءًا على حدة (‪ ، )9‬ول الحمد‪ .‬وقد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تصدى المام أبو جعفر بن جرير للنكار على هذا الحديث ‪ ،‬ورده أتم رد ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل ُيعَرف في‬
‫الصحابة أحد (‪ )10‬اسمه السجِل ‪ ،‬وكُتّاب النبي صلى ال عليه وسلم معروفون ‪ ،‬وليس فيهم أحد‬
‫اسمه السجل ‪ ،‬وصَدَق رحمه ال في ذلك ‪ ،‬وهو من أقوى الدلة على َنكَارة هذا الحديث‪ .‬وأما‬
‫مَنْ ذكر في أسماء الصحابة هذا ‪ ،‬فإنما اعتمد على هذا الحديث ‪ ،‬ل على غيره ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫والصحيح عن ابن عباس أن السجل هي الصحيفة ‪ ،‬قاله علي بن أبي طلحة والعوفي ‪ ،‬عنه‪.‬‬
‫ونص على ذلك مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد‪ .‬واختاره ابن جرير ؛ لنه المعروف في اللغة ‪،‬‬
‫جلّ لِ ْلكُ ُتبِ } أي ‪ :‬على [هذا] (‪)11‬‬
‫طيّ السّ ِ‬
‫سمَاءَ كَ َ‬
‫طوِي ال ّ‬
‫فعلى هذا يكون معنى الكلم ‪َ { :‬ي ْومَ نَ ْ‬
‫الكتاب ‪ ،‬بمعنى المكتوب ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬فََلمّا أَسَْلمَا وَتَلّهُ لِلْجَبِينِ } [الصافات ‪ ، ]103 :‬أي ‪ :‬على‬
‫الجبين ‪ ،‬وله نظائر في اللغة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬كمَا بَ َدأْنَا َأ ّولَ خَلْقٍ ُنعِي ُد ُه وَعْدًا عَلَيْنَا إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ } يعني ‪ :‬هذا كائن ل محالة ‪ ،‬يوم‬
‫يعيد ال الخلئق خلقًا جديدًا ‪ ،‬كما بدأهم هو القادر على إعادتهم (‪ ، )12‬وذلك واجب الوقوع ‪،‬‬
‫لنه من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬كانت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬كانت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أبي داود برقم (‪ )2935‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11335‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬كان لرسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬كانت تسمى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬الكامل (‪.)7/205‬‬
‫(‪ )8‬تاريخ بغداد (‪.)8/175‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬حدته"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬ل يعرف أحد في الصحابة"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬إعادته"‪.‬‬

‫( ‪)5/383‬‬

‫وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزّبُورِ مِنْ َبعْدِ ال ّذكْرِ أَنّ الْأَ ْرضَ يَرِ ُثهَا عِبَا ِديَ الصّالِحُونَ (‪ )105‬إِنّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا‬
‫حمَةً لِ ْلعَاَلمِينَ (‪)107‬‬
‫ِلقَوْمٍ عَابِدِينَ (‪َ )106‬ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلّا َر ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جملة وعد ال الذي ل يخلف ول يبدل ‪ ،‬وهو القادر على ذلك‪ .‬ولهذا قال ‪ { :‬إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ }‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع وابن جعفر المعنى (‪ ، )1‬قال (‪ : )2‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن المغيرة بن‬
‫النعمان ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قام فينا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بموعظة فقال ‪" :‬إنكم محشورون إلى ال عز وجل حفاة عراة غُرْل كما بدأنا أول خلق نعيده ‪،‬‬
‫وعدًا علينا إنا كنا فاعلين" ؛ وذكر تمام الحديث ‪ ،‬أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة‪ .‬ورواه‬
‫(‪ )3‬البخاري عند هذه الية في كتابه (‪.)4‬‬
‫وقد روى ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن عائشة عن النبي (‪ )5‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬نحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬كمَا بَدَأْنَا َأ ّولَ خَ ْلقٍ ُنعِي ُدهُ } قال ‪ :‬نهلك كل شيء ‪ ،‬كما‬
‫كان أول مرة‪.‬‬
‫{ وََلقَدْ كَتَبْنَا فِي الزّبُورِ مِنْ َبعْدِ ال ّذكْرِ أَنّ ال ْرضَ يَرِ ُثهَا عِبَا ِديَ الصّاِلحُونَ (‪ )105‬إِنّ فِي هَذَا‬
‫حمَةً لِ ْلعَاَلمِينَ (‪.} )107‬‬
‫لَبَلغًا ِل َقوْمٍ عَابِدِينَ (‪َ )106‬ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِل رَ ْ‬
‫يقول تعالى مخبرا عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين ‪ ،‬من السعادة في الدنيا والخرة ‪ ،‬ووراثة‬
‫الرض في الدنيا والخرة ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬إِنّ ال ْرضَ لِلّهِ يُورِ ُثهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِد ِه وَا ْلعَاقِبَةُ‬
‫لِ ْلمُ ّتقِينَ } [العراف ‪ .]128 :‬وقال ‪ { :‬إِنّا لَنَ ْنصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ َيوْمَ َيقُومُ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ لَيَسْ َتخِْلفَنّهُمْ فِي‬
‫شهَادُ } [غافر ‪ .]51 :‬وقال ‪ { :‬وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَ َ‬
‫ال ْ‬
‫ال ْرضِ َكمَا اسْتَخَْلفَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِ ْم وَلَ ُي َمكّنَنّ َلهُمْ دِي َنهُمُ الّذِي ارْ َتضَى َلهُمْ [وَلَيُبَدّلَ ّنهُمْ مِنْ َبعْدِ‬
‫خ ْو ِفهِمْ َأمْنًا ] (‪ ، } )6‬الية [النور ‪.]55 :‬وأخبر تعالى أن هذا مكتوب مسطور في الكتب الشرعية‬
‫َ‬
‫والقدرية فهو كائن ل محالة ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزّبُورِ مِنْ َبعْدِ ال ّذكْرِ } ‪ ،‬قال‬
‫العمش ‪ :‬سألت سعيد بن جُبَير عن قوله تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ كَتَبْنَا فِي الزّبُورِ مِنْ َبعْدِ ال ّذكْرِ } فقال‬
‫الزبور ‪ :‬التوراة ‪ ،‬والنجيل ‪ ،‬والقرآن (‪.)7‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬الزبور ‪ :‬الكتاب‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬الزبور ‪ :‬الذي أنزل على داود ‪،‬‬
‫والذكر ‪ :‬التوراة ‪ ،‬وعن ابن عباس ‪ :‬الزبور ‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جُبَير ‪ :‬الذكر ‪ :‬الذي في السماء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وابن جعفر ‪ ،‬وعفان المعنى" والمثبت من المسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬قالوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وذكره" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ذكره"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )1/235‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4740( ، )4625‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2860‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عن رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬الفرقان"‪.‬‬

‫( ‪)5/384‬‬

‫وقال مجاهد ‪ :‬الزبور ‪ :‬الكتبُ بعد الذكر ‪ ،‬والذكر ‪ :‬أمّ الكتاب عند ال‪.‬‬
‫واختار ذلك ابن جرير رحمه ال (‪ ، )1‬وكذا قال زيد بن أسلم ‪ :‬هو الكتاب الول‪ .‬وقال الثوري‬
‫‪ :‬هو اللوح المحفوظ‪ .‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬الزبور ‪ :‬الكتب التي نزلت على‬
‫النبياء ‪ ،‬والذكر ‪ :‬أم الكتاب الذي (‪ )2‬يكتب فيه الشياء قبل ذلك‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أخبر ال سبحانه (‪ )3‬في التوراة والزبور وسابق‬
‫علمه قبل أن تكون السموات والرض ‪ ،‬أن يُورثَ أمةَ محمد صلى ال عليه وسلم الرض‬
‫ويدخلهم الجنة ‪ ،‬وهم الصالحون‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬أَنّ ال ْرضَ يَرِ ُثهَا عِبَا ِديَ الصّاِلحُونَ } قال ‪ :‬أرض الجنة‪ .‬وكذا‬
‫قال أبو العالية ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬والربيع‬
‫بن أنس ‪ ،‬والثوري [رحمهم ال تعالى] (‪.)4‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ فِي َهذَا لَبَلغًا ِل َقوْمٍ عَابِدِينَ } أي ‪ :‬إن في هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم لبَلغًا ‪ :‬لمَنْفعةَ وكفاية لقوم عابدين ‪ ،‬وهم الذين عبدوا ال بما شرعه وأحبه‬
‫ورضيه ‪ ،‬وآثروا طاعة ال على طاعة الشيطان وشهوات أنفسهم‪.‬‬
‫جعَل محمدًا صلى‬
‫ح َمةً لِ ْلعَاَلمِينَ } ‪ :‬يخبر تعالى أن ال َ‬
‫وقوله [تعالى] (‪َ { : )5‬ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِل رَ ْ‬
‫ال عليه وسلم رحمة للعالمين ‪ ،‬أي ‪ :‬أرسله رحمة لهم كلّهم ‪ ،‬فمن قَبِل هذه الرحمةَ وشكَر هذه‬
‫النعمةَ ‪ ،‬سَعد في الدنيا والخرة ‪ ،‬ومن رَدّها وجحدها خسر في الدنيا والخرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫جهَنّمَ َيصَْلوْنَهَا وَبِئْسَ (‪)6‬‬
‫{ أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ بَدّلُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ُكفْرًا وَأَحَلّوا َق ْو َمهُمْ دَارَ الْ َبوَارِ َ‬
‫ا ْلقَرَارُ } [إبراهيم ‪ ، ]29 ، 28 :‬وقال ال تعالى في صفة القرآن ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ لِلّذِينَ آمَنُوا هُدًى‬
‫عمًى أُولَ ِئكَ يُنَا َدوْنَ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ } [فصلت ‪:‬‬
‫شفَا ٌء وَالّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ فِي آذَا ِنهِ ْم َوقْ ٌر وَ ُهوَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫وَ ِ‬
‫‪.]44‬‬
‫وقال مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا مروان الفَزَاريّ ‪ ،‬عن يزيد بن كَيْسَان ‪،‬‬
‫عن ابن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ادع على المشركين ‪ ،‬قال ‪" :‬إني‬
‫لم أب َعثْ َلعّانًا ‪ ،‬وإنما بُع ْثتُ رحمة"‪ .‬انفرد بإخراجه مسلم (‪.)7‬‬
‫وفي الحديث الخر ‪" :‬إنما أنا رحمة مهداة"‪ .‬رواه عبد ال بن أبي عرابة ‪ ،‬وغيره ‪ ،‬عن َوكِيع ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعا (‪ .)8‬قال إبراهيم الحربي ‪ :‬وقد رواه‬
‫غيره عن وكيع ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)17/81‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أم الكتاب والذي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬ال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فبئس"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم برقم (‪.)2559‬‬
‫(‪ )8‬رواه أبو الحسن السكري في "الفوائد المنتقاة" (‪ .)157/2‬كما في السلسلة الصحيحة (‪)1/803‬‬
‫لللباني ‪ -‬حدثنا عبد ال بن محمد ابن أسد ‪ ،‬حدثنا حاتم بن منصور الشاشي قال ‪ :‬حدثنا عبد ال‬
‫بن أبي عرابة الشاشي به‪ .‬ورواه غيره متصل ‪ :‬فرواه عبد ال بن نصر الصم عن وكيع عن‬
‫العمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا‪ .‬خرجه ابن عدي في الكامل (‪ )4/231‬من‬
‫طريق عمر بن سنان عن عبد ال بن نصر‪.‬‬
‫وقال ‪" :‬هكذا حدثناه عمر بن سنان عن عبد ال بن نصر عن وكيع عن العمش ‪ ،‬وهذا غير‬
‫محفوظ عن وكيع عن العمش ‪ ،‬إنما يرويه مالك بن سعيد عن العمش ‪ ،‬وعبد ال بن نصر هذا‬
‫له غير ما ذكرت مما أنكرت عليه"‪.‬‬

‫( ‪)5/385‬‬

‫فلم يذكر أبا هريرة (‪ .)1‬وكذا قال البخاري ‪ ،‬وقد سئل عن هذا الحديث ‪ ،‬فقال ‪ :‬كان عند حفص‬
‫بن غياث مرسل‪.‬‬
‫خمْس ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪،‬‬
‫سعَير بن ا ْل ِ‬
‫قال الحافظ ابن عساكر ‪ :‬وقد رواه مالك بن ُ‬
‫عن أبي هريرة مرفوعا (‪ .)2‬ثم ساقه من طريق أبي بكر بن المقرئ وأبي أحمد الحاكم ‪ ،‬كلهما‬
‫عن بكر بن محمد بن إبراهيم الصوفي ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ‪ ،‬عن أبي أسامة ‪ ،‬عن‬
‫إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن قيس (‪ )3‬بن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬إنما أنا رحمة مهداة"‪.‬‬
‫سعَر (‪ ، )4‬عن سعيد بن‬
‫ثم أورده من طريق الصّلْت بن مسعود ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن مِ ْ‬
‫خالد ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال بعثني رحمة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مهداة ‪ ،‬بُع ْثتُ برفع قوم وخفض آخرين" (‪.)5‬‬
‫قال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد بن نافع الطحان ‪ ،‬حدثنا أحمد بن صالح قال ‪:‬‬
‫وجدت كتابًا بالمدينة عن عبد العزيز الدّراوردي وإبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن‬
‫عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬عن محمد بن صالح التمار ‪ ،‬عن ابن [شهاب] (‪ )6‬عن محمد بن جُبَير‬
‫حمْزَة ‪ :‬يا معشر قريش‬
‫بن مطعم ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال أبو جهل حين قدم [مكة] (‪ )7‬منصرفة عن َ‬
‫‪ ،‬إن محمدًا نزل يثرب وأرسل طلئعه ‪ ،‬وإنما يريد أن يصيب منكم شيئا ‪ ،‬فاحذروا أن تمروا‬
‫طريقَه أو تقاربوه (‪ ، )8‬فإنه كالسد الضاري ؛ إنه حَنِق عليكم ؛ لنكم نفيتموه نفي القِرْدَان عن‬
‫المناسم (‪ ، )9‬وال إن له لَسحْ َرةً ‪ ،‬ما رأيته قط ول أحدًا من أصحابه إل رأيت معهم الشيطان ‪،‬‬
‫وإنكم قد عرفتم عداوة ابني قَيلَةَ ‪ -‬يعني ‪ :‬الوس والخزرج ‪ -‬لهو عدو استعان بعدو ‪ ،‬فقال له‬
‫مطعم بن عدي ‪ :‬يا أبا الحكم ‪ ،‬وال ما رأيتُ أحدًا أصدقَ لسانًا ‪ ،‬ول أصدق موعدًا ‪ ،‬من أخيكم‬
‫الذي طردتم ‪ ،‬وإذ فعلتم الذي فعلتم فكونوا أكف الناس عنه‪ .‬قال [أبو سفيان] (‪ )10‬بن الحارث ‪:‬‬
‫كونوا أشدّ ما كنتم عليه ‪ ،‬إن (‪ )11‬ابني قيلَةَ إن ظفَرُوا بكم لم ي ْرقُبوا فيكم إل ول ذمة ‪ ،‬وإن‬
‫أطعتموني ألجأتموهم خير كنابة ‪ ،‬أو تخرجوا محمدًا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ )11/504‬عن وكيع مرسل ‪ ،‬ورواه ابن سعد في الطبقات‬
‫(‪ )1/182‬عن وكيع مرسل ‪ ،‬ورواه البيهقي في دلئل النبوة (‪ )1/157‬من طريق إبراهيم بن عبد‬
‫ال عن وكيع مرسل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه البزار في مسنده برقم (‪" )2369‬كشف الستار" والبيهقي في دلئل النبوة (‪)1/158‬‬
‫من طريق زياد بن يحيى عن مالك بن سعيد به ‪ ،‬وقال البزار ‪" :‬ل نعلم أحدا وصله إل مالك بن‬
‫سعيد ‪ ،‬وغيره يرسله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حسن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عن شعبة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬وذكره السيوطي في الجامع الصغير ورمز له اللباني بالضعف‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬أو تحاربوه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬الناس"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬فإن"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/386‬‬

‫من بين ظهرانيهم ‪ ،‬فيكون وحيدا مطرودا ‪ ،‬وأما [ابنا قَيْلة فوال ما هما] (‪ )1‬وأهل [دهلك] (‪)2‬‬
‫في المذلة إل سواء وسأكفيكم حدهم ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫سَأمْنَحُ جَانبًا منّي غَليظًا‪ ...‬عَلَى مَا كَانَ مِنْ قُرب وَ ُبعْد‪...‬‬
‫رجَالُ الخَزْرَجيّة أ ْهلُ ذُل‪ ...‬إذا مَا كَانَ هَزْل َبعْدَ جد‪...‬‬
‫فبلغ ذلك رسولَ ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لقتلنهم ولصلبَنّهم ولهدينهم‬
‫وهم كارهون ‪ ،‬إني رحمة بعثني ال ‪ ،‬ول يَتَوفّاني حتى يظهر ال دينه ‪ ،‬لي خمسة أسماء ‪ :‬أنا‬
‫محمد ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬وأنا الماحي الذي يمحي ال بي الكفر ‪ ،‬وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على‬
‫قدمي ‪ ،‬وأنا العاقب" (‪.)3‬‬
‫وقال أحمد بن صالح ‪ :‬أرجو أن يكون الحديث صحيحًا‪.‬‬
‫عمْرو بن قَيس ‪ ،‬عن عمرو‬
‫وقال المامُ أحمد ‪ :‬حدثنا معاوية بن عمرو ‪ ،‬حدثنا زائدة ‪ ،‬حدثني َ‬
‫بن أبي قُرّة الكِنْديّ قال ‪ :‬كان حُذيفةُ بالمدائن ‪ ،‬فكان يذكر أشياء قالها رسولُ ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فجاء حذيفةُ إلى سَلْمان فقال سلمان ‪ :‬يا حذيفةَ ‪ ،‬إنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم [كان‬
‫يغضب فيقول ‪ ،‬ويرضى فيقول ‪ :‬لقد علمت أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم] (‪ )4‬خطَب فقال‬
‫غضَبي أو لعنته لعنةً ‪ ،‬فإنما أنا رجل من ولد آدم ‪،‬‬
‫‪" :‬أيما رجل من أمتي سَبَبتُه [سَبّةً] (‪ )5‬في َ‬
‫أغضب كما يغضبون ‪ ،‬وإنما بعثني رحمةً للعالمين ‪ ،‬فاجعلها صلة عليه يوم القيامة"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬عن أحمد بن يونس ‪ ،‬عن زائدة (‪.)6‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فأيّ رحمة حصلت لمن كَفَر به ؟ فالجواب ما رواه أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا إسحاق‬
‫بن شاهين ‪ ،‬حدثنا إسحاق الزرق ‪ ،‬عن المسعودي ‪ ،‬عن رجل يقال له ‪ :‬سعيد ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫حمَةً لِ ْلعَاَلمِينَ } قال ‪ :‬من آمن بال واليوم‬
‫جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬ومَا أَ ْرسَلْنَاكَ إِل رَ ْ‬
‫عوِفي مما أصاب المم‬
‫الخر ‪ ،‬كُ ِتبَ له الرحمة في الدنيا والخرة ‪ ،‬ومن لم يؤمن بال ورسوله ُ‬
‫من الخسف والقذف (‪.)7‬‬
‫وهكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث المسعودي ‪ ،‬عن أبي سعد ‪ -‬وهو سعيد بن المرزبان البقّال‬
‫‪ -‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬فذكره بنحوه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد رواه أبو القاسمُ الطبراني عن عبدان بن أحمد ‪ ،‬عن عيسى بن يونس ال َرمْلِي ‪ ،‬عن أيوب ابن‬
‫سوَيد ‪ ،‬عن المسعودي ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬ومَا‬
‫ُ‬
‫حمَةً لِ ْلعَاَلمِينَ } قال ‪ :‬من تبعه كان له رحمة في الدنيا والخرة ‪ ،‬ومن لم يتبعه‬
‫أَرْسَلْنَاكَ إِل َر ْ‬
‫عُوفِي مما كان يبتلى به سائر المم من الخسف والقذف (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬المعجم الكبير (‪.)2/123‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )5/437‬وسنن أبي داود برقم (‪.)4659‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)17/83‬‬
‫(‪ )8‬المعجم الكبير (‪.)12/23‬‬

‫( ‪)5/387‬‬

‫سوَاءٍ‬
‫ُقلْ إِ ّنمَا يُوحَى إَِليّ أَ ّنمَا إَِل ُهكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ َف َهلْ أَنْتُمْ مُسِْلمُونَ (‪ )108‬فَإِنْ َتوَّلوْا فَ ُقلْ َآذَنْ ُتكُمْ عَلَى َ‬
‫جهْرَ مِنَ ا ْل َق ْولِ وَ َيعْلَمُ مَا َتكْ ُتمُونَ (‪)110‬‬
‫وَإِنْ أَدْرِي َأقَرِيبٌ أَمْ َبعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (‪ )109‬إِنّهُ َيعْلَمُ الْ َ‬
‫حمَنُ ا ْلمُسْ َتعَانُ‬
‫حكُمْ بِا ْلحَقّ وَرَبّنَا الرّ ْ‬
‫وَإِنْ أَدْرِي َلعَلّهُ فِتْنَةٌ َلكُمْ َومَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (‪ )111‬قَالَ َربّ ا ْ‬
‫عَلَى مَا َتصِفُونَ (‪)112‬‬

‫سوَاءٍ‬
‫حدٌ َف َهلْ أَنْتُمْ مُسِْلمُونَ (‪ )108‬فَإِنْ َتوَّلوْا فَ ُقلْ آذَنْ ُتكُمْ عَلَى َ‬
‫{ ُقلْ إِ ّنمَا يُوحَى إَِليّ أَ ّنمَا إَِل ُهكُمْ إِلَ ٌه وَا ِ‬
‫جهْرَ مِنَ ا ْل َق ْولِ وَ َيعْلَمُ مَا َتكْ ُتمُونَ (‪)110‬‬
‫وَإِنْ أَدْرِي َأقَرِيبٌ أَمْ َبعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (‪ )109‬إِنّهُ َيعْلَمُ الْ َ‬
‫حمَنُ ا ْلمُسْ َتعَانُ‬
‫حكُمْ بِا ْلحَقّ وَرَبّنَا الرّ ْ‬
‫وَإِنْ أَدْرِي َلعَلّهُ فِتْنَةٌ َلكُمْ َومَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (‪ )111‬قَالَ َربّ ا ْ‬
‫عَلَى مَا َتصِفُونَ (‪.} )112‬‬
‫يقول تعالى آمرًا رسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬أن يقول للمشركين ‪ { :‬إِ ّنمَا يُوحَى إَِليّ أَ ّنمَا‬
‫إَِل ُهكُمْ إَِل ٌه وَاحِدٌ َف َهلْ أَنْ ُتمْ مُسِْلمُونَ } أي ‪ :‬متبعون على ذلك ‪ ،‬مستسلمون منقادون (‪ )1‬له‪.‬‬
‫سوَاءٍ } أي ‪ :‬أعلمتكم أني حَرْب‬
‫{ فَإِنْ َتوَّلوْا } أي ‪ :‬تركوا ما دعوتهم إليه ‪َ { ،‬ف ُقلْ آذَنْ ُت ُكمْ عَلَى َ‬
‫عمَلِي‬
‫لكم ‪ ،‬كما أنكم حَ ْربٌ لي ‪ ،‬بريء منكم كما أنكم بُرآء مني ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَإِنْ كَذّبُوكَ َف ُقلْ لِي َ‬
‫ع َملُ وَأَنَا بَرِيءٌ ِممّا َت ْعمَلُونَ } [يونس ‪ .]41 :‬وقال { وَِإمّا تَخَافَنّ‬
‫عمَُلكُمْ أَنْ ُتمْ بَرِيئُونَ ِممّا أَ ْ‬
‫وََلكُمْ َ‬
‫سوَاءٍ } [النفال ‪ : ]58 :‬ليكن (‪ )2‬علمك وعلمهم بنبذ العهود على‬
‫مِنْ َقوْمٍ خِيَا َنةً فَانْبِذْ ِإلَ ْيهِمْ عَلَى َ‬
‫سوَاءٍ } أي ‪ :‬أعلمتكم ببراءتي منكم ‪،‬‬
‫السواء ‪ ،‬وهكذا هاهنا ‪ { ،‬فَإِنْ َتوَّلوْا َف ُقلْ آذَنْ ُتكُمْ عَلَى َ‬
‫وبراءتكم مني ؛ لعلمي بذلك‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ َأدْرِي َأقَرِيبٌ أَمْ َبعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ } أي ‪ :‬هو واقع ل محالة ‪ ،‬ولكن ل علم لي‬
‫ل وَ َيعْلَمُ مَا َتكْ ُتمُونَ } أي ‪ :‬إن ال يعلم الغيب جميعَه ‪،‬‬
‫جهْرَ مِنَ ا ْل َقوْ ِ‬
‫بقربه ول ببعده ‪ { ،‬إِنّهُ َيعْلَمُ ا ْل َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ويعلم ما يظهره العباد وما يسرون ‪ ،‬يعلم الظواهر والضمائر ‪ ،‬ويعلم السر وأخفى ‪ ،‬ويعلم ما‬
‫العباد عاملون في أجهارهم وأسرارهم ‪ ،‬وسيجزيهم على ذلك ‪ ،‬على القليل والجليل‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ َأدْرِي َلعَلّهُ فِتْنَةٌ َلكُ ْم َومَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } أي ‪ :‬وما أدري لعل هذا فتنة لكم ومتاع إلى‬
‫حين‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬لعل تأخير ذلك (‪ )3‬عنكم فتنة لكم ‪ ،‬ومتاع إلى أجل مسمى (‪ .)4‬وحكاه عون ‪،‬‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫حقّ } أي ‪ :‬افصل بيننا وبين قومنا المكذبين بالحق‪.‬‬
‫ح ُكمْ بِالْ َ‬
‫{ قَالَ َربّ ا ْ‬
‫ق وَأَ ْنتَ خَيْرُ‬
‫حّ‬‫قال قتادة ‪ :‬كان النبياء ‪ ،‬عليهم السلم ‪ ،‬يقولون ‪ { :‬رَبّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ َق ْومِنَا بِالْ َ‬
‫ا ْلفَاتِحِينَ } [العراف ‪ ، ]89 :‬وأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يقول ذلك‪.‬‬
‫وعن مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا شهد قتال قال ‪َ { :‬ربّ‬
‫حقّ }‪.‬‬
‫ح ُكمْ بِالْ َ‬
‫اْ‬
‫صفُونَ } أي ‪ :‬على ما يقولون ويفترون من الكذب ‪،‬‬
‫حمَنُ ا ْلمُسْ َتعَانُ عَلَى مَا َت ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَرَبّنَا الرّ ْ‬
‫ويتنوعون في مقامات التكذيب والفك ‪ ،‬وال المستعان عليكم في ذلك (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬متقاربين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬لكن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)17/84‬‬
‫(‪ )5‬وقع في ت ‪" :‬آخر تفسير "سورة النبياء" عليهم السلم ‪ ،‬ول الحمد والمنة ‪ ،‬عفا ال لمن‬
‫نظر فيه ولكاتبه وللمسلمين أجمعين"‪.‬‬

‫( ‪)5/388‬‬

‫عمّا‬
‫ضعَةٍ َ‬
‫شيْءٌ عَظِيمٌ (‪َ )1‬يوْمَ تَ َروْ َنهَا َتذْ َهلُ ُكلّ مُ ْر ِ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّبكُمْ إِنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ َ‬
‫عذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ‬
‫سكَارَى وََلكِنّ َ‬
‫سكَارَى َومَا هُمْ ِب ُ‬
‫حمَْلهَا وَتَرَى النّاسَ ُ‬
‫ح ْملٍ َ‬
‫ض َعتْ وَ َتضَعُ ُكلّ ذَاتِ َ‬
‫أَ ْر َ‬
‫(‪)2‬‬

‫تفسير سورة الحج‬


‫[وهي مكية] (‪.)1‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمّا‬
‫ضعَةٍ َ‬
‫عظِيمٌ (‪َ )1‬يوْمَ تَ َروْ َنهَا تَذْ َهلُ ُكلّ مُ ْر ِ‬
‫شيْءٌ َ‬
‫عةِ َ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّبكُمْ إِنّ زَلْزََلةَ السّا َ‬
‫عذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ‬
‫سكَارَى وََلكِنّ َ‬
‫سكَارَى َومَا هُمْ ِب ُ‬
‫حمَْلهَا وَتَرَى النّاسَ ُ‬
‫ح ْملٍ َ‬
‫ض َعتْ وَ َتضَعُ ُكلّ ذَاتِ َ‬
‫أَ ْر َ‬
‫(‪.} )2‬‬
‫يقول تعالى آمرا عباده بتقواه ‪ ،‬ومخبرا لهم بما يستقبلون من أهوال يوم القيامة وزلزلها‬
‫وأحوالها‪ .‬وقد اختلف المفسرون في زلزلة الساعة ‪ :‬هل هي بعد قيام الناس من قبورهم يوم‬
‫نشورهم إلى عَرصَات القيامة ؟ أو ذلك عبارة عن زلزلة الرض قبل قيام الناس من أجداثهم ؟‬
‫جتِ ال ْرضُ أَ ْثقَاَلهَا } [ الزلزلة ‪، ] 2 ، 1 :‬‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬إِذَا زُلْ ِزَلتِ ال ْرضُ زِلْزَاَلهَا‪ .‬وَأَخْ َر َ‬
‫ض وَالْجِبَالُ فَ ُدكّتَا َدكّةً * وَاحِ َدةً فَ َي ْومَئِ ٍذ َو َق َعتِ ا ْلوَا ِقعَةُ } [ الحاقة ‪:‬‬
‫حمَِلتِ ال ْر ُ‬
‫وقال تعالى ‪َ { :‬و ُ‬
‫ستِ ا ْلجِبَالُ بَسّا‪َ .‬فكَا َنتْ هَبَاءً مُنْبَثّا }‬
‫جتِ ال ْرضُ رَجّا‪ .‬وَبُ ّ‬
‫‪ ، ] 15 ، 14‬وقال تعالى ‪ِ { :‬إذَا رُ ّ‬
‫[ الواقعة ‪.] 6 - 4 :‬‬
‫فقال قائلون ‪ :‬هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا ‪ ،‬وأول أحوال الساعة‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن َبشّار ‪ ،‬حدثنا يحيى ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪،‬‬
‫شيْءٌ عَظِيمٌ } ‪ ،‬قال ‪ :‬قبل الساعة‪.‬‬
‫عن عَ ْل َقمَة في قوله ‪ { :‬إِنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ َ‬
‫ورواه ابن أبي حاتم من حديث الثوري ‪ ،‬عن منصور والعمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن علقمة ‪،‬‬
‫عمَيْر ‪ ،‬نحو ذلك‪.‬‬
‫فذكره‪ .‬قال ‪ :‬وروي عن الشعبي ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬وعُبَيْد بن ُ‬
‫وقال أبو كُدَيْ َنةَ ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن عامر الشعبي ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّب ُكمْ } الية ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا‬
‫في الدنيا قبل يوم القيامة‪.‬‬
‫وقد أورد المام أبو جعفر بن جرير مُسْتَ َندَ مَنْ قال ذلك في حديث الصّور ‪ ،‬من رواية إسماعيل‬
‫ابن رافع قاضي أهل المدينة ‪ ،‬عن يزيد بن أبي زياد ‪ ،‬عن رجل من النصار ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫كعب القرظي ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال‬
‫لما فرغ من خلق السموات والرض خلق الصّور ‪ ،‬فأعطاه إسرافيل ‪ ،‬فهو واضعه على فِيه ‪،‬‬
‫شاخص ببصره إلى العَرش ‪ ،‬ينتظر متى يؤمر"‪ .‬قال أبو هريرة ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وما الصور ؟‬
‫قال ‪" :‬قرن" قال ‪ :‬فكيف هو ؟ قال ‪" :‬قرن عظيم ينفخ فيه ثلث نفخات ‪ ،‬الولى نفخة الفزع ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)5/389‬‬

‫صعْق ‪ ،‬والثالثة نفخة (‪ )1‬القيام لرب العالمين ‪ ،‬يأمر ال إسرافيل بالنفخة الولى‬
‫والثانية نفخة ال ّ‬
‫فيقول ‪ :‬انفخ نفخة الفزع‪ .‬فيفزعُ أهل السموات وأهل الرض ‪ ،‬إل من شاء ال ‪ ،‬ويأمره فيمدها‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ح ًة وَاحِ َدةً مَا َلهَا مِنْ‬
‫ويطولها ول يفتر ‪ ،‬وهي التي يقول ال تعالى ‪َ { :‬ومَا يَ ْنظُرُ َهؤُلءِ إِل صَيْ َ‬
‫َفوَاقٍ } [ ص ‪ ] 15 :‬فَيُسير ال الجبال ‪ ،‬فتكون سرابا وتُرج الرض بأهلها رجا ‪ ،‬وهي التي‬
‫جفَةٌ } [ النازعات ‪8 - 6 :‬‬
‫جفَةُ‪ .‬تَتْ َب ُعهَا الرّا ِدفَةُ‪ .‬قُلُوبٌ َي ْومَئِ ٍذ وَا ِ‬
‫جفُ الرّا ِ‬
‫يقول ال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ تَ ْر ُ‬
‫] ‪ ،‬فتكون الرض ‪ ،‬كالسفينة الموبقة (‪ )2‬في البحر ‪ ،‬تضربها المواج تكفؤها بأهلها ‪ ،‬وكالقنديل‬
‫المعلق بالعرش ترجحه الرواح‪.‬‬
‫فيمتد الناس على ظهرها ‪ ،‬فتذهل المراضع ‪ ،‬وتضع الحوامل‪ .‬ويشيب (‪ )3‬الولدان ‪ ،‬وتطير‬
‫الشياطين هاربة ‪ ،‬حتى تأتي القطار ‪ ،‬فتلقاها الملئكة فتضرب وجوهها ‪ ،‬فترجع ‪ ،‬ويولي (‪)4‬‬
‫الناس مدبرين ‪ ،‬ينادي بعضهم بعضا ‪ ،‬وهو الذي يقول ال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ التّنَادِ (‪َ * )5‬ي ْومَ ُتوَلّونَ‬
‫ص ٍم َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [ غافر ‪ ] 33 ، 32 :‬فبينما‬
‫مُدْبِرِينَ مَا َلكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عَا ِ‬
‫هم على ذلك إذ انصدعت الرض من قطر إلى قطر ‪ ،‬فَرَأوا أمرا عظيما ‪ ،‬فأخذهم لذلك من‬
‫الكرب ما ال أعلم به ‪ ،‬ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل ‪ ،‬ثم خسف شمسها وخُسفَ قمرها ‪،‬‬
‫وانتثرت نجومها ‪ ،‬ثم كُشِطت عنهم" قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬والموات ل يعلمون‬
‫ت َومَنْ فِي‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫بشيء من ذلك" قال أبو هريرة ‪ :‬فمن استثنى ال حين يقول ‪َ { :‬ففَ ِزعَ مَنْ فِي ال ّ‬
‫ال ْرضِ إِل مَنْ (‪ )6‬شَاءَ اللّهُ } [ النمل ‪ ] 87 :‬؟ قال ‪ :‬أولئك الشهداء ‪ ،‬وإنما يصل الفزع إلى‬
‫الحياء ‪ ،‬أولئك أحياء عند ربهم يرزقون ‪ ،‬وقاهم ال شر ذلك اليوم وآمنهم ‪ ،‬وهو عذاب ال‬
‫شيْءٌ‬
‫عةِ َ‬
‫يبعثه على شرار خلقه ‪ ،‬وهو الذي يقول ال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّب ُكمْ إِنّ زَلْزََلةَ السّا َ‬
‫حمَْلهَا وَتَرَى النّاسَ‬
‫ح ْملٍ َ‬
‫ض َعتْ وَ َتضَعُ ُكلّ ذَاتِ َ‬
‫عمّا أَ ْر َ‬
‫ضعَةٍ َ‬
‫عَظِيمٌ * َيوْمَ تَ َروْ َنهَا تَ ْذ َهلُ ُكلّ مُ ْر ِ‬
‫عذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ } (‪.)7‬‬
‫سكَارَى وََلكِنّ َ‬
‫سكَارَى َومَا هُمْ ِب ُ‬
‫ُ‬
‫وهذا الحديث قد رواه الطبراني ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬وغير واحد (‪ )8‬مطول جدًا‪.‬‬
‫والغرض منه أنه دل على أن هذه الزلزلة (‪ )9‬كائنة قبل يوم الساعة ‪ ،‬وأضيفت إلى الساعة‬
‫لقربها منها ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬أشراط الساعة ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل ذلك هول وفزع وزلزال وبلبال ‪ ،‬كائن يوم القيامة في العرصات ‪ ،‬بعد القيامة‬
‫من القبور‪ .‬واختار ذلك ابن جرير‪ .‬واحتجوا بأحاديث ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬حدثنا (‪ )10‬قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن عمران‬
‫حصَين ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال وهو في بعض أسفاره ‪ ،‬وقد تفاوت‬
‫[ابن] (‪ُ )11‬‬
‫عةِ‬
‫بين أصحابه السير ‪ ،‬رفع بهاتين اليتين صوته ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّب ُكمْ إِنّ زَلْزََلةَ السّا َ‬
‫حمَْلهَا وَتَرَى النّاسَ‬
‫ح ْملٍ َ‬
‫ت وَ َتضَعُ ُكلّ ذَاتِ َ‬
‫ض َع ْ‬
‫عمّا أَ ْر َ‬
‫ضعَةٍ َ‬
‫عظِيمٌ َيوْمَ تَ َروْ َنهَا َتذْ َهلُ ُكلّ مُ ْر ِ‬
‫شيْءٌ َ‬
‫َ‬
‫عذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ }‬
‫سكَارَى وََلكِنّ َ‬
‫سكَارَى َومَا هُمْ ِب ُ‬
‫ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬والنفخة الثالثة"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬المرسية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وتشيب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وتولي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬التنادي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)17/85‬‬
‫(‪ )8‬حديث الصور سبق عند تفسير الية ‪ 73‬من سورة النعام‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬الزلزلة له"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫( ‪)5/390‬‬

‫فلما سمع أصحابه بذلك حَثْوا المُطي ‪ ،‬وعرفوا أنه عند قول يقوله ‪ ،‬فلما تأشهوا حوله قال ‪" :‬‬
‫أتدرون أي يوم ذاك ؟ يوم ينادى آدم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فيناديه ربه عز وجل ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا آدم ‪،‬‬
‫ابعث بعثك إلى النار فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬وما بعث النار ؟ فيقول ‪ :‬من كل ألف تسعمائة وتسعة‬
‫وتسعون في النار ‪ ،‬وواحد في الجنة"‪ .‬قال فأبلس أصحابه حتى ما أوضحوا بضاحكة ‪ ،‬فلما رأى‬
‫ذلك قال ‪" :‬أبشروا واعملوا ‪ ،‬فوالذي نفس محمد بيده ‪ ،‬إنكم لمع (‪ )1‬خَليقتين ما كانتا مع شيء‬
‫قط إل كثرتاه ‪ :‬يأجوج ومأجوج ‪ ،‬ومن هلك من بني آدم وبني إبليس" قال ‪ :‬فسُرّي عنهم ‪ ،‬ثم قال‬
‫‪ :‬اعملوا وأبشروا ‪ ،‬فوالذي نفس محمد بيده ‪ ،‬ما أنتم في الناس إل كالشامة في جنب البعير ‪ ،‬أو‬
‫الرقمة في ذراع الدابة"‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما ‪ ،‬عن محمد بن بَشّار ‪ ،‬عن يحيى ‪-‬‬
‫وهو القَطّان ‪ -‬عن هشام ‪ -‬وهو الدستوائي ‪ -‬عن قتادة ‪ ،‬به (‪ )2‬بنحوه‪ .‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫طريق أخرى لهذا الحديث ‪ :‬قال (‪ )3‬الترمذي ‪ :‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان بن عيينة ‪،‬‬
‫حصَيْن ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫حدثنا ابن جُدعان ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن عمران بن ُ‬
‫عظِيمٌ } إلى قوله ‪ { :‬وََلكِنّ‬
‫شيْءٌ َ‬
‫لما نزلت ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ (‪ )4‬ا ّتقُوا رَ ّب ُكمْ إِنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ َ‬
‫شدِيدٌ } ‪ ،‬قال ‪ :‬أنزلت عليه هذه ‪ ،‬وهو في سفر ‪ ،‬فقال ‪" :‬أتدرون أي يوم ذلك ؟"‬
‫عَذَابَ اللّهِ َ‬
‫فقالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬ذلك يوم يقول ال لدم ‪ :‬ابعث بعث النار‪ .‬قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬وما‬
‫بعث النار ؟ قال ‪ :‬تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار ‪ ،‬وواحد إلى الجنة" فأنشأ المسلمون يبكون ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قاربوا وسَدّدوا ‪ ،‬فإنها لم تكن نبوة قط إل كان بين يديها‬
‫جاهلية" قال ‪" :‬فيؤخذ العدد من الجاهلية ‪ ،‬فإن تمت وإل ُكمّلت من المنافقين ‪ ،‬وما مثلكم والمم‬
‫إل كمثل الرّقمة في ذراع الدابة ‪ ،‬أو كالشامة (‪ )5‬في جنب البعير" ثم قال ‪" :‬إني لرجو أن‬
‫تكونوا ربع أهل الجنة" فكبروا ثم قال ‪" :‬إني لرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة" فكبروا ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫"إني لرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" فكبروا ‪ ،‬قال ‪ :‬ول أدري أقال الثلثين أم ل ؟‬
‫وكذا رواه المام أحمد عن سفيان بن عُيَيْنَةَ (‪ ، )6‬ثم قال الترمذي أيضا ‪ :‬هذا حديث حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫وقد روي عن سعيد بن أبي عَرُوبة عن الحسن ‪ ،‬عن عمران بن الحصين‪ .‬وقد رواه ابن أبي‬
‫حاتم من حديث سعيد بن أبي عروبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن والعلء بن زياد العدوي ‪ ،‬عن‬
‫عمران بن الحصين (‪ ، )7‬فذكره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬مع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )4/435‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3169‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11340‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يا أيها الذين آمنوا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وكالشامة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪ )3168‬والمسند (‪.)4/432‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ابن حصين"‪.‬‬

‫( ‪)5/391‬‬

‫وهكذا روى ابن جرير عن بُنْدَار ‪ ،‬عن غُنْدَر ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن الحسن قال ‪ :‬بلغني أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم لما قفل من غزوة العُسرة ومعه أصحابه بعد ما شارف المدينة قرأ ‪ { :‬يَا‬
‫شيْءٌ عَظِيمٌ } وذكر الحديث (‪ ، )1‬فذكر نحو سياق ابن‬
‫أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّبكُمْ إِنّ َزلْزَلَةَ السّاعَةِ َ‬
‫جدْعَان ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫ُ‬
‫الحديث الثاني ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن الطَبّاع ‪ ،‬حدثنا أبو سفيان ‪[ -‬يعني] (‬
‫عظِيمٌ }‬
‫شيْءٌ َ‬
‫‪ )2‬المعمري ‪ -‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬نزلت ‪ { :‬إِنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ َ‬
‫وذكر ‪ -‬يعني ‪ :‬نحو سياق الحسن عن عمران ‪ -‬غير أنه قال ‪" :‬ومن هلك من كفرة الجن‬
‫والنس"‪.‬‬
‫رواه ابن جرير بطوله ‪ ،‬من حديث معمر (‪.)3‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الحديث الثالث ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سعيد بن سليمان ‪ ،‬حدثنا عباد ‪ -‬يعني ‪:‬‬
‫ابن العوام ‪ -‬حدثنا هلل بن خباب (‪ ، )4‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬تل (‪ )5‬رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم هذه الية فذكر نحوه ‪ ،‬وقال فيه ‪" :‬إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" ‪،‬‬
‫ثم قال ‪" :‬إني لرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة" ثم قال ‪" :‬إني لرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة"‬
‫ففرحوا ‪ ،‬وزاد أيضًا ‪" :‬وإنما أنتم جزء من ألف جزء" (‪.)6‬‬
‫الحديث الرابع ‪ :‬قال البخاري عند هذه الية ‪ :‬حدثنا عمر بن حفص ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا العمش‬
‫‪ ،‬حدثنا أبو صالح ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يقول ال تعالى‬
‫يوم القيامة ‪ :‬يا آدم ‪ ،‬فيقول ‪ :‬لبيك ربنا وسعديك‪ .‬فينادي بصوت ‪ :‬إن ال يأمرك أن تخرج من‬
‫ذريتك بعثًا إلى النار‪ .‬قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬وما بعث النار ؟ قال ‪ :‬من كل ألف ‪ -‬أراه قال ‪ -‬تسعمائة‬
‫سكَارَى َومَا ُهمْ‬
‫وتسعة وتسعين (‪ .)7‬فحينئذ تضع الحامل حملها ‪ ،‬ويشيب الوليد ‪ { ،‬وَتَرَى النّاسَ ُ‬
‫سكَارَى وََلكِنّ عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ } فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم ‪ ،‬قال النبي صلى‬
‫بِ ُ‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين (‪ ، )8‬ومنكم واحد ‪ ،‬ثم أنتم في‬
‫الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور البيض ‪ ،‬أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور السود ‪،‬‬
‫وإني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة"‪ .‬فكبرنا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ثلث أهل الجنة"‪ .‬فكبرنا ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫"شطر أهل الجنة" فكبرنا (‪.)9‬‬
‫وقد رواه البخاري أيضا في غير هذا الموضع ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬والنسائي في تفسيره ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬به (‪.)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)17/86‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)17/87‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ابن حبان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه البزار في مسنده برقم (‪" )2235‬كشف الستار" حدثنا أبو بكر بن إسحاق عن سعد بن‬
‫سليمان به ‪ ،‬وقال ‪" :‬ل نعلمه يروى عن ابن عباس إل بهذا السناد"‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع (‬
‫‪" : )7/69‬قلت في الصحيح بعضه ‪ ،‬رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير هلل بن خباب‬
‫وهو ثقة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وتسعون"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وتسعون"‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري برقم (‪.)4741‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )10‬صحيح البخاري برقم (‪ )7483 ، 3348‬وصحيح مسلم برقم (‪ )222‬وسنن النسائي الكبرى‬
‫برقم (‪.)11339‬‬

‫( ‪)5/392‬‬

‫الحديث الخامس ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عمار (‪ )1‬بن محمد ‪ -‬ابن أخت سفيان الثوري ‪-‬‬
‫وعبيدة المعنى ‪ ،‬كلهما عن إبراهيم بن مسلم ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال يبعث يوم القيامة مناديا [ينادي] (‪ : )2‬يا آدم ‪ ،‬إن ال‬
‫يأمرك أن تبعث بعثًا من ذريتك إلى النار ‪ ،‬فيقول آدم ‪ :‬يا رب ‪ ،‬من هم ؟ فيقال له ‪ :‬من كل مائة‬
‫تسعة وتسعين"‪ .‬فقال رجل من القوم ‪ :‬من هذا الناجي منا بعد هذا يا رسول ال ؟ قال (‪" : )3‬هل‬
‫تدرون ما أنتم في الناس إل كالشامة في صدر البعير" (‪.)4‬‬
‫انفرد بهذا السند وهذا السياق المام أحمد‪.‬‬
‫الحديث السادس ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن حاتم بن أبي صغيرة ‪ ،‬حدثنا ابن أبي‬
‫مُلَ ْيكَةَ ؛ أن القاسم بن محمد أخبره ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إنكم‬
‫تحشرون يوم القيامة حُفاة عراة غرل"‪ .‬قالت عائشة ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬الرجال والنساء ينظر‬
‫بعضهم إلى بعض ؟ قال ‪" :‬يا عائشة ‪ ،‬إن المر أشد من أن يهمهم ذاك"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين‬
‫(‪.)5‬‬
‫الحديث السابع ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن خالد بن أبي‬
‫عمْران ‪ ،‬عن القاسم بن محمد ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل يذكر الحبيب حبيبه‬
‫ِ‬
‫يوم القيامة ؟ قال ‪" :‬يا عائشة ‪ ،‬أما عند ثلث فل أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف ‪ ،‬فل‪ .‬وأما‬
‫عند تطاير الكتب فإما يعطى بيمينه أو يعطى بشماله ‪ ،‬فل‪ .‬وحين يخرج عُنُق من النار فينطوي‬
‫عليهم ‪ ،‬ويتغيظ عليهم ‪ ،‬ويقول ذلك العنق ‪ :‬وكلت بثلثة ‪ ،‬وكلت بثلثة ‪ ،‬وكلت بثلثة ‪ :‬وكلت‬
‫بمن ادعى مع ال إلها آخر ‪ ،‬ووكلت بمن ل يؤمن بيوم الحساب ‪ ،‬ووكلت بكل جبار عنيد" قال ‪:‬‬
‫"فينطوي (‪ )6‬عليهم ‪ ،‬ويرميهم في غمرات ‪ ،‬ولجهنم جسر أدق من الشعر وأحد من السيف ‪،‬‬
‫عليه كلليب وحسك يأخُذْنَ من شاء ال ‪ ،‬والناس عليه كالطرف وكالبرق وكالريح ‪ ،‬وكأجاويد‬
‫الخيل والركاب ‪ ،‬والملئكة يقولون ‪ :‬رب ‪ ،‬سَلّم ‪ ،‬سَلّم‪ .‬فناج مسلم ‪ ،‬ومخدوش مسلم ‪ ،‬وم َكوّر (‬
‫‪ )7‬في النار على وجهه (‪.)9( " )8‬‬
‫والحاديث في أهوال يوم القيامة والثار كثيرة جدا ‪ ،‬لها موضع آخر ‪ ،‬ولهذا قال تعالى ‪ { :‬إِنّ‬
‫شيْءٌ عَظِيمٌ } أي ‪ :‬أمر كبير ‪ ،‬وخطب جليل ‪ ،‬وطارق مفظع ‪ ،‬وحادث هائل ‪،‬‬
‫زَلْزَلَةَ السّاعَةِ َ‬
‫وكائن عجيب‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والزلزال (‪ : )10‬هو ما يحصل للنفوس من الفزع ‪ ،‬والرعب كما قال تعالى ‪ { :‬هُنَاِلكَ ابْتُِليَ‬
‫ن وَزُلْزِلُوا زِلْزَال شَدِيدًا } [ الحزاب ‪.] 11 :‬‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنُو َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬عمارة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)1/388‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )6/53‬وصحيح البخاري برقم (‪ )6527‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2855‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وينطوي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ومكبوب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وجوههم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)6/110‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬والزلزل"‪.‬‬

‫( ‪)5/393‬‬

‫َومِنَ النّاسِ مَنْ يُجَا ِدلُ فِي اللّهِ ِبغَيْرِ عِ ْل ٍم وَيَتّبِعُ ُكلّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (‪ )3‬كُ ِتبَ عَلَيْهِ أَنّهُ مَنْ َتوَلّاهُ فَأَنّهُ‬
‫سعِيرِ (‪)4‬‬
‫عذَابِ ال ّ‬
‫ُيضِلّ ُه وَ َيهْدِيهِ إِلَى َ‬

‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ تَ َروْ َنهَا } ‪ :‬هذا من باب ضمير الشأن ؛ ولهذا قال مفسرًا له ‪َ { :‬تذْ َهلُ ُكلّ‬
‫ضعَتْ } أي ‪ :‬تشتغل لهول ما ترى عن أحب الناس إليها ‪ ،‬والتي هي أشفق الناس‬
‫عمّا أَ ْر َ‬
‫ضعَةٍ َ‬
‫مُ ْر ِ‬
‫ضعَةٍ } ‪ ،‬ولم يقل ‪" :‬مرضع"‬
‫عليه ‪ ،‬تدهش عنه في حال إرضاعها له ؛ ولهذا قال ‪ُ { :‬كلّ مُ ْر ِ‬
‫ض َعتْ } أي ‪ :‬عن رضيعها قبل فطامه‪.‬‬
‫عمّا أَ ْر َ‬
‫وقال ‪َ { :‬‬
‫سكَارَى }‬
‫حمَْلهَا } أي ‪ :‬قبل تمامه لشدة الهول ‪ { ،‬وَتَرَى النّاسَ ُ‬
‫ح ْملٍ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َتضَعُ ُكلّ ذَاتِ َ‬
‫سكْرَى" أي ‪ :‬من شدة المر الذي [قد] (‪ )1‬صاروا فيه قد دهشت عقولهم ‪ ،‬وغابت‬
‫وقرئ ‪َ " :‬‬
‫سكَارَى وََلكِنّ عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ }‪.‬‬
‫أذهانهم ‪ ،‬فمن رآهم حسب أنهم سُكارى ‪َ { ،‬ومَا هُمْ بِ ُ‬
‫علَيْهِ أَنّهُ مَنْ َتوَلهُ فَأَنّهُ‬
‫{ َومِنَ النّاسِ مَنْ ُيجَا ِدلُ فِي اللّهِ ِبغَيْرِ عِلْ ٍم وَيَتّبِعُ ُكلّ شَ ْيطَانٍ مَرِيدٍ (‪ )3‬كُ ِتبَ َ‬
‫سعِيرِ (‪.} )4‬‬
‫عذَابِ ال ّ‬
‫ُيضِلّ ُه وَ َيهْدِيهِ إِلَى َ‬
‫يقول تعالى ذامًا لمن كذب بالبعث ‪ ،‬وأنكر قدرة ال على إحياء الموتى ‪ ،‬معرضا عما أنزل ال‬
‫على أنبيائه ‪ ،‬متبعًا في قوله وإنكاره وكفره كل شيطان مريد ‪ ،‬من النس والجن ‪ ،‬وهذا حال أهل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الضلل (‪ )2‬والبدع ‪ ،‬المعرضين عن الحق ‪ ،‬المتبعين للباطل ‪ ،‬يتركون ما أنزله ال على رسوله‬
‫من الحق المبين ‪ ،‬ويتبعون أقوال رءوس الضللة ‪ ،‬الدعاة إلى البدع بالهواء والراء ‪ ،‬ولهذا قال‬
‫في شأنهم وأشباههم ‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ يُجَا ِدلُ فِي اللّهِ ِبغَيْرِ عِلْمٍ } ‪ ،‬أي ‪ :‬علم صحيح ‪ { ،‬وَيَتّبِعُ‬
‫ُكلّ شَيْطَانٍ‪ .‬مَرِيدٍ كُ ِتبَ عَلَ ْيهِ } قال مجاهد ‪ :‬يعني الشيطان ‪ ،‬يعني ‪ :‬كتب عليه كتابة قدرية { أَنّهُ‬
‫سعِيرِ } أي ‪ :‬يضله في الدنيا‬
‫عذَابِ ال ّ‬
‫مَنْ َتوَلهُ } أي ‪ :‬اتبعه وقلده ‪ { ،‬فَأَنّهُ ُيضِلّ ُه وَ َيهْدِيهِ إِلَى َ‬
‫ويقوده في الخرة إلى عذاب السعير ‪ ،‬وهو الحار المؤلم المزعج المقلق‪.‬‬
‫وقد قال السدي ‪ ،‬عن أبي مالك ‪ :‬نزلت هذه الية في النضر بن الحارث‪ .‬وكذلك (‪ )3‬قال ابن‬
‫جريج‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمرو بن سلم (‪ )4‬البصري ‪ ،‬حدثنا عمرو بن المحرم أبو قتادة ‪،‬‬
‫حدثنا المعمر (‪ ، )5‬حدثنا أبو كعب المكي قال ‪ :‬قال خبيث من خُبثاء قريش ‪ :‬أخبرنا (‪ )6‬عن‬
‫ربكم ‪ ،‬من ذهب هو ‪ ،‬أو من فضة هو ‪ ،‬أو من نحاس هو ؟ فقعقعت السماء قعقعة ‪ -‬والقعقعة‬
‫في كلم العرب ‪ :‬الرعد ‪ -‬فإذا ِقحْف رأسه ساقط بين يديه‪.‬‬
‫وقال ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬جاء يهودي فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أخبرنا عن ربك ‪ :‬من أي‬
‫شيء هو ؟ من در أم من ياقوت ؟ قال ‪ :‬فجاءت صاعقة فأخذته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الضللة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬وكذا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ابن مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬المعتمر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬حدثنا"‪.‬‬

‫( ‪)5/394‬‬

‫طفَةٍ ثُمّ مِنْ عََلقَةٍ ثُمّ مِنْ‬


‫يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَ ْيبٍ مِنَ الْ َب ْعثِ فَإِنّا خََلقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ مِنْ نُ ْ‬
‫طفْلًا ُثمّ‬
‫جكُمْ ِ‬
‫سمّى ُثمّ نُخْ ِر ُ‬
‫جلٍ ُم َ‬
‫ضغَةٍ مُخَّلقَ ٍة وَغَيْرِ مُخَّلقَةٍ لِنُبَيّنَ َلكُ ْم وَ ُنقِرّ فِي الْأَ ْرحَامِ مَا َنشَاءُ إِلَى َأ َ‬
‫ُم ْ‬
‫لِتَبُْلغُوا أَشُ ّد ُك ْم َومِ ْنكُمْ مَنْ يُ َت َوفّى َومِ ْنكُمْ مَنْ يُرَدّ إِلَى أَرْ َذلِ ا ْل ُعمُرِ ِلكَيْلَا َيعْلَمَ مِنْ َبعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى‬
‫ت وَرَ َبتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ ُكلّ َزوْجٍ َبهِيجٍ (‪)5‬‬
‫الْأَ ْرضَ هَامِ َدةً فَِإذَا أَنْزَلْنَا عَلَ ْيهَا ا ْلمَاءَ اهْتَ ّز ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طفَةٍ ثُمّ مِنْ عََلقَةٍ ُثمّ مِنْ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنْ كُنْ ُتمْ فِي رَ ْيبٍ مِنَ الْ َب ْعثِ فَإِنّا خََلقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ مِنْ ُن ْ‬
‫طفْل‬
‫ج ُكمْ ِ‬
‫سمّى ثُمّ ُنخْرِ ُ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫ضغَةٍ مُخَّلقَ ٍة وَغَيْرِ مُخَّلقَةٍ لِنُبَيّنَ َلكُ ْم وَ ُنقِرّ فِي الرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَ َ‬
‫ُم ْ‬
‫ثُمّ لِتَبُْلغُوا َأشُ ّدكُ ْم َومِ ْنكُمْ مَنْ يُ َت َوفّى َومِ ْنكُمْ مَنْ يُرَدّ إِلَى أَ ْر َذلِ ا ْل ُعمُرِ ِلكَيْل َيعَْلمَ مِنْ َبعْدِ عِ ْلمٍ شَيْئًا‬
‫ت وَأَنْبَ َتتْ مِنْ ُكلّ َزوْجٍ َبهِيجٍ (‪.} )5‬‬
‫ت وَرَ َب ْ‬
‫علَ ْيهَا ا ْلمَاءَ اهْتَ ّز ْ‬
‫وَتَرَى ال ْرضَ هَامِ َدةً فَإِذَا أَنزلْنَا َ‬

‫( ‪)5/395‬‬

‫عةَ آَتِيَةٌ لَا رَ ْيبَ‬


‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ )6‬وَأَنّ السّا َ‬
‫ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلحَقّ وَأَنّهُ يُحْيِي ا ْل َموْتَى وَأَنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫فِيهَا وَأَنّ اللّهَ يَ ْب َعثُ مَنْ فِي ا ْلقُبُورِ (‪)7‬‬

‫شيْءٍ َقدِيرٌ (‪ )6‬وَأَنّ السّاعَةَ آتِيَةٌ ل رَ ْيبَ‬


‫ق وَأَنّهُ ُيحْيِي ا ْل َموْتَى وَأَنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫حّ‬‫{ ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ ُهوَ الْ َ‬
‫فِيهَا وَأَنّ اللّهَ يَ ْب َعثُ مَنْ فِي ا ْلقُبُورِ (‪.} )7‬‬
‫لما ذكر تعالى المخالف للبعث ‪ ،‬المنكر للمعاد ‪ ،‬ذكر تعالى الدليل على قدرته تعالى على المعاد ‪،‬‬
‫بما يشاهد من بدئه للخلق (‪ ، )1‬فقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَ ْيبٍ } أي ‪ :‬في شك { مِنَ‬
‫الْ َب ْعثِ } وهو المعاد وقيام الرواح والجساد يوم القيامة { فَإِنّا خََلقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ } أي ‪ :‬أصل‬
‫طفَةٍ } أي ‪ :‬ثم جعل‬
‫بَرْئه (‪ )2‬لكم من تراب ‪ ،‬وهو الذي خلق منه آدم ‪ ،‬عليه السلم { ثُمّ مِنْ ُن ْ‬
‫نسله من سللة من ماء مهين ‪ُ { ،‬ثمّ مِنْ عََلقَةٍ ثُمّ مِنْ ُمضْغَةٍ } ذلك أنه إذا استقرت النطفة في رحم‬
‫المرأة ‪ ،‬مكثت أربعين يوما كذلك ‪ ،‬يضاف إليه ما يجتمع إليها ‪ ،‬ثم تنقلب علقة حمراء بإذن ال ‪،‬‬
‫فتمكث كذلك أربعين يوما ‪ ،‬ثم تستحيل فتصير مضغة ‪ -‬قطعة من لحم ل شكل فيها ول تخطيط‬
‫‪ -‬ثم يشرع في التشكيل والتخطيط ‪ ،‬فيصور منها رأس ويدان ‪ ،‬وصدر وبطن ‪ ،‬وفخذان ورجلن‬
‫‪ ،‬وسائر العضاء‪ .‬فتارة تُسقطها المرأة قبل التشكيل والتخطيط ‪ ،‬وتارة تلقيها وقد صارت ذات‬
‫ضغَةٍ مُخَّلقَ ٍة وَغَيْرِ مُخَّلقَةٍ } أي ‪ :‬كما‬
‫شكل وتخطيط ؛ ولهذا قال تعالى ‪ُ { :‬ثمّ مِنْ عََلقَةٍ ُثمّ مِنْ ُم ْ‬
‫سمّى } أي ‪ :‬وتارة تستقر في الرحم‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫تشاهدونها ‪ { ،‬لِنُبَيّنَ َل ُك ْم وَنُقِرّ فِي الرْحَامِ مَا نَشَاءُ ِإلَى َأ َ‬
‫ل تلقيها المرأة ول تسقطها ‪ ،‬كما قال مجاهد في قوله تعالى ‪ { :‬مُخَّلقَ ٍة وَغَيْرِ ُمخَّلقَةٍ } قال ‪ :‬هو‬
‫السقط مخلوق وغير مخلوق‪ .‬فإذا مضى عليها أربعون يوما ‪ ،‬وهي مضغة ‪ ،‬أرسل ال تعالى‬
‫إليها ملكا فنفخ (‪ )3‬فيها الروح ‪ ،‬وسواها كما يشاء ال عز وجل (‪ ، )4‬من حسن وقبيح ‪ ،‬وذكر‬
‫وأنثى ‪ ،‬وكتب رزقها وأجلها ‪ ،‬وشقي أو سعيد ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين ‪ ،‬من حديث العمش ‪،‬‬
‫عن زيد بن وهب ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ :‬حدثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وهو الصادق‬
‫المصدوق ‪" : -‬إن خلق أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين ليلة ‪ ،‬ثم يكون علقة مثل ذلك ‪ ،‬ثم‬
‫يكون مُضغة مثل ذلك ‪ ،‬ثم يبعث ال إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات ‪ :‬بكتب عمله وأجله ورزقه ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وشقي أو سعيد ‪ ،‬ثم ينفخ فيه الروح" (‪.)5‬‬
‫وروى ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم من حديث داود بن أبي هند ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن علقمة ‪ ،‬عن‬
‫عبد ال قال ‪ :‬النطفة إذا استقرت في الرحم ‪ ،‬أخذها (‪ )6‬ملك بكفه قال (‪ : )7‬يا رب ‪ ،‬مخلقة أو‬
‫غير‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬بما شاهد من بين يديه للخلق" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬بما يشاهده من بين يديه للخلق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تربه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فينفخ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )6594‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2643‬‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪" :‬جاءها" ‪ ،‬والمثبت من الدر المنثور ‪.3/345‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬

‫( ‪)5/395‬‬

‫مخلقة ؟ فإن قيل ‪" :‬غير مخلقة" لم تكن نسمة ‪ ،‬وقذفتها الرحام دما‪ .‬وإن قيل ‪" :‬مخلقة" ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أي رب ‪ ،‬ذكر أو أنثى ؟ شقي أو سعيد ؟ ما الجل ؟ وما الثر ؟ وبأي أرض يموت (‪ )1‬؟ قال ‪:‬‬
‫فيقال للنطفة ‪ :‬من ربك ؟ فتقول ‪ :‬ال‪ .‬فيقال ‪ :‬من رازقك ؟ فتقول ‪ :‬ال‪ .‬فيقال له ‪ :‬اذهب إلى‬
‫الكتاب ‪ ،‬فإنك ستجد فيه قصة هذه النطفة‪ .‬قال ‪ :‬فتخلق فتعيش في أجلها ‪ ،‬وتأكل رزقها ‪ ،‬وتطأ‬
‫أثرها ‪ ،‬حتى إذا جاء أجلها ماتت ‪ ،‬فدفنت في ذلك المكان ‪ ،‬ثم تل عامر الشعبي ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ‬
‫طفَةٍ ُثمّ مِنْ عََلقَةٍ ثُمّ مِنْ ُمضْغَةٍ ُمخَّلقَةٍ‬
‫إِنْ كُنْتُمْ فِي رَ ْيبٍ مِنَ الْ َب ْعثِ فَإِنّا خََلقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ُثمّ مِنْ نُ ْ‬
‫وَغَيْرِ مُخَّلقَةٍ } فإذا بلغت مضغة نكست في الخلق الرابع فكانت نسمة ‪ ،‬فإن كانت غير مخلقة‬
‫قذفتها الرحام دما ‪ ،‬وإن كانت مخلقة نكست في الخلق‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال بن يزيد المقرئ ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫دينار ‪ ،‬عن أبي الطفيل ‪ ،‬عن حذيفة بن أسيد ‪ -‬يبلغ به النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬يدخل‬
‫الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أي رب ‪ ،‬أشقي‬
‫أم سعيد ؟ فيقول ال ‪ ،‬ويكتبان ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أذكر أم أنثى ؟ فيقول ال ويكتبان ‪ ،‬ويكتب عمله وأثره‬
‫ورزقه وأجله ‪ ،‬ثم تطوى الصحف ‪ ،‬فل يزاد على ما فيها ول ينتقص (‪.)2‬‬
‫طفَيل ‪ ،‬بنحو معناه (‪.)3‬‬
‫ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬ومن طرق أخر ‪ ،‬عن أبي ال ّ‬
‫طفْل } أي ‪ :‬ضعيفا في بدنه ‪ ،‬وسمعه وبصره وحواسه ‪ ،‬وبطشه وعقله‪.‬‬
‫جكُمْ ِ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ نُخْ ِر ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثم يعطيه ال القوة شيئا فشيئا ‪ ،‬ويلطف (‪ )4‬به ‪ ،‬ويحنن عليه والديه في آناء الليل وأطراف النهار‬
‫ش ّدكُمْ } أي ‪ :‬يتكامل (‪ )5‬القوى ويتزايد ‪ ،‬ويصل إلى عنفوان الشباب‬
‫؛ ولهذا قال ‪ُ { :‬ثمّ لِتَبُْلغُوا أَ ُ‬
‫وحسن المنظر‪.‬‬
‫{ َومِ ْنكُمْ مَنْ يُ َت َوفّى } ‪ ،‬أي ‪ :‬في حال شبابه وقواه ‪َ { ،‬ومِ ْنكُمْ مَنْ يُ َردّ إِلَى أَرْ َذلِ ا ْل ُعمُرِ } ‪ ،‬وهو‬
‫الشيخوخة والهَرَم وضعف القوة والعقل والفهم ‪ ،‬وتناقص الحوال من الخَرَف (‪ )6‬وضعف الفكر‬
‫؛ ولهذا قال ‪ِ { :‬لكَيْل (‪َ )7‬يعْلَمَ مِنْ َب ْعدِ عِلْمٍ شَيْئًا } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬اللّهُ الّذِي خََل َقكُمْ مِنْ‬
‫ض ْعفًا وَشَيْ َبةً يَخُْلقُ مَا يَشَا ُء وَ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ‬
‫ج َعلَ مِنْ َبعْدِ ُق ّو ٍة َ‬
‫ض ْعفٍ ُق ّوةً ُثمّ َ‬
‫ج َعلَ مِنْ َبعْ ِد َ‬
‫ضعْفٍ ثُمّ َ‬
‫َ‬
‫ا ْلقَدِيرُ } [ الروم ‪.] 54 :‬‬
‫وقد قال الحافظ أبو يعلى [أحمد] (‪ )8‬بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده ‪ :‬حدثنا منصور بن‬
‫أبي مزاحم (‪ ، )9‬حدثنا خالد الزيات ‪ ،‬حدثني داود أبو سليمان ‪ ،‬عن عبد ال بن عبد الرحمن بن‬
‫معمر ابن حزم النصاري ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ -‬رفع الحديث ‪ -‬قال ‪" :‬المولود حتى يبلغ‬
‫الحنث ‪ ،‬ما عمل من حسنة ‪ ،‬كتبت لوالده أو لوالدته (‪ )10‬وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ول‬
‫على والديه ‪ ،‬فإذا بلغ الحنث جرى ال عليه القلم أمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا ‪،‬‬
‫فإذا بلغ أربعين سنة في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬تموت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬ول ينقص"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)2644‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ويتلطف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬تتكامل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من الحزن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬ابن أبي عاصم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬لوالديه"‪.‬‬

‫( ‪)5/396‬‬

‫السلم أمنه ال من البليا الثلث ‪ :‬الجنون ‪ ،‬والجذام ‪ ،‬والبرص‪ .‬فإذا بلغ الخمسين ‪ ،‬خفف ال‬
‫حسابه‪ .‬فإذا بلغ ستين رزقه ال النابة إليه بما يحب ‪ ،‬فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء ‪ ،‬فإذا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بلغ الثمانين كتب ال حسناته وتجاوز عن سيئاته ‪ ،‬فإذا بلغ التسعين غفر ال له ما تقدم من ذنبه‬
‫وما تأخر ‪ ،‬وشفعه في أهل بيته ‪ ،‬وكان أسير ال في أرضه ‪ ،‬فإذا بلغ أرذل العمر { ِلكَيْل َيعْلَمَ‬
‫مِنْ َبعْدِ عِ ْلمٍ شَيْئًا } كتب ال له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير ‪ ،‬فإذا عمل سيئة لم تكتب‬
‫عليه" (‪.)1‬‬
‫هذا حديث غريب جدا ‪ ،‬وفيه نكارة شديدة‪ .‬ومع هذا قد رواه المام أحمد بن حنبل في مسنده‬
‫مرفوعا وموقوفا فقال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو النضر ‪ ،‬حدثنا الفرج ‪ ،‬حدثنا محمد بن عامر ‪ ،‬عن محمد بن عبد ال العامري (‪، )2‬‬
‫عن عمرو بن جعفر ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬إذا بلغ الرجل المسلم أربعين سنة ‪ ،‬أمنه ال من أنواع‬
‫البليا ‪ ،‬من الجنون والجذام والبرص (‪ ، )3‬فإذا بلغ الخمسين لَيّن ال حسابه ‪ ،‬وإذا بلغ الستين‬
‫رزقه ال إنابة يحبه عليها ‪ ،‬وإذا بلغ السبعين أحبه ال ‪ ،‬وأحبه أهل السماء ‪ ،‬وإذا بلغ الثمانين‬
‫تقبل ال حسناته ‪ ،‬ومحا عنه سيئاته ‪ ،‬وإذا بلغ التسعين غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ‪،‬‬
‫وسمي أسير ال في الرض ‪ ،‬وشفع في أهله (‪.)4‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا هاشم ‪ ،‬حدثنا الفرج ‪ ،‬حدثني محمد بن عبد ال العامري ‪ ،‬عن محمد بن عبد ال‬
‫بن عمرو بن عثمان ‪ ،‬عن عبد ال بن عمر بن الخطاب ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬مثله (‬
‫‪.)5‬‬
‫ورواه المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا أنس بن عياض ‪ ،‬حدثني يوسف بن أبي ذرة (‪ )6‬النصاري ‪،‬‬
‫ضمْري ‪ ،‬عن أنس بن مالك ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عن جعفر بن عمرو بن أمية ال ّ‬
‫قال ‪" :‬ما من معمر يعمر في السلم أربعين سنة ‪ ،‬إل صرف ال عنه ثلثة أنواع من البلء ‪:‬‬
‫الجنون والجذام والبرص (‪ .....)7‬وذكر تمام الحديث ‪ ،‬كما تقدم سواء (‪.)8‬‬
‫ورواه الحافظ أبو بكر البزار ‪ ،‬عن عبد ال بن شبيب ‪ ،‬عن أبي شيبة ‪ ،‬عن عبد ال بن عبد‬
‫الملك (‪ ، )9‬عن أبي قتادة العُذْري ‪ ،‬عن ابن أخي الزهري ‪ ،‬عن عمه ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما من عبد يعمر في السلم أربعين سنة ‪ ،‬إل صرف ال‬
‫عنه أنواعا من البلء ‪ :‬الجنون والجذام والبرص ‪ ،‬فإذا بلغ خمسين سنة لين ال له الحساب ‪ ،‬فإذا‬
‫بلغ ستين سنة رزقه ال النابة إليه بما يحب ‪ ،‬فإذا بلغ سبعين غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما‬
‫تأخر ‪ ،‬وسمي أسير ال ‪ ،‬وأحبه أهل السماء (‪ ، )10‬فإذا بلغ الثمانين تقبل ال منه حسناته‬
‫غفَر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ‪ ،‬وسُمي أسير ال في‬
‫وتجاوز عن سيئاته ‪ ،‬فإذا بلغ التسعين َ‬
‫أرضه ‪ ،‬وشفع في أهل بيته" (‪.)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند أبي يعلى (‪.)6/352‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬العاملي"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬البرص والجذام"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)2/89‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪)2/89‬‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أبي بردة" ‪ ،‬والتصويب من كتب الرجال‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أو الجذام أو البرص"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )3/217‬وفي إسناده يوسف بن أبي ذرة وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬عبد ال بن مالك"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬السموات"‪.‬‬
‫(‪ )11‬مسند البزار برقم (‪" )3588‬كشف الستار"‪.‬‬

‫( ‪)5/397‬‬

‫وقوله ‪ { :‬وَتَرَى ال ْرضَ هَامِ َدةً } ‪ :‬هذا دليل آخر على قدرته تعالى على إحياء الموتى ‪ ،‬كما‬
‫يحيي الرض الميتة الهامدة ‪ ،‬وهي القحلَة التي ل نبت فيها ول شيء (‪.)1‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬غبراء متهشمة‪ .‬وقال السدي ‪ :‬ميتة‪.‬‬
‫ت وَرَ َبتْ وَأَنْبَ َتتْ مِنْ ُكلّ َزوْجٍ َبهِيجٍ } أي ‪ :‬فإذا أنزل ال عليها‬
‫{ فَِإذَا أَنزلْنَا عَلَ ْيهَا ا ْلمَاءَ اهْتَ ّز ْ‬
‫المطر { اهْتَ ّزتْ } أي ‪ :‬تحركت وحييت بعد موتها ‪ { ،‬وَرَبَتْ } أي ‪ :‬ارتفعت لما سكن فيها‬
‫الثرى ‪ ،‬ثم أنبتت ما فيها من اللوان والفنون ‪ ،‬من ثمار وزروع ‪ ،‬وأشتات النباتات في اختلف‬
‫ألوانها وطعومها ‪ ،‬وروائحها وأشكالها ومنافعها ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬وَأَنْبَ َتتْ مِنْ ُكلّ َزوْجٍ‬
‫َبهِيجٍ } أي ‪ :‬حسن المنظر طيب الريح‪.‬‬
‫حقّ } أي ‪ :‬الخالق المدبر الفعال لما يشاء ‪ { ،‬وَأَنّهُ يُحْيِي ا ْل َموْتَى }‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ ُهوَ الْ َ‬
‫[أي ‪ :‬كما أحيا الرض الميتة وأنبت منها هذه النواع ؛ { إِنّ الّذِي أَحْيَاهَا َلمُحْيِي ا ْل َموْتَى } ] (‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ } [ فصلت ‪ ] 39 :‬فـ { إِ ّنمَا َأمْ ُرهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ َيقُولَ َلهُ كُنْ‬
‫‪ { ، )2‬إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫فَ َيكُونُ } [ يس ‪.]82 :‬‬
‫{ وَأَنّ السّاعَةَ آتِيَةٌ ل رَ ْيبَ فِيهَا } أي ‪ :‬كائنة ل شك فيها ول مرية ‪ { ،‬وَأَنّ اللّهَ يَ ْب َعثُ مَنْ فِي‬
‫ا ْلقُبُورِ } أي ‪ :‬يعيدهم بعد ما صاروا في قبورهم رمما ‪ ،‬ويوجدهم بعد العدم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫سيَ خَ ْلقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي ا ْل ِعظَا َم وَ ِهيَ َرمِيمٌ‪ُ .‬قلْ يُحْيِيهَا الّذِي أَنْشََأهَا َأ ّولَ مَ ّرةٍ‬
‫{ َوضَ َربَ لَنَا مَثَل وَنَ ِ‬
‫خضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْ ُتمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ } [ يس ‪78 :‬‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنَ الشّجَ ِر ال ْ‬
‫وَ ُهوَ ِب ُكلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ‪ .‬الّذِي َ‬
‫‪ ] 80 -‬واليات في هذا كثيرة (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا بَهز (‪ ، )4‬حدثنا حماد بن سلمة قال ‪ :‬أنبأنا يعلى عن عطاء ‪ ،‬عن وكيع‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حدُس (‪ ، )5‬عن عمه أبي رَزين العقيلي ‪ -‬واسمه َلقِيط بن عامر (‪ - )6‬أنه قال ‪ :‬يا رسول‬
‫بن ُ‬
‫ال ‪ ،‬أكلنا يرى ربه عز وجل يوم القيامة ؟ وما آية ذلك في خلقه ؟ فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أليس كلكم ينظر إلى القمر مُخْليا به ؟ " قلنا ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪" :‬فال أعظم"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬كيف يحيي ال الموتى ‪ ،‬وما آية ذلك في خلقه ؟ قال ‪" :‬أما مررت بوادي أهلك‬
‫محل (‪ " )7‬قال ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪" :‬ثم مررت به يهتز خضرا ؟"‪ .‬قال ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪" :‬فكذلك يحيي ال‬
‫الموتى ‪ ،‬وذلك آيته في خلقه"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود وابن ماجه ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬به (‪.)8‬‬
‫ثم رواه المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا علي بن إسحاق ‪ ،‬أنبأنا ابن المبارك ‪ ،‬أنبأنا عبد الرحمن بن‬
‫يزيد بن جابر ‪ ،‬عن سليمان بن موسى ‪ ،‬عن أبي رَزين ال ُعقَيْلي قال ‪ :‬أتيت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كيف يحيي ال الموتى ؟ قال ‪" :‬أمررت بأرض من أرضك‬
‫مُجْدبةً ‪ ،‬ثم مررت بها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬التي ل ينبت فيهات شيئا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬لكثيرة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عدس" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عدي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ليث بن أبي عامر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ممحل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )4/11‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4731‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)180‬‬

‫( ‪)5/398‬‬

‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ‬


‫طفِهِ لِ ُي ِ‬
‫ع ْ‬
‫َومِنَ النّاسِ مَنْ يُجَا ِدلُ فِي اللّهِ ِبغَيْرِ عِ ْل ٍم وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (‪ )8‬ثَا ِنيَ ِ‬
‫ك وَأَنّ اللّهَ لَيْسَ‬
‫عذَابَ الْحَرِيقِ (‪ )9‬ذَِلكَ ِبمَا قَ ّد َمتْ يَدَا َ‬
‫ي وَنُذِيقُهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َ‬
‫اللّهِ لَهُ فِي الدّنْيَا خِ ْز ٌ‬
‫بِظَلّامٍ لِ ْلعَبِيدِ (‪)10‬‬

‫مخصبة ؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬كذلك النشور" (‪.)1‬‬


‫سمَيْط ‪ ،‬عن‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عُبَيس (‪ )2‬بن مرحوم ‪ ،‬حدثنا ُبكَيْر بن أبي ال ّ‬
‫قتادة ‪ ،‬عن أبي الحجاج ‪ ،‬عن معاذ بن جبل قال ‪ :‬من علم أن ال هو الحق المبين ‪ ،‬وأن الساعة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫آتية ل ريب فيها ‪ ،‬وأن ال يبعث من في القبور ‪ -‬دخل الجنة‪[ .‬وال أعلم] (‪.)3‬‬
‫ضلّ عَنْ‬
‫طفِهِ لِ ُي ِ‬
‫{ َومِنَ النّاسِ مَنْ ُيجَا ِدلُ فِي اللّهِ ِبغَيْرِ عِلْ ٍم وَل هُدًى وَل كِتَابٍ مُنِيرٍ (‪ )8‬ثَا ِنيَ عِ ْ‬
‫ك وَأَنّ اللّهَ‬
‫عذَابَ الْحَرِيقِ (‪ )9‬ذَِلكَ ِبمَا َق ّد َمتْ َيدَا َ‬
‫ي وَنُذِيقُهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َ‬
‫سَبِيلِ اللّهِ لَهُ فِي الدّنْيَا خِ ْز ٌ‬
‫لَيْسَ ِبظَلمٍ لِ ْلعَبِيدِ (‪.} )10‬‬
‫لما ذكر تعالى حال الضلل الجهال المقلّدين في قوله ‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ ُيجَا ِدلُ فِي اللّهِ ِبغَيْرِ عِ ْلمٍ‬
‫وَيَتّبِعُ ُكلّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ } ‪ ،‬ذكر في هذه حال الدعاة إلى الضلل من رءوس الكفر والبدع ‪ ،‬فقال‬
‫‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ يُجَا ِدلُ فِي اللّهِ ِبغَيْرِ عِلْ ٍم وَل هُدًى وَل كِتَابٍ مُنِيرٍ } أي ‪ :‬بل عقل صحيح ‪،‬‬
‫ول نقل صحيح صريح ‪ ،‬بل بمجرد الرأي والهوى‪.‬‬
‫طفِهِ } قال ابن عباس وغيره ‪ :‬مستكبرًا عن الحق إذا دعي إليه‪ .‬وقال مجاهد ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ثَا ِنيَ عِ ْ‬
‫طفِهِ } أي ‪ :‬لوي عنقه ‪ ،‬وهي رقبته ‪ ،‬يعني ‪:‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬ومالك عن زيد بن أسلم ‪ { :‬ثَا ِنيَ عِ ْ‬
‫يعرض عما يدعى إليه من الحق رقَبَته استكبارًا ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ { :‬وفِي مُوسَى إِذْ أَ ْرسَلْنَاهُ إِلَى‬
‫عوْنَ ِبسُلْطَانٍ مُبِينٍ‪ .‬فَ َتوَلّى بِ ُركْنِ ِه َوقَالَ سَاحِرٌ َأوْ مَجْنُونٌ } [ الذاريات ‪ ، ] 39 ، 38 :‬وقال‬
‫فِرْ َ‬
‫ك صُدُودًا‬
‫تعالى ‪ { :‬وَإِذَا قِيلَ َل ُهمْ َتعَاَلوْا إِلَى مَا أَنزلَ اللّ ُه وَإِلَى الرّسُولِ رَأَ ْيتَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ َيصُدّونَ عَ ْن َ‬
‫سهُ ْم وَرَأَيْ َتهُمْ‬
‫} [ النساء ‪ ، ] 61 :‬وقال ‪ { :‬وَِإذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا يَسْ َت ْغفِرْ َلكُمْ َرسُولُ اللّهِ َل ّووْا رُءُو َ‬
‫صعّرْ خَ ّدكَ لِلنّاسِ }‬
‫ن وَهُمْ مُسْ َتكْبِرُونَ } [ المنافقون ‪ : ] 5 :‬وقال لقمان لبنه ‪ { :‬وَل ُت َ‬
‫َيصُدّو َ‬
‫[ لقمان ‪ ] 18 :‬أي ‪ :‬تميله عنهم استكبارًا عليهم ‪ ،‬وقال تعالى ‪ { :‬وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِ آيَاتُنَا وَلّى‬
‫س َم ْعهَا كَأَنّ فِي ُأذُنَيْ ِه َوقْرًا فَبَشّ ْرهُ ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ } [ لقمان ‪.] 7 :‬‬
‫مُسْ َتكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَ ْ‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ } ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬هذه لم العاقبة ؛ لنه قد ل يقصد ذلك ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ ُي ِ‬
‫ويحتمل أن تكون لم التعليل‪ .‬ثم إما أن يكون المراد بها المعاندين (‪ ، )4‬أو يكون المراد بها أن‬
‫هذا الفاعل لهذا إنما جبلناه على هذا الخلق الذي يجعله ممن يضل عن سبيل ال‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬لهُ فِي الدّنْيَا خِ ْزيٌ } وهو الهانة والذل ‪ ،‬كما أنه لما استكبر عن آيات ال َلقّاه‬
‫ال المذلة في الدنيا ‪ ،‬وعاقبه فيها قبل الخرة ؛ لنها أكبر َهمّه ومبلغ علمه ‪ { ،‬وَنُذِيقُهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ‬
‫عَذَابَ ا ْلحَرِيقِ‪ .‬ذَِلكَ ِبمَا قَ ّد َمتْ يَدَاكَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪)4/11‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عيسى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬المعاندون"‪.‬‬

‫( ‪)5/399‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج ِههِ‬
‫علَى وَ ْ‬
‫طمَأَنّ بِ ِه وَإِنْ َأصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ا ْنقََلبَ َ‬
‫َومِنَ النّاسِ مَنْ َيعْبُدُ اللّهَ عَلَى حَ ْرفٍ فَإِنْ َأصَابَهُ خَيْرٌ ا ْ‬
‫خسِرَ الدّنْيَا وَالَْآخِ َرةَ ذَِلكَ ُهوَ الْخُسْرَانُ ا ْلمُبِينُ (‪ )11‬يَدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لَا َيضُ ّر ُه َومَا لَا يَ ْن َفعُهُ‬
‫َ‬
‫ن ضَ ّرهُ َأقْ َربُ مِنْ َن ْفعِهِ لَبِئْسَ ا ْل َموْلَى وَلَبِئْسَ ا ْلعَشِيرُ (‪)13‬‬
‫ذَِلكَ ُهوَ الضّلَالُ الْ َبعِيدُ (‪ )12‬يَدْعُو َلمَ ْ‬

‫أي ‪ :‬يقال له هذا تقريعًا وتوبيخا ‪ { ،‬وَأَنّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلمٍ لِ ْلعَبِيدِ } كقوله تعالى ‪ { :‬خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ‬
‫حمِيمِ‪ُ .‬ذقْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْلكَرِيمُ‪ .‬إِنّ هَذَا مَا‬
‫عذَابِ الْ َ‬
‫سوَاءِ ا ْلجَحِيمِ‪ .‬ثُ ّم صُبّوا َفوْقَ رَ ْأسِهِ مِنْ َ‬
‫إِلَى َ‬
‫كُنْتُمْ بِهِ َتمْتَرُونَ } [ الدخان ‪.] 50 - 47 :‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن الصبّاح ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أنبأنا هشام ‪،‬‬
‫عن الحسن قال ‪ :‬بلغني أن أحدهم يُحرق في اليوم سبعين ألف مرة‪.‬‬
‫طمَأَنّ ِب ِه وَإِنْ َأصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ا ْنقَلَبَ عَلَى‬
‫{ َومِنَ النّاسِ مَنْ َيعْ ُبدُ اللّهَ عَلَى حَ ْرفٍ فَإِنْ َأصَابَهُ خَيْرٌ ا ْ‬
‫جهِهِ خَسِرَ الدّنْيَا وَالخِ َرةَ ذَِلكَ ُهوَ الْخُسْرَانُ ا ْلمُبِينُ (‪ )11‬يَدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَا ل َيضُ ّرهُ َومَا ل‬
‫وَ ْ‬
‫يَ ْن َفعُهُ ذَِلكَ ُهوَ الضّللُ الْ َبعِيدُ (‪َ )12‬يدْعُو َلمَنْ ضَ ّرهُ َأقْ َربُ مِنْ َن ْفعِهِ لَبِئْسَ ا ْل َموْلَى وَلَبِئْسَ ا ْلعَشِيرُ (‬
‫‪.} )13‬‬
‫علَى حَ ْرفٍ } ‪ :‬على شك (‪.)1‬‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما ‪َ { :‬‬
‫وقال غيرهم ‪ :‬على طرف‪ .‬ومنه حرف الجبل ‪ ،‬أي ‪ :‬طرفه ‪ ،‬أي ‪ :‬دخل في الدين على طرف ‪،‬‬
‫فإن وجد ما يحبه استقر ‪ ،‬وإل انشمر‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن الحارث ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي ُبكَيْر (‪ ، )2‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن‬
‫حصِين ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس { َومِنَ النّاسِ مَنْ َيعْ ُبدُ اللّهَ عَلَى حَ ْرفٍ } قال ‪:‬‬
‫أبي َ‬
‫كان الرجل يَقدم المدينة ‪ ،‬فإن ولدت امرأته غلما ‪ ،‬ونُتِجَت خيلُه ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا دين صالح‪ .‬وإن لم‬
‫تلد امرأته ‪ ،‬ولم تُنتَج (‪ )3‬خيله قال ‪ :‬هذا دين سوء (‪.)4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬عن أبيه‬
‫‪ ،‬عن أشعث بن إسحاق ال ُقمّي ‪ ،‬عن جعفر بن أبي المغيرة ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫قال ‪ :‬كان ناس من العراب يأتون النبي صلى ال عليه وسلم فيُسْلِمون ‪ ،‬فإذا رجعوا إلى‬
‫بلدهم ‪ ،‬فإن وجدوا عام غَيث وعام خصب وعام ولد حسن ‪ ،‬قالوا ‪" :‬إن ديننا هذا لصالح ‪،‬‬
‫سكُوا به"‪ .‬وإن وجدوا عام جُدوبة وعام ولد سَوء وعام قحط ‪ ،‬قالوا ‪" :‬ما في ديننا هذا خير"‪.‬‬
‫فتمَ ّ‬
‫طمَأَنّ بِ ِه وَإِنْ‬
‫فأنزل ال على نبيه ‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ َيعْبُدُ اللّهَ عَلَى حَ ْرفٍ فَإِنْ َأصَابَهُ خَيْرٌ ا ْ‬
‫جهِهِ }‪.‬‬
‫َأصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ا ْنقَلَبَ عَلَى وَ ْ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان أحدهم إذا قَدم المدينة ‪ ،‬وهي أرض وبيئة (‪ ، )5‬فإن صح‬
‫بها جسمه ‪ ،‬ونُتِجت فرسه مهرًا حسنا ‪ ،‬وولدت امرأته غلمًا ‪ ،‬رضي به واطمأن إليه ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"ما أصبت منذ كنتُ على ديني هذا إل خيرا"‪ .‬وإن أصابته فتنة ‪ -‬والفتنة ‪ :‬البلء ‪ -‬أي ‪ :‬وإن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أصابه وجع المدينة ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬على شدة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬ابن أبي بكر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ينتج"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4742‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬وهم أرض دونه" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/400‬‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ إِنّ اللّهَ َي ْفعَلُ مَا يُرِيدُ (‬
‫خلُ الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫إِنّ اللّهَ يُ ْد ِ‬
‫‪)14‬‬

‫وولدت امرأته جارية ‪ ،‬وتأخرت عنه الصدقة ‪ ،‬أتاه الشيطان فقال ‪ :‬وال ما أصبت منذ كنت على‬
‫دينك هذا إل شرًا‪ .‬وذلك الفتنة‪.‬‬
‫وهكذا ذكر قتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وابن جُريج ‪ ،‬وغير واحد من السلف ‪ ،‬في تفسير هذه الية‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬هو المنافق ‪ ،‬إن صلحت له دنياه أقام على العبادة ‪ ،‬وإن‬
‫فسدت عليه دنياه وتغيرت ‪ ،‬انقلب فل يقيم على العبادة إل ِلمَا صلح من دنياه ‪ ،‬فإن (‪ )1‬أصابته‬
‫فتنة أو شدة أو اختبار أو ضيق ‪ ،‬ترك دينه ورجع إلى الكفر‪.‬‬
‫جهِهِ } أي ‪ :‬ارتد كافرًا‪.‬‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ { :‬ا ْنقََلبَ عَلَى وَ ْ‬
‫حصَل من الدنيا على شيء ‪ ،‬وأما الخرة فقد كفر‬
‫وقوله ‪ { :‬خَسِرَ الدّنْيَا وَالخِ َرةَ } أي ‪ :‬فل هو َ‬
‫بال العظيم ‪ ،‬فهو فيها في غاية الشقاء والهانة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ذَِلكَ ُهوَ الْخُسْرَانُ ا ْلمُبِينُ } أي ‪:‬‬
‫هذه هي الخسارة العظيمة ‪ ،‬والصفقة الخاسرة‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَا ل َيضُ ّر ُه َومَا ل يَ ْن َفعُهُ } أي ‪ :‬من الصنام والنداد ‪ ،‬يستغيث بها‬
‫ن ضَ ّرهُ‬
‫ويستنصرها ويسترزقها ‪ ،‬وهي ل تنفعه ول تضره ‪َ { ،‬ذِلكَ ُهوَ الضّللُ الْ َبعِيدُ‪ .‬يَدْعُو َلمَ ْ‬
‫َأقْ َربُ مِنْ َنفْعِهِ } أي ‪ :‬ضرره في الدنيا قبل الخرة أقرب من نفعه فيها ‪ ،‬وأما في الخرة فضرره‬
‫محقق متيقن‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لَبِئْسَ ا ْل َموْلَى وَلَبِئْسَ ا ْل َعشِيرُ } ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬يعني الوثن ‪ ،‬يعني ‪ :‬بئس هذا الذي دعا‬
‫به من دون ال مولى ‪ ،‬يعني ‪ :‬وليًا وناصرًا ‪ { ،‬وَلَبِئْسَ ا ْلعَشِيرُ } وهو المخالط والمعاشر‪.‬‬
‫واختار ابن جرير أن المراد ‪ :‬لبئس ابن العم والصاحب من يعبد [ال] (‪ )2‬على حرف ‪ { ،‬فَإِنْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جهِهِ }‬
‫طمَأَنّ ِب ِه وَإِنْ َأصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ا ْنقَلَبَ عَلَى وَ ْ‬
‫َأصَابَهُ خَيْرٌ ا ْ‬
‫وقول مجاهد ‪ :‬إن المراد به الوثن ‪ ،‬أولى وأقرب إلى سياق الكلم ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ إِنّ اللّهَ َي ْفعَلُ مَا‬
‫خلُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫{ إِنّ اللّهَ ُيدْ ِ‬
‫يُرِيدُ (‪.} )14‬‬
‫لما ذكر أهل الضللة الشقياء ‪ ،‬عطف بذكر البرار السعداء ‪ ،‬من الذين آمنوا بقلوبهم ‪ ،‬وصدّقوا‬
‫إيمانهم بأفعالهم ‪ ،‬فعملوا الصالحات من جميع أنواع القربات ‪[ ،‬وتركوا المنكرات] (‪ )3‬فأورثهم‬
‫ذلك سكنى الدرجات العاليات ‪ ،‬في روضات الجنات‪.‬‬
‫ولما ذكر أنه أضل أولئك ‪ ،‬وهدى هؤلء ‪ ،‬قال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َي ْفعَلُ مَا يُرِيدُ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فإذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/401‬‬

‫سمَاءِ ثُمّ لِ َيقْطَعْ فَلْيَ ْنظُرْ َهلْ‬


‫مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَ ْنصُ َرهُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالْآَخِ َرةِ فَلْ َي ْمدُدْ بِسَ َببٍ إِلَى ال ّ‬
‫يُذْهِبَنّ كَيْ ُدهُ مَا َيغِيظُ (‪)15‬‬

‫سمَاءِ ُثمّ لِ َيقْطَعْ فَلْيَ ْنظُرْ َهلْ‬


‫{ مَنْ كَانَ َيظُنّ أَنْ لَنْ يَ ْنصُ َرهُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ فَلْ َي ْمدُدْ ِبسَ َببٍ ِإلَى ال ّ‬
‫يُذْهِبَنّ كَيْ ُدهُ مَا َيغِيظُ (‪} )15‬‬

‫( ‪)5/402‬‬

‫ت وَأَنّ اللّهَ َيهْدِي مَنْ يُرِيدُ (‪ )16‬إِنّ الّذِينَ َآمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئِينَ‬
‫َوكَذَِلكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيّنَا ٍ‬
‫شهِيدٌ‬
‫شيْءٍ َ‬
‫س وَالّذِينَ أَشْ َركُوا إِنّ اللّهَ َي ْفصِلُ بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫وَال ّنصَارَى وَا ْلمَجُو َ‬
‫(‪)17‬‬

‫{ َوكَذَِلكَ أَنزلْنَاهُ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ وَأَنّ اللّهَ َي ْهدِي مَنْ يُرِيدُ (‪.} )16‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬من كان يظن أن لن ينصر ال محمدا صلى ال عليه وسلم في الدنيا والخرة ‪{ ،‬‬
‫طعْ } يقول ‪ :‬ثم ليختنق به‪.‬‬
‫سمَاءِ } أي ‪ :‬سماء بيته ‪ { ،‬ثُمّ ل َيقْ َ‬
‫فَلْ َيمْدُدْ بِسَ َببٍ } أي ‪ :‬بحبل { ِإلَى ال ّ‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وأبو الجوزاء ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمَاءِ } أي ‪ :‬ليتوصل إلى بلوغ‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ { :‬فَلْ َيمْ ُددْ (‪ِ )1‬بسَ َببٍ إِلَى ال ّ‬
‫السماء ‪ ،‬فإن النصر إنما يأتي محمدًا من السماء ‪ { ،‬ثُمّ لِ َيقْطَعْ } ذلك عنه ‪ ،‬إن قدر على ذلك‪.‬‬
‫وقول ابن عباس وأصحابه أولى وأظهر في المعنى ‪ ،‬وأبلغ في التهكم ؛ فإن المعنى ‪ :‬من ظن أن‬
‫ال ليس بناصر محمدًا وكتابه ودينه ‪ ،‬فليذهب فليقتل نفسه ‪ ،‬إن كان ذلك غائظه ‪ ،‬فإن ال ناصره‬
‫شهَادُ‪.‬‬
‫ل محالة ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬إِنّا لَنَ ْنصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ َيوْمَ َيقُومُ ال ْ‬
‫َيوْمَ ل يَ ْنفَعُ الظّاِلمِينَ َمعْذِرَ ُت ُه ْم وََلهُمُ الّلعْنَةُ وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ } [ غافر ‪ ]52 ، 51 :‬؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫{ فَلْيَ ْنظُرْ َهلْ يُ ْذهِبَنّ كَيْ ُدهُ مَا َيغِيظُ }‬
‫قال السدي ‪ :‬يعني ‪ :‬مِنْ شأن محمد (‪ )2‬صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال عطاء الخراساني ‪ :‬فلينظر هل يشفي ذلك ما يجد في صدره من الغيظ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكَذَِلكَ أَنزلْنَاهُ } أي ‪ :‬القرآن { آيَاتٍ بَيّنَاتٍ } أي ‪ :‬واضحات في لفظها ومعناها ‪ ،‬حجةً‬
‫من ال على الناس { وَأَنّ اللّهَ َي ْهدِي مَنْ يُرِيدُ } أي ‪ :‬يضل من يشاء ‪ ،‬ويهدي من يشاء ‪ ،‬وله‬
‫عمّا َي ْف َعلُ وَهُمْ يُسَْألُونَ } [ النبياء ‪:‬‬
‫الحكمة التامة والحجة (‪ )3‬القاطعة في ذلك ‪ { ،‬ل (‪ُ )4‬يسَْألُ َ‬
‫‪ ، ] 23‬أما هو فلحكمته ورحمته وعدله ‪ ،‬وعلمه وقهره وعظمته ‪ ،‬ل معقب لحكمه ‪ ،‬وهو سريع‬
‫الحساب‪.‬‬
‫صلُ‬
‫س وَالّذِينَ َأشْ َركُوا إِنّ اللّهَ َيفْ ِ‬
‫ن وَال ّنصَارَى وَا ْلمَجُو َ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئِي َ‬
‫شهِيدٌ (‪.} )17‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫يخبر تعالى عن أهل هذه الديان المختلفة من المؤمنين ‪ ،‬ومن سواهم من اليهود والصابئين ‪ -‬وقد‬
‫قدمنا في سورة "البقرة" التعريف بهم ‪ ،‬واختلفَ الناس فيهم ‪ -‬والنصارى والمجوس ‪ ،‬والذين‬
‫صلُ بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ } ‪ ،‬ويحكم بينهم بالعدل (‪، )5‬‬
‫أشركوا فعبدوا غير ال معه ؛ فإنه تعالى { َي ْف ِ‬
‫فيدخل من آمن به الجنة ‪ ،‬ومن كفر به (‪ )6‬النار ‪ ،‬فإنه تعالى شهيد على أفعالهم ‪ ،‬حفيظ‬
‫لقوالهم ‪ ،‬عليم بسرائرهم ‪ ،‬وما ُتكِن ضمائرهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وليمدد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬محمدا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وله الحجة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬بالعذاب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬

‫( ‪)5/402‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫س وَا ْل َقمَرُ وَالنّجُو ُم وَالْجِبَالُ‬
‫شمْ ُ‬
‫سمَاوَاتِ َومَنْ فِي الْأَ ْرضِ وَال ّ‬
‫جدُ لَهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يَسْ ُ‬
‫ب َومَنْ ُيهِنِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ ُمكْرِمٍ إِنّ اللّهَ‬
‫وَالشّجَرُ وَال ّدوَابّ َوكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ َوكَثِيرٌ حَقّ عَلَ ْيهِ ا ْلعَذَا ُ‬
‫َي ْفعَلُ مَا يَشَاءُ (‪)18‬‬

‫س وَا ْل َقمَرُ وَالنّجُو ُم وَالْجِبَالُ‬


‫شمْ ُ‬
‫ض وَال ّ‬
‫ت َومَنْ فِي ال ْر ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ َيسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫ب َومَنْ ُيهِنِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ ُمكْرِمٍ إِنّ اللّهَ‬
‫وَالشّجَرُ وَال ّدوَابّ َوكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ َوكَثِيرٌ حَقّ عَلَ ْيهِ ا ْلعَذَا ُ‬
‫َي ْفعَلُ مَا يَشَاءُ (‪.} )18‬‬
‫يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده ل شريك له ‪ ،‬فإنه يسجد (‪ )1‬لعظمته كل شيء طوعا‬
‫وكرها وسجود [كل شيء مما] (‪ )2‬يختص به ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا (‪ )3‬إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِنْ‬
‫سجّدًا لِلّ ِه وَهُمْ دَاخِرُونَ } [ النحل ‪ .] 48 :‬وقال هاهنا ‪:‬‬
‫شمَا ِئلِ ُ‬
‫ن وَال ّ‬
‫شيْءٍ يَ َتفَيّأُ ظِلُلهُ عَنِ الْ َيمِي ِ‬
‫َ‬
‫ت َومَنْ فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬من الملئكة في أقطار‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ َيسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫شيْءٍ‬
‫السموات ‪ ،‬والحيوانات في جميع الجهات ‪ ،‬من النس والجن والدواب والطير ‪ { ،‬وَإِنْ مِنْ َ‬
‫حمْ ِدهِ } [ السراء ‪.] 44 :‬‬
‫إِل يُسَبّحُ ِب َ‬
‫شمْسَ وَالْ َقمَ َر وَالنّجُومَ } ‪ :‬إنما ذكر هذه على التنصيص ؛ لنها قد عُبدت من دون‬
‫وقوله ‪ { :‬وَال ّ‬
‫س وَل لِ ْل َقمَرِ وَاسْجُدُوا ِللّهِ‬
‫شمْ ِ‬
‫جدُوا لِل ّ‬
‫ال ‪ ،‬فبين أنها تسجد لخالقها ‪ ،‬وأنها مربوبة مسخرة { ل تَسْ ُ‬
‫الّذِي خََل َقهُنّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ َتعْبُدُونَ } [ فصلت ‪.] 37 :‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي ذر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"أتدري أين تذهب هذه الشمس ؟"‪ .‬قلت ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬فإنها تذهب فتسجد تحت‬
‫العرش ‪ ،‬ثم تستأمر فيوشك أن يقال لها ‪ :‬ارجعي من حيث جئت" (‪.)4‬‬
‫وفي المسند وسنن أبي داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬في حديث الكسوف ‪" :‬إن الشمس والقمر‬
‫خلْق ال ‪ ،‬وإنهما ل ينكسفان لموت أحد ول لحياته ‪ ،‬ولكن ال عز وجل إذا َتجَلى‬
‫خَلْقان من َ‬
‫لشيء من خلقه خشع (‪ )5‬له" (‪.)6‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ :‬ما في السماء نجم ول شمس ول قمر ‪ ،‬إل يقع ل ساجدًا حين يغيب ‪ ،‬ثم ل‬
‫ينصرف حتى يؤذن له ‪ ،‬فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه‪.‬‬
‫وأما الجبال والشجر فسجودهما بفَيء ظللهما (‪ )7‬عن اليمين والشمائل ‪ :‬وعن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫جاء رجل فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني رأيتني الليلة وأنا نائم ‪ ،‬كأني أصلي خلف شجرة ‪ ،‬فسجدتُ‬
‫جدَت الشجرة لسجودي ‪ ،‬فسمعتُها وهي تقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬اكتب لي بها عندك أجرًا ‪ ،‬وضع عني‬
‫فس َ‬
‫بها وزرًا ‪ ،‬واجعلها لي عندك ذخرًا ‪ ،‬وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود‪ .‬قال ابن عباس ‪:‬‬
‫فقرأ‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬سجد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يرى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )4803‬وصحيح مسلم برقم (‪.)159‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خضع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )4/267‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1177‬وسنن النسائي (‪ )14113‬وسنن ابن ماجه‬
‫برقم (‪.)1262‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فسجودها على ظللها"‪.‬‬

‫( ‪)5/403‬‬

‫ل مثلَ ما أخبره الرجل عن قول‬


‫سجَد ‪ ،‬فسمعته وهو يقو ُ‬
‫النبي (‪ )1‬صلى ال عليه وسلم سجدة ثم َ‬
‫الشجرة‪.‬‬
‫رواه الترمذي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬وابن حبّان في صحيحه (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَال ّدوَابّ } أي ‪ :‬الحيوانات كلها‪.‬‬
‫وقد جاء في الحديث عن المام أحمد ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن اتخاذ ظهور‬
‫الدواب (‪ )3‬منابر (‪ )4‬فرب مركوبة خير (‪ )5‬وأكثر ذكرًا ل من راكبها‪.‬‬
‫حقّ عَلَيْهِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ } أي ‪ :‬يسجد ل طوعا مختارًا متعبدًا بذلك ‪َ { ،‬وكَثِيرٌ َ‬
‫ا ْلعَذَابُ } أي ‪ :‬ممن امتنع وأبى واستكبر ‪َ { ،‬ومَنْ ُيهِنِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ ُمكْرِمٍ إِنّ اللّهَ َي ْف َعلُ مَا‬
‫يَشَاءُ }‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن شيبان الرملي ‪ ،‬حدثنا القداح ‪ ،‬عن جعفر بن محمد ‪ ،‬عن أبيه‬
‫‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬قيل لعلي ‪ :‬إن هاهنا رجل يتكلم في المشيئة‪ .‬فقال له علي ‪ :‬يا عبد ال ‪ ،‬خلقك‬
‫ال كما يشاء أو كما شئت (‪ )6‬؟ قال ‪ :‬بل كما شاء‪ .‬قال ‪ :‬فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال ‪:‬‬
‫بل إذا شاء‪ .‬قال ‪ :‬فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال ‪ :‬بل إذا شاء‪ .‬قال ‪ :‬فيدخلك حيث شئت أو‬
‫حيث يشاء ؟ قال ‪ :‬بل حيث يشاء‪ .‬قال ‪ :‬وال لو قلت غير ذلك لضربتُ الذي فيه عيناك بالسيف‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا قرأ ابنُ آدم السجدة اعتزل (‪)7‬‬
‫الشيطان يبكي يقول ‪ :‬يا ويله‪ .‬أمر ابن آدم بالسجود فسجد ‪ ،‬فله الجنة ‪ ،‬وأمِرتُ بالسجود فأبيتُ ‪،‬‬
‫فلي النار" رواه مسلم (‪.)8‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم وأبو عبد الرحمن المقرئ قال حدثنا ابن َلهِيعة‬
‫‪ ،‬حدثنا مَشْرَح بن هاعان (‪ )9‬أبو مُصعب المعافري قال ‪ :‬سمعت عقبة بن عامر يقول ‪ :‬قلت يا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رسول ال ‪ ،‬أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬فمن لم يسجد بهما فل‬
‫يقرأهما"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من حديث عبد ال بن لهيعة ‪ ،‬به (‪ .)10‬وقال الترمذي ‪" :‬ليس بقوي‬
‫(‪ " )11‬وفي هذا نظر ؛ فإن ابن َلهِيعة قد صَرح فيه بالسماع ‪ ،‬وأكثر ما َنقَموا عليه تدليسه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن الترمذي برقم (‪ )579‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ )1053‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب‬
‫من حديث ابن عباس ل نعرفه إل من هذا الوجه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الحيوانات"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه أبو داود في السنن برقم (‪ )2567‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬خيرا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬لما يشاء أو لما شئت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬فاعتزل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪.)81‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عاهان"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )4/151‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1402‬وسنن الترمذي برقم (‪.)578‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬ليس هو بقوي"‪.‬‬

‫( ‪)5/404‬‬

‫سهِمُ‬
‫صبّ مِنْ َفوْقِ ُرءُو ِ‬
‫ط َعتْ َلهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ ُي َ‬
‫صمُوا فِي رَ ّبهِمْ فَالّذِينَ كَفَرُوا قُ ّ‬
‫صمَانِ اخْ َت َ‬
‫خ ْ‬
‫هَذَانِ َ‬
‫صهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُو ِنهِ ْم وَا ْلجُلُودُ (‪ )20‬وََلهُمْ َمقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (‪ )21‬كُّلمَا أَرَادُوا أَنْ‬
‫حمِيمُ (‪ُ )19‬ي ْ‬
‫الْ َ‬
‫غمّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ ا ْلحَرِيقِ (‪)22‬‬
‫يَخْ ُرجُوا مِ ْنهَا مِنْ َ‬

‫وقد قال أبو داود في المراسيل ‪ :‬حدثنا أحمد بن عمرو بن السّرح ‪ ،‬أنبأنا ابن وَهْب ‪ ،‬أخبرني‬
‫معاوية بن صالح ‪ ،‬عن عامر بن جَشِب (‪ ، )1‬عن خالد بن َمعْدان ؛ أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪ُ " :‬فضّلت سورة الحج على القرآن بسجدتين"‪.‬‬
‫ثم قال أبو داود ‪ :‬وقد أسندَ هذا ‪ ،‬يعني ‪ :‬من غير هذا الوجه ‪ ،‬ول يصح (‪.)2‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر السماعيلي ‪ :‬حدثنا ابن أبي داود ‪ ،‬حدثنا يزيد بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪،‬‬
‫حدثنا أبو عمرو ‪ ،‬حدثنا حفص بن عنان ‪ ،‬حدثني نافع ‪ ،‬حدثني أبو الجهم ‪ :‬أن عمر سجد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سجدتين في الحج ‪ ،‬وهو بالجابية ‪ ،‬وقال ‪ :‬إن هذه فضلت بسجدتين (‪.)3‬‬
‫وروى أبو داود وابن ماجه ‪ ،‬من حديث الحارث بن سعيد العُتَقيّ ‪ ،‬عن عبد ال بن مُنَين ‪ ،‬عن‬
‫عمرو بن العاص ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن ‪ ،‬منها‬
‫ثلث في ال ُم َفصّل ‪ ،‬وفي سورة الحج سجدتان (‪ .)4‬فهذه (‪ )5‬شواهد يَشُدّ بعضها بعضا‪.‬‬
‫صبّ مِنْ َفوْقِ‬
‫ط َعتْ َلهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ ُي َ‬
‫صمُوا فِي رَ ّبهِمْ فَالّذِينَ َكفَرُوا ُق ّ‬
‫صمَانِ اخْ َت َ‬
‫خ ْ‬
‫{ هَذَانِ َ‬
‫صهَرُ بِهِ مَا فِي ُبطُو ِنهِ ْم وَالْجُلُودُ (‪ )20‬وََلهُمْ َمقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (‪ )21‬كُّلمَا‬
‫حمِيمُ (‪ُ )19‬ي ْ‬
‫سهِمُ الْ َ‬
‫رُءُو ِ‬
‫غمّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ ا ْلحَرِيقِ (‪.} )22‬‬
‫أَرَادُوا أَنْ َيخْرُجُوا مِ ْنهَا مِنْ َ‬
‫ثبت في الصحيحين ‪ ،‬من (‪ )6‬حديث أبي ِمجْلَز ‪ ،‬عن قيس بن عُبَاد ‪ ،‬عن أبي ذر ؛ أنه كان يقسم‬
‫صمُوا فِي رَ ّبهِمْ } نزلت في حمزة وصاحِبَيه ‪ ،‬وعتبةَ‬
‫صمَانِ اخْ َت َ‬
‫خ ْ‬
‫قسما أن هذه الية ‪ { :‬هَذَانِ َ‬
‫وصاحبيه ‪ ،‬يوم برزوا في بدر (‪.)7‬‬
‫لفظ البخاري عند تفسيرها ‪ ،‬ثم قال البخاري ‪:‬‬
‫حدثنا الحجاج بن مِ ْنهَال ‪ ،‬حدثنا المعتمر بن سليمان ‪ ،‬سمعت أبي ‪ ،‬حدثنا أبو ِمجْلز عن قيس بن‬
‫عُبَاد ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب أنه قال ‪ :‬أنا أول من يَجثُو بين يدي الرحمن للخصومة يوم‬
‫صمُوا فِي رَ ّبهِمْ } ‪ ،‬قال ‪ :‬هم الذين بارزوا‬
‫صمَانِ اخْ َت َ‬
‫خ ْ‬
‫القيامة‪ .‬قال قيس ‪ :‬وفيهم نزلت ‪ { :‬هَذَانِ َ‬
‫يوم بدر ‪ :‬عليّ وحمزة وعبيدة ‪ ،‬وشيبة ابن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة‪ .‬انفرد به‬
‫البخاري (‪.)8‬‬
‫صمُوا فِي رَ ّبهِمْ } قال ‪:‬‬
‫صمَانِ اخْ َت َ‬
‫خ ْ‬
‫وقال سعيد بن أبي عَرُوبة ‪ ،‬عن قتادة في قوله ‪َ { :‬هذَانِ َ‬
‫اختصم المسلمون وأهل الكتاب ‪ ،‬فقال أهل الكتاب ‪ :‬نبينا قبل نبيكم ‪ ،‬وكتابنا قبل كتابكم‪ .‬فنحن‬
‫أولى بال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬جيب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المراسيل برقم (‪.)78‬‬
‫(‪ )3‬ورواه البيهقي في السنن الكبرى (‪ )2/317‬من طريق نافع عن رجل من أهل مصر أنه صلى‬
‫مع عمر بن الخطاب فذكر مثله‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أبي داود برقم (‪ )1401‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)1057‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬فهو"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )4743‬وصحيح مسلم برقم (‪.)3033‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪.)4744‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/405‬‬

‫منكم‪ .‬وقال المسلمون ‪ :‬كتابنا يقضي على الكتب كلها ‪ ،‬ونبينا خاتم النبياء ‪ ،‬فنحن أولى بال‬
‫صمُوا فِي رَ ّب ِهمْ }‪ .‬وكذا‬
‫صمَانِ اخْ َت َ‬
‫خ ْ‬
‫منكم‪ .‬فأفلج ال السلمَ على من ناوأه ‪ ،‬وأنزل ‪ { :‬هَذَانِ َ‬
‫روى العَوفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫صمُوا فِي رَ ّبهِمْ } قال ‪ :‬مُصدق ومكذب‪.‬‬
‫صمَانِ اخْ َت َ‬
‫خ ْ‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن قتادة في قوله ‪َ { :‬هذَانِ َ‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد في هذه الية ‪ :‬مثل الكافر والمؤمن اختصما في البعث‪ .‬وقال ‪-‬‬
‫في رواية ‪ :‬هو وعطاء في هذه الية ‪ : -‬هم المؤمنون والكافرون‪.‬‬
‫صمُوا فِي رَ ّبهِمْ } قال ‪ :‬هي الجنة والنار ‪ ،‬قالت النار ‪:‬‬
‫صمَانِ اخْ َت َ‬
‫خ ْ‬
‫وقال عكرمة ‪َ { :‬هذَانِ َ‬
‫اجعلني للعقوبة ‪ ،‬وقالت الجنة ‪ :‬اجعلني للرحمة‪.‬‬
‫وقولُ مجاهد وعطاء ‪ :‬إن المراد بهذه الكافرون والمؤمنون ‪ ،‬يشمل القوال كلها ‪ ،‬وينتظم فيه‬
‫قصة يوم بدر وغيرها ؛ فإن المؤمنين يريدون نصرة دين ال ‪ ،‬والكافرون يريدون إطفاء نور‬
‫اليمان وخذلنَ الحق وظهور الباطل‪ .‬وهذا اختيار ابن جرير ‪ ،‬وهو حَسَن ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَالّذِينَ‬
‫ط َعتْ َلهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ } أي ‪ :‬فصلت لهم مقطعات من نار‪.‬‬
‫َكفَرُوا قُ ّ‬
‫قال سعيد بن جبير ‪ :‬من نحاس وهو أشد الشياء حرارة إذا حمي‪.‬‬
‫صهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُو ِنهِ ْم وَا ْلجُلُودُ } أي ‪ :‬إذا صب على‬
‫حمِيمُ‪ُ .‬ي ْ‬
‫س ِهمُ ا ْل َ‬
‫صبّ مِنْ َفوْقِ رُءُو ِ‬
‫{ ُي َ‬
‫رءوسهم الحميم ‪ ،‬وهو الماء الحار في غاية الحرارة‪.‬‬
‫وقال سعيد [بن جبير] (‪ )1‬هو النحاس المذاب ‪ ،‬أذاب ما في بطونهم من الشحم والمعاء‪ .‬قاله ابن‬
‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وكذلك تذوب (‪ )2‬جلودهم ‪ ،‬وقال ابن عباس‬
‫وسعيد ‪ :‬تساقط‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالَقاني ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫سمْح ‪ ،‬عن ابن (‪ )4‬حُجَيرة ‪ ،‬عن أبي هُرَيرة ‪ ،‬عن‬
‫المبارك عن سعيد بن زيد (‪ ، )3‬عن أبي ال ّ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن الحميم ل ُيصَب على رءوسهم ‪ ،‬فينفُد الجمجمةَ حتى يخلص‬
‫إلى جوفه ‪ ،‬فيسلت (‪ )5‬ما في جوفه ‪ ،‬حتى يبلغ قدميه ‪ ،‬وهو الصهر ‪ ،‬ثم يعاد كما كان"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي من حديث ابن المبارك (‪ ، )6‬وقال ‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وهكذا رواه ابن أبي حاتم ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن أبي نعيم ‪ ،‬عن ابن المبارك ‪ ،‬به ثم قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حوَاريّ ‪ ،‬سمعت عبد ال ابن السّ ّريّ قال ‪ :‬يأتيه‬
‫حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أحمد بن أبي ال َ‬
‫الملك يحمل الناء ِبكَلْبتين من حرارته ‪ ،‬فإذا أدناه من وجهه تكرهه ‪ ،‬قال ‪ :‬فيرفع ِمقْ َمعَة معه‬
‫فيضرب‬
‫__________‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬يذوب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬زيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أبي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فيسلت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪ )17/100‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2582‬‬

‫( ‪)5/406‬‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ يُحَّلوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ‬
‫خلُ الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫إِنّ اللّهَ يُ ْد ِ‬
‫سهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (‪)23‬‬
‫ب وَُلؤُْلؤًا وَلِبَا ُ‬
‫مِنْ ذَ َه ٍ‬

‫بها رأسه ‪ ،‬فَيُفرغ (‪ )1‬دماغه ‪ ،‬ثم يُفرغ (‪ )2‬الناء من دماغه ‪ ،‬فيصل إلى جوفه من دماغه ‪،‬‬
‫صهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُو ِنهِ ْم وَا ْلجُلُودُ }‬
‫فذلك قوله ‪ُ { :‬ي ْ‬
‫حدِيدٍ } ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلهُمْ َمقَامِعُ مِنْ َ‬
‫حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا دَرّاج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬لو أن ِم ْقمَعا مِن حَديد ُوضِع في (‪ )3‬الرض ‪ ،‬فاجتمع له‬
‫الثقلن ما أ َقلّوه من الرض" (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا موسى بن داود ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا (‪ )5‬دَرّاج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪،‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو ضُرب الجبلُ ب ِم ْقمَع من‬
‫حديد ‪ ،‬لتفتت ثم عاد كما كان ‪ ،‬ولو أن دلوا من غَسّاق ُيهَرَاق في الدنيا لنتن أهل الدنيا" (‪.)6‬‬
‫حدِيدٍ } قال ‪ :‬يضربون بها ‪ ،‬فيقع كل عضو على‬
‫وقال ابن عباس في قوله ‪ { :‬وََلهُمْ َمقَامِعُ مِنْ َ‬
‫حياله ‪ ،‬فيدعون (‪ )7‬بالثبور‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬كُّلمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْ ُرجُوا مِ ْنهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا } ‪ :‬قال العمش ‪ ،‬عن أبي ظِبْيان ‪،‬‬
‫عن سلمان قال ‪ :‬النار سوداء مظلمة ‪ ،‬ل يضيء لهبها ول جمرها ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬كُّلمَا أَرَادُوا أَنْ‬
‫غمّ أُعِيدُوا فِيهَا }‬
‫يَخْ ُرجُوا مِ ْنهَا مِنْ َ‬
‫وقال زيد بن أسلم في هذه الية ‪ { :‬كُّلمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْ ُرجُوا مِ ْنهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا } قال ‪:‬‬
‫بلغني أن أهل النار في النار ل يتنفسون‪.‬‬
‫وقال الفُضيل (‪ )8‬بن عياض ‪ :‬وال ما طمعوا في الخروج ‪ ،‬إن الرجل لمقيدة ‪ ،‬وإن اليدي‬
‫لموثقة ‪ ،‬ولكن يرفعهم لهبها ‪ ،‬وتردهم (‪ )9‬مقامعها‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬وَذُوقُوا عَذَابَ ا ْلحَرِيقِ } كقوله { َوقِيلَ َلهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النّارِ الّذِي كُنْ ُتمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ }‬
‫[ السجدة ‪ ] 20 :‬ومعنى الكلم ‪ :‬أنهم يهانون بالعذاب قول وفعل‪.‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ يُحَّلوْنَ فِيهَا مِنْ‬
‫خلُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫{ إِنّ اللّهَ ُيدْ ِ‬
‫سهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (‪.} )23‬‬
‫أَسَاوِرَ مِنْ َذ َهبٍ وَُلؤُْلؤًا وَلِبَا ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فيقرع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يقرع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)3/29‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )3/83‬ودراج عن أبي الهيثم ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فيدعو"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬الفضل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬ويردهم"‪.‬‬

‫( ‪)5/407‬‬

‫حمِيدِ (‪)24‬‬
‫وَهُدُوا إِلَى الطّ ّيبِ مِنَ ا ْلقَ ْولِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ ا ْل َ‬

‫حمِيدِ (‪.} )24‬‬


‫ل وَهُدُوا ِإلَى صِرَاطِ الْ َ‬
‫{ وَ ُهدُوا إِلَى الطّ ّيبِ مِنَ ا ْل َقوْ ِ‬
‫لما أخبر تعالى عن حال أهل النار ‪ ،‬عياذًا بال من حالهم ‪ ،‬وما هم فيه من العذاب والنّكال‬

‫( ‪)5/407‬‬

‫والحريق والغلل ‪ ،‬وما أعد لهم من الثياب من النار ‪ ،‬ذكر حال أهل الجنة ‪ -‬نسأل ال من‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ‬
‫خلُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫فضله وكرمه أن يدخلنا الجنة ‪ -‬فقال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ُيدْ ِ‬
‫تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ } أي ‪ :‬تتخَرّق في أكنافها وأرجائها وجوانبها ‪ ،‬وتحت أشجارها‬
‫وقصورها ‪ ،‬يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا ‪ { ،‬يُحَّلوْنَ فِيهَا } من الحلية ‪ُ { ،‬يحَّلوْنَ فِيهَا مِنْ‬
‫أَسَاوِرَ مِنْ َذ َهبٍ وَُلؤُْلؤًا } أي ‪ :‬في أيديهم ‪ ،‬كما قال النبي صلى ال عليه وسلم في الحديث المتفق‬
‫عليه ‪" :‬تبلغ الحِلْيَة من المؤمن حيث يبلغ ال ُوضُوء" (‪.)1‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال كعب الحبار ‪ :‬إن في الجنة ملكًا لو شئت أن أسميه لسميتُه ‪ ،‬يصوغ لهل الجنة الحلي منذ‬
‫خلقه ال إلى يوم القيامة ‪ ،‬لو أبرز قُلْب منها ‪ -‬أي ‪ :‬سوار منها ‪ -‬لرد شعاع الشمس ‪ ،‬كما ترد (‬
‫‪ )2‬الشمس نور القمر‪.‬‬
‫س ُهمْ فِيهَا حَرِيرٌ } ‪ :‬في مقابلة ثياب أهل النار التي فصلت لهم ‪ ،‬لباس هؤلء من‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلِبَا ُ‬
‫خضْ ٌر وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلّوا أَسَاوِرَ مِنْ‬
‫الحرير ‪ ،‬إستبرقه وسُ ْندُسه ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬عَالِ َيهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ ُ‬
‫شكُورًا } [ النسان ‪:‬‬
‫سعْ ُيكُمْ َم ْ‬
‫طهُورًا‪ .‬إِنّ هَذَا كَانَ َلكُمْ جَزَا ًء َوكَانَ َ‬
‫سقَاهُمْ رَ ّبهُمْ شَرَابًا َ‬
‫ِفضّ ٍة وَ َ‬
‫‪ ، ] 22 ، 21‬وفي الصحيح ‪" :‬ل تلبسوا الحرير ول الديباج في الدنيا ‪ ،‬فإنه من لبسه في الدنيا لم‬
‫يلبسه في الخرة" (‪.)3‬‬
‫قال عبد ال بن الزبير ‪ :‬ومن لم يلبس الحرير في الخرة ‪ ،‬لم يدخل الجنة ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫س ُهمْ فِيهَا حَرِيرٌ }‬
‫{ وَلِبَا ُ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ‬
‫خلَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهدُوا إِلَى الطّ ّيبِ مِنَ ا ْل َقوْلِ } كقوله { وَأُدْ ِ‬
‫تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِِإذْنِ رَ ّبهِمْ َتحِيّ ُتهُمْ فِيهَا سَلمٌ } [ إبراهيم ‪ ، ]23 :‬وقوله ‪:‬‬
‫عقْبَى الدّارِ } [ الرعد ‪:‬‬
‫{ وَا ْلمَل ِئكَةُ َيدْخُلُونَ عَلَ ْيهِمْ مِنْ ُكلّ بَابٍ‪ .‬سَلمٌ عَلَ ْيكُمْ ِبمَا صَبَرْتُمْ فَ ِنعْمَ ُ‬
‫س َمعُونَ فِيهَا َل ْغوًا وَل تَأْثِيمًا * إِل قِيل سَلمًا سَلمًا } [ الواقعة ‪:‬‬
‫‪ ، ] 24 ، 23‬وقوله ‪ { :‬ل يَ ْ‬
‫‪ ، ] 26 ، 25‬فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلم الطيب ‪ { ،‬وَيَُلقّوْنَ فِيهَا تَحِيّ ًة وَسَلمًا }‬
‫[ الفرقان ‪ ، ] 75 :‬ل كما يهان أهل النار بالكلم الذي يُ َروّعون به (‪ )4‬ويقرعون به ‪ ،‬يقال لهم ‪:‬‬
‫{ وَذُوقُوا عَذَابَ ا ْلحَرِيقِ }‬
‫حمِيدِ } أي ‪ :‬إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم ‪ ،‬على ما أحسن‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهدُوا إِلَى صِرَاطِ ا ْل َ‬
‫إليهم وأنعم به وأسداه إليهم ‪ ،‬كما جاء في الصحيح ‪" :‬إنهم يلهمون التسبيح والتحميد ‪ ،‬كما يلهمون‬
‫ال ّنفَسَ"‪.‬‬
‫وقد قال بعض المفسرين في قوله ‪ { :‬وَهُدُوا إِلَى الطّ ّيبِ مِنَ ا ْلقَ ْولِ } أي ‪ :‬القرآن‪ .‬وقيل ‪ :‬ل إله‬
‫حمِيدِ } أي ‪ :‬الطريق المستقيم في‬
‫إل ال‪ .‬وقيل ‪ :‬الذكار المشروعة ‪ { ،‬وَ ُهدُوا إِلَى صِرَاطِ ا ْل َ‬
‫الدنيا‪ .‬وكل هذا ل ينافي ما ذكرناه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )246‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬يرد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحديث في صحيح البخاري برقم (‪ )5426‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2067‬من حديث حذيفة‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يوبخون فيه" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يوبخون به"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/408‬‬

‫سوَاءً ا ْلعَا ِكفُ فِيهِ‬


‫جعَلْنَاهُ لِلنّاسِ َ‬
‫جدِ الْحَرَامِ الّذِي َ‬
‫إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا وَ َيصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه وَا ْلمَسْ ِ‬
‫ظلْمٍ ُن ِذقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (‪)25‬‬
‫وَالْبَا ِد َومَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِ ُ‬

‫سوَاءً ا ْلعَا ِكفُ فِيهِ‬


‫جعَلْنَاهُ لِلنّاسِ َ‬
‫سجِدِ الْحَرَامِ الّذِي َ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه وَا ْلمَ ْ‬
‫ظلْمٍ ُن ِذقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (‪.} )25‬‬
‫وَالْبَا ِد َومَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِ ُ‬
‫صدّهم المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام ‪ ،‬وقضاء مناسكهم‬
‫يقول تعالى منكرًا على الكفار في َ‬
‫فيه ‪ ،‬ودعواهم أنهم أولياؤه ‪َ { :‬ومَا كَانُوا َأوْلِيَا َءهُ إِنْ َأوْلِيَاؤُهُ إِل ا ْلمُ ّتقُونَ وََلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ ل َيعَْلمُونَ }‬
‫[ النفال ‪.] 34 :‬‬
‫شهْرِ‬
‫وفي هذه الية دليل [على] (‪ )1‬أنها مدنية ‪ ،‬كما قال في سورة "البقرة" ‪ { :‬يَسْأَلُو َنكَ عَنِ ال ّ‬
‫جدِ ا ْلحَرَا ِم وَِإخْرَاجُ أَهِْلهِ مِنْهُ‬
‫الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ُقلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِي ٌر َوصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه َو ُكفْرٌ ِب ِه وَا ْلمَسْ ِ‬
‫َأكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ } [ البقرة ‪ ، ] 217 :‬وقال ‪ :‬هاهنا ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا وَ َيصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ‬
‫جدِ الْحَرَامِ } أي ‪ :‬ومن صفتهم مع كفرهم أنهم يصدون عن سبيل ال والمسجد الحرام ‪ ،‬أي‬
‫وَا ْلمَسْ ِ‬
‫‪ :‬ويصدون عن المسجد الحرام من أراده من المؤمنين الذين هم أحق الناس به في نفس المر ‪،‬‬
‫طمَئِنّ قُلُو ُبهُمْ بِ ِذكْرِ اللّهِ أَل بِ ِذكْرِ اللّهِ‬
‫وهذا التركيب في هذه الية كقوله تعالى ‪ { :‬الّذِينَ آمَنُوا وَتَ ْ‬
‫طمَئِنّ ا ْلقُلُوبُ } [ الرعد ‪ ] 28 :‬أي ‪ :‬ومن صفتهم أنهم تطمئن قلوبهم بذكر ال‪.‬‬
‫تَ ْ‬
‫سوَاءً ا ْلعَاكِفُ فِي ِه وَالْبَادِ } [أي ‪ :‬يمنعون الناس عن الوصول إلى‬
‫جعَلْنَاهُ لِلنّاسِ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬الّذِي َ‬
‫المسجد الحرام ‪ ،‬وقد جعله ال شرعا سواء ‪ ،‬ل فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار‬
‫سوَاءً ا ْلعَا ِكفُ فِي ِه وَالْبَادِ } ] (‪ )2‬ومن ذلك استواء الناس في رباع مكة وسكناها ‪ ،‬كما قال‬
‫منه ‪َ { ،‬‬
‫سوَاءً ا ْلعَا ِكفُ فِي ِه وَالْبَادِ } قال ‪ :‬ينزل أهل مكة‬
‫علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬‬
‫وغيرهم في المسجد الحرام‪.‬‬
‫سوَاءً ا ْلعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } ‪ :‬أهل مكة وغيرهم فيه سواء في‬
‫وقال مجاهد [في قوله] (‪َ { : )3‬‬
‫المنازل‪ .‬وكذا قال أبو صالح ‪ ،‬وعبد الرحمن بن سابط ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد [بن أسلم] (‪.)4‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪ :‬سواء فيه أهله وغير أهله‪.‬‬
‫وهذه المسألة اختلف فيها الشافعي وإسحاق بن راهَويه بمسجد الخِيف ‪ ،‬وأحمد بن حنبل حاضر (‬
‫‪ )5‬أيضًا ‪ ،‬فذهب الشافعي ‪ ،‬رحمه ال (‪ )6‬إلى أن رباع مكة تملك وتورث وتؤجر ‪ ،‬واحتج‬
‫بحديث الزهري ‪ ،‬عن علي بن الحُسَين ‪ ،‬عن عمرو بن عثمان ‪ ،‬عن أسامة بن زيد قال ‪ :‬قلت ‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬أتنزل غدًا في دارك (‪ )7‬بمكة ؟ فقال ‪" :‬وهل ترك لنا عَقيل من رباع"‪ .‬ثم قال ‪:‬‬
‫"ل يرث الكافر المسلم ‪ ،‬ول المسلم الكافر"‪ .‬وهذا الحديث مُخَرّج في الصحيحين (‪[ )8‬وبما ثبت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أن عمر بن الخطاب اشترى من صفوان بن أمية دارا بمكة ‪ ،‬فجعلها سجنا بأربعة آلف درهم‪.‬‬
‫وبه قال طاوس ‪ ،‬وعمرو بن دينار‪.‬‬
‫وذهب إسحاق بن راهَويه إل أنها تورث ول تؤجر‪ .‬وهو مذهب طائفة من السلف ‪ ،‬ونص عليه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬حاضرا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬رضي ال عنه" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬رضي ال تعالى عنه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬بدارك"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )6764‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1614‬من حديث أسامة بن زيد رضي‬
‫ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)5/409‬‬

‫مجاهد وعطاء ‪ ،‬واحتج إسحاق بن راهَويه بما رواه ابن ماجه ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن‬
‫عمَر بن سعيد بن أبي حُسَين (‪ ، )1‬عن عثمان بن أبي سليمان ‪ ،‬عن‬
‫عيسى ابن يونس ‪ ،‬عن ُ‬
‫علقمة بن َنضْلة قال ‪ُ :‬توُفي رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر وعمر ‪ ،‬وما تدعى رباع‬
‫مكة إل] (‪ )2‬السوائب ‪ ،‬من احتاج سكن ‪ ،‬ومن استغنى أسكن (‪.)3‬‬
‫وقال عبد الرزاق ابن مجاهد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو أنه قال ‪ :‬ل يحل بيع دور مكة‬
‫ول كراؤها‪.‬‬
‫وقال أيضًا عن ابن جريج ‪ :‬كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم ‪ ،‬وأخبرني أن عمر بن‬
‫الخطاب كان ينهي عن تُبوّب دور مكة ؛ لن ينزل الحاج في عَرَصاتها ‪ ،‬فكان أول من َبوّب‬
‫سهَيل بن عمرو ‪ ،‬فأرسل إليه عمر بن الخطاب في ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنظرني يا أمير المؤمنين ‪،‬‬
‫داره ُ‬
‫إني كنت امرأ تاجرا ‪ ،‬فأردت أن أتخذ بابين يحبسان لي ظهري قال ‪ :‬فذلك إذًا‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد ؛ أن عمر بن الخطاب قال ‪ :‬يا أهل‬
‫مكة ‪ ،‬ل تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث يشاء (‪.)4‬‬
‫سوَاءً ا ْلعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } ‪ ،‬قال‬
‫قال ‪ :‬وأخبرنا َمعْمر ‪ ،‬عمن سمع عطاء يقول [في قوله] (‪َ { : )5‬‬
‫‪ :‬ينزلون حيث شاءوا‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وروى الدارقطني من حديث ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو موقوفا (‪ )6‬من أكل كراء‬
‫بيوت مكة أكل نارا (‪.)7‬‬
‫"وتوسط المام أحمد [فيما نقله صالح ابنه] (‪ )8‬فقال ‪ :‬تملك وتورث ول تؤجر ‪ ،‬جمعا بين‬
‫الدلة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ ِبظُلْمٍ ُن ِذقْهُ مِنْ عَذَابٍ َألِيمٍ } قال بعض المفسرين من أهل العربية ‪:‬‬
‫الباء هاهنا زائدة ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬تَنْ ُبتُ بِالدّهْنِ } [ المؤمنون ‪ ] 20 :‬أي ‪ :‬تُنْ ِبتُ الدهن ‪ ،‬وكذا قوله ‪{ :‬‬
‫َومَنْ يُ ِردْ فِيهِ بِإِ ْلحَادٍ (‪ } )9‬تقديره إلحادًا ‪ ،‬وكما قال العشى ‪:‬‬
‫ضَمنَتْ برزق عيالنا أرْماحُنا‪ ...‬بين المَرَاجِل ‪ ،‬والصّريحَ الجرد (‪)10‬‬
‫وقال الخر ‪:‬‬
‫سفَله بالمَرْخ والشّ َبهَان‪...‬‬
‫ث صَدْ ُرهُ‪ ...‬وَأ ْ‬
‫ش ّ‬
‫بوَاد يَمانِ يُنْبتُ ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬جبير" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حيوة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )3107‬وهو مرسل‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬شاء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مرفوعا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬سنن الدارقطني (‪)2/300‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بإلحاد بظلم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬البيت في تفسير الطبري (‪ )17/103‬غير منسوب‪.‬‬

‫( ‪)5/410‬‬

‫والجود أنه ضمن الفعل هاهنا معنى " َيهُمّ" ‪ ،‬ولهذا (‪ )1‬عداه بالباء ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬ومَنْ يُ ِردْ فِيهِ بِإِ ْلحَادٍ‬
‫بِظُ ْلمٍ } أي ‪َ :‬يهُمّ فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار‪.‬‬
‫وقوله ‪ِ { :‬بظُلْمٍ } أي ‪ :‬عامدا قاصدا أنه ظلم ليس بمتأول ‪ ،‬كما قال ابن جريج (‪ ، )2‬عن ابن‬
‫عباس ‪ :‬هو [التعمد] (‪.)3‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ِ { :‬بظُلْمٍ } بشرك‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬أن يعبد فيه غير ال‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ظلْمٍ } هو أن تَستحلَ من الحرم ما حَرّم ال عليك من لسان أو‬
‫وقال ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬بِ ُ‬
‫قتل ‪ ،‬فتظلم من ل يظلمك ‪ ،‬وتقتل من ل يقتلك ‪ ،‬فإذا َف َعلَ ذلك فقد وجب [له] (‪ )4‬العذاب الليم‪.‬‬
‫ظلْمٍ } ‪ :‬يعمل فيه عمل سيئا‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬بِ ُ‬
‫وهذا من خصوصية الحرم أنه يعاقَب البادي فيه الشر ‪ ،‬إذا كان عازما عليه ‪ ،‬وإن لم يوقعه ‪،‬‬
‫كما قال ابن أبي حاتم في تفسيره ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن سِنَان ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أنبأنا شعبة ‪ ،‬عن السّدّي ‪ :‬أنه سمع مُرّة يحدث‬
‫عن عبد ال ‪ -‬يعني ابن مسعود ‪ -‬في قوله ‪َ { :‬ومَنْ يُ ِردْ فِيهِ بِإِ ْلحَادٍ ِبظُلْمٍ } قال ‪ :‬لو أن َرجُل‬
‫أراد فيه بإلحاد بظلم ‪ ،‬وهو بعَدَن أبينَ ‪ ،‬أذاقه (‪ )5‬ال من العذاب الليم‪.‬‬
‫قال شعبة ‪ :‬هو رفعه لنا ‪ ،‬وأنا ل أرفعه لكم‪ .‬قال يزيد ‪ :‬هو قد رفعه ‪ ،‬ورواه أحمد ‪ ،‬عن يزيد‬
‫بن هارون ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫[قلت ‪ :‬هذا السناد] (‪ )7‬صحيح على شرط البخاري ‪ ،‬ووقفه أشبه من رفعه ؛ ولهذا صَمم شعبة‬
‫على َوقْفه من كلم ابن مسعود‪ .‬وكذلك رواه أسباط ‪ ،‬وسفيان الثوري ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن مُرة ‪،‬‬
‫عن ابن مسعود موقوفا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن مُرّة ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه ‪،‬‬
‫ولو أن رجل بعَدَن أبينَ هَمّ أن يقتل رجل بهذا البيت ‪ ،‬لذاقه ال من العذاب الليم‪ .‬وكذا قال‬
‫الضحاك بن مُزاحم‪.‬‬
‫وقال سفيان [الثوري] (‪ ، )8‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد "إلحاد فيه" ‪ ،‬ل وال ‪ ،‬وبلى وال‪ .‬وروي‬
‫عن مجاهد ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬ولذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬جرير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لذاقه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪)1/428‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)5/411‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال سعيد بن جُبَير ‪ :‬شتم الخادم ظلم فما فوقَه‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن عبد ال بن عطاء ‪ ،‬عن ميمون بن ِمهْرَان ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪:‬‬
‫{ َومَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِ ْلحَادٍ ِبظُلْمٍ } قال ‪ :‬تجارة المير فيه‪.‬‬
‫وعن ابن عمر ‪ :‬بيع الطعام [بمكة] (‪ )1‬إلحاد‪.‬‬
‫وقال حبيب (‪ )2‬بن أبي ثابت ‪َ { :‬ومَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِ ْلحَادٍ ِبظُلْمٍ } قال ‪ :‬المحتكر بمكة‪ .‬وكذا قال غير‬
‫واحد‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن إسحاق الجوهري ‪ ،‬أنبأنا أبو عاصم ‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن يحيى ‪ ،‬عن عمه عمارة بن ثوبان ‪ ،‬حدثني موسى بن باذان ‪ ،‬عن يعلى بن أمية ؛ أن‬
‫رسولَ ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬احتكار الطعام بمكة إلحاد" (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عبد ال بن ُبكَيْر (‪ ، )4‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪،‬‬
‫حدثني عطاء بن دينار ‪ ،‬حدثني سعيد بن جبير قال ‪ :‬قال ابن عباس في قول ال ‪َ { :‬ومَنْ يُ ِردْ فِيهِ‬
‫بِإِلْحَادٍ بِظُ ْلمٍ } قال ‪ :‬نزلت في عبد ال بن أنيس ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعثه مع‬
‫رجلين ‪ ،‬أحدهما مهاجر والخر من النصار ‪ ،‬فافتخروا في النساب ‪ ،‬فغضب عبد ال بن‬
‫أنيس ‪ ،‬فقتل النصاريّ ‪ ،‬ثم ارتد عن السلم ‪ ،‬وهَرَب إلى مكة ‪ ،‬فنزلت فيه ‪َ { :‬ومَنْ يُ ِردْ فِيهِ‬
‫بِإِلْحَادٍ بِظُ ْلمٍ } يعني ‪ :‬من لجأ إلى الحرم بإلحاد يعني بميل عن السلم‪.‬‬
‫وهذه الثار ‪ ،‬وإن دلت على أن هذه الشياء من اللحاد ‪ ،‬ولكنْ هُو أعم من ذلك ‪ ،‬بل فيها تنبيه‬
‫على ما هو أغلظ منها ‪ ،‬ولهذا لما هم أصحاب الفيل على تخريب البيت أرسل ال عليهم طيرًا‬
‫صفٍ مَ ْأكُولٍ } [ الفيل ‪ ، ] 5 ، 4 :‬أي ‪ :‬دمّرهم‬
‫جعََلهُمْ َك َع ْ‬
‫أبابيل { تَ ْرمِيهِمْ ِبحِجَا َرةٍ مِنْ سِجّيلٍ * َف َ‬
‫وجعلهم عبرة ونكال لكل من أراده بسوء ؛ ولذلك ثبت في الحديث أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫خسِف بأولهم وآخرهم"‬
‫وسلم قال ‪" :‬يغزو هذا البيت جيش ‪ ،‬حتى إذا كانوا ببيداء من الرض ُ‬
‫الحديث (‪.)5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن كُنَاسة ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن سعيد ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬أتى عبدُ ال‬
‫بن عمر عبدَ ال بن الزبير ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا ابن الزبير ‪ ،‬إياك واللحاد في حَرَم ال ‪ ،‬فإني سمعتُ‬
‫رسولَ ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إنه سيلحدُ فيه رجل من قريش ‪ ،‬لو تُوزَن ذنوبه بذنوب‬
‫الثقلين لرجحت" ‪ ،‬فانظر ل تكن هو (‪.)6‬‬
‫وقال أيضا [في مسند عبد ال بن عمرو بن العاص] (‪ : )7‬حدثنا هاشم ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن سعيد ‪،‬‬

‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬جندب"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬ورواه أبو داود في السنن برقم (‪ ، )2020‬والفاكهي في تاريخ مكة برقم (‪ )1771‬من طريق‬
‫أبي عاصم به‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬بكر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )2118‬من حديث عائشة رضي ال عنها‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪)2/136‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/412‬‬

‫ن وَا ْلقَا ِئمِينَ وَال ّركّعِ السّجُودِ‬


‫طهّرْ بَيْ ِتيَ لِلطّا ِئفِي َ‬
‫وَإِذْ َبوّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ َمكَانَ الْبَ ْيتِ أَنْ لَا ُتشْ ِركْ بِي شَيْئًا وَ َ‬
‫عمِيقٍ (‪)27‬‬
‫ل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ ُكلّ فَجّ َ‬
‫(‪ )26‬وَأَذّنْ فِي النّاسِ بِا ْلحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى ُك ّ‬

‫حجْر فقال ‪ :‬يا‬


‫حدثنا سعيد بن عمرو قال ‪ :‬أتى عبدُ ال بن عمرو ابنَ الزبير ‪ ،‬وهو جالس في ال ِ‬
‫بن الزبير ‪ ،‬إياك واللحادَ في الحرم ‪ ،‬فإني أشهد لسَمعتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫"يحلها ويحل به رجل من قريش ‪ ،‬ولو وُزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها"‪ .‬قال ‪ :‬فانظر ل تكن‬
‫(‪ )1‬هو (‪.)2‬‬
‫ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذين الوجهين‪.‬‬
‫ن وَال ّركّعِ‬
‫ن وَا ْلقَائِمِي َ‬
‫طهّرْ بَيْ ِتيَ لِلطّا ِئفِي َ‬
‫{ وَإِذْ َبوّأْنَا لبْرَاهِيمَ َمكَانَ الْبَ ْيتِ أَنْ ل تُشْ ِركْ بِي شَيْئًا َو َ‬
‫عمِيقٍ (‬
‫ل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ ُكلّ فَجّ َ‬
‫السّجُودِ (‪ )26‬وَأَذّنْ فِي النّاسِ بِا ْلحَجّ يَأْتُوكَ رِجَال وَعَلَى ُك ّ‬
‫‪.} )27‬‬
‫ستْ من أول‬
‫هذا فيه تقريع وتوبيخ لمن عبد غير ال ‪ ،‬وأشرك به من قريش ‪ ،‬في البقعة التي أس ّ‬
‫يوم على توحيد ال وعبادته وحده ل شريك له ‪ ،‬فذكر تعالى أنه بَوأ إبراهيم مكانَ البيت ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫أرشده إليه ‪ ،‬وسلمه له ‪ ،‬وأذن له في بنائه‪.‬‬
‫واستدل به كثير ممن قال ‪" :‬إن إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬هو أول من بنى البيت العتيق ‪ ،‬وأنه لم‬
‫يبن قبله" ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح (‪ )3‬عن أبي ذر قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أي مسجد وُضعَ أول ؟‬
‫قال ‪" :‬المسجد الحرام"‪ .‬قلت ‪ :‬ثم أي ؟ قال ‪" :‬بيت المقدس"‪ .‬قلت كم بينهما ؟ قال ‪" :‬أربعون سنة"‬
‫(‪.)4‬‬
‫ت ُوضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِ َبكّةَ مُبَا َركًا وَهُدًى لِ ْلعَاَلمِينَ‪ .‬فِيهِ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ‬
‫وقد قال ال تعالى ‪ { :‬إِنّ َأ ّولَ بَ ْي ٍ‬
‫سمَاعِيلَ‬
‫عهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِ ْ‬
‫َمقَامُ إِبْرَاهِيم } الية [ آل عمران ‪ ، ] 97 ، 96 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَ َ‬
‫ن وَال ّركّعِ السّجُودِ } [ البقرة ‪.] 125 :‬‬
‫طهّرَا بَيْ ِتيَ لِلطّا ِئفِينَ وَا ْلعَاكِفِي َ‬
‫أَنْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد قدمنا ذكر ما ورد في بناء البيت من الصحاح والثار ‪ ،‬بما أغنى عن إعادته هاهنا (‪.)5‬‬
‫طهّرْ بَيْ ِتيَ } قال‬
‫وقال تعالى هاهنا ‪ { :‬أَنْ ل تُشْ ِركْ بِي } أي ‪ :‬ابْنه على اسمي وحدي ‪ { ،‬وَ َ‬
‫ن وَال ّركّعِ السّجُودِ } أي ‪ :‬اجعله خالصا لهؤلء‬
‫مجاهد وقتادة ‪ :‬من الشرك ‪ { ،‬لِلطّا ِئفِينَ وَالْقَا ِئمِي َ‬
‫الذين يعبدون ال وحده ل شريك له‪.‬‬
‫فالطائف به معروف ‪ ،‬وهو أخص العبادات عند البيت ‪ ،‬فإنه ل يفعل ببقعة من الرض سواها ‪{ ،‬‬
‫وَا ْلقَائِمِينَ } أي ‪ :‬في الصلة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَال ّركّعِ السّجُودِ } فقرن الطواف بالصلة ؛ لنهما ل‬
‫يشرعان إل مختصين بالبيت ‪ ،‬فالطواف عنده ‪ ،‬والصلة إليه في غالب الحوال ‪ ،‬إل ما استثني‬
‫من الصلة عند اشتباه القبلة وفي الحرب ‪ ،‬وفي النافلة في السفر ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ل يكون" وفي ف ‪" :‬ل تكون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)21912‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬الصحيحين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )3366‬وصحيح مسلم برقم (‪)520‬‬
‫(‪ )5‬انظر تفسير الية ‪ 125 :‬من سورة البقرة‪.‬‬

‫( ‪)5/413‬‬

‫سمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ َمعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَ َز َقهُمْ مِنْ َبهِيمَةِ الْأَ ْنعَامِ َفكُلُوا مِ ْنهَا‬
‫شهَدُوا مَنَافِعَ َلهُ ْم وَيَ ْذكُرُوا ا ْ‬
‫لِيَ ْ‬
‫ط ّوفُوا بِالْبَ ْيتِ ا ْلعَتِيقِ (‪)29‬‬
‫ط ِعمُوا الْبَائِسَ ا ْل َفقِيرَ (‪ُ )28‬ثمّ لْ َي ْقضُوا َتفَ َثهُ ْم وَلْيُوفُوا ُنذُورَهُ ْم وَلْيَ ّ‬
‫وَأَ ْ‬

‫وقوله ‪ { :‬وَأَذّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجّ } أي ‪ :‬ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي‬
‫أمرناك ببنائه‪ .‬فَذُكر أنه قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬وكيف أبلغ الناس وصوتي ل ينفذهم ؟ فقيل ‪ :‬ناد وعلينا‬
‫البلغ‪.‬‬
‫فقام على مقامه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬على الحجر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬على الصفا ‪ ،‬وقيل ‪ :‬على أبي قُبَيس ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا‬
‫أيها الناس ‪ ،‬إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه ‪ ،‬فيقال ‪ :‬إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء‬
‫الرض ‪ ،‬وأس َمعَ مَن في الرحام والصلب ‪ ،‬وأجابه كل شيء سمعه من حَجَر ومَدَر وشجر ‪،‬‬
‫ومن كتب ال أنه يحج إلى يوم القيامة ‪" :‬لبيك اللهم لبيك"‪.‬‬
‫هذا مضمون ما روي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬وغير واحد من‬
‫السلف ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫طوّلة (‪.)2( )1‬‬
‫أوردها ابن جَرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم مُ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمِيقٍ } قد يَستدلّ بهذه الية من ذهب‬
‫وقوله ‪ { :‬يَأْتُوكَ رِجَال وَعَلَى ُكلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ ُكلّ فَجّ َ‬
‫من العلماء إلى أن الحج ماشيا ‪ ،‬لمن قدر عليه ‪ ،‬أفضلُ من الحج راكبا ؛ لنه قدمهم في الذكر ‪،‬‬
‫فدل على الهتمام بهم وقوة هممهم وشدة عزمهم ‪ ،‬والذي عليه الكثرون أن الحج راكبا أفضل ؛‬
‫اقتداء برسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإنه حج راكبا مع كمال قوته ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫جعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُل } [ النبياء ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬يَأْتِينَ مِنْ ُكلّ فَجّ } يعني ‪ :‬طريق ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَ َ‬
‫‪.] 31‬‬
‫عمِيقٍ } أي ‪ :‬بعيد‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪،‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬‬
‫والثوري ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫ج َعلْ َأفْئِ َدةً مِنَ النّاسِ َت ْهوِي‬
‫وهذه الية كقوله تعالى إخبارا عن إبراهيم ‪ ،‬حيث قال في دعائه ‪ { :‬فَا ْ‬
‫إِلَ ْيهِمْ } [ إبراهيم ‪ ] 37 :‬فليس أحد من أهل السلم إل وهو يحن إلى رؤية الكعبة والطواف ‪،‬‬
‫فالناس يقصدونها من سائر الجهات والقطار‪.‬‬
‫شهَدُوا مَنَافِعَ َلهُمْ وَيَ ْذكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ َمعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَ َز َق ُهمْ مِنْ َبهِيمَةِ ال ْنعَامِ َفكُلُوا‬
‫{ لِ َي ْ‬
‫ط ّوفُوا بِالْبَ ْيتِ ا ْلعَتِيقِ (‬
‫ط ِعمُوا الْبَائِسَ ا ْل َفقِيرَ (‪ُ )28‬ثمّ لْ َي ْقضُوا َتفَ َثهُ ْم وَلْيُوفُوا ُنذُورَهُ ْم وَلْيَ ّ‬
‫مِ ْنهَا وَأَ ْ‬
‫‪.} )29‬‬
‫شهَدُوا مَنَافِعَ َلهُمْ } قال ‪ :‬منافع الدنيا والخرة ؛ أما منافع الخرة فرضوان‬
‫قال ابن عباس ‪ { :‬لِيَ ْ‬
‫ال ‪ ،‬وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع ال ُبدْن والربح (‪ )3‬والتجارات‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪،‬‬
‫وغير واحد ‪ :‬إنها منافع الدنيا والخرة ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬لَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْ َتغُوا َفضْل مِنْ رَ ّبكُمْ }‬
‫[ البقرة ‪.] 198 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬بطوله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)17/106‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والذبائح"‪.‬‬

‫( ‪)5/414‬‬

‫سمَ اللّهِ [ فِي أَيّامٍ َمعْلُومَاتٍ ] (‪ )1‬عَلَى مَا رَ َز َقهُمْ مِنْ َبهِيمَةِ ال ْنعَامِ } قال‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيَ ْذكُرُوا ا ْ‬
‫شعبة [وهُشَيْم] (‪ )2‬عن [أبي بشر عن سعيد] (‪ )3‬عن ابن عباس ‪ :‬اليام المعلومات ‪ :‬أيام‬
‫العشر ‪ ،‬وعلقه البخاري عنه بصيغة الجزم به (‪ .)4‬ويروى مثله عن أبي موسى الشعري ‪،‬‬
‫ومجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪،‬‬
‫وإبراهيم النّخعي‪ .‬وهو مذهب الشافعي ‪ ،‬والمشهور عن أحمد بن حنبل‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا محمد بن عَرْعَرَة ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن سليمان ‪ ،‬عن مسلم البَطِين ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما العمل في أيام أفضل‬
‫منها في هذه" قالوا ‪ :‬ول الجهاد في سبيل ال ؟ قال ‪" :‬ول الجهاد في سبيل ال ‪ ،‬إل رجل ‪،‬‬
‫يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء"‪.‬‬
‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وابن ماجه (‪ .)5‬وقال الترمذي ‪ :‬حديث حسن‬
‫غريب صحيح‪ .‬وفي الباب عن ابن عمر ‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬وعبد ال بن عمرو ‪ ،‬وجابر‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد تقصيت هذه الطرق ‪ ،‬وأفردت لها جزءًا على حدته (‪ ، )6‬فمن ذلك ما قال المام أحمد‬
‫عوَانة ‪ ،‬عن يزيد بن أبي زياد ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال‬
‫عفّان ‪ ،‬أنبأنا أبو َ‬
‫‪ :‬حدثنا َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما من أيام أعظم عند ال ول أحب إليه العملُ فيهن ‪ ،‬من هذه‬
‫اليام العشر ‪ ،‬فأكثروا فيهم من التهليل والتكبير والتحميد" (‪ )7‬وروي من وجه آخر ‪ ،‬عن مجاهد‬
‫‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬بنحوه (‪ .)8‬وقال البخاري ‪ :‬وكان ابن عمر ‪ ،‬وأبو هريرة يخرجان إلى السوق‬
‫في أيام العشر ‪ ،‬فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما (‪.)9‬‬
‫وقد روى أحمد عن جابر مرفوعا ‪ :‬أن هذا هو العشر الذي أقسم ال به في قوله ‪ { :‬وَا ْلفَجْ ِر وَلَيَالٍ‬
‫عَشْرٍ } [ الفجر ‪.)10( ] 2 ، 1 :‬‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬إنه المراد بقوله ‪ { :‬وَأَ ْت َممْنَاهَا ِبعَشْرٍ } [ العراف ‪.] 142 :‬‬
‫وفي سنن أبي داود ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يصوم هذا العشر (‪.)11‬‬
‫وهذا العشر مشتمل على يوم عرفة الذي ثبت في صحيح مسلم عن أبي قتادة قال ‪ :‬سئل رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم عن صيام يوم عرفة ‪ ،‬فقال ‪" :‬أحتسب على ال أن يكفر السنة الماضية‬
‫والتية" (‪.)12‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪" )2/457‬فتح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )969‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2438‬وسنن الترمذي برقم (‪)757‬‬
‫وسنن ابن ماجه برقم (‪.)1727‬‬
‫(‪ )6‬سماه ‪" :‬الحاديث الواردة في فضل اليام العشرة من ذي الحجة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)2/75‬‬
‫(‪ )8‬رواه أبو عوانة ‪ -‬كما في إرواء الغليل (‪ )39813‬عن الحافظ ابن حجر ‪ -‬من طريق موسى‬
‫بن أبي عائشة عن مجاهد عن ابن عمر رضي ال عنهما‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪" )2/457‬فتح"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)3/327‬‬
‫(‪ )11‬سنن أبي داود برقم (‪.)2437‬‬
‫(‪ )12‬صحيح مسلم برقم (‪ )1162‬من حديث أبي قتادة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)5/415‬‬

‫ويشتمل على يوم النحر الذي هو يوم الحج الكبر ‪ ،‬وقد ورد في حديث أنه أفضل اليام عند ال‬
‫(‪.)1‬‬
‫وبالجملة ‪ ،‬فهذا العشر قد قيل ‪ :‬إنه أفضل أيام السنة ‪ ،‬كما نطق به الحديث ‪ ،‬ففضله كثير على‬
‫عشر رمضان الخير ؛ لن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك ‪ ،‬من صيام وصلة وصدقة‬
‫وغيره ‪ ،‬ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬ذاك أفضل لشتماله على ليلة القدر ‪ ،‬التي هي خير من ألف شهر‪.‬‬
‫وتوسط آخرون فقالوا ‪ :‬أيام هذا أفضل ‪ ،‬وليالي ذاك أفضل‪ .‬وبهذا يجتمع شمل الدلة ‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫قول ثان في اليام المعلومات ‪ :‬قال الحكم ‪ ،‬عن مِقْسَم ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬اليام المعلومات ‪ :‬يوم‬
‫النحر وثلثة أيام بعده‪ .‬ويروى هذا عن ابن عمر ‪ ،‬وإبراهيم النّخَعي ‪ ،‬وإليه ذهب أحمد بن حنبل‬
‫في رواية عنه‪.‬‬
‫قول ثالث ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن المديني ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪،‬‬
‫عجْلن ‪ ،‬حدثني نافع ؛ أن ابن عمر كان يقول ‪ :‬اليام المعلومات والمعدودات هن‬
‫حدثنا ابن َ‬
‫جميعهن أربعة أيام ‪ ،‬فاليام المعلومات يوم النحر ويومان بعده ‪ ،‬واليام المعدودات ثلثة أيام يوم‬
‫النحر‪.‬‬
‫هذا إسناد صحيح إليه ‪ ،‬وقاله (‪ )2‬السدي ‪ :‬وهو مذهب المام مالك بن أنس ‪ ،‬ويعضد هذا القول‬
‫والذي قبله قوله تعالى ‪ { :‬عَلَى مَا رَ َز َقهُمْ مِنْ َبهِيمَةِ ال ْنعَامِ } يعني به ‪ :‬ذكر ال عند ذبحها‪.‬‬
‫قول رابع ‪ :‬إنها يوم عرفة ‪ ،‬ويوم النحر ‪ ،‬ويوم آخر بعده‪ .‬وهو مذهب أبي حنيفة‪.‬‬
‫وقال ابن وهب ‪ :‬حدثني (‪ )3‬ابن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبيه أنه قال ‪ :‬المعلومات يوم عرفة ‪ ،‬ويوم‬
‫النحر ‪ ،‬وأيام التشريق‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬عَلَى مَا رَ َز َقهُمْ مِنْ َبهِيمَةِ ال ْنعَامِ } يعني ‪ :‬البل والبقر والغنم ‪ ،‬كما فصلها تعالى في‬
‫سورة النعام وأنها { َثمَانِيَةَ أَ ْزوَاجٍ } الية [ النعام ‪.] 143 :‬‬
‫ط ِعمُوا الْبَائِسَ ا ْل َفقِيرَ } استدل بهذه الية من ذهب إلى وجوب الكل من‬
‫وقوله { َفكُلُوا مِ ْنهَا وَأَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الضاحي وهو قول غريب ‪ ،‬والذي عليه الكثرون أنه من باب الرخصة أو الستحباب ‪ ،‬كما‬
‫ثبت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ ‪ ،‬فأكل من‬
‫لحمها ‪ ،‬وحسا من مرقها (‪.)4‬‬
‫وقال عبد ال بن وهب ‪[ :‬قال لي مالك ‪ :‬أحب أن يأكل من أضحيته ؛ لن ال يقول ‪َ { :‬فكُلُوا‬
‫مِ ْنهَا } ‪ :‬قال ابن وهب] (‪ )5‬وسألت الليث ‪ ،‬فقال لي مثل ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد في المسند (‪ )4/350‬وأبو داود في السنن برقم (‪ )1765‬من حديث عبد ال بن‬
‫قرط رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وقال ابن وهب وحدثني"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )1218‬من حديث جابر رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/416‬‬

‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن إبراهيم ‪َ { :‬فكُلُوا مِ ْنهَا } قال ‪ :‬كان المشركون ل يأكلون‬
‫من ذبائحهم فرخص للمسلمين ‪ ،‬فمن شاء أكل ‪ ،‬ومن شاء لم يأكل‪ .‬وروي عن مجاهد ‪ ،‬وعطاء‬
‫نحو ذلك‪.‬‬
‫حصَين ‪ ،‬عن مجاهد في قوله { َفكُلُوا مِ ْنهَا } ‪ :‬هي كقوله ‪ { :‬وَإِذَا حَلَلْتُمْ‬
‫قال هُشَيْم ‪ ،‬عن ُ‬
‫فَاصْطَادُوا } [ المائدة ‪ { ، ] 2 :‬فَِإذَا ُقضِ َيتِ (‪ )1‬الصّلةُ فَانْتَشِرُوا فِي الرْضِ } [ الجمعة ‪.] 10 :‬‬
‫وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره ‪ ،‬واستدل من نصر القول بأن الضاحي يتصدق منها بالنصف‬
‫ط ِعمُوا الْبَائِسَ ا ْلفَقِيرَ } ‪ ،‬فجزأها نصفين ‪ :‬نصف للمضحي ‪،‬‬
‫بقوله في هذه الية ‪َ { :‬فكُلُوا مِ ْنهَا وََأ ْ‬
‫ونصف للفقراء‪.‬‬
‫والقول الخر ‪ :‬أنها تجزأ ثلثة أجزاء ‪ :‬ثلث له ‪ ،‬وثلث يهديه ‪ ،‬وثلث يتصدق به ؛ لقوله في الية‬
‫ط ِعمُوا ا ْلقَانِ َع وَا ْل ُمعْتَرّ } [ الحج ‪ ] 36 :‬وسيأتي الكلم عليها عندها ‪ ،‬إن‬
‫الخرى ‪َ { :‬فكُلُوا مِ ْنهَا وَأَ ْ‬
‫شاء ال ‪ ،‬وبه الثقة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬الْبَا ِئسَ ا ْلفَقِيرَ } ‪ ،‬قال عكرمة ‪ :‬هو المضطر الذي عليه البؤس ‪[ ،‬والفقير] (‪)2‬‬
‫المتعفف‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هو الذي ل يبسط يده‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬هو ال ّزمِن‪ .‬وقال مقاتل بن حيان ‪ :‬هو‬
‫الضرير‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ لْ َي ْقضُوا َتفَ َثهُمْ } ‪ :‬قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هو وضع [الحرام] (‬
‫‪ )3‬من حلق الرأس ولبس الثياب وقص الظفار ‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬وهكذا روى عطاء ومجاهد ‪ ،‬عنه‪.‬‬
‫وكذا قال عكرمة ‪ ،‬ومحمد بن كعب القُرَظي‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬ثُمّ لْ َي ْقضُوا َتفَثَهُمْ } قال ‪ :‬التفث ‪ :‬المناسك‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلْيُوفُوا ُنذُورَهُمْ } ‪ ،‬قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني ‪ :‬نحر ما نذر من‬
‫أمر البُدن‪.‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬وَلْيُوفُوا ُنذُورَهُمْ } ‪ )4( :‬نذر الحج والهدي وما نذر النسان‬
‫من شيء يكون في الحج‪.‬‬
‫وقال إبراهيم بن مَيْسَرَة ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬وَلْيُوفُوا نُذُورَ ُهمْ } قال ‪ :‬الذبائح‪.‬‬
‫وقال ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬وَلْيُوفُوا ُنذُورَهُمْ } كل نذر إلى أجل‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ { :‬وَلْيُوفُوا ُنذُورَهُمْ } ‪ ،‬قال ‪ [ :‬حجهم‪.‬‬
‫وكذا روى المام ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان في قوله ‪:‬‬
‫{ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } قال ‪ )5( ] :‬نذر الحج ‪ ،‬فكل من دخل الحج فعليه من العمل فيه ‪ :‬الطواف‬
‫بالبيت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬قضيتم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ"‪.‬‬

‫( ‪)5/417‬‬

‫وبين الصفا والمروة ‪ ،‬وعرفة ‪ ،‬والمزدلفة ‪ ،‬ورمي الجمار ‪ ،‬على ما أمروا به‪ .‬وروي عن مالك‬
‫نحو هذا‪.‬‬
‫ط ّوفُوا بِالْبَ ْيتِ ا ْلعَتِيقِ } ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬يعني ‪ :‬الطواف الواجب يوم النحر‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلْيَ ّ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن أبي حمزة قال ‪:‬‬
‫ط ّوفُوا بِالْبَ ْيتِ ا ْلعَتِيقِ } ‪ ،‬فإن آخر‬
‫قال لي ابن عباس ‪ :‬أتقرأ سورة الحج ؟ يقول (‪ )1‬ال ‪ { :‬وَلْيَ ّ‬
‫المناسك الطواف بالبيت‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهكذا صنع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإنه لما رجع إلى منى يوم النحر بدأ يرمي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الجمرة ‪ ،‬فرماها بسبع حصيات ‪ ،‬ثم نحر هديه ‪ ،‬وحلق رأسه ‪ ،‬ثم أفاض فطاف بالبيت‪ .‬وفي‬
‫الصحيح عن ابن عباس أنه قال ‪ :‬أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف ‪ ،‬إل أنه خفف‬
‫عن المرأة الحائض (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬بِالْبَ ْيتِ ا ْلعَتِيقِ } ‪ :‬فيه مستدل لمن ذهب إلى أنه يجب الطواف من وراء الحجر ؛ لنه‬
‫من أصل (‪ )3‬البيت الذي بناه إبراهيم ‪ ،‬وإن كانت قريش قد أخرجوه من البيت ‪ ،‬حين قصرت‬
‫حجْر ‪ ،‬وأخبر أن الحجر من‬
‫بهم النفقة ؛ ولهذا طاف رسول ال صلى ال عليه وسلم من وراء ال ِ‬
‫البيت ‪ ،‬ولم يستلم الركنين الشاميين ؛ لنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم العتيقة ؛ ولهذا قال ابن‬
‫أبي حاتم ‪:‬‬
‫حجْر ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر العَدَني ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن هشام بن ُ‬
‫ط ّوفُوا بِالْبَ ْيتِ ا ْلعَتِيقِ } ‪ ،‬طاف رسول ال صلى ال‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ { :‬وَلْيَ ّ‬
‫عليه وسلم من ورائه (‪.)4‬‬
‫ط ّوفُوا بِالْبَ ْيتِ ا ْلعَتِيقِ } [قال] (‪ : )5‬لنه أول‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬عن الحسن البصري في قوله ‪ { :‬وَلْ َي ّ‬
‫بيت وضع للناس‪ .‬وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪.‬‬
‫وعن عكرمة أنه قال ‪ :‬إنما سمي البيت العتيق ؛ لنه أعتق يوم الغرق زمان نوح‪.‬‬
‫خصِيف ‪ :‬إنما سمي البيت العتيق ؛ لنه لم يظهر عليه جبار قط‪.‬‬
‫وقال َ‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح وليث عن مجاهد ‪ :‬أعتق من الجبابرة أن يسلطوا عليه‪ .‬وكذا قال قتادة‪.‬‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن الحسن بن مسلم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬لنه لم يُرِده أحد بسوء إل‬
‫هلك‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن ابن الزبير قال ‪ :‬إنما سمي البيت العتيق ؛‬
‫لن ال أعتقه من الجبابرة (‪.)6‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حدثنا محمد بن إسماعيل وغير واحد ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن صالح ‪ ،‬أخبرني‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فيقول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )329‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1328‬من حديث ابن عباس رضي ال‬
‫عنهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬داخل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه ابن مردوية في تفسيره كما في الدر المنثور (‪.)6/41‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/32‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/418‬‬

‫ك َومَنْ ُيعَظّمْ حُ ُرمَاتِ اللّهِ َف ُهوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبّهِ وَأُحِّلتْ َلكُمُ الْأَ ْنعَامُ إِلّا مَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ فَاجْتَنِبُوا‬
‫ذَِل َ‬
‫ن وَاجْتَنِبُوا َق ْولَ الزّورِ (‪)30‬‬
‫جسَ مِنَ الَْأوْثَا ِ‬
‫الرّ ْ‬

‫الليث ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن خالد ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن محمد بن عروة ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫الزبير قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنما سمي البيت العتيق ؛ لنه لم يظهر عليه‬
‫جبار"‪.‬‬
‫وكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬عن محمد بن سهل النجاري (‪ ، )1‬عن عبد ال بن صالح ‪ ،‬به (‪ .)2‬وقال‬
‫‪ :‬إن كان صحيحًا وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن غريب ‪ ،‬ثم رواه من وجه آخر عن‬
‫الزهري ‪ ،‬مرسل (‪.)3‬‬
‫حّلتْ َل ُكمُ ال ْنعَامُ إِل مَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ فَاجْتَنِبُوا‬
‫ك َومَنْ ُي َعظّمْ حُ ُرمَاتِ اللّهِ َف ُهوَ خَيْرٌ لَهُ عِ ْندَ رَبّ ِه وَأُ ِ‬
‫{ ذَِل َ‬
‫ن الوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا َق ْولَ الزّورِ (‪} )30‬‬
‫جسَ مِ َ‬
‫الرّ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬المحاربي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن الترمذي برقم (‪ )3170‬وفيه "هذا حديث حسن صحيح" وأظنه خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )2654‬وصحيح مسلم برقم (‪.)87‬‬

‫( ‪)5/419‬‬

‫طفُهُ الطّيْرُ َأوْ َت ْهوِي بِهِ‬


‫خَ‬‫سمَاءِ فَتَ ْ‬
‫حُ َنفَاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْ ِركِينَ ِب ِه َومَنْ ُيشْ ِركْ بِاللّهِ َفكَأَ ّنمَا خَرّ مِنَ ال ّ‬
‫الرّيحُ فِي َمكَانٍ سَحِيقٍ (‪)31‬‬

‫طفُهُ الطّيْرُ َأوْ َت ْهوِي ِبهِ‬


‫سمَاءِ فَ َتخْ َ‬
‫{ حُ َنفَاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْ ِركِينَ بِ ِه َومَنْ يُشْ ِركْ بِاللّهِ َفكَأَ ّنمَا خَرّ مِنَ ال ّ‬
‫الرّيحُ فِي َمكَانٍ سَحِيقٍ (‪.} )31‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬هذا الذي أمرنا به من الطاعات في أداء المناسك ‪ ،‬وما لفاعلها من الثواب الجزيل‪.‬‬
‫{ َومَنْ ُيعَظّمْ حُ ُرمَاتِ اللّهِ } أي ‪ :‬ومن يجتنب معاصيه ومحارمه ويكون ارتكابها عظيما في نفسه‬
‫‪َ { ،‬ف ُهوَ خَيْرٌ لَهُ عِ ْندَ رَبّهِ } أي ‪ :‬فله على ذلك خير كثير وثواب جزيل ‪ ،‬فكما على فعل الطاعات‬
‫ثواب جزيل وأجر كبير ‪ ،‬وكذلك على ترك المحرمات و[اجتناب] (‪ )1‬المحظورات‪.‬‬
‫ك َومَنْ ُيعَظّمْ حُ ُرمَاتِ اللّهِ } قال ‪ :‬الحرمة ‪ :‬مكة‬
‫قال ابن جريج ‪ :‬قال مجاهد في قوله ‪ { :‬ذَِل َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والحج والعمرة ‪ ،‬وما نهى ال عنه من معاصيه كلها‪ .‬وكذا قال ابن زيد‪.‬‬
‫حّلتْ َل ُكمُ ال ْنعَامُ إِل مَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ } أي ‪ :‬أحللنا (‪ )2‬لكم جميع النعام ‪ ،‬وما جعل ال‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأُ ِ‬
‫من بحيرة ‪ ،‬ول سائبة ‪ ،‬ول وصيلة ‪ ،‬ول حام‪.‬‬
‫حمُ ا ْلخِنزي ِر َومَا أُ ِهلّ ِلغَيْرِ اللّهِ ِبهِ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِل مَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ } أي ‪ :‬من تحريم { ا ْلمَيْتَ ُة وَالدّ ُم وَلَ ْ‬
‫وَا ْلمُنْخَ ِنقَ ُة وَا ْل َم ْوقُو َذ ُة وَا ْلمُتَرَدّ َي ُة وَالنّطِيحَ ُة َومَا َأ َكلَ السّبُعُ [إِل مَا َذكّيْتُمْ] (‪ } )3‬الية [ المائدة ‪:‬‬
‫‪ ، ] 3‬قال ذلك ابن جرير ‪ ،‬وحكاه عن قتادة‪.‬‬
‫ن وَاجْتَنِبُوا َق ْولَ الزّورِ } ‪" :‬من" هاهنا لبيان الجنس ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الوْثَا ِ‬
‫اجتنبوا الرجس الذي هو الوثان‪ .‬وقرن الشرك بال (‪ )4‬بقول الزور ‪ ،‬كقوله ‪ُ { :‬قلْ إِ ّنمَا حَرّمَ‬
‫ق وَأَنْ تُشْ ِركُوا بِاللّهِ مَا لَمْ يُنزلْ ِبهِ‬
‫حّ‬‫ن وَالثْ َم وَالْ َب ْغيَ ِبغَيْرِ الْ َ‬
‫ظهَرَ مِ ْنهَا َومَا بَطَ َ‬
‫حشَ مَا َ‬
‫رَ ّبيَ ا ْلفَوَا ِ‬
‫سُ ْلطَانًا وَأَنْ َتقُولُوا عَلَى اللّهِ مَا ل َتعَْلمُونَ } [ العراف ‪ ، ] 33 :‬ومنه شهادة الزور‪ .‬وفي‬
‫الصحيحين عن أبي َبكْرَة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل أنبئكم بأكبر الكبائر ؟"‬
‫قلنا ‪ :‬بلى ‪ ،‬يا رسول ال‪ .‬قال ‪" :‬الشراك بال وعقوق الوالدين ‪ -‬وكان متكئا فجلس ‪ ،‬فقال ‪- :‬‬
‫أل وقول الزور ‪ ،‬أل وشهادة الزور"‪ .‬فما زال يكررها ‪ ،‬حتى قلنا ‪ :‬ليته سكت (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أحلت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬به"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )2654‬وصحيح مسلم برقم (‪.)87‬‬

‫( ‪)5/419‬‬

‫سمّى ثُمّ مَحِّلهَا‬


‫جلٍ مُ َ‬
‫شعَائِرَ اللّهِ فَإِ ّنهَا مِنْ َتقْوَى ا ْلقُلُوبِ (‪َ )32‬ل ُكمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَ َ‬
‫ك َومَنْ ُيعَظّمْ َ‬
‫ذَِل َ‬
‫إِلَى الْبَ ْيتِ ا ْلعَتِيقِ (‪)33‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ‪ ،‬أنبأنا سفيان بن زياد ‪ ،‬عن فاتك بن فضالة‬
‫‪ ،‬عن أيمن بن خريم قال ‪ :‬قام رسول ال صلى ال عليه وسلم خطيبًا فقال ‪" :‬يا أيها الناس ‪،‬‬
‫ن الوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا َقوْلَ‬
‫عدلت شهادة الزور إشراكا بال" ثلثا ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬فَاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِ َ‬
‫الزّورِ }‬
‫وهكذا رواه الترمذي ‪ ،‬عن أحمد بن منيع ‪ ،‬عن مروان بن معاوية ‪ ،‬به (‪ )1‬ثم قال ‪" :‬غريب ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إنما نعرفه من حديث سفيان بن زياد‪ .‬وقد اختلف عنه في رواية هذا الحديث ‪ ،‬ول نعرف ليمن‬
‫بن خريم سماعا من النبي صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫صفُ ِريّ ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن حبيب‬
‫وقال المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن عبيد ‪ ،‬حدثنا سفيان ال ُع ْ‬
‫ابن النعمان السدي ‪ ،‬عن خريم بن فاتك (‪ )2‬السدي قال ‪ :‬صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫الصبح ‪ ،‬فلما انصرف قام قائما فقال ‪" :‬عدلت شهادة الزور الشراك بال ‪ ،‬عز وجل" ‪ ،‬ثم تل‬
‫ن وَاجْتَنِبُوا َق ْولَ الزّورِ حُ َنفَاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْ ِركِينَ ِبهِ } (‪.)3‬‬
‫هذه الية ‪ { :‬فَاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الوْثَا ِ‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن عاصم بن أبي النجود ‪ ،‬عن وائل بن ربيعة ‪ ،‬عن ابن مسعود أنه قال ‪:‬‬
‫تعدل شهادة الزور بالشرك بال ‪ ،‬ثم قرأ هذه الية (‪.)4‬‬
‫وقوله ‪ { :‬حُ َنفَاءَ لِلّهِ } أي ‪ :‬مخلصين له الدين ‪ ،‬منحرفين عن الباطل قصدا إلى الحق ؛ ولهذا قال‬
‫{ غَيْرَ ُمشْ ِركِينَ بِهِ }‬
‫ثم ضرب للمشرك مثل في ضلله وهلكه وبعده عن الهدى فقال ‪َ { :‬ومَنْ ُيشْ ِركْ بِاللّهِ َفكَأَ ّنمَا خَرّ‬
‫طفُهُ الطّيْرُ } ‪ ،‬أي ‪ :‬تقطعه الطيور في الهواء ‪َ { ،‬أوْ َت ْهوِي‬
‫سمَاءِ } أي ‪ :‬سقط منها ‪ { ،‬فَ َتخْ َ‬
‫مِنَ ال ّ‬
‫سحِيقٍ } أي ‪ :‬بعيد مهلك لمن هوى فيه ؛ ولهذا جاء في حديث البراء ‪" :‬إن‬
‫بِهِ الرّيحُ فِي َمكَانٍ َ‬
‫الكافر إذا توفته ملئكة الموت ‪ ،‬وصعدوا بروحه إلى السماء ‪ ،‬فل تفتح له أبواب السماء ‪ ،‬بل‬
‫تطرح روحه طرحا من هناك"‪ .‬ثم قرأ هذه الية ‪ ،‬وقد تقدم الحديث في سورة "إبراهيم" (‪)5‬‬
‫بحروفه وألفاظه وطرقه‪.‬‬
‫وقد ضرب [ال] (‪ )6‬تعالى للمشرك مثل آخر في سورة "النعام" ‪ ،‬وهو قوله ‪ُ { :‬قلْ أَ َندْعُو مِنْ‬
‫عقَابِنَا َبعْدَ إِذْ َهدَانَا اللّهُ كَالّذِي اسْ َت ْهوَتْهُ الشّيَاطِينُ فِي‬
‫دُونِ اللّهِ مَا ل يَ ْن َفعُنَا وَل َيضُرّنَا وَنُرَدّ عَلَى أَ ْ‬
‫ال ْرضِ حَيْرَانَ لَهُ َأصْحَابٌ يَدْعُونَهُ ِإلَى ا ْل ُهدَى ائْتِنَا ُقلْ إِنّ ُهدَى اللّهِ ُهوَ ا ْلهُدَى [وَُأمِرْنَا لِنُسِْلمَ لِ َربّ‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ] (‪ [ } )7‬النعام ‪.] 71 :‬‬
‫سمّى ُثمّ مَحِّلهَا‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫شعَائِرَ اللّهِ فَإِ ّنهَا مِنْ َت ْقوَى ا ْلقُلُوبِ (‪َ )32‬لكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ِإلَى َأ َ‬
‫ك َومَنْ ُي َعظّمْ َ‬
‫{ ذَِل َ‬
‫إِلَى الْبَ ْيتِ ا ْلعَتِيقِ (‪.} )33‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/178‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2299‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مقاتل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)4/321‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)17/112‬‬
‫(‪ )5‬انظر تفسير الية ‪27 :‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي الصل ‪" :‬الية"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/420‬‬

‫شعَائِرَ اللّهِ } أي ‪ :‬أوامره ‪ { ،‬فَإِ ّنهَا مِنْ َتقْوَى ا ْلقُلُوبِ } ومن ذلك‬
‫يقول تعالى ‪ :‬هذا { َومَنْ ُيعَظّمْ َ‬
‫تعظيم الهدايا والبدن ‪ ،‬كما قال الحكم ‪ ،‬عن مقْسَم ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬تعظيمها ‪ :‬استسمانها‬
‫واستحسانها‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشجّ ‪ ،‬حدثنا حفص بن غياث ‪ ،‬عن ابن أبي ليلى ‪ ،‬عن‬
‫شعَائِرَ اللّهِ } قال ‪ :‬الستسمان‬
‫ك َومَنْ ُيعَظّمْ َ‬
‫ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬ذَِل َ‬
‫والستحسان والستعظام‪.‬‬
‫وقال أبو أمامة بن سهل ‪ :‬كنا نسمن الضحية بالمدينة ‪ ،‬وكان المسلمون يُسمّنون‪ .‬رواه البخاري‬
‫(‪.)1‬‬
‫وعن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬دم عفراءَ أحبّ إلى ال من دم‬
‫سَوداوين"‪ .‬رواه أحمد ‪ ،‬وابن ماجه (‪.)2‬‬
‫قالوا ‪ :‬والعفراء هي البيضاء بياضًا ليس بناصع ‪ ،‬فالبيضاء أفضل من غيرها ‪ ،‬وغيرها يجزئ‬
‫أيضا ؛ لما ثبت في صحيح البخاري ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ضحى‬
‫بكبشين أملحين أقرنين (‪.)3‬‬
‫وعن أبي سعيد ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ضحى بكبش أقرن فَحيل (‪ )4‬يأكل في سواد‬
‫‪ ،‬وينظر في سواد ‪ ،‬ويمشي في سواد‪.‬‬
‫رواه أهل السنن ‪ ،‬وصححه الترمذي (‪ ، )5‬أي ‪ :‬بكبش أسود (‪ )6‬في هذه الماكن‪.‬‬
‫وفي سنن ابن ماجه ‪ ،‬عن أبي رافع ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ضحى بكبشين عظيمين‬
‫خصْياهما ‪ ،‬ولم‬
‫خصِيَان‪ .‬وقيل ‪ :‬اللذان ُرضّ ُ‬
‫سمينين أقرنين أملحين موجوءين (‪ .)7‬قيل ‪ :‬هما ال َ‬
‫يقطعهما (‪ ، )8‬وال أعلم‪.‬‬
‫وكذا روى أبو داود وابن ماجه عن جابر ‪ :‬ضحى رسول ال صلى ال عليه وسلم بكبشين أقرنين‬
‫أملحين موجوءين [والموجوءين قيل ‪ :‬هما الخصيين] (‪.)10( )9‬‬
‫وعن علي رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أمرنا رسولُ ال صلى ال عليه وسلم أن نستشرف العين‬
‫والذن ‪ ،‬وأل نضحي بمقابَلَة ‪ ،‬ول مدابَرَة ‪ ،‬ول شَرْقاء ‪ ،‬ول خَرْقاء‪.‬‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وأهل السنن ‪ ،‬وصححه الترمذي (‪.)11‬‬
‫ولهم عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن نُضحي (‪ )12‬بأعضب القرن والذن (‬
‫‪.)13‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪" )10/9‬فتح" معلقا‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/417‬ولم يقع لي في سنن ابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)5558‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬فحل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪ )2796‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1496‬وسنن النسائي (‪ )7/221‬وسنن‬
‫ابن ماجه برقم (‪.)3128‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬فيه نكتة سوداء"‪.‬‬
‫(‪ )7‬لم يقع في سنن ابن ماجه من حديث أبي رافع وإنما من حديث عائشة وأبي هريرة برقم (‬
‫‪ )3122‬وحديث أبي رافع رواه أحمد في المسند (‪.)6/8‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬ولم يقطعها"‬
‫(‪ )9‬زيادة من من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬سنن أبي داود برقم (‪.)2795‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪ ، )1/80‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2804‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1498‬وسنن‬
‫النسائي (‪ )7/217‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3142‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬يضحي"‪.‬‬
‫(‪ )13‬المسند (‪ )1/83‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2805‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1504‬وسنن النسائي‬
‫(‪ )7/217‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3145‬‬

‫( ‪)5/421‬‬

‫وقال سعيد بن المسيب ‪ :‬العضب ‪ :‬النصْف فأكثر‪.‬‬


‫وقال بعض أهل اللغة ‪ :‬إن كُسر قرنها العلى فهي قصماء ‪ ،‬فأما ال َعضْب فهو كسر السفل ‪،‬‬
‫وعضب الذن قطع بعضها‪.‬‬
‫وعند الشافعي أن التضحية بذلك مجزئة ‪ ،‬لكن تكره‪.‬‬
‫وقال [المام] (‪ )1‬أحمد ‪ :‬ل تجزئ الضحية بأعضب القرن والذن ؛ لهذا الحديث‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ :‬إن كان الدم يسيل من القرن لم يجزئ ‪ ،‬وإل أجزأ ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وأما المقابلة ‪ :‬فهي التي قطع مقدم أذنها ‪ ،‬والمدابرة ‪ :‬من مؤخر أذنها‪ .‬والشرقاء ‪ :‬هي التي‬
‫سمَةُ أذنها خرقا مُ َدوّرًا ‪ ،‬وال‬
‫قطعت أذنها طول قاله الشافعي‪ .‬والخرقاء ‪ :‬هي التي خَرَقت ال ّ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وعن البراء قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أربع ل تجوز في الضاحي ‪ :‬العوراء‬
‫عوَرها ‪ ،‬والمريضة البين مَرَضها ‪ ،‬والعرجاء البين ظَلَعها (‪ ، )2‬والكسيرة التي ل تُنقِي"‪.‬‬
‫البيّن َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وأهل السنن ‪ ،‬وصححه الترمذي (‪.)3‬‬
‫وهذه العيوب تنقص اللحم ‪ ،‬لضعفها وعجزها عن استكمال الرعي ؛ لن الشاء يسبقونها إلى‬
‫المرعى ‪ ،‬فلهذا ل تجزئ التضحية (‪ )4‬بها عند الشافعي وغيره من الئمة ‪ ،‬كما هو ظاهر‬
‫الحديث‪.‬‬
‫واختلف قول الشافعي في المريضة مرضًا يسيرًا ‪ ،‬على قولين‪.‬‬
‫وروى أبو داود ‪ ،‬عن عُتبة بن عبد السّلَمي ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن‬
‫ال ُمصْفَ َرةِ ‪ ،‬والمستأصَلَة ‪ ،‬والبَخْقاء ‪ ،‬والمشيّعة ‪ ،‬والكسراء (‪.)6( )5‬‬
‫فالمصفرة قيل ‪ :‬الهزيلة‪ .‬وقيل ‪ :‬المستأصلة الذنُ‪ .‬والمستأصلة ‪ :‬المكسورة القرن‪ .‬والبخقاء ‪:‬‬
‫هي العوراء‪ .‬والمشيعة ‪ :‬هي التي ل تزال تُشَيّع خَلفَ الغنم ‪ ،‬ول تَتْبَع لضعفها‪ .‬والكسراء ‪:‬‬
‫العرجاء‪.‬‬
‫فهذه العيوب كلها مانعة [من الجزاء ‪ ،‬فإن طرأ العيب] (‪ )7‬بعد تعيين الضحية فإنه ل يضر‬
‫عيبه عند الشافعي خلفا لبي حنيفة‪.‬‬
‫وقد روى المامُ أحمد ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬اشتريت كبشا أضحي به ‪ ،‬فعدا الذئب فأخذ اللية‪.‬‬
‫فسألت النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬ضَحّ به" (‪ )8‬ولهذا [جاء] (‪ )9‬في الحديث ‪ :‬أمرنا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أن نستشرف العين والذن‪ .‬أي ‪ :‬أن تكون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عرجها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )4/284‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2802‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1497‬وسنن النسائي‬
‫(‪ )7/215‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3144‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬الضحية"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الكسرة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود برقم (‪.)2803‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)3/32‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)5/422‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الهدية أو الضحية سمينة حسنة ثمينة ‪ ،‬كما رواه المام أحمد وأبو داود ‪ ،‬عن عبد ال بن عمر‬
‫قال ‪ :‬أهدى عمر نَجيبًا ‪ ،‬فأعطى بها ثلثمائة دينار ‪ ،‬فأتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬إني أهديت نجيبًا ‪ ،‬فأعطِيتُ بها ثلثمائة دينار ‪ ،‬أفأبيعها وأشتري بثمنها بدْنًا ؟ قال ‪:‬‬
‫"ل انحرها إياها" (‪.)1‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬البدن من شعائر ال‪.‬‬
‫وقال محمد بن أبي موسى ‪ :‬الوقوف ومزدلفة والجمار والرمي والبدن والحلق ‪ :‬من شعائر ال‪.‬‬
‫وقال ابن عمر ‪ :‬أعظم الشعائر البيت‪.‬‬
‫قوله ‪َ { :‬لكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } أي ‪ :‬لكم في البدن منافع ‪ ،‬من لبنها ‪ ،‬وصوفها وأوبارها وأشعارها ‪،‬‬
‫وركوبها‪.‬‬
‫جلٍ‬
‫سمّى } ‪ :‬قال ِمقْسَم ‪ ،‬عن ابن عباس [في قوله] (‪َ { : )2‬لكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى َأ َ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫{ إِلَى َأ َ‬
‫سمّى } قال ‪ :‬ما لم يسم بدنا‪.‬‬
‫مُ َ‬
‫سمّى } ‪ ،‬قال ‪ :‬الركوب واللبن والولد ‪ ،‬فإذا‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪َ { :‬لكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ِإلَى َأ َ‬
‫سمّيت بَدنَةً أو هَديًا ‪ ،‬ذهب ذلك كله‪ .‬وكذا قال عطاء ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪[ ،‬ومقاتل] (‪)3‬‬
‫ُ‬
‫وعطاء الخراساني ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل له أن ينتفع بها وإن كانت هديا ‪ ،‬إذا احتاج إلى ذلك ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين‬
‫عن أنس ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى رجل يسوق بدَ َنةً ‪ ،‬قال ‪" :‬اركبها"‪ .‬قال ‪ :‬إنها‬
‫بَدنَة‪ .‬قال ‪" :‬اركبها ‪ ،‬ويحك" ‪ ،‬في الثانية أو الثالثة (‪.)4‬‬
‫وفي رواية لمسلم ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬اركبها بالمعروف‬
‫إذا ألجئتَ إليها" (‪.)5‬‬
‫حذْف ‪ ،‬عن علي ؛ أنه رأى رجل‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن زهير بن أبي ثابت العمى ‪ ،‬عن المغيرة بن َ‬
‫يسوق بدنة ومعها ولدها ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل تشرب من لبنها إل ما فضل عن ولدها ‪ ،‬فإذا كان يوم النحر‬
‫فاذبحها وولدَها‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ مَحِّلهَا إِلَى الْبَ ْيتِ ا ْلعَتِيقِ } أي ‪ :‬مَحِل الهدي وانتهاؤه إلى البيت العتيق ‪ ،‬وهو‬
‫الكعبة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬هدْيًا بَالِغَ ا ْل َكعْبَةِ } [ المائدة ‪ ، ] 95 :‬وقال { وَا ْلهَ ْديَ َم ْعكُوفًا أَنْ يَ ْبلُغَ‬
‫مَحِلّهُ } [ الفتح ‪.]25 :‬‬
‫وقد تقدم الكلم على معنى "البيت العتيق" قريبا ‪ ،‬ول الحمد (‪.)6‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن عطاء ‪ :‬كان ابن عباس يقول ‪ :‬كل من طاف بالبيت ‪ ،‬فقد حل ‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى ‪ { :‬ثُمّ مَحِّلهَا إِلَى الْبَ ْيتِ ا ْلعَتِيقِ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )2/145‬وسنن أبي داود برقم (‪.)1756‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )1690‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1323‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)1323‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وال أعلم"‪.‬‬

‫( ‪)5/423‬‬

‫حدٌ فَلَهُ‬
‫سكًا لِ َي ْذكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَى مَا رَ َز َقهُمْ مِنْ َبهِيمَةِ الْأَ ْنعَامِ فَإَِل ُهكُمْ إِلَ ٌه وَا ِ‬
‫جعَلْنَا مَنْ َ‬
‫وَِلكُلّ ُأمّةٍ َ‬
‫أَسِْلمُوا وَبَشّرِ ا ْل ُمخْبِتِينَ (‪ )34‬الّذِينَ إِذَا ُذكِرَ اللّ ُه َوجَِلتْ قُلُو ُبهُمْ وَالصّابِرِينَ عَلَى مَا َأصَا َبهُمْ‬
‫وَا ْلمُقِيمِي الصّلَاةِ َومِمّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْنفِقُونَ (‪)35‬‬

‫حدٌ فَلَهُ‬
‫سكًا لِيَ ْذكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَى مَا رَ َز َقهُمْ مِنْ َبهِيمَةِ ال ْنعَامِ فَإَِل ُهكُمْ إِلَ ٌه وَا ِ‬
‫جعَلْنَا مَنْ َ‬
‫{ وَِل ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫أَسِْلمُوا وَبَشّرِ ا ْل ُمخْبِتِينَ (‪ )34‬الّذِينَ إِذَا ُذكِرَ اللّ ُه َوجَِلتْ قُلُو ُبهُمْ وَالصّابِرِينَ عَلَى مَا َأصَا َبهُمْ‬
‫وَا ْلمُقِيمِي الصّلةِ َو ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْنفِقُونَ (‪.} )35‬‬
‫يخبر تعالى أنه لم يَزَل ذبحُ المناسك وإراقةُ الدماء على اسم ال مشروعًا في جميع الملل‪.‬‬
‫سكًا } قال ‪ :‬عيدًا‪.‬‬
‫جعَلْنَا مَنْ َ‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَِل ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫سكًا } ‪ ،‬إنها مكة ‪ ،‬لم‬
‫جعَلْنَا مَنْ َ‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬ذبحا‪ .‬وقال زيد بن أسلم في قوله ‪ { :‬وَِل ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫يجعل ال لمة قط منسكا غيرها‪.‬‬
‫[وقوله] (‪ { : )1‬لِيَ ْذكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَى مَا رَ َز َقهُمْ مِنْ َبهِيمَةِ ال ْنعَامِ } ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين‬
‫عن أنس قال ‪ :‬أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ‪ ،‬فسمّى وكبر ‪،‬‬
‫صفَاحهما (‪.)2‬‬
‫ووضع رجله على ِ‬
‫وقال المام أحمد بن حنبل ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أنبأنا سَلم بن مسكين ‪ ،‬عن عائذ ال‬
‫المجاشعي ‪ ،‬عن أبي داود ‪ -‬وهو ُنفَيْع بن الحارث ‪ -‬عن زيد بن أرقم قال ‪ :‬قلت ‪ -‬أو ‪ :‬قالوا ‪-‬‬
‫‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما هذه الضاحي ؟ قال ‪" :‬سنة أبيكم إبراهيم"‪ .‬قالوا ‪ :‬ما لنا منها ؟ قال ‪" :‬بكل‬
‫شعرة حسنة" قالوا ‪ :‬فالصوف ؟ قال ‪" :‬بكل شعرة من الصوف حسنة"‪.‬‬
‫وأخرجه المام أبو عبد ال محمد بن يزيد ابن ماجه في سننه ‪ ،‬من حديث سلم بن مسكين ‪ ،‬به (‬
‫‪.)3‬‬
‫حدٌ فَلَهُ أَسِْلمُوا } أي ‪ :‬معبودكم واحد ‪ ،‬وإن تَنوّعَت شرائع النبياء ونَسخَ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَإَِل ُهكُمْ إِلَ ٌه وَا ِ‬
‫بعضها بعضًا ‪ ،‬فالجميع يدعون إلى عبادة ال وحده ‪ ،‬ل شريك له ‪َ { ،‬ومَا أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رَسُولٍ إِل نُوحِي (‪ )4‬إِلَيْهِ أَنّهُ ل إِلَهَ إِل أَنَا فَاعْبُدُونِ } (‪ [ )5‬النبياء ‪ .]25 :‬ولهذا قال ‪ { :‬فََلهُ‬
‫حكْمه وطاعته‪.‬‬
‫أَسِْلمُوا } أي ‪ :‬أخلصوا واستسلموا ل ُ‬
‫{ وَبَشّرِ ا ْلمُخْبِتِينَ } ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬المطمئنين ‪ ،‬وقال الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬المتواضعين‪ .‬وقال‬
‫السدي ‪ :‬الوجلين‪ .‬وقال عمرو بن أوس (‪ : )6‬المخبتون (‪ : )7‬الذين ل يَظلمون ‪ ،‬وإذا ظُلموا لم‬
‫ينتصروا‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ { :‬وَبَشّرِ ا ْلمُخْبِتِينَ } قال ‪ :‬المطمئنين الراضين بقضاء ال ‪ ،‬المستسلمين له‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )5558‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1966‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)4/368‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يوحى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬فاعبدوني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إدريس"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬المختبتين"‪.‬‬

‫( ‪)5/424‬‬

‫علَ ْيهَا صَوَافّ فَإِذَا َوجَ َبتْ جُنُو ُبهَا‬


‫سمَ اللّهِ َ‬
‫شعَائِرِ اللّهِ َلكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَا ْذكُرُوا ا ْ‬
‫جعَلْنَاهَا َلكُمْ مِنْ َ‬
‫وَالْبُدْنَ َ‬
‫شكُرُونَ (‪)36‬‬
‫ط ِعمُوا ا ْلقَانِ َع وَا ْل ُمعْتَرّ كَذَِلكَ سَخّرْنَاهَا َلكُمْ َلعَّلكُمْ َت ْ‬
‫َفكُلُوا مِ ْنهَا وََأ ْ‬

‫وأحسن ما يفسّر بما بعده وهو قوله ‪ { :‬الّذِينَ ِإذَا ُذكِرَ اللّ ُه وَجَِلتْ قُلُو ُبهُمْ } أي ‪ :‬خافت منه‬
‫قلوبُهم ‪ { ،‬وَالصّابِرِينَ عَلَى مَا َأصَا َبهُمْ } أي ‪ :‬من المصائب‪.‬‬
‫قال الحسن البصري ‪ :‬وال لتصبرنّ أو لتهلكنّ‪.‬‬
‫{ وَا ْل ُمقِيمِي الصّلةِ } ‪ :‬قرأ الجمهور بالضافة‪ .‬السبعةَ ‪ ،‬وبقيةَ العشرة أيضا‪ .‬وقرأ ابن (‪)1‬‬
‫ن الصلة" بالنصب‪.‬‬
‫سمَ ْيقَع ‪" :‬والمقيمي َ‬
‫ال ّ‬
‫وقال الحسن البصري ‪ { :‬وَا ْل ُمقِيمِي الصّلةِ } ‪ ،‬وإنما حذفت النون هاهنا تخفيفا ‪ ،‬ولو حذفت‬
‫للضافة لوجب خفض الصلة ‪ ،‬ولكن على سبيل التخفيف فنصبت‪.‬‬
‫أي ‪ :‬المؤدين حق ال فيما أوجب عليهم من أداء فرائضه ‪َ { ،‬و ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْن ِفقُونَ } أي ‪:‬‬
‫وينفقون ما آتاهم ال من طيب الرزق على أهليهم وأرقائهم وقراباتهم ‪ ،‬وفقرائهم ومحاويجهم ‪،‬‬
‫ويحسنون إلى خلق ال مع محافظتهم على حدود ال‪ .‬وهذه بخلف صفات المنافقين ‪ ،‬فإنهم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بالعكس من هذا كله ‪ ،‬كما تقدم تفسيره في سورة "براءة" [فلله الحمد والمنة] (‪.)3( )2‬‬
‫صوَافّ فَِإذَا وَجَ َبتْ‬
‫شعَائِرِ اللّهِ َلكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَا ْذكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَ ْيهَا َ‬
‫جعَلْنَاهَا َلكُمْ مِنْ َ‬
‫{ وَالْ ُبدْنَ َ‬
‫شكُرُونَ (‪.} )36‬‬
‫ط ِعمُوا ا ْلقَانِ َع وَا ْل ُمعْتَرّ كَذَِلكَ سَخّرْنَاهَا َلكُمْ َلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫جُنُو ُبهَا َفكُلُوا مِ ْنهَا وََأ ْ‬
‫يقول تعالى ممتنا على عباده فيما خلق لهم من البدن ‪ ،‬وجعلها من شعائره ‪ ،‬وهو أنه جعلها تهدى‬
‫إلى بيته الحرام ‪ ،‬بل هي أفضل ما يهدى [إلى بيته الحرام] (‪ ، )4‬كما قال تعالى ‪ { :‬ل تُحِلّوا‬
‫ي وَل ا ْلقَلئِدَ [وَل آمّينَ الْبَ ْيتَ الْحَرَامَ يَبْ َتغُونَ َفضْل مِنْ رَ ّب ِهمْ‬
‫شهْرَ الْحَرَا َم وَل ا ْلهَ ْد َ‬
‫شعَائِرَ اللّ ِه وَل ال ّ‬
‫َ‬
‫وَ ِرضْوَانًا] (‪ } )5‬الية ‪ [ :‬المائدة ‪.] 2 :‬‬
‫شعَائِرِ اللّهِ } ‪ ،‬قال ‪ :‬البقرة ‪،‬‬
‫جعَلْنَاهَا َلكُمْ مِنْ َ‬
‫قال ابن جُرَيج ‪ :‬قال عطاء في قوله ‪ { :‬وَالْبُدْنَ َ‬
‫والبعير‪ .‬وكذا رُوي عن ابن عمر ‪ ،‬وسعيد بن المسيب ‪ ،‬والحسن البصري‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬إنما‬
‫البدن من البل‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أما إطلق البَدَنة على البعير فمتفق عليه ‪ ،‬واختلفوا في صحة إطلق البدنة على البقرة ‪،‬‬
‫على قولين ‪ ،‬أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعا كما صح في الحديث‪.‬‬
‫ثم جمهور العلماء على أنه تُجزئ البدنة عن سبعة ‪ ،‬والبقرة عن سبعة ‪ ،‬كما ثبت به الحديث عند‬
‫مسلم ‪ ،‬من رواية جابر بن عبد ال [وغيره] (‪ ، )6‬قال ‪ :‬أمرنا رسولُ ال صلى ال عليه وسلم أن‬
‫نشتركَ في الضاحي ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسير الية ‪.67 :‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)5/425‬‬

‫البدنةُ عن سبعة ‪ ،‬والبقرة عن سبعة (‪.)1‬‬


‫[وقال إسحاق بنُ رَاهَويه وغيره ‪ :‬بل تُجزئ البقرة عن سبعة ‪ ،‬والبعير عن عشرة] (‪ .)2‬وقد‬
‫ورد به حديث في مسند المام أحمد ‪ ،‬وسنن النسائي ‪ ،‬وغيرهما (‪ ، )3‬فال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ل ُكمْ فِيهَا خَيْرٌ } ‪ ،‬أي ‪ :‬ثواب في الدار الخرة‪.‬‬
‫وعن سليمان بن يزيد الكعبي ‪ ،‬عن هشام بن عُ ْروَة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬أن رسول ال صلى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمِل ابن آدم يوم النحر عمل أحبّ إلى ال من هِرَاقه دم ‪ ،‬وإنه لتأتي‬
‫ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما َ‬
‫يوم القيامة بقرونها وأظلفها وأشعارها ‪ ،‬وإن الدم ليقع من ال بمكان ‪ ،‬قبل أن يقع على‬
‫الرض ‪ ،‬فطِيبُوا بها نفسا"‪ .‬رواه ابن ماجه ‪ ،‬والترمذي وحَسنه (‪.)4‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬كان أبو حاتم (‪ )5‬يستدين ويسوق البُدْن ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬تستدين وتسوق البدن ؟‬
‫فقال ‪ :‬إني سمعت ال يقول ‪َ { :‬لكُمْ فِيهَا خَيْرٌ }‬
‫وعن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما أنفقت الوَرقَ في شيء أفضلَ من‬
‫نحيرة في يوم عيد"‪ .‬رواه الدارقطني في سننه (‪.)6‬‬
‫وقال مجاهد ‪َ { :‬لكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } قال ‪ :‬أجر ومنافع‪.‬‬
‫خ ِعيّ ‪ :‬يركبها ويحلبها إذا احتاج إليها‪.‬‬
‫وقال إبراهيم النّ َ‬
‫صوَافّ } وعن [المطلب بن عبد ال بن حنطب ‪ ،‬عن] (‪)7‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَا ْذكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَ ْيهَا َ‬
‫جابر ابن عبد ال قال ‪ :‬صليتُ مع رسول ال صلى ال عليه وسلم عيدَ الضحى ‪ ،‬فلما انصرف‬
‫ح من أمتي"‪.‬‬
‫أتى بكبش فذبحه ‪ ،‬فقال ‪" :‬بسم ال وال أكبر ‪ ،‬اللهم هذا عني وعمن لم ُيضَ ّ‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي (‪.)8‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن أبي حبيب ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬ضحّى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بكبشين في يوم عيد ‪ ،‬فقال حين وجههما ‪" :‬وجهت وجهي للذي‬
‫فطر السموات والرض حنيفًا مسلمًا ‪ ،‬وما أنا من المشركين ‪ ،‬إن صلتي ونسكي ومحياي‬
‫ومماتي ل رب العالمين‪ .‬ل شريك له ‪ ،‬وبذلك أمرت ‪ ،‬وأنا أول المسلمين ‪ ،‬اللهم منك ولك ‪،‬‬
‫وعن محمد وأمته"‪ .‬ثم سمى ال وكبر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)1318‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )1/275‬وسنن النسائي (‪ )7/222‬عن عبد ال بن عباس رضي ال عنه قال ‪" :‬كنا‬
‫مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في سفر فحضر النحر فاشتركنا في البعير عن عشرة والبقرة‬
‫عن سبعة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن الترمذي برقم (‪ )1493‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3126‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أبو حازم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن الدارقطني (‪ )4/282‬من طريق إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن‬
‫ابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )3/356‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2810‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1521‬وقال الترمذي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪" :‬هذا حديث غريب من هذا الوجه"‪.‬‬

‫( ‪)5/426‬‬

‫وذبح (‪.)1‬‬
‫وعن علي بن الحسين ‪ ،‬عن أبي رافع ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا ضحى‬
‫اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ‪ ،‬فإذا صلى وخطب الناس أتى (‪ )2‬بأحدهما وهو قائم في‬
‫مصله فذبحه بنفسه بالمدية (‪ ، )3‬ثم يقول ‪" :‬اللهم هذا عن أمتي جميعها ‪ ،‬مَنْ شهد لك بالتوحيد‬
‫وشهد لي بالبلغ"‪ .‬ثم يُؤتى بالخر فيذبحه بنفسه ‪ ،‬ثم يقول ‪" :‬هذا عن محمد وآل محمد" فيُطعمها‬
‫جميعًا المساكين ‪[ ،‬ويأكل] (‪ )4‬هو وأهله منهما‪.‬‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وابن ماجه (‪.)5‬‬
‫صوَافّ } ‪،‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي ظِبْيَان ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬فَا ْذكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَ ْيهَا َ‬
‫قال ‪ :‬قيام على ثلث قوائم ‪ ،‬معقولة يدُها اليسرى ‪ ،‬يقول ‪" :‬بسم ال وال أكبر (‪ ، )6‬اللهم منك‬
‫ولك"‪ .‬وكذلك روى مجاهد ‪ ،‬وعلي بن أبي طلحة ‪ ،‬وال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬نحو هذا‪.‬‬
‫وقال ليث‪ .‬عن مجاهد ‪ :‬إذا عُقلت رجلها اليسرى قامت على ثلث‪ .‬و َروَى ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عنه ‪،‬‬
‫نحوه (‪.)7‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬تُعقل رجل (‪ )8‬واحدة فتكون على ثلث‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن ابن عمر ‪ :‬أنه أتى على رجل قد أناخ بَدَنته وهو ينحرها ‪ ،‬فقال ‪ :‬ابعثها‬
‫قيامًا مقيدة سنة أبي القاسم صلى ال عليه وسلم (‪.)9‬‬
‫وعن جابر ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابَه كانوا ينحَرون ال ُبدْن معقولةَ اليسرى ‪،‬‬
‫قائمة على ما بقي من قوائمها‪ .‬رواه أبو داود (‪.)10‬‬
‫وقال ابن َلهِيعة ‪ :‬حدثني عطاء بن دينار ‪ ،‬أن سالم بن عبد ال قال لسليمان بن عبد الملك ‪ :‬قفْ‬
‫من شقها اليمن ‪ ،‬وا ْنحَر من شقها اليسر‪.‬‬
‫ل ال صلى ال‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬في صفة حجة الوَدَاع ‪ ،‬قال فيه ‪ :‬فنحر رسو ُ‬
‫عليه وسلم بيده ثلثًا وستين بَدَنة ‪ ،‬جعل (‪ )11‬يَطعَنُها بحَربة في يده (‪.)12‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة قال ‪ :‬في حرف ابن مسعود ‪" :‬صوافن" ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫مُعقّلة (‪ )13‬قياما (‪.)14‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 162 :‬من سورة "النعام"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أمر"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بالمدينة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )6/8‬وتقدم الحديث في هذه السورة‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وال أكبر ‪ ،‬ل إله إل ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬نحو هذا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يعقل يدا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري برقم (‪ )1713‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1320‬‬
‫(‪ )10‬سنن أبي داود برقم (‪.)1767‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وجعل"‪.‬‬
‫(‪ )12‬صحيح مسلم برقم (‪.)1218‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬معلقة"‪.‬‬
‫(‪ )14‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/33‬‬

‫( ‪)5/427‬‬

‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬مَن قرأها "صوافن" قال ‪ :‬معقولة‪ .‬ومن قرأها‬
‫صوَافّ } قال ‪ :‬تصف بين يديها‪.‬‬
‫{ َ‬
‫وقال طاوس ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وغيرهما ‪" :‬فاذكروا اسم ال عليها صوافي" يعني ‪ :‬خالصة ل عز‬
‫وجل‪ .‬وكذا رواه مالك ‪ ،‬عن الزهري‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد ‪" :‬صوافيَ" ‪ :‬ليس فيها شرك كشرك الجاهلية لصنامهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَِإذَا وَجَ َبتْ جُنُو ُبهَا } قال ‪ :‬ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬يعني ‪ :‬سقطت إلى الرض‪.‬‬
‫وهو رواية عن ابن عباس ‪ ،‬وكذا قال مقاتل بن حيان‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬فَإِذَا وَجَ َبتْ جُنُو ُبهَا } يعني ‪ :‬نحرت‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ { :‬فَإِذَا وَجَ َبتْ جُنُو ُبهَا } يعني ‪ :‬ماتت‪.‬‬
‫وهذا القول هو مُرَادُ ابن عباس ومجاهد ‪ ،‬فإنه ل يجوز الكل من البَدَنة (‪ )1‬إذا نُحرت حتى‬
‫تموت وتَبْرد حركتها‪ .‬وقد جاء في حديث مرفوع ‪" :‬ول تُعجِلُوا النفوسَ أن تَزْهَق" (‪ .)2‬وقد رواه‬
‫الثوري في جامعه ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن يحيى ابن أبي كثير ‪ ،‬عن فَرافصَة الحنفي ‪ ،‬عن عمر بن‬
‫شدّاد بن أوس في صحيح مسلم ‪" :‬إن ال كتب الحسان‬
‫الخطاب ؛ أنه قال ذلك (‪ )3‬ويؤيده حديث َ‬
‫شفْرَته ‪،‬‬
‫على كل شيء ‪ ،‬فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة ‪ ،‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح (‪ )4‬ولْيُحدّ أحدكم َ‬
‫ولْيُرِحْ ذَبِيحته" (‪.)5‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وعن أبي واقد الليثي قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما قُطع من البهيمة وهي حية ‪،‬‬
‫فهو ميتة"‪.‬‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي وصححه (‪.)6‬‬
‫ط ِعمُوا ا ْلقَانِ َع وَا ْل ُمعْتَرّ َ } قال بعض السلف (‪ : )7‬قوله ‪َ { :‬فكُلُوا مِ ْنهَا }‬
‫وقوله ‪َ { :‬فكُلُوا مِ ْنهَا وَأَ ْ‬
‫أمر إباحة‪.‬‬
‫جبُ‪ .‬وهو وَجْه لبعض الشافعية‪ .‬واختلف في المراد‬
‫وقال مالك ‪ :‬يستحب ذلك‪ .‬وقال غيره ‪ :‬يَ ِ‬
‫بالقانع والمعتر ‪ ،‬فقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬القانع ‪ :‬المستغني بما أعطيته ‪ ،‬وهو في بيته‪.‬‬
‫والمعترّ ‪ :‬الذي يتعرض لك ‪ ،‬ويُلمّ بك أن تعطيه من اللحم ‪ ،‬ول يسأل‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬ومحمد‬
‫ظيّ‪.‬‬
‫بن كعب القُرَ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬البدن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارقطني في السنن (‪ )4/283‬من طريق سعيد بن سلم العطار عن عبد ال بن بديل‬
‫عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي ال عنه مرفوعا وسعيد بن سلم العطار كذبه أحمد‬
‫وابن نمير ‪ ،‬وضعف البيهقي هذا الحديث في السنن الكبرى (‪.)9/278‬‬
‫(‪ )3‬ومن طريقه رواه البيهقي في السنن الكبرى (‪.)9/278‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الذبحة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)1955‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )5/218‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2858‬وسنن الترمذي برقم (‪.)1480‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬الناس"‪.‬‬

‫( ‪)5/428‬‬

‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬القانع ‪ :‬المتعفف‪ .‬والمعتر ‪ :‬السائل‪ .‬وهذا قولُ قتادة ‪،‬‬
‫وإبراهيم النّخَعي ‪ ،‬ومجاهد في رواية عنه‪.‬‬
‫عكْ ِرمَة (‪ ، )1‬والحسن البصري ‪ ،‬وابن الكلبي ‪ ،‬ومُقَاتِل بن‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وزيد بن أسلم و ِ‬
‫حَيّان ‪ ،‬ومالك بن أنس ‪ :‬القانع ‪ :‬هو الذي َيقْنع إليك ويسألك‪ .‬والمعتر ‪ :‬الذي يعتريك ‪ ،‬يتضرع‬
‫ول يسألك‪ .‬وهذا لفظ الحسن‪.‬‬
‫شمّاخ‪َ .‬لمَالُ المَرْءِ ُيصْلِحُه‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬القانع ‪ :‬هو السائل ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما سمعت قول ال ّ‬
‫ن القُنُوع (‪)3‬‬
‫عفّ مِ َ‬
‫فَ ُيغْني‪َ ...‬مفَاقِرَه (‪ ، )2‬أَ َ‬
‫قال ‪ :‬يعني من السؤال ‪ ،‬وبه قال ابن زيد‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال زيد بن أسلم ‪ :‬القانع ‪ :‬المسكين الذي يطوف‪ .‬والمعتر ‪ :‬الصديق والضعيف (‪ )4‬الذي‬
‫يزور‪ .‬وهو رواية عن عبد ال (‪ )5‬بن زيد أيضا‪.‬‬
‫وعن مجاهد أيضا ‪ :‬القانع ‪ :‬جارك الغني [الذي يبصر ما يدخل بيتك] (‪ )6‬والمعتر ‪ :‬الذي‬
‫يعتريك (‪ )7‬من الناس‪.‬‬
‫وعنه ‪ :‬أن القانع ‪ :‬هو الطامع‪ .‬والمعتر ‪ :‬هو الذي َيعْتَر بالبُدْن من غني أو فقير‪.‬‬
‫وعن عكرمة نحوه ‪ ،‬وعنه القانع ‪ :‬أهل مكة‪.‬‬
‫واختار ابنُ جرير أنّ القانع ‪ :‬هو السائل ؛ لنه من أقنع بيده إذا رفعها للسؤال ‪ ،‬والمعتر من‬
‫العترار ‪ ،‬وهو ‪ :‬الذي يتعرض لكل اللحم‪.‬‬
‫وقد احتج بهذه الية الكريمة مَن ذهب من العلماء إلى أن الضحية تُجزّأ ثلثة أجزاء ‪ :‬فثلث‬
‫لصاحبها يأكله [منها] (‪ ، )8‬وثلث يهديه لصحابه ‪ ،‬وثلث يتصدق به على الفقراء ؛ لنه تعالى‬
‫ط ِعمُوا ا ْلقَانِعَ وَا ْل ُمعْتَرّ }‪ .‬وفي الحديث الصحيح ‪ :‬أن رسول ال صلى ال‬
‫قال ‪َ { :‬فكُلُوا مِ ْنهَا وَأَ ْ‬
‫عليه وسلم قال للناس ‪" :‬إني كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الضاحي فوق ثلث ‪ ،‬فكلوا وادخروا‬
‫ما بدا لكم" (‪ )9‬وفي رواية ‪" :‬فكلوا وادخروا وتصدقوا"‪ .‬وفي رواية ‪" :‬فكلوا وأطعموا وتصدقوا"‬
‫(‪.)10‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬إن المضحي يأكل النصف ويتصدق بالنصف ‪ ،‬لقوله في الية المتقدمة ‪َ { :‬فكُلُوا‬
‫ط ِعمُوا الْبَائِسَ ا ْل َفقِيرَ } [الحج ‪ ، ]28 :‬ولقوله في الحديث ‪" :‬فكلوا وادخروا وتصدقوا"‪.‬‬
‫مِ ْنهَا وَأَ ْ‬
‫فإن أكل الكل فقيل (‪ : )11‬ل يضمن شيئا‪ .‬وبه قال ابن سُرَيج من الشافعية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وعكرمة وزيد بن أسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مفاقه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيت في ديوانه (ص ‪ )221‬أ‪.‬هـ مستفادا من حاشية الشعب‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬والضيف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عن أبيه عبد الرحمن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬يعتزل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم برقم (‪ )977‬من حديث بريدة بن الحصيب رضي ال عنه‬
‫(‪ )10‬رواه مالك في الموطأ (‪ )2/484‬من حديث جابر رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪" .‬فقد فقيل"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/429‬‬

‫وقال بعضهم ‪ :‬يضمنها كلها بمثلها أو قيمتها‪ .‬وقيل ‪ :‬يضمن نصفها‪ .‬وقيل ‪ :‬ثلثها‪ .‬وقيل ‪ :‬أدنى‬
‫جزء منها‪ .‬وهو المشهور من مذهب الشافعي‪.‬‬
‫وأما الجلود ‪ ،‬ففي مسند أحمد عن قتادة ابن النعمان في حديث الضاحي ‪" :‬فكلوا وتصدقوا ‪،‬‬
‫واستمتعوا بجلودها ‪ ،‬ول تبيعوها" (‪.)1‬‬
‫ومن العلماء من رخص [في ذلك] (‪ ، )2‬ومنهم من قال ‪ :‬يقاسم الفقراء ثمنها ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫[مسألة] (‪.)3‬‬
‫عن البراء بن عازب قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن أول ما نبدأ (‪ )4‬به في‬
‫يومنا هذا أن نصلي ‪ ،‬ثم نرجع فننحر‪ .‬فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ‪ ،‬ومن ذبح قبل الصلة‬
‫فإنما هو لحم [عجله] (‪ )5‬لهله ‪ ،‬ليس من النسك في شيء" أخرجاه (‪.)6‬‬
‫فلهذا قال الشافعي وجماعة من العلماء ‪ :‬إن أول وقت الضحى إذا طلعت الشمس يوم النحر ‪،‬‬
‫ومضى قدر صلة العيد والخطبتين‪ .‬زاد أحمد ‪ :‬وأن يذبح المام بعد ذلك ‪ ،‬لما جاء في صحيح‬
‫مسلم ‪ :‬وأل تذبحوا حتى يذبح المام" (‪.)7‬‬
‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬أما أهل السواد من القرى ونحوهم (‪ ، )8‬فلهم أن يذبحوا بعد طلوع الفجر ‪ ،‬إذ‬
‫ل صلة عيد (‪ )9‬عنده لهم‪ .‬وأما أهل المصار فل يذبحوا حتى يصلي المام ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ثم قيل ‪ :‬ل يشرع الذبح إل يوم النحر وحده‪ .‬وقيل ‪ :‬يوم النحر لهل المصار ‪ ،‬لتيسر (‪)10‬‬
‫الضاحي عندهم ‪ ،‬وأما أهل القرى فيوم النحر وأيام التشريق بعده ‪ ،‬وبه قال سعيد بن جبير‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬يوم النحر ‪ ،‬ويوم بعده للجميع‪ .‬وقيل ‪ :‬ويومان بعده ‪ ،‬وبه قال أحمد‪ .‬وقيل ‪ :‬يوم النحر‬
‫وثلثة أيام التشريق بعده ‪ ،‬وبه قال الشافعي ؛ لحديث جبير بن مطعم ‪ :‬أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬وأيام التشريق كلها ذبح"‪ .‬رواه أحمد وابن حبان (‪.)11‬‬
‫خ ِعيّ ‪ ،‬وأبو سلمة بن عبد‬
‫وقيل ‪ :‬إن وقت الذبح يمتد إلى آخر ذي الحجة ‪ ،‬وبه قال إبراهيم النّ َ‬
‫الرحمن‪ .‬وهو قول غريب‪.‬‬
‫سخّرْنَاهَا َلكُم } أي‬
‫شكُرُونَ } ‪ :‬يقول تعالى ‪ :‬من أجل هذا { َ‬
‫وقوله ‪ { :‬كَ َذِلكَ سَخّرْنَاهَا َلكُمْ َلعَّل ُكمْ تَ ْ‬
‫‪ :‬ذللناها لكم ‪ ،‬أي ‪ :‬جعلناها منقادة لكم خاضعة ‪ ،‬إن شئتم ركبتم ‪ ،‬وإن شئتم حلبتم ‪ ،‬وإن شئتم‬
‫عمَِلتْ أَ ْيدِينَا أَ ْنعَامًا َفهُمْ َلهَا مَاِلكُونَ‪ .‬وَذَلّلْنَاهَا‬
‫ذبحتم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّا خََلقْنَا َلهُمْ ِممّا َ‬
‫شكُرُونَ } [ يس ‪، ] 73 - 71 :‬‬
‫َلهُمْ َفمِ ْنهَا َركُو ُبهُ ْم َومِ ْنهَا يَ ْأكُلُونَ‪ .‬وََلهُمْ فِيهَا مَنَافِ ُع َومَشَا ِربُ َأفَل يَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)4/15‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يبدأ‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬يبديه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )5545‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1961‬‬
‫(‪ )7‬لم يقع لي في مسلم هذا اللفظ وينظر صحيح مسلم (‪.)3/1551‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬وغيرها"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عيد تشرع"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬لتيسر"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪.)4/82‬‬

‫( ‪)5/430‬‬

‫علَى مَا‬
‫سخّرَهَا َل ُكمْ لِ ُتكَبّرُوا اللّهَ َ‬
‫لَنْ يَنَالَ اللّهَ لُحُو ُمهَا وَلَا ِدمَاؤُهَا وََلكِنْ يَنَالُهُ ال ّت ْقوَى مِ ْنكُمْ كَذَِلكَ َ‬
‫هَدَا ُك ْم وَبَشّرِ ا ْل ُمحْسِنِينَ (‪)37‬‬

‫شكُرُونَ }‬
‫سخّرْنَاهَا َل ُكمْ َلعَّلكُمْ َت ْ‬
‫وقال في هذه الية الكريمة ‪ { :‬كَذَِلكَ َ‬
‫{ لَنْ يَنَالَ اللّهَ ُلحُو ُمهَا وَل ِدمَاؤُهَا وََلكِنْ يَنَالُهُ ال ّت ْقوَى مِ ْنكُمْ كَذَِلكَ سَخّرَهَا َلكُمْ لِ ُتكَبّرُوا اللّهَ عَلَى مَا‬
‫هَدَا ُك ْم وَبَشّرِ ا ْل ُمحْسِنِينَ (‪.} )37‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا ‪ ،‬لتذكروه عند ذبحها ‪ ،‬فإنه الخالق الرازق‬
‫(‪ )1‬ل أنه يناله شيء من لحومها ول دمائها ‪ ،‬فإنه تعالى هو الغني عما سواه‪.‬‬
‫وقد كانوا في جاهليتهم إذا ذبحوها للهتهم وضعوا عليها من لحوم قرابتنهم ‪ ،‬ونضحوا عليها من‬
‫دمائها ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬لَنْ يَنَالَ اللّهَ لُحُو ُمهَا وَل ِدمَاؤُهَا }‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن أبي حماد ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن‬
‫المختار ‪ ،‬عن ابن جريج قال ‪ :‬كان أهل الجاهلية ينضحون البيت بلحوم البل ودمائها ‪ ،‬فقال‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فنحن أحق أن ننضح ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬لَنْ يَنَالَ اللّهَ‬
‫لُحُو ُمهَا وَل ِدمَاؤُهَا وََلكِنْ يَنَاُلهُ ال ّت ْقوَى مِ ْنكُمْ } أي ‪ :‬يتقبل ذلك ويجزي عليه‪.‬‬
‫كما جاء في الصحيح ‪" :‬إن ال ل ينظر إلى صوركم ول إلى أموالكم (‪ ، )2‬ولكن ينظر إلى‬
‫قلوبكم وأعمالكم" (‪ )3‬وما جاء في الحديث ‪" :‬إن الصدقة تقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد‬
‫السائل ‪ ،‬وإن الدم ليقع من ال بمكان قبل أن يقع على الرض" كما تقدم الحديث‪ .‬رواه (‪ )4‬ابن‬
‫ماجه ‪ ،‬والترمذي وحَسّنه عن عائشة مرفوعا‪ .‬فمعناه ‪ :‬أنه سيق لتحقيق القبول من ال لمن أخلص‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في عمله ‪ ،‬وليس له معنى يتبادر عند العلماء المحققين سوى هذا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال َوكِيع ‪ ،‬عن [يحيى] (‪ )5‬بن مسلم أبي الضحاك ‪ :‬سألت عامرًا الشعبي عن جلود الضاحي ‪،‬‬
‫فقال ‪ { :‬لَنْ يَنَالَ اللّهَ لُحُو ُمهَا وَل ِدمَاؤُهَا } ‪ ،‬إن شئت فبع ‪ ،‬وإن شئت فأمسك ‪ ،‬وإن شئت‬
‫فتصدق‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬كَ َذِلكَ سَخّ َرهَا َلكُمْ } أي ‪ :‬من أجل ذلك سخر (‪ )6‬لكم البُدن ‪ { ،‬لِ ُتكَبّرُوا اللّهَ عَلَى مَا‬
‫هَدَا ُكمْ } أي ‪ :‬لتعظموه كما هداكم لدينه وشرعه وما يحبه ‪ ،‬وما يرضاه ‪ ،‬ونهاكم عن فعل ما‬
‫يكرهه ويأباه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَبَشّرِ ا ْلمُحْسِنِينَ } أي ‪ :‬وبشر يا محمد المحسنين ‪ ،‬أي ‪ :‬في عملهم ‪ ،‬القائمين بحدود‬
‫ال ‪ ،‬المتبعين ما شَرَع لهم ‪ ،‬المصدقين الرسولَ فيما أبلغهم وجاءهم به من عند ربه عز وجل‪.‬‬
‫[مسألة] (‪.)7‬‬
‫وقد ذهب أبو حنيفة ومالك والثوري إلى القول (‪ )8‬بوجوب الضحية على من ملك نصابا ‪ ،‬وزاد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الرزاق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ألوانكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)2564‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬سخرناها"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬بالقول"‪.‬‬

‫( ‪)5/431‬‬

‫أبو حنيفة اشتراط القامة أيضًا‪ .‬واحتج لهم بما رواه أحمد وابن ماجه بإسناد رجاله كلهم ثقات ‪،‬‬
‫سعَة فلم ُيضَحّ ‪ ،‬فل يقربن ُمصَلنا" (‪ )1‬على أن فيه غرابة ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة مرفوعا ‪" :‬من وجد َ‬
‫واستنكره أحمد بن حنبل (‪.)2‬‬
‫وقال ابن عمر ‪ :‬أقام رسول ال صلى ال عليه وسلم عشر سنين يضحي‪ .‬رواه الترمذي (‪.)3‬‬
‫وقال الشافعي ‪ ،‬وأحمد ‪ :‬ل تجب الضحية ‪ ،‬بل هي مستحبة ؛ لما جاء في الحديث ‪" :‬ليس في‬
‫المال حق سوى الزكاة" (‪ .)4‬وقد تقدم أنه ‪ ،‬عليه السلم (‪ )5‬ضحى عن أمته فأسقط ذلك وجوبها‬
‫عنهم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال أبو سَريحةَ ‪ :‬كنت جارًا لبي بكر وعمر ‪ ،‬فكانا ل يضحيان خشية أن يقتدي الناس بهما‪.‬‬
‫وقال بعض الناس ‪ :‬الضحية سنة كفاية ‪ ،‬إذا قام بها واحد من أهل دار أو محلة ‪ ،‬سقطت عن‬
‫الباقين ؛ لن المقصود إظهار الشعار‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد ‪ ،‬وأهل السنن ‪ -‬وحسنه الترمذي ‪ -‬عن مِخْنَف بن سليم ؛ أنه سمع رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يقول بعرفات ‪" :‬على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعَتِيرة ‪ ،‬هل‬
‫تدرون ما العتيرة ؟ هي (‪ )6‬التي تدعونها الرّجبية"‪ .‬وقد تكلم في إسناده (‪.)7‬‬
‫وقال أبو أيوب ‪ :‬كان الرجل في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم يضحي بالشاة الواحدة عنه‬
‫وعن أهل بيته ‪ ،‬يأكلون ويطعمون [حتى تباهي] (‪ )8‬الناس فصار كما ترى‪.‬‬
‫رواه الترمذي وصححه ‪ ،‬وابن ماجه (‪.)9‬‬
‫وكان عبد ال بن هشام يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫وأما مقدار سِنّ الضحية ‪ ،‬فقد روى مسلم عن جابر ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"ل تذبحوا إل مُسِنّة ‪ ،‬إل أن يعسر عليكم ‪ ،‬فتذبحوا جذعة من الضأن" (‪.)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )2/321‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3123‬‬
‫(‪ )2‬في إسناده عبد ال بن عياش ‪ ،‬قال البوصيري في الزوائد (‪" : )3/50‬وإن روى له مسلم‬
‫فإنما روى له في المتابعات والشواهد فقد ضعفه أبو داود والنسائي ‪ ،‬وقال أبو حاتم ‪ ،‬وابن يونس‬
‫‪ :‬منكر الحديث وذكره ابن حبان في الثقات"‪ .‬ثم نقل عن البيهقي أنه بلغه عن الترمذي ‪ :‬أن‬
‫الصحيح عن أبي هريرة موقوف أ‪ .‬هـ‪.‬‬
‫ويمكن أن يجاب بأن هذا الحديث ل يدل على الوجوب ‪ ،‬كما في حديث ‪" :‬من أكل الثوم فل‬
‫يقربن مصلنا" ذكر ذلك ابن الجوزي وهناك ل يلزم استنكاره‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪ )1507‬وحسنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجه في السنن برقم (‪ )1789‬من حديث فاطمة بنت قيس رضي ال عنها‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬هي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )4/125‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2788‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1518‬وسنن النسائي‬
‫(‪ )7/167‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3125‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن الترمذي برقم (‪ )1505‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3147‬‬
‫(‪ )10‬صحيح مسلم برقم (‪.)1963‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/432‬‬

‫خوّانٍ َكفُورٍ (‪)38‬‬


‫حبّ ُكلّ َ‬
‫إِنّ اللّهَ يُدَافِعُ عَنِ الّذِينَ َآمَنُوا إِنّ اللّهَ لَا يُ ِ‬

‫ومن هاهنا ذهب الزهري إلى أن الج َذعَ ل يجزئ‪ .‬وقابله الوزاعي فذهب إلى أن الجَذَع يجزئ‬
‫من كل جنس ‪ ،‬وهما غريبان‪ .‬وقال الجمهور ‪ :‬إنما يجزئ الثّني من البل والبقر والمعز ‪،‬‬
‫والجذع من الضأن ‪ ،‬فأما الثني من البل ‪ :‬فهو الذي له خمس سنين ‪ ،‬ودخل في السادسة‪ .‬ومن‬
‫البقر ‪ :‬ما له [سنتان] (‪ )1‬ودخل في [الثالثة] (‪ ، )2‬وقيل ‪[ :‬ما له] (‪ )3‬ثلث [ودخل في] (‪)4‬‬
‫الرابعة‪ .‬ومن المعز ‪ :‬ما له سنتان‪ .‬وأما الجذع من الضأن فقيل ‪ :‬ما له سنة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬عشرة‬
‫حمَل‬
‫أشهر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ثمانية أشهر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ستة أشهر ‪ ،‬وهو أقل ما قيل في سِنّه ‪ ،‬وما دونه فهو َ‬
‫‪ ،‬والفرق بينهما ‪ :‬أن الحمل شعر ظهره قائم ‪ ،‬والجذَع شعر ظهره نائم ‪ ،‬قد انعدل صدْعين ‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫خوّانٍ َكفُورٍ (‪.} )38‬‬
‫حبّ ُكلّ َ‬
‫{ إِنّ اللّهَ ُيدَافِعُ عَنِ الّذِينَ آمَنُوا إِنّ اللّهَ ل يُ ِ‬
‫يخبر تعالى أنه يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابوا إليه شر الشرار وكيد الفجار ‪،‬‬
‫ويحفظهم ويكلؤهم وينصرهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬أَلَيْسَ اللّهُ ِبكَافٍ عَ ْب َدهُ } [ الزمر ‪ ] 36 :‬وقال ‪:‬‬
‫شيْءٍ قَدْرًا } [ الطلق ‪:‬‬
‫ج َعلَ اللّهُ ِل ُكلّ َ‬
‫{ َومَنْ يَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ َف ُهوَ حَسْ ُبهُ إِنّ اللّهَ بَالِغُ َأمْ ِرهِ َقدْ َ‬
‫‪.] 3‬‬
‫خوّانٍ َكفُورٍ } أي ‪ :‬ل يحب من عباده من اتصف بهذا ‪ ،‬وهو‬
‫حبّ ُكلّ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ل يُ ِ‬
‫الخيانة في العهود والمواثيق ‪ ،‬ل يفي بما قال‪ .‬والكفر (‪ : )5‬الجحد للنعم ‪ ،‬فل يعترف بها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬والكفور"‪.‬‬

‫( ‪)5/433‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ظِلمُوا وَإِنّ اللّهَ عَلَى َنصْرِهِمْ َلقَدِيرٌ (‪ )39‬الّذِينَ أُخْ ِرجُوا مِنْ دِيَارِ ِهمْ ِبغَيْرِ‬
‫أُذِنَ ِللّذِينَ ُيقَاتَلُونَ بِأَ ّنهُمْ ُ‬
‫صوَامِ ُع وَبِيَ ٌع َوصَلَوَاتٌ‬
‫ت َ‬
‫ضهُمْ بِ َب ْعضٍ َلهُ ّد َم ْ‬
‫حقّ إِلّا أَنْ َيقُولُوا رَبّنَا اللّهُ وَلَوْلَا َدفْعُ اللّهِ النّاسَ َب ْع َ‬
‫َ‬
‫سمُ اللّهِ كَثِيرًا وَلَيَ ْنصُرَنّ اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُرهُ إِنّ اللّهَ َل َق ِويّ عَزِيزٌ (‪)40‬‬
‫َومَسَاجِدُ يُ ْذكَرُ فِيهَا ا ْ‬

‫{ ُأذِنَ لِلّذِينَ ُيقَاتَلُونَ بِأَ ّنهُمْ ظُِلمُوا وَإِنّ اللّهَ عَلَى َنصْرِ ِهمْ َلقَدِيرٌ (‪ )39‬الّذِينَ ُأخْرِجُوا مِنْ دِيَا ِرهِمْ ِبغَيْرِ‬
‫صوَامِ ُع وَبِيَ ٌع َوصَلَوَاتٌ‬
‫ت َ‬
‫ضهُمْ بِ َب ْعضٍ َلهُ ّد َم ْ‬
‫حقّ إِل أَنْ َيقُولُوا رَبّنَا اللّ ُه وََلوْل َدفْعُ اللّهِ النّاسَ َب ْع َ‬
‫َ‬
‫سمُ اللّهِ كَثِيرًا وَلَيَ ْنصُرَنّ اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُرهُ إِنّ اللّهَ َل َق ِويّ عَزِيزٌ (‪.} )40‬‬
‫َومَسَاجِدُ يُ ْذكَرُ فِيهَا ا ْ‬
‫قال العَوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬نزلت في محمد وأصحابه حين أخرجوا من مكة‪.‬‬
‫وقال غير واحد من السلف (‪ )1‬هذه أول آية نزلت في الجهاد ‪ ،‬واستدل بهذه الية بعضهم على‬
‫أن السورة مدنية ‪ ،‬وقاله مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يحيى بن داود الواسطي ‪ :‬حدثنا إسحاق بن يوسف ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن مسلم ‪ -‬هو ال َبطِين ‪ -‬عن سعيد بن جُبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما أخرج (‪)2‬‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم من مكة قال أبو بكر ‪ :‬أخرجوا نبيهم‪ .‬إنا ل وإنا إليه راجعون ‪،‬‬
‫ظِلمُوا وَإِنّ اللّهَ عَلَى‬
‫ليهلكُن‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬فأنزل ال عز وجل ‪ { :‬أُذِنَ ِللّذِينَ ُيقَاتَلُونَ بِأَ ّنهُمْ ُ‬
‫َنصْرِهِمْ َلقَدِيرٌ } ‪ ،‬قال أبو بكر ‪ ،‬رضي ال تعالى عنه ‪ :‬فعرفت أنه سيكون قتال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال مجاهد والضحاك وقتادة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬خرج"‪.‬‬

‫( ‪)5/433‬‬

‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬عن إسحاق بن يوسف الزرق ‪ ،‬به (‪ )1‬وزاد ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬وهي أول‬
‫آية نزلت في القتال‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬والنسائي في التفسير من سننيهما ‪ ،‬وابن أبي حاتم (‪ )2‬من حديث إسحاق بن‬
‫يوسف ‪ -‬زاد الترمذي ‪ :‬ووَكِيع ‪ ،‬كلهما عن سفيان الثوري ‪ ،‬به‪ .‬وقال الترمذي ‪ :‬حديث‬
‫حسن ‪ ،‬وقد رواه غير واحد ‪ ،‬عن الثوري ‪ ،‬وليس فيه ابن عباس (‪.)3‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّ اللّهَ عَلَى َنصْرِهِمْ َلقَدِيرٌ } أي ‪ :‬هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال ‪،‬‬
‫ولكن هو يريد من عباده أن يبلوا (‪ )4‬جهدهم في طاعته ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬فَإِذا َلقِيتُمُ الّذِينَ َكفَرُوا‬
‫شدّوا ا ْلوَثَاقَ فَِإمّا مَنّا َبعْ ُد وَِإمّا ِفدَاءً حَتّى َتضَعَ الْحَ ْربُ‬
‫َفضَ ْربَ ال ّرقَابِ حَتّى ِإذَا أَ ْثخَنْ ُتمُوهُمْ فَ ُ‬
‫ض وَالّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ‬
‫ضكُمْ بِ َب ْع ٍ‬
‫ك وََلوْ يَشَاءُ اللّهُ لنْتَصَرَ مِ ْنهُ ْم وََلكِنْ لِيَبُْلوَ َب ْع َ‬
‫َأوْزَارَهَا ذَِل َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمَاَل ُهمْ‪ .‬سَ َيهْدِيهِمْ وَ ُيصْلِحُ بَاَل ُه ْم وَيُدْخُِل ُهمُ ا ْلجَنّةَ عَ ّر َفهَا َلهُمْ } [ محمد ‪ ، ] 6 - 4 :‬وقال‬
‫ضلّ أَ ْ‬
‫ُي ِ‬
‫صدُورَ َقوْمٍ ُمؤْمِنِينَ‪.‬‬
‫شفِ ُ‬
‫تعالى ‪ { :‬قَاتِلُوهُمْ ُيعَذّ ْبهُمُ اللّهُ بِأَيْدِي ُكمْ (‪ )5‬وَيُخْ ِزهِ ْم وَيَ ْنصُ ْركُمْ عَلَ ْيهِمْ وَيَ ْ‬
‫حكِيمٌ } [ التوبة ‪ ، ] 15 ، 14 :‬وقال ‪:‬‬
‫وَيُذْ ِهبْ غَيْظَ قُلُو ِبهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَنْ َيشَا ُء وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫خذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَل رَسُولِهِ وَل‬
‫حسِبْتُمْ أَنْ تُتْ َركُوا وََلمّا َيعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِ ْنكُ ْم وََلمْ يَتّ ِ‬
‫{ َأمْ َ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَلِيجَ ًة وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ } [ التوبة ‪ { ، ] 16 :‬أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَ ْدخُلُوا الْجَنّ َة وََلمّا َيعْلَمِ‬
‫[ اللّهُ ] (‪ )6‬الّذِينَ جَا َهدُوا مِ ْنكُ ْم وَ َيعْلَمَ الصّابِرِينَ } [ آل عمران ‪ ، ] 142 :‬وقال ‪ { :‬وَلَنَبُْلوَ ّنكُمْ‬
‫ن وَنَبُْلوَ َأخْبَا َركُمْ } [ محمد ‪.] 31 :‬‬
‫حَتّى َنعْلَمَ ا ْلمُجَا ِهدِينَ مِ ْنكُ ْم وَالصّابِرِي َ‬
‫واليات في هذا كثيرة ؛ ولهذا قال ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَإِنّ اللّهَ عَلَى َنصْرِهِمْ َلقَدِيرٌ } وقد‬
‫فعل‪.‬‬
‫وإنما شرع [ال] (‪ )7‬تعالى الجهاد في الوقت الليق به ؛ لنهم لما كانوا بمكة كان المشركون‬
‫أكثر عددًا ‪ ،‬فلو أمرَ المسلمين ‪ ،‬وهم أقل من العشر ‪ ،‬بقتال الباقين (‪ )8‬لشَقّ عليهم ؛ ولهذا لما‬
‫بايع أهلُ يثرب ليلة العقبة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكانوا نيفا وثمانين ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬أل نميل على أهل الوادي ‪ -‬يعنون أهل مِنَى ‪ -‬ليالي مِنى فنقتلهم ؟ فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم "إني لم أومر بهذا"‪ .‬فلما َبغَى المشركون ‪ ،‬وأخرجوا النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم من بين أظهرهم ‪ ،‬وهموا بقتله ‪ ،‬وشردوا أصحابه شَذرَ مَذَر ‪ ،‬فذهب (‪ )9‬منهم طائفة إلى‬
‫الحبشة ‪ ،‬وآخرون إلى المدينة‪ .‬فلما استقروا بالمدينة ‪ ،‬ووافاهم رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫واجتمعوا عليه ‪ ،‬وقاموا بنصره وصارت لهم دار إسلم و َمعْقل يلجؤون إليه ‪ -‬شرع ال جهاد‬
‫العداء ‪ ،‬فكانت هذه الية أول ما نزل في ذلك ‪ ،‬فقال تعالى ‪ُ { :‬أذِنَ لِلّذِينَ ُيقَاتَلُونَ بِأَ ّنهُمْ ظُِلمُوا‬
‫حقّ }‬
‫وَإِنّ اللّهَ عَلَى َنصْرِ ِهمْ َلقَدِيرٌ‪ .‬الّذِينَ أُخْ ِرجُوا مِنْ دِيَارِ ِهمْ ِبغَيْرِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ماجه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪ )3171‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11345‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يبذلوا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬بأيديهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )17/123‬والمسند (‪.)1/216‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬المنافقين"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬فذهبت"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/434‬‬

‫قال ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق ‪ ،‬يعني ‪ :‬محمدًا وأصحابه‪.‬‬
‫{ إِل أَنْ َيقُولُوا رَبّنَا اللّهُ } أي ‪ :‬ما كان لهم إلى قومهم إساءة ‪ ،‬ول كان لهم ذنب إل أنهم عبدوا‬
‫ال (‪ )1‬وحده ل شريك له‪ .‬وهذا استثناء منقطع بالنسبة إلى ما في نفس المر ‪ ،‬وأما عند‬
‫المشركين فهو أكبر الذنوب ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬يُخْ ِرجُونَ الرّسُولَ وَإِيّاكُمْ أَنْ ُت ْؤمِنُوا بِاللّهِ رَ ّبكُمْ }‬
‫[ الممتحنة ‪ ، ] 1 :‬وقال تعالى في قصة أصحاب الخدود ‪َ { :‬ومَا َنقَمُوا مِ ْنهُمْ إِل أَنْ ُي ْؤمِنُوا بِاللّهِ‬
‫حمِيدِ } [ البروج ‪ .] 8 :‬ولهذا لما كان المسلمون يرتجزون في بناء الخندق ‪ ،‬ويقولون ‪:‬‬
‫ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬
‫ل هُمّ (‪ )2‬لَول أنتَ ما اهتَدَينا‪ ...‬وَل َتصَ ّدقَْنا وَل صَلّينَا‪...‬‬
‫ن لقَينَا‪...‬‬
‫فَأنزلَنْ سَكينَةً عَلَينَا‪ ...‬وَثَبّت القْدَامَ إ ْ‬
‫إنّ اللَى قد َبغَوا عَلَينَا‪ ...‬إذَا أرَادوا فتْنَةً أبَيْنَا (‪)3‬‬
‫فيوافقهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ويقول معهم آخر كل قافية ‪ ،‬فإذا قالوا ‪" :‬إذا أرادوا‬
‫فتنة أبينا" ‪ ،‬يقول ‪" :‬أبينا" ‪ ،‬يمد بها صوته‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وََلوْل َدفْعُ اللّهِ النّاسَ َب ْعضَهُمْ بِ َب ْعضٍ } أي ‪ :‬لول أنه يدفع عن قوم بقوم ‪،‬‬
‫ويكشفُ شَرّ أناس عن غيرهم ‪ ،‬بما يخلقه ويقدره من السباب ‪ ،‬لفسدت الرض ‪ ،‬وأهلك القوي‬
‫الضعيف‪.‬‬
‫صوَامِعُ } وهي المعابد الصغار للرهبان ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وأبو العالية ‪،‬‬
‫{ َل ُه ّد َمتْ َ‬
‫وعكرمة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هي معابد الصابئين‪ .‬وفي رواية عنه ‪ :‬صوامع المجوس‪.‬‬
‫وقال مقاتل بن حَيّان ‪ :‬هي البيوت التي على الطرق‪.‬‬
‫{ وَبِيَعٌ } ‪ :‬وهي أوسع منها ‪ ،‬وأكثر عابدين فيها‪ .‬وهي للنصارى أيضًا‪ .‬قاله أبو العالية ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫خصَيف ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬وابن (‪ )4‬صخر ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪ ،‬و ُ‬
‫حدّثه ‪ ،‬عن ابن‬
‫وحكى ابن جبير عن مجاهد وغيره ‪ :‬أنها كنائس اليهود‪ .‬وحكى السدي ‪ ،‬عمن َ‬
‫عباس ‪ :‬أنها كنائس اليهود ‪ ،‬ومجاهد إنما قال ‪ :‬هي الكنائس ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وصََلوَاتٌ } ‪ :‬قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الصلوات ‪ :‬الكنائس‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬إنها كنائس اليهود‪ .‬وهم يسمونها صَلُوتا‪.‬‬
‫وحكى السدي ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنها كنائس النصارى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وحد ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وال"‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬البيات لعامر بن الكوع كما في صحيح مسلم برقم (‪.)1803‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أبو"‪.‬‬

‫( ‪)5/435‬‬

‫الّذِينَ إِنْ َمكّنّاهُمْ فِي الْأَ ْرضِ َأقَامُوا الصّلَا َة وَآَ َتوُا ال ّزكَا َة وََأمَرُوا بِا ْل َمعْرُوفِ وَ َنهَوْا عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَلِلّهِ‬
‫عَاقِبَةُ الُْأمُورِ (‪)41‬‬

‫وقال أبو العالية ‪ ،‬وغيره ‪ :‬الصلوات ‪ :‬معابد الصابئين‪.‬‬


‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬الصلوات ‪ :‬مساجد لهل الكتاب ولهل السلم بالطرق‪ .‬وأما‬
‫المساجد فهي للمسلمين‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ي ْذكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيرًا } فقد قيل ‪ :‬الضمير في قوله ‪ُ { :‬ي ْذكَرَ فِيهَا } عائد إلى‬
‫المساجد ؛ لنها أقرب المذكورات‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬الجميع يذكر فيها اسم ال كثيرا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬الصوابُ ‪ :‬لهدمت صوامع الرهبان وبِي ُع النصارى وصلوات اليهود ‪ ،‬وهي‬
‫كنائسهم ‪ ،‬ومساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم ال كثيرا ؛ لن هذا هو المستعمل المعروف في‬
‫كلم العرب‪.‬‬
‫عمّارا‬
‫وقال بعض العلماء ‪ :‬هذا تَ َرقّ من القل إلى الكثر إلى أن ينتهي إلى المساجد ‪ ،‬وهي أكثر ُ‬
‫وأكثر عبادا ‪ ،‬وهم ذوو القصد الصحيح‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَيَ ْنصُرَنّ اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُرهُ } كقوله (‪ )1‬تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَ ْنصُرُوا اللّهَ‬
‫عمَاَلهُمْ } [ محمد ‪.] 8 ، 7 :‬‬
‫ضلّ أَ ْ‬
‫يَ ْنصُ ْركُ ْم وَيُثَ ّبتْ َأ ْقدَا َمكُمْ‪ .‬وَالّذِينَ َكفَرُوا فَ َتعْسًا َلهُ ْم وََأ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َل َق ِويّ عَزِيزٌ } َوصَف نفسه بالقوة والعزة ‪ ،‬فبقوته خلق كل شيء فقدره تقديرا ‪،‬‬
‫وبعزته ل يقهره قاهر ‪ ،‬ول يغلبه غالب ‪ ،‬بل كل شيء ذليل لديه ‪ ،‬فقير إليه‪ .‬ومن كان القويّ‬
‫العزيز ناصرَه فهو المنصور ‪ ،‬وعدوه هو المقهور ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ سَ َب َقتْ كَِلمَتُنَا ِلعِبَادِنَا‬
‫ا ْلمُرْسَلِينَ‪ .‬إِ ّن ُهمْ َلهُمُ ا ْلمَ ْنصُورُونَ‪ .‬وَإِنّ جُنْدَنَا َل ُهمُ ا ْلغَالِبُونَ } [ الصافات ‪ ] 173 - 171 :‬وقال‬
‫[ال] (‪ )2‬تعالى ‪ { :‬كَ َتبَ اللّهُ لغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ } [ المجادلة ‪.] 21 :‬‬
‫{ الّذِينَ إِنْ َمكّنّا ُهمْ فِي ال ْرضِ َأقَامُوا الصّل َة وَآ َتوُا ال ّزكَا َة وََأمَرُوا بِا ْل َمعْرُوفِ وَ َن َهوْا عَنِ ا ْلمُ ْنكَرِ‬
‫وَلِلّهِ عَاقِبَ ُة المُورِ (‪.} )41‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الربيع الزّهْرَاني ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬عن أيوب‬
‫وهشام ‪ ،‬عن محمد قال ‪ :‬قال عثمان بن عفان ‪ :‬فينا نزلت ‪ { :‬الّذِينَ إِنْ َمكّنّاهُمْ فِي ال ْرضِ َأقَامُوا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الصّلةَ وَآ َتوُا ال ّزكَا َة وََأمَرُوا بِا ْل َمعْرُوفِ وَ َن َهوْا عَنِ ا ْلمُ ْنكَرِ } ‪ ،‬فأخرجنا من ديارنا بغير حق ‪ ،‬إل‬
‫أن قلنا ‪" :‬ربنا ال" ‪ ،‬ثم مُكنّا في الرض ‪ ،‬فأقمنا الصلة ‪ ،‬وآتينا الزكاة ‪ ،‬وأمرنا بالمعروف ‪،‬‬
‫ونهينا عن المنكر ‪ ،‬ول عاقبة المور ‪ ،‬فهي لي ولصحابي‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬لقوله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)5/436‬‬

‫ح وَعَا ٌد وَ َثمُودُ (‪َ )42‬و َقوْمُ إِبْرَاهِيمَ َوقَوْمُ لُوطٍ (‪ )43‬وََأصْحَابُ‬


‫وَإِنْ ُيكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذّ َبتْ قَبَْلهُمْ َقوْمُ نُو ٍ‬
‫خذْ ُتهُمْ َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ (‪َ )44‬فكَأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَ ْهَلكْنَاهَا‬
‫ن َوكُ ّذبَ مُوسَى فََأمْلَ ْيتُ لِ ْلكَافِرِينَ ُثمّ أَ َ‬
‫مَدْيَ َ‬
‫شهَا وَبِئْرٍ ُمعَطَّل ٍة َو َقصْرٍ َمشِيدٍ (‪َ )45‬أفََلمْ يَسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ‬
‫علَى عُرُو ِ‬
‫وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ َف ِهيَ خَاوِيَةٌ َ‬
‫س َمعُونَ ِبهَا فَإِ ّنهَا لَا َت ْعمَى الْأَ ْبصَا ُر وََلكِنْ َت ْعمَى ا ْلقُلُوبُ الّتِي‬
‫فَ َتكُونَ َل ُهمْ قُلُوبٌ َي ْعقِلُونَ ِبهَا َأوْ آَذَانٌ يَ ْ‬
‫فِي الصّدُورِ (‪)46‬‬

‫وقال أبو العالية ‪ :‬هم أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬


‫وقال الصباح بن سوادة الكندي ‪ :‬سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو يقول ‪ { :‬الّذِينَ إِنْ‬
‫َمكّنّاهُمْ فِي ال ْرضِ } الية ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إل أنها ليست على الوالي وحده ‪ ،‬ولكنها على الوالي‬
‫والمولى عليه ‪ ،‬أل أنبئكم بما لكم على الوالي من ذَلكم ‪ ،‬وبما للوالي عليكم منه ؟ إن لكم على‬
‫الوالي من ذلكم أن يؤاخذكم بحقوق ال عليكم ‪ ،‬وأن يأخذ لبعضكم من بعض ‪ ،‬وأن يهديكم للتي‬
‫هي أقوم ما استطاع ‪ ،‬وإن عليكم من ذلك الطاعة غير المبزوزة ول المستكرهة ‪ ،‬ول المخالف‬
‫سرها علنيتها‪.‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَيَسْ َتخِْلفَ ّنهُمْ‬
‫وقال عطية العوفي ‪ :‬هذه الية كقوله ‪ { :‬وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَ َ‬
‫فِي ال ْرضِ [ َكمَا اسْتَخَْلفَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ ] (‪ [ } )1‬النور ‪.] 55 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلِلّهِ عَاقِبَ ُة المُورِ } ‪ ،‬كقوله تعالى { وَا ْلعَاقِبَةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ } [ القصص ‪.] 83 :‬‬
‫وقال زيد بن أسلم ‪ { :‬وَلِلّهِ عَاقِبَ ُة المُورِ } ‪ :‬وعند ال ثواب ما صنعوا‪.‬‬
‫{ وَإِنْ ُيكَذّبُوكَ َفقَدْ كَذّ َبتْ قَبَْلهُمْ َقوْمُ نُوحٍ وَعَا ٌد وَ َثمُودُ (‪َ )42‬و َقوْمُ إِبْرَاهِيمَ َوقَوْمُ لُوطٍ (‪)43‬‬
‫خذْ ُتهُمْ َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ (‪َ )44‬فكَأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ‬
‫ن َوكُ ّذبَ مُوسَى فََأمْلَ ْيتُ لِ ْلكَافِرِينَ ثُمّ أَ َ‬
‫وََأصْحَابُ مَدْيَ َ‬
‫شهَا وَبِئْرٍ ُمعَطّلَةٍ َوقَصْرٍ مَشِيدٍ (‪َ )45‬أفَلَمْ َيسِيرُوا فِي‬
‫أَهَْلكْنَاهَا وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ َف ِهيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُو ِ‬
‫س َمعُونَ ِبهَا فَإِ ّنهَا ل َت ْعمَى ال ْبصَارُ وََلكِنْ َت ْعمَى‬
‫ال ْرضِ فَ َتكُونَ َلهُمْ قُلُوبٌ َي ْعقِلُونَ ِبهَا َأوْ آذَانٌ يَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ا ْلقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ (‪.} )46‬‬
‫يقول تعالى مسليا نبيّه محمدا صلى ال عليه وسلم في تكذيب من خالفه من قومه ‪ { :‬وَإِنْ ُيكَذّبُوكَ‬
‫َفقَدْ كَذّ َبتْ قَبَْلهُمْ َقوْمُ نُوحٍ } إلى أن قال (‪َ { : )2‬وكُ ّذبَ مُوسَى } أي ‪ :‬مع ما جاء به من اليات‬
‫البينات والدلئل الواضحات‪.‬‬
‫خذْ ُتهُمْ َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ } أي ‪ :‬فكيف كان‬
‫{ فََأمْلَ ْيتُ لِ ْلكَافِرِينَ } أي ‪ :‬أنظرتهم وأخرتهم ‪ُ { ،‬ثمّ أَ َ‬
‫إنكاري عليهم ‪ ،‬ومعاقبتي لهم ؟!‬
‫ذكر بعض السلف أنه كان بين قول فرعون لقومه ‪ { :‬أَنَا رَ ّبكُمُ العْلَى } [ النازعات ‪، ] 24 :‬‬
‫وبين إهلك ال له أربعون سنة‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي موسى ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن ال ليملي‬
‫للظالم حتى إذا أخذه لم ُيفْلِتْه ‪ ،‬ثم قرأ ‪َ { :‬وكَذَِلكَ َأخْذُ رَ ّبكَ إِذَا َأخَذَ ا ْلقُرَى وَ ِهيَ ظَاِل َمةٌ إِنّ َأخْ َذهُ أَلِيمٌ‬
‫شَدِيدٌ } [ هود ‪.)3( ] 102 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وعاد وثمود‪ .‬وقوم إبراهيم وقوم لوط‪ .‬وأصحاب مدين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )4686‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2583‬‬

‫( ‪)5/437‬‬

‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬فكَأَيّنْ (‪ )1‬مِنْ قَرْيَةٍ َأهَْلكْنَاهَا } أي ‪ :‬كم من قرية أهلكتها { وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ } ] (‪)2‬‬
‫شهَا } قال الضحاك ‪ :‬سقوفها ‪ ،‬أي ‪ :‬قد خربت‬
‫علَى عُرُو ِ‬
‫أي ‪ :‬مكذبة لرسولها ‪َ { ،‬ف ِهيَ خَاوِيَةٌ َ‬
‫منازلها وتعطلت حواضرها‪.‬‬
‫{ وَبِئْرٍ ُمعَطَّلةٍ } أي ‪ :‬ل يستقى منها ‪ ،‬ول يَ ِردُها أحد بعد كثرة وارديها والزدحام عليها‪.‬‬
‫{ َو َقصْرٍ مَشِيدٍ } قال عكرمة ‪ :‬يعني المُبَيّض بالجص‪.‬‬
‫وروي عن علي بن أبي طالب ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وأبي المَلِيح ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬نحو ذلك‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬هو المُنيف المرتفع‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬الشديد المنيع الحصين‪.‬‬
‫وكل هذه القوال متقاربة ‪ ،‬ول منافاة بينها ‪ ،‬فإنه لم َيحْمِ أهله شدة بنائه ول ارتفاعه ‪ ،‬ول إحكامه‬
‫ت وََلوْ كُنْ ُتمْ‬
‫ول حصانته ‪ ،‬عن حلول بأس ال بهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬أَيْ َنمَا َتكُونُوا يُدْ ِر ُككُمُ ا ْل َم ْو ُ‬
‫فِي بُرُوجٍ مُشَيّ َدةٍ } [ النساء ‪.] 78 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪َ { :‬أفََلمْ يَسِيرُوا فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬بأبدانهم وبفكرهم أيضا ‪ ،‬وذلك كاف ‪ ،‬كما قال ابن أبي‬
‫الدنيا في كتاب "التفكر والعتبار" ‪:‬‬
‫حدثنا هارون بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا سَيّار ‪ ،‬حدثنا (‪ )3‬جعفر ‪ ،‬حدثنا مالك بن دينار قال ‪ :‬أوحى ال‬
‫ح في‬
‫تعالى إلى موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أن يا موسى ‪ ،‬اتخذ نعلين من حديد وعصا ‪ ،‬ثم سِ ْ‬
‫الرض ‪ ،‬واطلب الثار والعبر ‪ ،‬حتى تتخرق النعلن (‪ )4‬وتكسر العصا‪.‬‬
‫حيِ قلبك بالمواعظ ‪ ،‬و َنوّره بال ِفكْر ‪ ،‬و َموّته بالزهد ‪،‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا ‪ :‬قال بعض الحكماء ‪ :‬أ ْ‬
‫وقَوّه باليقين ‪ ،‬وذَلّلْهُ بالموت (‪ ، )5‬وقرّره بالفناء (‪ ، )6‬و َبصّره فجائع (‪ )7‬الدنيا ‪ ،‬وحَذّره صولةَ‬
‫(‪ )8‬الدهر وفحش َتقَلّب اليام ‪ ،‬واعرض عليه أخبار الماضين ‪ ،‬وذكره ما أصاب (‪ )9‬من كان‬
‫قبله ‪ ،‬وسِ ْر في ديارهم وآثارهم ‪ ،‬وانظر ما فعلوا ‪ ،‬وأين حَلّوا ‪ ،‬وعَ ّم انقلبوا‪.‬‬
‫أي ‪ :‬فانظروا (‪ )10‬ما حل بالمم المكذبة من النقم والنكال (‪ { )11‬فَ َتكُونَ َلهُمْ قُلُوبٌ َي ْعقِلُونَ ِبهَا‬
‫س َمعُونَ ِبهَا } أي ‪ :‬فيعتبرون بها ‪ { ،‬فَإِ ّنهَا ل َت ْعمَى ال ْبصَارُ وََلكِنْ َت ْعمَى ا ْلقُلُوبُ الّتِي فِي‬
‫َأوْ آذَانٌ يَ ْ‬
‫الصّدُورِ } أي ‪ :‬ليس العمى عمى البصر ‪ ،‬وإنما العمى عمى البصيرة ‪ ،‬وإن كانت القوة الباصرة‬
‫سليمة فإنها ل تنفذ إلى العبر ‪ ،‬ول تدري ما الخبر‪ .‬وما أحسن ما قاله بعض الشعراء في هذا‬
‫المعنى ‪ -‬وهو أبو محمد عبد ال بن محمد بن سارة (‪ )12‬الندلسي الشّنْتَريني ‪ ،‬وقد كانت وفاته‬
‫سنة سبع عشرة وخمسمائة ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وكأين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تخرق النعال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬بالقرب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وتدبره بالثناء"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بمجامع"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬بصولة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وذكره بأم كتاب"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فينظروا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ابن حبان"‪.‬‬

‫( ‪)5/438‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ب والكبَرُ‪...‬‬
‫شقَاء ‪ ،‬وقَد‪ ...‬نَادَى به الناعيَان ‪ :‬الشي ُ‬
‫يا مَن يُصيخُ إلى دَاعي ال َ‬
‫سمَع الذكْرَى ‪ ،‬ففيم تُرَى‪ ...‬في رَأسك الوَاعيان ‪ :‬السمعُ وال َبصَرُ?‪...‬‬
‫إن كُنتَ ل َت ْ‬
‫ن والثَرُ‪...‬‬
‫س الصَ ّم ول العمَى سوَى رَجُل‪ ...‬لم َيهْده الهَاديان ‪ :‬العَي ُ‬
‫لي َ‬
‫شمْسُ وَال َقمَرُ‪...‬‬
‫ل الدّهر يَ ْبقَى وَل الدنيا ‪ ،‬وَل الفَلَك الـ‪ ...‬أعلى ول النّيّران ‪ :‬ال ّ‬
‫حضَرُ‪...‬‬
‫لَيَرْحَلَنّ عَن الدنيا ‪ ،‬وَإن كَرِها (‪ )1‬فرَاقها ‪ ،‬الثاويان ‪ :‬البَدْو وال َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كرهن"‪.‬‬

‫( ‪)5/439‬‬

‫خِلفَ اللّ ُه وَعْ َد ُه وَإِنّ َي ْومًا عِنْدَ رَ ّبكَ كَأَ ْلفِ سَ َنةٍ ِممّا َتعُدّونَ (‪َ )47‬وكَأَيّنْ‬
‫ب وَلَنْ يُ ْ‬
‫وَيَسْ َتعْجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَا ِ‬
‫مِنْ قَرْيَةٍ َأمْلَ ْيتُ َلهَا وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ ثُمّ َأخَذْ ُتهَا وَإَِليّ ا ْل َمصِيرُ (‪)48‬‬

‫{ وَيَسْ َت ْعجِلُو َنكَ بِا ْل َعذَابِ وَلَنْ يُخِْلفَ اللّهُ وَعْ َد ُه وَإِنّ َي ْومًا عِ ْندَ رَ ّبكَ كَأَ ْلفِ سَنَةٍ ِممّا َت ُعدّونَ (‪)47‬‬
‫خذْ ُتهَا وَإَِليّ ا ْل َمصِيرُ (‪.} )48‬‬
‫َوكَأَيّنْ مِنْ قَرْ َيةٍ َأمْلَ ْيتُ َلهَا وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ ُثمّ أَ َ‬
‫يقول تعالى لنبيه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ { : )1‬وَيَسْ َت ْعجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَابِ } أي ‪ :‬هؤلء الكفار‬
‫الملحدون المكذبون (‪ )2‬بال وكتابه ورسوله واليوم الخر ‪ ،‬كما قال [ال] (‪ )3‬تعالى ‪ { :‬وَإِذْ قَالُوا‬
‫سمَاءِ َأوِ ائْتِنَا ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ }‬
‫حقّ مِنْ عِنْ ِدكَ فََأ ْمطِرْ عَلَيْنَا حِجَا َرةً مِنَ ال ّ‬
‫الّلهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا ُهوَ الْ َ‬
‫جلْ لَنَا قِطّنَا قَ ْبلَ َيوْمِ الْحِسَابِ } [ ص ‪.] 16 :‬‬
‫عّ‬‫[ النفال ‪َ { ، ] 32 :‬وقَالُوا رَبّنَا َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَنْ ُيخِْلفَ اللّ ُه وَعْ َدهُ } أي ‪ :‬الذي قد وَعَد ‪ ،‬من إقامة الساعة والنتقام من أعدائه ‪،‬‬
‫والكرام لوليائه‪.‬‬
‫قال الصمعي ‪ :‬كنت عند أبي عمرو بن العلء ‪ ،‬فجاء عمرو بن عبيد ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أبا عمرو ‪،‬‬
‫وهل يخلف ال الميعاد ؟ فقال ‪ :‬ل‪ .‬فذكر آية وعيد ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أمن (‪ )4‬العجم أنت ؟ إن العرب‬
‫ت قول الشاعر (‪: )5‬‬
‫تَعدُ الرجوع عن الوعد لؤما ‪ ،‬وعن اليعاد كرما ‪ ،‬أومَا سمع َ‬
‫طوَتي‪ ...‬ول أخْتَتِي (‪ )7‬من سَطْوة المُ َتهَدّد‪...‬‬
‫ل يُ ْر ِهبُ ابنَ العم منى (‪ )6‬سَ ْ‬
‫فإنّي وَإن أوْعَدْتُه أ ْو وَعَدْتُه‪َ ...‬ل ُمخِْلفُ إيعَادي ومُنْجزُ َموْعدي‪...‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّ َي ْومًا عِنْدَ رَ ّبكَ كَأَ ْلفِ سَ َنةٍ ِممّا َتعُدّونَ } أي ‪ :‬هو تعالى ل يَعجَل ‪ ،‬فإن مقدار ألف‬
‫سنة عند خلقه كيوم واحد عنده بالنسبة إلى حكمه ‪ ،‬لعلمه بأنه على النتقام قادر ‪ ،‬وأنه ل يفوته‬
‫جلَ وأنظَر وأملى ؛ ولهذا قال بعد هذا ‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ َأمْلَ ْيتُ َلهَا وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ ثُمّ‬
‫شيء ‪ ،‬وإن أ ّ‬
‫خذْ ُتهَا وَإَِليّ ا ْل َمصِيرُ }‬
‫أَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن عَرَفة ‪ ،‬حدثني عبدة بن سليمان ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه وسلمه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الملحدين المكذبين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )5‬هو عامر بن الطفيل والبيت في اللسان مادة (ختأ) ‪( ،‬وعد)‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والجار"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ينثني"‪.‬‬

‫( ‪)5/439‬‬

‫أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬يدخل فقراء المسلمين‬
‫الجنة قبل الغنياء بنصف يوم ‪ ،‬خمسمائة عام"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي والنسائي ‪ ،‬من حديث الثوري ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬به (‪ .)1‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن صحيح‪ .‬وقد رواه ابن جرير ‪ ،‬عن أبي هريرة موقوفا (‪ ، )2‬فقال ‪:‬‬
‫سمَيْر بن نهار‬
‫حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُلَيّةَ ‪ ،‬حدثنا سعيد الجُرَيري ‪ ،‬عن أبي َنضْرَة ‪ ،‬عن ُ‬
‫قال ‪ :‬قال أبو هريرة ‪ :‬يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الغنياء بمقدار نصف يوم‪ .‬قلت ‪ :‬وما‬
‫نصف يوم ؟ قال ‪ :‬أوَما تقرأ القرآن ؟‪ .‬قلت ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ { :‬وَإِنّ َي ْومًا عِنْدَ رَ ّبكَ كَأَ ْلفِ سَ َنةٍ ِممّا‬
‫َتعُدّونَ } (‪.)3‬‬
‫وقال أبو داود في آخر كتاب الملحم من سننه ‪ :‬حدثنا عمرو بن عثمان ‪ ،‬حدثنا أبو المغيرة ‪،‬‬
‫حدثنا صفوان ‪ ،‬عن شُرَيح بن (‪ )4‬عُبَيد ‪ ،‬عن سعد بن أبي وَقاص ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه قال ‪" :‬إني لرجو أل َت ْعجِزَ أمتي عند ربها ‪ ،‬أن يؤخرهم نصف يوم"‪ .‬قيل لسعد ‪ :‬وما‬
‫نصف يوم ؟ قال ‪ :‬خمسمائة سنة (‪.)5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سنَان (‪ ، )6‬حدثنا عبد الرحمن بن َمهْ ِديّ ‪ ،‬عن إسرائيل ‪،‬‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَإِنّ َي ْومًا عِنْدَ رَ ّبكَ كَأَ ْلفِ سَنَةٍ ِممّا َت ُعدّونَ } قال ‪:‬‬
‫عن ِ‬
‫من اليام التي خلق ال فيها السموات والرض‪.‬‬
‫رواه ابن جرير ‪ ،‬عن ابن بَشّار (‪ ، )7‬عن ابن مهدي (‪ .)8‬وبه قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ونص‬
‫عليه أحمد بن حنبل في كتاب "الردّ على الجهمية"‪.‬‬
‫سمَاءِ إِلَى الرْضِ ُثمّ َيعْرُجُ إِلَيْهِ فِي َيوْمٍ كَانَ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هذه الية كقوله ‪ { :‬يُدَبّ ُر المْرَ مِنَ ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ِمقْدَا ُرهُ أَ ْلفَ سَنَةٍ ِممّا َتعُدّونَ } [ السجدة ‪.] 5 :‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عارم ‪ -‬محمد بن الفضل ‪ -‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن عَتِيق ‪ ،‬عن محمد بن سيرين ‪ ،‬عن رجل من أهل الكتاب أسلمَ قال ‪ :‬إن ال تعالى خلق‬
‫السموات والرض في ستة أيام ‪ { ،‬وَإِنّ َي ْومًا عِ ْندَ رَ ّبكَ كَأَ ْلفِ سَنَةٍ ِممّا َتعُدّونَ } وجعل أجل الدنيا‬
‫ستة أيام ‪ ،‬وجعل الساعة في اليوم السابع ‪ { ،‬وَإِنّ َي ْومًا عِ ْندَ رَ ّبكَ كَأَ ْلفِ سَنَةٍ ِممّا َت ُعدّونَ } ‪ ،‬فقد‬
‫مضت الستة اليام ‪ ،‬وأنتم في اليوم السابع‪ .‬فمثل ذلك كمثل الحامل إذا دخلت شهرها ‪ ،‬في أية‬
‫لحظة ولدت كان تماما‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪ )2354‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪ )11348‬أي أن النصف يوم‬
‫خمسمائه عام‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مرفوعا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)17/129‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪.)4350‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬شيبان"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬يسار"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)17/129‬‬

‫( ‪)5/440‬‬

‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ َل ُهمْ َم ْغفِرَ ٌة وَرِزْقٌ‬


‫ُقلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِ ّنمَا أَنَا َلكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪ )49‬فَالّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫جحِيمِ (‪َ )51‬ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ‬
‫صحَابُ الْ َ‬
‫س َعوْا فِي آَيَاتِنَا ُمعَاجِزِينَ أُولَ ِئكَ َأ ْ‬
‫كَرِيمٌ (‪ )50‬وَالّذِينَ َ‬
‫ح ِكمُ اللّهُ آَيَاتِهِ‬
‫رَسُولٍ وَلَا نَ ِبيّ إِلّا إِذَا َتمَنّى أَ ْلقَى الشّيْطَانُ فِي ُأمْنِيّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّهُ مَا يُ ْلقِي الشّيْطَانُ ُثمّ يُ ْ‬
‫ض وَا ْلقَاسِيَةِ قُلُو ُبهُ ْم وَإِنّ‬
‫ج َعلَ مَا يُ ْلقِي الشّيْطَانُ فِتْنَةً لِلّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َر ٌ‬
‫حكِيمٌ (‪ )52‬لِيَ ْ‬
‫وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫حقّ مِنْ رَ ّبكَ فَ ُي ْؤمِنُوا ِبهِ فَتُخْ ِبتَ َلهُ‬
‫شقَاقٍ َبعِيدٍ (‪ )53‬وَلِ َيعْلَمَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ أَنّهُ الْ َ‬
‫الظّاِلمِينَ َلفِي ِ‬
‫قُلُو ُبهُ ْم وَإِنّ اللّهَ َلهَادِ الّذِينَ َآمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪)54‬‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وَرِزْقٌ‬


‫{ ُقلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِ ّنمَا أَنَا َلكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪ )49‬فَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫جحِيمِ (‪.} )51‬‬
‫صحَابُ الْ َ‬
‫س َعوْا فِي آيَاتِنَا ُمعَاجِزِينَ أُولَ ِئكَ َأ ْ‬
‫كَرِيمٌ (‪ )50‬وَالّذِينَ َ‬
‫يقول تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم حين طلب منه الكفار ُوقُوعَ العذاب ‪ ،‬واستعجلوه به ‪ُ { :‬قلْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِ ّنمَا أَنَا َلكُمْ َنذِيرٌ مُبِينٌ } أي ‪ :‬إنما أرسلني ال إليكم نذيرًا لكم بين يدي عذاب شديد ‪،‬‬
‫وليس إلي من حسابكم من شيء ‪ ،‬أمركم إلى ال ‪ ،‬إن شاء عجل لكم العذاب ‪ ،‬وإن شاء أخره‬
‫عنكم ‪ ،‬وإن شاء تاب على من يتوب إليه ‪ ،‬وإن شاء أضل من كتب عليه الشقاوة ‪ ،‬وهو الفعال‬
‫ح ْكمِ ِه وَ ُهوَ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ } [ الرعد ‪ ] 41 :‬و‬
‫لما يشاء ويريد ويختار ‪[ ،‬و] (‪ { )1‬ل ُمعَ ّقبَ لِ ُ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ } أي ‪ :‬آمنت قلوبهم وصدقوا إيمانهم‬
‫{ إِ ّنمَا أَنَا َلكُمْ َنذِيرٌ مُبِينٌ‪ .‬فَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫بأعمالهم ‪َ { ،‬لهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وَرِ ْزقٌ كَرِيمٌ } أي ‪ :‬مغفرة لما سلف من سيئاتهم ‪ ،‬ومجازاة حَسَنةٌ على‬
‫القليل من حسناتهم‪.‬‬
‫ظيّ ‪ :‬إذا سمعتَ ال تعالى يقول ‪ { :‬وَرِ ْزقٌ كَرِيمٌ } فهو الجنة‪.‬‬
‫[و] (‪ )2‬قال محمد بن كعب القُرَ ِ‬
‫س َعوْا فِي آيَاتِنَا ُمعَاجِزِينَ } ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬يُثَبّطون الناس عن متابعة النبي صلى‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ َ‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬وكذا قال عبد ال بن الزبير ‪ :‬مثبطين‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ُ { :‬معَاجِزِينَ } ‪ :‬مراغمين‪.‬‬
‫{ أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلجَحِيمِ } ‪ :‬وهي النار الحارة الموجعة الشديد عذابها ونكالها ‪ ،‬أجارنا ال منها‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬الّذِينَ كَفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَا ُهمْ عَذَابًا َفوْقَ ا ْلعَذَابِ ِبمَا كَانُوا‬
‫ُيفْسِدُونَ } [ النحل ‪.] 88 :‬‬
‫{ َومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ رَسُولٍ وَل نَ ِبيّ إِل إِذَا َتمَنّى أَ ْلقَى الشّيْطَانُ فِي ُأمْنِيّتِهِ فَيَ ْنسَخُ اللّهُ مَا يُ ْلقِي‬
‫ج َعلَ مَا يُ ْلقِي الشّيْطَانُ فِتْنَةً لِلّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ‬
‫حكِيمٌ (‪ )52‬لِيَ ْ‬
‫علِيمٌ َ‬
‫حكِمُ اللّهُ آيَاتِ ِه وَاللّهُ َ‬
‫الشّ ْيطَانُ ثُمّ ُي ْ‬
‫حقّ مِنْ‬
‫شقَاقٍ َبعِيدٍ (‪ )53‬وَلِ َيعْلَمَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ أَنّهُ الْ َ‬
‫مَ َرضٌ وَا ْلقَاسِيَةِ قُلُو ُبهُ ْم وَإِنّ الظّاِلمِينَ َلفِي ِ‬
‫رَ ّبكَ فَ ُي ْؤمِنُوا بِهِ فَتُخْ ِبتَ لَهُ قُلُو ُبهُ ْم وَإِنّ اللّهَ َلهَادِ الّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪.} )54‬‬
‫قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغَرَانيق ‪ ،‬وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى‬
‫أرض الحبشة ‪ ،‬ظَنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا‪ .‬ولكنها من طرق كلها مرسلة ‪ ،‬ولم أرها‬
‫مسندة من وجه صحيح ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)5/441‬‬

‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا يونس بن حبيب ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي بِشْر ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬قال ‪ :‬قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم بمكة "النجم" فلما بلغ هذا الموضع ‪:‬‬
‫ت وَا ْلعُزّى‪َ .‬ومَنَاةَ الثّالِ َثةَ الخْرَى } قال ‪ :‬فألقى الشيطان على لسانه ‪" :‬تلك الغَرَانيق‬
‫{ َأفَرَأَيْ ُتمُ الل َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جدَ وسجدوا ‪ ،‬فأنزل‬
‫العلى‪ .‬وإن شفاعتهن (‪ )1‬ترتجى"‪ .‬قالوا ‪ :‬ما ذكر آلهَتنا بخير قبل اليوم‪ .‬فس َ‬
‫ل وَل نَ ِبيّ إِل إِذَا َتمَنّى أَ ْلقَى الشّيْطَانُ فِي‬
‫ال عز وجل هذه الية ‪َ { :‬ومَا أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ رَسُو ٍ‬
‫حكِيمٌ ] (‪} )2‬‬
‫ح ِكمُ اللّهُ آيَاتِ ِه وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫ُأمْنِيّتِهِ [ فَيَنْسَخُ اللّهُ مَا يُ ْلقِي الشّيْطَانُ ُثمّ يُ ْ‬
‫رواه ابن جرير ‪ ،‬عن بُنْدَار ‪ ،‬عن غُنْدَر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬به نحوه (‪ ، )3‬وهو مرسل ‪ ،‬وقد رواه‬
‫البزار في مسنده ‪ ،‬عن يوسف بن حماد ‪ ،‬عن أمية بن خالد ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬فيما أحسب ‪ ،‬الشك في الحديث ‪ -‬أن النبي صلى ال عليه‬
‫ت وَا ْلعُزّى } ‪ ،‬وذكر بقيته‪ .‬ثم قال‬
‫وسلم قرأ بمكة سورة "النجم" ‪ ،‬حتى انتهى إلى ‪َ { :‬أفَرَأَيْ ُتمُ الل َ‬
‫البزار ‪ :‬ل (‪ )4‬يروى متصل إل بهذا السناد ‪ ،‬تفرد بوصله أمية بن خالد ‪ ،‬وهو ثقة مشهور‪.‬‬
‫وإنما يُروى هذا من طريق الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس (‪.)5‬‬
‫ثم رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬وعن السدي ‪ ،‬مرسل‪ .‬وكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬عن‬
‫محمد بن كعب القرظي ‪ ،‬ومحمد بن قيس ‪ ،‬مرسل أيضا (‪.)6‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم [يصلي] (‪ )7‬عند المقام إذ َنعَس ‪ ،‬فألقى الشيطان‬
‫على لسانه "وإن شفاعتها لترتجى‪ .‬وإنها لمع الغرانيق العلى" ‪ ،‬فحفظها المشركون‪ .‬وأجرى‬
‫الشيطان أن نبي ال قد قرأها ‪ ،‬فزَلّت بها ألسنتهم ‪ ،‬فأنزل ال ‪َ { :‬ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ رَسُولٍ‬
‫[ وَل نَ ِبيّ إِل ِإذَا َتمَنّى ] (‪ } )8‬الية ‪ ،‬ف َدحَرَ ال الشيطان‪.‬‬
‫ثم قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا موسى بن أبي موسى الكوفي ‪ ،‬حدثنا محمد بن إسحاق المُسَيّبِي ‪،‬‬
‫حدثنا محمد بن فُلَيْح ‪ ،‬عن موسى بن عقبة ‪ ،‬عن ابن شهاب قال ‪ :‬أنزلت سورة النجم ‪ ،‬وكان‬
‫المشركون يقولون ‪ :‬لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ‪ ،‬ولكنه ل يذكر من‬
‫خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر‪ .‬وكان رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم ‪ ،‬وأحزنه ضللهم ‪ ،‬فكان (‪)9‬‬
‫يتمنى هُداهم ‪ ،‬فلما أنزل ال سورة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬شفاعتهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ وفي ت ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)17/133‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل نعلمه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند البزار برقم (‪" )2263‬كشف الستار"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)17/131‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬

‫( ‪)5/442‬‬

‫"النجم" قال ‪َ { :‬أفَرَأَيْ ُتمُ اللتَ وَا ْلعُزّى‪َ .‬ومَنَاةَ الثّالِثَةَ الخْرَى‪ .‬أََلكُمُ ال ّذكَ ُر وَلَهُ النْثَى } ألقى‬
‫الشيطان عندها كلمات حين ذكر ال الطواغيت ‪ ،‬فقال ‪" :‬وإنهن لهن الغرانيق العلى‪ .‬وإن‬
‫شفاعتهن لهي التي ترتجى (‪ ." )1‬وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته ‪ ،‬فوقعت هاتان الكلمتان‬
‫في قلب كل مشرك بمكة ‪ ،‬وزلت بها ألسنتهم ‪ ،‬وتباشروا بها ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن محمدا ‪ ،‬قد رجع إلى‬
‫دينه الول ‪ ،‬ودين قومه‪ .‬فلما بلغ رسول ال صلى ال عليه وسلم [آخر النجم] (‪ ، )2‬سجد وسجد‬
‫كل من حضره من مسلم أو مشرك‪ .‬غير أن الوليد بن المغيرة كان رجل كبيرا ‪ ،‬فرفع على (‪)3‬‬
‫كفه ترابا فسجد عليه‪ .‬فعجب الفريقان كلهما (‪ )4‬من جماعتهم في السجود ‪ ،‬لسجود رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ول يقين ‪-‬‬
‫ولم يكن المسلمون سمعوا الية التي (‪ )5‬ألقى الشيطان في مسامع المشركين ‪ -‬فاطمأنت أنفسهم‬
‫لما ألقى الشيطانُ في أمنية رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وحدثهم به الشيطان أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قد قرأها في السورة ‪ ،‬فسجدوا لتعظيم آلهتهم‪ .‬ففشت تلك الكلمة في الناس ‪،‬‬
‫وأظهرها الشيطان ‪ ،‬حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين ‪ ،‬عثمان بن مظعون‬
‫وأصحابه ‪ ،‬وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم ‪ ،‬وصلوا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫حدّثوا أن المسلمين قد أمنوا بمكة فأقبلوا‬
‫وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه ‪ ،‬و ُ‬
‫سراعا وقد نسخ ال ما ألقى الشيطان ‪ ،‬وأحكم ال آياته ‪ ،‬وحفظه (‪ )6‬من الفرية ‪ ،‬وقال [تعالى] (‬
‫ل وَل نَ ِبيّ إِل ِإذَا َتمَنّى أَ ْلقَى الشّ ْيطَانُ فِي ُأمْنِيّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّهُ مَا‬
‫‪َ { : )7‬ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ َرسُو ٍ‬
‫ج َعلَ مَا يُ ْلقِي الشّيْطَانُ فِتْ َنةً لِلّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ‬
‫حكِيمٌ * لِيَ ْ‬
‫ح ِكمُ اللّهُ آيَاتِ ِه وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫يُ ْلقِي الشّيْطَانُ ُثمّ يُ ْ‬
‫شقَاقٍ َبعِيدٍ } ‪ ،‬فلما بين ال قضاءه ‪ ،‬وبرأه من سجع‬
‫مَ َرضٌ وَا ْلقَاسِيَةِ قُلُو ُبهُ ْم وَإِنّ الظّاِلمِينَ َلفِي ِ‬
‫الشيطان ‪ ،‬انقلب المشركون بضللهم (‪ )8‬وعداوتهم المسلمين ‪ ،‬واشتدوا عليهم‪ .‬وهذا أيضًا‬
‫مرسل‪.‬‬
‫وفي تفسير ابن جرير عن الزهري ‪ ،‬عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ‪ ،‬نحوه (‬
‫‪ .)9‬وقد رواه المام (‪ )10‬أبو بكر البيهقي في كتابه "دلئل النبوة" فلم َيجُزْ به موسى بن عقبة ‪،‬‬
‫ساقه في مغازيه بنحوه ‪ ،‬قال ‪ :‬وقد روينا عن ابن إسحاق هذه القصة‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد ذكرها محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا ‪ ،‬وكلها مرسلت ومنقطعات ‪ ،‬فال‬
‫ظيّ ‪،‬‬
‫أعلم‪ .‬وقد ساقها البغوي في تفسيره مجموعة من كلم ابن عباس ‪ ،‬ومحمد بن كعب القُرَ ِ‬
‫وغيرهما بنحو من ذلك ‪ ،‬ثم سأل هاهنا سؤال كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لرسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ؟ ثم حكى أجوبة عن الناس ‪ ،‬من ألطفها ‪ :‬أن الشيطان أوقع‬
‫في مسامع المشركين ذلك ‪ ،‬فتوهموا أنه صدر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وليس كذلك‬
‫في نفس المر ‪ ،‬بل إنما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ترجى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ملء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الفريقان منهما كلهما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وحفظه ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬بضللتهم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)17/133‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬الحافظ"‪.‬‬

‫( ‪)5/443‬‬

‫كان من صنيع الشيطان ل من رسول الرحمن صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وال أعلم (‪.)1‬‬
‫وهكذا تنوعت أجوبة المتكلمين عن هذا بتقدير صحته‪ .‬وقد تعرض القاضي عياض ‪ ،‬رحمه ال ‪،‬‬
‫في كتاب "الشفاء" لهذا ‪ ،‬وأجاب بما حاصله (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬معالم التنزيل للبغوي (‪.)5/394‬‬
‫(‪ )2‬كذا في جميع النسخ وكلم القاضي عياض في الشفاء (‪ )2/107‬أذكره مختصرا له ‪ ،‬قال‬
‫رحمه ال ‪:‬‬
‫"فاعلم ‪ ،‬أكرمك ال أن لنا في الكلم على مشكل هذا الحديث مأخذين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬في توهين‬
‫أصله‪ .‬والثانى ‪ :‬على تسليمه‪.‬‬
‫أما المأخذ الول ‪ :‬فيكفيك أن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ول رواه ثقة بسند سليم‬
‫متصل‪ ..‬وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف‬
‫كل صحيح وسقيم‪.‬‬
‫وصدق القاضي بكر بن العلء المالكي حيث قال ‪ :‬لقد بلي الناس ببعض أهل الهواء والتفسير ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته ‪ ،‬واضطراب رواياته ‪ ،‬وانقطاع إسناده ‪ ،‬واختلف‬
‫كلماته ‪ ،‬فقائل يقول ‪ :‬إنه فى الصلة ‪ ،‬وآخر يقول ‪ :‬قالها في نادي قومه حين أنزلت عليه‬
‫السورة ‪ ،‬وآخر يقول ‪ :‬قالها وقد أصابته سنة ‪ ،‬وآخر بقول ‪ :‬بل حدث نفسه فسها ‪ ،‬وآخر يقول ‪:‬‬
‫إن الشيطان قالها على لسانه وإن النبي صلى ال عليه وسلم لما عرضها على جبريل قال ‪ :‬ما‬
‫هكذا أقرأتك ‪ ،‬وآخر يقول ‪ :‬بل أعلمهم الشيطان أن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قرأها فلما‬
‫بلغ النبي صلى ال عليه وسلم ذلك قال ‪" :‬وال ما هكذا أنزلت"‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من اختلف الرواة‪.‬‬
‫ومن حكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ول رفعها إلى صاحب ‪،‬‬
‫وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية‪.‬‬
‫والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬فيما‬
‫أحسب ‪ -‬الشك في الحديث أن النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬كان بمكة وذكر القصة‪.‬‬
‫قال أبو بكر البزار ‪ :‬هذا ل نعلمه يروى عن النبي صلى ال عليه وسلم بإسناد متصل يجوز ذكره‬
‫إل هذا ‪ ،‬ولم يسنده عن شعبة إل أمية بن خالد ‪ ،‬وغيره يرسله عن سعيد بن جبير ‪ ،‬وإنما يعرف‬
‫عن الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫فقد بين لك أبو بكر ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬أنه ل يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا ‪ ،‬وفيه من‬
‫الضعف ما نبه عليه مع وقوع الشك فيه كما ذكرناه الذي ل يوثق به ول حقيقة معه‪.‬‬
‫أما حديث الكلبي فمما ل تجوز الرواية عنه ول ذكره لقوة ضعفه وكذبه ‪ ،‬كما أشار إليه البزار ‪،‬‬
‫رحمه ال‪.‬‬
‫والذي منه في الصحيح ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قرأ "والنجم" وهو بمكة فسجد معه‬
‫المسلمون والمشركون والجن والنس هذا توهينه من طريق النقل‪.‬‬
‫أما من جهة المعنى ‪ ،‬فقد قامت الحجة وأجمعت المة على عصمته صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة ‪ ،‬إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير ال وهو‬
‫كفر أو يتسور عليه الشيطان ويشبه عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه ويعتقد النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم أن من القرأن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل ‪ -‬عليه السلم ‪ ، -‬وذلك كله ممتنع‬
‫في حقه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫أو يقول ذلك النبي صلى ال عليه وسلم من قبل نفسه عمدا وذلك كفر ‪ ،‬أو سهوا وهو معصوم‬
‫من هذا كله‪.‬‬
‫ووجه ثان ‪ :‬هو استحالة هذه القصة نظرا وعرفا ‪ ،‬وذلك أن هذا الكلم لو كان كما روى لكان‬
‫بعيد اللتئام ‪ ،‬متناقض القسام ‪ ،‬ممتزج المدح بالذم ‪ ،‬متخاذل التأليف والنظم ‪ ،‬ولما كان النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ول من بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين ممن يخفى عليه ذلك‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهذا ل يخفى على أدنى متأمل فكيف بمن رجح حلمه ‪ ،‬واتسع في باب البيان ومعرفة فصيح‬
‫الكلم علمه!!‬
‫ووجه ثالث ‪ :‬أنه قد علم من عادة المنافقين ‪ ،‬ومعاندي المشركين ‪ ،‬وضعفة القلوب ‪ ،‬والجهلة من‬
‫المسلمين ‪ ،‬نفورهم لول وهلة ‪ ،‬وتخليط العدو على النبي صلى ال عليه وسلم لقل فتنة ‪،‬‬
‫وتعيرهم المسلمين والشماتة بهم الفينة بعد الفينة وارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر السلم‬
‫لدنى شبهة‪...‬‬
‫ولم يحك أحد في هذه القصة شيئا سوى هذه الرواية الضعيفة‪.‬‬
‫ووجه رابع ‪ :‬ذكر الرواة لهذه القضية أن فيها نزلت " وإن كادوا ليفتنونك‪ " ..‬اليتين‪.‬‬
‫وهاتان اليتان تردان الخبر الذي رووه ؛ لن ال تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه ‪ ،‬حتى يفتري وأنه‬
‫لول أن ثبته لكاد يركن إليهم‪.‬‬
‫فمضمون هذا ومفهومه ‪ :‬أن ال تعالى عصمه من أن يفتري ‪ ،‬وثبته حتى لم يركن اليهم قليل‬
‫فكيف كثيرا وهم يروون في أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون والفتراء بمدح آلهتهم وأنه قال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ :‬افتريت على ال وقلت ما لم يقل وهذا ضد مفهوم الية وهي تضعف‬
‫الحديث لو صح ‪ ،‬فكيف ول صحة له ‪ ،‬وهذا مثل قوله تعالى في الية الخرى ‪ " :‬ولول فضل‬
‫ال عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إل أنفسهم وما يضرونك من شيء "‪.‬‬
‫وأما المأخذ الثاني ‪ :‬فهو مبني على تسليم الحديث لو صح‪ .‬وقد أعاذنا ال من صحته ‪ ،‬ولكن على‬
‫كل حال فقد أجاب عن ذلك أئمة المسلمين بأجوبة منها الغث والسمين‪.‬‬
‫ثم ذكر الجوبة على ذلك (‪ )114 - 2/111‬وممن أنكرها المام ابن خزيمة وقال ‪" :‬هذا من‬
‫وضع الزنادقة" وهذا هو الصواب‪.‬‬
‫للستزادة ‪ :‬انظر ‪ :‬السرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص ‪ 314 -‬لمحمد أبي شهبة ‪،‬‬
‫ونصب المجانيق لبطال قصة الغرانيق لمحمد ناصر الدين اللباني‪.‬‬

‫( ‪)5/444‬‬

‫وقوله ‪ { :‬إِل ِإذَا َتمَنّى َأ ْلقَى الشّ ْيطَانُ فِي ُأمْنِيّتِهِ } ‪ ،‬هذا فيه تسلية له ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‬
‫‪ ، )1‬أي ‪ :‬ل يَهيدنّك ذلك ‪ ،‬فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والنبياء‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬قال ابن عباس ‪ { :‬فِي ُأمْنِيّتِهِ } إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه ‪ ،‬فيبطل ال ما‬
‫يلقي الشيطان ويحكم ال آياته‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ِ { :‬إذَا َتمَنّى [ أَ ْلقَى الشّ ْيطَانُ فِي ُأمْنِيّ ِتهِ } ‪ ،‬يقول ‪ :‬إذا‬
‫حدث ألقى الشيطان في حديثه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬إِذَا َتمَنّى } (‪ ] )2‬يعني ‪ :‬إذا قال‪.‬‬
‫ويقال ‪ُ { :‬أمْنِيّ ِتهِ } ‪ :‬قراءته ‪ { ،‬إِل َأمَا ِنيّ } [ البقرة ‪ ، ] 78 :‬يقولون ول يكتبون‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وأكثر المفسرين قالوا ‪ :‬معنى قوله ‪َ { :‬تمَنّى } أي ‪ :‬تل وقرأ كتاب ال ‪ { ،‬أَ ْلقَى‬
‫الشّ ْيطَانُ فِي ُأمْنِيّتِهِ } أي ‪ :‬في تلوته ‪ ،‬قال الشاعر في عثمان حين قتل ‪:‬‬
‫َتمَنّى كتَابَ ال أوّل لَيْلة‪ ...‬وآخرَها لقَى حمَامَ ال َمقَادرِ (‪)3‬‬
‫وقال الضحاك ‪ِ { :‬إذَا َتمَنّى } ‪ :‬إذا تل‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬هذا القول أشبه بتأويل الكلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَيَنْسَخُ اللّهُ مَا يُ ْلقِي الشّ ْيطَانُ } ‪ ،‬حقيقة النسخ لغة ‪ :‬الزالة والرفع‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أي فيبطل ال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬ما ألقى الشيطان‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬نسخ جبريل بأمر ال ما ألقى الشيطان ‪ ،‬وأحكم ال آياته‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ عَلِيمٌ (‪[ ، } )4‬أي ‪ :‬بما يكون من المور والحوادث ‪ ،‬ل تخفى عليه خافية] (‪، )5‬‬
‫ج َعلَ‬
‫حكِيمٌ } أي ‪ :‬في تقديره وخلقه وأمره ‪ ،‬له الحكمة التامة والحجة البالغة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬لِ َي ْ‬
‫{ َ‬
‫مَا يُ ْلقِي الشّيْطَانُ فِتْنَةً لِلّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ } أي ‪ :‬شك وشرك وكفر ونفاق ‪ ،‬كالمشركين حين‬
‫فرحوا بذلك ‪ ،‬واعتقدوا أنه صحيح ‪ ،‬وإنما كان من الشيطان‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه وسلمه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيت في اللسان ‪ ،‬مادة (منى) غير منسوب‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليم حكيم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)5/445‬‬

‫عقِيمٍ (‪)55‬‬
‫عذَابُ َيوْمٍ َ‬
‫وَلَا يَزَالُ الّذِينَ َكفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتّى تَأْتِ َيهُمُ السّاعَةُ َبغْتَةً َأوْ يَأْتِ َيهُمْ َ‬

‫قال ابن جريج ‪ { :‬لِلّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ } هم ‪ :‬المنافقون { وَالْقَاسِ َيةِ قُلُو ُبهُمْ } ‪ :‬المشركون‪.‬‬
‫وقال مقاتل بن حيان ‪ :‬هم [الكافرون] (‪ )1‬اليهود‪.‬‬
‫شقَاقٍ َبعِيدٍ } أي ‪ :‬في ضلل ومخالفة وعناد بعيد ‪ ،‬أي ‪ :‬من الحق‬
‫{ وَإِنّ الظّاِلمِينَ َلفِي ِ‬
‫والصواب‪.‬‬
‫{ وَلِ َيعْلَمَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ أَنّهُ ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبكَ فَ ُيؤْمِنُوا بِهِ } أي ‪ :‬وليعلم الذين أوتوا العلم النافع الذي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يفرقون به بين الحق والباطل ‪ ،‬المؤمنون بال ورسوله ‪ ،‬أن ما أوحيناه إليك هو الحق من ربك ‪،‬‬
‫طلُ مِنْ‬
‫الذي أنزله بعلمه وحفظه وحرسه أن يختلط به غيره ‪ ،‬بل هو كتاب حكيم ‪ { ،‬ل يَأْتِيهِ الْبَا ِ‬
‫حمِيدٍ } [ فصلت ‪.] 42 :‬‬
‫حكِيمٍ َ‬
‫بَيْنِ يَدَ ْي ِه وَل مِنْ خَ ْلفِهِ تَنزيلٌ مِنْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَ ُي ْؤمِنُوا بِهِ } أي ‪ :‬يصدقوه وينقادوا له ‪ { ،‬فَ ُتخْ ِبتَ لَهُ قُلُو ُبهُمْ } أي ‪ :‬تخضع وتذل ‪،‬‬
‫{ وَإِنّ اللّهَ َلهَادِ الّذِينَ آمَنُوا ِإلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ } أي ‪ :‬في الدنيا والخرة ‪ ،‬أما في الدنيا فيرشدهم‬
‫إلى الحق واتباعه ‪ ،‬ويوفقهم لمخالفة الباطل واجتنابه ‪ ،‬وفي الخرة يهديهم [إلى] (‪ )2‬الصراط‬
‫المستقيم ‪ ،‬الموصل إلى درجات الجنات ‪ ،‬ويزحزحهم عن العذاب الليم والدركات‪.‬‬
‫عقِيمٍ (‪} )55‬‬
‫عذَابُ َيوْمٍ َ‬
‫{ وَل يَزَالُ الّذِينَ َكفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتّى تَأْتِ َيهُمُ السّاعَةُ َبغْتَةً َأوْ يَأْتِ َيهُمْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)5/446‬‬

‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ (‪ )56‬وَالّذِينَ َكفَرُوا‬


‫حكُمُ بَيْ َن ُهمْ فَالّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫ا ْلمُ ْلكُ َي ْومَئِذٍ لِلّهِ يَ ْ‬
‫َوكَذّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَ ِئكَ َل ُهمْ عَذَابٌ ُمهِينٌ (‪)57‬‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ (‪ )56‬وَالّذِينَ َكفَرُوا‬


‫حكُمُ بَيْ َنهُمْ فَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫{ ا ْلمُ ْلكُ َي ْومَئِذٍ لِلّهِ َي ْ‬
‫َوكَذّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَ ِئكَ َل ُهمْ عَذَابٌ ُمهِينٌ (‪.} )57‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن الكفار ‪ :‬أنهم ل يزالون في مرية ‪ ،‬أي ‪ :‬في شك وريب من هذا القرآن ‪،‬‬
‫قاله ابن جريج ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ ،‬وابن زيد ‪ { :‬مِنْهُ } أي ‪ :‬مما ألقى الشيطان‪.‬‬
‫عةُ َبغْتَةً } ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬فجأة‪ .‬وقال قتادة ‪َ { :‬بغْتَةً } ‪ ،‬بغت [القوم] (‪ )1‬أمر‬
‫{ حَتّى تَأْتِ َيهُمُ السّا َ‬
‫ال ‪ ،‬وما أخذ ال قومًا قط إل عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم ‪ ،‬فل تغتروا بال ‪ ،‬إنه ل يغتر بال‬
‫(‪ )2‬إل القوم الفاسقون‪.‬‬
‫عقِيمٍ } ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬قال أبي بن كعب ‪ :‬هو يوم بدر ‪ ،‬وكذا قال‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوْ يَأْتِ َيهُمْ عَذَابُ َيوْمٍ َ‬
‫عكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وقتادة وغير واحد‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ ،‬ومجاهد [في رواية عنهما] (‪ : )3‬هو يوم القيامة ل ليلة له‪ .‬وكذا قال الضحاك ‪،‬‬
‫والحسن البصري‪.‬‬
‫وهذا القول هو الصحيح ‪ ،‬وإن كان يوم بدر من جملة ما أوعدوا به ‪ ،‬لكن هذا هو المراد ؛ ولهذا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬اليوم" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فل يغتر به"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/446‬‬

‫حسَنًا وَإِنّ اللّهَ َل ُهوَ خَيْرُ‬


‫وَالّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ُثمّ قُتِلُوا َأوْ مَاتُوا لَيَرْ ُزقَ ّنهُمُ اللّهُ رِ ْزقًا َ‬
‫ك َومَنْ عَا َقبَ ِبمِ ْثلِ مَا عُو ِقبَ‬
‫ضوْنَ ُه وَإِنّ اللّهَ َلعَلِيمٌ حَلِيمٌ (‪ )59‬ذَِل َ‬
‫الرّا ِزقِينَ (‪ )58‬لَيُ ْدخِلَ ّنهُمْ ُمدْخَلًا يَ ْر َ‬
‫غفُورٌ (‪)60‬‬
‫بِهِ ُثمّ ُب ِغيَ عَلَ ْيهِ لَيَ ْنصُرَنّهُ اللّهُ إِنّ اللّهَ َل َع ُفوّ َ‬

‫ح ُكمُ بَيْ َنهُمْ } ‪ ،‬كقوله { مَاِلكِ َيوْمِ الدّينِ } [ الفاتحة ‪ ] 4 :‬وقوله ‪ { :‬ا ْلمُ ْلكُ‬
‫قال ‪ { :‬ا ْلمُ ْلكُ َي ْومَئِذٍ لِلّهِ يَ ْ‬
‫ن َوكَانَ َي ْومًا عَلَى ا ْلكَافِرِينَ عَسِيرًا } [ الفرقان ‪.] 26 :‬‬
‫حمَ ِ‬
‫حقّ لِلرّ ْ‬
‫َي ْومَئِذٍ الْ َ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ } ‪ ،‬أي ‪ :‬آمنت قلوبهم ‪ ،‬وصدقوا بال ورسوله ‪ ،‬وعملوا‬
‫{ فَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫بمقتضى ما علموا ‪ ،‬وتوافق قلوبهم وأقوالهم وأعمالهم (‪.)1‬‬
‫{ فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ }‪ .‬أي ‪ :‬لهم النعيم المقيم ‪ ،‬الذي ل يحول ول يزول ول يبيد‪.‬‬
‫{ وَالّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآيَاتِنَا } أي ‪ :‬كفرت قلوبهم بالحق ‪ ،‬وجحدوا به (‪ )2‬وكذبوا به ‪ ،‬وخالفوا‬
‫عذَابٌ ُمهِينٌ } أي ‪ :‬مقابلة استكبارهم وإعراضهم (‬
‫الرسل ‪ ،‬واستكبروا عن اتباعهم { فَأُولَ ِئكَ َلهُمْ َ‬
‫جهَنّمَ دَاخِرِينَ } [ غافر‬
‫‪ )3‬عن الحق ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ يَسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَ َيدْخُلُونَ َ‬
‫‪ ] 60 :‬أي ‪ :‬صاغرين‪.‬‬
‫{ وَالّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمّ قُتِلُوا َأوْ مَاتُوا لَيَرْ ُزقَ ّنهُمُ اللّهُ رِ ْزقًا حَسَنًا وَإِنّ اللّهَ َل ُهوَ خَيْرُ‬
‫ك َومَنْ عَا َقبَ ِبمِ ْثلِ مَا عُو ِقبَ‬
‫ضوْنَ ُه وَإِنّ اللّهَ َلعَلِيمٌ حَلِيمٌ (‪ )59‬ذَِل َ‬
‫الرّا ِزقِينَ (‪ )58‬لَيُ ْدخِلَ ّنهُمْ ُمدْخَل يَ ْر َ‬
‫غفُورٌ (‪.} )60‬‬
‫بِهِ ُثمّ ُب ِغيَ عَلَ ْيهِ لَيَ ْنصُرَنّهُ اللّهُ إِنّ اللّهَ َل َع ُفوّ َ‬
‫يخبر تعالى عمن خرج مهاجرًا في سبيل ال ابتغاء مرضاته ‪ ،‬وطلبا لما عنده ‪ ،‬وترك الوطان‬
‫والهلين والخِلن ‪ ،‬وفارق بلده في ال ورسوله ‪ ،‬ونصرة لدين ال { ثُمّ قُتِلُوا } أي ‪ :‬في الجهاد‬
‫{ َأوْ مَاتُوا } أي ‪ :‬حتف أنفهم (‪ ، )4‬أي ‪ :‬من غير قتال على فرشهم ‪ ،‬فقد حصلوا على الجر‬
‫الجزيل ‪ ،‬والثناء الجميل ‪ ،‬كما قال تعالى { َومَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْ ِتهِ ُمهَاجِرًا إِلَى اللّ ِه وَرَسُولِهِ ثُمّ‬
‫يُدْ ِركْهُ ا ْل َموْتُ َفقَ ْد َوقَعَ َأجْ ُرهُ عَلَى اللّهِ } [ النساء ‪.] 100 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لَيَرْ ُزقَ ّنهُمُ اللّهُ رِ ْزقًا حَسَنًا } أي ‪ :‬ل ُيجْريَن عليهم (‪ )5‬من فضله ورزقه من الجنة ما تقر‬
‫ضوْنَهُ } أي ‪ :‬الجنة‪ .‬كما قال تعالى‬
‫به أعينهم ‪ { ،‬وَإِنّ اللّهَ َل ُهوَ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ‪ .‬لَيُ ْدخِلَ ّنهُمْ مُ ْدخَل يَ ْر َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَجَنّةُ َنعِيمٍ } [ الواقعة ‪ ] 89 ، 88 :‬فأخبر أنه‬
‫ح وَرَيْحَا ٌ‬
‫‪ { :‬فََأمّا إِنْ كَانَ مِنَ ا ْل ُمقَرّبِينَ‪ .‬فَ َروْ ٌ‬
‫يحصل له الراحة والرزق وجنة نعيم ‪ ،‬كما قال هاهنا ‪ { :‬لَيَرْ ُزقَ ّنهُمُ اللّهُ رِ ْزقًا حَسَنًا } ‪ ،‬ثم قال ‪{ :‬‬
‫ضوْنَ ُه وَإِنّ اللّهَ َلعَلِيمٌ } أي ‪ :‬بمن يهاجر ويجاهد في سبيله ‪ ،‬وبمن يستحق‬
‫لَيُ ْدخِلَ ّنهُمْ مُ ْدخَل يَ ْر َ‬
‫ذلك ‪ { ،‬حَلِيمٌ } أي ‪ :‬يحلم ويصفح ويغفر لهم الذنوب ويكفرها عنهم بهجرتهم إليه ‪ ،‬وتوكلهم‬
‫عليه‪ .‬فأما من قتل في سبيل ال من مهاجر أو غير مهاجر ‪ ،‬فإنه حي عند ربه يرزق ‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى ‪ { :‬وَل َتحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتًا َبلْ َأحْيَاءٌ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ يُرْ َزقُونَ } [ آل عمران‬
‫‪ ، ] 169 :‬والحاديث في هذا كثيرة ‪ ،‬كما تقدم (‪ )6‬وأما من ُتوُفي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وأفعالهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وجحدته"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وإبائهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أنفسهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ليجزيهم عليه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬مر"‪.‬‬

‫( ‪)5/447‬‬

‫في سبيل ال من مهاجر أو غير مهاجر ‪ ،‬فقد تضمنت هذه الية الكريمة مع الحاديث الصحيحة‬
‫إجراء الرزق عليه ‪ ،‬وعظيم إحسان ال إليه‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا المسيّب بن واضح ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪ ،‬عن عبد الرحمن‬
‫بن شُرَيْح ‪ ،‬عن ابن (‪ )1‬الحارث ‪ -‬يعني ‪ :‬عبد الكريم ‪ -‬عن ابن عقبة ‪ -‬يعني ‪ :‬أبا عبيدة بن‬
‫سمْط ‪ :‬طال رباطنا وإقامتنا على حصن بأرض الروم ‪،‬‬
‫عقبة ‪ -‬قال ‪ :‬حدثنا (‪ )2‬شُرَحْبِيل بن ال ّ‬
‫فمر بي سلمان ‪ -‬يعني ‪ :‬الفارسي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني سمعت رسول ال يقول ‪" :‬من‬
‫مات مرابطًا ‪ ،‬أجرى ال عليه مثل ذلك الجر ‪ ،‬وأجرى عليه الرزق ‪ ،‬وأمن (‪ )3‬من الفَتّانين"‬
‫واقرءوا إن شئتم ‪ { :‬وَالّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ُثمّ قُتِلُوا َأوْ مَاتُوا لَيَرْ ُزقَ ّن ُهمُ اللّهُ رِ ْزقًا حَسَنًا وَإِنّ‬
‫اللّهَ َل ُهوَ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ لَ ُيدْخِلَ ّن ُهمْ مُدْخَل يَ ْرضَوْنَ ُه وَإِنّ اللّهَ َلعَلِيمٌ حَلِيمٌ }‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبو زرعة ‪ ،‬حدثنا زيد بن بشر ‪ ،‬أخبرني همام ‪ ،‬أنه سمع أبا قبيل وربيعة بن‬
‫سيف المعافري يقولن ‪ :‬كنا برودس ‪ ،‬ومعنا َفضَالة بن عبيد النصاري ‪ -‬صاحب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فمر بجنازتين ‪ ،‬إحداهما قتيل والخرى متوفى ‪ ،‬فمال الناس على القتيل ‪،‬‬
‫فقال فضالة ‪ :‬ما لي (‪ )4‬أرى الناس مالوا مع هذا ‪ ،‬وتركوا هذا ؟! فقالوا ‪ :‬هذا قتيل في سبيل ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تعالى‪ .‬فقال ‪ :‬وال ما أبالي من أي حُفرتيهما بُعثت ‪ ،‬اسمعوا كتاب ال ‪ { :‬وَالّذِينَ هَاجَرُوا فِي‬
‫سَبِيلِ اللّهِ ثُمّ قُتِلُوا َأوْ مَاتُوا [ لَيَرْ ُزقَ ّنهُمُ اللّهُ رِ ْزقًا حَسَنًا وَإِنّ اللّهَ َل ُهوَ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ ] (‪} )5‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبدة بن سليمان ‪ ،‬أنبأنا ابن المبارك ‪ ،‬أنبأنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا‬
‫جحْدَم الخولني حدثه ‪ :‬أنه حضر فضالة بن‬
‫سلمان بن عامر الشعباني ‪ ،‬أن عبد الرحمن بن َ‬
‫عبيد في البحر مع جنازتين ‪ ،‬أحدهما أصيب بمنجنيق والخر توفي ‪ ،‬فجلس فضالة بن عبيد عند‬
‫قبر المتوفى ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬تركت الشهيد فلم تجلس عنده ؟ فقال ‪ :‬ما أبالي من أي حفرتيهما بعثتُ ‪،‬‬
‫إن ال يقول ‪ { :‬وَالّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ُثمّ قُتِلُوا َأوْ مَاتُوا [ لَيَرْ ُزقَ ّنهُمُ اللّهُ رِ ْزقًا حَسَنًا وَإِنّ‬
‫ضوْنَهُ } فما تبتغي (‪ )7‬أيها العبد إذا أدخلت‬
‫اللّهَ َل ُهوَ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ‪ .‬لَ ُيدْخِلَ ّنهُمْ مُدْخَل ] (‪ )6‬يَ ْر َ‬
‫مدخل ترضاه ورزقت رزقًا حسنًا ‪ ،‬وال ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن يونس بن عبد العلى ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬أخبرني عبد الرحمن بن شُرَيْح ‪،‬‬
‫عن سلمان بن عامر قال ‪ :‬كان فضالة برودس أميرًا على الرباع ‪ ،‬فخرج بجنازتي رجلين ‪،‬‬
‫أحدهما قتيل (‪ )8‬والخر متوفى‪ ...‬فذكر نحو ما تقدم (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أبي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وأومن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ وفي هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬حتى آخر الية"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬وفي ت ‪" :‬إلى قوله"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ينبغي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬قتل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)17/136‬‬

‫( ‪)5/448‬‬

‫سمِيعٌ َبصِيرٌ (‪ )61‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ‬


‫ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَا ِر وَيُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْيلِ وَأَنّ اللّهَ َ‬
‫طلُ وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرُ (‪ )62‬أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَنْ َزلَ‬
‫ق وَأَنّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ُهوَ الْبَا ِ‬
‫حّ‬‫ُهوَ الْ َ‬
‫ت َومَا فِي‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫خضَ ّرةً إِنّ اللّهَ َلطِيفٌ خَبِيرٌ (‪ )63‬لَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫سمَاءِ مَاءً فَ ُتصْبِحُ الْأَ ْرضُ مُ ْ‬
‫مِنَ ال ّ‬
‫حمِيدُ (‪)64‬‬
‫ض وَإِنّ اللّهَ َل ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ ا ْل َ‬
‫الْأَ ْر ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ك َومَنْ عَا َقبَ ِبمِ ْثلِ مَا عُو ِقبَ ِبهِ ثُمّ ُب ِغيَ عَلَيْهِ لَيَ ْنصُرَنّهُ اللّهُ } ‪ ،‬ذكر (‪ )1‬مقاتل بن‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِل َ‬
‫حيان وابن جريج أنها نزلت في سرية من الصحابة ‪ ،‬لقوا جمعًا من المشركين في شهر محرم ‪،‬‬
‫فناشدهم المسلمون لئل يقاتلوهم في الشهر الحرام ‪ ،‬فأبى المشركون إل قتالهم وبغوا عليهم ‪،‬‬
‫غفُورٌ }‬
‫فقاتلهم المسلمون ‪ ،‬فنصرهم ال عليهم ‪[ ،‬و] (‪ { )2‬إِنّ اللّهَ َل َع ُفوّ َ‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ (‪ )61‬ذَِلكَ بِأَنّ‬
‫ل وَأَنّ اللّهَ َ‬
‫{ ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ وَيُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْي ِ‬
‫ل وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرُ (‪.} )62‬‬
‫طُ‬‫ق وَأَنّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ُهوَ الْبَا ِ‬
‫حّ‬‫اللّهَ ُهوَ الْ َ‬
‫يقول تعالى منبها على أنه الخالق المتصرف في خلقه بما يشاء ‪ ،‬كما قال ‪ُ { :‬قلِ الّلهُمّ مَاِلكَ ا ْلمُ ْلكِ‬
‫ُتؤْتِي ا ْلمُ ْلكَ مَنْ َتشَا ُء وَتَنزعُ ا ْلمُ ْلكَ ِممّنْ َتشَا ُء وَ ُتعِزّ مَنْ تَشَا ُء وَتُ ِذلّ مَنْ تَشَاءُ بِ َي ِدكَ ا ْلخَيْرُ إِ ّنكَ عَلَى‬
‫حيّ مِنَ ا ْلمَ ّيتِ وَتُخْرِجُ‬
‫ل وَتُخْرِجُ ا ْل َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ‪ .‬تُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ [ وَتُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْي ِ‬
‫ُكلّ َ‬
‫ي وَتَرْزُقُ مَنْ َتشَاءُ ِبغَيْرِ حِسَابٍ ] (‪ [ } )3‬آل عمران ‪ ] 27 ، 26 :‬ومعنى إيلجه‬
‫حّ‬‫ا ْلمَ ّيتَ مِنَ الْ َ‬
‫الليل في النهار ‪ ،‬والنهار في الليل ‪ :‬إدخاله من هذا في هذا ‪ ،‬ومن هذا في هذا ‪ ،‬فتارة يطول‬
‫الليل ويقصر النهار ‪ ،‬كما في الشتاء ‪ ،‬وتارة يطول النهار ويقصر الليل ‪ ،‬كما في الصيف‪.‬‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ } أي ‪ :‬سميع بأقوال عباده ‪ ،‬بصير بهم ‪ ،‬ل يخفى عليه منهم‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنّ اللّهَ َ‬
‫خافية في أحوالهم وحركاتهم وسكناتهم‪.‬‬
‫ولما بين أنه المتصرف في الوجود ‪ ،‬الحاكم الذي ل معقب لحكمه ‪ ،‬قال ‪ { :‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ ُهوَ‬
‫حقّ } أي ‪ :‬الله الحق الذي ل تنبغي العبادة إل له ؛ لنه ذو السلطان العظيم ‪ ،‬الذي ما شاء كان‬
‫الْ َ‬
‫طلُ } أي‬
‫وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬وكل شيء فقير إليه ‪ ،‬ذليل لديه ‪ { ،‬وَأَنّ مَا َيدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ُهوَ الْبَا ِ‬
‫‪ :‬من الصنام والنداد والوثان ‪ ،‬وكل ما عبد من دونه تعالى فهو باطل ؛ لنه ل يملك ضرًا ول‬
‫نفعًا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرُ } ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْلعَظِيمُ } [ البقرة ‪ ، ] 255 :‬وقال‬
‫‪ { :‬ا ْلكَبِيرُ (‪ )4‬ا ْلمُ َتعَالِ } [ الرعد ‪ ] 9 :‬فكل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته ‪ ،‬ل إله إل هو ‪،‬‬
‫ول رب سواه ؛ لنه العظيم الذي ل أعظم منه ‪ ،‬العلي الذي ل أعلى منه ‪ ،‬الكبير الذي ل أكبر‬
‫منه ‪ ،‬تعالى وتقدس وتنزه ‪ ،‬وعز وجل عما يقول الظالمون [المعتدون] (‪ )5‬علوا كبيرا‪.‬‬
‫خضَ ّرةً إِنّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (‪ )63‬لَهُ مَا فِي‬
‫سمَاءِ مَاءً فَ ُتصْبِحُ ال ْرضُ مُ ْ‬
‫{ أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَنزلَ مِنَ ال ّ‬
‫حمِيدُ (‪} )64‬‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ وَإِنّ اللّهَ َل ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ الْ َ‬
‫ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ :‬وفي ت ‪" :‬الية"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وهو الكبير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)5/449‬‬

‫سمَاءَ أَنْ َتقَعَ عَلَى‬


‫سكُ ال ّ‬
‫ض وَا ْلفُ ْلكَ َتجْرِي فِي الْبَحْرِ بَِأمْ ِر ِه وَ ُيمْ ِ‬
‫أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ سَخّرَ َلكُمْ مَا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫الْأَ ْرضِ إِلّا بِِإذْنِهِ إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ َرحِيمٌ (‪ )65‬وَ ُهوَ الّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ ُيحْيِيكُمْ إِنّ‬
‫الْإِنْسَانَ َل َكفُورٌ (‪)66‬‬

‫سمَاءَ أَنْ َتقَعَ‬


‫سكُ ال ّ‬
‫ض وَا ْلفُ ْلكَ َتجْرِي فِي الْبَحْرِ بَِأمْ ِر ِه وَ ُيمْ ِ‬
‫{ أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ سَخّرَ َل ُكمْ مَا فِي ال ْر ِ‬
‫عَلَى الرْضِ إِل بِإِذْ ِنهِ إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَ َرءُوفٌ َرحِيمٌ (‪ )65‬وَ ُهوَ الّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ ُيحْيِيكُمْ‬
‫إِنّ النْسَانَ َل َكفُورٌ (‪.} )66‬‬

‫( ‪)5/449‬‬

‫وهذا أيضا من الدللة على قدرته وعظيم سلطانه ‪ ،‬فإنه يرسل (‪ )1‬الرياح ‪ ،‬فتثير سحابا ‪ ،‬فيمطر‬
‫على الرض الجُرُز التي (‪ )2‬ل نبات فيها ‪ ،‬وهي هامدة يابسة سوداء قحلة ‪ { ،‬فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَ ْيهَا‬
‫ا ْلمَاءَ اهْتَ ّزتْ وَرَ َبتْ } [ الحج ‪.]5 :‬‬
‫خضَ ّرةً } ‪ ،‬الفاء هاهنا للتعقيب ‪ ،‬وتعقيب كل شيء بحسبه ‪ ،‬كما قال‬
‫وقوله ‪ { :‬فَ ُتصْبِحُ ال ْرضُ مُ ْ‬
‫ضغَةَ عِظَامًا } [ المؤمنون ‪ ، ] 14 :‬وقد ثبت‬
‫ضغَةً فَخََلقْنَا ا ْل ُم ْ‬
‫طفَةَ عََلقَةً َفخََلقْنَا ا ْلعََلقَةَ ُم ْ‬
‫‪ { :‬خََلقْنَا النّ ْ‬
‫في الصحيحين ‪" :‬أن بين كل شيئين أربعين يوما" ومع هذا هو معقب (‪ )3‬بالفاء ‪ ،‬وهكذا هاهنا‬
‫خضَ ّرةً } أي ‪ :‬خضراء بعد يبسها ومُحُولها (‪.)4‬‬
‫قال ‪ { :‬فَ ُتصْبِحُ ال ْرضُ مُ ْ‬
‫وقد ذكر عن بعض أهل (‪ )5‬الحجاز ‪ :‬أنها تصبح عقب المطر خضراء ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َلطِيفٌ خَبِيرٌ } أي ‪ :‬عليم بما في أرجاء الرض وأقطارها وأجزائها من الحب‬
‫وإن صغر ‪ ،‬ل يخفى عليه خافية ‪ ،‬فيوصل إلى كل منه قسطه من الماء فينبته به ‪ ،‬كما قال لقمان‬
‫سمَاوَاتِ َأوْ فِي الرْضِ يَ ْأتِ‬
‫‪ { :‬يَا بُ َنيّ إِ ّنهَا إِنْ َتكُ مِثْقَالَ حَبّةٍ مِنْ خَ ْر َدلٍ فَ َتكُنْ فِي صَخْ َرةٍ َأوْ فِي ال ّ‬
‫خبْءَ فِي‬
‫سجُدُوا لِلّهِ الّذِي ُيخْرِجُ ا ْل َ‬
‫ِبهَا اللّهُ إِنّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } [ لقمان ‪ ، ] 16 :‬وقال ‪ { :‬أَل يَ ْ‬
‫ن وَ َرقَةٍ إِل َيعَْل ُمهَا وَل حَبّةٍ‬
‫سقُطُ مِ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ } [ النمل ‪ ، ] 25 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ومَا تَ ْ‬
‫ال ّ‬
‫ب وَل يَا ِبسٍ إِل فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ النعام ‪ ، ] 59 :‬وقال { َومَا‬
‫ط ٍ‬
‫فِي ظُُلمَاتِ ال ْرضِ وَل رَ ْ‬
‫َيعْ ُزبُ عَنْ رَ ّبكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَ ّرةٍ } الية [ يونس ‪ ] 61 :‬؛ ولهذا قال أمية بن [أبي] (‪ )6‬الصلت ‪-‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أو ‪ :‬زيد بن عمرو بن نُفيل ‪ -‬في قصيدته ‪:‬‬
‫َوقُول لَه ‪ :‬مَن يُنْ ِبتُ الحبّ في الثّرَى‪ ...‬فَيُصبحَ منْهُ ال َبقْلُ َيهْتَزّ رَابيَا?‪...‬‬
‫ن وَاعيا (‪)7‬‬
‫ويُخْرجُ منْهُ حَبّه في ُرؤُوسه‪ ...‬فَفي ذَاك آيات لمَنْ كَا َ‬
‫حمِيدُ } أي ‪ :‬ملكه جميع‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ وَإِنّ اللّهَ َل ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ الْ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬لهُ مَا فِي ال ّ‬
‫الشياء ‪ ،‬وهو غني عما سواه ‪ ،‬وكل شيء فقير إليه ‪ ،‬عبد لديه‪.‬‬
‫سخّرَ َلكُمْ مَا فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬من حيوان ‪ ،‬وجماد ‪ ،‬وزروع ‪ ،‬وثمار‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ َ‬
‫جمِيعًا مِنْهُ } [ الجاثية ‪ ] 13 :‬أي ‪ :‬من‬
‫ت َومَا فِي ال ْرضِ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫كما قال ‪ { :‬وَسَخّرَ َلكُمْ مَا فِي ال ّ‬
‫إحسانه وفضله وامتنانه ‪ { ،‬وَا ْلفُ ْلكَ َتجْرِي فِي الْبَحْرِ بَِأمْ ِرهِ } أي ‪ :‬بتسخيره وتسييره ‪ ،‬أي ‪ :‬في‬
‫البحر العَجَاج ‪ ،‬وتلطم المواج ‪ ،‬تجري الفلك بأهلها (‪ )8‬بريح طيبة ‪ ،‬ورفق وتؤدة ‪ ،‬فيحملون‬
‫فيها ما شاءوا من تجائر وبضائع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وأنه مرسل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬تعقيب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وقحوطا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ت ‪" :‬أرض" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/228‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬بأمرها"‪.‬‬

‫( ‪)5/450‬‬

‫سكُوهُ فَلَا يُنَازِعُ ّنكَ فِي الَْأمْ ِر وَا ْدعُ إِلَى رَ ّبكَ إِ ّنكَ َلعَلَى ُهدًى مُسْ َتقِيمٍ (‬
‫سكًا هُمْ نَا ِ‬
‫جعَلْنَا مَ ْن َ‬
‫ِل ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫حكُمُ بَيْ َن ُكمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ‬
‫علَمُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪ )68‬اللّهُ يَ ْ‬
‫‪ )67‬وَإِنْ جَادَلُوكَ َف ُقلِ اللّهُ أَ ْ‬
‫تَخْتَِلفُونَ (‪)69‬‬

‫ومنافع ‪ ،‬من بلد إلى بلد ‪ ،‬وقطر إلى قطر ‪ ،‬ويأتون بما عند أولئك إلى هؤلء ‪ ،‬كما ذهبوا بما‬
‫سمَاءَ أَنْ َتقَعَ عَلَى‬
‫سكُ ال ّ‬
‫عند هؤلء إلى أولئك ‪ ،‬مما يحتاجون إليه ‪ ،‬ويطلبونه ويريدونه ‪ { ،‬وَ ُيمْ ِ‬
‫ال ْرضِ إِل بِِإذْنِهِ } أي ‪ :‬لو شاء لذن للسماء فسقطت على الرض ‪ ،‬فهلك من فيها ‪ ،‬ولكن من‬
‫لطفه ورحمته وقدرته يمسك السماء أن تقع على الرض إل بإذنه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي ‪ :‬مع ظلمهم ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ { :‬وَإِنّ رَ ّبكَ لَذُو َم ْغفِ َرةٍ لِلنّاسِ عَلَى‬
‫ظُ ْل ِمهِمْ وَإِنّ رَ ّبكَ لَشَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ } [ الرعد ‪.] 6 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ يُحْيِي ُكمْ إِنّ النْسَانَ َل َكفُورٌ } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬كَ ْيفَ َت ْكفُرُونَ‬
‫جعُونَ } [ البقرة ‪ ، ] 28 :‬وقوله ‪ُ { :‬قلِ‬
‫بِاللّ ِه َوكُنْتُمْ َأ ْموَاتًا فََأحْيَاكُمْ ُثمّ ُيمِي ُتكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ ُثمّ إِلَ ْيهِ تُرْ َ‬
‫ج َم ُعكُمْ ِإلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ ل رَ ْيبَ فِيهِ } [ الجاثية ‪ ، ] 26 :‬وقوله ‪ { :‬قَالُوا‬
‫اللّهُ ُيحْيِيكُمْ ُثمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ يَ ْ‬
‫ن وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } [ غافر ‪ ] 11 :‬ومعنى الكلم ‪ :‬كيف تجعلون [مع] (‪ )1‬ال أندادا‬
‫رَبّنَا َأمَتّنَا اثْنَتَيْ ِ‬
‫وتعبدون معه غيره ‪ ،‬وهو المستقل بالخلق والرزق والتصرف ‪ { ،‬وَ ُهوَ الّذِي َأحْيَاكُمْ } أي ‪:‬‬
‫خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئًا يذكر ‪ ،‬فأوجدكم { ُثمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ يُحْيِي ُكمْ } أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ { ،‬إِنّ‬
‫النْسَانَ َل َكفُورٌ } أي ‪ :‬جحود‪.‬‬
‫سكُوهُ فَل يُنَازِعُ ّنكَ فِي المْرِ وَا ْدعُ إِلَى رَ ّبكَ إِ ّنكَ َلعَلَى ُهدًى مُسْ َتقِيمٍ (‬
‫سكًا ُهمْ نَا ِ‬
‫جعَلْنَا مَنْ َ‬
‫{ ِل ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫حكُمُ بَيْ َن ُكمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ‬
‫علَمُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪ )68‬اللّهُ يَ ْ‬
‫‪ )67‬وَإِنْ جَادَلُوكَ َف ُقلِ اللّهُ أَ ْ‬
‫تَخْتَِلفُونَ (‪.} )69‬‬
‫يخبر تعالى أنه جعل لكل قوم (‪ )2‬منسكا‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يعني ‪ :‬لكل أمة نبي منسكا‪ .‬قال ‪ :‬وأصل المنسك في كلم العرب ‪ :‬هو الموضع‬
‫الذي يعتاده النسان ‪ ،‬ويتردد إليه ‪ ،‬إما لخير أو شر‪ .‬قال ‪ :‬ولهذا سميت مناسك الحج بذلك ‪،‬‬
‫لترداد الناس إليها وعكوفهم عليها (‪.)3‬‬
‫سكًا } فيكون المراد بقوله ‪ { :‬فَل يُنَازِعُ ّنكَ‬
‫جعَلْنَا مَنْ َ‬
‫فإن كان كما قال من أن المراد ‪ِ { :‬ل ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫فِي المْرِ } أي ‪ :‬هؤلء المشركون‪ .‬وإن كان المراد ‪" :‬لكل أمة جعلنا منسكا جعل قدريا ‪ -‬كما‬
‫سكُوهُ } أي ‪ :‬فاعلوه‬
‫جهَةٌ ُهوَ ُموَلّيهَا } [ البقرة ‪ ] 148 :‬ولهذا قال هاهنا ‪ُ { :‬همْ نَا ِ‬
‫ل وِ ْ‬
‫قال ‪ { :‬وَِل ُك ّ‬
‫‪ -‬فالضمير هاهنا عائد على هؤلء الذين لهم مناسك وطرائق ‪ ،‬أي ‪ :‬هؤلء إنما يفعلون هذا عن‬
‫قدر ال وإرادته ‪ ،‬فل تتأثر بمنازعتهم لك ‪ ،‬ول يصرفك ذلك عما أنت عليه من الحق ؛ ولهذا قال‬
‫‪ { :‬وَا ْدعُ إِلَى رَ ّبكَ إِ ّنكَ َلعَلَى ُهدًى مُسْ َتقِيمٍ } أي ‪ :‬طريق واضح مستقيم موصل إلى المقصود‪.‬‬
‫ك وَا ْدعُ إِلَى رَ ّبكَ } [ القصص ‪.] 87 :‬‬
‫وهذه كقوله ‪ { :‬وَل َيصُدّ ّنكَ عَنْ آيَاتِ اللّهِ َبعْدَ إِذْ أُنزَلتْ إِلَ ْي َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أمة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)17/138‬‬

‫( ‪)5/451‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ إِنّ ذَِلكَ فِي كِتَابٍ إِنّ َذِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ (‪)70‬‬
‫أَلَمْ َتعَْلمْ أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬

‫عمَلِي وََلكُمْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ جَادَلُوكَ َفقُلِ اللّهُ أَعْلَمُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَإِنْ كَذّبُوكَ َفقُلْ لِي َ‬
‫ل وَأَنَا بَرِيءٌ ِممّا َت ْعمَلُونَ } [ يونس ‪.] 41 :‬‬
‫ع َم ُ‬
‫عمَُلكُمْ أَنْ ُتمْ بَرِيئُونَ ِممّا أَ ْ‬
‫َ‬
‫وقوله ‪ { :‬اللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ } تهديد شديد ‪ ،‬ووعيد أكيد ‪ ،‬كقوله ‪ُ { :‬هوَ أَعَْلمُ ِبمَا ُتفِيضُونَ فِيهِ‬
‫حكُمُ بَيْ َنكُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا‬
‫شهِيدًا بَيْنِي وَبَيْ َنكُمْ } [ الحقاف ‪ ] 8 :‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬اللّهُ (‪َ )1‬ي ْ‬
‫َكفَى بِهِ َ‬
‫كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَِلفُونَ }‬
‫ت وَل تَتّبِعْ أَ ْهوَاءَ ُه ْم َو ُقلْ آمَ ْنتُ ِبمَا أَنزلَ اللّهُ مِنْ كِتَابٍ‬
‫ع وَاسْ َتقِمْ َكمَا ُأمِ ْر َ‬
‫وهذه كقوله ‪ { :‬فَِلذَِلكَ فَا ْد ُ‬
‫جمَعُ بَيْنَنَا‬
‫عمَاُلكُمْ ل حُجّةَ بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ اللّهُ يَ ْ‬
‫عمَالُنَا وََلكُمْ أَ ْ‬
‫وَُأمِرْتُ لعْ ِدلَ بَيْ َنكُمُ اللّهُ رَبّنَا وَرَ ّبكُمْ لَنَا أَ ْ‬
‫وَإِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ } [ الشورى ‪.] 15 :‬‬
‫سمَاءِ وَال ْرضِ إِنّ َذِلكَ فِي كِتَابٍ إِنّ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرٌ (‪.} )70‬‬
‫{ أََلمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬
‫يخبر تعالى عن كمال علمه بخلقه ‪ ،‬وأنه محيط بما في السموات وما في الرض ‪ ،‬فل يعزب عنه‬
‫مثقال ذرة في الرض ول في السماء ‪ ،‬ول أصغر من ذلك ول أكبر ‪ ،‬وأنه تعالى علم الكائنات‬
‫كلها قبل وجودها ‪ ،‬وكتب ذلك في كتابه اللوح المحفوظ ‪ ،‬كما ثبت في صحيح مسلم ‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال قدّر مقادير الخلئق قبل خلق‬
‫السموات والرض بخمسين ألف سنة ‪ ،‬وكان عرشه على الماء" (‪.)2‬‬
‫وفي السنن ‪ ،‬من حديث جماعة من الصحابة ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أول ما‬
‫خلق ال القلم ‪ ،‬قال له ‪ :‬اكتب ‪ ،‬قال ‪ :‬وما أكتب ؟ قال ‪ :‬اكتب ما هو كائن‪ .‬فجرى القلم بما هو‬
‫كائن إلى يوم القيامة" (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا ابن ُبكَيْر ‪ ،‬حدثني ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثني عطاء بن‬
‫دينار ‪ ،‬حدثني سعيد بن جُبَيْر قال ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬خلق ال اللوح المحفوظ مَسِيرَة مائة عام ‪،‬‬
‫وقال للقلم قبل أن يخلق الخلق ‪ -‬وهو على العرش تبارك وتعالى ‪ : -‬اكتب‪ .‬قال القلم ‪ :‬وما‬
‫أكتب ؟ قال ‪ :‬علمي في خلقي إلى يوم تقوم الساعة‪ .‬فجرى القلم بما هو كائن في علم ال إلى يوم‬
‫سمَاءِ‬
‫القيامة‪ .‬فذلك قوله تعالى للنبي صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬ألَمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬
‫وَالرْضِ }‬
‫وهذا من تمام علمه تعالى أنه علم الشياء قبل كونها ‪ ،‬وقدرها وكتبها أيضًا ‪ ،‬فما العباد عاملون‬
‫قد علمه تعالى قبل ذلك ‪ ،‬على الوجه الذي يفعلونه ‪ ،‬فيعلم قبل الخلق أن هذا يطيع باختياره ‪،‬‬
‫وهذا يعصي باختياره ‪ ،‬وكتب ذلك عنده ‪ ،‬وأحاط بكل شيء علما ‪ ،‬وهو سهل عليه ‪ ،‬يسير لديه ؛‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬إِنّ ذَِلكَ فِي كِتَابٍ إِنّ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرٌ }‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وال" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪ )2653‬بلفظ "كتب ال مقادير الخلئق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬جاء من حديث عبادة بن الصامت ‪ :‬أخرجه أبو داود في السنن برقم (‪ )4700‬والترمذي في‬
‫السنن برقم (‪ )3319‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪ .‬وجاء من حديث ابن عباس ‪:‬‬
‫رواه البيهقي في السماء والصفات (ص ‪.)378‬‬

‫( ‪)5/452‬‬

‫وَ َيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لَمْ يُنَ ّزلْ بِهِ سُلْطَانًا َومَا لَيْسَ َلهُمْ بِهِ عِلْ ٌم َومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ َنصِيرٍ (‪)71‬‬
‫سطُونَ بِالّذِينَ يَ ْتلُونَ‬
‫وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آَيَاتُنَا بَيّنَاتٍ َتعْ ِرفُ فِي وُجُوهِ الّذِينَ َكفَرُوا ا ْلمُ ْنكَرَ َيكَادُونَ يَ ْ‬
‫عَلَ ْيهِمْ آَيَاتِنَا ُقلْ َأفَأُنَبّ ُئكُمْ بِشَرّ مِنْ ذَِلكُمُ النّا ُر وَعَدَهَا اللّهُ الّذِينَ َكفَرُوا وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪)72‬‬

‫{ وَ َيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا َلمْ يُنزلْ بِهِ سُ ْلطَانًا َومَا لَيْسَ َل ُهمْ بِهِ عِ ْل ٌم َومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ َنصِيرٍ (‪)71‬‬
‫سطُونَ بِالّذِينَ يَ ْتلُونَ‬
‫وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ َتعْ ِرفُ فِي وُجُوهِ الّذِينَ َكفَرُوا ا ْلمُ ْنكَرَ َيكَادُونَ يَ ْ‬
‫عَلَ ْيهِمْ آيَاتِنَا ُقلْ َأفَأُنَبّ ُئكُمْ بِشَرّ مِنْ ذَِلكُمُ النّا ُر وَعَدَهَا اللّهُ الّذِينَ َكفَرُوا وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪.} )72‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما جهلوا وكفروا ‪ ،‬وعبدوا من دون ال ما لم ينزل به‬
‫حسَابُهُ‬
‫سلطانا ‪ ،‬يعني ‪ :‬حجة وبرهانا ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬ومَنْ َي ْدعُ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ ل بُ ْرهَانَ لَهُ ِبهِ فَإِ ّنمَا ِ‬
‫عِنْدَ رَبّهِ إِنّهُ ل ُيفْلِحُ ا ْلكَافِرُونَ } [ المؤمنون ‪ .] 117 :‬ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا‬
‫َومَا لَ ْيسَ َلهُمْ ِبهِ عِلْمٌ } أي ‪ :‬ول علم لهم فيما اختلقوه وائتفكوه ‪ ،‬وإنما هو أمر تلقوه عن آبائهم‬
‫وأسلفهم ‪ ،‬بل دليل ول حجة ‪ ،‬وأصله مما سول لهم الشيطان وزينه لهم ؛ ولهذا توعدهم تعالى‬
‫بقوله ‪َ { :‬ومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ َنصِيرٍ } أي ‪ :‬من ناصر ينصرهم من ال ‪ ،‬فيما يحل بهم من العذاب‬
‫والنكال‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ } أي ‪ :‬وإذا ذكرت لهم آيات القرآن والحجج والدلئل‬
‫الواضحات على توحيد ال ‪ ،‬وأنه ل إله إل هو ‪ ،‬وأن رسله الكرام حق وصدق ‪َ { ،‬يكَادُونَ‬
‫سطُونَ بِالّذِينَ يَتْلُونَ عَلَ ْيهِمْ آيَاتِنَا } أي ‪ :‬يكادون يبادرون الذين يحتجون عليهم بالدلئل الصحيحة‬
‫يَ ْ‬
‫من القرآن ‪ ،‬ويبسطون إليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء! { ُقلْ } أي ‪ :‬يا محمد لهؤلء‪َ { .‬أفَأُنَبّ ُئكُمْ بِشَرّ‬
‫مِنْ ذَِلكُمُ النّا ُر وَعَدَهَا اللّهُ الّذِينَ َكفَرُوا (‪ } )1‬أي ‪ :‬النار وعذابها ونكالها أشد وأشق وأطم وأعظم‬
‫مما تخوفون به أولياء ال المؤمنين في الدنيا ‪ ،‬وعذاب الخرة على صنيعكم هذا أعظم مما تنالون‬
‫منهم ‪ ،‬إن نلتم بزعمكم وإرادتكم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ } أي ‪ :‬وبئس النار منزل ومقيل ومرجعا وموئل ومقاما ‪ { ،‬إِ ّنهَا سَا َءتْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مُسْ َتقَرّا َومُقَامًا } [ الفرقان ‪.] 66 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كفروا وبئس المصير"‪.‬‬

‫( ‪)5/453‬‬

‫س ضُ ِربَ مَ َثلٌ فَاسْ َت ِمعُوا لَهُ إِنّ الّذِينَ َتدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخُْلقُوا ذُبَابًا وََلوِ اجْ َت َمعُوا‬
‫يَا أَ ّيهَا النّا ُ‬
‫ضعُفَ الطّاِلبُ وَا ْل َمطْلُوبُ (‪ )73‬مَا َقدَرُوا اللّهَ حَقّ‬
‫لَ ُه وَإِنْ َيسْلُ ْبهُمُ الذّبَابُ شَيْئًا لَا َيسْتَ ْنقِذُوهُ مِنْهُ َ‬
‫قَدْ ِرهِ إِنّ اللّهَ َل َق ِويّ عَزِيزٌ (‪)74‬‬

‫س ضُ ِربَ مَ َثلٌ فَاسْ َت ِمعُوا َلهُ إِنّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ َيخُْلقُوا ذُبَابًا وََلوِ اجْ َت َمعُوا‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّا ُ‬
‫حقّ‬
‫ب وَا ْلمَطْلُوبُ (‪ )73‬مَا قَدَرُوا اللّهَ َ‬
‫ض ُعفَ الطّاِل ُ‬
‫لَ ُه وَإِنْ َيسْلُ ْبهُمُ الذّبَابُ شَيْئًا ل يَسْتَ ْنقِذُوهُ مِنْ ُه َ‬
‫قَدْ ِرهِ إِنّ اللّهَ َل َق ِويّ عَزِيزٌ (‪.} )74‬‬
‫س ضُ ِربَ مَ َثلٌ } أي ‪:‬‬
‫يقول تعالى منبها على حقارة الصنام وسخافة عقول عابديها ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّا ُ‬
‫لما يعبده الجاهلون بال المشركون به ‪ { ،‬فَاسْ َت ِمعُوا لَهُ } أي ‪ :‬أنصتوا وتفهموا ‪ { ،‬إِنّ الّذِينَ‬
‫تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ َيخُْلقُوا ذُبَابًا وََلوِ اجْ َت َمعُوا لَهُ } أي ‪ :‬لو اجتمع جميع ما تعبدون من‬
‫الصنام والنداد على أن يقدروا‬

‫( ‪)5/453‬‬

‫سمِيعٌ َبصِيرٌ (‪َ )75‬يعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِ ْم َومَا‬


‫طفِي مِنَ ا ْلمَلَا ِئكَةِ ُرسُلًا َومِنَ النّاسِ إِنّ اللّهَ َ‬
‫صَ‬‫اللّهُ َي ْ‬
‫خَ ْل َفهُ ْم وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الُْأمُورُ (‪)76‬‬

‫على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك‪ .‬كما قال المام أحمد‪.‬‬
‫حدثنا أسود بن عامر ‪ ،‬حدثنا شَرِيك ‪ ،‬عن عمارة بن القعقاع ‪ ،‬عن أبي زُرْعة ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫‪ -‬رفع الحديث ‪ -‬قال ‪" :‬ومن أظلم ممن خلق [خلقا] (‪ )1‬كخلقي ؟ فليخلقوا مثل خلقي ذَرّة ‪ ،‬أو‬
‫ذبابة ‪ ،‬أو حَبّة" (‪.)2‬‬
‫عمَارة ‪ ،‬عن أبي زُرْعةَ ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي‬
‫وأخرجه صاحبا الصحيح ‪ ،‬من طريق ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬قال ال عز وجل ‪" :‬ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ؟ فليخلقوا‬
‫ذرة ‪ ،‬فليخلقوا شعيرة" (‪.)3‬‬
‫ثم قال تعالى أيضا ‪ { :‬وَإِنْ َيسْلُ ْبهُمُ الذّبَابُ شَيْئًا ل يَسْتَ ْنقِذُوهُ مِنْهُ } أي ‪ :‬هم عاجزون عن خلق‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ذباب واحد ‪ ،‬بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والنتصار منه ‪ ،‬لو سلبها شيئًا من الذي‬
‫عليها من الطيب ‪ ،‬ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك‪ .‬هذا والذباب من أضعف‬
‫ضعُفَ الطّاِلبُ وَا ْلمَطْلُوبُ } ] (‪.)4‬‬
‫مخلوقات ال وأحقرها ولهذا [قال ‪َ { :‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬الطالب ‪ :‬الصنم ‪ ،‬والمطلوب ‪ :‬الذباب‪ .‬واختاره ابن جرير ‪ ،‬وهو ظاهر السياق‪.‬‬
‫وقال السدي وغيره ‪ :‬الطالب ‪ :‬العابد ‪ ،‬والمطلوب ‪ :‬الصنم‪.‬‬
‫حقّ قَدْ ِرهِ } أي ‪ :‬ما عرفوا قدر ال وعظمته حين عبدوا معه غيره ‪ ،‬من‬
‫ثم قال ‪ { :‬مَا قَدَرُوا اللّهَ َ‬
‫هذه (‪ )5‬التي ل تقاوم الذباب لضعفها وعجزها ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ َل َق ِويّ عَزِيزٌ } أي ‪ :‬هو القوي الذي‬
‫بقدرته وقوته خلق كل شيء ‪ { ،‬وَ ُهوَ الّذِي يَ ْبدَأُ ا ْلخَلْقَ ُثمّ ُيعِي ُد ُه وَ ُهوَ أَ ْهوَنُ عَلَ ْيهِ } [ الروم ‪:‬‬
‫ئ وَ ُيعِيدُ } [ البروج ‪ { ، ] 13 ، 12 :‬إِنّ اللّهَ ُهوَ‬
‫شدِيدٌ‪ .‬إِنّهُ ُهوَ يُبْ ِد ُ‬
‫‪ { ، ] 27‬إِنّ َبطْشَ رَ ّبكَ لَ َ‬
‫الرّزّاقُ ذُو ا ْل ُق ّوةِ ا ْلمَتِينُ } [ الذاريات ‪.] 58 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬عَزِيزٌ } أي ‪ :‬قد عز (‪ )6‬كل شيء فقهره وغلبه ‪ ،‬فل يمانع ول يغالب ‪ ،‬لعظمته‬
‫وسلطانه ‪ ،‬وهو الواحد القهار‪.‬‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ (‪َ )75‬يعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِ ْم َومَا‬
‫طفِي مِنَ ا ْلمَل ِئكَةِ رُسُل َومِنَ النّاسِ إِنّ اللّهَ َ‬
‫{ اللّهُ َيصْ َ‬
‫خَ ْل َفهُ ْم وَإِلَى اللّهِ تُرْجَ ُع المُورُ (‪.} )76‬‬
‫يخبر تعالى أنه يختار من الملئكة رسل فيما يشاء من شرعه وقَدَره ‪ ،‬ومن الناس لبلغ رسالته‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ } أي ‪ :‬سميع لقوال عباده ‪ ،‬بصير بهم ‪ ،‬عليم بمن يستحق ذلك منهم ‪،‬‬
‫‪ { ،‬إِنّ اللّهَ َ‬
‫ج َعلُ رِسَالَ َتهُ } [ النعام ‪.] 124 :‬‬
‫كما قال ‪ { :‬اللّهُ أَعْلَمُ حَ ْيثُ يَ ْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬يعَْلمُ مَا بَيْنَ أَيْدِي ِه ْم َومَا خَ ْل َفهُ ْم وَإِلَى اللّهِ تُ ْرجَ ُع المُورُ } أي ‪ :‬يعلم ما يفعل برسله فيما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪)2/391‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )5953‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2111‬‬
‫(‪ )4‬زيادة ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬هذا الذي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬قدر"‪.‬‬

‫( ‪)5/454‬‬

‫جدُوا وَاعْ ُبدُوا رَ ّبكُ ْم وَا ْفعَلُوا الْخَيْرَ َلعَّل ُكمْ ُتفْلِحُونَ (‪ )77‬وَجَا ِهدُوا فِي‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا ا ْر َكعُوا وَاسْ ُ‬
‫سمّاكُمُ‬
‫ج َعلَ عَلَ ْي ُكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلّةَ أَبِي ُكمْ إِبْرَاهِيمَ ُهوَ َ‬
‫جهَا ِدهِ ُهوَ اجْتَبَاكُمْ َومَا َ‬
‫اللّهِ حَقّ ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫علَى النّاسِ فََأقِيمُوا الصّلَاةَ‬
‫شهَدَاءَ َ‬
‫شهِيدًا عَلَ ْيكُ ْم وَ َتكُونُوا ُ‬
‫ل َوفِي َهذَا لِ َيكُونَ الرّسُولُ َ‬
‫ا ْلمُسِْلمِينَ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫صمُوا بِاللّهِ ُهوَ َموْلَاكُمْ فَ ِنعْمَ ا ْل َموْلَى وَ ِنعْمَ ال ّنصِيرُ (‪)78‬‬
‫وَآَتُوا ال ّزكَا َة وَاعْ َت ِ‬

‫ظهِرُ عَلَى غَيْبِهِ‬


‫أرسلهم به ‪ ،‬فل يخفى عليه من أمورهم شيء ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬عَالِمُ ا ْلغَ ْيبِ فَل ُي ْ‬
‫حدًا‪ .‬إِل مَنِ ارْ َتضَى مِنْ َرسُولٍ [ فَإِنّهُ يَسُْلكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ َرصَدًا‪ .‬لِ َيعْلَمَ أَنْ قَدْ أَ ْبَلغُوا‬
‫أَ َ‬
‫شيْءٍ عَدَدًا } [ الجن ‪ ، ] 28 - 26 :‬فهو‬
‫حصَى ُكلّ َ‬
‫رِسَالتِ رَ ّب ِه ْم وَأَحَاطَ ِبمَا لَدَ ْي ِهمْ ] (‪ )1‬وَأَ ْ‬
‫سبحانه رقيب عليهم ‪ ،‬شهيد على ما يقال لهم ‪ ،‬حافظ لهم ‪ ،‬ناصر لجنابهم ؛ { يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ بَلّغْ‬
‫ك وَإِنْ لَمْ َت ْف َعلْ َفمَا َبّل ْغتَ ِرسَالَتَ ُه وَاللّهُ َي ْعصِ ُمكَ مِنَ النّاسِ } الية [ المائدة ‪:‬‬
‫مَا أُنزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّب َ‬
‫‪.] 67‬‬
‫سجُدُوا وَاعْبُدُوا رَ ّبكُمْ وَا ْفعَلُوا ا ْلخَيْرَ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ (‪ )77‬وَجَاهِدُوا‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْر َكعُوا وَا ْ‬
‫سمّاكُمُ‬
‫ج َعلَ عَلَ ْيكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ُهوَ َ‬
‫جهَا ِدهِ ُهوَ اجْتَبَاكُ ْم َومَا َ‬
‫فِي اللّهِ حَقّ ِ‬
‫علَى النّاسِ فََأقِيمُوا الصّلةَ‬
‫شهَدَاءَ َ‬
‫شهِيدًا عَلَ ْيكُ ْم وَ َتكُونُوا ُ‬
‫ل َوفِي َهذَا لِ َيكُونَ الرّسُولُ َ‬
‫ا ْلمُسِْلمِينَ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫صمُوا بِاللّهِ ُهوَ َموْلكُمْ فَ ِنعْمَ ا ْل َموْلَى وَ ِنعْمَ ال ّنصِيرُ (‪.} )78‬‬
‫وَآتُوا ال ّزكَا َة وَاعْ َت ِ‬
‫اختلف الئمة ‪ ،‬رحمهم ال ‪ ،‬في هذه السجدة الثانية من سورة الحج ‪ :‬هل هي مشروع السجودُ‬
‫فيها أم ل ؟ على قولين‪ .‬وقد قدمنا عند الولى حديث عقبة بن عامر عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬فُضلت سورة الحج بسجدتين ‪ ،‬فمن لم يسجدهما فل يقرأهما"‪.‬‬
‫جهَا ِدهِ } أي ‪ :‬بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَجَاهِدُوا فِي اللّهِ حَقّ ِ‬
‫حقّ ُتقَاتِهِ } [ آل عمران ‪.] 102 :‬‬
‫{ ا ّتقُوا اللّهَ َ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬هوَ اجْتَبَاكُمْ } أي ‪ :‬يا هذه المة ‪ ،‬ال اصطفاكم واختاركم على سائر المم ‪ ،‬وفضلكم‬
‫وشرفكم وخصكم بأكرم رسول ‪ ،‬وأكمل شرع‪.‬‬
‫ج َعلَ عَلَ ْيكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } أي ‪ :‬ما كلفكم ما ل تطيقون ‪ ،‬وما ألزمكم بشيء َفشَقَ‬
‫{ َومَا َ‬
‫عليكم إل جعل ال لكم فرجا ومخرجا ‪ ،‬فالصلة ‪ -‬التي هي أكبر أركان السلم بعد الشهادتين ‪-‬‬
‫حضَر أربعًا وفي السفر ُت ْقصَر إلى ثِنْتَين ‪ ،‬وفي الخوف يصليها بعض الئمة ركعة ‪،‬‬
‫تجب في ال َ‬
‫كما ورد به الحديث ‪ ،‬و ُتصَلى رجال وركبانا ‪ ،‬مستقبلي القبلة وغير مستقبليها‪ .‬وكذا في النافلة‬
‫في السفر إلى القبلة وغيرها ‪ ،‬والقيام فيها يسقط بعذر المرض ‪ ،‬فيصليها المريض جالسا ‪ ،‬فإن لم‬
‫يستطع فعلى جنبه ‪ ،‬إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات ‪ ،‬في سائر الفرائض والواجبات ؛‬
‫ولهذا قال ‪ ،‬عليه السلم (‪ُ " : )2‬بعِ ْثتُ بالحنِيفيّة السّمحة" (‪ )3‬وقال لمعاذ وأبي موسى ‪ ،‬حين‬
‫بعثهما أميرَين إلى اليمن ‪" :‬بَشّرا ول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪ .‬وفي ت ‪" :‬إلى قوله"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬عليه الصلة والسلم" ‪ ،‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد في مسنده (‪ )5/266‬من حديث أبي أمامة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)5/455‬‬

‫تنفرا ‪ ،‬ويَسّرا ول تُعسّرَا" (‪ .)1‬والحاديث في هذا كثيرة ؛ ولهذا قال ابن عباس في قوله ‪َ { :‬ومَا‬
‫ج َعلَ عَلَ ْيكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } يعني ‪ :‬من ضيق‪.‬‬
‫َ‬
‫ج َعلَ عَلَ ْيكُمْ فِي الدّينِ‬
‫وقوله ‪ { :‬مِلّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬نصب على تقدير ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫مِنْ حَرَجٍ } أي ‪ :‬من ضيق ‪ ،‬بل وَسّعه عليكم كملة أبيكم إبراهيم‪[ .‬قال ‪ :‬ويحتمل أنه منصوب‬
‫على تقدير ‪ :‬الزموا ملة أبيكم إبراهيم] (‪.)2‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا المعنى في هذه الية كقوله ‪ُ { :‬قلْ إِنّنِي َهدَانِي رَبّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ دِينًا قِ َيمًا مِلّةَ‬
‫إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } الية [ النعام ‪.] 161 :‬‬
‫ل َوفِي هَذَا } قال المام عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن ابن جريج‬
‫سمّاكُمُ ا ْلمُسِْلمِينَ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬هوَ َ‬
‫سمّاكُمُ ا ْلمُسِْلمِينَ مِنْ قَ ْبلُ } قال ‪ :‬ال عز وجل‪.‬‬
‫‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ُ { :‬هوَ َ‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومقاتل بن حَيّان‪.‬‬
‫سمّا ُكمُ ا ْلمُسِْلمِينَ مِنْ قَ ْبلُ } يعني ‪ :‬إبراهيم ‪ ،‬وذلك‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ُ { :‬هوَ َ‬
‫ك َومِنْ ذُرّيّتِنَا ُأمّةً مُسِْلمَةً َلكَ } [ البقرة ‪.] 128 :‬‬
‫جعَلْنَا مُسِْلمَيْنِ َل َ‬
‫لقوله ‪ { :‬رَبّنَا وَا ْ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وهذا ل وجه له ؛ لنه من المعلوم أن إبراهيم لم يسمّ هذه المة في القرآن‬
‫ل َوفِي هَذَا } قال مجاهد ‪ :‬ال سماكم‬
‫سمّاكُمُ ا ْلمُسِْلمِينَ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫مسلمين ‪ ،‬وقد قال ال تعالى ‪ُ { :‬هوَ َ‬
‫المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي الذكر ‪َ { ،‬وفِي هَذَا } يعني ‪ :‬القرآن‪ .‬وكذا قال غيره‪.‬‬
‫ج َعلَ عَلَ ْيكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } ‪،‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا هو الصواب ؛ لنه تعالى قال ‪ُ { :‬هوَ اجْتَبَاكُ ْم َومَا َ‬
‫ثم حثهم وأغراهم على ما جاء به الرسول ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬بأنه ملة أبيهم إبراهيم‬
‫الخليل ‪ ،‬ثم ذكر منته تعالى على هذه المة بما َنوّه به من ذكرها والثناء عليها في سالف الدهر‬
‫سمّاكُمُ ا ْلمُسِْلمِينَ مِنْ‬
‫وقديم الزمان ‪ ،‬في كتب النبياء ‪ ،‬يتلى على الحبار والرهبان ‪ ،‬فقال ‪ُ { :‬هوَ َ‬
‫قَ ْبلُ } أي ‪ :‬من قبل هذا القرآن { َوفِي َهذَا } ‪ ،‬وقد قال النسائي عند تفسير هذه الية ‪:‬‬
‫شعَيب ‪ ،‬أنبأنا معاوية بن سلم (‪ )3‬أن أخاه زيد بن سلم‬
‫أنبأنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا محمد بن ُ‬
‫أخبره ‪ ،‬عن أبي سلم أنه أخبره قال ‪ :‬أخبرني الحارث الشعري ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬من دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جِثيّ جهنم"‪ .‬قال رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وإن صام‬
‫وصلى ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬وإن صام وصلى ‪ ،‬فادعوا بدعوة ال التي سماكم بها المسلمين المؤمنين‬
‫عباد ال" (‪.)4‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد قدمنا هذا الحديث بطوله عند تفسير قوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَ ّب ُكمُ الّذِي خََل َقكُ ْم وَالّذِينَ مِنْ‬
‫علَ ْيكُمْ‬
‫شهِيدًا َ‬
‫قَبِْلكُمْ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ } من سورة البقرة [ الية ‪ ]21 :‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬لِ َيكُونَ الرّسُولُ َ‬
‫شهَدَاءَ عَلَى النّاسِ }‬
‫وَ َتكُونُوا ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )3038‬ومسلم في صحيحه برقم (‪.)1732‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬سالم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11349‬‬

‫( ‪)5/456‬‬

‫أي ‪ :‬إنما جعلناكم هكذا أمة وسطا عُدول (‪ )1‬خيارا ‪ ،‬مشهودا بعدالتكم عند جميع المم ‪ ،‬لتكونوا‬
‫شهَدَاءَ عَلَى النّاسِ } لن جميع المم معترفة يومئذ بسيادتها وفضلها (‪ )2‬على كل‬
‫يوم القيامة { ُ‬
‫أمة سواها ؛ فلهذا تقبل شهادتهم عليهم يوم القيامة ‪ ،‬في أن الرسل بلغتهم رسالة ربهم ‪ ،‬والرسول‬
‫جعَلْنَاكُمْ ُأمّةً‬
‫يشهد على هذه المة أنه بلغها ذلك‪ .‬وقد تقدم الكلم على هذا عند قوله ‪َ { :‬وكَذَِلكَ َ‬
‫شهِيدًا } [ البقرة ‪ ، ] 143 :‬وذكرنا حديث‬
‫س وَ َيكُونَ الرّسُولُ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫شهَدَاءَ عَلَى النّا ِ‬
‫وَسَطًا لِ َتكُونُوا ُ‬
‫نوح وأمته بما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فََأقِيمُوا الصّل َة وَآتُوا ال ّزكَاةَ } أي ‪ :‬قابلوا هذه النعمة العظيمة بالقيام بشكرها ‪ ،‬وأدوا‬
‫حق ال عليكم في أداء ما افترض ‪ ،‬وطاعة ما أوجب ‪ ،‬وترك ما حرم‪ .‬ومن أهم ذلك إقامُ الصلة‬
‫وإيتاءُ الزكاة ‪ ،‬وهو الحسان إلى خلق ال ‪ ،‬بما أوجب ‪ ،‬للفقير على الغني ‪ ،‬من إخراج جزء‬
‫نزر من ماله في السّنة للضعفاء والمحاويج ‪ ،‬كما تقدم بيانه وتفصيله في آية الزكاة من سورة‬
‫"التوبة" (‪.)3‬‬
‫صمُوا بِاللّهِ } أي ‪ :‬اعتضدوا بال (‪ ، )4‬واستعينوا به ‪ ،‬وتوكلوا (‪ )5‬عليه ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاعْ َت ِ‬
‫وتَأيّدوا به ‪ُ { ،‬هوَ َموْلكُمْ } أي ‪ :‬حافظكم وناصركم ومُظفركُم على أعدائكم ‪ { ،‬فَ ِنعْمَ ا ْل َموْلَى وَ ِنعْمَ‬
‫ال ّنصِيرُ } يعني ‪[ :‬نعم] (‪ )6‬الولي ونعم الناصر من العداء‪.‬‬
‫قال وُهَيْب بن الورد ‪ :‬يقول ال تعالى ‪ :‬ابن آدم ‪ ،‬اذكرني إذا غضبتَ أذكرك إذا غضبتُ ‪ ،‬فل‬
‫أمحقك فيمن أمحق ‪ ،‬وإذا ظُلمتَ فاصبر ‪ ،‬وارض بنصرتي ‪ ،‬فإن نصرتي لك خير من نصرتك‬
‫لنفسك‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وال تعالى أعلم وله الحمد والمنة ‪ ،‬والثناء الحسن والنعمة ‪ ،‬وأسأله التوفيق والعصمة ‪ ،‬في سائر‬
‫الفعال والقوال‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذا آخر تفسير سورة "الحج" ‪ ،‬وصلى ال على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وشرف وكرم ‪،‬‬
‫ورضي ال تعالى عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عدل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بسيادتهم وفضلهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسير الية ‪ 60 :‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬به"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬اتكلوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين ‪ ،‬وحسبنا ال ونعم الوكيل"‪.‬‬

‫( ‪)5/457‬‬

‫شعُونَ (‪ )2‬وَالّذِينَ ُهمْ عَنِ الّل ْغوِ ُمعْ ِرضُونَ (‪)3‬‬


‫قَدْ َأفْلَحَ ا ْل ُمؤْمِنُونَ (‪ )1‬الّذِينَ ُهمْ فِي صَلَا ِتهِمْ خَا ِ‬
‫ج ِهمْ َأوْ مَا مََل َكتْ‬
‫ج ِهمْ حَا ِفظُونَ (‪ )5‬إِلّا عَلَى أَ ْزوَا ِ‬
‫وَالّذِينَ ُهمْ لِل ّزكَاةِ فَاعِلُونَ (‪ )4‬وَالّذِينَ هُمْ ِلفُرُو ِ‬
‫أَ ْيمَا ُنهُمْ فَإِ ّنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (‪َ )6‬فمَنِ ابْ َتغَى وَرَاءَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلعَادُونَ (‪ )7‬وَالّذِينَ هُمْ لَِأمَانَا ِتهِمْ‬
‫عهْدِهِمْ رَاعُونَ (‪ )8‬وَالّذِينَ ُهمْ عَلَى صََلوَا ِتهِمْ يُحَا ِفظُونَ (‪ )9‬أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلوَارِثُونَ (‪ )10‬الّذِينَ‬
‫وَ َ‬
‫يَرِثُونَ ا ْلفِرْ َدوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)11‬‬

‫تفسير سورة المؤمنون (‪)1‬‬


‫مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫شعُونَ (‪ )2‬وَالّذِينَ هُمْ عَنِ الّل ْغوِ ُمعْ ِرضُونَ (‪)3‬‬
‫{ َقدْ َأفْلَحَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ (‪ )1‬الّذِينَ هُمْ فِي صَل ِتهِمْ خَا ِ‬
‫جهِ ْم أوْ مَا مََل َكتْ‬
‫ج ِهمْ حَا ِفظُونَ (‪ )5‬إِل عَلَى أَ ْزوَا ِ‬
‫وَالّذِينَ ُهمْ لِل ّزكَاةِ فَاعِلُونَ (‪ )4‬وَالّذِينَ هُمْ ِلفُرُو ِ‬
‫أَ ْيمَا ُنهُمْ فَإِ ّنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (‪َ )6‬فمَنِ ابْ َتغَى وَرَاءَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلعَادُونَ (‪ )7‬وَالّذِينَ هُمْ لمَانَا ِتهِمْ‬
‫عهْدِهِمْ رَاعُونَ (‪ )8‬وَالّذِينَ ُهمْ عَلَى صََلوَا ِتهِمْ يُحَا ِفظُونَ (‪ )9‬أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلوَارِثُونَ (‪ )10‬الّذِينَ‬
‫وَ َ‬
‫يَرِثُونَ ا ْلفِرْ َدوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪.} )11‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرني يونس بن سُلَيْم قال ‪ :‬أملى عليّ يونس بن يزيد (‬
‫‪ )2‬اليلي ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن عُ ْروَة بن الزبير ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن عَ ْبدٍ القاريّ قال ‪:‬‬
‫سمعت عمر بن الخطاب يقول ‪ :‬كان إذا نزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم الوحيُ ‪ ،‬يسمع‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عند وجهه ك َد ِويّ النحل َفمَكثنا ساعة ‪ ،‬فاستقبل القبلة ورفع يديه ‪ ،‬فقال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬زدنا ول تَ ْنقُصْنا‬
‫‪ ،‬وأكرمنا ول ُتهِنّا ‪ ،‬وأعطنا ول تحرمنا ‪ ،‬وآثِرْنا ول تؤثر [علينا ‪ ،‬وارض عنا] (‪ )3‬وأرضِنا" ‪،‬‬
‫ثم قال ‪" :‬لقد أنزلت علي عشر آيات ‪ ،‬من أقامهن دخل الجنة" ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬قَدْ َأفْلَحَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ }‬
‫حتى ختم العَشْر‪.‬‬
‫وكذا روى (‪ )4‬الترمذي في تفسيره ‪ ،‬والنسائي في الصلة ‪ ،‬من حديث عبد الرزاق ‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬منكر ‪ ،‬ل نعرف أحدا رواه غير يونس بن سليم ‪ ،‬ويونس ل نعرفه‪.‬‬
‫وقال النسائي في تفسيره ‪ :‬أنبأنا قُتَيْ َبةَ بن سعيد ‪ ،‬حدثنا جعفر ‪ ،‬عن أبي عمران عن يزيد بن‬
‫بابَنُوس قال ‪ :‬قلنا لعائشة ‪ :‬يا أم المؤمنين ‪ ،‬كيف كان (‪ )6‬خُلُق رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟‬
‫قالت ‪ :‬كان خلق رسول ال صلى ال عليه وسلم القرآن ‪ ،‬فقرأت ‪ { :‬قَدْ َأفْلَحَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } حتى‬
‫انتهت إلى ‪ { :‬وَالّذِينَ هُمْ عَلَى صََلوَا ِتهِمْ ُيحَافِظُونَ } ‪ ،‬قالت ‪ :‬هكذا كان خُلُق رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪)7( .‬‬
‫وقد رُوي عن كعب الحبار ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وأبي العالية ‪ ،‬وغيرهم ‪َ :‬لمّا خلق ال جنة عدن ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬المؤمنين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬زيد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬رواه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )1/34‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3173‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)1439‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬حال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬سنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11350‬‬

‫( ‪)5/359‬‬

‫وغرسها بيده ‪ ،‬نظر إليها وقال لها‪ .‬تكلمي‪ .‬فقالت ‪ { :‬قَدْ َأفْلَحَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } ‪ ،‬قال كعب الحبار ‪:‬‬
‫ِلمَا أعدّ لهم فيها من الكرامة‪ .‬وقال أبو العالية ‪ :‬فأنزل ال ذلك في كتابه‪.‬‬
‫وقد رُوي ذلك عن أبي سعيد الخدري مرفوعا ‪ ،‬فقال أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا محمد بن المُثَنّى ‪،‬‬
‫حدثنا المغيرة بن سلمة ‪ ،‬حدثنا وُهَيْب ‪ ،‬عن الجُرَيْري ‪ ،‬عن أبي َنضْرَة ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪:‬‬
‫خلق ال الجنة ‪ ،‬لَبِ َنةً من ذهب ولبنة من فضة ‪ ،‬وغرسها ‪ ،‬وقال لها ‪ :‬تكلمي‪ .‬فقالت ‪ { :‬قَدْ َأفْلَحَ‬
‫ل الملوك!‪)1( .‬‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } ‪ ،‬فدخلتها الملئكة فقالت ‪ :‬طوبى لك ‪ ،‬منز َ‬
‫ثم قال (‪ : )2‬وحدثنا بِشْر بن آدم ‪ ،‬وحدثنا يونس بن عبيد ال ال ُعمَري ‪ ،‬حدثنا عَدِي بن الفضل ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حدثنا الجُرَيْرِي ‪ ،‬عن أبي نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬خلق‬
‫ال الجنة ‪ ،‬لَبِنَةً من ذهب ولبنة من فضة ‪ ،‬وملطها (‪ )3‬المسك"‪ .‬قال أبو بكر ‪ :‬ورأيت في‬
‫موضع آخر في (‪ )4‬هذا الحديث ‪" :‬حائط الجنة ‪ ،‬لبنة ذهب ولبنة فضة ‪ ،‬ومِلطُها المسك‪ .‬فقال‬
‫لها ‪ :‬تكلمي‪ .‬فقالت ‪َ { :‬قدْ َأفْلَحَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } فقالت الملئكة ‪ :‬طوبى لك ‪ ،‬منزل الملوك!"‪.‬‬
‫ع ِديّ بن الفضل ‪ ،‬وليس هو بالحافظ ‪ ،‬وهو شيخ متقدم‬
‫ثم قال البزار ‪ :‬ل نعلم أحدًا رفعه إل َ‬
‫الموت (‪.)5‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن علي ‪ ،‬حدثنا هشام بن خالد ‪ ،‬حدثنا َبقِيّة ‪ ،‬عن‬
‫ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لمّا خلق ال جنة‬
‫عَدْن ‪ ،‬خلق فيها ما ل عين رأت ‪[ ،‬ول أذن سمعت] (‪ ، )6‬ول خطر على قلب بشر‪ .‬ثم قال لها‬
‫‪ :‬تكلمي‪ .‬فقالت ‪َ { :‬قدْ َأفْلَحَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } (‪.)7‬‬
‫َبقِيّة ‪ :‬عن الحجازيين ضعيف‪.‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا مِنْجَابُ بن الحارث ‪ ،‬حدثنا حماد‬
‫ابن عيسى العبسي ‪ ،‬عن إسماعيل السّ ّديّ ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬يرفعه ‪" : -‬لما‬
‫خلق ال جنة عَدْن بيده ‪ ،‬ودَلّى فيها ثمارها ‪ ،‬وشق فيها أنهارها ‪ ،‬ثم نظر إليها فقال ‪ { :‬قَدْ َأفْلَحَ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنُونَ }‪ .‬قال ‪ :‬وعزتي (‪ )8‬ل يجاورني فيك بخيل" (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند البزار برقم (‪" )3507‬كشف الستار"‪ .‬تنبيه ‪ :‬وقع في مسند البزار سنده هكذا ‪" :‬حدثنا‬
‫محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا حجاج بن المنهال ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي نضرة‬
‫عن أبي سعيد‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بلطها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند البزار برقم (‪" )3508‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/397‬رجال‬
‫الموقوف رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬المعجم الكبير (‪.)11/184‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬وعزتي وجللي"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المعجم الوسط برقم (‪" )4861‬مجمع البحرين" ‪ ،‬وأبي صالح ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)5/460‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال أبو بكر بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى البَزّار ‪ ،‬حدثنا محمد بن زياد الكلبي ‪ ،‬حدثنا‬
‫يعيش بن حسين ‪ ،‬عن سعيد بن أبي عَرُوبَة ‪ ،‬عن قَتادة ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬خلق ال جنة عدن بيده ‪ ،‬لبنة من دُرّة بيضاء ‪ ،‬ولبنة من ياقوتة‬
‫حصْباؤها اللؤلؤ ‪ ،‬وحَشِيشها الزعفران ‪،‬‬
‫ج َدةَ خضراء ‪ ،‬ملطُها المسك ‪ ،‬و َ‬
‫حمراء ‪ ،‬ولبنة من زَبَرْ َ‬
‫ثم قال لها ‪ :‬انطقي‪ .‬قالت ‪ { )1( :‬قَدْ َأفْلَحَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } فقال ال ‪ :‬وعزتي ‪ ،‬وجللي ل يجاورني‬
‫سهِ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ }‬
‫فيك بخيل"‪ .‬ثم تل رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬ومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْ ِ‬
‫حصَلوا على‬
‫سعِدُوا و َ‬
‫(‪[ )2‬الحشر ‪ ]9 :‬فقوله تعالى ‪ { :‬قَدْ َأفْلَحَ ا ْل ُمؤْمِنُونَ } أي ‪ :‬قد فازوا و ُ‬
‫الفلح ‪ ،‬وهم المؤمنون المتصفون بهذه الوصاف‪.‬‬
‫شعُونَ } ‪:‬‬
‫شعُونَ } " قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬خَا ِ‬
‫{ الّذِينَ ُهمْ فِي صَل ِتهِمْ خَا ِ‬
‫خائفون ساكنون‪ .‬وكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والزهري (‪.)3‬‬
‫ع القلبِ‪ .‬وكذا قال إبراهيم النخعي‪.‬‬
‫وعن علي بن أبي طالب ‪َ ،‬رضِي ال عنه ‪ :‬الخشوعُ ‪ :‬خشو ُ‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬كان خشوعهم في قلوبهم ‪ ،‬فغضوا بذلك أبصارهم ‪ ،‬وخفضوا الجناح‪.‬‬
‫وقال محمد بن سيرين ‪ :‬كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى‬
‫شعُونَ }‬
‫السماء في الصلة ‪ ،‬فلما نزلت هذه الية ‪ { :‬قَدْ َأفْلَحَ ا ْل ُمؤْمِنُونَ‪ .‬الّذِينَ هُمْ فِي صَل ِتهِمْ خَا ِ‬
‫خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم‪.‬‬
‫[و] (‪ )4‬قال ابن سيرين ‪ :‬وكانوا يقولون ‪ :‬ل يجاوز بصره ُمصَله ‪ ،‬فإن كان قد اعتاد النظر‬
‫فَلْ ُي ْغ ِمضْ‪ .‬رواه ابن جرير وابن أبي حاتم‪.‬‬
‫ثم َروَى (‪ )5‬ابن جرير عنه ‪ ،‬وعن عطاء بن أبي رَبَاح أيضًا مرسل أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم كان يفعل ذلك ‪ ،‬حتى نزلت هذه الية‪.‬‬
‫والخشوع في الصلة إنما يحصل بمن فَرّغ قلبه لها ‪ ،‬واشتغل بها عما عداها ‪ ،‬وآثرها على‬
‫غيرها ‪ ،‬وحينئذ تكون راحة له وقُرّة عين ‪ ،‬كما قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬في الحديث‬
‫الذي رواه المام أحمد والنسائي ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬حُ ّببَ‬
‫إليّ الطّيب والنساء ‪ ،‬وجعلت قرة عيني في الصلة" (‪.)6‬‬
‫جعْد ‪،‬‬
‫سعَر ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة ‪ ،‬عن سالم بن أبي ال َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا ِم ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صفة الجنة لبن أبي الدنيا برقم (‪ )20‬وفي إسناده محمد بن زياد الكلبي ‪ ،‬قال ابن معين ‪ :‬ل‬
‫شيء‪.‬‬
‫تنبيه ‪ :‬وقع في صفة الجنة ‪" :‬حدثنا محمد بن زياد الكلبي حدثنا بشر بن الحسين" وفي النهاية في‬
‫الفتن والملحم لبن كثير (‪" )2/279‬نفيس بن ضين "‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والزهري وقتادة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )3/128‬وسنن النسائي (‪.)6117‬‬

‫( ‪)5/461‬‬

‫عن رجل من أسلَم ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يا بلل ‪ ،‬أرحنا بالصلة" (‪.)1‬‬
‫وقال المام أحمد أيضًا ؛ حدثنا عبد الرحمن بن َمهْدِي ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن عثمان بن المغيرة ‪،‬‬
‫عن سالم ابن أبي الجعد ‪ ،‬أن محمد بن الحنفية قال ‪ :‬دخلت مع أبي على صهر لنا من النصار ‪،‬‬
‫حضَرت الصلة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا جارية ‪ ،‬ائتني ب َوضُوء لعلي أصلي فأستريح‪ .‬فرآنا (‪ )2‬أنكرنا عليه‬
‫فَ‬
‫ذلك (‪ ، )3‬فقال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬قم يا بلل ‪ ،‬فأرحنا بالصلة" (‬
‫‪.)4‬‬
‫وقال (‪ { : )5‬وَالّذِينَ ُهمْ عَنِ الّل ْغوِ ُمعْ ِرضُونَ } أي ‪ :‬عن الباطل ‪ ،‬وهو يشمل ‪ :‬الشرك ‪ -‬كما‬
‫قاله بعضهم ‪ -‬والمعاصي ‪ -‬كما قاله آخرون ‪ -‬وما ل فائدة فيه من القوال والفعال ‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى ‪ { :‬وَإِذَا مَرّوا بِالّل ْغوِ مَرّوا كِرَامًا } [الفرقان ‪.]72 :‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬أتاهم وال من أمر ال ما وقَذَهم عن ذلك‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ هُمْ لِل ّزكَاةِ فَاعِلُونَ } ‪ :‬الكثرون على أن المراد بالزكاة هاهنا زكاة الموال ‪ ،‬مع‬
‫أن هذه [الية] (‪ )6‬مكية ‪ ،‬وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة‪ .‬والظاهر أن‬
‫التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات ال ّنصَب والمقادير الخاصة ‪ ،‬وإل فالظاهر أن أصل الزكاة كان‬
‫حصَا ِدهِ } [النعام ‪:‬‬
‫حقّهُ َيوْمَ َ‬
‫واجبًا بمكة ‪ ،‬كما قال تعالى في سورة النعام ‪ ،‬وهي مكية ‪ { :‬وَآتُوا َ‬
‫‪.]141‬‬
‫وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة هاهنا ‪ :‬زكاة النفس من الشرك والدنس ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬قَدْ َأفْلَحَ‬
‫نل‬
‫مَنْ َزكّاهَا‪َ .‬وقَدْ خَابَ مَنْ دَسّاهَا } [الشمس ‪ ، ]10 ، 9 :‬وكقوله ‪َ { :‬ووَ ْيلٌ لِ ْل ُمشْ ِركِينَ‪ .‬الّذِي َ‬
‫ُيؤْتُونَ ال ّزكَاةَ } [فصلت ‪ ، ]7 ، 6 :‬على أحد القولين في تفسيرها‪.‬‬
‫وقد يحتمل أن يكون كل المرين مرادا ‪ ،‬وهو زكاة النفوس وزكاة الموال ؛ فإنه من جملة زكاة‬
‫النفوس ‪ ،‬والمؤمن الكامل هو الذي يتعاطى هذا وهذا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ج ِه ْم أوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُمْ فَإِ ّنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ‬
‫جهِمْ حَا ِفظُونَ‪ .‬إِل عَلَى أَ ْزوَا ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ هُمْ ِلفُرُو ِ‬
‫* َفمَنِ ابْ َتغَى وَرَاءَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلعَادُونَ } أي ‪ :‬والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام ‪ ،‬فل‬
‫يقعون فيما نهاهم ال عنه من زنا أو لواط ‪ ،‬ول يقربون سوى أزواجهم التي أحلها ال لهم ‪ ،‬وما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ملكت أيمانهم من السراري ‪ ،‬ومن تعاطى ما أحله ال له فل لوم عليه ول حرج ؛ ولهذا (‪ )7‬قال‬
‫‪ { :‬فَإِ ّن ُهمْ غَيْرُ مَلُومِينَ َفمَنِ ابْ َتغَى وَرَاءَ ذَِلكَ } أي ‪ :‬غير الزواج والماء ‪ { ،‬فَأُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫ا ْلعَادُونَ } أي ‪ :‬المعتدون‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن بَشّار ‪ ،‬حدثنا عبد العلى ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬أن امرأة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)5/364‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فرأى أنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬ذلك عليه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)5/371‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬فلهذا"‪.‬‬

‫( ‪)5/462‬‬

‫اتخذت مملوكها ‪ ،‬وقالت ‪ :‬تَأوّلْت آية من كتاب ال ‪ { :‬أوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُمْ } [قال] (‪ : )1‬فأُتي بها‬
‫عمر ابن الخطاب ‪ ،‬فقال له ناس من أصحاب النبي (‪ )2‬صلى ال عليه وسلم ‪ :‬تأولت آية من‬
‫كتاب ال على غير وجهها‪ .‬قال ‪ :‬فَغرب (‪ )3‬العبد وجزّ رأسه ‪ :‬وقال ‪ :‬أنت بعده حرام على كل‬
‫مسلم‪ .‬هذا أثر غريب منقطع ‪ ،‬ذكره (‪ )4‬ابن جرير في أول تفسير سورة المائدة (‪ ، )5‬وهو‬
‫هاهنا أليق ‪ ،‬وإنما حرمها على الرجال معاملة لها بنقيض قصدها ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد استدل المام الشافعي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬ومن وافقه على تحريم الستمناء باليد بهذه الية الكريمة‬
‫ج ِه ْم أوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُمْ } قال ‪ :‬فهذا الصنيع خارج‬
‫ج ِهمْ حَا ِفظُونَ‪ .‬إِل عَلَى أَ ْزوَا ِ‬
‫{ وَالّذِينَ هُمْ ِلفُرُو ِ‬
‫عن هذين القسمين ‪ ،‬وقد قال ‪َ { :‬فمَنِ ابْ َتغَى وَرَاءَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلعَادُونَ } وقد استأنسوا بحديث‬
‫رواه المام الحسن بن عَ َرفَ َة في جزئه المشهور حيث قال ‪:‬‬
‫حدثني علي بن ثابت الجَزَريّ ‪ ،‬عن مسلمة بن جعفر ‪ ،‬عن حسان بن حميد (‪ ، )6‬عن أنس بن‬
‫مالك ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬سبعة ل ينظر ال إليهم يوم القيامة ‪ ،‬ول يزكيهم ‪،‬‬
‫ول يجمعهم مع العاملين ‪ ،‬ويدخلهم النار أول الداخلين ‪ ،‬إل أن يتوبوا ‪ ،‬فمن تاب تاب ال عليه ‪:‬‬
‫ناكح يده (‪ ، )7‬والفاعل ‪ ،‬والمفعول به ‪ ،‬ومدمن (‪ )8‬الخمر ‪ ،‬والضارب والديه حتى يستغيثا ‪،‬‬
‫والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه ‪ ،‬والناكح حليلة جاره" (‪.)9‬‬
‫هذا حديث غريب ‪ ،‬وإسناده فيه من ل يعرف ؛ لجهالته ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عهْدِ ِهمْ رَاعُونَ } أي ‪ :‬إذا اؤتمنوا لم يخونوا ‪ ،‬بل يؤدونها إلى‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ هُ ْم لمَانَا ِتهِ ْم وَ َ‬
‫أهلها ‪ ،‬وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك ‪ ،‬ل كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬آية المنافق ثلث ‪ :‬إذا حَدّث كذب ‪ ،‬وإذا وعد أخلف ‪ ،‬وإذا اؤتمن خان"‪.‬‬
‫علَى صََلوَا ِتهِمْ ُيحَافِظُونَ } أي ‪ :‬يواظبون عليها في مواقيتها ‪ ،‬كما قال ابن‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ هُمْ َ‬
‫ي العمل أحب إلى ال ؟ قال ‪:‬‬
‫مسعود ‪ :‬سألت النبي صلى ال عليه وسلم فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أ ّ‬
‫"الصلة على وقتها"‪ .‬قلت ‪ :‬ثم أيّ ؟ قال ‪" :‬بِرّ الوالدين"‪ .‬قلت ‪ :‬ثم أي ؟ قال ‪" :‬الجهاد في سبيل‬
‫ال"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين (‪ .)10‬وفي مستدرك الحاكم قال ‪" :‬الصلة في أول وقتها" (‪.)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فضرب" وهو الصحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ذكرها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪ )9/586‬ط ‪ -‬المعارف‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الناكح يده"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المدمن"‪.‬‬
‫(‪ )9‬جزء الحسن بن عرفة برقم (‪.)41‬‬
‫(‪ )10‬صحيح البخاري برقم (‪ )5970‬وصحيح مسلم برقم (‪.)85‬‬
‫(‪ )11‬المستدرك (‪ )1/188‬وقال الحاكم ‪" :‬فقد صحت هذه اللفظة باتفاق الثقتين بندار بن بشار ‪،‬‬
‫والحسن بن مكرم على روايتهما عن عثمان بن عمرو ‪ ،‬وهو صحيح على شرط الشيخين ولم‬
‫يخرجاه"‪.‬‬

‫( ‪)5/463‬‬

‫وقال ابن مسعود ‪ ،‬ومسروق في قوله ‪ { :‬وَالّذِينَ هُمْ عَلَى صََلوَا ِتهِمْ ُيحَافِظُونَ } يعني ‪ :‬مواقيت‬
‫الصلة‪ .‬وكذا قال أبو الضّحَى ‪ ،‬وعلقمة بن قيس ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعكرمة‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬على مواقيتها وركوعها وسجودها‪.‬‬
‫وقد افتتح ال ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلة ‪ ،‬واختتمها بالصلة ‪ ،‬فدل على أفضليتها ‪ ،‬كما‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬استقيموا ولن تحصوا ‪ ،‬واعلموا أن خير أعمالكم الصلة ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ول يحافظ على الوضوء إل مؤمن" (‪.)1‬‬
‫صفَهم [ال] (‪ )2‬تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة والفعال الرشيدة قال ‪ { :‬أُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫ولَما َو َ‬
‫ا ْلوَارِثُونَ الّذِينَ يَرِثُونَ ا ْلفِرْ َدوْسَ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ }‬
‫وثبت في الصحيحين أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إذا سألتم ال الجنة فاسألوه‬
‫الفردوس ‪ ،‬فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ‪ ،‬ومنه تفجر أنهار الجنة ‪ ،‬وفوقه عرش الرحمن" (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سِنَان ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما منكم من أحد‬
‫إل وله منزلن ‪ :‬منزل في الجنة ومنزل في النار ‪ ،‬فإن مات فدخل النار وَرثَ أهل الجنة منزله ‪،‬‬
‫فذلك قوله ‪ { :‬أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلوَارِثُونَ } (‪.)4‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن لَيْث ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلوَارِثُونَ } قال ‪ :‬ما من عبد إل وله‬
‫منزلن ‪ :‬منزل في الجنة ‪ ،‬ومنزل في النار ‪ ،‬فأما المؤمن فيُبنَى بيته الذي في الجنة ‪ ،‬ويُهدّم بيته‬
‫الذي في النار (‪ ، )5‬وأما الكافر ف ُيهْدَم بيته الذي في الجنة ‪ ،‬ويُبنى بيته الذي في النار‪ .‬وروي‬
‫عن سعيد بن جُبَيْر نحو ذلك‪.‬‬
‫فالمؤمنون يرثون منازل الكفار ؛ لنهم [كلهم] (‪ )6‬خلقوا لعبادة ال تعالى (‪ ، )7‬فلما قام هؤلء‬
‫المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة ‪ ،‬وت َركَ أولئك ما أمرُوا به مما خُلقوا له ‪ -‬أحرزَ هؤلء‬
‫نصيب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جاء من حديث ثوبان ‪ :‬رواه ابن ماجه في السنن برقم (‪ )277‬من طريق سفيان عن منصور‬
‫عن ابن أبي الجعد عنه به وفيه انقطاع‪ .‬ومن حديث عبد ال بن عمرو بن العاص ‪ :‬رواه ابن‬
‫ماجه في السنن برقم (‪ )278‬من طريق المعتمر عن ليث عن مجاهد عنه به ‪ ،‬وليث بن أبي سليم‬
‫ضعيف‪ .‬ومن حديث أبي أمامة ‪ :‬رواه ابن ماجه في السنن برقم (‪ )279‬من طريق إسحاق بن‬
‫أسيد عن أبي حفص الدمشقي عنه به ‪ ،‬وضعفه البوصيري في الزوائد‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري في صحيحه برقم (‪ )7423( ، )2790‬عن أبي هريرة ‪ ،‬ولم يعزه صاحب التحفة‬
‫إلى غير البخاري‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه ابن ماجه في السنن برقم (‪ )4341‬عن أبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن سنان ‪ ،‬كلهما‬
‫عن أبي معاوية به‪ .‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )3/327‬هذا إسناد صحيح على شرط‬
‫الشيخين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيهدم بيته الذي في النار ‪ ،‬ويبنى بيته الذي في الجنة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وحده ل شريك له"‪.‬‬

‫( ‪)5/464‬‬

‫طفَةَ‬
‫طفَةً فِي قَرَارٍ َمكِينٍ (‪ُ )13‬ثمّ خََلقْنَا النّ ْ‬
‫جعَلْنَاهُ ُن ْ‬
‫وَلَقَدْ خََلقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (‪ُ )12‬ثمّ َ‬
‫حمًا ُثمّ أَنْشَأْنَاهُ خَ ْلقًا َآخَرَ فَتَبَا َركَ‬
‫سوْنَا ا ْلعِظَامَ لَ ْ‬
‫عظَامًا َفكَ َ‬
‫ضغَةَ ِ‬
‫ضغَةً فَخََلقْنَا ا ْل ُم ْ‬
‫عََلقَةً فَخََلقْنَا ا ْلعََلقَةَ ُم ْ‬
‫اللّهُ أَحْسَنُ الْخَاِلقِينَ (‪ )14‬ثُمّ إِ ّن ُكمْ َبعْدَ ذَِلكَ َلمَيّتُونَ (‪ُ )15‬ثمّ إِ ّنكُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ تُ ْبعَثُونَ (‪)16‬‬

‫أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل ‪ ،‬بل أبلغ من هذا أيضًا ‪ ،‬وهو ما ثبت في صحيح مسلم ‪،‬‬
‫عن أبي بُر َدةَ (‪ ، )1‬عن أبيه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يجيء يوم القيامة ناس من‬
‫المسلمين بذنوب أمثال الجبال ‪ ،‬فيغفرها ال لهم ‪ ،‬ويضَعُها على اليهود والنصارى" (‪.)2‬‬
‫وفي لفظ له ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا كان يوم القيامة َدفَعَ ال لكل مسلم يهوديّا‬
‫أو نصرانيّا ‪ ،‬فيقال (‪ : )3‬هذا َفكَا ُككَ من النار"‪ .‬فاستحلف عُمر بن عبد العزيز أبا بُر َدةَ بال الذي‬
‫ل إله إل هو ‪ ،‬ثلث مرات ‪ ،‬أن أباه حَدّثه عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فحلف له‬
‫(‪ .)4‬قلت ‪ :‬وهذه الية كقوله تعالى ‪ { :‬تِ ْلكَ الْجَنّةُ الّتِي نُو ِرثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ َتقِيّا } [مريم ‪:‬‬
‫‪ ، ]63‬وكقوله ‪ { :‬وَتِ ْلكَ ا ْلجَنّةُ الّتِي أُورِثْ ُتمُوهَا ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } [الزخرف ‪ .]73 :‬وقد قال‬
‫مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ :‬الجنة بالرومية هي الفردوس‪.‬‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬ل يسمى البستان فردوسًا إل إذا كان فيه عنب ‪ ،‬فال أعلم (‪.)5‬‬
‫طفَةً فِي قَرَارٍ َمكِينٍ (‪ )13‬ثُمّ خََلقْنَا‬
‫جعَلْنَاهُ نُ ْ‬
‫{ وََلقَدْ خََلقْنَا النْسَانَ مِنْ سُللَةٍ مِنْ طِينٍ (‪ )12‬ثُمّ َ‬
‫حمًا ثُمّ أَنْشَأْنَاهُ خَ ْلقًا آخَرَ‬
‫سوْنَا ا ْل ِعظَامَ َل ْ‬
‫ضغَةَ عِظَامًا َفكَ َ‬
‫ضغَةً فَخََلقْنَا ا ْل ُم ْ‬
‫طفَةَ عََلقَةً َفخََلقْنَا ا ْلعََلقَةَ ُم ْ‬
‫النّ ْ‬
‫فَتَبَا َركَ اللّهُ َأحْسَنُ الْخَاِلقِينَ (‪ )14‬ثُمّ إِ ّن ُكمْ َبعْدَ ذَِلكَ َلمَيّتُونَ (‪ُ )15‬ثمّ إِ ّنكُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ تُ ْبعَثُونَ (‬
‫‪.} )16‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن ابتداء خلق النسان من سللة من طين ‪ ،‬وهو آدم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬خلقه‬
‫ال من صلصال من حمأ مسنون‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن المِنْهال بن عمرو ‪ ،‬عن أبي يحيى ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬مِنْ سُللَةٍ مِنْ‬
‫طِينٍ } قال ‪ :‬صَفوةُ الماء‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬مِنْ سُلَلةٍ } أي ‪ :‬من منيّ آدم‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وإنما سمي آدم طينًا لنه مخلوق منه‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬اس ُتلّ آدمُ من الطين‪ .‬وهذا أظهر في المعنى ‪ ،‬وأقرب إلى السياق ‪ ،‬فإن آدم ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬خلق من طين لزب ‪ ،‬وهو الصلصال من الحمأ المسنون ‪ ،‬وذلك مخلوق من التراب ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كما قال تعالى ‪َ { :‬ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خََل َقكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ إِذَا أَنْ ُتمْ بَشَرٌ تَنْ َتشِرُونَ } [الروم ‪.]20 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بردة بن أبي موسى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)2767‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيقول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)2767‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وال أعلم‪.‬‬

‫( ‪)5/465‬‬

‫عوْف ‪ ،‬حدثنا َقسَامة بن زُهَيْر ‪ ،‬عن أبي موسى‬


‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن ال خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الرض ‪،‬‬
‫فجاء بنو آدم على قَدْر الرض ‪ ،‬جاء منهم الحمر والسود والبيض ‪ ،‬وبين ذلك ‪ ،‬والخبيث‬
‫والطيب ‪ ،‬وبين ذلك"‪.‬‬
‫وقد رواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن عوف العرابي ‪ ،‬به نحوه (‪ .)1‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن صحيح‪.‬‬
‫طفَةً } ‪ :‬هذا الضمير عائد على جنس النسان ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ { :‬وَبَدَأَ‬
‫جعَلْنَاهُ ُن ْ‬
‫{ ُثمّ َ‬
‫ج َعلَ نَسْلَهُ مِنْ سُللَةٍ مِنْ مَاءٍ َمهِينٍ } [السجدة ‪ ]8 ، 7 :‬أي ‪ :‬ضعيف‬
‫خَ ْلقَ النْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمّ َ‬
‫جعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ َمكِينٍ } (‪ ، )2‬يعني ‪ :‬الرحمُ ُمعَد لذلك‬
‫‪ ،‬كما قال ‪ { :‬أََلمْ نَخُْل ْقكُمْ مِنْ مَاءٍ َمهِينٍ‪َ .‬ف َ‬
‫مهيأ له ‪ { ،‬إِلَى قَدَرٍ َمعْلُومٍ * َفقَدَرْنَا فَ ِن ْعمَ ا ْلقَادِرُونَ } [المرسلت ‪ ، ]23 ، 22 :‬أي ‪[ :‬إلى] (‪)3‬‬
‫مدة معلومة وأجل معين حتى استحكم وت َنقّل من حال إلى حال ‪ ،‬وصفة إلى صفة ؛ ولهذا قال‬
‫طفَةَ عََلقَةً } أي ‪ :‬ثم صَيّرنا النطفة ‪ ،‬وهي الماء الدافق الذي يخرج من‬
‫هاهنا ‪ { :‬ثُمّ خََلقْنَا النّ ْ‬
‫صلب الرجل ‪ -‬وهو ظهره ‪ -‬وترائب المرأة ‪ -‬وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى الثندوة ‪-‬‬
‫فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة‪ .‬قال عكرمة ‪ :‬وهي دم‪.‬‬
‫{ َفخََلقْنَا ا ْلعََلقَةَ ُمضْغَةً } ‪ :‬وهي قطعة كالبَضعة من اللحم ‪ ،‬ل شكل فيها ول تخطيط ‪َ { ،‬فخََلقْنَا‬
‫ضغَةَ عِظَامًا } يعني ‪ :‬شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها‪.‬‬
‫ا ْل ُم ْ‬
‫عظَامًا (‪.} )4‬‬
‫ضغَةَ ِ‬
‫وقرأ آخرون ‪ { :‬فَخََلقْنَا ا ْل ُم ْ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬وهو عظم الصلب‪.‬‬
‫وفي الصحيح ‪ ،‬من حديث أبي الزّنَاد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫جبُ الذّنَب ‪ ،‬منه خلق ومنه (‪ )5‬يركب" (‪.)6‬‬
‫عْ‬‫ال عليه وسلم ‪" :‬كل جسد ابن آدم يبلى إل َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمًا } أي ‪ :‬وجعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه ‪ُ { ،‬ثمّ أَنْشَأْنَاهُ خَ ْلقًا آخَرَ }‬
‫سوْنَا ا ْل ِعظَامَ َل ْ‬
‫{ َفكَ َ‬
‫أي ‪ :‬ثم نفخنا فيه الروح ‪ ،‬فتحرك وصار { خَ ْلقًا آخَرَ } ذا سمع وبصر وإدراك وحركة‬
‫حسَنُ ا ْلخَاِلقِينَ }‬
‫واضطراب { فَتَبَا َركَ اللّهُ أَ ْ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا جعفر بن مُسافر ‪ ،‬حدثنا يحيى بن حسان ‪،‬‬
‫حدثنا النضر ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن كثير ‪ ،‬مولى بني هاشم ‪ -‬حدثنا زيد بن علي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن علي‬
‫بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا أتمت النطفة أربعة أشهر ‪ُ ،‬بعِث إليها مَلك فنفخ فيها‬
‫الروح في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/400‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4693‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2955‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فجعلناه نطفة" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬النطفة عظاما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وفيه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )4935‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2955‬من حديث أبي هريرة رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬

‫( ‪)5/466‬‬

‫الظلمات الثلث ‪ ،‬فذلك قوله ‪ُ { :‬ثمّ أَنْشَأْنَاهُ خَ ْلقًا آخَرَ } يعني ‪ :‬نفخنا فيه الروح (‪.)1‬‬
‫ورُوي عن أبي سعيد الخدري أنه َنفْخُ الروح‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ { :‬ثُمّ أَ ْنشَأْنَاهُ خَ ْلقًا آخَرَ } يعني به ‪ :‬الروح (‪ .)2‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪،‬‬
‫والشعبي ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وأبو العالية ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابنُ زيد ‪،‬‬
‫واختاره ابنُ جرير (‪.)3‬‬
‫وقال ال َع ْو ِفيّ ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬ثُمّ أَنْشَأْنَاهُ خَ ْلقًا آخَرَ } يعني ‪ :‬ننقله من حال إلى حال ‪ ،‬إلى أن‬
‫خرج طفل ثم نشأ صغيرًا ‪ ،‬ثم احتلم ‪ ،‬ثم صار شابّا ‪ ،‬ثم كهل ثم شيخًا ‪ ،‬ثم هرما‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ ،‬والضحاك نحو ذلك‪ .‬ول منافاة ‪ ،‬فإنه من ابتداء (‪ )4‬نفخ الروح [فيه] (‪ )5‬شَرَع في‬
‫هذه التنقلت والحوال‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال المام أحمد في مسنده ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن زيد بن وهب ‪ ،‬عن عبد ال‬
‫‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬حدثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو الصادق المصدوق ‪" :‬إن‬
‫أحدكم ليُجمع خَلقُه في بطن أمه أربعين يومًا ‪ ،‬ثم يكون علقة مثل ذلك ‪ ،‬ثم يكون مضغة مثل ذلك‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ ،‬ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ‪ ،‬ويؤمر بأربع كلمات ‪ :‬رزقه ‪ ،‬وأجله ‪ ،‬وعمله ‪ ،‬وهل هو‬
‫شقي أو سعيد ‪ ،‬فوالذي ل إله غيره ‪ ،‬إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها‬
‫إل ذراع ‪ ،‬فيسبق عليه الكتاب ‪ ،‬فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها ‪ ،‬وإن الرجل (‪ )6‬ليعمل بعمل‬
‫أهل النار ‪ ،‬حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع ‪ ،‬فيسبق عليه الكتاب ‪ ،‬فيختم له بعمل أهل الجنة‬
‫فيدخلها"‪.‬‬
‫أخرجاه من حديث سليمانَ بن ِمهْرَان العمش (‪.)7‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سِنَان ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية عن العمش ‪ ،‬عن خَيْ َثمَة قال ‪ :‬قال‬
‫عبد ال (‪ - )8‬يعني ‪ :‬ابن مسعود ‪ -‬إن النطفة إذا وقعت في الرحم ‪ ،‬طارت في كل شعر‬
‫وظفر ‪ ،‬فتمكث أربعين يوما ‪ ،‬ثم تتحدّر (‪ )9‬في الرحم فتكون علقة‪.‬‬
‫وقال المام أحمد أيضًا ‪ :‬حدثنا حسين بن الحسن ‪ ،‬حدثنا أبو كُدَيْنة ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن‬
‫القاسم بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬مَرّ يهوديّ برسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وهو يحدث أصحابه ‪ ،‬فقالت قريش ‪ :‬يا يهودي ‪ ،‬إن هذا يَزعمُ أنه نبي‪ .‬فقال ‪ :‬لسألنه عن شيء‬
‫ل يعلمه إل نبي‪ .‬قال ‪ :‬فجاءه حتى جلس ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ِ ،‬ممّ يخلق النسان ؟ فقال ‪" :‬يا‬
‫يهودي ‪ ،‬من كلّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬يعني به الروح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬يعني نفخنا فيه الروح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)81 - 8‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬ابتدأ"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬أحدكم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )1/382‬وصحيح البخاري برقم (‪ )6594‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2643‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬عن خيثمة عن عبد ال قال ‪ :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تنحدر"‪.‬‬

‫( ‪)5/467‬‬

‫يُخَْلقُ ‪ ،‬من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة ‪ ،‬فأما نطفة الرجل فنطفة غليظة منها العظم‬
‫وال َعصَب ‪ ،‬وأما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم والدم" فقام اليهودي فقال ‪ :‬هكذا كان يقول‬
‫من قبلك‪)1( .‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طفَيْل ‪ ،‬حُذَ ْيفَة بن أُسَيْد الغفاري قال ‪:‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان عن عمرو ‪ ،‬عن أبي ال ّ‬
‫سمعتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬يدخل المَلك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم‬
‫بأربعين ليلة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ماذا ؟ أشقي أم سعيد ؟ أذكر أم أنثى ؟ فيقول ال ‪ ،‬فيكتبان (‪.)2‬‬
‫فيقولن ‪ :‬ماذا ؟ أذكر أم أنثى ؟ فيقول ال عز وجل ‪ ،‬فيكتبان و ُيكْ َتبُ عمله ‪ ،‬وأثره ‪ ،‬ومصيبته ‪،‬‬
‫ورزقه ‪ ،‬ثم تطوى الصحيفة ‪ ،‬فل يُزاد على ما فيها ول ينقص"‪.‬‬
‫وقد رواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن عمرو ‪ -‬وهو ابن دينار ‪ -‬به (‬
‫‪ )3‬نحوه‪ .‬ومن طُرَق أخرَى ‪ ،‬عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ‪ ،‬عن حذيفة بن أسيد أبي سريحة (‬
‫‪ )4‬الغفاري بنحوه ‪ ،‬وال أعلم (‪.)5‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا أحمد بن عبدة ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬حدثنا عبيد ال بن أبي‬
‫بكر ‪ ،‬عن أنس ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن ال وكّل بالرحم مَلكًا فيقول ‪ :‬أي‬
‫رب ‪ ،‬نطفة‪ .‬أيْ رب ‪ ،‬علقة (‪ )6‬أي رب ‪ ،‬مضغة‪ .‬فإذا أراد ال خلقها قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ذكر أو‬
‫أنثى ؟ شقي أو سعيد ؟ فما الرزق والجل ؟" قال ‪" :‬فذلك يكتب في بطن أمه"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من حديث حماد بن زيد به (‪.)7‬‬
‫حسَنُ ا ْلخَاِلقِينَ } يعني ‪ :‬حين ذكر قدرته ولطفه في خلق هذه النطفة من‬
‫وقوله ‪ { :‬فَتَبَا َركَ اللّهُ أَ ْ‬
‫ي الكامل‬
‫س ِو ّ‬
‫حال إلى حال ‪ ،‬وشكل إلى شكل ‪ ،‬حتى تصورت إلى ما صارت إليه من النسان ال ّ‬
‫الخلق ‪ ،‬قال ‪ { :‬فَتَبَا َركَ اللّهُ َأحْسَنُ الْخَاِلقِينَ }‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا يونس بن حبيب ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا علي‬
‫بن زيد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬قال ‪ :‬قال عمر ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن الخطاب رضي ال عنه ‪ : -‬وافقت ربي‬
‫ووافقني في أربع ‪ :‬نزلت هذه الية ‪ { :‬وََلقَدْ خََلقْنَا النْسَانَ مِنْ سُللَةٍ مِنْ طِينٍ } الية ‪ ،‬قلت (‪)8‬‬
‫حسَنُ الْخَاِلقِينَ }‬
‫أنا ‪ :‬فتبارك ال أحسن الخالقين‪ .‬فنزلت ‪ { :‬فَتَبَا َركَ اللّهُ أَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)1/465‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬ويكتبان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )4/6‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2644‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬سريح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)2645‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬فحلقه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )318‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2646‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الية ‪ ،‬فلما نزلت قلت"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)5/468‬‬

‫ق َومَا كُنّا عَنِ الْخَ ْلقِ غَافِلِينَ (‪)17‬‬


‫وَلَقَدْ خََلقْنَا َف ْو َقكُمْ سَبْعَ طَرَا ِئ َ‬

‫ج ْعفِي ‪ ،‬عن عامر‬


‫وقال أيضًا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا آدم بن أبي إياس ‪ ،‬حدثنا شَيْبَان ‪ ،‬عن جابر ال ُ‬
‫الشعبي ‪ ،‬عن زيد بن ثابت النصاري قال ‪ :‬أملى عليّ رسولُ ال هذه الية ‪ { :‬وََلقَدْ خََلقْنَا‬
‫النْسَانَ مِنْ سُلَلةٍ مِنْ طِينٍ } إلى قوله ‪ { :‬خَ ْلقًا آخَرَ } ‪ ،‬فقال معاذ ‪ { :‬فَتَبَا َركَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَاِلقِينَ‬
‫} ‪ ،‬فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقال له معاذ ‪ :‬مم ضحكت يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬بها‬
‫ختمت { فَتَبَا َركَ اللّهُ َأحْسَنُ ا ْلخَاِلقِينَ } (‪.)1‬‬
‫ج ْعفِي ضعيف جدّا ‪ ،‬وفي خبره هذا َنكَارة شَديدة ‪ ،‬وذلك أن هذه السورة مكية ‪،‬‬
‫جابر بن يزيد ال ُ‬
‫وزيد بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة ‪ ،‬وكذلك (‪ )2‬إسلم معاذ بن جبل إنما كان بالمدينة‬
‫أيضًا ‪ ،‬فال أعلم (‪.)3‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ إِ ّنكُمْ َب ْعدَ ذَِلكَ َلمَيّتُونَ } يعني ‪ :‬بعد هذه النشأة الولى من العدم تَصيرون إلى‬
‫شئُ النّشَْأةَ الخِ َرةَ }‬
‫الموت ‪ { ،‬ثُمّ إِ ّنكُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ تُ ْبعَثُونَ } يعني ‪ :‬النشأة الخرة ‪ { ،‬ثُمّ اللّهُ يُنْ ِ‬
‫[العنكبوت ‪ ]20 :‬يعني ‪ :‬يوم المعاد ‪ ،‬وقيام الرواح والجساد ‪ ،‬فيحاسب الخلئق ‪ ،‬ويوفي كل‬
‫عامل عمله ‪ ،‬إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا فشر‪.‬‬
‫ق َومَا كُنّا عَنِ ا ْلخَلْقِ غَافِلِينَ (‪.} )17‬‬
‫{ وََلقَدْ خََلقْنَا َف ْو َقكُمْ سَبْعَ طَرَائِ َ‬
‫لما ذكر تعالى خَلْق النسان ‪ ،‬عطف بذكر خلق السموات السبع ‪ ،‬وكثيرًا ما يذكر تعالى خلق‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ َأكْبَرُ مِنْ‬
‫السموات والرض (‪ )4‬مع خلق النسان ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬لخَلْقُ ال ّ‬
‫خَ ْلقِ النّاسِ } [غافر ‪ .]57 :‬وهكذا في أول { الم } السجدة ‪ ،‬التي كان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يقرأ بها [في] (‪ )5‬صبيحة يوم الجمعة ‪ ،‬في أولها خَلْقُ السموات والرض ‪ ،‬ثم بيان خلق‬
‫النسان من سللة من طين ‪ ،‬وفيها أمر المعاد والجزاء ‪ ،‬وغير ذلك من المقاصد‪.‬‬
‫فقوله ‪ { :‬سَ ْبعَ طَرَا ِئقَ } ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬يعني السموات السبع ‪ ،‬وهذه كقوله تعالى ‪ { :‬تُسَبّحُ لَهُ‬
‫سمَاوَاتٍ‬
‫ض َومَنْ فِيهِنّ } [السراء ‪ { ، ]44 :‬أَلَمْ تَ َروْا كَ ْيفَ خَلَقَ اللّهُ سَ ْبعَ َ‬
‫سمَاوَاتُ السّبْعُ وَال ْر ُ‬
‫ال ّ‬
‫سمَاوَاتٍ َومِنَ ال ْرضِ مِثَْلهُنّ يَتَنزلُ المْرُ بَيْ َنهُنّ‬
‫طِبَاقًا } [نوح ‪ { ، ]15 :‬اللّهُ الّذِي خََلقَ سَبْعَ َ‬
‫شيْءٍ عِ ْلمًا } [الطلق ‪ .]12 :‬وهكذا قال‬
‫شيْءٍ َقدِي ٌر وَأَنّ اللّهَ قَدْ َأحَاطَ ِب ُكلّ َ‬
‫علَى ُكلّ َ‬
‫لِ َتعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َ‬
‫ق َومَا كُنّا عَنِ ا ْلخَلْقِ غَافِلِينَ } أي ‪ :‬ويعلم ما يلج في‬
‫هاهنا ‪ { :‬وََلقَدْ خََلقْنَا َف ْو َقكُمْ سَ ْبعَ طَرَا ِئ َ‬
‫الرض وما يخرج منها ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪" )3367‬مجمع البحرين" عن أبي زرعة عن آدم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بن إياس به وجابر الجعفي ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وكذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وال أعلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬السبع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/469‬‬

‫وما ينزل من السماء وما يعرُج فيها ‪ ،‬وهو معكم أينما كنتم ‪ ،‬وال بما تعملون بصير‪ .‬وهو ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬ل يَحجبُ عنه سماء سماء ‪ ،‬ول أرض أرضًا ‪ ،‬ول جبل إل يعلم ما في وَعْره ‪ ،‬ول‬
‫بحر إل يعلم ما في َقعْره ‪ ،‬يعلم عدد ما في الجبال والتلل والرمال ‪ ،‬والبحار والقفار والشجار ‪،‬‬
‫ب وَل يَابِسٍ إِل فِي كِتَابٍ‬
‫ط ٍ‬
‫ض وَل َر ْ‬
‫ن وَ َرقَةٍ إِل َيعَْل ُمهَا وَل حَبّةٍ فِي ظُُلمَاتِ ال ْر ِ‬
‫سقُطُ مِ ْ‬
‫{ َومَا تَ ْ‬
‫مُبِينٍ } [النعام ‪.]59 :‬‬

‫( ‪)5/470‬‬

‫ض وَإِنّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ َلقَادِرُونَ (‪ )18‬فَأَ ْنشَأْنَا َلكُمْ ِبهِ‬


‫سكَنّاهُ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫سمَاءِ مَاءً ِبقَدَرٍ فَأَ ْ‬
‫وَأَنْزَلْنَا مِنَ ال ّ‬
‫شجَ َرةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ‬
‫جَنّاتٍ مِنْ َنخِيلٍ وَأَعْنَابٍ َلكُمْ فِيهَا َفوَاكِهُ كَثِي َر ٌة َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ (‪ )19‬وَ َ‬
‫سقِيكُمْ ِممّا فِي بُطُو ِنهَا وََلكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ‬
‫ن َوصِبْغٍ لِلَْآكِلِينَ (‪ )20‬وَإِنّ َل ُكمْ فِي الْأَ ْنعَامِ َلعِبْ َرةً نُ ْ‬
‫تَنْ ُبتُ بِالدّهْ ِ‬
‫حمَلُونَ (‪)22‬‬
‫كَثِي َرةٌ َومِنْهَا تَ ْأكُلُونَ (‪ )21‬وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى ا ْلفُ ْلكِ تُ ْ‬

‫ض وَإِنّا عَلَى ذَهَابٍ ِبهِ َلقَادِرُونَ (‪ )18‬فَأَ ْنشَأْنَا َلكُمْ‬


‫سكَنّاهُ فِي ال ْر ِ‬
‫سمَاءِ مَاءً ِبقَدَرٍ فَأَ ْ‬
‫{ وَأَنزلْنَا مِنَ ال ّ‬
‫ل وَأَعْنَابٍ َلكُمْ فِيهَا َفوَاكِهُ كَثِي َر ٌة َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ (‪ )19‬وَشَجَ َرةً َتخْرُجُ مِنْ طُورِ‬
‫بِهِ جَنّاتٍ مِنْ نَخِي ٍ‬
‫سقِيكُمْ ِممّا فِي ُبطُو ِنهَا وََلكُمْ‬
‫ن َوصِبْغٍ لِلكِلِينَ (‪ )20‬وَإِنّ َل ُكمْ فِي ال ْنعَامِ َلعِبْ َرةً ُن ْ‬
‫سَيْنَاءَ تَنْ ُبتُ بِالدّهْ ِ‬
‫حمَلُونَ (‪.} )22‬‬
‫فِيهَا مَنَافِعُ كَثِي َر ٌة َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ (‪ )21‬وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى ا ْلفُ ْلكِ تُ ْ‬
‫يذكر تعالى نعمه على عبيده (‪ )1‬التي ل تع ّد ول تحصى ‪ ،‬في إنزاله القَطْر من السماء { ِبقَدَرٍ }‬
‫أي ‪ :‬بحسب الحاجة ‪ ،‬ل كثيرًا فيفسد الرض والعمران ‪ ،‬ول قليل فل يكفي الزروع والثمار ‪،‬‬
‫بل بقدر الحاجة إليه من السقي والشرب والنتفاع به ‪ ،‬حتى إن الراضي التي تحتاج ماء كثيرًا‬
‫لزرعها ول تحتمل ِدمْنتها إنزال المطر عليها ‪ ،‬يسوق إليها الماء من بلد أخرى ‪ ،‬كما في أرض‬
‫مصر ‪ ،‬ويقال لها ‪" :‬الرض الجرُز" ‪ ،‬يسوق ال إليها ماء النيل معه طين أحمر يجترفه من بلد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الحبشة في زمان أمطارها ‪ ،‬فيأتي الماء يحمل طينًا (‪ )2‬أحمر ‪ ،‬فيسقي أرض مصر ‪ ،‬ويقر‬
‫الطين على أرضهم ليزدرعوا فيه ‪ ،‬لن أرضهم سباخ يغلب عليها الرمال ‪ ،‬فسبحان اللطيف‬
‫الخبير الرحيم الغفور‪.‬‬
‫سكَنّاهُ فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬جعلنا الماء إذا نزل من السحاب يخلد في الرض ‪ ،‬وجعلنا‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَ ْ‬
‫(‪ )3‬في الرض قابليّة له ‪ ،‬تشربه ويتغذى به ما فيها من الحب والنوى‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّا عَلَى َذهَابٍ ِبهِ َلقَادِرُونَ } أي ‪ :‬لو شئنا أل تمطر لفعلنا ‪ ،‬ولو شئنا لصرفناه عنكم‬
‫إلى السباخ والبراري [والبحار] (‪ )4‬والقفار لفعلنا ‪ ،‬ولو شئنا لجعلناه أجاجًا ل ينتفع به لشُرب ول‬
‫لسقي لفعلنا ‪ ،‬ولو شئنا لجعلناه ل ينزل في الرض ‪ ،‬بل ينجَرّ على وجهها لفعلنا‪ .‬ولو شئنا‬
‫لجعلناه إذا نزل فيها يغور إلى َمدَى ل تصلون إليه ول تنتفعون به لفعلنا‪ .‬ولكن بلطفه ورحمته‬
‫ينزل عليكم الماء من السحاب عذبًا فراتًا زلل فيسكنه في الرض ويَسُْلكُه ينابيع في الرض ‪،‬‬
‫فيفتح (‪ )5‬العيون والنهار ‪ ،‬فيسقي (‪ )6‬به الزروع والثمار ‪ ،‬وتشربون منه ودوابكم وأنعامكم ‪،‬‬
‫وتغتسلون (‪ )7‬منه وتتطهرون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬الطين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وجعل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬فيفجر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ويسقي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬ويغتسلون وتغتسلون"‪.‬‬

‫( ‪)5/470‬‬

‫وتتنظفون ‪ ،‬فله الحمد والمنة‪.‬‬


‫ل وَأَعْنَابٍ } يعني ‪ :‬فأخرجنا لكم بما أنزلنا من الماء‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَنْشَأْنَا َلكُمْ بِهِ جَنّاتٍ مِنْ نَخِي ٍ‬
‫{ جَنّاتٍ } أي ‪ :‬بساتين وحدائق ذات بهجة ‪ ،‬أي ‪ :‬ذات منظر حسن‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مِنْ َنخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } أي ‪ :‬فيها نخيل وأعناب‪ .‬وهذا ما كان يألف أهل الحجاز ‪ ،‬ول‬
‫فرق بين الشيء وبين نظيره ‪ ،‬وكذلك في حق كل أهل إقليم ‪ ،‬عندهم من الثمار من نعمة ال‬
‫عليهم ما َي ْعجِزُون عن القيام بشكره‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ل ُكمْ فِيهَا َفوَاكِهُ كَثِي َرةٌ } أي ‪ :‬من جميع الثمار ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬يُنْ ِبتُ َل ُكمْ بِهِ الزّ ْرعَ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ب َومِنْ ُكلّ ال ّثمَرَاتِ } [النحل ‪.]11 :‬‬
‫وَالزّيْتُونَ وَالنّخِيلَ وَالعْنَا َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ } كأنه معطوف على شيء مقدر ‪ ،‬تقديره ‪ :‬تنظرون إلى حسنه ونضجه ‪،‬‬
‫ومنه تأكلون‪.‬‬
‫شجَ َرةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ } يعني ‪ :‬الزيتونة‪ .‬والطور ‪ :‬هو الجبل‪ .‬وقال بعضهم ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫إنما يسمى طورا إذا كان فيه شجر ‪ ،‬فإن عَرى عنها سمي جَبَل ل طورًا ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وطور‬
‫سيناء ‪ :‬هو طور سينين ‪ ،‬وهو الجبل الذي كَلّم [ال] (‪ )1‬عليه موسى بن عمران ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫وما حوله من الجبال التي فيها شجر الزيتون‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬تَنْ ُبتُ بِالدّهْنِ } ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬الباء زائدة ‪ ،‬وتقديره ‪ :‬تنبت الدهن ‪ ،‬كما في قول‬
‫ضمّن الفعل فتقديره ‪ :‬تخرج بالدهن ‪ ،‬أو‬
‫العرب ‪ :‬ألقى فلن بيده ‪ ،‬أي ‪ :‬يده‪ .‬وأما على قول من ُي َ‬
‫(‪ )2‬تأتي بالدهن ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬وصِبْغٍ } أي ‪ :‬أدْم ‪ ،‬قاله قتادة‪ { .‬لِلكِلِينَ } أي ‪ :‬فيها ما ينتفع به‬
‫من الدهن والصطباغ ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن عبد ال بن عيسى ‪ ،‬عن عطاء‬
‫الشامي ‪ ،‬عن أبي أسَيْد ‪ -‬واسمه مالك بن ربيعة الساعدي النصاري ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كلوا الزيت وادهنوا به (‪ )3‬؛ فإنه من شجرة مباركة" (‪.)4‬‬
‫حمَيد في مسنده وتفسيره ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪،‬‬
‫وقال عبد بن ُ‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن عمر ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ائتدموا بالزيت وادهنوا به ‪ ،‬فإنه‬
‫يخرج من شجرة مباركة"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه من غير وجه ‪ ،‬عن عبد الرزاق (‪ .)5‬قال الترمذي ‪ :‬ول يعرف إل‬
‫من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬وال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بالزيت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)3/497‬‬
‫(‪ )5‬المنتخب لعبد بن حميد برقم (‪ )13‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1851‬وسنن ابن ماجه برقم (‬
‫‪.)3319‬‬

‫( ‪)5/471‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى َق ْومِهِ َفقَالَ يَا َقوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا َلكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْ ُرهُ َأفَلَا تَ ّتقُونَ (‪َ )23‬فقَالَ ا ْلمَلَأُ‬
‫ضلَ عَلَ ْيكُ ْم وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَأَنْ َزلَ مَلَا ِئكَةً مَا‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َق ْومِهِ مَا هَذَا إِلّا بَشَرٌ مِثُْل ُكمْ يُرِيدُ أَنْ يَ َتفَ ّ‬
‫جلٌ بِهِ جِنّةٌ فَتَرَ ّبصُوا بِهِ حَتّى حِينٍ (‪)25‬‬
‫س ِمعْنَا ِبهَذَا فِي آَبَائِنَا الَْأوّلِينَ (‪ )24‬إِنْ ُهوَ إِلّا َر ُ‬
‫َ‬

‫حديثه ‪ ،‬وكان يضطرب فيه ‪ ،‬فربما ذكر فيه عمر (‪ )1‬وربما لم يذكره‪.‬‬
‫قال (‪ )2‬أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا عبد ال بن أحمد بن حنبل ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سفيان بن‬
‫صعْب بن حكيم بن شريك بن نملة ‪ ،‬عن أبيه عن جده ‪ ،‬قال ‪ :‬ضِفْت عمرَ بن‬
‫عيينة ‪ ،‬حدثني ال ّ‬
‫الخطاب ليلة عاشوراء (‪ ، )3‬فأطعمني (‪ )4‬من رأس بعير بارد ‪ ،‬وأطعمنا زيتًا ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا‬
‫الزيت المبارك الذي قال ال لنبيه صلى ال عليه وسلم (‪.)5‬‬
‫سقِيكُمْ ِممّا فِي ُبطُو ِنهَا وََلكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِي َرةٌ َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّ َلكُمْ فِي ال ْنعَامِ َلعِبْ َرةً ُن ْ‬
‫حمَلُونَ } ‪ :‬يذكر تعالى ما جعل لخلقه في النعام من المنافع ‪ ،‬وذلك أنهم‬
‫وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى ا ْلفُ ْلكِ تُ ْ‬
‫يشربون من ألبانها الخارجة من بين فرْث ودم ‪ ،‬ويأكلون من حملنها ‪ ،‬ويلبسون من أصوافها‬
‫وأوبارها وأشعارها ‪ ،‬ويركبون ظهورها ويحملونها (‪ )6‬الحمال الثقال إلى البلد النائية عنهم ‪،‬‬
‫ح ِملُ أَ ْثقَالَكُمْ إِلَى َبلَدٍ َلمْ َتكُونُوا بَاِلغِيهِ إِل ِبشِقّ ال ْنفُسِ إِنّ رَ ّبكُمْ لَرَءُوفٌ‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬وَتَ ْ‬
‫عمَِلتْ أَيْدِينَا أَ ْنعَامًا َف ُهمْ َلهَا‬
‫رَحِيمٌ } [النحل ‪ ، ]7 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّا خََلقْنَا َلهُمْ ِممّا َ‬
‫شكُرُونَ } [يس‬
‫مَاِلكُونَ‪ .‬وَذَلّلْنَاهَا َلهُمْ َفمِ ْنهَا َركُو ُبهُ ْم َومِ ْنهَا يَ ْأكُلُونَ‪ .‬وََلهُمْ فِيهَا مَنَافِ ُع َومَشَا ِربُ َأفَل َي ْ‬
‫‪.]73 - 71 :‬‬
‫{ وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا نُوحًا إِلَى َق ْومِهِ َفقَالَ يَا َقوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا َلكُمْ مِنْ إَِلهٍ غَيْ ُرهُ َأفَل تَ ّتقُونَ (‪َ )23‬فقَالَ‬
‫ضلَ عَلَ ْي ُك ْم وََلوْ شَاءَ اللّ ُه لنزلَ‬
‫ا ْلمَل الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ َق ْومِهِ مَا هَذَا إِل َبشَرٌ مِثُْلكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَ َت َف ّ‬
‫جلٌ بِهِ جِنّةٌ فَتَرَ ّبصُوا بِهِ حَتّى حِينٍ (‪)25‬‬
‫س ِمعْنَا ِبهَذَا فِي آبَائِنَا الوّلِينَ (‪ )24‬إِنْ ُهوَ إِل َر ُ‬
‫مَل ِئكَةً مَا َ‬
‫}‪.‬‬
‫يخبر تعالى عن نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين بعثه (‪ )7‬إلى قومه ‪ ،‬لينذرهم عذاب ال وبأسه‬
‫الشديد ‪ ،‬وانتقامه ممن أشرك به وخالف أمره وكذب رسله ‪َ { ،‬فقَالَ يَا َقوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا َلكُمْ مِنْ‬
‫إِلَهٍ غَيْ ُرهُ َأفَل تَ ّتقُونَ } أي ‪ :‬أل تخافون من ال في إشراككم به ؟!‬
‫ضلَ عَلَ ْيكُمْ }‬
‫فقال المل ‪ -‬وهم السادة والكابر منهم ‪ { : -‬مَا َهذَا إِل بَشَرٌ مِثُْل ُكمْ يُرِيدُ أَنْ يَ َتفَ ّ‬
‫يعنون ‪ :‬يترفع عليكم ويتعاظم بدعوى (‪ )8‬النبوة ‪ ،‬وهو بشر مثلكم‪ .‬فكيف أوحي إليه دونكم ؟‬
‫{ وََلوْ شَاءَ اللّ ُه لنزلَ مَل ِئكَةً } أي ‪ :‬لو أراد أن يبعث نبيّا ‪ ،‬لبعث مََلكًا من عنده ولم يكن بشرًا! {‬
‫س ِمعْنَا ِبهَذَا } أي ‪ :‬ببعثة البشر في آبائنا الولين‪ .‬يعنون (‪ )9‬بهذا أسلفهم وأجدادهم والمم (‬
‫مَا َ‬
‫‪ )10‬الماضية‪.‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬ضفت ليلة عمر بن الخطاب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ :‬فأطعمني "عودا"‪ .‬وفي أ ‪" :‬عسورا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير (‪ )1/74‬والصعب بن حكيم ل يعرف كما قال الذهبي‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬ويحملون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بعثه ال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بدعوة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬يعني"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الدهور"‪.‬‬

‫( ‪)5/472‬‬

‫قَالَ َربّ ا ْنصُرْنِي ِبمَا كَذّبُونِ (‪ )26‬فََأوْحَيْنَا إِلَ ْيهِ أَنِ اصْنَعِ ا ْلفُ ْلكَ بِأَعْيُنِنَا َووَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ َأمْرُنَا‬
‫ن وَأَهَْلكَ إِلّا مَنْ سَبَقَ عَلَ ْيهِ ا ْل َقوْلُ مِ ْنهُ ْم وَلَا ُتخَاطِبْنِي فِي‬
‫َوفَارَ التّنّورُ فَاسُْلكْ فِيهَا مِنْ ُكلّ َز ْوجَيْنِ اثْنَيْ ِ‬
‫الّذِينَ ظََلمُوا إِ ّنهُمْ ُمغْ َرقُونَ (‪)27‬‬

‫جلٌ بِهِ جِنّةٌ } أي ‪ :‬مجنون فيما يزعمه ‪ ،‬من أن ال أرسله إليكم ‪ ،‬واختصه‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنْ ُهوَ إِل َر ُ‬
‫من بينكم بالوحي { فَتَرَ ّبصُوا ِبهِ حَتّى حِينٍ } أي ‪ :‬انتظروا به ريب المنون ‪ ،‬واصبروا عليه مدة‬
‫حتى تستريحوا منه‪.‬‬
‫{ قَالَ َربّ ا ْنصُرْنِي ِبمَا َكذّبُونِ (‪ )26‬فََأوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْ َنعِ ا ْلفُ ْلكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ َأمْرُنَا‬
‫ن وَأَهَْلكَ إِل مَنْ سَ َبقَ عَلَيْهِ ا ْلقَ ْولُ مِ ْنهُ ْم وَل ُتخَاطِبْنِي‬
‫َوفَارَ التّنّورُ فَاسُْلكْ فِيهَا مِنْ ُكلّ َز ْوجَيْنِ اثْنَيْ ِ‬
‫فِي الّذِينَ ظََلمُوا إِ ّنهُمْ ُمغْ َرقُونَ (‪} )27‬‬

‫( ‪)5/473‬‬

‫حمْدُ ِللّهِ الّذِي نَجّانَا مِنَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ (‪َ )28‬و ُقلْ‬
‫علَى ا ْلفُ ْلكِ َف ُقلِ ا ْل َ‬
‫ت َومَنْ َم َعكَ َ‬
‫فَإِذَا اسْ َتوَ ْيتَ أَ ْن َ‬
‫ت وَإِنْ كُنّا َلمُبْتَلِينَ (‪)30‬‬
‫َربّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَا َركًا وَأَ ْنتَ خَيْرُ ا ْلمُنْزِلِينَ (‪ )29‬إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَا ٍ‬

‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي َنجّانَا مِنَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ (‪َ )28‬و ُقلْ‬
‫ت َومَنْ َم َعكَ عَلَى ا ْلفُ ْلكِ َفقُلِ ا ْل َ‬
‫{ فَِإذَا اسْ َتوَ ْيتَ أَ ْن َ‬
‫ت وَإِنْ كُنّا َلمُبْتَلِينَ (‪.} )30‬‬
‫ك ليَا ٍ‬
‫َربّ أَنزلْنِي مُنزل مُبَا َركًا وَأَ ْنتَ خَيْرُ ا ْلمُنزلِينَ (‪ )29‬إِنّ فِي ذَِل َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه دعا ربه يستنصره على قومه ‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫مخبرا [عنه] (‪ )1‬في الية الخرى ‪َ { :‬فدَعَا رَبّهُ أَنّي َمغْلُوبٌ فَانْ َتصِرْ } [القمر ‪ ، ]10 :‬وقال‬
‫هاهنا ‪[ { :‬قَالَ] (‪َ )2‬ربّ ا ْنصُرْنِي ِبمَا كَذّبُونِ } فعند ذلك أمره ال تعالى بصنعة السفينة وإحكامها‬
‫وإتقانها ‪ ،‬وأن يحمل فيها من كل زوجين اثنين ‪ ،‬أي ‪ :‬ذكرًا وأنثى من كل صنف من الحيوانات‬
‫والنباتات والثمار ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬وأن يحمل فيها أهله { إِل مَنْ سَ َبقَ عَلَيْهِ ا ْلقَ ْولُ } أي ‪ :‬سبق فيه‬
‫القول من ال بالهلك ‪ ،‬وهم الذين لم يؤمنوا به من أهله ‪ ،‬كابنه وزوجته ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تُخَاطِبْنِي فِي الّذِينَ ظََلمُوا إِ ّنهُمْ ُمغْ َرقُونَ } أي ‪ :‬عند معاينة إنزال المطر العظيم ‪ ،‬ل‬
‫طمَع في تأخيرهم لعلهم يؤمنون ‪ ،‬فإني قد قضيت أنهم‬
‫تأخذنك رأفة بقومك ‪ ،‬وشفقة عليهم ‪ ،‬و َ‬
‫مغرقون على ما هم عليه من الكفر والطغيان‪ .‬وقد تقدمت القصة مبسوطة في سورة "هود" (‪)3‬‬
‫بما يغني عن إعادة ذلك هاهنا‪.‬‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي َنجّانَا مِنَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ } ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَِإذَا اسْ َتوَ ْيتَ أَ ْنتَ َومَنْ َم َعكَ عَلَى ا ْلفُ ْلكِ فَ ُقلِ الْ َ‬
‫ظهُو ِرهِ ُثمّ تَ ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ رَ ّبكُمْ‬
‫ك وَال ْنعَامِ مَا تَ ْركَبُونَ‪ .‬لِ َتسْ َتوُوا عَلَى ُ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنَ ا ْلفُ ْل ِ‬
‫َكمَا قَالَ ‪ { :‬وَ َ‬
‫سخّرَ لَنَا هَذَا َومَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ‪ .‬وَإِنّا إِلَى رَبّنَا َلمُ ْنقَلِبُونَ }‬
‫إِذَا اسْ َتوَيْتُمْ عَلَ ْي ِه وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الّذِي َ‬
‫[الزخرف ‪ .]14 - 12 :‬وقد امتثل نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬هذا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وقَالَ ا ْركَبُوا‬
‫فِيهَا بِسْمِ اللّهِ َمجْرَاهَا َومُرْسَاهَا } [هود ‪ .]41 :‬ف َذكَر الَ تعالى عند ابتداء سيره وعند انتهائه ‪،‬‬
‫وقال تعالى ‪َ { :‬و ُقلْ َربّ أَنزلْنِي مُنزل مُبَا َركًا وَأَ ْنتَ خَيْرُ ا ْلمُنزلِينَ }‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِلكَ ليَاتٍ } أي ‪ :‬إن في هذا الصنيع ‪ -‬وهو إنجاء المؤمنين وإهلك الكافرين‬
‫‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسير اليات ‪.48 - 25 :‬‬

‫( ‪)5/473‬‬

‫ثُمّ أَ ْنشَأْنَا مِنْ َبعْدِ ِهمْ قَرْنًا َآخَرِينَ (‪ )31‬فَأَ ْرسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِ ْنهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا َلكُمْ مِنْ إِلَهٍ‬
‫غَيْ ُرهُ َأفَلَا تَ ّتقُونَ (‪َ )32‬وقَالَ ا ْلمَلَأُ مِنْ َق ْومِهِ الّذِينَ كَفَرُوا َوكَذّبُوا بِِلقَاءِ الْآَخِ َرةِ وَأَتْ َرفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ‬
‫طعْ ُتمْ بَشَرًا‬
‫الدّنْيَا مَا هَذَا ِإلّا بَشَرٌ مِثُْلكُمْ يَ ْأ ُكلُ ِممّا تَ ْأكُلُونَ مِنْ ُه وَيَشْ َربُ ِممّا تَشْرَبُونَ (‪ )33‬وَلَئِنْ أَ َ‬
‫مِثَْلكُمْ إِ ّنكُمْ إِذًا َلخَاسِرُونَ (‪ )34‬أَ َيعِ ُدكُمْ أَ ّنكُمْ ِإذَا مِتّ ْم َوكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَ ّنكُمْ ُمخْرَجُونَ (‪)35‬‬
‫هَ ْيهَاتَ هَ ْيهَاتَ ِلمَا تُوعَدُونَ (‪ )36‬إِنْ ِهيَ إِلّا حَيَاتُنَا الدّنْيَا َنمُوتُ وَنَحْيَا َومَا نَحْنُ ِبمَ ْبعُوثِينَ (‪ )37‬إِنْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫علَى اللّهِ كَذِبًا َومَا َنحْنُ لَهُ ِب ُم ْؤمِنِينَ (‪ )38‬قَالَ َربّ ا ْنصُرْنِي ِبمَا كَذّبُونِ (‪)39‬‬
‫جلٌ افْتَرَى َ‬
‫ُهوَ إِلّا َر ُ‬
‫جعَلْنَا ُهمْ غُثَاءً فَ ُب ْعدًا لِ ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ (‬
‫حقّ فَ َ‬
‫عمّا قَلِيلٍ لَ ُيصْ ِبحُنّ نَا ِدمِينَ (‪ )40‬فََأخَذَ ْتهُمُ الصّيْحَةُ بِالْ َ‬
‫قَالَ َ‬
‫‪)41‬‬

‫{ ليَاتٍ } أي ‪ :‬لحججًا (‪ )1‬ودللت واضحات على صدق النبياء فيما جاءوا به عن ال تعالى ‪،‬‬
‫وأنه تعالى فاعل لما يشاء ‪ ،‬وقادر على كل شيء ‪ ،‬عليم بكل شيء‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ كُنّا َلمُبْتَلِينَ } أي ‪ :‬لمختبرين للعباد بإرسال المرسلين‪.‬‬
‫{ ُثمّ أَنْشَأْنَا مِنْ َب ْعدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (‪ )31‬فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُول مِ ْنهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا َلكُمْ مِنْ إِلَهٍ‬
‫غَيْ ُرهُ َأفَل تَ ّتقُونَ (‪َ )32‬وقَالَ ا ْلمَل مِنْ َق ْومِهِ الّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِِلقَاءِ الخِ َر ِة وَأَتْ َرفْنَاهُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ‬
‫طعْتُمْ َبشَرًا‬
‫الدّنْيَا مَا هَذَا إِل َبشَرٌ مِثُْلكُمْ يَ ْأ ُكلُ ِممّا تَ ْأكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْ َربُ ِممّا َتشْرَبُونَ (‪ )33‬وَلَئِنْ َأ َ‬
‫مِثَْلكُمْ إِ ّنكُمْ إِذًا َلخَاسِرُونَ (‪ )34‬أَ َيعِ ُدكُمْ أَ ّنكُمْ ِإذَا مِتّ ْم َوكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَ ّنكُمْ ُمخْرَجُونَ (‪)35‬‬
‫ت وَنَحْيَا َومَا َنحْنُ ِبمَ ْبعُوثِينَ (‪ )37‬إِنْ‬
‫هَ ْيهَاتَ هَ ْيهَاتَ ِلمَا تُوعَدُونَ (‪ )36‬إِنْ ِهيَ إِل حَيَاتُنَا الدّنْيَا َنمُو ُ‬
‫جلٌ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا َومَا نَحْنُ َلهُ ِب ُم ْؤمِنِينَ (‪ )38‬قَالَ َربّ ا ْنصُرْنِي ِبمَا َكذّبُونِ (‪)39‬‬
‫ُهوَ إِل رَ ُ‬
‫جعَلْنَا ُهمْ غُثَاءً فَ ُب ْعدًا لِ ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ (‬
‫حقّ فَ َ‬
‫عمّا قَلِيلٍ لَ ُيصْ ِبحُنّ نَا ِدمِينَ (‪ )40‬فََأخَذَ ْتهُمُ الصّيْحَةُ بِالْ َ‬
‫قَالَ َ‬
‫‪.} )41‬‬
‫يخبر تعالى أنه أنشأ بعد قوم نوح قرنًا آخرين (‪ - )2‬قيل ‪ :‬المراد بهم عاد ‪ ،‬فإنهم كانوا‬
‫حقّ } ‪ -‬وأنه تعالى‬
‫حةُ بِالْ َ‬
‫مستخلفين بعدهم‪ .‬وقيل ‪ :‬المراد بهؤلء ثمود ؛ لقوله ‪ { :‬فَأَخَذَ ْت ُهمُ الصّيْ َ‬
‫أرسل فيهم رسول منهم ‪ ،‬فدعاهم إلى عبادة ال وحده ل شريك له‪ .‬فكذبوه وخالفوه ‪ ،‬وأبوا من‬
‫اتباعه لكونه بشرًا مثلهم ‪ ،‬واستنكفوا عن اتباع رسول بشري ‪ ،‬فكذبوا بلقاء ال في القيامة ‪،‬‬
‫وأنكروا المعاد الجثماني ‪ ،‬وقالوا { أَ َيعِ ُد ُكمْ أَ ّنكُمْ ِإذَا مِتّمْ َوكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَ ّنكُمْ مُخْرَجُونَ‪ .‬هَ ْيهَاتَ‬
‫هَ ْيهَاتَ ِلمَا تُوعَدُونَ } أي ‪ :‬بعيد بعيد ذلك‪.‬‬
‫جلٌ افْتَرَى عَلَى اللّهِ َكذِبًا } أي ‪ :‬فيما جاءكم (‪ )3‬به من الرسالة والنذارة والخبار‬
‫{ إِنْ ُهوَ إِل َر ُ‬
‫بالمعاد‪َ { .‬ومَا َنحْنُ لَهُ ِب ُم ْؤمِنِينَ‪ .‬قَالَ َربّ ا ْنصُرْنِي ِبمَا كَذّبُونِ } أي ‪ :‬استفتح عليهم الرسول‬
‫عمّا قَلِيلٍ لَ ُيصْبِحُنّ نَا ِدمِينَ } أي ‪ :‬بمخالفتك وعنادك‬
‫واستنصَرَ ربّه عليهم ‪ ،‬فأجاب دعاءه ‪ { ،‬قَالَ َ‬
‫فيما جئتهم به ‪،‬‬
‫حقّ } أي ‪ :‬وكانوا يستحقون ذلك من ال لكفرهم وطغيانهم‪.‬‬
‫{ فََأخَذَ ْتهُمُ الصّيْحَةُ بِالْ َ‬
‫شيْءٍ‬
‫والظاهر أنه اجتمع عليهم صيحة مع الريح الصّرْصر العاصف القويّ الباردة ‪ { ،‬تُ َدمّرُ ُكلّ َ‬
‫بَِأمْرِ رَ ّبهَا فََأصْبَحُوا ل يُرَى (‪ )4‬إِل مَسَاكِ ُنهُمْ } [الحقاف ‪.]25 :‬‬
‫جعَلْنَاهُمْ غُثَاءً } أي ‪ :‬صرعى هَلْكى كغثاء السيل ‪ ،‬وهو الشيء الحقير التافه الهالك‬
‫وقوله ‪َ { :‬ف َ‬
‫الذي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لحجج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬آخر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ "جاء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ترى"‪.‬‬

‫( ‪)5/474‬‬

‫ثُمّ أَ ْنشَأْنَا مِنْ َبعْدِ ِهمْ قُرُونًا َآخَرِينَ (‪)42‬‬

‫ل ينتفع بشيء منه‪ { .‬فَ ُبعْدًا لِ ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ } ‪ ،‬كقوله (‪َ { : )1‬ومَا ظََلمْنَا ُه ْم وََلكِنْ كَانُوا هُمُ‬
‫الظّاِلمِينَ } [الزخرف ‪ ]76 :‬أي ‪ :‬بكفرهم وعنادهم ومخالفة رسول ال ‪ ،‬فليحذر السامعون أن‬
‫يكذبوا رسولهم‪.‬‬
‫{ ُثمّ أَنْشَأْنَا مِنْ َب ْعدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (‪} )42‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬كقولهم"‪.‬‬

‫( ‪)5/475‬‬

‫مَا تَسْ ِبقُ مِنْ ُأمّةٍ َأجََلهَا َومَا َيسْتَأْخِرُونَ (‪ُ )43‬ثمّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ُكلّ مَا جَاءَ ُأمّةً َرسُوُلهَا َكذّبُوهُ‬
‫جعَلْنَاهُمْ َأحَادِيثَ فَ ُبعْدًا ِلقَوْمٍ لَا ُي ْؤمِنُونَ (‪ )44‬ثُمّ أَ ْرسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ‬
‫ضهُمْ َب ْعضًا َو َ‬
‫فَأَتْ َبعْنَا َب ْع َ‬
‫عوْنَ َومَلَئِهِ فَاسْ َتكْبَرُوا َوكَانُوا َق ْومًا عَالِينَ (‪َ )46‬فقَالُوا أَ ُن ْؤمِنُ‬
‫بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (‪ )45‬إِلَى فِرْ َ‬
‫لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا َو َق ْو ُم ُهمَا لَنَا عَابِدُونَ (‪َ )47‬فكَذّبُو ُهمَا َفكَانُوا مِنَ ا ْل ُمهَْلكِينَ (‪ )48‬وََلقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى‬
‫ا ْلكِتَابَ َلعَّلهُمْ َيهْتَدُونَ (‪)49‬‬

‫{ مَا َتسْبِقُ مِنْ ُأمّةٍ أَجََلهَا َومَا يَسْتَ ْأخِرُونَ (‪ )43‬ثُمّ أَ ْرسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ُكلّ مَا جَاءَ ُأمّةً رَسُوُلهَا‬
‫جعَلْنَاهُمْ َأحَادِيثَ فَ ُبعْدًا ِلقَوْمٍ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪.} )44‬‬
‫ضهُمْ َب ْعضًا َو َ‬
‫كَذّبُوهُ فَأَتْ َبعْنَا َب ْع َ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬ثُمّ أَنْشَأْنَا مِنْ َبعْ ِدهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ } أي ‪ :‬أمما وخلئق ‪ { ،‬مَا َتسْبِقُ مِنْ ُأمّةٍ أَجََلهَا‬
‫حسَب ما قدر لهم تعالى في كتابه المحفوظ وعلمه‬
‫َومَا َيسْتَأْخِرُونَ } يعني (‪ : )1‬بل ُيؤْخَذون (‪َ )2‬‬
‫قبل كونهم ‪ ،‬أمة بعد أمة ‪ ،‬وقرنا بعد قرن ‪ ،‬وجيل بعد جيل ‪ ،‬وخَلفًا بعد سلف‪.‬‬
‫{ ُثمّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى } ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬يعني يتبع بعضهم بعضًا‪ .‬وهذه كقوله تعالى ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ وََلقَدْ َبعَثْنَا فِي ُكلّ ُأمّةٍ رَسُول أَنِ اُعْبُدُوا اللّ َه وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ َفمِ ْنهُمْ مَنْ هَدَى اللّ ُه َومِ ْنهُمْ مَنْ‬
‫ح ّقتْ عَلَيْهِ الضّللَةُ } [النحل ‪ ، ]36 :‬وقوله ‪ُ { :‬كلّ مَا جَاءَ ُأمّةً رَسُوُلهَا كَذّبُوهُ } يعني ‪:‬‬
‫َ‬
‫حسْ َرةً عَلَى ا ْلعِبَادِ مَا يَأْتِي ِهمْ مِنْ رَسُولٍ إِل كَانُوا بِهِ‬
‫جمهورهم وأكثرهم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬يَا َ‬
‫يَسْ َتهْزِئُونَ } [يس ‪.]30 :‬‬
‫ضهُمْ َب ْعضًا } أي ‪ :‬أهلكناهم ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬وكَمْ أَ ْهَلكْنَا مِنَ ا ْلقُرُونِ مِنْ َبعْدِ نُوحٍ }‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَتْ َبعْنَا َب ْع َ‬
‫[السراء ‪.]17 :‬‬
‫ث َومَ ّزقْنَاهُمْ ُكلّ‬
‫جعَلْنَاهُمْ َأحَادِي َ‬
‫جعَلْنَاهُمْ َأحَادِيثَ } أي ‪ :‬أخبارًا وأحاديث للناس ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬فَ َ‬
‫{ وَ َ‬
‫ُممَزّقٍ } [الية] (‪[ )3‬سبأ ‪ { [ ]19 :‬فَ ُبعْدًا ِلقَوْمٍ ل ُي ْؤمِنُونَ } ] (‪.)4‬‬
‫ن َومَلَئِهِ فَاسْ َتكْبَرُوا َوكَانُوا‬
‫عوْ َ‬
‫{ ُثمّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (‪ )45‬إِلَى فِرْ َ‬
‫َق ْومًا عَالِينَ (‪َ )46‬فقَالُوا أَ ُن ْؤمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا َو َق ْو ُمهُمَا لَنَا عَا ِبدُونَ (‪َ )47‬فكَذّبُو ُهمَا َفكَانُوا مِنَ‬
‫ا ْل ُمهَْلكِينَ (‪ )48‬وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ َلعَّلهُمْ َيهْتَدُونَ (‪.} )49‬‬
‫يخبر تعالى أنه بعث رسوله موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وأخاه هارون إلى فرعون وملئه ‪ ،‬باليات‬
‫والحجج الدامغات ‪ ،‬والبراهين القاطعات ‪ ،‬وأن فرعون وقومه استكبروا عن اتباعهما ‪ ،‬والنقياد‬
‫لمرهما ‪ ،‬لكونهما بَشرين كما أنكرت المم الماضية بعثة الرسل من البشر ‪ ،‬تشابهت قلوبهم ‪،‬‬
‫فأهلك ال فرعون ومله ‪ ،‬وأغرقهم في يوم واحد أجمعين ‪ ،‬وأنزل على موسى الكتاب ‪ -‬وهو‬
‫التوراة ‪ -‬فيها أحكامه وأوامره ونواهيه ‪ ،‬وذلك بعد ما قصم ال فرعون والقبط ‪ ،‬وأخذهم أخذ‬
‫عزيز مقتدر ؛ وبعد أن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يوجدون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف‪ .‬وفي هـ ‪( :‬إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون)‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)5/475‬‬

‫جعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَُأمّهُ آَيَةً وَ َآوَيْنَا ُهمَا إِلَى رَ ْب َوةٍ ذَاتِ قَرَا ٍر َو َمعِينٍ (‪)50‬‬
‫وَ َ‬

‫أنزل ال التوراة لم يهلك أمة بعامة ‪ ،‬بل أمر المؤمنين بقتال الكافرين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ‬
‫حمَةً َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ }‬
‫ن الولَى َبصَائِرَ لِلنّاسِ وَهُدًى وَرَ ْ‬
‫آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ مِنْ َبعْدِ مَا أَ ْهَلكْنَا ا ْلقُرُو َ‬
‫[القصص ‪.]43 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثم قال تعالى ‪:‬‬
‫جعَلْنَا ابْنَ مَرْيَ َم وَُأمّهُ آيَ ًة وَآوَيْنَا ُهمَا إِلَى رَ ْب َوةٍ ذَاتِ قَرَا ٍر َو َمعِينٍ (‪.} )50‬‬
‫{ وَ َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله عيسى ابن مريم ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬أنه جعلهما آية للناس ‪:‬‬
‫أي حجة قاطعة على قدرته على ما يشاء ‪ ،‬فإنه خلق آدم من غير أب ول أم ‪ ،‬وخلق حواء من‬
‫ذكر بل أنثى ‪ ،‬وخلق عيسى من أنثى بل ذكر ‪ ،‬وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَآوَيْنَا ُهمَا إِلَى رَ ْب َوةٍ ذَاتِ قَرَا ٍر َو َمعِينٍ } قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الربوة ‪:‬‬
‫المكان المرتفع من الرض ‪ ،‬وهو أحسن ما يكون فيه النبات‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪،‬‬
‫وسعيد بن جبير ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬وقوله ‪ { :‬ذَاتِ قَرَارٍ } يقول ‪ :‬ذات خصب { َو َمعِينٍ } يعني ‪ :‬ماء ظاهرًا (‪.)1‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬ربوة مستوية‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ { :‬ذَاتِ قَرَا ٍر َو َمعِينٍ } ‪ :‬استوى الماء فيها‪ .‬وقال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪َ { :‬و َمعِينٍ‬
‫} ‪ :‬الماء الجاري‪.‬‬
‫ثم اختلف المفسرون في مكان هذه الربوة في أيّ أرض [ال] (‪ )2‬هي ؟ فقال عبد الرحمن بن زيد‬
‫بن أسلم ‪ :‬ليس الربى إل بمصر‪ .‬والماء حين يرسل (‪ )3‬يكون الربى عليها القرى ‪ ،‬ولول الربى‬
‫غرقت القرى‪.‬‬
‫وروي عن وهب بن مُنَبّه نحو هذا ‪ ،‬وهو بعيد جدّا‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال بن يزيد المقرئ ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد‬
‫‪ ،‬عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى ‪ { :‬وَآوَيْنَا ُهمَا إِلَى رَ ْب َوةٍ ذَاتِ قَرَا ٍر َو َمعِينٍ } ‪ ،‬قال ‪ :‬هي‬
‫دمشق (‪.)4‬‬
‫قال ‪ :‬ورُوي عن عبد ال بن سلم ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وخالد بن َمعْدان نحو ذلك‪.‬‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن ِ‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬ذَاتِ قَرَا ٍر َو َمعِينٍ } قال ‪ :‬أنهار دمشق‪.‬‬
‫ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬طاهرا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬يسيل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬الدمشق"‪.‬‬

‫( ‪)5/476‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمَلُوا صَاِلحًا إِنّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ (‪ )51‬وَإِنّ هَ ِذهِ ُأمّ ُتكُمْ ُأمّةً‬
‫سلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ وَا ْ‬
‫يَا أَ ّيهَا الرّ ُ‬
‫طعُوا َأمْرَهُمْ بَيْ َنهُمْ زُبُرًا ُكلّ حِ ْزبٍ ِبمَا لَدَ ْي ِهمْ فَرِحُونَ (‪ )53‬فَذَرْ ُهمْ‬
‫وَاحِ َد ًة وَأَنَا رَ ّب ُكمْ فَا ّتقُونِ (‪ )52‬فَ َتقَ ّ‬
‫غمْرَ ِتهِمْ حَتّى حِينٍ (‪ )54‬أَ َيحْسَبُونَ أَ ّنمَا ُنمِدّهُمْ ِبهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (‪ُ )55‬نسَا ِرعُ َل ُهمْ فِي الْخَيْرَاتِ‬
‫فِي َ‬
‫شعُرُونَ (‪)56‬‬
‫َبلْ لَا يَ ْ‬

‫وقال ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬وَآوَيْنَا ُهمَا إِلَى رَ ْب َوةٍ [ذَاتِ قَرَارٍ َومَعِينٍ ] (‪ ، } )1‬قال ‪:‬‬
‫عيسى ابن مريم وأمه ‪ ،‬حين أويا إلى غوطة دمشق وما حولها‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن بشر بن رافع ‪ ،‬عن أبي عبد ال ابن عم أبي هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت أبا‬
‫هريرة يقول ‪ :‬في قوله (‪ : { : )2‬إِلَى رَ ْب َوةٍ ذَاتِ قَرَا ٍر َو َمعِينٍ } قال ‪ :‬هي الرملة من فلسطين‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفرْيابي ‪ ،‬حدثنا َروّاد (‪)3‬‬
‫بن الجراح ‪ ،‬حدثنا عباد بن عباد الخواص أبو عتبة ‪ ،‬حدثنا السيباني (‪ ، )4‬عن ابن (‪ )5‬وَعْلَة ‪،‬‬
‫عن كُرَيْب السّحولي ‪ ،‬عن مُرّة ال َبهْزِي قال ‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول لرجل ‪:‬‬
‫"إنك ميت (‪ )6‬بالربوة" فمات بالرملة‪ )7( .‬وهذا حديث غريب جدّا‪.‬‬
‫وأقرب القوال في ذلك ما رواه ال َعوْ ِفيّ ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَآوَيْنَا ُهمَا إِلَى رَ ْب َوةٍ ذَاتِ‬
‫ج َعلَ رَ ّبكِ‬
‫قَرَا ٍر َو َمعِينٍ } ‪ ،‬قال ‪ :‬المعين الماء الجاري ‪ ،‬وهو النهر الذي قال ال تعالى ‪ { :‬قَدْ َ‬
‫تَحْ َتكِ سَرِيّا } [مريم ‪.]24 :‬‬
‫وكذا قال الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ { :‬إِلَى رَ ْب َوةٍ ذَاتِ قَرَا ٍر َو َمعِينٍ } ‪ :‬هو بيت المقدس‪ .‬فهذا وال أعلم‬
‫هو الظهر ؛ لنه المذكور في الية الخرى‪ .‬والقرآن يفسر بعضه بعضا‪ .‬وهو أولى ما يفسر‬
‫به ‪ ،‬ثم الحاديث الصحيحة ‪ ،‬ثم الثار‪.‬‬
‫عمَلُوا صَالِحًا إِنّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ (‪ )51‬وَإِنّ َه ِذهِ ُأمّ ُتكُمْ ُأمّةً‬
‫ت وَا ْ‬
‫سلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَا ِ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الرّ ُ‬
‫طعُوا َأمْرَهُمْ بَيْ َنهُمْ زُبُرًا ُكلّ حِ ْزبٍ ِبمَا لَدَ ْي ِهمْ فَرِحُونَ (‪ )53‬فَذَرْ ُهمْ‬
‫وَاحِ َد ًة وَأَنَا رَ ّب ُكمْ فَا ّتقُونِ (‪ )52‬فَ َتقَ ّ‬
‫غمْرَ ِتهِمْ حَتّى حِينٍ (‪ )54‬أَ َيحْسَبُونَ أَ ّنمَا ُنمِدّهُمْ ِبهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (‪ُ )55‬نسَا ِرعُ َل ُهمْ فِي الْخَيْرَاتِ‬
‫فِي َ‬
‫شعُرُونَ (‪.} )56‬‬
‫بَل ل َي ْ‬
‫يأمر تعالى عباده المرسلين ‪ ،‬عليهم الصلة والسلم أجمعين ‪ ،‬بالكل من الحلل ‪ ،‬والقيام‬
‫بالصالح من العمال ‪ ،‬فدل هذا على أن الحلل عَون على العمل الصالح ‪ ،‬فقام النبياء ‪ ،‬عليهم‬
‫السلم ‪ ،‬بهذا أتم القيام‪ .‬وجمعوا بين كل خير ‪ ،‬قول وعمل ودللة ونصحًا ‪ ،‬فجزاهم ال عن‬
‫العباد خيرًا‪.‬‬
‫سلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ } قال ‪ :‬أما وال ما ُأمِرُوا‬
‫قال الحسن البصري في قوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الرّ ُ‬
‫بأصفركم ول أحمركم ‪ ،‬ول حلوكم ول حامضكم ‪ ،‬ولكن قال ‪ :‬انتهوا إلى الحلل منه‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ ،‬والضحاك ‪ { :‬كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ } يعني ‪ :‬الحلل‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬في قول ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬داود"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الشيباني" وهو الصحيح‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبي" وهو الصحيح‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تموت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬فيه عباد بن عباد له مناكير‪.‬‬

‫( ‪)5/477‬‬

‫وقال أبو إسحاق السّبِيعي ‪ ،‬عن أبي مَيْسَ َرةَ بن شُرَحْبِيل ‪ :‬كان عيسى ابن مريم يأكل من غزل‬
‫أمه‪.‬‬
‫وفي الصحيح ‪" :‬ما من نبي إل رعى الغنم"‪ .‬قالوا ‪ :‬وأنت يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬كنت‬
‫أرعاها على قراريط لهل مكة" (‪.)1‬‬
‫وفي الصحيح ‪ :‬أن داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كان يأكل من كسب يده (‪.)2‬‬
‫وفي الصحيحين ‪" :‬إن أحب الصيام إلى ال صيام داود ‪ ،‬وأحب القيام إلى ال قيام داود ‪ ،‬كان (‬
‫‪ )3‬ينام نصف الليل ‪ ،‬ويقوم ثلثه وينام سُدسَه ‪ ،‬وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا ‪ ،‬ول يَفر إذا لقى"‬
‫(‪.)4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن أبي مريم ‪،‬‬
‫ضمْرَة بن حبيب ‪ ،‬أن أم عبد ال ‪ ،‬أخت (‪ )5‬شداد بن (‪ )6‬أوس بعثت إلى النبي صلى ال‬
‫عن َ‬
‫عليه وسلم بقدح لبن عند فطره وهو صائم ‪ ،‬وذلك في أول النهار وشدة الحر ‪ ،‬فرد إليها رسولها‬
‫‪ :‬أنّى كانت لك الشاة ؟ فقالت ‪ :‬اشتريتها من مالي ‪ ،‬فشرب منه ‪ ،‬فلما كان الغد أتته أم عبد ال‬
‫أخت (‪ )7‬شداد فقالت ‪ :‬يا رسول ال (‪ ، )8‬بعثتُ إليك بلبن مَرثيةً (‪ )9‬لك من طول النهار وشدة‬
‫الحر ‪ ،‬فرددت إليّ الرسول فيه ؟‪ .‬فقال لها ‪" :‬بذلك أمرت الرسل ‪ ،‬أل تأكل إل طيبا ‪ ،‬ول تعمل‬
‫إل صالحا" (‪.)10‬‬
‫وقد ثبت في صحيح مسلم ‪ ،‬وجامع الترمذي ‪ ،‬ومسند المام أحمد ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬من حديث‬
‫ُفضَيْل بن مرزوق ‪ ،‬عن عَ ِديّ بن ثابت ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال‬
‫ب ل يقبل إل طيبا ‪ ،‬وإن ال‬
‫‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إنّ ال طَ ّي ٌ‬
‫عمَلُوا صَالِحًا إِنّي‬
‫سلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ وَا ْ‬
‫أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ‪ ،‬فقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الرّ ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ }‪ .‬وقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيّبَاتِ مَا رَ َزقْنَاكُمْ } [البقرة ‪ .]172 :‬ثم‬
‫ش َعثَ أَغْبَرَ ‪ ،‬ومطعمه حرام ‪ ،‬ومشربه حرام ‪ ،‬وملبسه حرام ‪ ،‬وغُذّي‬
‫ذكر الرجل يطيل السفر َأ ْ‬
‫بالحرام ‪ ،‬يمد يديه إلى السماء ‪ :‬يا رب ‪ ،‬يا رب ‪ ،‬فأنّى يستجاب لذلك" (‪.)11‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث فُضيل بن مرزوق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )2262‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )2073‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )1131‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1159‬من حديث عبد ال بن عمرو‬
‫رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬بنت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬بنت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بنت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬يا رسول ال صلى ال عليك" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬يا رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬مرئته"‪.‬‬
‫(‪ )10‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )4/125‬من طريق المعافي بن عمران عن أبي بكر بن أبي‬
‫مريم به نحوه ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي ‪" :‬قلت ‪ :‬وابن أبي‬
‫مريم واه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬صحيح مسلم برقم (‪ )1015‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2989‬والمسند (‪.)6/159‬‬

‫( ‪)5/478‬‬

‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّ َه ِذهِ ُأمّ ُتكُمْ ُأمّةً وَاحِ َدةً } أي (‪ : )1‬دينكم ‪ -‬يا معشر النبياء ‪ -‬دين واحد ‪ ،‬وملة‬
‫واحدة ‪ ،‬وهو الدعوة إلى عبادة ال وحده ل شريك له ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَأَنَا رَ ّبكُمْ فَاتّقُونِ } ‪ ،‬وقد‬
‫ح َدةً } منصوب على الحال‪.‬‬
‫تقدم الكلم على ذلك في سورة "النبياء" ‪ ،‬وأن قوله ‪ُ { :‬أمّ ًة وَا ِ‬
‫طعُوا َأمْرَهُمْ بَيْ َنهُمْ زُبُرًا } أي ‪ :‬المم الذين بُعث إليهم النبياء ‪ُ { ،‬كلّ حِ ْزبٍ ِبمَا‬
‫وقوله ‪ { :‬فَ َتقَ ّ‬
‫لَدَ ْيهِمْ فَرِحُونَ } أي ‪ :‬يفرحون بما هم فيه من الضلل ؛ لنهم يحسبون أنهم مهتدون ؛ ولهذا قال‬
‫غمْرَ ِتهِمْ } أي ‪ :‬في غيهم وضللهم { حَتّى حِينٍ } أي ‪ :‬إلى‬
‫متهددًا لهم ومتواعدًا ‪ { :‬فَذَرْ ُهمْ فِي َ‬
‫حين حينهم وهلكهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ف َم ّهلِ ا ْلكَافِرِينَ َأ ْمهِ ْلهُمْ ُروَيْدًا } [الطارق ‪ ، ]17 :‬وقال‬
‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ } [الحجر ‪.]3 :‬‬
‫تعالى ‪ { :‬ذَ ْرهُمْ يَ ْأكُلُوا وَيَ َتمَ ّتعُوا وَيُ ْل ِههِ ُم ال َملُ فَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شعُرُونَ }‬
‫وقوله ‪ { :‬أَ َيحْسَبُونَ أَ ّنمَا ُنمِدّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * ُنسَا ِرعُ َل ُهمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل ل يَ ْ‬
‫يعني ‪ :‬أيظن هؤلء المغرورون أن ما نعطيهم من الموال والولد لكرامتهم علينا ومعزتهم‬
‫عندنا ؟! كل ليس المر كما يزعمون في قولهم ‪َ { :‬نحْنُ َأكْثَرُ َأ ْموَال وََأوْلدًا َومَا نَحْنُ ِب ُمعَذّبِينَ }‬
‫[سبأ ‪ ، ]35 :‬لقد أخطؤوا في ذلك وخاب رجاؤهم ‪ ،‬بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجًا وإنظارًا‬
‫شعُرُونَ } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَل ُتعْجِ ْبكَ َأ ْموَاُلهُ ْم وَل َأوْل ُدهُمْ إِ ّنمَا‬
‫وإملء ؛ ولهذا قال ‪ { :‬بَل ل يَ ْ‬
‫سهُ ْم وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة ‪ ، ]55 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيعَذّ َب ُهمْ ِبهَا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَتَزْهَقَ أَ ْنفُ ُ‬
‫{ إِ ّنمَا ُنمْلِي َلهُمْ لِيَزْدَادُوا إِ ْثمًا } [آل عمران ‪ ، ]178 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬فذَرْنِي َومَنْ ُيكَ ّذبُ ِب َهذَا‬
‫جهُمْ مِنْ حَ ْيثُ ل َيعَْلمُونَ * وَُأمْلِي َلهُمْ إِنّ كَيْدِي مَتِينٌ } [القلم ‪ ، ]45 ، 44 :‬وقال‬
‫حدِيثِ سَنَسْ َتدْرِ ُ‬
‫الْ َ‬
‫شهُودًا * َو َمهّ ْدتُ لَهُ َت ْمهِيدًا * ثُمّ‬
‫جعَ ْلتُ لَهُ مَال َممْدُودًا * وَبَنِينَ ُ‬
‫ت وَحِيدًا * وَ َ‬
‫‪ { :‬ذَرْنِي َومَنْ خََلقْ ُ‬
‫ن ليَاتِنَا عَنِيدًا } [المدثر ‪ ]16 - 11 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ومَا َأ ْموَاُلكُ ْم وَل‬
‫طمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَل إِنّهُ كَا َ‬
‫يَ ْ‬
‫عمِلُوا‬
‫ض ْعفِ ِبمَا َ‬
‫ل صَالِحًا فَأُولَ ِئكَ َل ُهمْ جَزَاءُ ال ّ‬
‫عمِ َ‬
‫ن وَ َ‬
‫َأوْل ُدكُمْ بِالّتِي ُتقَرّ ُبكُمْ عِنْدَنَا زُ ْلفَى إِل مَنْ آمَ َ‬
‫وَهُمْ فِي ا ْلغُ ُرفَاتِ آمِنُونَ } [سبأ ‪ ]37 :‬واليات في هذا كثيرة‪.‬‬
‫ل وَبَنِينَ * نُسَا ِرعُ َلهُمْ فِي ا ْلخَيْرَاتِ بَل‬
‫حسَبُونَ أَ ّنمَا ُنمِدّهُمْ بِهِ مِنْ مَا ٍ‬
‫قال (‪ )2‬قتادة في قوله ‪ { :‬أَيَ ْ‬
‫شعُرُونَ } قال ‪ُ :‬مكِ َر وال بالقوم في أموالهم وأولدهم ‪ ،‬يا ابن آدم ‪ ،‬فل تعتبر الناس بأموالهم‬
‫ل َي ْ‬
‫وأولدهم ‪ ،‬ولكن اعتبرهم باليمان والعمل الصالح‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد [بن عُبَيْد ‪ ،‬حدثنا أبان بن إسحاق ‪ ،‬عن الصباح بن محمد ‪ ،‬عن‬
‫مرة الهمداني ‪ ،‬حدثنا عبد ال] (‪ )3‬بن مسعود رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫حبّ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن ال قَسَم بينكم أخلقكم ‪ ،‬كما قسم بينكم أرزاقكم ‪ ،‬وإن ال يُعطي الدنيا من يُ ِ‬
‫ومن ل يحب ‪ ،‬ول يعطي الدّين إل لمن أحب ‪ ،‬فمن أعطاه ال الدين فقد أحبه ‪ ،‬والذي نفسي بيده‬
‫‪ ،‬ل يسلم (‪ )4‬عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ‪ ،‬ول يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه ‪ -‬قالوا ‪ :‬وما بوائقه‬
‫يا نبي ال ؟ قال ‪ :‬غشمه وظلمه ‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬يؤمن"‪.‬‬

‫( ‪)5/479‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ش ِفقُونَ (‪ )57‬وَالّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَ ّب ِهمْ ُي ْؤمِنُونَ (‪ )58‬وَالّذِينَ هُمْ بِرَ ّبهِمْ‬
‫إِنّ الّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْ َيةِ رَ ّبهِمْ مُ ْ‬
‫لَا يُشْ ِركُونَ (‪)59‬‬

‫ول يكسب عبد مال من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ‪ ،‬ول يتصدق به فيقبل (‪ )1‬منه ‪ ،‬ول‬
‫يتركه خلف ظهره إل كان زاده إلى النار ‪ ،‬إن ال ل يمحو السيئ بالسيئ ‪ ،‬ولكن يمحو السيئ‬
‫بالحسن ‪ ،‬إن الخبيث ل يمحو الخبيث" (‪.)2‬‬
‫ش ِفقُونَ (‪ )57‬وَالّذِينَ ُهمْ بِآيَاتِ رَ ّبهِمْ ُي ْؤمِنُونَ (‪ )58‬وَالّذِينَ ُهمْ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَ ّب ِهمْ مُ ْ‬
‫بِرَ ّبهِمْ ل يُشْ ِركُونَ (‪} )59‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬منه ليتقبل" وفي أ ‪" :‬فيتقبل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)1/387‬‬

‫( ‪)5/480‬‬

‫جعُونَ (‪ )60‬أُولَ ِئكَ يُسَارِعُونَ فِي ا ْلخَيْرَاتِ‬


‫وَالّذِينَ ُيؤْتُونَ مَا آَ َتوْا َوقُلُو ُبهُ ْم وَجِلَةٌ أَ ّنهُمْ إِلَى رَ ّبهِمْ رَا ِ‬
‫وَهُمْ َلهَا سَا ِبقُونَ (‪)61‬‬

‫جعُونَ (‪ )60‬أُولَ ِئكَ يُسَارِعُونَ فِي ا ْلخَيْرَاتِ‬


‫جلَةٌ أَ ّنهُمْ إِلَى رَ ّب ِهمْ رَا ِ‬
‫{ وَالّذِينَ ُيؤْتُونَ مَا آ َتوْا َوقُلُو ُبهُ ْم وَ ِ‬
‫وَهُمْ َلهَا سَا ِبقُونَ (‪.} )61‬‬
‫شفِقُونَ } أي ‪ :‬هم مع (‪ )1‬إحسانهم وإيمانهم وعملهم‬
‫خشْيَةِ رَ ّبهِمْ مُ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ ُهمْ مِنْ َ‬
‫الصالح ‪ ،‬مشفقون من ال خائفون منه ‪ ،‬وجلون من مكره بهم ‪ ،‬كما قال الحسن البصري ‪ :‬إن‬
‫المؤمن جمع إحسانا وشفقة ‪ ،‬وإن المنافق جمع إساءة وأمنًا‪.‬‬
‫{ وَالّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَ ّب ِهمْ ُي ْؤمِنُونَ } أي ‪ :‬يؤمنون بآياته الكونية والشرعية ‪ ،‬كقوله تعالى إخبارًا‬
‫عن مريم ‪ ،‬عليها السلم ‪َ { :‬وصَ ّد َقتْ ِبكَِلمَاتِ رَ ّبهَا َوكُتُبِهِ } [التحريم ‪ ، ]12 :‬أي ‪ :‬أيقنت أن ما‬
‫كان فإنما هو عن قدر ال وقضائه ‪ ،‬وما شرعه ال فهو إن كان أمرًا فمما يحبه ويرضاه ‪ ،‬وإن‬
‫كان نهيًا (‪ )2‬فهو مما يكرهه ويأباه ‪ ،‬وإن كان خيرًا فهو حق ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪ { :‬وَالّذِينَ ُهمْ‬
‫بِرَ ّبهِمْ ل يُشْ ِركُونَ } أي ‪ :‬ل يعبدون معه غيره ‪ ،‬بل يوحدونه ويعلمون أنه ل إله إل ال أحدًا‬
‫صمدًا ‪ ،‬لم يتخذ صاحبة ول ولدًا ‪ ،‬وأنه ل نظير له ول كفء له‪.‬‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬يعطون العطاء (‪)3‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ ُيؤْتُونَ مَا آ َتوْا َوقُلُو ُبهُ ْم وَجَِلةٌ أَ ّنهُمْ إِلَى رَ ّب ِهمْ رَا ِ‬
‫وهم خائفون (‪ )4‬أل يتقبل منهم ‪ ،‬لخوفهم (‪ )5‬أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط العطاء‪.‬‬
‫وهذا من باب الشفاق والحتياط ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا مالك بن ِم ْغوَل ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن سعيد بن وهب ‪ ،‬عن عائشة ؛‬
‫أنها قالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ { ،‬وَالّذِينَ ُيؤْتُونَ مَا آ َتوْا َوقُلُوبُهُ ْم َوجِلَةٌ } ‪ ،‬هو الذي يسرق ويزني‬
‫ويشرب الخمر ‪ ،‬وهو يخاف ال عز وجل ؟ قال ‪" :‬ل يا بنت أبي بكر ‪ ،‬يا بنت الصديق ‪ ،‬ولكنه‬
‫الذي يصلي ويصوم ويتصدق ‪ ،‬وهو يخاف ال عز وجل"‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث مالك بن ِم ْغوَل ‪ ،‬به بنحوه (‪ .)6‬وقال ‪" :‬ل يا‬
‫بنت الصديق ‪ ،‬ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ‪ ،‬وهم يخافون أل يقبل منهم ‪،‬‬
‫{ أُولَ ِئكَ يُسَارِعُونَ فِي ا ْلخَيْرَاتِ } قال الترمذي ‪ :‬ورُوي هذا الحديث من حديث عبد الرحمن بن‬
‫سعيد ‪ ،‬عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬في" وفي أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬منهيا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬العطاء فيه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬خائفون وجلون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬تخوفهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )6/159‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3175‬‬

‫( ‪)5/480‬‬

‫غمْ َرةٍ مِنْ‬


‫ق وَهُمْ لَا يُظَْلمُونَ (‪َ )62‬بلْ قُلُو ُبهُمْ فِي َ‬
‫حّ‬‫س َعهَا وََلدَيْنَا كِتَابٌ يَ ْنطِقُ بِالْ َ‬
‫وَلَا ُنكَّلفُ َنفْسًا إِلّا وُ ْ‬
‫خذْنَا مُتْ َرفِيهِمْ بِا ْلعَذَابِ ِإذَا ُهمْ‬
‫عمَالٌ مِنْ دُونِ ذَِلكَ هُمْ َلهَا عَامِلُونَ (‪ )63‬حَتّى ِإذَا أَ َ‬
‫هَذَا وََلهُمْ أَ ْ‬
‫علَ ْيكُمْ َفكُنْتُمْ عَلَى‬
‫يَجْأَرُونَ (‪ )64‬لَا َتجْأَرُوا الْ َيوْمَ إِ ّنكُمْ مِنّا لَا تُ ْنصَرُونَ (‪َ )65‬قدْ كَا َنتْ آَيَاتِي تُتْلَى َ‬
‫عقَا ِبكُمْ تَ ْن ِكصُونَ (‪ )66‬مُسْ َتكْبِرِينَ ِبهِ سَامِرًا َت ْهجُرُونَ (‪)67‬‬
‫أَ ْ‬

‫أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم نحو هذا (‪.)1‬‬
‫وهكذا قال ابن عباس ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪ ،‬والحسن البصري في تفسير هذه الية‪.‬‬
‫وقد قرأ آخرون هذه الية ‪" :‬والذين يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة" أي ‪ :‬يفعلون ما يفعلون وهم‬
‫خائفون ‪ ،‬وروي هذا مرفوعًا إلى النبي صلى ال عليه وسلم أنه قرأ كذلك‪.‬‬
‫جوَيْرِية ‪ ،‬حدثنا إسماعيل المكي ‪ ،‬حدثني أبو‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا صخر بن ُ‬
‫عمَيْر على (‪ )2‬عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫جمَح ‪ :‬أنه دخل مع عُبَيد بن ُ‬
‫خلف مولى بني ُ‬
‫مرحبًا بأبي عاصم ‪ ،‬ما يمنعك أن تزورنا ‪ -‬أو ‪ :‬تُِلمّ بنا ؟ ‪ -‬فقال ‪ :‬أخشى أن أمُلّك‪ .‬فقالت ‪ :‬ما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كنت لتفعل ؟ قال ‪ :‬جئت لسأل (‪ )3‬عن آية في كتاب ال عز وجل ‪ ،‬كيف كان رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقرؤها ؟ قالت ‪ :‬أيّة آية ؟ فقال ‪ { :‬الّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَ َتوْا } أو { الّذِينَ ُيؤْتُونَ مَا‬
‫آ َتوْا } ؟ فقالت ‪ :‬أيتهما (‪ )4‬أحب إليك ؟ فقلت ‪ :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لحداهما أحب إلي من الدنيا‬
‫جميعًا (‪ - )5‬أو ‪ :‬الدنيا وما فيها ‪ -‬قالت ‪ :‬وما هي ؟ فقلت ‪ { :‬الّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَ َتوْا } فقالت ‪:‬‬
‫أشهد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كذلك كان يقرؤها ‪ ،‬وكذلك أنزلت ‪ ،‬ولكن الهجاء حرف‬
‫(‪.)6‬‬
‫إسماعيل بن مسلم المكي ‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫والمعنى على القراءة الولى ‪ -‬وهي قراءة الجمهور ‪ :‬السبعة وغيرهم ‪ -‬أظهر ؛ لنه قال ‪:‬‬
‫{ أُولَ ِئكَ يُسَارِعُونَ فِي ا ْلخَيْرَاتِ وَهُمْ َلهَا سَا ِبقُونَ } ‪ ،‬فجعلهم من السابقين‪ .‬ولو كان المعنى على‬
‫القراءة الخرى لوشك أل يكونوا من السابقين ‪ ،‬بل من المقتصدين أو المقصرين ‪ ،‬وال تعالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫غمْ َرةٍ‬
‫ق وَ ُهمْ ل يُظَْلمُونَ (‪َ )62‬بلْ قُلُو ُبهُمْ فِي َ‬
‫س َعهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَ ْنطِقُ بِا ْلحَ ّ‬
‫{ وَل ُنكَّلفُ َنفْسًا إِل وُ ْ‬
‫خذْنَا مُتْ َرفِيهِمْ بِا ْلعَذَابِ ِإذَا ُهمْ‬
‫عمَالٌ مِنْ دُونِ ذَِلكَ هُمْ َلهَا عَامِلُونَ (‪ )63‬حَتّى ِإذَا أَ َ‬
‫مِنْ هَذَا وََلهُمْ أَ ْ‬
‫علَ ْيكُمْ َفكُنْتُمْ عَلَى‬
‫يَجْأَرُونَ (‪ )64‬ل تَجْأَرُوا الْ َيوْمَ إِ ّن ُكمْ مِنّا ل تُ ْنصَرُونَ (‪َ )65‬قدْ كَا َنتْ آيَاتِي تُتْلَى َ‬
‫عقَا ِبكُمْ تَ ْن ِكصُونَ (‪ )66‬مُسْ َتكْبِرِينَ ِبهِ سَامِرًا َت ْهجُرُونَ (‪.} )67‬‬
‫أَ ْ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا ‪ :‬أنه ل يكلف نفسًا إل وسعها ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫إل ما تطيق حمله والقيام به ‪ ،‬وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب‬
‫حقّ } يعني ‪ :‬كتاب العمال ‪{ ،‬‬
‫طقُ بِالْ َ‬
‫مسطور ل يضيع منه شيء ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْ ِ‬
‫ظَلمُونَ } أي ‪ :‬ل يبخسون من الخير شيئا ‪ ،‬وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير منها‬
‫وَهُمْ ل يُ ْ‬
‫لعباده المؤمنين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪.)3175‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬لسألك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أيتها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬جميعها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)6/95‬‬

‫( ‪)5/481‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غمْ َرةٍ } أي ‪ :‬غفلة وضللة‬
‫ثم قال منكرًا على الكفار والمشركين من قريش ‪َ { :‬بلْ قُلُو ُبهُمْ فِي َ‬
‫{ مِنْ هَذَا } أي ‪ :‬القرآن الذي أنزله [ال تعالى] (‪ )1‬على رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫عمَالٌ مِنْ دُونِ ذَِلكَ ُهمْ َلهَا عَامِلُونَ } ‪ :‬قال الحكم (‪ )2‬بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلهُمْ أَ ْ‬
‫عمَالٌ } أي ‪ :‬سيئة من دون ذلك ‪ ،‬يعني ‪ :‬الشرك ‪ { ،‬هُمْ َلهَا عَامِلُونَ }‬
‫عن ابن عباس ‪ { :‬وََلهُمْ أَ ْ‬
‫قال ‪ :‬ل بد أن يعملوها‪ .‬كذا روي عن مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫عمَالٌ مِنْ دُونِ ذَِلكَ ُهمْ َلهَا عَامِلُونَ } أي ‪ :‬قد كتب عليهم أعمال سيئة ل‬
‫وقال آخرون ‪ { :‬وََلهُمْ أَ ْ‬
‫بد أن يعملوها قبل موتهم ل محالة ‪ ،‬لتحق عليهم كلمة العذاب‪ .‬و ُروِي نَحو هذا عن مقاتل بن‬
‫حيّان والسّ ّديّ ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ .‬وهو ظاهر قوي حسن‪ .‬وقد قدمنا في حديث ابن‬
‫مسعود ‪" :‬فوالذي ل إله غيره ‪ ،‬إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إل‬
‫ذراع ‪ ،‬فيسبق عليه الكتاب ‪ ،‬فيعمل بعمل أهل النار ‪ ،‬فيدخلها"‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬حَتّى إِذَا َأخَذْنَا مُتْ َرفِيهِمْ بِا ْلعَذَابِ إِذَا هُمْ َيجْأَرُونَ } يعني ‪ :‬حتى إذا جاء مترفيهم ‪ -‬وهم‬
‫السعداء المنعمون في الدنيا ‪ -‬عذابُ ال وبأسه ونقمته بهم { إِذَا هُمْ َيجْأَرُونَ } أي ‪ :‬يصرخون‬
‫ويستغيثون ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَذَرْنِي وَا ْل ُمكَذّبِينَ أُولِي ال ّن ْعمَ ِة َو َمهّ ْلهُمْ قَلِيل‪ .‬إِنّ َلدَيْنَا أَ ْنكَال‬
‫غصّ ٍة وَعَذَابًا أَلِيمًا } [المزمل ‪ ، ]13 - 11 :‬وقال تعالى ‪ { :‬كَمْ َأهَْلكْنَا مِنْ‬
‫طعَامًا ذَا ُ‬
‫وَجَحِيمًا‪ .‬وَ َ‬
‫قَبِْلهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَا َدوْا وَلتَ حِينَ مَنَاصٍ } [ص ‪.]3 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل تَجْأَرُوا الْ َيوْمَ إِ ّنكُمْ مِنّا ل تُ ْنصَرُونَ } أي ‪ :‬ل نجيركم (‪ )3‬مما حل بكم ‪ ،‬سواء جأرتم‬
‫أو سكتّم ‪ ،‬ل محيد ول مناص ول وَزَرَ لزم المر ووجب العذاب‪.‬‬
‫عقَا ِبكُمْ تَ ْن ِكصُونَ } أي ‪ :‬إذا‬
‫ثم ذكر أكبر ذنوبهم فقال ‪َ { :‬قدْ كَا َنتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَ ْي ُكمْ َفكُنْتُمْ عَلَى أَ ْ‬
‫ح َدهُ َكفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْ َركْ بِهِ ُت ْؤمِنُوا‬
‫عيَ اللّ ُه وَ ْ‬
‫دعيتم أبيتم ‪ ،‬وإن (‪ )4‬طُلبتم امتنعتم ؛ { ذَِل ُكمْ بِأَنّهُ ِإذَا دُ ِ‬
‫حكْمُ لِلّهِ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرِ } [غافر ‪.]12 :‬‬
‫فَالْ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬مُسْ َتكْبِرِينَ ِبهِ سَامِرًا َت ْهجُرُونَ } ‪ :‬في تفسيره قولن ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬أن مستكبرين حال منهم‬
‫حين نكوصهم عن الحق وإبائهم إياه ‪ ،‬استكبارًا عليه واحتقارًا له ولهله ‪ ،‬فعلى هذا الضمير في {‬
‫بِهِ } فيه ثلثة أقوال ‪:‬‬
‫أحدهما (‪ : )5‬أنه الحرم بمكة ‪ ،‬ذموا لنهم كانوا يسمرون بال ُهجْر (‪ )6‬من الكلم‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أنه (‪ )7‬ضمير القرآن ‪ ،‬كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من الكلم ‪" :‬إنه‬
‫سحر ‪ ،‬إنه شعر ‪ ،‬إنه كهانة" إلى غير ذلك من القوال الباطلة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الحكيم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يجيركم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وإذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أحدها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬الهجر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬هو"‪.‬‬

‫( ‪)5/482‬‬

‫َأفَلَمْ َيدّبّرُوا ا ْل َقوْلَ أَمْ جَا َءهُمْ مَا َلمْ يَ ْأتِ آَبَا َءهُمُ الَْأوّلِينَ (‪َ )68‬أمْ لَمْ َيعْ ِرفُوا َرسُوَلهُمْ َفهُمْ َلهُ مُ ْنكِرُونَ (‬
‫حقّ أَ ْهوَاءَ ُهمْ‬
‫ق وََأكْثَرُهُمْ لِ ْلحَقّ كَارِهُونَ (‪ )70‬وََلوِ اتّبَعَ الْ َ‬
‫حّ‬‫‪ )69‬أَمْ َيقُولُونَ بِهِ جِنّةٌ َبلْ جَاءَهُمْ بِالْ َ‬
‫ت وَالْأَ ْرضُ َومَنْ فِيهِنّ َبلْ أَتَيْنَا ُهمْ بِ ِذكْرِ ِهمْ َفهُمْ عَنْ ِذكْرِهِمْ ُمعْرِضُونَ (‪ )71‬أَمْ‬
‫س َموَا ُ‬
‫َلفَسَ َدتِ ال ّ‬
‫تَسْأَُلهُمْ خَ ْرجًا فَخَرَاجُ رَ ّبكَ خَيْ ٌر وَ ُهوَ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ (‪ )72‬وَإِ ّنكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪)73‬‬
‫وَإِنّ الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِالَْآخِ َرةِ عَنِ الصّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (‪)74‬‬

‫والثالث ‪ :‬أنه محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كانوا يذكرونه في سمرهم بالقوال الفاسدة ‪،‬‬
‫ويضربون له المثال الباطلة ‪ ،‬من أنه شاعر ‪ ،‬أو كاهن ‪ ،‬أو ساحر ‪ ،‬أو كذاب ‪ ،‬أو مجنون‪.‬‬
‫وكل ذلك باطل ‪ ،‬بل هو عبد ال ورسوله ‪ ،‬الذي أظهره ال عليهم ‪ ،‬وأخرجهم من (‪ )1‬الحرم‬
‫صاغرين أذلء‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بقوله ‪ { :‬مُسْ َتكْبِرِينَ ِبهِ } أي ‪ :‬بالبيت ‪ ،‬يفتخرون به ويعتقدون أنهم (‪ )2‬أولياؤه ‪،‬‬
‫وليسوا (‪ )3‬بهم ‪ ،‬كما قال النسائي في التفسير (‪ )4‬من سننه ‪:‬‬
‫أخبرنا أحمد بن سليمان ‪ ،‬أخبرنا عبيد ال ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن عبد العلى ‪ ،‬أنه سمع سعيد بن‬
‫جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال ‪ :‬إنما كره السمر حين نزلت هذه الية ‪ { :‬مُسْ َتكْبِرِينَ بِهِ‬
‫سَامِرًا َتهْجُرُونَ } ‪ ،‬فقال ‪ :‬مستكبرين بالبيت ‪ ،‬يقولون ‪ :‬نحن أهله ‪ { ،‬سَامِرًا } قال ‪ :‬يتكبرون‬
‫[ويسمرون فيه ‪ ،‬ول] (‪ )5‬يعمرونه ‪ ،‬ويهجرونه (‪.)6‬‬
‫وقد أطنب ابن أبي حاتم هاهنا بما ذا (‪ )7‬حاصله‪.‬‬
‫{ َأفََلمْ يَدّبّرُوا ا ْل َق ْولَ أَمْ جَاءَ ُهمْ مَا لَمْ يَ ْأتِ آبَاءَ ُه ُم الوّلِينَ (‪َ )68‬أمْ لَمْ َيعْ ِرفُوا َرسُوَلهُمْ َفهُمْ َلهُ مُ ْنكِرُونَ‬
‫حقّ أَ ْهوَاءَ ُهمْ‬
‫ق وََأكْثَرُهُمْ لِ ْلحَقّ كَارِهُونَ (‪ )70‬وََلوِ اتّبَعَ الْ َ‬
‫حّ‬‫(‪ )69‬أَمْ َيقُولُونَ بِهِ جِنّةٌ َبلْ جَاءَهُمْ بِالْ َ‬
‫ض َومَنْ فِيهِنّ َبلْ أَتَيْنَاهُمْ ِب ِذكْرِهِمْ َف ُهمْ عَنْ ِذكْرِ ِهمْ ُمعْ ِرضُونَ (‪َ )71‬أمْ‬
‫ت وَالرْ ُ‬
‫سمَاوَا ُ‬
‫َلفَسَ َدتِ ال ّ‬
‫تَسْأَُلهُمْ خَ ْرجًا فَخَرَاجُ رَ ّبكَ خَيْ ٌر وَ ُهوَ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ (‪ )72‬وَإِ ّنكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪)73‬‬
‫وَإِنّ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ عَنِ الصّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (‪} )74‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وتعتقدون أنكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬وليسم" وفي أ ‪" :‬ولستم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تفسيره"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11351‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬هذا"‪.‬‬

‫( ‪)5/483‬‬

‫طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ (‪)75‬‬


‫ن ضُرّ لََلجّوا فِي ُ‬
‫شفْنَا مَا ِبهِمْ مِ ْ‬
‫حمْنَاهُ ْم َوكَ َ‬
‫وََلوْ َر ِ‬

‫طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ (‪.} )75‬‬


‫ن ضُرّ لََلجّوا فِي ُ‬
‫شفْنَا مَا ِبهِمْ مِ ْ‬
‫حمْنَا ُه ْم َوكَ َ‬
‫{ وََلوْ رَ ِ‬
‫يقول تعالى منكرًا على المشركين في عدم تفهمهم للقرآن العظيم ‪ ،‬وتدبرهم له وإعراضهم عنه ‪،‬‬
‫مع أنهم قد خصوا بهذا الكتاب الذي لم ينزل ال على رسول أكمل منه ول أشرف ‪ ،‬ل سيما‬
‫وآباؤهم الذين ماتوا في الجاهلية ‪ ،‬حيث لم يبلغهم كتاب ول أتاهم نذير ‪ ،‬فكان اللئق بهؤلء أن‬
‫يقابلوا النعمة التي أسداها ال إليهم بقبولها ‪ ،‬والقيام بشكرها وتفهمها ‪ ،‬والعمل بمقتضاها آناء الليل‬
‫وأطراف النهار ‪ ،‬كما فعله النجباء منهم ممن أسلم واتبع الرسول ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪،‬‬
‫ورضي عنهم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪َ { :‬أفََلمْ يَدّبّرُوا ا ْل َق ْولَ } إذًا وال يجدون (‪ )1‬في القرآن زاجرًا عن معصية ال لو تدبره‬
‫القوم وعقلوه ‪ ،‬ولكنهم أخذوا بما تشابه ‪ ،‬فهلكوا عند ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تجدون"‪.‬‬

‫( ‪)5/483‬‬

‫ثم قال منكرا على الكافرين من قريش ‪ { :‬أَمْ لَمْ َيعْ ِرفُوا رَسُوَلهُمْ َفهُمْ لَهُ مُ ْنكِرُونَ } أي ‪َ :‬أ َفهُمْ (‪)1‬‬
‫ل يعرفون محمدًا وصدقه وأمانته وصيانته التي نشأ بها فيهم ‪ ،‬أفيقدرون (‪ )2‬على إنكار ذلك‬
‫والمباهتة فيه ؟ ولهذا قال جعفر بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬للنجاشي ملك الحبشة ‪ :‬أيها‬
‫الملك ‪ ،‬إن ال بعث إلينا رسول نعرف نسبه وصدقه وأمانته‪ .‬وهكذا قال المغيرة بن شعبة لنائب‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كسرى حين بارزهم وكذلك قال أبو سفيان صخر بن حرب لملك الروم هرقل ‪ ،‬حين سأله‬
‫وأصحابه عن صفات النبي صلى ال عليه وسلم ونسبه وصدقه وأمانته ‪ ،‬وكانوا بعد كفارًا لم‬
‫يسلموا ‪ ،‬ومع هذا ما أمكنهم إل الصدق فاعترفوا بذلك‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أمْ َيقُولُونَ بِهِ جِنّةٌ } يحكي قول المشركين عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه تقوّل (‪)3‬‬
‫القرآن ‪ ،‬أي ‪ :‬افتراه من عنده ‪ ،‬أو أن به جنونا ل يدري ما يقول‪ .‬وأخبر عنهم أن قلوبهم ل‬
‫تؤمن به ‪ ،‬وهم يعلمون بطلن ما يقولونه في القرآن ‪ ،‬فإنه قد أتاهم من كلم ال ما ل يُطاق ول‬
‫يُدافع ‪ ،‬وقد تحداهم وجميع أهل الرض أن يأتوا بمثله ‪ ،‬فما استطاعوا ول يستطيعون أبد‬
‫ق وََأكْثَرُ ُهمْ لِ ْلحَقّ كَارِهُونَ } يحتمل أن تكون هذه جملة‬
‫البدين ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬بلْ جَا َءهُمْ بِا ْلحَ ّ‬
‫حالية ‪ ،‬أي ‪ :‬في حال كراهة (‪ )4‬أكثرهم للحق ‪ ،‬ويحتمل أن تكون خبرية مستأنفة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذُكر لنا أن نبي ال صلى ال عليه وسلم لقي رجل فقال له ‪" :‬أسلم" فقال الرجل ‪:‬‬
‫إنك لتدعوني إلى أمر أنا له كاره‪ .‬فقال نبي ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬وإن كنت كارها"‪ .‬و ُذكِر‬
‫صعّده (‪ )5‬ذلك وكبر عليه ‪ ،‬فقال له نبي ال ‪" :‬أرأيت لو‬
‫لنا أنه لقي رجل فقال له ‪" :‬أسلم" فَ َت َ‬
‫كنتَ في طريق وَعْر وَعْث ‪ ،‬فلقيت رجل تعرف وجهه ‪ ،‬وتعرف نسبه ‪ ،‬فدعاك إلى طريق واسع‬
‫سهل ‪ ،‬أكنت متبعه (‪ )6‬؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقال ‪" :‬فوالذي (‪ )7‬نفس محمد بيده ‪ ،‬إنك لفي أوعر من‬
‫ذلك الطريق لو قد كنت عليه ‪ ،‬وإني لدعوك إلى أسهل من ذلك لو دعيت إليه"‪ .‬وذكر لنا أن نبي‬
‫صعّدَه ذلك ‪ ،‬فقال له نبي ال صلى ال عليه‬
‫ال صلى ال عليه وسلم لقي رجل فقال له ‪" :‬أسلم" فَ َت َ‬
‫وسلم ‪" :‬أرأيت فتييك ‪ ،‬أحدهما إذا حدثك صدقك ‪ ،‬وإذا (‪ )8‬ائتمنته أدى إليك أهو أحب إليك ‪ ،‬أم‬
‫فتاك الذي إذا حدثك كذبك وإذا (‪ )9‬ائتمنته خانك ؟"‪ .‬قال ‪ :‬بل فتاي الذي إذا حدثني صدقني ‪،‬‬
‫وإذا ائتمنته أدى إلي‪ .‬فقال النبي (‪ )10‬صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كذاكم أنتم عند ربكم"‪.‬‬
‫ت وَال ْرضُ (‪َ )11‬ومَنْ فِيهِنّ } قال مجاهد ‪،‬‬
‫سمَاوَا ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلوِ اتّبَعَ ا ْلحَقّ أَ ْهوَاءَ ُهمْ َلفَسَ َدتِ ال ّ‬
‫وأبو صالح والسدي ‪ :‬الحق هو ال عز وجل ‪ ،‬والمراد ‪ :‬لو أجابهم ال إلى ما في أنفسهم من‬
‫ت وَالرْضُ (‪َ )12‬ومَنْ فِيهِنّ } أي ‪:‬‬
‫سمَاوَا ُ‬
‫الهوى ‪ ،‬وشرع المور على وفق ذلك { َلفَسَ َدتِ ال ّ‬
‫جلٍ مِنَ‬
‫لفساد أهوائهم واختلفها ‪ ،‬كما أخبر عنهم في قولهم ‪َ { :‬لوْل نزلَ هَذَا ا ْلقُرْآنُ عَلَى رَ ُ‬
‫حمَةَ رَ ّبكَ } [الزخرف ‪ ]32 ، 31 :‬وقال تعالى ‪ُ { :‬قلْ‬
‫سمُونَ رَ ْ‬
‫ا ْلقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } ثم قال ‪َ { :‬أهُمْ َيقْ ِ‬
‫ق َوكَانَ النْسَانُ قَتُورًا } [السراء ‪:‬‬
‫سكْتُمْ خَشْيَةَ ال ْنفَا ِ‬
‫حمَةِ رَبّي ِإذًا لمْ َ‬
‫َلوْ أَنْتُمْ َتمِْلكُونَ خَزَائِنَ رَ ْ‬
‫‪ ]100‬وقال ‪ { :‬أَمْ َل ُهمْ َنصِيبٌ مِنَ ا ْلمُ ْلكِ فَإِذًا ل ُيؤْتُونَ النّاسَ َنقِيرًا } [النساء ‪، ]53 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬هم" وفي أ ‪" :‬أهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أفتقدرون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬كراهته"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فصعد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬تتبعه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬والذي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬نبي ال"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬الرض والسموات"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪" :‬الرض والسموات"‪.‬‬

‫( ‪)5/484‬‬

‫ففي هذا كله تبيين عجز العباد واختلف آرائهم وأهوائهم ‪ ،‬وأنه تعالى هو الكامل في جميع صفاته‬
‫وأقواله وأفعاله ‪ ،‬وشرعه وقدره ‪ ،‬وتدبيره لخلقه (‪ )1‬تعالى وتقدس ‪ ،‬فل إله غيره ‪ ،‬ول رب‬
‫سواه‪.‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬بلْ أَتَيْنَاهُمْ ِب ِذكْرِهِمْ } يعني ‪ :‬القرآن ‪َ { ،‬فهُمْ عَنْ ِذكْرِهِمْ ُمعْ ِرضُونَ }‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أمْ تَسْأَُل ُهمْ خَ ْرجًا } ‪ :‬قال الحسن ‪ :‬أجرا‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬جعل { َفخَرَاجُ رَ ّبكَ خَيْرٌ } أي‬
‫أنت ل تسألهم أجرة ول جعل ول شيئا على دعوتك إياهم إلى الهدى ‪ ،‬بل أنت في ذلك تحتسب‬
‫عند ال جزيل ثوابه ‪ ،‬كما قال ‪ُ { :‬قلْ مَا سَأَلْ ُت ُكمْ مِنْ أَجْرٍ َف ُهوَ َل ُكمْ إِنْ َأجْ ِريَ إِل عَلَى اللّهِ } [سبأ ‪:‬‬
‫لل‬
‫‪ ، ]47‬وقال ‪ُ { :‬قلْ مَا أَسَْأُلكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْ ٍر َومَا أَنَا مِنَ ا ْلمُ َتكَّلفِينَ } [ص ‪ ، ]86 :‬وقال ‪ُ { :‬ق ْ‬
‫أَسْأَُلكُمْ عَلَيْهِ َأجْرًا إِل ا ْل َموَ ّدةَ فِي ا ْلقُرْبَى } [الشورى ‪ ، ]23 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬وجَاءَ مِنْ َأ ْقصَى‬
‫سعَى قَالَ يَا َقوْمِ اتّ ِبعُوا ا ْلمُرْسَلِينَ اتّ ِبعُوا مَنْ ل يَسْأَُل ُكمْ أَجْرًا وَهُمْ ُمهْتَدُونَ } [يس ‪:‬‬
‫جلٌ يَ ْ‬
‫ا ْلمَدِينَةِ رَ ُ‬
‫‪.]21 ، 20‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِ ّنكَ لَتَدْعُو ُهمْ إِلَى صِرَاطٍ ُمسْ َتقِيمٍ‪ .‬وَإِنّ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ عَنِ الصّرَاطِ‬
‫لَنَاكِبُونَ } قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد بن جُدْعَان ‪ ،‬عن يوسف بن‬
‫ِمهْران ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتاه ‪ -‬فيما يرى النائم ‪ -‬ملكان ‪،‬‬
‫فقعد أحدهما عند رجليه ‪ ،‬والخر عند رأسه ‪ ،‬فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه ‪ :‬اضرب‬
‫سفْر انتهوا إلى رأس مَفَازة ‪ ،‬فلم يكن‬
‫مَثَل هذا ومثل أمته‪ .‬فقال ‪ :‬إن مَثَلَه ومثل أمته ‪ ،‬كمثل قوم ُ‬
‫معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ول ما يرجعون به ‪ ،‬فبينا (‪ )2‬هم كذلك إذ أتاهم رجل في‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حلة حبرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة ‪ ،‬وحياضا رواء تتبعوني ؟ فقالوا ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فانطلق ‪ ،‬فأوردهم رياضا معشبة وحياضا رواء ‪ ،‬فأكلوا وشربوا وسمنوا فقال لهم ‪ :‬ألم‬
‫ألفكم على تلك الحال ‪ ،‬فجعلتم لي إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أن تتبعوني ؟ قالوا‬
‫(‪ : )3‬بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن بين أيديكم رياضا أعشب من هذه ‪ ،‬وحياضا هي أروى من هذه ‪،‬‬
‫فاتبعوني‪ .‬قال ‪ :‬فقالت طائفة ‪ :‬صدق وال ‪ ،‬لنتبعه‪ .‬وقالت طائفة ‪ :‬قد رضينا بهذا نقيم عليه (‪.)4‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا زهير ‪ ،‬حدثنا يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن عبد ال‬
‫الشعري ‪ ،‬حدثنا حفص بن حميد ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إني ممسك بحجزكم ‪ :‬هَلُمّ عن النار‬
‫‪ ،‬هلم عن النار ‪ ،‬وتغلبوني وتقاحمون فيها َتقَاحُم الفراش والجنادب ‪ ،‬فأوشك أن أرسل حجزكم‬
‫وأنا فَرَطكم على الحوض ‪ ،‬فتردون علي معا وأشتاتا ‪ ،‬أعرفكم بسيماكم وأسمائكم ‪ ،‬كما يعرف‬
‫الرجل الغريب من البل في إبله ‪ ،‬فيُ ْذهَب بكم ذات اليمين وذات الشمال ‪ ،‬فأناشد فيكم رب‬
‫العالمين ‪ :‬أي رب ‪ ،‬قومي ‪ ،‬أي رب أمتي‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬بخلقه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فبينما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فقالوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)1/267‬‬

‫( ‪)5/485‬‬

‫فيقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬إنك ل تدري ما أحدثوا بعدك ‪ ،‬إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرى على‬
‫أعقابهم ‪ ،‬فلعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ‪ ،‬ينادي ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا محمد‪.‬‬
‫فأقول ‪ :‬ل أملك لك شيئا‪ .‬قد بلغت ‪ ،‬ولعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا له رُغَاء ‪،‬‬
‫ينادي ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا محمد‪ .‬فأقول ‪ :‬ل أملك (‪ )1‬شيئا ‪ ،‬قد بلغت ‪ ،‬ولعرفن أحدكم يأتي يوم‬
‫القيامة يحمل فرسا لها حمحمة ‪ ،‬فينادي ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا محمد ‪ ،‬فأقول ‪ :‬ل أملك لك شيئا ‪ ،‬قد‬
‫بلغت ‪ ،‬ولعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل سقاء من أدم ‪ ،‬ينادي ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا محمد ‪:‬‬
‫فأقول ‪ :‬ل أملك لك شيئا قد بلغت" (‪.)2‬‬
‫وقال علي بن المديني ‪ :‬هذا حديث حسن السناد ‪ ،‬إل أن حفص بن حميد مجهول ‪ ،‬ل أعلم روى‬
‫عنه غير يعقوب بن عبد ال الشعري القمي‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬بل قد روى عنه أيضا أشعث بن إسحاق ‪ ،‬وقال فيه يحيى بن معين ‪ :‬صالح‪ .‬ووثقه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫النسائي وابن حبان‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ عَنِ الصّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } أي ‪ :‬لعادلون جائرون منحرفون‪.‬‬
‫تقول العرب ‪ :‬نكب فلن عن الطريق ‪ :‬إذا زاغ عنها‪.‬‬
‫طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ } ‪ :‬يخبر تعالى عن‬
‫ن ضُرّ لَلَجّوا فِي ُ‬
‫شفْنَا مَا ِب ِهمْ مِ ْ‬
‫حمْنَا ُه ْم َوكَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلوْ رَ ِ‬
‫غلظهم (‪ )3‬في كفرهم بأنه لو أراح عللهم وأفهمهم القرآن ‪ ،‬لما انقادوا له ولستمروا على كفرهم‬
‫س َم َعهُمْ لَ َتوَّلوْا وَهُمْ‬
‫س َم َعهُ ْم وََلوْ أَ ْ‬
‫وعنادهم وطغيانهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََلوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا ل ْ‬
‫ُمعْ ِرضُونَ } [النفال ‪ ، ]23 :‬وقال ‪ { :‬وََلوْ تَرَى إِذْ ُوقِفُوا عَلَى النّارِ َفقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَ ّد وَل ُنكَ ّذبَ‬
‫ل وََلوْ رُدّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا عَنْهُ‬
‫خفُونَ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫بِآيَاتِ رَبّنَا وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‪َ .‬بلْ َبدَا َلهُمْ مَا كَانُوا ُي ْ‬
‫وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ‪َ .‬وقَالُوا إِنْ ِهيَ إِل حَيَاتُنَا الدّنْيَا َومَا نَحْنُ ِبمَ ْبعُوثِينَ } [النعام ‪ ، ]29 - 27 :‬فهذا‬
‫من باب علمه تعالى بما ل يكون ‪ ،‬لو كان كيف يكون (‪.)4‬‬
‫[و] (‪ )5‬قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كل ما فيه "لو" ‪ ،‬فهو مما ل يكون أبدا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل أملك لك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه البزار في مسنده برقم (‪ )900‬وابن عبد البر في التمهيد (‪ )2/300‬من طريق مالك بن‬
‫إسماعيل عن يعقوب بن عبد ال الشعري به نحوه‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )3/85‬رواه أبو‬
‫يعلى في الكبير والبزار إل أنه قال ‪ :‬يحمل قشعا مكان سقاء‪ .‬ورجال الجميع ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬غلطهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ولو كان كيف كان يكون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة في ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/486‬‬

‫عذَابٍ‬
‫خذْنَاهُمْ بِا ْل َعذَابِ َفمَا اسْ َتكَانُوا لِرَ ّبهِ ْم َومَا يَ َتضَرّعُونَ (‪ )76‬حَتّى إِذَا فَ َتحْنَا عَلَ ْيهِمْ بَابًا ذَا َ‬
‫وَلَقَدْ أَ َ‬
‫شكُرُونَ (‪)78‬‬
‫سمْ َع وَالْأَ ْبصَا َر وَالَْأفْئِ َدةَ قَلِيلًا مَا تَ ْ‬
‫شَدِيدٍ ِإذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (‪ )77‬وَ ُهوَ الّذِي أَنْشَأَ َل ُكمُ ال ّ‬
‫ت وَلَهُ اخْتِلَافُ اللّ ْيلِ‬
‫ض وَإِلَيْهِ ُتحْشَرُونَ (‪ )79‬وَ ُهوَ الّذِي ُيحْيِي وَ ُيمِي ُ‬
‫وَ ُهوَ الّذِي ذَ َرَأكُمْ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫عظَامًا أَئِنّا‬
‫وَال ّنهَارِ َأفَلَا َت ْعقِلُونَ (‪َ )80‬بلْ قَالُوا مِ ْثلَ مَا قَالَ الَْأوّلُونَ (‪ )81‬قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابًا وَ ِ‬
‫ن وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَ ْبلُ إِنْ هَذَا إِلّا أَسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ (‪)83‬‬
‫َلمَ ْبعُوثُونَ (‪َ )82‬لقَ ْد وُعِدْنَا َنحْ ُ‬

‫{ وََلقَدْ َأخَذْنَا ُهمْ بِا ْلعَذَابِ َفمَا اسْ َتكَانُوا لِرَ ّب ِه ْم َومَا يَ َتضَرّعُونَ (‪ )76‬حَتّى ِإذَا فَتَحْنَا عَلَ ْي ِهمْ بَابًا ذَا‬
‫سمْ َع وَال ْبصَا َر وَالفْئِ َدةَ قَلِيل مَا‬
‫شدِيدٍ ِإذَا ُهمْ فِيهِ مُبِْلسُونَ (‪ )77‬وَ ُهوَ الّذِي أَنْشَأَ َل ُكمُ ال ّ‬
‫عَذَابٍ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شكُرُونَ (‪ )78‬وَ ُهوَ الّذِي ذَرََأكُمْ فِي ال ْرضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (‪ )79‬وَ ُهوَ الّذِي يُحْيِي وَ ُيمِيتُ وَلَهُ‬
‫تَ ْ‬
‫ل وَال ّنهَارِ َأفَل َت ْعقِلُونَ (‪َ )80‬بلْ قَالُوا مِ ْثلَ مَا قَالَ الوّلُونَ (‪ )81‬قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا َوكُنّا‬
‫اخْتِلفُ اللّ ْي ِ‬
‫ن وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَ ْبلُ إِنْ هَذَا إِل أَسَاطِيرُ الوّلِينَ (‬
‫تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ (‪َ )82‬لقَ ْد وُعِدْنَا َنحْ ُ‬
‫‪.} )83‬‬
‫خذْنَا ُهمْ بِا ْلعَذَابِ } أي ‪ :‬ابتليناهم بالمصائب والشدائد ‪َ { ،‬فمَا اسْ َتكَانُوا لِرَ ّب ِهمْ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ أَ َ‬
‫َومَا يَ َتضَرّعُونَ } أي ‪ :‬فما ردهم ذلك عما كانوا فيه من الكفر والمخالفة ‪ ،‬بل استمروا على‬
‫ضللهم وغيهم‪َ { .‬فمَا اسْ َتكَانُوا } أي ‪ :‬ما خشعوا ‪َ { ،‬ومَا يَ َتضَرّعُونَ } أي ‪ :‬ما دعوا ‪ ،‬كما قال‬
‫ستْ قُلُو ُبهُ ْم وَزَيّنَ َلهُمُ الشّيْطَانُ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ }‬
‫تعالى ‪ { :‬فََلوْل إِذْ جَاءَ ُهمْ بَأْسُنَا َتضَرّعُوا وََلكِنْ قَ َ‬
‫[النعام ‪.]43 :‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن حمزة المروزي ‪ ،‬حدثنا علي ابن‬
‫الحسين ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن يزيد ‪ -‬يعني ‪ :‬النحوي ‪ -‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أنه قال ‪:‬‬
‫جاء أبو سفيان إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أنشدك ال والرحم ‪ ،‬فقد أكلنا‬
‫العلهز ‪ -‬يعني ‪ :‬الوبر والدم ‪ -‬فأنزل ال ‪ { :‬وََلقَدْ َأخَذْنَا ُهمْ بِا ْلعَذَابِ َفمَا اسْ َتكَانُوا لِرَ ّبهِمْ َومَا‬
‫يَ َتضَرّعُونَ }‬
‫وهكذا رواه النسائي عن محمد بن عقيل ‪ ،‬عن علي بن الحسين ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به (‪ .)1‬وأصل هذا‬
‫الحديث في الصحيحين ‪ :‬أن (‪ )2‬رسول ال صلى ال عليه وسلم دعا على قريش حين استعصوا‬
‫فقال ‪" :‬اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف" (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا سلمة بن شَبِيب ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن إبراهيم‬
‫بن عمر بن كَيْسان ‪ ،‬عن (‪ )4‬وهب بن عمر بن كيسان قال ‪ :‬حُبِس وهب بن مُنَبّه ‪ ،‬فقال له رجل‬
‫من البناء ‪ :‬أل أنشدك بيتا من شعر يا أبا عبد ال ؟ فقال وهب ‪ :‬نحن في طرف من عذاب ال ‪،‬‬
‫خذْنَاهُمْ بِا ْلعَذَابِ َفمَا اسْ َتكَانُوا لِرَ ّبهِ ْم َومَا يَ َتضَرّعُونَ } قال ‪ :‬وصام‬
‫وال تعالى يقول ‪ { :‬وََلقَدْ أَ َ‬
‫حدَث لنا فأحدثنا‪ .‬يعني ‪:‬‬
‫وهب ثلثا متواصلة ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬ما هذا الصوم يا أبا عبد ال ؟ قال ‪ :‬أَ َ‬
‫أحدث لنا الحبس ‪ ،‬فأحدثنا زيادة عبادة‪.‬‬
‫عذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } أي ‪ :‬حتى إذا جاءهم أمر‬
‫وقوله ‪ { :‬حَتّى إِذَا فَ َتحْنَا عَلَ ْيهِمْ بَابًا ذَا َ‬
‫ال وجاءتهم الساعة بغتة وأخذهم من عقاب ال ما لم يكونوا يحتسبون ‪ ،‬فعند ذلك أبْلَسُوا (‪ )5‬من‬
‫كل خير ‪ ،‬وأيسوا من كل راحة ‪ ،‬وانقطعت آمالهم ورجاؤهم‪.‬‬
‫ثم ذكر تعالى نعمته على عباده في أن جعل لهم السمع والبصار والفئدة ‪ ،‬وهي العقول‬
‫والفهوم ‪ ،‬التي يدركون (‪ )6‬بها الشياء ‪ ،‬ويعتبرون بما في الكون من اليات الدالة على وحدانية‬
‫ال تعالى ‪ ،‬وأنه الفاعل المختار لما يشاء‪.‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬سنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11352‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )4693‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2798‬من حديث ابن مسعود رضي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثني"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أيسوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬تدركون"‬

‫( ‪)5/487‬‬

‫ُقلْ ِلمَنِ الْأَ ْرضُ َومَنْ فِيهَا إِنْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ (‪ )84‬سَ َيقُولُونَ لِلّهِ ُقلْ َأفَلَا َت َذكّرُونَ (‪ُ )85‬قلْ مَنْ َربّ‬
‫سمَاوَاتِ السّبْعِ وَرَبّ ا ْلعَرْشِ ا ْلعَظِيمِ (‪ )86‬سَ َيقُولُونَ لِلّهِ ُقلْ َأفَلَا تَ ّتقُونَ (‪ُ )87‬قلْ مَنْ بِيَ ِدهِ مََلكُوتُ‬
‫ال ّ‬
‫شيْ ٍء وَ ُهوَ يُجِي ُر وَلَا ُيجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪ )88‬سَ َيقُولُونَ لِلّهِ ُقلْ فَأَنّى ُتسْحَرُونَ (‪)89‬‬
‫ُكلّ َ‬

‫شكُرُونَ } أي ‪ :‬وما أقل شكركم ل على ما أنعم به عليكم ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬ومَا‬


‫وقوله ‪ { :‬قَلِيل مَا َت ْ‬
‫صتَ ِب ُم ْؤمِنِينَ } [يوسف ‪.]103 :‬‬
‫س وََلوْ حَ َر ْ‬
‫َأكْثَرُ النّا ِ‬
‫ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة وسلطانه القاهر ‪ ،‬في بَرْئة الخليقة وذرئه لهم في سائر أقطار‬
‫الرض ‪ ،‬على اختلف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم ‪ ،‬ثم يوم القيامة يجمع الولين منهم والخرين‬
‫لميقات يوم معلوم ‪ ،‬فل يترك منهم صغيرا ول كبيرا ‪ ،‬ول ذكرا ول أنثى ‪ ،‬ول جليل ول‬
‫حقيرا ‪ ،‬إل أعاده كما بدأه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يُحْيِي وَ ُيمِيتُ } أي ‪ :‬يحيي الرمم ويميت‬
‫ل وَال ّنهَارِ } أي ‪ :‬وعن أمره تسخير الليل والنهار ‪ ،‬كل منهما يطلب‬
‫المم ‪ { ،‬وََلهُ اخْتِلفُ اللّ ْي ِ‬
‫شمْسُ‬
‫الخر طلبا حثيثا ‪ ،‬يتعاقبان ل يفتران ‪ ،‬ول يفترقان بزمان غيرهما ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬ل ال ّ‬
‫يَنْ َبغِي َلهَا أَنْ تُدْ ِركَ ا ْل َقمَ َر وَل اللّ ْيلُ سَابِقُ ال ّنهَا ِر َو ُكلّ فِي فََلكٍ َيسْبَحُونَ } [يس ‪.]40 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أفَل َت ْعقِلُونَ } أي ‪ :‬أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم ‪ ،‬الذي قد قهر كل شيء ‪،‬‬
‫وعز كل شيء ‪ ،‬وخضع له كل شيء‪.‬‬
‫ثم قال مخبرا عن منكري البعث ‪ ،‬الذين أشبهوا من قبلهم من المكذبين ‪َ { :‬بلْ قَالُوا مِ ْثلَ مَا قَالَ‬
‫عظَامًا أَئِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ } يعني يستبعدون وقوع ذلك بعد‬
‫الوّلُونَ‪ .‬قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابًا وَ ِ‬
‫ن وَآبَاؤُنَا َهذَا مِنْ قَ ْبلُ إِنْ َهذَا إِل أَسَاطِي ُر الوّلِينَ } يعنون‬
‫صيرورتهم إلى البلى ‪َ { ،‬لقَ ْد وُعِدْنَا نَحْ ُ‬
‫‪[ :‬أن] (‪ )1‬العادة محال ‪ ،‬إنما يخبر بها من تلقاها عن كتب الولين واختلقهم‪ .‬وهذا النكار‬
‫والتكذيب منهم كقوله تعالى إخبارا عنهم ‪ { :‬أَ ِئذَا كُنّا عِظَامًا َنخِ َرةً‪ .‬قَالُوا تِ ْلكَ إِذًا كَ ّرةٌ خَاسِ َرةٌ‪ .‬فَإِ ّنمَا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ِهيَ زَجْ َر ٌة وَاحِ َدةٌ‪ .‬فَإِذَا هُمْ بِالسّاهِ َرةِ } [النازعات ‪ ، ]14 - 11 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬أوَلَمْ يَرَ النْسَانُ‬
‫سيَ خَ ْلقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي ا ْلعِظَا َم وَ ِهيَ‬
‫خصِيمٌ مُبِينٌ‪َ .‬وضَ َربَ لَنَا مَثَل وَنَ ِ‬
‫طفَةٍ فَإِذَا ُهوَ َ‬
‫خَلقْنَاهُ مِنْ ُن ْ‬
‫أَنّا َ‬
‫َرمِيمٌ ُقلْ يُحْيِيهَا الّذِي أَنْشََأهَا َأ ّولَ مَ ّر ٍة وَ ُهوَ ِب ُكلّ خَ ْلقٍ عَلِيمٌ } [يس ‪.]79 - 77 :‬‬
‫ض َومَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪ )84‬سَ َيقُولُونَ لِلّهِ ُقلْ َأفَل َت َذكّرُونَ (‪ُ )85‬قلْ مَنْ َربّ‬
‫{ ُقلْ ِلمَنِ ال ْر ُ‬
‫سمَاوَاتِ السّبْعِ وَرَبّ ا ْلعَرْشِ ا ْلعَظِيمِ (‪ )86‬سَ َيقُولُونَ لِلّهِ ُقلْ َأفَل تَ ّتقُونَ (‪ُ )87‬قلْ مَنْ بِيَ ِدهِ مََلكُوتُ‬
‫ال ّ‬
‫سحَرُونَ (‪} )89‬‬
‫شيْ ٍء وَ ُهوَ يُجِي ُر وَل يُجَارُ عَلَ ْيهِ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪ )88‬سَ َيقُولُونَ لِلّهِ ُقلْ فَأَنّى تُ ْ‬
‫ُكلّ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)5/488‬‬

‫ق وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (‪)90‬‬


‫حّ‬‫َبلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْ َ‬

‫ق وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (‪.} )90‬‬


‫{ َبلْ أَتَيْنَا ُهمْ بِا ْلحَ ّ‬
‫يقرر تعالى وحدانيته ‪ ،‬واستقلله بالخلق والتصرف والملك ‪ ،‬ليرشد إلى أنه الذي ل إله إل هو ‪،‬‬
‫ول تنبغي العبادة إل له وحده ل شريك له ؛ ولهذا قال لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم أن‬
‫يقول للمشركين العابدين معه غيره ‪ ،‬المعترفين له بالربوبية ‪ ،‬وأنه ل شريك له فيها ‪ ،‬ومع هذا‬
‫فقد أشركوا معه في‬

‫( ‪)5/488‬‬

‫اللهية ‪ ،‬فعبدوا غيره معه ‪ ،‬مع اعترافهم أن الذين عبدوهم ل يخلقون شيئًا ‪ ،‬ول يملكون شيئًا ‪،‬‬
‫ول يستبدّون بشيء ‪ ،‬بل اعتقدوا أنهم يقربونهم إليه زلفى ‪ { :‬مَا (‪َ )1‬نعْ ُبدُهُمْ إِل لِ ُيقَرّبُونَا إِلَى اللّهِ‬
‫زُ ْلفَى } [الزمر ‪ ، ]3 :‬فقال ‪ُ { :‬قلْ ِلمَنِ ال ْرضُ َومَنْ فِيهَا } أي ‪ :‬من مالكها الذي خلقها ومن (‪)2‬‬
‫فيها من الحيوانات والنباتات والثمرات ‪ ،‬وسائر صنوف المخلوقات { إِنْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ‪ .‬سَ َيقُولُونَ‬
‫لِلّهِ } أي ‪ :‬فيعترفون لك بأن ذلك ل وحده ل شريك له ‪ ،‬فإذا كان ذلك (‪ُ { )3‬قلْ َأفَل تَ َذكّرُونَ }‬
‫[أي ‪ :‬ل تذكرون] (‪ )4‬أنه ل تنبغي (‪ )5‬العبادة إل للخالق الرازق (‪ )6‬ل لغيره‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ السّ ْب ِع وَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلعَظِيمِ } أي ‪ :‬من هو خالق العالم العُلْوي بما فيه من‬
‫{ ُقلْ مَنْ َربّ ال ّ‬
‫الكواكب النيّرات ‪ ،‬والملئكة الخاضعين له في سائر القطار منها والجهات ‪ ،‬ومن هو رب‬
‫العرش العظيم ‪ ،‬يعني ‪ :‬الذي هو سقف المخلوقات ‪ ،‬كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬شأن ال أعظم من ذلك ‪ ،‬إن (‪ )7‬عرشه على‬
‫سمواته هكذا" وأشار بيده مثل القبة (‪.)8‬‬
‫وفي الحديث الخر ‪" :‬ما السموات السبع والرضون السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إل‬
‫كحلقة ملقاة بأرض فلة ‪ ،‬وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلة" (‬
‫‪.)9‬‬
‫ولهذا قال بعض السلف ‪ :‬إن مسافة ما بين قطري العرش من جانب إلى جانب مسيرة خمسين‬
‫ألف سنة ‪[ ،‬وارتفاعه عن الرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة] (‪.)10‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬إنما سمي عرشًا لرتفاعه‪.‬‬
‫وقال العمش عن كعب الحبار ‪ :‬إن السموات والرض في العرش ‪ ،‬كالقنديل المعلق بين السماء‬
‫والرض‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬ما السموات والرض في العرش إل كحلقة في أرض فَلة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا العلء بن سالم ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا (‪ )11‬سفيان الثوري ‪ ،‬عن عمار‬
‫الدّهني (‪ ، )12‬عن مسلم البَطِين ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬العرش ل يقدر أحد‬
‫قدره‪ .‬وفي رواية ‪ :‬إل ال عز وجل (‪.)13‬‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬العرش من ياقوتة حمراء‪.‬‬
‫ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬وَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلعَظِيمِ } يعني ‪ :‬الكبير ‪ :‬وقال في آخر السورة ‪َ { :‬ربّ ا ْلعَرْشِ‬
‫ا ْلكَرِيمِ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إنما" وهو خطأ‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كذلك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬يليق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬الرزاق"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬لن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬سنن أبي داود برقم (‪ )4726‬عن حديث جبير بن مطعم رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )5/399‬من طريق ابن وهب عن ابن زيد عن أبيه عن أبي ذر‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬وقد سبق من رواية ابن مردوية عند تفسير الية ‪ 2 :‬من سورة الرعد‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬الذهبي"‪.‬‬
‫(‪ )13‬ورواه ابن أبي شيبة في صفة العرش (ق ‪ )114‬والحاكم في المستدرك (‪ )2/282‬من طريق‬
‫الضحاك بن مخلد عن سفيان عن عمار الذهني به ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬صحيح على شرط الشيخين‬
‫ولم يخرجاه" وأقره الذهبي‪.‬‬

‫( ‪)5/489‬‬

‫أي ‪ :‬الحسن البهي‪ .‬فقد جمع العرش بين العظمة في التساع والعلو ‪ ،‬والحسن الباهر ؛ ولهذا قال‬
‫من قال ‪ :‬إنه من ياقوتة حمراء‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪ :‬إن ربكم ليس عنده ليل ول نهار ‪ ،‬نور (‪ )1‬العرش من نور وجهه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬سَ َيقُولُونَ لِلّهِ ُقلْ َأفَل تَ ّتقُونَ } أي ‪ :‬إذا كنتم تعترفون (‪ )2‬بأنه رب السموات ورب‬
‫العرش العظيم ‪ ،‬أفل تخافون عقابه وتحذرون عذابه ‪ ،‬في عبادتكم معه غيره وإشراككم به ؟‬
‫قال أبو بكر عبد ال بن محمد بن أبي الدنيا القرشي في كتاب "التفكر والعتبار" ‪ :‬حدثنا إسحاق‬
‫بن إبراهيم ‪ ،‬أخبرنا عبد ال (‪ )3‬بن جعفر ‪ ،‬أخبرني عبد ال بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬كان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم كثيرًا ما يحدث عن امرأة كانت في الجاهلية على رأس جبل ‪،‬‬
‫معها ابن لها يرعى غنما ‪ ،‬فقال لها ابنها ‪ :‬يا أماه ‪ ،‬من خلقك ؟ قالت ‪ :‬ال‪ .‬قال ‪ :‬فمن خلق‬
‫أبي ؟ قالت ‪ :‬ال‪ .‬قال ‪ :‬فمن خلقني ؟ قالت ‪ :‬ال‪ .‬قال ‪ :‬فمن خلق السماء ؟ قالت ‪ :‬ال‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فمن خلق الرض ؟ قالت ‪ :‬ال‪ .‬قال ‪ :‬فمن خلق الجبل ؟ قالت ‪ :‬ال‪ .‬قال ‪ :‬فمن خلق هذه الغنم ؟‬
‫قالت ‪ :‬ال‪ .‬قال ‪ :‬فإني أسمع ل شأنا ثم ألقى نفسه من الجبل فتقطع‪.‬‬
‫قال ابن عمر ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم كثيرًا ما يحدثنا هذا الحديث‪.‬‬
‫قال عبد ال بن دينار ‪ :‬كان (‪ )4‬ابن عمر كثيرًا ما يحدثنا بهذا الحديث‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬في إسناده عبد ال (‪ )5‬بن جعفر المديني ‪ ،‬والد المام علي بن المديني ‪ ،‬وقد تكلموا فيه ‪،‬‬
‫فال أعلم (‪.)6‬‬
‫شيْءٍ } أي ‪ :‬بيده الملك ‪ { ،‬مَا مِنْ دَابّةٍ إِل ُهوَ آخِذٌ بِنَاصِيَ ِتهَا } [هود ‪:‬‬
‫{ ُقلْ مَنْ بِيَ ِدهِ مََلكُوتُ ُكلّ َ‬
‫‪ ، ]56‬أي ‪ :‬متصرف فيها‪ .‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ل والذي نفسي بيده" ‪،‬‬
‫وكان إذا اجتهد في اليمين قال (‪ " : )7‬ل ومقلب القلوب" ‪ ،‬فهو سبحانه الخالق المالك‬
‫المتصرف ‪ { ،‬وَ ُهوَ يُجِي ُر وَل يُجَارُ عَلَ ْيهِ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ } كانت العرب إذا كان السيد فيهم فأجار‬
‫خفَر في جواره ‪ ،‬وليس لمن دونه أن يجير عليه ‪ ،‬لئل يفتات عليه ‪ ،‬ولهذا قال ال ‪:‬‬
‫أحدًا ‪ ،‬ل يُ ْ‬
‫{ وَ ُهوَ ُيجِي ُر وَل ُيجَارُ عَلَيْهِ } أي ‪ :‬وهو السيد العظيم الذي ل أعظم منه ‪ ،‬الذي له الخلق‬
‫والمر ‪ ،‬ول معقب لحكمه ‪ ،‬الذي ل يمانع ول يخالف ‪ ،‬وما شاء (‪ )8‬كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل وَهُمْ ُيسْأَلُونَ } [النبياء ‪ ، ]23 :‬أي ‪ :‬ل يسئل عما يفعل ؛ لعظمته‬
‫عمّا َي ْفعَ ُ‬
‫وقال ال ‪ { :‬ل يُسَْألُ َ‬
‫وكبريائه ‪ ،‬وقهره وغلبته ‪ ،‬وعزته وحكمته (‪ ، )9‬والخلق كلهم يُسألون عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فوق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬تعرفون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبيد ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عبيد ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه ابن عدي في الكامل (‪ )4/178‬من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل عن عبد ال بن‬
‫جعفر به ‪ ،‬وقال ‪" :‬غير محفوظ ل يحدث به عن ابن دينار غير عبد ال بن جعفر" وعبد ال بن‬
‫جعفر المديني ضعيف عند الئمة‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وما شاء ال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وحكمته وعدله"‪.‬‬

‫( ‪)5/490‬‬

‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ‬


‫ق وََلعَلَا َب ْع ُ‬
‫خذَ اللّهُ مِنْ وَلَ ٍد َومَا كَانَ َمعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا َلذَ َهبَ ُكلّ إِلَهٍ ِبمَا خَلَ َ‬
‫مَا اتّ َ‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪)92‬‬
‫شهَا َدةِ فَ َتعَالَى َ‬
‫ب وَال ّ‬
‫صفُونَ (‪ )91‬عَاِلمِ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫عمّا َي ِ‬
‫سُ ْبحَانَ اللّهِ َ‬

‫عمّا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } [الحجر ‪.]93 ، 92 :‬‬


‫ج َمعِينَ َ‬
‫أعمالهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬فوَرَ ّبكَ لَنَسْأَلَ ّنهُمْ أَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬سَ َيقُولُونَ لِلّهِ } أي ‪ :‬سيعترفون أن السيد العظيم الذي يجير ول يجار عليه ‪ ،‬هو ال‬
‫سحَرُونَ } أي ‪ :‬فكيف تذهب عقولكم في عبادتكم معه غيره‬
‫تعالى ‪ ،‬وحده ل شريك له { ُقلْ فَأَنّى تُ ْ‬
‫مع اعترافكم وعلمكم بذلك‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬بلْ أَتَيْنَاهُمْ بِا ْلحَقّ } ‪ ،‬وهو العلم بأنه ل إله إل ال ‪ ،‬وأقمنا الدلة الصحيحة‬
‫الواضحة القاطعة على ذلك ‪ { ،‬وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ } أي ‪ :‬في عبادتهم مع ال غيره ‪ ،‬ول دليل لهم‬
‫على ذلك ‪ ،‬كما قال في آخر السورة ‪َ { :‬ومَنْ يَ ْدعُ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ ل بُرْهَانَ لَهُ ِبهِ فَإِ ّنمَا حِسَاُبهُ‬
‫عِنْدَ رَبّهِ إِنّهُ ل ُيفْلِحُ ا ْلكَافِرُونَ } ‪ ،‬فالمشركون ل يفعلون ذلك [عن دليل قادهم إلى ما هم فيه من‬
‫الفك والضلل ‪ ،‬وإنما يفعلون ذلك] (‪ )1‬اتباعا لبائهم وأسلفهم الحيارى الجهال ‪ ،‬كما قالوا ‪:‬‬
‫{ إِنّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأمّ ٍة وَإِنّا عَلَى آثَارِهِمْ ُمقْتَدُونَ } [الزخرف ‪.]23 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ‬
‫ق وََلعَل َب ْع ُ‬
‫ن وَلَدٍ َومَا كَانَ َمعَهُ مِنْ ِإلَهٍ ِإذًا لَ َذ َهبَ ُكلّ إَِلهٍ ِبمَا خََل َ‬
‫{ مَا اتّخَذَ اللّهُ مِ ْ‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪.} )92‬‬
‫شهَا َدةِ فَ َتعَالَى َ‬
‫ب وَال ّ‬
‫صفُونَ (‪ )91‬عَاِلمِ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫عمّا َي ِ‬
‫سُ ْبحَانَ اللّهِ َ‬
‫ن وَلَ ٍد َومَا كَانَ‬
‫خذَ اللّهُ مِ ْ‬
‫ينزه تعالى نفسه عن أن يكون له ولد أو شريك في الملك ‪ ،‬فقال ‪ { :‬مَا اتّ َ‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ } أي ‪ :‬لو ُقدّر تعدد اللهة ‪،‬‬
‫ق وََلعَل َب ْع ُ‬
‫َمعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا َلذَ َهبَ ُكلّ إِلَهٍ ِبمَا خَلَ َ‬
‫لنفرد كل منهم بما يخلق ‪ ،‬فما كان ينتظم الوجود‪ .‬والمشاهد أن الوجود منتظم متسق ‪ ،‬كل من‬
‫حمَنِ مِنْ‬
‫العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض ‪ ،‬في غاية الكمال ‪ { ،‬مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرّ ْ‬
‫َتفَا ُوتٍ } [الملك ‪ ]3 :‬ثم لكان كل منهم يطلب قهر الخر وخلفه ‪ ،‬فيعلو بعضهم على بعض‪.‬‬
‫والمتكلمون ذكروا هذا المعنى وعبروا عنه بدليل التمانع ‪ ،‬وهو أنه لو فرض صانعان فصاعدا ‪،‬‬
‫فأراد واحد تحريك جسم وأراد الخر سكونه ‪ ،‬فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا‬
‫عاجزين ‪ ،‬والواجب ل يكون عاجزًا ‪ ،‬ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد‪ .‬وما جاء هذا المحال إل‬
‫من فرض التعدد ‪ ،‬فيكون محال فأما إن حصل مراد أحدهما دون الخر ‪ ،‬كان الغالب هو الواجب‬
‫‪ ،‬والخر المغلوب ممكنًا ؛ لنه ل يليق بصفة الواجب أن يكون مقهورا ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وََلعَل‬
‫صفُونَ } أي ‪ :‬عما يقول الظالمون المعتدون في دعواهم‬
‫عمّا َي ِ‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ سُبْحَانَ اللّهِ َ‬
‫َب ْع ُ‬
‫الولد أو الشريك علوا كبيرا‪.‬‬
‫عمّا‬
‫شهَا َدةِ } أي ‪ :‬يعلم ما يغيب عن المخلوقات وما يشاهدونه ‪ { ،‬فَ َتعَالَى َ‬
‫ب وَال ّ‬
‫{ عَاِلمِ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫يُشْ ِركُونَ } أي ‪ :‬تقدس وتنزه وتعالى وعز وجل [عما يقول الظالمون والجاحدون] (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)5/491‬‬

‫جعَلْنِي فِي ا ْلقَوْمِ الظّاِلمِينَ (‪ )94‬وَإِنّا عَلَى أَنْ نُرِ َيكَ‬


‫ُقلْ َربّ ِإمّا تُرِيَنّي مَا يُوعَدُونَ (‪َ )93‬ربّ فَلَا تَ ْ‬
‫صفُونَ (‪َ )96‬و ُقلْ َربّ أَعُوذُ‬
‫مَا َنعِدُ ُهمْ َلقَادِرُونَ (‪ )95‬ا ْدفَعْ بِالّتِي ِهيَ أَحْسَنُ السّيّئَةَ نَحْنُ أَعَْلمُ ِبمَا َي ِ‬
‫حضُرُونِ (‪)98‬‬
‫ِبكَ مِنْ َهمَزَاتِ الشّيَاطِينِ (‪ )97‬وَأَعُوذُ ِبكَ َربّ أَنْ يَ ْ‬

‫جعَلْنِي فِي ا ْلقَوْمِ الظّاِلمِينَ (‪ )94‬وَإِنّا عَلَى أَنْ‬


‫{ ُقلْ َربّ ِإمّا تُرِيَنّي مَا يُوعَدُونَ (‪َ )93‬ربّ فَل تَ ْ‬
‫صفُونَ (‪َ )96‬و ُقلْ َربّ‬
‫نُرِ َيكَ مَا َنعِدُ ُهمْ َلقَادِرُونَ (‪ )95‬ا ْدفَعْ بِالّتِي ِهيَ أَحْسَنُ السّيّئَةَ نَحْنُ أَعَْلمُ ِبمَا َي ِ‬
‫حضُرُونِ (‪.} )98‬‬
‫أَعُوذُ ِبكَ مِنْ َهمَزَاتِ الشّيَاطِينِ (‪ )97‬وَأَعُوذُ ِبكَ َربّ أَنْ َي ْ‬
‫يقول تعالى آمرًا [نبيه محمدًا صلى ال عليه وسلم] (‪ )1‬أن يدعو هذا الدعاء عند حلول النقم ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ َربّ ِإمّا تُرِيَنّي مَا يُوعَدُونَ } أي ‪ :‬إن عاقبتهم ‪ -‬وإني شاهدُ ذلك ‪ -‬فل تجعلني فيهم ‪ ،‬كما جاء‬
‫في الحديث الذي رواه المام أحمد والترمذي ‪ -‬وصححه ‪" : -‬وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك‬
‫غير مفتون" (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّا عَلَى أَنْ نُرِ َيكَ مَا َنعِ ُدهُمْ َلقَادِرُونَ } أي ‪ :‬لو شئنا لريناك ما نحل (‪ )3‬بهم من النقم‬
‫والبلء والمحن‪.‬‬
‫ثم قال مرشدًا له إلى التّرْياق النافع في مخالطة الناس ‪ ،‬وهو الحسان إلى من يسيء ‪ ،‬ليستجلب‬
‫خاطره ‪ ،‬فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة ‪ ،‬فقال ‪ { :‬ا ْدفَعْ بِالّتِي ِهيَ أَحْسَنُ السّيّئَةَ } ‪ ،‬وهذا‬
‫حمِيمٌ‪.‬‬
‫ك وَبَيْنَهُ عَدَا َوةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ َ‬
‫حسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْ َن َ‬
‫كما قال في الية الخرى ‪ { :‬ا ْد َفعْ بِالّتِي ِهيَ أَ ْ‬
‫ن صَبَرُوا َومَا يَُلقّاهَا إِل ذُو حَظّ عَظِيمٍ } [فصلت ‪ : ]35 ، 34 :‬أي ما يلهم هذه‬
‫َومَا يَُلقّاهَا إِل الّذِي َ‬
‫ن صَبَرُوا } أي ‪ :‬على أذى الناس ‪ ،‬فعاملوهم بالجميل‬
‫الوصية أو الخصلة (‪ )4‬أو الصفة { إِل الّذِي َ‬
‫عظِيمٍ } أي ‪ :‬في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫مع إسدائهم إليهم القبيح ‪َ { ،‬ومَا يَُلقّاهَا إِل ذُو حَظّ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬و ُقلْ َربّ أَعُوذُ ِبكَ مِنْ َهمَزَاتِ الشّيَاطِينِ } ‪ :‬أمره أن يستعيذ من الشياطين ‪ ،‬لنهم ل‬
‫تنفع (‪ )5‬معهم الحيل ‪ ،‬ول ينقادون بالمعروف‪.‬‬
‫وقد قدمنا عند الستعاذة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقول ‪" :‬أعوذ بال السميع العليم‬
‫من الشيطان الرجيم ‪ ،‬من َهمْزه و َنفْخه ونَفْثه" (‪.)6‬‬
‫حضُرُونِ } أي ‪ :‬في شيء من أمري ؛ ولهذا أمر بذكر ال في‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَعُوذُ ِبكَ َربّ أَنْ َي ْ‬
‫ابتداء المور ‪ -‬وذلك مطردة للشياطين (‪ - )7‬عند الكل والجماع والذبح ‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫المور ؛ ولهذا روى أبو داود أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقول ‪" :‬اللهم إني أعوذ بك‬
‫من الهَرَم ‪ ،‬وأعوذ بك من الهَدْم ومن الغرق ‪ ،‬وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت" (‪.)8‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬أخبرنا محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )5/243‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3235‬من حديث معاذ بن جبل رضي ال عنه ‪،‬‬
‫وقال ‪" :‬هذا حديث حسن صحيح ‪ ،‬سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال ‪ :‬هذا حديث‬
‫حسن صحيح"‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما يحل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬الخصلة أو الوصية"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل ينفع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر الستعاذة عند تفسير سورة الفاتحة‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬للشيطان"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬سنن أبي داود برقم (‪.)1552‬‬

‫( ‪)5/492‬‬

‫ع َملُ صَاِلحًا فِيمَا تَ َر ْكتُ كَلّا إِ ّنهَا كَِلمَةٌ‬


‫جعُونِ (‪َ )99‬لعَلّي أَ ْ‬
‫حدَهُمُ ا ْل َموْتُ قَالَ َربّ ارْ ِ‬
‫حَتّى إِذَا جَاءَ أَ َ‬
‫ُهوَ قَائُِلهَا َومِنْ وَرَا ِئهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى َيوْمِ يُ ْبعَثُونَ (‪)100‬‬

‫عن جده قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعلمنا كلمات يقولهن عند النوم ‪ ،‬من الفزع ‪:‬‬
‫"بسم ال ‪ ،‬أعوذ بكلمات ال التامة من غضبه وعقابه ‪ ،‬ومن شر عباده ‪ ،‬ومن همزات الشياطين‬
‫وأن يحضرون" قال ‪ :‬فكان عبد ال بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه ‪ ،‬ومن‬
‫كان منهم صغيرا ل يعقل أن يحفظها ‪ ،‬كتبها له ‪ ،‬فعلقها في عنقه‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث محمد بن إسحاق (‪ ، )1‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن غريب‪.‬‬
‫ل صَالِحًا فِيمَا تَ َر ْكتُ كَل إِ ّنهَا كَِلمَةٌ‬
‫ع َم ُ‬
‫جعُونِ (‪َ )99‬لعَلّي أَ ْ‬
‫{ حَتّى إِذَا جَاءَ َأحَ َدهُمُ ا ْل َم ْوتُ قَالَ َربّ ا ْر ِ‬
‫ُهوَ قَائُِلهَا َومِنْ وَرَا ِئهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى َيوْمِ يُ ْبعَثُونَ (‪.} )100‬‬
‫يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت ‪ ،‬من الكافرين أو المفرطين في أمر ال تعالى ‪،‬‬
‫وقيلهم عند ذلك ‪ ،‬وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا ‪ ،‬ليصلح ما كان أفسده في مدة حياته ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫ل صَالِحًا فِيمَا تَ َر ْكتُ كَل } كما قال تعالى ‪ { :‬وَأَنْ ِفقُوا مِنْ مَا رَ َزقْنَاكُمْ‬
‫ع َم ُ‬
‫جعُونِ * َلعَلّي أَ ْ‬
‫{ َربّ ا ْر ِ‬
‫ق وََأكُنْ مِنَ‬
‫جلٍ قَرِيبٍ فََأصّدّ َ‬
‫مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ أَحَ َد ُكمُ ا ْل َم ْوتُ فَ َيقُولَ َربّ َلوْل أَخّرْتَنِي إِلَى أَ َ‬
‫الصّالِحِينَ‪ .‬وَلَنْ ُيؤَخّرَ اللّهُ َنفْسًا ِإذَا جَاءَ َأجَُلهَا وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ } [المنافقون ‪، ]11 ، 10 :‬‬
‫جبْ‬
‫جلٍ قَرِيبٍ ُن ِ‬
‫ظَلمُوا رَبّنَا أَخّرْنَا إِلَى َأ َ‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬وَأَ ْنذِرِ النّاسَ َيوْمَ يَأْتِيهِمُ ا ْلعَذَابُ فَ َيقُولُ الّذِينَ َ‬
‫سمْ ُتمْ مِنْ قَ ْبلُ مَا َلكُمْ مِنْ َزوَالٍ } [إبراهيم ‪ ، ]44 :‬وقال تعالى‬
‫سلَ َأوَلَمْ َتكُونُوا َأقْ َ‬
‫ك وَنَتّبِعِ الرّ ُ‬
‫عوَ َت َ‬
‫دَ ْ‬
‫ش َفعَاءَ‬
‫حقّ َف َهلْ لَنَا مِنْ ُ‬
‫سلُ رَبّنَا بِالْ َ‬
‫‪َ { :‬يوْمَ يَأْتِي تَ ْأوِيلُهُ َيقُولُ الّذِينَ َنسُوهُ مِنْ قَ ْبلُ َقدْ جَا َءتْ ُر ُ‬
‫ش َفعُوا لَنَا َأوْ نُ َردّ فَ َن ْع َملَ غَيْرَ الّذِي كُنّا َن ْع َملُ } [العراف ‪ ، ]53 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلوْ تَرَى ِإذِ‬
‫فَيَ ْ‬
‫جعْنَا َن ْع َملْ صَالِحًا إِنّا مُوقِنُونَ }‬
‫س ِمعْنَا فَارْ ِ‬
‫سهِمْ عِنْدَ رَ ّبهِمْ رَبّنَا أَ ْبصَرْنَا وَ َ‬
‫ا ْلمُجْ ِرمُونَ نَاكِسُو رُءُو ِ‬
‫[السجدة ‪ ، ]12 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلوْ تَرَى إِ ْذ ُو ِقفُوا عَلَى النّارِ َفقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُ َر ّد وَل ُنكَ ّذبَ بِآيَاتِ‬
‫ل وََلوْ رُدّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا عَنْهُ وَإِ ّنهُمْ‬
‫خفُونَ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫رَبّنَا وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‪َ .‬بلْ بَدَا َل ُهمْ مَا كَانُوا يُ ْ‬
‫َلكَاذِبُونَ } [النعام ‪ ، ]28 ، 27 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَتَرَى الظّاِلمِينَ َلمّا َرَأوُا ا ْلعَذَابَ َيقُولُونَ َهلْ إِلَى‬
‫ن وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَ َرفْنَا‬
‫مَرَدّ مِنْ سَبِيلٍ } [الشورى ‪ ، ]44 :‬وقال تعالى ‪ { :‬قَالُوا رَبّنَا َأمَتّنَا اثْنَتَيْ ِ‬
‫ح ْكمُ‬
‫ح َدهُ َكفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْ َركْ بِهِ ُت ْؤمِنُوا فَالْ ُ‬
‫عيَ اللّ ُه وَ ْ‬
‫بِذُنُوبِنَا َف َهلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ذَِل ُكمْ بِأَنّهُ ِإذَا دُ ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لِلّهِ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرِ } [غافر ‪ ، ]12 ، 11 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَ ُهمْ َيصْطَ ِرخُونَ فِيهَا رَبّنَا أَخْ ِرجْنَا َن ْع َملْ‬
‫صَالِحًا غَيْرَ الّذِي كُنّا َن ْع َملُ َأوَلَمْ ُن َعمّ ْركُمْ مَا يَتَ َذكّرُ فِيهِ مَنْ تَ َذكّ َر وَجَا َءكُمُ النّذِيرُ فَذُوقُوا َفمَا لِلظّاِلمِينَ‬
‫مِنْ َنصِيرٍ } [فاطر ‪ ، ]37 :‬فذكر تعالى أنهم يسألون الرجعة ‪ ،‬فل يجابون ‪ ،‬عند الحتضار ‪،‬‬
‫ويوم النشور ووقت العرض على الجبار ‪ ،‬وحين يعرضون على النار ‪ ،‬وهم في غمرات عذاب‬
‫الجحيم‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬هاهنا ‪ { :‬كَل إِ ّنهَا كَِلمَةٌ ُهوَ قَائُِلهَا } ‪ :‬كل حرف ردع وزجر ‪ ،‬أي ‪ :‬ل نجيبه إلى ما‬
‫طلب ول نقبل منه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )2/181‬وسنن أبي داود برقم (‪ )3893‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3528‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم (‪.)10601‬‬

‫( ‪)5/493‬‬

‫وقوله ‪ { :‬كَل إِ ّنهَا كَِلمَةٌ ُهوَ قَائُِلهَا } ‪ :‬قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬أي ل بد أن يقولها ل‬
‫محالة كل محتضر ظالم‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون ذلك علة لقوله ‪" :‬كل" ‪ ،‬أي ‪ :‬لنها كلمة ‪ ،‬أي ‪ :‬سؤاله الرجوع ليعمل صالحا‬
‫هو كلم منه ‪ ،‬وقول ل عمل معه ‪ ،‬ولو رد لما عمل صالحا ‪ ،‬ولكان يكذب في مقالته هذه ‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وََلوْ ُردّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا عَنْ ُه وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ }‬
‫ل صَالِحًا‬
‫ع َم ُ‬
‫جعُونِ َلعَلّي أَ ْ‬
‫وقال محمد بن كعب القرظي ‪ { :‬حَتّى ِإذَا جَاءَ َأحَدَ ُهمُ ا ْل َم ْوتُ قَالَ َربّ ا ْر ِ‬
‫فِيمَا تَ َر ْكتُ } قال ‪ :‬فيقول الجبار ‪ { :‬كَل إِ ّنهَا كَِلمَةٌ ُهوَ قَائُِلهَا }‪.‬‬
‫غفْرَة ‪ :‬إذا سمعت ال يقول ‪ { :‬كَل } فإنما يقول ‪ :‬كذب‪.‬‬
‫وقال عمر بن عبد ال مولى ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫حدَهُمُ ا ْل َموْتُ } ‪ :‬قال ‪ :‬كان العلء بن زياد يقول ‪:‬‬
‫وقال قتادة في قوله تعالى ‪ { :‬حَتّى إِذَا جَاءَ أَ َ‬
‫لينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت ‪ ،‬فاستقال ربه فأقاله ‪ ،‬فليعمل بطاعة ال عز وجل‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬وال ما تمنى أن يرجع إلى أهل ول إلى عشيرة ‪ ،‬ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة‬
‫ال ‪ ،‬فانظروا أمنية الكافر المفرط فاعملوا بها ‪ ،‬ول قوة إل بال‪ .‬وعن محمد بن كعب القرظي‬
‫نحوه‪.‬‬
‫وقال محمد بن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن يوسف ‪ ،‬حدثنا فضيل ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن‬
‫عياض ‪ -‬عن لَيْث ‪ ،‬عن طلحة بن ُمصَرّف ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬إذا وضع ‪-‬‬
‫يعني ‪ :‬الكافر ‪ -‬في قبره ‪ ،‬فيرى مقعده من النار‪ .‬قال ‪ :‬فيقول ‪ :‬رب ‪ ،‬ارجعون أتوب وأعمل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمّرت ما كنت ُم َعمّرا‪ .‬قال ‪ :‬فيضيق عليه قبره ‪ ،‬قال ‪ :‬فهو‬
‫صالحا‪ .‬قال ‪ :‬فيقال ‪ :‬قد ُ‬
‫كالمنهوش ‪ ،‬ينام ويفزع ‪ ،‬تهوي (‪ )2‬إليه َهوَامّ الرض وحياتها وعقاربها‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثني سلمة بن تمام ‪ ،‬حدثنا علي بن زيد (‪.)3‬‬
‫عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬أنها قالت ‪ :‬ويل لهل المعاصي من أهل القبور!! تدخل (‪)4‬‬
‫عليهم في قبورهم حيات سود ‪ -‬أو ‪ :‬دُهُم ‪ -‬حية عند رأسه ‪ ،‬وحية عند رجليه ‪ ،‬يقرصانه حتى‬
‫ن وَرَا ِئهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى‬
‫يلتقيا (‪ )5‬في وسطه ‪ ،‬فذلك العذاب في البرزخ الذي قال ال تعالى ‪َ { :‬ومِ ْ‬
‫َيوْمِ يُ ْبعَثُونَ }‬
‫وقال أبو صالح وغيره في قوله تعالى ‪َ { :‬ومِنْ وَرَا ِئهِمْ } يعني ‪ :‬أمامهم‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬البرزخ ‪ :‬الحاجز ما بين الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬البرزخ ‪ :‬ما بين الدنيا والخرة‪ .‬ليسوا (‪ )6‬مع أهل الدنيا يأكلون ويشربون‬
‫‪ ،‬ول مع أهل الخرة يجازون بأعمالهم‪.‬‬
‫وقال أبو صخر ‪ :‬البرزخ ‪ :‬المقابر ‪ ،‬ل هم في الدنيا ‪ ،‬ول هم في الخرة ‪ ،‬فهم مقيمون إلى يوم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬كذبت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ويهوي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يدخل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬تقرصانه حتى تلتقيا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ليس"‪.‬‬

‫( ‪)5/494‬‬

‫فَإِذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْ َنهُمْ َي ْومَئِ ٍذ وَلَا يَ َتسَاءَلُونَ (‪َ )101‬فمَنْ َثقَُلتْ َموَازِينُهُ فَأُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫جهَنّمَ خَالِدُونَ (‪ )103‬تَ ْلفَحُ‬
‫سهُمْ فِي َ‬
‫خ ّفتْ َموَازِينُهُ فَأُولَ ِئكَ الّذِينَ خَسِرُوا أَ ْنفُ َ‬
‫ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪َ )102‬ومَنْ َ‬
‫وُجُو َههُمُ النّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (‪)104‬‬

‫يبعثون‪.‬‬
‫وفي قوله ‪َ { :‬ومِنْ وَرَا ِئهِمْ بَرْزَخٌ } ‪ :‬تهديد لهؤلء المحتضرين من الظلمة بعذاب البرزخ ‪ ،‬كما‬
‫جهَنّمُ } [الجاثية ‪ ]10 :‬وقال { َومِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } [إبراهيم ‪.]17 :‬‬
‫ن وَرَا ِئهِمْ َ‬
‫قال ‪ { :‬مِ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِلَى َيوْمِ يُ ْبعَثُونَ } أي ‪ :‬يستمر به العذاب إلى يوم البعث ‪ ،‬كما جاء في الحديث ‪" :‬فل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يزال معذبا فيها" (‪ ، )1‬أي ‪ :‬في الرض‪.‬‬
‫{ فَِإذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ فَل أَنْسَابَ بَيْ َنهُمْ َي ْومَئِ ٍذ وَل يَتَسَاءَلُونَ (‪َ )101‬فمَنْ َثقَُلتْ َموَازِينُهُ فَأُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫جهَنّمَ خَالِدُونَ (‪ )103‬تَ ْلفَحُ‬
‫سهُمْ فِي َ‬
‫خ ّفتْ َموَازِينُهُ فَأُولَ ِئكَ الّذِينَ خَسِرُوا أَ ْنفُ َ‬
‫ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪َ )102‬ومَنْ َ‬
‫وُجُو َههُمُ النّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (‪.} )104‬‬
‫يخبر تعالى أنه إذا نفخ في الصور نفخة النشور ‪ ،‬وقام الناس من القبور ‪ { ،‬فَل أَ ْنسَابَ بَيْ َن ُهمْ }‬
‫أي ‪ :‬ل تنفع النساب يومئذ ‪ ،‬ول يرثي والد لولده ‪ ،‬ول يلوي عليه ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬وَل يَسَْألُ‬
‫حمِيمًا‪ .‬يُ َبصّرُو َنهُمْ } [المعارج ‪ ]11 ، 10 :‬أي ‪ :‬ل يسأل القريب قريبه وهو يبصره ‪ ،‬ولو‬
‫حمِيمٌ َ‬
‫َ‬
‫كان عليه من الوزار ما قد أثقل ظهره ‪ ،‬وهو كان أعز الناس عليه ‪ -‬كان ‪ -‬في الدنيا ‪ ،‬ما‬
‫التفت إليه ول حمل عنه وزن جناح بعوضة ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ { :‬ي ْومَ َيفِرّ ا ْلمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ‪ .‬وَُأمّهِ‬
‫وَأَبِيهِ‪َ .‬وصَاحِبَتِ ِه وَبَنِيهِ‪ِ .‬ل ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ َي ْومَئِذٍ شَأْنٌ ُيغْنِيهِ } [عبس ‪.]37 - 34 :‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪ :‬إذا كان يوم القيامة جمع ال الولين والخرين ثم نادى مناد ‪ :‬أل من كان له‬
‫مظلمة فليجئ فليأخذ حقه ‪ :‬قال ‪ :‬فيفرح (‪ )2‬المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو‬
‫زوجته وإن كان صغيرا; ومصداق ذلك في كتاب ال ‪ { :‬فَِإذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ فَل أَنْسَابَ بَيْ َن ُهمْ‬
‫َي ْومَئِ ٍذ وَل يَ َتسَاءَلُونَ } رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو سعيد ‪ -‬مولى بني هاشم ‪ -‬حدثنا عبد ال بن جعفر ‪ ،‬حدثتنا أم بكر‬
‫سوَر ‪ -‬هو ابن مَخْ َرمَة ‪ -‬رضي‬
‫سوَر بن مَخْ َرمَة ‪ ،‬عن عُبَيْد ال بن أبي رافع ‪ ،‬عن المِ ْ‬
‫بنت المِ ْ‬
‫ضعَةٌ مني ‪َ ،‬يقْ ِبضُني ما يقبضها ‪،‬‬
‫ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فاطمة َب ْ‬
‫ويَبْسُطني ما يبسطها (‪ )3‬وإن النساب تنقطع (‪ )4‬يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري"‪)5( .‬‬
‫هذا الحديث له أصل في الصحيحين عن المسور أن (‪ )6‬رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"فاطمة بضعة مني ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )1071‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬وقال ‪" :‬حديث‬
‫حسن غريب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فيفرح وال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يفيضني ما يفيضها وينشطني ما ينشطها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬منقطع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)4/323‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬

‫( ‪)5/495‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يريبني ما رابها ‪ ،‬ويؤذيني ما آذاها" (‪.)1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عامر ‪ ،‬حدثنا زهير ‪ ،‬عن عبد ال بن محمد ‪ ،‬عن حمزة بن أبي‬
‫سعيد الخدري ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول على هذا المنبر ‪" :‬ما‬
‫بال رجال يقولون ‪ :‬إن رحم رسول ال صلى ال عليه وسلم ل تنفع قومه ؟ بلى ‪ ،‬وال إن رحمي‬
‫موصولة في الدنيا والخرة ‪ ،‬وإني ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬فرط لكم ‪ ،‬إذا (‪ )2‬جئتم" قال رجل ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬أنا فلن بن فلن ‪ [ ،‬وقال أخوه ‪ :‬أنا فلن ابن فلن] (‪ )3‬فأقول لهم ‪" :‬أما النسب فقد‬
‫عرفت ‪ ،‬ولكنكم أحدثتم بعدي وارتددتم القهقري"‪)4( .‬‬
‫وقد ذكرنا في مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (‪ )5‬من طرق متعددة عنه ‪ ،‬رضي ال عنه‬
‫‪ :‬أنه لما تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬أما ‪ -‬وال ‪ -‬ما بي‬
‫ب ونَسب فإنه منقطع يوم القيامة ‪،‬‬
‫إل أني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬كل س َب ٍ‬
‫إل سببي ونسبي"‪.‬‬
‫رواه (‪ )6‬الطبراني ‪ ،‬والبزار والهيثم بن كليب ‪ ،‬والبيهقي ‪ ،‬والحافظ الضياء في "المختارة" (‪)7‬‬
‫وذكرنا أنه أصدقها أربعين ألفا ؛ إعظاما وإكراما ‪ ،‬رضي ال عنه ؛ فقد روى الحافظ ابن عساكر‬
‫في ترجمة أبي العاص بن الربيع ‪ -‬زوج زينب بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬من طريق‬
‫أبي القاسم البغوي ‪ :‬حدثنا سليمان بن عمر بن القطع ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن عبد السلم ‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن يزيد ‪ ،‬عن محمد ابن عباد بن جعفر ‪ ،‬سمعت ابن عمر يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إل نسبي وصهري" (‪ .)8‬وروي فيها من‬
‫طريق عمار بن سيف ‪ ،‬عن هشام بن عُ ْروَة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو مرفوعا ‪" :‬سألت‬
‫ربي عز وجل أل أتزوج إلى أحد من أمتي ‪ ،‬ول يتزوج إلي أحد منهم ‪ ،‬إل كان معي في الجنة ‪،‬‬
‫فأعطاني ذلك" (‪ .)9‬ومن حديث عمار بن سيف ‪ ،‬عن إسماعيل ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فمَنْ َثقَُلتْ َموَازِينُهُ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } أي ‪ :‬من رجحت حسناته على سيئاته ولو‬
‫بواحدة ‪ ،‬قاله ابن عباس‪.‬‬
‫{ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } أي ‪ :‬الذين فازوا فنجوا من النار وأدخلوا الجنة‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬أولئك الذين فازوا بما طلبوا ‪ ،‬ونجوا من شر ما منه هربوا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )3714‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2449‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فإذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)3/18‬‬
‫(‪ )5‬مسند عمر بن الخطاب لبن كثير (‪.)1/389‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ورواه الحافظ"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المعجم الكبير (‪ )3/45‬ومسند البزار برقم (‪" )2445‬كشف الستار" وسنن البيهقي الكبرى (‬
‫‪ )7/64‬والمختارة للمقدسي برقم (‪.)281‬‬
‫(‪ )8‬تاريخ دمشق (‪" 19/119‬المخطوط") ورواه علي بن سعيد عن سليمان بن عمر الرقي عن‬
‫إبراهيم بن عبد السلم عن إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد ال بن الزبير‬
‫مرفوعا ‪ ،‬وأخرجه الطبراني في الوسط برقم (‪.)3963‬‬
‫(‪ )9‬تاريخ دمشق (‪" 19/119‬المخطوط") ورواه الطبراني في الوسط برقم (‪" )3961‬مجمع‬
‫البحرين" من طريق يزيد بن الكميت عن عمار بن سيف به‪ .‬قال الحافظ ابن حجر في الفتح (‬
‫‪" : )7/85‬إسناده واه" وفي الباب عن ابن أبي أوفى رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)5/496‬‬

‫سهُمْ } أي ‪:‬‬
‫خ ّفتْ َموَازِينُهُ } أي ‪ :‬ثقلت سيئاته على حسناته ‪ { ،‬فَأُولَ ِئكَ الّذِينَ خَسِرُوا أَ ْنفُ َ‬
‫{ َومَنْ َ‬
‫خابوا وهلكوا ‪ ،‬وباؤوا بالصفقة (‪ )1‬الخاسرة‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث ‪ ،‬حدثنا داود بن المُحَبّر ‪ ،‬حدثنا‬
‫صالح المُ ّريّ ‪ ،‬عن ثابت البُناني وجعفر بن زيد ومنصور بن زاذان ‪ ،‬عن أنس بن مالك يرفعه‬
‫قال ‪" :‬إن ل ملكا موكل بالميزان ‪ ،‬فيؤتى بابن آدم ‪ ،‬فيوقف بين كفتي الميزان ‪ ،‬فإن ثقل ميزانه‬
‫نادى ملك بصوت يسمع الخلئق ‪ :‬سعد فلن سعادة ل يشقى بعدها أبدا ‪ ،‬وإن خف ميزانه نادى‬
‫ملك بصوت يسمع الخلئق ‪ :‬شقي فلن شقاوة ل (‪ )2‬يسعد بعدها أبدًا" (‪.)3‬‬
‫إسناده ضعيف ‪ ،‬فإن داود بن ال ُمحَبّر متروك‪.‬‬
‫ولهذا قال ‪" :‬في جهنم خالدون" أي ‪ :‬ماكثون ‪ ،‬دائمون مقيمون ل يظعنون‪.‬‬
‫ح وُجُو َههُمُ النّارُ } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَ َتغْشَى وُجُو َههُمُ النّارُ } [إبراهيم ‪ ، ]50 :‬وقال { َلوْ‬
‫{ تَ ْلفَ ُ‬
‫ظهُورِهِ ْم وَل هُمْ يُ ْنصَرُونَ } [النبياء‬
‫ن وُجُو ِههِمُ النّا َر وَل عَنْ ُ‬
‫َيعْلَمُ الّذِينَ َكفَرُوا حِينَ ل َيكُفّونَ عَ ْ‬
‫‪.]39 :‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا فَ ْروَة بن أبي المغراء (‪ ، )4‬حدثنا محمد بن سلمان‬
‫الصبهاني ‪ ،‬عن أبي سِنَان ضِرَار بن مُرّة ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي الهذيل ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن جهنم لما سيق [إليها] (‪ )5‬أهلها يلقاهم (‪ )6‬لهبها ‪ ،‬ثم تلفحهم‬
‫لفحة ‪ ،‬فلم يبق لحم إل سقط على العرقوب"‪)7( .‬‬
‫وقال ابن مردويه ‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى الفَزّاز ‪ ،‬حدثنا الخضر بن علي بن يونس‬
‫القطان ‪ ،‬حدثنا عمر بن أبي الحارث بن الخضر القَطّان ‪ ،‬حدثنا سعد بن سعيد (‪ )8‬المقبري ‪ ،‬عن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أخيه ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ح وُجُو َههُمُ النّارُ } قال ‪" :‬تلفحهم لفحة ‪ ،‬فتسيل لحومهم على أعقابهم" (‬
‫في قول ال تعالى ‪ { :‬تَ ْلفَ ُ‬
‫‪.)9‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهمْ فِيهَا كَالِحُونَ } قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني عابسون‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ { :‬وَ ُهمْ فِيهَا‬
‫كَالِحُونَ } قال ‪ :‬ألم تر إلى الرأس المُشَيّط الذي قد بدا أسنانه وقَلَصت شفتاه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬أخبرنا علي بن إسحاق ‪ ،‬أخبرنا عبد ال ‪ -‬هو ابن المبارك ‪،‬‬
‫رحمه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وفازوا بالصفة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬فل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ورواه أبو نعيم في الحلية كما في تخريج الحياء (‪ )4098‬وقال ‪" :‬تفرد به داود بن المحبر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أبي الفراء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬تلقيهم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )4/363‬وقال ‪" :‬لم يروه مرفوعا متصل عن أبي سنان عن عبد‬
‫ال إل محمد بن سليمان الصبهاني ‪ ،‬ورواه ابن عيينة وابن فضيل وجرير عن أبي سنان فأوقفه‬
‫ابن فضيل على أبي هريرة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سعيد بن أبي سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )9‬ورواه الضياء المقدسي في صفة النار كما في الدر المنثور (‪ )6/117‬من حديث أبي الدرداء‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)5/497‬‬

‫سمْح ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد الخُدْري ‪ ،‬عن‬


‫ال ‪ -‬أخبرنا سعيد بن يزيد ‪ ،‬عن أبي ال ّ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬وَهُمْ فِيهَا كَاِلحُونَ } ‪ ،‬قال ‪" :‬تَشْويه النار فَ َتقَّلصُ شفته العليا‬
‫سطَ رأسه ‪ ،‬وتسترخي شفته السفلى حتى َتضْرب سُرّته"‪.‬‬
‫حتى تبلغ وَ َ‬
‫سوَيْد بن نصر (‪ )1‬عن عبد ال بن المبارك ‪ ،‬به (‪ )2‬وقال ‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬عن ُ‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬نصير"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )3/88‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3176‬‬

‫( ‪)5/498‬‬

‫ش ْقوَتُنَا َوكُنّا َق ْومًا ضَالّينَ‬


‫علَ ْيكُمْ َفكُنْتُمْ ِبهَا ُت َكذّبُونَ (‪ )105‬قَالُوا رَبّنَا غَلَ َبتْ عَلَيْنَا ِ‬
‫أَلَمْ َتكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى َ‬
‫(‪ )106‬رَبّنَا أَخْ ِرجْنَا مِ ْنهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَاِلمُونَ (‪ )107‬قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا ُتكَّلمُونِ (‪ )108‬إِنّهُ‬
‫خذْ ُتمُوهُمْ‬
‫حمِينَ (‪ )109‬فَاتّ َ‬
‫حمْنَا وَأَ ْنتَ خَيْرُ الرّا ِ‬
‫غفِرْ لَنَا وَارْ َ‬
‫كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي َيقُولُونَ رَبّنَا َآمَنّا فَا ْ‬
‫حكُونَ (‪ )110‬إِنّي جَزَيْ ُتهُمُ الْ َيوْمَ ِبمَا صَبَرُوا أَ ّنهُمْ هُمُ‬
‫س ْوكُمْ ِذكْرِي َوكُنْتُمْ مِ ْنهُمْ َتضْ َ‬
‫سخْرِيّا حَتّى أَنْ َ‬
‫ِ‬
‫ا ْلفَائِزُونَ (‪)111‬‬

‫ش ْقوَتُنَا َوكُنّا َق ْومًا‬


‫{ أََلمْ َتكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَ ْيكُمْ َفكُنْتُمْ ِبهَا ُتكَذّبُونَ (‪ )105‬قَالُوا رَبّنَا غَلَ َبتْ عَلَيْنَا ِ‬
‫ضَالّينَ (‪ )106‬رَبّنَا أَخْ ِرجْنَا مِ ْنهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَاِلمُونَ (‪.} )107‬‬
‫هذا تقريع من ال تعالى لهل النار ‪ ،‬وتوبيخ لهم على ما ارتكبوا من الكفر والمآثم والمحارم‬
‫والعظائم ‪ ،‬التي أوبقتهم في ذلك ‪ ،‬فقال ‪ { :‬أََلمْ َتكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَ ْيكُمْ َفكُنْتُمْ ِبهَا ُتكَذّبُونَ } أي ‪ :‬قد‬
‫أرسلت إليكم الرسل ‪ ،‬وأنزلت الكتب ‪ ،‬وأزلت (‪ )1‬شُبَهكم ‪ ،‬ولم يبق لكم حجة تدلون بها كما قال‬
‫سلِ } [النساء ‪ ، ]165 :‬وقال ‪َ { :‬ومَا كُنّا ُمعَذّبِينَ حَتّى‬
‫‪ { :‬لِئَل َيكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ َبعْدَ الرّ ُ‬
‫نَ ْب َعثَ َرسُول } [السراء ‪ ، ]15 :‬وقال ‪ { :‬كُّلمَا أُ ْل ِقيَ فِيهَا َفوْجٌ سَأََلهُمْ خَزَنَ ُتهَا أَلَمْ يَأْ ِت ُكمْ نَذِيرٌ‪ .‬قَالُوا‬
‫شيْءٍ إِنْ أَنْ ُتمْ إِل فِي ضَللٍ كَبِيرٍ‪َ .‬وقَالُوا َلوْ كُنّا‬
‫بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ َفكَذّبْنَا َوقُلْنَا مَا نزلَ اللّهُ مِنْ َ‬
‫سعِيرِ } [الملك ‪8 :‬‬
‫حقًا لصْحَابِ ال ّ‬
‫سْ‬‫سعِيرِ‪ .‬فَاعْتَ َرفُوا ِبذَنْ ِبهِمْ فَ ُ‬
‫سمَعُ َأوْ َن ْع ِقلُ مَا كُنّا فِي َأصْحَابِ ال ّ‬
‫نَ ْ‬
‫شقْوَتُنَا َوكُنّا َق ْومًا ضَالّينَ } أي ‪ :‬قد قامت علينا الحجة ‪،‬‬
‫‪ ، ]11 -‬ولهذا قالوا ‪ { :‬رَبّنَا غَلَ َبتْ عَلَيْنَا ِ‬
‫ولكن كنا أشقى من أن ننقاد لها ونتبعها ‪َ ،‬فضَلَلْنَا عنها ولم نُرْ َز ْقهَا‪.‬‬
‫عدْنَا فَإِنّا ظَاِلمُونَ } أي ‪ :‬رُدّنا إلى الدار الدنيا ‪ ،‬فإن عدنا إلى‬
‫ثم قالوا ‪ { :‬رَبّنَا َأخْرِجْنَا مِ ْنهَا فَإِنْ ُ‬
‫ما سلف منا ‪ ،‬فنحن ظالمون مستحقون للعقوبة ‪ ،‬كما قالوا ‪ { :‬فَاعْتَ َرفْنَا بِذُنُوبِنَا َف َهلْ إِلَى خُرُوجٍ‬
‫حكْمُ لِلّهِ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرِ }‬
‫عيَ اللّ ُه وَحْ َدهُ كَفَرْتُ ْم وَإِنْ ُيشْ َركْ بِهِ ُت ْؤمِنُوا فَالْ ُ‬
‫مِنْ سَبِيلٍ‪ .‬ذَِل ُكمْ بِأَنّهُ ِإذَا دُ ِ‬
‫[غافر ‪ ]12 ، 11 :‬أي ‪ :‬ل سبيل إلى الخروج ؛ لنكم كنتم تشركون بال إذا وحده المؤمنون‪.‬‬
‫{ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَل ُتكَّلمُونِ (‪ )108‬إِنّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي َيقُولُونَ رَبّنَا آمَنّا فَاغْفِرْ لَنَا‬
‫س ْوكُمْ ِذكْرِي َوكُنْتُمْ مِ ْنهُمْ‬
‫حمِينَ (‪ )109‬فَاتّخَذْ ُتمُوهُمْ سِخْرِيّا حَتّى أَنْ َ‬
‫حمْنَا وَأَ ْنتَ خَيْرُ الرّا ِ‬
‫وَارْ َ‬
‫حكُونَ (‪ )110‬إِنّي جَزَيْ ُتهُمُ الْ َيوْمَ ِبمَا صَبَرُوا أَ ّنهُمْ هُمُ ا ْلفَائِزُونَ (‪.} )111‬‬
‫َتضْ َ‬
‫هذا جواب من ال تعالى للكفار إذا سألوا الخروج من النار والرجعة إلى هذه الدار (‪ ، )2‬يقول ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ اخْسَئُوا فِيهَا } أي ‪ :‬امكثوا فيها صاغرين مُهانين أذلء‪ { .‬وَل ُتكَّلمُونِ } أي ‪ :‬ل تعودوا إلى‬
‫سؤالكم هذا ‪ ،‬فإنه ل جواب لكم عندي‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وأرخت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الدنيا"‪.‬‬

‫( ‪)5/498‬‬

‫قال ال َع ْوفِي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬اخْسَئُوا فِيهَا وَل ُتكَّلمُونِ } قال ‪ :‬هذا قول الرحمن حين انقطع‬
‫كلمهم منه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عَ ْبدَة بن سليمان المروزي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن المبارك ‪،‬‬
‫عن سعيد بن أبي عَرُوبَة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أبي أيوب ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬إن أهل‬
‫جهنم يدعون مالكا ‪ ،‬فل يجيبهم أربعين عاما ‪ ،‬ثم يردّ عليهم ‪ :‬إنكم ماكثون‪ .‬قال ‪ :‬هانت دعوتهم‬
‫ش ْقوَتُنَا َوكُنّا‬
‫‪ -‬وال (‪ - )1‬على مالك ورب مالك‪ .‬ثم يدعون ربهم فيقولون ‪ { :‬رَبّنَا غَلَ َبتْ عَلَيْنَا ِ‬
‫َق ْومًا ضَالّينَ‪ .‬رَبّنَا َأخْرِجْنَا مِ ْنهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَاِلمُونَ } قال ‪ :‬فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ‪ ،‬ثم‬
‫يرد عليهم ‪ { :‬اخْسَئُوا فِيهَا وَل ُتكَّلمُونِ } قال ‪ :‬وال ما نَبَس (‪ )2‬القوم بعدها بكلمة واحدة ‪ ،‬وما‬
‫هو إل الزفير والشهيق في نار جهنم‪ .‬قال ‪ :‬فشبهت أصواتهم بأصوات الحمير ‪ ،‬أولها زفير‬
‫وآخرها شهيق‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أحمد بن سِنَان ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن َمهْدِي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن سَلَمة بن‬
‫ُكهَيْل ‪ ،‬حدثنا أبو الزّعْرَاء قال ‪ :‬قال عبد ال بن مسعود ‪ :‬إذا أراد ال أل يخرج منهم أحدًا ‪-‬‬
‫يعني ‪ :‬من جهنم ‪ -‬غير وجوههم وألوانهم ‪ ،‬فيجيء الرجل من المؤمنين ‪ ،‬فيشفع فيقول ‪ :‬يا رب‬
‫(‪ .)3‬فيقول ‪ :‬من عرف أحدًا فليخرجه‪ .‬فيجيء الرجل فينظر فل يعرف أحدًا فيقول ‪ :‬أنا فلن‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬ما أعرفك‪.‬‬
‫عدْنَا فَإِنّا ظَاِلمُونَ } ‪ ،‬فعند ذلك يقول ‪ { :‬اخْسَئُوا‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬فعند ذلك يقول ‪ { :‬رَبّنَا َأخْرِجْنَا مِ ْنهَا فَإِنْ ُ‬
‫فِيهَا وَل ُتكَّلمُونِ }‪ .‬وإذا (‪ )4‬قال ذلك ‪ ،‬أطبقت عليهم فل (‪ )5‬يخرج منهم بَشَر‪.‬‬
‫ثم قال تعالى مذكرًا لهم بذنوبهم في الدنيا ‪ ،‬وما كانوا يستهزئون بعباده المؤمنين وأوليائه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حمِينَ *‬
‫حمْنَا وَأَ ْنتَ خَيْرُ الرّا ِ‬
‫{ إِنّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي َيقُولُونَ رَبّنَا آمَنّا فَاغْفِرْ لَنَا وَا ْر َ‬
‫س ْوكُمْ‬
‫سخْرِيّا } أي ‪ :‬فسخرتم منهم في دعائهم إياي وتضرعهم إليّ ‪ { ،‬حَتّى أَنْ َ‬
‫خذْ ُتمُوهُمْ ِ‬
‫فَاتّ َ‬
‫حكُونَ } أي ‪ :‬من صنيعهم‬
‫ِذكْرِي } أي ‪ :‬حملكم بغضهم على أن نَسِيتم معاملتي { َوكُنْتُمْ مِ ْنهُمْ َتضْ َ‬
‫حكُونَ * وَإِذَا مَرّوا ِب ِهمْ‬
‫وعبادتهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َأجْ َرمُوا كَانُوا مِنَ الّذِينَ آمَنُوا َيضْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يَ َتغَامَزُونَ } [المطففين ‪ ]30 ، 29 :‬أي ‪ :‬يلمزونهم استهزاء‪.‬‬
‫ثم أخبر عما جازى به أولياءه وعباده الصالحين ‪ ،‬فقال ‪ { :‬إِنّي جَزَيْ ُت ُهمُ الْ َيوْمَ ِبمَا صَبَرُوا } أي ‪:‬‬
‫على أذاكم لهم واستهزائكم منهم ‪ { ،‬أَ ّن ُهمْ ُهمُ ا ْلفَائِزُونَ } أي ‪ :‬جعلتهم هم الفائزين (‪ )6‬بالسعادة‬
‫والسلمة والجنة ‪ ،‬الناجين (‪ )7‬من النار‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وال دعوتهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬فوال ما يبس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يا رب يا رب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فإذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فلم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬الفائزون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬الناجون"‪.‬‬

‫( ‪)5/499‬‬

‫عدَدَ سِنِينَ (‪ )112‬قَالُوا لَبِثْنَا َي ْومًا َأوْ َب ْعضَ َيوْمٍ فَاسَْألِ ا ْلعَادّينَ (‪ )113‬قَالَ‬
‫قَالَ َكمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَ ْرضِ َ‬
‫جعُونَ (‬
‫إِنْ لَبِثْتُمْ إِلّا قَلِيلًا َلوْ أَ ّنكُمْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪َ )114‬أ َفحَسِبْ ُتمْ أَ ّنمَا خََلقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَ ّنكُمْ إِلَيْنَا لَا تُ ْر َ‬
‫حقّ لَا إَِلهَ إِلّا ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلكَرِيمِ (‪)116‬‬
‫‪ )115‬فَ َتعَالَى اللّهُ ا ْلمَِلكُ الْ َ‬

‫عدَدَ سِنِينَ (‪ )112‬قَالُوا لَبِثْنَا َي ْومًا َأوْ َب ْعضَ َيوْمٍ فَاسَْألِ ا ْلعَادّينَ (‪)113‬‬
‫{ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ال ْرضِ َ‬
‫جعُونَ‬
‫قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِل قَلِيل َلوْ أَ ّن ُكمْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪َ )114‬أ َفحَسِبْ ُتمْ أَ ّنمَا خََلقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَ ّنكُمْ إِلَيْنَا ل تُرْ َ‬
‫حقّ ل إِلَهَ إِل ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلكَرِيمِ (‪.} )116‬‬
‫(‪ )115‬فَ َتعَالَى اللّهُ ا ْلمَِلكُ الْ َ‬
‫يقول تعالى منبها لهم على ما أضاعوه في عمرهم القصير في الدنيا من طاعة ال تعالى وعبادته‬
‫وحده ‪ ،‬ولو صَبَروا في مدة الدنيا القصيرة لفازوا كما فاز أولياؤه المتقون ‪ { ،‬قَالَ كَمْ لَبِثْ ُتمْ فِي‬
‫عدَدَ سِنِينَ } أي ‪ :‬كم كانت إقامتكم في الدنيا ؟ { قَالُوا لَبِثْنَا َي ْومًا َأوْ َب ْعضَ َي ْومٍ فَاسَْألِ‬
‫ال ْرضِ َ‬
‫ا ْلعَادّينَ } أي ‪ :‬الحاسبين‬
‫{ قَالَ إِنْ لَبِثْ ُتمْ إِل قَلِيل } أي ‪ :‬مدة يسيرة على كل تقدير { َلوْ أَ ّنكُمْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ } أي ‪ :‬لما آثرتم‬
‫الفاني على الباقي ‪ ،‬ولما َتصَرّفتم لنفسكم هذا التصرف السّيئ ‪ ،‬ول استحققتم من ال سخطه في‬
‫تلك المدة اليسيرة ‪ ،‬ولو أنكم صبرتم على طاعة ال وعبادته (‪ - )1‬كما فعل المؤمنون ‪ -‬لفزتم‬
‫كما فازوا‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن الوَزير ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬عن أيفع‬
‫بن عبد الكَلعي ؛ أنه سمعه يخطب الناس فقال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إن ال إذا‬
‫أدخل أهل الجنة الجنة ‪ ،‬وأهل النار النار ‪ ،‬قال ‪ :‬يا أهل الجنة ‪ ،‬كم لبثتم في الرض عدد سنين ؟‬
‫قالوا ‪ :‬لبثنا يوما أو بعض يوم‪ .‬قال ‪ :‬لنعم ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم ‪ :‬رحمتي ورضواني‬
‫وجنتي ‪ ،‬امكثوا فيها خالدين مخلدين ؟ ثم يقول ‪ :‬يا أهل النار ‪ ،‬كم لبثتم في الرض عدد سنين ؟‬
‫قالوا ‪ :‬لبثنا يومًا أو بعض يوم‪ .‬فيقول ‪ :‬بئس ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم ‪ :‬ناري وسخطي ‪،‬‬
‫امكثوا فيها خالدين مخلدين" (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أ َفحَسِبْتُمْ أَ ّنمَا خََلقْنَاكُمْ عَبَثًا } أي ‪ :‬أفظننتم أنكم مخلوقون عبثا بل قصد ول إرادة منكم‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬ل تعودون في الدار الخرة ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫ول حكمة لنا ‪ { ،‬وَأَ ّنكُمْ إِلَيْنَا ل تُرْ َ‬
‫سبُ النْسَانُ أَنْ يُتْ َركَ سُدًى } [القيامة ‪ ، ]36 :‬يعني همل (‪.)3‬‬
‫{ أَ َيحْ َ‬
‫حقّ } أي ‪ :‬تقدّس أن يخلق شيئا عبثا ‪ ،‬فإنه الملك الحق المنزه عن‬
‫وقوله ‪ { :‬فَ َتعَالَى اللّهُ ا ْلمَِلكُ الْ َ‬
‫ذلك ‪ { ،‬ل إِلَهَ إِل ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلكَرِيمِ } ‪ ،‬فذكر العرش ؛ لنه سقف جميع المخلوقات ‪،‬‬
‫ووصفه بأنه كريم ‪ ،‬أي ‪ :‬حسن المنظر بهي الشكل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْجٍ‬
‫كَرِيمٍ } [لقمان ‪.]10 :‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا علي بن محمد الطّنَافِسيّ ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن‬
‫سليمان ‪ -‬شيخ من أهل العراق ‪ -‬أنبأنا شعيب بن صفوان ‪ ،‬عن رجل من آل سعيد بن العاص‬
‫قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬على عبادته وطاعته"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه ابن الثير في أسد الغابة (‪ )1/187‬بإسناده إلى الحكم بن موسى عن الوليد عن‬
‫صفوان به‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬مهمل"‪.‬‬

‫( ‪)5/500‬‬

‫كان آخر خطبة خطب عمر بن عبد العزيز أن حمد ال وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما بعد ‪ ،‬فإنكم لم‬
‫تخلقوا عبثا ‪ ،‬ولن (‪ )1‬تتركوا سدى ‪ ،‬وإن لكم معادا ينزل ال فيه للحكم بينكم والفصل بينكم ‪،‬‬
‫فخاب وخسر مَن خرج من رحمة ال ‪ ،‬وحرم جنة عرضها السموات والرض ‪ ،‬ألم تعلموا أنه ل‬
‫يأمن غدا إل من حذر هذا اليوم وخافه ‪ ،‬وباع نافدا بباق ‪ ،‬وقليل بكثير ‪ ،‬وخوفا بأمان ‪ ،‬أل ترون‬
‫أنكم من أصلب الهالكين ‪ ،‬وسيكون من بعدكم الباقين ‪ ،‬حتى تردون (‪ )2‬إلى خير الوارثين ؟ ثم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إنكم في كل يوم تُشَيّعون غاديا ورائحا إلى ال عز وجل ‪ ،‬قد قضى نحبه ‪ ،‬وانقضى أجله ‪ ،‬حتى‬
‫تغيبوه في صَدْع من الرض ‪ ،‬في بطن صدع غير ممهد ول موسد ‪ ،‬قد فارق الحباب وباشر‬
‫التراب ‪ ،‬وواجه الحساب ‪ ،‬مُرْ َتهَن بعمله ‪ ،‬غني عما ترك ‪ ،‬فقير إلى ما قدم‪ .‬فاتقوا ال عباد ال‬
‫قبل انقضاء مواثيقه ‪ ،‬ونزول الموت بكم ثم جعل طرف ردائه على وجهه ‪ ،‬فبكى وأبكى من‬
‫حوله‪.‬‬
‫خوْلني ‪ ،‬حدثنا ابن وَهْب ‪ ،‬أخبرني ابن َلهِيعَة ‪،‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا يحيى بن نصر (‪ )3‬ال َ‬
‫عن أبي هُبَيْ َرةَ عن حَنَش (‪ )4‬بن عبد ال ؛ أن رجل مصابًا مرّ به عبد ال بن مسعود ‪ ،‬فقرأ في‬
‫حقّ } ‪،‬‬
‫جعُونَ * فَ َتعَالَى اللّهُ ا ْلمَِلكُ الْ َ‬
‫أذنه هذه الية ‪َ { :‬أ َفحَسِبْ ُتمْ أَ ّنمَا خََلقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَ ّنكُمْ إِلَيْنَا ل تُرْ َ‬
‫حتى ختم السورة فَبَرَأ ‪[ ،‬فذكر ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم] (‪ ، )5‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬بماذا قرأت في أذنه ؟" فأخبره ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬والذي‬
‫نفسي بيده ‪ ،‬لو أن رجل مُوقنا قرأها على جَبَل لزال"‪.‬‬
‫وروى أبو (‪ُ )6‬نعَيم من طريق خالد بن نزار ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن محمد بن المُ ْنكَدر ‪،‬‬
‫عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬بعثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم في سَرَّية‬
‫جعُونَ }‬
‫خَلقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَ ّنكُمْ إِلَيْنَا ل تُرْ َ‬
‫‪ ،‬وأمرنا أن نقول إذا نحن أمسينا وأصبحنا ‪َ { :‬أفَحَسِبْ ُتمْ أَ ّنمَا َ‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬فقرأناها فغنمنا وسلمنا (‪.)7‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم أيضا ‪ :‬حدثنا إسحاق بن وهب العلف الواسطي ‪ ،‬حدثنا أبو ال ُمسَيّب سلمة بن‬
‫سلم ‪ ،‬حدثنا بكر بن خُنَيْس (‪ ، )8‬عن َنهْشَل بن سعيد ‪ ،‬عن الضحّاك بن مُزَاحِم ‪ ،‬عن عبد ال‬
‫بن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أمان لمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن‬
‫جمِيعًا قَ ْبضَتُهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَالسّماوَاتُ‬
‫حقّ قَدْ ِر ِه وَال ْرضُ َ‬
‫‪ :‬بسم ال الملك الحق ‪َ { ،‬ومَا قَدَرُوا اللّهَ َ‬
‫سمِ اللّهِ َمجْرَاهَا َومُرْسَاهَا إِنّ‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ } [الزمر ‪ { ، ]67 :‬بِ ْ‬
‫طوِيّاتٌ بِ َيمِينِهِ سُ ْبحَانَ ُه وَ َتعَالَى َ‬
‫مَ ْ‬
‫رَبّي َلغَفُورٌ رَحِيمٌ } [هود ‪)9( .]41 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬ولم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬حين تردوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬نصير"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬حسن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬معرفة الصحابة لبي نعيم برقم (‪.)726‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬حبيش"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )12/124‬وفي كتاب الدعاء برقم (‪ )804‬من طرق عن‬
‫عبد الحميد الهللي ‪ ،‬عن نهشل به ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/132‬نهشل بن سعيد‬
‫متروك"‪.‬‬

‫( ‪)5/501‬‬

‫َومَنْ َي ْدعُ مَعَ اللّهِ إَِلهًا َآخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِ ّنمَا حِسَاُبهُ عِنْدَ رَبّهِ إِنّهُ لَا ُيفْلِحُ ا ْلكَافِرُونَ (‪َ )117‬و ُقلْ‬
‫حمِينَ (‪)118‬‬
‫غفِرْ وَا ْرحَ ْم وَأَ ْنتَ خَيْرُ الرّا ِ‬
‫َربّ ا ْ‬

‫{ َومَنْ يَ ْدعُ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ ل بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِ ّنمَا حِسَاُبهُ عِنْدَ رَبّهِ إِنّهُ ل ُيفْلِحُ ا ْلكَافِرُونَ (‪)117‬‬
‫حمِينَ (‪.} )118‬‬
‫غفِ ْر وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرّا ِ‬
‫َوقُلْ َربّ ا ْ‬
‫يقول تعالى متوعدا من أشرك به غيره ‪ ،‬وعَبَدَ معه سواه ‪ ،‬ومخبرًا أن من أشرك بال { ل بُرْهَانَ‬
‫لَهُ } أي ‪ :‬ل دليل له على قوله ‪ -‬فقال ‪َ { :‬ومَنْ َي ْدعُ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ ل بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } ‪ ،‬وهذه‬
‫حسَابُهُ عِ ْندَ رَبّهِ } أي ‪ :‬ال يحاسبه على ذلك‪.‬‬
‫جملة معترضة ‪ ،‬وجواب الشرط في قوله ‪ { :‬فَإِ ّنمَا ِ‬
‫ثم أخبر ‪ { :‬إِنّهُ ل ُيفْلِحُ ا ْلكَافِرُونَ } أي ‪ :‬لديه يوم القيامة ‪ ،‬ل فلح لهم ول نجاة‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن نبي ال صلى ال عليه وسلم قال لرجل ‪" :‬ما تعبد ؟" قال ‪ :‬أعبد ال ‪ ،‬وكذا‬
‫وكذا ‪ -‬حتى عدّ أصناما ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فأيّهم إذا أصابك ضُرّ فدعوتَه ‪،‬‬
‫كشفه عنك ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ال عز وجل‪ .‬قال ‪"[ :‬فأيّهم إذا كانت لك حاجة فدعوتَه أعطاكها ؟" قال ‪ :‬ال‬
‫عز وجل‪ .‬قال] (‪" : )1‬فما يحملك على أن تعبد هؤلء معه ؟" قال ‪ :‬أردت شكره بعبادة هؤلء‬
‫معه أم حسبت أن يغلب عليه‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬تعلمون ول يعلمون" قال (‬
‫‪ )2‬الرجل بعد ما أسلم ‪ :‬لقيت رجل خصمني‪.‬‬
‫هذا مرسل من هذا الوجه ‪ ،‬وقد روى أبو عيسى الترمذي في جامعه مسندًا عن عمران بن‬
‫حصَيْن ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم نحو ذلك (‪.)3‬‬
‫ال ُ‬
‫حمِينَ } هذا إرشاد من ال إلى هذا الدعاء ‪،‬‬
‫ح ْم وَأَ ْنتَ خَيْرُ الرّا ِ‬
‫غفِرْ وَارْ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬و ُقلْ َربّ ا ْ‬
‫فال َغفْرُ ‪ -‬إذا أطلِق ‪ -‬معناه محو الذنب وستره عن الناس ‪ ،‬والرحمة معناها ‪ :‬أن يسدده ويوفقه‬
‫في القوال والفعال‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة المؤمنون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪ )3483‬وقال ‪" :‬هذا حديث غريب"‪.‬‬

‫( ‪)5/502‬‬

‫سُو َرةٌ أَنْزَلْنَاهَا َوفَ َرضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيّنَاتٍ َلعَّلكُمْ تَ َذكّرُونَ (‪ )1‬الزّانِيَ ُة وَالزّانِي فَاجِْلدُوا ُكلّ‬
‫شهَدْ‬
‫وَاحِدٍ مِ ْن ُهمَا مِئَةَ جَ ْل َدةٍ وَلَا تَأْخُ ْذ ُكمْ ِب ِهمَا رَ ْأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِنْ كُنْ ُتمْ ُت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الَْآخِ ِر وَلْيَ ْ‬
‫عَذَا َب ُهمَا طَا ِئفَةٌ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)2‬‬

‫سورة النور‬
‫وهي مدنية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫{ سُو َرةٌ أَنزلْنَاهَا َوفَ َرضْنَاهَا وَأَنزلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيّنَاتٍ َلعَّلكُمْ َت َذكّرُونَ (‪ )1‬الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا‬
‫خ ْذكُمْ ِب ِهمَا رَ ْأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ ُت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ‬
‫ُكلّ وَاحِدٍ مِ ْن ُهمَا مِائَةَ جَلْ َد ٍة وَل تَأْ ُ‬
‫عذَا َب ُهمَا طَا ِئفَةٌ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪} )2‬‬
‫شهَدْ َ‬
‫وَلْيَ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬هذه { سُو َرةٌ أَنزلْنَاهَا } فيه تنبيه على (‪ )1‬العتناء بها ول ينفى ما عداها‪.‬‬
‫{ وفرضناها } قال مجاهد وقتادة ‪ :‬أيْ بيّنا الحلل والحرام والمر والنهي ‪ ،‬والحدود‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬ومن قرأ "فَ َرضْناها" يقول ‪ :‬فَ َرضْنا عليكم وعلى من بعدكم‪.‬‬
‫{ وَأَنزلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيّنَاتٍ } أي ‪ :‬مفسّرات واضحَات ‪َ { ،‬لعَّلكُمْ تَ َذكّرُونَ }‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬الزّانِيَ ُة وَالزّانِي فَاجِْلدُوا ُكلّ وَاحِدٍ مِ ْن ُهمَا مِائَةَ جَلْ َدةٍ } هذه الية الكريمة فيها حكم‬
‫الزاني في الحد ‪ ،‬وللعلماء فيه تفصيل ونزاع ؛ فإن الزاني ل يخلو إما أن يكون بكرًا ‪ ،‬وهو الذي‬
‫طئَ في نكاح صحيح ‪ ،‬وهو حر بالغ عاقل‪ .‬فأما إذا كان‬
‫لم يتزوج ‪ ،‬أو محصنا ‪ ،‬وهو الذي قد َو ِ‬
‫بكرًا لم يتزوج ‪ ،‬فإن حدّه مائة جلدة (‪ )2‬كما في الية ويزاد على ذلك أن يُغرّب عاما [عن بلده] (‬
‫‪ )3‬عند جمهور العلماء ‪ ،‬خلفا لبي حنيفة ‪ ،‬رحمه ال ؛ فإن عنده أن التغريبَ إلى رأي المام ‪،‬‬
‫إن شاء غَرّب وإن شاء لم يغرّب‪.‬‬
‫وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين ‪ ،‬من رواية الزهري ‪ ،‬عن عُبَيْد ال بن عبد ال‬
‫جهَنيّ ‪ ،‬في العرابيين اللذين أتيا رسولَ ال‬
‫بن عُتبة بن مسعود ‪ ،‬عن أبي هريرة وزيد بن خالد ال ُ‬
‫‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فقال أحدهما ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن ابني كان عَسِيفا ‪ -‬يعني أجيرا ‪-‬‬
‫على هذا فزنى بامرأته ‪ ،‬فافتديت [ابني[ (‪ )4‬منه بمائة شاة َووَليدَة ‪ ،‬فسألت أهل العلم ‪ ،‬فأخبروني‬
‫أن (‪ )5‬على ابني جلد مائة وتغريبَ عام ‪ ،‬وأن على امرأة هذا الرجم‪ .‬فقال رسول ال صلى ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليه وسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لقضين بينكما بكتاب ال ‪ :‬الوليدة والغنم رَدّ عليك ‪ ،‬وعلى ابنك‬
‫جَ ْلدُ مائة وتغريبُ عام‪ .‬واغد يا أنيس ‪ -‬لرجل من أسلم ‪ -‬إلى امرأة هذا ‪ ،‬فإن اعترفت‬
‫فارجمها"‪ .‬فغدا عليها فاعترفت ‪ ،‬فرجمها (‪.)6‬‬
‫ففي هذا دللة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكرا لم يتزوج ‪ ،‬فأما إن كان محصنا فإنه‬
‫يرجم ‪ ،‬كما قال المام مالك ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬جلد مائة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وصحيحي البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬إنما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )6633 ، 2314‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1697‬‬

‫( ‪)6/5‬‬

‫حدثني ابن شهاب ‪ ،‬أخبرنا (‪ )1‬عبيد ال بن عبد ال بن عتبة بن مسعود ‪ ،‬أن ابن عباس أخبره‬
‫أن عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قام فحمد ال وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما بعد ‪ ،‬أيها الناس ‪ ،‬فإن (‪)2‬‬
‫ال بعث محمدًا بالحق ‪ ،‬وأنزل عليه الكتاب ‪ ،‬فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ‪ ،‬فقرأناها َووَعَيْناها‬
‫‪ ،‬وَرَجمَ رسول ال صلى ال عليه وسلم وَرَجمْنا بعده ‪ ،‬فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول‬
‫قائل ‪ :‬ل نجد آية الرجم في كتاب ال ‪ ،‬فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها ال ‪ ،‬فالرجم في كتاب ال‬
‫حق على من زنى ‪ ،‬إذا أحصن ‪ ،‬من الرجال والنساء ‪ ،‬إذا قامت البينة ‪ ،‬أو الحبل ‪ ،‬أو‬
‫العتراف‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطول (‪ )3‬وهذا (‪ )4‬قطعة منه ‪ ،‬فيها مقصودنا هاهنا‪.‬‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬عن هُشَيْم ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عُبَيد ال بن عبد ال ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫حدثني عبد الرحمن بن عوف ؛ أن عمر بن الخطاب خطب الناس فسمعته يقول ‪ :‬أل وَإنّ أناسا (‬
‫‪ )5‬يقولون ‪ :‬ما بالُ الرجم ؟ في كتاب ال الجلدُ‪ .‬وقد َرجَم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ورَجمَنا بعده‪ .‬ولول أن يقول قائلون ‪ -‬أو يتكلم (‪ )6‬متكلمون ‪ -‬أن عمر زاد في كتاب ال ما‬
‫ليس منه (‪ )7‬لثبتها كما نزلت‪.‬‬
‫وأخرجه النسائي ‪ ،‬من حديث عُبَيْد ال بن عبد ال ‪ ،‬به (‪.)8‬‬
‫وقد روى أحمد (‪ )9‬أيضًا ‪ ،‬عن ُهشَيْم ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن ِمهْران ‪ ،‬عن ابن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حدّ من‬
‫عباس قال ‪ :‬خطب عمر بن الخطاب فذكر الرجم فقال ‪ :‬ل تُخْدَعُن (‪ )10‬عنه ؛ فإنه َ‬
‫حدود ال أل إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد رجم ورَجمَنا بعده ‪ ،‬ولول أن يقول قائلون ‪:‬‬
‫زاد عمر في كتاب ال ما ليس فيه ‪ ،‬لكتبت في ناحية من المصحف ‪ :‬وشهد عمر بن الخطاب ‪،‬‬
‫وعبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬وفلن وفلن ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد رجم ورجمنا‬
‫بعده‪ .‬أل وإنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم وبالدجال (‪ )11‬وبالشفاعة وبعذاب القبر ‪،‬‬
‫وبقوم يخرجون من النار بعدما امتُحِشُوا (‪.)12‬‬
‫وروى أحمد (‪ )13‬أيضا ‪ ،‬عن يحيى القَطّان ‪ ،‬عن يحيى النصاري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيّب ‪،‬‬
‫عن عمر بن الخطاب (‪ : )14‬إياكم أن تهَلكوا عن آية الرجم‪.‬‬
‫عمَر ‪ ،‬وقال ‪ :‬صحيح (‪.)15‬‬
‫الحديث رواه الترمذي ‪ ،‬من حديث سعيد ‪ ،‬عن ُ‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا عُبَيْد ال بن عمر القواريري ‪ ،‬حدثنا يزيد بن زُرَيْع ‪،‬‬
‫عوْن ‪ ،‬عن محمد ‪ -‬هو ابن سِيرِين ‪ -‬قال ‪ :‬نُبّئتُ عن كَثِير بن الصلت قال ‪ :‬كنا‬
‫حدثنا ابن (‪َ )16‬‬
‫عند‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬إن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬الموطأ (‪ )2/822‬وصحيح البخاري برقم (‪ )6830 ، 6829‬وصحيح مسلم برقم (‪)1691‬‬
‫وهو عندهما بهذا السياق من حديث ابن شهاب الزهري‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬ناسا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬ويتكلم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )1/29‬والنسائي في السنن الكبرى (‪.)7154‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المام أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬ل تحيد عنه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬والدجال"‪.‬‬
‫(‪ )12‬المسند (‪.)1/23‬‬
‫(‪ )13‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المام أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عمر رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )15‬المسند (‪ )1/36‬وسنن الترمذي برقم (‪.)1431‬‬
‫(‪ )16‬في ف ‪" :‬أبو"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/6‬‬

‫مروان وفينا زيد ‪ ،‬فقال زيد ‪ :‬كنا نقرأ ‪" :‬والشيخ والشيخة فارجموهما (‪ )1‬البتة"‪ .‬قال مروان ‪:‬‬
‫أل كتبتَها في المصحف ؟ قال ‪ :‬ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا أشفيكم من‬
‫ذلك‪.‬قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬فكيف ؟ قال ‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فذكر كذا وكذا ‪،‬‬
‫وذكر الرجم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أكْتِبْني آية الرجم ‪ :‬قال ‪" :‬ل أستطيع الن"‪ .‬هذا أو نحو (‪)2‬‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وقد رواه النسائي ‪ ،‬عن محمد بن المثنى ‪ ،‬عن غُ ْندَر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن يونس بن‬
‫جُبَير ‪ ،‬عن كَثِير بن الصّلْت ‪ ،‬عن زيد بن ثابت ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫وهذه طرق كلها متعددة (‪ )4‬ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلوتها ‪ ،‬وبقي حكمها‬
‫معمول به ‪ ،‬ول الحمد (‪.)5‬‬
‫وقد أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم برجم هذه المرأة ‪ ،‬وهي زوجة الرجل الذي استأجر‬
‫الجير لما زَنَت مع الجير‪ .‬ورجم النبي (‪ )6‬صلى ال عليه وسلم ماعزًا والغامِدِيّة‪ .‬وكل هؤلء‬
‫لم يُنقَل عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه جَلدهم قبل الرجم‪ .‬وإنما وردت الحاديث الصّحَاح‬
‫المتعددة الطرق واللفاظ ‪ ،‬بالقتصار على رجمهم ‪ ،‬وليس فيها ذكر الجلد ؛ ولهذا كان هذا مذهب‬
‫جمهور العلماء ‪ ،‬وإليه ذهب أبو حنيفة ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬والشافعي ‪ ،‬رحمهم ال‪ .‬وذهب المام أحمد ‪،‬‬
‫رحمه ال ‪ ،‬إلى أنه يجب أن يجمع على الزاني المحصَن بين (‪ )7‬الجلد للية والرجم للسنة ‪ ،‬كما‬
‫روي ‪ ،‬عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي ال عنه ‪ ،‬أنه لما أتي بشُرَاحة (‪ )8‬وكانت‬
‫حصَنَةٌ ‪ ،‬فجلدها يوم الخميس ‪ ،‬ورجمها يوم الجمعة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬جلدتهُا بكتاب ال ‪،‬‬
‫قد زنت وهي مُ ْ‬
‫ورجمتها بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حطّان‬
‫وقد روى المام أحمد ومسلم ‪ ،‬وأهل السنن الربعة ‪ ،‬من حديث قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن ِ‬
‫شيّ ‪ ،‬عن عبادة بن الصامت قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫(‪ )9‬بن عبد ال ال ّرقَا ِ‬
‫"خذوا عني ‪ ،‬خذوا عني ‪ ،‬قد جعل ال لهن سبيل ال ِبكْر بال ِبكْر ‪ ،‬جَلْد مائة وتغريب سنة (‪)10‬‬
‫والثيب بالثيب ‪ ،‬جلد مائة والرجم" (‪.)11‬‬
‫خ ْذكُمْ ِب ِهمَا رَ ْأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ } أي ‪ :‬في حكم ال‪ .‬ل ترجموهما وترأفوا بهما في‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تَأْ ُ‬
‫شرع ال ‪ ،‬وليس المنهي عنه (‪ )12‬الرأفة الطبيعية [أل تكون حاصلة] (‪ )13‬على ترك الحد ‪،‬‬
‫[وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد] (‪ )14‬فل (‪ )15‬يجوز ذلك‪.‬‬
‫خ ْذكُمْ ِب ِهمَا رَ ْأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ } قال ‪ :‬إقامة الحدود إذا رُفعت إلى السلطان ‪،‬‬
‫قال مجاهد ‪ { :‬وَل تَأْ ُ‬
‫فتقام ول تعطل‪ .‬وكذا رُوي عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬وعَطَاء بن أبي رَبَاح‪ .‬وقد جاء في الحديث ‪:‬‬
‫__________‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬أو نحوه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)7148‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬متعاضدة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وال أعلم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول ال"‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬بسراجة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عطاء"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬عام"‬
‫(‪ )11‬المسند (‪ )5/317‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1690‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4416‬وسنن‬
‫الترمذي برقم (‪ )1434‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )11092‬وسنن ابن ماجه برقم (‬
‫‪.)2550‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪" :‬النهي عن"‬
‫(‪ )13‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‬
‫(‪ )14‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‬
‫(‪ )15‬في ف ‪" :‬فإنه ل"‪.‬‬

‫( ‪)6/7‬‬

‫"تعافَوُا الحدود فيما بينكم ‪ ،‬فما بلغني من حَدّ فقد وَجَب" (‪ .)1‬وفي الحديث الخر ‪َ" :‬لحَدّ يقام في‬
‫الرض ‪ ،‬خير لهلها من أن يُمطَروا أربعين صباحا" (‪.)2‬‬
‫خ ْذكُمْ ِب ِهمَا رَ ْأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ } فل تقيموا الحد كما ينبغي ‪ ،‬من شدة‬
‫وقيل ‪ :‬المراد ‪ { :‬وَل تَأْ ُ‬
‫الضرب الزاجر عن المأثم ‪ ،‬وليس المراد الضرب المبرّح‪.‬‬
‫خ ْذكُمْ ِب ِهمَا رَ ْأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ } قال ‪ :‬رحمة (‪ )3‬في شدة الضرب‪.‬‬
‫قال عامر الشعبي ‪ { :‬وَل تَأْ ُ‬
‫وقال عطاء ‪ :‬ضرب ليس بالمبرّح‪ .‬وقال سعيد بن أبي عَ ُروُبة ‪ ،‬عن حماد بن أبي سليمان ‪ :‬يجلد‬
‫خ ْذكُمْ ِب ِهمَا رَ ْأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ } فقلت‬
‫(‪ )4‬القاذف وعليه ثيابه ‪ ،‬والزاني تخلع ثيابه ‪ ،‬ثم تل { وَل تَأْ ُ‬
‫‪ :‬هذا في الحكم ؟ قال ‪ :‬هذا في الحكم والجلد ‪ -‬يعني في إقامة الحد ‪ ،‬وفي شدة الضرب‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمرو بن عبد ال الوْ ِديّ (‪ )5‬حدثنا وَكيع ‪ ،‬عن نافع ‪[ ،‬عن] (‪ )6‬ابن‬
‫عمرو ‪ ،‬عن (‪ )7‬ابن أبي مُلَ ْيكَة ‪ ،‬عن عبيد ال (‪ )8‬بن عبد ال بن عمر ‪ :‬أن جارية لبن عمر‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫زنت ‪ ،‬فضرب رجليها ‪ -‬قال نافع ‪ :‬أراه قال ‪ :‬وظهرها ‪ -‬قال ‪ :‬قلت ‪ { :‬وَل تَ ْأخُ ْذ ُكمْ ِب ِهمَا رَ ْأفَةٌ‬
‫خذَتْني بها رأفة ؟ إن ال لم يأمرني أن أقتلها ‪ ،‬ول أن‬
‫فِي دِينِ اللّهِ } قال ‪ :‬يا بني ‪ ،‬ورأيتَني أ َ‬
‫أجعل جَلدها في رأسها ‪ ،‬وقد أوجعت حيث ضربت (‪.)9‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنْ كُنْ ُتمْ ُت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ } أي ‪ :‬فافعلوا ذلك ‪ :‬أقيموا الحدود على من زنى ‪،‬‬
‫وشددوا عليه الضرب ‪ ،‬ولكن ليس مبرّحا ؛ ليرتدع هو ومن يصنع مثله بذلك‪ .‬وقد جاء في‬
‫المسند عن بعض الصحابة أنه قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني لذبح الشاة وأنا أرحمها ‪ ،‬فقال ‪" :‬ولك‬
‫في ذلك أجر" (‪.)10‬‬
‫ش َهدْ عَذَا َب ُهمَا طَا ِئفَةٌ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } ‪ :‬هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جُلِدا بحضرة الناس ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلْيَ ْ‬
‫فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما ‪ ،‬وأنجع في ردعهما ‪ ،‬فإن في ذلك تقريعًا وتوبيخا وفضيحة إذا‬
‫كان الناس حضورا‪.‬‬
‫شهَدْ عَذَا َب ُهمَا طَا ِئفَةٌ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ } يعني ‪ :‬علنية‪.‬‬
‫قال الحسن البصري في قوله ‪ { :‬وَلْيَ ْ‬
‫عذَا َب ُهمَا طَا ِئفَةٌ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } الطائفة ‪:‬‬
‫شهَدْ َ‬
‫ثم قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَلْيَ ْ‬
‫الرجل فما فوقه‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬الطائفة ‪ :‬رجل إلى اللف‪ .‬وكذا قال عكرمة ؛ ولهذا قال أحمد ‪ :‬إن الطائفة تصدُق‬
‫على واحد‪.‬‬
‫وقال عطاء بن أبي رباح ‪ :‬اثنان‪ .‬وبه قال إسحاق بن رَاهَويه‪ .‬وكذا قال سعيد بن جبير ‪ { :‬طَا ِئفَةٌ‬
‫مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } قال ‪ :‬يعني ‪ :‬رجلين فصاعدا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )4376‬والنسائي في السنن (‪ )8/70‬من حديث عمرو بن‬
‫شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/362‬والنسائي في السنن (‪ )8/75‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رحمة ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬نجلد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬الزدي" وفي أ ‪" :‬الرزمي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من جـ ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وعن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬ورواه الطبري في تفسيره (‪ )18/52‬من طريق نافع ‪ ،‬عن ابن عمر فذكره‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )3/436‬من حديث قرة المزني ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/8‬‬

‫ك وَحُرّمَ ذَِلكَ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‬


‫حهَا إِلّا زَانٍ َأوْ مُشْ ِر ٌ‬
‫الزّانِي لَا يَ ْنكِحُ إِلّا زَانِ َيةً َأوْ مُشْ ِركَ ًة وَالزّانِ َيةُ لَا يَ ْنكِ ُ‬
‫(‪)3‬‬

‫وقال الزهري ‪ :‬ثلث نفر فصاعدا‪.‬‬


‫شهَدْ عَذَا َب ُهمَا طَا ِئفَةٌ مِنَ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬حدثني ابن وَهْب ‪ ،‬عن المام مالك في قوله ‪ { :‬وَلْيَ ْ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } قال ‪ :‬الطائفة ‪ :‬أربعة نفر فصاعدا ؛ لنه ل يكون شهادة في الزنى دون أربعة شهداء‬
‫فصاعدًا‪ .‬وبه قال الشافعي‪.‬‬
‫وقال ربيعة ‪ :‬خمسة‪ .‬وقال الحسن البصري ‪ :‬عشرة‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬أمر ال أن يشهد عذابهما‬
‫طائفة من المؤمنين ‪ ،‬أي ‪ :‬نفر من المسلمين ؛ ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكال‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عثمان ‪ ،‬حدثنا َبقِيّةُ قال ‪ :‬سمعت نصر بن‬
‫شهَدْ عَذَا َب ُهمَا طَا ِئفَةٌ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ } قال ‪ :‬ليس ذلك للفضيحة ‪ ،‬إنما ذلك‬
‫علقمة في قوله ‪ { :‬وَلْيَ ْ‬
‫ل تعالى لهما بالتوبة والرحمة‪.‬‬
‫ليدعى ا ُ‬
‫حهَا إِل زَانٍ َأوْ ُمشْ ِركٌ وَحُرّمَ ذَِلكَ عَلَى‬
‫{ الزّانِي ل يَ ْنكِحُ إل زَانِيَةً َأوْ ُمشْ ِركَ ًة وَالزّانِيَةُ ل يَ ْنكِ ُ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪} )3‬‬
‫هذا خَبَر من ال تعالى بأن الزاني ل يَطأ إل زانية أو مشركة‪ .‬أي ‪ :‬ل يطاوعه على مراده من‬
‫حهَا إِل زَانٍ }‬
‫الزنى إل زانية عاصية أو مشركة ‪ ،‬ل ترى حرمة ذلك ‪ ،‬وكذلك ‪ { :‬الزّانِيَةُ ل يَ ْنكِ ُ‬
‫أي ‪ :‬عاص بزناه ‪َ { ،‬أوْ ُمشْ ِركٌ } ل يعتقد تحريمه‪.‬‬
‫عمَرة ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن حبيب بن أبي َ‬
‫عنهما ‪ { :‬الزّانِي ل يَ ْنكِحُ إل زَانِيَةً َأوْ مُشْ ِر َكةً } قال ‪ :‬ليس هذا بالنكاح ‪ ،‬إنما هو الجماع ‪ ،‬ل‬
‫يزني بها إل زانٍ أو مشرك‪.‬‬
‫وهذا إسناد صحيح عنه ‪ ،‬وقد رُوي عنه من غير وجه أيضا‪ .‬وقد رُوي عن مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪،‬‬
‫وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعُ ْروَة بن الزبير ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬ومكحول ‪ ،‬ومُقَاتِل بن حَيّان ‪ ،‬وغير واحد ‪،‬‬
‫نحوُ ذلك‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَحُرّمَ ذَِلكَ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬تعاطيه والتزويج بالبغايا ‪ ،‬أو تزويج العفائف‬
‫بالفجار من الرجال‪.‬‬
‫حصَين ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْرٍ ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا قَيْس ‪ ،‬عن أبي ُ‬
‫{ وَحُرّمَ َذِلكَ عَلَى ا ْل ُمؤْمِنِينَ } قال ‪ :‬حّرم ال الزنى على المؤمنين‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬ومقاتل بن حَيّان ‪ :‬حرم ال على المؤمنين نكاح البغايا ‪ ،‬و َتقَدّم في ذلك فقال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ وَحُرّمَ َذِلكَ عَلَى ا ْل ُمؤْمِنِينَ }‬
‫خدَانٍ } [النساء ‪ ]25 :‬وقوله {‬
‫خذَاتِ أَ ْ‬
‫ت وَل مُتّ ِ‬
‫حصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَا ِفحَا ٍ‬
‫وهذه الية كقوله تعالى ‪ُ { :‬م ْ‬
‫ن وَل مُتّخِذِي َأخْدَانٍ } الية [المائدة ‪ ]5 :‬ومن هاهنا ذهب المام أحمد بن‬
‫حصِنِينَ غَيْرَ مُسَا ِفحِي َ‬
‫مُ ْ‬
‫حنبل ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬إلى أنه ل يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت‬

‫( ‪)6/9‬‬

‫كذلك حتى تستتاب ‪ ،‬فإن تابت صح العقد عليها وإل فل وكذلك ل يصح تزويج المرأة الحرة‬
‫العفيفة بالرجل الفاجر المسافح ‪ ،‬حتى يتوب توبة صحيحة ؛ لقوله تعالى ‪ { :‬وَحُرّمَ ذَِلكَ عَلَى‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ }‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عارم (‪ ، )1‬حدثنا ُمعْ َتمِر بن سليمان قال ‪ :‬قال أبي ‪ :‬حدثنا‬
‫عمْرو ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬أن رجل من‬
‫الحضرمي ‪ ،‬عن القاسم بن محمد ‪ ،‬عن عبد ال بن َ‬
‫المسلمين استأذنَ رسول ال صلى ال عليه وسلم في امرأة يقال لها ‪" :‬أم مهزول" كانت تسافح ‪،‬‬
‫وتشترط له أن تنفق عليه ‪ -‬قال ‪ :‬فاستأذن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أو ‪ :‬ذكر له أمرها‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬فقرأ عليه رسول (‪ )2‬ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬الزّانِي ل يَ ْنكِحُ إل زَانِيَةً َأوْ مُشْ ِركَةً‬
‫ك َوحُرّمَ ذَِلكَ عَلَى ا ْل ُمؤْمِنِينَ } (‪.)3‬‬
‫حهَا إِل زَانٍ َأوْ مُشْ ِر ٌ‬
‫وَالزّانِيَةُ ل يَ ْنكِ ُ‬
‫وقال النسائي ‪ :‬أخبرنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن الحضرمي ‪،‬‬
‫عن القاسم بن محمد ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬كانت امرأة يقال لها ‪" :‬أم مهزول" وكانت‬
‫تسافح ‪ ،‬فأراد رجل من أصحاب رسول (‪ )4‬ال صلى ال عليه وسلم أن يتزوجها ‪ ،‬فأنزل ال‬
‫ك وَحُرّمَ ذَِلكَ‬
‫حهَا إِل زَانٍ َأوْ مُشْ ِر ٌ‬
‫عز وجل ‪ { :‬الزّانِي ل يَ ْنكِحُ إل زَانِ َيةً َأوْ مُشْ ِركَ ًة وَالزّانِيَةُ ل يَ ْن ِك ُ‬
‫عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } (‪.)5‬‬
‫[و] (‪ )6‬قال الترمذي ‪ :‬حدثنا عبد بن حميد ‪ ،‬حدثنا روح بن عُبَادة بن عُبَيد ال بن الخنس ‪،‬‬
‫شعَيب عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬كان رجل يقال له "مَرْثَد بن أبي مرثد" وكان‬
‫أخبرني عمرو بن ُ‬
‫رجل يحمل السارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة‪ .‬قال ‪ :‬وكانت امرأةٌ بَغي (‪ )7‬بمكة يقال لها‬
‫"عَنَاق" ‪ ،‬وكانت صديقة له ‪ ،‬وأنه واعد (‪ )8‬رجل من أسارى مكة يحمله‪ .‬قال ‪ :‬فجئت حتى‬
‫انتهيتُ إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة ‪ ،‬قال ‪ :‬فجاءت "عناق" فأبصرت سواد ظلي‬
‫تحت الحائط ‪ ،‬فلما انتهت إليّ عرفتني (‪ ، )9‬فقالت ‪ :‬مَرْثَد ؟ فقلت ‪ :‬مرثد فقالت ‪ :‬مرحبًا وأهل‬
‫هلم فبت عندنا الليلة‪ .‬قال ‪ :‬فقلت (‪ )10‬يا عناق ‪ ،‬حرم ال الزنى‪ .‬فقالت (‪ )11‬يا أهل الخيام ‪،‬‬
‫هذا الرجل يحمل أسراكم‪ .‬قال ‪ :‬فتبعني ثمانية ودخلت الحَندمة (‪ )12‬فانتهيت إلى غار ‪ -‬أو كهف‬
‫فدخلت فيه (‪ )13‬فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا ‪ ،‬فظل بولهم على رأسي ‪ ،‬فأعماهم ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عني ‪ -‬قال ‪ :‬ثم رجعوا ‪ ،‬فرجعت إلى صاحبي فحملته ‪ ،‬وكان رجل ثقيل حتى انتهيت إلى‬
‫الذخَر ‪ ،‬ففككت عنه أكبُله ‪ )14( ،‬فجعلت أحمله ويعِينني ‪ ،‬حتى أتيت به (‪ )15‬المدينة ‪ ،‬فأتيت‬
‫رسولَ ال صلى ال عليه وسلم فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أنكح عناقا ؟ أنكح عناقا ؟ ‪ -‬مرتين ‪-‬‬
‫ح إل‬
‫فأمسك رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فلم يرد علي شيئا ‪ ،‬حتى نزلت { الزّانِي ل يَ ْنكِ ُ‬
‫ك َوحُرّمَ ذَِلكَ عَلَى ا ْل ُمؤْمِنِينَ } فقال رسول ال‬
‫حهَا إِل زَانٍ َأوْ مُشْ ِر ٌ‬
‫زَانِيَةً َأوْ مُشْ ِر َك ًة وَالزّانِيَةُ ل يَ ْنكِ ُ‬
‫حهَا إِل‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا مرثد ‪ { ،‬الزّانِي ل يَ ْنكِحُ إل زَانِ َيةً َأوْ مُشْ ِركَةً [وَالزّانِيَةُ ل يَ ْنكِ ُ‬
‫زَانٍ َأوْ مُشْ ِركٌ ] } (‪)16‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عارم بن الفضل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نبي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)2/159‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11359‬‬
‫(‪ )6‬زيادة في ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬تغني"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬وعد"‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عرفت"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬قلت"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬قالت"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الحديقة"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في أ ‪" :‬به"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في أ ‪" :‬أكليلة"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ف ‪" :‬قدمت"‪.‬‬
‫(‪ )16‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/10‬‬

‫فل تنكحها" ثم قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من هذا الوجه‪.‬‬
‫وقد رواه أبو داود والنسائي ‪ ،‬في كتاب النكاح من سننهما (‪ )1‬من حديث عبيد ال بن الخنس ‪،‬‬
‫به (‪.)2‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ُمسَدّد أبو الحسن ‪ ،‬حدثنا عبد الوارث ‪ ،‬عن حبيب‬
‫المعلم ‪ ،‬حدثني عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن سعيد ال َمقْبُ ِريّ ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل ينكح الزاني المجلود إل مثله"‪.‬‬
‫وهكذا أخرجه أبو داود في سننه ‪ ،‬عن مسدد وأبي معمر ‪ -‬عبد ال بن عمرو ‪ -‬كلهما ‪ ،‬عن‬
‫عبد الوارث ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد ال بن عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬عن أخيه عمر بن محمد ‪ ،‬عن عبد ال بن يسار ‪ -‬مولى ابن عمر ‪ -‬قال ‪ :‬أشهد‬
‫لسمعت سالما يقول ‪ :‬قال عبد ال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ثلثة ل يدخلون‬
‫الجنة ‪ ،‬ول ينظر ال إليهم يوم القيامة ‪ :‬العاق لوالديه ‪ ،‬والمرأة المترجلة ‪ -‬المتشبهة بالرجال ‪-‬‬
‫والديوث‪ .‬وثلثة ل ينظر ال إليهم يوم القيامة ‪ :‬العاق لوالديه ‪ ،‬ومُ ْدمِن الخمر ‪ ،‬والمنّان بما‬
‫أعطى"‪.‬‬
‫عمَر بن محمد ال ُعمَري ‪،‬‬
‫ورواه النسائي ‪ ،‬عن عمرو بن علي الفلس ‪ ،‬عن يزيد بن زُرَيع ‪ ،‬عن ُ‬
‫عن عبد ال بن يسار ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الوليد بن كثير ‪ ،‬عن َقطَن بن وهب ‪،‬‬
‫عوَيْمر بن الجدع ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن سالم بن عبد ال بن عمر قال ‪ :‬حدثني عبد ال بن‬
‫عن ُ‬
‫عمر ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ثلثة حرم ال عليهم الجنة ‪ :‬مدمن الخمر ‪،‬‬
‫والعاق ‪ ،‬والدّيّوث الذي يقر في أهله الخبث" (‪.)5‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي في مسنده ‪ :‬حدثنا شعبة ‪ ،‬حدثني رجل ‪ -‬من آل سهل بن حُنَيْف ‪، -‬‬
‫عمّار ‪ ،‬عن عمار بن ياسر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل يدخل‬
‫عن محمد بن َ‬
‫الجنة دَيّوث" (‪.)6‬‬
‫يستشهد به لما قبله من الحاديث‪.‬‬
‫سوّار ‪ ،‬حدثنا كَثِير بن سُلَيم ‪ ،‬عن‬
‫وقال ابن ماجه ‪ :‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا سَلم بن َ‬
‫الضحاك بن مُزَاحِم ‪ :‬سمعت أنس بن مالك يقول ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم [يقول]‬
‫طهّرًا ‪ ،‬فليتزوج الحرائر"‪.‬‬
‫(‪ " )7‬من أراد أن يلقى ال طاهرًا مُ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬سننيهما"‬
‫(‪ )2‬سنن الترمذي برقم (‪ )3177‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2051‬وسنن النسائي (‪.)6/66‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪.)2052‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )2/134‬وسنن النسائي (‪.)8/80‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/69‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/147‬فيه راوٍ لم يسم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬مسند الطيالسي برقم (‪.)642‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/11‬‬

‫في إسناده ضعف (‪.)1‬‬


‫حمّاد الجوهري في كتاب "الصحاح في اللغة ‪ " :‬الدّيّوث القُنذُع‬
‫قال المام أبو نصر إسماعيل بن َ‬
‫وهو الذي ل غَي َرةَ له (‪.)2‬‬
‫فأما الحديث الذي رواه المام أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب "النكاح" من (‪ )3‬سننه ‪ :‬أخبرنا‬
‫محمد بن إسماعيل بن عُلَيّة ‪ ،‬عن يزيد بن هارون ‪ ،‬عن حماد بن سلمة وغيره ‪ ،‬عن هارون ابن‬
‫رئاب ‪ ،‬عن عبد ال بن عُبَيد بن عمير ‪ -‬وعبد الكريم ‪ ،‬عن عبد ال بن عبيد بن عمير ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس ‪ -‬عبدُ الكريم رفعه إلى ابن عباس ‪ ،‬وهارون لم يرفعه ‪ -‬قال جاء رجل إلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إن عندي امرأة [هي] (‪ )4‬من أحبّ الناس إلي (‪ )5‬وهي ل تمنع يد‬
‫لمِس قال ‪" :‬طلقها"‪ .‬قال ‪ :‬ل صبر لي عنها قال ‪" :‬استمتع بها" ‪ ،‬ثم قال النسائي ‪ :‬هذا الحديث‬
‫غير ثابت ‪ ،‬وعبد الكريم ليس بالقوي ‪ ،‬وهارون أثبت منه ‪ ،‬وقد أرسل الحديث وهو ثقة ‪ ،‬وحديثه‬
‫أولى بالصواب من حديث عبد الكريم‪.)6( .‬‬
‫قلت ‪ :‬وهو ابن أبي المخارق البصري المؤدب تابعي ضعيف الحديث ‪ ،‬وقد خالفه هارون بن‬
‫رئاب ‪ ،‬وهو تابعي ثقة من رجال مسلم ‪ ،‬فحديثه المرسل أولى كما قال النسائي‪ .‬لكن قد رواه‬
‫النسائي في كتاب "الطلق" ‪ ،‬عن إسحاق بن راهويه ‪ ،‬عن النضر بن شمَُيل (‪ )7‬عن حماد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬عن هارون بن رئاب ‪ ،‬عن عبد ال بن عُبَيد بن عمير ‪ ،‬عن ابن عباس مسندا ‪ ،‬فذكره‬
‫بهذا السناد ‪ ،‬رجاله على شرط مسلم ‪ ،‬إل أن النسائي بعد روايته له قال ‪" :‬وهذا خطأ ‪،‬‬
‫والصواب مرسل" (‪ )8‬ورواه غير النضر على الصواب‪.‬‬
‫وقد رواه النسائي أيضا وأبو داود ‪ ،‬عن الحسين بن حُرَيث ‪ ،‬أخبرنا الفضل بن موسى ‪ ،‬أخبرنا‬
‫عمَارة بن أبي حفصة ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫الحسين بن واقد ‪ ،‬عن ُ‬
‫ال عليه وسلم فذكره‪ .‬وهذا إسناد جيد (‪.)9‬‬
‫ضعّف له ‪ ،‬كما تقدّم ‪ ،‬عن النسائي ‪ ،‬وكما قال المام‬
‫وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين ُم َ‬
‫أحمد ‪ :‬هو حديث منكر‪.‬‬
‫وقال ابن قتيبة ‪ :‬إنما أراد أنها سخية ل تمنع سائل‪ .‬وحكاه النسائي في سننه ‪ ،‬عن بعضهم فقال ‪:‬‬
‫وقيل ‪" :‬سخية تعطي" ‪ ،‬ورُدّ هذا بأنه لو كان المراد لقال ‪ :‬ل تَرُدّ يد ملتمس‪.‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )1862‬ووجه ضعف إسناده ؛ لن فيه كثير بن سليم ‪ ،‬وهو ضعيف ‪،‬‬
‫وسلم هو ابن سليمان بن سوار المدائني ‪ ،‬قال ابن عدي ‪" :‬عنده مناكير" وقال العقيلي ‪" :‬في‬
‫حديثه مناكير" قال ذلك البوصيري في مصباح الزجاجة (‪.)2/73‬‬
‫(‪ )2‬الصحاح (‪.)1/282‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬في‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والنسائي‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬لي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن النسائي (‪)6/67‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إسماعيل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬سنن النسائي (‪.)6/170‬‬
‫(‪ )9‬سنن النسائي (‪.)6/169‬‬

‫( ‪)6/12‬‬

‫شهَا َدةً أَبَدًا‬


‫جلْ َد ًة وَلَا َتقْبَلُوا َلهُمْ َ‬
‫شهَدَاءَ فَاجْلِدُو ُهمْ َثمَانِينَ َ‬
‫حصَنَاتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْ َبعَةِ ُ‬
‫وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ ا ْلمُ ْ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪)5‬‬
‫ك وََأصْلَحُوا فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫سقُونَ (‪ )4‬إِلّا الّذِينَ تَابُوا مِنْ َبعْدِ ذَِل َ‬
‫وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬

‫وقيل ‪ :‬المراد أن سجيتها ل تَرُدّ يد لمس ‪ ،‬ل أن المراد أن هذا واقع منها ‪ ،‬وأنها تفعل‬
‫الفاحشة ؛ فإن رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يأذن في مصاحبة من هذه صفتها‪ .‬فإن زوجها‬
‫‪ -‬والحالة هذه ‪ -‬يكون دَيّوثا ‪ ،‬وقد تقدم الوعيد على ذلك‪ .‬ولكن لما كانت سجيتها هكذا ليس فيها‬
‫ممانعة ول مخالفة لمن أرادها لو خل بها أحد ‪ ،‬أمره رسولُ صلى ال عليه وسلم بفراقها‪ .‬فلما‬
‫ذكر أنه يحبها أباح له البقاء معها ؛ لن محبته لها محققة ‪ ،‬ووقوع الفاحشة منها متوهم (‪ )1‬فل‬
‫ُيصَار إلى الضرر العاجل لتوهم الجل ‪ ،‬وال سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬فأما إذا حصلت توبة فإنه يحل التزويج ‪ ،‬كما قال المام أبو محمد بن أبي حاتم رحمه ال‬
‫‪:‬‬
‫حدثنا أبو سعيد الشَجّ ‪ ،‬حدثنا أبو خالد ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت [شعبة] (‪ - )2‬مولى‬
‫ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت ابن عباس وسأله رجل قال (‪ : )3‬إني كنت ألم‬
‫بامرأة آتي منها ما حَرّم ال عز وجل عليّ ‪ ،‬فرزق ال عز وجل من ذلك توبة ‪ ،‬فأردت أن‬
‫أتزوجها ‪ ،‬فقال أناس ‪ :‬إن الزاني ل ينكح إل زانية‪ .‬فقال ابن عباس ‪ :‬ليس هذا في هذا ‪ ،‬انكحها‬
‫فما كان من إثم فعلي‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد ادعى طائفة آخرون من العلماء أن هذه الية منسوخة ‪ ،‬قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو خالد ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن سعيد ابن المسيب‪ .‬قال ‪ :‬ذُكر‬
‫حهَا إِل زَانٍ َأوْ مُشْ ِركٌ } قال ‪ :‬كان يقال‬
‫عنده { الزّانِي ل يَ ْنكِحُ إل زَانِ َيةً َأوْ مُشْ ِركَ ًة وَالزّانِ َيةُ ل يَ ْنكِ ُ‬
‫‪ :‬نسختها [الية] (‪ )4‬التي بعدها ‪ { :‬وَأَ ْنكِحُوا اليَامَى مِ ْنكُمْ } [النور ‪ ]32 :‬قال ‪ :‬كان يقال اليامى‬
‫من المسلمين‪.‬‬
‫وهكذا رواه المام أبو عبيد القاسم بن سلم في كتاب "الناسخ والمنسوخ" له ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫المسيب‪ .‬ونص على ذلك أيضا المام أبو عبد ال محمد بن إدريس الشافعي ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫شهَا َدةً‬
‫ش َهدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ َثمَانِينَ جَ ْل َدةً وَل َتقْبَلُوا َلهُمْ َ‬
‫حصَنَاتِ ُثمّ َلمْ يَأْتُوا بِأَرْ َبعَةِ ُ‬
‫{ وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ ا ْلمُ ْ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪} )5‬‬
‫ك وََأصْلَحُوا فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫سقُونَ (‪ )4‬إِل الّذِينَ تَابُوا مِنْ َب ْعدِ ذَِل َ‬
‫أَبَدًا وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬
‫هذه الية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة ‪ ،‬وهي الحرة البالغة العفيفة ‪ ،‬فإذا كان‬
‫المقذوف رجل فكذلك يجلد قاذفه أيضًا ‪ ،‬ليس في هذا نزاع بين العلماء‪ .‬فأما إن أقام القاذف بينة‬
‫ش َهدَاءَ فَاجْلِدُو ُهمْ‬
‫على صحة ما قاله ‪ ،‬رُدّ عنه الحد ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬ثُمّ َلمْ يَأْتُوا بِأَرْ َبعَةِ ُ‬
‫سقُونَ } ‪ ،‬فأوجب على القاذف إذا لم يقم بينة‬
‫شهَا َدةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬
‫َثمَانِينَ جَ ْل َد ًة وَل َتقْبَلُوا َلهُمْ َ‬
‫على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬يتوهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/13‬‬

‫شهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ َلمِنَ‬


‫حدِهِمْ أَرْبَعُ َ‬
‫شهَا َدةُ أَ َ‬
‫سهُمْ فَ َ‬
‫شهَدَاءُ إِلّا أَ ْنفُ ُ‬
‫جهُمْ وَلَمْ َيكُنْ َلهُمْ ُ‬
‫وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ أَ ْزوَا َ‬
‫شهَدَ‬
‫سةُ أَنّ َلعْنَةَ اللّهِ عَلَ ْيهِ إِنْ كَانَ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )7‬وَيَدْرَأُ عَ ْنهَا ا ْلعَذَابَ أَنْ َت ْ‬
‫الصّا ِدقِينَ (‪ )6‬وَالْخَامِ َ‬
‫غضَبَ اللّهِ عَلَ ْيهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪)9‬‬
‫شهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ َلمِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )8‬وَا ْلخَامِسَةَ أَنّ َ‬
‫أَرْبَعَ َ‬
‫حكِيمٌ (‪)10‬‬
‫حمَتُهُ وَأَنّ اللّهَ َتوّابٌ َ‬
‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَرَ ْ‬
‫وََلوْلَا َف ْ‬

‫صحة ما قاله ثلثة أحكام ‪:‬‬


‫أحدها ‪ :‬أن يجلد ثمانين جلدة‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه (‪ )1‬ترد شهادته دائما‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الثالث ‪ :‬أن يكون فاسقًا ليس بعدل ‪ ،‬ل عند ال ول عند الناس‪.‬‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } ‪ ،‬اختلف العلماء في‬
‫ك وََأصْلَحُوا فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬إِل الّذِينَ تَابُوا مِنْ َبعْدِ ذَِل َ‬
‫هذا الستثناء ‪ :‬هل يعود إلى الجملة الخيرة فقط فترفع التوبة الفسق فقط ‪ ،‬ويبقى مردود الشهادة‬
‫دائما وإن تاب ‪ ،‬أو يعود إلى الجملتين الثانية والثالثة ؟ وأما الجلد فقد ذهب وانقضى ‪ ،‬سواء تاب‬
‫أو أصر ‪ ،‬ول حكم له بعد ذلك بل خلف ‪ -‬فذهب المام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل إلى أنه‬
‫إذا تاب قبلت شهادته ‪ ،‬وارتفع عنه حكم الفسق‪ .‬ونص عليه سعيد بن المسيب ‪ -‬سيد التابعين ‪-‬‬
‫وجماعة من السلف أيضًا‪.‬‬
‫وقال المام أبو حنيفة ‪ :‬إنما يعود الستثناء إلى الجملة الخيرة فقط ‪ ،‬فيرتفع الفسق بالتوبة ‪،‬‬
‫خ ِعيّ ‪،‬‬
‫ويبقى مردود الشهادة أبدًا‪ .‬وممن ذهب إليه من السلف القاضي ‪ -‬شُرَيح ‪ ،‬وإبراهيم النّ َ‬
‫وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬ومكحول ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (‪.)2‬‬
‫وقال الشعبي والضحاك ‪ :‬ل تقبل شهادته وإن تاب ‪ ،‬إل أن يعترف على نفسه بأنه قد قال‬
‫البهتان ‪ ،‬فحينئذ تقبل شهادته ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫شهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ َلمِنَ‬
‫حدِ ِهمْ أَرْبَعُ َ‬
‫شهَا َدةُ أَ َ‬
‫سهُمْ َف َ‬
‫ش َهدَاءُ إِل أَ ْنفُ ُ‬
‫جهُ ْم وَلَمْ َيكُنْ َلهُمْ ُ‬
‫{ وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ أَ ْزوَا َ‬
‫شهَدَ‬
‫سةُ أَنّ َلعْنَةَ اللّهِ عَلَ ْيهِ إِنْ كَانَ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )7‬وَيَدْرَأُ عَ ْنهَا ا ْلعَذَابَ أَنْ َت ْ‬
‫الصّا ِدقِينَ (‪ )6‬وَالْخَامِ َ‬
‫غضَبَ اللّهِ عَلَ ْيهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪)9‬‬
‫شهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ َلمِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )8‬وَا ْلخَامِسَةَ أَنّ َ‬
‫أَرْبَعَ َ‬
‫حكِيمٌ (‪} )10‬‬
‫حمَتُ ُه وَأَنّ اللّهَ َتوّابٌ َ‬
‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ وَرَ ْ‬
‫وََلوْل َف ْ‬
‫هذه الية الكريمة فيها فَرَج للزواج وزيادة مخرج ‪ ،‬إذا قذف أحدهم زوجته وتعسر عليه إقامة‬
‫البينة ‪ ،‬أن يلعنها ‪ ،‬كما أمر ال عز وجل (‪ )3‬وهو أن يحضرها إلى المام ‪ ،‬فيدعي عليها بما‬
‫رماها به ‪ ،‬فيحلفه الحاكم أربع شهادات بال في مقابلة أربعة شهداء ‪ { ،‬إِنّهُ َلمِنَ الصّا ِدقِينَ } أي ‪:‬‬
‫سةُ أَنّ َلعْ َنتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ } فإذا قال ذلك ‪،‬‬
‫فيما رماها به من الزنى ‪ { ،‬وَالْخَامِ َ‬
‫بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء ‪ ،‬وحرمت عليه أبدًا ‪ ،‬ويعطيها‬
‫مهرها ‪ ،‬ويتوجه عليها حد الزنى ‪ ،‬ول يدرأ عنها العذاب إل أن تلعن ‪ ،‬فتشهد أربع شهادات‬
‫ضبَ اللّهِ عَلَ ْيهَا إِنْ كَانَ مِنَ‬
‫غ َ‬
‫بال إنه لمن الكاذبين ‪ ،‬أي ‪ :‬فيما رماها به ‪ { ،‬وَالْخَامِسَةَ أَنّ َ‬
‫الصّا ِدقِينَ } ولهذا قال ‪ { :‬وَيَدْ َرأُ عَ ْنهَا ا ْلعَذَابَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬جابر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ال تعالى"‪.‬‬

‫( ‪)6/14‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضبَ اللّهِ عَلَيْها إِنْ‬
‫غ َ‬
‫ن وَا ْلخَامِسَةَ أَنّ َ‬
‫شهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ َلمِنَ ا ْلكَاذِبِي َ‬
‫شهَدَ أَرْ َبعَ َ‬
‫يعني ‪ :‬الحد ‪ { ،‬أَنْ تَ ْ‬
‫كَانَ مِنَ الصّا ِدقِينَ } فخصها بالغضب ‪ ،‬كما أن الغالب أن الرجل ل ا فضيحة أهله ورميها بالزنى‬
‫إل وهو صادق معذور ‪ ،‬وهي تعلم صدقه فيما رماها به‪ .‬ولهذا كانت الخامسة في حقها أن‬
‫غضب ال عليها‪ .‬والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه‪.‬‬
‫ثم ذكر تعالى لطفه بخلقه ‪ ،‬ورأفته بهم ‪ ،‬وشرعه (‪ )1‬لهم الفرج والمخرج من شدة ما يكون فيه‬
‫حمَُتهُ } أي ‪ :‬لحرجتم (‪ )2‬ولشق عليكم كثير من‬
‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَرَ ْ‬
‫من الضيق ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وََلوْل َف ْ‬
‫أموركم ‪ { ،‬وَأَنّ اللّهَ َتوّابٌ } [أي] (‪ : )3‬على عباده ‪ -‬وإن كان ذلك بعد الحلف واليمان المغلظة‬
‫حكِيمٌ } فيما يشرعه (‪ )4‬ويأمر به وفيما ينهى عنه‪.‬‬
‫‪َ {-‬‬
‫وقد وردت الحاديث بمقتضى العمل بهذه الية ‪ ،‬وذكر سبب نزولها ‪ ،‬وفيمن نزلت فيه من‬
‫الصحابة ‪ ،‬فقال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يزيد ‪ ،‬أخبرنا عَبّاد بن منصور ‪ ،‬عن عكْرمَة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬وَالّذِينَ‬
‫شهَا َدةً أَبَدًا } ‪،‬‬
‫ش َهدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ َثمَانِينَ جَ ْل َدةً وَل َتقْبَلُوا َلهُمْ َ‬
‫حصَنَاتِ ُثمّ َلمْ يَأْتُوا بِأَرْ َبعَةِ ُ‬
‫يَ ْرمُونَ ا ْلمُ ْ‬
‫قال سعد بن عبادة ‪ -‬وهو سيد النصار ‪ : -‬هكذا أنزلت يا رسول ال ؟ فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم" ‪ :‬يا معشر النصار أل تسمعون ما يقول سيدكم ؟" قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ل َتلُمه فإنه‬
‫رجل غيور ‪ ،‬وال ما تزوج امرأة قَطّ [إل بكرًا ‪ ،‬وما طلق امرأة له قط] (‪ )5‬فاجترأ رجل منا أن‬
‫يتزوجها ‪ ،‬من شدة غيرته‪ .‬فقال سعد ‪ :‬وال ‪ -‬يا رسول ال ‪ -‬إني لعلم أنها حق وأنها من ال ‪،‬‬
‫ولكني قد تعجَبت أني لو وجدت لَكاعًا قد َتفَخّذها رجل ‪ ،‬لم يكن لي أن أهيّجه ول أحركه حتى‬
‫آتي بأربعة شهداء ‪ ،‬فوال ل آتي بهم حتى يقضي حاجته‪ .‬قال ‪ :‬فما لبثوا إل يسيرًا حتى جاء‬
‫هلل بن أمية ‪ -‬وهو أحد الثلثة الذين تِيبَ عليهم ‪ -‬فجاء من أرضه عشاء ‪ ،‬فوجد عند أهله‬
‫رجل فرأى بعينيه ‪ ،‬وسمع بأذنيه ‪ ،‬فلم ُيهَيّجه حتى أصبح ‪ ،‬فغدا على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال إني جئت أهلي عشاء ‪ ،‬فوجدتُ عندها رجل فرأيت بعيني ‪ ،‬وسمعت‬
‫بأذني‪َ .‬فكَ ِرهَ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ما جاء به ‪ ،‬واشتدّ عليه ‪ ،‬واجتمعت النصار فقالوا‬
‫(‪ : )6‬قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة ‪ ،‬الن يضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم هللَ بن‬
‫أمية ‪ ،‬ويبْطل شهادته في المسلمين (‪ .)7‬فقال هلل ‪ :‬وال إني لرجو أن يجعل ال لي منها‬
‫مخرجًا‪ .‬وقال هلل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني قد أرى ما اشتد عليك مما (‪ )8‬جئت به ‪ ،‬وال يعلم إني‬
‫لصادق‪ .‬فوال إن رسول ال صلى ال عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه ‪ ،‬إذ أنزل ال على رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم الوحي ‪ -‬وكان إذا نزل عليه الوحي عرفوا ذلك ‪ ،‬في تَرَبّد وجهه (‪.)9‬‬
‫جهُ ْم وَلَمْ َيكُنْ َلهُمْ‬
‫يعني ‪ :‬فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي ‪ -‬فنزلت ‪ { :‬وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ أَ ْزوَا َ‬
‫حدِهِمْ } (‪ )10‬الية ‪ ،‬فَسُرّي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫شهَا َدةُ أَ َ‬
‫سهُمْ فَ َ‬
‫شهَدَاءُ إِل أَ ْنفُ ُ‬
‫ُ‬
‫‪" :‬أبشر يا هلل ‪ ،‬قد جعل ال لك فرجًا ومخرجًا"‪ .‬فقال هلل ‪ :‬قد كنت أرجو ذلك من ربي ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عز وجل‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أرسلوا إليها"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬في شرعه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬خرجتم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فيما شرعه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في هـ ‪" :‬ويبطل شهادته في الناس" والمثبت من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬فيما"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬جلده"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪( :‬فشهادة أحدهم أربع شهادات بال)‪.‬‬

‫( ‪)6/15‬‬

‫فأرسلوا إليها ‪ ،‬فجاءت ‪ ،‬فتلها رسول ال صلى ال عليه وسلم عليهما ‪ ،‬وذكرهما وأخبرهما أن‬
‫عذابَ الخرة أشدّ من عذاب الدنيا‪ .‬فقال هلل ‪ :‬وال ‪ -‬يا رسول ال ‪ -‬لقد صَدَقتُ عليها‪ .‬فقالت‬
‫‪ :‬كذب‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لعنوا بينهما"‪ .‬فقيل لهلل ‪ :‬اشهد‪ .‬فشهد أربع‬
‫شهادات بال إنه لمن الصادقين ‪ ،‬فلما كان في الخامسة قيل له ‪ :‬يا هلل ‪ ،‬اتق ال ‪ ،‬فإن عذاب‬
‫الدنيا أهونُ من عذاب الخرة ‪ ،‬وإن هذه الموجبةُ التي توجب عليك العذاب‪ .‬فقال ‪ :‬وال ل يعذبني‬
‫ال عليها ‪ ،‬كما لم يجلدني عليها‪ .‬فشهد في الخامسة أن لعنة ال عليه إن كان من الكاذبين‪ .‬ثم قيل‬
‫[لها ‪ :‬اشهدي أربع شهادات بال إنه لمن الكاذبين ‪ ،‬فلما كانت الخامسة قيل] (‪ )1‬لها ‪ :‬اتقي ال ‪،‬‬
‫فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة ‪ ،‬وإن هذه الموجبةُ التي توجب عليك العذاب‪ .‬فتلكأت‬
‫ساعة ‪ ،‬ثم قالت ‪ :‬وال ل أفضح قومي فشهدت في الخامسة أن غضب ال عليها إن كان من‬
‫الصادقين‪ .‬ففرق رسول ال صلى ال عليه وسلم بينهما ‪ ،‬وقضى أل يدعى ولدها لب ول يرمى‬
‫ولدها ‪ ،‬ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد ‪ ،‬وقضى أل [بيت لها عليه ول] (‪ )2‬قوت لها ‪ ،‬من‬
‫حمْش‬
‫أجل أنهما يتفرقان من غير طلق ‪ ،‬ول مُ َتوَفى عنها‪ .‬وقال ‪" :‬إن جاءت به أصَ ْيهِب أرَيسح َ‬
‫جمَاليّا خَدلّج الساقين سابغ الليتين ‪ ،‬فهو الذي‬
‫الساقين فهو لهلل ‪ ،‬وإن جاءت به أورق جَعدًا َ‬
‫رميت به" فجاءت به أورق جعدا جماليّا خدلج الساقين سابغ الليتين ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬لول اليمان لكان لي ولها شأن"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال عكرمة ‪ :‬فكان بعد ذلك أميرًا على مصر ‪ ،‬وكان يدعى لمه ول يدعى لب‪.‬‬
‫ورواه أبو داود عن الحسن بن عليّ ‪ ،‬عن يزيد (‪ )3‬بن هارون ‪ ،‬به نحوه مختصرًا (‪.)4‬‬
‫ولهذا الحديث شواهد كثيرة في الصحاح وغيرها من وجوه كثيرة‪ .‬فمنها ما قال البخاري ‪ :‬حدثني‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬عن ابن عباس ؛‬
‫ع ِديّ ‪ ،‬عن هشام بن حسان ‪ ،‬حدثني ِ‬
‫محمد بن بَشّار ‪ ،‬حدثنا ابن أبي َ‬
‫سحْماء ‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫أن هلل بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى ال عليه وسلم بشَرِيك بن َ‬
‫حدّ في ظهرك" فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إذا أري (‪ )6‬أحدنا‬
‫(‪ )5‬صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬البينة أو َ‬
‫على امرأته رجل ينطلقُ يلتمس البينة ؟ فجعل النبي صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬البينة وإل حدّ‬
‫في ظهرك"‪ .‬فقال هلل ‪ :‬والذي بعثك بالحق إني لصادق ‪ ،‬ولينزلن (‪ )7‬ال ما يُبرئ ظهري (‪)8‬‬
‫جهُمْ } ‪ ،‬فقرأ حتى بلغ ‪ { :‬إِنْ‬
‫من الحد‪ .‬فنزل جبريل ‪ ،‬وأنزل (‪ )9‬عليه ‪ { :‬وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ أَ ْزوَا َ‬
‫كَانَ مِنَ الصّا ِدقِينَ } فانصرف النبي صلى ال عليه وسلم فأرسل إليهما ‪ ،‬فجاء هلل فشهد ‪،‬‬
‫والنبي صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ال يشهد أن أحدكما كاذب ‪ ،‬فهل منكما تائب" ؟ ثم قامت‬
‫فشهدت ‪ ،‬فلما كانت عند الخامسة َوقّفُوها وقالوا ‪ :‬إنها مُوجبة‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬فتلكأت ونكصت‬
‫حتى ظننا أنها ترجع ‪ ،‬ثم قالت ‪ :‬ل أفضح قومي سائر اليوم‪ .‬فمضت ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه‬
‫خدَلّج الساقين ‪ ،‬فهو لشَرِيك بن‬
‫وسلم ‪" :‬أ ْبصِرُوها ‪ ،‬فإن جاءت به أكحلَ العينين ‪ ،‬سابغ الليتين ‪َ ،‬‬
‫حمَاءَ"‪ .‬فجاءت به كذلك ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لول ما مضى من كتاب ال ‪ ،‬لكان‬
‫سْ‬‫َ‬
‫لي ولها شأن"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬زيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )1/238‬وسنن أبي داود برقم (‪.)2256‬‬
‫(‪[ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رأى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬ولينزل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬ما يطهرني"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬فأنزل"‪.‬‬

‫( ‪)6/16‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫انفرد به البخاري من هذا الوجه (‪ )1‬وقد رواه من غير وجه ‪ ،‬عن ابن عباس وغيره‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن منصور الزيادي (‪ )2‬حدثنا يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا صالح ‪-‬‬
‫وهو ابن عمر ‪ -‬حدثنا عاصم ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن كُلَيْب ‪ ، -‬عن أبيه ‪ ،‬حدثني ابن عباس قال ‪ :‬جاء‬
‫رجل إلى رسول ال ‪ ،‬فرمى امرأته برجل ‪ ،‬فكره ذلك رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فلم يزل‬
‫سهُمْ ] } (‪[ )3‬فقرأ] (‬
‫شهَدَاءُ [إِل أَ ْنفُ ُ‬
‫جهُ ْم وََلمْ َيكُنْ َلهُمْ ُ‬
‫يُرَدّده حتى أنزل ال ‪ { :‬وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ أَ ْزوَا َ‬
‫‪ )4‬حتى فرغ من اليتين ‪ ،‬فأرسل إليهما فدعاهما ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن ال ‪ ،‬عَزّ وجل ‪ ،‬قد أنزل فيكما"‪.‬‬
‫فدعا الرجل فقرأ عليه ‪ ،‬فشهد أربع شهادات بال إنه لمن الصادقين‪ .‬ثم أمر به فأمسك على فيه‬
‫فوعظه ‪ ،‬فقال له ‪" :‬كل شيء أهون عليه من لعنة ال"‪ .‬ثم أرسله فقال ‪َ { :‬لعْنتَ اللّهِ عَلَ ْيهِ إِنْ كَانَ‬
‫مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ } ثم دعاها بها ‪ ،‬فقرأ عليها ‪ ،‬فشهدت أربع شهادات بال إنه لمن الكاذبين ‪ ،‬ثم أمر‬
‫بها فأمسك على فيها فوعظها ‪ ،‬وقال ‪" :‬ويحك‪ .‬كل شيء أهون من غضب ال"‪ .‬ثم أرسلها ‪،‬‬
‫ضبَ اللّهِ عَلَ ْيهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصّا ِدقِينَ } فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أما‬
‫غ َ‬
‫فقالت ‪َ { :‬‬
‫وال لقضينّ بينكما قضاء فصل"‪ .‬قال ‪ :‬فولدت ‪ ،‬فما رأيت مولودًا بالمدينة أكثر غاشية منه ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬إن جاءت به لكذا وكذا فهو كذا ‪ ،‬وإن جاءت به لكذا وكذا فهو لكذا"‪ .‬فجاءت به يشبه‬
‫الذي قُذفت به‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال ‪ :‬سمعت سعيد بن‬
‫جُبَير قال ‪ :‬سُئ ْلتُ عن المتلعنين أيفرّق بينهما ‪ -‬في إمارة ابن الزبير ؟ فما دَرَيتُ ما أقول ‪،‬‬
‫فقمت من مكاني إلى منزل ابن عمر فقلتُ ‪ :‬أبا عبد الرحمن ‪ ،‬المتلعنان أيفرق بينهما ؟ فقال ‪:‬‬
‫سبحان ال ‪ ،‬إن أول من سأل عن ذلك فلن بن فلن فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أرأيت الرجل يرى‬
‫امرأته على فاحشة فإن َتكَلّم تكلم بأمر عظيم ‪ ،‬وإن سكت سكت على مثل ذلك‪ .‬فسكت فلم يجبه ‪،‬‬
‫فلما كان بعد ذلك أتاه فقال ‪ :‬الذي سألتك عنه قد ابتُليت به‪ .‬فأنزل ال عز وجل هذه اليات (‪)5‬‬
‫ضبَ اللّهِ عَلَ ْيهَا إِنْ كَانَ مِنَ‬
‫غ َ‬
‫جهُمْ } حتى بلغ ‪ { :‬أَنّ َ‬
‫في سورة النور ‪ { :‬وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ أَ ْزوَا َ‬
‫الصّا ِدقِينَ }‪ .‬فبدأ بالرجل فوعظه وذكّره ‪ ،‬وأخبره أن عذاب الدنيا أهونُ من عذاب الخرة ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬والذي بعثك بالحق ما كَذَبْتُك‪ .‬ثم ثنى بالمرأة فوعظها و َذكّرها ‪ ،‬وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون‬
‫من عذاب الخرة ‪ ،‬فقالت ‪ :‬والذي بعثك بالحق (‪ )6‬إنه لكاذب‪ .‬قال ‪ :‬فبدأ بالرجل ‪ ،‬فشهد أربع‬
‫شهادات بال إنه لمن الصادقين ‪ ،‬والخامسة أن لعنة ال عليه إن كان من الكاذبين‪ .‬ثم ثنى بالمرأة‬
‫فشهدت أربع شهادات بال إنه لمن الكاذبين ‪ ،‬والخامسة أن غضب ال عليها إن كان من الصادقين‬
‫‪ ،‬ثم فَرّقَ بينهما‪.‬‬
‫رواه النسائي في التفسير ‪ ،‬من حديث عبد الملك بن أبي سليمان ‪ ،‬به (‪ )7‬وأخرجاه في‬
‫الصحيحين من حديث سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس (‪.)8‬‬
‫عوَانة ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن حماد ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪)4747‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الرمادي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪ .‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والذي بعثك بالحق ما كذبتك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )2/19‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11357‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )5312‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1493‬‬

‫( ‪)6/17‬‬

‫علقمة ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬كنّا جلوسًا عشية الجمعة في المسجد ‪ ،‬فقال رجل من النصار ‪ :‬أحدنا‬
‫إذا رأى مع امرأته رجل فقتله قتلتموه ‪ ،‬وإن تكلم جلدتموه ‪ ،‬وإن سكت سكت عن غيظ ؟ وال‬
‫لَئن أصبحت صالحًا لسألن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬فسأله‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫إن أحدنا إذا رأى مع امرأته رجل فقتله قتلتموه ‪ ،‬وإن تكلم جلدتموه ‪ ،‬وإن سكت سكت على‬
‫غيظ ؟ اللهم احكم‪ .‬قال ‪ :‬فأنزل آية اللعان ‪ ،‬فكان ذلك الرجل أول من ابتلي به‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم ‪ ،‬فرواه من طُرُق ‪ ،‬عن سليمان بن ِمهْران العمش ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫وقال المام أحمد أيضًا ‪ :‬حدثنا أبو كامل ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سعد ‪ ،‬حدثنا ابن شهاب ‪ ،‬عن سهل‬
‫سلْ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫ي فقال ‪َ :‬‬
‫عوَيْمر إلى عاصم بن عَ ِد ّ‬
‫بن سعد ‪ ،‬قال ‪ :‬جاء ُ‬
‫أرأيت رجل وجد رجل مع امرأته فقتله ‪ ،‬أيقتل به أم كيف يصنع ؟ فسأل عاصم رسول ال صلى‬
‫عوَيمر فقال ‪ :‬ما‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬فعابَ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم المسائل‪ .‬قال ‪ :‬فلقيه ُ‬
‫صنعْتَ ؟ قال ‪ :‬ما صنعت! إنك لم تأتني بخير ؛ سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم فعاب‬
‫عوَيمر ‪ :‬وال لتين رسول ال صلى ال عليه وسلم فَلسألنه‪ .‬فأتاه فوجده قد أنزل‬
‫المسائل فقال ُ‬
‫عوَيمر ‪ :‬لئن انطلقتُ بها يا رسول ال لقد كذبت‬
‫عليه فيهما‪ .‬قال ‪ :‬فدعا بهما فَلعَن بينهما‪ .‬قال ُ‬
‫عليها‪ .‬قال ‪ :‬ففارقها قبل أن يأمره رسول ال صلى ال عليه وسلم فصارت سنة المتلعنين ‪ ،‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أبصروها ‪ ،‬فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الليتين ‪،‬‬
‫فل أراه إل قد صدق ‪ ،‬وإن جاءت به أحيمر كأنه وَحَرَة فل أراه إل كاذبًا"‪ .‬فجاءت به على النعت‬
‫المكروه‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين وبقية الجماعة إل الترمذي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به (‪.)2‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شمَيْل ‪ ،‬حدثنا يونس‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا إسحاق بن الضيف ‪ ،‬حدثنا النضر بن ُ‬
‫بن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن زيد (‪ )3‬بن يُثَيْع ‪ ،‬عن حذيفة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم لبي بكر ‪" :‬لو رأيت مع أم رومان رجل ما كنت فاعل به ؟ قال‬
‫‪ :‬كنت وال فاعل به شرًا‪ .‬قال ‪" :‬فأنتَ يا عمر ؟"‪ .‬قال ‪ :‬كنتُ وال فاعل كنت أقول ‪ :‬لعن ال‬
‫سهُمْ }‬
‫شهَدَاءُ إِل أَ ْنفُ ُ‬
‫ج ُه ْم وَلَمْ َيكُنْ َلهُمْ ُ‬
‫العجز ‪ ،‬وإنه خبيث‪ .‬قال ‪ :‬فنزلت ‪ { :‬وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ أَ ْزوَا َ‬
‫ثم قال ‪ :‬ل نعلم أحدًا أسنده إل النّضر بن شُميْل ‪ ،‬عن يونس بن أبي إسحاق ‪ ،‬ثم رواه من حديث‬
‫الثوري عن [أبي] (‪ )4‬أبي إسحاق ‪ ،‬عن زيد بن يُثَيْع مرسل فال أعلم (‪.)5‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجَرْمي ‪ ،‬حدثنا ُمخَلّدُ بن الحسين ‪ ،‬عن هشام ‪،‬‬
‫عن ابن سيرين ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لول لعان كان في السلم أن‬
‫حمَاء قذَفه هلل بن أمية بامرأته ‪ ،‬فرفعه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫شَرِيكَ بن سَ ْ‬
‫حدّ في ظهرك" ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أربعة شهود وإل فَ َ‬
‫ال يعلم إني لصادق ‪ ،‬ولينزلن ال عليك ما يبرئ به ظهري من الجلد‪ .‬فأنزل ال آية اللعان ‪:‬‬
‫سهُمْ } إلى آخر الية‪ .‬قال ‪ :‬فدعاه النبي صلى‬
‫ش َهدَاءُ إِل أَ ْنفُ ُ‬
‫جهُ ْم وَلَمْ َيكُنْ َلهُمْ ُ‬
‫{ وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ أَ ْزوَا َ‬
‫ال عليه وسلم فقال ‪" :‬اشهد بال إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنى" فشهد بذلك أربع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/421‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1495‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )5/334‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4745‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1492‬وسنن أبي‬
‫داود برقم (‪ )2245‬وسنن النسائي (‪ )6/143‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)2066‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند البزار برقم (‪" )2237‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/74‬رجاله‬
‫ثقات"‪.‬‬

‫( ‪)6/18‬‬

‫شهادات ‪ ،‬ثم قال له في الخامسة ‪" :‬ولعنة ال عليك إن كنتَ من الكاذبين فيما رميتها به من‬
‫الزنى" ‪ ،‬ففعل‪ .‬ثم دعاها رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬قومي فاشهدي بال إنه لمن‬
‫الكاذبين فيما رماك به من الزنى"‪ .‬فشهدت بذلك أربع شهادات ‪ ،‬ثم قال لها في الخامسة ‪:‬‬
‫"وغَضب ال عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به من الزنى" ‪ ،‬فقالت ‪ :‬فلما كانت الرابعة أو‬
‫الخامسة سكتت سكتة ‪ ،‬حتى ظنوا أنها ستعترف ‪ ،‬ثم قالت ‪ :‬ل أفضح قومي سائر اليوم‪ .‬فمضت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جعْدًا‬
‫على القول ‪ ،‬ففرّق رسول ال صلى ال عليه وسلم بينهما ‪ ،‬وقال ‪" :‬انظروه ‪ ،‬فإن جاءت به َ‬
‫حمْشَ الساقين ‪ ،‬فهو لشَرِيك بن سَحْماء ‪ ،‬وإن جاءت به أبيض سبطا فَضيء (‪ )1‬العينين فهو‬
‫َ‬
‫حمْش الساقين ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لول‬
‫جعَدًا َ‬
‫لهلل بن أمية"‪ .‬فجاءت به آدَمَ َ‬
‫ما نزل فيهما من كتاب ال ‪ ،‬لكان لي ولها شأن" (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬قضي قصير"‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند أبي يعلى (‪ )5/207‬ورواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )1496‬من طريق هشام ‪ ،‬عن‬
‫محمد ‪ ،‬به‬

‫( ‪)6/19‬‬

‫سبَ‬
‫عصْ َبةٌ مِ ْنكُمْ لَا َتحْسَبُوهُ شَرّا َل ُكمْ َبلْ ُهوَ خَيْرٌ َلكُمْ ِل ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ مَا اكْتَ َ‬
‫إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِالِْإ ْفكِ ُ‬
‫عظِيمٌ (‪)11‬‬
‫مِنَ الْإِثْ ِم وَالّذِي َتوَلّى كِبْ َرهُ مِ ْنهُمْ َلهُ عَذَابٌ َ‬

‫حسَبُوهُ شَرّا َلكُمْ َبلْ ُهوَ خَيْرٌ َلكُمْ ِل ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ مَا‬
‫عصْبَةٌ مِ ْنكُمْ ل تَ ْ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِال ْفكِ ُ‬
‫سبَ مِنَ الثْ ِم وَالّذِي َتوَلّى كِبْ َرهُ مِ ْنهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (‪} )11‬‬
‫اكْتَ َ‬
‫هذه العشر اليات كلها نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬حين رماها أهل‬
‫الفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار ال تعالى (‪ )1‬لها ولنبيه‬
‫‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬فأنزل [ال عز وجل] (‪ )2‬براءتها صيانة لعرض الرسول ‪ ،‬عليه‬
‫عصْ َبةٌ } أي ‪ :‬جماعة منكم ‪ ،‬يعني ‪:‬‬
‫أفضل الصلة والسلم (‪ )3‬فقال ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِال ْفكِ ُ‬
‫ما هو واحد ول اثنان بل جماعة ‪ ،‬فكان المقدّم في هذه اللعنة (‪ )4‬عبد ال بن أبي بن سلول رأس‬
‫المنافقين ‪ ،‬فإنه كان يجمعه ويستوشيه ‪ ،‬حتى دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين ‪ ،‬فتكلموا به ‪،‬‬
‫وَجوّزه آخرون منهم ‪ ،‬وبقي المر كذلك قريبًا من شهر ‪ ،‬حتى نزل القرآن ‪ ،‬وسياق ذلك في‬
‫الحاديث الصحيحة‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري قال ‪ :‬أخبرني سعيد بن‬
‫المسَيّب ‪ ،‬وعُ ْروَة بن الزبير ‪ ،‬وعلقمة بن وقاص ‪ ،‬وعُبَيد ال بن عبد ال بن عتبة بن مسعود ‪،‬‬
‫عن حديث عائشة زوج النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حين قال لها أهل الفك ما قالوا ‪ ،‬فبرأها‬
‫ال ‪ ،‬وكلّهم قد حدثني بطائفة من حديثها ‪ ،‬وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت‬
‫اقتصاصًا ‪ ،‬وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني ‪ ،‬وبعض حديثهم يصدق بعضًا ‪:‬‬
‫ذكروا أن عائشة زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سفَرًا أقرع بين نسائه ‪ ،‬فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول ال صلى ال عليه‬
‫أراد أن يخرج َ‬
‫وسلم معه ‪ ،‬قالت عائشة ‪ :‬فأقرع بيننا في غزوة غزاها ‪ ،‬فخرج فيها سهمي ‪ ،‬وخرجت مع‬
‫حمَل في هَودَجي وأنزل فيه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وذلك بعدما أنزل الحجابُ ‪ ،‬فأنا أ ْ‬
‫مسيرنا ‪ ،‬حتى إذا فرغ رسول ال صلى ال عليه وسلم من غَزْوه وقفل ودنونا من المدينة ‪ ،‬آذن‬
‫ليلة بالرحيل ‪ ،‬فقمت حين آذنوا بالرحيل ‪ ،‬فمشيت حتى جاوزت الجيش ‪ ،‬فلما قضيت شأني أقبلت‬
‫إلى الرحل فلمست صدري ‪ ،‬فإذا عقْد من جَزْع ظَفار قد انقطع ‪ ،‬فرجعت فالتمست عقدي ‪،‬‬
‫فحَبَسني ابتغاؤه‪ .‬وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي‬
‫كنت أركب ‪ -‬وهم يحسبون أني فيه ‪ -‬قالت ‪ :‬وكان النساء إذ ذاك خفافا لم ُيهَلَ ْبهُنّ ولم يغشهن‬
‫اللحمُ ‪ ،‬إنما يأكلن العُلقْة من الطعام‪ .‬فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه ‪ ،‬وكنت‬
‫جارية حديثة السن ‪ ،‬فبعثوا الجمل وساروا ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬جل شأنه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬العصبة"‪.‬‬

‫( ‪)6/19‬‬

‫ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ‪ ،‬فجئت منازلهم وليس بها داع ول مجيب ‪ ،‬فتيممت منزلي‬
‫الذي كنت فيه ‪ ،‬وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ‪ .‬فبينا أنا جالسة في منزلي ‪ ،‬غلبتني‬
‫عيني فنمت ‪ -‬وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم ال ّذ ْكوَانَي قد عَرَس من وراء الجيش ‪ -‬فادّلج‬
‫فأصبح عند منزلي ‪ ،‬فرأى سواد إنسان نائم ‪ ،‬فأتاني فعرفني حين رآني‪ .‬وقد كان يراني قبل أن‬
‫خمّرت وجهي بجلبابي ‪ ،‬وال ما‬
‫ُيضْرَب عليّ الحجاب ‪ ،‬فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ‪ ،‬ف َ‬
‫كلمني كلمة ‪ ،‬ول سمعت منه كلمة غيرَ استرجاعه ‪ ،‬حتى أناخ راحلته ‪َ ،‬فوْطئ على يَدها فركبتُها‬
‫‪ ،‬فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا مُوغرين في نحر الظهيرة‪ .‬فهلك من هلك‬
‫في شأني ‪ ،‬وكان الذي تولى كِبْره عبد ال بن أبي بن سلول‪َ .‬فقَدمتُ المدينة فاشتكيت حين قدمنا‬
‫شهرا ‪ ،‬والناس يُفيضُون في قول أهل الفك ‪ ،‬ول أشعر بشيء من ذلك ‪ ،‬وهو يَريبني في وجعي‬
‫أني ل أعرف من رسول ال صلى ال عليه وسلم اللّطْف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ‪ ،‬إنما‬
‫يدخل رسول ال صلى ال عليه وسلم فيسلم ‪ ،‬ثم يقول ‪ " :‬كيف تِيكُم ؟" فذلك يَرِيبني ول أشعر‬
‫بالشر ‪ ،‬حتى خرجت بعدما َن ِقهْت وخَ َرجَت معي أم مِسطْح قبل المناصع ‪ -‬وهو مُتَبَرّزُنا ‪ -‬ول‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نخرج إل ليل إلى ليل ‪ ،‬وذلك قبل أن نَتّخذَ الكُنُف قريبا من بيوتنا ‪ ،‬وأمرنا أمر العرب الول في‬
‫سطَح ‪ -‬وهي ابنة أبي ُرهْم بن‬
‫التنزه ‪ ،‬وكنا نتأذى بالكُنُف أن نتخذها في بيوتنا‪ .‬فانطلقت أنا وأم م ْ‬
‫سطَح بن‬
‫المطلب بن عبد مناف ‪ ،‬وأمها ابنة صخر بن عامر ‪ ،‬خالة أبي بكر الصديق ‪ ،‬وابنها م ْ‬
‫أثاثة بن عَبّاد بن المطلب ‪ -‬فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قِ َبلَ بيتي حين فرغنا من شأننا ‪ ،‬فعثرت أم‬
‫مسْطح في مِرْطها فقالت ‪" :‬تَعس مسْطح"‪ .‬فقلت لها ‪ :‬بئسما قلت ‪ ،‬تسبين رجل [قد (‪ ] )1‬شهد (‬
‫‪ )2‬بدرا ؟ قالت ‪ :‬أي هَنْتاه ‪ ،‬ألم (‪ )3‬تسمعي ما قال ؟ قلت ‪ :‬وماذا قال ؟ فأخبرتني (‪ )4‬بقول‬
‫ت مرضًا إلى (‪ )5‬مرضي‪ .‬فلما رجعتُ إلى بيتي دخل علي رسول ال صلى‬
‫أهل الفك ‪ ،‬فازدد ُ‬
‫ال عليه وسلم فسلم ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬كيف تِيكُم ؟" قلت ‪ :‬أتأذن لي أن آتي أبويّ ؟ ‪ -‬قالت ‪ :‬وأنا حينئذ‬
‫أريد أن أتيقن الخبر من قبَلهما ‪ -‬فأذنَ لي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فجئت أبوي فقلت‬
‫لمي ‪ :‬يا أمّتاه ‪ ،‬ما يتحدث الناس ؟ فقالت ‪ :‬أيْ بُنَية (‪َ )6‬هوّني عليك ‪ ،‬فوال لقلما كانت (‪)7‬‬
‫امرأة قَطّ وضيئة ‪ ،‬عند رجل يحبها ‪ ،‬ولها ضرائر إل أكثرن عليها‪ .‬قالت ‪ :‬فقلتُ ‪ :‬سبحان ال‬
‫أوقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت ‪ :‬فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت ‪ ،‬ل يرقأ لي دمع ول أكتحل بنوم‬
‫علِيّا (‪ )8‬وأسامة بن زيد حين استلبث‬
‫‪ ،‬ثم أصبحت أبكي‪ .‬فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم َ‬
‫الوحيُ ‪ ،‬يستشيرهما في فراق أهله ‪ ،‬قالت ‪ :‬فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله ‪ ،‬وبالذي يعلم في نفسه له من الود ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫هم أهلك ‪ ،‬ول نعلم إل خيرا‪ .‬وأما علي بن أبي طالب فقال ‪ :‬لم يُضيق ال عليك ‪ ،‬والنساء سواها‬
‫كثير ‪ ،‬وإن تسأل الجارية تصدُقك الخبر‪ .‬قالت (‪ : )9‬فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بَريرة ‪ ،‬فقال ‪" :‬أيْ بَرِيرة ‪ ،‬هل رأيت من شيء يَريبك من عائشة ؟" فقالت له بريرة ‪ :‬والذي‬
‫ط أغمصُه عليها ‪ ،‬أكثر من أنها جارية حديثة السن ‪ ،‬تنام عن‬
‫بعثك بالحق إنْ رأيت عليها أمرا َق ّ‬
‫عجين أهلها ‪ ،‬فتأتي الداجن فتأكله ‪ ،‬فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم فاستعذر من عبد ال بن‬
‫أبي بن سَلُول‪ .‬قالت ‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو على المنبر ‪" :‬يا معشر المسلمين‬
‫مَنْ يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ‪ ،‬فوال ما علمت على أهلي إل خيرًا ‪ ،‬ولقد‬
‫ذكروا رجل ما علمت عليه إل خيرًا ‪ ،‬وما كان يدخل على أهلي إل معي"‪ .‬فقام سعد بن معاذ‬
‫النصاري فقال ‪ :‬أنا أعذرك منه يا رسول ال ‪ ،‬إن كان من الوس ضربنا عنقه ‪ ،‬وإن كان من‬
‫إخواننا من الخزرج ‪ ،‬أمرتنا ففعلنا أمرك‪ .‬قالت ‪ :‬فقام سعد بن عبادة ‪ -‬وهو سيد الخزرج ‪،‬‬
‫وكان رجل صالحا ‪ ،‬ولكن احتملته الحمية ‪ -‬فقال لسعد ابن معاذ ‪ :‬لعمر ال ل تقتله (‪ )10‬ول‬
‫تقدر على قتله‪ .‬فقام أُسَيد بن حُضير _ وهو ابن عم سعد بن معاذ ‪ -‬فقال لسعد بن عبادة ‪ :‬كذبت!‬
‫لعمر ال (‪ )11‬لنقتلنه ‪ ،‬فإنك منافق تجادل عن المنافقين‪ .‬فتثاور الحيان الوس والخزرج حتى‬
‫َهمّوا أن يقتتلوا ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم [قائم على المنبر‪ .‬فلم يزل رسول ال صلى ال‬
‫خفّضهم حتى سكتوا وسكت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قالت ‪ :‬وبكيت‬
‫عليه وسلم] (‪ُ )12‬ي َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يومي ذلك ‪ ،‬ل يرقأ لي دمع ‪ ،‬ول أكتحل بنوم ‪ ،‬وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي‪ .‬قالت ‪:‬‬
‫فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي ‪ ،‬استأذَنَت عليّ امرأة من النصار ‪ ،‬فأذنتُ لها ‪ ،‬فجلست‬
‫تبكي معي ‪ ،‬فبينا نحن على ذلك (‪ )13‬إذ دخل علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم فسلم ثم‬
‫جلس ‪ -‬قالت ‪ :‬ولم يجلس عندي منذ قيل [لي] (‪ )14‬ما قيل ‪ ،‬وقد لبث شهرًا ل يُوحَى إليه في‬
‫شأني شيء ‪ -‬قالت ‪ :‬فتشهد رسول ال صلى ال عليه وسلم حين جلس ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما بعد يا‬
‫عائشة ‪ ،‬فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ‪ ،‬فإن كنت بريئة فسيبرئك ال ‪ ،‬وإن كنت أ ْل َممْت بذنب‬
‫فاستغفري ال ثم توبي إليه ‪ ،‬فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب ‪ ،‬تاب ال عليه‪ .‬قالت ‪ :‬فلما‬
‫قضى رسول ال صلى ال عليه وسلم مقالته قَلَص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ‪ ،‬فقلت (‪)15‬‬
‫لبي ‪ :‬أجب عني رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقال ‪ :‬وال ما أدري ما أقول للرسول‪ .‬فقلت‬
‫لمي ‪ :‬أجيبي عني رسول ال‪.‬فقالت ‪ :‬وال ما أدري ما أقول لرسول ال‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ -‬وأنا‬
‫جارية حديثة السن ‪ ،‬ل أحفظ (‪ )16‬كثيرا من القرآن ‪[ : -‬إني] (‪ )17‬وال لقد عرفت أنكم قد‬
‫سمعتم بهذا ‪ ،‬حتى استقر (‪ )18‬في أنفسكم وصدقتم به ‪ ،‬ولَئَن (‪ )19‬قلت لكم إني بريئة ‪ -‬وال‬
‫يعلم إني بريئة ‪ -‬ل تصدقوني [بذلك‪ .‬ولئن اعترفت لكم بأمر وال عز وجل يعلم أني بريئة‬
‫جمِيلٌ‬
‫تصدقوني] (‪ ، )20‬وإني وال ما أجد لي (‪ )21‬ولكم مثل إل كما قال أبو يوسف ‪َ { :‬فصَبْرٌ َ‬
‫صفُونَ } [يوسف ‪ .]18 :‬قالت ‪ :‬ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ‪،‬‬
‫علَى مَا َت ِ‬
‫وَاللّهُ ا ْلمُسْ َتعَانُ َ‬
‫قالت ‪ :‬وأنا وال حينئذ أعلم أني بريئة ‪ ،‬وأن ال مُبَرّئي ببراءتي ‪ ،‬ولكن وال ما كنت أظن أن‬
‫ينزل في شأني وحي يتلى ‪ ،‬ولشأني كان أحقرَ في نفسي من أن يتكلم ال ِفيّ بأمر يُتلى‪ .‬ولكن‬
‫كنت أرجو أن يرى رسول ال صلى ال عليه وسلم في النوم رؤْيا يبرّئني ال بها‪ .‬قالت ‪ :‬فوال‬
‫ما رام رسول ال صلى ال عليه وسلم من مجلسه ‪ ،‬ول خرج من أهل البيت أحد ‪ ،‬حتى أنزل ال‬
‫جمَان من‬
‫على نبيه ‪ ،‬فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي ‪ ،‬حتى إنه لينحدر منه مثل ال ُ‬
‫العرق في اليوم الشاتي ‪ ،‬من ِثقَل القول الذي أنزل عليه‪ .‬قالت (‪ : )22‬فلما سُ ّريَ عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وهو يضحك ‪ ،‬كان أول كلمة تكلم بها أن قال ‪" :‬أبشري يا عائشة ‪ ،‬أما ال (‬
‫‪ )23‬فقد بَرّأك (‪ .)24‬فقالت لي أمي ‪ :‬قومي إليه‪ .‬فقلت ‪ :‬وال ل أقوم إليه ول أحمد إل ال عز‬
‫عصْبَةٌ‬
‫وجل ‪ ،‬هو الذي أنزل براءتي (‪ )25‬وأنزل ال عز وجل ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِالفْكِ ُ‬
‫مِ ْنكُمْ } عشر آيات‪ .‬فأنزل ال هذه اليات في براءتي قالت ‪ :‬فقال أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪-‬‬
‫وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره ‪ : -‬وال ل أنفق عليه شيئًا أبدا بعد الذي قال لعائشة‪.‬‬
‫سعَةِ } إلى قوله { أَل ُتحِبّونَ أَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ‬
‫ضلِ مِ ْنكُ ْم وَال ّ‬
‫فأنزل ال عز وجل ‪ { :‬وَل يَأْ َتلِ أُولُو ا ْل َف ْ‬
‫سطَح‬
‫َلكُمْ } [النور ‪ ]22 :‬فقال أبو بكر (‪ : )26‬وال إني لحب أن يغفر ال لي ‪ ،‬فَرجّع إلى مِ ْ‬
‫النفقة التي كان ينفق عليه‪ .‬وقال ‪ :‬ل أنزعها منه أبدًا‪.‬‬
‫قالت عائشة ‪ :‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم سأل زينبَ بنت جحش ‪ -‬زوجَ النبي صلى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال عليه وسلم ‪ ، -‬عن أمري ‪ :‬يا زينب ‪ ،‬ما علمت ‪ ،‬أوما رأيت [أو ما بلغك] (‪ )27‬؟ فقالت يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬أحمي سمعي وبصري ‪ ،‬وال ما علمتُ إل خيرًا‪ .‬قالت عائشة ‪ :‬وهي التي كانت‬
‫طفِقَت أختها‬
‫تُسَاميني من أزواج النبي صلى ال عليه وسلم (‪ ، )28‬فعصمها ال تعالى بالورع‪.‬و َ‬
‫حَمنة بنت جحش تحارب لها ‪ ،‬فهلكت فيمن هلك‪.‬‬
‫قال ابن شهاب ‪ :‬فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلء الرهط‪.‬‬
‫أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ‪ ،‬من حديث الزهري (‪ .)29‬وهكذا رواه ابن إسحاق ‪،‬‬
‫عن الزهري كذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬وحدثني يحيى بن عباد بن عبد ال بن الزبير ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة‪.‬‬
‫وحدثني عبد ال بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم النصاري ‪ ،‬عن عمرة ‪ ،‬عن عائشة (‬
‫‪ )30‬بنحو (‪ )31‬ما تقدم ‪ ،‬وال أعلم (‪.)32‬‬
‫ثم قال البخاري ‪ :‬وقال أبو أسامة ‪ ،‬عن هشام بن عُرْوة قال ‪ :‬أخبَرَني أبي ‪ ،‬عن عائشة رضي‬
‫ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬لما ذُكرَ من شأني الذي ذُكر وما عَلمتُ به ‪ ،‬قام رسولُ ال صلى ال عليه‬
‫ي في‬
‫ح ِمدَ ال وأثنى عليه بما هو أهله ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬أما بعد ‪ ،‬أشيروا عََل ّ‬
‫وسلم فيّ خطيبا ‪ ،‬فتشهد فَ َ‬
‫أناس أبَنُوا أهلي ‪ ،‬وَايمُ ال ما علمت على أهلي من سوء (‪ ، )33‬وأبَنُوهم بمَن وال ما علمتُ عليه‬
‫ط ‪ ،‬ول يدخل بيتي قط إل وأنا حاضر ‪ ،‬ول غبت في سفر إل غاب معي"‪ .‬فقام سعد‬
‫من سوء ق ّ‬
‫بن معاذ النصاري فقال ‪ :‬ائذن يا رسول ال أن نضرب أعناقهم ‪ ،‬فقام رجل من الخزرج ‪-‬‬
‫وكانت أمّ حسان [بن ثابت] (‪ )34‬من رهط ذلك الرجل ‪ -‬فقال ‪ :‬كذبت ‪ ،‬أما وال لو كانوا من‬
‫الوس ما أحببتَ أن تُضرب أعناقهم‪ .‬حتى كاد أن يكون بين الوس والخزرج شَ ّر في المسجد ‪،‬‬
‫وما عَلمتُ‪ .‬فلما كان مساء ذلك اليوم ‪ ،‬خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح ‪ ،‬فعَثَرتْ فقالت ‪:‬‬
‫تَعس مسطح ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أيْ أمّ ‪ ،‬أتسبين ابنك ؟ وسكتت ‪ ،‬ثم عَثَرت الثانية فقالت ‪ :‬تَعس مسطح‪.‬‬
‫فقلت لها ‪ :‬أيْ أمّ ‪ ،‬تسبين ابنك ؟ ثم عَثَرت الثالثة فقالت ‪ :‬تَعس مسْطح‪ .‬فانتهرتها فقالت ‪ :‬وال‬
‫ما أسبه إل فيك ‪ ،‬فقلت ‪ :‬في أيّ شأني ؟ قالت ‪ :‬فَ َبقَرت لي الحديث‪ .‬فقلت ‪ :‬وقد كان هذا ؟ قالت‬
‫‪ :‬نعم وال‪ .‬فرجعتُ إلى بيتي كأن الذي خرجت له ل أجد منه قليل ول كثيرًا ‪ ،‬ووُعكت ‪ ،‬وقلت‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أرسلني إلى بيت أبي‪ .‬فأرسل معي الغلم ‪ ،‬فدخلتُ الدار ‪،‬‬
‫فوجدت أم رومان في السّفل ‪ ،‬وأبا بكر فوق البيت يقرأ ‪ ،‬فقالت [لي] (‪ )35‬أمي ‪ :‬ما جاء بك يا‬
‫بنية ؟ فأخبرتها ‪ ،‬وذكرتُ لها الحديث ‪ ،‬وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني ‪[ ،‬فقالت ‪ :‬يا بنية ‪،‬‬
‫خفّضي عليك الشأن ؛ فإنه ‪ -‬وال ‪َ -‬لقَلّما كانت امرأة‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ :‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬شاهد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬أولم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وماذا قال ؟ قالت ‪ :‬فأخبرتني"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يا بنية"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬ما كانت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في المسند ‪" :‬علي بن أبي طالب"‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬لعمر وال لنقتلنه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬وال"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كذلك"‪.‬‬
‫(‪ )14‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قلت"‪.‬‬
‫(‪ )16‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل أقرأ"‪.‬‬
‫(‪ )17‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )18‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬استقرت"‪.‬‬
‫(‪ )19‬في ف ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫(‪ )20‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )21‬في ف ‪" :‬وال إني ل أجد لي"‪.‬‬
‫(‪ )22‬في ف ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )23‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وال"‪.‬‬
‫(‪ )24‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقد برأك ال"‪.‬‬
‫(‪ )25‬في أ ‪" :‬هو الذي برأني‪.‬‬
‫(‪ )26‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال أبو بكر ‪ :‬أي وال"‪.‬‬
‫(‪ )27‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )28‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )29‬المسند (‪ )6/194‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4750‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2770‬‬
‫(‪ )30‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عمرة ‪ ،‬أخبرني أبي ‪ ،‬عن عائشة"‪.‬‬
‫(‪ )31‬في ف ‪" :‬نحو"‪.‬‬
‫(‪ )32‬رواه ابن هشام في السيرة (‪ )2/297‬من طريق ابن إسحاق ‪ ،‬ورواه الحافظ ابن ديزيل في‬
‫جزئه برقم (‪ )2‬من طريق أبي أويس ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي بكر بن عمرو بن حزم النصاري ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عن عمرة ‪ ،‬عن عائشة‪.‬‬
‫(‪ )33‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما علمت على أهلي إل خيرا ‪ ،‬أو ما علمت على أهلي من سوء"‪.‬‬
‫(‪ )34‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )35‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقالت لي أمي"‪.‬‬

‫( ‪)6/20‬‬

‫حسناء ‪ ،‬عند رجل يحبها ‪ ،‬لها ضرائر إل حَسَدنها ‪ ،‬وقيل فيها وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ مني ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬وقد عَلِم به أبي ؟ قالت ‪ :‬نعم‪ .‬قلت ‪ :‬ورسولُ ال صلى ال عليه وسلم ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫ورسول ال صلى ال عليه وسلم] (‪.)1‬فاس َتعْبَ ْرتُ وبكيت ‪ ،‬فسم َع أبو بكر صوتي ‪ ،‬وهو فوق‬
‫البيت يقرأ ‪ ،‬فنزل فقال لمي ‪ :‬ما شأنها ؟ قالت ‪ :‬بلغها الذي ذُكر من شأنها‪ .‬ففاضت عيناه وقال‬
‫(‪ : )2‬أقسمت عليك ‪ -‬أيْ بُنَيّة ‪ -‬إل رجعت إلى بيتك فَرَجعتُ ‪ ،‬ولقد جاء رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بيتي ‪ ،‬فسأل عني خادمي (‪ )3‬فقالت ‪ :‬ل وال ما علمت عليها عيبا ‪ ،‬إل أنها كانت‬
‫ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خَميرها ‪ -‬أو ‪ :‬عجينها ‪ -‬وانتهرها بعض أصحابه فقال ‪ :‬اصدُقي‬
‫رَسُولَ ال صلى ال عليه وسلم حتى أسقطوا لها به ‪ ،‬فقالت ‪ :‬سبحان ال‪ .‬وال ما علمت عليها إل‬
‫ما يعلم الصائغ على تبْر الذهب الحمر‪ .‬وبلغ المر ذلك الرجلَ الذي قيل له ‪ ،‬فقال ‪ :‬سبحان ال‪.‬‬
‫وال ما َكشَفت كَنَف أنثى قط ‪ -‬قالت عائشة ‪ :‬فقتل شهيدا في سبيل ال ‪ -‬قالت ‪ :‬وأصبح أبواي‬
‫عندي ‪ ،‬فلم يزال حتى دخل علي رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد صَلّى العصر ‪ ،‬ثم دخل وقد‬
‫اكتنفَني أبواي ‪ ،‬عن يميني وعن شمالي ‪ ،‬فحمد ال وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬أما بعد يا عائشة ‪ ،‬إن‬
‫كنت قارفت سُوءًا أو ظَلَمت فتوبي إلى ال ‪ ،‬فإن ال يقبل التوبة عن عباده"‪ .‬قالت ‪ :‬وقد جاءت‬
‫امرأة من النصار ‪ ،‬فهي (‪ )4‬جالسة بالباب ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أل تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئًا ؟‬
‫فوعظ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فالتفت إلى أبي ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬أجبْه‪ .‬قال ‪ :‬فماذا أقول ؟‬
‫ت ال وأثنيت‬
‫فالتفتُ إلى أمي فقلت ‪ :‬أجيبيه‪ .‬قالت ‪ :‬أقول ماذا ؟ فلما لم يجيباه ‪َ ،‬تشّهدتُ فحمد ُ‬
‫عليه بما هو أهله ‪ ،‬ثم قلت ‪ :‬أما بعد ‪َ ،‬فوَال لَئن قلت لكم إني لم أفعل ‪ -‬وال عز وجل يشهد إني‬
‫لصادقة ‪ -‬ما ذاك بنافعي عندكم ‪ ،‬لقد تكلمتم به ‪ ،‬وأشْربته قلوبكم ‪ ،‬وإن قلت ‪ :‬إني قد فعلت ‪-‬‬
‫وال يعلم أني لم أفعل ‪ -‬لتقولُنَ ‪ :‬قد باءت به على نفسها ‪ ،‬وإني ‪ -‬وال ‪ -‬ما أجد لي ولكم مثل‬
‫جمِيلٌ وَاللّهُ ا ْلمُسْ َتعَانُ‬
‫‪ -‬والتمستُ اسم يعقوب فلم أقدر عليه ‪ -‬إل أبا يوسف حين قال ‪َ { :‬فصَبْرٌ َ‬
‫عَلَى مَا َتصِفُونَ } [يوسف ‪ ، ]18 :‬وأنزل ال على رسوله صلى ال عليه وسلم من ساعته ‪،‬‬
‫فسكتنا ‪ ،‬فَرُفع عنه وإني لتبين السرور في وجهه ‪ ،‬وهو يمسح جبينه ويقول ‪" :‬أبشري يا‬
‫عائشة ‪ ،‬فقد أنزل ال براءتك" قالت ‪ :‬وكنت (‪ )5‬أشد ما كنتُ غضبًا ‪ ،‬فقال لي أبواي ‪ :‬قومي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫[إليه] (‪ )6‬فقلت ‪ :‬ل وال ل أقوم إليه ول أحمده ول أحمدكما ‪ ،‬ولكن أحمد ال الذي أنزل براءتي‬
‫‪ ،‬لقد سمعتموه فما أنكرتموه ول غَيّرتموه ‪ ،‬وكانت عائشة تقول ‪ :‬أما زينب بنت جحش فقد‬
‫عصمها ال بدينها ‪ ،‬فلم تقل إل خيرًا‪ .‬وأما أختها حَمنة بنت جحش ‪ ،‬فهلكت فيمن هلك‪ .‬وكان‬
‫الذي يتكلم به (‪ )7‬مسطح وحسان بن ثابت‪ .‬وأما المنافق عبد ال بن أبي بن سلول فهو الذي‬
‫[كان] (‪ )8‬يستوشيه ويجمعه ‪ ،‬وهو الذي تولى كِبْرَه منهم هو وحمنة‪ .‬قالت ‪ :‬وحلف أبو بكر أل‬
‫سعَةِ } إلى آخر الية ‪،‬‬
‫ضلِ مِ ْنكُ ْم وَال ّ‬
‫ينفع مسطحًا بنافعة أبدًا ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬وَل يَأْ َتلِ أُولُو ا ْلفَ ْ‬
‫س َعةِ أَنْ ُيؤْتُوا أُولِي ا ْلقُرْبَى وَا ْلمَسَاكِينَ } يعني ‪ :‬مسطحا ‪ ،‬إلى قوله ‪ { :‬أَل‬
‫يعني ‪ :‬أبا بكر ‪ { ،‬وَال ّ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } [النور ‪ .]22 :‬فقال أبو بكر ‪ :‬بلى وال يا رَبّنا ‪ ،‬إنا‬
‫تُحِبّونَ أَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلكُ ْم وَاللّهُ َ‬
‫حبّ أن تغفر لنا وعاد له بما كان يصنع‪.‬‬
‫لنُ ِ‬
‫هكذا رواه البخاري من هذا الوجه ُمعَلّقا بصيغة الجزم (‪ )9‬عن أبي أسامة حماد بن أسامة [أحد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خادمتي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬وهي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬فكنت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري برقم (‪.)4757‬‬

‫( ‪)6/23‬‬

‫الئمة الثقات‪ .‬وقد رواه ابن جرير في تفسيره ‪ ،‬عن سفيان بن وَكيع ‪ ،‬عن أبي أسامة] (‪ )1‬به‬
‫مطول مثله أو نحوه‪ )2( .‬ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الشج ‪ ،‬عن أبي أسامة ‪ ،‬ببعضه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حَدَثنا هُشَيْم ‪ ،‬أخبرنا عمر (‪ )3‬بن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬لما نزل عُذْري من السماء ‪ ،‬جاءني النبي صلى ال عليه وسلم فأخبرني بذلك ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬نَحمدُ ال ل نَحمدك (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثني ابن أبي عَ ِديّ ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي بكر ‪ ،‬عن‬
‫عمْ َرةَ ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬لما نزل عُذْري قام رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكر ذلك ‪ ،‬وتل‬
‫َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫القرآن ‪ ،‬فلما نزل َأمَر برجلين وامرأة َفضُربوا حدهم (‪.)5‬‬
‫وأخرجه أهل السنن الربعة ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن‪ .‬ووقع عند أبي داود تسميتهم ‪:‬‬
‫حمْنة بنت جحش‪.‬‬
‫حسان بن ثابت ‪ ،‬ومِسْطح بن أثاثة ‪ ،‬و َ‬
‫فهذه طرق متعددة ‪ ،‬عن أم المؤمنين عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬في المسانيد والصحاح والسنن‬
‫وغيرها (‪.)6‬‬
‫وقد رُوي من حديث أمها أ ّم رومان ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬فقال المام أحمد ‪:‬‬
‫حصَين ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن أم رومان قالت ‪ :‬بينا‬
‫حدثنا علي بن عاصم ‪ ،‬أخبرنا ُ‬
‫أنا عند عائشة ‪ ،‬إذ دخلت عليها (‪ )7‬امرأة من النصار فقالت ‪ :‬فعل ال ‪ -‬بابنها ‪ -‬وفعل‪ .‬فقالت‬
‫عائشة ‪ :‬ولم ؟ قالت ‪ :‬إنه كان فيمن حَدّث الحديث‪ .‬قالت عائشة ‪ :‬وأي حديث ؟ قالت ‪ :‬كذا وكذا‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬وقد بلغ ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬وبلغ أبا بكر ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫فخرت عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬مغشيا عليها ‪ ،‬فما أفاقت إل وعليها حمى بنافض‪ .‬قالت ‪ :‬فقمت‬
‫فدثرتها ‪ ،‬قالت ‪ :‬وجاء النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬ما شأن هذه ؟" قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫أخذتها حمى بنافض‪ .‬قال ‪ :‬فلعله في حديث ُتحُدّث به"‪ .‬قالت ‪ :‬فاستوت له عائشة قاعدة فقالت ‪:‬‬
‫وال لئن حلفت لكم ل تصدقوني ‪ ،‬ولئن اعتذرت إليكم ل تُعذرُوني ‪ ،‬فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب‬
‫صفُونَ } [يوسف ‪ ]18 :‬قالت ‪ :‬وخرج رسول ال صلى ال عليه‬
‫وبنيه { وَاللّهُ ا ْلمُسْ َتعَانُ عَلَى مَا َت ِ‬
‫وسلم ‪ ،‬فأنزل ال عذرها ‪ ،‬فرجع رسول ال صلى ال عليه وسلم معه أبو بكر ‪[ ،‬فدخل فقال ‪" :‬يا‬
‫عائشة ‪ ،‬إن ال تعالى قد أنزل عذرك"‪ .‬فقالت ‪ :‬بحمد ال ل بحمدك‪ .‬فقال لها أبو بكر ‪ :‬تقولين‬
‫هذا لرسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ قالت ‪ :‬نعم‪ .‬قالت ‪ :‬فكان فيمن حدث هذا الحديث رجل‬
‫ضلِ مِ ْنكُمْ‬
‫كان يعوله أبو بكر] (‪ )8‬فحلف أبو بكر أل يصله ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬وَل يَأْ َتلِ أُولُو ا ْل َف ْ‬
‫سعَةِ } إلى آخر الية[النور ‪ ، ]22 :‬قال أبو بكر ‪ :‬بلى ‪ ،‬فوصله‪.‬‬
‫وَال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )18/74‬ورواه الحافظ ابن ديزيل في جزئه برقم (‪ )1‬من طريق إسماعيل‬
‫بن أبي أويس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن هشام بن عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة مثله‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)6/30‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )6/35‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4474‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3181‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم (‪ )7351‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)2567‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬وغيرهم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬علينا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫( ‪)6/24‬‬

‫حصَين (‪ )1‬وقد رواه البخاري ‪ ،‬عن موسى بن‬


‫تفرد به البخاري دون مسلم ‪ ،‬من طريق ُ‬
‫عوَانة ‪ -‬وعن محمد بن سلم ‪ ، -‬عن محمد بن فضيل ‪ ،‬كلهما عن حصين‬
‫إسماعيل ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫‪ ،‬به (‪ )2‬وفي لفظ أبي عوانة ‪ :‬حدثتني أم رومان‪ .‬وهذا صريح في سماع مسروق منها ‪ ،‬وقد‬
‫أنكر ذلك جماعة من الحفاظ ‪ ،‬منهم الخطيب البغدادي ‪ ،‬وذلك لما ذكره أهل التاريخ أنها ماتت في‬
‫زمن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال الخطيب ‪ :‬وقد كان مسروق يرسله فيقول ‪" :‬سئلت أم‬
‫رومان" ‪ ،‬ويسوقه ‪ ،‬فلعل بعضهم كتب "سُئلت" بألف ‪ ،‬فاعتقد الراوي أنها "سَألت" ‪ ،‬فظنه متصل‪.‬‬
‫قال الخطيب ‪" :‬وقد رواه البخاري كذلك ‪ ،‬ولم تظهر (‪ )3‬له علته"‪ .‬كذا قال ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫عصْبَةٌ } أي ‪ :‬جماعة منكم‬
‫فقوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِال ْفكِ } أي ‪ :‬بالكذب والبهت والفتراء ‪ُ { ،‬‬
‫‪ { ،‬ل َتحْسَبُوهُ شَرّا َل ُكمْ } أي ‪ :‬يا آل أبي بكر { َبلْ ُهوَ خَيْرٌ َلكُمْ } أي ‪ :‬في الدنيا والخرة ‪ ،‬لسان‬
‫صدق في الدنيا ورفعة منازل في الخرة ‪ ،‬وإظهار شرف لهم باعتناء ال بعائشة أم المؤمنين ‪،‬‬
‫طلُ مِنْ بَيْنِ َيدَيْ ِه وَل مِنْ خَ ْلفِهِ‬
‫حيث أنزل ال تعالى براءتها في القرآن العظيم الذي { ل يَأْتِيهِ الْبَا ِ‬
‫حمِيدٍ } [فصلت ‪ ]42 :‬ولهذا لما دخل عليها ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنه (‪)4‬‬
‫حكِيمٍ َ‬
‫تَنزيلٌ مِنْ َ‬
‫وهي في سياق الموت ‪ ،‬قال لها ‪ :‬أبشري فإنك زوجة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكان‬
‫يحبك ‪ ،‬ولم يتزوج بكرًا غيرك ‪ ،‬وأنزل (‪ )5‬براءتك من السماء (‪.)6‬‬
‫وقال ابن جرير في تفسيره ‪ :‬حدثني محمد بن عثمان الواسطي ‪ ،‬حدثنا جعفر بن عون ‪ ،‬عن‬
‫جحْش قال ‪ :‬تفاخَرَت عائش ُة وزينبُ ‪ ،‬رضي ال‬
‫المعلى بن عرفان ‪ ،‬عن محمد بن عبد ال بن َ‬
‫عنهما ‪ ،‬فقالت زينب ‪ :‬أنا التي نزل تزوّجي [من السماء] (‪ )7‬قال ‪ :‬وقالت عائشة ‪ :‬أنا التي نزل‬
‫عُذري في كتابه ‪ ،‬حين حملني ابن المعطل على الراحلة‪ .‬فقالت لها زينب ‪ :‬يا عائشة ‪ ،‬ما قلت‬
‫حين ركبتيها ؟ قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬حسبي ال ونعم الوكيل‪ .‬قالت ‪ :‬قلت كلمة المؤمنين (‪.)8‬‬
‫سبَ مِنَ الثْمِ } أي ‪ :‬لكل من تكلم في هذه القضية و َرمَى أم‬
‫وقوله ‪ِ { :‬ل ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ مَا اكْتَ َ‬
‫المؤمنين عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬بشيء من الفاحشة ‪ ،‬نصيب عظيم من العذاب‪.‬‬
‫{ وَالّذِي َتوَلّى كِبْ َرهُ } (‪ )9‬قيل ‪ :‬ابتدأ به‪ .‬وقيل ‪ :‬الذي كان يجمعه ويستوشيه ويذيعه ويشيعه ‪،‬‬
‫عظِيمٌ } أي ‪ :‬على ذلك‪.‬‬
‫{ َلهُ عَذَابٌ َ‬
‫ثم الكثرون على أن المراد بذلك إنما هو عبد ال بن أبي بن سَلُول ‪ -‬قبحه ال ولعنه ‪ -‬وهو‬
‫الذي تقدم النص عليه في الحديث ‪ ،‬وقال ذلك مجاهد وغير واحد‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل المراد به حسان بن ثابت ‪ ،‬وهو قول غريب ‪ ،‬ولول أنه وقع في صحيح البخاري ما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )6/367‬وصحيح البخاري برقم (‪.)4751‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4143‬من رواية موسى بن إسماعيل ‪ ،‬وبرقم (‪ )3388‬من رواية‬
‫محمد بن سلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬يظهر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬عنها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬ونزلت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪.)4753‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)18/70‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كبره منهم"‪.‬‬

‫( ‪)6/25‬‬

‫سهِمْ خَيْرًا َوقَالُوا هَذَا ِإ ْفكٌ مُبِينٌ (‪َ )12‬لوْلَا جَاءُوا‬


‫ن وَا ْل ُم ْؤمِنَاتُ بِأَ ْنفُ ِ‬
‫س ِمعْ ُتمُوهُ ظَنّ ا ْل ُم ْؤمِنُو َ‬
‫َلوْلَا إِذْ َ‬
‫ش َهدَاءِ فَأُولَ ِئكَ عِنْدَ اللّهِ ُهمُ ا ْلكَاذِبُونَ (‪)13‬‬
‫شهَدَاءَ فَإِذْ َلمْ يَأْتُوا بِال ّ‬
‫عَلَيْهِ بِأَرْ َبعَةِ ُ‬

‫قد يدل على ذلك لما كان ليراده كبير فائدة ‪ ،‬فإنه من الصحابة الذين كان لهم فضائل ومناقب‬
‫ومآثر ‪ ،‬وأحسن محاسنه أنه كان يَذُب عن رسول ال صلى ال عليه وسلم [بشعره] (‪ ، )1‬وهو‬
‫الذي قال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هاجهم وجبريل معك"‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي الضّحَى ‪ ،‬عن مسروق قال ‪ :‬كنتُ عندَ عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬فدخل‬
‫حسان بن ثابت ‪ ،‬فأمرت فألقي له وسادة ‪ ،‬فلما خرج قلت لعائشة ‪ :‬ما تصنعين بهذا ؟ يعني ‪:‬‬
‫يدخل عليك ‪ -‬وفي رواية قيل لها ‪ :‬أتأذنين لهذا يدخل عليك ‪ ،‬وقد قال ال ‪ { :‬وَالّذِي َتوَلّى كِبْ َرهُ‬
‫مِ ْنهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ؟ قالت ‪ :‬وأيّ عذاب أشدّ من العمى ‪ -‬وكان قد ذهب بصره ‪ -‬لعل ال أن‬
‫يجعل ذلك هو العذاب العظيم‪ .‬ثم قالت ‪ :‬إنه كان يُنافحُ عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وفي رواية أنه أنشدها عندما دخل عليها [شعرا] (‪ )2‬يمتدحها به ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حصَان رَزَانٌ ما تُزَنّ (‪ )3‬بريبة‪ ...‬و ُتصْبح غَرْثَى من لُحوم ال َغوَافل‪...‬‬
‫َ‬
‫فقالت ‪ :‬أما أنت فلست كذلك‪ .‬وفي رواية ‪ :‬لكنك لست كذلك (‪.)4‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا الحسن بن قَزْعَة ‪ ،‬حدثنا سلمة بن علقمة ‪ ،‬حدثنا داود ‪ ،‬عن عامر ‪ ،‬عن‬
‫عائشة أنها قالت ‪ :‬ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان ‪ ،‬ول تمثلت به إل رجوت له الجنة ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قوله لبي سفيان ‪ -‬يعني ابن [الحارث] (‪ )5‬بن عبد المطلب ‪: -‬‬
‫حمّدا فَأجبتُ (‪ )6‬عنه‪ ...‬وَعندَ ال في ذاك الجزاءُ‪...‬‬
‫هَجَوتَ مُ َ‬
‫حمّد منكم وقاءُ‪...‬‬
‫فَإنَ أبي وَوَالده وعِرْضي‪ ...‬لع ْرضِ ُم َ‬
‫أَتَشْ ُتمُه ‪ ،‬ولستَ لَه بكُفءٍ?‪ ...‬فَشَ ّر ُكمَا لخَيْر ُكمَا الفدَاءُ‪...‬‬
‫لِسَانِي صَارمٌ ل عَ ْيبَ فِيه‪ ...‬وَبَحْرِي ل ُتكَدّرُه الدّلءُ‪...‬‬
‫فقيل ‪ :‬يا أم المؤمنين ‪ ،‬أليس هذا لغوا ؟ قالت ‪ :‬ل إنما اللغو ما قيل عند النساء‪ .‬قيل ‪ :‬أليس ال‬
‫عظِيمٌ } ‪ ،‬قالت ‪ :‬أليس قد أصابه [عذاب] (‪ )7‬عظيم ؟‬
‫يقول { وَالّذِي َتوَلّى كِبْ َرهُ مِ ْنهُمْ َلهُ عَذَابٌ َ‬
‫[أليس] (‪ )8‬قد ذهب بصره وكُنّع بالسيف ؟ تعني ‪ :‬الضربة التي ضربه إياها (‪ )9‬صفوان بن‬
‫المعطل [السلمي] (‪ ، )10‬حين بلغه عنه أنه يتكلم في ذلك ‪ ،‬فعله بالسيف ‪ ،‬وكاد أن يقتله (‪.)11‬‬
‫سهِمْ خَيْرًا َوقَالُوا هَذَا ِإ ْفكٌ مُبِينٌ (‪َ )12‬لوْل جَاءُوا‬
‫ن وَا ْل ُم ْؤمِنَاتُ بِأَ ْنفُ ِ‬
‫س ِمعْ ُتمُوهُ ظَنّ ا ْل ُم ْؤمِنُو َ‬
‫{ َلوْل إِذْ َ‬
‫ش َهدَاءِ فَأُولَ ِئكَ عِنْدَ اللّهِ ُهمُ ا ْلكَاذِبُونَ (‪} )13‬‬
‫شهَدَاءَ فَإِذْ َلمْ يَأْتُوا بِال ّ‬
‫عَلَيْهِ بِأَرْ َبعَةِ ُ‬
‫هذا تأديب من ال للمؤمنين في قضية (‪ )12‬عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬حين أفاض بعضهم في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬ما ترن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )4146‬حدثني بشر بن خالد ‪ ،‬عن محمد بن جعفر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬وأجبت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬ضربها إياه"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬تفسير الطبري (‪.)18/69‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪" :‬قصة"‪.‬‬

‫( ‪)6/26‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫س ِمعْ ُتمُوهُ } أي ‪:‬‬
‫ذلك الكلم السيئ ‪ ،‬وما ذكر من شأن الفك ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬لوْل } بمعنى ‪ :‬هل { إِذْ َ‬
‫سهِمْ خَيْرًا } أي ‪:‬‬
‫ذلك الكلم ‪ ،‬أي ‪ :‬الذي رميت به أم المؤمنين { ظَنّ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَا ْلمُ ْؤمِنَاتُ بِأَ ْنفُ ِ‬
‫قاسوا ذلك الكلم على أنفسهم ‪ ،‬فإن كان ل يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق‬
‫الولى والحرى‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إنها نزلت في أبي أيوب خالد بن زيد النصاري وامرأته ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬كما قال‬
‫المام محمد بن إسحاق بن َيسَار ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن بعض رجال بني النجار ؛ أن أبا أيوب خالدَ بن‬
‫زيد قالت له امرأته أم أيوب ‪ :‬يا أبا أيوب ‪ ،‬أما تسمع ما يقول الناس في عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها‬
‫؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬وذلك الكذب‪ .‬أكنتِ فاعلة ذلك يا أم أيوب ؟ قالت ‪ :‬ل وال ما كنتُ لفعله‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فعائشة وال خير منك‪ .‬قال ‪ :‬فلما نزل القرآن ذكر ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬مَنْ قال في الفاحشة ما قال‬
‫عصْبَةٌ مِ ْنكُمْ } [النور ‪ ]11 :‬وذلك حسان وأصحابه ‪،‬‬
‫من أهل الفك ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِال ْفكِ ُ‬
‫س ِمعْ ُتمُوهُ ظَنّ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } (‪ )1‬الية ‪ ،‬أي ‪ :‬كما قال أبو‬
‫الذين قالوا ما قالوا ‪ ،‬ثم قال ‪َ { :‬لوْل إِذْ َ‬
‫أيوب وصاحبته (‪.)2‬‬
‫وقال محمد بن عمر الواقدي ‪ :‬حدثني ابن أبي حبيبة (‪ )3‬عن داود بن الحصين ‪ ،‬عن أبي‬
‫سفيان ‪ ،‬عن أفلح مولى أبي أيوب ‪ ،‬أن أم أيوب قالت لبي أيوب ‪ :‬أل تسمع (‪ )4‬ما يقول الناس‬
‫في عائشة ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬وذلك الكذب ‪ ،‬أفكنت يا أم أيوب [فاعلة ذلك] (‪ )5‬؟ قالت ‪ :‬ل وال‪ .‬قال‬
‫‪ :‬فعائشة وال خير منك‪ .‬فلما نزل القرآن ‪ ،‬وذكر أهل الفك ‪ ،‬قال ال عز وجل ‪َ { :‬لوْل إِذْ‬
‫سهِمْ خَيْرًا َوقَالُوا َهذَا ِإ ْفكٌ مُبِينٌ } يعني ‪ :‬أبا أيوب حين قال‬
‫س ِمعْ ُتمُوهُ ظَنّ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتُ بِأَ ْنفُ ِ‬
‫َ‬
‫لم أيوب ما قال‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬إنما قالها أبي بن كعب‪.‬‬
‫سهِمْ خَيْرًا } أي ‪ :‬هَل ظنوا الخير ‪ ،‬فإن أم المؤمنين أهله‬
‫وقوله ‪ { :‬ظَنّ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتُ بِأَ ْنفُ ِ‬
‫وأولى به ‪ ،‬هذا ما يتعلق بالباطن ‪َ { ،‬وقَالُوا } أي ‪ :‬بألسنتهم { َهذَا ِإ ْفكٌ مُبِينٌ } أي ‪ :‬كذب ظاهر‬
‫جهْرَة على‬
‫على أم المؤمنين ‪ ،‬فإن الذي وقع لم يكن ريبة ‪ ،‬وذلك أن مجيء أم المؤمنين راكبة َ‬
‫راحلة صفوان بن المعطل في وقت الظهيرة ‪ ،‬والجيش بكماله يشاهدون ذلك ‪ ،‬ورسول ال صلى‬
‫جهْرَة ‪ ،‬ول كانا‬
‫ال عليه وسلم بين أظهرهم ‪ ،‬لو كان هذا المر فيه ريبة لم يكن هكذا (‪َ )6‬‬
‫يُقدمان على مثل ذلك على رؤوس الشهاد ‪ ،‬بل كان يكون هذا ‪ -‬لو قُدر ‪ -‬خفية مستورا ‪ ،‬فتعيّن‬
‫أن ما جاء به أهل الفك مما َرمَوا به أم المؤمنين هو الكذب البحت ‪ ،‬والقول الزور ‪ ،‬والرّعُونة‬
‫الفاحشة [الفاجرة] (‪ )7‬والصفقة الخاسرة‪.‬‬
‫شهَدَاءَ } يشهدون‬
‫قال ال تعالى ‪َ { :‬لوْل } أي ‪ :‬هل { جَاءُوا عَلَيْهِ } أي ‪ :‬على ما قالوه { بِأَرْ َبعَةِ ُ‬
‫شهَدَاءِ فَأُولَ ِئكَ عِ ْندَ اللّهِ هُمُ ا ْلكَاذِبُونَ } أي ‪ :‬في حكم ال‬
‫على صحة ما جاءوا به { فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِال ّ‬
‫كَذَبَةٌ فاجرون (‪.)8‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)18/77‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حبيب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬تستمع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬فجرة"‪.‬‬

‫( ‪)6/27‬‬

‫سكُمْ فِي مَا َأ َفضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (‪ )14‬إِذْ‬


‫حمَتُهُ فِي الدّنْيَا وَالْآَخِ َرةِ َلمَ ّ‬
‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَرَ ْ‬
‫وََلوْلَا َف ْ‬
‫تََلقّوْنَهُ بَِألْسِنَ ِتكُ ْم وَ َتقُولُونَ بَِأ ْفوَا ِهكُمْ مَا لَ ْيسَ َلكُمْ ِبهِ عِلْ ٌم وَ َتحْسَبُونَهُ هَيّنًا وَ ُهوَ عِ ْندَ اللّهِ عَظِيمٌ (‪)15‬‬

‫عظِيمٌ (‪ِ )14‬إذْ‬


‫عذَابٌ َ‬
‫س ُكمْ فِي مَا َأ َفضْ ُتمْ فِيهِ َ‬
‫حمَُتهُ فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ َلمَ ّ‬
‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَرَ ْ‬
‫{ وََلوْل َف ْ‬
‫تََلقّوْنَهُ بَِألْسِنَ ِتكُ ْم وَ َتقُولُونَ بَِأ ْفوَا ِهكُمْ مَا لَ ْيسَ َلكُمْ ِبهِ عِلْ ٌم وَ َتحْسَبُونَهُ هَيّنًا وَ ُهوَ عِ ْندَ اللّهِ عَظِيمٌ (‪} )15‬‬
‫حمَتُهُ فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ } أيها الخائضون في شأن‬
‫يقول [ال] (‪ { : )1‬وََلوْل َفضْلُ اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَ َر ْ‬
‫عائشة ‪ ،‬بأن قبل توبتكم وإنابتكم إليه في الدنيا ‪ ،‬وعفا عنكم ليمانكم بالنسبة إلى الدار الخرة ‪،‬‬
‫عذَابٌ عَظِيمٌ }‪ .‬وهذا فيمن عنده إيمان رزقه‬
‫سكُمْ فِي مَا َأ َفضْتُمْ فِيهِ } ‪ ،‬من قضية الفك ‪َ { ،‬‬
‫{ َل َم ّ‬
‫حمْنةَ بنت جحش ‪ ،‬أخت زينبَ بنت جحش‪ .‬فأما من‬
‫ال بسببه التوبة إليه ‪ ،‬كمِسْطَح ‪ ،‬وحسان ‪ ،‬و َ‬
‫خاض فيه من المنافقين كعبد ال بن أبي بن سلول وأضرابه ‪ ،‬فليس أولئك مرادين في هذه الية ؛‬
‫لنه ليس عندهم من اليمان والعمل الصالح ما يعادل هذا ول ما يعارضه‪ .‬وهكذا شأن ما يرد من‬
‫عمَل صالح يوازنُه‬
‫الوعيد على فعل معين ‪ ،‬يكون مطلقًا مشروطا بعدم التوبة ‪ ،‬أو ما يقابله من َ‬
‫أو يَرجح عليه‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ِ { :‬إذْ تََل ّقوْنَهُ بِأَلْسِنَ ِتكُمْ } قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ :‬أي ‪ :‬يرويه بعضكم عن‬
‫بعض ‪ ،‬يقول هذا ‪ :‬سمعته من فلن ‪ ،‬وقال فلن كذا ‪ ،‬وذكر بعضهم كذا‪.‬‬
‫وقرأ آخرون " ِإذْ تَلقُونَه بِأَلْسِنَ ِتكُمْ "‪ .‬وفي صحيح البخاري عن عائشة ‪ :‬أنها كانت تقرؤها كذلك (‬
‫ن وَلَق القول‪ .‬يعني ‪ :‬الكذب الذي يستمر صاحبه عليه (‪ ، )3‬تقول العرب ‪:‬‬
‫‪ )2‬وتقول ‪ :‬هو مِ ْ‬
‫وَلَق فلن في السير ‪ :‬إذا استمر فيه (‪ ، )4‬والقراءة الولى أشهر ‪ ،‬وعليها الجمهور ‪ ،‬ولكن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الثانية مَرْويّة عن أم المؤمنين عائشة‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدّثنا أبو سعيد الشَجّ ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن نافع بن عمر (‪ ، )5‬عن ابن‬
‫أبي مليكة ‪[ ،‬عن عائشة أنها كانت تقرأ ‪ " :‬إِذْ تَلقُونَه " وتقول ‪ :‬إنما هو وَلَق القول ‪ -‬والوَلَق ‪:‬‬
‫الكذب‪ .‬قال ابن أبي مليكة (‪ : ] )6‬هي أعلم به من غيرها‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َتقُولُونَ بَِأ ْفوَا ِهكُمْ مَا لَ ْيسَ َلكُمْ ِبهِ عِلْمٌ } أي ‪ :‬تقولون ما ل تعلمون‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَ َتحْسَبُونَهُ هَيّنًا وَ ُهوَ عِ ْندَ اللّهِ عَظِيمٌ } أي ‪ :‬تقولون ما تقولون في شأن أم‬
‫المؤمنين ‪ ،‬وتحسبون ذلك يسيرا [سهل] (‪ )7‬ولو لم تكن زوجة النبي صلى ال عليه وسلم لما كان‬
‫هَيّنا ‪ ،‬فكيف وهي زوجة النبي المي ‪ ،‬خاتم النبياء وسيد المرسلين ‪ ،‬فعظيم عند ال أن يقال في‬
‫زوجة رسوله ما قيل! ال يغار لهذا ‪ ،‬وهو سبحانه وتعالى ‪ ،‬ل ُيقَدّر على زوجة نبي من أنبيائه‬
‫ذلك ‪ ،‬حاشا وكَل ولما [لم يكن ذلك] (‪ )8‬فكيف يكون هذا في سيدة نساء النبياء ‪ ،‬وزوجة سيد‬
‫ولد آدم على الطلق في الدنيا والخرة ؟! ولهذا قال تعالى { وَتَحْسَبُونَهُ هَيّنًا وَ ُهوَ عِ ْندَ اللّهِ عَظِيمٌ‬
‫} ‪ ،‬وفي الصحيحين ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4752 ، 4144‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4144‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نافع ‪ ،‬عن ابن عمر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/28‬‬

‫ظكُمَ اللّهُ أَنْ‬


‫عظِيمٌ (‪َ )16‬ي ِع ُ‬
‫س ِمعْ ُتمُوهُ قُلْتُمْ مَا َيكُونُ لَنَا أَنْ نَ َتكَلّمَ ِبهَذَا سُبْحَا َنكَ َهذَا ُبهْتَانٌ َ‬
‫وََلوْلَا ِإذْ َ‬
‫حكِيمٌ (‪ )18‬إِنّ الّذِينَ‬
‫ت وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫َتعُودُوا ِلمِثْلِهِ أَ َبدًا إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )17‬وَيُبَيّنُ اللّهُ َل ُكمُ الْآَيَا ِ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدّنْيَا وَالْآَخِ َر ِة وَاللّهُ َيعَْل ُم وَأَنْتُمْ لَا‬
‫حشَةُ فِي الّذِينَ َآمَنُوا َلهُمْ َ‬
‫يُحِبّونَ أَنْ َتشِيعَ ا ْلفَا ِ‬
‫َتعَْلمُونَ (‪)19‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سَخَط ال ‪ ،‬ل يدري ما تَبْلُغ ‪ ،‬يهوي بها في النار أ ْبعَد ما بين السماء‬
‫والرض" وفي رواية ‪" :‬ل يلقي لها بال" (‪.)1‬‬
‫ظكُمُ اللّهُ أَنْ‬
‫عظِيمٌ (‪َ )16‬ي ِع ُ‬
‫س ِمعْ ُتمُوهُ قُلْتُمْ مَا َيكُونُ لَنَا أَنْ نَ َتكَلّمَ ِبهَذَا سُبْحَا َنكَ هَذَا ُبهْتَانٌ َ‬
‫{ وََلوْل إِذْ َ‬
‫حكِيمٌ (‪} )18‬‬
‫َتعُودُوا ِلمِثْلِهِ أَ َبدًا إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )17‬وَيُبَيّنُ اللّهُ َل ُكمُ اليَاتِ وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫هذا تأديب آخر بعد الول ‪ :‬المر بالظن خيرا أي ‪ :‬إذا ذكر ما ل يليق من القول في شأن الخيرة‬
‫(‪ )2‬فأولى ينبغي الظن بهم خيرا ‪ ،‬وأل يشعر نفسه سوى ذلك ‪ ،‬ثم إن عَلِق بنفسه شيء من ذلك‬
‫‪ -‬وسوسةً أو خيال ‪ -‬فل ينبغي أن يتكلم به ‪ ،‬فإن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن ال‬
‫تجاوز لمتي عما حدّثت به أنفسها (‪ )3‬ما لم تقل أو تعمل" أخرجاه في الصحيحين (‪.)4‬‬
‫س ِمعْ ُتمُوهُ قُلْتُمْ مَا َيكُونُ لَنَا أَنْ نَ َتكَلّمَ ِبهَذَا } أي ‪ :‬ما ينبغي لنا أن نتفوه‬
‫وقال ال تعالى ‪ { :‬وَلَوْل إِذْ َ‬
‫عظِيمٌ } أي ‪ :‬سبحان ال أن يقال هذا الكلم على‬
‫بهذا الكلم ول نذكره لحد { سُ ْبحَا َنكَ هَذَا ُبهْتَانٌ َ‬
‫(‪ )5‬زوجة [نبيه و] (‪ )6‬رسوله وحليلة خليله‪.‬‬
‫ظكُمُ اللّهُ أَنْ َتعُودُوا ِلمِثْلِهِ أَبَدًا } أي ‪ :‬ينهاكم ال متوعّدًا أن يقع منكم ما يشبه‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬ي ِع ُ‬
‫هذا أبدًا ‪ ،‬أي ‪ :‬فيما يستقبل‪ .‬فلهذا قال ‪ { :‬إِنْ كُنْ ُتمْ ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬إن كنتم تؤمنون بال وشرعه ‪،‬‬
‫وتعظمون رسوله صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأما من كان متصفا بالكفر فذاك له حكم آخر‪.‬‬
‫حكَمَ القَدَريّة ‪ { ،‬وَاللّهُ‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَيُبَيّنُ اللّهُ َل ُكمُ اليَاتِ } أي ‪ :‬يوضح لكم الحكام الشرعية وال ِ‬
‫حكِيمٌ } أي ‪ :‬عليم بما يصلح عباده ‪ ،‬حكيم في شَرْعه وقَدَره‪.‬‬
‫عَلِيمٌ َ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ ُيحِبّونَ أَنْ تَشِيعَ ا ْلفَاحِشَةُ فِي الّذِينَ آمَنُوا َل ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدّنْيَا وَالخِ َر ِة وَاللّهُ َيعْلَمُ‬
‫وَأَنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ (‪} )19‬‬
‫وهذا تأديب ثالث لمن سمع شيئا من الكلم السيئ ‪ ،‬فقام بذهنه منه شيء ‪ ،‬وتكلم به ‪ ،‬فل يكثر‬
‫شةُ فِي الّذِينَ آمَنُوا }‬
‫منه ويشيعه ويذيعه ‪ ،‬فقد قال تعالى (‪ { : )7‬إِنّ الّذِينَ ُيحِبّونَ أَنْ تَشِيعَ ا ْلفَاحِ َ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدّنْيَا } أي ‪ :‬بالحد ‪ ،‬وفي الخرة‬
‫أي ‪ :‬يختارون ظهور الكلم عنهم بالقبيح ‪َ { ،‬لهُمْ َ‬
‫بالعذاب ‪ { ،‬وَاللّهُ َيعْلَمُ وَأَنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ } أي ‪ :‬فردوا المور إليه تَ ْرشُدُوا‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن بكر ‪ ،‬حدثنا ميمون بن أبي محمد المَرَئيّ ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫عَبّاد المخزومي ‪ ،‬عن َثوْبَان ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل تُؤذوا عِبا َد ال ول‬
‫تُعيّروهم ‪ ،‬ول تطلبوا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )6478‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2988‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الحرة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬نفسها"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )5269‬وصحيح مسلم برقم (‪ )127‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ال تعالى"‪.‬‬

‫( ‪)6/29‬‬

‫حمَتُهُ وَأَنّ اللّهَ َرءُوفٌ َرحِيمٌ (‪)20‬‬


‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَرَ ْ‬
‫وََلوْلَا َف ْ‬

‫عوراتهم ‪ ،‬فإنه من طلب عورة أخيه المسلم ‪ ،‬طلب ال عورته ‪ ،‬حتى يفضحه في بيته" (‪.)1‬‬
‫حمَُت ُه وَأَنّ اللّهَ َرءُوفٌ َرحِيمٌ (‪} )20‬‬
‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَرَ ْ‬
‫{ وََلوْل َف ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)5/279‬‬

‫( ‪)6/30‬‬

‫طوَاتِ الشّيْطَانِ فَإِنّهُ يَ ْأمُرُ بِا ْلفَحْشَاءِ‬


‫خُ‬‫طوَاتِ الشّيْطَانِ َومَنْ يَتّ ِبعْ ُ‬
‫خُ‬‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا لَا تَتّ ِبعُوا ُ‬
‫حدٍ أَبَدًا وََلكِنّ اللّهَ يُ َزكّي مَنْ يَشَا ُء وَاللّهُ‬
‫حمَتُهُ مَا َزكَا مِ ْنكُمْ مِنْ أَ َ‬
‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْي ُك ْم وَرَ ْ‬
‫وَا ْلمُ ْنكَرِ وََلوْلَا َف ْ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‪)21‬‬
‫َ‬

‫طوَاتِ الشّيْطَانِ فَإِنّهُ يَ ْأمُرُ بِا ْلفَحْشَاءِ‬


‫خُ‬‫ن َومَنْ يَتّ ِبعْ ُ‬
‫طوَاتِ الشّ ْيطَا ِ‬
‫خُ‬‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّ ِبعُوا ُ‬
‫حمَُتهُ مَا َزكَا مِ ْنكُمْ مِنْ َأحَدٍ أَ َبدًا وََلكِنّ اللّهَ يُ َزكّي مَنْ يَشَا ُء وَاللّهُ‬
‫وَا ْلمُ ْنكَرِ وََلوْل َفضْلُ اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَرَ ْ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‪} )21‬‬
‫َ‬
‫حمَتُ ُه وَأَنّ اللّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي ‪ :‬لول هذا لكان أمر‬
‫علَ ْيكُ ْم وَرَ ْ‬
‫ضلُ اللّهِ َ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وََلوْل َف ْ‬
‫آخر ‪ ،‬ولكنه تعالى رؤوف بعباده ‪ ،‬رحيم بهم‪ .‬فتاب على من تاب إليه من هذه [القضية] (‪)1‬‬
‫طهّر منهم بالحد الذي أقيم عليه‪.‬‬
‫طهّر من َ‬
‫وَ‬
‫طوَاتِ الشّ ْيطَانِ } يعني ‪ :‬طرائقه ومسالكه وما يأمر به ‪،‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّ ِبعُوا خُ ُ‬
‫طوَاتِ الشّ ْيطَانِ فَإِنّهُ يَ ْأمُرُ بِا ْلفَحْشَا ِء وَا ْلمُ ْنكَرِ } ‪ :‬هذا تنفير وتحذير من ذلك ‪ ،‬بأفصح‬
‫{ َومَنْ يَتّبِعْ خُ ُ‬
‫العبارة وأوجزها وأبلغها وأحسنها‪.‬‬
‫طوَاتِ الشّ ْيطَانِ } ‪ :‬عمله‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬نزغاته‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬خُ ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كل معصية فهي من خطوات الشيطان‪ .‬وقال أبو مِجْلَز ‪ :‬النذور في المعاصي من‬
‫خطوات الشيطان‪.‬‬
‫وقال مسروق ‪ :‬سأل رجل ابن مسعود فقال ‪ :‬إني حرمت أن آكل طعامًا ؟ فقال ‪ :‬هذا من نزعات‬
‫الشيطان ‪َ ،‬كفّر عن يمينك ‪ ،‬وكُل‪.‬‬
‫وقال الشعبي في رجل َنذَر ذَبْح ولده ‪ :‬هذا من نزغات الشيطان ‪ ،‬وأفتاه أن يذبح كبشًا‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا حسان بن عبد ال المصري ‪ ،‬حدثنا السريّ بن يحيى ‪،‬‬
‫عن سليمان التيمي ‪ ،‬عن أبي رافع قال ‪ :‬غضبت عليّ امرأتي فقالت ‪ :‬هي يومًا يهودية ‪ ،‬ويومًا‬
‫نصرانية ‪ ،‬وكل مملوك لها حر ‪ ،‬إن لم تطلق امرأتك‪ .‬فأتيت عبد ال بن عمر فقال ‪ :‬إنما هذه من‬
‫نزغات الشيطان‪ .‬وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة ‪ ،‬وهي يومئذ أفقه امرأة بالمدينة ‪ ،‬وأتيت‬
‫عاصم بن عمر ‪ ،‬فقال مثل ذلك‪.‬‬
‫حمَُتهُ مَا َزكَا مِ ْنكُمْ مِنْ َأحَدٍ أَ َبدًا } أي ‪ :‬لول هو يرزق‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وََلوْل َفضْلُ اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَرَ ْ‬
‫من يشاء التوبة والرجوع إليه ‪ ،‬ويزكي النفوس من شركها وفجورها ودسها وما فيها من أخلق‬
‫رديئة ‪ ،‬كل بحسبه ‪ ،‬لما حصل أحد لنفسه زكاة ول خيرا { وََلكِنّ اللّهَ يُ َزكّي مَنْ َيشَاءُ } أي ‪ :‬من‬
‫خلقه ‪ ،‬ويضل من يشاء ويرديه في مهالك الضلل والغي‪.‬‬
‫سمِيعٌ } أي ‪ :‬سميع لقوال عباده (‪ { )2‬عليم } بهم ‪ ،‬مَنْ يستحق منهم الهدى‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ َ‬
‫والضلل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬العباد"‪.‬‬

‫( ‪)6/30‬‬

‫ن وَا ْل ُمهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ‬


‫سعَةِ أَنْ ُيؤْتُوا أُولِي ا ْلقُرْبَى وَا ْلمَسَاكِي َ‬
‫ضلِ مِ ْنكُمْ وَال ّ‬
‫وَلَا يَأْ َتلِ أُولُو ا ْل َف ْ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )22‬إِنّ الّذِينَ يَ ْرمُونَ‬
‫وَلْ َيعْفُوا وَلْ َيصْفَحُوا أَلَا ُتحِبّونَ أَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َل ُك ْم وَاللّهُ َ‬
‫شهَدُ عَلَ ْي ِهمْ‬
‫عظِيمٌ (‪َ )23‬يوْمَ تَ ْ‬
‫حصَنَاتِ ا ْلغَافِلَاتِ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ُلعِنُوا فِي الدّنْيَا وَالَْآخِ َرةِ وََلهُمْ عَذَابٌ َ‬
‫ا ْلمُ ْ‬
‫ق وَ َيعَْلمُونَ أَنّ اللّهَ‬
‫جُلهُمْ ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪َ )24‬ي ْومَئِذٍ ُي َوفّيهِمُ اللّهُ دِي َنهُمُ ا ْلحَ ّ‬
‫أَلْسِنَ ُتهُمْ وَأَيْدِيهِ ْم وَأَرْ ُ‬
‫حقّ ا ْلمُبِينُ (‪)25‬‬
‫ُهوَ الْ َ‬

‫ن وَا ْل ُمهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ‬


‫سعَةِ أَنْ ُيؤْتُوا أُولِي ا ْلقُرْبَى وَا ْلمَسَاكِي َ‬
‫ضلِ مِ ْن ُك ْم وَال ّ‬
‫{ وَل يَأْ َتلِ أُولُو ا ْل َف ْ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪} )22‬‬
‫وَلْ َيعْفُوا وَلْ َيصْفَحُوا أَل تُحِبّونَ أَنْ َيغْفِرَ اللّهُ َلكُ ْم وَاللّهُ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وَل يَأْ َتلِ } من الليّة ‪[ ،‬وهي ‪ :‬الحلف] (‪ )1‬أي ‪ :‬ل يحلف { أُولُو ا ْل َفضْلِ مِ ْنكُمْ }‬
‫ج َدةَ { أَنْ ُيؤْتُوا أُولِي ا ْلقُرْبَى وَا ْلمَسَاكِينَ‬
‫سعَة } أي ‪ :‬ال ِ‬
‫أي ‪ :‬الطّول والصدقة والحسان { وَال ّ‬
‫وَا ْل ُمهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ } أي ‪ :‬ل تحلفوا أل تصلوا قراباتكم المساكين والمهاجرين‪ .‬وهذه (‪)2‬‬
‫صفَحُوا } أي ‪ :‬عما تقدم‬
‫في غاية الترفق والعطف على صلة الرحام ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَلْ َي ْعفُوا وَلْ َي ْ‬
‫منهم من الساءة والذى ‪ ،‬وهذا من حلمه تعالى وكرمه ولطفه بخلقه مع ظلمهم لنفسهم‪.‬‬
‫وهذه الية نزلت في الصدّيق ‪ ،‬حين حلف أل ينفع مِسْطَح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما‬
‫قال ‪ ،‬كما تقدم في الحديث‪ .‬فلما أنزل ال براءةَ أم المؤمنين عائشة ‪ ،‬وطابت النفوس المؤمنة‬
‫واستقرت ‪ ،‬وتاب ال على مَن كان تكلم من المؤمنين في ذلك ‪ ،‬وأقيم الحد على مَن أقيم عليه (‪)3‬‬
‫‪ -‬شَرَع تبارك وتعالى ‪ ،‬وله الفضل والمنة ‪ ،‬يعطفُ الصدّيق على قريبه ونسيبه ‪ ،‬وهو مِسْطَح‬
‫بن أثاثة ‪ ،‬فإنه كان ابن خالة الصديق ‪ ،‬وكان مسكينًا ل مال له إل ما ينفق عليه أبو بكر ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬وكان من المهاجرين في سبيل ال ‪ ،‬وقد وَلَق وَ ْلقَة (‪ )4‬تاب ال عليه منها ‪ ،‬وضُرب‬
‫الحد عليها‪ .‬وكان الصديق ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬معروفًا بالمعروف ‪ ،‬له الفضل واليادي على‬
‫غفُورٌ‬
‫القارب والجانب‪ .‬فلما نزلت هذه الية إلى قوله ‪ { :‬أَل ُتحِبّونَ أَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلكُ ْم وَاللّهُ َ‬
‫رَحِيمٌ } أي ‪ :‬فإن الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬فكما تغفر (‪ )5‬عن المذنب إليك نغفر (‪ )6‬لك ‪ ،‬وكما‬
‫تصفح نصفح (‪ )7‬عنك‪ .‬فعند ذلك قال الصديق ‪ :‬بلى ‪ ،‬وال إنا نحب ‪ -‬يا ربنا ‪ -‬أن تغفر لنا‪ .‬ثم‬
‫رَجَع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة ‪ ،‬وقال ‪ :‬وال ل أنزعها منه أبدًا ‪ ،‬في مقابلة ما كان قال‬
‫‪ :‬وال ل (‪ )8‬أنفعه بنافعة أبدًا ‪ ،‬فلهذا كان الصدّيق هو الصديق [رضي ال عنه وعن بنته] (‪.)9‬‬
‫عذَابٌ عَظِيمٌ (‪)23‬‬
‫حصَنَاتِ ا ْلغَافِلتِ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ُلعِنُوا فِي الدّنْيَا وَالخِ َر ِة وََلهُمْ َ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ يَ ْرمُونَ ا ْلمُ ْ‬
‫حقّ‬
‫ش َهدُ عَلَ ْيهِمْ أَ ْلسِنَ ُتهُ ْم وَأَيْدِي ِه ْم وَأَرْجُُلهُمْ ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪َ )24‬ي ْومَئِذٍ ُي َوفّيهِمُ اللّهُ دِي َنهُمُ الْ َ‬
‫َيوْمَ تَ ْ‬
‫وَ َيعَْلمُونَ أَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلحَقّ ا ْلمُبِينُ (‪} )25‬‬
‫هذا وعيد من ال تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلت ‪ -‬خُرّج مخرج الغالب ‪ -‬المؤمنات‪.‬‬
‫فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة ‪ ،‬ول سيما التي كانت سبب النزول ‪،‬‬
‫وهي عائشة بنت الصديق ‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬
‫وقد أجمع العلماء ‪ ،‬رحمهم ال ‪ ،‬قاطبة على أن مَنْ سَبّها بعد هذا ورماها بما رماها به [بعد هذا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من أقيم الحد عليه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬زلق زلقة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬يغفر"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬يغفر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬يصفح"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/31‬‬

‫الذي ذكر] (‪ )1‬في هذه الية ‪ ،‬فإنه كافر ؛ لنه معاند للقرآن‪ .‬وفي بقية أمهات المؤمنين قولن ‪:‬‬
‫أصحهما أنهن كهي ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫عذَابٌ عَظِيمٌ } كقوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ ُي ْؤذُونَ اللّهَ‬
‫وقوله تعالى ‪ُ { :‬لعِنُوا فِي الدّنْيَا وَالخِ َر ِة وََلهُمْ َ‬
‫عذَابًا ُمهِينًا } [الحزاب ‪.)2( ]57 :‬‬
‫عدّ َلهُمْ َ‬
‫وَرَسُولَهُ َلعَ َنهُمُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالخِ َر ِة وَأَ َ‬
‫وقد ذهب بعضهم إلى أنها خاصة بعائشة ‪ ،‬فقال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن خِرَاش ‪ ،‬عن ال َعوّام ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن‬
‫حصَنَاتِ ا ْلغَافِلتِ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ } [قال] (‪ : )3‬نزلت في عائشة خاصة‪.‬‬
‫عباس ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ يَ ْرمُونَ ا ْلمُ ْ‬
‫وكذا قال [سعيد بن جبير و] (‪ )4‬مقاتل بن حيان ‪ ،‬وقد ذكره ابن جرير عن عائشة فقال ‪:‬‬
‫عوَانة ‪ ،‬عن عمر بن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قالت‬
‫حدثنا أحمد بن عَبْدَة الضّبّي ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫عائشة ‪ :‬رُميت بما رميت به وأنا غافلة ‪ ،‬فبلغني بعد ذلك‪ .‬قالت ‪ :‬فبينا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم جالس عندي (‪ )5‬إذ أوحي ‪ )6( ،‬إليه‪ .‬قالت ‪ :‬وكان إذا أوحي إليه أخذه كهيئة السّبات ‪،‬‬
‫وإنه أوحي إليه وهو جالس عندي ‪ ،‬ثم استوى جالسا يمسح على وجهه ‪ ،‬وقال ‪" :‬يا عائشة‬
‫حصَنَاتِ ا ْلغَافِلتِ‬
‫أبشري"‪ .‬قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬بحمد ال ل بحمدك‪ .‬فقرأ ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ يَ ْرمُونَ ا ْل ُم ْ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ } ‪ ،‬حتى قرأ ‪ { )7( :‬أُولَ ِئكَ مُبَرّءُونَ ِممّا َيقُولُونَ } [النور ‪.)8( ]26 :‬‬
‫هكذا أورده ‪ ،‬وليس فيه أن الحكم خاص بها ‪ ،‬وإنما فيه أنها سبب النزول دون غيرها ‪ ،‬وإن كان‬
‫الحكم يعمها كغيرها ‪ ،‬ولعله مراد ابن عباس ومن قال كقوله ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬وأبو الجوزاء ‪ ،‬وسلمة بن نُبَيْط ‪ :‬المراد بها أزواج النبيّ خاصة ‪ ،‬دون غيرهن‬
‫من النساء‪.‬‬
‫حصَنَاتِ ا ْلغَافِلتِ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ } الية‬
‫وقال ال َع ْو ِفيّ ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ يَ ْرمُونَ ا ْلمُ ْ‬
‫‪ :‬يعني أزواج النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬رماهن أهل النفاق ‪ ،‬فأوجب ال لهم اللعنة والغضب ‪،‬‬
‫وباؤوا بسخط من ال ‪ ،‬فكان (‪ )9‬ذلك في أزواج النبي صلى ال عليه وسلم ثم نزل بعد ذلك ‪:‬‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } ‪،‬‬
‫ش َهدَاءَ } إلى قوله ‪ { :‬فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫حصَنَاتِ ُثمّ َلمْ يَأْتُوا بِأَرْ َبعَةِ ُ‬
‫{ وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ ا ْلمُ ْ‬
‫فأنزل ال الجلد والتوبة ‪ ،‬فالتوبة تقبل ‪ ،‬والشهادة تُرَدّ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثنا هُشَيْم ‪ ،‬أخبرنا العوام بن حوشب ‪ ،‬عن‬
‫شيخ (‪ )10‬من بني أسد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬قال ‪ :‬فسر سورة النور ‪ ،‬فلما أتى على هذه الية ‪{ :‬‬
‫حصَنَاتِ ا ْلغَافِلتِ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ُلعِنُوا } الية ‪ -‬قال ‪ :‬في شأن عائشة ‪ ،‬وأزواج‬
‫إِنّ الّذِينَ يَ ْرمُونَ ا ْلمُ ْ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهي مبهمة ‪ ،‬وليست لهم توبة ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ‬
‫ك وََأصْلَحُوا } الية‬
‫شهَدَاءَ } إلى قوله ‪ { :‬إِل الّذِينَ تَابُوا مِنْ َب ْعدِ ذَِل َ‬
‫حصَنَاتِ ثُمّ َلمْ يَأْتُوا بِأَرْ َبعَةِ ُ‬
‫ا ْلمُ ْ‬
‫[النور ‪ ، ]5 ، 4 :‬قال ‪ :‬فجعل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬والخرة ولهم عذاب مهين" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة في ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة في ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ‪" .‬عندي جالس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ‪" .‬أوحى ال تعالى إليه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بلغ"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)18/82‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬العوام بن حوشب عن حوشب عن شيخ"‪.‬‬

‫( ‪)6/32‬‬

‫لهؤلء توبة ولم يجعل لمن قذف أولئك توبة ‪ ،‬قال ‪ :‬فه ّم بعضُ القوم أن يقوم إليه فيقبل رأسه ‪،‬‬
‫من حسن ما فسّر به سورة النور (‪.)1‬‬
‫فقوله ‪" :‬وهي مبهمة" ‪ ،‬أي ‪ :‬عامة في تحريم قذف كل محصنة ‪ ،‬وَلعْنته في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬هذا في عائشة ‪ ،‬ومن صنع مثل هذا أيضًا اليوم في‬
‫المسلمات ‪ ،‬فله ما قال ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ولكن عائشة كانت إمامَ ذلك‪.‬‬
‫وقد اختار ابن جرير عمومها ‪ ،‬وهو الصحيح ‪ ،‬ويعضد العموم (‪ )2‬ما رواه ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ‪ -‬ابن أخي ابن وهب ‪ -‬حدثنا عمي ‪ ،‬حدثنا سليمان بن بلل ‪ ،‬عن‬
‫ثور بن زيد ‪ ،‬عن أبي الغَيث (‪ )3‬عن أبي هريرة ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"اجتنبوا السبع الموبقات"‪ .‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وما هن ؟ قال ‪" :‬الشرك بال ‪ ،‬والسحر ‪ ،‬وقتل‬
‫النفس التي حرم ال إل بالحق ‪ ،‬وأكل الربا ‪ ،‬وأكل مال اليتيم ‪ ،‬والتولي يوم الزحف ‪ ،‬وقذف‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المحصنات الغافلت المؤمنات"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث سليمان بن بلل ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫حذّاء الحراني ‪ ،‬حدثني أبي ‪،‬‬
‫عمْرو بن خالد ال َ‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن َ‬
‫شعَيب ‪ ،‬حدثنا موسى بن أعين ‪ ،‬عن‬
‫شعَيب الحراني ‪ ،‬حدثنا جدي أحمد بن أبي ُ‬
‫(ح) وحدثنا أبو ُ‬
‫ليث ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن صِلَة بن ُزفَر ‪ ،‬عن حذيفة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة" (‪.)5‬‬
‫شهَدُ عَلَ ْيهِمْ أَلْسِنَ ُتهُمْ وَأَيْدِيهِ ْم وَأَرْجُُل ُهمْ ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫وقوله { َيوْمَ َت ْ‬
‫حدثنا أبو سعيد الشَجّ ‪ ،‬حدثنا أبو يحيى الرازي ‪ ،‬عن عمرو بن أبي قيس ‪ ،‬عن مُطَرّف ‪ ،‬عن‬
‫المِ ْنهَال ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬إنهم ‪ -‬يعني ‪ :‬المشركين ‪ -‬إذا رَأوا أنه ل‬
‫يدخلُ الجنةَ إل أهل الصلة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬تعالوا حتى نجحد‪ .‬فيجحدون فيختم [ال] (‪ )6‬على أفواههم ‪،‬‬
‫وتشهد أيديهم وأرجلهم ‪ ،‬ول يكتمون ال حديثًا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم أيضًا ‪ :‬حدثنا يونس بن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني‬
‫عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن دَرّاج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن رسول ال صلى عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬إذا كان يوم القيامة ‪ ،‬عُرف الكافر بعمله ‪ ،‬فيجحد ويخاصم ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬هؤلء‬
‫جيرانك يشهدون عليك‪ .‬فيقول ‪ :‬كذبوا‪ .‬فيقول ‪ :‬أهلك وعشيرتك‪ .‬فيقول ‪ :‬كذبوا ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫احلفوا‪ .‬فيحلفون ‪ ،‬ثم يُصمِتهم ال ‪ ،‬فتشهد عليهم أيديهم وألسنتهم ‪ ،‬ثم يدخلهم النار" (‪.)7‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم أيضًا ‪ :‬حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد ال بن أبي شيبة الكوفي ‪ ،‬حدثنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)18/83‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬المغيب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )2766‬وصحيح مسلم برقم (‪.)89‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير للطبراني (‪ )3/196‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )6/279‬وفيه ليث بن أبي‬
‫سليم وهو ضعيف وقد يحسن حديثه ‪ ،‬وبقية رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )18/105‬ورواه أبو يعلى في مسنده برقم (‪ )1392‬من طريق ابن لهيعة ‪،‬‬
‫عن دراج عن أبي الهيثم به ‪ ،‬ودراج عن أبي الهيثم ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)6/33‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَالطّيّبُونَ لِلطّيّبَاتِ أُولَ ِئكَ مُبَرّءُونَ ِممّا‬
‫ت وَالطّيّبَاتُ لِلطّيّبِي َ‬
‫ن وَالْخَبِيثُونَ لِ ْلخَبِيثَا ِ‬
‫الْخَبِيثَاتُ لِ ْلخَبِيثِي َ‬
‫َيقُولُونَ َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (‪)26‬‬

‫مِنْجَاب بن الحارث التميمي (‪ )1‬حدثنا أبو عامر السَ ِديَ ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عبيد ال ُمكْتب ‪ ،‬عن‬
‫ُفضَيل بن عمرو ال ُفقَيمي ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬كنا عند النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم فضحك حتى بدت َنوَاجذُه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬أتدرون (‪ )2‬مِمّ أضحك ؟" قلنا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪.‬‬
‫قال ‪" :‬من مجادلة العبد ربه يوم القيامة ‪ ،‬يقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ألم ُتجِرْني من الظلم ؟ فيقول ‪ :‬بلى‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬ل أجيز عليّ شاهدًا إل من نفسي‪ .‬فيقول ‪ :‬كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا ‪ ،‬وبالكرام‬
‫عليك شهودا (‪ )3‬فيختم على فيه ‪ ،‬ويقال لركانه ‪ :‬انطقي فتنطق بعمله ‪ ،‬ثم يخلى بينه وبين‬
‫ن كنتُ أناضل"‪.‬‬
‫حقًا ‪ ،‬فعنكُ ّ‬
‫الكلم ‪ ،‬فيقول ‪ :‬بُعدًا َلكُنّ وسُ ْ‬
‫وقد رواه مسلم والنسائي جميعا ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي النضر ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عُبَيد ال (‪)4‬‬
‫الشجعي ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬به (‪ )5‬ثم قال النسائي ‪ :‬ل أعلم أحدا روى هذا الحديث عن‬
‫سفيان الثوري غير (‪ )6‬الشجعي ‪ ،‬وهو حديث غريب ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬هكذا قال‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ابن آدم ‪ ،‬وال إن عليك لَشُهودًا غيرَ متهمة من بدنك ‪ ،‬فراقبهم واتق ال في سرك (‬
‫‪ )7‬وعلنيتك ‪ ،‬فإنه ل يخفى عليه خافية ‪ ،‬والظلمة عنده ضوء (‪ )8‬والسر عنده علنية ‪ ،‬فمن‬
‫استطاع أن يموت وهو بال حسن الظن ‪ ،‬فليفعل ول قوة إل بال‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ي ْومَئِذٍ ُي َوفّيهِمُ اللّهُ دِي َن ُهمُ ا ْلحَقّ } قال ابن عباس ‪ { :‬دِي َنهُمُ } أي ‪ :‬حسابهم ‪ ،‬وكل ما في‬
‫القرآن { دِي َنهُمُ } أي ‪ :‬حسابهم‪ .‬وكذا قال غير واحد‪.‬‬
‫ثم إن قراءة الجمهور بنصب { ا ْلحَقّ } على أنه صفة لدينهم ‪ ،‬وقرأ مجاهد بالرفع ‪ ،‬على أنه نعت‬
‫الجللة‪ .‬وقرأها بعض السلف في مصحف أبي بن كعب ‪" :‬يومئذ يوفيهم ال الحقّ دينهم" (‪.)9‬‬
‫حقّ ا ْلمُبِينُ } أي ‪ :‬وعده ووعيده وحسابه هو العدل ‪ ،‬الذي ل‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيعَْلمُونَ أَنّ اللّهَ ُهوَ الْ َ‬
‫جور فيه‪.‬‬
‫ن وَالطّيّبُونَ لِلطّيّبَاتِ أُولَ ِئكَ مُبَرّءُونَ ِممّا‬
‫ت وَالطّيّبَاتُ لِلطّيّبِي َ‬
‫{ ا ْلخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَا ِ‬
‫َيقُولُونَ َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (‪} )26‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ‪ ،‬والخبيثون من الرجال للخبيثات من‬
‫القول‪ .‬والطيبات من القول ‪ ،‬للطيبين من الرجال ‪ ،‬والطيبون من الرجال للطيبات من القول‪ .‬قال‬
‫‪ :‬ونزلت في عائشة وأهل الفك‪.‬‬
‫وهكذا رُوي عن مجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬والحسن بن أبي الحسن‬
‫جهَهُ بأن الكلم القبيح أولى‬
‫البصري ‪ ،‬وحبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬والضحاك‪ .‬واختاره ابن جرير ‪ ،‬وو ّ‬
‫بأهل القبح من الناس ‪ ،‬والكلم الطيب أولى بالطيبين من الناس ‪ ،‬فما نسبه أهل النفاق إلى عائشة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬التيمي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬تدرون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬شهيدا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)2969‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬إل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬سرائرك"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬ضياء"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬يوفيهم ال دينهم الحق"‪.‬‬

‫( ‪)6/34‬‬

‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا لَا َتدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُو ِتكُمْ حَتّى َتسْتَأْنِسُوا وَتُسَّلمُوا عَلَى أَهِْلهَا َذِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ‬
‫َلعَّلكُمْ َت َذكّرُونَ (‪)27‬‬

‫أولى به ‪ ،‬وهي أولى بالبراءة والنزاهة منهم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أُولَ ِئكَ (‪ )1‬مُبَرّءُونَ ِممّا َيقُولُونَ }‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ‪ ،‬والخبيثون من‬
‫الرجال للخبيثات من النساء ‪ ،‬والطيبات من النساء للطيبين من الرجال ‪ ،‬والطيبون من الرجال‬
‫للطيبات من النساء‪.‬‬
‫وهذا ‪ -‬أيضًا ‪ -‬يرجع إلى ما قاله أولئك باللزم ‪ ،‬أي ‪ :‬ما كان ال ليجعل عائشة زوجة لرسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم إل وهي طيبة ؛ لنه أطيب من كل طيب من البشر ‪ ،‬ولو كانت خبيثة‬
‫لما صلحت له ‪ ،‬ل شرعا ول قدرا ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أُولَ ِئكَ مُبَرّءُونَ ِممّا َيقُولُونَ } أي ‪ :‬هم ُبعَداء‬
‫عما يقوله أهل الفك والعدوان ‪َ { ،‬لهُمْ َم ْغفِ َرةٌ } أي ‪ :‬بسبب ما قيل فيهم من الكذب ‪ { ،‬وَرِزْقٌ‬
‫كَرِيمٌ } أي ‪ :‬عند ال في جنات النعيم‪ .‬وفيه وعد بأن تكون زوجة النبيّ صلى ال عليه وسلم في‬
‫الجنة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن مسلم ‪ ،‬حدثنا أبو نعيم ‪ ،‬حدثنا عبد السلم بن حرب ‪ ،‬عن‬
‫يزيد بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن يحيى بن الجزار قال ‪ :‬جاء أسير (‪ )2‬بن جابر إلى عبد‬
‫ال فقال ‪ :‬لقد سمعت الوليد بن عقبة تكلم بكلم أعجبني‪ .‬فقال عبد ال ‪ :‬إن الرجل المؤمن يكون‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في قلبه الكلمة غير طيبة (‪ )3‬تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها ‪ ،‬فيسمعها (‪ )4‬رجل عنده‬
‫يَتُلّها فيضمها إليه‪ .‬وإن الرجل الفاجر يكون في قلبه الكلمة الطيبة تتجلجل في صدره ما تستقر‬
‫حتى يلفظها ‪ ،‬فيسمعها (‪ )5‬الرجل الذي عنده يَتُلّها (‪ )6‬فيضمها إليه ‪ ،‬ثم قرأ عبد ال ‪:‬‬
‫ن وَالطّيّبُونَ لِلطّيّبَاتِ }‪.‬‬
‫ت وَالطّيّبَاتُ لِلطّيّبِي َ‬
‫{ ا ْلخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَا ِ‬
‫ويشبه هذا ما رواه المام أحمد في المسند مرفوعا ‪" :‬مثل الذي يسمع الحكمة ثم ل يُحدّث إل بشرّ‬
‫ما سمع ‪ ،‬كمثل رجل جاء إلى صاحب غنم ‪ ،‬فقال ‪ :‬أجْزِرني شاة‪ .‬فقال ‪ :‬اذهب فَخُذ بأذُن أيها‬
‫شئتَ‪ .‬فذهب فأخذ بأذن كَلْب الغنم" (‪ )7‬وفي الحديث الخر ‪" :‬الحكمة (‪ )8‬ضالة المؤمن حيث‬
‫وجدها أخذها" (‪.)9‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُو ِتكُمْ حَتّى َتسْتَأْنِسُوا وَتُسَّلمُوا عَلَى أَهِْلهَا ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ‬
‫َلعَّلكُمْ َت َذكّرُونَ (‪} )27‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فأولئك" وهو خطأ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أسيد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬طائل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فسمعها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فسمعها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬مثلها"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )2/353‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬الكلمة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )2687‬وابن ماجه في السنن برقم (‪ )4169‬من طريق عبد‬
‫ال بن نمير ‪ ،‬عن إبراهيم بن الفضل ‪ ،‬عن سعيد المقبري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ‪ ،‬وإبراهيم ابن الفضل المدني‬
‫المخزومي ‪ ،‬يضعف في الحديث من قبل حفظه"‪.‬‬

‫( ‪)6/35‬‬

‫جعُوا ُهوَ أَ ْزكَى َلكُمْ‬


‫جعُوا فَا ْر ِ‬
‫فَإِنْ لَمْ َتجِدُوا فِيهَا َأحَدًا فَلَا تَ ْدخُلُوهَا حَتّى ُيؤْذَنَ َل ُك ْم وَإِنْ قِيلَ َل ُكمُ ارْ ِ‬
‫سكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ َلكُ ْم وَاللّهُ‬
‫وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ (‪ )28‬لَ ْيسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ َتدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَ ْ‬
‫َيعْلَمُ مَا تُ ْبدُونَ َومَا َتكْ ُتمُونَ (‪)29‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جعُوا ُهوَ أَ ْزكَى َلكُمْ‬
‫جعُوا فَارْ ِ‬
‫حدًا فَل تَ ْدخُلُوهَا حَتّى ُيؤْذَنَ َلكُ ْم وَإِنْ قِيلَ َلكُمُ ا ْر ِ‬
‫{ فَإِنْ َلمْ َتجِدُوا فِيهَا أَ َ‬
‫سكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ َلكُ ْم وَاللّهُ‬
‫وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ (‪ )28‬لَ ْيسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ َتدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَ ْ‬
‫َيعْلَمُ مَا تُ ْبدُونَ َومَا َتكْ ُتمُونَ (‪} )29‬‬

‫( ‪)6/35‬‬

‫هذه آداب شرعية ‪ ،‬أدّب ال بها عباده المؤمنين ‪ ،‬وذلك في الستئذان أمر ال المؤمنين أل يدخلوا‬
‫بيوتًا غير بيوتهم حتى يستأنسوا ‪ ،‬أي ‪ :‬يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده‪ .‬وينبغي أن يستأذن‬
‫ثلثًا ‪ ،‬فإن أذن له ‪ ،‬وإل انصرف ‪ ،‬كما ثبت (‪ )1‬في الصحيح ‪ :‬أن أبا موسى حين استأذن على‬
‫عمر ثلثًا ‪ ،‬فلم يؤذن له ‪ ،‬انصرف‪ .‬ثم قال عمر ‪ :‬ألم أسمع صوت عبد ال بن قيس يستأذن ؟‬
‫جعَك ؟ قال ‪ :‬إني استأذنت ثلثًا‬
‫ائذنوا له‪ .‬فطلبوه فوجدوه قد ذهب ‪ ،‬فلما جاء بعد ذلك قال ‪ :‬ما رَ َ‬
‫فلم يؤذن لي ‪ ،‬وإني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إذا استأذن أحدكم ثلثًا ‪ ،‬فلم‬
‫يؤذن له ‪ ،‬فلينصرف"‪ .‬فقال ‪ :‬لَتَأتِيَنّ على هذا ببينة وإل أوجعتك ضربًا‪ .‬فذهب إلى مل من‬
‫النصار ‪ ،‬فذكر لهم ما قال عمر ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ل يشهد (‪ )2‬لك إل أصغرنا‪ .‬فقام معه أبو سعيد‬
‫خدْريّ فأخبر عمر بذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬ألهاني عنه الصّفْق بالسواق (‪.)3‬‬
‫ال ُ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حَدّثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ -‬أو ‪ :‬غيره (‪ )4‬أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال ‪" :‬السلم عليك ورحمة ال"‪ .‬فقال‬
‫سعد ‪ :‬وعليك السلم ورحمة ال ولم يسمع النبي صلى ال عليه وسلم حتى سلم ثلثًا‪ .‬ورد عليه (‬
‫‪ )5‬سعد ثلثًا ولم ُيسْمعه‪ .‬فرجع النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬واتبعه سعد فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫سمِعك ‪ ،‬وأردتُ أن‬
‫بأبي أنت وأمي ‪ ،‬ما سلمتَ تسليمة إل وهي بأذني ‪ ،‬ولقد َردَدْت عليك ولم ُأ ْ‬
‫أستكثر من سلمك ومن البركة‪ .‬ثم أدخله البيت ‪ ،‬فقرّب إليه زَبيبًا ‪ ،‬فأكل نبي ال‪ .‬فلما فرغ قال‬
‫‪" :‬أكل طعامكم البرار ‪ ،‬وصَلّت عليكم الملئكة ‪ ،‬وأفطر عندكم الصائمون" (‪.)6‬‬
‫وقد َروَى أبو داود والنسائي ‪ ،‬من حديث أبي عمرو الوزاعي ‪ :‬سمعت يحيى بن أبي كثير يقول‬
‫‪ :‬حدثني محمد بن عبد الرحمن بن سعد (‪ )7‬بن زرارة ‪ ،‬عن قيس بن سعد ‪ -‬هو ابن عبادة ‪-‬‬
‫قال ‪ :‬زارنا رسول ال صلى ال عليه وسلم في منزلنا ‪ ،‬فقال ‪" :‬السلم عليكم ورحمة ال"‪ .‬فردّ‬
‫سعد ردًا خفيًا (‪ ، )8‬قال قيس ‪ :‬فقلت ‪ :‬أل تأذن لرسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ فقال ‪ :‬ذَرْه (‬
‫‪ )9‬يكثر علينا من السلم‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬السلم عليكم ورحمة ال"‪ .‬فرد‬
‫سعد َردًا خفيًا (‪ ، )10‬ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬السلم عليكم ورحمة ال" ثم‬
‫رَجَع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬واتبعه سعد فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني كنت أسمع‬
‫تسليمك ‪ ،‬وأرد عليك ردّا خفيًا (‪ ، )11‬لتكثر علينا من السلم‪ .‬قال ‪ :‬فانصرف معه [رسول ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حفَة مصبوغة] (‪ )12‬بزعفران‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأمر له سعد بغسل ‪ ،‬فاغتسل ‪ ،‬ثم ناوله ملْ َ‬
‫‪ -‬أو ‪ :‬وَرس ‪ -‬فاشتمل بها ‪ ،‬ثم رفع رسول ال صلى ال عليه وسلم يديه وهو يقول ‪" :‬اللهم‬
‫اجعل صلتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة"‪ .‬قال ‪ :‬ثم أصاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫من الطعام ‪ ،‬فلما أراد النصراف قرّب إليه سعد حمارًا قد وَطّأ عليه بقطيفة ‪ ،‬فركب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال سعد ‪ :‬يا قيس ‪ ،‬اصحب رسول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وثبت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ل نشهد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )6245‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2153‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وغيره"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)3/138‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬أسعد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬خفيفا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬ودعه"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬خفيفا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬خفيفا"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من أ ‪ ،‬وأبي داود‪.‬‬

‫( ‪)6/36‬‬

‫ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال قيس ‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اركب"‪ .‬فأبيت ‪ ،‬فقال‬
‫‪" :‬إما أن تركب وإما أن تنصرف"‪ .‬قال ‪ :‬فانصرفت‪.‬‬
‫وقد روي هذا من وجه آخر (‪ )1‬فهو حديث جيد قويّ ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ثم ل ُيعْلمْ أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل أل يقف تلقاء الباب بوجهه ‪ ،‬ولكن ليَكن (‪ )2‬البابُ ‪،‬‬
‫عن يمينه أو يساره ؛ لما رواه أبو داود ‪ :‬حدثنا ُم َؤمّل بن الفضل الحراني ‪ -‬في آخرين ‪ -‬قالوا ‪:‬‬
‫حدثنا بَقيّة ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن عبد ال بن ُبسْر (‪ )3‬قال ‪ :‬كان رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم إذا أتى باب قوم ‪ ،‬لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ‪ ،‬ولكن من ركنه اليمن أو‬
‫اليسر ‪ ،‬ويقول ‪" :‬السلم عليكم ‪ ،‬السلم عليكم"‪ .‬وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور‪َ .‬تفَرد‬
‫به أبو داود (‪.)4‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال أبو داود أيضًا ‪ :‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا جرير ‪( ،‬ح) قال أبو داود ‪ :‬وحدثنا أبو‬
‫بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا حفص ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن طلحة ‪ ،‬عن هُزَيل قال ‪ :‬جاء رجل ‪ -‬قال‬
‫عثمان ‪ :‬سعد ‪ -‬فوقف على باب النبي صلى ال عليه وسلم يستأذن ‪ ،‬فقام على الباب ‪ -‬قال‬
‫عثمان ‪ :‬مستقبل الباب ‪ -‬فقال له النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هكذا عنك ‪ -‬أو ‪ :‬هكذا ‪ -‬فإنما‬
‫الستئذان من النظر" (‪.)5‬‬
‫وقد رواه أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬عن العمش عن طلحة بن ُمصَرّف ‪ ،‬عن‬
‫رجل ‪ ،‬عن سعد ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬رواه أبو داود من حديثه (‪.)6‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن‬
‫خذَفته بحصاة ‪ ،‬ففقأت عينه ‪ ،‬ما كان عليك من جناح" (‪.)7‬‬
‫فَ َ‬
‫وأخرج الجماعة من حديث شعبة ‪ ،‬عن محمد بن المنكدر ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬أتيتُ النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم في دَين كان على أبي ‪ ،‬فدققت الباب ‪ ،‬فقال ‪" :‬من ذا" ؟ قلت ‪ :‬أنا‪ .‬قال ‪" :‬أنا ‪ ،‬أنا"‬
‫كأنه كرهه (‪.)8‬‬
‫وإنما كره ذلك لن هذه اللفظة ل يُعرَف صاحبها حتى يُفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها‬
‫‪ ،‬وإل فكل أحد يُعبّر عن نفسه بـ"أنا" ‪ ،‬فل يحصل بها المقصود من الستئذان ‪ ،‬الذي هو‬
‫الستئناس المأمور به في الية‪.‬‬
‫وقال ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الستئناس ‪ :‬الستئذان‪ .‬وكذا قال غي ُر واحد‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن َبشّار ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي بِشْر ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ { :‬ل َتدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُو ِتكُمْ حَتّى َتسْتَأْنِسُوا‬
‫وَتُسَّلمُوا } (‪)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن أبي داود برقم (‪ )5185‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )50159( ، )10157‬من‬
‫طريق عبد ال ‪ ،‬عن الوزاعي ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ‪:‬‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتى سعد بن عبادة زائرا ‪ ،‬فذكر الحديث‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ليكون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بشر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أبي داود برقم (‪.)5186‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪.)5174‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود برقم (‪.)5175‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )6902‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2158‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )6250‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2155‬وسنن أبي داود برقم (‪)5187‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وسنن الترمذي برقم (‪ )2711‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )10160‬وسنن ابن ماجه برقم (‬
‫‪.)3709‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ زيادة ‪" :‬على أهلها"‪.‬‬

‫( ‪)6/37‬‬

‫سّلمُوا"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬إنما هي خطأ من الكاتب ‪" ،‬حَتّى تَسْتَأذنُوا وَتُ َ‬
‫وهكذا رواه (‪ )1‬هُشَيم ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ -‬وهو جعفر بن إياس ‪ -‬به‪ .‬وروى معاذ بن سليمان ‪،‬‬
‫عن جعفر بن إياس ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬بمثله ‪ ،‬وزاد ‪ :‬وكان ابن عباس يقرأ ‪" :‬حَتّى‬
‫تَسْتَأذنُوا وَتُسَّلمُوا" ‪ ،‬وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب رضي ال عنه‪.‬‬
‫وهذا غريب جدّا عن ابن عباس‪.‬‬
‫وقال ُهشَيْم (‪ )2‬أخبرنا مغيرة ‪ ،‬عن إبراهيم قال ‪ :‬في مصحف ابن مسعود ‪" :‬حتى تسلموا على‬
‫أهلها وتستأذنوا"‪ .‬وهذا أيضًا رواية عن ابن عباس ‪ ،‬وهو اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َروْح ‪ ،‬حدثنا ابن جُرَيْج ‪ ،‬أخبرني عمرو بن أبي سفيان ‪ :‬أن عمرو‬
‫بن أبي صفوان أخبره ‪ ،‬أن كَلَ َدةَ بن الحنبل أخبره ‪ ،‬أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بِلبَأ وجَدَايَة‬
‫وضَغَابيس ‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم بأعلى الوادي‪ .‬قال ‪ :‬فدخلتُ عليه ولم أسلم ولم أستأذن‪.‬‬
‫فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ارجع فقل ‪ :‬السلم عليكم ‪ ،‬أأدخل ؟" وذلك بعدما أسلم صفوان‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن جريج ‪ ،‬به (‪ )3‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‬
‫غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديثه‪.‬‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا أبو الحوَص ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن رِبْعي قال‬
‫‪ :‬حدثنا (‪ )4‬رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو في بيته ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫أألج ؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم لخادمه ‪" :‬اخرج إلى هذا فعلّمه الستئذان ‪ ،‬فقل له ‪ :‬قل ‪:‬‬
‫السلم عليكم ‪ ،‬أأدخل ؟" فسمعه الرجل فقال ‪ :‬السلم عليكم ‪ ،‬أأدخل ؟ فأذن له النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فدخل (‪.)5‬‬
‫عمْرو بن سعيد‬
‫وقال ُهشَيْم ‪ :‬أخبرنا منصور ‪ ،‬عن ابن سِيرِين ‪ -‬وأخبرنا يونس بن عبيد ‪ ،‬عن َ‬
‫الثقفي ‪ -‬أن رجل استأذن على النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬أألج ‪ -‬أو ‪ :‬أنلج ؟ ‪ -‬فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم لمة له ‪ ،‬يقال لها روضة ‪" :‬قومي إلى هذا فعلميه ‪ ،‬فإنه ل يحسن يستأذن ‪،‬‬
‫فقولي له يقول ‪ :‬السلم عليكم ‪ ،‬أأدخل"‪ .‬فسمعها الرجل ‪ ،‬فقالها ‪ ،‬فقال ‪" :‬ادخل" (‪.)6‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حدثنا الفضل بن الصباح ‪ ،‬حدثنا سعيد بن زكريا ‪ ،‬عن عَنْبَسَة بن عبد الرحمن ‪،‬‬
‫عن محمد بن زاذان ‪ ،‬عن محمد بن الم ْنكَدِر ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬السلم قبل الكلم" (‪.)7‬‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬عنبسة ضعيف الحديث ذاهب ‪ ،‬ومحمد بن زاذان مُنكَر الحديث‪.‬‬
‫وقال ُهشَيْم ‪ :‬قال مغيرة ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬جاء ابن عمر من حاجة ‪ ،‬وقد آذاه الرمضاء ‪ ،‬فأتى‬
‫فُسْطَاط امرأة من قريش ‪ ،‬فقال ‪ :‬السلم عليكم ‪ ،‬أأدخل ؟ قالت ‪ :‬ادخل بسلم‪ .‬فأعاد ‪ ،‬فأعادت ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬سفيان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)3/414‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬جاء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪.)5177‬‬
‫(‪ )6‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)18/87‬‬
‫(‪ )7‬سنن الترمذي برقم (‪.)2699‬‬

‫( ‪)6/38‬‬

‫وهو يُرَاوح بين قدميه ‪ ،‬قال ‪ :‬قولي ‪ :‬ادخل‪ .‬قالت ‪ :‬ادخل ‪ ،‬فدخل (‪.)1‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو نعيم الحول ‪ ،‬حدثنا خالد بن إياس ‪،‬‬
‫حدثتني جدتي أم إياس قالت ‪ :‬كنت في أربع نسوة نستأذن [على عائشة] (‪ )2‬فقلت ‪ :‬ندخل ؟ قالت‬
‫‪ :‬ل قلن (‪ )3‬لصاحبتكن ‪ :‬تستأذن‪ .‬فقالت ‪ :‬السلم عليكم ‪ ،‬أندخل ؟ قالت ‪ :‬ادخلوا ‪ ،‬ثم قالت ‪:‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُو ِتكُمْ حَتّى َتسْتَأْنِسُوا وَتُسَّلمُوا عَلَى أَهِْلهَا } [الية] (‪.)4‬‬
‫سوّار ‪ ،‬عن كُرْدُوس ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ :‬عليكم أن تستأذنوا‬
‫وقال ُهشَيْم ‪ :‬أخبرنا أشعث بن َ‬
‫على أمهاتكم وأخواتكم‪ .‬قال أشعث ‪ ،‬عن عدي بن ثابت ‪ :‬إن امرأة من النصار قالت ‪ :‬يا رسول‬
‫ال ‪ ،‬إني أكون في منزلي على الحال التي ل أحب أن يراني أحد عليها ‪ ،‬والد ول ولد ‪ ،‬وإنه ل‬
‫يزال يدخل عليّ رجل من أهلي ‪ ،‬وأنا على تلك الحال ؟ قال ‪ :‬فنزلت ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل‬
‫تَ ْدخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُو ِتكُمْ حَتّى تَسْتَأْ ِنسُوا وَتُسَّلمُوا عَلَى َأهِْلهَا } (‪.)5‬‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ثلث‬
‫جحَدها الناس ‪ :‬قال ال ‪ { :‬إِنّ َأكْ َر َمكُمْ عِ ْندَ اللّهِ أَ ْتقَاكُمْ } [الحجرات ‪ ، ]13 :‬قال ‪ :‬ويقولون‬
‫آيات َ‬
‫‪ :‬إن أكرمهم عند ال أعظمهم بيتًا‪ .‬قال ‪ :‬والذن كله قد جحده الناس‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أستأذن على‬
‫أخواتي أيتام في حجري ‪ ،‬معي في بيت واحد ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فرددت ليرخّص (‪ )6‬لي ‪ ،‬فأبى‪ .‬قال‬
‫‪ :‬تحب أن تراها عريانة ؟ قلت ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬فاستأذن‪ .‬قال ‪ :‬فراجعته أيضًا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أتحب أن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تطيع ال ؟ قلت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فاستأذن‪.‬‬
‫قال ابن جُرَيْج ‪ :‬وأخبرني ابن طاوس عن أبيه قال ‪ :‬ما من امرأة أكره إلي أن أرى عريتها من‬
‫ذات محرم‪ .‬قال ‪ :‬وكان يشدد في ذلك‪.‬‬
‫ي العمى ‪ ،‬أنه سمع ابن‬
‫وقال ابن جريج ‪ ،‬عن الزهري ‪ :‬سمعت هُزَيل بن شُ َرحْبِيل الوْ ِد ّ‬
‫مسعود يقول ‪ :‬عليكم الذن على أمهاتكم‪.‬‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬قلت لعطاء ‪ :‬أيستأذن الرجل على امرأته ؟ قال ‪ :‬ل‪.‬‬
‫وهذا محمول على عدم الوجوب ‪ ،‬وإل فالولى أن يعلمها بدخوله ول يفاجئها به ‪ ،‬لحتمال أن‬
‫تكون على هيئة ل تحب أن يراها عليها‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا القاسم ‪[ ،‬قال] (‪ )7‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن حازم ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة ‪ ،‬عن يحيى بن الجزار ‪ ،‬عن ابن أخي زينب ‪ -‬امرأة عبد ال بن‬
‫مسعود ‪ ، -‬عن زينب ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬كان عبد ال إذا جاء من حاجة فانتهى إلى‬
‫الباب ‪ ،‬تنحنح وبزق ؛ كراهية (‪ )8‬أن يهجُم منا على أمر يكرهه (‪ .)9‬إسناد صحيح‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سِنَان الواسطي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن ُنمَيْر ‪ ،‬حدثنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)18/87‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬قلت" ‪ ،‬والمثبت من ف‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)18/87‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬علي لمن خضرني"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬كراهة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)18/88‬‬

‫( ‪)6/39‬‬

‫العمش ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة ‪ ،‬عن أبي هُبَيْرة (‪ )1‬قال ‪ :‬كان عبد ال إذا دخل الدار استأنس ‪-‬‬
‫تكلم ورفع صوته‪.‬‬
‫[و] (‪ )2‬قال مجاهد ‪ { :‬حَتّى تَسْتَأْ ِنسُوا } قال ‪ :‬تنحنحوا ‪ -‬أو (‪ )3‬تَنَخّموا‪.‬‬
‫وعن المام أحمد بن حنبل ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬إذا دخل الرجل بيته ‪ ،‬استحب له أن يتنحنح ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أو يحرك نعليه‪.‬‬
‫ولهذا جاء في الصحيح ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أنه َنهَى أن يطرق الرجل أهلَه‬
‫طُروقًا ‪ -‬وفي رواية ‪ :‬ليل يَتَخوّنهم (‪.)4‬‬
‫وفي الحديث الخر ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قدم المدينة نهارًا ‪ ،‬فأناخ بظاهرها ‪،‬‬
‫وقال ‪" :‬انتظروا حتى تدخل عشاء ‪ -‬يعني ‪ :‬آخر النهار ‪ -‬حتى تمتشط الشّعثَة وتستحدّ ال ُمغَيبة" (‬
‫‪.)5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدّثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن (‪ )6‬بن سليمان‬
‫سوْرة ابن أخي أبي أيوب ‪ ،‬عن أبي أيوب قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا‬
‫‪ ،‬عن واصل بن السائب ‪ ،‬حدّثني أبو َ‬
‫رسول ال ‪ ،‬هذا السلم ‪ ،‬فما الستئناس ؟ قال ‪" :‬يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ‪،‬‬
‫ويتنحنح فَيؤذنُ أهل البيت"‪ .‬هذا حديث غريب (‪.)7‬‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬حَتّى َتسْتَأْنِسُوا } قال ‪ :‬هو الستئذان‪[ .‬قال ‪ :‬وكان يقال ‪ :‬الستئذان] (‪)8‬‬
‫ثلث ‪ ،‬فمن لم يؤذن له فيهن ‪ ،‬فليرجع‪ .‬أما الولى ‪ :‬فليسمع (‪ )9‬الحي ‪ ،‬وأما الثانية ‪ :‬فليأخذوا‬
‫حذرهم ‪ ،‬وأما الثالثة ‪ :‬فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا رَدّوا‪ .‬ول َت ِقفَنّ على باب قوم ردوك عن بابهم‬
‫؛ فإن للناس حاجات ولهم أشغال ‪ ،‬وال أولى بالعذر‪.‬‬
‫خلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُو ِتكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا‬
‫وقال مقاتل بن حيّان في قوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَدْ ُ‬
‫وَتُسَّلمُوا عَلَى َأهِْلهَا } كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه ‪ ،‬ل يسلم عليه ‪ ،‬ويقول ‪ :‬حُيّيتَ‬
‫صباحًا وحييت مساء ‪ ،‬وكان ذلك تحية القوم بينهم‪ .‬وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فل يستأذن‬
‫حتى يقتحم ‪ ،‬ويقول ‪" :‬قد دخلتُ"‪ .‬فيشق ذلك على الرجل ‪ ،‬ولعله يكون مع أهله ‪ ،‬فغَيّر ال ذلك‬
‫كله ‪ ،‬في ستر وعفة ‪ ،‬وجعله نقيًا نزهًا من الدنس والقذر والدرَن ‪ ،‬فقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل‬
‫تَ ْدخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُو ِتكُمْ حَتّى تَسْتَأْ ِنسُوا وَتُسَّلمُوا عَلَى َأهِْلهَا }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبيدة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬و"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )5244 ، 5243‬وصحيح مسلم برقم (‪ )715‬من حديث جابر ‪،‬‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )5247‬من حديث جابر ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪" :‬عبد الرحيم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ )8/607‬ومن طريقه ابن ماجه في السنن برقم (‪)3707‬‬
‫ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ ، )4/178‬حدثنا عبيد بن غنام ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫به‪ .‬قال البوصيري في الزوائد (‪" : )3/171‬هذا إسناد ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فليستمع"‪.‬‬

‫( ‪)6/40‬‬

‫ج ُهمْ ذَِلكَ أَ ْزكَى َلهُمْ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َيصْ َنعُونَ (‬
‫حفَظُوا فُرُو َ‬
‫ُقلْ لِ ْل ُمؤْمِنِينَ َي ُغضّوا مِنْ أَ ْبصَارِهِ ْم وَيَ ْ‬
‫‪)30‬‬

‫وهذا الذي قاله مقاتل حسن ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ } يعني ‪ :‬الستئذان خير لكم ‪ ،‬بمعنى ‪:‬‬
‫هو خير للطرفين (‪ : )1‬للمستأذن ولهل البيت ‪َ .{ ،‬لعَّلكُمْ َت َذكّرُونَ }‪.‬‬
‫حدًا فَل تَ ْدخُلُوهَا حَتّى ُيؤْذَنَ َلكُمْ } ‪ ،‬وذلك لما فيه من التصرف في‬
‫جدُوا فِيهَا أَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَإِنْ َلمْ تَ ِ‬
‫جعُوا ُهوَ أَ ْزكَى‬
‫جعُوا فَارْ ِ‬
‫ملك الغير بغير إذنه ‪ ،‬فإن شاء أذن ‪ ،‬وإن شاء لم يأذن { وَإِنْ قِيلَ َلكُمُ ا ْر ِ‬
‫جعُوا ُهوَ أَ ْزكَى َلكُمْ } أي ‪ :‬رجوعكم (‪)2‬‬
‫َلكُمْ } أي ‪ :‬إذا رَدّوكم من الباب قبل الذن أو بعده { فَارْ ِ‬
‫أزكى لكم وأطهر { وَالُ ِبمَا َتعْملُونَ عَلِيم }‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬قال بعض المهاجرين ‪ :‬لقد طلبتُ عمري كلّه هذه الية فما أدركتها ‪ :‬أن أستأذنَ على‬
‫جعُوا‬
‫بعض إخواني ‪ ،‬فيقول لي ‪" :‬ارجع" ‪ ،‬فأرجع وأنا مغتبط (‪[ )3‬لقوله] (‪ { ، )4‬وَإِنْ قِيلَ َلكُمُ ارْ ِ‬
‫جعُوا ُهوَ أَ ْزكَى َلكُ ْم وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ }‪.‬‬
‫فَارْ ِ‬
‫جعُوا } أي ‪ :‬ل تقفوا على أبواب الناس‪.‬‬
‫جعُوا فَارْ ِ‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ { :‬وَإِنْ قِيلَ َلكُمُ ارْ ِ‬
‫ن َومَا‬
‫سكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ َلكُ ْم وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا تُبْدُو َ‬
‫وقوله ‪ { :‬لَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَ ْدخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَ ْ‬
‫َتكْ ُتمُونَ } هذه الية الكريمة أخصّ من التي (‪ )5‬قبلها ‪ ،‬وذلك أنها تقتضي جواز الدخول إلى‬
‫البيوت التي ليس فيها أحد ‪ ،‬إذا كان له (‪ )6‬فيها متاع ‪ ،‬بغير إذن ‪ ،‬كالبيت المعد للضيف ‪ ،‬إذا‬
‫أذن له فيه أول مرة ‪ ،‬كفى‪.‬‬
‫قال ابن جريج ‪ :‬قال ابن عباس ‪ { :‬ل َتدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُو ِتكُمْ } ‪ ،‬ثم نسخ واستثني فقال { لَيْسَ‬
‫سكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ َلكُمْ } ‪ :‬وكذا روي عن عكرمة ‪ ،‬والحسن‬
‫عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ َتدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَ ْ‬
‫البصري‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬هي بيوت التجار ‪ ،‬كالخانات (‪ )7‬ومنازل السفار ‪ ،‬وبيوت مكة ‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫واختار ذلك ابن جرير ‪ ،‬وحكاه ‪ ،‬عن جماعة‪ .‬والول أظهر ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال مالك عن زيد بن أسلم ‪ :‬هي بيوت الشّعر‪.‬‬
‫جهُمْ ذَِلكَ أَ ْزكَى َلهُمْ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َيصْ َنعُونَ (‬
‫حفَظُوا فُرُو َ‬
‫{ ُقلْ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ َي ُغضّوا مِنْ أَ ْبصَارِ ِه ْم وَيَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪.} )30‬‬
‫هذا أمر من ال تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم ‪ ،‬فل ينظروا إل‬
‫إلى ما أباح لهم النظر إليه (‪ ، )8‬وأن يغضوا (‪ )9‬أبصارهم عن المحارم ‪ ،‬فإن اتفق أن وقع‬
‫البصر على مُحرّم من غير قصد ‪ ،‬فليصرف بصره عنه سريعًا ‪ ،‬كما رواه مسلم في صحيحه ‪،‬‬
‫من حديث يونس بن عُبَيد ‪ ،‬عن عمرو بن سعيد ‪ ،‬عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير ‪ ،‬عن جده‬
‫جرير بن عبد ال البجلي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سألت النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬عن نظرة‬
‫الفجأة ‪ ،‬فأمرني أن أصرفَ َبصَري‪.‬‬
‫وكذا رواه المام أحمد ‪ ،‬عن ُهشَيْم ‪ ،‬عن يونس بن عبيد ‪ ،‬به‪ .‬ورواه أبو داود والترمذي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من الطرفين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬رجعوكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬متغيط"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لكم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬في الخانات"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬إليهم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬يغمصوا"‪.‬‬

‫( ‪)6/41‬‬

‫والنسائي ‪ ،‬من حديثه أيضًا (‪ .)1‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وفي رواية لبعضهم ‪ :‬فقال ‪:‬‬
‫"أطرقْ بصرك" ‪ ،‬يعني ‪ :‬انظر إلى الرض‪ .‬والصرف أعم ؛ فإنه قد يكون إلى الرض ‪ ،‬وإلى (‬
‫‪ )2‬جهة أخرى ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن موسى الفَزَاري ‪ ،‬حدثنا شَريك ‪ ،‬عن أبي ربيعة اليادي ‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن بُرَيْدة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعلي ‪" :‬يا علي ‪ ،‬ل تتبع‬
‫النظرة النظرةَ ‪ ،‬فإن لك الولى وليس لك الخرة"‬
‫ورواه الترمذي من حديث شريك (‪ ، )3‬وقال ‪ :‬غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديثه‪.‬‬
‫وفي الصحيح عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إياكم والجلوس على‬
‫الطرقات"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ل بد لنا من مجالسنا ‪ ،‬نتحدث فيها‪ .‬فقال رسول ال صلى ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن أبيتم ‪ ،‬فأعطوا الطريق حقّه"‪ .‬قالوا ‪ :‬وما حقّ الطريق يا رسول ال ؟ قال ‪:‬‬
‫غضّ البصر ‪ ،‬وكَفّ الذى ‪ ،‬وردّ السلم ‪ ،‬والمر بالمعروف ‪ ،‬والنهي عن المنكر" (‪.)4‬‬
‫"َ‬
‫وقال أبو القاسم البغوي ‪ :‬حدثنا طالوت بن عباد ‪ ،‬حدثنا فضل (‪ )5‬بن جبير ‪ :‬سمعت أبا أمامة‬
‫يقول ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬اكفلوا لي بِستّ أكفل لكم بالجنة ‪ :‬إذا حدّث‬
‫غضّوا أبصاركم ‪ ،‬وكُفّوا أيديكم ‪،‬‬
‫أحدكم فل يكذب ‪ ،‬وإذا اؤتمن فل َيخُن ‪ ،‬وإذا وَعَد فل يخلف‪ .‬و ُ‬
‫واحفظوا فروجكم" (‪.)6‬‬
‫وفي صحيح البخاري ‪" :‬من يكفل (‪ )7‬لي ما بين لَحْيَيه وما بين رجليه ‪ ،‬أكفل له الجنة" (‪.)8‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن ابن سيرين ‪ ،‬عن عبيدة قال ‪ :‬كل ما عُصي‬
‫ال به ‪ ،‬فهو كبيرة‪ .‬وقد ذكر الطّرْفين فقال ‪ُ { :‬قلْ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ َي ُغضّوا مِنْ أَ ْبصَارِهِمْ }‪.‬‬
‫ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب ‪ ،‬كما قال بعض السلف ‪" :‬النظر سهام سم إلى القلب" ؛‬
‫ولذلك أمر ال بحفظ الفروج كما أمر بحفظ البصار التي هي بواعث إلى ذلك ‪ ،‬فقال ‪ُ { :‬قلْ‬
‫ظ الفَرج تار ًة يكون بمنعه من الزنى ‪،‬‬
‫جهُمْ }‪ .‬وحف ُ‬
‫حفَظُوا فُرُو َ‬
‫لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ َي ُغضّوا مِنْ أَ ْبصَارِهِمْ وَيَ ْ‬
‫جهِ ْم أوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُمْ فَإِ ّنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }‬
‫جهِمْ حَافِظُونَ إِل عَلَى أَ ْزوَا ِ‬
‫كما قال { وَالّذِينَ هُمْ ِلفُرُو ِ‬
‫[المعارج ‪ ]30 ، 29 :‬وتارة يكون بحفظه من النظر إليه ‪ ،‬كما جاء في الحديث في مسند أحمد (‬
‫‪ )9‬والسنن ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )2159‬والمسند (‪ )4/361‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2148‬وسنن الترمذي‬
‫برقم (‪ )2776‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)9233‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أو إلى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪ )2149‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2777‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )2465‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2121‬من حديث أبي سعيد الخدري ‪،‬‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪" :‬فضال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (‪ )7/392‬من طريق أبي القاسم البغوي ‪ ،‬به‪ .‬ورواه‬
‫الطبراني في المعجم الكبير (‪ )8/314‬وابن حبان في المجروحين (‪ )2/204‬من طريق فضال بن‬
‫جبير‪ .‬ويقال ‪ :‬ابن زبير ‪ ،‬به‪ .‬وقال ابن حبان ‪" :‬فضال بن جبير ل يحل الحتجاج به"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬كفل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )6474‬من حديث سهل بن سعد ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬المسند"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/42‬‬

‫احفظ عورتك ‪ ،‬إل من زوجتك أو ما ملكت يمينك" (‪.)1‬‬


‫{ ذَِلكَ أَ ْزكَى َلهُمْ } أي ‪ :‬أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم ‪ ،‬كما قيل ‪" :‬مَنْ حفظ بصره ‪ ،‬أورثه ال‬
‫نورًا في بصيرته"‪ .‬ويروى ‪" :‬في قلبه"‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عتاب ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن المبارك ‪ ،‬أخبرنا يحيى بن أيوب ‪ ،‬عن‬
‫عُبَيْد ال بن زَحْر ‪ ،‬عن علي بن يزيد ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬عن أبي أمامة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة [أوّل مَرّة] (‪ )2‬ثم َي ُغضّ بصره ‪،‬‬
‫إل أخلف ال له عبادة يجد حلوتها" (‪.)3‬‬
‫ورُوي هذا مرفوعًا عن ابن عمر ‪ ،‬وحذيفة ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬رضي ال عنهم (‪ )4‬ولكن في إسنادها‬
‫ضعف ‪ ،‬إل أنها في الترغيب ‪ ،‬ومثله يتسامح فيه‪.‬‬
‫وفي الطبراني من طريق عبيد ال بن زَحْر ‪ ، ،‬عن علي بن يزيد ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬عن أبي أمامة‬
‫مرفوعا ‪" :‬لَتغضُنّ أبصاركم ‪ ،‬ولتحفظن فروجكم ‪ ،‬ولتقيمُنّ وجوهكم ‪ -‬أو ‪ :‬لتكسفن وجوهكم" (‬
‫‪.)5‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن زهير التّسْتُري قال ‪ :‬قرأنا على محمد بن حفص بن عمر‬
‫الضرير المقرئ ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي ُبكَيْر ‪ ،‬حدثنا هُرَيْم بن سفيان ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن إسحاق‬
‫‪ ،‬عن القاسم بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم ‪ ،‬من تركه مخافتي ‪،‬‬
‫أبدلته إيمانا يجد حلوته في قلبه" (‪.)6‬‬
‫خفِي الصّدُورُ‬
‫ن َومَا تُ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َيصْ َنعُونَ } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬يعْلَمُ خَائِنَةَ العْيُ ِ‬
‫} [غافر ‪.]19 :‬‬
‫وفي الصحيح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫حظّه من الزنى ‪ ،‬أد َركَ ذلك ل محالة‪ .‬فَزنى العينين ‪ :‬النظر‪ .‬وزنى اللسان ‪:‬‬
‫"كُ ِتبَ على ابن آدم َ‬
‫النطقُ‪ .‬وزنى الذنين ‪ :‬الستماع‪ .‬وزنى اليدين ‪ :‬البطش‪ .‬وزنى الرجلين ‪ :‬الخطى‪ .‬والنفس تمَنّى‬
‫وتشتهي ‪ ،‬والفرج ُيصَدّق ذلك أو يُكذبه"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4 ، 3 /5‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4017‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ )1920‬من حديث‬
‫معاوية بن حيدة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ .)5/264‬وفي إسناده عبيد ال بن زحر ‪ ،‬قال ابن حبان ‪" :‬يروي الموضوعات عن‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الثبات وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات ‪ ،‬وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد ال بن زحر‬
‫وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن ‪ ،‬لم يكن ذلك الخبر إل مما عملته أيديهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أما حديث حذيفة ‪ ،‬فرواه الحاكم في المستدرك (‪ )4/314‬من طريق إسحاق القرشي ‪ ،‬عن‬
‫هشيم ‪ ،‬عن عبد الرحمن ‪ ،‬عن إسحاق ‪ ،‬عن محارب ‪ ،‬عن صلة بن زفر ‪ ،‬عن حذيفة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬وصححه الحاكم ‪ ،‬وتعقبه الذهبي‪ .‬قلت ‪ :‬إسحاق واه وعبد الرحمن هو الواسطي‬
‫ضعفوه‪ .‬وأما حديث ابن عمر ‪ ،‬فرواه أبو نعيم في الحلية (‪ )6/101‬من طريق أبي اليمان ‪ ،‬عن‬
‫أبي المهدي ‪ ،‬عن أبي الزاهرية ‪ ،‬عن كثير بن مرة ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬وإسناده‬
‫ضعيف جدا‪.‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير (‪ )8/246‬وعبيد ال بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم ضعفاء‪.‬‬
‫(‪ )6‬المعجم الكبير (‪ )10/214‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/63‬وفيه عبد الرحمن بن إسحاق‬
‫الواسطي وهو ضعيف"‪.‬‬

‫( ‪)6/43‬‬

‫ظهَرَ مِ ْنهَا‬
‫ن وَلَا يُبْدِينَ زِينَ َتهُنّ إِلّا مَا َ‬
‫جهُ ّ‬
‫حفَظْنَ فُرُو َ‬
‫ن وَيَ ْ‬
‫ضضْنَ مِنْ أَ ْبصَارِهِ ّ‬
‫َوقُلْ لِ ْل ُم ْؤمِنَاتِ َي ْغ ُ‬
‫ن وَلَا يُبْدِينَ زِينَ َتهُنّ إِلّا لِ ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ آَبَا ِئهِنّ َأوْ آَبَاءِ ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ‬
‫خمُرِهِنّ عَلَى جُيُو ِبهِ ّ‬
‫وَلْ َيضْرِبْنَ ِب ُ‬
‫خوَا ِتهِنّ َأوْ نِسَا ِئهِنّ َأوْ مَا مََل َكتْ‬
‫خوَا ِنهِنّ َأوْ بَنِي أَ َ‬
‫خوَا ِنهِنّ َأوْ بَنِي إِ ْ‬
‫أَبْنَا ِئهِنّ َأوْ أَبْنَاءِ ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ إِ ْ‬
‫عوْرَاتِ النّسَاءِ‬
‫ظهَرُوا عَلَى َ‬
‫ط ْفلِ الّذِينَ َلمْ يَ ْ‬
‫أَ ْيمَا ُنهُنّ َأوِ التّا ِبعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ َأوِ ال ّ‬
‫جمِيعًا أَ ّيهَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ َلعَّلكُمْ‬
‫ن وَتُوبُوا إِلَى اللّهِ َ‬
‫خفِينَ مِنْ زِينَ ِتهِ ّ‬
‫وَلَا َيضْرِبْنَ بِأَرْجُِلهِنّ لِ ُيعَْلمَ مَا يُ ْ‬
‫ُتفْلِحُونَ (‪)31‬‬

‫رواه البخاري تعليقًا ‪ ،‬ومسلم مسندًا من وجه آخر (‪ )1‬بنحو ما تقدم‪.‬‬


‫وقد قال كثير من السلف ‪ :‬إنهم كانوا ينهَون أن يحدّ الرجل َبصَره (‪ )2‬إلى المرد‪ .‬وقد شَدّد كثير‬
‫من أئمة الصوفية في ذلك ‪ ،‬وحَرّمه طائفة من أهل العلم ‪ ،‬لما فيه من الفتتان ‪ ،‬وشَدّد آخرون في‬
‫ذلك كثيرًا جدًا‪.‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا أبو سعيد المدني (‪ ، )3‬حدثنا عمر بن سهل المازني ‪ ،‬حدثني عمر بن‬
‫صهْبَان ‪ ،‬حدثني صفوان بن سليم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫محمد بن ُ‬
‫غضّت عن محارم ال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كل عين باكية (‪ )4‬يوم القيامة ‪ ،‬إل عينًا َ‬
‫‪ ،‬وعينًا سهِرت في سبيل ال ‪ ،‬وعينًا يخرج منها مثل رأس الذباب ‪ ،‬من خشية ال ‪ ،‬عز وجل" (‬
‫‪.)5‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ظهَرَ مِ ْنهَا‬
‫ن وَل يُبْدِينَ زِينَ َتهُنّ إِل مَا َ‬
‫جهُ ّ‬
‫حفَظْنَ فُرُو َ‬
‫ن وَيَ ْ‬
‫ضضْنَ مِنْ أَ ْبصَارِهِ ّ‬
‫{ َو ُقلْ لِ ْل ُم ْؤمِنَاتِ َي ْغ ُ‬
‫ن وَل يُبْدِينَ زِينَ َتهُنّ إِل لِ ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ آبَا ِئهِنّ َأوْ آبَاءِ ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ‬
‫خمُرِهِنّ عَلَى جُيُو ِبهِ ّ‬
‫وَلْ َيضْرِبْنَ ِب ُ‬
‫خوَا ِتهِنّ َأوْ نِسَا ِئهِنّ َأوْ مَا مََل َكتْ‬
‫خوَا ِنهِنّ َأوْ بَنِي أَ َ‬
‫خوَا ِنهِنّ َأوْ بَنِي إِ ْ‬
‫أَبْنَا ِئهِنّ َأوْ أَبْنَاءِ ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ إِ ْ‬
‫عوْرَاتِ النّسَاءِ‬
‫ظهَرُوا عَلَى َ‬
‫طفْلِ الّذِينَ لَمْ َي ْ‬
‫أَ ْيمَا ُنهُنّ َأوِ التّا ِبعِينَ غَيْرِ أُولِي الرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ َأوِ ال ّ‬
‫جمِيعًا أَ ّيهَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ َلعَّلكُمْ‬
‫ن وَتُوبُوا إِلَى اللّهِ َ‬
‫خفِينَ مِنْ زِينَ ِتهِ ّ‬
‫وَل َيضْرِبْنَ بِأَ ْرجُِلهِنّ لِ ُيعْلَمَ مَا ُي ْ‬
‫ُتفْلِحُونَ (‪} )31‬‬
‫هذا (‪ )6‬أمْرٌ من ال تعالى للنساء المؤمنات ‪ ،‬وغَيْرَة (‪ )7‬منه لزواجهنّ ‪ ،‬عباده المؤمنين ‪،‬‬
‫وتمييز لهن عن صفة نساء الجاهلية وفعال المشركات‪ .‬وكان سبب نزول هذه الية ما ذكره مقاتل‬
‫بن حيّان قال ‪ :‬بلغنا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أن جابر بن عبد ال النصاري حَدّث ‪ :‬أن "أسماء بنت‬
‫مُرْشدَة" كانت في محل لها في بني حارثة ‪ ،‬فجعل النساء يدخلن عليها غير مُتَأزّرات فيبدو ما في‬
‫أرجلهن من الخلخل ‪ ،‬وتبدو صدورهن وذوائبهن ‪ ،‬فقالت أسماء ‪ :‬ما أقبح هذا‪ .‬فأنزل ال ‪:‬‬
‫جهُنّ } الية‪.‬‬
‫حفَظْنَ فُرُو َ‬
‫ن وَيَ ْ‬
‫ضضْنَ مِنْ أَ ْبصَارِهِ ّ‬
‫{ َو ُقلْ لِ ْل ُم ْؤمِنَاتِ َي ْغ ُ‬
‫ضضْنَ مِنْ أَ ْبصَارِهِنّ } أي ‪ :‬عما حَرّم ال عليهن من النظر إلى‬
‫فقوله تعالى ‪َ { :‬وقُلْ لِ ْل ُم ْؤمِنَاتِ َي ْغ ُ‬
‫غير أزواجهن‪ .‬ولهذا ذهب [كثير من العلماء] (‪ )8‬إلى أنه ‪ :‬ل يجوز للمرأة أن تنظر إلى الجانب‬
‫بشهوة ول بغير شهوة أصل‪ .‬واحتج كثير منهم بما رواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من حديث الزهري‬
‫حدّثته ‪ :‬أنها كانت عند رسول ال صلى‬
‫‪ ،‬عن نبهان ‪ -‬مولى أم سلمة ‪ -‬أنه حدثه ‪ :‬أن أم سلمة َ‬
‫ال عليه وسلم وميمونة ‪ ،‬قالت ‪ :‬فبينما نحن عنده أقبل ابنُ أمّ مكتوم ‪ ،‬فدخل عليه ‪ ،‬وذلك بعدما‬
‫ُأمِرْنا بالحجاب ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬احتجبا منه" فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أليس‬
‫هو أعمى ل يبصرنا ول يعرفنا ؟‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )6343‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2657‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬نظره"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬المقبري"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬زانية"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )3/163‬من طريق داود بن عطاء ‪ ،‬عن عمر بن صهبان ‪ ،‬عن‬
‫صفوان ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬به‪ .‬فل أدري أسقط أبو سلمة من إسناد ابن أبي الدنيا‬
‫أم ل ؟ وعمر بن صهبان منكر الحديث اتفق الئمة على تضعيفه‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬وعزة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/44‬‬

‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أو عمياوان (‪ )1‬أنتما ؟ ألستما تبصرانه" (‪.)2‬‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫وذهب آخرون من العلماء إلى جواز نظرهن إلى الجانب بغير شهوة ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح ‪:‬‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم جعل ينظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم يوم العيد في‬
‫المسجد ‪ ،‬وعائشة أم المؤمنين تنظر إليهم من ورائه ‪ ،‬وهو يسترها منهم حتى مَلّت ورجعت (‪.)3‬‬
‫جهُنّ } قال سعيد بن جُبَيْر ‪ ، :‬عن الفواحش‪ .‬وقال قتادة وسفيان ‪ :‬عما ل‬
‫حفَظْنَ فُرُو َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيَ ْ‬
‫يحل لهن‪ .‬وقال مقاتل ‪ ، :‬عن الزنى‪ .‬وقال أبو العالية ‪ :‬كل آية نزلت في القرآن يذكر فيها حفظ‬
‫جهُنّ } أل يراها أحد‪.‬‬
‫حفَظْنَ فُرُو َ‬
‫الفروج ‪ ،‬فهو من الزنى ‪ ،‬إل هذه الية ‪ { :‬وَيَ ْ‬
‫ظهَرَ مِ ْنهَا } أي ‪ :‬ل يُظهرْنَ شيئا من الزينة للجانب ‪ ،‬إل‬
‫وقال (‪ { : )4‬وَل يُبْدِينَ زِينَ َتهُنّ إِل مَا َ‬
‫ما ل يمكن إخفاؤه‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪ :‬كالرداء والثياب‪ .‬يعني ‪ :‬على ما كان يتعاناه نساء العرب ‪ ،‬من المِقْنعة التي‬
‫تُجَلّل ثيابها ‪ ،‬وما يبدو من أسافل الثياب فل حرج عليها فيه ؛ لن هذا ل يمكن إخفاؤه‪[ .‬ونظيره‬
‫في زي النساء ما يظهر من إزارها ‪ ،‬وما ل يمكن إخفاؤه‪ .‬وقال] (‪ )5‬بقول ابن مسعود ‪:‬‬
‫الحسن ‪ ،‬وابن سيرين ‪ ،‬وأبو الجوزاء ‪ ،‬وإبراهيم النّخَعي ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ظهَرَ مِ ْنهَا } قال‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَل يُبْدِينَ زِينَ َتهُنّ إِل مَا َ‬
‫‪ :‬وجهها وكفيها والخاتم‪ .‬ورُوي عن ابن عمر ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وأبي‬
‫الشعثاء ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وإبراهيم النّخَعي ‪ ،‬وغيرهم ‪ -‬نحوُ ذلك‪ .‬وهذا يحتمل أن يكون تفسيرًا‬
‫حوَص ‪ ،‬عن عبد ال قال‬
‫للزينة التي نهين عن إبدائها ‪ ،‬كما قال أبو إسحاق السّبيعي ‪ ،‬عن أبي ال ْ‬
‫في قوله ‪ { :‬وَل يُبْدِينَ زِينَ َتهُنّ } ‪ :‬الزينة القُرْط وال ّدمْلُج والخلخال والقلدة‪ .‬وفي رواية عنه بهذا‬
‫السناد قال ‪ :‬الزينة زينتان ‪ :‬فزينة ل يراها إل الزوج ‪ :‬الخاتم والسوار ‪[ ،‬وزينة يراها‬
‫الجانب ‪ ،‬وهي] (‪ )6‬الظاهر من الثياب‪.‬‬
‫سمّى ال ممن ل يحل له إل السورة والخمرة‬
‫وقال الزهري ‪[ :‬ل يبدو] (‪ )7‬لهؤلء الذين َ‬
‫والقرطة من غير حسر ‪ ،‬وأما عامة الناس فل يبدو منها إل الخواتم‪.‬‬
‫ظهَرَ مِ ْنهَا } الخاتم والخلخال‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ ،‬عن الزهري ‪ { :‬إِل مَا َ‬
‫ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين ‪ ،‬وهذا هو المشهور‬
‫عند الجمهور ‪ ،‬ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في سننه ‪:‬‬
‫حدثنا يعقوب بن كعب النطاكي و ُم َؤمّل بن الفضل الحَرّاني قال حدثنا الوليد ‪ ،‬عن سعيد بن َبشِير‬
‫‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن خالد بن دُرَيك ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ؛ أن أسماء بنت أبي بكر دخلت‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫على النبي صلى ال عليه وسلم وعليها ثياب رقاق ‪ ،‬فأعرض عنها وقال ‪" :‬يا أسماء ‪ ،‬إن المرأة‬
‫إذا بلغت المحيض لم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أفعمياوان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪ )4112‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2778‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)454‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/45‬‬

‫يصلح أن يُرَى منها إل هذا" وأشار إلى وجهه وكفيه (‪.)1‬‬


‫لكن قال أبو داود وأبو حاتم الرازي ‪ :‬هذا مرسل ؛ خالد بن دُرَيك لم يسمع من عائشة ‪ ،‬فال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫خمُرِهِنّ عَلَى جُيُو ِبهِنّ } يعني ‪ :‬المقانع يعمل لها صَنفات ضاربات على‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلْ َيضْرِبْنَ بِ ُ‬
‫صدور النساء ‪ ،‬لتواري ما تحتها من صدرها وترائبها ؛ ليخالفن شعارَ نساء أهل الجاهلية ‪ ،‬فإنهن‬
‫لم يكن يفعلن ذلك ‪ ،‬بل كانت المرأة تمر بين الرجال مسفحة بصدرها ‪ ،‬ل يواريه شيء ‪ ،‬وربما‬
‫أظهرت (‪ )2‬عنقها وذوائب شعرها وأقرطة آذانها‪ .‬فأمر ال المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن‬
‫جكَ وَبَنَا ِتكَ وَنِسَاءِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ُيدْنِينَ عَلَ ْيهِنّ‬
‫وأحوالهن ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ ل ْزوَا ِ‬
‫مِنْ جَلبِي ِبهِنّ ذَِلكَ أَدْنَى أَنْ ُيعْ َرفْنَ فَل ُيؤْذَيْنَ } [ الحزاب ‪ .]59 :‬وقال في هذه الية الكريمة ‪:‬‬
‫خمُر ‪ :‬جمع خِمار ‪ ،‬وهو ما يُخَمر به ‪ ،‬أي ‪ :‬يغطى به‬
‫خمُ ِرهِنّ عَلَى جُيُو ِبهِنّ } وال ُ‬
‫{ وَلْ َيضْرِبْنَ بِ ُ‬
‫الرأس ‪ ،‬وهي التي تسميها الناس المقانع‪.‬‬
‫علَى جُيُو ِبهِنّ } يعني ‪ :‬على النحر‬
‫خمُرِهِنّ َ‬
‫قال سعيد بن جبير ‪ { :‬وَلْ َيضْرِبْن } ‪ :‬وليشددن { بِ ُ‬
‫والصدر ‪ ،‬فل يرى منه شيء‪.‬‬
‫شهَاب ‪ ،‬عن‬
‫وقال البخاري ‪ :‬وقال أحمد بن شَبِيب (‪ : )3‬حدّثنا أبي ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن (‪ )4‬ابن ِ‬
‫عُ ْر َوةَ ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬يرحم ال نساء المهاجرات الول ‪ ،‬لما أنزل ال ‪:‬‬
‫خمُ ِرهِنّ عَلَى جُيُو ِبهِنّ } ش َققْنَ مُرُوطهن فاختمرن به (‪.)6( )5‬‬
‫{ وَلْ َيضْرِبْنَ بِ ُ‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبو ُنعَيم ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن نافع ‪ ،‬عن الحسن بن مسلم ‪ ،‬عن صَفيّة بنت شيبة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خمُرِهِنّ‬
‫؛ أن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬كانت تقول (‪ : )7‬لما نزلت هذه الية ‪ { :‬وَلْ َيضْرِبْنَ ِب ُ‬
‫شقَقنها من قبل الحواشي ‪ ،‬فاختمرن بها (‪.)8‬‬
‫عَلَى جُيُو ِبهِنّ } ‪ :‬أخذن أزرهن فَ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد ال بن يونس ‪ ،‬حدثني الزنجيّ بن خالد ‪،‬‬
‫حدثنا عبد ال بن عثمان بن خُثَيْم ‪ ،‬عن صفية بنت شيبة قالت ‪ :‬بينا نحن عند عائشة ‪ ،‬قالت ‪:‬‬
‫فذكرنا نساء قريش وفضلهن‪ .‬فقالت عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ :‬إن لنساء قريش لفضل وإني ‪-‬‬
‫وال ‪ -‬وما رأيت أفضلَ من نساء النصار أشدّ تصديقًا بكتاب ال ‪ ،‬ول إيمانًا بالتنزيل‪ .‬لقد أنزلت‬
‫خمُرِهِنّ عَلَى جُيُو ِبهِنّ } ‪ ،‬انقلب إليهن رجالهن يتلون عليهن ما أنزل‬
‫سورة النور ‪ { :‬وَلْ َيضْرِبْنَ ِب ُ‬
‫ال إليهم فيها ‪ ،‬ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته ‪ ،‬وعلى كل ذي قرابة (‪ ، )9‬فما منهن‬
‫امرأة إل قامت إلى مِرْطها المُرَحّل فاعتجرت به ‪ ،‬تصديقًا وإيمانًا بما أنزل ال من كتابه ‪،‬‬
‫فأصبحْنَ وراء رسول ال صلى ال عليه وسلم الصبح معتجرات ‪ ،‬كأن على رؤوسهن الغربان‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن أبي داود برقم (‪.)4104‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬ظهرت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪" :‬حدثنا أحمد بن شبيب" وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثنا أحمد بن شبيب قال" والمثبت من‬
‫البخاري‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬بها" وفي أ ‪" :‬بهن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)4758‬‬
‫(‪ )7‬في هـ ‪ ،‬ف ‪" :‬رضي ال عنها قالت ‪ :‬لما" ‪ ،‬والمثبت من البخاري‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪.)4759‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬قرابته"‪.‬‬

‫( ‪)6/46‬‬

‫ورواه أبو داود من غير وجه ‪ ،‬عن صفية بنت شيبة ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬أن قُ ّرةَ بن عبد الرحمن أخبره ‪ ،‬عن ابن‬
‫شهاب ‪ ،‬عن عُ ْروَة ‪ ،‬عن عائشة ؛ أنها قالت ‪ :‬يرحم ال النساء المهاجرات الوَل ‪ ،‬لما أنزل ال‬
‫شقّقن أكثَف مروطهن فاختمرن به‪ .‬ورواه أبو داود من‬
‫خمُرِهِنّ عَلَى جُيُو ِبهِنّ } َ‬
‫‪ { :‬وَلْ َيضْرِبْنَ ِب ُ‬
‫حديث ابن وهب ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل يُبْدِينَ زِينَ َتهُنّ إِل لِ ُبعُولَ ِتهِنّ } يعني ‪ :‬أزواجهن ‪َ { ،‬أوْ آبَا ِئهِنّ َأوْ آبَاءِ ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خوَا ِتهِنّ } كل هؤلء محارم المرأة‬
‫خوَا ِنهِنّ َأوْ بَنِي أَ َ‬
‫خوَا ِنهِنّ َأوْ بَنِي إِ ْ‬
‫أَبْنَا ِئهِنّ َأوْ أَبْنَاءِ ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ إِ ْ‬
‫يجوز لها أن تظهر عليهم بزينتها ‪ ،‬ولكن من غير اقتصاد وتبهرج (‪.)3‬‬
‫وقال ابن المنذر ‪ :‬حدثنا موسى ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن هارون ‪ -‬حدثنا أبو بكر ‪ -‬يعني ابن أبي شيبة ‪-‬‬
‫عكْرمَة في هذه الية ‪ { :‬وَل‬
‫حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أخبرنا داود ‪ ،‬عن الشعبي و ِ‬
‫يُبْدِينَ زِينَ َتهُنّ إِل لِ ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ آبَا ِئهِنّ َأوْ آبَاءِ ُبعُولَ ِتهِنّ } ‪ -‬حتى فرغ منها قال ‪ :‬لم يذكر العم ول‬
‫الخال ؛ لنهما ينعَتان (‪ )4‬لبنائهما ‪ ،‬ول تضع خمارها عند العم والخال فأما الزوج فإنما ذلك‬
‫كله من أجله ‪ ،‬فتتصنع له ما ل يكون بحضرة غيره‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوْ نِسَا ِئهِنّ } يعني ‪ :‬تُظهر زينتها أيضًا للنساء المسلمات دون نساء أهل الذمة ؛ لئل‬
‫تصفهن لرجالهن ‪ ،‬وذلك ‪ -‬وإن كان محذورًا في جميع النساء ‪ -‬إل أنه في نساء أهل الذمة‬
‫أشدّ ‪ ،‬فإنهن ل يمنعهن من ذلك مانع ‪ ،‬وأما المسلمة فإنها تعلم أن ذلك حرام فتنزجر عنه‪ .‬وقد‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تباشر المرأةَ المرأةَ ‪ ،‬تنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬عن ابن مسعود (‪.)5‬‬
‫وقال سعيد بن منصور في سننه ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن هشام بن الغاز ‪ ، ،‬عن عبادة‬
‫سيّ ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن الحارث بن قيس قال ‪ :‬كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي‬
‫بن نُ َ‬
‫عبيدة ‪ :‬أما بعد ‪ ،‬فإنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك ‪،‬‬
‫فانْهَ مَنْ قِبَلَك فل (‪ )6‬يحل لمرأة تؤمن بال واليوم الخر أن ينظر إلى عورتها إل أهل ملتها (‬
‫‪.)7‬‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪َ { :‬أوْ نِسَا ِئهِنّ } قال ‪ :‬نساؤهن المسلمات ‪ ،‬ليس المشركات من نسائهن ‪،‬‬
‫وليس للمرأة المسلمة أن تنكشف بين يدي المشركة‪.‬‬
‫وروى عَبد في تفسيره (‪ )8‬عن الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬أوْ ِنسَا ِئهِنّ } ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬هن المسلمات ل تبديه ليهودية ول نصرانية ‪ ،‬وهو النّحْر والقُرْط والوٍشَاح ‪ ،‬وما ل يحل أن‬
‫يراه إل محرم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن أبي داود برقم (‪.)4101 ، 4100‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )18/94‬وسنن أبي داود برقم (‪.)4102‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بهرج"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬يتبعان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)5241‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فإنه ل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه البيهقي في السنن الكبرى (‪ )7/95‬من طريق سعيد بن منصور ‪ ،‬به‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬تفسير"‪.‬‬

‫( ‪)6/47‬‬

‫وروى سعيد ‪ :‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬ل تضع المسلمة خمارها عند مشركة ؛‬
‫لن ال تعالى يقول ‪َ { :‬أوْ نِسَا ِئهِنّ } فليست (‪ )1‬من نسائهن‪.‬‬
‫سيّ ‪ :‬أنهما كرها أن تقبل النصرانيةُ واليهودية والمجوسية المسلمة‪.‬‬
‫وعن مكحول وعبادة بن نُ َ‬
‫ضمْرَة قال ‪ :‬قال‬
‫فأما ما رواه ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أبو عمير ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫ابن عطاء ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬ولما قدم أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم بيت المقدس ‪ ،‬كان َقوَابل‬
‫نسائهم اليهوديات والنصرانيات فهذا ‪ -‬إن صح ‪ -‬مَحمولٌ على حال الضرورة ‪ ،‬أو أن ذلك من‬
‫باب المتهان ‪ ،‬ثم إنه ليس فيه كشف عورة ول بد ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُنّ } قال ابن جُرَيج (‪ : )2‬يعني ‪ :‬من نساء المشركين ‪ ،‬فيجوز لها أن‬
‫تظهر [زينتها لها وإن كانت مشركة ؛ لنها أمتها‪ .‬وإليه ذهب سعيد بن المسيّب‪ .‬وقال الكثرون ‪:‬‬
‫بل يجوز لها أن تظهر] (‪ )3‬على رقيقها من الرجال والنساء ‪ ،‬واستدلوا بالحديث الذي رواه أبو‬
‫داود ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عيسى ‪ ،‬حدثنا أبو جميع سالم بن دينار ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬أن النبي (‪)4‬‬
‫صلى ال عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها‪ .‬قال ‪ :‬وعلى فاطمة ثوب إذا قَنّعت به رأسها لم‬
‫يبلغ رجليها ‪ ،‬وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها ‪ ،‬فلما رأى النبي صلى ال عليه وسلم ما تلقى‬
‫قال ‪" :‬إنه ليس عليك بأس ‪ ،‬إنما هو أبوك وغلمك" (‪.)5‬‬
‫صيّ ‪ -‬مولى معاوية ‪ -‬أن‬
‫خ ِ‬
‫وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخه [في] (‪ )6‬ترجمة حُدَيْج ال َ‬
‫سعَدَة الفزاري كان أسود شديد الدمة ‪ ،‬وأنه قد كان النبي صلى ال عليه وسلم وهبه‬
‫عبد ال بن مَ ْ‬
‫لبنته فاطمة ‪ ،‬فربته ثم أعتقته ‪ ،‬ثم قد كان بعد ذلك كله مع معاوية أيام صفين ‪ ،‬وكان من أشد‬
‫الناس على عليّ بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه (‪.)7‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان بن عُيَيْنَة ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن نَ ْبهَان ‪ ،‬عن أم سلمة ‪ ،‬ذكرت أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إذا كان لحداكن ُمكَاتَب ‪ ،‬وكان له ما يؤدي ‪ ،‬فلتحتجب‬
‫منه"‪.‬‬
‫سدّد ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬به (‪.)8‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬عن مُ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوِ التّا ِبعِينَ غَيْرِ أُولِي الرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ } يعني ‪ :‬كالجراء والتباع الذين ليسوا بأكفاء‬
‫خوَث (‪ ، )9‬ول همّ لهم إلى النساء ول يشتهونهن‪.‬‬
‫‪ ،‬وهم مع ذلك في عقولهم وَله و َ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬هو المغفل الذي ل شهوة له‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هو البْلَه‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬هو المخَنّث الذي ل يقوم زُبّه‪ .‬وكذلك قال غير واحد من السلف‪.‬‬
‫وفي الصحيح من حديث الزهري ‪ ،‬عن عُ ْر َوةَ ‪ ،‬عن عائشة ؛ أن مخنثًا كان يدخل على أهل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬فليس" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فلسن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬جرير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬نبي ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪.)4106‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬تاريخ دمشق (‪" 4/278‬المخطوط")‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )6/289‬وسنن أبي داود برقم (‪.)3928‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وحوب"‪.‬‬

‫( ‪)6/48‬‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكانوا يعدّونه من غير أولي الربة ‪ ،‬فدخل النبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم وهو ينَعت امرأة ‪ :‬يقول إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ‪ ،‬وإذا أدبرت أدبرت بثمان‪ .‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل أرى هذا يعلم ما هاهنا ‪ ،‬ل يدخلَنّ عليكُنَ" فأخرجه ‪ ،‬فكان‬
‫بالبيداء يدخل يوم كل جمعة يستطعم (‪.)1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا هشام بن عُ ْر َوةَ ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن زينب بنت أبي‬
‫سلمة ‪ ،‬عن أم سلمة قالت ‪ :‬دخل عليها [رسول ال صلى ال عليه وسلم] (‪ )2‬وعندها مخنث ‪،‬‬
‫وعندها [أخوها] (‪ )3‬عبد ال بن أبي أمية [والمخنث يقول لعبد ال ‪ :‬يا عبد ال بن أبي أمية] (‪)4‬‬
‫إن فتح ال عليكم الطائف غدًا ‪ ،‬فعليك بابنة غيلن ‪ ،‬فإنها تقبل بأربع وتدبر (‪ )5‬بثمان‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فسمعه رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال لم سلمة ‪" :‬ل يدخلن هذا عليك"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث هشام بن عروة ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة بن الزبير ‪ ،‬عن‬
‫عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫مخنث ‪ ،‬وكانوا َي ُعدّونه من غير أولي الربة ‪ ،‬فدخل النبي صلى ال عليه وسلم يوما وهو عند‬
‫بعض نسائه ‪ ،‬وهو ينعت امرأة‪ .‬فقال ‪ :‬إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ‪ ،‬وإذا أدبرت أدبرت بثمان‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل أرى هذا يعلم ما هاهنا ؟ ل يدخلَنّ عليكم هذا" فحجبوه‪.‬‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي من طريق عبد الرزاق ‪ ،‬به (‪.)7‬‬
‫عوْرَاتِ النّسَاءِ } يعني ‪ :‬لصغرهم ل يفهمون أحوال‬
‫ظهَرُوا عَلَى َ‬
‫طفْلِ الّذِينَ لَمْ يَ ْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوِ ال ّ‬
‫النساء وعوراتهنّ من كلمهن (‪ )8‬الرخيم ‪ ،‬وتعطفهن في المشية وحركاتهن ‪ ،‬فإذا كان الطفل‬
‫صغيرًا ل يفهم ذلك ‪ ،‬فل بأس بدخوله على النساء‪.‬فأما إن كان مراهقا أو قريبا منه ‪ ،‬بحيث‬
‫يعرف ذلك ويدريه ‪ ،‬ويفرق بين الشوهاء والحسناء ‪ ،‬فل يمكن من الدخول على النساء‪ .‬وقد ثبت‬
‫في الصحيحين ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إياكم والدخول على النساء"‪ .‬قالوا‬
‫حمْو الموت"‪.‬‬
‫حمْو ؟ قال ‪" :‬ال َ‬
‫‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أفرأيت ال َ‬
‫خفِينَ مِنْ زِينَ ِتهِنّ } كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت (‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل َيضْرِبْنَ بِأَرْجُِلهِنّ لِ ُيعَْلمَ مَا يُ ْ‬
‫‪ )9‬تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت ‪ -‬ل يسمع صوته ‪ -‬ضربت برجلها الرض ‪،‬‬
‫فيعلم الرجال طنينه ‪ ،‬فنهى ال المؤمنات عن مثل ذلك‪ .‬وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستورًا ‪،‬‬
‫فتحركت بحركة لتظهر (‪ )10‬ما هو خفي ‪ ،‬دخل في هذا النهي ؛ لقوله تعالى ‪ { :‬وَل َيضْرِبْنَ‬
‫خفِينَ مِنْ زِينَ ِتهِنّ } ‪ :‬ومن ذلك أيضا أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند‬
‫بِأَرْجُِلهِنّ لِ ُيعَْلمَ مَا يُ ْ‬
‫خروجها من بيتها ل َيشْتَمّ (‪ )11‬الرجال طيبها ‪ ،‬فقد قال أبو عيسى الترمذي ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )2181‬وزيادة ‪" :‬فأخرجه ‪ ،‬فكان بالبيداء يدخل كل يوم جمعة‪....‬‬
‫الحديث" أخرجها أبو داود في السنن برقم (‪ )4109‬من طريق الزهري ‪ ،‬به ‪ ،‬وليست في صحيح‬
‫مسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وتذهب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )6/290‬وصحيح البخاري برقم (‪ )5887‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2180‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )6/152‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2181‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4108‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى (‪.)9247‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬كلمهم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬كانت المرأة إذا كانت في الجاهلية"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬ليظهر"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬ليشم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/49‬‬

‫عمَارة الحنفي ‪ ،‬عن غُنَيْم بن‬


‫حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعيد القّطّان ‪ ،‬عن ثابت بن ُ‬
‫قيس ‪ ،‬عن أبي موسى رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬كل عين زانية ‪،‬‬
‫والمرأة إذا استعطرت فمرّت بالمجلس فهي كذا وكذا" يعني زانية (‪.)1‬‬
‫قال ‪ :‬وفي الباب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬وهذا حسن صحيح‪.‬‬
‫رواه أبو داود والنسائي ‪ ،‬من حديث ثابت بن عمارة ‪ )2( ،‬به‪.‬‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا محمد بن كثير ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن عاصم بن (‪ )3‬عبيد ال ‪ ،‬عن عبيد‬
‫مولى أبي رُهْم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لقيتْه امرأة وجد منها ريح الطيب ‪،‬‬
‫ولذيلها إعصار فقال ‪ :‬يا أمة الجبار ‪ ،‬جئت من المسجد ؟ قالت ‪ :‬نعم‪ .‬قال لها ‪[ :‬وله] (‪)4‬‬
‫تَطَيّبتِ ؟ قالت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬إني سمعت حبي أبا القاسم (‪ )5‬صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ل يقبل‬
‫ال صلة امرأة تَطَيبت لهذا المسجد ‪ ،‬حتى ترجع فتغتسل غُسلها من الجنابة"‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجه ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن سفيان ‪ -‬هو ابن عيينة ‪ )6( -‬به‪.‬‬
‫وروى الترمذي أيضًا من حديث موسى بن عُبَيدة ‪ ،‬عن أيوب بن خالد ‪ ،‬عن ميمونة بنت سعد ؛‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬الرافلة في الزينة في غير أهلها ‪ ،‬كمثل ظلمة يوم‬
‫القيامة ل نور لها" (‪.)7‬‬
‫ومن ذلك أيضا أنهن يُنهَين عن المشي في وسط الطريق ؛ لما فيه من التبرج‪ .‬قال أبو داود ‪:‬‬
‫حدثنا ال َقعْنَبِيّ ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن محمد ‪ -‬عن (‪ )8‬أبي اليمان ‪ ،‬عن شداد بن أبي‬
‫عمرو بن حماس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن حمزة بن أبي أسيد النصاري ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬أنه سمع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد ‪ -‬وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق ‪-‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم للنساء ‪" :‬استأخرن ‪ ،‬فإنه ليس لكن أن َتحْققْن (‪ )9‬الطريق ‪،‬‬
‫عليكن بحافات الطريق" ‪ ،‬فكانت المرأة تلصق بالجدار ‪ ،‬حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار ‪ ،‬من‬
‫لصوقها به (‪.)10‬‬
‫جمِيعًا أَ ّيهَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ } أي ‪ :‬افعلوا ما آمركم به من هذه‬
‫وقوله ‪ { :‬وَتُوبُوا إِلَى اللّهِ َ‬
‫الصفات الجميلة والخلق الجليلة ‪ ،‬واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الخلق والصفات‬
‫الرذيلة ‪ ،‬فإن الفَلح كل الفَلح في فعل ما أمر ال به ورسوله ‪ ،‬وترك ما نهيا (‪ )11‬عنه ‪ ،‬وال‬
‫تعالى هو المستعان [وعليه التكلن] (‪.)12‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪.)2786‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪ )4173‬وسنن النسائي (‪.)8/153‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وأبي داود‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود برقم (‪ )4174‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)4002‬‬
‫(‪ )7‬سنن الترمذي برقم (‪ )1167‬وقال الترمذي ‪" :‬وهذا حديث ل نعرفه إل من حديث موسى بن‬
‫عبيدة ‪ ،‬وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث من قبل حفظه وهو صدوق ‪ ،‬وقد رواه بعضهم عن‬
‫موسى بن عبيدة ولم يرفعه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬تحتضن" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬تختص"‪.‬‬
‫(‪ )10‬سنن أبي داود برقم (‪.)5272‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬ما نهاه"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/50‬‬

‫وَأَ ْنكِحُوا الْأَيَامَى مِ ْن ُك ْم وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبَا ِد ُك ْم وَِإمَا ِئكُمْ إِنْ َيكُونُوا فُقَرَاءَ ُيغْ ِنهِمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِ ِه وَاللّهُ‬
‫جدُونَ ِنكَاحًا حَتّى ُيغْنِ َي ُهمُ اللّهُ مِنْ َفضِْل ِه وَالّذِينَ يَبْ َتغُونَ‬
‫وَاسِعٌ عَلِيمٌ (‪ )32‬وَلْيَسْ َت ْعفِفِ الّذِينَ لَا يَ ِ‬
‫ا ْلكِتَابَ ِممّا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ َفكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَِلمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُو ُهمْ مِنْ مَالِ اللّهِ الّذِي آَتَا ُك ْم وَلَا ُتكْرِهُوا‬
‫حصّنًا لِتَبْ َتغُوا عَ َرضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا َومَنْ ُيكْرِهّنّ فَإِنّ اللّهَ مِنْ َبعْدِ‬
‫فَتَيَا ِتكُمْ عَلَى الْ ِبغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ َت َ‬
‫ت َومَثَلًا مِنَ الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَبِْلكُ ْم َو َموْعِظَةً‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )33‬وََلقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكُمْ آَيَاتٍ مُبَيّنَا ٍ‬
‫ِإكْرَا ِههِنّ َ‬
‫لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪)34‬‬

‫{ وَأَ ْنكِحُوا اليَامَى مِ ْنكُ ْم وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبَا ِدكُ ْم وَِإمَا ِئكُمْ إِنْ َيكُونُوا ُفقَرَاءَ ُيغْ ِنهِمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِ ِه وَاللّهُ‬
‫ن ل َيجِدُونَ ِنكَاحًا حَتّى ُيغْنِ َيهُمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِ ِه وَالّذِينَ يَبْ َتغُونَ‬
‫وَاسِعٌ عَلِيمٌ (‪ )32‬وَلْيَسْ َت ْعفِفِ الّذِي َ‬
‫ا ْلكِتَابَ ِممّا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ َفكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَِلمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُو ُهمْ مِنْ مَالِ اللّهِ الّذِي آتَا ُك ْم وَل‬
‫حصّنًا لِتَبْ َتغُوا عَ َرضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا َومَنْ ُيكْرِهّنّ فَإِنّ اللّهَ مِنْ‬
‫ُتكْرِهُوا فَتَيَا ِتكُمْ عَلَى الْ ِبغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ َت َ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )33‬وََلقَدْ أَنزلْنَا إِلَ ْيكُمْ آيَاتٍ مُبَيّنَاتٍ َومَثَل مِنَ الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَبِْل ُكمْ‬
‫َبعْدِ ِإكْرَا ِههِنّ َ‬
‫ظةً لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪} )34‬‬
‫َومَوْعِ َ‬
‫اشتملت هذه اليات الكريمات المبينة على جمل من الحكام المحكمة ‪ ،‬والوامر المبرمة ‪ ،‬فقوله‬
‫تعالى ‪ { :‬وَأَ ْنكِحُوا اليَامَى مِ ْنكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبَا ِد ُك ْم وَِإمَا ِئكُمْ } ‪ :‬هذا أمر بالتزويج‪ .‬وقد ذهب‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طائفة من العلماء إلى وجوبه ‪ ،‬على كل من َقدَر عليه‪ .‬واحتجوا بظاهر قوله صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬يا معشر الشباب ‪ ،‬من استطاع منكم الباءة فليتزوج ‪ ،‬فإنه أغض للبصر ‪ ،‬وأحصن للفرج ‪،‬‬
‫ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"‪ .‬أخرجاه من حديث ابن مسعود (‪.)1‬‬
‫وجاء في السنن ‪ -‬من غير وجه ‪ -‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬تَ َزوّجوا ‪ ،‬توالدوا ‪،‬‬
‫تناسلوا ‪ ،‬فإني مُبَاهٍ بكم المم يوم القيامة" (‪ )2‬وفي رواية ‪" :‬حتى بالسقط"‪.‬‬
‫اليامى ‪ :‬جمع أيّم ‪ ،‬ويقال ذلك للمرأة التي ل زوج لها ‪ ،‬وللرجل الذي ل زوجة له‪ .‬وسواء كان‬
‫قد تزوج ثم فارق ‪ ،‬أو لم يتزوج واحد منهما ‪ ،‬حكاه الجوهري عن أهل اللغة ‪ ،‬يقال ‪ :‬رجل أيّم‬
‫وامرأة أيّم أيضا‪.‬‬
‫سعٌ عَلِيمٌ } ‪ ،‬قال علي بن أبي طلحة‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬إِنْ َيكُونُوا فُقَرَاءَ ُيغْ ِنهِمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِ ِه وَاللّ ُه وَا ِ‬
‫‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬رغبهم ال في التزويج ‪ ،‬وأمر به الحرار والعبيد ‪ ،‬ووعدهم عليه الغنى ‪،‬‬
‫فقال ‪ { :‬إِنْ َيكُونُوا ُفقَرَاءَ ُيغْ ِنهِمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِهِ }‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمود بن خالد الزرق ‪ ،‬حدثنا عمر بن عبد الواحد ‪،‬‬
‫عن سعيد ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن عبد العزيز ‪ -‬قال ‪ :‬بلغني أن أبا بكر الصديق ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أطيعوا ال فيما أمركم به من النكاح ‪ ،‬ينجز [لكم] (‪ )3‬ما وعدكم من الغنى ‪ ،‬قال ‪ { :‬إِنْ َيكُونُوا‬
‫ُفقَرَاءَ ُيغْ ِنهِمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِهِ }‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪ :‬التمسوا الغنى في النكاح ‪ ،‬يقول ال تعالى ‪ { :‬إِنْ َيكُونُوا ُفقَرَاءَ ُيغْ ِنهِمُ اللّهُ مِنْ‬
‫َفضْلِهِ } رواه (‪ )4‬ابن جرير ‪ ،‬وذكر البغوي عن عمر بنحوه‪.‬‬
‫وعن الليث ‪ ،‬عن محمد بن عَجْلن ‪ ،‬عن سعيد المقْبُرِي ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال‬
‫عوْنهم ‪ :‬الناكح يريد العفاف ‪،‬‬
‫حقّ على ال َ‬
‫‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ثلثة َ‬
‫والمكاتَب يريد الداء ‪ ،‬والغازي في سبيل ال"‪ .‬رواه المام أحمد ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن‬
‫ماجه (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )5066‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1400‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪ )2050‬وسنن النسائي (‪.)6/65‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/251‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1655‬وسنن النسائي (‪ )6/61‬وسنن ابن ماجه برقم‬
‫(‪.)2518‬‬

‫( ‪)6/51‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد زوّج رسول ال صلى ال عليه وسلم ذلك الرجل الذي لم يجد إل إزاره (‪ ، )1‬ولم يقدر على‬
‫خاتم من حديد ‪ ،‬ومع هذا فزوّجه بتلك المرأة ‪ ،‬وجعل صداقها عليه أن يعلمها ما يحفظه من‬
‫القرآن‪.‬‬
‫والمعهود من كرم ال تعالى ولطفه أن يرزقه [وإياها] (‪ )2‬ما فيه كفاية له ولها‪ .‬فأما ما يورده‬
‫كثير من الناس على أنه حديث ‪" :‬تزوجوا فقراء يغنكم ال" ‪ ،‬فل أصل له ‪ ،‬ولم أره بإسناد قوي‬
‫ول ضعيف إلى الن ‪ ،‬وفي القرآن غنية عنه ‪ ،‬وكذا (‪ )3‬هذا الحديث الذي أوردناه‪ .‬ول الحمد‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وليستعفف الذين ل يجدون نكاحًا حتى يغنيهم ال من فضله }‪ .‬هذا أمر من ال‬
‫تعالى لمن ل يجد تزويجًا [بالتعفف] (‪ )4‬عن الحرام ‪ ،‬كما قال ‪ -‬عليه الصلة والسلم (‪: - )5‬‬
‫حصَنُ للفرج‪ .‬ومن‬
‫غضّ للبصر ‪ ،‬وأ ْ‬
‫"يا معشر الشباب ‪ ،‬من استطاع منكم الباءة فليتزوج ‪ ،‬فإنه أ َ‬
‫لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء"‪.‬‬
‫وهذه (‪ )6‬الية مطلقة ‪ ،‬والتي في سورة النساء أخص منها ‪ ،‬وهي قوله تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َلمْ يَسْ َتطِعْ‬
‫حصَنَاتِ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ َفمِنْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ مِنْ فَتَيَا ِت ُكمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ } ‪ ،‬إلى أن‬
‫طوْل أَنْ يَ ْنكِحَ ا ْل ُم ْ‬
‫مِ ْنكُمْ َ‬
‫شيَ ا ْلعَ َنتَ مِ ْنكُ ْم وَأَنْ َتصْبِرُوا خَيْرٌ َلكُمْ } [النساء ‪ ]25 :‬أي صبركم عن تزويج‬
‫خِ‬‫قال ‪ { :‬ذَِلكَ ِلمَنْ َ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ }‪.‬‬
‫الماء خير ؛ لن الولد يجيء رقيقا ‪ { ،‬وَاللّهُ َ‬
‫جدُونَ ِنكَاحًا } قال ‪ :‬هو الرجل يرى المرأة فكأنه‬
‫قال عكرمة في قوله ‪ { :‬وَلْيَسْ َت ْع ِففِ الّذِينَ ل يَ ِ‬
‫يشتهي ‪ ،‬فإن كانت له امرأة فليذهب إليها وليقض (‪ )7‬حاجته منها ‪ ،‬وإن لم يكن له امرأة فلينظر‬
‫في ملكوت السموات [والرض] (‪ )8‬حتى يغنيه ال‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ يَبْ َتغُونَ ا ْلكِتَابَ ِممّا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ َفكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَِلمْ ُتمْ فِيهِمْ خَيْرًا } هذا أمر من ال‬
‫تعالى للسادة إذا طلب منهم عبيدهم الكتابة أن يكاتبوا (‪ ، )9‬بشرط أن يكون للعبد حيلة وكسب‬
‫يؤدي إلى سيّده المال الذي شارطه على أدائه‪ .‬وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن هذا المر أمرُ‬
‫إرشاد واستحباب ‪ ،‬ل أمر تحتم وإيجاب ‪ ،‬بل السيد مخير ‪ ،‬إذا طلب منه عبده الكتابة إن شاء‬
‫كاتبه ‪ ،‬وإن شاء لم يكاتبه‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن الشعبي ‪ :‬إن شاء كاتبه وإن شاء لم يكاتبه‪.‬‬
‫وقال ابن وهب ‪ ،‬عن إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن عطاء بن أبي رَبَاح ‪ :‬إن يشأ يكاتبه‬
‫وإن لم يشأ لم يكاتبه (‪ ، )10‬وكذا قال مُقاتل بن حَيّان ‪ ،‬والحسن البصري‪.‬‬
‫وذهب آخرون إلى أنه يجب على السيد إذا طلب منه عبدُه ذلك ‪ ،‬أن يجيبه إلى ما طلب ؛ أخذًا‬
‫بظاهر هذا المر ‪:‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬وقال روح ‪ ،‬عن ابن جُرَيْج قلت لعطاء ‪[ :‬أواجب عليّ إذا علمت له مال أن أكاتبه‬
‫؟ قال ‪ :‬ما أراه إل واجبًا‪ .‬وقال عمرو بن دينار ‪ :‬قلت لعطاء] (‪ ، )11‬أتأثُرُه عن أحد ؟ قال ‪ :‬ل‪.‬‬
‫ثم أخبرني أن موسى بن أنس أخبره ‪ ،‬أن سيرين سأل أنسًا المكاتبةَ ‪ -‬وكان كثير المال ‪ ،‬فأبى‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الزارة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬وكذلك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬فهذه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬فليقض"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬يكاتبوهم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إن شاء كاتبه وإن شاء لم يكاتبه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬

‫( ‪)6/52‬‬

‫فانطلق إلى عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬كاتبه‪ .‬فأبى ‪ ،‬فضربه بالدّرة ‪ ،‬ويتلو عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫{ َفكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَِلمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } (‪ ، )1‬فكاتبه (‪)2‬‬
‫هكذا ذكره البخاري تعليقا (‪ .)3‬ورواه عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا ابن جريج قال ‪ :‬قلت لعطاء ‪:‬‬
‫أواجب عليّ إذا علمت له مال أن أكاتبه ؟ قال ‪ :‬ما أراه إل واجبًا‪ .‬وقال عمرو (‪ )4‬بن دينار ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬قلت لعطاء ‪ :‬أتأثره عن أحد ؟ قال ‪ :‬ل (‪)5‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن بَشّار ‪ ،‬حدثنا محمد بن بكر ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن‬
‫أنس بن مالك ‪ :‬أن سيرين أراد أن يكاتبه ‪ ،‬فتلكأ عليه ‪ ،‬فقال له عمر ‪ :‬لتكاتِبَنّه‪ .‬إسناد صحيح (‬
‫‪.)6‬‬
‫جوَيْبِر ‪ ،‬عن الضحاك قال ‪ :‬هي عَزْمة‪.‬‬
‫وقال سعيد بن منصور ‪ :‬حدثنا هُشَيْم بن ُ‬
‫وهذا هو القول القديم من قولي الشافعي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬وذهب في الجديد إلى أنه ل يجب ؛ لقوله‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ )7( :‬ل يحلّ مال امرئ مسلم إل بطيب من نفسه" (‪.)8‬‬
‫وقال ابن وهب ‪ :‬قال مالك ‪ :‬المر عندنا أنْ ليس على سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك ‪ ،‬ولم‬
‫أسمع أحدًا من الئمة أكره أحدًا على أن يكاتب عبده‪ .‬قال مالك ‪ :‬وإنما ذلك أمر من ال ‪ ،‬وإذن‬
‫منه للناس ‪ ،‬وليس بواجب‪.‬‬
‫وكذا قال الثوري ‪ ،‬وأبو حنيفة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬واختار ابن جرير‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قول الوجوب لظاهر الية‪.‬‬
‫عِلمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } ‪ ،‬قال بعضهم ‪ :‬أمانة‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬صدقا‪[ .‬وقال بعضهم ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنْ َ‬
‫مال] (‪ )9‬وقال بعضهم ‪ :‬حيلة وكسبا‪.‬‬
‫وروى أبو داود في كتاب المراسيل ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪َ { :‬فكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَِلمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قال ‪" :‬إن علمتم فيهم حرفة ‪ ،‬ول ترسلوهم كَل (‪)10‬‬
‫على الناس"‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَآتُو ُهمْ مِنْ مَالِ اللّهِ الّذِي آتَاكُمْ } اختلف المفسرون فيه ‪ ،‬فقال قائلون ‪ :‬معناه اطرحوا‬
‫لهم من الكتابة بعضها ‪ ،‬ثم قال بعضهم ‪ :‬مقدار الربع‪ .‬وقيل ‪ :‬الثلث‪ .‬وقيل ‪ :‬النصف‪ .‬وقيل ‪:‬‬
‫جزء من الكتابة من غير واحد‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل المراد من قوله ‪ { :‬وَآتُو ُهمْ مِنْ مَالِ اللّهِ الّذِي آتَا ُكمْ } هو النصيب الذي فرض‬
‫ال لهم من أموال الزكوات‪ .‬وهذا قول الحسن ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وأبيه ‪ ،‬ومقاتل‬
‫بن حيان‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وكاتبوهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري (‪" )5/184‬فتح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬معلقا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه الطبري في تفسيره (‪ )18/98‬من طريق عبد الرزاق به‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)18/98‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه أحمد في مسنده (‪ )5/72‬من حديث عم أبي حرة الرقاشي ‪ ،‬وفي (‪ )5/425‬من حديث‬
‫أبي حميد الساعدي ‪ ،‬وفي (‪ )3/423‬من حديث عمرو بن يثربي‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كليا"‪.‬‬

‫( ‪)6/53‬‬

‫حثّ الناس عليه (‪)1‬‬


‫خ ِعيّ في قوله ‪ { :‬وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللّهِ الّذِي آتَاكُمْ } قال ‪َ :‬‬
‫وقال إبراهيم النّ َ‬
‫حصَيب السلمي ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫موله وغيره‪ .‬وكذلك قال بُرَيْدة بن ال ُ‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬أمر ال المؤمنين أن يعينوا في الرقاب‪ .‬وقد تقدّمَ في الحديث ‪ ،‬عن النبي صلى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ثلثة حق على ال عونهم" ‪ :‬فذكر منهم المكاتَب يريد الداء ‪ ،‬والقول‬
‫الول أشهر‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن ابن شَبِيب ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس ‪ ،‬عن عمر ؛ أنه كاتب عبدًا له ‪ ،‬يكنى أبا أمية ‪ ،‬فجاء بنجمه حين حل ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أبا‬
‫أمية ‪ ،‬اذهب فاستعن به في مكاتبتك‪ .‬قال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬لو تركتَه حتى يكون من آخر‬
‫نجم ؟ قال ‪ :‬أخاف أل أدرك ذلك‪ .‬ثم قرأ ‪َ { :‬فكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَِلمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُو ُهمْ مِنْ مَالِ اللّهِ‬
‫الّذِي آتَاكُمْ } قال عكرمة ‪ :‬كان (‪ )2‬أول نجم أدّي في السلم‪.‬‬
‫سةَ ‪ ،‬عن سالم الفطس ‪،‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا هارون بن المغيرة ‪ ،‬عن عنب َ‬
‫عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬كان ابن عمر إذا كاتب مكاتَبه لم يضع عنه شيئا من أول نجومه ‪،‬‬
‫مخافة أن يعجز فترجع إليه صدقته‪ .‬ولكنه إذا كان في آخر مكاتبته ‪ ،‬وضع عنه ما أحب (‪.)3‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللّهِ الّذِي آتَاكُمْ } قال ‪ :‬يعني ‪:‬‬
‫ضعوا عنهم من مكاتبتهم‪ .‬وكذلك قال مجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬والقاسم بن أبي بَزّة ‪ ،‬وعبد الكريم بن‬
‫مالك الجَزَريّ ‪ ،‬والسدي‪.‬‬
‫وقال محمد بن سيرين في قوله ‪ { :‬وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللّهِ الّذِي آتَاكُمْ } ‪ :‬كان يعجبهم أن يدع الرجل‬
‫لمكاتَبه طائفة من مكاتبته‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬أخبرنا الفضل بن شاذان المقرئ ‪ ،‬أخبرنا إبراهيم بن موسى ‪ ،‬أخبرنا هشام‬
‫بن يوسف ‪ ،‬عن ابن جُرَيْج ‪ ،‬أخبرني عطاء بن السائب ‪ :‬أن عبد ال بن جندب أخبره ‪ ،‬عن علي‬
‫‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ربع الكتابة" (‪.)4‬‬
‫وهذا حديث غريب ‪ ،‬ورفعه منكر ‪ ،‬والشبه أنه موقوف على عليّ ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬كما رواه‬
‫عنه أبو عبد الرحمن السلمي ‪ ،‬رحمه ال (‪.)5‬‬
‫حصّنًا لِتَبْ َتغُوا عَ َرضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا } الية ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل ُتكْرِهُوا فَتَيَا ِتكُمْ عَلَى الْ ِبغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ َت َ‬
‫كان أهل الجاهلية إذا كان لحدهم أمة ‪ ،‬أرسلها تزني ‪ ،‬وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كلّ‬
‫وقت‪ .‬فلما جاء السلم ‪ ،‬نهى ال المسلمين (‪ )6‬عن ذلك‪.‬‬
‫وكان سبب نزول هذه الية الكريمة ‪ -‬فيما ذكره غير واحد من المفسرين ‪ ،‬من السلف والخلف ‪-‬‬
‫في شأن عبد ال بن أبي بن سلول [المنافق] (‪ )7‬فإنه كان له إماء ‪ ،‬فكان يكرههن على البِغاء طلبا‬
‫لخَراجهن ‪ ،‬ورغبة في أولدهن ‪ ،‬ورئاسة منه فيما يزعم [قبحه ال ولعنه] (‪)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)18/101‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬ورواه عبد الرزاق في المصنف برقم (‪ )15589‬من طريق ابن جريج ‪ ،‬به‪ .‬وقال ‪" :‬قال ابن‬
‫جريج ‪ :‬وأخبرني غير واحد ‪ ،‬عن عطاء بن السائب أنه كان يحدث بهذا الحديث ‪ ،‬ل يذكر فيه‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه عبد الرزاق في مصنفه برقم (‪ )15590‬من طريق معمر ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪،‬‬
‫عن أبي عبد الرحمن السلمي ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المؤمنين"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/54‬‬

‫[ذكر الثار (‪ )1‬الواردة في ذلك] (‪)2‬‬


‫قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في مسنده ‪ :‬حدثنا أحمد‬
‫بن داود الواسطي ‪ ،‬حدثنا أبو عمرو اللخمي ‪ -‬يعني ‪ :‬محمد بن الحجاج ‪ -‬حدثنا محمد ابن‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن الزهري قال ‪ :‬كانت جارية لعبد ال بن أبي ابن سلول ‪ ،‬يقال لها ‪ :‬معاذة ‪ ،‬يكرهها‬
‫على الزنى ‪ ،‬فلما جاء السلم نزلت ‪ { :‬وَل ُتكْرِهُوا فَتَيَا ِتكُمْ عَلَى الْ ِبغَاءِ } إلى قوله ‪ { :‬فَإِنّ اللّهَ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } (‪)3‬‬
‫مِنْ َبعْدِ ِإكْرَا ِههِنّ َ‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ ،‬عن جابر في هذه الية ‪ { :‬وَل ُتكْرِهُوا فَتَيَا ِتكُمْ عَلَى الْ ِبغَاءِ } قال‬
‫‪ :‬نزلت في أمة لعبد ال بن أبي بن سلول يقال لها ‪ :‬مُسَ ْيكَة ‪ ،‬كان يكرهها على الفجور ‪ -‬وكانت‬
‫ل بأس بها ‪ -‬فتأبى‪ .‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬هذه الية إلى قوله { َومَنْ ُيكْرِ ْههُنّ فَإِنّ اللّهَ مِنْ َبعْدِ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ } (‪.)4‬‬
‫ِإكْرَا ِههِنّ َ‬
‫وروى النسائي ‪ ،‬من حديث ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر نحوه (‪)5‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا علي بن سعيد ‪ ،‬حدثنا العمش ‪،‬‬
‫حدثني أبو سفيان ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬كان لعبد ال بن أُ َبيّ ابنِ سلولَ جارية يقال لها ‪ :‬مسيكة ‪،‬‬
‫وكان يكرهها على البغاء ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬وَل ُتكْرِهُوا فَتَيَا ِتكُمْ عَلَى الْ ِبغَاءِ } ‪ ،‬إلى قوله ‪َ { :‬ومَنْ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ }‪.‬‬
‫ُيكْرِ ْههُنّ فَإِنّ اللّهَ مِنْ َبعْدِ ِإكْرَا ِههِنّ َ‬
‫صرح العمش بالسماع من أبي سفيان طلحة بن نافع ‪ ،‬فدل على بطلن قول من قال ‪" :‬لم يسمع‬
‫منه ‪ ،‬إنما هو صحيفة" حكاه البزار‪.‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن ِ‬
‫قال أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن سليمان بن معاذ ‪ ،‬عن ِ‬
‫جارية لعبد ال بن أبي كانت تزني في الجاهلية ‪ ،‬فولدت أولدًا من الزنى ‪ ،‬فقال لها ‪ :‬ما لك ل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫علَى‬
‫تزنين ؟ قالت (‪ )6‬ل وال ل أزني‪ .‬فضربها ‪ ،‬فأنزل ال عز وجل ‪ { :‬وَل ُتكْرِهُوا فَتَيَا ِتكُمْ َ‬
‫حصّنًا } (‪)7‬‬
‫الْ ِبغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ َت َ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ :‬أن رجل من قريش أُسر يوم بدر ‪ ،‬وكان عند‬
‫عبد ال بن أُ َبيّ أسيرًا ‪ ،‬وكانت لعبد ال بن أُبيّ جارية يقال لها ‪ :‬معاذة ‪ ،‬وكان القرشي السير‬
‫يريدها على نفسها ‪ ،‬وكانت مسلمة (‪ .)8‬وكانت تمتنع منه لسلمها ‪ ،‬وكان عبد ال بن أبي‬
‫يكرهها على ذلك ويضربها ‪ ،‬رجاء أن تحمل للقرشي ‪ ،‬فيطلب فداء ولده ‪ ،‬فقال تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫حصّنًا } (‪)9‬‬
‫{ وَل ُتكْرِهُوا فَتَيَا ِتكُمْ عَلَى الْ ِبغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ َت َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الحاديث"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسند البزار برقم (‪" )2240‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/83‬فيه محمد بن‬
‫الحجاج اللخمي وهو كذاب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )18/103‬من طريق العمش ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )5‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )11365‬من طريق ابن جريج ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )11/284‬من طريق أبي داود الطيالسي ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬تسلم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/50‬‬

‫( ‪)6/55‬‬

‫وقال السدي ‪ :‬أنزلت هذه الية الكريمة في عبد ال بن أبي بن سلول رأس المنافقين ‪ ،‬وكانت له‬
‫جارية تدعى معاذة ‪ ،‬وكان إذا نزل به ضيف أرسلها إليه ليواقعها ‪ ،‬إرادة الثواب منه والكرامة‬
‫له‪ .‬فأقبلت الجارية إلى أبي بكر ‪ ،‬رضي ال عنه فشكت إليه ذلك ‪ ،‬فذكره أبو بكر للنبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فأمره بقبضها‪ .‬فصاح عبد ال بن أبي ‪ :‬من َيعْذُرني من محمد ‪ ،‬يغلبنا على مملوكتنا‬
‫؟ فأنزل ال فيهم هذا‪.‬‬
‫وقال ُمقَاتِل بن حَيّان ‪ :‬بلغنا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أن هذه الية نزلت في رجلين كانا يكرهان أمتين لهما‬
‫‪ ،‬إحداهما اسمها ُمسَ ْيكَة ‪ ،‬وكانت للنصاريّ ‪ ،‬وكانت أميمة أم مسيكة لعبد ال بن أبي ‪ ،‬وكانت‬
‫معاذة وأروى بتلك المنزلة ‪ ،‬فأتت مسيكة وأمها النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فذكرتا ذلك له ‪،‬‬
‫فأنزل ال في ذلك { وَل ُتكْرِهُوا فَتَيَا ِتكُمْ عَلَى الْ ِبغَاءِ } يعني ‪ :‬الزنى‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حصّنًا } هذا خرج مخرج الغالب ‪ ،‬فل مفهوم له‪.‬وقوله ‪ { :‬لِتَبْ َتغُوا عَ َرضَ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنْ أَرَدْنَ َت َ‬
‫[ا ْلحَيَاةِ] الدّنْيَا } (‪ )1‬أي ‪ :‬من خَرَاجهن ومهورهن وأولدهن‪ .‬وقد نهى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬عن كسب الحجّام ‪ ،‬ومهر البَغيّ وحُلْوان الكاهن (‪ - )2‬وفي رواية ‪" :‬مهر البغي خبيث ‪،‬‬
‫وكسب الحجّام خبيث ‪ ،‬وثمن الكلب خبيث" (‪)3‬‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } [أي ‪ :‬لهن ‪ ،‬كما تقدم في‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ ُيكْرِ ْههُنّ فَإِنّ اللّهَ مِنْ َبعْدِ ِإكْرَا ِههِنّ َ‬
‫الحديث عن جابر‪.‬‬
‫وقال ابن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬فإن فعلتم فإن ال لهن غفور رحيم] (‪ )4‬وإثمهن على من‬
‫أكرههن ‪ :‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬والعمش ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫عوْف ‪ ،‬عن الحسن في هذه الية ‪ { :‬فَإِنّ اللّهَ مِنْ‬
‫وقال أبو عبيد ‪ :‬حدثني إسحاق الزرق ‪ ،‬عن َ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } قال ‪ :‬لهن وال‪ .‬لهن وال‪.‬‬
‫َبعْدِ ِإكْرَا ِههِنّ َ‬
‫وعن الزهري قال ‪ :‬غفور لهن ما ُأكْرهْن عليه‪.‬‬
‫وعن زيد بن أسلم قال ‪ :‬غفور رحيم للمكرهات‪.‬‬
‫حكاهن ابن المنذر في تفسيره بأسانيده‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عبد ال ‪ ،‬حدثني ابن َلهِيعَة ‪ ،‬حدثني‬
‫عطاء ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر قال ‪ :‬في قراءة عبد ال بن مسعود ‪" :‬فَإِنّ اللّهَ مِنْ َب ْعدِ ِإكْرَا ِههِنّ َلهُنّ‬
‫غفُورٌ (‪ )5‬رّحِيمٌ" وإثمهن على من أكرههن‪.‬‬
‫َ‬
‫وفي الحديث المرفوع ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ُ " :‬رفِع عن أمّتي الخطأ‬
‫والنسيان ‪ ،‬وما استكرهوا عليه"‪)6( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪ .‬وهو الصواب‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )2237‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )1567‬من حديث أبي‬
‫مسعود النصاري رضي ال عنه ‪" :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر‬
‫البغي وحلوان الكاهن" وأما كسب الحجام ‪ ،‬فروى ابن ماجه في السنن برقم (‪ )2165‬من حديث‬
‫عقبة بن عمرو ‪" :‬نهى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬عن كسب الحجام"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد في مسنده (‪ )3/464‬من حديث رافع بن خديج ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬غفور لهن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه ابن ماجه في السنن برقم (‪ )2043‬وقد سبق الكلم عليه في سورة العراف‪.‬‬

‫( ‪)6/56‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جةُ كَأَ ّنهَا‬
‫شكَاةٍ فِيهَا ِمصْبَاحٌ ا ْل ِمصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزّجَا َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ مَ َثلُ نُو ِرهِ َكمِ ْ‬
‫اللّهُ نُورُ ال ّ‬
‫َك ْوكَبٌ دُ ّريّ يُوقَدُ مِنْ شَجَ َرةٍ مُبَا َركَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَ ْرقِيّ ٍة وَلَا غَرْبِيّةٍ َيكَادُ زَيْ ُتهَا ُيضِي ُء وََلوْ لَمْ َتمْسَسْهُ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‬
‫س وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ َي ْهدِي اللّهُ لِنُو ِرهِ مَنْ َيشَا ُء وَ َيضْ ِربُ اللّهُ الَْأمْثَالَ لِلنّا ِ‬
‫‪)35‬‬

‫ولما فصل تعالى (‪ )1‬هذه الحكام وبَيّنها قال ‪ { :‬وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَ ْيكُمْ آيَاتٍ مُبَيّنَاتٍ } يعني ‪ :‬القرآن‬
‫فيه آيات واضحات مفسرات ‪َ { ،‬ومَثَل مِنَ الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَبِْل ُكمْ } أي ‪ :‬خبرا عن المم الماضية ‪،‬‬
‫جعَلْنَاهُمْ سََلفًا َومَثَل‬
‫وما حلّ بهم في مخالفتهم أوامرَ ال تعالى (‪ ، )2‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ف َ‬
‫لِلخِرِينَ } [الزخرف ‪]56 :‬‬
‫{ َو َموْعِظَةً } أي ‪ :‬زاجرًا عن ارتكاب المآثم والمحارم { لِ ْلمُ ّتقِينَ } أي ‪ :‬لمن اتقى ال وخافه‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬في صفة القرآن ‪ :‬فيه حكم ما بينكم ‪ ،‬وخبر ما قبلكم ‪،‬‬
‫صمَه ال ‪ ،‬ومن ابتغى الهدى من‬
‫ونبأ ما بعدكم ‪ ،‬وهو ال َفصْل ليس بالهَزْل ‪ ،‬مَنْ تركه من جَبّار َق َ‬
‫(‪ )3‬غيره أضله ال‪.‬‬
‫جةُ كَأَ ّنهَا‬
‫شكَاةٍ فِيهَا ِمصْبَاحٌ ا ْل ِمصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزّجَا َ‬
‫ت وَالرْضِ مَ َثلُ نُو ِرهِ َكمِ ْ‬
‫س َموَا ِ‬
‫{ اللّهُ نُورُ ال ّ‬
‫َك ْوكَبٌ دُ ّريّ يُوقَدُ مِنْ شَجَ َرةٍ مُبَا َركَةٍ زَيْتُونَ ٍة ل شَ ْرقِيّ ٍة وَل غَرْبِيّةٍ َيكَادُ زَيْ ُتهَا ُيضِي ُء وََلوْ لَمْ َتمْسَسْهُ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‬
‫س وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ َي ْهدِي اللّهُ لِنُو ِرهِ مَنْ َيشَا ُء وَ َيضْ ِربُ اللّ ُه المْثَالَ لِلنّا ِ‬
‫‪} )35‬‬
‫ت وَالرْضِ } يقول ‪ :‬هادي أهل‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬اللّهُ نُورُ السّموَا ِ‬
‫السموات والرض‪.‬‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ } يدبر المر‬
‫وقال ابن جُرَيْج ‪ :‬قال مجاهد وابن عباس في قوله ‪ { :‬اللّهُ نُورُ ال ّ‬
‫فيهما ‪ ،‬نجومهما وشمسهما وقمرهما‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا سليمان بن عمر بن خالد ال َرقّي ‪ ،‬حدثنا وهب بن راشد ‪ ،‬عن فَ ْرقَد ‪ ،‬عن‬
‫أنس بن مالك قال ‪ :‬إن إلهي يقول ‪ :‬نوري هداي‪.‬‬
‫واختار هذا القول ابن جرير ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أُبيّ بن كعب في قول ال‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ } قال ‪ :‬هو المؤمن الذي جعل [ال] (‪ )4‬اليمان والقرآن‬
‫تعالى ‪ { :‬اللّهُ نُورُ ال ّ‬
‫ت وَال ْرضِ } فبدأ بنور نفسه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫س َموَا ِ‬
‫في صدره ‪ ،‬فضرب ال مثله فقال ‪ { :‬اللّهُ نُورُ ال ّ‬
‫نور المؤمن فقال ‪ :‬مثل نور من آمن به‪ .‬قال ‪ :‬فكان أُبي بن كعب يقرؤها ‪" :‬مثل نور من آمن به‬
‫(‪ )5‬فهو المؤمن جعل اليمان والقرآن في صدره‪.‬‬
‫وهكذا قال (‪ )6‬سعيد بن جُبير ‪ ،‬وقيس بن سعد ‪ ،‬عن ابن عباس أنه قرأها كذلك ‪" :‬نور من آمن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بال"‪.‬‬
‫ت وَال ْرضِ" "‪.‬‬
‫س َموَا ِ‬
‫وقرأ بعضهم ‪" :‬اللّهُ َنوّر ال ّ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ "‪.‬‬
‫وعن الضحاك ‪" :‬اللّهُ َنوّر ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ولما فصل تبارك وتعالى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬بال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬روى"‪.‬‬

‫( ‪)6/57‬‬

‫ت وَال ْرضِ } ‪ :‬فبنوره أضاءت السموات والرض‪.‬‬


‫س َموَا ِ‬
‫وقال السدي في قوله ‪ { :‬اللّهُ نُورُ ال ّ‬
‫وفي الحديث الذي رواه محمد بن إسحاق في السيرة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‬
‫في دعائه يوم آذاه أهل الطائف ‪" :‬أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ‪ ،‬وصلح عليه أمر‬
‫سخَطُك ‪ ،‬لك العتبى حتى ترضى ‪ ،‬ول حول‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬أن يحل بي غَضبك أو ينزل بي َ‬
‫ول قوة إل بك (‪.)2( " )1‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه سلم إذا قام من الليل يقول ‪:‬‬
‫"اللهم لك الحمد ‪ ،‬أنت قَيّم السموات والرض ومن فيهن ‪ ،‬ولك الحمد ‪ ،‬أنت نور السموات‬
‫والرض ومن فيهن" الحديث (‪.)3‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إن ربكم ليس عنده ليل ول نهار ‪ ،‬نور العرش من‬
‫نور وجهه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مَ َثلُ نُو ِرهِ } في هذا الضمير قولن ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنه عائد إلى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أي ‪ :‬مثل هداه في قلب المؤمن ‪ ،‬قاله ابن عباس‬
‫{ كمشكاة }‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن الضمير عائد إلى المؤمن الذي دل عليه سياق الكلم ‪ :‬تقديره ‪ :‬مثل نور المؤمن‬
‫الذي في قلبه ‪ ،‬كمشكاة‪ .‬فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى ‪ ،‬وما يتلقاه من القرآن‬
‫المطابق لما هو مفطور عليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬أ َفمَنْ كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّ ِه وَيَتْلُوهُ شَا ِهدٌ مِنْهُ }‬
‫[هود ‪ ، ]17 :‬فشبه قلب (‪ )4‬المؤمن في صفائه في نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهري ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافي المشرق المعتدل ‪ ،‬الذي ل كدر فيه ول‬
‫انحراف‪.‬‬
‫شكَاةٍ } ‪ :‬قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬هو‬
‫فقوله (‪َ { : )5‬كمِ ْ‬
‫موضع الفتيلة من القنديل‪ .‬هذا هو المشهور ؛ ولهذا قال بعده ‪ { :‬فِيهَا ِمصْبَاحٌ } ‪ ،‬وهو الذّبالة‬
‫التي تضيء‪.‬‬
‫شكَاةٍ‬
‫ت وَال ْرضِ مَ َثلُ نُو ِرهِ َكمِ ْ‬
‫س َموَا ِ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس [في] (‪ )6‬قوله ‪ { :‬اللّهُ نُورُ ال ّ‬
‫فِيهَا ِمصْبَاحٌ } ‪ :‬وذلك أن اليهود قالوا لمحمد صلى ال عليه وسلم ‪ :‬كيف يخلص نور ال من دون‬
‫ت وَالرْضِ مَ َثلُ نُو ِرهِ }‪.‬‬
‫س َموَا ِ‬
‫السماء ؟ فضرب ال مثل ذلك لنوره ‪ ،‬فقال ‪ { :‬اللّهُ نُورُ ال ّ‬
‫والمشكاة ‪ :‬كوّة في البيت ‪ -‬قال ‪ :‬وهو مثل ضَرَبه ال لطاعته (‪ .)7‬فسمّى ال طاعَتَه نُورًا ‪ ،‬ثم‬
‫سمَاها أنواعا شَتّى‪.‬‬
‫َ‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬الكوة بلُغة الحبشة‪ .‬وزاد غيره فقال ‪ :‬المشكاة ‪ :‬الكوة التي ل‬
‫منفذ لها‪ .‬وعن مجاهد ‪ :‬المشكاة ‪ :‬الحدائد التي يعلق بها القنديل‪.‬‬
‫والقول الول أولى ‪ ،‬وهو ‪ :‬أن المشكاة هي موضع الفَتيلة من القنديل ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فِيهَا‬
‫ِمصْبَاحٌ } وهو النور الذي في الذّبالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن هشام في السيرة النبوية (‪ ، )1/420‬عن ابن إسحاق‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )1120‬وصحيح مسلم برقم (‪.)769‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬القلب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬لهل طاعته"‪.‬‬

‫( ‪)6/58‬‬

‫قال أبيً بن كعب ‪ :‬المصباح ‪ :‬النور ‪ ،‬وهو القرآن واليمان الذي في صدره‪.‬‬
‫وقال السّدّي ‪ :‬هو السراج‪.‬‬
‫{ ا ْل ِمصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } أي ‪ :‬هذا الضوء مشرق في زجاجة صافية‪.‬‬
‫جةُ كَأَ ّنهَا َكوْ َكبٌ دُ ّريّ } ‪ :‬قرأ‬
‫قال أبيّ بن كعب وغير واحد ‪ :‬وهي نظير قلب المؤمن‪ { .‬الزّجَا َ‬
‫بعضهم بضم الدال من غير همزة ‪ ،‬من الدّر ‪ ،‬أي ‪ :‬كأنها كوكب من دُرّ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقرأ آخرون ‪" :‬دِرّيء" و"دُرّيء" بكسر الدال وضمها مع الهمز ‪ ،‬من الدَرْء وهو الدفع ؛ وذلك أن‬
‫النجم إذا رُمي به يكون أشدّ استنارة من سائر الحوال ‪ ،‬والعرب تسمي ما ل يعرف من الكواكب‬
‫دراريّ‪.‬‬
‫قال أبيّ بن كعب ‪ :‬كوكب مضيء‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬مضيء مبين ضخم‪ { .‬يُوقَدُ (‪ )1‬مِنْ شَجَ َرةٍ‬
‫مُبَا َركَةٍ } أي ‪ :‬يستمد من زيت زيتون شجرة مباركة { زيتونة } بدل أو عطف بيان { ل شَ ْرقِيّةٍ‬
‫وَل غَرْبِيّةٍ } أي ‪ :‬ليست في شرقي بقعتها فل تصل إليها الشمس من أول النهار ‪ ،‬ول في غربيها‬
‫فيتقلّص عنها الفيء قبل الغروب ‪ ،‬بل هي في مكان وسط ‪َ ،‬تفْرَعه (‪ )2‬الشمس من أول النهار‬
‫إلى آخره ‪ ،‬فيجيء زيتها معتدل صافيا مشرقا‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عمار قال ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن عبد ال بن سعد ‪ ،‬أخبرنا‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬زَيْتُونَ ٍة ل‬
‫سمَاك بن حرب ‪ ،‬عن ِ‬
‫عمرو بن أبي قيس ‪ ،‬عن ِ‬
‫شَ ْرقِيّ ٍة وَل غَرْبِيّةٍ } قال ‪ :‬شجرة بالصحراء ‪ ،‬ل يظلها جبل ول شجر ول كهف ‪ ،‬ول يواريها‬
‫شيء ‪ ،‬وهو أجود لزيتها‪.‬‬
‫وقال يحيى بن سعيد القَطّان ‪ ،‬عن عمران بن حُدَيْر ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬في قوله ‪ { :‬ل شَ ْرقِيّ ٍة وَل‬
‫غَرْبِيّةٍ } قال ‪ :‬هي بصحراء ‪ ،‬وذلك أصفى لزينتها‪.‬‬
‫عمَر بن فَرّوخ ‪ ،‬عن حبيب بن الزبير ‪،‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو ُنعَيْم ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫عن عكرمة ‪ -‬وسأله رجل عن ‪ { :‬زَيْتُونَةٍ ل شَ ْرقِيّةٍ وَل غَرْبِيّةٍ } قال (‪ )3‬تلك [زيتونة] (‪)4‬‬
‫بأرض فلة ‪ ،‬إذا أشرقت الشمس أشرقت عليها ‪ ،‬وإذا غربت غربت عليها فذاك أصفى ما يكون‬
‫من الزيت‪.‬‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ [ { :‬زَيْتُونَةٍ ] ل شَ ْرقِيّ ٍة وَل غَرْبِيّةٍ } (‪ )5‬قال ‪ :‬ليست بشرقية ‪ ،‬ل تصيبها‬
‫الشمس إذا غربت ‪ ،‬ول غربية ل تصيبها الشمس إذا طلعت ‪[ ،‬ولكنها شرقية وغربية ‪ ،‬تصيبها‬
‫إذا طلعت] (‪ )6‬وإذا غربت‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جُبَيْر في قوله { زَيْتُونَةٍ ل شَ ْرقِيّ ٍة وَل غَرْبِيّةٍ َيكَادُ زَيْ ُتهَا ُيضِيءُ } قال ‪ :‬هو أجود‬
‫الزيت‪ .‬قال ‪ :‬إذا طلعت الشمس أصابتها من صوب المشرق ‪ ،‬فإذا أخذت في الغروب أصابتها‬
‫شيّ ‪ ،‬فتلك ل تعد شرقية ول غربية‪.‬‬
‫الشمس ‪ ،‬فالشمس تصيبها بالغداة والعَ ِ‬
‫وقال السدي [في] (‪ )7‬قوله ‪ { :‬زَيْتُونَةٍ ل شَ ْرقِيّ ٍة وَل غَرْبِيّةٍ } يقول ‪ :‬ليست بشرقية يحوزها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬توقد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬تقصرها" والمثبت من ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/59‬‬

‫المشرق ‪ ،‬ول غربية يحوزها المغرب دون المشرق ‪ ،‬ولكنها على رأس جبل ‪ ،‬أو في صحراء ‪،‬‬
‫تصيبها الشمس النهارَ كلّه‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بقوله ‪ { :‬زَيْتُونَةٍ ل شَ ْرقِيّ ٍة وَل غَرْبِيّةٍ } أنها في وسط الشجر ‪ ،‬وليست بادية‬
‫للمشرق ول للمغرب‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أُبي بن كعب ‪ ،‬في قول ال‬
‫تعالى ‪ { :‬زَيْتُونَةٍ ل شَ ْرقِيّ ٍة وَل غَرْبِيّةٍ } قال ‪ :‬فهي خضراء ناعمة ‪ ،‬ل تصيبها الشمس على أي‬
‫حال كانت ‪ ،‬ل إذا طلعت ول إذا غربت‪ .‬قال ‪ :‬فكذلك هذا المؤمن ‪ ،‬قد أجير من أن يصيبه شيء‬
‫من الفتن ‪ ،‬وقد ابتلي بها فيثبته ال فيها ‪ ،‬فهو بين أربع خلل ‪ :‬إن قال صَدَق ‪ ،‬وإن حكم عدل ‪،‬‬
‫وإن ابتلي صبر ‪ ،‬وإن أعطي شكر ‪ ،‬فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الموات‪.‬‬
‫عوَانة ‪ ،‬عن أبي‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا مُسَدّد قال ‪ :‬حدثنا أبو َ‬
‫بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير في قوله ‪ { :‬زَيْتُونَ ٍة ل شَ ْرقِيّ ٍة وَل غَرْبِيّةٍ } قال ‪ :‬هي وسط الشجر ‪ ،‬ل‬
‫تصيبها الشمس شرقا ول غربا‪.‬‬
‫وقال عطية العوفي ‪ { :‬ل شَ ْرقِيّةٍ وَل غَرْبِيّةٍ } قال ‪ :‬هي شجرة في موضع من الشجر ‪ ،‬يرى ظل‬
‫ثمرها في ورقها ‪ ،‬وهذه من الشجر ل تطلع عليها الشمس ول تغرب‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عمار ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن الدّشْ َتكِي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن أبي‬
‫قيس ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬في قوله تعالى ‪:‬‬
‫{ ل شَ ْرقِيّ ٍة وَل غَرْبِيّةٍ } ليست شرقية ليس فيها غرب ‪ ،‬ول غربية ليس فيها شرق ‪ ،‬ولكنها‬
‫شرقية غربية‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب القُرَظي ‪ { :‬ل شَ ْرقِيّةٍ وَل غَرْبِيّةٍ } قال ‪ :‬هي القبْلية‪.‬‬
‫وقال زيد بن أسلم ‪ { :‬ل شَ ْرقِيّ ٍة وَل غَرْبِيّةٍ } قال ‪ :‬الشام‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬لو كانت هذه الشجرة في الرض لكانت شرقية أو غربية ‪ ،‬ولكنه مثل‬
‫ضربه ال لنوره‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬توقَدُ مِنْ شَجَ َرةٍ مُبَا َركَةٍ } قال ‪ :‬رجل صالح { زَيْتُونَ ٍة ل‬
‫شَ ْرقِيّ ٍة وَل غَرْبِيّةٍ } قال ‪ :‬ل يهودي ول نصراني‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل الول ‪ ،‬وهو أنها في مستوى من الرض ‪ ،‬في مكان فسيح بارز ظاهر‬
‫وأولى هذه القوال القو ُ‬
‫ضاح للشمس ‪َ ،‬تفْرعه من أول النهار إلى آخره ‪ ،‬ليكون ذلك أصفى لزينتها وألطف ‪ ،‬كما قال‬
‫سسْهُ نَارٌ } قال عبد الرحمن بن‬
‫غير واحد ممن تقدم ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬يكَادُ زَيْ ُتهَا ُيضِي ُء وََلوْ لَمْ َتمْ َ‬
‫زيد بن أسلم ‪ :‬يعني ‪ :‬لضوء إشراق الزيت‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬نُورٌ عَلَى نُورٍ } قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني بذلك إيمان العبد وعمله‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬والسدي ‪ :‬يعني نور النار ونور الزيت‪.‬‬
‫وقال أبي بن كعب ‪ { :‬نُورٌ عَلَى نُورٍ } فهو يتقلب في خمسة من النور ‪ ،‬فكلمه نور ‪ ،‬وعمله‬
‫نور ‪ ،‬ومدخله نور ‪ ،‬ومخرجه نور ‪ ،‬ومصيره إلى النور يوم القيامة إلى الجنة‪.‬‬
‫شمْر بن عَطية ‪ :‬جاء ابن عباس إلى كعب الحبار فقال ‪ :‬حدثني عن قول ال ‪َ { :‬يكَادُ‬
‫وقال ِ‬
‫سهُ نَارٌ }‬
‫زَيْ ُتهَا ُيضِيءُ وَلَوْ َلمْ َتمْسَ ْ‬

‫( ‪)6/60‬‬

‫قال ‪ :‬يكاد محمد يبين للناس ‪ ،‬وإن (‪ )1‬لم يتكلم ‪ ،‬أنه نبي ‪ ،‬كما يكاد ذلك الزيت أن يضيء‪.‬‬
‫وقال السّدّي في قوله ‪ { :‬نُورٌ عَلَى نُورٍ } قال ‪ :‬نور النار ونور الزيت ‪ ،‬حين اجتمعا أضاءا ‪،‬‬
‫ول يضيء واحد بغير صاحبه [كذلك نور القرآن ونور اليمان حين اجتمعا ‪ ،‬فل يكون واحد‬
‫منهما إل بصاحبه] (‪)2‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يهْدِي اللّهُ لِنُو ِرهِ مَنْ يَشَاءُ } أي ‪ :‬يرشد ال إلى هدايته من يختاره ‪ ،‬كما جاء في‬
‫الحديث الذي رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا معاوية بن عمرو ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬حدثني ربيعة بن‬
‫يزيد ‪ ،‬عن عبد ال [بن] (‪ )3‬الديلمي ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يقول ‪" :‬إن ال خلق خلقه في ظلمة ‪ ،‬ثم ألقى عليهم من نوره يومئذ ‪ ،‬فمن أصاب يومئذ من‬
‫نوره اهتدى ‪ ،‬ومن أخطأه ضل‪ .‬فلذلك أقول ‪ :‬جفّ القلم على علم ال عز وجل" (‪)4‬‬
‫سوَيْد ‪ ،‬عن يحيى بن أبي عمرو الشّيباني ‪،‬‬
‫طريق أخرى عنه ‪ :‬قال البزار ‪ :‬حدثنا أيوب (‪ )5‬بن ُ‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال بن عمر ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن ال خلق‬
‫خلقه في ظلمة ‪ ،‬فألقى عليهم نورًا من نوره ‪ ،‬فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ‪ ،‬ومن أخطأه (‪)6‬‬
‫ضل‪[.‬ورواه البزار ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو من طريق آخر ‪ ،‬بلفظه وحروفه] (‪.)8( )7‬‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ } لما ذكر تعالى هذا مثل لنور‬
‫س وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَ َيضْرِبُ اللّ ُه المْثَالَ لِلنّا ِ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ } أي‬
‫س وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫هداه في قلب المؤمن ‪ ،‬ختم الية بقوله ‪ { :‬وَ َيضْ ِربُ اللّ ُه المْثَالَ لِلنّا ِ‬
‫‪ :‬هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلل‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو النضر ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ -‬يعني (‪ )9‬شيبان ‪ ، -‬عن ليث ‪ ،‬عن‬
‫عمرو بن مُرّة ‪ ،‬عن أبي البَخْتَري ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬القلوب أربعة ‪ :‬قلب أجرد فيه مثل السراج يُزهرُ ‪ ،‬وقلب أغلف مربوط على غلفه ‪،‬‬
‫صفَح ‪ :‬فأما القلب الجرد فقلب المؤمن ‪ ،‬سراجه فيه نوره‪ .‬وأما القلب‬
‫وقلب منكوس ‪ ،‬وقلب ُم ْ‬
‫الغلف فقلب الكافر‪ .‬وأما القلب المنكوس فقلب [المنافق] (‪ )10‬عَ َرفَ ثم أنكر‪ .‬وأما القلب‬
‫ال ُمصْفَح فقلب فيه إيمان ونفاق ‪ ،‬ومثل اليمان فيه كمثل البقلة َيمُدّها الماء الطيب ‪ ،‬ومثل النفاق‬
‫فيه كمثل القُرحة َي ُمدّها القيح والدم ‪ ،‬فأي المدتين غلبت على الخرى غلبت عليه"‪ .‬إسناده جيد (‬
‫‪ )11‬ولم يخرجوه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ولو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)2/176‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال البزار ‪ :‬حدثنا شهاب بن عثمان حدثنا أيوب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أخطأ"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬مسند البزار برقم (‪" )2145‬كشف الستار" ورواه أحمد في مسنده (‪ )2/197‬من طريق محمد‬
‫بن مهاجر ‪ ،‬عن عروة بن رويم ‪ ،‬عن ابن الديلمي ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )9‬في هـ ‪" :‬حدثنا" والمثبت من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪.)3/17‬‬

‫( ‪)6/61‬‬

‫سمُهُ يُسَبّحُ َلهُ فِيهَا بِا ْلغُ ُد ّو وَالَْآصَالِ (‪)36‬‬


‫فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُ ْرفَ َع وَيُ ْذكَرَ فِيهَا ا ْ‬

‫سمُهُ ُيسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِا ْل ُغ ُدوّ وَالصَالِ (‪} )36‬‬


‫{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُ ْرفَ َع وَ ُي ْذكَرَ فِيهَا ا ْ‬

‫( ‪)6/62‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رِجَالٌ لَا تُ ْلهِيهِمْ تِجَا َر ٌة وَلَا بَيْعٌ عَنْ ِذكْرِ اللّ ِه وَِإقَامِ الصّلَا ِة وَإِيتَاءِ ال ّزكَاةِ يَخَافُونَ َي ْومًا تَ َتقَّلبُ فِيهِ‬
‫عمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ َفضْلِهِ وَاللّهُ يَرْ ُزقُ مَنْ يَشَاءُ‬
‫ب وَالْأَ ْبصَارُ (‪ )37‬لِيَجْزِ َي ُهمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا َ‬
‫ا ْلقُلُو ُ‬
‫حسَابٍ (‪)38‬‬
‫ِبغَيْرِ ِ‬

‫{ ِرجَالٌ ل تُ ْلهِي ِهمْ تِجَا َر ٌة وَل بَيْعٌ عَنْ ِذكْرِ اللّ ِه وَِإقَامِ الصّلةِ وَإِيتَاءِ ال ّزكَاةِ يَخَافُونَ َي ْومًا تَ َتقَّلبُ فِيهِ‬
‫عمِلُوا وَيَزِيدَ ُهمْ مِنْ َفضْلِ ِه وَاللّهُ يَرْزُقُ مَنْ َيشَاءُ‬
‫ب وَال ْبصَارُ (‪ )37‬لِ َيجْزِ َيهُمُ اللّهُ َأحْسَنَ مَا َ‬
‫ا ْلقُلُو ُ‬
‫حسَابٍ (‪} )38‬‬
‫ِبغَيْرِ ِ‬
‫لما ضرب ال تعالى [مثل] (‪ )1‬قلب المؤمن ‪ ،‬وما فيه من الهدى والعلم ‪ ،‬بالمصباح في الزجاجة‬
‫الصافية المتوقّد من زيت طيب ‪ ،‬وذلك كالقنديل ‪ ،‬ذكر محلها وهي المساجد ‪ ،‬التي هي أحب‬
‫البقاع إلى ال تعالى من الرض ‪ ،‬وهي بيوته التي يعبد فيها ويُوَحّد ‪ ،‬فقال ‪ { :‬فِي بُيُوتٍ َأذِنَ اللّهُ‬
‫أَنْ تُ ْرفَعَ } أي ‪ :‬أمر ال تعالى برفعها ‪ ،‬أي ‪ :‬بتطهيرها من الدنس واللغو ‪ ،‬والفعال والقوال‬
‫التي ل تليق فيها ‪ ،‬كما قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية الكريمة ‪ { :‬فِي‬
‫بُيُوتٍ َأذِنَ اللّهُ أَنْ تُ ْرفَعَ } قال ‪ :‬نهى ال سبحانه عن اللغو فيها‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬وأبو صالح ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬ونافع بن جبير ‪ ،‬وأبو بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة (‪ )2‬وسفيان بن حسين ‪،‬‬
‫وغيرهم من علماء المفسرين‪)3( .‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هي هذه المساجد ‪ ،‬أمر ال ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬ببنائها ورفعها ‪ ،‬وأمر بعمارتها وتطهيرها‪.‬‬
‫وقد ذكر لنا أن كعبًا كان يقول ‪ :‬إن في التوراة مكتوبًا ‪ " :‬أل إن بيوتي في الرض المساجد ‪،‬‬
‫حقّ على المَزُور كرامةُ الزائر"‪.‬‬
‫وإنه من توضأ فأحسن وضوءه ‪ ،‬ثم زارني في بيتي أكرمته ‪ ،‬و َ‬
‫رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره‪.‬‬
‫وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد ‪ ،‬واحترامها وتوقيرها ‪ ،‬وتطييبها وتبخيرها‪ .‬وذلك له‬
‫محل مفرد يذكر فيه ‪ ،‬وقد كتبت في ذلك جزءًا على حدَة ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪ .‬ونحن بعون ال‬
‫تعالى نذكر (‪ )4‬هاهنا طرفا من ذلك ‪ ،‬إن شاء ال تعالى ‪ ،‬وبه الثقة وعليه التكلن ‪:‬‬
‫فعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعتُ رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يقول ‪" :‬من بنى مسجدا يبتغي به وجه ال ‪ ،‬بنى ال له مثله في الجنة"‪ .‬أخرجاه في‬
‫الصحيحين (‪.)5‬‬
‫وروى ابن ماجه ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬من بنى مسجدا يذكر فيه اسم ال ‪ ،‬بنى ال له بيتا في الجنة" (‪.)6‬‬
‫وللنسائي عن عمرو بن عَبَسَة (‪ )7‬مثله (‪ .)8‬والحاديث في هذا كثيرة جدا‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم ببناء المساجد في‬
‫الدور ‪ ،‬وأن تنظف‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خيثمة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬التفسير"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬سنذكر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )450‬وصحيح مسلم برقم (‪.)533‬‬
‫(‪ )6‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )735‬من طريق الوليد بن أبي الوليد عن عثمان بن عبد ال عن عمر‪.‬‬
‫وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )1/260‬هذا إسناد مرسل ‪ ،‬عثمان بن عبد ال بن سراقة روى‬
‫عن عمر وهو جده لمه ‪ ،‬ولم يسمع منه‪ .‬قاله المزي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬عنبسة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬سنن النسائي (‪.)2/31‬‬

‫( ‪)6/62‬‬

‫سمُرة بن جُنْدب نحوه‪.‬‬


‫وتطيب (‪ .)1‬رواه أحمد وأهل السنن إل النسائي‪ .‬ولحمد وأبي داود ‪ ،‬عن َ‬
‫(‪)2‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬قال عمر ‪ :‬ابن للناس ما يكنهم ‪ ،‬وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس (‪.)3‬‬
‫ط إل‬
‫وروى ابن ماجه عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما ساء عملُ قوم ق ّ‬
‫زخرفوا مساجدهم"‪ )4( .‬وفي إسناده ضعف‪.‬‬
‫وروى أبو داود عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"ما أمِ ْرتُ بتشييد المساجد"‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬لَتُزَخرفُنّها كما َزخْرَفت اليهود والنصارى (‪)5‬‬
‫وعن أنس رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تقوم الساعة حتى‬
‫يتباهى الناس في المساجد"‪ .‬رواه المام أحمد وأهل السنن إل الترمذي (‪)6‬‬
‫وعن بُرَيْ َدةَ أن َرجُل أنشدَ في المسجد ‪ ،‬فقال ‪ :‬من دعا إلى الجمل الحمر ؟ فقال النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬ل وجدت ‪ ،‬إنما بُنِيت المساجد لما بنيت له"‪ .‬رواه مسلم‪)7( .‬‬
‫وعن عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬عن‬
‫البيع والبتياع ‪ ،‬وعن تناشد الشعار في المساجد‪ .‬رواه أحمد وأهل السنن (‪ ، )8‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه سلم ‪ :‬قال ‪" :‬إذا رأيتم من يبيع‬
‫أو يبتاع في المسجد ‪ ،‬فقولوا ‪ :‬ل أربح ال تجارتك‪ .‬وإذا رأيتم من يَنشُد ضالة في المسجد ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فقولوا ‪ :‬ل رَدّ ال عليك"‪ .‬رواه الترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حسن غريب‪)9( .‬‬
‫وقد روى ابن ماجه وغيره ‪ ،‬من حديث ابن عمر مرفوعًا ‪ ،‬قال ‪" :‬خصال ل تنبغي في المسجد ‪:‬‬
‫شهَرُ فيه سلح ‪ ،‬ول يُنبَض فيه بقوس ‪ ،‬ول ينثر فيه نبل ‪ ،‬ول يُمرّ فيه‬
‫ل يُتّخذُ طريقًا ‪ ،‬ول ُي ْ‬
‫بلحم نِيء ‪ :‬ول يُض َربُ فيه حَدّ ‪ ،‬ول ُيقْتَص فيه من أحد ‪ ،‬ول يُتّخذ سوقًا" (‪.)10‬‬
‫وعن واثلة بن السقع ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬جَنّبوا المساجد صبيانكم‬
‫ومجانينكم ‪ ،‬وشراءكم وبيعكم ‪ ،‬وخصوماتكم ورفع أصواتكم ‪ ،‬وإقامة حدودكم وسل سيوفكم ‪،‬‬
‫جمَع"‪.‬‬
‫جمّروها في ال ُ‬
‫واتخذوا على أبوابها المطاهر ‪ ،‬و َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )6/279‬وسنن أبي داود برقم (‪ )455‬وسنن الترمذي برقم (‪ )594‬وسنن ابن ماجه‬
‫برقم (‪.)759‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )5/17‬وسنن أبي داود برقم (‪.)456‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري (‪" )1/539‬فتح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )741‬من طريق جبارة بن المغلس عن عبد الكريم بن عبد الرحمن عن‬
‫عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬به‪ .‬قال البوصيري في الزوائد (‪" : )1/262‬هذا إسناد‬
‫فيه جبارة بن المغلس وقد اتهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪.)448‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )3/134‬وسنن أبي داود برقم (‪ )449‬وسنن النسائي (‪ )2/32‬وسنن ابن ماجه برقم (‬
‫‪.)739‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم برقم (‪.)569‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )2/179‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1079‬وسنن الترمذي برقم (‪ )322‬وسنن النسائي (‬
‫‪ )2/47‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)749‬‬
‫(‪ )9‬سنن الترمذي برقم (‪.)3121‬‬
‫(‪ )10‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )748‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )1/264‬هذا إسناد فيه زيد بن‬
‫جبيرة‪ .‬قال ابن عبد البر ‪ :‬أجمعوا على أنه ضعيف"‪.‬‬

‫( ‪)6/63‬‬

‫ورواه ابن ماجه أيضًا (‪ )1‬وفي إسنادهما (‪ )2‬ضعف‪.‬‬


‫أما أنه "ل يتخذ طريقًا" فقد كره بعض العلماء المرور فيه إل لحاجة إذا وَجَد مندوحة عنه‪ .‬وفي‬
‫الثر ‪" :‬إن الملئكة لتتعجب من الرجل يمر بالمسجد ل يصلي فيه"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأما أنه "ل يشهر فيه بسلح (‪ .)3‬ول ينبض فيه بقوس ‪ ،‬ول ينثر فيه نبل (‪ .)4‬فلما يخشى من‬
‫إصابة بعض الناس به ‪ ،‬لكثرة المصلين فيه ؛ ولهذا أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا مر‬
‫أحد بسهام أن يقبض على نصالها ؛ لئل يؤذي أحدًا ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح (‪.)5‬‬
‫وأما النهي عن المرور باللحم النيء فيه ‪ ،‬فَلِما يخشى من تقاطر الدم منه ‪ ،‬كما نهيت الحائض‬
‫عن المرور فيه إذا خافت التلويث‪.‬‬
‫وأما أنه "ل يضرب فيه حد ول يقتص" ‪ ،‬فلما يخشى من إيجاد نجاسة فيه من المضروب أو‬
‫المقطوع‪.‬‬
‫وأما أنه "ل يتخذ سوقًا" ‪ ،‬فلما تقدم من النهي عن البيع والشراء فيه ‪ ،‬فإنه إنما بني لذكر ال‬
‫والصلة كما قال النبي عليه الصلة والسلم ‪ )6( ،‬لذلك العرابي الذي بال في طائفة المسجد ‪:‬‬
‫سجْل من ماء ‪ ،‬فأهريق‬
‫"إن المساجد لم تبن لهذا ‪ ،‬إنما بنيت لذكر ال والصلة فيها"‪ .‬ثم أمر ب َ‬
‫على بوله (‪.)7‬‬
‫وفي الحديث الثاني ‪" :‬جَنّبوا مساجدكم صبيانكم" ‪ ،‬وذلك لنهم يلعبون فيه ول يناسبهم ‪ ،‬وقد كان‬
‫خفَقَة‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬إذا رأى صبيانًا يلعبون في المسجد (‪ ، )8‬ضربهم بالمِ ْ‬
‫‪ -‬وهي الدّرّة ‪ -‬وكان َيعُسّ (‪ )9‬المسجد بعد العشاء ‪ ،‬فل يترك فيه أحدًا‪.‬‬
‫سخْر الناس بهم ‪ ،‬فيؤدي إلى (‪ )10‬اللعب فيها ‪ ،‬ولما‬
‫"ومجانينكم" يعني ‪ :‬لجل ضعف عقولهم ‪ ،‬و َ‬
‫يخشى من تقذيرهم المسجد ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫"وبيعكم وشراءكم" كما تقدم‪.‬‬
‫"وخصوماتكم" يعني ‪ :‬التحاكم والحكم فيه ؛ ولهذا نص كثير من العلماء على أن الحاكم ل ينتصب‬
‫لفصل القضية في المسجد ‪ ،‬بل يكون في موضع غيره ؛ لما فيه من كثرة الحكومات والتشاجر‬
‫والعياط (‪ )11‬الذي ل يناسبه ؛ ولهذا قال بعده ‪" :‬ورفع أصواتكم"‪.‬‬
‫جعَيْد (‪ )12‬بن عبد‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا علي بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا ال ُ‬
‫خصَيفَة (‪ ، )14‬عن السائب بن يَزيدَ الكنْديّ قال ‪ :‬كنت قائمًا‬
‫الرحمن قال ‪ :‬حدثني (‪ )13‬يزيد بن ُ‬
‫في المسجد ‪ ،‬فحصبني رجل ‪ ،‬فنظرت فإذا عمر (‪ )15‬بن الخطاب ‪ ،‬فقال ‪ :‬اذهب فأتني بهذين‪.‬‬
‫فجئته بهما ‪ ،‬فقال ‪ :‬من أنتما ؟ أو ‪ :‬من أين أنتما ؟ قال من أهل الطائف‪ .‬قال ‪ :‬لو كنتما من أهل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )750‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )1/265‬هذا إسناد ضعيف ‪ ،‬أبو‬
‫سعيد هو محمد بن سعيد المصلوب ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬عمدا كان يضع الحديث ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬والحارث بن‬
‫نبهان ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬السلم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬بنبل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2615‬من حديث أبي موسى الشعري‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )284‬من حديث أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يفتش"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬والغياظ"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الجعد"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حفصة"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فإذا هو عمر"‪.‬‬

‫( ‪)6/64‬‬

‫البلد لوجعتكما ‪ :‬ترفعان أصواتكما في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪.)1‬‬
‫سوَيْد بن نصر ‪ ،‬عن عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن سعد بن‬
‫وقال النسائي ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫إبراهيم ‪ ،‬عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال ‪ :‬سمع عمر صوت رجل في المسجد‬
‫فقال ‪ :‬أتدري أين أنت ؟ وهذا أيضًا صحيح‪)2( .‬‬
‫وقوله ‪" :‬وإقامة حدودكم ‪ ،‬وسل سيوفكم" ‪ :‬تقدما‪)3( .‬‬
‫وقوله ‪" :‬واتخذوا على أبوابها المطاهر" يعني ‪ :‬المراحيض التي يستعان بها على الوضوء وقضاء‬
‫الحاجة‪ .‬وقد كانت قريبًا من مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم آبار (‪ )4‬يستقون منها ‪،‬‬
‫فيشربون ويتطهرون ‪ ،‬ويتوضؤون وغير ذلك‪.‬‬
‫جمَع لكثرة اجتماع الناس يومئذ‪.‬‬
‫جمَع" يعني ‪ :‬بخروها في أيام ال ُ‬
‫وقوله ‪" :‬وجمّروها في ال ُ‬
‫وقد قال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا عبيد ال ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن (‪ )5‬بن مهدي ‪ ،‬عن‬
‫جمّر مسجد رسول ال صلى ال عليه‬
‫عبد ال بن عمر ‪ ،‬عن نافع عن ابن عمر ؛ أن عمر كان يُ َ‬
‫وسلم كل جمعة‪ .‬إسناده حسن ل بأس به (‪ )6‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيحين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬صلة الرجل في الجماعة‬
‫ضعّف على صلته في بيته وفي سوقه ‪ ،‬خمسًا وعشرين ضعفًا‪ .‬وذلك أنه إذا توضأ فأحسن‬
‫ُت َ‬
‫وضوءه (‪ )7‬ثم خرج إلى المسجد ‪ ،‬ل يخرجه إل الصلة ‪ ،‬لم يَخطُ خَطوة إل رُفع له بها درجة ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وحطّ عنه بها خطيئة ‪ ،‬فإذا صلى لم تزل الملئكة تصلي عليه ما دام في ُمصَله ‪ :‬اللهم صل‬
‫عليه ‪ ،‬اللهم ارحمه ‪ ،‬ول يزال في صلة ما انتظر الصلة" (‪)8‬‬
‫وعند الدارقطني مرفوعًا ‪" :‬ل صلة لجار المسجد إل في المسجد" (‪.)9‬‬
‫وفي السنن ‪" :‬بشّر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة" (‪.)10‬‬
‫والمستحب لمن دخل المسجد أن يبدأ برجله اليمنى ‪ ،‬وأن يقول كما ثبت في صحيح البخاري عن‬
‫عبد ال بن عَمرو (‪ )11‬رضي ال عنه (‪ )12‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه كان إذا‬
‫دخل المسجد قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)470‬‬
‫(‪ )2‬وذكره المزي في تحفة الشراف (‪ )8/4‬وعزاه للنسائي في السنن الكبرى في المواعظ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬تقدم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أباريق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسند أبي يعلى (‪.)1/170‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الوضوء"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )647‬وصحيح مسلم برقم (‪ )649‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن الدارقطني (‪ )1/420‬من طريق سليمان بن داود اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن‬
‫أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا ‪ ،‬به‪ .‬وقد رواه الحاكم في المستدرك (‪ )1/246‬والبيهقي في‬
‫السنن الكبرى (‪ )3/57‬من طريق سليمان بن داود ‪ ،‬به‪ .‬وسليمان بن داود مجمع على تضعيفه‪.‬‬
‫ومن حديث جابر ‪ ،‬رواه الدارقطني أيضا في السنن (‪ )1/420‬من طريق محمد بن مسكين عن‬
‫عبد ال بن بكير عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا ‪ ،‬به‪ .‬وقال أبو‬
‫الطيب في التعليق ‪" :‬فيه محمد بن مسكين ‪ ،‬قال الذهبي ‪ :‬ل يعرف وخبره منكر‪ .‬وقال البخاري‬
‫‪ :‬في إسناد حديثه نظر"‪.‬‬
‫(‪ )10‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )561‬والترمذي في السنن برقم (‪ )223‬من حديث بريدة بن‬
‫الحصيب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب من هذا الوجه مرفوع ‪ ،‬وهو‬
‫صحيح مسند وموقوف إلى أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ولم يسند إلى النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عنهما"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/65‬‬

‫أعوذ بال العظيم ‪ ،‬وبوجهه الكريم ‪ ،‬وسلطانه القديم ‪ ،‬من الشيطان الرجيم" [قال ‪ :‬أقط ؟ قال ‪:‬‬
‫نعم] (‪ .)1‬قال ‪ :‬فإذا قال ذلك قال الشيطان ‪ :‬حُفظ مني سائر اليوم (‪.)2‬‬
‫وروى مسلم بسنده عن أبي حميد ‪ -‬أو ‪ :‬أبي أسَيْد ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إذا دخل أحدكم المسجد فليقل ‪ :‬اللهم افتح لي أبواب رحمتك ‪ ،‬وإذا خرج فليقل ‪ :‬اللهم إني أسألك‬
‫من فضلك"‪.‬‬
‫ورواه النسائي عنهما ‪ ،‬عن النبي (‪ )3‬صلى ال عليه وسلم [مثله] (‪.)5( )4‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا دخل أحدكم‬
‫المسجد ‪ ،‬فليسلم على النبي صلى ال عليه وسلم وليقل ‪ :‬اللهم افتح لي أبواب رحمتك‪ .‬وإذا خرج‬
‫فليسلم على النبي صلى ال عليه وسلم وليقل ‪ :‬اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم"‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجه ‪ ،‬وابن خزيمة وابن حِبّان في صحيحيهما (‪.)6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا لَيْث بن أبي سليم ‪ ،‬عن عبد ال بن حسن (‬
‫‪ .)7‬عن أمه فاطمة بنت حسين ‪ ،‬عن جدتها فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم قالت ‪:‬‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اللهم ‪،‬‬
‫اغفر لي ذنوبي ‪ ،‬وافتح لي أبواب رحمتك"‪ .‬وإذا خرج صلى على محمد وسلم ثم قال ‪" :‬اللهم ‪،‬‬
‫اغفر لي ذنوبي ‪ ،‬وافتح لي أبواب فضلك"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه (‪ ، )8‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن وإسناده ليس بمتصل ؛ لن‬
‫فاطمة بنت الحسين الصغرى لم تدرك فاطمة الكبرى‪.‬‬
‫فهذا الذي ذكرناه ‪ ،‬مع ما تركناه من الحاديث الواردة في ذلك لحال الطول (‪ .)9‬كله داخل في‬
‫قوله تعالى ‪ { :‬فِي بُيُوتٍ َأذِنَ اللّهُ أَنْ تُ ْرفَعَ }‪.‬‬
‫سجِدٍ }‬
‫سمُهُ } أي ‪ :‬اسم ال ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَ َت ُكمْ عِنْدَ ُكلّ مَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيُ ْذكَرَ فِيهَا ا ْ‬
‫ج ٍد وَادْعُوهُ مُخِْلصِينَ َلهُ الدّينَ }‬
‫[العراف ‪ ، ]31 :‬وقوله { وََأقِيمُوا وُجُو َهكُمْ عِنْدَ ُكلّ مَسْ ِ‬
‫جدَ لِلّهِ فَل تَدْعُوا مَعَ اللّهِ َأحَدًا } [الجن ‪.]18 :‬‬
‫[العراف ‪ ، ]29 :‬وقوله { وَأَنّ ا ْلمَسَا ِ‬
‫سمُهُ } يعني ‪ :‬يتلى فيها كتابه‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ { :‬وَيُ ْذكَرَ فِيهَا ا ْ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬يسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِا ْل ُغ ُدوّ وَالصَالِ } أي ‪ :‬في ال ُبكَرات والعَشِيّات‪ .‬والصال ‪ :‬جمع أصيل ‪،‬‬

‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬لم أجده في صحيح البخاري ‪ ،‬وقد ذكره المزي في تحفة الشراف وابن الثير في جامع‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الصول ولم يعزواه إل لبي داود في السنن برقم (‪.)466‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪ )713‬وسنن النسائي (‪.)2/53‬‬
‫(‪ )6‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )773‬وصحيح ابن خزيمة برقم (‪ )452‬وصحيح ابن حبان برقم (‬
‫‪" )2048‬الحسان" كلهم من طريق أبي بكر الحنفي عن الضحاك بن عثمان عن المقبري عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬به‪ .‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )1/97‬هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬حسين"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )6/282‬وسنن الترمذي برقم (‪ )314‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)771‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لجافي القول"‪.‬‬

‫( ‪)6/66‬‬

‫وهو آخر النهار‪.‬‬


‫وقال سعيد بن جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كل تسبيح في القرآن هو الصلة‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني بالغدو ‪ :‬صلة الغداة ‪ ،‬ويعني بالصال ‪ :‬صلة‬
‫العصر ‪ ،‬وهما أول ما افترض ال من الصلة ‪ ،‬فأحب أن يَ ْذكُرهما وأن ُي َذكّر بهما عباده‪.‬‬
‫وكذا قال الحسن ‪ ،‬والضحاك ‪ { :‬يُسَبّحُ َلهُ فِيهَا بِا ْلغُ ُد ّو وَالصَالِ } يعني ‪ :‬الصلة‪.‬‬
‫ومن قرأ من القَرَأَة (‪ " )1‬يُسَبّحُ َلهُ فِيهَا بِا ْلغُ ُد ّو وَالصَالِ" ‪ -‬بفتح الباء من "يُسبح" على أنه مبني‬
‫لما لم يسم فاعله ‪ -‬وقف (‪ )2‬على قوله ‪ { :‬والصَال } وقفًا تامًا ‪ ،‬وابتدأ بقوله ‪ِ { :‬رجَالٌ ل‬
‫تُ ْلهِيهِمْ ِتجَا َرةٌ وَل بَيْعٌ عَنْ ِذكْرِ اللّهِ } وكأنه مفسر للفاعل المحذوف ‪ ،‬كما قال الشاعر (‪.)3‬‬
‫طوَائحُ‪...‬‬
‫ط مما تُطيح ال ّ‬
‫خصُومة‪ ...‬ومُخْتَب ٌ‬
‫لِيُ ْبكَ يزيدُ ‪ ،‬ضارعٌ ل ُ‬
‫كأنه قال ‪ :‬من يبكيه ؟ قال ‪ :‬هذا يبكيه‪ .‬وكأنه قيل ‪ :‬من يسبح له فيها ؟ قال ‪ :‬رجال‪.‬‬
‫وأما على قراءة مَنْ قرأ ‪ { :‬يسبّح } ‪ -‬بكسر الباء ‪ -‬فجعله فعل وفاعله ‪ِ { :‬رجَال } فل يحسن‬
‫الوقف إل على الفاعل ؛ لنه تمام الكلم‪.‬‬
‫عمّارا‬
‫فقوله ‪ِ { :‬رجَال } فيه إشعار بهممهم السامية ‪ ،‬ونياتهم وعزائمهم العالية ‪ ،‬التي بها صاروا ُ‬
‫للمساجد ‪ ،‬التي هي بيوت ال في أرضه ‪ ،‬ومواطن عبادته وشكره ‪ ،‬وتوحيده وتنزيهه ‪ ،‬كما قال‬
‫ل صَ َدقُوا مَا عَا َهدُوا اللّهَ عَلَ ْيهِ } [الحزاب ‪.]23 :‬‬
‫تعالى ‪ { :‬مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ رِجَا ٌ‬
‫فأما النساء َفصَلتهن في بيوتهن أفضل لهن ؛ لما رواه أبو داود ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬صلة المرأة في بيتها أفضل من صلتها‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في حجرتها ‪ ،‬وصلتها في مخدعها أفضل من صلتها في بيتها" (‪.)4‬‬
‫شدِين ‪ ،‬حدثني عمرو ‪ ،‬عن أبي السمح ‪ ،‬عن‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن غَيْلن ‪ ،‬حدثنا رِ ْ‬
‫السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ - ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫قال ‪" :‬خير مساجد النساء [قعر] (‪ )5‬بيوتهن" (‪.)6‬‬
‫وقال المام أحمد أيضًا ‪ :‬حدثنا هارون ‪ ،‬أخبرني عبد ال بن وهب ‪ ،‬حدثنا داود بن قيس ‪ ،‬عن‬
‫سوَيد النصاري ‪ ،‬عن عمته أم حميد ‪ -‬امرأة أبي حميد الساعدي ‪ -‬أنها جاءت النبي‬
‫عبد ال بن ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني أحب الصلة معك قال ‪" :‬قد علمت أنك تحبين‬
‫الصلة معي ‪ ،‬وصلتك في بيتك خير من صلتك في حجرتك ‪ ،‬وصلتك في حُجْرَتك خير من‬
‫صلتك في دارك ‪ ،‬وصلتك في دارك خير من صلتك في مسجد قومك ‪ ،‬وصلتك في مسجد‬
‫قومك خير من صلتك في مسجدي"‪ .‬قال ‪ :‬فأمَرَت فبُني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها‬
‫وأظلمه (‪ ، )7‬فكانت تصلي فيه حتى لقيت ال ‪ ،‬عز وجل‪ .‬لم يخرجوه‪)8( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬القراء"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬ويقف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينسب للشاعر نهشل بن حري ولغيره ‪ ،‬وهو من شواهد الكتاب لسيبويه (‪ )1/145‬والمقتضب‬
‫للمبرد (‪ )3/382‬ومغني اللبيب لبن هشام الشاهد رقم (‪ )1048‬ا‪.‬هـ ‪ ،‬مستفادا من حاشية‬
‫الشعب‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أبي داود برقم (‪.)580‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)6/297‬‬
‫(‪ )7‬في هـ ‪" :‬بيوتها وال" وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بيتها وال" والمثبت من المسند‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)6/371‬‬

‫( ‪)6/67‬‬

‫هذا ويجوز لها شهود جماعة الرجال ‪ ،‬بشرط أن ل تؤذي أحدًا من الرجال بظهور زينة ول ريح‬
‫عمَر أنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫طيب كما ثبت في الصحيحين عن عبد ال بن ُ‬
‫‪" :‬ل تمنعوا إماء ال مساجد ال" (‪.)1‬‬
‫رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬ولحمد وأبي داود ‪" :‬وبيوتهن خير لهن" (‪ )2‬وفي رواية ‪" :‬وليخرجن‬
‫وهن َتفِلت" (‪ )3‬أي ‪ :‬ل ريح لهن‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد ثبت في صحيح مسلم ‪ ،‬عن زينب ‪ -‬امرأة ابن مسعود ‪ -‬قالت ‪ :‬قال لنا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إذا شهدت إحداكن المسجد فل تمس طيبًا" (‪.)4‬‬
‫وفي الصحيحين عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬أنها قالت ‪ :‬كان نساء المؤمنين (‪ )5‬يشهدن الفجر‬
‫مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم يرجعن متلفعات بمُرُوطهن ‪ ،‬ما ُيعْ َرفْن من الغَلَس (‪.)6‬‬
‫وفي الصحيحين أيضًا عنها أنها قالت ‪ :‬لو أدرك رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أحدث النساء‬
‫لمنعهُنّ المساجد ‪ ،‬كما مُنعت نساء بني إسرائيل (‪.)7‬‬
‫وقوله ‪ِ { :‬رجَالٌ ل تُ ْلهِيهِمْ تِجَا َر ٌة وَل بَيْعٌ عَنْ ِذكْرِ اللّهِ } ‪ ،‬كقوله { يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تُ ْل ِهكُمْ‬
‫َأ ْموَاُلكُ ْم وَل َأوْل ُدكُمْ عَنْ ِذكْرِ اللّ ِه َومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [المنافقون ‪ ، ]9 :‬وقال‬
‫س َعوْا إِلَى ِذكْرِ اللّ ِه وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَِلكُمْ‬
‫ج ُمعَةِ فَا ْ‬
‫تعالى { يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ِإذَا نُو ِديَ لِلصّلةِ مِنْ َيوْمِ ا ْل ُ‬
‫خَيْرٌ َل ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ } [الجمعة ‪]9 :‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ل تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها ومَلذ بَيعها وريحها ‪ ،‬عن ذكر ربهم الذي هو‬
‫خالقهم ورازقهم ‪ ،‬والذين يعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم ؛ لن ما عندهم‬
‫ينفد وما عند ال باق ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ل تُ ْلهِيهِمْ تِجَا َر ٌة وَل بَيْعٌ عَنْ ِذكْرِ اللّ ِه وَِإقَامِ الصّلةِ وَإِيتَاءِ‬
‫ال ّزكَاةِ } أي ‪ :‬يقدمون طاعته ومُرَاده ومحبته على مرادهم ومحبتهم‪.‬‬
‫حدّثت عن ابن مسعود أنه رأى قومًا من أهل السوق ‪،‬‬
‫قال هُشَيْم ‪ :‬عن سَيّار (‪[ : )8‬قال] (‪ُ )9‬‬
‫حيث نودي بالصلة ‪ ،‬تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلة ‪ ،‬فقال عبد ال ‪ :‬هؤلء من الذين ذكر‬
‫ال في كتابه ‪ِ { :‬رجَالٌ ل تُ ْلهِيهِمْ تِجَا َر ٌة وَل بَيْعٌ عَنْ ِذكْرِ اللّهِ } (‪.)10‬‬
‫عمْرو بن دينار ال َقهْ َرمَانيّ ‪ ،‬عن سالم ‪ ،‬عن عبد ال بن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪،‬‬
‫وهكذا روى َ‬
‫أنه كان في السوق (‪ )11‬فأقيمت الصلة ‪ ،‬فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد ‪ ،‬فقال ابن عمر ‪:‬‬
‫فيهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )900‬وصحيح مسلم برقم (‪.)442‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/76‬وسنن أبي داود برقم (‪ )567‬من حديث عبد ال بن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬وهي في المسند (‪ )2/438‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)443‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المؤمنات"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )578‬وصحيح مسلم برقم (‪.)645‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )869‬وصحيح مسلم برقم (‪.)445‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬شيبان"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )10‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)18/113‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بالسوق"‪.‬‬

‫( ‪)6/68‬‬

‫نزلت ‪ِ { :‬رجَالٌ ل تُ ْلهِي ِهمْ تِجَا َر ٌة وَل بَيْعٌ عَنْ ِذكْرِ اللّهِ }‪ .‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير (‪.)1‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال بن بكر (‪ )2‬الصنعاني ‪ ،‬حدثنا أبو سعيد مولى بني‬
‫هاشم (‪ )3‬حدثنا عبد ال بن ُبجَيْر ‪ ،‬حدثنا أبو عبد رب (‪ )4‬قال ‪ :‬قال أبو الدرداء ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ :‬إني قمت (‪ )5‬على هذا الدرج أبايع عليه ‪ ،‬أربح كل يوم ثلثمائة دينار ‪ ،‬أشهد الصلة في‬
‫كل يوم في المسجد ‪ ،‬أما إني ل أقول ‪" :‬إن ذلك ليس بحلل" ولكني أحب أن أكون من الذين قال‬
‫ال ‪ِ { :‬رجَالٌ ل تُ ْلهِيهِمْ تِجَا َر ٌة وَل بَيْعٌ عَنْ ِذكْرِ اللّهِ }‪.‬‬
‫وقال عمرو بن دينار العور ‪ :‬كنت مع سالم بن عبد ال ونحن نريد المسجد ‪ ،‬فمررنا بسوق‬
‫خمّروُا متاعهم ‪ ،‬فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد ‪ ،‬فتل سالم‬
‫المدينة وقد قاموا إلى الصلة و َ‬
‫هذه الية ‪ِ { :‬رجَالٌ ل تُ ْلهِي ِهمْ تِجَا َر ٌة وَل بَيْعٌ عَنْ ِذكْرِ اللّهِ } ثم قال ‪ :‬هم هؤلء‪.‬‬
‫وكذا قال سعيد بن أبي الحسن ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬ل تلهيهم التجارة والبيع أن يأتوا الصلة في وقتها‪.‬‬
‫وقال مطر الوَرّاق ‪ :‬كانوا يبيعون ويشترون ‪ ،‬ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانُه في يده‬
‫خفضه ‪ ،‬وأقبل إلى الصلة‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس { ل تُ ْلهِيهِمْ ِتجَا َرةٌ وَل بَيْعٌ عَنْ ِذكْرِ اللّهِ } يقول ‪ :‬عن‬
‫الصلة المكتوبة‪ .‬وكذا قال الربيع بن أنس ومقاتل بن حيان‪.‬‬
‫وقال السّدّي ‪ :‬عن الصلة في جماعة‪.‬‬
‫وعن مقاتل بن حيان ‪ :‬ل يلهيهم ذلك عن حضور الصلة ‪ ،‬وأن يقيموها كما أمرهم (‪ )6‬ال ‪،‬‬
‫وأن يحافظوا على مواقيتها ‪ ،‬وما استحفظهم ال فيها‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يخَافُونَ َي ْومًا تَ َتقَّلبُ فِيهِ ا ْلقُلُوبُ وَال ْبصَارُ } أي ‪ :‬يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب‬
‫والبصار ‪ ،‬أي ‪ :‬من شدة الفزع وعظمة الهوال ‪ ،‬كما قال تعالى { وَأَ ْنذِرْهُمْ َيوْمَ ال ِزفَةِ إِذِ‬
‫خصُ فِيهِ‬
‫شَ‬‫ظمِينَ } [غافر ‪ ، ]18 :‬وقال تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا ُيؤَخّرُهُمْ لِ َيوْمٍ تَ ْ‬
‫ا ْلقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَا ِ‬
‫سكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِ ّنمَا‬
‫طعَامَ عَلَى حُبّهِ مِ ْ‬
‫ط ِعمُونَ ال ّ‬
‫ال ْبصَارُ } [إبراهيم ‪ ، ]42 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَ ُي ْ‬
‫شكُورًا إِنّا َنخَافُ مِنْ رَبّنَا َي ْومًا عَبُوسًا َق ْمطَرِيرًا َف َوقَاهُمُ‬
‫ط ِع ُمكُمْ ِل َوجْهِ اللّهِ ل نُرِيدُ مِ ْنكُمْ جَزَا ًء وَل ُ‬
‫نُ ْ‬
‫اللّهُ شَرّ ذَِلكَ الْ َيوْ ِم وََلقّاهُمْ َنضْ َر ًة وَسُرُورًا وَجَزَا ُهمْ ِبمَا صَبَرُوا جَنّ ًة َوحَرِيرًا } [النسان ‪- 8 :‬‬
‫‪.]12‬‬
‫عمِلُوا } أي ‪ :‬هؤلء من الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا‬
‫وقال هاهنا { لِ َيجْزِ َيهُمُ اللّهُ َأحْسَنَ مَا َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ويتجاوز عن سيئاتهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيَزِي ُدهُمْ مِنْ َفضْلِهِ } أي ‪ :‬يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّ اللّهَ‬
‫ل َيظْلِمُ مِثْقَالَ ذَ ّر ٍة وَإِنْ َتكُ حَسَنَةً ُيضَاعِ ْفهَا وَ ُيؤْتِ مِنْ لَدُ ْنهُ َأجْرًا عَظِيمًا } [النساء ‪ ، ]40 :‬وقال‬
‫تعالى ‪ { :‬مَنْ جَاءَ بِا ْلحَسَنَةِ فََلهُ عَشْرُ َأمْثَاِلهَا } [النعام ‪ ، ]160 :‬وقال { مَنْ ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ‬
‫ضعَافًا كَثِي َرةً } [البقرة ‪ ، ]245 :‬وقال { وَاللّهُ ُيضَاعِفُ ِلمَنْ َيشَاءُ }‬
‫قَ ْرضًا حَسَنًا فَ ُيضَاعِفَهُ َلهُ َأ ْ‬
‫[البقرة ‪]261 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)18/113‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بكير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد ربه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬قمت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أمر"‪.‬‬

‫( ‪)6/69‬‬

‫ج ْدهُ شَيْئًا َووَجَدَ اللّهَ‬


‫ظمْآَنُ مَاءً حَتّى ِإذَا جَا َءهُ لَمْ يَ ِ‬
‫حسَبُهُ ال ّ‬
‫عمَاُل ُهمْ كَسَرَابٍ ِبقِيعَةٍ يَ ْ‬
‫وَالّذِينَ َكفَرُوا أَ ْ‬
‫جيّ َيغْشَاهُ َموْجٌ مِنْ َف ْوقِهِ َموْجٌ‬
‫حسَابَ ُه وَاللّهُ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ (‪َ )39‬أوْ َكظُُلمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُ ّ‬
‫عِنْ َدهُ َف َوفّاهُ ِ‬
‫ج َعلِ اللّهُ لَهُ نُورًا‬
‫ضهَا َفوْقَ َب ْعضٍ ِإذَا َأخْرَجَ يَ َدهُ َلمْ َيكَدْ يَرَاهَا َومَنْ لَمْ َي ْ‬
‫سحَابٌ ظُُلمَاتٌ َب ْع ُ‬
‫مِنْ َف ْوقِهِ َ‬
‫َفمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (‪)40‬‬

‫كما قال هاهنا ‪ { :‬وَاللّهُ يَرْ ُزقُ مَنْ يَشَاءُ ِبغَيْرِ حِسَابٍ }‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪ :‬أنه جيء بلبن فعرضه على جلسائه واحدًا واحدًا ‪ ،‬فكلهم لم يشربه لنه كان‬
‫صائمًا ‪ ،‬فتناوله ابن مسعود وكان مفطرًا فشربه ‪ ،‬ثم تل قوله تعالى (‪َ { )1‬يخَافُونَ َي ْومًا تَ َتقَّلبُ فِيهِ‬
‫ب وَال ْبصَارُ } ‪ ،‬رواه النسائي ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن‬
‫ا ْلقُلُو ُ‬
‫علقمة ‪ ،‬عنه (‪.)2‬‬
‫سهِر عن‬
‫سوَيْد بن سعيد ‪ ،‬حدثنا علي بن مُ ْ‬
‫وقال [ابن أبي حاتم] (‪ )3‬أيضًا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫حوْشَب عن أسماء بنت يزيد قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن شهر بن َ‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬إذا جمع ال الولين والخرين يوم القيامة ‪ ،‬جاء مناد فنادى بصوت يُسمع‬
‫الخلئق ‪ :‬سيعلم أهلُ الجمع من أولى بالكرم ‪ ،‬ليقم الذين ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فيقومون ‪ ،‬وهم قليل ‪ ،‬ثم يحاسب سائر الخلئق" (‪.)4‬‬
‫وروى الطبراني ‪ ،‬من حديث بَقيّة ‪ ،‬عن إسماعيل بن عبد ال الكندي ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي‬
‫وائل ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله ‪ { :‬لِ ُي َوفّ َيهُمْ أُجُورَ ُه ْم وَيَزِيدَ ُهمْ‬
‫مِنْ َفضْلِهِ } [فاطر ‪ ]30 :‬قال ‪ُ { :‬أجُورَهُمْ } يدخلهم الجنة { ‪ ،‬وَيَزِيدُ ُهمْ مِنْ َفضْلِهِ } ‪ ،‬الشفاعة‬
‫لمن وجبت له الشفاعة ‪ ،‬لمن صنع لهم المعروف في الدنيا (‪.)5‬‬
‫ظمْآنُ مَاءً حَتّى إِذَا جَا َءهُ لَمْ َيجِ ْدهُ شَيْئًا َووَجَدَ اللّهَ‬
‫عمَاُلهُمْ َكسَرَابٍ ِبقِيعَةٍ َيحْسَبُهُ ال ّ‬
‫{ وَالّذِينَ َكفَرُوا أَ ْ‬
‫جيّ َيغْشَاهُ َموْجٌ مِنْ َف ْوقِهِ َموْجٌ‬
‫حسَابَ ُه وَاللّهُ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ (‪َ )39‬أوْ َكظُُلمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُ ّ‬
‫عِنْ َدهُ َف َوفّاهُ ِ‬
‫ج َعلِ اللّهُ لَهُ نُورًا‬
‫ضهَا َفوْقَ َب ْعضٍ ِإذَا َأخْرَجَ يَ َدهُ َلمْ َيكَدْ يَرَاهَا َومَنْ لَمْ َي ْ‬
‫سحَابٌ ظُُلمَاتٌ َب ْع ُ‬
‫مِنْ َف ْوقِهِ َ‬
‫َفمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (‪} )40‬‬
‫هذان مثلن ضربهما ال تعالى لنوعي الكفار ‪ ،‬كما ضرب للمنافقين في أول "البقرة" (‪ )6‬مثلين‬
‫ناريًا ومائيًا ‪ ،‬وكما ضرب لما يقر في القلوب من الهدى والعلم في سورة "الرعد" (‪ )7‬مثلين مائيًا‬
‫وناريًا ‪ ،‬وقد تكلمنا على كل منها (‪ )8‬في موضعه بما أغنى عن إعادته ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫فأما الول من هذين المثلين ‪ :‬فهو للكفار الدعاة إلى كفرهم ‪ ،‬الذين يحسبون أنهم على شيء من‬
‫العمال والعتقادات ‪ ،‬وليسوا في نفس المر على شيء ‪ ،‬فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يرى‬
‫في القيعان من الرض عن (‪ )9‬بعد كأنه بحر طام‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكره المزي في تحفة الشراف برقم (‪ )9435‬وعزاه للنسائي في المواعظ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه هناد في الزهد برقم (‪ )176‬من طريق أبي معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬به‪.‬‬
‫وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير للطبراني (‪ )10/248‬وقال الحافظ ابن كثير عند تفسير الية ‪ 173 :‬من سورة‬
‫النساء ‪" :‬هذا إسناد ل يثبت ‪ ،‬وإذا روي عن ابن مسعود موقوفا فهو جيد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬عند الية ‪ ، 17 :‬والية ‪.19 :‬‬
‫(‪ )7‬عند الية ‪.17 :‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬منهما"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬من"‪.‬‬

‫( ‪)6/70‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والقيعة ‪ :‬جمع قاع ‪ ،‬كجار وجي َرةٍ‪ .‬والقاع أيضًا ‪ :‬واحد القيعان ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬جار وجيران‪ .‬وهي‬
‫‪ :‬الرض المستوية المتسعة المنبسطة ‪ ،‬وفيه يكون السراب ‪ ،‬وإنما يكون ذلك بعد نصف النهار‪.‬‬
‫وأما الل (‪ )1‬فإنما يكون أول النهار ‪ ،‬يرى كأنه ماء بين السماء والرض ‪ ،‬فإذا رأى السراب‬
‫من هو محتاج إلى الماء ‪ ،‬حسبه ماءً فقصده ليشرب منه ‪ ،‬فلما انتهى إليه { لَمْ َيجِ ْدهُ شَيْئًا } ‪،‬‬
‫حصّل شيئًا ‪ ،‬فإذا وافى ال يوم القيامة وحاسبه‬
‫فكذلك الكافر يحسب أنه قد عمل عمل وأنه قد َ‬
‫عليها ‪ ،‬ونوقش على أفعاله ‪ ،‬لم يجد له شيئًا بالكلية قد قُبل ‪ ،‬إما لعدم الخلص ‪ ،‬وإما لعدم‬
‫جعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } [الفرقان ‪:‬‬
‫ع َملٍ َف َ‬
‫عمِلُوا مِنْ َ‬
‫سلوك الشرع ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وقَ ِدمْنَا إِلَى مَا َ‬
‫‪.]23‬‬
‫حسَابَ ُه وَاللّهُ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ }‪ .‬وهكذا رُوي عن أُبي بن‬
‫جدَ اللّهَ عِنْ َدهُ َف َوفّاهُ ِ‬
‫وقال هاهنا ‪َ { :‬ووَ َ‬
‫كعب ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة وغير واحد‪.‬‬
‫وفي الصحيحين (‪ : )2‬أنه يقال يوم القيامة لليهود ‪ :‬ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون ‪ :‬كنا نعبد عُزَيْر‬
‫ابن ال‪ .‬فيقال ‪ :‬كذبتم ‪ ،‬ما اتخذ ال من ولد ‪ ،‬ماذا تبغون ؟ فيقولون ‪ :‬أي رَبّنَا ‪ ،‬عَطشنا فاسقنا‪.‬‬
‫فيقال ‪ :‬أل ترون ؟ فتمثل لهم النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا ‪ ،‬فينطلقون فيتهافتون فيها (‬
‫‪.)3‬‬
‫وهذا المثال مثال لذوي الجهل المركب‪ .‬فأما أصحاب الجهل البسيط ‪ ،‬وهم الطّماطم الغشام‬
‫المقلدون لئمة الكفر ‪ ،‬الصم البكم الذين ل يعقلون ‪ ،‬فمثلهم كما قال تعالى ‪َ { :‬أوْ َكظُُلمَاتٍ فِي‬
‫سحَابٌ ظُُلمَاتٌ‬
‫جيّ } ‪ :‬قال قتادة ‪ :‬وهو العميق‪َ { .‬ي ْغشَاهُ َموْجٌ مِنْ َف ْوقِهِ َموْجٌ مِنْ َف ْوقِهِ َ‬
‫بَحْرٍ ُل ّ‬
‫ضهَا َفوْقَ َب ْعضٍ ِإذَا َأخْرَجَ يَ َدهُ َلمْ َيكَدْ يَرَاهَا } أي ‪ :‬لم يقارب رؤيتها من شدة الظلم ‪ ،‬فهذا مثل‬
‫َب ْع ُ‬
‫قلب الكافر الجاهل البسيط المقلد الذي ل يدري أين يذهب ‪ ،‬ول [هو] (‪ )4‬يعرف حال من يقوده ‪،‬‬
‫بل كما يقال في المثل للجاهل ‪ :‬أين تذهب ؟ قال ‪ :‬معهم‪ .‬قيل ‪ :‬فإلى أين يذهبون ؟ قال ‪ :‬ل‬
‫أدري‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪َ { :‬ي ْغشَاهُ َموْجٌ مِنْ َف ْوقِهِ َموْجٌ مِنْ َف ْوقِهِ‬
‫سحَابٌ } يعني بذلك ‪ :‬الغشاوة التي على القلب والسمع والبصر ‪ ،‬وهي كقوله ‪ { :‬خَ َتمَ اللّهُ عَلَى‬
‫َ‬
‫عظِيمٌ } [البقرة ‪ ، ]7 :‬وكقوله (‪: )5‬‬
‫عذَابٌ َ‬
‫س ْم ِعهِ ْم وَعَلَى أَ ْبصَارِ ِهمْ غِشَا َو ٌة وََلهُمْ َ‬
‫قُلُو ِبهِ ْم وَعَلَى َ‬
‫ج َعلَ عَلَى َبصَ ِرهِ‬
‫س ْمعِ ِه َوقَلْبِهِ وَ َ‬
‫{ َأفَرَأَ ْيتَ مَنِ اتّخَذَ ِإَلهَهُ َهوَا ُه وََأضَلّهُ اللّهُ عَلَى عِلْ ٍم وَخَ َتمَ عَلَى َ‬
‫غِشَا َوةً َفمَنْ َيهْدِيهِ مِنْ َب ْعدِ اللّهِ َأفَل تَ َذكّرُونَ } [الجاثية ‪.]23 :‬‬
‫ضهَا َفوْقَ َب ْعضٍ } فهو يتقلب في خمسة من الظلم ‪:‬‬
‫وقال أُبيّ بن كعب في قوله ‪ { :‬ظُُلمَاتٌ َب ْع ُ‬
‫كلمه ظلمة ‪ ،‬وعمله ظلمة ‪ ،‬ومدخله ظلمة ‪ ،‬ومخرجه ظلمة ‪ ،‬ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات‬
‫‪ ،‬إلى النار‪.‬‬
‫وقال الربيع بن أنس ‪ ،‬والسّدّي نحو ذلك أيضًا‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج َعلِ اللّهُ لَهُ نُورًا َفمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } أي ‪ :‬من لم يهده ال فهو هالك جاهل حائر‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ لَمْ يَ ْ‬
‫بائر كافر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬مَنْ ُيضِْللِ اللّهُ فَل هَا ِديَ لَهُ } [العراف ‪ ]186 :‬وهذا [في] (‪)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )4581‬وصحيح مسلم برقم (‪ )183‬من حديث أبي سعيد الخدري ‪،‬‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/71‬‬

‫ض وَالطّيْرُ صَافّاتٍ ُكلّ قَدْ عَِل َم صَلَاتَ ُه وَتَسْبِيحَهُ‬


‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُسَبّحُ َلهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫ض وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ (‪ )42‬أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ‬
‫ت وَالْأَ ْر ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫وَاللّهُ عَلِيمٌ ِبمَا َي ْفعَلُونَ (‪ )41‬وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫سمَاءِ مِنْ‬
‫جعَلُهُ ُركَامًا فَتَرَى ا ْلوَ ْدقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزّلُ مِنَ ال ّ‬
‫سحَابًا ثُمّ ُيؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمّ َي ْ‬
‫يُزْجِي َ‬
‫جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَ ُيصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَا ُء وَ َيصْ ِرفُهُ عَنْ مَنْ َيشَاءُ َيكَادُ سَنَا بَ ْرقِهِ يَذْ َهبُ بِالْأَ ْبصَارِ (‬
‫‪)43‬‬

‫مُقابلة ما قال في مثل المؤمنين ‪َ { :‬يهْدِي اللّهُ لِنُو ِرهِ مَنْ يَشَاءُ } فنسأل ال العظيم أن يجعل في‬
‫قلوبنا نورًا ‪ ،‬وعن أيماننا نورًا ‪ ،‬وعن شمائلنا نورًا ‪ ،‬وأن يعظم لنا نورًا‪.‬‬
‫ض وَالطّيْرُ صَافّاتٍ ُكلّ قَدْ عَِل َم صَلتَ ُه وَتَسْبِيحَهُ‬
‫ت وَالرْ ِ‬
‫س َموَا ِ‬
‫{ أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ ُيسَبّحُ لَهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫ت وَال ْرضِ وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ (‪} )42‬‬
‫س َموَا ِ‬
‫وَاللّهُ عَلِيمٌ ِبمَا َي ْفعَلُونَ (‪ )41‬وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫يخبر تعالى أنه يُسَبّحه من في السموات والرض ‪ ،‬أي ‪ :‬من الملئكة والناسي ‪ ،‬والجان‬
‫ن وَإِنْ‬
‫سمَاوَاتُ السّبْ ُع وَال ْرضُ َومَنْ فِيهِ ّ‬
‫والحيوان ‪ ،‬حتى الجماد ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬تسَبّحُ لَهُ ال ّ‬
‫غفُورًا } [السراء ‪.]44 :‬‬
‫ح ُهمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيمًا َ‬
‫حمْ ِد ِه وََلكِنْ ل َتفْ َقهُونَ َتسْبِي َ‬
‫شيْءٍ إِل يُسَبّحُ ِب َ‬
‫مِنْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالطّيْ ُر صَافّاتٍ } أي ‪ :‬في حال طيرانها تسبح ربها وتعبده بتسبيح ألهمها وأرشدها إليه‬
‫علِ َم صَلتَ ُه وَتَسْبِيحَهُ } أي ‪ :‬كل قد أرشده إلى‬
‫‪ ،‬وهو يعلم ما هي فاعلة ؛ ولهذا قال ‪ُ { :‬كلّ قَدْ َ‬
‫طريقته ومسلكه في عبادة ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫ثم أخبر أنه عالم بجميع ذلك ‪ ،‬ل يخفى عليه من ذلك شيء ؛ ولهذا (‪ )1‬قال ‪ { :‬وَاللّهُ عَلِيمٌ ِبمَا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َي ْفعَلُونَ }‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى ‪ :‬أن له ملك السموات والرض ‪ ،‬فهو الحاكم المتصرف الذي ل معقب لحكمه ‪،‬‬
‫وهو الله المعبود الذي ل تنبغي العبادة إل له‪ { .‬وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ } أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬فيحكم‬
‫عمِلُوا وَ َيجْ ِزيَ الّذِينَ َأحْسَنُوا بِا ْلحُسْنَى } [النجم ‪، ]31 :‬‬
‫فيه بما يشاء ؛ { لِيَجْ ِزيَ الّذِينَ أَسَاءُوا ِبمَا َ‬
‫فهو الخالق المالك ‪ ،‬أل له الحكم في الدنيا والخرى ‪ ،‬وله الحمد في الولى والخرة ؟!‪.‬‬
‫جعَلُهُ ُركَامًا فَتَرَى ا ْل َودْقَ َيخْرُجُ مِنْ خِلِل ِه وَيُنزلُ‬
‫{ أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُ ْزجِي سَحَابًا ُثمّ ُيؤَّلفُ بَيْنَهُ ثُمّ يَ ْ‬
‫سمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَ ُيصِيبُ بِهِ مَنْ َيشَا ُء وَ َيصْ ِرفُهُ عَنْ مَنْ َيشَاءُ َيكَادُ سَنَا بَ ْرقِهِ‬
‫مِنَ ال ّ‬
‫يَذْ َهبُ بِال ْبصَارِ (‪} )43‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ولذا"‪.‬‬

‫( ‪)6/72‬‬

‫ل وَال ّنهَارَ إِنّ فِي ذَِلكَ َلعِبْ َرةً لِأُولِي الْأَ ْبصَارِ (‪)44‬‬
‫ُيقَلّبُ اللّهُ اللّ ْي َ‬

‫{ ُيقَّلبُ اللّهُ اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ إِنّ فِي ذَِلكَ َلعِبْ َر ًة لولِي ال ْبصَارِ (‪} )44‬‬
‫يذكر تعالى أنه بقدرته يسوق السحاب أول ما ينشئها وهي ضعيفة ‪ ،‬وهو الزجاء { ثُمّ ُيؤَّلفُ بَيْنَهُ‬
‫جعَلُهُ ُركَامًا } أي ‪ :‬متراكمًا ‪ ،‬أي ‪ :‬يركب بعضه بعضًا ‪،‬‬
‫} أي ‪ :‬يجمعه بعد تفرقه ‪ُ { ،‬ثمّ يَ ْ‬
‫{ فَتَرَى ا ْلوَ ْدقَ } أي المطر { َيخْرُجُ مِنْ خِلِلهِ } أي ‪ :‬من خَلَله‪ .‬وكذا (‪ )1‬قرأها ابن عباس‬
‫والضحاك‪.‬‬
‫قال عبيد بن عمير الليثي ‪ :‬يبعث ال المثيرة فَ َتقُ ّم الرض قمًا ‪ ،‬ثم يبعث ال الناشئة فتنشئ‬
‫السحاب ‪ ،‬ثم يبعث ال المؤلفة فتؤلف بينه ‪ ،‬ثم يبعث [ال] (‪ )2‬اللواقح فتلقح السحاب‪ .‬رواه ابن‬
‫أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬رحمهما ال‪.‬‬
‫سمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ } ‪ :‬قال بعض النحاة ‪" :‬من" الولى ‪ :‬لبتداء‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيُنزلُ مِنَ ال ّ‬
‫الغاية ‪ ،‬والثانية ‪ :‬للتبعيض ‪ ،‬والثالثة ‪ :‬لبيان الجنس‪ .‬وهذا إنما يجيء على قول من ذهب من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وكذلك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)6/72‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن َومِ ْنهُمْ مَنْ‬
‫جلَيْ ِ‬
‫علَى َبطْنِ ِه َومِ ْنهُمْ مَنْ َيمْشِي عَلَى رِ ْ‬
‫وَاللّهُ خَلَقَ ُكلّ دَابّةٍ مِنْ مَاءٍ َفمِ ْنهُمْ مَنْ َيمْشِي َ‬
‫ت وَاللّهُ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪َ )45‬لقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيّنَا ٍ‬
‫خلُقُ اللّهُ مَا يَشَاءُ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫َيمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَ ْ‬
‫طعْنَا ثُمّ يَ َتوَلّى فَرِيقٌ‬
‫ل وَأَ َ‬
‫َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪ )46‬وَ َيقُولُونَ َآمَنّا بِاللّ ِه وَبِالرّسُو ِ‬
‫حكُمَ بَيْ َن ُهمْ إِذَا فَرِيقٌ‬
‫ك َومَا أُولَ ِئكَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )47‬وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللّ ِه وَرَسُولِهِ لِيَ ْ‬
‫مِ ْنهُمْ مِنْ َبعْدِ ذَِل َ‬
‫حقّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (‪َ )49‬أفِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ َأمِ ارْتَابُوا َأمْ‬
‫مِ ْنهُمْ ُمعْ ِرضُونَ (‪ )48‬وَإِنْ َيكُنْ َل ُهمُ الْ َ‬
‫يَخَافُونَ أَنْ َيحِيفَ اللّهُ عَلَ ْي ِه ْم وَرَسُولُهُ َبلْ أُولَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ (‪ )50‬إِ ّنمَا كَانَ َق ْولَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ إِذَا‬
‫طعِ‬
‫طعْنَا وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪َ )51‬ومَنْ يُ ِ‬
‫س ِمعْنَا وَأَ َ‬
‫حكُمَ بَيْ َنهُمْ أَنْ َيقُولُوا َ‬
‫دُعُوا إِلَى اللّ ِه وَرَسُولِهِ لِ َي ْ‬
‫اللّ َه وَرَسُوَل ُه وَيَخْشَ اللّ َه وَيَ ّتقْهِ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلفَائِزُونَ (‪)52‬‬

‫المفسرين إلى أن قوله ‪ { :‬مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ } ومعناه ‪ :‬أن في السماء جبالَ بَرَد ينزل ال‬
‫منها البرد‪ .‬وأما من جعل الجبال ههنا عبارة (‪ )1‬عن السحاب ‪ ،‬فإن "من" الثانية عند هذا لبتداء‬
‫الغاية أيضا ‪ ،‬لكنها َبدَل من الولى ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَ ُيصِيبُ بِهِ مَنْ َيشَا ُء وَ َيصْ ِرفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ } يحتمل أن يكون المراد بقوله ‪ { :‬فَ ُيصِيبُ‬
‫بِهِ } أي ‪ :‬بما ينزل من السماء من نوعي البرد والمطر (‪ )2‬فيكون قوله ‪ { :‬فَ ُيصِيبُ بِهِ مَنْ‬
‫يَشَاءُ } رحمة لهم ‪ { ،‬وَ َيصْ ِرفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ } أي ‪ :‬يؤخر عنهم الغيث‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد بقوله ‪ { :‬فَ ُيصِيبُ بِهِ } أي ‪ :‬بالبرد نقمة على من يشاء لما فيه من نثر‬
‫ثمارهم وإتلف زروعهم وأشجارهم‪ .‬ويصرفه عمن يشاء [أي ‪ )3( ] :‬رحمة بهم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يكَادُ سَنَا بَ ْرقِهِ يَذْ َهبُ بِال ْبصَارِ } أي ‪ :‬يكاد ضوء برقه من شدته يخطف البصار إذا‬
‫اتبعته وتراءته‪.‬‬
‫وقوله { ُيقَّلبُ اللّهُ اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ } أي ‪ :‬يتصرف فيهما ‪ ،‬فيأخذ من طول هذا في قصر هذا حتى‬
‫يعتدل ثم يأخذ من هذا في هذا ‪ ،‬فيطول الذي كان قصيرًا ‪ ،‬ويقصر الذي كان طويل‪ .‬وال هو‬
‫المتصرف في ذلك بأمره وقهره وعزته وعلمه‪.‬‬
‫{ إِنّ فِي ذَِلكَ َلعِبْ َر ًة لولِي ال ْبصَارِ } أي ‪ :‬لدليل على عظمته تعالى ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪ { :‬إِنّ‬
‫ت لولِي اللْبَابِ } [آل عمران ‪.]190 :‬‬
‫ل وَال ّنهَارِ ليَا ٍ‬
‫ض وَاخْتِلفِ اللّ ْي ِ‬
‫س َموَاتِ وَال ْر ِ‬
‫فِي خَلْقِ ال ّ‬
‫وما بعدها من اليات الكريمات‪.‬‬
‫ن َومِ ْنهُمْ مَنْ‬
‫{ وَاللّهُ خََلقَ ُكلّ دَابّةٍ مِنْ مَاءٍ َفمِ ْنهُمْ مَنْ َيمْشِي عَلَى بَطْ ِن ِه َومِ ْنهُمْ مَنْ َيمْشِي عَلَى رِجْلَيْ ِ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪.} )45‬‬
‫خلُقُ اللّهُ مَا يَشَاءُ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫َيمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَ ْ‬
‫يذكر تعالى قدرته التامة وسلطانه العظيم ‪ ،‬في خلقه أنواع [المخلوقات] (‪ .)4‬على اختلف أشكالها‬
‫وألوانها ‪ ،‬وحركاتها وسكناتها ‪ ،‬من ماء واحد ‪َ { ،‬فمِ ْنهُمْ مَنْ َيمْشِي عَلَى َبطْنِهِ } كالحية وما‬
‫علَى ِرجْلَيْنِ } كالنسان والطير ‪َ { ،‬ومِ ْنهُمْ مَنْ َيمْشِي عَلَى أَرْ َبعٍ }‬
‫شاكلها ‪َ { ،‬ومِنْهُمْ مَنْ َيمْشِي َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كالنعام وسائر الحيوانات ؛ ولهذا قال ‪ { :‬يَخُْلقُ اللّهُ مَا يَشَاءُ } أي ‪ :‬بقدرته ؛ لنه ما شاء كان ‪،‬‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ }‪.‬‬
‫وما لم يشأ لم يكن ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ت وَاللّهُ َيهْدِي مَنْ َيشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪.} )46‬‬
‫{ َلقَدْ أَنزلْنَا آيَاتٍ مُبَيّنَا ٍ‬
‫يقرر تعالى أنه أنزل في هذا القرآن من الحكم (‪ )5‬والمثال البينة المحكمة ‪ ،‬كثيرًا (‪ )6‬جدًا ‪،‬‬
‫وأنه يرشد إلى تفهمها وتعقلها أولي اللباب والبصائر والنهى ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَاللّهُ َيهْدِي مَنْ‬
‫يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ }‬
‫ك َومَا أُولَ ِئكَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‬
‫طعْنَا ثُمّ يَ َتوَلّى فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ مِنْ َبعْدِ ذَِل َ‬
‫ل وَأَ َ‬
‫{ وَ َيقُولُونَ آمَنّا بِاللّ ِه وَبِالرّسُو ِ‬
‫حكُمَ بَيْ َن ُهمْ إِذَا فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ ُمعْ ِرضُونَ (‪ )48‬وَإِنْ َيكُنْ َلهُمُ ا ْلحَقّ‬
‫‪ )47‬وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللّ ِه وَرَسُولِهِ لِيَ ْ‬
‫يَأْتُوا إِلَيْهِ ُمذْعِنِينَ (‪َ )49‬أفِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ َأمِ ارْتَابُوا َأمْ يَخَافُونَ أَنْ َيحِيفَ اللّهُ عَلَ ْي ِه ْم وَرَسُولُهُ َبلْ‬
‫حكُمَ بَيْ َن ُهمْ أَنْ َيقُولُوا‬
‫أُولَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ (‪ )50‬إِ ّنمَا كَانَ َق ْولَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللّ ِه وَرَسُولِهِ لِيَ ْ‬
‫طعِ اللّهَ وَرَسُولَ ُه وَيَخْشَ اللّ َه وَيَ ّتقْهِ فَأُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫طعْنَا وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلمُفِْلحُونَ (‪َ )51‬ومَنْ يُ ِ‬
‫س ِمعْنَا وَأَ َ‬
‫َ‬
‫ا ْلفَائِزُونَ (‪} )52‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كناية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬المطر والبرد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪" :‬من الحكم والحكم والمثال"‪ .‬والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬المحكمة ما هو كثير"‪.‬‬

‫( ‪)6/73‬‬

‫يخبر تعالى عن صفات المنافقين ‪ ،‬الذين يظهرون خلف ما يبطنون ‪ ،‬يقولون قول بألسنتهم ‪:‬‬
‫طعْنَا ُثمّ يَ َتوَلّى فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ } أي ‪ :‬يخالفون أقوالهم بأعمالهم ‪،‬‬
‫ل وَأَ َ‬
‫{ آمَنّا بِاللّ ِه وَبِالرّسُو ِ‬
‫فيقولون ما ل يفعلون ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬ومَا أُولَ ِئكَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ }‪.‬‬
‫ح ُكمَ بَيْ َنهُمْ ِإذَا فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ ُمعْ ِرضُونَ } أي ‪ :‬إذا طلبوا إلى‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَ ْ‬
‫اتباع الهدى ‪ ،‬فيما أنزل ال على رسوله ‪ ،‬أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه‪ .‬وهذه‬
‫ك َومَا أُنزلَ مِنْ قَبِْلكَ يُرِيدُونَ أَنْ‬
‫عمُونَ أَ ّن ُهمْ آمَنُوا ِبمَا أُنزلَ إِلَ ْي َ‬
‫كقوله ‪ { :‬أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يَزْ ُ‬
‫ت َوقَدْ ُأمِرُوا أَنْ َي ْكفُرُوا ِب ِه وَيُرِيدُ الشّيْطَانُ أَنْ ُيضِّلهُ ْم ضَلل َبعِيدًا وَإِذَا قِيلَ‬
‫يَتَحَا َكمُوا إِلَى الطّاغُو ِ‬
‫ك صُدُودًا } [النساء ‪، 60 :‬‬
‫َلهُمْ َتعَاَلوْا إِلَى مَا أَنزلَ اللّهُ وَإِلَى الرّسُولِ رَأَ ْيتَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ َيصُدّونَ عَ ْن َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪.]61‬‬
‫سمُرَة‬
‫وفي الطبراني من حديث روح بن عطاء بن (‪ )1‬أبي ميمونة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن َ‬
‫مرفوعًا ‪" :‬من دُعي إلى سلطان فلم يجب ‪ ،‬فهو ظالم ل حق له" (‪.)2‬‬
‫حقّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } ‪ ،‬أي ‪ :‬وإذا كانت الحكومة لهم ل عليهم ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ َيكُنْ َلهُمُ الْ َ‬
‫جاؤوا سامعين مطيعين وهو معنى قوله ‪ُ { :‬مذْعِنِينَ } وإذا كانت الحكومة عليه أعرض ودعا إلى‬
‫غير الحق ‪ ،‬وأحب أن يتحاكم إلى غير النبي صلى ال عليه وسلم ليروج باطله َثمّ‪ .‬فإذعانه أول‬
‫لم يكن عن اعتقاد منه أن ذلك هو الحق ‪ ،‬بل لنه موافق لهواه ؛ ولهذا لما خالف الحقّ قصده ‪،‬‬
‫عدل عنه إلى غيره ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬أفِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ أَمِ ارْتَابُوا َأمْ يَخَافُونَ أَنْ َيحِيفَ اللّهُ‬
‫عَلَ ْيهِ ْم وَرَسُولُهُ } يعني ‪ :‬ل يخرج أمرهم عن أن يكون في القلوب مَرَض لزم لها ‪ ،‬أو قد عرض‬
‫لها شك في الدين ‪ ،‬أو يخافون أن يجور ال ورسوله عليهم في الحكم‪ .‬وأيّا ما كان فهو كفر‬
‫محض ‪ ،‬وال عليم بكل منهم ‪ ،‬وما هو عليه منطو من هذه الصفات‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬بلْ أُولَ ِئكَ ُهمُ الظّاِلمُونَ } أي ‪ :‬بل هم الظالمون الفاجرون ‪ ،‬وال ورسوله مبرآن مما‬
‫يظنون ويتوهمون من الحيف والجور ‪ ،‬تعالى ال ورسوله عن ذلك‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا مبارك ‪ ،‬حدثنا الحسن قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المعجم الكبير للطبراني (‪ )7/225‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )4/198‬فيه روح بن‬
‫عطاء ‪ ،‬وثقه ابن عدي وضعفه الئمة"‪.‬‬

‫( ‪)6/74‬‬

‫حقّ‬
‫كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة ‪ ،‬فدعي إلى النبي صلى ال عليه وسلم وهو مُ ِ‬
‫أذعن ‪ ،‬وعلم أن النبي صلى ال عليه وسلم سيقضي له بالحق‪ .‬وإذا أراد أن يظلم فدُعي إلى النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أعرض ‪ ،‬وقال ‪ :‬أنطلقُ إلى فلن‪ .‬فأنزل ال هذه الية ‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫حكّام المسلمين فأبى‬
‫حكَم من ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من كان بينه وبين أخيه شيء ‪ ،‬فدُعِي إلى َ‬
‫أن يجيب ‪ ،‬فهو ظالم ل حق له" (‪.)1‬‬
‫وهذا حديث غريب ‪ ،‬وهو مرسل‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين ل ولرسوله ‪ ،‬الذين ل يبغون دينا سوى كتاب ال‬
‫حكُمَ بَيْ َنهُمْ أَنْ َيقُولُوا‬
‫وسنة رسوله ‪ ،‬فقال ‪ { :‬إِ ّنمَا كَانَ َق ْولَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللّ ِه وَرَسُولِهِ لِ َي ْ‬
‫طعْنَا } أي ‪ :‬سمعًا وطاعة ؛ ولهذا وصفهم تعالى بفلح ‪ ،‬وهو نيل المطلوب والسلمة‬
‫س ِمعْنَا وَأَ َ‬
‫َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من المرهوب ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ }‪.‬‬
‫طعْنَا } ذُكر لنا أن عُبَادة بن الصامت ‪ -‬وكان‬
‫س ِمعْنَا وََأ َ‬
‫وقال قتادة في هذه الية ‪ { :‬أَنْ َيقُولُوا َ‬
‫عقَبيّا بدريا ‪ ،‬أحد نقباء النصار ‪ -‬أنه لما حضره الموت قال لبن أخيه جنادة بن أبي أمية ‪ :‬أل‬
‫َ‬
‫أنبئك بماذا عليك َومَاذا لك ؟ قال ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬فإن عليك السمع والطاعة ‪ ،‬في عسرك ويسرك ‪،‬‬
‫ومَنْشَطك ومكرهك ‪ ،‬وأثرةً عليك‪ .‬وعليك أن تقيم لسانك بالعدل ‪ ،‬وأل تنازع المرَ أهله ‪ ،‬إل أن‬
‫يأمروك بمعصية ال َبوَاحا ‪ ،‬فما أمرت به من شيء يخالف كتاب ال ‪ ،‬فاتبع كتاب ال‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬وَذُكر (‪ )2‬لنا أن أبا الدرداء قال ‪ :‬ل إسلم إل بطاعة ال ‪ ،‬ول خير إل في‬
‫جماعة ‪ ،‬والنصيحة ل ولرسوله ‪ ،‬وللخليفة وللمؤمنين عامة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقد ذُكر لنا أن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬كان يقول ‪ :‬عُروة السلم شهادةُ أن ل‬
‫إله إل ال ‪ ،‬وإقامُ الصلة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪ ،‬والطاعة لمن وله ال أمر المسلمين‪.‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬والحاديث والثار في وجوب الطاعة لكتاب ال [وسنة رسوله ‪ ،‬وللخلفاء‬
‫الراشدين ‪ ،‬والئمة إذا أمروا بطاعة ال] (‪ )3‬كثيرة جدًا ‪ ،‬أكثر من أن تحصر في هذا المكان‪.‬‬
‫طعِ اللّ َه وَرَسُوَلهُ } أي ‪ :‬فيما أمراه به وترك (‪ )4‬ما نهياه (‪ )5‬عنه ‪ { ،‬وَيَخْشَ‬
‫وقوله { َومَنْ يُ ِ‬
‫اللّهَ } فيما مضى من ذنوبه ‪ { ،‬وَيَتَقِهِ } فيما يستقبل‪.‬‬
‫وقوله { فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلفَائِزُونَ } يعني ‪ :‬الذين فازوا بكل خير ‪ ،‬وأمنُوا من كل شر (‪ )6‬في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن مرسل كما في الدر المنثور (‪.)6/213‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وذكروا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ويترك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نهيا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سوء"‪.‬‬

‫( ‪)6/75‬‬

‫عةٌ َمعْرُوفَةٌ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا‬


‫سمُوا طَا َ‬
‫جهْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ لَئِنْ َأمَرْ َتهُمْ لَ َيخْرُجُنّ ُقلْ لَا ُتقْ ِ‬
‫سمُوا بِاللّهِ َ‬
‫وََأقْ َ‬
‫َت ْعمَلُونَ (‪)53‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عةٌ َمعْرُوفَةٌ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا‬
‫سمُوا طَا َ‬
‫جهْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ لَئِنْ َأمَرْ َتهُمْ لَيَخْ ُرجُنّ ُقلْ ل ُتقْ ِ‬
‫سمُوا بِاللّهِ َ‬
‫{ وََأقْ َ‬
‫َت ْعمَلُونَ (‪} )53‬‬

‫( ‪)6/76‬‬

‫حمّلْتُ ْم وَإِنْ ُتطِيعُوهُ‬


‫ل وَعَلَ ْيكُمْ مَا ُ‬
‫ح ّم َ‬
‫ُقلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ فَإِنْ َتوَّلوْا فَإِ ّنمَا عَلَ ْيهِ مَا ُ‬
‫َتهْتَدُوا َومَا عَلَى الرّسُولِ ِإلّا الْبَلَاغُ ا ْلمُبِينُ (‪)54‬‬

‫حمّلْ ُت ْم وَإِنْ تُطِيعُوهُ‬


‫ح ّملَ وَعَلَ ْيكُمْ مَا ُ‬
‫{ ُقلْ َأطِيعُوا اللّ َه وَأَطِيعُوا الرّسُولَ فَإِنْ َتوَّلوْا فَإِ ّنمَا عَلَيْهِ مَا ُ‬
‫َتهْتَدُوا َومَا عَلَى الرّسُولِ إِل الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ (‪} )54‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن أهل النفاق ‪ ،‬الذين كانوا يحلفون للرسول صلى ال عليه وسلم لئن أمرهم (‬
‫سمُوا } أي ‪ :‬ل تحلفوا‪.‬‬
‫‪ )1‬بالخروج [في الغزو] (‪ )2‬قال ال تعالى ‪ُ { :‬قلْ ل ُتقْ ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬طَاعَةٌ َمعْرُوفَةٌ } قيل ‪ :‬معناه (‪ )3‬طاعتكم طاعة معروفة ‪ ،‬أي ‪ :‬قد عُلمت طاعتكم ‪،‬‬
‫ضوْا عَ ْنهُمْ فَإِنْ‬
‫إنما هي قول ل فعل معه ‪ ،‬وكلما حلفتم كذبتم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬يَحِْلفُونَ َلكُمْ لِتَ ْر َ‬
‫سقِينَ } [التوبة ‪ ، ]96 :‬وقال تعالى ‪ { :‬اتّخَذُوا‬
‫ضوْا عَ ْن ُهمْ فَإِنّ اللّهَ ل يَ ْرضَى عَنِ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ‬
‫تَ ْر َ‬
‫أَ ْيمَا َنهُمْ جُنّةً َفصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إِ ّنهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } [المنافقون ‪ ، ]2 :‬فهم من سجيتهم‬
‫خوَا ِنهِمُ الّذِينَ‬
‫الكذب حتى فيما يختارونه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَا َفقُوا َيقُولُونَ ل ْ‬
‫حدًا أَ َبدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَ ْنصُرَ ّنكُمْ‬
‫َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ لَئِنْ ُأخْرِجْ ُتمْ لَنَخْ ُرجَنّ َم َعكُ ْم وَل نُطِيعُ فِيكُمْ أَ َ‬
‫ش َهدُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْ ِرجُوا ل يَخْ ُرجُونَ َم َعهُ ْم وَلَئِنْ قُوتِلُوا ل يَ ْنصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ َنصَرُو ُهمْ‬
‫وَاللّهُ يَ ْ‬
‫لَ ُيوَلّنّ الدْبَارَ ثُمّ ل يُ ْنصَرُونَ } [الحشر ‪]12 ، 11 :‬‬
‫وقيل ‪ :‬المعنى في قوله ‪ { :‬طَاعَةٌ َمعْرُوفَةٌ } أي ‪ :‬ليكن أمركم طاعة معروفة ‪ ،‬أي ‪ :‬بالمعروف‬
‫من غير حَلف ول إقسام ‪ ،‬كما يطيع ال ورسوله المؤمنون بغير حلف ‪ ،‬فكونوا أنتم مثلهم‪.‬‬
‫{ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬هو خبير بكم وبمن يطيع ممن يعصي ‪ ،‬فالحلف وإظهار‬
‫الطاعة ‪ -‬والباطن بخلفه ‪ ،‬وإن راج على المخلوق (‪ - )4‬فالخالق ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬يعلم السر وأخفى ‪،‬‬
‫ل يروج عليه شيء من التدليس ‪ ،‬بل هو خبير بضمائر عباده ‪ ،‬وإن أظهروا خلفها‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ َأطِيعُوا اللّ َه وَأَطِيعُوا الرّسُولَ } أي ‪ :‬اتبعوا كتاب ال وسنة رسوله‪.‬‬
‫ح ّملَ } أي ‪ :‬إبلغ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَإِنْ َتوَّلوْا } أي ‪ :‬تتولوا عنه وتتركوا ما جاءكم به ‪ { ،‬فَإِ ّنمَا عَلَيْهِ مَا ُ‬
‫حمّلْتُمْ } أي ‪ :‬من ذلك وتعظيمه والقيام بمقتضاه ‪ { ،‬وَإِنْ‬
‫الرسالة وأداء المانة ‪ { ،‬وَعَلَ ْيكُمْ مَا ُ‬
‫س َموَاتِ َومَا‬
‫تُطِيعُوهُ َتهْتَدُوا } ‪ ،‬وذلك لنه يدعو إلى صراط مستقيم { صِرَاطِ اللّهِ الّذِي َلهُ مَا فِي ال ّ‬
‫فِي ال ْرضِ أَل إِلَى اللّهِ َتصِي ُر المُورُ } [الشورى ‪.]53 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا عَلَى الرّسُولِ إِل الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ } كقوله ‪ { :‬فَإِ ّنمَا عَلَ ْيكَ الْبَلغُ وَعَلَيْنَا ا ْلحِسَابُ }‬
‫علَ ْيهِمْ ِبمُسَ ْيطِرٍ } [الغاشية ‪.]22 ، 21 :‬‬
‫ستَ َ‬
‫[الرعد ‪ ، ]40 :‬وقوله { فَ َذكّرْ إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُ َذكّرٌ َل ْ‬
‫وقال وهب بن مُنَبّه ‪ :‬أوحى ال إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل ‪ -‬يقال له ‪ :‬شعياء ‪ -‬أن قم في‬
‫بني إسرائيل فإني سأطلق لسانك بوحي‪ .‬فقام فقال ‪ :‬يا سماء اسمعي ‪ ،‬ويا أرض انصتي ‪ ،‬فإن ال‬
‫يريد أن يقضي شأنًا ويدبر أمرًا هو منفذه ‪ ،‬إنه يريد أن يحول الريف إلى الفلة ‪ ،‬والجام (‪ )5‬في‬
‫الغيطان ‪ ،‬والنهار في الصحاري ‪ ،‬والنعمة في الفقراء ‪ ،‬والملك في الرعاة ‪ ،‬ويريد أن يبعث أميا‬
‫من الميين ‪ ،‬ليس بفظ ول غليظ ول سَخّاب في السواق ‪ ،‬لو يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من‬
‫سكينته ‪ ،‬ولو يمشي على القصب اليابس لم يسمع من تحت قدميه‪ .‬أبعثه مُبَشّرا ونذيرًا ‪ ،‬ل يقول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أمرتهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تقديره"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬المحلوف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الجسام"‪.‬‬

‫( ‪)6/76‬‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَيَسْ َتخِْلفَ ّنهُمْ فِي الْأَ ْرضِ َكمَا اسْتَخَْلفَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ‬
‫وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ َآمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَ َ‬
‫خ ْو ِفهِمْ َأمْنًا َيعْبُدُونَنِي لَا يُشْ ِركُونَ بِي شَيْئًا‬
‫وَلَ ُي َمكّنَنّ َل ُهمْ دِي َنهُمُ الّذِي ارْ َتضَى َلهُ ْم وَلَيُبَدّلَ ّنهُمْ مِنْ َبعْدِ َ‬
‫سقُونَ (‪)55‬‬
‫َومَنْ َكفَرَ َبعْدَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلفَا ِ‬

‫صمّا ‪ ،‬وقلوبا غُ ْلفًا ‪ ،‬وأسَدّده لكل أمر جميل ‪ ،‬وأهب له كل‬


‫عمْيًا ‪ ،‬وآذانًا ُ‬
‫الخنَا ‪ ،‬أفتح به أعينا ُ‬
‫خلق كريم ‪ ،‬وأجعل السكينة لباسه ‪ ،‬والبر شعاره ‪ ،‬والتقوى ضميره ‪ ،‬والحكمة منطقه ‪ ،‬والصدق‬
‫والوفاء طبيعته ‪ ،‬والعفو والمعروف خلقه ‪ ،‬والحق شريعته ‪ ،‬والعدل سيرته ‪ ،‬والهدى إمامه ‪،‬‬
‫والسلم ملته ‪ ،‬وأحمد اسمه ‪ ،‬أ ْهدِي به بعد الضللة ‪ ،‬وأعلّم به من الجهالة ‪ ،‬وأ ْرفَعُ به بعد‬
‫الخمَالة ‪ ،‬وأعرف به بعد الّنكْرَة ‪ ،‬وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد العَيلَة ‪ ،‬وأجمع به بعد‬
‫الفرقة ‪ ،‬وأؤلف به بين أمم متفرقة ‪ ،‬وقلوب مختلفة ‪ ،‬وأهواء متشتتة ‪ ،‬وأستنقذ به فئامًا من الناس‬
‫عظيما من الهَلَكة ‪ ،‬وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ‪ ،‬يأمرون بالمعروف ‪ ،‬وينهون عن‬
‫المنكر ‪ ،‬موحدين مؤمنين مخلصين ‪ ،‬مصدقين بما جاءت به رُسُلي‪ .‬رواه ابن أبي حاتم (‪.)1‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَ َيسْتَخِْلفَ ّنهُمْ فِي ال ْرضِ َكمَا اسْتَخَْلفَ الّذِينَ مِنْ‬
‫{ وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خ ْو ِفهِمْ َأمْنًا َيعْ ُبدُونَنِي ل يُشْ ِركُونَ بِي‬
‫قَبِْلهِ ْم وَلَ ُي َمكّنَنّ َلهُمْ دِي َنهُمُ الّذِي ارْ َتضَى َل ُه ْم وَلَيُبَدّلَ ّنهُمْ مِنْ َب ْعدِ َ‬
‫سقُونَ (‪} )55‬‬
‫شَيْئًا َومَنْ َكفَرَ َب ْعدَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬
‫هذا وعد من ال لرسوله صلى ال عليه وسلم (‪ .)2‬بأنه سيجعل أمته خلفاء الرض ‪ ،‬أي ‪ :‬أئمةَ‬
‫الناس والولةَ عليهم ‪ ،‬وبهم تصلح (‪ )3‬البلد ‪ ،‬وتخضع (‪ )4‬لهم العباد ‪ ،‬ولَيُبدلَنّ بعد خوفهم من‬
‫الناس أمنا وحكما فيهم ‪ ،‬وقد فعل تبارك وتعالى ذلك‪ .‬وله الحمد والمنة ‪ ،‬فإنه لم يمت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم حتى فتح ال عليه مكة وخيبر والبحرين ‪ ،‬وسائر جزيرة العرب وأرض‬
‫اليمن بكمالها‪ .‬وأخذ الجزية من مَجُوس َهجَر ‪ ،‬ومن بعض أطراف الشام ‪ ،‬وهاداه هرقل ملك‬
‫الروم وصاحب مصر والسكندرية ‪ -‬وهو المقوقس ‪ -‬وملوك عمان والنجاشي ملك الحبشة ‪،‬‬
‫الذي تَملّك بعد أصْحَمة ‪ ،‬رحمه ال وأكرمه‪.‬‬
‫ثم لما مات رسول ال صلى ال عليه وسلم واختار ال له ما عنده من الكرامة ‪ ،‬قام بالمر بعده‬
‫شعَث ما وَهَى عند (‪ )5‬موته ‪ ،‬عليه الصلة والسلم (‪ )6‬وأطّدَ‬
‫خليفته أبو بكر الصديق ‪ ،‬فََلمّ َ‬
‫جزيرة العرب ومهدها ‪ ،‬وبعث الجيوش السلمية إلى بلد فارس صحبة خالد بن الوليد ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬ففتحوا طرفا منها ‪ ،‬وقتلوا خلقا من أهلها‪ .‬وجيشا آخر صحبة أبي عبيدة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬ومن معه من المراء إلى أرض الشام ‪ ،‬وثالثًا صحبة عمرو بن العاص ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫إلى بلد مصر ‪ ،‬ففتح ال للجيش الشامي في أيامه بُصرى ودمشق ومَخَاليفهما من بلد حَوران‬
‫وما والها ‪ ،‬وتوفاه ال عز وجل ‪ ،‬واختار له ما عنده من الكرامة‪ .‬ومَنّ على السلم وأهله بأن‬
‫ألهم الصديق أن استخلف عمر الفاروق ‪ ،‬فقام في المر بعده قياما تاما ‪ ،‬لم يَدُر الفلك بعد النبياء‬
‫[عليهم السلم] (‪ )7‬على مثله ‪ ،‬في قوة سيرته وكمال عدله‪ .‬وتم في أيامه فتح البلد الشامية‬
‫بكمالها ‪ ،‬وديار مصر إلى آخرها ‪ ،‬وأكثر إقليم فارس ‪ ،‬وكَسّر كسرى وأهانه غاية الهوان ‪،‬‬
‫وتقهقر إلى أقصى مملكته ‪ ،‬و َقصّر قيصر ‪ ،‬وانتزع يده عن بلد الشام فانحاز إلى قسطنطينة ‪،‬‬
‫وأنفق أموالهما في سبيل ال ‪ ،‬كما أخبر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وروي عن عبد ال بن سلم وكعب الحبار كما في الشفا للقاضي عياض (‪.)1/15‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلوات ال وسلمه عليه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يصلح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ويخضع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬بعد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/77‬‬

‫بذلك ووعد به رسول ال ‪ ،‬عليه من ربه أتم سلم وأزكى صلة‪.‬‬


‫ثم لما كانت الدولة العثمانية ‪ ،‬امتدت المماليك (‪ )1‬السلمية إلى أقصى مشارق الرض ومغاربها‬
‫‪ ،‬ففتحت بلد المغرب إلى أقصى ما هنالك ‪ :‬الندلس ‪ ،‬وقبرص ‪ ،‬وبلد القيروان ‪ ،‬وبلد سَبْتَةَ‬
‫مما يلي البحر المحيط ‪ ،‬ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلد الصين ‪ ،‬وقتل كسرى ‪ ،‬وباد ملكه‬
‫بالكلية‪ .‬وفتحت مدائن العراق ‪ ،‬وخراسان ‪ ،‬والهواز ‪ ،‬وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة‬
‫جدا ‪ ،‬وخذل ال ملكهم العظم خاقان ‪ ،‬وجُبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير‬
‫المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ،‬رضي ال عنه‪ .‬وذلك ببركة تلوته ودراسته وجمعه المة على حفظ‬
‫القرآن ؛ ولهذا ثبت في الصحيح (‪ )2‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن ال َزوَى‬
‫لي الرض ‪ ،‬فرأيت مشارقها ومغاربها ‪ ،‬وسيبلغ ملك أمتي ما زُوي لي منها" (‪ )3‬فها نحن نتقلب‬
‫فيما وعدنا ال ورسوله ‪ ،‬وصدق ال ورسوله ‪ ،‬فنسأل (‪ )4‬ال اليمان به ‪ ،‬وبرسوله ‪ ،‬والقيام‬
‫بشكره على الوجه الذي يرضيه عنا‪.‬‬
‫قال المام مسلم بن الحجاج ‪ :‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬عن‬
‫سمُرَة قال ‪ :‬سمعتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ل يزال أمر الناس ماضيا‬
‫جابر بن َ‬
‫ما وليهم اثنا عشر رجل"‪ .‬ثم تكلم النبي صلى ال عليه وسلم بكلمة خفيت عني (‪ )5‬فسألت أبي ‪:‬‬
‫ماذا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ فقال ‪" :‬كلهم من قريش"‪.‬‬
‫ورواه البخاري من حديث شعبة ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬به (‪)6‬‬
‫وفي رواية لمسلم أنه قال ذلك عشية رجم ماعز بن مالك ‪ ،‬وذكر معه أحاديث أخر (‪)7‬‬
‫وهذا الحديث فيه دللة على أنه ل بد من وجود اثني عشر خليفة عادل وليسوا هم بأئمة الشيعة‬
‫الثني عشر فإن كثيرًا من أولئك لم يكن إليهم من المر شيء ‪ ،‬فأما هؤلء فإنهم يكونون من‬
‫قريش ‪ ،‬يَلُون فيعدلون‪ .‬وقد وقعت البشارة بهم في الكتب المتقدمة ‪ ،‬ثم ل يشترط أن يكون‬
‫متتابعين ‪ ،‬بل يكون وجودهم في المة متتابعا ومتفرقا ‪ ،‬وقد وُجِد منهم أربعة على الولء ‪ ،‬وهم‬
‫أبو بكر ‪ ،‬ثم عمر ‪ ،‬ثم عثمان ‪ ،‬ثم علي ‪ ،‬رضي ال عنهم‪ .‬ثم كانت (‪ )8‬بعدهم (‪ )9‬فترة ‪ ،‬ثم‬
‫وُجِد منهم ما شاء ال ‪ ،‬ثم قد يُوجَد منهم مَن بقي في وقت يعلمه ال‪ .‬ومنهم المهدي الذي يطابق‬
‫اسمه اسم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكنيته كنيته ‪ ،‬يمل الرض عدل وقسطا ‪ ،‬كما ملئت‬
‫جورًا وظلما‪.‬‬
‫جمْهان ‪ ،‬عن‬
‫وقد روى المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث سعيد بن ُ‬
‫سفِينة ‪ -‬مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪)10‬‬
‫َ‬
‫‪ :‬الخلفة بعدي ثلثون سنة ‪ ،‬ثم‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في جـ ‪ ،‬أ ‪" :‬الممالك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الصحيحين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪ )2889‬من حديث ثوبان ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬ونسأل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬علي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪ )1821‬وصحيح البخاري برقم (‪.)7222‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم برقم (‪.)1822‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كان"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بينهم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن سفينة مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال" والمثبت من المسند وسنني أبي داود والترمذي‪.‬‬

‫( ‪)6/78‬‬

‫عضُوضا" (‪.)1‬‬
‫يكون ملكا َ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ‬
‫عدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُمْ وَ َ‬
‫وقال الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية في قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫لَيَسْ َتخِْلفَ ّنهُمْ فِي ال ْرضِ َكمَا اسْ َتخَْلفَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ وَلَ ُي َمكّنَنّ َل ُهمْ دِي َنهُمُ الّذِي ارْ َتضَى َلهُ ْم وَلَيُبَدّلَ ّن ُهمْ‬
‫خ ْو ِفهِمْ َأمْنًا } (‪ )2‬الية ‪ ،‬قال ‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه بمكة (‪ )3‬نحوا‬
‫مِنْ َبعْدِ َ‬
‫من عشر سنين ‪ ،‬يدعون إلى ال وحده ‪ ،‬وعبادته وحده ل شريك له سرًا وهم خائفون ‪ ،‬ل‬
‫يؤمرون بالقتال ‪ ،‬حتى أمروا بعدُ بالهجرة إلى المدينة ‪ ،‬فقدموا المدينة ‪ ،‬فأمرهم ال بالقتال ‪،‬‬
‫فكانوا بها خائفين ُيمْسُون في السلح ويصبحون في السلح ‪َ ،‬فغَيّرُوا (‪ )4‬بذلك ما شاء ال‪ .‬ثم إن‬
‫رجل من أصحابه (‪ )5‬قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أبدَ الدهر نحن خائفون هكذا ؟ أما يأتي علينا يوم‬
‫نأمن فيه ونضع عنا [فيه] (‪ )6‬السلح ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬لن َتغْبروا إل‬
‫يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في المل العظيم مُحْتَبِيًا ليست فيهم حديدة"‪ .‬وأنزل ال هذه الية ‪،‬‬
‫فأظهر ال نبيه على جزيرة العرب ‪ ،‬فأمنوا ووضعوا السلح‪ .‬ثم إن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قبض نبيه‬
‫صلى ال عليه وسلم فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان حتى وقعوا فيما‬
‫وقعوا ‪ ،‬فأدخل [ال] (‪ )7‬عليهم الخوف فاتخذوا الحَجَ َز َة والشرط وغَيّروا ‪َ ،‬فغُيّر بهم‪.‬‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬خلفة أبي بكر وعمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬حق في كتابه ‪ ،‬ثم تل هذه الية‪.‬‬
‫وقال البراء بن عازب ‪ :‬نزلت هذه الية ‪ ،‬ونحن في خوف شديد‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضعَفُونَ فِي ال ْرضِ تَخَافُونَ أَنْ‬
‫وهذه الية الكريمة كقوله تعالى ‪ { :‬وَا ْذكُرُوا إِذْ أَنْ ُتمْ قَلِيلٌ مُسْ َت ْ‬
‫شكُرُونَ } [النفال ‪.]26 :‬‬
‫ط َفكُمُ النّاسُ فَآوَاكُ ْم وَأَيّ َد ُكمْ بِ َنصْ ِرهِ وَرَ َز َقكُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ َلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫خّ‬‫يَتَ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬كمَا اسْ َتخَْلفَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ } كما قال تعالى عن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه قال لقومه‬
‫عسَى رَ ّب ُكمْ أَنْ ُيهِْلكَ عَ ُد ّوكُمْ وَيَسْتَخِْل َفكُمْ فِي ال ْرضِ فَيَ ْنظُرَ كَ ْيفَ َت ْعمَلُونَ } [العراف ‪:‬‬
‫‪َ {:‬‬
‫جعََلهُمُ‬
‫جعََل ُهمْ أَ ِئمّ ًة وَنَ ْ‬
‫ض ِعفُوا فِي ال ْرضِ وَنَ ْ‬
‫‪ ، ]129‬وقال تعالى ‪ { :‬وَنُرِيدُ أَنْ َنمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْ ُت ْ‬
‫حذَرُونَ }‬
‫ن َوجُنُودَ ُهمَا مِ ْنهُمْ مَا كَانُوا يَ ْ‬
‫عوْنَ وَهَامَا َ‬
‫ض وَنُ ِريَ فِرْ َ‬
‫ن وَ ُن َمكّنَ َل ُهمْ فِي ال ْر ِ‬
‫ا ْلوَارِثِي َ‬
‫[القصص ‪.]6 ، 5 :‬‬
‫خ ْو ِفهِمْ َأمْنًا } ‪ ،‬كما قال رسول‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَ ُي َمكّنَنّ َلهُمْ دِي َنهُمُ الّذِي ارْ َتضَى َل ُه ْم وَلَيُبَدّلَ ّنهُمْ مِنْ َب ْعدِ َ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم لعديّ بن حاتم ‪ ،‬حين وفد عليه ‪" :‬أتعرف الحيرة ؟" قال (‪ : )8‬لم أعرفها‬
‫‪ ،‬ولكن قد (‪ )9‬سمعت بها‪ .‬قال ‪" :‬فوالذي نفسي بيده ‪ ،‬ليُتمنّ ال هذا المر حتى تخرج الظعينة‬
‫من الحِيرَة حتى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )5/220‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4646‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2226‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم (‪ )8155‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث حسن ل نعرفه إل من حديث سعيد بن‬
‫جمهان" ولم ترد لفظة ‪" :‬عضوض" في هذه المصادر ‪ ،‬وإنما وردت في حديث آخر عن أبي‬
‫عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن ال تعالى بدأ هذا المر‬
‫نبوة ورحمة ‪ ،‬وكائنا خلفة ورحمة ‪ ،‬وكائنا ملكا عضوضا ‪ ،‬وكائنا عنوة وجبرية وفسادا في‬
‫المة‪ ...‬الحديث" أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (‪.)8/159‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬لنستخلفنهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪ " :‬بمكة وأصحابة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬فصبروا" وفي أ ‪" :‬فعيروا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الصحابة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ ‪ ،‬والدر المنثور ‪.5/55‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ ‪ ،‬والدر المنثور ‪.5/55‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬قلت له"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لم أرها وقد"‬

‫( ‪)6/79‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تطوف بالبيت في غير جوار أحد ‪ ،‬ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز"‪ .‬قلت ‪ :‬كسرى بن هرمز ؟‬
‫ن المالُ حتى ل يقبله أحد"‪ .‬قال عدي بن حاتم ‪ :‬فهذه‬
‫قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬كسرى بن هرمز ‪ ،‬وليُبذَلَ ّ‬
‫الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار أحد ‪ ،‬ولقد كنت فيمن افتتح (‪ )1‬كنوز‬
‫كسرى بن هرمز ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لتكونن الثالثة ؛ لن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد‬
‫قالها (‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن‬
‫أبي العالية ‪ ،‬عن أبي بن كعب قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بشر هذه المة‬
‫بالسّناء والرفعة ‪ ،‬والدين والنصر والتمكين في الرض ‪ ،‬فمن عمل منهم عمل الخرة للدنيا ‪ ،‬لم‬
‫يكن له في الخرة نصيب" (‪.)3‬‬
‫وقوله ‪ { :‬يعبدونني ل يشركون بي شيئا } قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬حدثنا قتادة عن أنس ‪ ،‬أن معاذ بن جبل حدثه قال ‪ :‬بينا (‪ )4‬أنا رديف‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ليس بيني وبينه إل آخرة الرّحْل ‪ ،‬قال ‪" :‬يا معاذ" ‪ ،‬قلت ‪ :‬لبيك يا‬
‫سعْديك‪ .‬قال ‪ :‬ثم سار ساعة ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬يا معاذ بن جبل " ‪ ،‬قلت ‪ :‬لبيك يا رسول ال‬
‫رسول ال و َ‬
‫وسعديك‪[ .‬ثم سار ساعة ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬يا معاذ بن جبل" ‪ ،‬قلت ‪ :‬لبيك يا رسول ال وسعديك"] (‪.)5‬‬
‫قال ‪" :‬هل تدري ما حق ال على العباد" ؟ قلت ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪[" :‬فإن] (‪ )6‬حق ال‬
‫على العباد أن يعبدوه ول يشركوا به شيئًا"‪ .‬قال ‪ :‬ثم سار ساعة‪ .‬ثم قال ‪" :‬يا معاذ بن جبل" ‪،‬‬
‫قلت ‪ :‬لبيك يا رسول ال وسعديك‪ .‬قال ‪" :‬فهل تدري ما حق العباد على ال إذا فعلوا ذلك" ؟ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬قلت ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬فإن حق العباد على ال أن ل يعذبهم"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة (‪.)7‬‬
‫سقُونَ } أي ‪ :‬فمن خرج عن طاعتي بعد ذلك ‪ ،‬فقد‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ َكفَرَ َب ْعدَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬
‫فَسَقَ عن أمر ربه وكفى بذلك ذنبًا عظيما‪ .‬فالصحابة ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬لما كانوا أقوم الناس‬
‫بعد النبي صلى ال عليه وسلم بأوامر ال عز وجل ‪ ،‬وأطوعهم ل ‪ -‬كان نصرهم بحسبهم ‪،‬‬
‫وأظهروا كلمة ال في المشارق والمغارب ‪ ،‬وأيدهم تأييدًا عظيما ‪ ،‬وتحكموا في سائر العباد‬
‫والبلد‪ .‬ولما َقصّر الناس بعدهم في بعض الوامر ‪ ،‬نقص ظهورهم بحسبهم ‪ ،‬ولكن قد ثبت في‬
‫الصحيحين ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ل تزال طائفة من‬
‫أمتي ظاهرين على الحق ‪ ،‬ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم إلى اليوم (‪ )8‬القيامة" وفي رواية‬
‫‪" :‬حتى يأتي أمر ال ‪ ،‬وهم كذلك (‪ ." )9‬وفي رواية ‪" :‬حتى يقاتلوا الدجال"‪ .‬وفي رواية ‪" :‬حتى‬
‫ينزل عيسى ابن مريم وهم ظاهرون"‪ .‬وكل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فتح"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪.)3595‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)5/134‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬بينما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )5/242‬وصحيح البخاري برقم (‪ )5967‬وصحيح مسلم برقم (‪.)30‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يوم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬على ذلك"‪.‬‬

‫( ‪)6/80‬‬

‫حمُونَ (‪ )56‬لَا َتحْسَبَنّ الّذِينَ َكفَرُوا ُمعْجِزِينَ‬


‫وََأقِيمُوا الصّلَا َة وَآَتُوا ال ّزكَا َة وََأطِيعُوا الرّسُولَ َلعَّل ُكمْ تُرْ َ‬
‫فِي الْأَ ْرضِ َومَ ْأوَاهُمُ النّا ُر وَلَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪ )57‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا لِيَسْتَ ْأذِ ْنكُمُ الّذِينَ مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ‬
‫ظهِي َرةِ‬
‫ضعُونَ ثِيَا َبكُمْ مِنَ ال ّ‬
‫وَالّذِينَ َلمْ يَبُْلغُوا الْحُُلمَ مِ ْنكُمْ ثَلَاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَ ْبلِ صَلَاةِ ا ْلفَجْ ِر وَحِينَ َت َ‬
‫طوّافُونَ عَلَ ْي ُكمْ‬
‫عوْرَاتٍ َلكُمْ لَيْسَ عَلَ ْيكُ ْم وَلَا عَلَ ْي ِهمْ جُنَاحٌ َبعْدَهُنّ َ‬
‫َومِنْ َب ْع ِد صَلَاةِ ا ْلعِشَاءِ ثَلَاثُ َ‬
‫حكِيمٌ (‪)58‬‬
‫علِيمٌ َ‬
‫ت وَاللّهُ َ‬
‫ضكُمْ عَلَى َب ْعضٍ َكذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمُ الْآَيَا ِ‬
‫َب ْع ُ‬

‫هذه الروايات صحيحة ‪ ،‬ول تعارض بينها‪.‬‬


‫حمُونَ (‪ )56‬ل َتحْسَبَنّ الّذِينَ َكفَرُوا‬
‫{ وََأقِيمُوا الصّلةَ وَآتُوا ال ّزكَا َة وَأَطِيعُوا الرّسُولَ َلعَّلكُمْ تُ ْر َ‬
‫ُمعْجِزِينَ فِي ال ْرضِ َومَ ْأوَاهُمُ النّا ُر وَلَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪.} )57‬‬
‫يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بإقام الصلة ‪ ،‬وهي عبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وإيتاء‬
‫الزكاة ‪ ،‬وهي ‪ :‬الحسان إلى المخلوقين ضعفائهم وفقرائهم ‪ ،‬وأن يكونوا في ذلك مطيعين‬
‫للرسول ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬أي ‪ :‬سالكين وراءه فيما به أمرهم ‪ ،‬وتاركين (‪ )1‬ما عنه‬
‫زجرهم ‪ ،‬لعل ال يرحمهم بذلك‪ .‬ول شك أن من فعل ذلك أن ال سيرحمهم ‪ ،‬كما قال تعالى في‬
‫ح ُمهُمُ اللّهُ } [التوبة ‪.]71 :‬‬
‫الية الخرى ‪ { :‬أُولَ ِئكَ سَيَرْ َ‬
‫حسَبَنّ } أي ‪[ :‬ل تظن] (‪ )2‬يا محمد { الّذِينَ َكفَرُوا } أي ‪ :‬خالفوك وكذبوك ‪،‬‬
‫وقوله { ل تَ ْ‬
‫{ ُمعْجِزِينَ فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬ل يعجزون ال ‪ ،‬بل ال قادر عليهم ‪ ،‬وسيعذبهم على ذلك أشد‬
‫العذاب ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَأْوَا ُهمُ } أي ‪ :‬في الدار الخرة { النّا ُر وَلَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ } أي ‪ :‬بئس‬
‫المآل مآلُ الكافرين ‪ ،‬وبئس القرار وبئس المهاد‪.‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِ ْن ُكمُ الّذِينَ مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُ ْم وَالّذِينَ لَمْ يَ ْبُلغُوا ا ْلحُلُمَ مِ ْنكُمْ ثَلثَ مَرّاتٍ مِنْ قَ ْبلِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عوْرَاتٍ َلكُمْ لَيْسَ‬
‫ظهِي َرةِ َومِنْ َبعْدِ صَلةِ ا ْلعِشَاءِ ثَلثُ َ‬
‫ضعُونَ ثِيَا َبكُمْ مِنَ ال ّ‬
‫صَلةِ ا ْلفَجْ ِر وَحِينَ َت َ‬
‫ت وَاللّهُ‬
‫ضكُمْ عَلَى َب ْعضٍ كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمُ اليَا ِ‬
‫علَ ْيكُمْ َب ْع ُ‬
‫طوّافُونَ َ‬
‫عَلَ ْيكُ ْم وَل عَلَ ْيهِمْ جُنَاحٌ َبعْدَهُنّ َ‬
‫حكِيمٌ (‪} )58‬‬
‫عَلِيمٌ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وترك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/81‬‬

‫طفَالُ مِ ْنكُمُ ا ْلحُلُمَ فَلْ َيسْتَأْذِنُوا َكمَا اسْتَ ْأذَنَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ آَيَاتِهِ وَاللّهُ‬
‫وَإِذَا بَلَغَ الْأَ ْ‬
‫ضعْنَ ثِيَا َبهُنّ‬
‫حكِيمٌ (‪ )59‬وَا ْل َقوَاعِدُ مِنَ النّسَاءِ اللّاتِي لَا يَ ْرجُونَ ِنكَاحًا فَلَيْسَ عَلَ ْيهِنّ جُنَاحٌ أَنْ َي َ‬
‫عَلِيمٌ َ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‪)60‬‬
‫ن وَاللّهُ َ‬
‫غَيْرَ مُتَبَرّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ َيسْ َت ْعفِفْنَ خَيْرٌ َلهُ ّ‬

‫طفَالُ مِ ْنكُمُ ا ْلحُلُمَ فَلْ َيسْتَأْذِنُوا َكمَا اسْتَ ْأذَنَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َل ُكمْ آيَاتِهِ وَاللّهُ‬
‫{ وَإِذَا بَلَغَ ال ْ‬
‫ضعْنَ ثِيَا َبهُنّ‬
‫حكِيمٌ (‪ )59‬وَا ْل َقوَاعِدُ مِنَ النّسَاءِ اللتِي ل يَرْجُونَ ِنكَاحًا فَلَ ْيسَ عَلَ ْيهِنّ جُنَاحٌ أَنْ َي َ‬
‫عَلِيمٌ َ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‪} )60‬‬
‫ن وَاللّهُ َ‬
‫غَيْرَ مُتَبَرّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ َيسْ َت ْعفِفْنَ خَيْرٌ َلهُ ّ‬
‫هذه اليات الكريمة اشتملت على استئذان القارب بعضهم على بعض‪ .‬وما تقدّم في أول السورة‬
‫خ َدمُهم مما ملكَت‬
‫فهو استئذان الجانب بعضهم على بعض‪ .‬فأمر ال تعالى المؤمنين أن يستأذنَهم َ‬
‫أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلثة أحوال ‪ :‬الول من قبل صلة الغداة ؛ لن‬
‫ظهِي َرةِ } أي ‪ :‬في وقت‬
‫ضعُونَ ثِيَا َب ُكمْ مِنَ ال ّ‬
‫الناس إذ ذاك يكونون نيامًا في فرشهم { وَحِينَ َت َ‬
‫القيلولة ؛ لن النسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله ‪َ { ،‬ومِنْ َبعْ ِد صَلةِ ا ْلعِشَاءِ } لنه‬
‫وقت النوم ‪ ،‬فيُؤمَرُ الخد ُم والطفال أل يهجمُوا على أهل البيت في هذه الحوال ‪ ،‬لما يخشى من‬
‫أن يكون الرجل‬

‫( ‪)6/81‬‬

‫عوْرَاتٍ َلكُمْ لَيْسَ عَلَ ْي ُك ْم وَل عَلَ ْي ِهمْ جُنَاحٌ‬


‫على أهله ‪ ،‬ونحو ذلك من العمال ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ثَلثُ َ‬
‫َبعْدَهُنّ } أي ‪ :‬إذا دخلوا في حال غير هذه الحوال فل جناح عليكم في تمكينكم إياهم من ذلك ‪،‬‬
‫طوّافُونَ }‬
‫ول عليهم إن رأوا شيئا في غير تلك الحوال ؛ لنه قد أذن لهم في الهجوم ‪ ،‬ولنهم { َ‬
‫عليكم ‪ ،‬أي ‪ :‬في الخدمة وغير ذلك ‪ ،‬ويغتفر في الطوافين ما ل يغتفر في غيرهم ؛ ولهذا َروَى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المام مالك وأحمد بن حنبل وأهل السنن أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال في الهِرّة ‪" :‬إنها‬
‫ليست بنجَس ؛ إنها من الطوافين عليكم ‪ -‬أو ‪ -‬والطوافات" (‪.)1‬‬
‫ولما كانت هذه الية محكمة ولم تنسخ بشيء ‪ ،‬وكان عمل الناس بها قليل جدًا ‪ ،‬أنكر عبد ال بن‬
‫عباس ذلك على الناس ‪ ،‬كما قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عبد ال بن ُبكَيْر ‪ ،‬حدثني عبد ال بن َلهِيعة ‪ ،‬حدثني عطاء بن‬
‫دينار ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر قال ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬ترك الناس ثلث آيات فلم يعملوا بهن ‪ { :‬يَا‬
‫أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَ ْأذِ ْنكُمُ الّذِينَ مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ وَالّذِينَ َلمْ يَبُْلغُوا الْحُُلمَ [مِ ْنكُمْ ثَلثَ مَرّاتٍ ] } (‪)2‬‬
‫سمَةَ أُولُو ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى‬
‫حضَرَ ا ْلقِ ْ‬
‫إلى آخر الية ‪ ،‬والية التي في سورة النساء ‪ { :‬وَإِذَا َ‬
‫وَا ْلمَسَاكِينُ فَارْ ُزقُوهُمْ مِنْهُ } [النساء ‪ ، ]8 :‬والية التي في الحجرات ‪ { :‬إِنّ َأكْ َر َمكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَ ْتقَاكُمْ‬
‫} [الحجرات ‪]13 :‬‬
‫وروي أيضًا من حديث إسماعيل بن مسلم ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عطاء بن‬
‫أبي رَبَاح ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬غلب الشيطان الناس على ثلث آيات ‪ ،‬فلم يعملوا بهن ‪ { :‬يَا‬
‫أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَ ْأذِ ْنكُمُ الّذِينَ مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ } إلى آخر الية‪.‬‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا ابن الصباح بن سفيان وابن عبدة ‪ -‬وهذا حديثه ‪ -‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن‬
‫عبيد ال بن أبي يزيد ‪ ،‬سمع ابن عباس يقول ‪ :‬لم يؤمن بها أكثر (‪ )3‬الناس ‪ -‬آية الذن ‪ -‬وإني‬
‫لمر جاريتي هذه تستأذن علي‪.‬‬
‫قال أبو داود ‪ :‬وكذلك رواه عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس يأمر به (‪.)4‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن موسى بن أبي عائشة سألت الشعبي ‪ { :‬لِيَسْتَأْذِ ْن ُكمُ الّذِينَ مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ } ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬لم تنسخ‪ .‬قلت ‪ :‬فإن الناس ل يعملون بها‪ .‬فقال ‪ :‬ال المستعان‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الربيع بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرنا سليمان بن بلل ‪ ،‬عن‬
‫عمرو بن أبي عَمرو ‪ ،‬عن عكرمة عن ابن عباس ؛ أن رجلين سأله عن الستئذان في الثلث‬
‫عورات التي أمر ال بها في القرآن ‪ ،‬فقال ابن عباس ‪ :‬إن ال ستّير يحب الستر ‪ ،‬كان الناس‬
‫ليس لهم ستور على أبوابهم ول حِجال في بيوتهم ‪ ،‬فربما فاجأ الرجلَ خادمُه أو ولده أو يتيمه في‬
‫حجره ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الموطأ (‪ )1/23‬والمسند (‪ )5/296‬وسنن أبي داود برقم (‪ )75‬وسنن الترمذي برقم (‪)92‬‬
‫وسنن النسائي (‪ )1/55‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)367‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كثير من"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أبي داود برقم (‪.)5191‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/82‬‬

‫وهو على أهله ‪ ،‬فأمرهم ال أن يستأذنوا في تلك العورات التي سمّى ال‪ .‬ثم جاء ال بعد بالستور‬
‫حجَال ‪ ،‬فرأى الناس أن ذلك قد‬
‫(‪ ، )1‬فبسط [ال] (‪ )2‬عليهم الرزق ‪ ،‬فاتخذوا الستور واتخذوا ال ِ‬
‫كفاهم من الستئذان الذي أمروا به‪.‬‬
‫وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ‪ ،‬ورواه أبو داود ‪ ،‬عن ال َقعْنَبِيّ ‪ ،‬عن الدّرَاوَرْ ِديّ ‪ ،‬عن عمرو‬
‫عمْرو به (‪.)3‬‬
‫بن أبي َ‬
‫وقال السّدّي ‪ :‬كان أناس من الصحابة ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬يحبون أن ُيوَاقعوا نساءهم في هذه‬
‫الساعات ليغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصلة ‪ ،‬فأمرهم ال أن يأمروا المملوكين والغلمان أل يدخلوا‬
‫عليهم في تلك الساعات إل بإذن‪.‬‬
‫وقال مقاتل بن حَيّان ‪ :‬بلغنا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أن رجل من النصار وامرأته أسماء بنت مُرْشدة‬
‫صنعا للنبي صلى ال عليه وسلم طعاما ‪ ،‬فجعل الناس يدخلون بغير إذن ‪ ،‬فقالت أسماء ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬ما أقبح هذا! إنه ليدخل على المرأة وزوجها وهما في ثوب واحد ‪ ،‬غلمهما بغير‬
‫إذن! فأنزل ال في ذلك ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لِ َيسْتَأْذِ ْنكُمُ الّذِينَ مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُ ْم وَالّذِينَ لَمْ يَبُْلغُوا ا ْلحُلُمَ‬
‫مِ ْنكُمْ [ ثَلثَ مَرّاتٍ ] } (‪ )4‬الية‪.‬‬
‫حكِيمٌ }‪.‬‬
‫ومما يدل على أنها محكمة لم تنسخ ‪ ،‬قوله ‪ { :‬كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َل ُكمُ اليَاتِ وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫طفَالُ مِ ْنكُمُ ا ْلحُلُمَ فَلْ َيسْتَأْذِنُوا َكمَا اسْتَ ْأذَنَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ } يعني ‪ :‬إذا‬
‫ثم قال تعالى ‪ .{ :‬وَإِذَا بَلَغَ ال ْ‬
‫بلغ الطفال الذين إنما كانوا يستأذنون في العورات الثلث ‪ ،‬إذا بلغوا الحلم ‪ ،‬وجب عليهم أن‬
‫يستأذنوا على كل حال ‪ ،‬يعني بالنسبة إلى أجانبهم وإلى الحوال التي يكون الرجل على امرأته ‪،‬‬
‫وإن لم يكن في الحوال الثلث‪.‬‬
‫قال الوزاعي ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ :‬إذا كان الغلم رباعيا فإنه يستأذن في العورات الثلث‬
‫على أبويه ‪ ،‬فإذا بلغ الحلم فليستأذن على كل حال‪ .‬وهكذا قال سعيد بن جبير‪.‬‬
‫وقال في قوله ‪َ { :‬كمَا اسْتَأْذَنَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ } يعني ‪ :‬كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقاربه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْل َقوَاعِدُ مِنَ النّسَاءِ } قال سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬ومُقَاتل بن حَيّان ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬هن‬
‫اللواتي انقطع عنهن الحيض ويئسن من الولد ‪ { ،‬اللتِي ل يَ ْرجُونَ ِنكَاحًا } أي ‪ :‬لم يبق لهن‬
‫ضعْنَ ثِيَا َبهُنّ غَيْرَ مُتَبَرّجَاتٍ بِزِي َنةٍ } أي ‪ :‬ليس‬
‫تَشوّف إلى التزويج ‪ { ،‬فَلَيْسَ عَلَ ْيهِنّ جُنَاحٌ أَنْ َي َ‬
‫عليها من الحرج في التستر كما على غيرها من النساء‪.‬‬
‫قال أبو داود ‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن الحسين بن واقد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫ضضْنَ مِنْ أَ ْبصَارِهِنّ } الية‬
‫يزيد النحوي ‪ ،‬عن عكرمة عن ابن عباس ‪َ { :‬و ُقلْ لِ ْل ُم ْؤمِنَاتِ َي ْغ ُ‬
‫[النور ‪ ]31 :‬فنسخ ‪ ،‬واستثنى من ذلك { وَا ْل َقوَاعِدُ مِنَ النّسَاءِ اللتِي ل يَ ْرجُونَ ِنكَاحًا } الية (‪)5‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضعْنَ ثِيَا َبهُنّ } قال ‪ :‬الجلباب ‪ ،‬أو‬
‫قال ابن مسعود [في قوله] (‪ { : )6‬فَلَ ْيسَ عَلَ ْيهِنّ جُنَاحٌ أَنْ َي َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬بعده بالستور" وفي أ ‪" :‬بعده الستر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ ‪ ،‬والدر المنثور ‪.5/56‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪.)5192‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪.)4111‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/83‬‬

‫سكُمْ أَنْ تَ ْأكُلُوا‬


‫ج وَلَا عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫ج وَلَا عَلَى ا ْلمَرِيضِ حَرَ ٌ‬
‫ج وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَ ٌ‬
‫عمَى حَرَ ٌ‬
‫لَيْسَ عَلَى الْأَ ْ‬
‫عمَا ِمكُمْ‬
‫خوَا ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ أَ ْ‬
‫خوَا ِنكُمْ َأوْ بُيُوتِ َأ َ‬
‫مِنْ بُيُو ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ آَبَا ِئكُمْ َأوْ بُيُوتِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ ِإ ْ‬
‫خوَاِلكُمْ َأوْ بُيُوتِ خَالَا ِتكُمْ َأوْ مَا مََلكْتُمْ َمفَاتِحَهُ َأوْ صَدِي ِقكُمْ لَيْسَ عَلَ ْيكُمْ‬
‫عمّا ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ أَ ْ‬
‫َأوْ بُيُوتِ َ‬
‫سكُمْ تَحِيّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبَا َركَةً‬
‫جمِيعًا َأوْ أَشْتَاتًا فَِإذَا َدخَلْتُمْ بُيُوتًا َفسَّلمُوا عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫جُنَاحٌ أَنْ تَ ْأكُلُوا َ‬
‫طَيّ َبةً كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمُ الْآَيَاتِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ (‪)61‬‬

‫الرداء ‪ :‬وكذا رُوي عن ابن عباس ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وأبي الشعثاء (‪)1‬‬
‫خ ِعيّ ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬والوزاعي ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وإبراهيم النّ َ‬
‫وقال أبو صالح ‪ :‬تضع الجلباب ‪ ،‬وتقوم بين يدي الرجل في الدرع والخمار‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جُبَيْر وغيره ‪ ،‬في قراءة عبد ال بن مسعود ‪" :‬أن يضعن من ثيابهن" وهو الجلباب‬
‫من فوق الخمار فل بأس أن يضعن عند غريب أو غيره ‪ ،‬بعد أن يكون عليها خمار صَفيق‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ { :‬غَيْرَ مُتَبَرّجَاتٍ بِزِينَةٍ } يقول ‪ :‬ل يتبرجن بوضع الجلباب ‪ ،‬أن يرى ما‬
‫عليها من الزينة‪.‬‬
‫سوّار بن‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عبيد ال ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪[ ،‬حدثني َ‬
‫ميمون ‪ ،‬حدثتنا طلحة بنت عاصم ‪ ،‬عن أم المصاعن ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬أنها قالت‬
‫‪ :‬دخلت عليّ] (‪ )2‬فقلت ‪ :‬يا أم المؤمنين ‪ ،‬ما تقولين في الخضاب ‪ ،‬والنفاض ‪ ،‬والصباغ ‪،‬‬
‫والقُرطين ‪ ،‬والخلخال ‪ ،‬وخاتم الذهب ‪ ،‬وثياب الرقاق ؟ فقالت ‪ :‬يا معشر النساء ‪ ،‬قصتكن (‪)3‬‬
‫كلها واحدة ‪ ،‬أحل ال لكن الزينة غير متبرجات‪ .‬أي ‪ :‬ل يحلّ لكنّ أن يَ َروْا منكن محرما‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬كان شريك لي يقال له ‪" :‬مسلم" ‪ ،‬وكان مولى لمرأة حذيفة بن اليمان ‪ ،‬فجاء يوما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خضَب رأس مولته ‪ -‬وهي‬
‫إلى السوق وأثر الحنّاء في يده ‪ ،‬فسألته عن ذلك ‪ ،‬فأخبرني أنه َ‬
‫امرأة حذيفة ‪ -‬فأنكرت ذلك‪ .‬فقال ‪ :‬إن شئت أدخلتك عليها ؟ فقلت ‪ :‬نعم‪ .‬فأدخلني عليها ‪ ،‬فإذا‬
‫امرأة جليلة ‪ ،‬فقلت ‪ :‬إن مسلما حدثني أنه خضب رأسك ؟ فقالت ‪ :‬نعم يا بني ‪ ،‬إني من القواعد‬
‫اللتي ل يرجون نكاحًا ‪ ،‬وقد قال ال في ذلك ما سمعت‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنْ يَسْ َت ْع ِففْنَ خَيْرٌ َلهُنّ } أي ‪ :‬وترك وضعهن لثيابهن ‪ -‬وإن كان جائزًا ‪ -‬خير‬
‫وأفضل لهن ‪ ،‬وال سميع عليم‪.‬‬
‫سكُمْ أَنْ‬
‫علَى أَ ْنفُ ِ‬
‫ج وَل َ‬
‫ج وَل عَلَى ا ْلمَرِيضِ حَرَ ٌ‬
‫ج وَل عَلَى العْرَجِ حَرَ ٌ‬
‫عمَى حَرَ ٌ‬
‫{ لَ ْيسَ عَلَى ال ْ‬
‫خوَا ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ‬
‫خوَا ِنكُمْ َأوْ بُيُوتِ َأ َ‬
‫تَ ْأكُلُوا مِنْ بُيُو ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ آبَا ِئ ُكمْ َأوْ بُيُوتِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ إِ ْ‬
‫خوَاِلكُمْ َأوْ بُيُوتِ خَال ِتكُمْ َأوْ مَا مََلكْتُمْ َمفَاتِحَهُ َأ ْو صَدِي ِقكُمْ لَ ْيسَ‬
‫عمّا ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ َأ ْ‬
‫عمَا ِمكُمْ َأوْ بُيُوتِ َ‬
‫أَ ْ‬
‫سكُمْ َتحِيّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ‬
‫جمِيعًا َأوْ َأشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْ ُتمْ بُيُوتًا فَسَّلمُوا عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَ ْأكُلُوا َ‬
‫مُبَا َركَةً طَيّ َبةً كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمُ اليَاتِ َلعَّلكُمْ َتعْقِلُونَ (‪} )61‬‬
‫اختلف المفسرون ‪ -‬رحمهم ال ‪ -‬في المعنى الذي رفع من أجله الحرج عن العمى والعرج‬
‫والمريض هاهنا ‪ ،‬فقال عطاء الخراساني ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬نزلت في الجهاد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الشعبي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فصلن"‪.‬‬

‫( ‪)6/84‬‬

‫وجعلوا هذه الية هاهنا كالتي في سورة الفتح (‪ )1‬وتلك في الجهاد ل محالة ‪ ،‬أي ‪ :‬أنهم ل إثم‬
‫عليهم في ترك الجهاد ؛ لضعفهم وعجزهم ‪ ،‬وكما قال تعالى في سورة براءة ‪ { :‬لَيْسَ عَلَى‬
‫جدُونَ مَا يُ ْنفِقُونَ حَرَجٌ ِإذَا َنصَحُوا لِلّ ِه وَرَسُولِهِ مَا‬
‫ضعَفَا ِء وَل عَلَى ا ْلمَ ْرضَى وَل عَلَى الّذِينَ ل يَ ِ‬
‫ال ّ‬
‫جدُ مَا‬
‫حمَِلهُمْ قُ ْلتَ ل أَ ِ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ وَل عَلَى الّذِينَ إِذَا مَا أَ َت ْوكَ لِ َت ْ‬
‫ل وَاللّهُ َ‬
‫عَلَى ا ْلمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِي ٍ‬
‫جدُوا مَا يُ ْنفِقُونَ } [التوبة ‪.]92 ، 91 :‬‬
‫حمُِلكُمْ عَلَيْهِ َتوَّلوْا وَأَعْيُ ُنهُمْ َتفِيضُ مِنَ ال ّدمْعِ حَزَنًا أَل يَ ِ‬
‫أَ ْ‬
‫وقيل ‪ :‬المراد [هاهنا] (‪ )2‬أنهم كانوا يتحرجون من الكل مع العمى ؛ لنه ل يرى الطعام وما‬
‫فيه من الطيبات ‪ ،‬فربما سبقه غيره إلى ذلك‪ .‬ول مع العرج ؛ لنه ل يتمكن من الجلوس ‪،‬‬
‫فيفتات عليه جليسُه ‪ ،‬والمريض ل يستوفي من الطعام كغيره ‪ ،‬فكرهوا أن يؤاكلوهم لئل يظلموهم‬
‫‪ ،‬فأنزل ال هذه الية رخصة في ذلك‪ .‬وهذا قول سعيد بن جبير ‪ ،‬و ِمقْسَم‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬كانوا قبل المبعث يتحرجون من الكل مع هؤلء تقذرًا و َتقَزّزًا ‪ ،‬ولئل يتفضلوا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليهم ‪ ،‬فأنزل ال هذه الية‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد في قوله تعالى ‪ { :‬لَيْسَ عَلَى‬
‫عمَى حَرَجٌ } الية قال ‪ :‬كان الرجل يذهب بالعمى أو العرج أو المريض إلى بيت أبيه أو‬
‫ال ْ‬
‫بيت أخيه ‪ ،‬أو بيت أخته ‪ ،‬أو بيت عمته ‪ ،‬أو بيت خالته‪ .‬فكان الزّمنى يتحرجون (‪ )3‬من ذلك ‪،‬‬
‫يقولون ‪ :‬إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم (‪ .)4‬فنزلت هذه الية رخصةً لهم (‪.)5‬‬
‫وقال السّدّي ‪ :‬كان الرجل يدخل بيت أبيه ‪ ،‬أو أخيه أو ابنه ‪ ،‬فتُتْحفه المرأة بالشيء من الطعام ‪،‬‬
‫عمَى حَرَجٌ وَل عَلَى‬
‫فل يأكل من أجل أن َربّ البيت ليس َثمّ‪ .‬فقال ال تعالى ‪ { :‬لَيْسَ عَلَى ال ْ‬
‫سكُمْ أَنْ تَ ْأكُلُوا مِنْ بُيُو ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ آبَا ِئكُمْ } إلى‬
‫علَى أَ ْنفُ ِ‬
‫ج وَل َ‬
‫ج وَل عَلَى ا ْلمَرِيضِ حَرَ ٌ‬
‫العْرَجِ حَرَ ٌ‬
‫جمِيعًا َأوْ أَشْتَاتًا }‪.‬‬
‫قوله ‪ { :‬لَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَ ْأكُلُوا َ‬
‫سكُمْ أَنْ تَ ْأكُلُوا مِنْ بُيُو ِتكُمْ } ‪ ،‬إنما َذكَر هذا ‪ -‬وهو معلوم ‪ -‬ليعطفَ‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَل عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫عليه غيره في اللفظ ‪ ،‬وليستأديه (‪ )6‬ما بعده في الحكم‪ .‬وتضمن هذا بيوت البناء ؛ لنه لم ينص‬
‫عليهم‪ .‬ولهذا استدل بهذا من ذهب إلى أنّ مال الولد بمنزلة مال أبيه ‪ ،‬وقد جاء في المسند والسنن‬
‫‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬أنت ومالك لبيك" (‪)7‬‬
‫حهُ } ‪ ،‬هذا ظاهر‪ .‬وقد‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوْ بُيُوتِ آبَا ِئكُمْ َأوْ بُيُوتِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ } ‪ ،‬إلى قوله { َأوْ مَا مََلكْتُمْ مَفَاتِ َ‬
‫يستدل به من يوجب نفقة القارب بعضهم على بعض ‪ ،‬كما هو مذهب[المام] (‪ )8‬أبي حنيفة‬
‫والمام أحمد بن حنبل ‪ ،‬في المشهور عنهما‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬عند الية ‪.17 :‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يحرجون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عشيرتهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/53‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ول يساوي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )2/179‬وسنن أبي داود برقم (‪ )3530‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ )2292‬من حديث‬
‫عبد ال بن عمرو بن العاص ‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/85‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حهُ } فقال سعيد بن جُبَير ‪ ،‬والسّدّي ‪ :‬هو خادم الرجل من عبد‬
‫وأما قوله ‪َ { :‬أوْ مَا مََلكْتُمْ مَفَاتِ َ‬
‫و َقهْرَمان ‪ ،‬فل بأس أن يأكل مما استودعه من الطعام بالمعروف‪.‬‬
‫وقال الزهري ‪ ،‬عن عُ ْروَة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬كان المسلمون يرغبون في‬
‫ضمَنائهم ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬قد أحللنا‬
‫النفير مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فيدفعون مفاتحهم إلى ُ‬
‫لكم أن تأكلوا ما احتجتم إليه‪ .‬فكانوا يقولون ‪ :‬إنه ل يحل لنا أن نأكل ؛ إنهم أذنوا لنا عن غير‬
‫طيب أنفسهم ‪ ،‬وإنما نحن أمناء‪ .‬فأنزل ال ‪َ { :‬أوْ مَا مََلكْتُمْ َمفَاتِحَهُ }‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أ ْو صَدِي ِقكُمْ } أي ‪ :‬بيوت أصدقائكم وأصحابكم ‪ ،‬فل جناح عليكم في الكل منها ‪ ،‬إذا‬
‫شقّ عليهم ول يكرهون ذلك‪.‬‬
‫علمتم أن ذلك ل يَ ُ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬إذا دخلت بيت صديقك فل بأس أن تأكل بغير إذنه‪.‬‬
‫جمِيعًا َأوْ َأشْتَاتًا } ‪ ،‬قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫وقوله ‪ { :‬لَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَ ْأكُلُوا َ‬
‫طلِ } [النساء‬
‫في هذه الية ‪ :‬وذلك لما أنزل ال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلكُمْ بَيْ َنكُمْ بِالْبَا ِ‬
‫‪ ]29 :‬قال المسلمون ‪ :‬إن ال قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ‪ ،‬والطعام هو أفضل من‬
‫الموال ‪ ،‬فل يحل لحد منا أن يأكل عند أحد‪ .‬فكف الناسُ عن ذلك ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬لَيْسَ عَلَى‬
‫صدِيقِكُمْ } (‪ ، )2‬وكانوا أيضًا يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل‬
‫عمَى } (‪ )1‬إلى قوله ‪َ { :‬أوْ َ‬
‫ال ْ‬
‫الطعام وحده ‪ ،‬حتى يكون معه غيره ‪ ،‬فرخص ال لهم في ذلك ‪ ،‬فقال ‪ { :‬لَيْسَ عَلَ ْي ُكمْ جُنَاحٌ أَنْ‬
‫جمِيعًا َأوْ أَشْتَاتًا }‪.‬‬
‫تَ ْأكُلُوا َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬وكان هذا الحي من بني كنانة ‪ ،‬يرى أحدهم أن مخزاة عليه أن يأكل وحده في‬
‫حفّل وهو جائع ‪ ،‬حتى يجد من يؤاكله ويشاربه ‪،‬‬
‫الجاهلية ‪ ،‬حتى إن كان الرجلُ لَيَسوقُ الذّودَ ال ُ‬
‫جمِيعًا َأوْ َأشْتَاتًا }‪.‬‬
‫فأنزل ال ‪ { :‬لَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَ ْأكُلُوا َ‬
‫فهذه رخصة من ال تعالى في أن يأكل الرجل وحده ‪ ،‬ومع الجماعة ‪ ،‬وإن كان الكل مع‬
‫الجماعة أفضل وأبرك ‪ ،‬كما رواه المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن عبد ربه ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪،‬‬
‫عن وَحْشيّ بن حَرْب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ؛ أنّ رجل قال للنبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إنا نأكلُ‬
‫ول نشبَع‪ .‬قال ‪" :‬فلعلكم تأكلون متفرقين ‪ ،‬اجتمعوا على طعامكم ‪ ،‬واذكروا اسم ال يُبَاركْ لكم‬
‫فيه"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود وابن ماجه ‪ ،‬من حديث الوليد بن مسلم ‪ ،‬به (‪)3‬‬
‫وقد َروَى ابن ماجه أيضًا ‪ ،‬من حديث عمرو بن دينار القهرماني ‪ ،‬عن سالم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫عمر ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬كلوا جميعًا ول َتفَ ّرقُوا ؛ فإن البركة مع‬
‫الجماعة"‪)4( .‬‬
‫سكُمْ } قال سعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن البصري ‪،‬‬
‫سّلمُوا عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَِإذَا َدخَلْتُمْ بُيُوتًا فَ َ‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬بعدها في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ول على العرج حرج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬قبلها في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أو ما ملكتم مفاتحه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )3/501‬وسنن أبي داود برقم (‪ )3764‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3286‬‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )3287‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )3/77‬هذا إسناد ضعيف"‪.‬‬

‫( ‪)6/86‬‬

‫وقتادة ‪ ،‬والزهري ‪ :‬فليسلم بعضكم على بعض‪.‬‬


‫وقال ابن جُرَيْج ‪ :‬حدثنا أبو الزبير ‪ :‬سمعتُ جابر بن عبد ال يقول ‪ :‬إذا دخلتَ على أهلك ‪ ،‬فسَلّمْ‬
‫عليهم تحية من عند ال مباركة طيبة‪ .‬قال ‪ :‬ما رأيته إل يوجبه‪.‬‬
‫قال ابن جريج ‪ :‬وأخبرني زياد ‪ ،‬عن ابن طاوس أنه كان يقول ‪ :‬إذا دخلَ أحدكم بيته ‪ ،‬فليسلم‪.‬‬
‫قال ابن جُرَيْج ‪ :‬قلت لعطاء ‪ :‬أواجب إذا خرجت ثم دخلت أن أسلّم عليهم ؟ قال ‪ :‬ل ول آثر‬
‫وجوبه عن أحد ‪ ،‬ولكن هو أحبّ إلي ‪ ،‬وما أدعه إل نابيًا (‪)1‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬إذا دخلت المسجد فقل ‪ :‬السلم على رسول ال‪ .‬وإذا دخلت على أهلك فسلّمْ‬
‫عليهم ‪ ،‬وإذا دخلت بيتًا ليس فيه أحد فقل ‪ :‬السلم علينا وعلى عباد ال الصالحين‪.‬‬
‫وروى الثوري ‪ ،‬عن عبد الكريم الجَزَريّ ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬إذا دخلت بيتًا ليس فيه أحد فقل ‪ :‬بسم‬
‫ال ‪ ،‬والحمد ل ‪ ،‬السلم علينا من ربنا ‪ ،‬السلم علينا وعلى عباد ال الصالحين‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪[ :‬إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم ‪ ،‬وإذا دخلت بيتًا ليس فيه أحد ‪ ،‬فقل ‪ :‬السلم علينا‬
‫حدّثنا أن الملئكة ترد عليه‪ .‬وقال الحافظ‬
‫وعلى عباد ال الصالحين] (‪ )2‬فإنه كان يؤمر بذلك ‪ ،‬و ُ‬
‫عوْبَدُ بن أبي عمران الجوني ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫أنس قال ‪ :‬أوصاني النبيّ (‪ )3‬صلى ال عليه وسلم بخمس خصال ‪ ،‬قال ‪" :‬يا أنس ‪ ،‬أسبغ‬
‫الوضوء يُزَد في عمرك ‪ ،‬وسَلّم على من لقيك من أمتي تكْثُر حسناتك ‪ ،‬وإذا دخلت ‪ -‬يعني ‪:‬‬
‫بيتك ‪ -‬فسلم على أهل بيتك ‪ ،‬يكثر خير بيتك ‪ ،‬وصل صلة الضّحى فإنها صلة الوابين قبلك‪.‬‬
‫يا أنس ‪ ،‬ارحم الصغير ‪ ،‬ووقّر الكبير ‪َ ،‬تكُنْ من رفقائي يوم القيامة"‪)4( .‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬تحِيّةً مِنْ عِ ْندِ اللّهِ مُبَا َركَةً طَيّ َبةً } قال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني داود بن الحصين ‪ ،‬عن‬
‫عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس أنه كان يقول ‪ :‬ما أخذت التشهدَ إل من كتاب ال ‪ ،‬سمعت ال يقول ‪:‬‬
‫سكُمْ تَحِيّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبَا َركَةً طَيّبَةً } ‪ ،‬فالتشهد في الصلة ‪:‬‬
‫{ فَِإذَا َدخَلْتُمْ بُيُوتًا َفسَّلمُوا عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫التحيات المباركات الصلوات الطيبات ل ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأشهد أن محمدًا عبده‬
‫ورسوله ‪ ،‬السلم عليك أيها النبي ورحمة ال وبركاته ‪ ،‬السلم علينا وعلى عباد ال الصالحين‪.‬‬
‫ثم يدعو لنفسه ويسلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث ابن إسحاق‪.‬‬
‫والذي في صحيح مسلم ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم يخالف هذا (‪، )5‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ناسيا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه ابن عدي في الكامل (‪ )5/382‬من طريق موسى عن عويد بن أبي عمران الجوني ‪،‬‬
‫به‪ .‬ونقل عن البخاري ‪" :‬عويد بن أبي عمران عن أبيه منكر الحديث" ثم قال ابن عدي ‪" :‬وعويد‬
‫يبن على حديثه الضعف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪ )403‬ولفظه ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعلمنا التشهد كما‬
‫يعلمنا السورة من القرآن ‪ ،‬فكان يقول ‪" :‬التحيات المباركات الصلوات الطيبات ل ‪ ،‬السلم عليك‬
‫أيها النبي ورحمة ال وبركاته ‪ ،‬السلم علينا وعلى عباد ال الصالحين ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل ال‬
‫وأن محمدا رسول ال"‪.‬‬

‫( ‪)6/87‬‬

‫وقوله ‪ { :‬كَ َذِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمُ اليَاتِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ } لما ذكر تعالى ما في السورة الكريمة من‬
‫الحكام المحكمة والشرائع المتقنة المبرمة ‪ ،‬نَبّه تعالى على أنه يُبَيّن لعباده اليات بيانًا شافيًا ‪،‬‬
‫ليتدبروها ويتعقلوها‪.‬‬

‫( ‪)6/88‬‬

‫إِ ّنمَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ الّذِينَ َآمَنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَإِذَا كَانُوا َمعَهُ عَلَى َأمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى َيسْتَأْذِنُوهُ إِنّ‬
‫الّذِينَ َيسْتَأْذِنُو َنكَ أُولَ ِئكَ الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَرَسُوِلهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِ َب ْعضِ شَأْ ِنهِمْ فَ ْأذَنْ ِلمَنْ شِ ْئتَ‬
‫ضكُمْ‬
‫جعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْ َنكُمْ كَدُعَاءِ َب ْع ِ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )62‬لَا تَ ْ‬
‫مِ ْنهُ ْم وَاسْ َت ْغفِرْ َلهُمُ اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫َب ْعضًا َقدْ َيعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِ ْنكُمْ ِلوَاذًا فَلْ َيحْذَرِ الّذِينَ يُخَاِلفُونَ عَنْ َأمْ ِرهِ أَنْ ُتصِي َبهُمْ فِتْ َنةٌ َأوْ‬
‫ُيصِي َبهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)63‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ إِ ّنمَا ا ْل ُمؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا َمعَهُ عَلَى َأمْرٍ جَامِعٍ لَمْ َيذْهَبُوا حَتّى يَسْتَ ْأذِنُوهُ‬
‫إِنّ الّذِينَ يَسْتَأْذِنُو َنكَ أُولَ ِئكَ الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِ َب ْعضِ شَأْ ِنهِمْ فَأْذَنْ ِلمَنْ شِ ْئتَ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪.} )62‬‬
‫مِ ْنهُ ْم وَاسْ َت ْغفِرْ َلهُمُ اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫وهذا أيضًا أدب أرشد ال عبادَه المؤمنين إليه ‪ ،‬فكما أمرهم بالستئذان عند الدخول ‪ ،‬كذلك أمرهم‬
‫بالستئذان عند النصراف ‪ -‬ل سيما إذا كانوا في أمر جامع مع الرسول ‪ ،‬صلوات ال وسلمه‬
‫عليه ‪ ،‬من صلة جمعة أو (‪ )1‬عيد أو (‪ )2‬جماعة ‪ ،‬أو اجتماع لمشورة ونحو ذلك ‪ -‬أمرهم ال‬
‫تعالى أل ينصرفوا عنه والحالة هذه إل بعد استئذانه ومشاورته‪ .‬وإن من يفعل ذلك فهو من‬
‫المؤمنين الكاملين‪.‬‬
‫ثم أمر رسوله ‪ -‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ -‬إذا استأذنه أحد منهم في ذلك أن يأذن له ‪ ،‬إن‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ }‪.‬‬
‫شاء ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَ ْأذَنْ ِلمَنْ شِ ْئتَ مِ ْنهُ ْم وَاسْ َت ْغفِرْ َلهُمُ اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫وقد قال أبو داود ‪ :‬حدثنا أحمد بن حَنْبَل ومُسَدّد ‪ ،‬قال حدثنا بشر ‪ -‬هو ابن المفضل ‪ -‬عن‬
‫عَجْلن عن سعيد ال َمقْبُ ِريّ ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلّم ‪ ،‬فإذا أراد أن يقوم فليسلّم ‪ ،‬فليست الولى بأحق‬
‫من الخرة"‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي والنسائي ‪ ،‬من حديث محمد بن عجلن ‪ ،‬به (‪ .)3‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‪.‬‬
‫حذَرِ‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا َقدْ َيعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِ ْنكُمْ ِلوَاذًا فَلْيَ ْ‬
‫جعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْ َن ُكمْ كَدُعَاءِ َب ْع ِ‬
‫{ ل َت ْ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪.} )63‬‬
‫الّذِينَ ُيخَاِلفُونَ عَنْ َأمْ ِرهِ أَنْ ُتصِي َبهُمْ فِتْنَةٌ َأوْ ُيصِي َبهُمْ َ‬
‫قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كانوا يقولون ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا أبا القاسم ‪ ،‬فنهاهم ال عز وجل ‪،‬‬
‫عن ذلك ‪ ،‬إعظامًا لنبيه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ )4‬قال ‪ :‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬يا نبي ال‪.‬‬
‫وهكذا قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أمر ال أن يهاب نبيه صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأن يُ َبجّل وأن يعظّم وأن يسود‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬و"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬و"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪ )5208‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2706‬والنسائي في السنن الكبرى برقم‬
‫(‪.)10201‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)6/88‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا }‬
‫جعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْ َنكُمْ كَدُعَاءِ َب ْع ِ‬
‫وقال مقاتل [بن حَيّان] (‪ )1‬في قوله ‪ { :‬ل تَ ْ‬
‫سمّوه إذا دَعَوتموه ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ول تقولوا ‪ :‬يا بن عبد ال ‪ ،‬ولكن شَرّفوه فقولوا ‪ :‬يا‬
‫يقول ‪ :‬ل تُ َ‬
‫نبي ال ‪ ،‬يا رسول ال (‪.)2‬‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا }‬
‫جعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْ َنكُمْ كَدُعَاءِ َب ْع ِ‬
‫وقال مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم في قوله ‪ { :‬ل َت ْ‬
‫قال ‪ :‬أمرهم ال أن يشرّفوه‪.‬‬
‫هذا قول‪ .‬وهو الظاهر من السياق ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتقُولُوا رَاعِنَا َوقُولُوا‬
‫صوَا َتكُمْ َفوْقَ صَ ْوتِ‬
‫س َمعُوا } [البقرة ‪ ، ]104 :‬وقال { يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ ْر َفعُوا َأ ْ‬
‫انْظُرْنَا وَا ْ‬
‫شعُرُونَ } إلى قوله ‪:‬‬
‫عمَاُلكُ ْم وَأَنْتُمْ ل تَ ْ‬
‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ أَنْ َتحْبَطَ أَ ْ‬
‫جهْرِ َب ْع ِ‬
‫جهَرُوا َلهُ بِا ْل َقوْلِ كَ َ‬
‫ي وَل َت ْ‬
‫النّ ِب ّ‬
‫حجُرَاتِ َأكْثَرُهُمْ ل َي ْعقِلُونَ وََلوْ أَ ّنهُمْ صَبَرُوا حَتّى َتخْرُجَ إِلَ ْي ِهمْ َلكَانَ‬
‫ن وَرَاءِ الْ ُ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ يُنَادُو َنكَ مِ ْ‬
‫خَيْرًا َلهُمْ } [الحجرات ‪]5 - 2 :‬‬
‫فهذا كله من باب الدب [في مخاطبة النبي صلى ال عليه وسلم والكلم معه وعنده كما أمروا‬
‫بتقديم الصدقة قبل مناجاته] (‪)3‬‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا } أي‬
‫جعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْ َنكُمْ كَدُعَاءِ َب ْع ِ‬
‫والقول الثاني في ذلك أن المعنى في ‪ { :‬ل تَ ْ‬
‫‪ :‬ل تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره ‪ ،‬فإن دعاءه مستجاب ‪ ،‬فاحذروا أن يدعو عليكم‬
‫فتهلكوا‪ .‬حكاه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وعطية العَوفي ‪ ،‬وال (‪)4‬‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬قدْ َيعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِ ْنكُمْ ِلوَاذًا } قال مقاتل بن حَيّان ‪ :‬هم المنافقون ‪ ،‬كان يثقل‬
‫عليهم الحديث في يوم الجمعة ‪ -‬ويعني بالحديث الخطبة ‪ -‬فيلوذون ببعض الصحابة ‪ -‬أصحاب‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم ‪ -‬حتى يخرجوا من المسجد ‪ ،‬وكان ل يصلح للرجل أن يخرج من‬
‫المسجد إل بإذن من النبيّ صلى ال عليه وسلم في يوم الجمعة ‪ ،‬بعدما يأخذ في الخطبة ‪ ،‬وكان‬
‫إذا أراد أحدهم الخروجَ أشارَ بإصبعه إلى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فيأذن له من غير أن يتكلم‬
‫الرجل ؛ لن الرجل منهم كان إذا تكلم والنبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يخطب ‪ ،‬بطلتْ جُمعته‪.‬‬
‫قال السّدّي كانوا إذا كانوا معه في جماعة ‪ ،‬لذ بعضهم ببعض ‪ ،‬حتى يتغيبوا عنه ‪ ،‬فل يراهم‪.‬‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬قَدْ َيعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِ ْنكُمْ ِلوَاذًا } ‪ ،‬يعني ‪ :‬لواذا [عن نبي ال وعن‬
‫كتابه‪.‬‬
‫وقال سفيان ‪ { :‬قَدْ َيعَْلمُ اللّهُ الّذِينَ يَ َتسَلّلُونَ مِ ْنكُمْ ِلوَاذًا } قال ‪ :‬من الصف‪ .‬وقال مجاهد في الية ‪:‬‬
‫{ َقدْ َيعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِ ْنكُمْ ِلوَاذًا } ] (‪ )5‬قال ‪ :‬خلفًا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَلْ َيحْذَرِ الّذِينَ ُيخَاِلفُونَ عَنْ َأمْ ِرهِ } أي ‪ :‬عن أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫سبيله هو (‪)6‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬يا رسول ال ‪ ،‬يا نبي ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬وهو سبيله"‪.‬‬

‫( ‪)6/89‬‬

‫عمِلُوا‬
‫جعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َقدْ َيعْلَمُ مَا أَنْ ُتمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُ ْر َ‬
‫أَلَا إِنّ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪)64‬‬
‫وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬

‫ومنهاجه وطريقته [وسنته] (‪ )1‬وشريعته ‪ ،‬فتوزن القوال والعمال بأقواله وأعماله ‪ ،‬فما وافق‬
‫ذلك قُبِل ‪ ،‬وما خالفه فهو مَرْدُود على قائله وفاعله ‪ ،‬كائنا ما كان ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين‬
‫عمَل ليس عليه أمرنا فهو‬
‫وغيرهما ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬من عمل َ‬
‫رَدّ" (‪.)2‬‬
‫أي ‪ :‬فليحذر وليخْشَ من خالف شريعة الرسول باطنًا أو ظاهرًا { أَنْ ُتصِي َبهُمْ فِتْنَةٌ } أي ‪ :‬في‬
‫قلوبهم ‪ ،‬من كفر أو نفاق أو بدعة ‪َ { ،‬أوْ ُيصِي َبهُمْ عَذَابٌ َألِيمٌ } أي ‪ :‬في الدنيا ‪ ،‬بقتل ‪ ،‬أو حَد ‪،‬‬
‫أو حبس ‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن همام بن مُنَبّه قال ‪ :‬هذا ما حدّثنا أبو‬
‫هُرَيرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارًا ‪ ،‬فلما‬
‫أضاءت ما حولها (‪ .)3‬جعل الفراش وهذه الدواب اللتي [يقعن في النار] (‪ )4‬يقعن فيها ‪ ،‬وجعل‬
‫يحجزهن ويغلبنه ويتقحّمن فيها"‪ .‬قال ‪" :‬فذلك مثلي ومثلكم ‪ ،‬أنا آخذ بحجزِكم عن النار هلم عن‬
‫النار ‪ ،‬فتغلبوني وتقتحمون فيها"‪ .‬أخرجاه من حديث عبد الرزاق (‪)5‬‬
‫عمِلُوا‬
‫جعُونَ إِلَ ْيهِ فَيُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ قَدْ َيعَْلمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْ ِه وَ َيوْمَ يُ ْر َ‬
‫{ أَل إِنّ ِللّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪.} )64‬‬
‫وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫يخبر تعالى أنه مالك السموات والرض ‪ ،‬وأنه عالم غيب السموات والرض ‪ ،‬وهو عالم بما‬
‫العباد عاملون في سرهم وجهرهم ‪ ،‬فقال ‪ { :‬قَدْ َيعَْلمُ مَا أَنْتُمْ عَلَ ْيهِ } و"قد" للتحقيق ‪ ،‬كما قال قبلها‬
‫‪َ { :‬قدْ َيعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِ ْنكُمْ ِلوَاذًا } ‪ ،‬وقال تعالى ‪َ { :‬قدْ َيعْلَمُ اللّهُ ا ْل ُم َع ّوقِينَ مِ ْنكُ ْم وَا ْلقَائِلِينَ‬
‫جهَا‬
‫سمِعَ اللّهُ َق ْولَ الّتِي ُتجَادُِلكَ فِي َزوْ ِ‬
‫خوَا ِنهِمْ هَُلمّ إِلَيْنَا } [الحزاب ‪ .]18 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬قدْ َ‬
‫لْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ } [المجادلة ‪ ، ]1 :‬وقال ‪ { :‬قَدْ َنعَْلمُ‬
‫سمَعُ تَحَاوُ َر ُكمَا إِنّ اللّهَ َ‬
‫وَتَشْ َتكِي إِلَى اللّ ِه وَاللّهُ َي ْ‬
‫جحَدُونَ } [النعام ‪، ]33 :‬‬
‫إِنّهُ لَ َيحْزُ ُنكَ الّذِي َيقُولُونَ فَإِ ّنهُمْ ل ُيكَذّبُو َنكَ وََلكِنّ الظّاِلمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَ ْ‬
‫سمَاءِ [ فَلَ ُنوَلّيَ ّنكَ قِبَْلةً تَ ْرضَاهَا ] } (‪[ )6‬البقرة ‪ ]144 :‬فكل‬
‫ج ِهكَ فِي ال ّ‬
‫ب وَ ْ‬
‫وقال ‪ { :‬قَدْ نَرَى َتقَّل َ‬
‫هذه اليات فيها تحقيق الفعل بـ"قد" ‪ ،‬كما يقول المؤذن تحقيقًا وثبوتًا ‪" :‬قد قامت الصلة ‪ ،‬قد‬
‫قامت الصلة" فقوله تعالى ‪ { :‬قَدْ َيعْلَمُ مَا أَنْ ُتمْ عَلَيْهِ } أي ‪ :‬هو عالم به ‪ ،‬مشاهد له ‪ ،‬ل يعزب‬
‫عنه مثقال ذرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَ َت َوكّلْ عَلَى ا ْلعَزِيزِ الرّحِيمِ الّذِي يَرَاكَ حِينَ َتقُومُ * وَ َتقَلّ َبكَ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ } [الشعراء ‪ .]220 - 217 :‬وقال ‪َ { :‬ومَا َتكُونُ فِي شَأْنٍ‬
‫جدِينَ * إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫فِي السّا ِ‬
‫شهُودًا إِذْ ُتفِيضُونَ فِي ِه َومَا َيعْ ُزبُ عَنْ‬
‫ع َملٍ إِل كُنّا عَلَ ْيكُمْ ُ‬
‫ن وَل َت ْعمَلُونَ مِنْ َ‬
‫َومَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآ ٍ‬
‫ك وَل َأكْبَرَ إِل فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }‬
‫صغَرَ مِنْ ذَِل َ‬
‫سمَاءِ وَل َأ ْ‬
‫رَ ّبكَ مِنْ مِ ْثقَالِ ذَ ّرةٍ فِي ال ْرضِ وَل فِي ال ّ‬
‫[يونس ‪ )7( ، ]61 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬أ َفمَنْ ُهوَ قَائِمٌ عَلَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ } [الرعد ‪ ]33 :‬أي ‪:‬‬
‫هو شهيد على عباده بما هم فاعلون من خير وشر‪ .‬وقال تعالى ‪ { :‬أَل حِينَ يَسْ َتغْشُونَ ثِيَا َبهُمْ َيعَْلمُ‬
‫سوَاءٌ مِ ْنكُمْ‬
‫ن َومَا ُيعْلِنُونَ [ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ] } [هود ‪ ، )8( ]5 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬‬
‫مَا يُسِرّو َ‬
‫ل وَسَا ِربٌ بِال ّنهَارِ } [الرعد ‪ ، ]10 :‬وقال‬
‫خفٍ بِاللّ ْي ِ‬
‫جهَرَ بِ ِه َومَنْ ُهوَ مُسْ َت ْ‬
‫مَنْ أَسَرّ ا ْل َق ْولَ َومَنْ َ‬
‫عهَا ُكلّ فِي كِتَابٍ‬
‫تعالى ‪َ { :‬ومَا مِنْ دَابّةٍ فِي ال ْرضِ إِل عَلَى اللّهِ رِ ْز ُقهَا وَ َيعْلَمُ ُمسْ َتقَرّهَا َومُسْ َتوْدَ َ‬
‫مُبِينٍ } [هود ‪ ، ]6 :‬وقال ‪ { :‬وَعِنْ َدهُ َمفَاتِحُ ا ْلغَ ْيبِ ل َيعَْل ُمهَا إِل ُه َو وَ َيعْلَمُ مَا فِي الْبَ ّر وَالْ َبحْ ِر َومَا‬
‫طبٍ وَل يَابِسٍ إِل فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }‬
‫ض وَل َر ْ‬
‫ظُلمَاتِ ال ْر ِ‬
‫ن وَ َرقَةٍ إِل َيعَْل ُمهَا وَل حَبّةٍ فِي ُ‬
‫سقُطُ مِ ْ‬
‫تَ ْ‬
‫[النعام ‪.]59 :‬واليات والحاديث في هذا كثيرة جدًا‪.‬‬
‫جعُونَ إِلَ ْيهِ } أي ‪ :‬ويوم تَرْجِعُ (‪ )9‬الخلئق إلى ال ‪ -‬وهو يوم القيامة ‪-‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيوْمَ يُ ْر َ‬
‫عمِلُوا } أي ‪ :‬يخبرهم بما فعلوا في الدنيا ‪ ،‬مِنْ جليل وحقير ‪ ،‬وصغير وكبير ‪ ،‬كما‬
‫{ فَيُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬
‫قال تعالى ‪ { :‬يُنَبّأُ النْسَانُ َي ْومَئِذٍ ِبمَا َقدّ َم وَأَخّرَ } [القيامة ‪ .]13 :‬وقال ‪ { :‬وَ ُوضِعَ ا ْلكِتَابُ فَتَرَى‬
‫صغِي َر ًة وَل كَبِي َرةً إِل‬
‫ش ِفقِينَ ِممّا فِي ِه وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا ا ْلكِتَابِ ل ُيغَادِ ُر َ‬
‫ا ْلمُجْ ِرمِينَ مُ ْ‬
‫حدًا } [الكهف ‪ .]49 :‬ولهذا قال هاهنا ‪:‬‬
‫عمِلُوا حَاضِرًا وَل َيظْلِمُ رَ ّبكَ أَ َ‬
‫جدُوا مَا َ‬
‫حصَاهَا َووَ َ‬
‫أَ ْ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ } والحمد ل رب العالمين ‪ ،‬ونسأله‬
‫عمِلُوا وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫جعُونَ ِإلَيْهِ فَيُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬
‫{ وَ َيوْمَ يُ ْر َ‬
‫التمام‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )2697‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1718‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حوله"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/312‬ومسلم برقم (‪ )2284‬وليس عند البخاري من هذا الطريق‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬في السموات ول في الرض" ‪ ،‬وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬يرجع"‪.‬‬

‫( ‪)6/90‬‬

‫ض وَلَمْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫تَبَا َركَ الّذِي نَ ّزلَ ا ْلفُ ْرقَانَ عَلَى عَبْ ِدهِ لِ َيكُونَ لِ ْلعَاَلمِينَ نَذِيرًا (‪ )1‬الّذِي لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫شيْءٍ َفقَدّ َرهُ َتقْدِيرًا (‪)2‬‬
‫ك وَخََلقَ ُكلّ َ‬
‫خ ْذ وَلَدًا وَلَمْ َيكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي ا ْلمُ ْل ِ‬
‫يَتّ ِ‬

‫تفسير سورة الفرقان‬


‫وهي مكية بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ت وَالرْضِ‬
‫س َموَا ِ‬
‫علَى عَ ْب ِدهِ لِ َيكُونَ لِ ْلعَاَلمِينَ نَذِيرًا (‪ )1‬الّذِي َلهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫{ تَبَا َركَ الّذِي نزلَ ا ْلفُ ْرقَانَ َ‬
‫شيْءٍ فَقَدّ َرهُ َتقْدِيرًا (‪.} )2‬‬
‫وَلَمْ يَتّخِ ْذ وَلَدًا وَلَمْ َيكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي ا ْلمُ ْلكِ وَخَلَقَ ُكلّ َ‬
‫يقول تعالى حامدا نفسه الكريمة على ما نزله على رسوله الكريم من القرآن العظيم ‪ ،‬كما قال‬
‫شدِيدًا مِنْ‬
‫عوَجَا * قَ ّيمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا َ‬
‫ج َعلْ لَهُ ِ‬
‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي أَنزلَ عَلَى عَ ْب ِدهِ ا ْلكِتَابَ وََلمْ يَ ْ‬
‫تعالى ‪ { :‬ا ْل َ‬
‫لَدُ ْن ُه وَيُبَشّرَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ الصّالِحَاتِ [أَنّ َلهُمْ َأجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَ َبدًا ] (‪} )1‬‬
‫[ الكهف ‪ ]3 - 1 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬تَبَا َركَ } وهو تفاعَلَ من البركة المستقرة الدائمة الثابتة { الّذِي‬
‫نزلَ ا ْلفُ ْرقَانَ } نزل ‪َ :‬فعّل ‪ ،‬من التكرر ‪ ،‬والتكثر ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَا ْلكِتَابِ الّذِي نزلَ عَلَى رَسُولِهِ‬
‫وَا ْلكِتَابِ الّذِي أَنزلَ مِنْ قَ ْبلُ } [ النساء ‪ ]136 :‬؛ لن الكتب المتقدمة كانت تنزل جملة واحدة ‪،‬‬
‫سوَر ‪،‬‬
‫والقرآن نزل (‪ )2‬مُنَجّما ُمفَرّقا مُ َفصّل آيات بعد آيات ‪ ،‬وأحكاما بعد أحكام ‪ ،‬وسورا بعد ُ‬
‫وهذا أشد وأبلغ ‪ ،‬وأشد اعتناءً بمن أنزل عليه كما قال في أثناء هذه السورة ‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا‬
‫ك وَرَتّلْنَاهُ تَرْتِيل‪ .‬وَل يَأْتُو َنكَ ِبمَ َثلٍ إِل‬
‫جمَْل ًة وَاحِ َدةً كَذَِلكَ لِنُثَ ّبتَ بِهِ ُفؤَا َد َ‬
‫َلوْل نزلَ عَلَيْهِ ا ْلقُرْآنُ ُ‬
‫ق وََأحْسَنَ َتفْسِيرًا } [ الفرقان ‪ .]33 ، 32 :‬ولهذا سماه هاهنا الفرقان ؛ لنه يفرق بين‬
‫جِئْنَاكَ بِا ْلحَ ّ‬
‫الحق والباطل ‪ ،‬والهدى والضلل ‪ ،‬والغي والرشاد ‪ ،‬والحلل والحرام‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬عَلَى عَبْ ِدهِ } ‪ :‬هذه صفة مدح وثناء ؛ لنه أضافه إلى عبوديته ‪ ،‬كما وصفه بها في‬
‫أشرف أحواله ‪ ،‬وهي ليلة السراء ‪ ،‬فقال ‪ { :‬سُ ْبحَانَ الّذِي َأسْرَى ِبعَبْ ِدهِ لَيْل } [ السراء ‪، ] 1 :‬‬
‫وكما وصفه بذلك في مقام الدعوة إليه ‪ { :‬وَأَنّهُ َلمّا قَامَ عَ ْبدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا َيكُونُونَ عَلَ ْيهِ لِبَدًا } [‬
‫الجن ‪ ، ]19 :‬وكذلك وصفه عند إنزال الكتاب عليه ونزول الملك إليه ‪ ،‬فقال { تَبَا َركَ الّذِي نزلَ‬
‫علَى عَ ْب ِدهِ لِ َيكُونَ لِ ْلعَاَلمِينَ نَذِيرًا }‪.‬‬
‫ا ْلفُ ْرقَانَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ َيكُونَ لِ ْلعَاَلمِينَ نَذِيرًا } أي ‪ :‬إنما خصّه بهذا الكتاب العظيم المبين المفصل المحكم الذي‬
‫حمِيدٍ } [ فصلت ‪ ، ]42 :‬الذي‬
‫حكِيمٍ َ‬
‫طلُ مِنْ بَيْنِ َيدَيْ ِه وَل مِنْ خَ ْلفِهِ تَنزيلٌ مِنْ َ‬
‫‪ { :‬ل يَأْتِيهِ الْبَا ِ‬
‫جعله فرقانا عظيما ‪ -‬إنما خصه به ليخصه بالرسالة إلى من يستظل بالخضراء ‪ ،‬ويستقل على‬
‫الغبراء ‪ ،‬كما قال ‪ -‬صلوات ال وسلمه عليه ‪" -‬بعثت إلى الحمر والسود" (‪ .)3‬وقال ‪:‬‬
‫"أعطيت خمسًا لم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ينزل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )521‬هو والذي يليه من حديث جابر ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)6/92‬‬

‫يعطهن أحد من النبياء قبلي" ‪ ،‬فذكر منهن ‪ :‬أنه "كان النبي يبعث إلى قومه خاصة ‪ ،‬وبعثت إلى‬
‫جمِيعًا الّذِي لَهُ مُ ْلكُ‬
‫الناس عامة" ‪ ،‬وقال ال تعالى ‪ُ { :‬قلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْي ُكمْ َ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ [ل إِلَهَ إِل ُهوَ ] (‪ُ )1‬يحْيِي وَ ُيمِيتُ } [ العراف ‪ ]158 :‬أي ‪ :‬الذي أرسلني‬
‫ال ّ‬
‫هو مالك السموات والرض ‪ ،‬الذي يقول للشيء كن فيكون ‪ ،‬وهو الذي يحيي ويميت ‪ ،‬وهكذا‬
‫ض وَلَمْ يَتّخِ ْذ وََلدًا وَلَمْ َيكُنْ َلهُ شَرِيكٌ فِي ا ْلمُ ْلكِ } ‪ ،‬فَنزه‬
‫ت وَالرْ ِ‬
‫س َموَا ِ‬
‫قال هاهنا ‪ { :‬الّذِي َلهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫نفسه عن الولد ‪ ،‬وعن الشريك‪.‬‬
‫شيْءٍ َفقَدّ َرهُ َتقْدِيرًا } أي ‪ :‬كل شيء مما سواه مخلوق مربوب ‪ ،‬وهو‬
‫خلَقَ ُكلّ َ‬
‫ثم أخبر أنه ‪ { :‬وَ َ‬
‫خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه ‪ ،‬وكل شيء تحت قهره [وتسخيره] (‪ ، )2‬وتدبيره وتقديره (‬
‫‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ وهو الصواب‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قهره وتقديره وتسخيره وتدبيره"‪.‬‬

‫( ‪)6/93‬‬

‫سهِمْ ضَرّا وَلَا َنفْعًا وَلَا َيمِْلكُونَ‬


‫ن وَلَا َيمِْلكُونَ لِأَ ْنفُ ِ‬
‫خُلقُونَ شَيْئًا وَ ُهمْ يُخَْلقُو َ‬
‫وَاتّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَِل َهةً لَا يَ ْ‬
‫َموْتًا وَلَا حَيَا ًة وَلَا نُشُورًا (‪َ )3‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ َهذَا إِلّا ِإ ْفكٌ افْتَرَا ُه وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ َقوْمٌ آَخَرُونَ َفقَدْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جَاءُوا ظُ ْلمًا وَزُورًا (‪َ )4‬وقَالُوا أَسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ اكْتَتَ َبهَا َف ِهيَ ُتمْلَى عَلَ ْيهِ ُبكْ َرةً وََأصِيلًا (‪ُ )5‬قلْ أَنْزَلَهُ‬
‫غفُورًا رَحِيمًا (‪)6‬‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ إِنّهُ كَانَ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫الّذِي َيعَْلمُ السّرّ فِي ال ّ‬

‫س ِه ْم ضَرّا وَل َن ْفعًا وَل‬


‫ن لنْفُ ِ‬
‫ن وَل َيمِْلكُو َ‬
‫خَلقُو َ‬
‫{ وَاتّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آِلهَةً ل َيخُْلقُونَ شَيْئًا وَ ُهمْ يُ ْ‬
‫َيمِْلكُونَ َموْتًا وَل حَيَا ًة وَل ُنشُورًا (‪} )3‬‬
‫يخبر تعالى عن جهل المشركين في اتخاذهم آلهة من دون ال ‪ ،‬الخالق لكل شيء ‪ ،‬المالك لزمّة‬
‫المور ‪ ،‬الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن‪ .‬ومع هذا عَبَدُوا معه من الصنام ما ل يقدر على‬
‫خلق جناح بعوضة ‪ ،‬بل هم مخلوقون ‪ ،‬ول يملكون لنفسهم ضرا ول نفعا ‪ ،‬فكيف يملكون‬
‫لعابديهم ؟ { وَل َيمِْلكُونَ َموْتًا وَل حَيَا ًة وَل ُنشُورًا } أي ‪ :‬ليس لهم من ذلك شيء ‪ ،‬بل ذلك‬
‫مرجعه كله إلى ال عز وجل ‪ ،‬الذي هو يحيي ويميت ‪ ،‬وهو الذي يعيد الخلئق يوم القيامة أولهم‬
‫وآخرهم ‪ { ،‬مَا خَ ْل ُقكُ ْم وَل َبعْ ُثكُمْ إِل كَ َنفْسٍ وَاحِ َدةٍ } [ لقمان ‪َ { ، ]28 :‬ومَا َأمْرُنَا إِل وَاحِ َدةٌ كََلمْحٍ‬
‫بِالْ َبصَرِ } [ القمر ‪ { ، ]50 :‬فَإِ ّنمَا ِهيَ َزجْ َر ٌة وَاحِ َدةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسّاهِ َرةِ } [ النازعات ‪، 13 :‬‬
‫‪ { ، ]14‬فَإِ ّنمَا ِهيَ زَجْ َر ٌة وَاحِ َدةٌ فَإِذَا هُمْ يَ ْنظُرُونَ } [ الصافات ‪ { ، ]19 :‬إِنْ كَا َنتْ إِل صَيْحَةً‬
‫حضَرُونَ } [ يس ‪ .]53 :‬فهو ال الذي ل إله غيره ول رب سواه ‪،‬‬
‫جمِيعٌ لَدَيْنَا ُم ْ‬
‫وَاحِ َدةً فَِإذَا ُهمْ َ‬
‫ول تنبغي العبادة إل له ؛ لنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن‪ .‬وهو الذي ل ولد له ول والد ‪ ،‬ول‬
‫عديل ول نديد ول وزير ول نظير ‪ ،‬بل هو الحد الصمد ‪ ،‬الذي لم يلد ولم يولد ‪ ،‬ولم يكن له‬
‫كفوا أحد‪.‬‬
‫{ َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ َهذَا إِل ِإ ْفكٌ افْتَرَا ُه وَأَعَانَهُ عَلَ ْيهِ َقوْمٌ آخَرُونَ َفقَدْ جَاءُوا ظُ ْلمًا وَزُورًا (‪)4‬‬
‫َوقَالُوا َأسَاطِي ُر الوّلِينَ اكْتَتَ َبهَا َف ِهيَ ُتمْلَى عَلَيْهِ ُبكْ َرةً وََأصِيل (‪ُ )5‬قلْ أَنزلَهُ الّذِي َيعْلَمُ السّرّ فِي‬
‫غفُورًا رَحِيمًا (‪} )6‬‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ إِنّهُ كَانَ َ‬
‫ال ّ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن سخافة عقول الجهلة من الكفار ‪ ،‬في قولهم عن القرآن ‪ { :‬إِنْ هَذَا إِل‬
‫ِإ ْفكٌ } ‪ :‬أي ‪ :‬كذب ‪ { ،‬افْتَرَاهُ } يعنون النبي (‪ )1‬صلى ال عليه وسلم ‪ { ،‬وَأَعَانَهُ عَلَ ْيهِ َقوْمٌ‬
‫آخَرُونَ } أي ‪ :‬واستعان على جمعه بقوم آخرين‪ .‬قال ال تعالى ‪َ { :‬فقَدْ جَاءُوا ظُ ْلمًا وَزُورًا } أي‬
‫‪ :‬فقد افتروا هم قول باطل هم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬محمدا"‪.‬‬

‫( ‪)6/93‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سوَاقِ َلوْلَا أُنْ ِزلَ إِلَيْهِ مََلكٌ فَ َيكُونَ َمعَهُ نَذِيرًا (‪)7‬‬
‫طعَامَ وَ َيمْشِي فِي الْأَ ْ‬
‫َوقَالُوا مَالِ َهذَا الرّسُولِ يَ ْأ ُكلُ ال ّ‬
‫سحُورًا (‪)8‬‬
‫َأوْ يُ ْلقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ َأوْ َتكُونُ َلهُ جَنّةٌ يَ ْأ ُكلُ مِ ْنهَا َوقَالَ الظّاِلمُونَ إِنْ تَتّ ِبعُونَ إِلّا َرجُلًا مَ ْ‬
‫ج َعلَ َلكَ خَيْرًا‬
‫ف ضَرَبُوا َلكَ الَْأمْثَالَ َفضَلّوا فَلَا َيسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (‪ )9‬تَبَا َركَ الّذِي إِنْ شَاءَ َ‬
‫انْظُرْ كَ ْي َ‬
‫ج َعلْ َلكَ ُقصُورًا (‪َ )10‬بلْ كَذّبُوا بِالسّاعَ ِة وَأَعْتَدْنَا ِلمَنْ‬
‫مِنْ ذَِلكَ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَا ُر وَيَ ْ‬
‫سعِيرًا (‪)11‬‬
‫عةِ َ‬
‫كَ ّذبَ بِالسّا َ‬

‫يعلمون أنه باطل ‪ ،‬ويعرفون كذب أنفسهم فيما يزعمون (‪.)1‬‬


‫{ َوقَالُوا أَسَاطِي ُر الوّلِينَ اكْتَتَ َبهَا } يعنون ‪ :‬كتب الوائل استنسخها ‪َ { ،‬فهِيَ ُتمْلَى عَلَيْهِ } أي ‪ :‬تقرأ‬
‫عليه { ُبكْ َر ًة وََأصِيل } أي ‪ :‬في أول النهار وآخره‪.‬‬
‫وهذا الكلم ‪ -‬لسخافته وكذبه وبهْته منهم ‪ُ -‬كلّ أحد يعلم (‪ )2‬بطلنه ‪ ،‬فإنه قد عُلم بالتواتر‬
‫وبالضرورة ‪ :‬أن محمدا رسول ال لم يكن يعاني شيئا من الكتابة ‪ ،‬ل في أول عمره ول في‬
‫آخره ‪ ،‬وقد نشأ بين أظهرهم من أول مولده إلى أن بعثه ال نحوا من أربعين سنة ‪ ،‬وهم يعرفون‬
‫مدخله ومخرجه ‪ ،‬وصدقه ‪ ،‬وبره وأمانته ونزاهته من الكذب والفجور وسائر الخلق الرذيلة ‪،‬‬
‫حتى إنهم لم يكونوا يسمونه في صغره إلى أن ُبعِث (‪ )3‬إل المين ‪ ،‬لما يعلمون من صدقه وبره‪.‬‬
‫فلما أكرمه ال بما أكرمه به ‪ ،‬نصبوا له العداوة ‪ ،‬وَرَموه بهذه القوال التي يعلم كل عاقل براءته‬
‫منها ‪ ،‬وحاروا ماذا يقذفونه به ‪ ،‬فتارة من إفكهم يقولون ‪ :‬ساحر ‪ ،‬وتارة يقولون ‪ :‬شاعر ‪ ،‬وتارة‬
‫ف ضَرَبُوا َلكَ المْثَالَ‬
‫يقولون ‪ :‬مجنون ‪ ،‬وتارة يقولون ‪ :‬كذاب ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬انْظُرْ كَ ْي َ‬
‫َفضَلّوا فَل َيسْتَطِيعُونَ سَبِيل } [ السراء ‪.]48 :‬‬
‫س َموَاتِ‬
‫وقال تعالى في جواب ما عاندوا هاهنا وافتروا ‪ُ { :‬قلْ أَنزلَهُ الّذِي َيعْلَمُ السّرّ فِي ال ّ‬
‫وَالرْضِ } أي ‪ :‬أنزل القرآن المشتمل على أخبار الولين والخرين إخبارا حقا صدقا مطابقا‬
‫للواقع في الخارج ‪ ،‬ماضيا ومستقبل { أَنزَلهُ الّذِي َيعْلَمُ السّرّ } أي ‪ :‬ال الذي يعلم غيب السموات‬
‫والرض ‪ ،‬ويعلم السرائر كعلمه بالظواهر‪.‬‬
‫غفُورًا َرحِيمًا } ‪ :‬دعاء لهم إلى التوبة والنابة ‪ ،‬وإخبار بأن رحمته واسعة ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّهُ كَانَ َ‬
‫وأن حلمه عظيم ‪ ،‬وأن من تاب إليه تاب عليه‪ .‬فهؤلء مع كذبهم وافترائهم وفجورهم وبهتهم‬
‫وكفرهم وعنادهم ‪ ،‬وقولهم عن الرسول والقرآن ما قالوا ‪ ،‬يدعوهم إلى التوبة والقلع عما هم‬
‫فيه إلى السلم والهدى ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬لقَدْ َكفَرَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ثَاِلثُ ثَلثَ ٍة َومَا مِنْ إِلَهٍ إِل‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ * َأفَل يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ‬
‫عمّا َيقُولُونَ لَ َيمَسّنّ الّذِينَ َكفَرُوا مِ ْنهُمْ َ‬
‫إِلَ ٌه وَاحِ ٌد وَإِنْ َلمْ يَنْ َتهُوا َ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } [ المائدة ‪ ، ]74 - 73 :‬وقال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ فَتَنُوا ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‬
‫وَيَسْ َت ْغفِرُونَ ُه وَاللّهُ َ‬
‫عذَابُ الْحَرِيقِ } [ البروج ‪ .]10 :‬قال الحسن‬
‫جهَنّ َم وََلهُمْ َ‬
‫وَا ْل ُمؤْمِنَاتِ ثُمّ َلمْ يَتُوبُوا فََلهُمْ عَذَابُ َ‬
‫البصري ‪ :‬انظروا إلى هذا الكرم والجود ‪ ،‬قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والرحمة [سبحانه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وتعالى] (‪.)4‬‬
‫سوَاقِ َلوْل أُنزلَ إِلَ ْيهِ مََلكٌ فَ َيكُونَ َمعَهُ نَذِيرًا (‬
‫طعَا َم وَ َيمْشِي فِي ال ْ‬
‫{ َوقَالُوا مَالِ هَذَا الرّسُولِ يَ ْأ ُكلُ ال ّ‬
‫سحُورًا (‪)8‬‬
‫‪َ )7‬أوْ يُ ْلقَى إِلَيْهِ كَنز َأوْ َتكُونُ لَهُ جَنّةٌ يَ ْأ ُكلُ مِ ْنهَا َوقَالَ الظّاِلمُونَ إِنْ تَتّ ِبعُونَ إِل َرجُل مَ ْ‬
‫ج َعلَ َلكَ‬
‫ك المْثَالَ َفضَلّوا فَل يَسْ َتطِيعُونَ سَبِيل (‪ )9‬تَبَا َركَ الّذِي إِنْ شَاءَ َ‬
‫ف ضَرَبُوا َل َ‬
‫انْظُرْ كَ ْي َ‬
‫ج َعلْ َلكَ ُقصُورًا (‪َ )10‬بلْ كَذّبُوا بِالسّاعَ ِة وَأَعْتَدْنَا‬
‫خَيْرًا مِنْ ذَِلكَ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَا ُر وَيَ ْ‬
‫سعِيرًا (‪} )11‬‬
‫عةِ َ‬
‫ِلمَنْ كَ ّذبَ بِالسّا َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬زعموه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بهته كل أحد منهم يعلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بعثه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/94‬‬

‫عوْا‬
‫س ِمعُوا َلهَا َتغَيّظًا وَ َزفِيرًا (‪ )12‬وَإِذَا أُ ْلقُوا مِ ْنهَا َمكَانًا ضَ ّيقًا ُمقَرّنِينَ دَ َ‬
‫إِذَا َرأَ ْتهُمْ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ َ‬
‫هُنَاِلكَ ثُبُورًا (‪ )13‬لَا تَدْعُوا الْ َيوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (‪)14‬‬

‫عوْا‬
‫س ِمعُوا َلهَا َتغَيّظًا وَ َزفِيرًا (‪ )12‬وَإِذَا أُ ْلقُوا مِ ْنهَا َمكَانًا ضَ ّيقًا ُمقَرّنِينَ دَ َ‬
‫{ ِإذَا رَأَ ْتهُمْ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ َ‬
‫حدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (‪.} )14‬‬
‫هُنَاِلكَ ثُبُورًا (‪ )13‬ل تَدْعُوا الْ َيوْمَ ثُبُورًا وَا ِ‬

‫( ‪)6/94‬‬

‫يخبر تعالى عن تعنت الكفار وعنادهم وتكذيبهم للحق بل حجة ول دليل منهم ‪ ،‬وإنما تعللوا بقولهم‬
‫طعَامَ } ‪ ،‬يعنون ‪ :‬كما نأكله ‪ ،‬ويحتاج إليه كما نحتاج إليه ‪ { ،‬وَ َيمْشِي‬
‫‪ { :‬مَالِ َهذَا الرّسُولِ يَ ْأ ُكلُ ال ّ‬
‫سوَاقِ } أي ‪ :‬يتردد فيها وإليها طلبا للتكسب والتجارة ‪َ { ،‬لوْل أُنزلَ إِلَيْهِ مََلكٌ فَ َيكُونَ َمعَهُ‬
‫فِي ال ْ‬
‫نَذِيرًا } يقولون (‪ : )1‬هل أنزل إليه ملك من عند ال ‪ ،‬فيكون له شاهدا على صِدْق ما يدّعيه!‬
‫سوِ َرةٌ مِنْ َذ َهبٍ َأوْ جَاءَ َمعَهُ ا ْلمَل ِئكَةُ ُمقْتَرِنِينَ }‬
‫وهذا كما قال فرعون ‪ { :‬فََلوْل أُ ْلقِيَ عَلَ ْيهِ أَ ْ‬
‫[ الزخرف ‪ .]53 :‬وكذلك قال هؤلء على السواء ‪ ،‬تشابهت قلوبهم ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬أوْ يُ ْلقَى إِلَيْهِ‬
‫كَنز } أي ‪ :‬علم كنز [يكون] (‪ )2‬ينفق منه ‪َ { ،‬أوْ َتكُونُ لَهُ جَنّةٌ يَ ْأ ُكلُ مِ ْنهَا } أي ‪ :‬تسير معه حيث‬
‫سار‪ .‬وهذا كله سهل يسير على ال ‪ ،‬ولكن له الحكمة في ترك ذلك ‪ ،‬وله الحجة البالغة { َوقَالَ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الظّاِلمُونَ إِنْ تَتّ ِبعُونَ إِل رَجُل َمسْحُورًا }‪.‬‬
‫ك المْثَالَ } أي ‪ :‬جاءوا بما يقذفونك به ويكذبون به‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬انْظُرْ كَ ْيفَ ضَرَبُوا َل َ‬
‫عليك ‪ ،‬من قولهم "ساحر ‪ ،‬مسحور ‪ ،‬مجنون ‪ ،‬كذاب ‪ ،‬شاعر" وكلها أقوال باطلة ‪ ،‬كل أحد ممن‬
‫له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم في ذلك ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فضلوا } أي ‪ :‬عن طريق‬
‫الهدى ‪ { ،‬فَل يَسْ َتطِيعُونَ سَبِيل } وذلك لن كل من خرج عن الحق فإنه ضال حيثما توجه ؛ لن‬
‫صدّق بعضه بعضا‪.‬‬
‫الحق واحد ومنهج متحد ‪ُ ،‬ي َ‬
‫ثم قال تعالى مخبرا نبيه أنه لو شاء لتاه خيرا مما يقولون في الدنيا وأفضل وأحسن ‪ ،‬فقال‬
‫ج َعلْ‬
‫ج َعلَ َلكَ خَيْرًا مِنْ ذَِلكَ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَا ُر وَيَ ْ‬
‫[تعالى] (‪ { )3‬تَبَا َركَ الّذِي إِنْ شَاءَ َ‬
‫َلكَ ُقصُورًا }‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬يعني ‪ :‬في الدنيا ‪ ،‬قال ‪ :‬وقريش يسمون كل بيت من حجارة قصرا ‪ ،‬سواء كان‬
‫كبيرا أو صغيرا (‪.)4‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬عن خَيْ َثمَة ؛ قيل للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إن‬
‫شئت أن نعطيك خزائن الرض ومفاتيحها ما لم يعط نبي قبلك ‪ ،‬ول يُعطى أحد من بعدك ‪ ،‬ول‬
‫ينقص ذلك مما لك عند ال ؟ فقال ‪ :‬اجمعوها لي في الخرة ‪ ،‬فأنزل ال عز وجل في ذلك ‪:‬‬
‫ج َعلْ َلكَ ُقصُورًا }‬
‫ج َعلَ َلكَ خَيْرًا مِنْ ذَِلكَ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ وَ َي ْ‬
‫{ تَبَا َركَ الّذِي إِنْ شَاءَ َ‬
‫(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صغيرا أو كبيرا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )18/140‬من طريق سفيان به مرسل‪.‬‬

‫( ‪)6/95‬‬

‫وقوله ‪َ { :‬بلْ كَذّبُوا بِالسّاعَةِ } أي ‪ :‬إنما يقول هؤلء هكذا تكذيبا وعنادا ‪ ،‬ل أنهم يطلبون ذلك‬
‫تبصرا واسترشادا ‪ ،‬بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على قول ما يقولونه من هذه القوال ‪،‬‬
‫سعِيرًا } أي ‪ :‬عذابا أليما حارا ل يطاق في نار‬
‫{ وأعتدنا } أي ‪ :‬وأرصدنا { ِلمَنْ كَ ّذبَ بِالسّاعَةِ َ‬
‫جهنم‪.‬‬
‫سعِير" ‪ :‬واد من قيح جهنم‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن سلمة بن ُكهَيْل ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪" :‬ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ِ { :‬إذَا رَأَ ْتهُمْ } أي ‪ :‬جهنم { مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ } يعني ‪ :‬في مقام المحشر‪ .‬قال السدي ‪ :‬من‬
‫س ِمعُوا َلهَا َتغَيّظًا وَ َزفِيرًا } أي ‪ :‬حنقا (‪ )1‬عليهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِذَا أُ ْلقُوا‬
‫مسيرة مائة عام { َ‬
‫شهِيقًا وَ ِهيَ َتفُورُ َتكَادُ َتمَيّزُ مِنَ ا ْلغَيْظِ } [ الملك ‪ ]8 ، 7 :‬أي ‪ :‬يكاد ينفصل‬
‫س ِمعُوا َلهَا َ‬
‫فِيهَا َ‬
‫بعضها من بعض ؛ من شدة غيظها على من كفر بال‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا إدريس بن حاتم بن الخيف (‪ )2‬الواسطي ‪ :‬أنه سمع محمد بن الحسن‬
‫الواسطي ‪ ،‬عن أصبغ بن زيد ‪ ،‬عن خالد بن كثير ‪ ،‬عن خالد بن دُرَيْك ‪ ،‬عن رجل من أصحاب‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من يقل عََليّ ما لم أقل ‪،‬‬
‫أو ادعى إلى غير والديه ‪ ،‬أو انتمى إلى غير مواليه ‪ ،‬فليتبوأ [مقعده من النار"‪ .‬وفي رواية ‪:‬‬
‫"فليتبوأ] (‪ )3‬بين عيني جهنم مقعدا" قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وهل لها من عينين ؟ قال ‪" :‬أما سمعتم‬
‫ال يقول ‪ { :‬إِذَا رَأَ ْت ُهمْ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ } الية‪.‬‬
‫خدَاش ‪ ،‬عن محمد بن يزيد (‪ )5‬الواسطي ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن محمد (‪ )4‬بن ِ‬
‫وقال أيضًا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن محمد الطّنَافِسي ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن عيسى‬
‫بن سليم ‪ ،‬عن أبي وائل قال ‪ :‬خرجنا مع عبد ال ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن مسعود ‪ -‬ومعنا الربيع بن خُثَيْم‬
‫فمروا على حداد ‪ ،‬فقام عبد ال ينظر إلى حديدة في النار ‪ ،‬ونظر الربيع بن خثيم إليها فتمايل‬
‫ليسقط ‪ ،‬فمر عبد ال على أتّون على شاطئ الفرات ‪ ،‬فلما رآه عبد ال والنار تلتهب في جوفه قرأ‬
‫س ِمعُوا َلهَا َتغَيّظًا وَ َزفِيرًا } فصعق ‪ -‬يعني ‪ :‬الربيع بن‬
‫هذه الية ‪ِ { :‬إذَا رَأَ ْتهُمْ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ َ‬
‫خُثَيْم ‪ -‬فحملوه إلى أهل بيته (‪ )7‬ورابطه عبد ال إلى الظّهر فلم يفق ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫وحدثنا أبي ‪ :‬حدثنا عبد ال بن رجاء ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي يحيى ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬إن العبد ليجر إلى النار ‪ ،‬فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير ‪ ،‬ثم تزفر زفرة ل‬
‫يبقى أحد إل خاف‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬خنقا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الحنف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬محمود"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬زيد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)18/140‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬إلى أهله"‪.‬‬

‫( ‪)6/96‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هكذا رواه ابن أبي حاتم مختصرا ‪ ،‬وقد رواه المام أبو جعفر بن جرير ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن إبراهيم ال ّدوْرَقي ‪ ،‬حدثنا عُبَيْد ال بن موسى ‪ ،‬أخبرنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي يحيى ‪،‬‬
‫عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬إن الرجل ليجر إلى النار ‪ ،‬فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض‬
‫‪ ،‬فيقول لها الرحمن ‪ :‬ما لك ؟ قالت ‪ :‬إنه يستجير مني‪ .‬فيقول ‪ :‬أرسلوا (‪ )1‬عبدي‪ .‬وإن الرجل‬
‫ليُجَرّ إلى النار ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ما كان هذا الظن بك ؟ فيقول ‪ :‬فما كان ظنك ؟ فيقول ‪ :‬أن‬
‫تَسَعني رحمتك‪ .‬فيقول ‪ :‬أرسلوا عبدي ‪ ،‬وإن الرجل ليجر إلى النار ‪ ،‬فتشهق إليه النار شهوق‬
‫البغلة إلى الشعير ‪ ،‬وتزفر زفرة ل يبقى أحد إل خاف‪ .‬وهذا إسناد صحيح‪.‬‬
‫عمَيْر في قوله ‪:‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن عُبَيد بن ُ‬
‫س ِمعُوا َلهَا َتغَيّظًا وَ َزفِيرًا } قال ‪ :‬إن جهنم تزفر زفرة ‪ ،‬ل يبقى ملك ول نبي إل خَرّ تَرْعَد‬
‫{ َ‬
‫فرائصه ‪ ،‬حتى إن إبراهيم عليه السلم ‪ ،‬ليجثو على ركبتيه ويقول ‪ :‬رب ‪ ،‬ل أسألك اليوم إل‬
‫نفسي (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذَا أُ ْلقُوا مِ ْنهَا َمكَانًا ضَ ّيقًا } قال قتادة ‪ ،‬عن أبي أيوب ‪ ،‬عن عبد ال (‪ )3‬بن عمرو‬
‫قال ‪ :‬مثل الزج في الرمح (‪ )4‬أي ‪ :‬من ضيقه‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن وهب ‪ :‬أخبرني نافع بن يزيد ‪ ،‬عن يحيى بن أبي أسيد ‪ -‬يرفع الحديث إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه سئل عن قول ال { وَإِذَا أُ ْلقُوا مِ ْنهَا َمكَانًا ضَ ّيقًا ُمقَرّنِينَ }‬
‫قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنهم ل ُيسْتَكرهون في النار ‪ ،‬كما يستكره الوتد في الحائط" (‪.)5‬‬
‫عوْا هُنَاِلكَ ثُبُورًا } أي ‪ :‬بالويل والحسرة‬
‫وقوله { ُمقَرّنِينَ } قال أبو صالح ‪ :‬يعني مكتفين ‪ { :‬دَ َ‬
‫والخيبة‪ { .‬ل تَدْعُوا الْ َيوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪،‬‬
‫حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد (‪ )6‬عن أنس بن مالك ؛ أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫خلْفه ‪،‬‬
‫وسلم قال ‪" :‬أول من يُكسَى حُلّةً من النار إبليس ‪ ،‬فيضعها على حاجبيه ‪ ،‬ويسحبها منْ َ‬
‫وذريته من بعده ‪ ،‬وهو ينادي ‪ :‬يا ثبوراه ‪ ،‬وينادون ‪ :‬يا ثبورهم‪ .‬حتى يقفوا على النار ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫يا ثبوراه‪ .‬ويقولون ‪ :‬يا ثبورهم‪ .‬فيقال لهم ‪ :‬ل تدعوا اليوم ثبورا واحدا ‪ ،‬وادعوا ثبورا كثيرا"‪.‬‬
‫لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ‪ ،‬ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أحمد بن سِنَان ‪ ،‬عن‬
‫عفان ‪ ،‬به ‪ :‬ورواه ابن جرير ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة به (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أن تنقلوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/56‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبيد ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬رمحه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬كما في الدر المنثور (‪.)6/240‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ "علي بن يزيد" والصواب ما أثبتناه من المسند (‪.)3/252‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )3/152‬وتفسير الطبري (‪.)18/141‬‬

‫( ‪)6/97‬‬

‫ُقلْ أَذَِلكَ خَيْرٌ أَمْ جَنّةُ الْخُ ْلدِ الّتِي وُعِدَ ا ْلمُ ّتقُونَ كَا َنتْ َلهُمْ جَزَا ًء َو َمصِيرًا (‪َ )15‬لهُمْ فِيهَا مَا َيشَاءُونَ‬
‫ك وَعْدًا مَسْئُولًا (‪)16‬‬
‫خَاِلدِينَ كَانَ عَلَى رَ ّب َ‬

‫حدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } أي ‪:‬‬


‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬ل تَدْعُوا الْ َيوْمَ ثُبُورًا وَا ِ‬
‫ل تدعوا اليوم ويل واحدا ‪ ،‬وادعوا ويل (‪ )1‬كثيرا‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬الثبور ‪ :‬الهلك‪.‬‬
‫والظهر ‪ :‬أن الثبور يجمع الهلك والويل والخسار والدمار ‪ ،‬كما قال موسى لفرعون ‪ { :‬وَإِنّي‬
‫عوْنُ مَثْبُورًا } [ السراء ‪ ]102 :‬أي ‪ :‬هالكا‪ .‬وقال عبد ال بن الز َبعْرى ‪:‬‬
‫لظُ ّنكَ يَا فِرْ َ‬
‫إذْ أجَاري الشّيطانَ في سَنَن الغيَ‪ ...‬يِ ‪ ،‬وَمنْ مَالَ مَيْلَهُ (‪ )2‬مَثْبُورُ (‪)3‬‬
‫{ ُقلْ َأذَِلكَ خَيْرٌ َأمْ جَنّةُ ا ْلخُلْدِ الّتِي وُعِدَ ا ْلمُتّقُونَ كَا َنتْ َلهُمْ جَزَا ًء َو َمصِيرًا (‪َ )15‬ل ُهمْ فِيهَا مَا‬
‫ك وَعْدًا مَسْئُول (‪.} )16‬‬
‫يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَ ّب َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬هذا (‪ )4‬الذي وصفناه من حال أولئك الشقياء (‪ ، )5‬الذين يحشرون‬
‫على وجوههم إلى جهنم ‪ ،‬فتتلقاهم بوجه عبوس وبغيظ (‪ )6‬وزفير ‪ ،‬ويُلقَون في أماكنها الضيقة‬
‫مقرّنين ‪ ،‬ل يستطيعون حراكا ‪ ،‬ول انتصارا ول فكاكا مما هم فيه ‪ : -‬أهذا خير أم جنة الخلد‬
‫التي وعدها ال المتقين من عباده ‪ ،‬التي أعدها لهم ‪ ،‬وجعلها لهم جزاء على ما أطاعوه في‬
‫الدنيا ‪ ،‬وجعل مآلهم إليها‪.‬‬
‫{ َل ُهمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ } [أي] (‪ : )7‬من الملذ ‪ :‬من مآكل ومشارب ‪ ،‬وملبس ومساكن ‪،‬‬
‫خطَر على قلب أحد (‬
‫ومراكب ومناظر ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬مما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول َ‬
‫‪ .)8‬وهم في ذلك خالدون أبدا دائما (‪ )9‬سرمدا بل انقطاع ول زوا ‪ ،‬ول انقضاء ‪ ،‬ل يبغون‬
‫عنها حوَل‪ .‬وهذا من وَعْد ال الذي تفضل به عليهم ‪ ،‬وأحسن به إليهم ‪ ،‬ولهذا قال ‪ { :‬كَانَ عَلَى‬
‫ك وَعْدًا مَسْئُول } أي ل بد أن يقع وأن يكون ‪ ،‬كما حكاه أبو جعفر بن جرير ‪ ،‬عن بعض‬
‫رَ ّب َ‬
‫علماء العربية أن معنى قوله ‪ { :‬وَعْدًا َمسْئُول } أي ‪ :‬وعدا واجبا‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس { كَانَ عَلَى رَ ّبكَ وَعْدًا مَسْئُول } يقول ‪ :‬سلوا الذي‬
‫واعدتكم ‪ -‬أو قال ‪ :‬واعدناكم ‪ -‬نُنْجِزْ‪.‬‬
‫ك وَعْدًا مَسْئُول } ‪ :‬إن الملئكة تسأل لهم‬
‫وقال محمد بن كعب القُرَظي في قوله ‪ { :‬كَانَ عَلَى رَ ّب َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ذلك ‪ { :‬رَبّنَا وَأَ ْدخِ ْلهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الّتِي وَعَدْ َتهُمْ } [ غافر ‪.]8 :‬‬
‫وقال أبو حازم ‪ :‬إذا كان يوم القيامة قال المؤمنون ‪ :‬ربنا عملنا لك بالذي أمرتنا ‪ ،‬فأنجز لنا ما‬
‫وعدتنا‪ .‬فذلك قوله ‪ { :‬وَعْدًا َمسْئُول }‪.‬‬
‫وهذا المقام في هذه السورة من ذكر النار ‪ ،‬ثم التنبيه على حال أهل الجنة ‪ ،‬كما ذكر تعالى في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بلءا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬مثله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيت في السيرة النبوية لبن هشام (‪.)2/419‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أهذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬من هؤلء الشقية"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬وتغيظ"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بشر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬دائما أبدا"‪.‬‬

‫( ‪)6/98‬‬

‫وَ َيوْمَ يَحْشُ ُرهُ ْم َومَا َيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَ َيقُولُ أَأَنْ ُتمْ َأضْلَلْتُمْ عِبَادِي َهؤُلَاءِ َأمْ ُه ْم ضَلّوا السّبِيلَ (‬
‫خذَ مِنْ دُو ِنكَ مِنْ َأوْلِيَا َء وََلكِنْ مَ ّتعْ َتهُ ْم وَآَبَا َءهُمْ حَتّى َنسُوا‬
‫‪ )17‬قَالُوا سُ ْبحَا َنكَ مَا كَانَ يَنْ َبغِي لَنَا أَنْ نَتّ ِ‬
‫ن صَ ْرفًا وَلَا َنصْرًا َومَنْ يَظِْلمْ‬
‫ال ّذكْ َر َوكَانُوا َق ْومًا بُورًا (‪َ )18‬فقَدْ َكذّبُوكُمْ ِبمَا َتقُولُونَ َفمَا تَسْتَطِيعُو َ‬
‫مِ ْنكُمْ نُ ِذ ْقهُ عَذَابًا كَبِيرًا (‪)19‬‬

‫سورة "الصافات" حال أهل الجنة ‪ ،‬وما فيها من النضرة والحبور ‪ ،‬ثم قال ‪ { :‬أَذَِلكَ خَيْرٌ نزل أَمْ‬
‫جحِيمِ * طَ ْل ُعهَا كَأَنّهُ‬
‫صلِ الْ َ‬
‫جعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظّاِلمِينَ * إِ ّنهَا شَجَ َرةٌ تَخْرُجُ فِي َأ ْ‬
‫شجَ َرةُ ال ّزقّومِ * إِنّا َ‬
‫َ‬
‫حمِيمٍ *‬
‫شوْبًا مِنْ َ‬
‫رُءُوسُ الشّيَاطِينِ * فَإِ ّن ُه ْم لكِلُونَ مِ ْنهَا َفمَالِئُونَ مِ ْنهَا الْبُطُونَ * ثُمّ إِنّ َلهُمْ عَلَ ْيهَا لَ َ‬
‫علَى آثَارِهِمْ ُيهْرَعُونَ } [ الصافات ‪:‬‬
‫جحِيمِ إِ ّن ُهمْ أَ ْل َفوْا آبَاءَ ُه ْم ضَالّينَ * َفهُمْ َ‬
‫ج َعهُ ْم للَى الْ َ‬
‫ثُمّ إِنّ مَرْ ِ‬
‫‪.]70 - 62‬‬
‫{ وَ َيوْمَ َيحْشُرُ ُه ْم َومَا َيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَ َيقُولُ أَأَنْتُمْ َأضْلَلْ ُتمْ عِبَادِي َهؤُلءِ َأمْ ُه ْم ضَلّوا السّبِيلَ (‬
‫خذَ مِنْ دُو ِنكَ مِنْ َأوْلِيَا َء وََلكِنْ مَ ّتعْ َتهُ ْم وَآبَا َءهُمْ حَتّى َنسُوا‬
‫‪ )17‬قَالُوا سُ ْبحَا َنكَ مَا كَانَ يَنْ َبغِي لَنَا أَنْ نَتّ ِ‬
‫ن صَ ْرفًا وَل َنصْرًا َومَنْ َيظْلِمْ‬
‫ال ّذكْ َر َوكَانُوا َق ْومًا بُورًا (‪َ )18‬فقَدْ َكذّبُوكُمْ ِبمَا َتقُولُونَ َفمَا تَسْتَطِيعُو َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مِ ْنكُمْ نُ ِذ ْقهُ عَذَابًا كَبِيرًا (‪.} )19‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عما َيقَع يوم القيامة من تقريع الكفار في عبادتهم مَن عبدوا من دون ال ‪ ،‬من‬
‫الملئكة وغيرهم ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَ َيوْمَ َنحْشُرُ ُهمْ (‪َ )1‬ومَا َيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ }‪ .‬قال مجاهد ‪:‬‬
‫عيسى ‪ ،‬والعُزَير ‪ ،‬والملئكة‪ { .‬فَ َيقُولُ أَأَنْ ُتمْ َأضْلَلْتُمْ عِبَادِي َهؤُلءِ أَمْ هُ ْم ضَلّوا السّبِيلَ } أي ‪:‬‬
‫فيقول الرب تبارك وتعالى [للمعبودين] (‪ )2‬أأنتم دعوتم هؤلء إلى عبادتكم من دوني ‪ ،‬أم هم‬
‫عبدوكم من تلقاء أنفسهم ‪ ،‬من غير دعوة منكم لهم ؟ كما قال ال تعالى ‪ { :‬وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى‬
‫خذُونِي وَُأ ّميَ إَِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَا َنكَ مَا َيكُونُ لِي أَنْ َأقُولَ مَا‬
‫ابْنَ مَرْيَمَ َأأَ ْنتَ قُ ْلتَ لِلنّاسِ اتّ ِ‬
‫سكَ إِ ّنكَ أَ ْنتَ عَلمُ‬
‫حقّ إِنْ كُ ْنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَِلمْتَهُ َتعْلَمُ مَا فِي َنفْسِي وَل أَعَْلمُ مَا فِي َنفْ ِ‬
‫لَيْسَ لِي بِ َ‬
‫ا ْلغُيُوبِ‪ .‬مَا قُ ْلتُ َلهُم } (‪ )3‬إلى آخر الية ؛ [ المائدة ‪ ]117 - 116 :‬ولهذا قال تعالى مخبرًا عما‬
‫يُجيِب به المعبودون يوم القيامة ‪ { :‬قَالُوا سُ ْبحَا َنكَ مَا كَانَ يَنْ َبغِي لَنَا أَنْ نَتّخِذَ مِنْ دُو ِنكَ مِنْ َأوْلِيَاءَ }‬
‫قرأ الكثرون بفتح "النون" من قوله ‪ { :‬نَتّخِذَ مِنْ دُو ِنكَ مِنْ َأوْلِيَاءَ } أي ‪ :‬ليس للخلئق كلهم أن‬
‫يعبدوا أحدا سواك ‪ ،‬ل نحن ول هم ‪ ،‬فنحن ما دعوناهم إلى ذلك ‪ ،‬بل هم قالوا (‪ )4‬ذلك من تلقاء‬
‫أنفسهم من غير أمرنا ول رضانا ونحن برآء منهم ومن عبادتهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَيَوْمَ‬
‫جمِيعًا ثُمّ َيقُولُ لِ ْلمَل ِئكَةِ أَ َهؤُلءِ إِيّاكُمْ كَانُوا َيعْبُدُونَ قَالُوا سُ ْبحَا َنكَ أَ ْنتَ وَلِيّنَا مِنْ دُو ِنهِمْ َبلْ‬
‫حشُرُهُمْ َ‬
‫يَ ْ‬
‫كَانُوا َيعْ ُبدُونَ الْجِنّ َأكْثَ ُرهُمْ ِبهِمْ ُمؤْمِنُونَ } [ سبأ ‪ )5( .]41 - 40 :‬وقرأ آخرون ‪" :‬مَا كَانَ يَنْ َبغِي‬
‫لَنَا أَنْ نُتّخَذَ مِنْ دُو ِنكَ مِنْ َأوْلِيَاءَ" أي ‪ :‬ما ينبغي لحد أن يعبدنا ‪ ،‬فإنا عبيد لك ‪ ،‬فقراء إليك‪ .‬وهي‬
‫قريبة المعنى من الولى‪.‬‬
‫{ وََلكِنْ مَ ّتعْ َتهُ ْم وَآبَاءَهُمْ } أي ‪ :‬طال عليهم العمر حتى َنسُوا الذكر ‪ ،‬أي ‪ :‬نسوا ما أنزلته إليهم‬
‫على ألسنة رسلك ‪ ،‬من الدعوة إلى عبادتك وحدك ل شريك لك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬يحشرهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬بعدها في ف ‪ ،‬أ ‪( :‬إل ما أمرتني به أن اعبدوا ال ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت‬
‫فيهم فلما توفيتني)‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فعلوا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪" :‬به" والمثبت من أ ‪ ،‬وهو الصواب‪.‬‬

‫( ‪)6/99‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ‬
‫جعَلْنَا َب ْع َ‬
‫سوَاقِ وَ َ‬
‫طعَا َم وَ َيمْشُونَ فِي الْأَ ْ‬
‫َومَا أَ ْرسَلْنَا قَبَْلكَ مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ إِلّا إِ ّنهُمْ لَيَ ْأكُلُونَ ال ّ‬
‫ن َوكَانَ رَ ّبكَ َبصِيرًا (‪)20‬‬
‫فِتْنَةً أَ َتصْبِرُو َ‬

‫{ َوكَانُوا َق ْومًا بُورًا } قال ابن عباس ‪ :‬أي هلكى‪ .‬وقال الحسن البصري ‪ ،‬ومالك عن الزهري ‪:‬‬
‫أي ل خير فيهم‪ .‬وقال ابن الزبعرى حين أسلم ‪:‬‬
‫يا رَسُولَ المَليك إنّ لسَاني‪ ...‬رَاتقٌ ما فَ َتقْتُ إذْ أنا بُورُ‪...‬‬
‫إذْ أجاري الشّيطَانَ في سَنَن الغيْ‪ ...‬يِ ‪َ ،‬ومَن مالَ مَيْلَه مَثْبُورُ‪...‬‬
‫قال ال تعالى ‪َ { :‬فقَدْ كَذّبُوكُمْ ِبمَا َتقُولُونَ } أي ‪ :‬فقد كذبكم الذين عَ َبدْتُم فيما زعمتم أنهم لكم أولياء‬
‫ضلّ ِممّنْ َيدْعُو مِنْ‬
‫‪ ،‬وأنكم اتخذتموهم قربانا يقربونكم (‪ )1‬إليه زلفى ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َأ َ‬
‫حشِرَ النّاسُ كَانُوا َلهُمْ‬
‫ن ل َيسْتَجِيبُ َلهُ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَ ِة وَهُمْ عَنْ دُعَا ِئهِمْ غَافِلُونَ * وَِإذَا ُ‬
‫دُونِ اللّهِ مَ ْ‬
‫أَعْدَا ًء َوكَانُوا ِبعِبَادَ ِت ِهمْ كَافِرِينَ } [ الحقاف ‪.]6 - 5 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فمَا (‪ )2‬تَسْ َتطِيعُونَ صَ ْرفًا وَل َنصْرًا } أي ‪ :‬ل يقدرون على صرف العذاب عنهم ول‬
‫عذَابًا كَبِيرًا }‪.‬‬
‫النتصار لنفسهم ‪َ { ،‬ومَنْ َيظْلِمْ مِ ْنكُمْ } أي ‪ :‬يشرك بال ‪ { ،‬نُ ِذقْهُ َ‬
‫ضكُمْ‬
‫جعَلْنَا َب ْع َ‬
‫ق وَ َ‬
‫سوَا ِ‬
‫طعَا َم وَ َيمْشُونَ فِي ال ْ‬
‫{ َومَا أَرْسَلْنَا قَبَْلكَ مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ إِل إِ ّنهُمْ لَيَ ْأكُلُونَ ال ّ‬
‫لِ َب ْعضٍ فِتْنَةً أَ َتصْبِرُونَ َوكَانَ رَ ّبكَ َبصِيرًا (‪} )20‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن جميع مَنْ بعثه من الرسل المتقدمين ‪ :‬إنهم كانوا يأكلون الطعام ‪،‬‬
‫سوَاقِ } أي ‪ :‬للتكسب والتجارة ‪ ،‬وليس ذلك بمناف‬
‫ويحتاجون إلى التغذي به { وَ َيمْشُونَ فِي ال ْ‬
‫لحالهم ومنصبهم ؛ فإن ال جعل لهم من السمات الحسنة ‪ ،‬والصفات الجميلة ‪ ،‬والقوال الفاضلة ‪،‬‬
‫والعمال الكاملة ‪ ،‬والخوارق الباهرة ‪ ،‬والدلة [القاهرة] (‪ ، )3‬ما يستدل به كل ذي لب سليم ‪،‬‬
‫وبصيرة مستقيمة ‪ ،‬على صدق ما جاءوا به من ال عز وجل‪ .‬ونظير هذه الية الكريمة قوله‬
‫تعالى ‪َ { :‬ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ إِل ِرجَال نُوحِي ِإلَ ْيهِمْ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلقُرَى } [ يوسف ‪َ {]109 :‬ومَا‬
‫طعَا َم َومَا كَانُوا خَالِدِينَ } [ النبياء ‪.]8 :‬‬
‫جسَدًا ل يَ ْأكُلُونَ ال ّ‬
‫جعَلْنَا ُهمْ َ‬
‫َ‬
‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ فِتْ َنةً أَ َتصْبِرُونَ } أي ‪ :‬اختبرنا بعضكم ببعض ‪ ،‬وبلونا بعضكم‬
‫جعَلْنَا َب ْع َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫ببعض ‪ ،‬لنعلم مَن يُطيع ممن يعصي ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَ َتصْبِرُونَ َوكَانَ رَ ّبكَ َبصِيرًا } أي ‪ :‬بمن‬
‫ج َعلُ رِسَالَ َتهُ } [ النعام ‪ ، ]124 :‬ومن‬
‫يستحق أن يوحى إليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬اللّهُ أَعْلَمُ حَ ْيثُ يَ ْ‬
‫يستحق أن يهديه ال لما أرسلهم به ‪ ،‬ومن ل يستحق ذلك‪.‬‬
‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ فِتْنَةً أَ َتصْبِرُونَ } قال ‪ :‬يقول ال ‪ :‬لو‬
‫جعَلْنَا َب ْع َ‬
‫وقال محمد بن إسحاق في قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فل يخالفون ‪ ،‬لفعلت ‪ ،‬ولكنّي قد أردتُ أن أبتلي العباد بهم ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬يقربوبكم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فل" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/100‬‬

‫وأبتليهم (‪ )1‬بهم‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يقول ال ‪ :‬إني‬
‫مُبْتَلِيك ‪ ،‬ومُبْتَلٍ بك" (‪ .)2‬وفي المسند عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو شئت لجرى ال‬
‫معي جبال الذهب والفضة" ‪ ،‬وفي الصحيح أنه ‪ -‬عليه أفضل الصلة والسلم ‪ -‬خُير بين أن‬
‫يكون نبيا ملكا أو عبدا رسول فاختار أن يكون عبدا رسول‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وأبتليكم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)2865‬‬

‫( ‪)6/101‬‬

‫سهِمْ وَعَتَوْا‬
‫علَيْنَا ا ْلمَلَا ِئكَةُ َأوْ نَرَى رَبّنَا َلقَدِ اسْ َتكْبَرُوا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫َوقَالَ الّذِينَ لَا يَ ْرجُونَ ِلقَاءَنَا َلوْلَا أُنْ ِزلَ َ‬
‫ن وَ َيقُولُونَ حِجْرًا َمحْجُورًا (‪)22‬‬
‫عُ ُتوّا كَبِيرًا (‪َ )21‬يوْمَ يَ َروْنَ ا ْلمَلَا ِئكَةَ لَا بُشْرَى َي ْومَئِذٍ لِ ْلمُجْ ِرمِي َ‬
‫جعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (‪َ )23‬أصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َي ْومَئِذٍ خَيْرٌ مُسْ َتقَرّا‬
‫ع َملٍ َف َ‬
‫عمِلُوا مِنْ َ‬
‫َوقَ ِدمْنَا إِلَى مَا َ‬
‫وَأَحْسَنُ َمقِيلًا (‪)24‬‬

‫سهِمْ‬
‫{ َوقَالَ الّذِينَ ل يَ ْرجُونَ ِلقَاءَنَا َلوْل أُنزلَ عَلَيْنَا ا ْلمَل ِئكَةُ َأوْ نَرَى رَبّنَا َلقَدِ اسْ َتكْبَرُوا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫ن وَ َيقُولُونَ حِجْرًا َمحْجُورًا (‬
‫وَعَ َتوْا عُ ُتوّا كَبِيرًا (‪َ )21‬يوْمَ يَ َروْنَ ا ْلمَل ِئكَةَ ل ُبشْرَى َي ْومَئِذٍ لِ ْلمُجْ ِرمِي َ‬
‫صحَابُ الْجَنّةِ َي ْومَئِذٍ خَيْرٌ ُمسْ َتقَرّا‬
‫جعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (‪َ )23‬أ ْ‬
‫ع َملٍ َف َ‬
‫عمِلُوا مِنْ َ‬
‫‪َ )22‬وقَ ِدمْنَا إِلَى مَا َ‬
‫وَأَحْسَنُ َمقِيل (‪.} )24‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن َتعَنّت الكفار في كفرهم ‪ ،‬وعنادهم في قولهم ‪َ { :‬لوْل أُنزلَ عَلَيْنَا ا ْلمَل ِئكَةُ }‬
‫(‪ )1‬أي ‪ :‬بالرسالة كما نزل (‪ )2‬على النبياء ‪ ،‬كما أخبر عنهم تعالى في الية الخرى ‪ { :‬قَالُوا‬
‫سلُ اللّهِ } [ النعام ‪ ، ]124 :‬ويحتمل أن يكون مرادهم هاهنا‬
‫لَنْ ُن ْؤمِنَ حَتّى ُنؤْتَى مِ ْثلَ مَا أُو ِتيَ ُر ُ‬
‫‪َ { :‬لوْل أُنزلَ عَلَيْنَا ا ْلمَل ِئكَةُ } فنراهم عيانا ‪ ،‬فيخبرونا أن محمدا رسول ال ‪ ،‬كقولهم (‪َ { : )3‬أوْ‬
‫تَأْ ِتيَ بِاللّ ِه وَا ْلمَل ِئكَةِ قَبِيل } [ السراء ‪ .]92 :‬وقد تقدم تفسيرها في سورة "سبحان" ؛ ولهذا قال (‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سهِ ْم وَعَ َتوْا عُ ُتوّا كَبِيرًا }‪ .‬وقد‬
‫‪َ { : )4‬أوْ نَرَى رَبّنَا } ولهذا قال ال تعالى ‪َ { :‬لقَدِ اسْ َتكْبَرُوا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫شيْءٍ قُبُل‬
‫علَ ْيهِمْ ُكلّ َ‬
‫قال [ال] (‪ )5‬تعالى ‪ { :‬وََلوْ أَنّنَا نزلْنَا إِلَ ْيهِمُ ا ْلمَل ِئكَةَ َوكَلّ َمهُمُ ا ْل َموْتَى وَحَشَرْنَا َ‬
‫جهَلُونَ } [ النعام ‪.]111 :‬‬
‫مَا كَانُوا لِ ُي ْؤمِنُوا إِل أَنْ يَشَاءَ اللّهُ وََلكِنّ َأكْثَ َرهُمْ َي ْ‬
‫حجْرًا َمحْجُورًا } أي ‪ :‬هم ل‬
‫ن وَ َيقُولُونَ ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬يوْمَ يَ َروْنَ ا ْلمَل ِئكَةَ ل ُبشْرَى َي ْومَئِذٍ لِ ْلمُجْ ِرمِي َ‬
‫يرون الملئكة في يوم خير لهم ‪ ،‬بل يوم يرون الملئكة ل بشرى يومئذ لهم (‪ ، )6‬وذلك َيصْدُق‬
‫على وقت الحتضار حين تبشرهم الملئكة بالنار ‪ ،‬وغضب الجبار ‪ ،‬فتقول الملئكة للكافر عند‬
‫خروج روحه ‪ :‬اخرجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث ‪ ،‬اخرجي إلى سَموم وحَميم ‪ ،‬وظلّ‬
‫من يحموم‪ .‬فتأبى الخروج وتتفرق في البدن (‪ ، )7‬فيضربونه ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪ { :‬وََلوْ تَرَى‬
‫إِذْ يَ َت َوفّى الّذِينَ َكفَرُوا ا ْلمَل ِئكَةُ َيضْرِبُونَ وُجُو َههُ ْم وَأَدْبَارَ ُهمْ } [ النفال ‪ .]50 :‬وقال ‪ { :‬وََلوْ تَرَى‬
‫سكُمُ‬
‫ت وَا ْلمَل ِئكَةُ بَاسِطُو أَ ْيدِيهِمْ } أي ‪ :‬بالضرب ‪َ { ،‬أخْرِجُوا أَ ْنفُ َ‬
‫غمَرَاتِ ا ْل َم ْو ِ‬
‫إِذِ الظّاِلمُونَ فِي َ‬
‫ق َوكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ َتسْ َتكْبِرُونَ }‬
‫عذَابَ ا ْلهُونِ ِبمَا كُنْتُمْ َتقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ ا ْلحَ ّ‬
‫الْ َيوْمَ ُتجْ َزوْنَ َ‬
‫[ النعام ‪ ]93 :‬؛ ولهذا قال في هذه الية‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عليه" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬تنزل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وكقولهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قالوا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬للمجرمين"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬الجسد"‪.‬‬

‫( ‪)6/101‬‬

‫الكريمة ‪َ { :‬يوْمَ يَ َروْنَ ا ْلمَل ِئكَةَ ل بُشْرَى َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمجْ ِرمِينَ } ‪ ،‬وهذا بخلف حال المؤمنين في‬
‫وقت احتضارهم ‪ ،‬فإنهم يبشرون بالخيرات ‪ ،‬وحصول المسرات‪ .‬قال ال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ‬
‫قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْ َتقَامُوا تَتَنزلُ عَلَ ْيهِمُ ا ْلمَل ِئكَةُ أَل َتخَافُوا وَل تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِا ْلجَنّةِ الّتِي كُنْ ُتمْ‬
‫سكُ ْم وََلكُمْ فِيهَا مَا‬
‫تُوعَدُونَ نَحْنُ َأوْلِيَا ُؤكُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َر ِة وََلكُمْ فِيهَا مَا تَشْ َتهِي أَ ْنفُ ُ‬
‫غفُورٍ َرحِيمٍ } [ فصلت ‪.]31 - 30 :‬‬
‫تَدّعُونَ نزل مِنْ َ‬
‫وفي الحديث الصحيح عن البراء بن عازب ‪ :‬أن الملئكة تقول لروح المؤمن ‪" :‬اخرجي أيتها‬
‫النفس الطيبة (‪ )1‬في الجسد الطيب ‪ ،‬كنت تعمرينه ‪ ،‬اخرجي إلى روح وريحان ورب غير‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غضبان"‪ .‬وقد تقدم الحديث في سورة "إبراهيم" (‪ )2‬عند قوله تعالى ‪ { :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا‬
‫ن وَ َي ْفعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ } [ إبراهيم ‪:‬‬
‫ضلّ اللّهُ الظّاِلمِي َ‬
‫بِا ْلقَ ْولِ الثّا ِبتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ وَيُ ِ‬
‫‪.]27‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل المراد بقوله ‪َ { :‬يوْمَ يَ َروْنَ ا ْلمَل ِئكَةَ } يعني ‪ :‬يوم القيامة‪ .‬قاله مجاهد ‪،‬‬
‫والضحاك ؛ وغيرهما‪.‬‬
‫ول منافاة بين هذا وبين ما تقدم ‪ ،‬فإن الملئكة في هذين اليومين يوم الممات ويوم المعاد تتجلى‬
‫للمؤمنين وللكافرين ‪ ،‬فتبشر المؤمنين بالرحمة والرضوان ‪ ،‬وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران ‪،‬‬
‫فل بشرى يومئذ للمجرمين‪.‬‬
‫{ وَ َيقُولُونَ حِجْرًا َمحْجُورًا } أي ‪ :‬وتقول الملئكة للكافرين حَرَام محرم عليكم الفلح اليوم‪.‬‬
‫وأصل "الحجر" ‪ :‬المنع ‪ ،‬ومنه يقال ‪ :‬حَجَر القاضي على فلن ‪ ،‬إذا منعه التصرف إما لسفَه ‪ ،‬أو‬
‫طوّاف أن‬
‫فَلَس ‪ ،‬أو صغر ‪ ،‬أو نحو ذلك‪ .‬ومنه سمي "الحجْر" عند البيت الحرام ؛ لنه يمنع ال ُ‬
‫يطوفوا فيه (‪ ، )3‬وإنما يطاف من ورائه‪ .‬ومنه يقال للعقل "حجر" (‪ )4‬؛ لنه يمنع صاحبه عن‬
‫تعاطي ما ل يليق‪.‬‬
‫والغرض أن الضمير في قوله ‪ { :‬وَ َيقُولُونَ } عائد على الملئكة‪ .‬هذا قول مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪،‬‬
‫خصَيف ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعطية العوفي ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬و ُ‬
‫واختاره ابن جرير (‪.)5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو نعيم ‪ ،‬حدثنا موسى ‪ -‬يعني ابن قيس ‪ -‬عن عطية العوفي ‪ ،‬عن‬
‫حجُورًا } قال ‪ :‬حراما مُحَرّما أن يُ َبشّر بما يبشر به‬
‫حجْرًا مَ ْ‬
‫أبي سعيد الخدري ‪ { :‬وَ َيقُولُونَ ِ‬
‫المتقون‪.‬‬
‫وقد حكى ابن جرير ‪ ،‬عن ابن جُرَيْج أنه قال ‪ :‬ذلك من كلم المشركين ‪َ { :‬يوْمَ يَ َروْنَ‬
‫ا ْلمَل ِئكَةَ } ‪[ ،‬أي ‪ :‬يتعوذون من الملئكة ؛ وذلك أن العرب كانوا إذا نزل بأحدهم نازلة أو شدة] (‬
‫‪ )6‬يقولون ‪ { :‬حِجْرًا َمحْجُورًا }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المطمئنة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬عند الية ‪.27 :‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬به"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬حجرا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)19/2‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/102‬‬

‫وهذا القول ‪ -‬وإن كان له مأخذ ووجه ‪ -‬ولكنه بالنسبة إلى السياق في الية بعيد ‪ ،‬ل سيما قد‬
‫نص الجمهور على خلفه‪ .‬ولكن قد روى ابنُ أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ؛ أنه قال في قوله ‪:‬‬
‫{ حِجْرًا مَحْجُورًا } أي ‪ :‬عوذا معاذا‪ .‬فيحتمل (‪ )1‬أنه أراد ما ذكره ابن جريج‪ .‬ولكن في رواية‬
‫ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد أنه قال ‪ { :‬حِجْرًا مَحْجُورًا } [أي] ‪ )2( :‬عوذا‬
‫معاذا ‪ ،‬الملئكة تقُوله‪ .‬فال (‪ )3‬أعلم‪.‬‬
‫جعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } ‪ ،‬وهذا يوم القيامة ‪ ،‬حين‬
‫ع َملٍ َف َ‬
‫عمِلُوا مِنْ َ‬
‫وقوله تعالى ‪َ { :‬وقَ ِدمْنَا إِلَى مَا َ‬
‫يحاسب ال العباد على ما عملوه من خير وشر ‪ ،‬فأخبر أنه ل يتحصل لهؤلء المشركين من‬
‫العمال ‪ -‬التي ظنوا أنها منجاة لهم ‪ -‬شيء ؛ وذلك لنها فقدت الشرط الشرعي ‪ ،‬إما الخلص‬
‫فيها ‪ ،‬وإما المتابعة لشرع ال‪ .‬فكل عمل ل يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية ‪ ،‬فهو باطل‪.‬‬
‫فأعمال الكفار ل تخلو من واحد من هذين ‪ ،‬وقد تجمعهما معا ‪ ،‬فتكون أبعد من القبول حينئذ ؛‬
‫جعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا }‪.‬‬
‫ع َملٍ َف َ‬
‫عمِلُوا مِنْ َ‬
‫ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬وقَ ِدمْنَا إِلَى مَا َ‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬والثوري ‪َ { :‬وقَ ِدمْنَا } أي ‪ :‬عمدنا‪.‬‬
‫عمَدنا‪ .‬وبعضهم يقول ‪ :‬أتينا عليه‪.‬‬
‫وقال السدي ‪( :‬قدمنا) ‪َ :‬‬
‫جعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن الحارث ‪ ،‬عن علي ‪،‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ف َ‬
‫جعَلْنَاهُ] (‪ )4‬هَبَاءً مَنْثُورًا } ‪ ،‬قال ‪ :‬شعاع الشمس إذا دخل في‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬في قوله ‪ [ { :‬فَ َ‬
‫الكوّة‪ .‬وكذا روي من غير هذا الوجه عن علي‪ .‬ورُوي مثله عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة‬
‫‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وكذا قال الحسن البصري ‪ :‬هو الشعاع في‬
‫كوة أحدهم (‪ ، )5‬ولو ذهب يقبض عليه لم يستطع‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬هَبَاءً مَنْثُورًا } قال ‪ :‬هو الماء المهراق‪.‬‬
‫وقال أبو الحوص ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن الحارث ‪ ،‬عن علي ‪ { :‬هَبَاءً مَنْثُورًا } قال ‪ :‬الهباء‬
‫رَهْج (‪ )6‬الدواب‪ .‬ورُوي مثله عن ابن عباس أيضا ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقاله عبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم‪.‬‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬هَبَاءً مَنْثُورًا } قال ‪ :‬أما رأيت يَبِيس الشجر إذا ذرته (‪ )7‬الريح ؟ فهو‬
‫ذلك الورق‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن وهب ‪ :‬أخبرني عاصم بن حكيم ‪ ،‬عن أبي سريع الطائي ‪ ،‬عن يعلى بن عبيد (‬
‫‪ )8‬قال ‪ :‬وإن الهباء الرماد‪.‬‬
‫وحاصل هذه القوال التنبي ُه على مضمون الية ‪ ،‬وذلك أنهم عملوا أعمال اعتقدوا أنها شيء ‪،‬‬
‫فلما عرضت على الملك الحكيم (‪ )9‬العدل الذي ل يجور ول يظلم أحدا ‪ ،‬إذا إنها ل شيء بالكلية‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق ‪ ،‬الذي ل يقدر منه صاحبه على شيء بالكلية ‪ ،‬كما‬
‫قال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيحمل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أحدكم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وهج"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬أذرته"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬عبيد بن يعلى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬الحكم"‪.‬‬

‫( ‪)6/103‬‬

‫صفٍ ل َيقْدِرُونَ‬
‫عمَاُلهُمْ كَ َرمَادٍ اشْ َت ّدتْ بِهِ الرّيحُ فِي َيوْمٍ عَا ِ‬
‫ال تعالى ‪ { :‬مَ َثلُ الّذِينَ كَفَرُوا بِرَ ّبهِمْ أَ ْ‬
‫شيْءٍ ذَِلكَ ُهوَ الضّللُ الْ َبعِيدُ } [ إبراهيم ‪ ]18 :‬وقال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا‬
‫ِممّا كَسَبُوا عَلَى َ‬
‫س وَل ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ َفمَثَُلهُ‬
‫ن وَالذَى كَالّذِي يُ ْنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النّا ِ‬
‫ل تُ ْبطِلُوا صَ َدقَا ِتكُمْ بِا ْلمَ ّ‬
‫شيْءٍ ِممّا كَسَبُوا } [ البقرة ‪:‬‬
‫ص ْفوَانٍ عَلَ ْيهِ تُرَابٌ فََأصَابَ ُه وَا ِبلٌ فَتَ َركَ ُه صَلْدًا ل َيقْدِرُونَ عَلَى َ‬
‫َكمَ َثلِ َ‬
‫ظمْآنُ مَاءً حَتّى إِذَا جَا َءهُ لَمْ‬
‫عمَاُلهُمْ َكسَرَابٍ ِبقِيعَةٍ َيحْسَ ُبهُ ال ّ‬
‫‪ ]264‬وقال تعالى ‪ { :‬وَالّذِينَ َكفَرُوا أَ ْ‬
‫ج ْدهُ شَيْئًا } [ النور ‪ ]39 :‬وتقدم الكلم على تفسير ذلك ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫يَ ِ‬
‫حسَنُ َمقِيل } أي ‪ :‬يوم القيامة { ل يَسْ َتوِي‬
‫صحَابُ الْجَنّةِ َي ْومَئِذٍ خَيْرٌ مُسْ َتقَرّا وَأَ ْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬أ ْ‬
‫صحَابُ الْجَنّةِ هُمُ ا ْلفَائِزُونَ } [ الحشر ‪ ]20 :‬؛ وذلك لن (‪ )1‬أهل‬
‫َأصْحَابُ النّا ِر وََأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َأ ْ‬
‫الجنة يصيرون إلى الدرجات العاليات ‪ ،‬والغرفات المنات ‪ ،‬فهم في مقام أمين ‪ ،‬حسن المنظر ‪،‬‬
‫حسُ َنتْ مُسْ َتقَرّا َو ُمقَامًا } [ الفرقان ‪ ، ]76 :‬وأهل النار يصيرون إلى‬
‫طيب المقام ‪ { ،‬خَاِلدِينَ فِيهَا َ‬
‫الدركات السافلت ‪ ،‬والحسرات المتتابعات ‪ ،‬وأنواع العذاب والعقوبات ‪ { ،‬إِ ّنهَا سَا َءتْ مُسْ َتقَرّا‬
‫َومُقَامًا } [ الفرقان ‪ ]66 :‬أي ‪ :‬بئس المنزل منظرا وبئس (‪ )2‬المقيل مقاما ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫صحَابُ الْجَنّةِ َي ْومَئِذٍ خَيْرٌ ُمسْ َتقَرّا وََأحْسَنُ َمقِيل } أي ‪ :‬بما عملوه من العمال المتقبلة ‪ ،‬نالوا‬
‫{ َأ ْ‬
‫ما نالوا ‪ ،‬وصاروا إلى ما صاروا إليه (‪ ، )3‬بخلف أهل النار فإنه ليس لهم عمل واحد يقتضي‬
‫لهم دخول الجنة والنجاة من النار ‪ ،‬فَنَبّه ‪ -‬تعالى ‪ -‬بحال السعداء على حال الشقياء ‪ ،‬وأنه ل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حسَنُ َمقِيل }‪.‬‬
‫خير عندهم بالكلية ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬أصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َي ْومَئِذٍ خَيْرٌ مُسْ َتقَرّا وَأَ ْ‬
‫قال الضحاك ‪ :‬عن ابن عباس ‪ :‬إنما هي ضحوة ‪ ،‬فيقيل أولياء ال على السرة مع الحور العين ‪،‬‬
‫ويَقيل أعداء ال مع الشياطين مقرنين‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬يفرغ ال من الحساب نصف النهار ‪ ،‬فيقيل أهل الجنة في الجنة ‪ ،‬وأهل‬
‫صحَابُ الْجَنّةِ َي ْومَئِذٍ خَيْرٌ ُمسْ َتقَرّا وََأحْسَنُ َمقِيل }‪.‬‬
‫النار في النار ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ { :‬أ ْ‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬إني لعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة ‪ ،‬وأهل النار النار ‪ :‬هي‬
‫الساعة التي تكون في الدنيا عند ارتفاع الضحى الكبر ‪ ،‬إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة ‪،‬‬
‫فينصرف أهل النار إلى النار ‪ ،‬وأما أهل [الجنة فيُنطلق بهم إلى] (‪ )4‬الجنة ‪ ،‬فكانت قيلولتهم [في‬
‫الجنة] (‪ )5‬وأطعموا كبد حوت ‪ ،‬فأشبعهم [ذلك] (‪ )6‬كلهم ‪ ،‬وذلك قوله ‪َ { :‬أصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َي ْومَئِذٍ‬
‫خَيْرٌ ُمسْ َتقَرّا وََأحْسَنُ َمقِيل }‪.‬‬
‫وقال سفيان ‪ ،‬عن مَيسَرة ‪ ،‬عن المِ ْنهَال ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬ل‬
‫حسَنُ‬
‫ينتصف النهار حتى يقيل هؤلء وهؤلء ثم قرأ ‪َ { :‬أصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َي ْومَئِذٍ خَيْرٌ مُسْ َتقَرّا وَأَ ْ‬
‫ج َعهُمْ للَى ا ْلجَحِيمِ } [ الصافات ‪.]68 :‬‬
‫َمقِيل } وقرأ { ُثمّ إِنّ مَرْ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬أو"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬وصاروا إلى ما إليه صاروا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/104‬‬

‫ن َوكَانَ َي ْومًا عَلَى‬


‫حمَ ِ‬
‫حقّ لِلرّ ْ‬
‫سمَاءُ بِا ْل َغمَا ِم وَنُ ّزلَ ا ْلمَلَا ِئكَةُ تَنْزِيلًا (‪ )25‬ا ْلمُ ْلكُ َي ْومَئِذٍ الْ َ‬
‫شقّقُ ال ّ‬
‫وَ َيوْمَ تَ َ‬
‫ا ْلكَافِرِينَ عَسِيرًا (‪ )26‬وَ َيوْمَ َي َعضّ الظّالِمُ عَلَى َيدَيْهِ َيقُولُ يَا لَيْتَنِي اتّخَ ْذتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلًا (‪)27‬‬
‫يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (‪َ )28‬لقَدْ َأضَلّنِي عَنِ ال ّذكْرِ َبعْدَ ِإذْ جَاءَنِي َوكَانَ الشّيْطَانُ ِللْإِنْسَانِ‬
‫خذُولًا (‪)29‬‬
‫َ‬

‫وقال ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬أصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َي ْومَئِذٍ خَيْرٌ مُسْ َتقَرّا وَأَحْسَنُ مَقِيل } قال‬
‫‪ :‬قالوا في الغرف من الجنة ‪ ،‬وكان حسابهم أن (‪ )1‬عُرضوا على ربهم عرضة واحدة ‪ ،‬وذلك‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حسَابًا‬
‫سبُ ِ‬
‫سوْفَ ُيحَا َ‬
‫الحساب اليسير ‪ ،‬وهو مثل قوله تعالى ‪ { :‬فََأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ بِ َيمِينِهِ * َف َ‬
‫يَسِيرًا * وَيَ ْنقَِلبُ إِلَى أَهْلِهِ َمسْرُورًا } [ النشقاق ‪.]9 - 7 :‬‬
‫حسَنُ َمقِيل } أي ‪ :‬مأوى ومنزل قال‬
‫وقال قتادة في قوله ‪َ { :‬أصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َي ْومَئِذٍ خَيْرٌ مُسْ َتقَرّا وَأَ ْ‬
‫حدّث صفوان بن مُحْرِز أنه قال ‪ :‬يجاء يوم القيامة برجلين ‪ ،‬أحدهما كان ملكا (‪ )2‬في‬
‫قتادة ‪ :‬و َ‬
‫الدنيا إلى الحمرة والبياض فيحاسب ‪ ،‬فإذا عبدٌ ‪ ،‬لم يعمل خيرا فيؤمر به إلى النار‪ .‬والخر كان‬
‫صاحب كساء في الدنيا ‪ ،‬فيحاسب فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬ما أعطيتني من شيء فتحاسبني به‪ .‬فيقول ‪:‬‬
‫صدق عبدي ‪ ،‬فأرسلوه‪ .‬فيؤمر به إلى الجنة ‪ ،‬ثم يتركان ما شاء ال‪ .‬ثم يدعى صاحب (‪)3‬‬
‫حمَمة (‪ )4‬السوداء ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬كيف وجدت ؟ فيقول ‪ :‬شر مَقيل‪ .‬فيقال (‪)5‬‬
‫النار ‪ ،‬فإذا هو مثل ال ُ‬
‫له ‪ :‬عد (‪ )6‬ثم يُدعَى بصاحب الجنة ‪ ،‬فإذا هو مثل القمر ليلة البدر ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬كيف وجدت ؟‬
‫فيقول ‪ :‬رب ‪ ،‬خير مَقيل‪ .‬فيقال له ‪ :‬عد‪ .‬رواها ابن أبي حاتم كلها‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬أنبأنا ابن وهب ‪ ،‬أنبأنا عمرو بن الحارث ‪ ،‬أن سعيدًا (‪)7‬‬
‫الصوّاف حدثه ‪ ،‬أنه بلغه ‪ :‬أن يوم القيامة يقصر على المؤمن (‪ )8‬حتى يكون كما بين العصر‬
‫إلى غروب الشمس ‪ ،‬وأنهم ليقيلون في رياض الجنة حتى يفرغ من الناس ‪ ،‬وذلك (‪ )9‬قوله‬
‫حسَنُ َمقِيل } (‪.)10‬‬
‫تعالى ‪َ { :‬أصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َي ْومَئِذٍ خَيْرٌ مُسْ َتقَرّا وَأَ ْ‬
‫ن َوكَانَ َي ْومًا‬
‫حمَ ِ‬
‫سمَاءُ بِا ْل َغمَا ِم وَنزلَ ا ْلمَل ِئكَةُ تَنزيل (‪ )25‬ا ْلمُ ْلكُ َي ْومَئِذٍ ا ْلحَقّ لِلرّ ْ‬
‫شقّقُ ال ّ‬
‫{ وَ َيوْمَ َت َ‬
‫عَلَى ا ْلكَافِرِينَ عَسِيرًا (‪ )26‬وَ َيوْمَ َي َعضّ الظّالِمُ عَلَى َيدَيْهِ َيقُولُ يَا لَيْتَنِي اتّخَ ْذتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيل (‬
‫‪ )27‬يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي َلمْ أَتّخِذْ فُلنًا خَلِيل (‪َ )28‬لقَدْ َأضَلّنِي عَنِ ال ّذكْرِ َب ْعدَ إِذْ جَاءَنِي َوكَانَ الشّ ْيطَانُ‬
‫لِلنْسَانِ خَذُول (‪.} )29‬‬
‫يخبر تعالى عن هَول يوم القيامة ‪ ،‬وما يكون فيه من المور العظيمة ‪ ،‬فمنها انشقاق (‪ )11‬السماء‬
‫وتفطرها وانفراجها بالغمام ‪ ،‬وهو ظُلَل (‪ )12‬النور العظيم الذي يبهر البصار ‪ ،‬ونزول ملئكة‬
‫السموات يومئذ ‪ ،‬فيحيطون بالخلئق في مقام المحشر‪ .‬ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل‬
‫القضاء‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬وهذا كما قال تعالى ‪َ { :‬هلْ يَ ْنظُرُونَ إِل أَنْ يَأْتِ َيهُمُ اللّهُ فِي ظَُللٍ مِنَ ا ْل َغمَا ِم وَا ْلمَل ِئكَةُ‬
‫ج ُع المُورُ } [ البقرة ‪.]210 :‬‬
‫ي المْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْ َ‬
‫َو ُقضِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إذ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ملك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بصاحب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الفحمة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عده"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬المؤمنين"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فذلك"‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪.)19/5‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬اشتقاق"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬ظل"‪.‬‬

‫( ‪)6/105‬‬

‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن الحارث ‪ ،‬حدثنا ُم َؤمّل ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن‬
‫سمَاءُ بِا ْل َغمَامِ‬
‫شقّقُ ال ّ‬
‫زيد ‪ ،‬عن يوسف بن ِمهْرَان ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أنه قرأ هذه الية ‪ { :‬وَيَوْمَ تَ َ‬
‫وَنزلَ ا ْلمَل ِئكَةُ تَنزيل } قال ابن عباس ‪ :‬يجمع ال الخلق يوم القيامة (‪ )1‬في صعيد واحد ‪ ،‬الجن‬
‫والنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق ‪ ،‬فتنشق السماء الدنيا ‪ ،‬فينزل أهلها ‪ -‬وهم أكثر‬
‫من الجن والنس ومن جميع الخلئق (‪ - )2‬فيحيطون بالجن والنس وبجميع الخلق‪ .‬ثم تنشق‬
‫السماء الثانية فينزل أهلها ‪ ،‬وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن الجن والنس ومن جميع الخلق‬
‫[فيحيطون بالملئكة الذين نزلوا قبلهم والجن والنس وجميع الخلق (‪ )4( ] )3‬ثم تنشق السماء‬
‫الثالثة ‪ ،‬فينزل أهلها ‪ ،‬وهم أكثر من أهل السماء الثانية والسماء الدنيا ومن جميع الخلق ‪،‬‬
‫فيحيطون بالملئكة الذين نزلوا قبلهم ‪ ،‬وبالجن والنس وبجميع الخلق‪ .‬ثم كذلك كل سماء ‪ ،‬حتى‬
‫تنشق السماء السابعة ‪ ،‬فينزل أهلها وهم أكثر ممن نزل قبلهم من أهل السموات ومن الجن‬
‫والنس ‪ ،‬ومن جميع الخلق ‪ ،‬فيحيطون (‪ )5‬بالملئكة الذين نزلوا قبلهم من أهل السموات ‪،‬‬
‫وبالجن والنس وجميع الخلق ‪ ،‬وينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام ‪ ،‬وحوله الكروبيون ‪،‬‬
‫وهم أكثر من أهل السموات السبع ومن النس (‪ )6‬والجن وجميع الخلق ‪ ،‬لهم قرون كأكعب‬
‫القنا ‪ ،‬وهم تحت العرش ‪ ،‬لهم َزجَل بالتسبيح والتهليل (‪ )7‬والتقديس ل عز وجل ‪ ،‬ما بين‬
‫أخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬وما بين كعبه إلى ركبته (‪ )8‬مسيرة خمسمائة‬
‫عام ‪ ،‬وما بين ركبته إلى حُجْزَته (‪ )9‬مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬وما بين حُجْزَته (‪ )10‬إلى ترقوته‬
‫مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬وما بين ترقوته إلى موضع القُرط مسيرة خمسمائة عام‪ .‬وما فوق ذلك‬
‫مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬وجهنم مجنبته (‪ )11‬هكذا رواه ابن أبي حاتم بهذا السياق‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثني الحجاج ‪ ،‬عن مبارك بن فضالة ‪ ،‬عن‬
‫علي بن زيد بن جُدْعَان ‪ ،‬عن يوسف بن ِمهْرَان ‪ ،‬أنه سمع ابن عباس يقول ‪ :‬إن هذه السماء إذا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫انشقت نزل منها من الملئكة أكثر من الجن والنس ‪ ،‬وهو يوم التلق ‪ ،‬يوم يلتقي أهل السماء‬
‫وأهل الرض ‪ ،‬فيقول أهل الرض ‪ :‬جاء ربنا ؟ فيقولون ‪ :‬لم يجئ ‪ ،‬وهو آت‪ .‬ثم تنشق السماء‬
‫الثانية ‪ ،‬ثم سماء سماء على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة‪ .‬فينزل منها من الملئكة‬
‫أكثر من [جميع من] (‪ )12‬نزل من السموات ومن الجن والنس‪ .‬قال ‪ :‬فتنزل (‪ )13‬الملئكة‬
‫الكَرُوبيُون ‪ ،‬ثم يأتي ربنا في حملة العرش الثمانية ‪ ،‬بين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة‬
‫‪ ،‬وبين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنة‪ .‬قال ‪ :‬وكل ملك منهم لم يتأمل وجه صاحبه ‪ ،‬وكل ملك‬
‫منهم واضع رأسه بين ثدييه يقول ‪ :‬سبحان الملك القدوس‪ .‬وعلى رؤوسهم شيء مبسوط كأنه‬
‫القَبَاء (‪ )14‬والعرش فوق ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يجمع ال تعالى الخلق كلهم يوم القيامة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الخلق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الخلئق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدر المنثور ‪.5/68‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فيحطون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والنس"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بالتهليل والتسبيح"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬ركبتيه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أرنبته"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أرنبته"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في هـ ‪ ،‬ف غير منقوطة ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬مجنبته"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فينزل"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في أ ‪" :‬القفاء"‪.‬‬

‫( ‪)6/106‬‬

‫جدْعان ‪ ،‬وفيه ضعف ‪ ،‬وفي سياقاته غالبا نكارة شديدة‪.‬‬


‫ثم وقف ‪ ،‬فمداره على عليّ بن زيد بن ُ‬
‫وقد ورد في حديث الصور المشهور (‪ )1‬قريب من هذا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫سمَاءُ َف ِهيَ َي ْومَئِ ٍذ وَاهِ َي ٌة وَا ْلمََلكُ عَلَى‬
‫شقّتِ ال ّ‬
‫وقد قال [ال] (‪ )2‬تعالى ‪ { :‬فَ َي ْومَئِ ٍذ َو َق َعتِ ا ْلوَا ِقعَةُ وَانْ َ‬
‫حوْشَب ‪:‬‬
‫ح ِملُ عَرْشَ رَ ّبكَ َف ْو َقهُمْ َي ْومَئِذٍ َثمَانِ َيةٌ } [ الحاقة ‪ ]17 - 15 :‬قال شهر بن َ‬
‫أَرْجَا ِئهَا وَيَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حملة العرش ثمانية ‪ ،‬أربعة منهم يقولون ‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬لك الحمد على حلمك بعد‬
‫علمك‪ .‬وأربعة يقولون ‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ‪ ،‬رواه ابن‬
‫جرير عنه‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن عبد ال ‪ :‬إذا نظر أهل الرض إلى العرش يهبط عليهم من فوقهم ‪ ،‬شخصت‬
‫إليه أبصارهم ‪ ،‬ورَجَفت كُلهم في أجوافهم ‪ ،‬وطارت قلوبهم من َمقَرّها من صدورهم إلى‬
‫حناجرهم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثنا معتمر بن سليمان ‪ ،‬عن عبد الجليل ‪ ،‬عن‬
‫أبي حازم ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬يهبط ال حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب‬
‫صوّت الماء في تلك الظلمة صوتا تنخلع منه (‪ )3‬القلوب‪.‬‬
‫‪ ،‬منها النور والظلمة ‪ ،‬ف ُي َ‬
‫وهذا موقوف على (‪ )4‬عبد ال بن عمرو من كلمه ‪ ،‬ولعله من الزاملتين ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫عسِيرًا } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ن َوكَانَ َي ْومًا عَلَى ا ْلكَافِرِينَ َ‬
‫حمَ ِ‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬ا ْلمُ ْلكُ َي ْومَئِذٍ ا ْلحَقّ لِلرّ ْ‬
‫{ ِلمَنِ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ لِلّهِ ا ْلوَاحِدِ ا ْل َقهّارِ } [ غافر ‪ ]16 :‬وفي الصحيح ‪" :‬إن ال يطوي السموات‬
‫بيمينه ‪ ،‬ويأخذ الرضين بيده الخرى ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬أنا الملك ‪ ،‬أنا الديان ‪ ،‬أين ملوك الرض ؟‬
‫أين الجبارون ؟ أين المتكبرون" ؟ (‪)5‬‬
‫عسِيرًا } أي ‪ :‬شديدا صعبا ؛ لنه يوم عدل وقضاء فصل ‪،‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكَانَ َي ْومًا عَلَى ا ْلكَافِرِينَ َ‬
‫عسِيرٌ * عَلَى ا ْلكَافِرِينَ غَيْرُ‬
‫كما قال تعالى ‪[ { :‬فَإِذَا ُنقِرَ فِي النّاقُورِ] } (‪َ { ، " )6‬فذَِلكَ َي ْومَئِذٍ َيوْمٌ َ‬
‫يَسِيرٍ } [ المدثر ‪ ، ]10 - 8 :‬فهذا حال الكافرين في هذا اليوم‪ .‬وأما المؤمنون فكما قال تعالى ‪:‬‬
‫{ ل َيحْزُ ُنهُمُ ا ْلفَ َزعُ الكْبَ ُر وَتَتََلقّاهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ هَذَا َي ْو ُمكُمُ الّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } [ النبياء ‪.]103 :‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن (‪ )7‬بن موسى ‪ ،‬حدثنا ابن لَهيعة ‪ ،‬حدثنا دَرّاج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪،‬‬
‫خمْسِينَ أَ ْلفَ سَ َنةٍ } ما (‪)8‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪َ { :‬يوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنه ليخفف على‬
‫المؤمن حتى يكون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم الحديث عند تفسير الية ‪ 73 :‬من سورة النعام‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف‪ .‬أ ‪" :‬له"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪ )2788‬من حديث عبد ال بن عمر رضي ال عنه ‪ ،‬وليس فيه ‪" :‬أنا‬
‫الديان"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حسين"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وما"‪.‬‬

‫( ‪)6/107‬‬

‫جعَلْنَا ِل ُكلّ نَ ِبيّ عَ ُدوّا مِنَ‬


‫خذُوا هَذَا ا ْلقُرْآَنَ َمهْجُورًا (‪َ )30‬وكَذَِلكَ َ‬
‫َوقَالَ الرّسُولُ يَا َربّ إِنّ َق ْومِي اتّ َ‬
‫ن َو َكفَى بِرَ ّبكَ هَادِيًا وَ َنصِيرًا (‪)31‬‬
‫ا ْلمُجْ ِرمِي َ‬

‫أخف عليه من صلة مكتوبة يصليها في الدنيا" (‪.)1‬‬


‫وقوله ‪ { :‬وَ َيوْمَ َي َعضّ الظّالِمُ عَلَى يَدَ ْيهِ َيقُولُ يَا لَيْتَنِي اتّخَ ْذتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيل } ‪ :‬يخبر تعالى‬
‫عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول وما جاء به من عند ال من الحق المبين ‪ ،‬الذي ل مرْية‬
‫فيه ‪ ،‬وسلك طريقا أخرى غير سبيل الرسول ‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة نَدمَ حيثُ ل ينفعه ال َندَمُ ‪،‬‬
‫وعضّ على يديه حسرةً وأسفا‪.‬‬
‫وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي ُمعَيط أو غيره من الشقياء ‪ ،‬فإنها عامة في كل ظالم ‪،‬‬
‫طعْنَا الرّسُول َوقَالُوا‬
‫طعْنَا اللّهَ وَأَ َ‬
‫كما قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ ُتقَّلبُ وُجُو ُه ُهمْ فِي النّارِ َيقُولُونَ يَا لَيْتَنَا َأ َ‬
‫ض ْعفَيْنِ مِنَ ا ْل َعذَابِ وَا ْلعَ ْنهُمْ َلعْنًا‬
‫طعْنَا سَادَتَنَا َوكُبَرَاءَنَا فََأضَلّونَا السّبِيل * رَبّنَا آ ِتهِ ْم ِ‬
‫رَبّنَا إِنّا َأ َ‬
‫كَبِيرًا } [ الحزاب ‪ ]68 - 66 :‬فكل (‪ )2‬ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم ‪ ،‬و َيعَض على يديه‬
‫قائل { يَا لَيْتَنِي اتّخَ ْذتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيل يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي َلمْ أَتّخِذْ فُلنًا خَلِيل } يعني ‪ :‬مَن (‪)3‬‬
‫صرفه عن الهدى ‪ ،‬وعدل به إلى طريق الضللة [من دعاة الضللة] (‪ ، )4‬وسواء في ذلك أمية‬
‫بن خلف ‪ ،‬أو أخوه أبي بن خلف ‪ ،‬أو غيرهما‪.‬‬
‫{ َلقَدْ َأضَلّنِي عَنِ ال ّذكْرِ } [وهو القرآن] (‪َ { )5‬بعْدَ ِإذْ جَاءَنِي } أي ‪ :‬بعد بلوغه إلي ‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى ‪َ { :‬وكَانَ الشّ ْيطَانُ لِلنْسَانِ خَذُول } أي ‪ :‬يخذله عن الحق ‪ ،‬ويصرفه عنه ‪ ،‬ويستعمله في‬
‫الباطل ‪ ،‬ويدعوه إليه‪.‬‬
‫ع ُدوّا مِنَ‬
‫جعَلْنَا ِل ُكلّ نَ ِبيّ َ‬
‫{ َوقَالَ الرّسُولُ يَا َربّ إِنّ َق ْومِي اتّخَذُوا َهذَا ا ْلقُرْآنَ َمهْجُورًا (‪َ )30‬وكَذَِلكَ َ‬
‫ن َو َكفَى بِرَ ّبكَ هَادِيًا وَ َنصِيرًا (‪} )31‬‬
‫ا ْلمُجْ ِرمِي َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن رسوله ونبيه محمد (‪ - )6‬صلوات ال وسلمه (‪ )7‬عليه دائما إلى يوم‬
‫الدين ‪ -‬أنه قال ‪ { :‬يَا َربّ إِنّ َق ْومِي اتّخَذُوا َهذَا ا ْلقُرْآنَ َمهْجُورًا } ‪ ،‬وذلك أن المشركين كانوا ل‬
‫س َمعُوا ِل َهذَا ا ْلقُرْآنِ‬
‫يُصغُون للقرآن ول يسمعونه (‪ ، )8‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا ل َت ْ‬
‫وَا ْل َغوْا فِيهِ َلعَّلكُمْ َتغْلِبُونَ } [ فصلت ‪ ]26 :‬وكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلم في‬
‫غيره ‪ ،‬حتى ل يسمعوه‪ .‬فهذا من هجرانه ‪ ،‬وترك [علمه وحفظه أيضا من هجرانه ‪ ،‬وترك] (‪)9‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اليمان به وتصديقه من هجرانه ‪ ،‬وترك تدبره وتفهمه من هجرانه ‪ ،‬وترك العمل به وامتثال‬
‫أوامره واجتناب زواجره من هجرانه ‪ ،‬والعدولُ عنه إلى غيره ‪ -‬من شعر أو قول أو غناء أو‬
‫لهو أو كلم أو طريقة مأخوذة من غيره ‪ -‬من هجرانه ‪ ،‬فنسأل ال الكريمَ المنانَ القادرَ على ما‬
‫يشاء ‪ ،‬أن يخلّصنا مما ُيسْخطه ‪ ،‬ويستعملنا فيما يرضيه ‪ ،‬من حفظ كتابه وفهمه ‪ ،‬والقيام بمقتضاه‬
‫آناء الليل وأطرافَ النهار ‪ ،‬على الوجه الذي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )3/75‬وفي إسناده دراج عن أبي الهيثم ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وكل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لمن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬محمدا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬يستمعونه"‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/108‬‬

‫ك وَرَتّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (‪)32‬‬


‫جمَْل ًة وَاحِ َدةً َكذَِلكَ لِنُثَ ّبتَ بِهِ ُفؤَا َد َ‬
‫َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْلَا نُ ّزلَ عَلَيْهِ ا ْلقُرْآَنُ ُ‬

‫يحبه ويرضاه ‪ ،‬إنه كريم وهاب‪.‬‬


‫ع ُدوّا مِنَ ا ْلمُجْ ِرمِينَ } أي ‪ :‬كما حصل لك ‪ -‬يا محمد ‪ -‬في‬
‫جعَلْنَا ِل ُكلّ نَ ِبيّ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكَذَِلكَ َ‬
‫قومك من الذين هجروا القرآن ‪ ،‬كذلك كان في المم الماضين ؛ لن ال جعل لكل نبي عدوا من‬
‫جعَلْنَا ِل ُكلّ نَ ِبيّ عَ ُدوّا‬
‫المجرمين ‪ ،‬يدعون الناس إلى ضللهم وكفرهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وكَذَِلكَ َ‬
‫ضهُمْ إِلَى َب ْعضٍ زُخْ ُرفَ ا ْل َق ْولِ غُرُورًا وََلوْ شَاءَ رَ ّبكَ مَا َفعَلُوهُ‬
‫س وَالْجِنّ يُوحِي َب ْع ُ‬
‫شَيَاطِينَ النْ ِ‬
‫ض ْوهُ وَلِ َيقْتَ ِرفُوا مَا هُمْ‬
‫صغَى إِلَيْهِ َأفْئِ َدةُ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َر ِة وَلِيَ ْر َ‬
‫ن وَلِ َت ْ‬
‫فَذَرْ ُه ْم َومَا َيفْتَرُو َ‬
‫ُمقْتَرِفُونَ } [ النعام ‪ ]113 - 112 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪َ { :‬و َكفَى بِرَ ّبكَ هَادِيًا وَ َنصِيرًا } أي ‪ :‬لمن‬
‫اتبع رسوله ‪ ،‬وآمن بكتابه وصدقه واتبعه ‪ ،‬فإن ال هاديه وناصره في الدنيا والخرة‪ .‬وإنما قال ‪:‬‬
‫{ هَادِيًا وَ َنصِيرًا } لن المشركين كانوا يصدون الناس عن اتباع القرآن ‪ ،‬لئل يهتدي أحد به ‪،‬‬
‫ن َو َكفَى‬
‫ع ُدوّا مِنَ ا ْلمُجْ ِرمِي َ‬
‫جعَلْنَا ِل ُكلّ نَ ِبيّ َ‬
‫ولتغلب طريقتهم طريقة القرآن ؛ فلهذا قال ‪َ { :‬وكَذَِلكَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بِرَ ّبكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا }‪.‬‬
‫ك وَرَتّلْنَاهُ تَرْتِيل (‬
‫جمَْل ًة وَاحِ َدةً كَذَِلكَ لِنُثَ ّبتَ بِهِ ُفؤَا َد َ‬
‫{ َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْل نزلَ عَلَيْهِ ا ْلقُرْآنُ ُ‬
‫‪} )32‬‬

‫( ‪)6/109‬‬

‫جهَنّمَ‬
‫حسَنَ َتفْسِيرًا (‪ )33‬الّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُو ِههِمْ إِلَى َ‬
‫ق وَأَ ْ‬
‫حّ‬‫وَلَا يَأْتُو َنكَ ِبمَ َثلٍ إِلّا جِئْنَاكَ بِالْ َ‬
‫ضلّ سَبِيلًا (‪)34‬‬
‫أُولَ ِئكَ شَرّ َمكَانًا وََأ َ‬

‫جهَنّمَ‬
‫{ وَل يَأْتُو َنكَ ِبمَ َثلٍ إِل جِئْنَاكَ بِا ْلحَقّ وَأَحْسَنَ َتفْسِيرًا (‪ )33‬الّذِينَ ُيحْشَرُونَ عَلَى وُجُو ِههِمْ إِلَى َ‬
‫ضلّ سَبِيل (‪.} )34‬‬
‫أُولَ ِئكَ شَرّ َمكَانًا وََأ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن كثرة اعتراض الكفار وتعنتهم ‪ ،‬وكلمهم فيما ل يعنيهم ‪ ،‬حيث قالوا ‪:‬‬
‫جمْلَ ًة وَاحِ َدةً } أي ‪ :‬هل أنزل عليه هذا الكتاب الذي أوحي إليه جملة‬
‫{ َلوْل نزلَ عَلَيْهِ ا ْلقُرْآنُ ُ‬
‫واحدة ‪ ،‬كما نزلت الكتب قبله ‪ ،‬كالتوراة والنجيل والزبور ‪ ،‬وغيرها من الكتب اللهية‪ .‬فأجابهم‬
‫ال عن ذلك بأنه إنما أنزل منجما في ثلث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث ‪ ،‬وما يحتاج‬
‫إليه من الحكام لتثبيت (‪ )1‬قلوب المؤمنين به كما قال ‪َ { :‬وقُرْآنًا فَ َرقْنَاهُ لِ َتقْرََأهُ عَلَى النّاسِ عَلَى‬
‫ك وَرَتّلْنَاهُ تَرْتِيل }‪ .‬قال‬
‫ُم ْكثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيل } [ السراء ‪ ]106 :‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬لِنُثَ ّبتَ ِبهِ ُفؤَا َد َ‬
‫قتادة ‪ :‬وبيناه تبيينا‪ .‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬وفسرناه تفسيرا‪.‬‬
‫ق وَأَحْسَنَ َتفْسِيرًا } أي ‪ :‬ول يقولون‬
‫حّ‬‫{ وَل يَأْتُو َنكَ ِبمَ َثلٍ } أي ‪ :‬بحجة وشبهة { إِل جِئْنَاكَ بِالْ َ‬
‫قول يعارضون به الحق ‪ ،‬إل أجبناهم (‪ )2‬بما هو الحق في نفس المر ‪ ،‬وأبين وأوضح وأفصحُ‬
‫من مقالتهم‪.‬‬
‫قال (‪ )3‬سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَل يَأْتُو َنكَ ِبمَ َثلٍ } أي ‪ :‬بما يلتمسون به عيب القرآن‬
‫والرسول { إِل جِئْنَاكَ بِا ْلحَقّ وَأَحْسَنَ َتفْسِيرًا } أي ‪ :‬إل نزل جبريل مِنَ ال بجوابهم‪.‬‬
‫ثم في هذا اعتناء كبير ؛ لشرف الرسول ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ ، )4‬حيث كان يأتيه الوحي‬
‫من ال بالقرآن صباحا ومساء ‪ ،‬ليل ونهارا ‪ ،‬سفرا وحضرا ‪ ،‬فكل مرة كان يأتيه الملك بالقرآن‬
‫كإنزال كتاب مما قبله من الكتب المتقدمة ‪ ،‬فهذا المقام أعلى (‪ )5‬وأجلّ ‪ ،‬وأعظم مكانة من سائر‬
‫إخوانه من النبياء ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين‪ .‬فالقرآن أشرف كتاب أنزله ال ‪ ،‬ومحمد‬
‫‪ ،‬صلوات‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ليثبت"‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬جئناهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬ثنا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬عليه وسلمه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬لعلي"‪.‬‬

‫( ‪)6/109‬‬

‫ن وَزِيرًا (‪َ )35‬فقُلْنَا اذْهَبَا ِإلَى ا ْل َقوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا‬


‫جعَلْنَا َمعَهُ َأخَاهُ هَارُو َ‬
‫وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ وَ َ‬
‫جعَلْنَاهُمْ لِلنّاسِ آَ َي ًة وَأَعْتَدْنَا‬
‫سلَ أَغْ َرقْنَاهُ ْم َو َ‬
‫بِآَيَاتِنَا فَ َدمّرْنَا ُهمْ تَ ْدمِيرًا (‪َ )36‬و َقوْمَ نُوحٍ َلمّا كَذّبُوا الرّ ُ‬
‫س َوقُرُونًا بَيْنَ ذَِلكَ كَثِيرًا (‪َ )38‬وكُلّا ضَرَبْنَا‬
‫عذَابًا أَلِيمًا (‪ )37‬وَعَادًا وَ َثمُو َد وََأصْحَابَ الرّ ّ‬
‫لِلظّاِلمِينَ َ‬
‫سوْءِ َأفَلَمْ َيكُونُوا‬
‫ل َوكُلّا تَبّرْنَا تَتْبِيرًا (‪ )39‬وََلقَدْ أَ َتوْا عَلَى ا ْلقَرْيَةِ الّتِي ُأمْطِ َرتْ َمطَرَ ال ّ‬
‫لَهُ الَْأمْثَا َ‬
‫يَ َروْ َنهَا َبلْ كَانُوا لَا يَ ْرجُونَ نُشُورًا (‪)40‬‬

‫ال وسلمه عليه ‪ ،‬أعظم نبي أرسله ال وقد جمع ال تعالى للقرآن الصفتين معا ‪ ،‬ففي المل‬
‫العلى أنزل جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا (‪ )1‬ثم نزل بعد ذلك إلى‬
‫الرض منجما بحسب الوقائع والحوادث‪.‬‬
‫قال أبو عبد الرحمن النسائي ‪ :‬أخبرنا أحمد بن سليمان ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا داود ‪،‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬أنزل القرآن جملة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ‪ ،‬ثم نزل بعد‬
‫عن ِ‬
‫حسَنَ َتفْسِيرًا } ‪ ،‬وقوله‬
‫ق وَأَ ْ‬
‫حّ‬‫ذلك في عشرين سنة ‪ ،‬قال ‪ { :‬وَل يَأْتُو َنكَ ِبمَ َثلٍ إِل جِئْنَاكَ بِالْ َ‬
‫ث وَنزلْنَاهُ تَنزيل } [ السراء ‪.)2( ]106 :‬‬
‫علَى ُم ْك ٍ‬
‫{ َوقُرْآنًا فَ َرقْنَاهُ لِ َتقْرََأهُ عَلَى النّاسِ َ‬
‫ثم قال تعالى مخبرا عن سوء حال الكفار في معادهم يوم القيامة وحشرهم إلى جهنم ‪ ،‬في أسوأ‬
‫ضلّ سَبِيل‬
‫جهَنّمَ أُولَ ِئكَ شَرّ َمكَانًا وََأ َ‬
‫الحالت وأقبح الصفات ‪ { :‬الّذِينَ ُيحْشَرُونَ عَلَى وُجُو ِههِمْ إِلَى َ‬
‫} ‪ ،‬وفي الصحيح ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬أن رجل قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كيف يحشر الكافر على وجهه يوم‬
‫القيامة ؟ فقال ‪" :‬إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يُمشِيَه على وجهه يوم القيامة" (‪ )3‬وهكذا قال‬
‫مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد من المفسرين ‪[ ،‬وال أعلم] (‪.)4‬‬
‫ن وَزِيرًا (‪َ )35‬فقُلْنَا ا ْذهَبَا إِلَى ا ْل َقوْمِ الّذِينَ َكذّبُوا‬
‫جعَلْنَا َمعَهُ أَخَاهُ هَارُو َ‬
‫ب وَ َ‬
‫{ وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَا َ‬
‫جعَلْنَاهُمْ لِلنّاسِ آ َي ًة وَأَعْتَدْنَا‬
‫سلَ أَغْ َرقْنَاهُ ْم َو َ‬
‫بِآيَاتِنَا فَ َدمّرْنَا ُهمْ تَ ْدمِيرًا (‪َ )36‬و َقوْمَ نُوحٍ َلمّا كَذّبُوا الرّ ُ‬
‫س َوقُرُونًا بَيْنَ ذَِلكَ كَثِيرًا (‪َ )38‬وكُل ضَرَبْنَا‬
‫عذَابًا أَلِيمًا (‪ )37‬وَعَادًا وَ َثمُو َد وََأصْحَابَ الرّ ّ‬
‫لِلظّاِلمِينَ َ‬
‫سوْءِ َأفَلَمْ َيكُونُوا‬
‫لَ ُه المْثَالَ َوكُل تَبّرْنَا تَتْبِيرًا (‪ )39‬وََلقَدْ أَ َتوْا عَلَى ا ْلقَرْيَةِ الّتِي ُأمْطِ َرتْ مَطَرَ ال ّ‬
‫يَ َروْ َنهَا َبلْ كَانُوا ل يَرْجُونَ نُشُورًا (‪} )40‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقول تعالى متوعدا من كذّب رسولَه محمدا ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬من مشركي قومه ومن‬
‫خالفه (‪ ، )5‬ومحذرهم من عقابه وأليم عذابه ‪ ،‬مما أحله بالمم الماضية المكذبين لرسله ‪ ،‬فبدأ‬
‫بذكر موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وأنه ابتعثه وجعل معه أخاه هارون وزيرا ‪ ،‬أي ‪ :‬نبيًا ُموَازرا‬
‫ومؤيدا وناصرا ‪ ،‬فكذبهما فرعون وجنوده ‪ ،‬فـ { َدمّرَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ وَلِ ْلكَافِرِينَ َأمْثَاُلهَا } [ محمد ‪:‬‬
‫‪ ، .]10‬وكذلك فعلَ بقوم نوح حين كذّبوا رسوله نوحا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ومن كذب برسول فقد‬
‫كذب بجميع الرسل ؛ إذ ل فرق بين رسول ورسول ‪ ،‬ولو فرض أن ال بعث إليهم كل رسول‬
‫سلَ } ‪ ،‬ولم يبعث إليهم إل نوح فقط ‪،‬‬
‫فإنهم كانوا يكذبونه ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬و َقوْمَ نُوحٍ َلمّا كَذّبُوا الرّ ُ‬
‫وقد لبث فيهم ألف سنة إل خمسين عاما ‪ ،‬يدعوهم إلى ال ‪ ،‬ويحذرهم نقَمه ‪ ،‬فما آمن معه إل‬
‫قليل‪ .‬ولهذا أغرقهم ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬من السماء الدنيا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11372‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )4760‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2806‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خالفهم"‪.‬‬

‫( ‪)6/110‬‬

‫جميعا ‪ ،‬ولم يَبق منهم أحد ‪ ،‬ولم يبق على وجه الرض من بني آدم سوى أصحاب السفينة فقط‪.‬‬
‫حمَلْنَاكُمْ‬
‫طغَى ا ْلمَاءُ َ‬
‫جعَلْنَاهُمْ لِلنّاسِ آيَةً } أي ‪ :‬عبرة يعتبرون بها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّا َلمّا َ‬
‫{ وَ َ‬
‫ن وَاعِيَةٌ } [ الحاقة ‪ .]12 - 11 :‬أي ‪ :‬وأبقينا لكم من‬
‫جعََلهَا َل ُكمْ تَ ْذكِ َر ًة وَ َتعِ َيهَا أُذُ ٌ‬
‫فِي الْجَارِيَةِ * لِنَ ْ‬
‫جعْلكم من‬
‫السفن ما تركبون في ُلجَج البحار ‪ ،‬لتذكروا نعمة ال عليكم في إنجائكم من الغرق ‪ ،‬و َ‬
‫ذرّية مَن آمن به وصَدّق أمره‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَعَادًا وَ َثمُودَ } قد (‪ )1‬تقدم الكلم على قصتيهما في غير ما سورة ‪ ،‬منها في سورة‬
‫"العراف" بما أغنى عن العادة (‪.)2‬‬
‫وأما أصحاب الرس فقال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن (‪ )3‬ابن عباس ‪ :‬هم أهل قرية من قرى ثمود‪.‬‬
‫س بفَلَج وهم أصحاب يس‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬فَلَج من‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬قال عكرمة ‪ :‬أصحاب ال َر ّ‬
‫قرى اليمامة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم [النبيل] (‪ ، )4‬حدثنا الضحاك بن مَخْلَد‬
‫أبو عاصم ‪ ،‬حدثنا شبيب بن بشر (‪ ، )5‬حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وََأصْحَابَ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الرّسّ } قال ‪ :‬بئر بأذربيجان‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري عن أبي ُبكَيْر (‪ ، )6‬عن عكرمة ‪ :‬الرس بئر رَسوا فيها نبيهم‪ .‬أي ‪ :‬دفنوه‬
‫بها (‪.)7‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن محمد بن كعب [القرظي] (‪ )8‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد السود ‪ ،‬وذلك أن ال ‪ -‬تعالى وتبارك ‪-‬‬
‫بعث نبيا (‪ )9‬إلى أهل قرية ‪ ،‬فلم يؤمن به من أهلها إل ذلك العبد السود ‪ ،‬ثم إن أهل القرية‬
‫عدَوا على النبي ‪ ،‬فحفروا له بئرا فألقوه فيها ‪ ،‬ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم (‪ )10‬قال ‪" :‬فكان‬
‫ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ‪ ،‬ثم يأتي بحطبه فيبيعه ‪ ،‬ويشتري به طعاما وشرابا ‪ ،‬ثم‬
‫يأتي به إلى تلك البئر ‪ ،‬فيرفع تلك الصخرة ‪ ،‬ويعينه ال عليها ‪ ،‬فيدلي إليه طعامه وشرابه ‪ ،‬ثم‬
‫يردها كما كانت"‪ .‬قال ‪" :‬فكان ذلك ما شاء ال أن يكون ‪ ،‬ثم إنه ذهب يوما يحتطب كما كان‬
‫يصنع ‪ ،‬فجمع حطبه وحَزم وفرغ منها فلما أراد أن يحتملها وجد سنة ‪ ،‬فاضطجع فنام ‪ ،‬فضرب‬
‫ال على أذنه سبع سنين نائما ‪ ،‬ثم إنه َهبّ فتمطى ‪ ،‬فتحول لشقه الخر فاضطجع ‪ ،‬فضرب ال‬
‫على أذنه سبع سنين أخرى ‪ ،‬ثم إنه هب واحتمل حُ ْزمَته ول يحسبُ إل أنه نام ساعة من نهار (‬
‫‪ )11‬فجاء إلى القرية فباع حزمته ‪ ،‬ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع‪ .‬ثم ذهب (‪ )12‬إلى‬
‫الحفيرة في موضعها الذي كانت فيه ‪ ،‬فالتمسه فلم يجده‪ .‬وكان قد بدا لقومه فيه بَداء ‪ ،‬فاستخرجوه‬
‫وآمنوا به وصدقوه"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وقد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إعادته"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بكر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف والطبري‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬بعث نبيا من النبياء"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬أصم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬النهار"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ثم إنه ذهب"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/111‬‬

‫وَإِذَا رََأ ْوكَ إِنْ يَتّخِذُو َنكَ إِلّا هُ ُزوًا َأهَذَا الّذِي َب َعثَ اللّهُ َرسُولًا (‪ )41‬إِنْ كَادَ لَ ُيضِلّنَا عَنْ آَِلهَتِنَا َلوْلَا‬
‫خذَ إَِلهَهُ‬
‫ضلّ سَبِيلًا (‪ )42‬أَرَأَ ْيتَ مَنِ اتّ َ‬
‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ حِينَ يَ َروْنَ ا ْلعَذَابَ مَنْ َأ َ‬
‫ن صَبَرْنَا عَلَ ْيهَا وَ َ‬
‫أَ ْ‬
‫َهوَاهُ َأفَأَ ْنتَ َتكُونُ عَلَ ْي ِه َوكِيلًا (‪)43‬‬

‫فكان نبيهم يسألهم عن ذلك السود ‪ :‬ما فعل ؟ فيقولون له ‪ :‬ل ندري‪ .‬حتى قبض ال النبي ‪،‬‬
‫وَأهبّ السودَ من نومته بعد ذلك"‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ذلك السو َد لولُ‬
‫من يدخل الجنة"‪.‬‬
‫وهكذا رواه ابن جرير (‪ )1‬عن ابن حميد ‪ ،‬عن سلمة عن ابن إسحاق ‪ ،‬عن محمد بن كعب‬
‫مرسل‪ .‬وفيه غرابة ونَكارَةٌ ‪ ،‬ولعل فيه إدْرَاجا ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وأما ابن جرير فقال ‪ :‬ل يجوز أن‬
‫يحمل هؤلء على أنهم أصحاب الرس الذين ذكروا في القرآن ؛ لن ال أخبر عنهم أنه أهلكهم ‪،‬‬
‫وهؤلء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم ‪ ،‬اللهم إل أن يكون حدث لهم أحداث ‪ ،‬آمنوا بالنبي بعد هلك‬
‫آبائهم ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫واختار ابن جرير أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الخدود ‪ ،‬الذين ذكروا في سورة‬
‫البروج ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقُرُونًا بَيْنَ ذَِلكَ كَثِيرًا } أي ‪ :‬وأمما بين أضعاف مَنْ ذُكر أهلكناهم كثيرة ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫{ َوكُل ضَرَبْنَا لَ ُه المْثَالَ } أي ‪ :‬بينا لهم الحجج ‪ ،‬ووضّحنا لهم الدلة ‪ -‬كما قال قتادة ‪ :‬أزحنا (‬
‫‪ )2‬عنهم العذار ‪َ { -‬وكُل تَبّرْنَا تَتْبِيرًا } أي ‪ :‬أهلكنا إهلكا ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬وكَمْ أَهَْلكْنَا مِنَ ا ْلقُرُونِ‬
‫مِنْ َبعْدِ نُوحٍ } [ السراء ‪.]17 :‬‬
‫والقرن ‪ :‬هو المة من الناس ‪ ،‬كقوله ‪ُ { :‬ثمّ أَنْشَأْنَا مِنْ َب ْعدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ } [ المؤمنون ‪]31 :‬‬
‫وحدّه بعضهم (‪ )3‬بمائة وعشرين سنة‪ .‬وقيل ‪ :‬بمائة سنة‪ .‬وقيل ‪ :‬بثمانين سنة‪ .‬وقيل ‪ :‬أربعين‪.‬‬
‫وقيل غير ذلك‪ .‬والظهر ‪ :‬أن القرن هم المة المتعاصرون في الزمن الواحد ؛ فإذا ذهبوا وخلفهم‬
‫جيل آخر فهم قرن ثان ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫"خير القرون قرني ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم الذين يلونهم" الحديث‪.‬‬
‫سوْءِ } يعني ‪ :‬قوم لوط ‪ ،‬وهي سدوم‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدْ أَ َتوْا عَلَى ا ْلقَرْيَةِ الّتِي ُأمْطِ َرتْ َمطَرَ ال ّ‬
‫ومعاملتها التي أهلكها ال بالقلب ‪ ،‬وبالمطر الحجارة من سجيل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََأمْطَرْنَا‬
‫عَلَ ْيهِمْ َمطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ ا ْلمُنْذَرِينَ } [ الشعراء ‪]173 :‬وقال { وَإِ ّنكُمْ لَ َتمُرّونَ عَلَ ْي ِهمْ ُمصْبِحِينَ *‬
‫وَبِاللّ ْيلِ َأفَل َت ْعقِلُونَ } [ الصافات ‪ ]138 - 137 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَإِ ّنهَا لَبِسَبِيلٍ ُمقِيمٍ } [ الحجر ‪:‬‬
‫‪ ]76‬وقال { وَإِ ّن ُهمَا لَبِِإمَامٍ مُبِينٍ } [ الحجر ‪ ]79 :‬؛ ولهذا قال ‪َ { :‬أفَلَمْ َيكُونُوا يَ َروْ َنهَا } أي ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حلّ بأهلها من العذاب والنكال بسبب تكذيبهم بالرسول ومخالفتهم أوامر ال‪.‬‬
‫فيعتبروا بما َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬بلْ كَانُوا ل يَرْجُونَ نُشُورًا } يعني ‪ :‬المارين بها من الكفار ل يعتبرون لنهم ل يرجون‬
‫نشورا ‪ ،‬أي ‪ :‬معادًا يوم القيامة‪.‬‬
‫خذُو َنكَ إِل هُ ُزوًا َأهَذَا الّذِي َب َعثَ اللّهُ َرسُول (‪ )41‬إِنْ كَادَ لَ ُيضِلّنَا عَنْ آِلهَتِنَا َلوْل‬
‫{ وَإِذَا رََأ ْوكَ إِنْ يَتّ ِ‬
‫خذَ إَِلهَهُ‬
‫ضلّ سَبِيل (‪ )42‬أَرَأَ ْيتَ مَنِ اتّ َ‬
‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ حِينَ يَ َروْنَ ا ْلعَذَابَ مَنْ َأ َ‬
‫ن صَبَرْنَا عَلَ ْيهَا وَ َ‬
‫أَ ْ‬
‫َهوَاهُ َأفَأَ ْنتَ َتكُونُ عَلَ ْي ِه َوكِيل (‪} )43‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري ‪.19/10 :‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وأزحنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بعض المفسرين"‪.‬‬

‫( ‪)6/112‬‬

‫س َمعُونَ َأوْ َي ْعقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلّا كَالْأَ ْنعَامِ َبلْ هُمْ َأضَلّ سَبِيلًا (‪)44‬‬
‫سبُ أَنّ َأكْثَرَ ُهمْ يَ ْ‬
‫أَمْ َتحْ َ‬

‫ضلّ سَبِيل (‪} )44‬‬


‫س َمعُونَ َأوْ َي ْعقِلُونَ إِنْ ُهمْ إِل كَال ْنعَامِ َبلْ ُهمْ َأ َ‬
‫سبُ أَنّ َأكْثَرَهُمْ يَ ْ‬
‫حَ‬‫{ َأمْ تَ ْ‬

‫( ‪)6/112‬‬

‫شمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (‪ )45‬ثُمّ قَ َبضْنَاهُ‬


‫جعَلْنَا ال ّ‬
‫جعَلَهُ سَاكِنًا ثُمّ َ‬
‫ل وََلوْ شَاءَ لَ َ‬
‫ظّ‬‫أَلَمْ تَرَ إِلَى رَ ّبكَ كَيْفَ مَدّ ال ّ‬
‫ج َعلَ ال ّنهَارَ نُشُورًا (‪)47‬‬
‫ج َعلَ َلكُمُ اللّ ْيلَ لِبَاسًا وَال ّنوْمَ سُبَاتًا وَ َ‬
‫إِلَيْنَا قَ ْبضًا يَسِيرًا (‪ )46‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬

‫يخبر تعالى عن استهزاء المشركين بالرسول ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬إذا رأوه ‪ ،‬كما قال ‪{ :‬‬
‫خذُو َنكَ إِل هُ ُزوًا َأهَذَا الّذِي يَ ْذكُرُ آِلهَ َتكُمْ } [ النبياء ‪ ]36 :‬يعنونه‬
‫وَإِذَا رَآكَ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ يَتّ ِ‬
‫خذُو َنكَ إِل هُ ُزوًا أَهَذَا الّذِي َب َعثَ اللّهُ رَسُول } ؟‬
‫بالعيب والنقص ‪ ،‬وقال هاهنا ‪ { :‬وَإِذَا رََأ ْوكَ إِنْ يَتّ ِ‬
‫سلٍ مِنْ قَبِْلكَ‬
‫أي ‪ :‬على سبيل التنقص (‪ )1‬والزدراء ‪ -‬قبّحهم ال ‪ -‬كما قال ‪ { :‬وَلَقَدِ اسْ ُتهْ ِزئَ بِرُ ُ‬
‫عقَابِ } [ الرعد ‪.]32 :‬‬
‫فََأمْلَ ْيتُ ِللّذِينَ َكفَرُوا ُثمّ َأخَذْ ُتهُمْ َفكَ ْيفَ كَانَ ِ‬
‫وقولهم (‪ { : )2‬إِنْ كَادَ لَ ُيضِلّنَا عَنْ آِلهَتِنَا َلوْل أَنْ صَبَرْنَا عَلَ ْيهَا } يعنون ‪ :‬أنه كاد يثنيهم عن عبادة‬
‫أصنامهم ‪ ،‬لول أن صبروا وتجلدوا واستمروا على عبادتها‪ .‬قال ال تعالى متوعدا لهم ومتهددا ‪:‬‬
‫ضلّ سَبِيل }‪.‬‬
‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ حِينَ يَ َروْنَ ا ْلعَذَابَ مَنْ َأ َ‬
‫{ وَ َ‬
‫ثم قال تعالى لنبيه ‪ ،‬منبهًا له أن من كتب ال عليه الشقاوة والضلل ‪ ،‬فإنه ل يهديه أحد إل ال‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ أَرَأَ ْيتَ مَنِ اتّخَذَ إَِلهَهُ َهوَاهُ } أي ‪ :‬مهما استحسن من شيء ورآه حسنا في هوى نفسه ‪ ،‬كان دينَه‬
‫ضلّ مَنْ يَشَا ُء وَ َيهْدِي‬
‫عمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫ومذهبَه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬أ َفمَنْ زُيّنَ لَهُ سُوءُ َ‬
‫سكَ عَلَ ْيهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر ‪ ]8 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪َ { :‬أفَأَ ْنتَ َتكُونُ عَلَيْهِ‬
‫مَنْ يَشَاءُ فَل تَذْ َهبْ َنفْ ُ‬
‫َوكِيل }‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر البيض زمانا ‪ ،‬فإذا رأى غيره‬
‫أحسن منه عبد الثاني وترك الول‪.‬‬
‫س َمعُونَ َأوْ َي ْعقِلُونَ إِنْ هُمْ إِل كَال ْنعَامِ َبلْ هُمْ َأضَلّ سَبِيل } أي ‪:‬‬
‫سبُ أَنّ َأكْثَرَ ُهمْ يَ ْ‬
‫ثم قال ‪ { :‬أَمْ َتحْ َ‬
‫أسوأ حال من النعام السارحة ‪ ،‬فإن تلك تعقل ما خلقت له ‪ ،‬وهؤلء خلقوا لعبادة ال وحده ل‬
‫شريك له ‪ ،‬وهم يعبدون غيره ويشركون به ‪ ،‬مع قيام الحجة عليهم ‪ ،‬وإرسال الرسل إليهم‪.‬‬
‫شمْسَ عَلَ ْيهِ دَلِيل (‪ُ )45‬ثمّ‬
‫جعَلْنَا ال ّ‬
‫جعَلَهُ سَاكِنًا ُثمّ َ‬
‫ل وََلوْ شَاءَ َل َ‬
‫ظّ‬‫{ أََلمْ تَرَ إِلَى رَ ّبكَ كَ ْيفَ مَدّ ال ّ‬
‫ج َعلَ ال ّنهَارَ نُشُورًا (‬
‫ج َعلَ َلكُمُ اللّ ْيلَ لِبَاسًا وَال ّنوْمَ سُبَاتًا وَ َ‬
‫قَ َبضْنَاهُ إِلَيْنَا قَ ْبضًا يَسِيرًا (‪ )46‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬
‫‪} )47‬‬
‫من هاهنا شرع تعالى في بيان الدلة الدالة على وجوده ‪ ،‬وقدرته التامة على خلق الشياء‬
‫ظلّ } ؟ قال ابن عباس ‪ ،‬وابن عمر ‪،‬‬
‫المختلفة والمتضادة ‪ ،‬فقال ‪ { :‬أََلمْ تَرَ إِلَى رَ ّبكَ كَ ْيفَ مَدّ ال ّ‬
‫وأبو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬التنقيص"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬

‫( ‪)6/113‬‬

‫طهُورًا (‪ )48‬لِنُحْ ِييَ بِهِ بَلْ َدةً‬


‫سمَاءِ مَاءً َ‬
‫حمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ ال ّ‬
‫سلَ الرّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ َي َديْ رَ ْ‬
‫وَ ُهوَ الّذِي أَرْ َ‬
‫سيّ كَثِيرًا (‪ )49‬وََلقَدْ صَ ّرفْنَاهُ بَيْ َن ُهمْ لِيَ ّذكّرُوا فَأَبَى َأكْثَرُ النّاسِ إِلّا‬
‫سقِيَهُ ِممّا خََلقْنَا أَ ْنعَامًا وَأَنَا ِ‬
‫مَيْتًا وَنُ ْ‬
‫ُكفُورًا (‪)50‬‬

‫خعِي ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬


‫العالية ‪ ،‬وأبو مالك ‪ ،‬ومسروق ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وإبراهيم النّ َ‬
‫والحسن البصري ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس‪.‬‬
‫ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْي ُكمُ‬
‫جعََلهُ سَاكِنًا } أي ‪ :‬دائما ل يزول ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ َ‬
‫{ وََلوْ شَاءَ لَ َ‬
‫ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْيكُمُ ال ّنهَارَ سَ ْرمَدًا إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ }‬
‫اللّ ْيلَ سَ ْرمَدًا إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ } ‪ُ { ،‬قلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ َ‬
‫[ القصص ‪.]72 - 71 :‬‬
‫شمْسَ عَلَيْهِ دَلِيل } أي ‪ :‬لول أن الشمس تطلع عليه ‪ ،‬لما عرف ‪ ،‬فإن (‪)1‬‬
‫جعَلْنَا ال ّ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الضد ل يعرف إل بضده‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬والسّدي ‪ :‬دليل يتلوه ويتبعه حتى يأتي عليه كله‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ قَ َبضْنَاهُ إِلَيْنَا قَ ْبضًا يَسِيرًا } أي ‪ :‬الظل ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الشمس‪ { .‬يسيرا } أي ‪ :‬سهل‪ .‬قال‬
‫ابن عباس ‪ :‬سريعا‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬خفيا‪ .‬وقال السّدي ؛ قبضا خفَيا ‪ ،‬حتى ل يبقى في الرض‬
‫ظل إل تحت سقف أو تحت شجرة ‪ ،‬وقد أظلت الشمس ما فوقه‪.‬‬
‫وقال أيوب بن موسى ‪ُ { :‬ثمّ قَ َبضْنَاهُ إِلَيْنَا قَ ْبضًا يَسِيرًا } أي ‪ :‬قليل قليل‪.‬‬
‫ج َعلَ َلكُمُ اللّ ْيلَ لِبَاسًا } أي ‪ :‬يلبس الوجود و ُيغَشيه (‪ ، )2‬كما قال ‪ { [ :‬وَاللّ ْيلِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬
‫إِذَا َي ْغشَى } [ الليل ‪ ] 1 :‬وقال] (‪ { )3‬وَاللّ ْيلِ ِإذَا َيغْشَاهَا } [ الشمس ‪.]4 :‬‬
‫طعَا للحركة لراحة البدان ‪ ،‬فإن العضاء والجوارح تكل من كثرة‬
‫{ وَال ّنوْمَ سُبَاتًا } أي ‪ :‬قَ ْ‬
‫الحركة في النتشار بالنهار في المعايش ‪ ،‬فإذا جاء الليل وسكن سكنت الحركات ‪ ،‬فاستراحت‬
‫فحصل النوم الذي فيه راحة البدن والروح معا‪.‬‬
‫ج َعلَ ال ّنهَارَ ُنشُورًا } أي ‪ :‬ينتشر الناسُ فيه (‪ )4‬لمعايشهم ومكاسبهم وأسبابهم ‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫{ وَ َ‬
‫شكُرُونَ }‬
‫سكُنُوا فِي ِه وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِ ِه وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ لِتَ ْ‬
‫حمَتِهِ َ‬
‫‪َ { :‬ومِنْ َر ْ‬
‫[ القصص ‪.]73 :‬‬
‫طهُورًا (‪ )48‬لِنُحْ ِييَ بِهِ‬
‫سمَاءِ مَاءً َ‬
‫حمَتِ ِه وَأَنزلْنَا مِنَ ال ّ‬
‫سلَ الرّيَاحَ ُبشْرًا بَيْنَ يَ َديْ َر ْ‬
‫{ وَ ُهوَ الّذِي أَرْ َ‬
‫سيّ كَثِيرًا (‪ )49‬وََلقَ ْد صَ ّرفْنَاهُ بَيْ َنهُمْ لِ َي ّذكّرُوا فَأَبَى َأكْثَرُ النّاسِ‬
‫سقِيَهُ ِممّا خََلقْنَا أَ ْنعَامًا وَأَنَا ِ‬
‫بَلْ َدةً مَيْتًا وَنُ ْ‬
‫إِل كُفُورًا (‪.} )50‬‬
‫وهذا أيضا من قدرته التامة وسلطانه العظيم ‪ ،‬وهو أنه تعالى يرسل الرياح مبشرات ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫بمجيء السحاب بعدها ‪ ،‬والرياح أنواع ‪ ،‬في صفات كثيرة من التسخير ‪ ،‬فمنها ما يثير السحاب ‪،‬‬
‫ومنها ما يحمله ‪ ،‬ومنها ما يسوقه ‪ ،‬ومنها ما يكون بين يدي السحاب مبشّرا ‪ ،‬ومنها ما يكون قبل‬
‫طهُورًا }‬
‫سمَاءِ مَاءً َ‬
‫ذلك َيقُ ّم الرض ‪ ،‬ومنها ما يلقح السحاب ليمطر ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَأَنزلْنَا مِنَ ال ّ‬
‫أي ‪ :‬آلة يتطهر بها ‪ ،‬كالسّحُور والوقود (‪ )5‬وما جرى مجراه‪ .‬فهذا أصح ما يقال في ذلك‪ .‬وأما‬
‫من قال ‪ :‬إنه فعول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬ويغشاه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬فيه الناس"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬والوجود"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/114‬‬

‫بمعنى فاعل ‪ ،‬أو ‪ :‬إنه مبني للمبالغة أو التعدي ‪ ،‬فعلى كل منهما (‪ )1‬إشكالت من حيث اللغة‬
‫والحكم ‪ ،‬ليس (‪ )2‬هذا موضع بسطها ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمر بن حفص بن غياث ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن أبي جعفر‬
‫حمَيد الطويل ‪ ،‬عن ثابت البناني قال ‪ :‬دخلت مع أبي العالية في يوم مطير ‪،‬‬
‫الرازي ‪ ،‬حدثني ُ‬
‫طهُورًا } قال ‪ :‬طهره‬
‫سمَاءِ مَاءً َ‬
‫وطرق البصرة قذرة ‪ ،‬فصلى ‪ ،‬فقلت له ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَأَنزلْنَا مِنَ ال ّ‬
‫ماء السماء‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو سلمة ‪ ،‬حدثنا وُهَيب (‪ )3‬عن داود ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب في‬
‫طهُورًا } [قال ‪ :‬أنزله ال ماءً طاهرا] (‪ )4‬ل ينجسه شيء‪.‬‬
‫سمَاءِ مَاءً َ‬
‫هذه الية ‪ { :‬وَأَنزلْنَا مِنَ ال ّ‬
‫وعن أبي سعيد قال ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ ‪ -‬وهي بئر يُلقَى فيها النّتَن‬
‫‪ ،‬ولحوم الكلب ‪ -‬فقال ‪" :‬إن الماء طهور ل ينجسه شيء" رواه الشافعي ‪ ،‬وأحمد وصححه ‪،‬‬
‫وأبو داود ‪ ،‬والترمذي وحسنه ‪ ،‬والنسائي (‪.)5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الشعث ‪ ،‬حدثنا معتمر ‪ ،‬سمعت أبي يحدث عن سَيّار‬
‫‪ ،‬عن خالد بن يزيد ‪ ،‬قال ‪ :‬كان عند عبد الملك بن مروان ‪ ،‬فذكروا الماء ‪ ،‬فقال خالد بن يزيد ‪:‬‬
‫منه من السماء ‪ ،‬ومنه ما يسقيه الغيم من البحر فَ ُيعْذِبه الرعد والبرق‪ .‬فأما ما كان من البحر ‪،‬‬
‫فل يكون له نبات ‪ ،‬فأما النبات فمما كان من السماء‪.‬‬
‫وروي عن عكرمة قال ‪ :‬ما أنزل ال من السماء قطرة إل أنبت بها في الرض عشبة أو في‬
‫البحر لؤلؤة‪ .‬وقال غيره ‪ :‬في البر بُر ‪ ،‬وفي البحر دُرّ‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ ُنحْ ِييَ بِهِ بَ ْل َدةً مَيْتًا } أي ‪ :‬أرضا قد طال انتظارها للغيث ‪ ،‬فهي هامدة ل نبات فيها ول‬
‫شيء‪ .‬فلما جاءها الحيا عاشت واكتست رباها أنواع الزاهير واللوان ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَإِذَا‬
‫ت وَرَ َبتْ وَأَنْبَ َتتْ مِنْ ُكلّ َزوْجٍ َبهِيجٍ } [ الحج ‪.]5 :‬‬
‫أَنزلْنَا عَلَ ْيهَا ا ْلمَاءَ اهْتَ ّز ْ‬
‫سيّ كَثِيرًا } أي ‪ :‬وليشرب منه الحيوان من أنعام وأناسي محتاجين‬
‫سقِيَهُ ِممّا خََلقْنَا أَ ْنعَامًا وَأَنَا ِ‬
‫{ وَنُ ْ‬
‫إليه غاية الحاجة ‪ ،‬لشربهم وزروعهم وثمارهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يُنزلُ ا ْلغَ ْيثَ مِنْ‬
‫حمِيدُ } [ الشورى ‪ ]28 :‬وقال تعالى ‪ { :‬فَا ْنظُرْ إِلَى آثَارِ‬
‫حمَتَ ُه وَ ُهوَ ا ْلوَِليّ ا ْل َ‬
‫َبعْدِ مَا قَ َنطُوا وَيَنْشُرُ رَ ْ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ }‬
‫حمَةِ اللّهِ كَ ْيفَ يُحْيِي ال ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا إِنّ ذَِلكَ َل ُمحْيِي ا ْل َموْتَى وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫رَ ْ‬
‫[ الروم ‪.]50 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَ ْد صَ ّرفْنَاهُ بَيْ َنهُمْ لِ َي ّذكّرُوا } أي ‪ :‬أمطرنا هذه الرض دون هذه ‪ ،‬وسقنا السحاب فمر‬
‫على الرض وتعداها وجاوزها إلى الرض الخرى ‪[ ،‬فأمطرتها وكفتها فجعلتها عذقا ‪ ،‬والتي‬
‫وراءها] (‪ )6‬لم ينزل فيها قطرة من ماء ‪ ،‬وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬منها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وليس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وهب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الم للشافعي (‪ )1/9‬والمسند (‪ )3/15‬وسنن أبي داود برقم (‪ )66‬وسنن الترمذي برقم (‪)66‬‬
‫وسنن النسائي (‪.)1/174‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/115‬‬

‫جهَادًا كَبِيرًا (‪ )52‬وَ ُهوَ‬


‫وََلوْ شِئْنَا لَ َبعَثْنَا فِي ُكلّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (‪ )51‬فَلَا ُتطِعِ ا ْلكَافِرِينَ َوجَاهِ ْدهُمْ بِهِ ِ‬
‫حجُورًا (‪)53‬‬
‫حجْرًا مَ ْ‬
‫ج َعلَ بَيْ َن ُهمَا بَرْ َزخًا وَ ِ‬
‫ت وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَ َ‬
‫الّذِي مَرَجَ الْ َبحْرَيْنِ َهذَا عَ ْذبٌ فُرَا ٌ‬
‫جعَلَهُ َنسَبًا َوصِهْرًا َوكَانَ رَ ّبكَ قَدِيرًا (‪)54‬‬
‫وَ ُهوَ الّذِي خَلَقَ مِنَ ا ْلمَاءِ بَشَرًا َف َ‬

‫قال ابن مسعود وابن عباس ‪ :‬ليس عام بأكثر مطرًا من عام ‪ ،‬ولكن ال يصرفه كيف يشاء ‪ ،‬ثم‬
‫قرأ هذه الية ‪ { :‬وََلقَ ْد صَ ّرفْنَاهُ بَيْ َنهُمْ لِيَ ّذكّرُوا فَأَبَى َأكْثَرُ النّاسِ إِل ُكفُورًا }‪.‬‬
‫أي ‪ :‬ليذكروا بإحياء ال الرض الميتة أنه قادر على إحياء الموات (‪ .)1‬والعظام الرفات‪ .‬أو ‪:‬‬
‫ليذكر من منع القَطْر أنما أصابه ذلك بذنب أصابه ‪ ،‬فيقلع عما هو فيه‪.‬‬
‫غفْرَة (‪ : )2‬كان جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في موضع الجنائز ‪ ،‬فقال له النبي‬
‫عمَر مولى ُ‬
‫وقال ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا جبريل ‪ ،‬إني أحب أن أعلم أمْرَ السحاب ؟" قال ‪ :‬فقال جبريل ‪ :‬يا نبي‬
‫ال ‪ ،‬هذا ملك السحاب فسله‪ .‬فقال ‪ :‬تأتينا صَكاك ُمخَتّمة ‪ :‬اسق بلد كذا وكذا ‪ ،‬كذا وكذا قطرة‪.‬‬
‫رواه ابن حاتم ‪ ،‬وهو حديث مرسل‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَبَى َأكْثَرُ النّاسِ إِل ُكفُورًا } ‪ :‬قال عكرمة ‪ :‬يعني ‪ :‬الذين (‪ )3‬يقولون ‪ :‬مطرنا بنَوء‬
‫كذا وكذا‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله عكرمة كما صح في الحديث المخرج في صحيح مسلم ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه قال لصحابه يوما ‪ ،‬على أثر سماء أصابتهم من الليل ‪" :‬أتدرون ماذا قال ربكم"‬
‫قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬قال ‪ :‬أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ‪ ،‬فأما من قال ‪ :‬مطرنا‬
‫بفضل ال ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب‪ .‬وأما من قال ‪ :‬مطرنا بنوء كذا وكذا ‪ ،‬فذاك‬
‫كافر بي ‪ ،‬مؤمن بالكوكب" (‪.)4‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جهَادًا كَبِيرًا (‪ )52‬وَ ُهوَ‬
‫ن وَجَا ِهدْهُمْ ِبهِ ِ‬
‫طعِ ا ْلكَافِرِي َ‬
‫{ وََلوْ شِئْنَا لَ َبعَثْنَا فِي ُكلّ قَرْيَةٍ َنذِيرًا (‪ )51‬فَل تُ ِ‬
‫حجُورًا (‪)53‬‬
‫حجْرًا مَ ْ‬
‫ج َعلَ بَيْ َن ُهمَا بَرْ َزخًا وَ ِ‬
‫ت وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَ َ‬
‫الّذِي مَرَجَ الْ َبحْرَيْنِ َهذَا عَ ْذبٌ فُرَا ٌ‬
‫جعَلَهُ َنسَبًا َوصِهْرًا َوكَانَ رَ ّبكَ قَدِيرًا (‪.} )54‬‬
‫وَ ُهوَ الّذِي خَلَقَ مِنَ ا ْلمَاءِ بَشَرًا َف َ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وََلوْ شِئْنَا لَ َبعَثْنَا فِي ُكلّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا } يدعوهم إلى ال عز وجل ‪ ،‬ولكنا خصصناك‬
‫‪ -‬يا محمد ‪ -‬بالبعثة إلى جميع أهل الرض ‪ ،‬وأمرناك أن تبلغ الناس هذا القرآن ‪ { ،‬لنْذِ َركُمْ بِهِ‬
‫َومَنْ بََلغَ } [ النعام ‪َ { ، ]19 :‬ومَنْ َي ْكفُرْ ِبهِ مِنَ الحْزَابِ فَالنّارُ َموْعِ ُدهُ } [ هود ‪ {]17 :‬وَلِتُنْذِرَ أُمّ‬
‫جمِيعًا }‬
‫حوَْلهَا } [ النعام ‪ُ { ، ]92 :‬قلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْي ُكمْ َ‬
‫ا ْلقُرَى َومَنْ َ‬
‫[ العراف ‪ .]158 :‬وفي الصحيحين ‪" :‬بعثت إلى الحمر والسود" وفيهما ‪" :‬وكان النبي يبعث‬
‫ن وَجَا ِهدْهُمْ بِهِ } يعني ‪:‬‬
‫طعِ ا ْلكَافِرِي َ‬
‫إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَل تُ ِ‬
‫جهَادًا كَبِيرًا } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ جَا ِهدِ ا ْل ُكفّارَ وَا ْلمُنَا ِفقِينَ‬
‫بالقرآن ‪ ،‬قاله ابن عباس { ِ‬
‫وَاغْلُظْ عَلَ ْي ِهمْ } [ التوبة ‪ ، 73 :‬التحريم ‪.]9 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الموتى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عقبة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪ )71‬من حديث زيد بن خالد الجهني‪.‬‬

‫( ‪)6/116‬‬

‫ظهِيرًا (‪)55‬‬
‫وَ َيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا لَا يَ ْن َفعُهُ ْم وَلَا َيضُرّ ُه ْم َوكَانَ ا ْلكَافِرُ عَلَى رَبّهِ َ‬

‫ع ْذبٌ فُرَاتٌ وَ َهذَا مِلْحٌ ُأجَاجٌ } أي ‪ :‬خلق الماءين ‪ :‬الحلو‬


‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا َ‬
‫والملح ‪ ،‬فالحلو كالنهار والعيون والبار ‪ ،‬وهذا هو البحر الحلو الفرات العذب الزلل‪ .‬قاله ابن‬
‫جريج ‪ ،‬واختاره ابن جرير ‪ ،‬وهذا الذي ل شك فيه ‪ ،‬فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب‬
‫فرات‪ .‬وال سبحانه إنما أخبر بالواقع (‪ )1‬لينبه العباد على نعمه عليهم ليشكروه ‪ ،‬فالبحر العذب‬
‫هو هذا السارح بين الناس ‪ ،‬فرقه تعالى بين خلقه لحتياجهم إليه أنهارًا وعيونًا في كل أرض‬
‫بحسب حاجتهم وكفايتهم لنفسهم وأراضيهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َهذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } أي ‪ :‬مالح مُرّ زعاق ل يستساغ ‪ ،‬وذلك كالبحار المعروفة في‬
‫المشارق والمغارب ‪ :‬البحر المحيط وما يتصل به من الزقاق وبحر القلزم ‪ ،‬وبحر اليمن ‪ ،‬وبحر‬
‫البصرة ‪ ،‬وبحر فارس وبحر الصين والهند وبحر الروم وبحر الخزر ‪ ،‬وما شاكلها وشابهها (‪)2‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من البحار الساكنة التي ل تجري ‪ ،‬ولكن تتموج وتضطرب وتغتلم في زمن الشتاء وشدة الرياح ‪،‬‬
‫ومنها ما فيه مد وجَزْر ‪ ،‬ففي أول كل شهر يحصل منها مد وفيض (‪ ، )3‬فإذا شرع الشهر في‬
‫النقصان جَزَرت ‪ ،‬حتى ترجع إلى غايتها الولى ‪ ،‬فإذا استهل الهلل من الشهر الخر شرعت‬
‫في المد إلى الليلة الرابعة عشرة (‪ )4‬ثم تشرع في النقص ‪ ،‬فأجرى ال سبحانه وتعالى ‪ -‬وله‬
‫القدرة التامة ‪ -‬العادة بذلك‪ .‬فكل هذه البحار الساكنة خلقها ال سبحانه وتعالى مالحة الماء ‪ ،‬لئل‬
‫يحصل بسببها نتن الهواء ‪ ،‬فيفسد الوجود بذلك ‪ ،‬ولئل تجوى الرض بما يموت فيها من‬
‫الحيوان‪ .‬ولما كان ماؤها ملحا كان هواؤها صحيحا وميتتها طيبة ؛ ولهذا قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وقد سئل عن ماء البحر ‪ :‬أنتوضأ به ؟ فقال ‪" :‬هو الطهور ماؤه ‪ ،‬الحل ميتته"‪ .‬رواه‬
‫الئمة ‪ :‬مالك ‪ ،‬والشافعي ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬وأهل السنن بإسناد جيد (‪.)5‬‬
‫ج َعلَ بَيْ َن ُهمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا } أي ‪ :‬بين العذب والمالح { برزخا } أي ‪ :‬حاجزا ‪ ،‬وهو‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫اليَبَس من الرض ‪َ { ،‬وحِجْرًا َمحْجُورًا } أي ‪ :‬مانعا أن يصل أحدهما إلى الخر ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫{ مَرَجَ الْ َبحْرَيْنِ يَلْ َتقِيَانِ * بَيْ َن ُهمَا بَرْزَخٌ ل يَ ْبغِيَانِ * فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ } [ الرحمن ‪- 19 :‬‬
‫ج َعلَ بَيْنَ‬
‫سيَ وَ َ‬
‫ج َعلَ َلهَا َروَا ِ‬
‫ج َعلَ خِلَلهَا أَ ْنهَارًا وَ َ‬
‫ج َعلَ ال ْرضَ قَرَارًا وَ َ‬
‫‪ ، ]21‬وقال تعالى ‪َ { :‬أمّنْ َ‬
‫الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللّهِ َبلْ َأكْثَ ُرهُمْ ل َيعَْلمُونَ } [ النمل ‪.]61 :‬‬
‫صهْرًا َوكَانَ رَ ّبكَ َقدِيرًا } أي ‪ :‬خلق‬
‫جعََلهُ نَسَبًا َو ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي خََلقَ مِنَ ا ْلمَاءِ َبشَرًا فَ َ‬
‫النسان من نطفة ضعيفة ‪ ،‬فسواه وعَدّله ‪ ،‬وجعله كامل الخلقة ‪ ،‬ذكرا أو أنثى ‪ ،‬كما يشاء ‪،‬‬
‫جعَلَهُ نَسَبًا َوصِهْرًا } ‪ ،‬فهو في ابتداء أمره ولد نسيب ‪ ،‬ثم يتزوج فيصير صهرا ‪ ،‬ثم يصير له‬
‫{ َف َ‬
‫أصهار وأختان وقرابات‪ .‬وكل ذلك من ماء مهين ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬وكَانَ رَ ّبكَ قَدِيرًا }‪.‬‬
‫ظهِيرًا (‪} )55‬‬
‫{ وَ َيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا ل يَ ْن َفعُهُمْ وَل َيضُرّهُمْ َوكَانَ ا ْلكَافِرُ عَلَى رَبّهِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عن الواقع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وأشبهها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وقيض"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عشر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخريجه عند تفسير الية ‪ 3 :‬من سورة المائدة‪.‬‬

‫( ‪)6/117‬‬

‫علَيْهِ مِنْ َأجْرٍ إِلّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتّخِذَ إِلَى رَبّهِ‬
‫َومَا أَ ْرسَلْنَاكَ إِلّا مُبَشّرًا وَنَذِيرًا (‪ُ )56‬قلْ مَا أَسْأَُلكُمْ َ‬
‫ح ْم ِد ِه َوكَفَى ِبهِ بِذُنُوبِ عِبَا ِدهِ خَبِيرًا (‪)58‬‬
‫ت وَسَبّحْ بِ َ‬
‫حيّ الّذِي لَا َيمُو ُ‬
‫سَبِيلًا (‪ )57‬وَ َت َو ّكلْ عَلَى ا ْل َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمَنُ فَاسَْألْ ِبهِ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ الرّ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر َ‬
‫الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫حمَنُ أَ َنسْجُدُ ِلمَا تَ ْأمُرُنَا وَزَادَ ُهمْ ُنفُورًا (‪)60‬‬
‫حمَنِ قَالُوا َومَا الرّ ْ‬
‫سجُدُوا لِلرّ ْ‬
‫خَبِيرًا (‪ )59‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمُ ا ْ‬

‫خذَ إِلَى رَبّهِ‬


‫علَيْهِ مِنْ َأجْرٍ إِل مَنْ شَاءَ أَنْ يَتّ ِ‬
‫{ َومَا أَرْسَلْنَاكَ إِل مُبَشّرًا وَنَذِيرًا (‪ُ )56‬قلْ مَا أَسْأَُلكُمْ َ‬
‫حمْ ِد ِه َو َكفَى بِهِ ِبذُنُوبِ عِبَا ِدهِ خَبِيرًا (‪)58‬‬
‫حيّ الّذِي ل َيمُوتُ وَسَبّحْ ِب َ‬
‫سَبِيل (‪ )57‬وَ َت َو ّكلْ عَلَى ا ْل َ‬
‫حمَنُ فَاسَْألْ بِهِ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ الرّ ْ‬
‫س َموَاتِ وَال ْر َ‬
‫الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫حمَنُ أَ َنسْجُدُ ِلمَا تَ ْأمُرُنَا وَزَادَ ُهمْ ُنفُورًا (‪)60‬‬
‫حمَنِ قَالُوا َومَا الرّ ْ‬
‫سجُدُوا لِلرّ ْ‬
‫خَبِيرًا (‪ )59‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمُ ا ْ‬
‫}‪.‬‬

‫( ‪)6/117‬‬

‫يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير ال من الصنام ‪ ،‬التي ل تملك لهم نفعا ول‬
‫ضرا ‪ ،‬بل دليل قادهم إلى ذلك ‪ ،‬ول حجة أدتهم إليه ‪ ،‬بل بمجرد الراء ‪ ،‬والتشهي والهواء ‪،‬‬
‫فهم يوالونهم (‪ )1‬ويقاتلون في سبيلهم ‪ ،‬ويعادون ال ورسوله [والمؤمنون] (‪ )2‬فيهم ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫ظهِيرًا } أي ‪ :‬عونا في سبيل الشيطان على حزب ال ‪ ،‬وحزب ال هم‬
‫{ َوكَانَ ا ْلكَافِرُ عَلَى رَبّهِ َ‬
‫الغالبون ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَاتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آِلهَةً َلعَّلهُمْ يُ ْنصَرُونَ * ل يَسْ َتطِيعُونَ َنصْرَ ُهمْ‬
‫حضَرُونَ } [ يس ‪ ]75 - 74 :‬أي ‪ :‬آلهتهم التي اتخذوها من دون ال ل تملك (‪)3‬‬
‫وَهُمْ َل ُهمْ جُ ْندٌ مُ ْ‬
‫حوْزتهم ‪ ،‬ولكن‬
‫لهم نصرا ‪ ،‬وهؤلء الجهلة للصنام جند محضرون يقاتلون عنهم ‪ ،‬ويَذبّون عن َ‬
‫العاقبة والنصرة ل ولرسوله في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ظهِيرًا } قال ‪ :‬يظاهر الشيطان على معصية ال ‪ ،‬يعينه‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪َ { :‬وكَانَ ا ْلكَافِرُ عَلَى رَبّهِ َ‬
‫ظهِيرًا } يقول ‪ :‬عونا للشيطان على ربه بالعداوة‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪َ { :‬وكَانَ ا ْلكَافِرُ عَلَى رَبّهِ َ‬
‫والشرك‪.‬‬
‫ظهِيرًا } قال ‪ :‬مواليا‪.‬‬
‫وقال زيد بن أسلم ‪َ { :‬وكَانَ ا ْلكَافِرُ عَلَى رَبّهِ َ‬
‫ثم قال تعالى لرسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪َ { :‬ومَا أَ ْرسَلْنَاكَ إِل مُ َبشّرًا وَنَذِيرًا } أي ‪ :‬بشيرا‬
‫للمؤمنين ونذيرا للكافرين ‪ ،‬مبشرا بالجنة لمن أطاع ال ‪ ،‬ونذيرا بين يدي عذاب شديد لمن خالف‬
‫أمر ال‪.‬‬
‫{ ُقلْ مَا أَسَْأُلكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي ‪ :‬على هذا البلغ وهذا النذار من أجرة أطلبها من أموالكم ‪،‬‬
‫وإنما أفعل ذلك ابتغاء وجه ال ‪ِ { ،‬لمَنْ شَاءَ مِ ْنكُمْ أَنْ يَسْ َتقِيمَ } [ التكوير ‪ {]28 :‬إِل مَنْ شَاءَ أَنْ‬
‫خذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيل } أي ‪ :‬طريقا ومسلكا ومنهجا ُيقتدى فيها بما جئت به‪.‬‬
‫يَتّ ِ‬
‫حيّ الّذِي ل َيمُوتُ } أي ‪ :‬في أمورك كلها كُن متوكل على ال الحي‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَ َتوَ ّكلْ عَلَى الْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ } [ الحديد ‪:‬‬
‫ن وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ‬
‫الذي ل يموت أبدا ‪ ،‬الذي هو { ال ّولُ وَالخِرُ وَالظّاهِ ُر وَالْبَاطِ ُ‬
‫‪ ]3‬الدائم الباقي السرمدي البدي ‪ ،‬الحي القيوم ربّ كل شيء ومليكه ‪ ،‬اجعله ُذخْرك وملجأك ‪،‬‬
‫وهو الذي يُتَوكل عليه ويفزع إليه ‪ ،‬فإنه كافيك وناصرك ومؤيدك ومظفرك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ص ُمكَ مِنَ‬
‫ك وَإِنْ َلمْ َت ْفعَلْ َفمَا بَّل ْغتَ رِسَالَتَ ُه وَاللّهُ َي ْع ِ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّب َ‬
‫النّاسِ } [ المائدة ‪.]67 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬والتشهي فيهم يوالون لهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ل يملكون"‪.‬‬

‫( ‪)6/118‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن محمد بن علي بن ُنفَيْل قال ‪ :‬قرأت‬
‫حوْشَب قال ‪ :‬لقي‬
‫شهْر بن َ‬
‫على َمعْقِل ‪ -‬يعني ابن عبيد ال ‪ -‬عن عبد ال بن أبي حسين ‪ ،‬عن َ‬
‫سلمانُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم في بعض فجاج (‪ )1‬المدينة ‪ ،‬فسجد له ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل تسجد‬
‫لي يا سلمان ‪ ،‬واسجد للحي الذي ل يموت" وهذا مرسل حسن (‪.)2‬‬
‫حمْ ِدهِ } ‪ ،‬أي ‪ :‬اقرن بين حمده وتسبيحه] (‪ )3‬؛ ولهذا كان رسول ال‬
‫[وقوله تعالى ‪ { :‬وَسَبّحْ ِب َ‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬سبحانك اللهم رَبّنا وبحمدك" أي ‪ :‬أخلص له العبادة والتوكل ‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى ‪َ { :‬ربّ ا ْلمَشْرِقِ وَا ْل َمغْرِبِ ل إِلَهَ إِل ُهوَ فَاتّخِ ْذ ُه َوكِيل } [ المزمل ‪.]9 :‬‬
‫حمَنُ آمَنّا ِب ِه وَعَلَيْهِ َت َوكّلْنَا } [ الملك ‪:‬‬
‫وقال ‪ { :‬فَاعْبُ ْد ُه وَ َت َو ّكلْ عَلَ ْيهِ } [ هود ‪ُ {]123 :‬قلْ ُهوَ الرّ ْ‬
‫‪.]29‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬و َكفَى بِهِ ِبذُنُوبِ عِبَا ِدهِ خَبِيرًا } أي ‪ :‬لعلمه (‪ )4‬التام الذي ل يخفى عليه خافية ‪ ،‬ول‬
‫يعزب عنه مثقال ذرة‪.‬‬
‫ت وَال ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ } أي ‪ :‬هو الحي الذي ل يموت ‪،‬‬
‫س َموَا ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫وهو خالق كل شيء وربه ومليكه ‪ ،‬الذي خلق بقدرته وسلطانه السموات السبع في ارتفاعها‬
‫واتساعها ‪ ،‬والرضين السبع في سفولها وكثافتها ‪ { ،‬فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ‬
‫حمَنُ ] } (‪ ، )5‬أي ‪ :‬يدبر المر ‪ ،‬ويقضي الحق ‪ ،‬وهو خير الفاصلين‪.‬‬
‫[الرّ ْ‬
‫حمَنُ فَاسَْألْ بِهِ خَبِيرًا } أي ‪ :‬استعلم عنه من هو خبير به‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ الرّ ْ‬
‫عالم به فاتبعه واقتد به ‪ ،‬وقد عُلِم أنه ل أحد أعلم بال ول أخبر به من عبده ورسوله محمد ‪،‬‬
‫صلوات ال وسلمه ‪ ،‬على (‪ )6‬سيد ولد آدم على الطلق ‪ ،‬في الدنيا والخرة ‪ ،‬الذي ل ينطق‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عن الهوى ‪ ،‬إن هو إل وحي يوحى ‪ -‬فما قاله فهو حق ‪ ،‬وما أخبر به فهو صدق ‪ ،‬وهو المام‬
‫المحكم الذي إذا تنازع الناس في شيء ‪ ،‬وجب ردّ نزاعهم إليه ‪ ،‬فما يوافق أقواله ‪ ،‬وأفعاله فهو‬
‫الحق ‪ ،‬وما يخالفها (‪ )7‬فهو مردود على قائله وفاعله ‪ ،‬كائنا من كان ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬فَإِنْ‬
‫شيْءٍ فَ ُردّوهُ إِلَى اللّ ِه وَالرّسُولِ } [ النساء ‪.]59 :‬‬
‫تَنَازَعْتُمْ فِي َ‬
‫ح ْكمُهُ إِلَى اللّهِ } [ الشورى ‪ ، ]10 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَ َت ّمتْ‬
‫شيْءٍ فَ ُ‬
‫وقال ‪َ { :‬ومَا اخْتََلفْتُمْ فِيهِ مِنْ َ‬
‫ك صِ ْدقًا وَعَدْل } [ النعام ‪ ]115 :‬أي ‪ :‬صدقا في الخبار وعدل في الوامر والنواهي ؛‬
‫كَِلمَةُ رَ ّب َ‬

‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬مخارج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (‪ )2/103‬من طريق محمد بن أحمد بن سيار عن هشام‬
‫عن إسماعيل بن عياش عن عبد ال بن عبد الرحمن بن أبي حسين به‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بعلمه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬وما خالفها"‪.‬‬

‫( ‪)6/119‬‬

‫ج َعلَ اللّ ْيلَ‬


‫ج َعلَ فِيهَا سِرَاجًا َو َقمَرًا مُنِيرًا (‪ )61‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬
‫سمَاءِ بُرُوجًا وَ َ‬
‫ج َعلَ فِي ال ّ‬
‫تَبَا َركَ الّذِي َ‬
‫شكُورًا (‪)62‬‬
‫وَال ّنهَارَ خِ ْلفَةً ِلمَنْ أَرَادَ أَنْ َي ّذكّرَ َأوْ أَرَادَ ُ‬

‫ولهذا قال ‪ { :‬فَاسَْألْ ِبهِ خَبِيرًا } قال مجاهد في قوله ‪ { :‬فَاسَْألْ بِهِ خَبِيرًا } قال ‪ :‬ما أخبرتك (‪)1‬‬
‫من شيء فهو كما أخبرتك‪ .‬وكذا قال ابن جريج‪.‬‬
‫وقال شمر بن عطية في قوله ‪ { :‬فَاسَْألْ ِبهِ خَبِيرًا } قال ‪ :‬هذا القرآن خبير به‪.‬‬
‫ثم قال تعالى منكرا على المشركين الذين يسجدون لغير ال من الصنام والنداد ‪ { :‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمُ‬
‫سمّى ال‬
‫حمَنُ } ؟ أي ‪ :‬ل نعرف الرحمن‪ .‬وكانوا ينكرون أن يُ َ‬
‫حمَنِ قَالُوا َومَا الرّ ْ‬
‫سجُدُوا لِلرّ ْ‬
‫اْ‬
‫باسمه الرحمن ‪ ،‬كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين قال النبي صلى ال عليه وسلم للكاتب ‪" :‬اكتب‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم" فقالوا ‪ :‬ل نعرف الرحمن ول الرحيم ‪ ،‬ولكن اكتب كما كنت تكتب ‪:‬‬
‫سمَاءُ‬
‫حمَنَ أَيّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ ال ْ‬
‫باسمك اللهم ؛ ولهذا أنزل ال ‪ُ { :‬قلِ ادْعُوا اللّهَ َأوِ ادْعُوا الرّ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حسْنَى } [ السراء ‪ ]110 :‬أي ‪ :‬هو ال وهو الرحمن‪ .‬وقال في هذه الية ‪ { )2( :‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمُ‬
‫الْ ُ‬
‫سجُدُ ِلمَا تَ ْأمُرُنَا } أي ‪:‬‬
‫حمَنُ } ؟ أي ‪ :‬ل نعرفه ول نُقر به ؟ { أَنَ ْ‬
‫حمَنِ قَالُوا َومَا الرّ ْ‬
‫سجُدُوا لِلرّ ْ‬
‫اْ‬
‫لمجرد قولك ؟ { وَزَادَ ُهمْ ُنفُورًا } ‪ ،‬أما (‪ )3‬المؤمنون فإنهم يعبدون ال الذي هو الرحمن الرحيم ‪،‬‬
‫ويُفْرِدُونه باللهية ويسجدون له‪ .‬وقد اتفق العلماء ‪ -‬رحمهم ال ‪ -‬على أن هذه السجدة التي في‬
‫الفرقان مشروع السجودُ عندها لقارئها ومستمعها ‪ ،‬كما هو مقرر في موضعه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ج َعلَ اللّ ْيلَ‬
‫ج َعلَ فِيهَا سِرَاجًا َو َقمَرًا مُنِيرًا (‪ )61‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬
‫سمَاءِ بُرُوجًا وَ َ‬
‫ج َعلَ فِي ال ّ‬
‫{ تَبَا َركَ الّذِي َ‬
‫شكُورًا (‪.} )62‬‬
‫وَال ّنهَارَ خِ ْلفَةً ِلمَنْ أَرَادَ أَنْ َي ّذكّرَ َأوْ أَرَادَ ُ‬
‫يقول تعالى ممجدا نفسه ‪ ،‬ومعظما على جميل ما خلق في السماء من البروج ‪ -‬وهي الكواكب‬
‫العظام ‪ -‬في قول مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جُبير ‪ ،‬وأبي صالح ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هي قصور في السماء للحرس ‪ ،‬يروى هذا عن علي ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪،‬‬
‫وإبراهيم النخعي ‪ ،‬وسليمان بن ِمهْران العمش‪ .‬وهو رواية عن أبي صالح أيضا ‪ ،‬والقول الول‬
‫أظهر‪ .‬اللهم إل أن يكون الكواكب العظام هي قصور للحرس ‪ ،‬فيجتمع القولن ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫جعَلْنَاهَا ُرجُومًا لِلشّيَاطِينِ } [ الملك ‪ ]5 :‬؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫سمَاءَ الدّنْيَا ِب َمصَابِيحَ وَ َ‬
‫{ وََلقَدْ زَيّنّا ال ّ‬
‫ج َعلَ فِيهَا سِرَاجًا } وهي الشمس المنيرة ‪ ،‬التي هي‬
‫سمَاءِ بُرُوجًا وَ َ‬
‫ج َعلَ فِي ال ّ‬
‫{ تَبَا َركَ الّذِي َ‬
‫جعَلْنَا سِرَاجًا وَهّاجًا } [ النبأ ‪.]13 :‬‬
‫كالسراج في الوجود ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَ َ‬
‫{ َو َقمَرًا مُنِيرًا } أي ‪ :‬مضيئا مشرقا بنور آخر ونوع وفن آخر ‪ ،‬غير نور الشمس ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫س ضِيَا ًء وَا ْل َقمَرَ نُورًا } [ يونس ‪ ، ]5 :‬وقال مخبرا عن نوح ‪ ،‬عليه‬
‫شمْ َ‬
‫ج َعلَ ال ّ‬
‫{ ُهوَ الّذِي َ‬
‫ج َعلَ ا ْل َقمَرَ فِيهِنّ نُورًا‬
‫سمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَ َ‬
‫السلم ‪ ،‬أنه قال لقومه ‪َ { :‬ألَمْ تَ َروْا كَ ْيفَ خََلقَ اللّهُ سَبْعَ َ‬
‫شمْسَ سِرَاجًا } [ نوح ‪.]16 - 15 :‬‬
‫ج َعلَ ال ّ‬
‫وَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ما أخبرك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الية الكريمة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فأما"‪.‬‬

‫( ‪)6/120‬‬

‫حمَنِ الّذِينَ َي ْمشُونَ عَلَى الْأَ ْرضِ َهوْنًا وَِإذَا خَاطَ َبهُمُ ا ْلجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (‪ )63‬وَالّذِينَ‬
‫وَعِبَادُ الرّ ْ‬
‫عذَا َبهَا كَانَ‬
‫جهَنّمَ إِنّ َ‬
‫سجّدًا َوقِيَامًا (‪ )64‬وَالّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا اصْ ِرفْ عَنّا عَذَابَ َ‬
‫يَبِيتُونَ لِرَ ّبهِمْ ُ‬
‫غَرَامًا (‪ )65‬إِ ّنهَا سَا َءتْ ُمسْ َتقَرّا َو ُمقَامًا (‪ )66‬وَالّذِينَ إِذَا أَ ْنفَقُوا لَمْ يُسْ ِرفُوا وَلَمْ َيقْتُرُوا َوكَانَ بَيْنَ‬
‫ذَِلكَ َقوَامًا (‪)67‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل وَال ّنهَارَ خِ ْلفَةً } أي ‪ :‬يخلف كل واحد منهما الخر ‪ ،‬يتعاقبان ل‬
‫ج َعلَ اللّ ْي َ‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬
‫شمْسَ‬
‫يفتران‪ .‬إذا ذهب هذا جاء هذا ‪ ،‬وإذا جاء هذا ذهب ذاك (‪ ، )1‬كما قال ‪ { :‬وَسَخّرَ َل ُكمُ ال ّ‬
‫ل وَال ّنهَارَ } [ إبراهيم ‪ ، ] 33 :‬وقال { ُي ْغشِي اللّ ْيلَ ال ّنهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا‬
‫ن وَسَخّرَ َل ُكمُ اللّ ْي َ‬
‫وَا ْلقَمَرَ دَائِبَيْ ِ‬
‫شمْسُ يَنْ َبغِي َلهَا أَنْ‬
‫سخّرَاتٍ بَِأمْ ِرهِ } [ العراف ‪]54 :‬وقال ‪ { :‬ل ال ّ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ وَالنّجُومَ مُ َ‬
‫شمْ َ‬
‫وَال ّ‬
‫تُدْ ِركَ ا ْل َقمَ َر وَل اللّ ْيلُ سَابِقُ ال ّنهَا ِر َو ُكلّ فِي فََلكٍ َيسْبَحُونَ } [ يس ‪.]40 :‬‬
‫شكُورًا } (‪ )2‬أي ‪ :‬جعلهما يتعاقبان ‪ ،‬توقيتا لعبادة عباده‬
‫وقوله ‪ِ { :‬لمَنْ أَرَادَ أَنْ َي ّذكّرَ َأوْ أَرَادَ ُ‬
‫له ‪ ،‬فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار ‪ ،‬ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل‪.‬‬
‫وقد جاء في الحديث الصحيح ‪" :‬إن ال تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ‪ ،‬ويبسط يده‬
‫بالنهار ليتوب مسيء الليل" (‪.)3‬‬
‫قال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا أبو حُرّة (‪ )4‬عن الحسن ‪ :‬أن عمر بن الخطاب أطال صلة‬
‫الضحى ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه ؟ فقال ‪ :‬إنه بقي علي من وردي شيء ‪،‬‬
‫ل وَال ّنهَارَ خِ ْلفَةً [ِلمَنْ‬
‫ج َعلَ اللّ ْي َ‬
‫فأحببت أن أتمه ‪ -‬أو قال ‪ :‬أقضيه ‪ -‬وتل هذه الية ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬
‫شكُورًا] } (‪.)6( )5‬‬
‫أَرَادَ أَنْ يَ ّذكّرَ َأوْ أَرَادَ ُ‬
‫ل وَال ّنهَارَ خِ ْلفَةً } (‪] )7‬‬
‫ج َعلَ اللّ ْي َ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس [قوله ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬
‫يقول ‪ :‬من فاته شيء من الليل أن يعمله ‪ ،‬أدركه بالنهار ‪ ،‬أو من النهار أدركه بالليل‪ .‬وكذا قال‬
‫عكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير‪ .‬والحسن‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ { :‬خِ ْلفَة } أي ‪ :‬مختلفين ‪ ،‬هذا بسواده ‪ ،‬وهذا بضيائه‪.‬‬
‫حمَنِ الّذِينَ َيمْشُونَ عَلَى ال ْرضِ َهوْنًا وَِإذَا خَاطَ َبهُمُ ا ْلجَاهِلُونَ قَالُوا سَلمًا (‪ )63‬وَالّذِينَ‬
‫{ وَعِبَادُ الرّ ْ‬
‫عذَا َبهَا كَانَ‬
‫جهَنّمَ إِنّ َ‬
‫سجّدًا َوقِيَامًا (‪ )64‬وَالّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا اصْ ِرفْ عَنّا عَذَابَ َ‬
‫يَبِيتُونَ لِرَ ّبهِمْ ُ‬
‫غَرَامًا (‪ )65‬إِ ّنهَا سَا َءتْ ُمسْ َتقَرّا َو ُمقَامًا (‪ )66‬وَالّذِينَ إِذَا أَ ْنفَقُوا لَمْ يُسْ ِرفُوا وَلَمْ َيقْتُرُوا َوكَانَ بَيْنَ‬
‫ذَِلكَ َقوَامًا (‪.} )67‬سب‬
‫هذه صفات عباد ال المؤمنين { الّذِينَ َيمْشُونَ عَلَى ال ْرضِ َهوْنًا } أي ‪ :‬بسكينة ووقار من غير‬
‫جَبَرية ول استكبار ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَل َتمْشِ فِي ال ْرضِ مَرَحًا إِ ّنكَ لَنْ تَخْ ِرقَ ال ْرضَ وَلَنْ تَبُْلغَ‬
‫الْجِبَالَ طُول } [ السراء ‪ .]37 :‬فأما هؤلء فإنهم يمشون من غير استكبار ول مرح ‪ ،‬ول أشر‬
‫ول بطر ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬نشورا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2759‬من حديث أبي موسى الشعري رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أبو حمزة"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬وهذا منقطع ‪ ،‬فالحسن لم يسمع من عمر‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/121‬‬

‫وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى من التصانع تصنعًا ورياء ‪ ،‬فقد كان سيد ولد آدم صلى ال‬
‫عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صَبَب ‪ ،‬وكأنما الرض تطوى له‪ .‬وقد كره بعض السلف‬
‫المشي بتضعف وتصنع ‪ ،‬حتى روي عن عمر أنه رأى شابًا يمشي رُويدًا ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما بالك ؟‬
‫أأنت مريض ؟ قال ‪ :‬ل يا أمير المؤمنين‪ .‬فعله بالدرة ‪ ،‬وأمره أن يمشي بقوة‪ .‬وإنما (‪ )1‬المراد‬
‫بال َهوْن هاهنا السكينة والوقار ‪ ،‬كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا أتيتم الصلة فل‬
‫تأتوها وأنتم تسعون ‪ ،‬وأتوها وعليكم السكينة ‪ ،‬فما أدركتم فصلوا ‪ ،‬وما فاتكم فأتموا" (‪.)2‬‬
‫وقال عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن يحيى (‪ )3‬بن المختار ‪ ،‬عن الحسن البصري في‬
‫حمَنِ الّذِينَ َيمْشُونَ عَلَى ال ْرضِ َهوْنًا } قال ‪ :‬إن المؤمنين قوم ذُلُل ‪ ،‬ذلت منهم‬
‫قوله ‪ { :‬وَعِبَادُ الرّ ْ‬
‫‪ -‬وال ‪ -‬السماعُ والبصار والجوارح ‪ ،‬حتى تحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ‪ ،‬وإنهم‬
‫لصحاء ‪ ،‬ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ‪ ،‬ومنعهم من الدنيا علمهم بالخرة ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬الحمد ل الذي أذهب عنا الحزن‪ .‬أما وال ما أحزنهم حزن الناس ‪ ،‬ول تعاظم في نفوسهم‬
‫شيء طلبوا به الجنة ‪ ،‬أبكاهم الخوف من النار ‪ ،‬وإنه من لم يتعز بعزاء ال َتقَطّعُ نفسُه على‬
‫الدنيا حسرات ‪ ،‬ومن لم ير ل نعمة إل في مطعم أو في مشرب ‪ ،‬فقد قلّ علمه (‪ )4‬وحضَر‬
‫عذابهُ‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذَا خَاطَ َبهُمُ ا ْلجَاهِلُونَ قَالُوا سَلمًا } أي ‪ :‬إذا سَفه عليهم الجهال بالسّيئ ‪ ،‬لم يقابلوهم‬
‫عليه بمثله ‪ ،‬بل يعفون ويصفحون ‪ ،‬ول يقولون إل خيرًا ‪ ،‬كما كان رسول ال صلى ال عليه‬
‫س ِمعُوا الّل ْغوَ أَعْ َرضُوا عَ ْنهُ‬
‫وسلم ل تزيده شدة الجهل عليه إل حلما ‪ ،‬وكما قال تعالى ‪ { :‬وَِإذَا َ‬
‫عمَاُلكُمْ سَلمٌ عَلَ ْيكُمْ ل نَبْ َتغِي ا ْلجَاهِلِينَ } [ القصص ‪.]55 :‬‬
‫عمَالُنَا وََلكُمْ أَ ْ‬
‫َوقَالُوا لَنَا أَ ْ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أسود بن عامر ‪ ،‬حدثنا أبو بكر ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي خالد الوالبي ‪،‬‬
‫عن النعمان بن ُمقَرّن المُزَني قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم [وسبّ رجلٌ رجل عنده ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فجعل الرجل المسبوب يقول ‪ :‬عليك السلم‪ .‬قال ‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"أما] (‪ )5‬إن ملكًا بينكما يذب عنك ‪ ،‬كلما شتمك هذا قال له ‪ :‬بل أنت وأنت أحق به‪ .‬وإذا قال له‬
‫‪ :‬عليك السلم ‪ ،‬قال ‪ :‬ل بل عليك ‪ ،‬وأنت أحق به‪ " .‬إسناده حسن ‪ ،‬ولم يخرجوه (‪.)6‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬قَالُوا سَلمًا } يعني ‪ :‬قالوا ‪ :‬سدادًا‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬ردوا معروفًا من القول‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ { :‬قَالُوا [سَلمًا } ‪ ،‬قال ‪ :‬حلماء ل يجهلون] (‪ ، )7‬وإن جهل عليهم حلموا‪.‬‬
‫يصاحبون عباد ال نهارهم بما تسمعون (‪ ، )8‬ثم ذكر أن ليلهم خير ليل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وأما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )635‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )603‬من حديث أبي قتادة‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عمله"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )5/445‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/75‬رجاله رجال الصحيح ‪ ،‬غير أبي خالد‬
‫الوالبي وهو ثقة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بما يسمعون"‪.‬‬

‫( ‪)6/122‬‬

‫سجّدًا َوقِيَامًا } أي ‪ :‬في عبادته وطاعته ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬كَانُوا‬


‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَ ّبهِمْ ُ‬
‫ن وَبِالسْحَارِ ُهمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ } [ الذاريات ‪ ، ]18 - 17 :‬وقال { تَ َتجَافَى‬
‫جعُو َ‬
‫قَلِيل مِنَ اللّ ْيلِ مَا َيهْ َ‬
‫ط َمعًا َو ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْن ِفقُونَ } [ السجدة ‪ ]16 :‬وقال‬
‫خ ْوفًا وَ َ‬
‫جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَاجِعِ َيدْعُونَ رَ ّب ُهمْ َ‬
‫حمَةَ رَبّهِ } الية [ الزمر ‪]9 :‬‬
‫{ َأمّنْ ُهوَ قَا ِنتٌ آنَاءَ اللّ ْيلِ سَاجِدًا َوقَا ِئمًا َيحْذَ ُر الخِ َرةَ وَيَرْجُو رَ ْ‬
‫عذَا َبهَا كَانَ غَرَامًا } أي ‪ :‬ملزما‬
‫جهَنّمَ إِنّ َ‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬وَالّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا اصْ ِرفْ عَنّا عَذَابَ َ‬
‫دائما ‪ ،‬كما قال الشاعر (‪: )1‬‬
‫إنْ ُيعَذّب َيكُنْ غَرَامًا ‪ ،‬وإن ُيعْـ‪ ...‬ط جزيل فإنه ل يُبَالي‪...‬‬
‫ولهذا قال الحسن في قوله ‪ { :‬إِنّ عَذَا َبهَا كَانَ غَرَامًا } ‪ :‬كل شيء يصيب ابن آدم ويزول عنه‬
‫فليس بغرام ‪ ،‬وإنما الغرام اللزم ما دامت السموات والرض‪ .‬وكذا قال سليمان التيمي‪.‬‬
‫عذَا َبهَا كَانَ غَرَامًا } يعني ‪ :‬ما نعموا في الدنيا ؛ إن‬
‫وقال محمد بن كعب [القرظي] (‪ { : )2‬إِنّ َ‬
‫ال سأل الكفار عن النعمة فلم يردوها إليه ‪ ،‬فأغرمهم فأدخلهم النار‪.‬‬
‫{ إِ ّنهَا سَا َءتْ مُسْ َتقَرّا َومُقَامًا } أي ‪ :‬بئس المنزل منظرا ‪ ،‬وبئس المقيل مقامًا‪.‬‬
‫[و] (‪ )3‬قال ابن أبي حاتم عند قوله ‪ { :‬إِ ّنهَا سَا َءتْ مُسْ َتقَرّا َو ُمقَامًا } ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الحسن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بن الربيع ‪ ،‬حدثنا أبو الحوص عن العمش ‪ ،‬عن مالك بن الحارث قال ‪ :‬إذا طُرح الرجل في‬
‫النار هوى فيها ‪ ،‬فإذا انتهى إلى بعض أبوابها قيل له ‪ :‬مكانك حتى تتحف ‪ ،‬قال ‪ :‬فيسقى كأسا‬
‫من سُمّ الساود والعقارب ‪ ،‬قال ‪ :‬فيميز الجلد على حدة ‪ ،‬والشعر على حدة ‪ ،‬والعصب على حدة‬
‫‪ ،‬والعروق على حدة‪.‬‬
‫وقال أيضًا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الحسن بن الربيع ‪ ،‬حدثنا أبو الحوص ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن‬
‫مجاهد ‪ ،‬عن عُبيد بن عمير قال ‪ :‬إن في النار لجبابًا فيها حيات أمثال البخت ‪ ،‬وعقارب أمثال‬
‫البغال الدلم (‪ ، )4‬فإذا قذف بهم في النار خرجت إليهم من أوطانها فأخذت بشفاههم وأبشارهم‬
‫وأشعارهم ‪ ،‬فكشطت لحومهم إلى أقدامهم ‪ ،‬فإذا وجدت حر النار رجعت‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا الحسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا سلم ‪ -‬يعني ابن مسكين ‪ -‬عن أبي ظلل ‪،‬‬
‫عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن عبدًا في جهنم‬
‫لينادي ألف سنة ‪ :‬يا حنان ‪ ،‬يا منان‪ .‬فيقول ال لجبريل ‪ :‬اذهب فآتني بعبدي هذا‪ .‬فينطلق جبريل‬
‫فيجد أهل النار مُنكبين (‪ )5‬يبكون ‪ ،‬فيرجع إلى ربه عز وجل فيخبره ‪ ،‬فيقول ال عز وجل ‪:‬‬
‫آتني به فإنه في مكان كذا وكذا‪ .‬فيجيء به فيوقفه على ربه عز وجل ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬يا عبدي ‪،‬‬
‫كيف وجدت مكانك ومقيلك ؟ فيقول ‪ :‬يا رب شر مكان ‪ ،‬شر مقيل‪ .‬فيقول ‪ :‬ردوا عبدي‪ .‬فيقول‬
‫‪ :‬يا رب ‪ ،‬ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تردني فيها! فيقول ‪ :‬دعوا عبدي (‪.)6‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ إِذَا أَ ْن َفقُوا َلمْ يُسْ ِرفُوا وَلَمْ َيقْتُرُوا َوكَانَ بَيْنَ ذَِلكَ َقوَامًا } أي ‪ :‬ليسوا بمبذرين في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هو العشى ‪ -‬ميمون بن قيس ‪ -‬والبيت في تفسير الطبري (‪.)19/23‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬الدهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬مكبين"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )3/230‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/384‬رجاله رجال الصحيح غير أبي‬
‫ظلل وضعفه الجمهور ‪ ،‬ووثقه ابن حبان"‪.‬‬

‫( ‪)6/123‬‬

‫إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ‪ ،‬ول بخلء على أهْليهم فيقصرون في حقهم فل يكفونهم ‪ ،‬بل‬
‫عَدْل خيارًا ‪ ،‬وخير المور أوسطها ‪ ،‬ل هذا ول هذا ‪َ { ،‬وكَانَ بَيْنَ ذَِلكَ َقوَامًا } ‪َ ،‬كمَا قَالَ ‪:‬‬
‫سطِ فَ َت ْقعُدَ مَلُومًا َمحْسُورًا } [ السراء ‪:‬‬
‫طهَا ُكلّ الْبَ ْ‬
‫س ْ‬
‫ك وَل تَبْ ُ‬
‫ج َعلْ يَ َدكَ َمغْلُولَةً إِلَى عُ ُن ِق َ‬
‫{ وَل تَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪.]29‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عصام (‪ )1‬بن خالد ‪ ،‬حدثني أبو بكر بن عبد ال بن أبي مريم‬
‫ضمْرَة ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من فقه الرجل‬
‫الغساني ‪ ،‬عن َ‬
‫رفقه في معيشته"‪ .‬ولم يخرجوه (‪.)2‬‬
‫سكَين (‪ )4‬بن عبد العزيز العَبْدي ‪،‬‬
‫وقال [المام] (‪ )3‬أحمد أيضًا ‪ :‬حدثنا أبو عبيدة الحداد ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫حدثنا إبراهيم الهَجَري عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬ما عال من اقتصد"‪ .‬ولم يخرجوه (‪.)5‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا أحمد بن يحيى ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون (‪)6‬‬
‫حدثنا سعيد (‪ )7‬بن حكيم ‪ ،‬عن مسلم بن حبيب ‪ ،‬عن بلل ‪ -‬يعني العبسي ‪ -‬عن حذيفة قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "ما أحسن القصد في الغنى ‪ ،‬وأحسن القصد في الفقر ‪،‬‬
‫وأحسن القصد في العبادة" ثم قال ‪ :‬ل نعرفه يروى إل من حديث حذيفة رضي ال عنه (‪.)8‬‬
‫وقال إياس بن معاوية ‪ :‬ما جاوزت به أمر ال فهو سرف‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬السرف النفقة في معصية ال‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬ليس النفقة في سبيل ال سرفا [وال أعلم] (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عاصم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)5/194‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬مسكين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )1/447‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )10/252‬في إسناده إبراهيم بن مسلم الهجري‬
‫وهو ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إبراهيم بن محمد بن محمد بن ميمون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ‪ ،‬أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬مسند البزار برقم (‪ )3604‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/252‬رواه البزار عن سعيد بن‬
‫حكيم عن مسلم بن حبيب ‪ ،‬ومسلم هذا لم أجد من ذكره إل ابن حبان في ترجمة سعيد الراوي‬
‫عنه ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/124‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن َومَنْ َي ْفعَلْ‬
‫وَالّذِينَ لَا َيدْعُونَ مَعَ اللّهِ إَِلهًا َآخَ َر وَلَا َيقْتُلُونَ ال ّنفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلّا بِا ْلحَقّ وَلَا يَزْنُو َ‬
‫عمِلَ‬
‫عفْ َلهُ ا ْلعَذَابُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَ َيخْلُدْ فِيهِ ُمهَانًا (‪ )69‬إِلّا مَنْ تَابَ َو َآمَنَ وَ َ‬
‫ذَِلكَ يَ ْلقَ أَثَامًا (‪ُ )68‬يضَا َ‬
‫ع ِملَ‬
‫ب وَ َ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا (‪َ )70‬ومَنْ تَا َ‬
‫حسَنَاتٍ َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫عمَلًا صَالِحًا فَأُولَ ِئكَ يُبَ ّدلُ اللّهُ سَيّئَا ِت ِهمْ َ‬
‫َ‬
‫صَالِحًا فَإِنّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتَابًا (‪)71‬‬

‫ن َومَنْ‬
‫ن ل َيدْعُونَ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَ َر وَل َيقْتُلُونَ ال ّنفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِل بِا ْلحَقّ وَل يَزْنُو َ‬
‫{ وَالّذِي َ‬
‫عفْ لَهُ ا ْلعَذَابُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَيَخُْلدْ فِيهِ ُمهَانًا (‪ )69‬إِل مَنْ تَابَ وَآمَنَ‬
‫َي ْفعَلْ ذَِلكَ يَ ْلقَ أَثَامًا (‪ُ )68‬يضَا َ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا (‪َ )70‬ومَنْ تَابَ‬
‫حسَنَاتٍ َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫عمَل صَالِحًا فَأُولَ ِئكَ يُ َب ّدلُ اللّهُ سَيّئَا ِت ِهمْ َ‬
‫عمِلَ َ‬
‫وَ َ‬
‫ل صَالِحًا فَإِنّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتَابًا (‪.} )71‬‬
‫عمِ َ‬
‫وَ َ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن شَقيق ‪ ،‬عن عبد ال ‪ -‬هو ابن مسعود‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬سُئل رسول ال صلى ال عليه وسلم أي ‪ :‬الذنب أكبر ؟ قال ‪" :‬أن تَجعل ل ندًا وهو‬
‫خلقك"‪ .‬قال ‪ :‬ثم أي ؟ قال ‪" :‬أن تقتل ولدك خشية أن َيطْعم معك"‪ .‬قال ‪ :‬ثم أي ؟ قال ‪" :‬أن تزاني‬

‫( ‪)6/124‬‬

‫ن ل َيدْعُونَ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَ َر وَل‬


‫حليلة جارك"‪ .‬قال عبد ال ‪ :‬وأنزل ال تصديق ذلك ‪ { :‬وَالّذِي َ‬
‫ن َومَنْ َي ْفعَلْ َذِلكَ يَلْقَ أَثَامًا }‪.‬‬
‫ق وَل يَزْنُو َ‬
‫حّ‬‫َيقْتُلُونَ ال ّنفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِل بِالْ َ‬
‫وهكذا رواه النسائي عن هَنّاد بن السري ‪ ،‬عن أبي معاوية ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫وقد أخرجه البخاري ومسلم ‪ ،‬من حديث العمش ومنصور ‪ -‬زاد البخاري ‪ :‬وواصل ‪ -‬ثلثتهم‬
‫عن أبي وائل ‪ ،‬شقيق بن سلمة ‪ ،‬عن أبي مَيْسَرة عمرو بن شرحبيل ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬به (‪، )2‬‬
‫فال أعلم ‪ ،‬ولفظهما عن ابن مسعود قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أي الذنب أعظم ؟ الحديث‪.‬‬
‫طريق غريب ‪ :‬وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أحمد بن إسحاق الهوازي ‪ ،‬حدثنا عامر بن مُدْرِك ‪،‬‬
‫حدثنا السري ‪ -‬يعني ابن إسماعيل ‪ -‬حدثنا الشعبي ‪ ،‬عن مسروق قال ‪ :‬قال عبد ال ‪ :‬خرج‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يوم فاتبعته ‪ ،‬فجلس على نَشَز من الرض ‪ ،‬وقعدت أسفل‬
‫منه ‪ ،‬ووجهي حيال ركبتيه ‪ ،‬واغتنمت (‪ )3‬خلوته وقلت (‪ : )4‬بأبي أنت وأمي يا رسول ال ‪،‬‬
‫أي الذنوب (‪ )5‬أكبر ؟ قال ‪" :‬أن تدعو ل ندًا وهو خلقك"‪.‬قلت ‪ :‬ثم مه ؟ (‪ )6‬قال ‪" :‬أن تقتل‬
‫نل‬
‫ولدك كراهية أن يطعم معك"‪ .‬قلت ‪ :‬ثم مه ؟ قال ‪" :‬أن تزاني حليلة جارك"‪ .‬ثم قرأ ‪ { :‬وَالّذِي َ‬
‫يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ }‪[ .‬إلى آخر] (‪ )7‬الية (‪.)8‬‬
‫وقال النسائي ‪ :‬حدثنا قتيبة بن سعيد ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن هلل بن يَسَاف ‪ ،‬عن‬
‫سلمة بن قيس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم في حجة الوداع ‪" :‬أل إنما هي أربع ‪-‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فما أنا بأشح عليهن مني منذ سمعتهن من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ : -‬ل تشركوا بال‬
‫شيئا ‪ ،‬ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ‪ ،‬ول تزنوا ‪ ،‬ول تسرقوا" (‪.)9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن المديني ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬حدثنا محمد بن فضيل بن غَزْوان ‪،‬‬
‫حدثنا محمد بن سعد (‪ )10‬النصاري ‪ ،‬سمعت أبا طيبة الكَلعي ‪ ،‬سمعت المقداد بن السود ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لصحابه ‪" :‬ما تقولون في الزنى" ؟‬
‫قالوا ‪ :‬حَرّمه ال ورسوله ‪ ،‬فهو حَرَام إلى يوم القيامة ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫لصحابه ‪" :‬لن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره"‪ .‬قال ‪" :‬ما تقولون‬
‫في السرقة" ؟ قالوا ‪ :‬حرمها ال ورسوله ‪ ،‬فهي حرام‪ .‬قال ‪" :‬لن يسرق الرجل من عشرة أبيات‬
‫أيسر عليه من أن يسرق من جاره" (‪.)11‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا عمار بن نصر ‪ ،‬حدثنا بَقيّة ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي مريم ‪،‬‬
‫عن الهيثم بن مالك الطائي عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬قال ‪" :‬ما من ذنب بعد الشرك أعظم‬
‫عند ال من نُطفة وضعها رجل في َرحِم ل يحل له" (‪.)12‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/380‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11368‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )6811‬وصحيح مسلم برقم (‪.)68‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬فاغتنمت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فقلت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الذنب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )6811‬وصحيح مسلم برقم (‪.)68‬‬
‫(‪ )9‬النسائي في السنن الكبرى رقم (‪.)11373‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪ )6/8‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )8/168‬رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )12‬الورع لبن أبي الدنيا برقم (‪" )137‬وهو مرسل ‪ ،‬وفي إسناده بقية وهو مدلس وابن أبي‬
‫مريم ضعيف" أ‪.‬هـ مستفادا من كلم المحقق الفاضل محمد الحمود‪.‬‬

‫( ‪)6/125‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال ابن جُرَيج ‪ :‬أخبرني يعلى ‪ ،‬عن سعيد بن جبير أنه سمعه يحدث (‪ )1‬عن ابن عباس ‪ :‬أن‬
‫ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا ‪ ،‬وزَنَوا فأكثروا ‪ ،‬ثم أتوا محمدًا صلى ال عليه وسلم فقالوا ‪:‬‬
‫نل‬
‫إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن ‪ ،‬لو تخبرنا أن لما عملنا (‪ )2‬كفارة ‪ ،‬فنزلت ‪ { :‬وَالّذِي َ‬
‫ق وَل يَزْنُونَ } ‪ ،‬ونزلت ‪ُ { :‬قلْ‬
‫حّ‬‫يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَ َر وَل َيقْتُلُونَ ال ّنفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِل بِالْ َ‬
‫جمِيعًا [إِنّهُ ُهوَ‬
‫حمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ َي ْغفِرُ الذّنُوبَ َ‬
‫سهِمْ ل َتقْنَطُوا مِنْ َر ْ‬
‫يَا عِبَا ِديَ الّذِينَ أَسْ َرفُوا عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ ] } (‪ [ )3‬الزمر ‪.]53 :‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬عن أبي فَاخِتة‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لرجل ‪" :‬إن ال ينهاك أن تعبد المخلوق وتدع الخالق ‪،‬‬
‫وينهاك أن تقتل ولدك وتغذو كلبك ‪ ،‬وينهاك أن تزني بحليلة جارك"‪ .‬قال سفيان ‪ :‬وهو قوله ‪:‬‬
‫ن ل َيدْعُونَ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَ َر وَل َيقْتُلُونَ ال ّنفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِل بِا ْلحَقّ وَل يَزْنُونَ } (‪.)4‬‬
‫{ وَالّذِي َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ َي ْفعَلْ َذِلكَ يَلْقَ أَثَامًا }‪ .‬روي عن عبد ال بن عمرو أنه قال ‪ { :‬أَثَامًا } واد في‬
‫جهنم‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ { :‬يَ ْلقَ أَثَامًا } أودية في جهنم يعذب فيها الزناة‪ .‬وكذا رُوي عن سعيد بن جبير ‪،‬‬
‫ومجاهد‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬يَ ْلقَ أَثَامًا } نكال كنا نحدث أنه واد في جهنم‪.‬‬
‫وقد ذكر لنا أن لقمان كان يقول ‪ :‬يا بني ‪ ،‬إياك والزنى ‪ ،‬فإن أوله مخافة ‪ ،‬وآخره ندامة‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث الذي رواه ابن جرير وغيره ‪ ،‬عن أبي أمامة الباهلي ‪ -‬موقوفا ومرفوعا ‪-‬‬
‫أن "غيا" و"أثاما" بئران في قعر جهنم (‪ )5‬أجارنا ال منها بمنه وكرمه‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ { :‬يَلْقَ أَثَامًا } ‪ :‬جزاء‪.‬‬
‫عفْ لَهُ ا ْلعَذَابُ َيوْمَ‬
‫وهذا أشبه بظاهر الية ؛ ولهذا فسره بما بعده مبدل منه ‪ ،‬وهو قوله ‪ُ { :‬يضَا َ‬
‫ا ْلقِيَامَةِ } أي ‪ :‬يكرر عليه ويغلظ ‪ { ،‬وَيَخُْلدْ فِيهِ ُمهَانًا } أي ‪ :‬حقيرا ذليل‪.‬‬
‫عمَل ] صَالِحًا } (‪ )6‬أي ‪ :‬جزاؤه على ما فعل من هذه‬
‫ع ِملَ [ َ‬
‫ن وَ َ‬
‫ب وَآمَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِل مَنْ تَا َ‬
‫الصفات القبيحة ما ذكر { إِل مَنْ تَابَ } في الدنيا إلى ال (‪ )7‬من جميع ذلك ‪ ،‬فإن ال يتوب‬
‫عليه‪.‬‬
‫وفي ذلك دللة على صحة توبة القاتل ‪ ،‬ول تعارض (‪ )8‬بين هذه وبين آية النساء ‪َ { :‬ومَنْ َيقْ ُتلْ‬
‫عذَابًا عَظِيمًا } [ النساء ‪:‬‬
‫عدّ لَهُ َ‬
‫غضِبَ اللّهُ عَلَيْ ِه وََلعَنَ ُه وَأَ َ‬
‫جهَنّمُ خَاِلدًا فِيهَا وَ َ‬
‫ُم ْؤمِنًا مُ َت َعمّدًا َفجَزَا ُؤهُ َ‬
‫‪ ]93‬فإن هذه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬يحدثه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أن لنا إن عملنا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكره السيوطي في الدر المنثور (‪ )6/277‬وعزاه لبن أبي حاتم‪ .‬ووقع فيه ‪" :‬عن أبي قتادة"‬
‫فإن كان كذلك فهو موصول ‪ ،‬وإن كان كما هو مثبت هنا فهو مرسل ‪ ،‬ولم يتبين لي الصواب‬
‫منهما ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)19/29‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬وهو الصواب‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬إلى ال في الدنيا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬ول معارض"‪.‬‬

‫( ‪)6/126‬‬

‫وإن كانت مدنية إل أنها مطلقة ‪ ،‬فتحمل على من لم يتب ‪ ،‬لن هذه مقيدة بالتوبة ‪ ،‬ثم قد قال [ال]‬
‫(‪ )1‬تعالى ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ل َي ْغفِرُ أَنْ يُشْ َركَ ِب ِه وَ َيغْفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ ِلمَنْ يَشَاءُ } [ النساء ‪، 48 :‬‬
‫‪.]116‬‬
‫وقد ثبتت السنة الصحيحة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بصحة توبة القاتل ‪ ،‬كما ذكر‬
‫مقررا من قصة الذي قتل مائة رجل ثم تاب ‪ ،‬وقبل منه ‪ ،‬وغير ذلك من الحاديث‪.‬‬
‫غفُورًا َرحِيمًا } ‪ :‬في معنى قوله ‪ { :‬يُ َب ّدلُ‬
‫ت َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأُولَ ِئكَ يُبَ ّدلُ اللّهُ سَيّئَا ِتهِمْ حَسَنَا ٍ‬
‫اللّهُ سَيّئَا ِتهِمْ حَسَنَاتٍ } قولن ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات‪ .‬قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫في قوله ‪ { :‬فَأُولَ ِئكَ يُبَ ّدلُ اللّهُ سَيّئَا ِتهِمْ حَسَنَاتٍ } قال ‪ :‬هم المؤمنون ‪ ،‬كانوا من قبل إيمانهم على‬
‫السيئات ‪ ،‬فرغب ال بهم عن ذلك فحوّلهم إلى الحسنات ‪ ،‬فأبدلهم مكان السيئات الحسنات‪.‬‬
‫وروى مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس أنه كان ينشد عند هذه الية ‪:‬‬
‫بُدّلْنَ َب ْعدَ حَ ّرهِ خَريفا (‪ )2‬وَ َبعْدَ طُول ال ّنفَس الوَجيفَا (‪)3‬‬
‫يعني ‪ :‬تغيرت تلك الحوال إلى غيرها‪.‬‬
‫وقال عطاء بن أبي رباح ‪ :‬هذا في الدنيا (‪ ، )4‬يكون الرجل على هيئة قبيحة ‪ ،‬ثم يبدله ال بها‬
‫خيرا‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬أبدلهم بعبادة الوثان عبادة ال ‪ ،‬وأبدلهم (‪ )5‬بقتال المسلمين قتال مع‬
‫المسلمين للمشركين ‪ ،‬وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬أبدلهم ال بالعمل السيئ العمل الصالح ‪ ،‬وأبدلهم بالشرك إخلصا ‪،‬‬
‫وأبدلهم بالفجور إحصانا وبالكفر إسلما‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهذا قول أبي العالية ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وجماعة آخرين‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات ‪ ،‬وما ذاك إل أنه‬
‫كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر ‪ ،‬فينقلب الذنب طاعة بهذا العتبار‪ .‬فيوم القيامة وإن‬
‫وجده مكتوبا عليه لكنه ل يضره وينقلب حسنة في صحيفته ‪ ،‬كما ثبتت السنة بذلك ‪ ،‬وصحت به‬
‫الثار المروية عن السلف ‪ ،‬رحمهم ال تعالى ‪ -‬وهذا سياق الحديث ‪ -‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫سوَيْد ‪ ،‬عن أبي ذر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال‬
‫حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن المعرور بن ُ‬
‫‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إني لعرف آخر أهل النار خروجا من النار ‪ ،‬وآخر‬
‫أهل الجنة دخول إلى الجنة ‪ :‬يؤتى برجل فيقول ‪َ :‬نحّوا كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فيقال له ‪ :‬عملت يوم كذا وكذا كذا ‪ ،‬وعملت يوم كذا وكذا كذا ؟ فيقول ‪ :‬نعم ‪ -‬ل يستطيع أن‬
‫ينكر من ذلك شيئا ‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬صريفا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيت في تفسير الطبري (‪.)19/30‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬هذا يكون في الدنيا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬وبدلهم"‪.‬‬

‫( ‪)6/127‬‬

‫فيقال ‪ :‬فإن لك بكل سيئة حسنة‪ .‬فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬عملت أشياء ل أراها هاهنا"‪ .‬قال ‪ :‬فضحك‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى بدت نواجذه‪ .‬وانفرد به مسلم (‪.)1‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا هاشم بن يزيد ‪ ،‬حدثنا محمد بن إسماعيل ‪ ،‬حدثني أبي ‪،‬‬
‫ض ْمضَم بن زرعة ‪ ،‬عن شُرَيْح بن عبيد (‪ )2‬عن أبي مالك الشعري قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫حدثني َ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا نام ابن آدم قال الملك للشيطان ‪ :‬أعطني صحيفتك‪ .‬فيعطيه إياها ‪ ،‬فما‬
‫وجد في صحيفته من حسنة محا بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان ‪ ،‬وكتبهن حسنات ‪ ،‬فإذا‬
‫أراد أن ينام أحدكم فليكبر ثلثًا وثلثين تكبيرة ‪ ،‬ويحمد أربعا وثلثين تحميدة ‪ ،‬ويسبح ثلثًا‬
‫وثلثين تسبيحة ‪ ،‬فتلك مائة" (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو سلمة وعارم قال حدثنا ثابت ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن يزيد أبو‬
‫زيد ‪ -‬حدثنا عاصم ‪ ،‬عن أبي عثمان ‪ ،‬عن سلمان قال ‪ :‬يعطى رجل يوم القيامة صحيفته فيقرأ‬
‫أعلها ‪ ،‬فإذا سيئاته (‪ ، )4‬فإذا كاد (‪ )5‬يسوء ظنه نظر (‪ )6‬في أسفلها فإذا حسناته ‪ ،‬ثم ينظر في‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أعلها فإذا هي قد بدلت حسنات‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا سليمان بن موسى الزهري أبو داود ‪،‬‬
‫حدثنا أبو العَنْبَس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬ليأتين ال عز وجل بأناس (‪ )7‬يوم القيامة‬
‫رأوا أنهم قد استكثروا من السيئات ‪ ،‬قيل ‪ :‬مَنْ هم يا أبا هريرة ؟ قال ‪ :‬الذين يبدل ال سيئاتهم‬
‫حسنات‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن أبي زياد ‪ ،‬حدثنا سَيّار ‪ ،‬حدثنا جعفر ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫حمزة ‪ ،‬عن أبي الضيف ‪ -‬وكان من أصحاب معاذ بن جبل ‪ -‬قال ‪ :‬يدخل أهل الجنة الجنة على‬
‫أربعة أصناف ‪ :‬المتقين ‪ ،‬ثم الشاكرين ‪ ،‬ثم الخائفين ‪ ،‬ثم أصحاب اليمين‪ .‬قلت ‪ :‬لِمَ سموا‬
‫أصحاب اليمين ؟ قال ‪ :‬لنهم عملوا الحسنات (‪ )8‬والسيئات ‪ ،‬فأعطوا كتبهم بأيمانهم ‪ ،‬فقرؤوا‬
‫سيئاتهم حرفا حرفا ‪ -‬قالوا ‪ :‬يا ربنا ‪ ،‬هذه سيئاتنا ‪ ،‬فأين حسناتنا ؟‪ .‬فعند ذلك محا ال السيئات‬
‫وجعلها حسنات ‪ ،‬فعند ذلك قالوا ‪( :‬هاؤم اقرؤوا كتابيه) ‪ ،‬فهم أكثر أهل الجنة‪.‬‬
‫وقال علي بن الحسين زين العابدين ‪ { :‬يُبَ ّدلُ اللّهُ سَيّئَا ِتهِمْ حَسَنَاتٍ } قال ‪ :‬في الخرة‪.‬‬
‫وقال مكحول ‪ :‬يغفرها لهم فيجعلها حسنات ‪[ :‬رواهما ابن أبي حاتم ‪ ،‬وروى ابن جرير ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن المسيب مثله] (‪.)9‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )5/170‬وصحيح مسلم برقم (‪.)190‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبدة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المعجم الكبير للطبراني (‪ )3/296‬قال الهيثمي في المجمع (‪" )10/121‬فيه محمد بن إسماعيل‬
‫بن عياش وهو ضعيف" ولم يثبت سماعه عن أبيه أيضا‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬إساءته"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬كان"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ينظر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬أناس"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬بالحسنات"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/128‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حدثنا أبو (‪ )1‬جابر ‪ ،‬أنه سمع مكحول يحدث قال ‪ :‬جاء شيخ كبير هرم قد سقط (‪ )2‬حاجباه على‬
‫عينيه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬رجل غدر وفجر ‪ ،‬ولم يدع حاجة ول داجة إل اقتطعها بيمينه ‪ ،‬لو‬
‫قسمت خطيئته بين أهل الرض لوبقتهم ‪ ،‬فهل له من توبة ؟ فقال له رسول ال (‪ )3‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أسلمتَ ؟" قال (‪ : )4‬أما أنا فأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن (‪)5‬‬
‫محمدًا عبده ورسوله‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فإن ال غافر لك ما كنت كذلك ‪ ،‬ومبدل‬
‫(‪ )6‬سيئاتك حسنات"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وغَدَراتي و َفجَراتي ؟ فقال ‪" :‬وغَدرَاتك وفَجَراتك"‪.‬‬
‫َفوَلّى الرجل يهلل ويكبر (‪.)8( )7‬‬
‫عمْرو (‪ ، )9‬عن عبد الرحمن بن جبير‬
‫وروى الطبراني من حديث أبي المغيرة ‪ ،‬عن صفوان بن َ‬
‫‪ ،‬عن أبي فَ ْر َوةَ ‪ -‬شَطْب ‪ -‬أنه أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬أرأيت رجل عمل‬
‫الذنوب كلها ‪ ،‬ولم يترك حاجة ول داجة ‪ ،‬فهل له من توبة ؟ فقال ‪" :‬أسلمتَ ؟" فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال‬
‫‪" :‬فافعل الخيرات ‪ ،‬واترك السيئات ‪ ،‬فيجعلها (‪ )10‬ال لك خيرات كلها"‪ .‬قال ‪ :‬وغَدرَاتي‬
‫وفَجَراتي ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال فما زال يكبر حتى توارى (‪.)11‬‬
‫حمْصي ‪،‬‬
‫ورواه الطبراني من طريق أبي فَروة الرهاوي ‪ ،‬عن ياسين الزيات ‪ ،‬عن أبي سلمة ال ِ‬
‫عن يحيى بن جابر ‪ ،‬عن سلمة بن نفيل مرفوعًا (‪.)12‬‬
‫وقال أيضًا ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعة ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن المنذر ‪ ،‬حدثنا عيسى بن شعيب بن ثوبان ‪ ،‬عن‬
‫فُلَيْح الشماس ‪ ،‬عن عبيد بن أبي عبيد (‪ )13‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬جاءتني‬
‫امرأة فقالت ‪ :‬هل لي من توبة ؟ إني زنيت وولدت وقتلته‪ .‬فقلت (‪ )14‬ل ول نَعمت العين ول‬
‫كرامة‪ .‬فقامت وهي تدعو بالحسرة‪ .‬ثم صليت مع النبي صلى ال عليه وسلم الصبح ‪ ،‬فقصصت‬
‫عليه ما قالت المرأة وما قلت لها ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬بئسما قلت! أما كنت‬
‫عمِلَ‬
‫ن وَ َ‬
‫ب وَآمَ َ‬
‫تقرأ هذه الية ‪ { :‬وَالّذِينَ ل َيدْعُونَ َمعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ } إلى قوله ‪ { :‬إِل مَنْ تَا َ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا } فقرأتها عليها‪ .‬فخرّت‬
‫ت َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫عمَل صَالِحًا فَأُولَ ِئكَ يُبَ ّدلُ اللّهُ سَيّئَا ِتهِمْ حَسَنَا ٍ‬
‫َ‬
‫ساجدة وقالت ‪ :‬الحمد ل الذي جعل لي مخرجًا‪.‬‬
‫هذا حديث غريب من هذا الوجه ‪ ،‬وفي رجاله مَنْ ل يُعرف وال أعلم‪ .‬وقد رواه ابن جرير من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أسقطت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وأشهد أن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ويبدل"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يكبر ويهلل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬وقد وصله المام أحمد في مسنده (‪ )4/384‬من طريق نوح بن قيس عن أشعث بن جابر‬
‫الحداني عن مكحول عن عمرو بن عبسة به مرفوعا باختصار في أوله وآخره ‪ ،‬وقال الهيثمي‬
‫في المجمع (‪" : )1/32‬رجاله موثقون إل أنه من رواية مكحول عن عمرو بن عبسة ‪ ،‬فل أدري‬
‫أسمع منه أم ل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيجعلهم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المعجم الكبير للطبراني (‪ )7/314‬ورواه الخطيب في تاريخ بغداد (‪ )3/352‬من طريق أبي‬
‫القاسم البغوي عن محمد بن هارون الحربي عن أبي المغيرة به‪ .‬وقال أبو القاسم البغوي ‪" :‬روى‬
‫هذا الحديث غير محمد بن هارون عن أبي المغيرة عن صفوان عن عبد الرحمن بن جبير ‪ :‬أن‬
‫رجل أتى النبي صلى ال عليه وسلم طويل شطب الممدود ‪ ،‬وأحسب أن محمد بن هارون صحف‬
‫فيه ‪ ،‬والصواب ما قال غيره"‪.‬‬
‫(‪ )12‬المعجم الكبير للطبراني (‪ )7/53‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )1/31‬في إسناده ياسين‬
‫الزيات يروي الموضوعات"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن فليح بن عبيد بن أبي عبيد الشماس عن أبيه" والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )14‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬

‫( ‪)6/129‬‬

‫شهَدُونَ الزّو َر وَإِذَا مَرّوا بِالّل ْغوِ مَرّوا كِرَامًا (‪ )72‬وَالّذِينَ إِذَا ُذكّرُوا بِآَيَاتِ رَ ّب ِهمْ لَمْ‬
‫وَالّذِينَ لَا َي ْ‬
‫عمْيَانًا (‪ )73‬وَالّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا َهبْ لَنَا مِنْ أَ ْزوَاجِنَا وَذُرّيّاتِنَا قُ ّرةَ أَعْيُنٍ‬
‫صمّا وَ ُ‬
‫يَخِرّوا عَلَ ْيهَا ُ‬
‫جعَلْنَا لِ ْلمُ ّتقِينَ ِإمَامًا (‪)74‬‬
‫وَا ْ‬

‫حديث إبراهيم بن المنذر الحزَامي بسنده بنحوه ‪ ،‬وعنده ‪ :‬فخرجت تدعو بالحسرة وتقول ‪ :‬يا‬
‫حسرتا! أخلق هذا الحسن للنار ؟ وعنده أنه لما رجع من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫تَطَلّبها (‪ )1‬في جميع دور المدينة فلم يجدها ‪ ،‬فلما كان من الليلة المقبلة جاءته ‪ ،‬فأخبرها بما قال‬
‫له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فخرت ساجدة ‪ ،‬وقالت ‪ :‬الحمد ل الذي جعل لي مخرجًا‬
‫وتوبة مما عملت‪ .‬وأعتقت جارية كانت معها وابنتها ‪ ،‬وتابت إلى ال عز وجل (‪)2‬‬
‫ثم قال تعالى مخبرًا عن عموم رحمته بعباده (‪ )3‬وأنه من تاب إليه منهم تاب عليه من أي ذنب‬
‫ل صَالِحًا فَإِنّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ‬
‫ع ِم َ‬
‫كان ‪ ،‬جليل أو حقير ‪ ،‬كبير أو صغير ‪ :‬فقال { َومَنْ تَابَ وَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مَتَابًا } أي ‪ :‬فإن ال يقبل (‪ )4‬توبته ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َي ْع َملْ سُوءًا َأوْ َيظْلِمْ َنفْسَهُ ثُمّ‬
‫غفُورًا رَحِيمًا } [ النساء ‪ ، ]110 :‬وقال { أََلمْ َيعَْلمُوا أَنّ اللّهَ ُهوَ َيقْبَلُ ال ّتوْبَةَ‬
‫يَسْ َت ْغفِرِ اللّهَ َيجِدِ اللّهَ َ‬
‫ت وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ } [ التوبة ‪ ، ]104 :‬وقال { ُقلْ يَا عِبَا ِديَ‬
‫عَنْ عِبَا ِد ِه وَيَ ْأخُذُ الصّ َدقَا ِ‬
‫جمِيعًا إِنّهُ ُهوَ ا ْل َغفُورُ‬
‫حمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ َي ْغفِرُ الذّنُوبَ َ‬
‫سهِمْ ل َتقْنَطُوا مِنْ رَ ْ‬
‫الّذِينَ أَسْ َرفُوا عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫الرّحِيمُ } [ الزمر ‪ ، ]53 :‬أي ‪ :‬لمن تاب إليه‪.‬‬
‫شهَدُونَ الزّو َر وَإِذَا مَرّوا بِالّل ْغوِ مَرّوا كِرَامًا (‪ )72‬وَالّذِينَ إِذَا ُذكّرُوا بِآيَاتِ رَ ّب ِهمْ لَمْ‬
‫ن ل َي ْ‬
‫{ وَالّذِي َ‬
‫عمْيَانًا (‪ )73‬وَالّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا َهبْ لَنَا مِنْ أَ ْزوَاجِنَا وَذُرّيّاتِنَا قُ ّرةَ أَعْيُنٍ‬
‫صمّا وَ ُ‬
‫يَخِرّوا عَلَ ْيهَا ُ‬
‫جعَلْنَا لِ ْلمُ ّتقِينَ ِإمَامًا (‪} )74‬‬
‫وَا ْ‬
‫شهَدُونَ الزّورَ } قيل ‪ :‬هو الشرك وعبادة‬
‫وهذه أيضا من صفات عباد الرحمن ‪ ،‬أنهم ‪ { :‬ل َي ْ‬
‫الصنام‪ .‬وقيل ‪ :‬الكذب ‪ ،‬والفسق ‪ ،‬واللغو ‪ ،‬والباطل‪.‬‬
‫وقال محمد بن الحنفية ‪[ :‬هو] (‪ )5‬اللهو والغناء‪.‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ ،‬وطاوس ‪ ،‬ومحمد بن سيرين ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬هي‬
‫أعياد المشركين (‪.)6‬‬
‫وقال عمرو بن قيس ‪ :‬هي مجالس السوء والخنا‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ ،‬عن الزهري ‪[ :‬شرب الخمر] (‪ )7‬ل يحضرونه ول يرغبون فيه ‪ ،‬كما جاء في‬
‫الحديث ‪" :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يجلس على مائدة يدار عليها الخمر" (‪.)8‬‬
‫شهَدُونَ الزّورَ } أي ‪ :‬شهادة الزور ‪ ،‬وهي الكذب متعمدا على‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بقوله تعالى ‪ { :‬ل يَ ْ‬
‫غيره ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬فطلبها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )19/27‬ورواه ابن مردويه كما في الدر المنثور (‪ )6/279‬وقال السيوطي ‪:‬‬
‫"إسناده ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬لعباده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬يتقبل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬للمشركين"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )2801‬من طريق ليث بن أبي سليم عن طاوس عن جابر به‬
‫مرفوعا ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن غريب ل نعرفه من حديث طاوس عن جابر إل من‬
‫هذا الوجه" ثم نقل كلم العلماء في تضعيف ليث بن أبي سليم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/130‬‬

‫كما [ثبت] (‪ )1‬في الصحيحين عن أبي َبكْرَة قال ‪ :‬قال (‪ )2‬رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل‬
‫أنبئكم بأكْبر الكبائر" ثلثا ‪ ،‬قلنا ‪ :‬بلى ‪ ،‬يا رسول ال ‪ ،‬قال ‪" :‬الشرك بال ‪ ،‬وعقوق الوالدين"‪.‬‬
‫وكان متكئًا فجلس ‪ ،‬فقال ‪" :‬أل وقول الزور ‪ ،‬أل وشهادة الزور [أل وقول الزور وشهادة‬
‫الزور]‪ )3( .‬فما زال يكررها ‪ ،‬حتى قلنا ‪ :‬ليته سكت (‪.)4‬‬
‫والظهر من السياق أن المراد ‪ :‬ل يشهدون الزور ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يحضرونه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَإِذَا‬
‫مَرّوا بِالّل ْغوِ مَرّوا كِرَامًا } أي ‪ :‬ل يحضرون الزور ‪ ،‬وإذا اتفق مرورهم به مرّوا ‪ ،‬ولم يتدنسوا‬
‫منه بشيء (‪ )5‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬مَرّوا كِرَامًا }‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشَجّ ‪ ،‬حدثنا أبو الحسين العجلي ‪ ،‬عن محمد بن مسلم ‪،‬‬
‫أخبرني إبراهيم بن مَيْسَرة ‪ ،‬أن ابن مسعود مر بلهو معرضًا (‪ )6‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬لقد أصبح ابن مسعود ‪ ،‬وأمسى كريمًا"‪.‬‬
‫وحدثنا الحسن بن محمد بن سلمة النحوي ‪ ،‬حدثنا حبان ‪ ،‬أنا عبد ال ‪ ،‬أنا محمد بن مسلم ‪،‬‬
‫أخبرني ابن ميسرة قال ‪ :‬بلغني أن ابن مسعود مر بلهو معرضا فلم يقف ‪ ،‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم (‪ " : )7‬لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريما" (‪ .)8‬ثم تل إبراهيم بن ميسرة ‪:‬‬
‫{ وَإِذَا مَرّوا بِالّل ْغوِ مَرّوا كِرَامًا } (‪.)9‬‬
‫عمْيَانًا } [و] (‪ )10‬هذه من صفات‬
‫صمّا وَ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ إِذَا ُذكّرُوا بِآيَاتِ رَ ّب ِهمْ لَمْ َيخِرّوا عَلَ ْيهَا ُ‬
‫المؤمنين { الّذِينَ إِذَا ُذكِرَ اللّهُ وَجَِلتْ قُلُو ُبهُ ْم وَإِذَا تُلِ َيتْ عَلَ ْيهِمْ آيَاتُهُ زَادَ ْتهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَ ّبهِمْ‬
‫يَ َت َوكّلُونَ } [النفال ‪ ، ]2 :‬بخلف الكافر ‪ ،‬فإنه إذا سمع كلم ال ل يؤثر فيه ول ُيقْصر عما كان‬
‫عليه ‪ ،‬بل يبقى مستمرا على كفره وطغيانه وجهله وضلله ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِذَا مَا أُنزَلتْ‬
‫سُو َرةٌ َفمِ ْنهُمْ مَنْ َيقُولُ أَ ّيكُمْ زَادَتْهُ هَ ِذهِ إِيمَانًا فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَزَادَ ْتهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ‪ .‬وََأمّا‬
‫سهِمْ } [ التوبة ‪.]125 - 124 :‬‬
‫جِ‬‫جسًا إِلَى رِ ْ‬
‫الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ فَزَادَ ْت ُهمْ رِ ْ‬
‫عمْيَانًا } أي ‪ :‬بخلف الكافر الذي ذكر بآيات ربه ‪ ،‬فاستمر على‬
‫صمّا وَ ُ‬
‫فقوله ‪َ { :‬لمْ يَخِرّوا عَلَ ْيهَا ُ‬
‫حاله ‪ ،‬كأن لم يسمعها أصم أعمى‪.‬‬
‫عمْيَانًا } لم يسمعوا ‪ :‬ولم يبصروا ‪ ،‬ولم يفقهوا‬
‫صمّا وَ ُ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬قوله ‪ { :‬لَمْ َيخِرّوا عَلَ ْيهَا ُ‬
‫شيئًا‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬كم من رجل يقرؤها ويخر عليها أصم أعمى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )2654‬وصحيح مسلم برقم (‪.)87‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فيه شيء"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬فلم يقف"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬ورواه ابن عساكر كما في المختصر لبن منظور (‪ )14/55‬من طريق إبراهيم بن ميسرة به‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/131‬‬

‫عمْيَانًا } يقول ‪:‬‬


‫صمّا وَ ُ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬قوله تعالى ‪ { :‬وَالّذِينَ إِذَا ُذكّرُوا بِآيَاتِ رَ ّب ِهمْ لَمْ َيخِرّوا عَلَ ْيهَا ُ‬
‫لم يصموا عن الحق ولم يعموا فيه ‪ ،‬فهم ‪ -‬وال ‪ -‬قوم عقلوا عن ال (‪ )1‬وانتفعوا بما (‪)2‬‬
‫سمعوا من كتابه‪.‬‬
‫عوْن قال ‪:‬‬
‫حمْران ‪ ،‬حدثنا ابن َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أسيد بن عاصم ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن ُ‬
‫سألت الشعبي قلت ‪ :‬الرجل يرى القوم سجودا ولم يسمع ما سجدوا ‪ ،‬أيسجد معهم ؟ قال ‪ :‬فتل‬
‫عمْيَانًا } يعني ‪ :‬أنه ل يسجد‬
‫صمّا وَ ُ‬
‫هذه الية ‪ { :‬وَالّذِينَ إِذَا ُذكّرُوا بِآيَاتِ رَ ّب ِهمْ لَمْ يَخِرّوا عَلَ ْيهَا ُ‬
‫معهم لنه لم يتدبر آية السجدة (‪ )3‬فل ينبغي للمؤمن أن يكون إمعة ‪ ،‬بل يكون على بصيرة من‬
‫أمره ‪ ،‬ويقين واضح بَيّن‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا َهبْ لَنَا مِنْ أَ ْزوَاجِنَا وَذُرّيّاتِنَا قُ ّرةَ أَعْيُنٍ } يعني ‪ :‬الذين يسألون ال‬
‫أن يخرج من أصلبهم وذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده ل شريك له‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬يعنون من يعمل بالطاعة ‪ ،‬فتقرّ به أعينهم في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬لم يريدوا بذلك صباحة ول جمال ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ -‬وسئل عن هذه الية ‪ -‬فقال ‪ :‬أن يُري ال العبد المسلم من زوجته ‪،‬‬
‫ومن أخيه ‪ ،‬ومن حميمه طاعة ال‪ .‬ل وال ما شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولدا ‪ ،‬أو ولد‬
‫ولد ‪ ،‬أو أخا ‪ ،‬أو حميما مطيعا ل عز وجل‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج في قوله ‪َ { :‬هبْ لَنَا مِنْ أَ ْزوَاجِنَا وَذُرّيّاتِنَا قُ ّرةَ أَعْيُنٍ } قال ‪ :‬يعبدونك ويحسنون (‬
‫‪ )4‬عبادتك ‪ ،‬ول يجرون علينا الجرائر‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬يعني ‪ :‬يسألون ال لزواجهم وذرياتهم أن يهديهم للسلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َي ْعمَر (‪ )5‬بن بشر (‪ )6‬حدثنا عبد ال بن المبارك ‪ ،‬أخبرنا صفوان بن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمرو ‪ ،‬حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬جلسنا إلى المقداد بن السود يومًا‬
‫‪ ،‬فمر به رجل فقال ‪ :‬طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول ال صلى ال عليه وسلم! لوددنا أنا‬
‫رأينا ما رأيت ‪ ،‬وشهدنا ما شهدت‪ .‬فاستغضب ‪ ،‬فجعلت أعجبُ ‪ ،‬ما قال إل خيرًا! ثم أقبل إليه‬
‫حضَرًا غيبه ال عنه ‪ ،‬ل يدري لو شهده كيف كان يكون‬
‫فقال ‪ :‬ما يحمل الرجل على أن يتمنى َم ْ‬
‫فيه ؟ وال لقد حضر رسول ال صلى ال عليه وسلم أقوام أكبّهم ال على مناخرهم في جهنم ‪ ،‬لم‬
‫يجيبوه ولم يصدقوه ‪ ،‬أو ل تحمدون ال إذ أخرجكم ل تعرفون إل ربكم مصدقين لما جاء به نبيكم‬
‫‪ ،‬قد (‪ )7‬كُفيتم البلء بغيركم ؟ لقد بعث ال النبي صلى ال عليه وسلم على أشد حال بعث عليها‬
‫نبيًا من النبياء في فترة من جاهلية ‪ ،‬ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الوثان‪ .‬فجاء بفُرقان‬
‫فَرَقَ به بين الحق والباطل ‪ ،‬وفَرَقَ بين الوالد وولده ‪ ،‬حتى إن كان الرجل ليرى والده وولده ‪ ،‬أو‬
‫أخاه كافرًا ‪ ،‬وقد فتح ال ُقفْل قلبه لليمان ‪ ،‬يعلم أنه إن هلك دخل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الحق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬مما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أمر السجدة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فيحسنون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬معمر" والمثبت من المسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقد"‪.‬‬

‫( ‪)6/132‬‬

‫أُولَ ِئكَ يُجْ َزوْنَ ا ْلغُ ْرفَةَ ِبمَا صَبَرُوا وَيَُلقّوْنَ فِيهَا تَحِيّ ًة وَسَلَامًا (‪ )75‬خَالِدِينَ فِيهَا حَسُ َنتْ مُسْ َتقَرّا‬
‫س ْوفَ َيكُونُ لِزَامًا (‪)77‬‬
‫َومُقَامًا (‪ُ )76‬قلْ مَا َيعْبَأُ ِبكُمْ رَبّي َلوْلَا دُعَا ُؤكُمْ َفقَدْ كَذّبْ ُتمْ فَ َ‬

‫النار ‪ ،‬فل تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار ‪ ،‬وإنها التي قال ال تعالى ‪ { :‬وَالّذِينَ َيقُولُونَ‬
‫رَبّنَا َهبْ لَنَا مِنْ أَ ْزوَاجِنَا وَذُرّيّاتِنَا قُ ّرةَ أَعْيُنٍ }‪ .‬وهذا إسناد صحيح ‪ ،‬ولم يخرجوه (‪.)1‬‬
‫جعَلْنَا لِ ْلمُ ّتقِينَ ِإمَامًا } قال ابن عباس ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬والربيع بن أنس‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْ‬
‫‪ :‬أئمة يقتدى بنا في الخير‪.‬‬
‫وقال غيرهم ‪ :‬هداة مهتدين (‪[ )2‬ودعاة] (‪ )3‬إلى الخير ‪ ،‬فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة‬
‫أولدهم وذرياتهم (‪ )4‬وأن يكون هداهم متعديًا (‪ )5‬إلى غيرهم بالنفع ‪ ،‬وذلك أكثر (‪ )6‬ثوابًا ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأحسن مآبًا ؛ ولهذا ورد في صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إل من ثلث ‪ :‬ولد صالح يدعو له ‪ ،‬أو‬
‫علم ينتفع به من بعده ‪ ،‬أو صدقة جارية" (‪.)7‬‬
‫{ أُولَ ِئكَ ُيجْ َزوْنَ ا ْلغُ ْرفَةَ ِبمَا صَبَرُوا وَيُلَ ّقوْنَ فِيهَا تَحِيّةً وَسَلمًا (‪ )75‬خَالِدِينَ فِيهَا حَسُ َنتْ مُسْ َتقَرّا‬
‫س ْوفَ َيكُونُ لِزَامًا (‪.} )77‬‬
‫َومُقَامًا (‪ُ )76‬قلْ مَا َيعْبَأُ ِبكُمْ رَبّي َلوْل دُعَا ُؤكُمْ َفقَدْ كَذّبْتُمْ فَ َ‬
‫لما ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من [هذه] (‪ )8‬الصفات الجميلة ‪ ،‬والفعال‬
‫والقوال (‪ )9‬الجليلة (‪ - )10‬قال بعد ذلك كله ‪ُ { :‬أوْلَئِك } أي ‪ :‬المتصفون بهذه { يُجْ َزوْن } أي‬
‫‪ :‬يوم القيامة { ا ْلغُ ْرفَةَ } وهي الجنة‪.‬‬
‫قال أبو جعفر الباقر ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسّ ّديّ ‪ :‬سميت بذلك لرتفاعها‪.‬‬
‫{ ِبمَا صَبَرُوا } أي ‪ :‬على القيام بذلك { وَيَُلقّوْنَ فِيهَا } أي ‪ :‬في الجنة { َتحِيّ ًة وَسَلمًا } أي ‪:‬‬
‫يُبْتَدرُون (‪ )11‬فيها بالتحية والكرام ‪ ،‬ويلقون [فيها] (‪ )12‬التوقير والحترام ‪ ،‬فلهم السلم وعليهم‬
‫السلم ‪ ،‬فإن الملئكة يدخلون عليهم من كل باب ‪ ،‬سلم عليكم بما صبرتم ‪ ،‬فنعم عقبى الدار‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬خَالِدِينَ فِيهَا } أي ‪ :‬مقيمين ‪ ،‬ل يظعنون ول يَحُولون ول يموتون ‪ ،‬ول يزولون عنها‬
‫س ِعدُوا َففِي الْجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَا َمتِ‬
‫ول يبغون عنها حول كما قال تعالى ‪ { :‬وََأمّا الّذِينَ ُ‬
‫س َموَاتُ وَال ْرضُ إِل مَا شَاءَ رَ ّبكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود ‪.]108 :‬‬
‫ال ّ‬
‫وقوله { حَسُ َنتْ مُسْ َتقَرّا َومُقَامًا } أي ‪ :‬حسنت منظرا وطابت مَقيل ومنزل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)6/2‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬مهديين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ذراريهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬متعد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أكبر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم برقم (‪.)1631‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬القوال والفعال"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬الجميلة"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬يبتدون"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/133‬‬

‫ثم قال (‪ )1‬تعالى ‪ُ { :‬قلْ مَا َيعْبَأُ ِب ُكمْ رَبّي } أي ‪ :‬ل يبالي ول يكترث بكم إذا لم تعبدوه ؛ فإنه إنما‬
‫خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيل‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وعمرو بن شعيب ‪ { :‬مَا َيعْبَأُ ِبكُمْ رَبّي } يقول ‪ :‬ما يفعل بكم ربي‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ُ { :‬قلْ مَا َيعْبَأُ ِبكُمْ رَبّي َلوْل دُعَا ُؤكُمْ } يقول ‪:‬‬
‫لول إيمانكم ‪ ،‬وأخبر ال الكفار أنه ل حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين ‪ ،‬ولو كان له بهم حاجة‬
‫لحبب إليهم اليمان كما حببه (‪ )2‬إلى المؤمنين‪.‬‬
‫س ْوفَ َيكُونُ لِزَامًا } أي ‪ :‬فسوف يكون تكذيبكم (‪)3‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فقَدْ كَذّبْ ُتمْ } أي ‪ :‬أيها الكافرون { فَ َ‬
‫لزامًا لكم ‪ ،‬يعني ‪ :‬مقتضيا لهلككم وعذابكم ودماركم في الدنيا والخرة ‪ ،‬ويدخل في ذلك يوم‬
‫بدر ‪ ،‬كما فسره بذلك عبد ال بن مسعود ‪ ،‬وأبي بن كعب ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫س ْوفَ َيكُونُ لِزَامًا } يعني ‪ :‬يوم القيامة‪ .‬ول منافاة بينهما‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ { :‬فَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬حبب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬تكذيبهم"‪.‬‬

‫( ‪)6/134‬‬

‫سكَ أَلّا َيكُونُوا ُم ْؤمِنِينَ (‪ )3‬إِنْ نَشَأْ نُنَ ّزلْ‬


‫خعٌ َنفْ َ‬
‫طسم (‪ )1‬تِ ْلكَ آَيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ (‪َ )2‬لعَّلكَ بَا ِ‬
‫حمَنِ ُمحْ َدثٍ إِلّا‬
‫ضعِينَ (‪َ )4‬ومَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ِذكْرٍ مِنَ الرّ ْ‬
‫سمَاءِ آَ َيةً فَظَّلتْ أَعْنَا ُق ُهمْ َلهَا خَا ِ‬
‫عَلَ ْيهِمْ مِنَ ال ّ‬
‫كَانُوا عَ ْنهُ ُمعْ ِرضِينَ (‪َ )5‬فقَدْ كَذّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ َيسْ َتهْزِئُونَ (‪َ )6‬أوَلَمْ يَ َروْا إِلَى‬
‫الْأَ ْرضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْجٍ كَرِيمٍ (‪ )7‬إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَ َي ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )8‬وَإِنّ‬
‫رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)9‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫سورة الشعراء‬
‫وهي مكية‪َ .‬ووَقع في تفسير مالك المروي عنه تسميتُها ‪ :‬سورة الجامعة‪.‬‬
‫سكَ أَل َيكُونُوا ُم ْؤمِنِينَ (‪ )3‬إِنْ نَشَأْ نُنزلْ‬
‫{ طسم (‪ )1‬تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ (‪َ )2‬لعَّلكَ بَاخِعٌ َنفْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمَنِ ُمحْ َدثٍ إِل‬
‫ضعِينَ (‪َ )4‬ومَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ِذكْرٍ مِنَ الرّ ْ‬
‫سمَاءِ آ َيةً فَظَّلتْ أَعْنَا ُق ُهمْ َلهَا خَا ِ‬
‫عَلَ ْيهِمْ مِنَ ال ّ‬
‫كَانُوا عَ ْنهُ ُمعْ ِرضِينَ (‪َ )5‬فقَدْ كَذّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ َيسْ َتهْزِئُونَ (‪َ )6‬أوَلَمْ يَ َروْا إِلَى‬
‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )8‬وَإِنّ‬
‫ال ْرضِ َكمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْجٍ كَرِيمٍ (‪ )7‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪.} )9‬‬
‫أما الكلم على الحروف المقطعة في أوائل السور ‪ ،‬فقد تكلمنا عليه في أول تفسير سورة البقرة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ } أي ‪ :‬هذه آيات القرآن المبين ‪ ،‬أي ‪ :‬البين الواضح ‪ ،‬الذي‬
‫يفصل بين الحق والباطل ‪ ،‬والغي والرشاد‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬لعَّلكَ بَاخِعٌ } أي ‪ :‬مهلك { نفسك } أي ‪ :‬مما تحرص [عليهم] (‪ )1‬وتحزن عليهم { أَل‬
‫َيكُونُوا ُم ْؤمِنِينَ } ‪ ،‬وهذه تسلية من ال لرسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬في عدم إيمان مَنْ لم‬
‫سكَ عَلَ ْيهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر ‪ ، ]8 :‬وقال ‪{ :‬‬
‫يؤمن به من الكفار ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَل تَذْ َهبْ َنفْ ُ‬
‫سفًا } [الكهف ‪.]6 :‬‬
‫سكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ ُي ْؤمِنُوا ِبهَذَا ا ْلحَدِيثِ َأ َ‬
‫فََلعَّلكَ بَاخِعٌ َنفْ َ‬
‫سكَ } أي ‪:‬‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعطية ‪ ،‬والضحاك ‪َ { :‬لعَّلكَ بَاخِعٌ َنفْ َ‬
‫قاتل نفسك‪ .‬قال الشاعر (‪)2‬‬
‫أل أيّهذاَ البَاخعُ الحُزنُ نفسَه‪ ...‬لشيء (‪َ )3‬نحَتْهُ عَنْ َيدَيه الَمقَادِرُ‪...‬‬
‫ضعِينَ } أي ‪ :‬لو‬
‫سمَاءِ آيَةً َفظَّلتْ أَعْنَا ُقهُمْ َلهَا خَا ِ‬
‫ثم قال ال تعالى ‪ { :‬إِنْ نَشَأْ نُنزلْ عَلَ ْيهِمْ مِنَ ال ّ‬
‫شئنا لنزلنا آية تضطرهم إلى اليمان قهرا ‪ ،‬ولكّنا ل نفعل ذلك ؛ لنا ل نريد من أحد إل اليمان‬
‫جمِيعًا َأفَأَ ْنتَ ُتكْ ِرهُ النّاسَ‬
‫ك لمَنَ مَنْ فِي ال ْرضِ كُّلهُمْ َ‬
‫الختياري ؛ وقال تعالى ‪ { :‬وََلوْ شَاءَ رَ ّب َ‬
‫ح َدةً وَل يَزَالُونَ‬
‫ج َعلَ النّاسَ ُأمّ ًة وَا ِ‬
‫حَتّى َيكُونُوا ُم ْؤمِنِينَ } [يونس ‪ ، ]99 :‬وقال ‪ { :‬وََلوْ شَاءَ رَ ّبكَ لَ َ‬
‫مُخْتَِلفِينَ‪ .‬إِل مَنْ رَحِمَ رَ ّبكَ وَلِذَِلكَ خََل َقهُمْ } [هود ‪ ، ]119 ، 118 :‬ف َنفَذ َقدَرُه ‪ ،‬ومضت (‪)4‬‬
‫حكمته ‪ ،‬وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم ‪ ،‬وإنزال الكتب عليهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو ذو الرمة ‪ ،‬والبيت في تفسير الطبري (‪.)19/37‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬بشيء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقضت"‪.‬‬

‫( ‪)6/135‬‬

‫عوْنَ أَلَا يَ ّتقُونَ (‪ )11‬قَالَ َربّ إِنّي‬


‫وَإِذْ نَادَى رَ ّبكَ مُوسَى أَنِ ا ْئتِ ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪َ )10‬قوْمَ فِرْ َ‬
‫سلْ إِلَى هَارُونَ (‪ )13‬وََلهُمْ عََليّ‬
‫صدْرِي وَلَا يَ ْنطَِلقُ لِسَانِي فَأَرْ ِ‬
‫ق َ‬
‫أَخَافُ أَنْ ُي َكذّبُونِ (‪ )12‬وَ َيضِي ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عوْنَ َفقُولَا إِنّا‬
‫ذَ ْنبٌ فَأَخَافُ أَنْ َيقْتُلُونِ (‪ )14‬قَالَ كَلّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنّا َم َعكُمْ مُسْ َت ِمعُونَ (‪ )15‬فَأْتِيَا فِرْ َ‬
‫سلْ َمعَنَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ (‪ )17‬قَالَ أَلَمْ نُرَ ّبكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِ ْثتَ فِينَا‬
‫رَسُولُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )16‬أَنْ أَرْ ِ‬
‫عمُ ِركَ سِنِينَ (‪َ )18‬و َفعَلْتَ َفعْلَ َتكَ الّتِي َفعَ ْلتَ وَأَنْتَ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ (‪)19‬‬
‫مِنْ ُ‬

‫ح َدثٍ إِل كَانُوا عَنْهُ ُمعْرِضِينَ } أي ‪ :‬كلما جاءهم‬


‫حمَنِ مُ ْ‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومَا يَأْتِي ِهمْ مِنْ ِذكْرٍ مِنَ الرّ ْ‬
‫صتَ ِب ُمؤْمِنِينَ }‬
‫س وََلوْ حَ َر ْ‬
‫كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬ومَا َأكْثَرُ النّا ِ‬
‫حسْ َرةً عَلَى ا ْلعِبَادِ مَا يَأْتِي ِهمْ مِنْ رَسُولٍ إِل كَانُوا بِهِ يَسْ َتهْزِئُونَ }‬
‫[يوسف ‪ ، ]103 :‬وقال ‪ { :‬يَا َ‬
‫ضهُمْ َب ْعضًا‬
‫[يس ‪ ، ]30 :‬وقال ‪ { :‬ثُمّ أَ ْرسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُّلمَا جَاءَ ُأمّةً رَسُوُلهَا كَذّبُوهُ فَأَتْ َبعْنَا َب ْع َ‬
‫جعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَ ُب ْعدًا ِل َقوْ ٍم ل ُي ْؤمِنُونَ } [المؤمنون ‪ ]44 :‬؛ ولهذا قال تعالى هاهنا ‪َ { :‬فقَدْ كَذّبُوا‬
‫وَ َ‬
‫فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ َيسْ َتهْزِئُونَ } أي ‪ :‬فقد كذبوا بما جاءهم من الحق ‪ ،‬فسيعلمون نبأ هذا‬
‫ظَلمُوا َأيّ مُ ْنقََلبٍ يَ ْنقَلِبُونَ } [الشعراء ‪.]227 :‬‬
‫التكذيب بعد حين ‪ { ،‬وَسَ َيعْلَمُ الّذِينَ َ‬
‫ثم نبه تعالى على عظمته في سلطانه وجللة قدره وشأنه ‪ ،‬الذين اجترؤوا على مخالفة رسوله‬
‫وتكذيب كتابه ‪ ،‬وهو القاهر العظيم القادر ‪ ،‬الذي خلق الرض وأنبت فيها من كل زوج كريم ‪،‬‬
‫من زروع وثمار وحيوان‪.‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن الشعبي ‪ :‬الناس من نبات الرض ‪ ،‬فمن دخل الجنة فهو‬
‫كريم ‪ ،‬ومن دخل النار فهو لئيم‪.‬‬
‫ك ليَةً } أي ‪ :‬دللة على قدرة الخالق للشياء ‪ ،‬الذي بسط الرض ورفع بناء‬
‫{ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫السماء ‪ ،‬ومع هذا ما آمن أكثر الناس ‪ ،‬بل كذبوا به وبرسله وكتبه ‪ ،‬وخالفوا أمره (‪ )1‬وارتكبوا‬
‫زواجره‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ } أي ‪ :‬الذي عَزّ كلّ شيء وقهره وغلبه ‪ { ،‬الرحيم } أي ‪ :‬بخلقه‬
‫‪ ،‬فل يعجل على مَنْ عصاه ‪ ،‬بل ينظره ويؤجله ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر‪.‬‬
‫قال أبو العالية ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬و[محمد (‪ ] )2‬بن إسحاق ‪ :‬العزيز في نقمته‬
‫وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬الرحيم ِبمَنْ تاب إليه وأناب‪.‬‬
‫عوْنَ أَل يَ ّتقُونَ (‪ )11‬قَالَ َربّ إِنّي‬
‫{ وَإِذْ نَادَى رَ ّبكَ مُوسَى أَنِ ا ْئتِ ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪َ )10‬قوْمَ فِرْ َ‬
‫عَليّ‬
‫سلْ إِلَى هَارُونَ (‪ )13‬وََلهُمْ َ‬
‫طلِقُ ِلسَانِي فَأَ ْر ِ‬
‫صدْرِي وَل يَنْ َ‬
‫ق َ‬
‫أَخَافُ أَنْ ُي َكذّبُونِ (‪ )12‬وَ َيضِي ُ‬
‫عوْنَ َفقُول إِنّا‬
‫ذَ ْنبٌ فَأَخَافُ أَنْ َيقْتُلُونِ (‪ )14‬قَالَ كَل فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنّا َم َعكُمْ مُسْ َت ِمعُونَ (‪ )15‬فَأْتِيَا فِرْ َ‬
‫سلْ َمعَنَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ (‪ )17‬قَالَ أَلَمْ نُرَ ّبكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِ ْثتَ فِينَا‬
‫رَسُولُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )16‬أَنْ أَرْ ِ‬
‫عمُ ِركَ سِنِينَ (‪َ )18‬و َفعَلْتَ َفعْلَ َتكَ الّتِي َفعَ ْلتَ وَأَنْتَ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ (‪} )19‬‬
‫مِنْ ُ‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أوامره"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/136‬‬

‫جعَلَنِي مِنَ‬
‫ح ْكمًا وَ َ‬
‫خفْ ُتكُمْ َفوَ َهبَ لِي رَبّي ُ‬
‫قَالَ َفعَلْ ُتهَا ِإذًا وَأَنَا مِنَ الضّالّينَ (‪َ )20‬ففَرَ ْرتُ مِ ْنكُمْ َلمّا ِ‬
‫ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )21‬وَتِ ْلكَ ِن ْعمَةٌ َتمُّنهَا عََليّ أَنْ عَبّ ْدتَ بَنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)22‬‬

‫جعَلَنِي مِنَ‬
‫ح ْكمًا َو َ‬
‫خفْ ُتكُمْ َفوَ َهبَ لِي رَبّي ُ‬
‫{ قَالَ َفعَلْ ُتهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضّالّينَ (‪َ )20‬ففَرَرْتُ مِ ْنكُمْ َلمّا ِ‬
‫ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )21‬وَتِ ْلكَ ِن ْعمَةٌ َتمُّنهَا عََليّ أَنْ عَبّ ْدتَ بَنِي ِإسْرَائِيلَ (‪} )22‬‬

‫( ‪)6/136‬‬

‫يقول تعالى مخبرًا عما أمر به عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران ‪ ،‬صلوات ال وسلمه‬
‫عليه ‪ ،‬حين ناداه من جانب الطور اليمن ‪ ،‬وكلمه وناجاه ‪ ،‬وأرسله واصطفاه ‪ ،‬وأمره بالذهاب‬
‫عوْنَ أَل يَ ّتقُونَ * قَالَ َربّ إِنّي‬
‫إلى فرعون وملئه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَنِ ا ْئتِ ا ْلقَوْمَ الظّاِلمِينَ َقوْمَ فِرْ َ‬
‫سلْ إِلَى هَارُونَ * وََلهُمْ عََليّ ذَ ْنبٌ‬
‫أَخَافُ أَنْ ُي َكذّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَل يَ ْنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْ ِ‬
‫فَأَخَافُ أَنْ َيقْتُلُونِ } هذه أعذار سأل من ال إزاحتها عنه ‪ ،‬كما قال في سورة طه ‪ { :‬قَالَ َربّ‬
‫ج َعلْ لِي‬
‫عقْ َدةً مِنْ لِسَانِي * َي ْفقَهُوا َقوْلِي * وَا ْ‬
‫اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسّرْ لِي َأمْرِي * وَاحُْللْ ُ‬
‫حكَ كَثِيرًا *‬
‫وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ َأخِي * اشْ ُددْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْ ِركْهُ فِي َأمْرِي * َكيْ ُنسَبّ َ‬
‫سؤَْلكَ يَا مُوسَى } [طه ‪.]36 - 25 :‬‬
‫وَنَ ْذكُ َركَ كَثِيرًا * إِ ّنكَ كُ ْنتَ بِنَا َبصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلهُمْ عََليّ ذَ ْنبٌ فََأخَافُ أَنْ َيقْتُلُونِ } أي ‪ :‬بسبب ما كان [من] (‪ )1‬قتل ذلك القبطي الذي‬
‫كان سبب خروجه من بلد مصر‪.‬‬
‫ض َدكَ بِأَخِيكَ‬
‫ع ُ‬
‫{ قَالَ كَل } أي ‪ :‬قال ال له ‪ :‬ل تخف من شيء من ذلك كما قال ‪ { :‬قَالَ سَ َنشُدّ َ‬
‫ج َعلُ َل ُكمَا سُلْطَانًا } أي ‪ :‬برهانا { فَل َيصِلُونَ إِلَ ْي ُكمَا بِآيَاتِنَا أَنْ ُتمَا َومَنِ اتّ َب َع ُكمَا ا ْلغَالِبُونَ }‬
‫وَنَ ْ‬
‫[القصص ‪.]35 :‬‬
‫س َم ُع وَأَرَى } [طه ‪ ]46 :‬أي‬
‫{ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنّا َم َعكُمْ مُسْ َت ِمعُونَ } كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّنِي َم َعكُمَا أَ ْ‬
‫‪ :‬إنني معكما بحفظي وكلءتي ونصري وتأييدي‪.‬‬
‫عوْنَ َفقُول إِنّا َرسُولُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } ‪ ،‬وقال في الية الخرى ‪ { :‬إِنّا رَسُول رَ ّبكَ } [طه‬
‫{ فَأْتِيَا فِرْ َ‬
‫سلْ َمعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي ‪ :‬أطلقهم من إسارك‬
‫‪ ]47 :‬أي ‪ :‬كل منا رسول ال إليك ‪ { ،‬أَنْ أَرْ ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقبضتك وقهرك وتعذيبك ‪ ،‬فإنهم عباد ال المؤمنون ‪ ،‬وحزبه المخلصون ‪ ،‬وهم معك في العذاب‬
‫المهين‪ .‬فلما قال له موسى ذلك أعرض فرعون عما هنالك بالكلية ‪ ،‬ونظر بعين الزدراء‬
‫عمُ ِركَ سِنِينَ‪َ [.‬و َفعَ ْلتَ َفعْلَ َتكَ الّتِي َفعَ ْلتَ‬
‫والغمص فقال ‪ { :‬أََلمْ نُرَ ّبكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِ ْثتَ فِينَا مِنْ ُ‬
‫وَأَ ْنتَ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ ] } (‪ [ )2‬أي ‪ :‬أما أنت الذي ربيناه فينا (‪ ، ] )3‬وفي بيتنا وعلى فراشنا‬
‫[وغذيناه (‪ ، ] )4‬وأنعمنا عليه مدة من السنين ‪ ،‬ثم بعد هذا قابلت ذلك الحسان بتلك الفعلة ‪ ،‬أن‬
‫قتلت منا رجل وجحدت نعمتنا عليك ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَأَ ْنتَ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ } أي ‪ :‬الجاحدين‪ .‬قاله‬
‫ابن عباس ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫{ قَالَ َفعَلْ ُتهَا إِذًا } أي ‪ :‬في تلك الحال ‪ { ،‬وَأَنَا مِنَ الضّالّينَ } أي ‪ :‬قبل أن يوحى إليّ وينعم ال‬
‫عليّ بالرسالة والنبوة (‪.)5‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم ‪ { :‬وَأَنَا مِنَ‬
‫الضّالّينَ } أي ‪ :‬الجاهلين‪.‬‬
‫قال ابن جُرَيْج ‪ :‬وهي كذلك في قراءة عبد ال بن مسعود رضي ال عنه‪.‬‬
‫جعَلَنِي مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ } أي ‪ :‬الحال الول انفصل‬
‫ح ْكمًا وَ َ‬
‫خفْ ُتكُمْ َفوَ َهبَ لِي رَبّي ُ‬
‫{ َففَرَ ْرتُ مِ ْنكُمْ َلمّا ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬بالنبوة والرسالة"‪.‬‬

‫( ‪)6/137‬‬

‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (‪)24‬‬


‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫ن َومَا َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )23‬قَالَ َربّ ال ّ‬
‫عوْ ُ‬
‫قَالَ فِرْ َ‬
‫سلَ‬
‫حوْلَهُ أَلَا تَسْ َت ِمعُونَ (‪ )25‬قَالَ رَ ّبكُ ْم وَ َربّ آَبَا ِئ ُكمُ الَْأوّلِينَ (‪ )26‬قَالَ إِنّ رَسُوَلكُمُ الّذِي أُرْ ِ‬
‫قَالَ ِلمَنْ َ‬
‫ق وَا ْل َمغْ ِربِ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِنْ كُنْتُمْ َت ْعقِلُونَ (‪)28‬‬
‫إِلَ ْيكُمْ َل َمجْنُونٌ (‪ )27‬قَالَ َربّ ا ْلمَشْ ِر ِ‬

‫وجاء أمر آخر ‪ ،‬فقد أرسلني ال إليك ‪ ،‬فإن أطعته سَلمت ‪ ،‬وإن خالفته عَطبت‪.‬‬
‫ثم قال موسى ‪ { :‬وَتِ ْلكَ ِن ْعمَةٌ َتمُّنهَا عََليّ أَنْ عَبّ ْدتَ بَنِي ِإسْرَائِيلَ } أي ‪ :‬وما أحسنت إلي وربّيْتني‬
‫مقابل ما أسأتَ إلى (‪ )1‬بني إسرائيل ‪ ،‬فجعلتهم عبيدا وخدما ‪ ،‬تصرفهم في أعمالك ومشاق‬
‫رعيتك ‪ ،‬أفَيَفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأتَ إلى مجموعهم ؟ أي ‪ :‬ليس ما ذكرتَه شيئا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بالنسبة إلى ما فعلتَ بهم‪.‬‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (‬
‫ت وَالرْ ِ‬
‫س َموَا ِ‬
‫ن َومَا َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )23‬قَالَ َربّ ال ّ‬
‫عوْ ُ‬
‫{ قَالَ فِرْ َ‬
‫حوْلَهُ أَل َتسْ َت ِمعُونَ (‪ )25‬قَالَ رَ ّبكُ ْم وَ َربّ آبَا ِئكُ ُم الوّلِينَ (‪ )26‬قَالَ إِنّ رَسُوَلكُمُ الّذِي‬
‫‪ )24‬قَالَ ِلمَنْ َ‬
‫ق وَا ْل َمغْ ِربِ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِنْ كُنْتُمْ َت ْعقِلُونَ (‪} )28‬‬
‫سلَ إِلَ ْيكُمْ َلمَجْنُونٌ (‪ )27‬قَالَ َربّ ا ْلمَشْ ِر ِ‬
‫أُرْ ِ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن كفر فرعون ‪ ،‬وتمرده وطغيانه وجحوده ‪ ،‬في قوله ‪َ { :‬ومَا َربّ ا ْلعَاَلمِينَ }‬
‫خفّ (‪)2‬‬
‫؟ وذلك أنه كان يقول لقومه ‪ { :‬مَا عَِل ْمتُ َلكُمْ مِنْ إَِلهٍ غَيْرِي } [القصص ‪ { ، ]38 :‬فَاسْ َت َ‬
‫َق ْومَهُ فَأَطَاعُوهُ } [الزخرف ‪ ، ]54 :‬وكانوا يجحدون الصانع ‪ -‬تعالى ‪ -‬ويعتقدون أنه ل رب لهم‬
‫سوى فرعون ‪ ،‬فلما قال له موسى ‪ { :‬إِنّي رَسُولُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [الزخرف ‪ ، ]46 :‬قال له ‪:‬‬
‫ومَنْ هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري ؟ هكذا فسره علماء السلف وأئمة الخلف ‪ ،‬حتى قال‬
‫عطَى ُكلّ‬
‫السدي ‪ :‬هذه الية كقوله تعالى ‪ { :‬قَالَ َفمَنْ (‪ )3‬رَ ّب ُكمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبّنَا الّذِي أَ ْ‬
‫شيْءٍ خَ ْلقَهُ ثُمّ هَدَى } [طه ‪.]50 ، 49 :‬‬
‫َ‬
‫ومن زعم من أهل المنطق وغيرهم ؛ أن هذا سؤال عن الماهية ‪ ،‬فقد غلط ؛ فإنه لم يكن مقرًا‬
‫بالصانع حتى يسأل عن الماهية (‪ ، )4‬بل كان جاحدًا له بالكلية فيما يظهر ‪ ،‬وإن كانت الحجج‬
‫س َموَاتِ‬
‫والبراهين قد قامت عليه ‪ ،‬فعند ذلك قال موسى لما سأله عن رب العالمين ‪ { :‬قَالَ َربّ ال ّ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا } أي ‪ :‬خالق جميع ذلك ومالكه ‪ ،‬والمتصرف فيه وإلهه ‪ ،‬ل شريك له ‪ ،‬هو‬
‫وَالرْ ِ‬
‫ال الذي خلق الشياء كلها ‪ ،‬العالم العلوي وما فيه من الكواكب الثوابت والسيارات النيرات ‪،‬‬
‫والعالم السفلي وما فيه من بحار وقفار ‪ ،‬وجبال وأشجار ‪ ،‬وحيوان ونبات وثمار ‪ ،‬وما بين ذلك‬
‫من الهواء والطيور ‪ ،‬وما يحتوي عليه الجو ‪ ،‬الجميع (‪ )5‬عبيد له خاضعون ذليلون‪.‬‬
‫{ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ } أي ‪ :‬إن كانت لكم قلوب موقنة ‪ ،‬وأبصار نافذة‪ .‬فعند ذلك التفت فرعون إلى‬
‫مَنْ حوله من مَلَئه ورؤساء دولته قائل لهم ‪ ،‬على سبيل التهكم والستهزاء والتكذيب لموسى فيما‬
‫قاله ‪ { :‬أَل تَسْ َت ِمعُونَ } أي ‪ :‬أل تعجبون مما يقول هذا في زعمه ‪ :‬أن لكم إلها غيري ؟ فقال لهم‬
‫موسى ‪ { :‬رَ ّبكُ ْم وَ َربّ آبَا ِئ ُك ُم الوّلِينَ } أي ‪ :‬خالقكم وخالق آبائكم الولين (‪ ، )6‬الذي كانوا قبل‬
‫فرعون وزمانه‪.‬‬
‫سلَ ِإلَ ْيكُمْ َلمَجْنُونٌ } أي ‪ :‬ليس‬
‫{ قال } أي ‪ :‬فرعون لقومه ‪ { :‬إِنّ رَسُوَلكُمُ الّذِي أُ ْر ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬واستخف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ومن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ماهيته"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬والجميع"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬الوائل"‪.‬‬

‫( ‪)6/138‬‬

‫شيْءٍ مُبِينٍ (‪ )30‬قَالَ‬


‫جعَلَ ّنكَ مِنَ ا ْل َمسْجُونِينَ (‪ )29‬قَالَ َأوََلوْ جِئْ ُتكَ بِ َ‬
‫خ ْذتَ إَِلهًا غَيْرِي لَأَ ْ‬
‫قَالَ لَئِنِ اتّ َ‬
‫عصَاهُ فَِإذَا ِهيَ ُثعْبَانٌ مُبِينٌ (‪ )32‬وَنَ َزعَ َي َدهُ فَإِذَا ِهيَ‬
‫فَ ْأتِ ِبهِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪ )31‬فَأَ ْلقَى َ‬
‫ضكُمْ‬
‫جكُمْ مِنْ أَ ْر ِ‬
‫حوْلَهُ إِنّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (‪ )34‬يُرِيدُ أَنْ ُيخْرِ َ‬
‫بَ ْيضَاءُ لِلنّاظِرِينَ (‪ )33‬قَالَ لِ ْلمَلَإِ َ‬
‫سحّارٍ‬
‫ج ْه وَأَخَا ُه وَا ْب َعثْ فِي ا ْل َمدَائِنِ حَاشِرِينَ (‪ )36‬يَأْتُوكَ ِب ُكلّ َ‬
‫سحْ ِرهِ َفمَاذَا تَ ْأمُرُونَ (‪ )35‬قَالُوا أَرْ ِ‬
‫بِ ِ‬
‫عَلِيمٍ (‪)37‬‬

‫له عقل في دعواه أن ثمّ ربا غيري‪.‬‬


‫{ قال } أي ‪ :‬موسى لولئك الذين أوعز إليهم فرعون ما أوعز من الشبهة ‪ ،‬فأجاب موسى بقوله‬
‫ق وَا ْل َمغْ ِربِ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِنْ كُنْ ُتمْ َت ْعقِلُونَ } أي ‪ :‬هو الذي جعل المشرق مشرقًا تطلع‬
‫‪َ { :‬ربّ ا ْل َمشْرِ ِ‬
‫منه الكواكب ‪ ،‬والمغرب مغربًا تغرب فيه (‪ )1‬الكواكب ‪ ،‬ثوابتها وسياراتها ‪ ،‬مع هذا النظام الذي‬
‫سخّرها فيه وقدّرها ‪ ،‬فإن كان هذا الذي يزعم أنه ربكم وإلهكم صادقًا فليعكس المر ‪ ،‬وليجعل‬
‫َ‬
‫المشرق مغربًا ‪ ،‬والمغرب مشرقًا ‪ ،‬كما أخبر تعالى عن { الّذِي حَاجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ‬
‫ا ْلمُ ْلكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَ ّبيَ الّذِي يُحْيِي وَ ُيمِيتُ قَالَ أَنَا ُأحْيِي وَُأمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنّ اللّهَ يَأْتِي‬
‫شمْسِ مِنَ ا ْل َمشْرِقِ فَ ْأتِ ِبهَا مِنَ ا ْل َمغْ ِربِ فَ ُب ِهتَ الّذِي َكفَرَ وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ } [البقرة‬
‫بِال ّ‬
‫‪ ]258 :‬؛ ولهذا لما غُلب فرعون وانقطعت حجته ‪ ،‬عدل إلى استعمال جاهه وقوته وسلطانه ‪،‬‬
‫واعتقد أن ذلك نافع له ونافذ في موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فقال ما أخبر ال تعالى عنه ‪:‬‬
‫شيْءٍ مُبِينٍ (‪ )30‬قَالَ‬
‫جعَلَ ّنكَ مِنَ ا ْل َمسْجُونِينَ (‪ )29‬قَالَ َأوََلوْ جِئْ ُتكَ بِ َ‬
‫{ قَالَ لَئِنِ اتّخَ ْذتَ إَِلهًا غَيْرِي ل ْ‬
‫عصَاهُ فَِإذَا ِهيَ ُثعْبَانٌ مُبِينٌ (‪ )32‬وَنزعَ َي َدهُ فَإِذَا ِهيَ‬
‫فَ ْأتِ ِبهِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪ )31‬فَأَ ْلقَى َ‬
‫ضكُمْ‬
‫جكُمْ مِنْ أَ ْر ِ‬
‫حوْلَهُ إِنّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (‪ )34‬يُرِيدُ أَنْ ُيخْرِ َ‬
‫بَ ْيضَاءُ لِلنّاظِرِينَ (‪ )33‬قَالَ لِ ْلمَل َ‬
‫سحّارٍ‬
‫ج ْه وَأَخَا ُه وَا ْب َعثْ فِي ا ْل َمدَائِنِ حَاشِرِينَ (‪ )36‬يَأْتُوكَ ِب ُكلّ َ‬
‫سحْ ِرهِ َفمَاذَا تَ ْأمُرُونَ (‪ )35‬قَالُوا أَرْ ِ‬
‫بِ ِ‬
‫عَلِيمٍ (‪} )37‬‬
‫لما قامت على فرعون الحجة بالبيان والعقل ‪ ،‬عدل إلى أن يقهر موسى بيده وسلطانه ‪ ،‬وظن أنه‬
‫سجُونِينَ }‪ .‬فعند‬
‫جعَلَ ّنكَ مِنَ ا ْلمَ ْ‬
‫ليس وراء هذا المقام مقال (‪ )2‬فقال ‪ { :‬لَئِنِ اتّخَ ْذتَ إَِلهًا غَيْرِي ل ْ‬
‫شيْءٍ مُبِينٍ } ؟ أي ‪ :‬ببرهان قاطع واضح‪.‬‬
‫ذلك قال موسى ‪َ { :‬أوََلوْ جِئْ ُتكَ ِب َ‬
‫عصَاهُ فَإِذَا ِهيَ ُثعْبَانٌ مُبِينٌ } أي ‪ :‬ظاهر واضح في‬
‫{ قَالَ فَ ْأتِ بِهِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ فَأَ ْلقَى َ‬
‫غاية الجلء والوضوح والعظمة ‪ ،‬ذات قوائم وفم كبير ‪ ،‬وشكل هائل مزعج‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ وَنزعَ يَ َدهُ } أي ‪ :‬من جيبه { فَإِذَا ِهيَ بَ ْيضَاءُ لِلنّاظِرِينَ } أي ‪ :‬تتلل كقطعة من القمر‪ .‬فبادر‬
‫فرعون ‪ -‬بشقائه ‪ -‬إلى التكذيب والعناد ‪ ،‬فقال للمل حوله ‪ { :‬إِنّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } أي ‪ :‬فاضل‬
‫بارع في السحر‪ .‬فَ َروّج عليهم فرعون أن هذا من قبيل السحر ل من قبيل المعجزة ‪ ،‬ثم هيجهم‬
‫ضكُمْ ِبسِحْ ِرهِ َفمَاذَا‬
‫جكُمْ مِنْ أَ ْر ِ‬
‫وحرضهم على مخالفته ‪ ،‬والكفر به‪ .‬فقال { يُرِيدُ أَنْ يُخْ ِر َ‬
‫تَ ْأمُرُونَ } ؟ أي ‪ :‬أراد أن يذهب بقلوب الناس معه بسبب هذا ‪ ،‬فيكثر أعوانه وأنصاره وأتباعه‬
‫ويغلبكم على دولتكم ‪ ،‬فيأخذ البلد منكم ‪ ،‬فأشيروا عليّ فيه ماذا أصنع به ؟‬
‫سحّارٍ عَلِيمٍ } (‪[ )3‬أي ‪ :‬أخّره وأخاه‬
‫{ قَالُوا أَ ْرجِ ْه وََأخَاهُ وَا ْبعَثْ فِي ا ْلمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ ِب ُكلّ َ‬
‫حتى تجمع له من مدائن مملكتك وأقاليم دولتك كل سحّار عليم] (‪ )4‬يقابلونه ‪ ،‬ويأتون بنظير ما‬
‫جاء به ‪ ،‬فتغلبه أنت وتكون لك النصرة والتأييد‪ .‬فأجابهم إلى ذلك‪ .‬وكان هذا من تسخير ال تعالى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬منه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في هـ ‪" :‬مقام" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ساحر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/139‬‬

‫جمِعَ السّحَ َرةُ ِلمِيقَاتِ َيوْمٍ َمعْلُومٍ (‪َ )38‬وقِيلَ لِلنّاسِ َهلْ أَنْتُمْ ُمجْ َت ِمعُونَ (‪)39‬‬
‫فَ ُ‬

‫لهم في ذلك ؛ ليجتمع الناس في صعيد واحد ‪ ،‬ولتظهر آيات ال وحججه وبراهينه على الناس في‬
‫النهار جهرة‪.‬‬
‫جمِعَ السّحَ َرةُ ِلمِيقَاتِ َيوْمٍ َمعْلُومٍ (‪َ )38‬وقِيلَ لِلنّاسِ َهلْ أَنْ ُتمْ مُجْ َت ِمعُونَ (‪} )39‬‬
‫{ َف ُ‬

‫( ‪)6/140‬‬

‫عوْنَ أَئِنّ لَنَا لََأجْرًا إِنْ كُنّا‬


‫َلعَلّنَا نَتّبِعُ السّحَ َرةَ إِنْ كَانُوا هُمُ ا ْلغَالِبِينَ (‪ )40‬فََلمّا جَاءَ السّحَ َرةُ قَالُوا ِلفِرْ َ‬
‫نَحْنُ ا ْلغَالِبِينَ (‪ )41‬قَالَ َنعَ ْم وَإِ ّنكُمْ ِإذًا َلمِنَ ا ْل ُمقَرّبِينَ (‪ )42‬قَالَ َلهُمْ مُوسَى أَ ْلقُوا مَا أَنْ ُتمْ مُ ْلقُونَ (‪)43‬‬
‫عصَاهُ فَإِذَا ِهيَ‬
‫عوْنَ إِنّا لَنَحْنُ ا ْلغَالِبُونَ (‪ )44‬فَأَ ْلقَى مُوسَى َ‬
‫عصِ ّيهُ ْم َوقَالُوا ِبعِ ّزةِ فِرْ َ‬
‫فَأَ ْلقَوْا حِبَاَلهُ ْم وَ ِ‬
‫تَ ْلقَفُ مَا يَ ْأ ِفكُونَ (‪ )45‬فَأُ ْلقِيَ السّحَ َرةُ سَاجِدِينَ (‪ )46‬قَالُوا َآمَنّا بِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪َ )47‬ربّ مُوسَى‬
‫وَهَارُونَ (‪)48‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عوْنَ أَئِنّ لَنَا لجْرًا إِنْ‬
‫{ َلعَلّنَا نَتّ ِبعُ السّحَ َرةَ إِنْ كَانُوا ُهمُ ا ْلغَالِبِينَ (‪ )40‬فََلمّا جَاءَ السّحَ َرةُ قَالُوا ِلفِرْ َ‬
‫كُنّا نَحْنُ ا ْلغَالِبِينَ (‪ )41‬قَالَ َنعَ ْم وَإِ ّنكُمْ ِإذًا َلمِنَ ا ْل ُمقَرّبِينَ (‪ )42‬قَالَ َلهُمْ مُوسَى أَ ْلقُوا مَا أَنْ ُتمْ مُ ْلقُونَ (‬
‫عصَاهُ فَإِذَا‬
‫عوْنَ إِنّا لَنَحْنُ ا ْلغَالِبُونَ (‪ )44‬فَأَ ْلقَى مُوسَى َ‬
‫عصِ ّيهُ ْم َوقَالُوا ِبعِ ّزةِ فِرْ َ‬
‫‪ )43‬فَأَ ْلقَوْا حِبَاَلهُ ْم وَ ِ‬
‫ِهيَ تَ ْلقَفُ مَا يَ ْأ ِفكُونَ (‪ )45‬فَأُ ْلقِيَ السّحَ َرةُ سَاجِدِينَ (‪ )46‬قَالُوا آمَنّا بِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪َ )47‬ربّ مُوسَى‬
‫وَهَارُونَ (‪.} )48‬‬
‫ذكر [ال] (‪ )1‬تعالى هذه المناظرة الفعلية بين موسى والقبط في "سورة العراف" وفي "سورة‬
‫طه" وفي هذه السورة ‪ :‬وذلك أن القبط أرادوا أن يطفئوا نور ال بأفواههم ‪ ،‬فأبى (‪ )2‬ال إل أن‬
‫يتم نوره ولو كره الكافرون‪ .‬وهذا شأن الكفر واليمان ‪ ،‬ما تواجها وتقابل إل غلبه اليمان ‪َ { ،‬بلْ‬
‫صفُونَ } [النبياء ‪َ { ، ]18 :‬و ُقلْ‬
‫ق وََلكُمُ ا ْلوَ ْيلُ ِممّا َت ِ‬
‫طلِ فَيَ ْد َمغُهُ فَِإذَا ُهوَ زَا ِه ٌ‬
‫َنقْ ِذفُ بِا ْلحَقّ عَلَى الْبَا ِ‬
‫طلَ كَانَ زَهُوقًا } [السراء ‪ ، ]81 :‬ولهذا لما جاء السحرة ‪ ،‬وقد‬
‫طلُ إِنّ الْبَا ِ‬
‫ق وَزَهَقَ الْبَا ِ‬
‫حّ‬‫جَاءَ الْ َ‬
‫جمعوهم من أقاليم بلد مصر ‪ ،‬وكانوا إذ ذاك أسحر الناس وأصنعهم وأشدهم تخييل في ذلك ‪،‬‬
‫وكان السحرة جمعًا كثيرًا ‪ ،‬وجمًا غفيرًا ‪ ،‬قيل ‪ :‬كانوا اثني عشر ألفًا‪ .‬وقيل ‪ :‬خمسة عشر ألفًا‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬سبعة عشر ألفًا وقيل ‪ :‬تسعة عشر ألفًا‪ .‬وقيل ‪ :‬بضعة وثلثين ألفًا‪ .‬وقيل ‪ :‬ثمانين ألفًا‪.‬‬
‫وقيل غير ذلك ‪ ،‬وال أعلم بعدتهم‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان أمرهم راجعًا إلى أربعة منهم وهم رؤساؤهم ‪ :‬وهم ‪ :‬ساتور وعازور (‬
‫‪ )3‬وحطحط (‪ )4‬ويصقى‪.‬‬
‫واجتهد (‪ )5‬الناس في الجتماع ذلك اليوم ‪ ،‬وقال قائلهم ‪َ { :‬لعَلّنَا نَتّ ِبعُ السّحَ َرةَ إِنْ كَانُوا ُهمُ‬
‫ا ْلغَالِبِينَ [قَالَ َنعَ ْم وَإِ ّنكُمْ إِذًا َلمِنَ ا ْلمُقَرّبِينَ] } (‪ ، )6‬ولم يقولوا ‪ :‬نتبع الحق سواء كان من السحرة‬
‫أو من موسى ‪ ،‬بل الرعية على دين ملكهم‪ { .‬فََلمّا جَاءَ السّحَ َرةُ } أي ‪ :‬إلى مجلس فرعون وقد‬
‫ضرب له وطاقا ‪ ،‬وجمع حشمه وخدمه [وأمراءه] (‪ )7‬ووزراءه ورؤساء دولته وجنود مملكته ‪،‬‬
‫فقام السحرة بين يدي فرعون (‪ )8‬يطلبون منه الحسان إليهم والتقرب إليه إن غلبوا ‪ ،‬أي ‪ :‬هذا‬
‫الذي جمعتنا من أجله ‪ ،‬فقالوا ‪ { :‬أَئِنّ لَنَا لجْرًا إِنْ كُنّا َنحْنُ ا ْلغَالِبِينَ * قَالَ َنعَ ْم وَإِ ّنكُمْ إِذًا َلمِنَ‬
‫ا ْل ُمقَرّبِينَ } أي ‪ :‬وأخص مما تطلبون أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي‪ .‬فعادوا إلى مقام‬
‫ي وَِإمّا أَنْ َنكُونَ َأ ّولَ مَنْ أَ ْلقَى * قَالَ َبلْ أَ ْلقُوا } [طه ‪:‬‬
‫المناظرة { قَالُوا (‪ )9‬يَا مُوسَى ِإمّا أَنْ تُ ْل ِق َ‬
‫‪ ، ]66 ، 65‬وقد اختصر هذا هاهنا فقال لهم موسى ‪ { :‬أَ ْلقُوا مَا أَنْ ُتمْ مُ ْلقُونَ * فَأَ ْل َقوْا حِبَاَلهُمْ‬
‫عوْنَ إِنّا لَ َنحْنُ ا ْلغَالِبُونَ } ‪ ،‬وهذا كما يقوله‬
‫عصِيّهُمْ َوقَالُوا ِبعِ ّزةِ فِرْ َ‬
‫وَ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيأبى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وعادون"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في أ‪" .‬وحطحة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وحشر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بين يديه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬فقالوا" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)6/140‬‬

‫طعَنّ أَ ْيدِ َيكُمْ‬


‫سوْفَ َتعَْلمُونَ لَُأقَ ّ‬
‫قَالَ َآمَنْتُمْ َلهُ قَ ْبلَ أَنْ َآذَنَ َلكُمْ إِنّهُ َلكَبِي ُركُمُ الّذِي عَّل َمكُمُ السّحْرَ فََل َ‬
‫طمَعُ أَنْ‬
‫ج َمعِينَ (‪ )49‬قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنّا إِلَى رَبّنَا مُ ْنقَلِبُونَ (‪ )50‬إِنّا َن ْ‬
‫ف وَلَُأصَلّبَ ّنكُمْ أَ ْ‬
‫وَأَرْجَُلكُمْ مِنْ خِلَا ٍ‬
‫خطَايَانَا أَنْ كُنّا َأ ّولَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )51‬وََأوْحَيْنَا ِإلَى مُوسَى أَنْ َأسْرِ ِبعِبَادِي إِ ّنكُمْ مُتّ َبعُونَ‬
‫َي ْغفِرَ لَنَا رَبّنَا َ‬
‫عوْنُ فِي ا ْل َمدَائِنِ حَاشِرِينَ (‪ )53‬إِنّ َهؤُلَاءِ لَشِرْ ِذ َمةٌ قَلِيلُونَ (‪ )54‬وَإِ ّنهُمْ لَنَا َلغَا ِئظُونَ‬
‫سلَ فِرْ َ‬
‫(‪ )52‬فَأَرْ َ‬
‫جمِيعٌ حَاذِرُونَ (‪ )56‬فََأخْرَجْنَا ُهمْ مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ (‪َ )57‬وكُنُو ٍز َو َمقَامٍ كَرِيمٍ (‪)58‬‬
‫(‪ )55‬وَإِنّا لَ َ‬
‫ك وََأوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (‪)59‬‬
‫كَذَِل َ‬

‫الجهلة من العوام إذا فعلوا شيئا ‪ :‬هذا بثواب فلن‪ .‬وقد ذكر ال في سورة العراف ‪ :‬أنهم‬
‫عظِيمٍ } [العراف ‪ ، ]116 :‬وقال في "سورة‬
‫سحْرٍ َ‬
‫س وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِ ِ‬
‫{ سَحَرُوا أَعْيُنَ النّا ِ‬
‫سعَى * فََأ ْوجَسَ فِي َنفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى‬
‫عصِ ّيهُمْ يُخَ ّيلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْ ِرهِمْ أَ ّنهَا َت ْ‬
‫طه" ‪ { :‬فَِإذَا حِبَاُل ُه ْم وَ ِ‬
‫خفْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ العْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي َيمِي ِنكَ تَ ْلقَفْ مَا صَ َنعُوا إِ ّنمَا صَ َنعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَل‬
‫* قُلْنَا ل تَ َ‬
‫ُيفْلِحُ السّاحِرُ حَ ْيثُ أَتَى } [طه ‪.]69 ، 66 :‬‬
‫عصَاهُ فَإِذَا ِهيَ تَ ْلقَفُ مَا يَ ْأ ِفكُونَ } أي ‪ :‬تختطفه (‪ )1‬وتجمعه من كل‬
‫وقال هاهنا ‪ { :‬فَأَ ْلقَى مُوسَى َ‬
‫بقعة وتبتلعه فلم تدع منه شيئا‪.‬‬
‫ك وَا ْنقَلَبُوا صَاغِرِينَ‪ .‬وَأُلْ ِقيَ السّحَ َرةُ‬
‫طلَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ َفغُلِبُوا هُنَاِل َ‬
‫ق وَبَ َ‬
‫حّ‬‫قال تعالى ‪َ { :‬ف َوقَعَ الْ َ‬
‫سَاجِدِينَ‪ .‬قَالُوا آمَنّا بِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ َربّ مُوسَى وَهَارُونَ } [العراف ‪ ]122 - 118 :‬وكان هذا‬
‫أمرا عظيما جدًا ‪ ،‬وبرهانًا قاطعًا للعذر وحجة دامغة ‪ ،‬وذلك أن الذين استنصر بهم وطلب منهم‬
‫أن يغلبوا ‪ ،‬قد غلبوا وخضعوا وآمنوا بموسى في الساعة الراهنة ‪ ،‬وسجدوا ل رب العالمين ‪،‬‬
‫الذي أرسل موسى وهارون بالحق وبالمعجزة الباهرة ‪َ ،‬فغُِلبَ فرعون غَلبًا لم يشاهد العالم مثله ‪،‬‬
‫وكان وقحًا جريئًا عليه لعنة ال ‪ ،‬فعدل إلى المكابرة والعناد ودعوى الباطل ‪ ،‬فشرع يتهددهم‬
‫ويتوعدهم ‪ ،‬ويقول ‪ { :‬إِنّهُ َلكَبِي ُركُمُ الّذِي عَّل َمكُمُ السّحْرَ } [طه ‪ ، ]71 :‬وقال ‪ { :‬إِنّ هَذَا َل َمكْرٌ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ } [العراف ‪.]123 :‬‬
‫َمكَرْ ُتمُوهُ فِي ا ْلمَدِينَةِ لِتُخْ ِرجُوا مِ ْنهَا َأهَْلهَا فَ َ‬
‫طعَنّ أَ ْيدِ َيكُمْ‬
‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ لقَ ّ‬
‫عّل َمكُمُ السّحْرَ فَلَ َ‬
‫{ قَالَ آمَنْ ُتمْ لَهُ قَ ْبلَ أَنْ آذَنَ َلكُمْ إِنّهُ َلكَبِي ُركُمُ الّذِي َ‬
‫طمَعُ‬
‫ج َمعِينَ (‪ )49‬قَالُوا ل ضَيْرَ إِنّا إِلَى رَبّنَا مُ ْنقَلِبُونَ (‪ )50‬إِنّا نَ ْ‬
‫وَأَرْجَُلكُمْ مِنْ خِلفٍ وَلصَلّبَ ّنكُمْ َأ ْ‬
‫خطَايَانَا أَنْ كُنّا َأ ّولَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪.} )51‬‬
‫أَنْ َي ْغفِرَ لَنَا رَبّنَا َ‬
‫تهددهم فلم يقطع ذلك فيهم ‪ ،‬وتوعدهم فما زادهم إل إيمانا وتسليما‪ .‬وذلك أنه قد كشف عن قلوبهم‬
‫حجاب الكفر ‪ ،‬وظهر لهم الحق بعلمهم ما جهل قومهم ‪ ،‬من أن هذا الذي جاء به موسى ل يصدر‬
‫عن بشر ‪ ،‬إل أن يكون ال قد أيده به ‪ ،‬وجعله له حجة ودللة على صدق ما جاء به من ربه ؛‬
‫ولهذا لما قال لهم فرعون ‪ { :‬آمَنْتُمْ لَهُ قَ ْبلَ أَنْ آذَنَ َلكُمْ } ؟ أي ‪ :‬كان ينبغي أن تستأذنوني فيما‬
‫فعلتم ‪ ،‬ول تفتاتوا عليّ في ذلك ‪ ،‬فإن أذنت لكم فعلتم ‪ ،‬وإن منعتكم امتنعتم ‪ ،‬فإني أنا الحاكم‬
‫المطاع ؛ { إِنّهُ َلكَبِي ُركُمُ الّذِي عَّل َمكُمُ السّحْرَ }‪ .‬وهذه مكابرة يعلم كل أحد بُطلنها ‪ ،‬فإنهم لم‬
‫يجتمعوا بموسى قبل ذلك اليوم ‪ ،‬فكيف يكون كبيرهم الذي أفادهم صناعة السحر ؟ هذا ل يقوله‬
‫عاقل‪.‬‬
‫ثم توعّدهم فرعون بقطع اليدي والرجل والصلب ‪ ،‬فقالوا ‪ { :‬ل ضَيْرَ } أي ‪ :‬ل حرج ول‬
‫يضرنا ذلك ول نبالي به { إِنّا إِلَى رَبّنَا مُ ْنقَلِبُونَ } أي ‪ :‬المرجع (‪ )2‬إلى ال ‪ ،‬وهو ل يضيع أجر‬
‫مَنْ أحسن عمل ول يخفى عليه ما فعلت بنا ‪ ،‬وسيجزينا على ذلك أتم الجزاء ؛ ولهذا قالوا ‪)3( :‬‬
‫طمَعُ أَنْ َيغْفِرَ لَنَا رَبّنَا خَطَايَانَا } أي ‪ :‬ما قارفناه (‪ )4‬من الذنوب ‪ ،‬وما أكرهتنا عليه من‬
‫{ إِنّا نَ ْ‬
‫السحر ‪ { ،‬أَنْ كُنّا َأ ّولَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ } أي ‪ :‬بسبب أنا بادرنا قومنا من القبط إلى اليمان‪ .‬فقتلهم (‪)5‬‬
‫كلهم‪.‬‬
‫عوْنُ فِي ا ْل َمدَائِنِ حَاشِرِينَ (‬
‫سلَ فِرْ َ‬
‫{ وََأوْحَيْنَا ِإلَى مُوسَى أَنْ َأسْرِ ِبعِبَادِي إِ ّنكُمْ مُتّ َبعُونَ (‪ )52‬فَأَرْ َ‬
‫جمِيعٌ حَاذِرُونَ (‪)56‬‬
‫‪ )53‬إِنّ َهؤُلءِ لَشِ ْر ِذمَةٌ قَلِيلُونَ (‪ )54‬وَإِ ّنهُمْ لَنَا َلغَائِظُونَ (‪ )55‬وَإِنّا لَ َ‬
‫ك وََأوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (‬
‫ت وَعُيُونٍ (‪َ )57‬وكُنُوزٍ َومَقَامٍ كَرِيمٍ (‪ )58‬كَذَِل َ‬
‫فَأَخْ َرجْنَاهُمْ مِنْ جَنّا ٍ‬
‫‪.} )59‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تخطفه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الرجوع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ما فرقناه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قبلهم"‪.‬‬

‫( ‪)6/141‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حجَج ال (‪ )1‬وبراهينه على فرعون‬
‫لما طال مُقام موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ببلد مصر ‪ ،‬وأقام بها ُ‬
‫وملئه ‪ ،‬وهم مع ذلك يكابرون ويعاندون ‪ ،‬لم يبق لهم إل العذاب والنكال ‪ ،‬فأمر ال موسى ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬أن يخرج ببني إسرائيل ليل من مصر ‪ ،‬وأن يمضي بهم حيث ي ُؤمَر ‪ ،‬ففعل موسى ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬ما أمره به ربه عز وجل‪ .‬خرج بهم بعدما استعاروا من قوم فرعون حليا كثيرا ‪،‬‬
‫وكان خروجه بهم ‪ ،‬فيما ذكر غير واحد من المفسرين ‪ ،‬وقت طلوع القمر‪ .‬وذكر مجاهد ‪ ،‬رحمه‬
‫ال ‪ ،‬أنه ُكسِف القمر تلك الليلة ‪ ،‬فال أعلم ‪ ،‬وأن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬سأل عن قبر يوسف ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬فدلته امرأة عجوز من بني إسرائيل عليه ‪ ،‬فاحتمل تابوته معهم ‪ ،‬ويقال ‪ :‬إنه هو‬
‫الذي حمله بنفسه ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬وكان يوسف قد أوصى بذلك إذا خرج بنو إسرائيل أن يحملوه‬
‫(‪ )2‬معهم ‪ ،‬وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حدّثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن عمر (‪ )3‬بن أبان بن صالح ‪ ،‬حدثنا ابن فضيل (‪)4‬‬
‫عن عبد ال (‪ )5‬بن أبي إسحاق ‪ ،‬عن ابن أبي بردة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي موسى قال ‪ :‬نزل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بأعرابي فأكرمه ‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫تعاهدنا‪ .‬فأتاه العرابي فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما حاجتك ؟" قال (‪ )6‬ناقة‬
‫برحلها وأعنز (‪ )7‬يحتلبها أهلي ‪ ،‬فقال ‪" :‬أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل ؟" فقال له‬
‫أصحابه ‪ :‬وما عجوز بني إسرائيل يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬إن موسى لما أراد أن يسير ببني‬
‫إسرائيل أضل الطريق ‪ ،‬فقال لبني إسرائيل ‪ :‬ما هذا ؟ فقال له علماء بني إسرائيل ‪ :‬نحن نحّدثك‬
‫أن يوسف عليه السلم لما حضره الموت أخذ علينا موثقًا من ال أل نخرج من مصر حتى ننقل‬
‫تابوته معنا ‪ ،‬فقال لهم موسى ‪ :‬فأيكم يدري أين قبر يوسف ؟ قالوا ‪ :‬ما يعلمه إل عجوز لبني‬
‫إسرائيل‪ .‬فأرسل إليها فقال (‪ )8‬لها ‪ :‬دليني على قبر يوسف‪ .‬فقالت ‪ :‬وال ل أفعل حتى تعطيني‬
‫حكمي‪ .‬قال لها ‪ :‬وما حكمك ؟ قالت (‪ : )9‬حكمي أن أكون معك في الجنة‪ .‬فكأنه ثقل عليه ذلك ‪،‬‬
‫فقيل له ‪ :‬أعطها حكمها‪ .‬قال ‪ :‬فانطلقت معهم إلى بحيرة ‪ -‬مستنقع ماء ‪ -‬فقالت لهم ‪ :‬أنضبوا‬
‫هذا الماء‪ .‬فلما أنضبوه قالت ‪ :‬احتفروا ‪ )10( ،‬فلما احتفروا استخرجوا قبر يوسف ‪ ،‬فلما احتملوه‬
‫إذا الطريق مثل ضوء النهار (‪." )11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وأقام حجج ال بها"‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يحتملوه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪" :‬عبد ال بن عمر بن محمد بن أبان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في هـ ‪" :‬فضل" والمثبت من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬يونس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ "فقال"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬وأعنق"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬احفروا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬ورواه أبو يعلى في مسنده (‪ )13/236‬وابن حبان في صحيحه برقم (‪" )2435‬موارد" ‪،‬‬
‫والحاكم في المستدرك (‪ )2/571‬من طريق محمد بن فضيل ‪ ،‬عن يونس بن أبي إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫أبي بردة عن أبي موسى به‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/170‬رجال أبي يعلى رجال‬
‫الصحيح"‪.‬‬

‫( ‪)6/142‬‬

‫فَأَتْ َبعُوهُمْ مُشْ ِرقِينَ (‪)60‬‬

‫هذا حديث غريب جدًا ‪ ،‬والقرب أنه موقوف ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬


‫فلما أصبحوا وليس في ناديهم داع ول مجيب ‪ ،‬غاظ ذلك فرعون واشتد غضبه على بني إسرائيل‬
‫؛ لما يريد ال به من الدمار ‪ ،‬فأرسل سريعا في بلده حاشرين ‪ ،‬أي ‪ :‬مَنْ يحشر الجندَ ويجمعه ‪،‬‬
‫كالنّقباء والحُجّاب ‪ ،‬ونادى فيهم ‪ { :‬إِنّ َهؤُلءِ } ‪ -‬يعني ‪ :‬بني إسرائيل ‪ { -‬لَشِ ْر ِذمَةٌ قَلِيلُونَ } أي‬
‫‪ :‬لطائفة قليلة‪.‬‬
‫{ وَإِ ّنهُمْ لَنَا َلغَائِظُونَ } أي ‪ :‬كل وقت يصل لنا منهم ما يغيظنا‪.‬‬
‫جمِيعٌ حَاذِرُونَ } أي ‪ :‬نحن كل وقت نحذر من غائلتهم ‪ ،‬وإني أريد أن أستأصل شأفتهم ‪،‬‬
‫{ وَإِنّا َل َ‬
‫وأبيد خضراءهم‪ .‬فجوزي في نفسه وجنده بما أراد لهم‪.‬‬
‫ت وَعُيُونٍ َوكُنُو ٍز َومَقَامٍ كَرِيمٍ } أي ‪ :‬فخرجوا من هذا النعيم‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فَأَخْ َرجْنَاهُمْ مِنْ جَنّا ٍ‬
‫إلى الجحيم ‪ ،‬وتركوا تلك المنازل العالية والبساتين والنهار والموال والرزاق والملك والجاه‬
‫الوافر في الدنيا‪.‬‬
‫ض َعفُونَ‬
‫{ َكذَِلكَ وََأوْرَثْنَاهَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََأوْرَثْنَا ا ْل َقوْمَ الّذِينَ كَانُوا يُسْ َت ْ‬
‫ض َو َمغَارِ َبهَا الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا وَ َت ّمتْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ ا ْلحُسْنَى عَلَى بَنِي ِإسْرَائِيلَ ِبمَا صَبَرُوا‬
‫مَشَارِقَ الرْ ِ‬
‫ن َوقَ ْومُ ُه َومَا كَانُوا َيعْرِشُونَ } [العراف ‪ ، ]137 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫عوْ ُ‬
‫وَ َدمّرْنَا مَا كَانَ َيصْنَعُ فِرْ َ‬
‫جعََلهُمُ ا ْلوَارِثِينَ * وَ ُن َمكّنَ َل ُهمْ‬
‫جعََلهُمْ أَ ِئمّ ًة وَنَ ْ‬
‫ض وَنَ ْ‬
‫ضعِفُوا فِي ال ْر ِ‬
‫{ وَنُرِيدُ أَنْ َنمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْ ُت ْ‬
‫حذَرُونَ } [القصص ‪.]6 ، 5 :‬‬
‫ن وَجُنُودَ ُهمَا مِ ْنهُمْ مَا كَانُوا يَ ْ‬
‫عوْنَ وَهَامَا َ‬
‫ض وَنُ ِريَ فِرْ َ‬
‫فِي ال ْر ِ‬
‫{ فَأَتْ َبعُوهُمْ مُشْ ِرقِينَ (‪} )60‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/143‬‬

‫صحَابُ مُوسَى إِنّا َل ُمدْ َركُونَ (‪ )61‬قَالَ كَلّا إِنّ َم ِعيَ رَبّي سَ َيهْدِينِ (‪)62‬‬
‫ج ْمعَانِ قَالَ َأ ْ‬
‫فََلمّا تَرَاءَى ا ْل َ‬
‫طوْدِ ا ْلعَظِيمِ (‪ )63‬وَأَزَْلفْنَا َثمّ‬
‫فََأوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْ ِربْ ِب َعصَاكَ الْ َبحْرَ فَا ْنفَلَقَ َفكَانَ ُكلّ فِرْقٍ كَال ّ‬
‫ج َمعِينَ (‪ُ )65‬ثمّ أَغْ َرقْنَا الَْآخَرِينَ (‪ )66‬إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَ َيةً‬
‫الْآَخَرِينَ (‪ )64‬وَأَ ْنجَيْنَا مُوسَى َومَنْ َمعَهُ َأ ْ‬
‫َومَا كَانَ َأكْثَ ُرهُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )67‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)68‬‬

‫ج ْمعَانِ قَالَ َأصْحَابُ مُوسَى إِنّا َلمُدْ َركُونَ (‪ )61‬قَالَ كَل إِنّ َمعِيَ رَبّي سَ َيهْدِينِ (‬
‫{ فََلمّا تَرَاءَى الْ َ‬
‫طوْدِ ا ْلعَظِيمِ (‪)63‬‬
‫‪ )62‬فََأوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْ ِربْ ِب َعصَاكَ الْ َبحْرَ فَا ْنفَلَقَ َفكَانَ ُكلّ فِرْقٍ كَال ّ‬
‫ج َمعِينَ (‪ُ )65‬ثمّ أَغْ َرقْنَا الخَرِينَ (‪ )66‬إِنّ فِي‬
‫وَأَزَْلفْنَا َثمّ الخَرِينَ (‪ )64‬وَأَ ْنجَيْنَا مُوسَى َومَنْ َمعَهُ َأ ْ‬
‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُ ُهمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )67‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪.} )68‬‬
‫ذَِل َ‬
‫ذكر غير واحد من المفسرين ‪ :‬أن فرعون خرج في جحفل عظيم وجمع كبير (‪ ، )1‬وهو عبارة‬
‫عن مملكة الديار المصرية في زمانه ‪ ،‬أولي الحل والعقد والدول ‪ ،‬من المراء والوزراء‬
‫والكبراء والرؤساء والجنود ‪ ،‬فأمّا ما ذكره غير واحد من السرائيليات ‪ ،‬من أنه خرج في ألف‬
‫ألف وستمائة ألف فارس ‪ ،‬منها مائة ألف على خيل دُهْم ‪ ،‬وقال كعب الحبار ‪ :‬فيهم ثمانمائة ألف‬
‫حصان أدهم ‪ ،‬ففي ذلك نظر‪ .‬والظاهر أنه من مجازفات بني إسرائيل ‪ ،‬وال ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫أعلم‪ .‬والذي أخبر به هو النافع ‪ ،‬ولم يعين عدتهم ؛ إذ ل فائدة تحته ‪ ،‬إل أنهم خرجوا بأجمعهم‪.‬‬
‫{ فَأَتْ َبعُوهُمْ مُشْ ِرقِينَ } أي ‪ :‬وصلوا إليهم عند شروق الشمس ‪ ،‬وهو طلوعها‪.‬‬
‫ج ْمعَانِ } أي ‪ :‬رأى كل من الفريقين صاحبه ‪ ،‬فعند ذلك { قَالَ َأصْحَابُ مُوسَى إِنّا‬
‫{ فََلمّا تَرَاءَى الْ َ‬
‫َلمُدْ َركُونَ } ‪ ،‬وذلك أنه انتهى بهم السير إلى سيف البحر ‪ ،‬وهو بحر القلزم ‪ ،‬فصار أمامهم البحر‬
‫‪ ،‬وفرعون قد أدركهم بجنوده ‪ ،‬فلهذا قالوا ‪ { :‬إِنّا َلمُدْ َركُونَ قَالَ كَل إِنّ َم ِعيَ رَبّي سَ َيهْدِينِ } أي ‪:‬‬
‫ل يصل إليكم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ "كثير"‪.‬‬

‫( ‪)6/143‬‬

‫شيء مما تحذرون ‪ ،‬فإن ال ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬هو الذي أمرني أن أسير هاهنا بكم ‪ ،‬وهو ل يخلف‬
‫الميعاد‪.‬‬
‫وكان هارون ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في المقدمة ‪ ،‬ومعه يوشع بن نون ‪[ ،‬ومؤمن آل فرعون وموسى ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليه السلم ‪ ،‬في الساقة ‪ ،‬وقد ذكر غير واحد من المفسرين ‪ :‬أنهم وقفوا ل يدرون ما يصنعون ‪،‬‬
‫وجعل يوشع بن نون] (‪ ، )1‬أو مؤمن آل فرعون يقول لموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬هاهنا‬
‫أمرك ال أن تسير ؟ فيقول ‪ :‬نعم ‪ ،‬واقترب فرعون وجنوده ‪ ،‬ولم يبق إل القليل ‪ ،‬فعند ذلك أمر‬
‫ال نبيه موسى أن يضرب بعصاه البحر ‪ ،‬فضربه ‪ ،‬وقال ‪ :‬انفلق بإذن ال‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا صفوان بن صالح ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا (‪ )2‬محمد‬
‫بن حمزة [بن محمد] (‪ )3‬بن يوسف بن عبد ال بن سلم ‪ :‬أن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لما انتهى‬
‫إلى البحر قال ‪ :‬يا من كان قبل كل شيء والمكون لكل شيء ‪ ،‬والكائن قبل كل شيء ‪ ،‬اجعل لنا‬
‫مخرجًا‪ .‬فأوحى ال إليه ‪ { :‬أَنِ اضْ ِربْ ِب َعصَاكَ الْبَحْرَ }‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أوحى ال تلك الليلة إلى البحر ‪ :‬أن إذا ضربك موسى بعصاه فاسمع له وأطع ‪ ،‬فبات‬
‫البحر تلك الليلة ‪ ،‬وله اضطراب (‪ ، )4‬ول يدري من أيّ جانب يضربه موسى ‪ ،‬فلما انتهى إليه‬
‫موسى قال له فتاه يوشع بن نون ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬أين أمرك ربك ؟ قال ‪ :‬أمرني أن أضرب البحر‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فاضربه‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬أوحى ال ‪ -‬فيما ذكر لي ‪ -‬إلى البحر ‪ :‬أن إذا ضربك موسى بعصاه‬
‫فانفلق له‪ .‬قال ‪ :‬فبات البحر يضرب بعضه بعضًا ‪ ،‬فرقا من ال تعالى ‪ ،‬وانتظارًا لما أمره ال ‪،‬‬
‫وأوحى ال إلى موسى ‪ { :‬أَنِ اضْ ِربْ ِب َعصَاكَ الْ َبحْرَ } ‪ ،‬فضربه بها وفيها ‪ )5( ،‬سلطان ال الذي‬
‫أعطاه ‪ ،‬فانفلق‪.‬‬
‫وذكر غير واحد أنه كناه فقال ‪ :‬انفلق عليّ أبا خالد بحول ال (‪.)6‬‬
‫طوْدِ ا ْلعَظِيمِ } أي ‪ :‬كالجبل الكبير‪ .‬قاله ابن مسعود ‪،‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فَا ْنفَلَقَ َفكَانَ ُكلّ فِرْقٍ كَال ّ‬
‫وابن عباس ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال عطاء الخراساني ‪ :‬هو الفَجّ بين الجبلين‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬صار البحر اثني عشر طريقًا ‪ ،‬لكل سبط طريق ‪ -‬وزاد السدي ‪ :‬وصار فيه‬
‫طاقات ينظر بعضهم إلى بعض ‪ ،‬وقام الماء على حيله كالحيطان ‪ ،‬وبعث ال الريح إلى قعر‬
‫البحر فلفحته ‪ ،‬فصار يَبَسا (‪ )7‬كوجه الرض ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬فَاضْ ِربْ َلهُمْ طَرِيقًا فِي الْ َبحْرِ‬
‫يَبَسًا ل تَخَافُ دَ َركًا وَل َتخْشَى } [طه ‪.]77 :‬‬
‫وقال في هذه القصة ‪ { :‬وأزلفنا } أي ‪ :‬هنالك (‪ { )8‬الخرين }‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ { :‬وأزلفنا } أي ‪ :‬قربنا فرعون وجنوده‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من الجرح والتعديل (‪ )3/2/236‬والدر المنثور (‪.)5/86‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬اتكل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ففيها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بإذن ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬يابسا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬هناك"‪.‬‬

‫( ‪)6/144‬‬

‫ظلّ َلهَا‬
‫وَا ْتلُ عَلَ ْي ِهمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (‪ )69‬إِذْ قَالَ لِأَبِي ِه َو َقوْمِهِ مَا َتعْ ُبدُونَ (‪ )70‬قَالُوا َنعْبُدُ َأصْنَامًا فَ َن َ‬
‫جدْنَا‬
‫ل وَ َ‬
‫س َمعُو َنكُمْ ِإذْ تَدْعُونَ (‪َ )72‬أوْ يَ ْن َفعُو َنكُمْ َأوْ َيضُرّونَ (‪ )73‬قَالُوا َب ْ‬
‫عَا ِكفِينَ (‪ )71‬قَالَ َهلْ يَ ْ‬
‫آَبَاءَنَا كَذَِلكَ َي ْفعَلُونَ (‪ )74‬قَالَ َأفَرَأَيْ ُتمْ مَا كُنْتُمْ َتعْبُدُونَ (‪ )75‬أَنْ ُت ْم وَآَبَا ُؤكُمُ الَْأ ْق َدمُونَ (‪ )76‬فَإِ ّنهُمْ عَ ُدوّ‬
‫لِي إِلّا َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)77‬‬

‫من البحر وأدنيناهم إليه‪.‬‬


‫ج َمعِينَ ثُمّ أَغْ َرقْنَا الخَرِينَ } أي ‪ :‬أنجينا موسى وبني إسرائيل ومن‬
‫{ وَأَ ْنجَيْنَا مُوسَى َومَنْ َمعَهُ َأ ْ‬
‫معهم على دينهم فلم يهلك (‪ )1‬منهم أحد ‪ ،‬وأغرق فرعون وجنوده ‪ ،‬فلم يبق منهم رجل (‪ )2‬إل‬
‫هلك‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا شبابة ‪ ،‬حدثنا‬
‫يونس بن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون ‪ ،‬عن عبد ال ‪ -‬هو ابن مسعود‬
‫‪ -‬أن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين أسرى ببني إسرائيل بلغ فرعون ذلك ‪ ،‬فأمر بشاة فذبحت ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪ :‬ل وال ل يفرغ من سلخها حتى يجتمع إليّ ستمائة ألف من القبط‪ .‬فانطلق موسى حتى‬
‫انتهى إلى البحر ‪ ،‬فقال له ‪ :‬انفرق‪ .‬فقال البحر ‪ :‬لقد استكبرت يا موسى ‪ ،‬وهل انفرقت (‪ )3‬لحد‬
‫من ولد (‪ )4‬آدم فأنفرق (‪ )5‬لك ؟ قال ‪ :‬ومع موسى رجل على حصان له ‪ ،‬فقال له ذلك الرجل ‪:‬‬
‫أين أمرتَ يا نبي ال ؟ قال ‪ :‬ما أمرت إل بهذا الوجه [يعني ‪ :‬البحر ‪ ،‬فأقحم فرسه ‪ ،‬فسبح به‬
‫فخرج ‪ ،‬فقال ‪ :‬أين أمرت يا نبي ال ؟ قال ‪ :‬ما أمرت إل بهذا الوجه] (‪ .)6‬قال ‪ :‬وال ما كَذَبت‬
‫ول كُذبت‪ .‬ثم اقتحم الثانية فسبح ‪ ،‬ثم خرج فقال ‪ :‬أين أمرت يا نبي ال ؟ قال ‪ :‬ما أمرت إل بهذا‬
‫الوجه ؟ قال ‪ :‬وال ما كَذَبت (‪ )7‬ول كُذبت‪ .‬قال ‪ :‬فأوحى ال إلى موسى أن اضرب بعصاك‬
‫البحر ‪ ،‬فضربه موسى بعصاه ‪ ،‬فانفلق ‪ ،‬فكان فيه اثنا عشر طريقًا ‪ ،‬لكل سبط طريق يتراءون ‪،‬‬
‫فلما خرج أصحاب موسى وتَتَامّ أصحابُ فرعون ‪ ،‬التقى البحر عليهم فأغرقهم‪.‬‬
‫وفي رواية إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬فلما خَرَج‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫آخر أصحاب موسى ‪ ،‬وتكامل أصحاب فرعون ‪ ،‬اضطم عليهم البحر ‪ ،‬فما رُ ِئيَ سواد أكثر من‬
‫يومئذ ‪ ،‬وغرق فرعون لعنه ال‪.‬‬
‫ك ليَةً } أي ‪ :‬في هذه القصة وما فيها من العجائب والنصر والتأييد‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫لعباد ال المؤمنين ؛ لدللة وحجة قاطعة وحكمة بالغة ‪َ { ،‬ومَا كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ * وَإِنّ رَ ّبكَ‬
‫َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ } تقدم تفسيره‪.‬‬
‫ظلّ َلهَا‬
‫ل لبِي ِه َو َقوْمِهِ مَا َتعْ ُبدُونَ (‪ )70‬قَالُوا َنعْبُدُ َأصْنَامًا فَ َن َ‬
‫{ وَا ْتلُ عَلَ ْيهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (‪ِ )69‬إذْ قَا َ‬
‫جدْنَا‬
‫ل وَ َ‬
‫س َمعُو َنكُمْ ِإذْ تَدْعُونَ (‪َ )72‬أوْ يَ ْن َفعُو َنكُمْ َأوْ َيضُرّونَ (‪ )73‬قَالُوا َب ْ‬
‫عَا ِكفِينَ (‪ )71‬قَالَ َهلْ يَ ْ‬
‫ع ُدوّ‬
‫آبَاءَنَا كَذَِلكَ َي ْفعَلُونَ (‪ )74‬قَالَ َأفَرَأَيْ ُتمْ مَا كُنْتُمْ َتعْبُدُونَ (‪ )75‬أَنْ ُت ْم وَآبَا ُؤكُ ُم القْ َدمُونَ (‪ )76‬فَإِ ّنهُمْ َ‬
‫لِي إِل َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪.} )77‬‬
‫هذا إخبار من ال تعالى (‪ )8‬عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ‪ ،‬أمر ال رسوله‬
‫محمدا ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬أن يتلوه على أمته ‪ ،‬ليقتدوا به في الخلص والتوكل ‪،‬‬
‫وعبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬والتبرؤ من الشرك وأهله ؛ فإن ال تعالى آتى إبراهيم رشده من‬
‫قبل ‪ ،‬أي ‪ :‬من صغره إلى كبره ‪ ،‬فإنه من وقت نَشَأ وشَب ‪ ،‬أنكر على قومه عبادة الصنام مع‬
‫ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فقال ‪ { :‬لبِي ِه َو َق ْومِهِ مَا َتعْبُدُونَ } ؟‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬نهلك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬رجل منهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فرقت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬بني"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فأفرق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ما كذب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬

‫( ‪)6/145‬‬

‫شفِينِ (‪)80‬‬
‫سقِينِ (‪ )79‬وَإِذَا مَ ِرضْتُ َف ُهوَ يَ ْ‬
‫ط ِعمُنِي وَيَ ْ‬
‫الّذِي خََلقَنِي َف ُهوَ َيهْدِينِ (‪ )78‬وَالّذِي ُهوَ يُ ْ‬
‫طمَعُ أَنْ َي ْغفِرَ لِي خَطِيئَتِي َيوْمَ الدّينِ (‪)82‬‬
‫وَالّذِي ُيمِيتُنِي ثُمّ ُيحْيِينِ (‪ )81‬وَالّذِي َأ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أي ‪ :‬ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟‬
‫ظلّ َلهَا عَا ِكفِينَ } أي ‪ :‬مقيمين على عبادتها ودعائها‪.‬‬
‫{ قَالُوا َنعْبُدُ َأصْنَامًا فَ َن َ‬
‫ل وَجَدْنَا آبَاءَنَا َكذَِلكَ َي ْفعَلُونَ } يعني‬
‫س َمعُو َنكُمْ ِإذْ تَدْعُونَ َأوْ يَ ْن َفعُونَكُمْ َأوْ َيضُرّونَ قَالُوا َب ْ‬
‫{ قَالَ َهلْ يَ ْ‬
‫‪ :‬اعترفوا بأن (‪ )1‬أصنامهم ل تفعل شيئا من ذلك ‪ ،‬وإنما رأوا آباءهم كذلك يفعلون ‪ ،‬فهم على‬
‫آثارهم يُهرعون‪ .‬فعند ذلك قال لهم إبراهيم ‪ { :‬قَالَ َأفَرَأَيْ ُتمْ مَا كُنْتُمْ َتعْبُدُونَ أَنْ ُت ْم وَآبَا ُؤكُ ُم القْ َدمُونَ‬
‫فَإِ ّنهُمْ عَ ُدوّ لِي إِل َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬إن كانت هذه الصنام شيئا ولها تأثير ‪ ،‬فَلْتَخْلُص إلي‬
‫بالمساءة ‪ ،‬فإني عدو لها ل أباليها ول أفكر فيها‪ .‬وهذا كما قال تعالى مخبرًا عن نوح ‪ ،‬عليه‬
‫ي وَل تُ ْنظِرُونِ }‬
‫غمّةً ثُمّ ا ْقضُوا إَِل ّ‬
‫ج ِمعُوا َأمْ َر ُك ْم وَشُ َركَا َءكُمْ ُثمّ ل َيكُنْ َأمْ ُركُمْ عَلَ ْيكُمْ ُ‬
‫السلم ‪ { :‬فََأ ْ‬
‫ش َهدُوا أَنّي بَرِيءٌ ِممّا تُشْ ِركُونَ مِنْ‬
‫شهِدُ اللّ َه وَا ْ‬
‫[يونس ‪ ]71 :‬وقال هود ‪ ،‬عليه السلم ‪ { :‬إِنّي أُ ْ‬
‫خذٌ‬
‫جمِيعًا ُثمّ ل تُنْظِرُونِ‪ .‬إِنّي َت َوكّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبّي وَرَ ّبكُمْ مَا مِنْ دَابّةٍ إِل ُهوَ آ ِ‬
‫دُونِهِ َفكِيدُونِي َ‬
‫علَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ } [هود ‪ ]56 - 54 :‬وهكذا تبرأ إبراهيم من آلهتهم وقال ‪:‬‬
‫بِنَاصِيَ ِتهَا إِنّ رَبّي َ‬
‫{ َوكَ ْيفَ أَخَافُ مَا أَشْ َركْ ُت ْم وَل َتخَافُونَ أَ ّن ُكمْ أَشْ َركْ ُتمْ بِاللّهِ مَا َلمْ يُنزلْ بِهِ عَلَ ْي ُكمْ سُ ْلطَانًا } [النعام ‪:‬‬
‫حسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِي َم وَالّذِينَ َمعَهُ ِإذْ قَالُوا ِل َقوْ ِمهِمْ إِنّا بُرَآءُ‬
‫س َوةٌ َ‬
‫‪ ]81‬وقال تعالى ‪ { :‬قَدْ كَا َنتْ َلكُمْ أُ ْ‬
‫مِ ْنكُ ْم َو ِممّا َتعْ ُبدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ كَفَرْنَا ِبكُ ْم وَ َبدَا بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ ا ْلعَدَا َوةُ وَالْ َب ْغضَاءُ أَ َبدًا حَتّى ُت ْؤمِنُوا‬
‫بِاللّ ِه َوحْ َدهُ } [الممتحنة ‪ ]4 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَِإذْ قَالَ إِبْرَاهِي ُم لبِيهِ َوقَ ْومِهِ إِنّنِي بَرَاءٌ ِممّا َتعْ ُبدُونَ‬
‫جعُونَ } [الزخرف ‪- 26 :‬‬
‫عقِبِهِ َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬
‫جعََلهَا كَِلمَةً بَاقِيَةً فِي َ‬
‫ن َو َ‬
‫إِل الّذِي َفطَرَنِي فَإِنّهُ سَ َيهْدِي ِ‬
‫‪ ]28‬يعني ‪ :‬ل إله إل ال‪.‬‬
‫شفِينِ (‪)80‬‬
‫ضتُ َف ُهوَ َي ْ‬
‫سقِينِ (‪ )79‬وَإِذَا مَ ِر ْ‬
‫ط ِعمُنِي وَيَ ْ‬
‫{ الّذِي خََلقَنِي َف ُهوَ َي ْهدِينِ (‪ )78‬وَالّذِي ُهوَ ُي ْ‬
‫طمَعُ أَنْ َي ْغفِرَ لِي خَطِيئَتِي َيوْمَ الدّينِ (‪} )82‬‬
‫وَالّذِي ُيمِيتُنِي ثُمّ ُيحْيِينِ (‪ )81‬وَالّذِي َأ ْ‬
‫يعني ‪ :‬ل أعبد إل الذي يفعل هذه الشياء ‪ { ،‬الّذِي خََلقَنِي َف ُهوَ َي ْهدِينِ } أي ‪ :‬هو الخالق الذي قدر‬
‫قدرًا ‪ ،‬وهدى الخلئق إليه ‪ ،‬فكل يجري على [ما] (‪ )2‬قدّر ‪ ،‬وهو الذي يهدي من يشاء ويُضل‬
‫من يشاء‪.‬‬
‫سقِينِ } أي ‪ :‬هو خالقي ورازقي ‪ ،‬بما سخر ويَسّر من السباب السماوية‬
‫ط ِعمُنِي وَيَ ْ‬
‫{ وَالّذِي ُهوَ يُ ْ‬
‫والرضية ‪ ،‬فساق المُزْنَ ‪ ،‬وأنزل الماء ‪ ،‬وأحيا به الرض ‪ ،‬وأخرج به من كل الثمرات رزقا‬
‫سيّ كَثِيرًا } (‪[ )3‬الفرقان ‪.]49 :‬‬
‫سقِيَهُ ِممّا خََلقْنَا أَ ْنعَامًا وَأَنَا ِ‬
‫للعباد ‪ ،‬وأنزل الماء عذبًا زلل لـ { نُ ْ‬
‫شفِينِ } أسند المرض إلى نفسه ‪ ،‬وإن كان عن قدر ال وقضائه‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذَا مَ ِرضْتُ َف ُهوَ يَ ْ‬
‫وخَلقْه ‪ ،‬ولكن أضافه إلى نفسه أدبا ‪ ،‬كما قال تعالى آمرًا للمصلي أن يقول ‪ { :‬اهْدِنَا الصّرَاطَ‬
‫ا ْلمُسْ َتقِيمَ‪ .‬صِرَاطَ الّذِينَ أَ ْن َع ْمتَ عَلَ ْيهِمْ غَيْرِ ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِ ْم وَل الضّالّينَ } [الفاتحة ‪]7 ، 6 :‬‬
‫فأسند النعام إلى ال ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪ ،‬والغضب حُذف فاعله أدبًا ‪ ،‬وأسند الضلل إلى العبيد ‪،‬‬
‫كما قالت الجن ‪ { :‬وَأَنّا ل نَدْرِي أَشَرّ أُرِيدَ ِبمَنْ فِي ال ْرضِ أَمْ أَرَادَ ِبهِمْ رَ ّب ُهمْ رَشَدًا } [الجن ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ ]10‬؛ ولهذا (‪ )4‬قال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬ليسقيه مما خلق" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وهكذا"‪.‬‬

‫( ‪)6/146‬‬

‫حقْنِي بِالصّاِلحِينَ (‪)83‬‬


‫ح ْكمًا وَأَلْ ِ‬
‫َربّ َهبْ لِي ُ‬

‫شفِينِ } أي ‪ :‬إذا وقعت في مرض فإنه ل يقدر على شفائي أحد‬


‫ضتُ َف ُهوَ يَ ْ‬
‫إبراهيم ‪ { :‬وَِإذَا مَ ِر ْ‬
‫غيره ‪ ،‬بما يقدر من السباب الموصلة إليه‪.‬‬
‫{ وَالّذِي ُيمِيتُنِي ُثمّ يُحْيِينِ } أي ‪ :‬هو الذي يحيي ويميت ‪ ،‬ل يقدر على ذلك أحد سواه ‪ ،‬فإنه هو‬
‫الذي يبدئ ويعيد‪.‬‬
‫غفْر الذنوب في الدنيا‬
‫خطِيئَتِي َيوْمَ الدّينِ } أي ‪ :‬هو الذي ل يقدر على َ‬
‫طمَعُ أَنْ َيغْفِرَ لِي َ‬
‫{ وَالّذِي أَ ْ‬
‫والخرة ‪ ،‬إل هو ‪ ،‬ومن يغفر الذنوب إل ال ‪ ،‬وهو الفعال لما يشاء‪.‬‬
‫حقْنِي بِالصّالِحِينَ (‪} )83‬‬
‫ح ْكمًا وَأَ ْل ِ‬
‫{ َربّ َهبْ لِي ُ‬

‫( ‪)6/147‬‬

‫غفِرْ لِأَبِي إِنّهُ‬


‫ن وَرَثَةِ جَنّةِ ال ّنعِيمِ (‪ )85‬وَا ْ‬
‫جعَلْنِي مِ ْ‬
‫ن صِ ْدقٍ فِي الْآَخِرِينَ (‪ )84‬وَا ْ‬
‫ج َعلْ لِي لِسَا َ‬
‫وَا ْ‬
‫ل وَلَا بَنُونَ (‪ )88‬إِلّا مَنْ أَتَى‬
‫كَانَ مِنَ الضّالّينَ (‪ )86‬وَلَا تُخْزِنِي َيوْمَ يُ ْبعَثُونَ (‪َ )87‬يوْمَ لَا يَ ْنفَعُ مَا ٌ‬
‫اللّهَ ِبقَ ْلبٍ سَلِيمٍ (‪)89‬‬

‫غفِرْ لبِي إِنّهُ‬


‫ن وَرَثَةِ جَنّةِ ال ّنعِيمِ (‪ )85‬وَا ْ‬
‫جعَلْنِي مِ ْ‬
‫ج َعلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الخِرِينَ (‪ )84‬وَا ْ‬
‫{ وَا ْ‬
‫ل وَل بَنُونَ (‪ )88‬إِل مَنْ أَتَى‬
‫كَانَ مِنَ الضّالّينَ (‪ )86‬وَل ُتخْزِنِي َي ْومَ يُ ْبعَثُونَ (‪َ )87‬يوْمَ ل يَ ْنفَعُ مَا ٌ‬
‫اللّهَ ِبقَ ْلبٍ سَلِيمٍ (‪.} )89‬‬
‫حكْما‪.‬‬
‫وهذا سؤال من إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أن يؤتيه ربه ُ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬وهو العلم‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬هو اللب‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬هو القرآن‪ .‬وقال السدي ‪:‬‬
‫حقْنِي بِالصّالِحِينَ } أي ‪ :‬اجعلني مع (‪ )1‬الصالحين في الدنيا والخرة ‪،‬‬
‫هو النبوة‪ .‬وقوله ‪ { :‬وَأَلْ ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كما قال النبي صلى ال عليه وسلم عند الحتضار ‪[" :‬اللهم الرفيق العلى" قالها ثلثا (‪ .)2‬وفي‬
‫الحديث في الدعاء] (‪ : )3‬اللهم أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين ‪ ،‬وألحقنا بالصالحين ‪ ،‬غير خزايا‬
‫ول مبدلين" (‪.)4‬‬
‫ج َعلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الخِرِينَ } أي ‪ :‬واجعل لي ذكرًا جميل بعدي أذكرَ به ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْ‬
‫ويقتدى بي في الخير ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَتَ َركْنَا عَلَ ْيهِ فِي الخِرِينَ‪ .‬سَلمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ َكذَِلكَ‬
‫نَجْزِي ا ْل ُمحْسِنِينَ } [الصافات ‪.]110 - 108 :‬‬
‫ن صِدْقٍ فِي الخِرِينَ } يعني ‪ :‬الثناء الحسن‪ .‬قال مجاهد ‪:‬‬
‫ج َعلْ لِي ِلسَا َ‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ { :‬وَا ْ‬
‫وهو كقوله تعالى ‪ { :‬وَآتَيْنَاهُ أَجْ َرهُ فِي الدّنْيَا وَإِنّهُ فِي الخِ َرةِ َلمِنَ الصّالِحِينَ } [العنكبوت ‪، ]27 :‬‬
‫وكقوله ‪ { :‬وَآتَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَإِنّهُ فِي الخِ َرةِ َلمِنَ الصّالِحِينَ } [النحل ‪.]122 :‬‬
‫قال ليث بن أبي سليم ‪ :‬كل ملة تحبه وتتوله‪ .‬وكذا قال عكرمة‪.‬‬
‫ن وَرَثَةِ جَنّةِ ال ّنعِيمِ } أي ‪ :‬أنعم عَليّ في الدنيا ببقاء الذكر الجميل بعدي ‪،‬‬
‫جعَلْنِي مِ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْ‬
‫وفي الخرة بأن تجعلني من ورثة جنة النعيم‪.‬‬
‫غفِرْ لِي وَِلوَالِ َديّ } [إبراهيم ‪:‬‬
‫غفِرْ لبِي إِنّهُ كَانَ مِنَ الضّالّينَ } كقوله ‪ { :‬رَبّنَا ا ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْ‬
‫‪ ، ]41‬وهذا مما رجَعَ عنه إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا كَانَ اسْ ِت ْغفَارُ إِبْرَاهِيمَ‬
‫حلِيمٌ } [التوبة‬
‫لبِيهِ إِل عَنْ َموْعِ َد ٍة وَعَدَهَا إِيّاهُ فََلمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَ ُدوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ إِنّ إِبْرَاهِيمَ لوّاهٌ َ‬
‫‪.]114 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ "من"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )6509‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )2191‬من حديث‬
‫عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬وليس عندهما أنه قالها ثلثا ‪ ،‬وإنما فيهما ما يفيد أنها مرتين ‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد في مسنده (‪ )3/424‬من حديث الزرقي ‪ ،‬وعنده ‪" :‬غير خزايا ول مفتونين"‪.‬‬

‫( ‪)6/147‬‬

‫حسَنَةٌ فِي‬
‫س َوةٌ َ‬
‫وقد قطع [ال] (‪ )1‬تعالى اللحاق في استغفاره لبيه ‪ ،‬فقال ‪ { :‬قَدْ كَا َنتْ َلكُمْ أُ ْ‬
‫إِبْرَاهِي َم وَالّذِينَ َمعَهُ ِإذْ قَالُوا ِل َقوْ ِمهِمْ إِنّا بُرَآءُ مِ ْنكُ ْم َو ِممّا َتعْ ُبدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َكفَرْنَا ِبكُ ْم وَبَدَا بَيْنَنَا‬
‫ح َدهُ إِل َقوْلَ إِبْرَاهِي َم لبِيهِ لسْ َت ْغفِرَنّ َلكَ َومَا َأمِْلكُ‬
‫وَبَيْ َنكُمُ ا ْلعَدَا َو ُة وَالْ َب ْغضَاءُ أَبَدًا حَتّى ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه وَ ْ‬
‫شيْءٍ } [الممتحنة ‪.]4 :‬‬
‫َلكَ مِنَ اللّهِ مِنْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تُخْزِنِي َيوْمَ يُ ْبعَثُونَ } أي ‪ :‬أجرني من الخزي يوم القيامة و[يوم] (‪ )2‬يبعث الخلئق‬
‫أولهم وآخرهم‪.‬‬
‫قال البخاري في قوله ‪ { :‬وَل ُتخْزِنِي َيوْمَ يُ ْبعَثُونَ } وقال إبراهيم بن طهمان ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪،‬‬
‫عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغَبَ َر ُة والقَتَرَةُ" (‪.)3‬‬
‫حدثنا إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أخي ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن سعيد المقبري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يلقى إبراهيم أباه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إنك وعدتني أنك ل‬
‫تخزيني (‪ )4‬يوم يبعثون‪ .‬فيقول ال ‪ :‬إني حرمت الجنة على الكافرين"‪.‬‬
‫هكذا رواه عند هذه الية (‪ .)5‬وفي أحاديث النبياء بهذا السناد بعينه منفردا به ‪ ،‬ولفظه ‪ :‬يلقى‬
‫إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ‪ ،‬وعلى وجه آزر قَتَ َرةٌ وغَبَرة ‪ ،‬فيقول له إبراهيم ‪ :‬ألم أقل لك ‪ :‬ل‬
‫تعصني (‪ )6‬فيقول أبوه (‪ : )7‬فاليوم ل أعصيك‪ .‬فيقول إبراهيم ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إنك وعدتني أل‬
‫تخزيني يوم يبعثون ‪ ،‬فأي خزي أخزى من أبي البعد ؟ فيقول ال تعالى ‪ :‬إني حرمت الجنة على‬
‫الكافرين‪ .‬ثم يُقال ‪ :‬يا إبراهيم ‪ ،‬ما تحت رجليك ؟ فينظر فإذا هو بذبح متلطخ ‪ ،‬فيؤخذ بقوائمه‬
‫فيلقى في النار (‪.)8‬‬
‫وقال أبو عبد الرحمن النسائي في التفسير من سننه الكبير قوله ‪ { :‬وَل تُخْزِنِي َيوْمَ يُ ْبعَثُونَ } ‪:‬‬
‫ط ْهمَان ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫أخبرنا أحمد بن حفص (‪ )9‬بن عبد ال ‪ ،‬حدّثني أبي ‪ ،‬حدثني إبراهيم بن َ‬
‫عبد الرحمن ‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد المقبرِي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم "إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغَبَرة والقَتَرة ‪ ،‬وقال (‪ )10‬له ‪ :‬قد‬
‫نهيتك عن هذا فعصيتني‪ .‬قال ‪ :‬لكني اليوم ل أعصيك واحدة‪ .‬قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬وعدتني أن ل‬
‫تخزيني يوم يبعثون ‪ ،‬فإن (‪ )11‬أخزيت أباه فقد أخزيت البعد‪ .‬قال ‪ :‬يا إبراهيم ‪ ،‬إني (‪)12‬‬
‫حرمتها على الكافرين‪ .‬فأخذ منه ‪ ،‬قال ‪ :‬يا إبراهيم ‪ ،‬أين أبوك ؟ قال ‪ :‬أنت أخذته مني‪ .‬قال ‪:‬‬
‫انظر أسفل منك‪ .‬فنظر (‪ )13‬فإذا ذيخ يتمرغ (‪ )14‬في نتنه ‪ ،‬فأخذ بقوائمه فألقي في النار (‪.)15‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4768‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أن ل تخزني"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )4769‬ولفظه ‪" :‬وعدتني أن ل تخزني يوم يبعثون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬ل تعصيني"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬أباه" وهو خطأ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪.)3350‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬جعفر"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬فأي"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬فإني"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فينظر"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ف ‪" :‬متمرغ"‪.‬‬
‫(‪ )15‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11375‬‬

‫( ‪)6/148‬‬

‫وَأُزِْلفَتِ ا ْلجَنّةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪ )90‬وَبُرّ َزتِ ا ْلجَحِيمُ لِ ْلغَاوِينَ (‪َ )91‬وقِيلَ َل ُهمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َتعْ ُبدُونَ (‪ )92‬مِنْ‬
‫دُونِ اللّهِ َهلْ يَ ْنصُرُو َنكُمْ َأوْ يَنْ َتصِرُونَ (‪َ )93‬فكُ ْبكِبُوا فِيهَا هُمْ وَا ْلغَاوُونَ (‪ )94‬وَجُنُودُ إِبْلِيسَ‬
‫سوّيكُمْ بِ َربّ‬
‫صمُونَ (‪ )96‬تَاللّهِ إِنْ كُنّا َلفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (‪ )97‬إِذْ ُن َ‬
‫ج َمعُونَ (‪ )95‬قَالُوا وَهُمْ فِيهَا َيخْ َت ِ‬
‫أَ ْ‬
‫حمِيمٍ (‪)101‬‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ (‪َ )98‬ومَا َأضَلّنَا إِلّا ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪َ )99‬فمَا لَنَا مِنْ شَا ِفعِينَ (‪ )100‬وَلَا صَدِيقٍ َ‬
‫فََلوْ أَنّ لَنَا كَ ّرةً فَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )102‬إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَ َي ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )103‬وَإِنّ‬
‫رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)104‬‬

‫هذا إسناد (‪ )1‬غريب ‪ ،‬وفيه نكارة‪.‬‬


‫والذيخ (‪ : )2‬هو الذكر من الضباع ‪ ،‬كأنه حول آزر إلى صورة ذيخ متلطخ بعذرته (‪ ، )3‬فيلقى‬
‫في النار كذلك‪.‬‬
‫وقد رواه البزار من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن محمد بن سيرين ‪ ،‬عن أبي هُرَيرة ‪،‬‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وفيه غرابة‪ .‬ورواه أيضًا من حديث قتادة ‪ ،‬عن جعفر بن عبد‬
‫الغافر ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم بنحوه‪.‬‬
‫ل وَل بَنُونَ } أي ‪ :‬ل يقي المرء (‪ )4‬من عذاب ال ماله ‪ ،‬ولو افتدى‬
‫وقوله ‪َ { :‬يوْمَ ل يَ ْنفَعُ مَا ٌ‬
‫بملء الرض ذهبا ‪ { :‬وَل بَنُونَ } ولو افتدى ِبمَنْ في الرض جميعا ‪ ،‬ول ينفعُ يومئذ إل اليمانُ‬
‫بال ‪ ،‬وإخلص الدين له ‪ ،‬والتبري من الشرك ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِل مَنْ أَتَى اللّهَ ِبقَ ْلبٍ سَلِيمٍ } أي ‪:‬‬
‫سالم من الدنس والشرك‪.‬‬
‫قال محمد بن سيرين ‪ :‬القلب السليم أن يعلم أن ال حق ‪ ،‬وأن الساعة آتية ل ريب فيها ‪ ،‬وأن ال‬
‫ن في القبور‪.‬‬
‫يبعث مَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال ابن عباس ‪ { :‬إِل مَنْ أَتَى اللّهَ ِبقَ ْلبٍ سَلِيمٍ } حَيِي (‪ )5‬يشهد أن ل إله إل ال‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وغيرهما ‪ِ { :‬بقَ ْلبٍ سَلِيمٍ } يعني ‪ :‬من الشرك‪.‬‬
‫وقال سعيد بن المسيب ‪ :‬القلب السليم ‪ :‬هو القلب الصحيح ‪ ،‬وهو قلب المؤمن ؛ لن قلب [الكافر‬
‫و] (‪ )6‬المنافق مريض ‪ ،‬قال ال ‪ { :‬فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ } [البقرة ‪.]10 :‬‬
‫وقال أبو عثمان النيسابوري ‪ :‬هو القلب الخالي من البدعة ‪ ،‬المطمئن إلى السنة‪.‬‬
‫جحِيمُ لِ ْلغَاوِينَ (‪َ )91‬وقِيلَ َلهُمْ أَيْنَ مَا كُنْ ُتمْ َتعْبُدُونَ (‪)92‬‬
‫{ وَأُزِْل َفتِ الْجَنّةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪ )90‬وَبُرّ َزتِ الْ َ‬
‫مِنْ دُونِ اللّهِ َهلْ يَ ْنصُرُو َنكُمْ َأوْ يَنْ َتصِرُونَ (‪َ )93‬فكُ ْبكِبُوا فِيهَا هُمْ وَا ْلغَاوُونَ (‪ )94‬وَجُنُودُ إِبْلِيسَ‬
‫سوّيكُمْ‬
‫صمُونَ (‪ )96‬تَاللّهِ إِنْ كُنّا َلفِي ضَللٍ مُبِينٍ (‪ِ )97‬إذْ نُ َ‬
‫ج َمعُونَ (‪ )95‬قَالُوا وَهُمْ فِيهَا َيخْ َت ِ‬
‫أَ ْ‬
‫حمِيمٍ (‬
‫بِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪َ )98‬ومَا َأضَلّنَا إِل ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪َ )99‬فمَا لَنَا مِنْ شَا ِفعِينَ (‪ )100‬وَل صَدِيقٍ َ‬
‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‬
‫‪ )101‬فََلوْ أَنّ لَنَا كَ ّرةً فَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )102‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫‪ )103‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪.} )104‬‬
‫{ وَأُزِْل َفتِ الْجَنّةُ } أي ‪ :‬قربت الجنة وأدنيت (‪ )7‬من أهلها يوم القيامة مزخرفة مزينة (‪)8‬‬
‫لناظريها ‪ ،‬وهم المتقون الذين رغبوا فيها ‪ ،‬وعملوا لها [عملها] (‪ )9‬في الدنيا‪.‬‬
‫جحِيمُ لِ ْلغَاوِينَ } أي ‪:‬‬
‫{ وَبُرّ َزتِ الْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬سياق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬والذابح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بقذرته"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أ ‪" :‬المؤمن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يعني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬أدنيت وقربت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مزينة مزخرفة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/149‬‬

‫كَذّ َبتْ َقوْمُ نُوحٍ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )105‬إِذْ قَالَ َل ُهمْ أَخُو ُهمْ نُوحٌ أَلَا تَ ّتقُونَ (‪ )106‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ (‬
‫‪ )107‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪َ )108‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ َأجْ ِريَ إِلّا عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‬
‫‪ )109‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪)110‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أظهرت وكُشف (‪ )1‬عنها ‪ ،‬وبدت منها عُنقٌ ‪ ،‬فزفرت زفرة بلغت منها القلوب [إلى] (‪)2‬‬
‫الحناجر ‪ ،‬وقيل لهلها تقريعا وتوبيخا ‪ { :‬أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َتعْ ُبدُونَ‪ .‬مِنْ دُونِ اللّهِ َهلْ يَ ْنصُرُو َنكُمْ َأوْ‬
‫يَنْ َتصِرُونَ } (‪ )3‬أي ‪ :‬ليست اللهة التي عبدتموها من دون ال ‪ ،‬من تلك الصنام والنداد تغني‬
‫جهَنم أنتم لها واردون‪.‬‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫عنكم اليوم شيئًا ‪ ،‬ول تدفع عن أنفسها ؛ فإنكم وإياها اليوم َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬فكُ ْبكِبُوا فِيهَا هُ ْم وَا ْلغَاوُونَ } قال مجاهد ‪ :‬يعني ‪ :‬فَدُ ْهوِرُوا (‪ )4‬فيها‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬كببوا فيها‪ .‬والكاف مكررة ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬صرصر‪ .‬والمراد ‪ :‬أنه ألقي بعضهم على‬
‫بعض ‪ ،‬من الكفار وقادتهم الذين دعوهم إلى الشرك‪.‬‬
‫ج َمعُونَ } أي ‪ :‬ألقوا فيها عن آخرهم‪.‬‬
‫{ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ َأ ْ‬
‫سوّيكُمْ بِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬يقول‬
‫صمُونَ تَاللّهِ إِنْ كُنّا َلفِي ضَللٍ مُبِينٍ ِإذْ نُ َ‬
‫{ قَالُوا وَ ُهمْ فِيهَا يَخْ َت ِ‬
‫الضعفاء الذين استكبروا ‪ { :‬إِنّا كُنّا َل ُكمْ تَ َبعًا َف َهلْ أَنْ ُتمْ ُمغْنُونَ عَنّا َنصِيبًا مِنَ النّارِ } [غافر ‪.]47 :‬‬
‫سوّيكُمْ بِ َربّ‬
‫ويقولون وقد عادوا على أنفسهم بالملمة ‪ { :‬تَاللّهِ إِنْ كُنّا َلفِي ضَللٍ مُبِينٍ إِذْ ُن َ‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬نجعل أمركم مطاعًا كما يطاع أمر رب العالمين ‪ ،‬وعبدناكم مع ربِ العالمين‪.‬‬
‫{ َومَا َأضَلّنَا إِل ا ْلمُجْ ِرمُونَ } أي ‪ :‬ما دعانا إلى ذلك إل المجرمون‪.‬‬
‫ش َفعَاءَ‬
‫{ َفمَا لَنَا مِنْ شَا ِفعِينَ } قال بعضهم ‪ :‬يعني من الملئكة ‪ ،‬كما يقولون ‪َ { :‬ف َهلْ لَنَا مِنْ ُ‬
‫ش َفعُوا لَنَا َأوْ نُ َردّ فَ َن ْع َملَ غَيْرَ الّذِي كُنّا َن ْع َملُ } [العراف ‪ .]53 :‬وكذا قالوا ‪َ { :‬فمَا لَنَا مِنْ‬
‫فَيَ ْ‬
‫حمِيمٍ } أي ‪ :‬قريب‪.‬‬
‫شَا ِفعِينَ‪ .‬وَل صَدِيقٍ َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬يعلمون ‪ -‬وال ‪ -‬أن الصديق إذا كان صالحًا نفع ‪ ،‬وأن الحميم إذا كان صالحا شفع‪.‬‬
‫{ فََلوْ أَنّ لَنَا كَ ّرةً فَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } وذلك أنهم يتمنون أنهم يردّون (‪ )5‬إلى الدار الدنيا ‪،‬‬
‫ليعملوا بطاعة ربهم ‪ -‬فيما يزعمون ‪ -‬وهو ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪ ،‬يعلم أنه لو ردهم إلى الدار الدنيا‬
‫لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون‪ .‬وقد أخبر تعالى (‪ )6‬عن تخاصم (‪ )7‬أهل النار في سورة‬
‫"ص" ‪ ،‬ثم قال ‪ { :‬إِنّ ذَِلكَ َلحَقّ َتخَاصُمُ َأ ْهلِ النّارِ } [ص ‪.]64 :‬‬
‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬إن في محاجة إبراهيم لقومه‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫وإقامته الحجج (‪ )8‬عليهم في التوحيد لية ودللة واضحة جلية على أنه ل إله إل ال { َومَا كَانَ‬
‫َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ‪ .‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ }‪.‬‬
‫{ َكذّ َبتْ َقوْمُ نُوحٍ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ِ )105‬إذْ قَالَ َلهُمْ َأخُوهُمْ نُوحٌ أَل تَ ّتقُونَ (‪ )106‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ‬
‫(‪ )107‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪َ )108‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ َأجْ ِريَ إِل عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‬
‫‪ )109‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪.} )110‬‬
‫هذا إخبار من ال ‪ ،‬عز وجل ‪ )9( ،‬عن عبده ورسوله نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وهو أول رسول‬
‫بُعث‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ‪" .‬وكشفت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تشركون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬صوروا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬أن يردون" وفي أ ‪" :‬أن يردوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ال" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬بتخاصم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬الحجة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تعالى"‬

‫( ‪)6/150‬‬

‫ك وَاتّ َب َعكَ الْأَ ْرذَلُونَ (‪)111‬‬


‫قَالُوا أَ ُن ْؤمِنُ َل َ‬

‫إلى الرض بعدما عبدت الصنام والنداد ‪ ،‬بعثه ال ناهيًا عن ذلك ‪ ،‬ومحذرًا من وَبيل عقابه ‪،‬‬
‫فكذبه قومه واستمروا على ما هم عليه من الفعال الخبيثة في عبادتهم أصنامهم ‪ ،‬ويتنزل (‪)1‬‬
‫تكذيبهم له بمنزلة تكذيب جميع الرسل ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬كذّ َبتْ َقوْمُ نُوحٍ ا ْلمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ َل ُهمْ أَخُو ُهمْ‬
‫نُوحٌ أَل تَ ّتقُونَ } أي ‪ :‬أل (‪ )2‬تخافون ال في عبادتكم غيره ؟‬
‫{ إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ } أي ‪ :‬إني رسول من ال إليكم ‪ ،‬أمين فيما بعثني به ‪ ،‬أبلغكم رسالة ال ل‬
‫أزيد فيها ول أنقص منها‪.‬‬
‫{ فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ َومَا أَسْأَُل ُكمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [ إِنْ أَجْ ِريَ إِل عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ ] } (‪ )3‬أي ‪:‬‬
‫ل أطلب منكم جزاء على نصحي لكم ‪ ،‬بل أدخر ثواب ذلك عند ال { فَا ّتقُوا اللّ َه وَأَطِيعُونِ } فقد‬
‫وضح لكم وبان صدقي ونصحي وأمانتي فيما بعثني به وأتمنني عليه‪.‬‬
‫ك وَاتّ َب َعكَ الرْذَلُونَ (‪} )111‬‬
‫{ قَالُوا أَ ُن ْؤمِنُ َل َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وتنزل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/151‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شعُرُونَ (‪َ )113‬ومَا أَنَا‬
‫قَالَ َومَا عِ ْلمِي ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )112‬إِنْ حِسَا ُبهُمْ إِلّا عَلَى رَبّي َلوْ تَ ْ‬
‫بِطَا ِردِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )114‬إِنْ أَنَا إِلّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪ )115‬قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَ َتكُونَنّ مِنَ‬
‫ا ْلمَرْجُومِينَ (‪ )116‬قَالَ َربّ إِنّ َق ْومِي َكذّبُونِ (‪ )117‬فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْ َنهُمْ فَتْحًا وَنَجّنِي َومَنْ َم ِعيَ مِنَ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )118‬فَأَنْجَيْنَا ُه َومَنْ َمعَهُ فِي ا ْلفُ ْلكِ ا ْلمَشْحُونِ (‪ )119‬ثُمّ أَغْ َرقْنَا َبعْدُ الْبَاقِينَ (‪ )120‬إِنّ فِي‬
‫ذَِلكَ لَآَ َي ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )121‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)122‬‬

‫شعُرُونَ (‪َ )113‬ومَا أَنَا‬


‫ل َومَا عِ ْلمِي ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )112‬إِنْ حِسَا ُب ُهمْ إِل عَلَى رَبّي َلوْ تَ ْ‬
‫{ قَا َ‬
‫بِطَا ِردِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )114‬إِنْ أَنَا إِل َنذِيرٌ مُبِينٌ (‪.} )115‬‬
‫يقولون ‪ :‬أنؤمن لك ونتبعك ‪ ،‬ونتساوى في ذلك بهؤلء الراذل (‪ )1‬الذين اتبعوك وصدقوك ‪،‬‬
‫ك وَاتّ َب َعكَ الرْذَلُونَ‪ .‬قَالَ َومَا عِ ْلمِي ِبمَا كَانُوا‬
‫وهم أراذلنا (‪ )2‬؛ ولهذا قالوا ‪ { :‬أَ ُن ْؤمِنُ َل َ‬
‫َي ْعمَلُونَ } ؟ أي ‪ :‬وأي شيء يلزمني من اتباع هؤلء لي ‪ ،‬ولو كانوا على أي شيء كانوا عليه ل‬
‫يلزمني التنقيب عنه والبحث والفحص ‪ ،‬إنما عليّ أن أقبل منهم تصديقهم (‪ )3‬إياي ‪ ،‬وأكل‬
‫سرائرهم إلى ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫ن َومَا أَنَا ِبطَارِدِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } ‪ ،‬كأنهم سألوا منه أن يبعدهم‬
‫شعُرُو َ‬
‫{ إِنْ حِسَا ُب ُهمْ إِل عَلَى رَبّي َلوْ تَ ْ‬
‫عنه ليتابعوه (‪ ، )4‬فأبى عليهم ذلك ‪ ،‬وقال ‪َ { :‬ومَا أَنَا ِبطَارِدِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ * إِنْ أَنَا إِل َنذِيرٌ مُبِينٌ }‬
‫أي ‪ :‬إنما بعثت نذيرًا ‪ ،‬فمن أطاعني واتبعني وصدقني كان مني وكنت منه ‪ ،‬سواء كان شريفًا أو‬
‫وضيعًا ‪ ،‬أو جليل أو حقيرًا‪.‬‬
‫{ قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَ َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمَرْجُومِينَ (‪ )116‬قَالَ َربّ إِنّ َق ْومِي كَذّبُونِ (‪ )117‬فَافْتَحْ‬
‫شحُونِ (‬
‫بَيْنِي وَبَيْ َنهُمْ فَتْحًا وَنَجّنِي َومَنْ َمعِيَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )118‬فَأَ ْنجَيْنَا ُه َومَنْ َمعَهُ فِي ا ْلفُ ْلكِ ا ْلمَ ْ‬
‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )121‬وَإِنّ رَ ّبكَ‬
‫‪ُ )119‬ثمّ أَغْ َرقْنَا َبعْدُ الْبَاقِينَ (‪ )120‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪.} )122‬‬
‫لما طال مقام نبي ال بين أظهرهم يدعوهم إلى ال ليل ونهارًا ‪ ،‬وجهرًا وإسرارًا ‪ ،‬وكلما كرر‬
‫عليهم الدعوة صمموا على الكفر الغليظ ‪ ،‬والمتناع الشديد ‪ ،‬وقالوا في الخر ‪ { :‬لَئِنْ َلمْ تَنْتَهِ }‬
‫أي ‪ :‬عن دعوتك إيانا إلى دينك يا نوح { لَ َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمَ ْرجُومِينَ } أي ‪ :‬لنرجمنّك (‪ .)5‬فعند ذلك‬
‫دعا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الرذال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أرذالنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬صدقهم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬ليتابعون" وفي أ ‪" :‬ليبايعوه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬لنرجمك"‪.‬‬

‫( ‪)6/151‬‬

‫كَذّ َبتْ عَادٌ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ِ )123‬إذْ قَالَ َلهُمْ َأخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَ ّتقُونَ (‪ )124‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ (‪)125‬‬
‫فَا ّتقُوا اللّ َه وَأَطِيعُونِ (‪َ )126‬ومَا أَسْأَُل ُكمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْ ِريَ إِلّا عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)127‬‬
‫أَتَبْنُونَ ِب ُكلّ رِيعٍ آَيَةً َتعْبَثُونَ (‪ )128‬وَتَتّخِذُونَ َمصَانِعَ َلعَّلكُمْ تَخُْلدُونَ (‪ )129‬وَإِذَا َبطَشْتُمْ بَطَشْ ُتمْ‬
‫جَبّارِينَ (‪ )130‬فَا ّتقُوا اللّ َه وَأَطِيعُونِ (‪ )131‬وَا ّتقُوا الّذِي َأمَ ّد ُكمْ ِبمَا َتعَْلمُونَ (‪َ )132‬أمَ ّدكُمْ بِأَ ْنعَامٍ‬
‫عظِيمٍ (‪)135‬‬
‫عذَابَ َيوْمٍ َ‬
‫ت وَعُيُونٍ (‪ )134‬إِنّي أَخَافُ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫وَبَنِينَ (‪ )133‬وَجَنّا ٍ‬

‫عليهم دعوة استجاب ال منه ‪ ،‬فقال { َربّ إِنّ َقوْمِي كَذّبُونِ‪ .‬فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْ َنهُمْ فَتْحًا وَنَجّنِي َومَنْ‬
‫َمعِيَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ { :‬فَدَعَا رَبّهُ أَنّي َمغْلُوبٌ فَانْ َتصِرْ‪ .‬فَفَتَحْنَا أَ ْبوَابَ‬
‫حمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَ ْلوَاحٍ‬
‫سمَاءِ ِبمَاءٍ مُ ْن َهمِرٍ‪َ .‬و َفجّرْنَا ال ْرضَ عُيُونًا فَالْ َتقَى ا ْلمَاءُ عَلَى َأمْرٍ قَدْ ُقدِرَ‪ .‬وَ َ‬
‫ال ّ‬
‫وَدُسُرٍ‪َ .‬تجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً ِلمَنْ كَانَ ُكفِرَ } [القمر ‪.]14 - 10 :‬‬
‫شحُونِ‪ .‬ثُمّ أَغْ َرقْنَا َب ْعدُ الْبَاقِينَ‪ .} .‬والمشحون ‪ :‬هو‬
‫وقال هاهنا { فَأَ ْنجَيْنَا ُه َومَنْ َمعَهُ فِي ا ْلفُلْكِ ا ْلمَ ْ‬
‫المملوء بالمتعة والزواج التي حمل فيه من كل زوجين اثنين ‪ ،‬أي ‪ :‬نجيناه (‪ )1‬ومن معه (‪)2‬‬
‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُمؤْمِنِينَ‪ .‬وَإِنّ‬
‫كلهم ‪ ،‬وأغرقنا مَنْ كذبه وخالف أمره كلهم ‪ { ،‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ }‪.‬‬
‫{ َكذّ َبتْ عَادٌ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )123‬إِذْ قَالَ َل ُهمْ أَخُو ُهمْ هُودٌ أَل تَ ّتقُونَ (‪ )124‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ (‬
‫‪ )125‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪َ )126‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ َأجْ ِريَ إِل عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‬
‫طشْتُمْ‬
‫خذُونَ َمصَانِعَ َلعَّلكُمْ َتخْلُدُونَ (‪ )129‬وَإِذَا بَ َ‬
‫‪ )127‬أَتَبْنُونَ ِب ُكلّ رِيعٍ آيَةً َتعْبَثُونَ (‪ )128‬وَتَتّ ِ‬
‫طشْتُمْ جَبّارِينَ (‪ )130‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪ )131‬وَا ّتقُوا الّذِي َأمَ ّدكُمْ ِبمَا َتعَْلمُونَ (‪َ )132‬أ َم ّدكُمْ‬
‫بَ َ‬
‫علَ ْيكُمْ عَذَابَ َيوْمٍ عَظِيمٍ (‪.} )135‬‬
‫ت وَعُيُونٍ (‪ )134‬إِنّي َأخَافُ َ‬
‫بِأَ ْنعَا ٍم وَبَنِينَ (‪ )133‬وَجَنّا ٍ‬
‫وهذا إخبار من [ال تعالى عن] (‪ )3‬عبده ورسوله هود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه دعا قومه عادًا ‪،‬‬
‫وكانوا قومًا يسكنون الحقاف ‪ ،‬وهي ‪ :‬جبال الرمل قريبًا من بلد حضرموت متاخمة (‪ )4‬لبلد‬
‫جعََلكُمْ خَُلفَاءَ‬
‫اليمن ‪ ،‬وكان زمانهم بعد قوم نوح ‪[ ،‬كما قال في "سورة العراف" ‪ { :‬وَا ْذكُرُوا إِذْ َ‬
‫صطَةً } [العراف ‪ ]69 :‬وذلك أنهم كانوا في غاية من‬
‫مِنْ َبعْدِ َقوْمِ نُوحٍ] (‪ )5‬وَزَا َدكُمْ فِي ا ْلخَلْقِ َب ْ‬
‫قوة التركيب ‪ ،‬والقوة والبطش الشديد ‪ ،‬والطول المديد ‪ ،‬والرزاق الدارة ‪ ،‬والموال والجنات (‬
‫‪ )6‬والعيون ‪ ،‬والبناء والزروع والثمار ‪ ،‬وكانوا مع ذلك يعبدون غير ال معه ‪ ،‬فبعث ال إليهم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رجل منهم رسول وبشيرًا ونذيرًا ‪ ،‬فدعاهم إلى ال وحده ‪ ،‬وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته ‪،‬‬
‫فقال لهم كما قال نوح لقومه ‪ ،‬إلى أن قال ‪ { :‬أَتَبْنُونَ ِب ُكلّ رِيعٍ آيَةً َتعْبَثُونَ } ‪ ،‬اختلف المفسرون‬
‫في الريع بما حاصله ‪ :‬أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة‪ .‬تبنون هناك بناء محكما‬
‫باهرًا هائل ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَتَبْنُونَ ِب ُكلّ رِيعٍ آيَةً } أي ‪ :‬معلما بناء مشهورًا ‪ ،‬تعبثون ‪ ،‬وإنما‬
‫تفعلون ذلك عبثًا ل للحتياج إليه ؛ بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة ؛ ولهذا أنكر عليهم‬
‫نبيهم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ذلك ؛ لنه تضييع للزمان وإتعاب للبدان في غير فائدة ‪ ،‬واشتغال بما ل‬
‫يجدي في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَتَتّخِذُونَ َمصَانِعَ َلعَّلكُمْ تَخُْلدُونَ }‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬المصانع ‪ :‬البروج المشيدة ‪ ،‬والبنيان‬
‫المخلد‪ .‬وفي رواية عنه ‪ :‬بروج الحمام‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬نجينا نوحا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬اتبعه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬متخمة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬والجنان"‪.‬‬

‫( ‪)6/152‬‬

‫ظتَ أَمْ َلمْ َتكُنْ مِنَ ا ْلوَاعِظِينَ (‪)136‬‬


‫سوَاءٌ عَلَيْنَا َأوَعَ ْ‬
‫قَالُوا َ‬

‫وقال قتادة ‪ :‬هي مأخذ الماء‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وقرأ بعض القراء (‪ : )1‬وتتخذون مصانع كأنكم‬
‫خالدون"‪.‬‬
‫وفي القراءة المشهورة ‪َ { :‬لعَّلكُمْ َتخْلُدُونَ } أي ‪ :‬لكي تقيموا فيها أبدًا ‪ ،‬وليس ذلك بحاصل لكم ‪،‬‬
‫بل زائل عنكم ‪ ،‬كما زال عمن كان قبلكم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الحكم بن موسى ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫عوْن بن عبد ال بن عتبة ‪ ،‬أن أبا الدرداء ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬لما رأى ما أحدث‬
‫عَجْلن ‪ ،‬حدثني َ‬
‫المسلمون في الغُوطة من البنيان ونصب الشجر ‪ ،‬قام في مسجدهم فنادى ‪ :‬يا أهل دمشق ‪،‬‬
‫فاجتمعوا إليه ‪ ،‬فحمد ال وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أل تستحيون! أل تستحيون! تجمعون ما ل‬
‫تأكلون ‪ ،‬وتبنون ما ل تسكنون ‪ ،‬وتأملون ما ل تدركون ‪ ،‬إنه كانت قبلكم (‪ )2‬قرون ‪ ،‬يجمعون‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فيرعون ‪ ،‬ويبنون فيوثقون (‪ ، )3‬ويأملون فيطيلون ‪ ،‬فأصبح أملهم غرورًا ‪ ،‬وأصبح جمعهم بورًا‬
‫‪ ،‬وأصبحت مساكنهم (‪ )4‬قبورًا ‪ ،‬أل إن عادًا ملكت ما بين عدن وعمان خيل وركابًا ‪ ،‬فمن‬
‫يشتري مني ميراث عاد بدرهمين ؟‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذَا بَطَشْ ُتمْ َبطَشْتُمْ جَبّارِينَ } وصفهم بالقوة والغلظة والجبروت‪.‬‬
‫{ فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ } أي ‪ :‬اعبدوا ربكم ‪ ،‬وأطيعوا رسولكم‪.‬‬
‫ثم شرع يذكرهم نعم ال عليهم فقال ‪ { :‬وَا ّتقُوا الّذِي َأمَ ّد ُكمْ ِبمَا َتعَْلمُونَ‪َ .‬أ َم ّدكُمْ بِأَ ْنعَامٍ وَبَنِينَ‪.‬‬
‫عظِيمٍ } أي ‪ :‬إن كذبتم وخالفتم ‪ ،‬فدعاهم إلى ال‬
‫ت وَعُيُونٍ‪ .‬إِنّي َأخَافُ عَلَ ْي ُكمْ عَذَابَ َيوْمٍ َ‬
‫وَجَنّا ٍ‬
‫بالترغيب والترهيب ‪ ،‬فما نفع فيهم‪.‬‬
‫ظتَ َأمْ لَمْ َتكُنْ مِنَ ا ْلوَاعِظِينَ (‪} )136‬‬
‫سوَاءٌ عَلَيْنَا َأوَعَ ْ‬
‫{ قَالُوا َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬الكوفيين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬قد كانت قبلكم" وفي أ ‪" :‬قد كانت لكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فيوبقون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬منازلهم"‪.‬‬

‫( ‪)6/153‬‬

‫إِنْ َهذَا إِلّا خُلُقُ الَْأوّلِينَ (‪َ )137‬ومَا َنحْنُ ِب ُمعَذّبِينَ (‪َ )138‬فكَذّبُوهُ فَأَهَْلكْنَاهُمْ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَةً َومَا‬
‫كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )139‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)140‬‬

‫ك ليَ ًة َومَا‬
‫{ إِنْ هَذَا إِل خُلُقُ الوّلِينَ (‪َ )137‬ومَا َنحْنُ ِب ُمعَذّبِينَ (‪َ )138‬فكَذّبُوهُ فَأَهَْلكْنَاهُمْ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )139‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪} )140‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن جواب قوم هود له ‪ ،‬بعدما حذرهم وأنذرهم ‪ ،‬وَرَغّ َبهُم ورهبهم ‪ ،‬وبيّن لهم‬
‫ظتَ أَمْ َلمْ َتكُنْ مِنَ ا ْلوَاعِظِينَ } أي ‪ :‬ل نرجع عما نحن‬
‫سوَاءٌ عَلَيْنَا َأوَعَ ْ‬
‫الحق ووضحه ‪ { :‬قَالُوا َ‬
‫ك َومَا نَحْنُ َلكَ ِب ُم ْؤمِنِينَ } [هود ‪ ]53 :‬وهكذا المر ؛ فإن‬
‫فيه ‪َ { ،‬ومَا َنحْنُ بِتَا ِركِي آِلهَتِنَا عَنْ َقوِْل َ‬
‫سوَاءٌ عَلَ ْيهِمْ أَأَ ْنذَرْ َتهُمْ َأمْ لَمْ تُنْذِرْ ُهمْ ل ُي ْؤمِنُونَ } [البقرة ‪]6 :‬‬
‫ال تعالى قال ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َ‬
‫ح ّقتْ عَلَ ْي ِهمْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ * وََلوْ جَاءَ ْتهُمْ ُكلّ آ َيةٍ حَتّى يَ َروُا‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َ‬
‫ا ْلعَذَابَ اللِيمَ } [يونس ‪.]97 ، 96 :‬‬
‫ق الوّلِينَ } ‪ :‬قرأ بعضهم ‪" :‬إن هذا إل خَلْق" بفتح الخاء وتسكين‬
‫وقولهم ‪ { :‬إِنْ هَذَا إِل خُلُ ُ‬

‫( ‪)6/153‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اللم‪.‬‬
‫قال ابن مسعود ‪ ،‬والعوفي عن عبد ال بن عباس ‪ ،‬وعلقمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ :‬يعنون ما هذا الذي جئتنا‬
‫به إل أخلق الولين‪ .‬كما قال المشركون من قريش ‪ { :‬وقالوا أساطير الولين [اكتتبها فهي تملى‬
‫عليه بكرة وأصيل } [الفرقان ‪ ، ]5 :‬وقال ‪ { :‬وقال الذين كفروا إن هذا إل إفك افتراه وأعانه‬
‫عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا وقالوا أساطير الولين } [الفرقان ‪ ، ]5 ، 4 :‬وقال‬
‫{ وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ (‪ )1‬مَاذَا أَنزلَ رَ ّبكُمْ قَالُوا أَسَاطِي ُر الوّلِينَ } ] (‪[ )2‬النحل ‪.]24 :‬‬
‫ق الوّلِينَ } ‪ -‬بضم الخاء واللم ‪ -‬يعنون ‪ :‬دينهم وما هم عليه‬
‫خلُ ُ‬
‫وقرأ آخرون ‪ { :‬إِنْ َهذَا إِل ُ‬
‫من المر هو دين الوائل من الباء والجداد‪ .‬ونحن تابعون لهم ‪ ،‬سالكون وراءهم ‪ ،‬نعيش كما‬
‫عاشوا ‪ ،‬ونموت كما ماتوا ‪ ،‬ول بعث ول معاد ؛ ولهذا قالوا ‪َ { :‬ومَا َنحْنُ ِب ُمعَذّبِينَ }‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ‪ { :‬إِنْ هَذَا إِل خُلُقُ الوّلِينَ } يقول ‪ :‬دين الولين‪ .‬وقاله‬
‫عكرمة ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬واختاره ابن جرير (‪.)3‬‬
‫قال ال تعالى ‪َ { :‬فكَذّبُوهُ فَأَهَْلكْنَا ُهمْ } أي ‪ :‬فاستمروا على تكذيب نبي ال هود ومخالفته وعناده ‪،‬‬
‫فأهلكهم ال ‪ ،‬وقد بيّن سبب إهلكه إياهم في غير موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ريحًا‬
‫صرصرًا عاتية ‪ ،‬أي ‪ :‬ريحًا شديدة الهبوب ذات برد شديد جدًا ‪ ،‬فكان إهلكهم من جنسهم ‪،‬‬
‫فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره ‪ ،‬فسلط ال عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬أَلَمْ تَرَ‬
‫كَ ْيفَ َف َعلَ رَ ّبكَ ِبعَادٍ إِ َرمَ [ذَاتِ ا ْل ِعمَادِ] } (‪[ )4‬الفجر ‪ ]7 ، 6 :‬وهم عاد الولى ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَأَنّهُ‬
‫أَهَْلكَ عَادًا الولَى } [النجم ‪ ، ]50 :‬وهم من نسل إرم بن سام بن نوح‪ { .‬ذَاتِ ا ْل ِعمَادِ } أي ‪ :‬الذين‬
‫كانوا يسكنون العمد‪ .‬ومن زعم أن "إرم" مدينة ‪ ،‬فإنما أخذ ذلك من السرائيليات من كلم كعب‬
‫ووهب ‪ ،‬وليس لذلك أصل أصيل‪ .‬ولهذا قال ‪ { :‬الّتِي لَمْ ُيخْلَقْ مِثُْلهَا فِي الْبِلدِ } [الفجر ‪ ، ]8 :‬أي‬
‫‪ :‬لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم ‪ ،‬ولو كان المراد بذلك مدينة لقال ‪ :‬التي‬
‫ق َوقَالُوا مَنْ أَشَدّ مِنّا‬
‫حّ‬‫لم يبن مثلها في البلد ‪ ،‬وقال ‪ { :‬فََأمّا عَادٌ فَاسْ َتكْبَرُوا فِي ال ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬
‫حدُونَ } [فصلت ‪.]15 :‬‬
‫شدّ مِ ْنهُمْ ُق ّو ًة َوكَانُوا بِآيَاتِنَا َيجْ َ‬
‫ُق ّوةً َأوََلمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي خََل َقهُمْ ُهوَ أَ َ‬
‫وقد قَدّمنا أن ال تعالى لم يرسل عليهم من الريح إل بمقدار أنف الثور ‪ ،‬عتت على الخزنة ‪ ،‬فأذن‬
‫(‪ )5‬ال لها في ذلك ‪ ،‬وسلكت وحصبت بلدهم ‪ ،‬فحصبت كل شيء لهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫شيْءٍ بَِأمْرِ رَ ّبهَا فََأصْبَحُوا ل يُرَى إِل َمسَاكِ ُنهُمْ } (‪ )6‬الية [الحقاف ‪ ، ]25 :‬وقال‬
‫{ ُت َدمّرُ ُكلّ َ‬
‫حسُومًا }‬
‫ل وَ َثمَانِيَةَ أَيّامٍ ُ‬
‫سخّرَهَا عَلَ ْيهِمْ سَبْعَ لَيَا ٍ‬
‫تعالى ‪ { :‬وََأمّا عَادٌ فَُأهِْلكُوا بِرِيحٍ صَ ْرصَرٍ عَاتِ َيةٍ َ‬
‫خلٍ خَاوِيَةٍ } [الحاقة ‪:‬‬
‫عجَازُ نَ ْ‬
‫[الحاقة ‪ ، ]7 ، 6 :‬أي ‪ :‬كاملة { فَتَرَى ا ْلقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَ ّنهُمْ أَ ْ‬
‫‪ ، ]7‬أي ‪ :‬بقوا أبدانًا بل رؤوس ؛‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقيل للذين كفروا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)19/60‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬بإذن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل ترى"‪.‬‬

‫( ‪)6/154‬‬

‫كَذّ َبتْ َثمُودُ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )141‬إِذْ قَالَ َل ُهمْ أَخُو ُه ْم صَالِحٌ أَلَا تَ ّتقُونَ (‪ )142‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ (‬
‫‪ )143‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪َ )144‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ َأجْ ِريَ إِلّا عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‬
‫خلٍ طَ ْل ُعهَا َهضِيمٌ‬
‫ت وَعُيُونٍ (‪ )147‬وَزُرُوعٍ وَ َن ْ‬
‫‪ )145‬أَتُتْ َركُونَ فِي مَا هَاهُنَا َآمِنِينَ (‪ )146‬فِي جَنّا ٍ‬
‫(‪ )148‬وَتَنْحِتُونَ مِنَ ا ْلجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (‪ )149‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪ )150‬وَلَا تُطِيعُوا َأمْرَ‬
‫ض وَلَا ُيصِْلحُونَ (‪)152‬‬
‫ا ْلمُسْ ِرفِينَ (‪ )151‬الّذِينَ ُيفْسِدُونَ فِي الْأَ ْر ِ‬

‫وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه وترفعه في الهواء ‪ ،‬ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخ‬
‫دماغه ‪ ،‬وتكسر رأسه ‪ ،‬وتلقيه ‪ ،‬كأنهم أعجاز نخل منقعر‪ .‬وقد كانوا تحصنوا في الجبال‬
‫والكهوف والمغارات ‪ ،‬وحفروا لهم في الرض إلى أنصافهم ‪ ،‬فلم يغن عنهم ذلك (‪ )1‬من أمر‬
‫جلَ اللّهِ ِإذَا جَاءَ ل ُيؤَخّرُ } [نوح ‪ ]4 :‬؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ف َكذّبُوهُ فَأَ ْهَلكْنَاهُمْ إِنّ فِي‬
‫ال شيئا ‪ { ،‬إِنّ َأ َ‬
‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُ ُهمْ ُم ْؤمِنِينَ‪ .‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ }‪.‬‬
‫ذَِل َ‬
‫{ َكذّ َبتْ َثمُودُ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ِ )141‬إذْ قَالَ َلهُمْ َأخُوهُ ْم صَالِحٌ أَل تَ ّتقُونَ (‪ )142‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ (‬
‫‪ )143‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪َ )144‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ َأجْ ِريَ إِل عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‬
‫‪} )145‬‬
‫وهذا إخبار من ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬عن عبده ورسوله صالح ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬أنه بعثه إلى قوم ثمود‬
‫‪ ،‬وكانوا عربًا يسكنون مدينة الحجْر ‪ ،‬التي بين وادي القُرَى وبلد الشام ‪ ،‬ومساكنهم معروفة‬
‫مشهورة‪ .‬وقد قدمنا في "سورة العراف" (‪ )2‬الحاديث المروية في مرور رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بهم حين أراد غَ ْزوَ الشام ‪ ،‬فوصل (‪ )3‬إلى تَبُوك ‪ ،‬ثم عاد إلى المدينة ليتأهب لذلك‪.‬‬
‫وقد كانوا بعد عاد وقبل الخليل ‪ ،‬عليه السلم‪ .‬فدعاهم نبيهم صالح إلى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أن‬
‫يعبدوه وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن يطيعوه فيما بلغهم من الرسالة ‪ ،‬فأبوا عليه وكذبوه وخالفوه‪.‬‬
‫فأخبرهم أنه ل يبتغي بدعوتهم أجرا منهم ‪ ،‬وإنما يطلب ثواب ذلك من ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ثم ذكرهم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫آلء ال عليهم فقال ‪:‬‬
‫خلٍ طَ ْل ُعهَا َهضِيمٌ (‬
‫ت وَعُيُونٍ (‪ )147‬وَزُرُوعٍ وَ َن ْ‬
‫{ أَتُتْ َركُونَ فِي مَا هَا هُنَا آمِنِينَ (‪ )146‬فِي جَنّا ٍ‬
‫‪ )148‬وَتَنْحِتُونَ مِنَ ا ْلجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (‪ )149‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪ )150‬وَل ُتطِيعُوا َأمْرَ‬
‫ض وَل ُيصِْلحُونَ (‪} )152‬‬
‫ا ْلمُسْ ِرفِينَ (‪ )151‬الّذِينَ ُيفْسِدُونَ فِي ال ْر ِ‬
‫يقول لهم واعظًا لهم ومحذرًا إياهم نقم (‪ )4‬ال أن تحل بهم ‪ ،‬ومذكرًا بأنعم ال عليهم فيما رزقهم‬
‫من الرزاق الدارّة ‪ ،‬وجعلهم في أمن من المحذورات‪ .‬وأنبت لهم من الجنات (‪ ، )5‬وأنبع لهم من‬
‫ط ْل ُعهَا َهضِيمٌ }‪ .‬قال‬
‫خلٍ َ‬
‫العيون الجاريات ‪ ،‬وأخرج لهم من الزروع والثمرات ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَنَ ْ‬
‫العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أينع وبَلَغ ‪ ،‬فهو هضيم‪.‬‬
‫خلٍ طَ ْل ُعهَا َهضِيمٌ } يقول ‪ :‬مُعشبة‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَنَ ْ‬
‫[و] (‪ )6‬قال إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن عمرو بن أبي عمرو ‪ -‬وقد أدرك الصحابة ‪ -‬عن ابن‬
‫خلٍ طَ ْل ُعهَا َهضِيمٌ } قال ‪ :‬إذا رطُب واسترخى‪ .‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬قال‬
‫عباس ‪ ،‬في قوله ‪ { :‬وَنَ ْ‬
‫‪ :‬ورُوي عن أبي صالح نحو هذا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لم يغن ذلك عنهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬عند اليات ‪.78 - 73 :‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فدخل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نقمة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الحبات"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/155‬‬

‫قَالُوا إِ ّنمَا أَ ْنتَ مِنَ ا ْلمُسَحّرِينَ (‪ )153‬مَا أَ ْنتَ إِلّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَ ْأتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪)154‬‬
‫عظِيمٍ‬
‫ب وََلكُمْ شِ ْربُ َيوْمٍ َمعْلُومٍ (‪ )155‬وَلَا َتمَسّوهَا بِسُوءٍ فَيَ ْأخُ َذ ُكمْ عَذَابُ َيوْمٍ َ‬
‫قَالَ هَ ِذهِ نَاقَةٌ َلهَا شِ ْر ٌ‬
‫خذَهُمُ ا ْلعَذَابُ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَ َي ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ‬
‫(‪َ )156‬ف َعقَرُوهَا فََأصْبَحُوا نَا ِدمِينَ (‪ )157‬فَأَ َ‬
‫(‪ )158‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)159‬‬

‫خلٍ طَ ْل ُعهَا َهضِيمٌ } قال ‪ :‬هو المذنب من الرطب‪.‬‬


‫وقال أبو إسحاق ‪ ،‬عن أبي العلء ‪ { :‬وَنَ ْ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هو الذي إذا كُبس (‪ )1‬تهشم وتفتت وتناثر‪.‬‬
‫خلٍ طَ ْل ُعهَا َهضِيمٌ } قال‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬سمعت عبد الكريم أبا أمية ‪ ،‬سمعت مجاهدا يقول ‪ { :‬وَنَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ :‬حين يطلعُ تقبض عليه فتهضَمه ‪ ،‬فهو من الرطب الهضيم ‪ ،‬ومن اليابس الهشيم ‪ ،‬تقبض عليه‬
‫فتهشمه‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬وقتادة ‪ ،‬الهضيم ‪ :‬الرطب اللين‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬إذا كثر حمل الثمرة (‪ ، )2‬وركب بعضه بعضًا ‪ ،‬فهو هضيم‪.‬‬
‫وقال مرة ‪ :‬هو الطّلْعُ حين يتفرق ويخضر‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬هو الذي ل نوى له‪.‬‬
‫وقال أبو صخر ‪ :‬ما (‪ )3‬رأيت الطلعَ حين يُشق (‪ )4‬عنه الكمّ ‪ ،‬فترى الطلع قد لصق بعضه‬
‫ببعض ‪ ،‬فهو الهضيم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَتَنْحِتُونَ مِنَ ا ْلجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ } قال ابن عباس ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬يعني ‪ :‬حاذقين‪.‬‬
‫وفي رواية عنه ‪ :‬شرهين أشرين (‪ .)5‬وهو اختيار مجاهد وجماعة‪ .‬ول منافاة بينهما ؛ فإنهم‬
‫كانوا يتخذون تلك البيوت المنحوتة في الجبال أشرًا وبطرًا وعبثًا ‪ ،‬من غير حاجة إلى سكناها ‪،‬‬
‫وكانوا حاذقين (‪ )6‬متقنين لنحتها ونقشها ‪ ،‬كما هو المشاهد من حالهم لمن رأى منازلهم ؛ ولهذا‬
‫عمَل ما يعود نفُعه عليكم (‪ )7‬في الدنيا والخرة ‪،‬‬
‫قال ‪ { :‬فَا ّتقُوا اللّ َه وَأَطِيعُونِ } أي ‪ :‬أقبلوا على َ‬
‫من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم لتوحدوه وتعبدوه وتسبحوه بكرة وأصيل‪.‬‬
‫ض وَل ُيصْلِحُونَ } يعني ‪ :‬رؤساءهم‬
‫سدُونَ فِي ال ْر ِ‬
‫{ وَل تُطِيعُوا َأمْرَ ا ْلمُسْ ِرفِينَ * الّذِينَ ُيفْ ِ‬
‫وكبراءهم ‪ ،‬الدعاة لهم إلى الشرك والكفر ‪ ،‬ومخالفة الحق‪.‬‬
‫{ قَالُوا إِ ّنمَا أَ ْنتَ مِنَ ا ْل ُمسَحّرِينَ (‪ )153‬مَا أَ ْنتَ إِل بَشَرٌ مِثْلُنَا فَ ْأتِ بِآيَةٍ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‬
‫‪ )154‬قَالَ َه ِذهِ نَاقَةٌ َلهَا شِ ْربٌ وََلكُمْ شِ ْربُ َيوْمٍ َمعْلُومٍ (‪ )155‬وَل َتمَسّوهَا بِسُوءٍ فَيَ ْأخُ َذ ُكمْ عَذَابُ َيوْمٍ‬
‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُ ُهمْ‬
‫خذَهُمُ ا ْلعَذَابُ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫عَظِيمٍ (‪َ )156‬ف َعقَرُوهَا فََأصْبَحُوا نَا ِدمِينَ (‪ )157‬فَأَ َ‬
‫ُم ْؤمِنِينَ (‪ )158‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪} )159‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن ثمود في جوابهم لنبيهم صالح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين دعاهم إلى عبادة ربهم‬
‫{ قَالُوا إِ ّنمَا أَ ْنتَ مِنَ ا ْل ُمسَحّرِينَ }‪ .‬قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬يعنون من المسحورين‪.‬‬
‫سحّرِينَ } (‪ : )9‬يعني من المخلوقين ‪،‬‬
‫وروى (‪ )8‬أبو صالح ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬مِنَ ا ْلمُ َ‬
‫واستشهد بعضهم على هذا القول بما قال الشاعر (‪ : )10‬فإن تسألينا ‪ :‬فيم نحن ? فإننا‬
‫عصافير من هذا النام المسحر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حمل النخلة المثمرة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يتشقق"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬أشرين شرهين"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬صادقين"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليكم نفعه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المسحورين"‪.‬‬
‫(‪ )10‬هو لبيد بن ربيعة ‪ ،‬والبيت في ديوانه ص (‪ )56‬أ‪.‬هـ ‪ ،‬مستفادا من ط‪ .‬الشعب‪.‬‬

‫( ‪)6/156‬‬

‫يعني الذين لهم سُحور ‪ ،‬والسّحر ‪ :‬هو الرئة‪.‬‬


‫والظهر في هذا قول مجاهد وقتادة ‪ :‬أنهم يقولون ‪ :‬إنما أنت في قولك هذا مسحور ل عقل لك‪.‬‬
‫ثم قالوا ‪ { :‬مَا أَ ْنتَ إِل بَشَرٌ مِثْلُنَا } يعني ‪ :‬فكيف أوحي إليك دوننا ؟ كما قالوا في الية الخرى ‪:‬‬
‫{ َأؤُ ْل ِقيَ (‪ )1‬ال ّذكْرُ عَلَ ْيهِ مِنْ بَيْنِنَا َبلْ ُهوَ كَذّابٌ َأشِرٌ * سَ َيعَْلمُونَ غَدًا مَنِ ا ْلكَذّابُ الشِرُ } [القمر ‪:‬‬
‫‪.]26 ، 25‬‬
‫ثم إنهم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها ‪ ،‬ليعلموا صدقه بما (‪ )2‬جاءهم به من ربهم فطلبوا منه ‪ -‬وقد‬
‫اجتمع ملؤهم ‪ -‬أن يخرج لهم الن من هذه الصخرة ‪ -‬وأشاروا إلى صخرة عندهم ‪ -‬ناقة‬
‫عُشَراء من صفتها كذا وكذا‪ .‬فعند ذلك أخذ عليهم نبي ال صالح العهود والمواثيق ‪ ،‬لئن أجابهم‬
‫إلى ما سألوا لَيُؤمنَنَ به ‪[ ،‬وليصدقنه] (‪ ، )3‬وليتبعنه ‪ ،‬فأنعموا بذلك‪ .‬فقام نبي ال صالح ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬فصلى ‪ ،‬ثم دعا ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أن يجيبهم إلى سؤالهم ‪ ،‬فانفطرت تلك الصخرة التي‬
‫أشاروا إليها عن ناقة عُشَراء ‪ ،‬على الصفة التي وصفوها‪ .‬فآمن بعضهم وكفر أكثرهم ‪ { ،‬قَالَ‬
‫ب وََلكُمْ شِ ْربُ َي ْومٍ َمعْلُومٍ } يعني ‪ :‬ترد ماءكم يوما ‪ ،‬ويوما تردونه أنتم ‪ { ،‬وَل‬
‫هَ ِذهِ نَا َقةٌ َلهَا شِ ْر ٌ‬
‫عظِيمٍ } فحذرهم نقمة ال إن أصابوها بسوء ‪ ،‬فمكثت الناقة بين‬
‫َتمَسّوهَا بِسُوءٍ فَيَ ْأخُ َذ ُكمْ عَذَابُ َيوْمٍ َ‬
‫أظهرهم حينًا من الدهر ترد الماء ‪ ،‬وتأكل الورق والمرعى‪ .‬وينتفعون بلبنها ‪ ،‬يحتلبون منها ما‬
‫يكفيهم شربًا وريًا ‪ ،‬فلما طال عليهم المد وحضر شقاؤهم ‪ ،‬تمالؤوا على قتلها وعقرها‪.‬‬
‫{ َف َعقَرُوهَا فََأصْبَحُوا نَا ِدمِينَ * فََأخَذَ ُهمُ ا ْلعَذَابُ } وهو أن أرضهم زُلزلت زلزال شديدًا ‪ ،‬وجاءتهم‬
‫صيحة عظيمة اقتلعت القلوب عن محالها ‪ ،‬وأتاهم من المر ما لم يكونوا يحتسبون ‪ ،‬فأصبحوا‬
‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُ ُهمْ ُم ْؤمِنِينَ * وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ‬
‫في ديارهم جاثمين ‪ { ،‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫الرّحِيمُ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وأنزل" وهو خطأ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فيما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/157‬‬

‫كَذّ َبتْ َقوْمُ لُوطٍ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ِ )160‬إذْ قَالَ َلهُمْ َأخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَ ّتقُونَ (‪ )161‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ (‬
‫‪ )162‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪َ )163‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ َأجْ ِريَ إِلّا عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‬
‫جكُمْ َبلْ أَنْتُمْ َقوْمٌ‬
‫‪ )164‬أَتَأْتُونَ ال ّذكْرَانَ مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )165‬وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ َلكُمْ رَ ّبكُمْ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫عَادُونَ (‪ )166‬قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَ َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمُخْ َرجِينَ (‪ )167‬قَالَ إِنّي ِل َعمَِلكُمْ مِنَ ا ْلقَالِينَ (‬
‫ج َمعِينَ (‪ )170‬إِلّا عَجُوزًا فِي ا ْلغَابِرِينَ‬
‫‪َ )168‬ربّ َنجّنِي وَأَهْلِي ِممّا َي ْعمَلُونَ (‪ )169‬فَ َنجّيْنَا ُه وَأَهْلَهُ َأ ْ‬
‫(‪ُ )171‬ثمّ َدمّرْنَا الَْآخَرِينَ (‪ )172‬وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ ا ْلمُنْذَرِينَ (‪ )173‬إِنّ فِي ذَِلكَ‬
‫لَآَيَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُ ُهمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )174‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)175‬‬

‫{ َكذّ َبتْ َقوْمُ لُوطٍ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )160‬إِذْ قَالَ َل ُهمْ أَخُو ُهمْ لُوطٌ أَل تَ ّتقُونَ (‪ )161‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ‬
‫(‪ )162‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪َ )163‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ َأجْ ِريَ إِل عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‬
‫‪.} )164‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله لوط ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وهو ‪ :‬لوط بن هاران بن آزر ‪ ،‬وهو‬
‫ابن أخي إبراهيم الخليل ‪ ،‬وكان ال تعالى قد بعثه إلى أمة عظيمة في حياة إبراهيم ‪ ،‬وكانوا‬
‫يسكنون "سدوم" وأعمالها التي أهلكها ال بها ‪ ،‬وجعل مكانها بحيرة منتنة خبيثة ‪ ،‬وهي مشهورة‬
‫ببلد الغور ‪ ،‬متاخمة لجبال البيت (‪ )1‬المقدس ‪ ،‬بينها وبين بلد الكَرَك والشّوبَك ‪ ،‬فدعاهم إلى‬
‫ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أن يعبدوه وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن يطيعوا رسولهم الذي بعثه ال إليهم ‪،‬‬
‫ونهاهم عن معصية ال ‪ ،‬وارتكاب ما كانوا قد ابتدعوه في العالم ‪ ،‬مما لم يسبقهم الخلئق إلى‬
‫فعله ‪ ،‬من إتيان الذكْران دون الناث ؛ ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫جكُمْ َبلْ أَنْتُمْ َقوْمٌ عَادُونَ‬
‫{ أَتَأْتُونَ ال ّذكْرَانَ مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )165‬وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ َلكُمْ رَ ّبكُمْ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫(‪ )166‬قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَ َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمُخْ َرجِينَ (‪ )167‬قَالَ إِنّي ِل َعمَِلكُمْ مِنَ ا ْلقَالِينَ (‪)168‬‬
‫عجُوزًا فِي ا ْلغَابِرِينَ (‬
‫ج َمعِينَ (‪ )170‬إِل َ‬
‫َربّ نَجّنِي وَأَهْلِي ِممّا َي ْعمَلُونَ (‪ )169‬فَ َنجّيْنَا ُه وَأَهْلَهُ َأ ْ‬
‫‪ُ )171‬ثمّ َدمّرْنَا الخَرِينَ (‪ )172‬وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ َمطَرُ ا ْلمُنْذَرِينَ (‪ )173‬إِنّ فِي ذَِلكَ‬
‫ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ )174‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪.} )175‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بيت"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/157‬‬

‫شعَ ْيبٌ أَلَا تَ ّتقُونَ (‪ )177‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ (‬


‫كَ ّذبَ َأصْحَابُ الْأَ ْيكَةِ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ِ )176‬إذْ قَالَ َلهُمْ ُ‬
‫‪ )178‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪َ )179‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ َأجْ ِريَ إِلّا عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‬
‫‪)180‬‬

‫لما نهاهم نبي ال عن إتيانهم الفواحش ‪ ،‬وغشيانهم الذكور ‪ ،‬وأرشدهم إلى إتيان نسائهم اللتي‬
‫خلقهن ال لهم ‪ -‬ما كان جواب قومه له إل قالوا ‪ { :‬لَئِنْ لَمْ تَنْ َتهِ يَا لُوطُ } يعنونَ ‪ :‬عما جئتنا (‪)1‬‬
‫به ‪ { ،‬لَ َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمُخْ َرجِينَ } أي ‪ :‬ننفيك من بين أظهرنا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا (‪ )2‬كَانَ‬
‫طهّرُونَ } [العراف ‪ ، ]82 :‬فلما‬
‫جوَابَ َق ْومِهِ إِل أَنْ قَالُوا أَخْ ِرجُوهُمْ (‪ )3‬مِنْ قَرْيَ ِتكُمْ إِ ّنهُمْ أُنَاسٌ يَ َت َ‬
‫َ‬
‫رأى أنّهم ل يرتدعون عما هم فيه وأنهم مستمرون على ضللتهم ‪ ،‬تبرأ منهم فقال ‪ { :‬قَالَ إِنّي‬
‫ِل َعمَِلكُمْ مِنَ ا ْلقَالِينَ } أي ‪ :‬الُمبغضين ‪ ،‬ل أحبه ول أرضى به ؛ فأنا بريء منكم‪ .‬ثم دعا ال عليهم‬
‫قال ‪َ { :‬ربّ نَجّنِي وَأَهْلِي ِممّا َي ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫ج َمعِينَ } أي ‪ :‬كلهم‪.‬‬
‫قال ال تعالى { فَنَجّيْنَا ُه وَأَهَْلهُ أَ ْ‬
‫ن بقي من‬
‫عجُوزًا فِي ا ْلغَابِرِينَ } ‪ ،‬وهي امرأته ‪ ،‬وكانت عجوز سوء بقيت فهلكت (‪ )4‬مع مَ ْ‬
‫{ إِل َ‬
‫حجْر" حين‬
‫قومها ‪ ،‬وذلك كما أخبر ال تعالى عنهم في "سورة العراف" و"هود" ‪ ،‬وكذا في "ال ِ‬
‫أمره ال أن يسري بأهله إل امرأته ‪ ،‬وأنهم ل يلتفتون إذا سمعوا الصيحة حين تنزل على قومه ‪،‬‬
‫فصبروا لمر ال واستمروا ‪ ،‬وأنزل ال على أولئك العذاب الذي عمّ جميعهم ‪ ،‬وأمطر عليهم‬
‫حجارة من سجيل منضود ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ثُمّ َدمّرْنَا الخَرِينَ‪ .‬وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ َمطَرُ‬
‫ا ْلمُنْذَرِينَ‪ .‬إِنّ فِي ذَِلكَ ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَ ُرهُمْ ُم ْؤمِنِينَ‪ .‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ }‪.‬‬
‫شعَ ْيبٌ أَل تَ ّتقُونَ (‪ )177‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ‬
‫صحَابُ ال ْيكَةِ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )176‬إِذْ قَالَ َل ُهمْ ُ‬
‫{ َك ّذبَ َأ ْ‬
‫(‪ )178‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪َ )179‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ َأجْ ِريَ إِل عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‬
‫‪} )180‬‬
‫هؤلء ‪ -‬أعني أصحاب اليكة ‪ -‬هم أهل مدين على الصحيح‪ .‬وكان نبي ال شعيب من أنفسهم ‪،‬‬
‫وإنما لم يقل هنا أخوهم شعيب ؛ لنهم نسبوا إلى عبادة اليكة ‪ ،‬وهي شجرة‪ .‬وقيل ‪ :‬شجر ملتف‬
‫كالغَيضة ‪ ،‬كانوا يعبدونها ؛ فلهذا لما قال ‪ :‬كذب أصحاب اليكة المرسلين ‪ ،‬لم يقل ‪" :‬إذ قال لهم‬
‫شعَ ْيبٌ } ‪ ،‬فقطع نسبة الخوة بينهم ؛ للمعنى الذي نسبوا‬
‫أخوهم شعيب" ‪ ،‬وإنما قال ‪ { :‬إِذْ قَالَ َل ُهمْ ُ‬
‫إليه ‪ ،‬وإن كان أخاهم نسبا‪ .‬ومن الناس مَنْ لم يتفطن لهذه النكتة ‪ ،‬فظن أن أصحاب اليكة غير‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬يعني مما جئتنا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فما" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في جميع النسخ ‪" :‬اخرجوا آل لوط" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مهلكة"‪.‬‬

‫( ‪)6/158‬‬

‫خسُوا النّاسَ‬
‫سطَاسِ ا ْلمُسْ َتقِيمِ (‪ )182‬وَلَا تَبْ َ‬
‫ل وَلَا َتكُونُوا مِنَ ا ْلمُخْسِرِينَ (‪ )181‬وَزِنُوا بِا ْلقِ ْ‬
‫َأ ْوفُوا ا ْلكَ ْي َ‬
‫أَشْيَا َءهُ ْم وَلَا َتعْ َثوْا فِي الْأَ ْرضِ ُمفْسِدِينَ (‪)183‬‬

‫أهل مدين ‪ ،‬فزعم أن شعيبًا عليه السلم ‪ ،‬بعثه ال إلى أمتين ‪ ،‬ومنهم مَنْ قال ‪ :‬ثلث أمم‪.‬‬
‫وقد روى إسحاق بن بشر الكاهلي ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬حدثني ابن السدي ‪ ،‬عن أبيه ‪ -‬وزكريا بن‬
‫عكْرِمة قال ما بعث ال نبيًا مرتين إل شعيبًا ‪ ،‬مرة إلى مدين‬
‫خصِيف ‪ ،‬عن ِ‬
‫عمر (‪ ، )1‬عن َ‬
‫فأخذهم ال بالصيحة ‪ ،‬ومرة إلى أصحاب اليكة فأخذهم ال بعذاب يوم الظّلّةِ‪.‬‬
‫وروى أبو القاسم البغوي ‪ ،‬عن هُدْبَة ‪ ،‬عن َهمّام ‪ ،‬عن قتادة في قوله تعالى ‪ { :‬وََأصْحَابَ‬
‫الرّسّ }‪[.‬ق ‪ ]12 :‬قوم شعيب ‪ ،‬وقوله ‪ { :‬وََأصْحَابُ ال ْيكَةِ }‪[ .‬ق ‪ ]14 :‬قوم شعيب‪.‬‬
‫جوَيْبر ‪ :‬أصحاب اليكة ومدين هما واحد‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال إسحاق بن بشر ‪ :‬وقال غير ُ‬
‫وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة "شعيب" ‪ ،‬من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن معاوية بن هشام ‪ ،‬عن هشام بن سعد ‪ ،‬عن سعيد بن أبي هلل ‪ ،‬عن ربيعة بن‬
‫سيف ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن قوم مدين‬
‫وأصحاب اليكة أمتان ‪ ،‬بعث (‪ )2‬ال إليهما شعيبًا النبي ‪ ،‬عليه السلم" (‪.)3‬‬
‫وهذا غريب ‪ ،‬وفي رفعه نظر ‪ ،‬والشبه أن يكون موقوفا‪ .‬والصحيح أنهم أمة واحدة ‪ ،‬وصفوا‬
‫في كل مقام بشيء ؛ ولهذا وعظ هؤلء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان ‪ ،‬كما في قصة مدين‬
‫سواء بسواء (‪ ، )4‬فدل ذلك على أنهم أمة واحدة (‪.)5‬‬
‫سطَاسِ ا ْلمُسْ َتقِيمِ (‪ )182‬وَل تَ ْبخَسُوا‬
‫ل وَل َتكُونُوا مِنَ ا ْلمُخْسِرِينَ (‪ )181‬وَزِنُوا بِا ْلقِ ْ‬
‫{ َأ ْوفُوا ا ْلكَ ْي َ‬
‫النّاسَ َأشْيَاءَ ُه ْم وَل َتعْ َثوْا فِي ال ْرضِ ُمفْسِدِينَ (‪} )183‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ "عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فبعث"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬مختصر تاريخ دمشق لبن منظور (‪.)10/309‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سواء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فدل ذلك على أنهما واحدة"‪.‬‬

‫( ‪)6/159‬‬

‫وَاتّقُوا الّذِي خََل َقكُ ْم وَالْجِبِلّةَ الَْأوّلِينَ (‪)184‬‬

‫{ وَا ّتقُوا الّذِي خََلقَكُمْ وَالْجِبِلّ َة الوّلِينَ (‪.} )184‬‬


‫يأمرهم تعالى (‪ )1‬بإيفاء المكيال (‪ )2‬والميزان ‪ ،‬وينهاهم عن التطفيف فيهما ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬أ ْوفُوا‬
‫ا ْلكَ ْيلَ وَل َتكُونُوا مِنَ ا ْلمُخْسِرِينَ } أي ‪ :‬إذا دفعتم إلى الناس فكملوا (‪ )3‬الكيل لهم ‪ ،‬ول تخسروا‬
‫الكيل فتعطوه ناقصا ‪ ،‬وتأخذوه ‪ -‬إذا كان لكم ‪ -‬تامًا وافيًا ‪ ،‬ولكن خذوا كما تعطون ‪ ،‬وأعطوا‬
‫كما تأخذون‪.‬‬
‫{ وَزِنُوا بِا ْلقِسْطَاسِ ا ْلمُسْ َتقِيمِ } ‪ :‬والقسطاس هو ‪ :‬الميزان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬القَبّانُ‪ .‬قال بعضهم ‪ :‬هو‬
‫معرب من الرومية‪.‬‬
‫قال ‪ :‬مجاهد ‪ :‬القسطاس المستقيم ‪ :‬العدل ‪ -‬بالرومية‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬القسطاس ‪ :‬العدل‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } ‪ :‬أي ‪ :‬تَ ْنقُصوهم أموالهم ‪ { ،‬وَل َتعْ َثوْا فِي ال ْرضِ‬
‫ُمفْسِدِينَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الكيل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فكلوا"‪.‬‬

‫( ‪)6/159‬‬

‫سقِطْ‬
‫قَالُوا إِ ّنمَا أَ ْنتَ مِنَ ا ْلمُسَحّرِينَ (‪َ )185‬ومَا أَ ْنتَ إِلّا َبشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُ ّنكَ َلمِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )186‬فََأ ْ‬
‫سمَاءِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪ )187‬قَالَ رَبّي أَعْلَمُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪َ )188‬فكَذّبُوهُ‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫عَلَيْنَا كِ َ‬
‫عظِيمٍ (‪ )189‬إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَ َي ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُمْ‬
‫عذَابُ َيوْمِ الظّلّةِ إِنّهُ كَانَ عَذَابَ َيوْمٍ َ‬
‫خذَهُمْ َ‬
‫فَأَ َ‬
‫ُم ْؤمِنِينَ (‪ )190‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)191‬‬

‫عدُونَ [وَ َتصُدّونَ عَنْ‬


‫ل صِرَاطٍ تُو ِ‬
‫‪ :‬يعني ‪ :‬قطع الطريق ‪ ،‬كما في الية الخرى ‪ { :‬وَل َتقْعُدُوا ِب ُك ّ‬
‫سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ] } (‪[ )1‬العراف ‪.]86 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خَلقَكُ ْم وَا ْلجِبِلّ َة الوّلِينَ } ‪ :‬يخوفهم بأس ال الذي خلقهم وخلق آباءهم‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ّتقُوا الّذِي َ‬
‫الوائل ‪ ،‬كما قال موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ { :‬رَ ّبكُ ْم وَ َربّ آبَا ِئكُ ُم الوّلِينَ } [الصافات ‪ .]126 :‬قال‬
‫ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬وسفيان بن عيينة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ { :‬وَالْجِبِلّةَ‬
‫ضلّ مِ ْنكُمْ جِبِل كَثِيرًا } [يس ‪.]62 :‬‬
‫الوّلِينَ } يقول ‪ :‬خلق الولين‪ .‬وقرأ ابن زيد ‪ { :‬وََلقَدْ َأ َ‬
‫{ قَالُوا إِ ّنمَا أَ ْنتَ مِنَ ا ْل ُمسَحّرِينَ (‪َ )185‬ومَا أَ ْنتَ إِل َبشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُ ّنكَ َلمِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪)186‬‬
‫سمَاءِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪ )187‬قَالَ رَبّي أَعَْلمُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪)188‬‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫سقِطْ عَلَيْنَا ِك َ‬
‫فَأَ ْ‬
‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُ ُهمْ‬
‫عظِيمٍ (‪ )189‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫عذَابُ َيوْمِ الظّلّةِ إِنّهُ كَانَ عَذَابَ َيوْمٍ َ‬
‫َفكَذّبُوهُ فَأَخَ َذهُمْ َ‬
‫ُم ْؤمِنِينَ (‪ )190‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪.} )191‬‬
‫يخبر تعالى عن جواب قومه له بمثل ما أجابت به ثمود لرسولها (‪ - )2‬تشابهت قلوبهم ‪ -‬حيث‬
‫قالوا ‪ { :‬إِ ّنمَا أَ ْنتَ مِنَ ا ْل ُمسَحّرِينَ } يعنون ‪ :‬من المسحورين ‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫{ َومَا أَ ْنتَ إِل بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ َنظُ ّنكَ َلمِنَ ا ْلكَاذِبِينَ } أي ‪ :‬تتعمد الكذب فيما تقوله ‪ ،‬ل أن ال‬
‫أرسلك إلينا‪.‬‬
‫سمَاءِ } ‪ :‬قال الضحاك ‪ :‬جانبا من السماء‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬قطعا من‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫سقِطْ عَلَيْنَا كِ َ‬
‫{ فََأ ْ‬
‫السماء‪ .‬وقال السدي ‪ :‬عذابًا من السماء‪ .‬وهذا شبيه بما قالت قريش فيما أخبر ال عنهم في قوله‬
‫سقِطَ‬
‫تعالى ‪َ { :‬وقَالُوا لَنْ ُن ْؤمِنَ َلكَ حَتّى َتفْجُرَ لَنَا مِنَ ال ْرضِ يَنْبُوعًا } ‪ ،‬إلى أن قالوا ‪َ { :‬أوْ تُ ْ‬
‫سفًا َأوْ تَأْ ِتيَ بِاللّ ِه وَا ْلمَل ِئكَةِ قَبِيل } [السراء ‪ .]92 - 90 :‬وقوله ‪:‬‬
‫ع ْمتَ عَلَيْنَا كِ َ‬
‫سمَاءَ َكمَا زَ َ‬
‫ال ّ‬
‫سمَاءِ َأوِ ائْتِنَا ِبعَذَابٍ‬
‫حجَا َرةً مِنَ ال ّ‬
‫حقّ مِنْ عِنْ ِدكَ فََأمْطِرْ عَلَيْنَا ِ‬
‫{ وَإِذْ قَالُوا الّلهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا ُهوَ الْ َ‬
‫سمَاءِ إِنْ كُ ْنتَ‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫سقِطْ عَلَيْنَا كِ َ‬
‫أَلِيمٍ } [النفال ‪ ، ]32 :‬وهكذا قال هؤلء الكفرة الجهلة ‪ { :‬فَأَ ْ‬
‫مِنَ الصّا ِدقِينَ }‪.‬‬
‫{ قَالَ رَبّي أَعْلَمُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ } يقول ‪ :‬ال أعلم بكم ‪ ،‬فإن كنتم تستحقون ذلك جازاكم به غير ظالم‬
‫خذَ ُهمْ عَذَابُ َيوْمِ‬
‫لكم ‪ ،‬وكذلك وقع بهم كما سألوا ‪ ،‬جزا ًء وفاقًا ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬فكَذّبُوهُ فَأَ َ‬
‫عظِيمٍ } وهذا من جنس ما سألوا ‪ ،‬من إسقاط الكسف عليهم ‪ ،‬فإن ال ‪،‬‬
‫الظّلّةِ إِنّهُ كَانَ عَذَابَ َيوْمٍ َ‬
‫سبحانه وتعالى ‪ ،‬جعل عقوبتهم (‪ )3‬أن أصابهم حر شديد جدا مدة سبعة أيام ل َيكُنّهم منه شيء ‪،‬‬
‫ثم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لرسلها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عقوبته"‪.‬‬

‫( ‪)6/160‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أقبلت إليهم سحابة أظلتهم ‪ ،‬فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بظلها من الحر ‪ ،‬فلما اجتمعوا [كلهم]‬
‫(‪ )1‬تحتها أرسل ال تعالى عليهم منها شررًا من نار ‪ ،‬ولهبا ووهجًا عظيمًا ‪ ،‬ورجفت بهم‬
‫عظِيمٍ }‪.‬‬
‫الرض وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّهُ كَانَ عَذَابَ َيوْمٍ َ‬
‫وقد ذكر ال تعالى صفة إهلكهم في ثلثة مواطن (‪ )2‬كل موطن بصفة تناسب ذلك السياق ‪ ،‬ففي‬
‫العراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ؛ وذلك لنهم قالوا ‪ { :‬لَنُخْ ِرجَ ّنكَ يَا‬
‫ب وَالّذِينَ آمَنُوا َم َعكَ مِنْ قَرْيَتِنَا َأوْ لَ َتعُودُنّ فِي مِلّتِنَا } [العراف ‪ ، ]88 :‬فأرجفوا بنبي ال‬
‫شعَ ْي ُ‬
‫ُ‬
‫خ َذتِ الّذِينَ ظََلمُوا الصّيْحَةُ } [هود ‪]94 :‬‬
‫ومن اتبعه ‪ ،‬فأخذتهم الرجفة‪ .‬وفي سورة هود قال ‪ { :‬وَأَ َ‬
‫؛ وذلك لنهم استهزؤوا بنبي ال في قولهم ‪َ { :‬أصَل ُتكَ تَ ْأمُ ُركَ أَنْ نَتْ ُركَ مَا َيعْبُدُ آبَاؤُنَا َأوْ أَنْ َن ْفعَلَ‬
‫ك ل ْنتَ الْحَلِيمُ الرّشِيدُ } [هود ‪ .]87 :‬قالوا ذلك على سبيل التهكم‬
‫فِي َأ ْموَالِنَا مَا َنشَاءُ إِ ّن َ‬
‫حةُ } (‪)3‬‬
‫خ َذتِ الّذِينَ ظََلمُوا الصّيْ َ‬
‫والزدراء ‪ ،‬فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَأَ َ‬
‫سمَاءِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ } على وجه التعنت والعناد ‪،‬‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫سقِطْ عَلَيْنَا كِ َ‬
‫وهاهنا قالوا ‪ { :‬فَأَ ْ‬
‫فناسب أن يحق عليهم ما استبعدوا وقوعه‪.‬‬
‫عذَابَ َيوْمٍ عَظِيمٍ }‪.‬‬
‫{ فََأخَذَ ُهمْ عَذَابُ َيوْمِ الظّلّةِ إِنّهُ كَانَ َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬قال عبد ال بن عمر (‪ )4‬رضي ال عنه ‪ :‬إن ال سلط عليهم الحر سبعة أيام حتى ما‬
‫يظلهم منه شيء ‪ ،‬ثم إن ال أنشأ لهم سحابة ‪ ،‬فانطلق إليها أحدهم واستظل (‪ )5‬بها ‪ ،‬فأصاب‬
‫تحتها بردًا وراحة ‪ ،‬فأعلم بذلك قومه ‪ ،‬فأتوها جميعا ‪ ،‬فاستظلوا تحتها ‪ ،‬فأجّجتْ عليهم نارًا‪.‬‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وهكذا روي عن ِ‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬بعث ال إليهم الظلة ‪ ،‬حتى إذا اجتمعوا كلهم ‪ ،‬كشف ال‬
‫عنهم الظلة ‪ ،‬وأحمى عليهم الشمس ‪ ،‬فاحترقوا كما يحترق الجراد في الَمقْلَى‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب القُرَظيّ ‪ :‬إن أهل مدين عذبوا بثلثة أصناف من العذاب ‪ :‬أخذتهم الرجفة‬
‫في دارهم حتى خرجوا منها ‪ ،‬فلما خرجوا منها أصابهم فزع شديد ‪َ ،‬ففَرقُوا أن يدخلوا إلى البيوت‬
‫فتسقط عليهم ‪ ،‬فأرسل ال عليهم الظلة ‪ ،‬فدخل تحتها رجل فقال ‪ :‬ما رأيت كاليوم ظل (‪ )6‬أطيب‬
‫ول أبرد من هذا‪ .‬هلموا أيها الناس‪ .‬فدخلوا جميعًا تحت الظلة ‪ ،‬فصاح بهم صيحة واحدة ‪ ،‬فماتوا‬
‫عظِيمٍ }‪.‬‬
‫عذَابُ َيوْمِ الظّلّةِ إِنّهُ كَانَ عَذَابَ َيوْمٍ َ‬
‫خذَهُمْ َ‬
‫جميعًا‪ .‬ثم تل محمد بن كعب ‪ { :‬فَأَ َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني الحارث ‪ ،‬حدثني الحسن ‪ ،‬حدثني سعيد بن زيد ‪ -‬أخو حماد بن زيد ‪-‬‬
‫خذَهُمْ‬
‫حدثني حاتم بن أبي صغيرة (‪ )7‬حدثني يزيد الباهلي ‪ :‬سألت ابن عباس ‪ ،‬عن هذه الية { فَأَ َ‬
‫عذَابَ َي ْومٍ عَظِيمٍ } قال ‪ :‬بعث ال عليهم َومَ َدةً (‪ )8‬وحرا شديدا ‪ ،‬فأخذ‬
‫عَذَابُ َيوْمِ الظّلّةِ إِنّهُ كَانَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬مواضع"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬فأخذتهم الصيحة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فاستظل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬ما رأيت ظل كاليوم"‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ضفيرة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬رعدة"‪.‬‬

‫( ‪)6/161‬‬

‫وَإِنّهُ لَتَنْزِيلُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )192‬نَ َزلَ بِهِ الرّوحُ الَْأمِينُ (‪ )193‬عَلَى قَلْ ِبكَ لِ َتكُونَ مِنَ ا ْلمُنْذِرِينَ (‬
‫‪ )194‬بِِلسَانٍ عَرَ ِبيّ مُبِينٍ (‪)195‬‬

‫بأنفاسهم [فدخلوا البيوت ‪ ،‬فدخل عليهم أجواف البيوت ‪ ،‬فأخذ بأنفاسهم] (‪ )1‬فخرجوا من البيوت‬
‫هرابًا إلى البرية ‪ ،‬فبعث ال سحابة فأظلتهم من الشمس ‪ ،‬فوجدوا لها بردًا ولذة ‪ ،‬فنادى بعضهم‬
‫بعضا ‪ ،‬حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسلها (‪ )2‬ال عليهم نارا‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬فذلك عذاب يوم‬
‫الظلة ‪ ،‬إنه كان عذاب يوم عظيم (‪.)3‬‬
‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُم ْؤمِنِينَ‪ .‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ } ‪ :‬أي ‪ :‬العزيز في‬
‫{ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫انتقامه من الكافرين ‪ ،‬الرحيم بعباده المؤمنين‪.‬‬
‫ح المِينُ (‪ )193‬عَلَى قَلْ ِبكَ لِ َتكُونَ مِنَ ا ْلمُنْذِرِينَ (‬
‫{ وَإِنّهُ لَتَنزيلُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )192‬نزلَ بِهِ الرّو ُ‬
‫‪ )194‬بِِلسَانٍ عَرَ ِبيّ مُبِينٍ (‪.} )195‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن الكتاب الذي أنزله على عبده ورسوله محمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪:‬‬
‫{ وإنه } أي ‪ :‬القرآن الذي تقدم ذكره في أول السورة في قوله ‪َ { :‬ومَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ِذكْرٍ مِنَ‬
‫حمَنِ ُمحْ َدثٍ } [الية]‪ { )4( .‬لَتَنزيلُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬أنزله ال عليك وأوحاه إليك‪.‬‬
‫الرّ ْ‬
‫{ نزلَ بِهِ الرّوحُ المِينُ } ‪ :‬وهو جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قاله غير واحد من السلف ‪ :‬ابن عباس ‪،‬‬
‫ومحمد بن كعب ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعطية العوفي ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وابن جريج‪.‬‬
‫وهذا ما ل نزاع فيه‪.‬‬
‫ع ُدوّا لِجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْ ِبكَ بِإِذْنِ اللّهِ } الية[البقرة‬
‫قال الزهري ‪ :‬وهذه كقوله { ُقلْ مَنْ كَانَ َ‬
‫‪.]97 :‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬من كلمه الروح المين ل تأكله (‪ )5‬الرض‪.‬‬
‫{ عَلَى قَلْ ِبكَ لِ َتكُونَ مِنَ ا ْلمُنْذِرِينَ } [ أي ‪ :‬نزل به ملك كريم أمين ‪ ،‬ذو مكانة عند ال ‪ ،‬مطاع في‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المل العلى ‪ { ،‬عَلَى قَلْ ِبكَ } يا محمد ‪ ،‬سالمًا من الدنس والزيادة والنقص ؛ { لِ َتكُونَ مِنَ ا ْلمُنْذِرِينَ‬
‫} ] (‪ )6‬أي ‪ :‬لتنذر به بأس ال ونقمته على من خالفه وكذبه ‪ ،‬وتبشر به المؤمنين المتبعين له‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬بِِلسَانٍ عَرَ ِبيّ مُبِينٍ } أي ‪ :‬هذا القرآن الذي أنزلناه إليك [أنزلناه] (‪ )7‬بلسانك العربي‬
‫الفصيح الكامل الشامل ‪ ،‬ليكون بَيّنًا واضحًا ظاهرًا ‪ ،‬قاطعًا للعذر ‪ ،‬مقيمًا للحجة ‪ ،‬دليل إلى‬
‫المحجة‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن أبي بكر العَتَكيّ ‪ ،‬حدثنا عباد بن عباد الُمهَلّبي ‪،‬‬
‫عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬بينما رسول ال صلى ال عليه وسلم مع‬
‫أصحابه في يوم دَجْن إذ قال لهم ‪" :‬كيف ترون بواسقها ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬ما أحسنها وأشد تراكمها‪ .‬قال‬
‫جوْنَها (‪ )8‬؟"‪.‬‬
‫‪" :‬فكيف ترون قواعدها ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬ما أحسنها وأشد تمكنها‪ .‬قال ‪" :‬فكيف ترون َ‬
‫قالوا ‪ :‬ما أحسنه وأشد سواده‪ .‬قال ‪" :‬فكيف ترون رحاها استدارت (‪ )9‬؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬ما أحسنها‬
‫وأشد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أرسل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)19/67‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬ل يأكله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حرنا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬رحلها استدار"‪.‬‬

‫( ‪)6/162‬‬

‫وَإِنّهُ َلفِي زُبُرِ الَْأوّلِينَ (‪َ )196‬أوَلَمْ َيكُنْ َل ُهمْ آَيَةً أَنْ َيعَْلمَهُ عَُلمَاءُ بَنِي ِإسْرَائِيلَ (‪ )197‬وََلوْ نَزّلْنَاهُ‬
‫سَلكْنَاهُ فِي قُلُوبِ‬
‫جمِينَ (‪َ )198‬فقَرََأهُ عَلَ ْيهِمْ مَا كَانُوا بِهِ ُمؤْمِنِينَ (‪ )199‬كَذَِلكَ َ‬
‫عَ‬‫عَلَى َب ْعضِ الْأَ ْ‬
‫شعُرُونَ (‬
‫ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪ )200‬لَا ُي ْؤمِنُونَ ِبهِ حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ الْأَلِيمَ (‪ )201‬فَيَأْتِ َيهُمْ َبغْتَ ًة وَ ُهمْ لَا َي ْ‬
‫‪ )202‬فَ َيقُولُوا َهلْ َنحْنُ مُنْظَرُونَ (‪َ )203‬أفَ ِبعَذَابِنَا َيسْ َتعْجِلُونَ (‪َ )204‬أفَرَأَ ْيتَ إِنْ مَ ّتعْنَا ُهمْ سِنِينَ (‬
‫‪ُ )205‬ثمّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (‪)206‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شقّا (‪ )2‬؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬بل يشق‬
‫خفْو (‪ )1‬أم َيشُق َ‬
‫استدارتها‪ .‬قال ‪" :‬فكيف ترون برقها ‪ ،‬أومَيض أم َ‬
‫شقًا‪ .‬قال ‪" :‬الحياء الحياء إن شاء ال"‪ .‬قال ‪ :‬فقال رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬بأبي وأمي ما‬
‫أفصحك ‪ ،‬ما رأيت الذي هو أعربُ منك‪ .‬قال ‪ :‬فقال ‪ " :‬حق لي ‪ ،‬وإنما أنزل (‪ )3‬القرآن بلساني‬
‫‪ ،‬وال يقول ‪ { :‬بِِلسَانٍ عَرَ ِبيّ مُبِينٍ } (‪.)4‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬لم ينزل وحي إل بالعربية ‪ ،‬ثم تَرْجم كل نبي لقومه ‪ ،‬واللسان يوم القيامة‬
‫بالسريانية ‪َ ،‬فمَنْ دخل الجنة تكلم بالعربية‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫{ وَإِنّهُ َلفِي زُبُ ِر الوّلِينَ (‪َ )196‬أوََلمْ َيكُنْ َلهُمْ آيَةً أَنْ َيعَْلمَهُ عَُلمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (‪ )197‬وََلوْ نزلْنَاهُ‬
‫جمِينَ (‪َ )198‬فقَرََأهُ عَلَ ْي ِهمْ مَا كَانُوا بِهِ ُم ْؤمِنِينَ (‪.} )199‬‬
‫عَلَى َب ْعضِ العْ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وإنّ ِذكْر هذا القرآن والتنويه به لموجود في كتب الولين المأثورة عن أنبيائهم ‪،‬‬
‫الذين بشروا به في قديم الدهر وحديثه ‪ ،‬كما أخذ ال عليهم الميثاق بذلك ‪ ،‬حتى قام آخرهم خطيبًا‬
‫في ملئه بالبشارة بأحمد ‪ { :‬وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْ َيمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنّي رَسُولُ اللّهِ ِإلَ ْيكُمْ ُمصَ ّدقًا‬
‫حمَدُ } [الصف ‪ ، ]6 :‬والزبر هاهنا‬
‫سمُهُ َأ ْ‬
‫ِلمَا بَيْنَ يَ َديّ مِنَ ال ّتوْرَاةِ َومُبَشّرًا بِ َرسُولٍ يَأْتِي مِنْ َبعْدِي ا ْ‬
‫شيْءٍ‬
‫هي الكتب وهي جمع زَبُور (‪ ، )5‬وكذلك الزبور ‪ ،‬وهو كتاب داود‪ .‬وقال تعالى ‪َ { :‬و ُكلّ َ‬
‫َفعَلُوهُ فِي الزّبُرِ } [القمر ‪ ]52 :‬أي ‪ :‬مكتوب عليهم في صحف الملئكة‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬أوََلمْ َيكُنْ َلهُمْ آيَةً أَنْ َيعَْل َمهُ عَُلمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي ‪ :‬أو ليس يكفيهم من الشاهد‬
‫الصادق على ذلك ‪ :‬أن العلماء من بني إسرائيل يجدون ذكر هذا القرآن في كتبهم التي‬
‫يدرسونها ؟ والمراد ‪ :‬العدول منهم ‪ ،‬الذين يعترفون بما في أيديهم من صفة محمد صلى ال عليه‬
‫عمّنْ‬
‫وسلم ومبعثه وأمته ‪ ،‬كما أخبر بذلك مَنْ آمن منهم كعبد ال بن سلم ‪ ،‬وسلمان الفارسي ‪َ ،‬‬
‫ي ال ّميّ الّذِي َيجِدُونَهُ‬
‫أدركه منهم ومَنْ شاكلهم‪ .‬وقال ال تعالى ‪ { :‬الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ الرّسُولَ النّ ِب ّ‬
‫َمكْتُوبًا عِ ْندَهُمْ فِي ال ّتوْرَا ِة وَالنْجِيلِ } الية [العراف ‪.]157 :‬‬
‫ثم قال تعالى مخبرًا عن شدة كفر قريش وعنادهم لهذا القرآن ؛ أنه لو أنزله على رجل من‬
‫العاجم ‪ِ ،‬ممّنْ ل يدري من العربية كلمة ‪ ،‬وأنزل عليه هذا الكتاب ببيانه وفصاحته ‪ ،‬ل يؤمنون‬
‫جمِينَ‪َ .‬فقَرََأهُ عَلَ ْيهِمْ مَا كَانُوا ِبهِ ُم ْؤمِنِينَ } ‪ ،‬كما‬
‫به ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وََلوْ نزلْنَاهُ عَلَى َب ْعضِ العْ َ‬
‫سمَاءِ َفظَلّوا فِيهِ َيعْرُجُونَ‪َ .‬لقَالُوا إِ ّنمَا‬
‫أخبر عنهم في الية الخرى ‪ { :‬وَلَوْ فَ َتحْنَا عَلَ ْيهِمْ بَابًا مِنَ ال ّ‬
‫سكّ َرتْ أَ ْبصَارُنَا َبلْ نَحْنُ َقوْمٌ َمسْحُورُونَ } [الحجر ‪ ]15 ، 14 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلوْ أَنّنَا نزلْنَا‬
‫ُ‬
‫شيْءٍ قُبُل مَا كَانُوا لِ ُي ْؤمِنُوا إِل أَنْ َيشَاءَ اللّهُ }‬
‫علَ ْيهِمْ ُكلّ َ‬
‫إِلَ ْيهِمُ ا ْلمَل ِئكَةَ َوكَلّ َمهُمُ ا ْل َموْتَى وَحَشَرْنَا َ‬
‫حقّتْ عَلَ ْيهِمْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ‪ .‬وََلوْ جَاءَ ْت ُهمْ ُكلّ آيَةٍ حَتّى‬
‫[النعام ‪ ، ]111 :‬وقال ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َ‬
‫يَ َروُا ا ْلعَذَابَ اللِيمَ } [يونس ‪.]97 ، 96 :‬‬
‫{ َكذَِلكَ سََلكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ا ْل ُمجْ ِرمِينَ (‪ )200‬ل ُي ْؤمِنُونَ ِبهِ حَتّى يَ َروْا ا ْلعَذَابَ اللِيمَ (‪ )201‬فَيَأْتِ َيهُمْ‬
‫جلُونَ (‪)204‬‬
‫شعُرُونَ (‪ )202‬فَ َيقُولُوا َهلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (‪َ )203‬أفَ ِب َعذَابِنَا يَسْ َتعْ ِ‬
‫َبغْتَ ًة وَهُمْ ل َي ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َأفَرَأَ ْيتَ إِنْ مَ ّتعْنَاهُمْ سِنِينَ (‪ُ )205‬ثمّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (‪} )206‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬خفق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬شقاقا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬نزل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الرامهرمزي في أمثال الحديث ص (‪ )155‬من طريق عبد ال بن محمد الموي ‪ ،‬عن‬
‫عباد بن عباد المهلبي به‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬زبرة"‪.‬‬

‫( ‪)6/163‬‬

‫مَا أَغْنَى عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا ُيمَ ّتعُونَ (‪َ )207‬ومَا أَهَْلكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلّا َلهَا مُنْذِرُونَ (‪ِ )208‬ذكْرَى َومَا كُنّا‬
‫ظَاِلمِينَ (‪)209‬‬

‫{ مَا أَغْنَى عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا ُيمَ ّتعُونَ (‪َ )207‬ومَا أَهَْلكْنَا مِنْ قَرْ َيةٍ إِل َلهَا مُنْذِرُونَ (‪ِ )208‬ذكْرَى َومَا‬
‫كُنّا ظَاِلمِينَ (‪.} )209‬‬

‫( ‪)6/163‬‬

‫يقول تعالى ‪ :‬كذلك سلكنا التكذيب والكفر والجحود والعناد ‪ ،‬أي ‪ :‬أدخلناه في قلوب المجرمين‪.‬‬
‫{ ل ُي ْؤمِنُونَ ِبهِ } أي ‪ :‬بالحق { حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ اللِيمَ } أي ‪ :‬حيث ل ينفع الظالمين معذرتهم ‪،‬‬
‫ولهم اللعنة ولهم سوء الدار‪.‬‬
‫شعُرُونَ‪ .‬فَ َيقُولُوا َهلْ َنحْنُ مُنْظَرُونَ } ؟ أي ‪:‬‬
‫{ فَيَأْتِ َيهُمْ َبغْتَةً } أي ‪ :‬عذاب ال بغتة ‪ { ،‬وَهُمْ ل َي ْ‬
‫يتمنون حين يشاهدون العذاب أن لو أنظروا قليل ليعملوا [من فزعهم] (‪ )1‬بطاعة ال ‪ ،‬كما قال‬
‫جبْ‬
‫جلٍ قَرِيبٍ نُ ِ‬
‫تعالى ‪ { :‬وَأَنْذِرِ النّاسَ َيوْمَ يَأْتِيهِمُ ا ْلعَذَابُ فَ َيقُولُ الّذِينَ ظََلمُوا رَبّنَا َأخّرْنَا إِلَى أَ َ‬
‫سمْ ُتمْ مِنْ قَ ْبلُ مَا َلكُمْ مِنْ َزوَالٍ } [إبراهيم ‪ ، ]44 :‬فكل ظالم‬
‫سلَ َأوَلَمْ َتكُونُوا َأقْ َ‬
‫ك وَنَتّبِعِ الرّ ُ‬
‫عوَ َت َ‬
‫دَ ْ‬
‫وفاجر وكافر إذا شاهد عقوبته ‪ ،‬ندم ندمًا شديدًا هذا فرعون لما دعا عليه الكليم بقوله ‪ { :‬رَبّنَا‬
‫طمِسْ عَلَى‬
‫ن َومَلهُ زِي َن ًة وََأ ْموَال فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا رَبّنَا لِ ُيضِلّوا عَنْ سَبِيِلكَ رَبّنَا ا ْ‬
‫عوْ َ‬
‫إِ ّنكَ آتَ ْيتَ فِرْ َ‬
‫عوَ ُت ُكمَا [ فَاسْ َتقِيمَا‬
‫َأ ْموَاِلهِ ْم وَاشْ ُددْ عَلَى قُلُو ِبهِمْ فَل ُي ْؤمِنُوا حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ اللِيمَ قَالَ قَدْ ُأجِي َبتْ دَ ْ‬
‫وَل تَتّ ِبعَانّ سَبِيلَ الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ ] } (‪[ )2‬يونس ‪ ، ]89 ، 88 :‬فأثرت هذه الدعوة في فرعون ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فما آمن حتى رأى العذاب الليم ‪ { ،‬حَتّى إِذَا أَدْ َركَهُ ا ْلغَرَقُ قَالَ آمَ ْنتُ أَنّهُ ل ِإلَهَ إِل الّذِي آمَ َنتْ بِهِ‬
‫ل َوكُنْتَ مِنَ ا ْل ُمفْسِدِينَ } [يونس ‪، 90 :‬‬
‫عصَ ْيتَ قَ ْب ُ‬
‫ن َوقَدْ َ‬
‫ل وَأَنَا مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ‪ .‬آل َ‬
‫بَنُو إِسْرَائِي َ‬
‫ح َدهُ َوكَفَرْنَا ِبمَا كُنّا بِهِ مُشْ ِركِينَ * فَلَمْ َيكُ يَ ْن َف ُعهُمْ‬
‫‪ ، ] 91‬وقال ‪ { :‬فََلمّا َرَأوْا بَ ْأسَنَا قَالُوا آمَنّا بِاللّ ِه وَ ْ‬
‫إِيمَا ُنهُمْ َلمّا رََأوْا بَأْسَنَا } [غافر ‪ ]85 ، 84 :‬الية‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪َ { :‬أفَ ِبعَذَابِنَا َيسْ َتعْجِلُونَ } ‪ :‬إنكار عليهم ‪ ،‬وتهديد لهم ؛ فإنهم كانوا يقولون للرسول‬
‫تكذيبًا واستبعادًا ‪ { :‬ائْتِنَا ِبعَذَابِ اللّهِ } [العنكبوت ‪ ، ] 29 :‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَيَسْ َت ْعجِلُو َنكَ‬
‫بِا ْلعَذَابِ } الية‪[.‬العنكبوت ‪.] 53 :‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬أفَرَأَ ْيتَ إِنْ مَ ّتعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمّ جَا َءهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا‬
‫ُيمَ ّتعُونَ } أي ‪ :‬لو أخرناهم وأنظرناهم ‪ ،‬وأملينا لهم برهة من الزمان وحينًا من الدهر وإن طال ‪،‬‬
‫ثم جاءهم أمر ال ‪ ،‬أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعم ‪ { ،‬كَأَ ّن ُهمْ َيوْمَ يَ َروْ َنهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِل‬
‫حدُهُمْ َلوْ ُي َعمّرُ أَ ْلفَ سَنَ ٍة َومَا ُهوَ‬
‫ضحَاهَا } [النازعات ‪ ، ]46 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ي َودّ أَ َ‬
‫عَشِيّةً َأوْ ُ‬
‫ِبمُزَحْ ِزحِهِ مِنَ ا ْلعَذَابِ أَنْ ُي َعمّرَ } [البقرة ‪ ، ]96 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ومَا ُيغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَ َردّى }‬
‫[الليل ‪ ]11 :‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬مَا أَغْنَى عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا ُيمَ ّتعُونَ }‪.‬‬
‫وفي الحديث الصحيح ‪" :‬يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة (‪ ، )3‬ثم يقال له ‪ :‬هل رأيت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬فيغمس غمسة في النار"‪.‬‬

‫( ‪)6/164‬‬

‫سمْعِ َل َمعْزُولُونَ (‬
‫َومَا تَنَزَّلتْ ِبهِ الشّيَاطِينُ (‪َ )210‬ومَا يَنْ َبغِي َلهُ ْم َومَا يَسْ َتطِيعُونَ (‪ )211‬إِ ّنهُمْ عَنِ ال ّ‬
‫‪ )212‬فَلَا َت ْدعُ مَعَ اللّهِ إَِلهًا َآخَرَ فَ َتكُونَ مِنَ ا ْل ُمعَذّبِينَ (‪ )213‬وَأَنْذِرْ عَشِيرَ َتكَ الَْأقْرَبِينَ (‪)214‬‬
‫ص ْوكَ َفقُلْ إِنّي بَرِيءٌ ِممّا َت ْعمَلُونَ (‪)216‬‬
‫ع َ‬
‫حكَ ِلمَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ (‪ )215‬فَإِنْ َ‬
‫خ ِفضْ جَنَا َ‬
‫وَا ْ‬
‫وَ َتوَ ّكلْ عَلَى ا ْلعَزِيزِ الرّحِيمِ (‪ )217‬الّذِي يَرَاكَ حِينَ َتقُومُ (‪ )218‬وَتَقَلّ َبكَ فِي السّاجِدِينَ (‪ )219‬إِنّهُ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪)220‬‬
‫ُهوَ ال ّ‬

‫خيرًا قط ؟ هل رأيت نعيمًا قط ؟ فيقول ‪ :‬ل [وال يا رب] (‪ .)1‬ويؤتى بأشد الناس بؤسًا كان في‬
‫الدنيا ‪ ،‬فيصبغ في الجنة صبغة ‪ ،‬ثم يقال له ‪ :‬هل رأيت بؤسًا قط ؟ فيقول ‪ :‬ل وال يا رب" أي ‪:‬‬
‫ما كأن شيئًا كان (‪ )2‬؛ ولهذا كان عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه يتمثل بهذا البيت ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كأنّك لَمْ تُوتِر من الدّهْر لَيَْلةً‪ ...‬إذا أ ْنتَ أدْ َر ْكتَ الذي كنتَ تَطُْلبُ‪...‬‬
‫ثم قال ال تعالى مخبرًا عن عدله في خلقه ‪ :‬أنّه ما أهلك أمة من المم إل بعد العذار إليهم ‪،‬‬
‫والنذار لهم وبعثة الرسل إليهم وقيام الحجج عليهم ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا أَهَْلكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِل َلهَا‬
‫مُنْذِرُونَ‪ِ .‬ذكْرَى َومَا كُنّا ظَاِلمِينَ } كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا كُنّا ُمعَذّبِينَ حَتّى نَ ْب َعثَ رَسُول }‬
‫[السراء ‪ ، ]15 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ومَا كَانَ رَ ّبكَ ُمهِْلكَ ا ْلقُرَى حَتّى يَ ْب َعثَ فِي ُأ ّمهَا رَسُول يَتْلُو‬
‫عَلَ ْيهِمْ آيَاتِنَا [ َومَا كُنّا ُمهِْلكِي ا ْلقُرَى إِل (‪ ] )3‬وَأَهُْلهَا ظَاِلمُونَ } [القصص ‪.]59 :‬‬
‫س ْمعِ َل َمعْزُولُونَ‬
‫{ َومَا تَنزَلتْ بِهِ الشّيَاطِينُ (‪َ )210‬ومَا يَنْ َبغِي َلهُمْ َومَا َيسْتَطِيعُونَ (‪ )211‬إِ ّن ُهمْ عَنِ ال ّ‬
‫(‪} )212‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن كتابه العزيز ‪ ،‬الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪ ،‬تنزيل من‬
‫حكيم حميد ‪ :‬أنه نزل به الروح المين المؤيد من ال ‪َ { ،‬ومَا تَنزَلتْ بِهِ الشّيَاطِينُ }‪ .‬ثم ذكر أنه‬
‫يمتنع عليهم من ثلثة أوجه ‪ ،‬أحدها ‪ :‬أنه ما (‪ )4‬ينبغي لهم ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس هو من ُبغْيتهم ول من‬
‫طلبتهم ؛ لن من سجاياهم الفساد وإضلل العباد ‪ ،‬وهذا فيه المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪،‬‬
‫ونور وهدى وبرهان عظيم ‪ ،‬فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬ومَا يَنْ َبغِي‬
‫َلهُمْ }‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا يَسْ َتطِيعُونَ } أي ‪ :‬ولو انبغى لهم لما استطاعوا ذلك ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ { :‬لوْ أَنزلْنَا‬
‫خشْيَةِ اللّهِ } [الحشر ‪.]21 :‬‬
‫شعًا مُ َتصَدّعًا مِنْ َ‬
‫هَذَا ا ْلقُرْآنَ عَلَى جَ َبلٍ لَرَأَيْ َتهُ خَا ِ‬
‫ثم بين أنه لو انبغى (‪ )5‬لهم واستطاعوا حمله وتأديته ‪ ،‬لما وصلوا إلى ذلك ؛ لنهم بمعزل عن‬
‫استماع القرآن حال نزوله ؛ لن السماء ملئت حرسًا شديدًا وشهبا في مُدّة إنزال القرآن على‬
‫رسوله ‪ ،‬فلم يخلص أحد من الشياطين إلى استماع حرف واحد منه ‪ ،‬لئل يشتبه المر‪ .‬وهذا من‬
‫سمْعِ‬
‫رحمة ال بعباده ‪ ،‬وحفظه لشرعه ‪ ،‬وتأييده لكتابه ولرسوله ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِ ّن ُهمْ عَنِ ال ّ‬
‫شدِيدًا‬
‫جدْنَاهَا مُلِ َئتْ حَرَسًا َ‬
‫سمَاءَ َفوَ َ‬
‫َل َمعْزُولُونَ } ‪ ،‬كما قال تعالى مخبرًا عن الجن ‪ { :‬وَأَنّا َلمَسْنَا ال ّ‬
‫شهَابًا َرصَدًا * وَأَنّا ل نَدْرِي‬
‫سمْعِ َفمَنْ يَسْ َت ِمعِ النَ يَجِدْ لَهُ ِ‬
‫شهُبًا * وَأَنّا كُنّا َن ْقعُدُ مِ ْنهَا مَقَاعِدَ لِل ّ‬
‫وَ ُ‬
‫أَشَرّ أُرِيدَ ِبمَنْ فِي ال ْرضِ َأمْ أَرَادَ ِبهِمْ رَ ّبهُمْ َرشَدًا } [الجن ‪.]10 - 8 :‬‬
‫خفِضْ‬
‫ك القْرَبِينَ (‪ )214‬وَا ْ‬
‫{ فَل َت ْدعُ َمعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ فَ َتكُونَ مِنَ ا ْل ُم َعذّبِينَ (‪ )213‬وَأَنْذِرْ عَشِيرَ َت َ‬
‫ص ْوكَ َف ُقلْ إِنّي بَرِيءٌ ِممّا َت ْعمَلُونَ (‪ )216‬وَ َتوَ ّكلْ‬
‫ع َ‬
‫حكَ ِلمَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )215‬فَإِنْ َ‬
‫جَنَا َ‬
‫عَلَى ا ْلعَزِيزِ الرّحِيمِ (‪ )217‬الّذِي يَرَاكَ حِينَ َتقُومُ (‪ )218‬وَتَقَلّ َبكَ فِي السّاجِدِينَ (‪ )219‬إِنّهُ ُهوَ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪} )220‬‬
‫ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد في مسنده (‪ )3/203‬من حديث أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪ .‬وفي هـ ‪" :‬إلى قوله"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬ل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬ابتغى"‪.‬‬

‫( ‪)6/165‬‬

‫يقول تعالى آمرًا بعبادته وحده ل شريك له ‪ ،‬ومخبرًا أنّ مَنْ أشرك به عذبه‪.‬‬
‫ثم قال تعالى آمرًا لرسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ )1‬أن ينذر عشيرته القربين ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫الدنين إليه ‪ ،‬وأنه ل يُخَلّص أحدًا منهم إل إيمانهُ بربه عز وجل ‪ ،‬وأمره أن يلين جانبه لمن اتبعه‬
‫من عباد ال المؤمنين‪ .‬ومن عصاه من خلق ال كائنًا مَنْ كان فليتبرأ منه ؛ ولهذا قال ‪ .{ :‬فَإِنْ‬
‫صوْكَ َف ُقلْ إِنّي بَرِيءٌ ِممّا َت ْعمَلُونَ }‪ .‬وهذه النّذارة الخاصة ل تنافي العامة ‪ ،‬بل هي فرد من‬
‫ع َ‬
‫َ‬
‫أجزائها ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬لِتُنْذِرَ َق ْومًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ َفهُمْ غَافِلُونَ } [يس ‪ ، ]6 :‬وقال ‪ { :‬لِتُنْذِرَ أُمّ‬
‫حوَْلهَا } [الشورى ‪ ، ]7 :‬وقال ‪ { :‬وَأَنْذِرْ بِهِ الّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ ُيحْشَرُوا إِلَى رَ ّبهِمْ }‬
‫ا ْلقُرَى َومَنْ َ‬
‫ن وَتُنْذِرَ بِهِ َق ْومًا ُلدّا } [مريم ‪ ، ]97 :‬وقال ‪ { :‬لنْذِ َركُمْ‬
‫[النعام ‪ ، ] 51 :‬وقال ‪ { :‬لِتُبَشّرَ بِهِ ا ْلمُ ّتقِي َ‬
‫بِ ِه َومَنْ بَلَغَ } [النعام ‪ ، ]19 :‬كما قال ‪َ { :‬ومَنْ َيكْفُرْ بِهِ مِنَ الحْزَابِ فَالنّارُ َموْعِ ُدهُ } [هود ‪:‬‬
‫‪.]17‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يسمع بي أحدٌ من هذه المة ‪ ،‬يهودي ول نصراني ‪،‬‬
‫ثم ل يؤمن بي إل دخل النار"‪.‬‬
‫وقد وردت أحاديث كثيرة في نزول هذه الية الكريمة ‪ ،‬فلنذكرها ‪:‬‬
‫الحديث الول ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا عبد ال بن ُنمَيْر ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة ‪ ،‬عن‬
‫عشِيرَ َتكَ القْرَبِينَ } ‪،‬‬
‫سعيد بن جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما أنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬وَأَنْذِرْ َ‬
‫أتى النبي صلى ال عليه وسلم الصفا فصعد عليه ‪ ،‬ثم نادى ‪" :‬يا صباحاه"‪ .‬فاجتمع الناس إليه بين‬
‫رجل يجيء إليه ‪ ،‬وبين رجل يبعث رسوله ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا بني عبد‬
‫المطلب ‪ ،‬يا بني فهر ‪ ،‬يا بني لؤي ‪ ،‬أرأيتم لو أخبرتكم أن خيل بسفح هذا الجبل ‪ ،‬تريد أن تغير‬
‫عليكم ‪ ،‬صدقتموني ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"‪ .‬فقال أبو لهب ‪:‬‬
‫تبّا لك سائر اليوم ‪ ،‬أما دعوتنا إل لهذا ؟ وأنزل ال ‪ { :‬تَ ّبتْ يَدَا أَبِي َل َهبٍ وَ َتبّ } [ المسد ‪.]1 :‬‬
‫ورواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫الحديث الثاني ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثنا هشام ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬وَأَ ْنذِرْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ك القْرَبِينَ } ‪ ،‬قام رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬يا فاطمة ابنة محمد ‪ ،‬يا صفية‬
‫عَشِيرَ َت َ‬
‫ابنة عبد المطلب ‪ ،‬يا بني عبد المطلب ‪ ،‬ل أملك لكم من ال شيئا ‪ ،‬سلوني من مالي ما شئتم"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلوات ال عليه وسلمه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4801‬وصحيح مسلم برقم (‪ )208‬والنسائي في السنن الكبرى برقم‬
‫(‪ )11714‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3363‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )6/187‬وصحيح مسلم برقم (‪.)205‬‬

‫( ‪)6/166‬‬

‫الحديث الثالث ‪:‬‬


‫عمَير ‪ ،‬عن موسى بن‬
‫قال أحمد ‪ :‬حدثنا معاوية بن عمرو ‪ ،‬حدثنا زائدة ‪ ،‬حدثنا عبد الملك بن ُ‬
‫ك القْرَبِينَ‬
‫طلحة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ { :‬وَأَ ْنذِرْ عَشِيرَ َت َ‬
‫} ‪ ،‬دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم [قريشا] (‪ ، )1‬فعمّ وخصّ ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا معشر قريش ‪،‬‬
‫أنقذوا أنفسكم من النار‪ .‬يا معشر بني كعب ‪ ،‬أنقذوا أنفسكم من النار‪ .‬يا معشر بني عبد مناف ‪،‬‬
‫أنقذوا أنفسكم من النار‪ .‬يا معشر بني هاشم ‪ ،‬أنقذوا أنفسكم من النار‪ .‬يا معشر بني عبد المطلب ‪،‬‬
‫أنقذوا أنفسكم من النار‪[ .‬يا فاطمة بنت محمد ‪ ،‬أنقذي نفسك من النار] (‪ ، )2‬فإني ‪ -‬وال ‪ -‬ما‬
‫أملك لكم من ال شيئا ‪ ،‬إل أن لكم رَحمًا سأبُلها بِبللها"‪.‬‬
‫ورواه مسلم والترمذي ‪ ،‬من حديث عبد الملك بن عمير ‪ ،‬به (‪ .)3‬وقال الترمذي ‪ :‬غريب من هذا‬
‫الوجه‪ .‬ورواه النسائي من حديث موسى بن طلحة مرسل لم يذكر فيه أبا هريرة (‪ .)4‬والموصول‬
‫هو الصحيح‪ .‬وأخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬وأبي سلمة‬
‫بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبي هريرة (‪.)5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا محمد ‪ -‬يعني ابن إسحاق ‪ -‬عن أبي الزنَاد ‪ ،‬عن العرج‬
‫‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا بني عبد‬
‫المطلب ‪ ،‬اشتروا أنفسكم من ال‪ .‬يا صفية عمة رسول ال ‪ ،‬ويا فاطمة بنت رسول ال ‪ ،‬اشتريا‬
‫أنفسكما من ال ‪ ،‬ل أُغني عنكما من ال شيئًا ‪ ،‬سلني من مالي ما شئتما"‪.‬‬
‫تفرد به من هذا الوجه (‪ .)6‬وتفرد به أيضا ‪ ،‬عن معاوية ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬عن أبي الزناد ‪ ،‬عن‬
‫العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم بنحوه (‪ .)7‬ورواه أيضًا عن حسن ‪،‬‬
‫ثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن (‪ )8‬العرج ‪ :‬سمعت أبا هريرة مرفوعا (‪.)9‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضمَام بن إسماعيل ‪ ،‬عن موسى بن وَرْدَان ‪،‬‬
‫سوَيد بن سَعيد ‪ ،‬حدثنا (‪ِ )10‬‬
‫وقال أبو يعلى ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا بني ُقصَي ‪ ،‬يا بني هَاشم ‪ ،‬يا بني عبد‬
‫مناف‪ .‬أنا النذير والموت المغير‪ .‬والساعة الموعد" (‪.)11‬‬
‫الحديث الرابع ‪:‬‬
‫قال أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا التيمي ‪ ،‬عن أبي عثمان ‪ ،‬عن قَبِيصة بن ُمخَارق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )2/360‬وصحيح مسلم برقم (‪ )204‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3185‬‬
‫(‪ )4‬سنن النسائي (‪.)6/248‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )4771‬وصحيح مسلم برقم (‪.)206‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)2/448‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)2/398‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬ثنا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)2/350‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )11‬مسند أبي يعلى (‪ )11/10‬وسويد بن سعيد متكلم فيه‪.‬‬

‫( ‪)6/167‬‬

‫عشِيرَ َتكَ القْرَبِينَ } صَعد رسول ال صلى ال عليه‬


‫وزُهَير بن عمرو قال لما نزلت ‪ { :‬وَأَنْذِرْ َ‬
‫ضمَةً من جبل على أعلها حجر ‪ ،‬فجعل ينادي ‪" :‬يا بني عبد مناف ‪ ،‬إنما أنا نذير ‪ ،‬إنما‬
‫وسلم َر ْ‬
‫مثلي ومثلكم كرجل رأى العدو ‪ ،‬فذهب يربأ أهله ‪ ،‬يخشى أن يسبقوه ‪ ،‬فجعل ينادي ويهتف ‪ :‬يا‬
‫صباحاه"‪.‬‬
‫ورواه مسلم والنسائي ‪ ،‬من حديث سليمان بن طِرْخان التيمي ‪ ،‬عن أبي عثمان عبد الرحمن بن‬
‫عمْرو الهللي ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫مُل ال ّنهْديّ ‪ ،‬عن قَبِيصة وزُهيَر بن َ‬
‫الحديث الخامس ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أسود بن عامر ‪ ،‬حدثنا شَرِيك عن العمش ‪ ،‬عن المْنهَال ‪ ،‬عن عباد بن‬
‫عبد ال السدي ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ { :‬وَأَنْذِرْ عَشِيرَ َتكَ‬
‫القْرَبِينَ } جمع النبي صلى ال عليه وسلم من أهل بيته ‪ ،‬فاجتمع ثلثون ‪ ،‬فأكلوا وشربوا قال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضمَنُ عَني ديني ومواعيدي ‪ ،‬ويكون معي في الجنة ‪ ،‬ويكون خليفتي في‬
‫وقال لهم ‪" :‬من َي ْ‬
‫أهلي ؟"‪ .‬فقال رجل ‪ -‬لم يسمه شريك ‪ -‬يا رسول ال ‪ ،‬أنت كنت بحرًا (‪ )2‬من يقوم بهذا ؟ قال‬
‫‪ :‬ثم قال الخر ‪ ،‬قال ‪ :‬فعرض ذلك على أهل بيته ‪ ،‬فقال عَليٌ ‪ :‬أنا (‪.)3‬‬
‫عوَانة ‪ ،‬عن عثمان بن‬
‫طريق أخرى بأبسط من هذا السياق ‪ :‬قال أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫المغيرة ‪ ،‬عن أبي صادق ‪ ،‬عن ربيعة بن ناجذ ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬جمع رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أو دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬بني عبد المطلب ‪ ،‬وهم‬
‫رَهْطٌ ‪ ،‬كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفّرَق ‪ -‬قال ‪ :‬وصنع (‪ )4‬لهم مدًا من طعام فأكلوا حتى‬
‫شبعوا ‪ -‬قال ‪ :‬وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس‪ .‬ثم دعا ب ُغمَرٍ (‪ )5‬فشربوا حتى رووا ‪ ،‬وبقي‬
‫الشراب كأنه لم يمس ‪ -‬أولم يشرب ‪ -‬وقال ‪" :‬يا بني عبد المطلب ‪ ،‬إني بعثت إليكم خاصة وإلى‬
‫الناس عامة ‪ ،‬وقد رأيتم من هذه الية ما رأيتم ‪ ،‬فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ؟"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلم يقم إليه أحد‪ .‬قال ‪ :‬فقمتُ إليه ‪ -‬وكنت أصغر القوم ‪ -‬قال ‪ :‬فقال ‪" :‬اجلس"‪ .‬ثم قال‬
‫ثلث مرات ‪ ،‬كل ذلك أقوم إليه فيقول لي ‪" :‬اجلس"‪ .‬حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي (‬
‫‪.)6‬‬
‫طريق أخرى أغرب وأبسط من هذا السياق بزيادات أخر ‪ :‬قال الحافظ أبو بكر البيهقي في "دلئل‬
‫النبوة" ‪ :‬أخبرنا محمد بن عبد ال الحافظ ‪ ،‬حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ‪ ،‬حدثنا أحمد بن‬
‫عبد الجبار ‪ ،‬حدثنا يُونُس بن ُبكَيْر ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق قال ‪ :‬فحدثني من سمع عبد ال بن‬
‫الحارث بن نوفل ‪ -‬واستكتمني اسمه ‪ -‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه‬
‫عشِيرَ َتكَ القْرَبِينَ‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وَأَنْذِرْ َ‬
‫حكَ ِلمَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ } ‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬عرفت أنّي‬
‫خ ِفضْ جَنَا َ‬
‫وَا ْ‬
‫ت بها قومِي ‪ ،‬رأيت منهم ما أكره ‪،‬‬
‫إن بادأ ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )5/60‬وصحيح مسلم برقم (‪ )207‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11379‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬تجري"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )1/111‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )8/302‬رجال أحمد رجال الصحيح ‪ ،‬غير‬
‫شريك وهو ثقة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فصنع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بعس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )1/159‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )8/302‬رجاله ثقات"‪.‬‬

‫( ‪)6/168‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صمَتّ‪ .‬فجاءني جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك‬
‫َف َ‬
‫ربك"‪ .‬قال علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬فدعاني فقال ‪" :‬يا علي ‪ ،‬إن ال قد أمرني [أن] (‪ )1‬أنذر‬
‫عشيرتي القربين ‪ ،‬فعرفت أني إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره ‪َ ،‬فصَمت عن ذلك ‪ ،‬ثم‬
‫جاءني جبريل فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك‪ .‬فاصنع لنا يا علي شاة على‬
‫صاع من طعام ‪ ،‬وأعدّ لنا عُسّ لبن ‪ ،‬ثم اجمع لي (‪ )2‬بني عبد المطلب"‪ .‬ففعلتُ فاجتمعوا له ‪،‬‬
‫وهم يومئذ أربعون رجل يزيدون رجل أو ينقصون رجل‪ .‬فيهم أعمامه ‪ :‬أبو طالب ‪ ،‬وحمزة ‪،‬‬
‫جفْنَةَ ‪ ،‬فأخذ رسول ال صلى ال عليه‬
‫والعباس ‪ ،‬وأبو لهب الكافر الخبيث‪ .‬فقدّمت إليهم تلك ال َ‬
‫وسلم منها حِذْيَة فشقها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها ‪ ،‬وقال ‪" :‬كلوا بسم ال"‪ .‬فأكل القومُ حتى‬
‫نَهلوا عنه ما يرى إل آثار أصابعهم ‪ ،‬وال إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها‪ .‬ثم قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اسقهم يا علي"‪ .‬فجئت بذلك القَعب فشربوا منه حتى َنهِلُوا جميعًا ‪ ،‬وايم‬
‫ال إن كان الرجل منهم ليشرب مثله‪ .‬فلما أراد رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يكلمهم ‪َ ،‬بدَره‬
‫أبو لهب إلى الكلم فقال ‪َ :‬لهَدّ ما سحركم صاحبكم‪ .‬فتفرقوا ولم يكلّمهم رسول ال صلى ال عليه‬
‫عدْ لنا بمثل الذي كنت‬
‫وسلم‪ .‬فلما كان الغدُ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا علي ‪ُ ،‬‬
‫صنعت بالمس من الطعام والشراب ؛ فإن هذا الرجلّ قد َبدَرني إلى ما سمعتَ قبل أن أكلم‬
‫القوم"‪ .‬ففعلت ‪ ،‬ثم جمعتهم له ‪ ،‬فصنع رسول ال صلى ال عليه وسلم كما صنع بالمس ‪ ،‬فأكلوا‬
‫حتى َنهِلُوا عنه ‪ ،‬وايم ال إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها‪ .‬ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬اسقهم يا علي"‪ .‬فجئت بذلك القَعب فشربوا منه حتى نهلوا جميعًا‪ .‬وايم ال إن كان الرجل منهم‬
‫ليشرب مثله‪ .‬فلما أراد رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يكلمهم َبدَره أبو لهب بالكلم فقال ‪َ :‬ل َهدّ‬
‫ما سحركم صاحبكم‪ .‬فتفرقوا ولم يكلمهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فلما كان الغد قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا علي ‪ ،‬عُدْ لنا بمثل الذي كنت صنعتَ لنا بالمس من الطعام‬
‫والشراب ؛ فإن هذا الرجل قد بَدَرني إلى ما سمعتَ قبل أن أكلم القوم"‪ .‬ففعلت ‪ ،‬ثم جمعتهم له‬
‫فصنع رسول ال صلى ال عليه وسلم [كما صنع] (‪ )3‬بالمس ‪ ،‬فأكلوا حتى نهلوا عنه ‪ ،‬ثم‬
‫سقيتهم من ذلك القعب حتى نهلوا عنه ‪ ،‬وايم ال إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها ويشرب مثلها ‪،‬‬
‫ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا بني عبد المطلب ‪ ،‬إني ‪ -‬وال ‪ -‬ما أعلم شابًا من‬
‫العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ‪ ،‬إني قد جئتكم بأمر الدنيا والخرة"‪.‬‬
‫قال أحمد بن عبد الجبار ‪ :‬بلغني أن ابن إسحاق إنما (‪ )4‬سمعه من عبد الغفار بن القاسم أبي‬
‫مريم ‪ ،‬عن المنهال بن عمرو ‪ ،‬عن عبد ال بن الحارث (‪.)5‬‬
‫وقد رواه أبو جعفر بن جرير ‪ ،‬عن ابن حميد ‪ ،‬عن سلمة ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬عن عبد الغفار بن‬
‫القاسم ‪ ،‬عن المنهال بن عمرو ‪ ،‬عن عبد ال بن الحارث ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن علي بن أبي‬
‫طالب ‪ ،‬فذكر مثله ‪ ،‬وزاد بعد قوله ‪" :‬إني جئتكم بخير الدنيا والخرة"‪" .‬وقد أمرني ال أن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أدعوكم إليه ‪ ،‬فأيكم يؤازرني (‪ )6‬على هذا المر على أن يكون أخي ‪ ،‬وكذا وكذا" ؟ قال ‪ :‬فأحجم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬ودلئل النبوة‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬لنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬ودلئل النبوة‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬لما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬دلئل النبوة (‪.)2/178‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬وازرني"‪.‬‬

‫( ‪)6/169‬‬

‫القوم عنها جميعًا ‪ ،‬وقلت ‪ -‬وإني لحدثهم سنًا ‪ ،‬وأرمصُهم عينا ‪ ،‬وأعظمهم بطنا ‪ ،‬وأحمشهم‬
‫ساقا‪ .‬أنا يا نبي ال ‪ ،‬أكون وزيرك عليه ‪ ،‬فأخذ يَ ْرقُبُني ثم قال ‪" :‬إن هذا أخي ‪ ،‬وكذا وكذا ‪،‬‬
‫فاسمعوا له وأطيعوا"‪ .‬قال ‪ :‬فقام القوم يضحكون ويقولون لبي طالب ‪ :‬قد أمرك أن تسمع لبنك‬
‫وتطيع (‪.)1‬‬
‫تفرد بهذا السياق عبد الغفار بن القاسم أبي مريم ‪ ،‬وهو متروك كذاب شيعي ‪ ،‬اتهمه علي بن‬
‫المديني وغيره بوضع الحديث ‪ ،‬وضعّفه الئمة رحمهم ال‪.‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الحسين بن عيسى بن مَيْسَرة الحارثي ‪،‬‬
‫حدثنا عبد ال بن عبد القدوس ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن المنهال بن عمرو ‪ ،‬عن عبد ال بن الحارث‬
‫عشِيرَ َتكَ القْرَبِينَ } ‪ ،‬قال لي‬
‫قال ‪ :‬قال علي رضي ال عنه ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ { :‬وَأَنْذِرْ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام وإناء لبنا"‪ .‬قال ‪ :‬ففعلت ‪،‬‬
‫ثم قال ‪" :‬ادع بني هاشم"‪ .‬قال ‪ :‬فدعوتهم وإنهم يومئذ لربعون غير رجل ‪ -‬أو ‪ :‬أربعون ورجل‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬وفيهم عشرة كلهم يأكل الجذَعَة بإدامها‪ .‬قال ‪ :‬فلما أتوا بالقصعة أخذ رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم من ذ ْروَتها ثم قال ‪" :‬كلوا" ‪ ،‬فأكلوا حتى شبعوا ‪ ،‬وهي على هيئتها (‪ )2‬لم يرزؤوا‬
‫ضلٌ ‪ ،‬فلما فرغوا أراد‬
‫منها إل يسيرًا ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم أتيتهم بالناء فشربوا حتى َروُوا‪ .‬قال ‪ :‬و َفضَل َف ْ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يتكلم ‪ ،‬فبدرُوه الكلم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ما رأينا كاليوم في السحر‪.‬‬
‫فسكت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اصنع [لي] (‪ )3‬رجل شاة بصاع من طعام"‪.‬‬
‫فصنعت ‪ ،‬قال ‪ :‬فدعاهم ‪ ،‬فلما أكلوا وشربوا ‪ ،‬قال ‪ :‬فبدروه فقالوا مثل مقالتهم الولى ‪ ،‬فسكت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم قال لي ‪" :‬اصنع [لي] (‪ )4‬رجل شاة بصاع من طعام‪ .‬فصنعت‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬فجمعتهم ‪ ،‬فلما أكلوا وشربوا بَدَرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم الكلم فقال ‪" :‬أيكم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقضي عني دَيني (‪ )5‬ويكون خليفتي في أهلي ؟"‪ .‬قال ‪ :‬فسكتوا وسكت العباس خشية أن يحيط‬
‫ذلك بماله ‪ ،‬قال ‪ :‬وسكتّ أنا لسِنّ العباس‪ .‬ثم قالها مرة أخرى فسكت العباس ‪ ،‬فلما رأيت ذلك‬
‫قلت ‪ :‬أنا يا رسول ال‪[ .‬فقال ‪" :‬أنت"] (‪ )6‬قال ‪ :‬وإني يومئذ لسوأهم هيئة ‪ ،‬وإني لعمش‬
‫حمْش الساقين‪.‬‬
‫العينين ‪ ،‬ضخم البطن ‪َ ،‬‬
‫فهذه طرق متعددة لهذا الحديث عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه‪ .‬ومعنى سؤاله ‪ ،‬عليه الصلة والسلم‬
‫(‪ )7‬لعمامه وأولدهم أن يقضوا عنه دينه ‪ ،‬ويخلفوه في أهله ‪ ،‬يعني إن قتل في سبيل ال ‪ ،‬كأنه‬
‫خشي إذا قام بأعباء النذار أن يقتل ‪ ،‬ولما أنزل ال عز وجل ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزلَ‬
‫صمُكَ مِنَ النّاسِ } [المائدة ‪ ، ]67 :‬فعند ذلك‬
‫ك وَإِنْ لَمْ َت ْف َعلْ َفمَا بَّل ْغتَ ِرسَالَتَ ُه وَاللّهُ َي ْع ِ‬
‫إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّب َ‬
‫أمِن‪.‬‬
‫ص ُمكَ مِنَ النّاسِ }‪ .‬ولم يكن في بني هاشم إذ‬
‫وكان أول يحرس حتى نزلت هذه الية ‪ { :‬وَاللّهُ َي ْع ِ‬
‫ذاك أشد إيمانا وإيقانا وتصديقا لرسول ال صلى ال عليه وسلم من علي ‪ ،‬رضي ال عنه ؛ ولهذا‬
‫(‪ )8‬بدرهم إلى التزام ما طلب منهم رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم كان بعد هذا ‪ -‬وال أعلم‬
‫سمّى مَنْ‬
‫‪ -‬دعاؤه الناس جَهرًة على الصفا ‪ ،‬وإنذاره لبطون قريش عموما وخصوصا ‪ ،‬حتى َ‬
‫سمّى من أعمامه وعماته وبناته ‪ ،‬لينبه بالدنى على العلى ‪ ،‬أي ‪ :‬إنما أنا نذير ‪ ،‬وال يهدي من‬
‫َ‬
‫يشاء إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)19/40‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وهي كهيئتها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬ديني عني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬فلهذا"‪.‬‬

‫( ‪)6/170‬‬

‫وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الواحد الدمشقي ‪ -‬غير منسوب ‪ -‬من طريق عمرو‬
‫سمُ َرةَ ‪ ،‬عن محمد بن سُوقَةَ ‪ ،‬عن عبد الواحد الدمشقي قال ‪ :‬رأيت أبا الدرداء ‪ ،‬رضي ال‬
‫بن َ‬
‫عنه ‪ ،‬يحدث الناس ويفتيهم ‪ ،‬وولده إلى جنبه ‪ ،‬وأهل بيته جلوس في جانب المسجد يتحدثون ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فقيل له ‪ :‬ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم ‪ ،‬وأهل بيتك جلوس لهين ؟ فقال ‪ :‬لني‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬أزهد الناس في الدنيا النبياء ‪ ،‬وأشدهم عليهم‬
‫عشِيرَ َتكَ القْرَبِينَ } ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إن أزهد‬
‫القربون"‪ .‬وذلك فيما أنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬وَأَنْذِرْ َ‬
‫عشِيرَ َتكَ القْرَبِينَ‪.‬‬
‫الناس في العالم أهله حتى يفارقهم"‪ .‬ولهذا قال [ال تعالى] ‪ { )1( :‬وَأَنْذِرْ َ‬
‫ص ْوكَ َف ُقلْ إِنّي بَرِيءٌ ِممّا َت ْعمَلُونَ } (‪.)2‬‬
‫ع َ‬
‫حكَ ِلمَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ‪ .‬فَإِنْ َ‬
‫خ ِفضْ جَنَا َ‬
‫وَا ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َت َو ّكلْ عَلَى ا ْلعَزِيزِ الرّحِيمِ } أي ‪ :‬في جميع أمورك ؛ فإنه مؤيدك وناصرك وحافظك‬
‫ومظفرك و ُم ْعلٍ كلمتك‪.‬‬
‫حكْمِ رَ ّبكَ‬
‫وقوله ‪ { :‬الّذِي يَرَاكَ حِينَ َتقُومُ } أي ‪ :‬هو معتن بك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَاصْبِرْ (‪ِ )3‬ل ُ‬
‫فَإِ ّنكَ بِأَعْيُنِنَا } [الطور ‪.]48 :‬‬
‫قال ابن عباس ‪ { :‬الّذِي يَرَاكَ حِينَ َتقُومُ } يعني ‪ :‬إلى الصلة‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬يرى قيامه وركوعه وسجوده‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ { :‬الّذِي يَرَاكَ حِينَ َتقُومُ } ‪ :‬إذا صليت وحدك‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ { :‬الّذِي يَرَاكَ حِينَ َتقُومُ‪ } .‬أي ‪ :‬من فراشك أو مجلسك‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬الّذِي يَرَاكَ } ‪ :‬قائما وجالسا وعلى حالتك‪.‬‬
‫جدِينَ } قال‬
‫جدِينَ } ‪ :‬قال قتادة ‪ { :‬الّذِي يَرَاكَ حِينَ َتقُومُ‪ .‬وَ َتقَلّ َبكَ فِي السّا ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َتقَلّ َبكَ فِي السّا ِ‬
‫جمْع‪ .‬وهذا قول عكرمة ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬والحسن‬
‫‪ :‬في الصلة ‪ ،‬يراك وحدك ويراك في ال َ‬
‫البصري‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يرى مَنْ خلفه كما يرى مَنْ أمامه ؛ ويشهد‬
‫سوّوا صفوفكم ؛ فإني أراكم من وراء ظهري" (‪.)4‬‬
‫لهذا ما صح في الحديث ‪َ " :‬‬
‫وروى البزار وابن أبي حاتم ‪ ،‬من طريقين ‪ ،‬عن ابن عباس أنه قال في هذه الية ‪ :‬يعني تقلبه‬
‫من صلب نبي إلى صلب نبي ‪ ،‬حتى أخرجه نبيا‪.‬‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ } أي ‪ :‬السميع لقوال عباده ‪ ،‬العليم بحركاتهم وسكناتهم ‪ ،‬كما قال‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫شهُودًا إِذْ‬
‫علَ ْيكُمْ ُ‬
‫ع َملٍ إِل كُنّا َ‬
‫ن وَل َت ْعمَلُونَ مِنْ َ‬
‫تعالى ‪َ { :‬ومَا َتكُونُ فِي شَأْنٍ َومَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآ ٍ‬
‫ُتفِيضُونَ فِيهِ } الية‪[ .‬يونس ‪.]61 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ دمشق (‪ 10/587‬المخطوط)‪.‬‬
‫(‪ )3‬في جميع النسخ ‪" :‬فاصبر"‪ .‬والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪.)723‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/171‬‬

‫سمْ َع وََأكْثَرُ ُهمْ‬


‫َهلْ أُنَبّ ُئكُمْ عَلَى مَنْ تَنَ ّزلُ الشّيَاطِينُ (‪ )221‬تَنَ ّزلُ عَلَى ُكلّ َأفّاكٍ أَثِيمٍ (‪ )222‬يُ ْلقُونَ ال ّ‬
‫ل وَادٍ َيهِيمُونَ (‪ )225‬وَأَ ّنهُمْ‬
‫شعَرَاءُ يَتّ ِب ُعهُمُ ا ْلغَاوُونَ (‪ )224‬أََلمْ تَرَ أَ ّن ُهمْ فِي ُك ّ‬
‫كَاذِبُونَ (‪ )223‬وَال ّ‬
‫ت وَ َذكَرُوا اللّهَ كَثِيرًا وَانْ َتصَرُوا مِنْ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫َيقُولُونَ مَا لَا َي ْفعَلُونَ (‪ )226‬إِلّا الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫َبعْدِ مَا ظُِلمُوا وَسَ َيعَْلمُ الّذِينَ ظََلمُوا َأيّ مُ ْنقََلبٍ يَ ْنقَلِبُونَ (‪)227‬‬

‫سمْعَ‬
‫{ َهلْ أُنَبّ ُئ ُكمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشّيَاطِينُ (‪ )221‬تَنزلُ عَلَى ُكلّ َأفّاكٍ أَثِيمٍ (‪ )222‬يُ ْلقُونَ ال ّ‬
‫ل وَادٍ َيهِيمُونَ (‪)225‬‬
‫شعَرَاءُ يَتّ ِب ُعهُمُ ا ْلغَاوُونَ (‪ )224‬أَلَمْ تَرَ أَ ّنهُمْ فِي ُك ّ‬
‫وََأكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (‪ )223‬وَال ّ‬
‫ت وَ َذكَرُوا اللّهَ كَثِيرًا وَانْ َتصَرُوا‬
‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫وَأَ ّنهُمْ َيقُولُونَ مَا ل َي ْفعَلُونَ (‪ )226‬إِل الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫مِنْ َبعْدِ مَا ظُِلمُوا وَسَ َيعَْلمُ الّذِينَ ظََلمُوا َأيّ مُ ْنقََلبٍ يَ ْنقَلِبُونَ (‪.} )227‬‬
‫يقول تعالى مخاطبًا ِلمَنْ زعم من المشركين أن ما جاء به الرسول ليس حقا ‪ ،‬وأنه شيء افتعله‬
‫من تلقاء نفسه ‪ ،‬أو أنه أتاه به رئيّ من الجن ‪ ،‬فنزه ال ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬جناب رسوله عن قولهم‬
‫وافترائهم ‪ ،‬ونبه أن ما جاء به إنما هو [الحق] (‪ )1‬من عند ال ‪ ،‬وأنه تنزيله ووحيه ‪ ،‬نزل به‬
‫ملك كريم أمين عظيم ‪ ،‬وأنه ليس من قَبيل الشياطين ‪ ،‬فإنهم ليس لهم رغبة في مثل هذا القرآن‬
‫العظيم ‪ ،‬وإنما ينزلون (‪ )2‬على من يشاكلهم ويشابههم من الكهان الكذبة ؛ ولهذا قال ال ‪َ { :‬هلْ‬
‫علَى مَنْ تَنزلُ الشّيَاطِينُ‪ .‬تَنزلُ عَلَى ُكلّ َأفّاكٍ أَثِيمٍ } أي ‪ :‬كذوب في قوله‬
‫أُنَبّ ُئكُمْ } أي ‪ :‬أخبركم‪َ { .‬‬
‫‪ ،‬وهو الفاك الثيم ‪ ،‬أي (‪ )3‬الفاجر في أفعاله‪ .‬فهذا هو الذي تنزل عليه الشياطين كالكهان وما‬
‫جرى مجراهم من الكذبة الفسقة ‪ ،‬فإن الشياطين أيضا كذبة فسقة‪.‬‬
‫سمْعَ } أي ‪ :‬يسترقون السمع من السماء ‪ ،‬فيسمعون الكلمة من علم الغيب ‪ ،‬فيزيدون‬
‫{ يُ ْلقُونَ ال ّ‬
‫معها مائة كذبة ‪ ،‬ثم يلقونها إلى أوليائهم من النس فيتحدثون بها ‪ ،‬فيصدقهم الناس في كل ما‬
‫قالوه ‪ ،‬بسبب صدقهم في تلك الكلمة التي سمعت من السماء ‪ ،‬كما صح بذلك الحديث ‪ ،‬كما رواه‬
‫البخاري ‪ ،‬من حديث الزهري ‪ :‬أخبرني يحيى بن عُر َوةَ بن الزبير ‪ ،‬أنه سمع عُ ْر َوةَ بن الزبير‬
‫يقول ‪ :‬قالت عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ :‬سأل ناس النبي صلى ال عليه وسلم عن الكهان ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"إنهم ليسوا بشيء"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقا ؟ فقال النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬تلك الكلمة من الحق يخطفها (‪ )4‬الجني ‪ ،‬فَ ُيقَرقرِها في أذن وليه كقَ ْرقَرة الدجاجة ‪،‬‬
‫فيخلطون معها أكثر من مائه كذبة" (‪.)5‬‬
‫وقال البخاري أيضا ‪ :‬حدثنا الحميدي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا عمرو قال ‪ :‬سمعت عكرمة يقول ‪:‬‬
‫سمعت أبا هريرة يقول ‪ :‬إن نبي ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إذا قضى ال المر في السماء ‪،‬‬
‫صفْوان ‪ ،‬حتى إذا فُزع عن‬
‫خضْعانًا لقوله ‪ ،‬كأنها (‪ )6‬سلسلة على َ‬
‫ضربت الملئكة بأجنحتها ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قلوبهم قالوا ‪ :‬ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال ‪ :‬الحق وهو العلي الكبير‪ .‬فيسمعها مسترقو‬
‫السمع ‪ ،‬ومسترقو السمع ‪ ،‬هكذا بعضهم فوق بعض"‪ .‬ووصف سفيان بيده فَحَرفها ‪ ،‬وبَ ّددَ بين‬
‫أصابعه "فيسمع الكلمة ‪ ،‬فيلقيها إلى من تحته ‪ ،‬ثم يلقيها الخر إلى من تحته ‪ ،‬حتى يلقيها على‬
‫لسان الساحر ‪ -‬أو الكاهن ‪ -‬فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ‪ ،‬وربما ألقاها قبل أن يدركه ‪،‬‬
‫فيكذب معها مائة كذبة‪ .‬فيقال ‪ :‬أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا ‪ :‬كذا وكذا ؟ فيصدق بتلك الكلمة‬
‫التي سمع (‪ )7‬من السماء"‪ .‬انفرد به البخاري (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يتنزلون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬وهو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يحفظها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)7561‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬كأنه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سمعت" والصواب ما أثبتناه من البخاري‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪.)4800‬‬

‫( ‪)6/172‬‬

‫وروى مسلم من حديث الزهري ‪ ،‬عن علي بن الحسين ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن رجال من‬
‫النصار قريبًا من هذا‪ .‬وسيأتي عند قوله تعالى في سبأ ‪ { :‬حَتّى إِذَا فُ ّزعَ عَنْ قُلُو ِبهِمْ } الية [سبأ‬
‫‪[ ، ]23 :‬إن شاء ال تعالى] (‪.)1‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬وقال الليث ‪ :‬حدثني خالد بن يزيد ‪ ،‬عن سعيد بن أبي هلل ‪ :‬أن أبا السود‬
‫أخبره ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن الملئكة َتحَدّث‬
‫في العَنَان ‪ -‬والعَنَان ‪ :‬ال َغمَام ‪ -‬بالمر [يكون] (‪ )2‬في الرض ‪ ،‬فتسمع الشياطين الكلمة ‪،‬‬
‫فتقرّها في أذن الكاهن كما ُتقَ ّر القارورة ‪ ،‬فيزيدون معها مائة كذبة" (‪.)3‬‬
‫وقال البخاري في موضع آخر من كتاب "بدء الخلق" عن سعيد بن أبي مريم ‪ ،‬عن الليث ‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن أبي جعفر ‪ ،‬عن أبي السود محمد بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬بنحوه‬
‫(‪.)4‬‬
‫شعَرَاءُ يَتّ ِب ُعهُمُ ا ْلغَاوُونَ } قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني ‪ :‬الكفار‬
‫وقوله ‪ { :‬وَال ّ‬
‫يتبعهم ضلل النس والجن‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬كان الشاعران يتهاجيان ‪ ،‬فينتصر لهذا فِئَامٌ من الناس ‪ ،‬ولهذا فئَامٌ من الناس ‪،‬‬
‫شعَرَاءُ يَتّ ِب ُعهُمُ ا ْلغَاوُونَ }‪.‬‬
‫فأنزل ال ‪ { :‬وَال ّ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا قُتَيْ َبةُ ‪ ،‬حدثنا لَيث ‪ ،‬عن ابن الهاد ‪ ،‬عن ُيحَنّس (‪ - )5‬مولى مصعب بن‬
‫الزبير ‪ -‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬بينما نحن نسير مع رسول ال صلى ال عليه وسلم بالعَرْج ‪ ،‬إذ‬
‫عَرَض شاعر يُنشد ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬خذوا الشيطان ‪ -‬أو امسكوا الشيطان ‪-‬‬
‫لن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا" (‪.)6‬‬
‫ل وَادٍ َيهِيمُونَ } ‪ :‬قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬في كل‬
‫وقوله ‪ { :‬أََلمْ تَرَ أَ ّنهُمْ فِي ُك ّ‬
‫لغو يخوضون‪.‬‬
‫وقال الضحاك عن ابن عباس ‪ :‬في كل فن من الكلم‪ .‬وكذا قال مجاهد وغيره‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬قد ‪ -‬وال ‪ -‬رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها ‪ ،‬مرة في شتمة (‪ )7‬فلن ‪،‬‬
‫ومرة في مدحة (‪ )8‬فلن‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬الشاعر يمدح قومًا بباطل ‪ ،‬ويذم قومًا بباطل‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَ ّنهُمْ َيقُولُونَ مَا ل َي ْفعَلُونَ } قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان رجلن على عهد‬
‫رسول ال ‪ ،‬أحدهما من النصار ‪ ،‬والخر من قوم آخرين ‪ ،‬وإنهما تهاجيا ‪ ،‬فكان (‪ )9‬مع كل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )3288‬وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي حاتم‬
‫الرازي عن أبي صالح كاتب الليث عنه ‪ ،‬كما في الفتح (‪.)6/432‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري رقم (‪.)2210‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬محنش"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)3/8‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬شتيمة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬مديحة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬

‫( ‪)6/173‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شعَرَاءُ يَتّ ِب ُعهُمُ ا ْلغَاوُونَ‪.‬‬
‫واحد منهما غواة من قومه ‪ -‬وهم (‪ )1‬السفهاء ‪ -‬فقال ال تعالى ‪ { :‬وَال ّ‬
‫أَلَمْ تَرَ أَ ّنهُمْ فِي ُكلّ وَادٍ َيهِيمُونَ‪ .‬وَأَ ّنهُمْ َيقُولُونَ مَا ل َي ْفعَلُونَ }‪.‬‬
‫‪ .‬وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أكثر قولهم يكذبون فيه‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬هو الواقع في نفس المر ؛ فإن الشعراء يتَبجّحون‬
‫بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ول عنهم ‪ ،‬فيتكثرون بما ليس لهم ؛ ولهذا اختلف العلماء ‪ ،‬رحمهم‬
‫حدّا ‪ :‬هل يقام عليه بهذا العتراف أم ل لنهم‬
‫ال ‪ ،‬فيما إذا اعترف الشاعر في شعره بما يوجب َ‬
‫يقولون ما ل يفعلون ؟ على قولين‪ .‬وقد ذكر محمد بن إسحاق ‪ ،‬ومحمد بن سعد في الطبقات ‪،‬‬
‫والزبير بن َبكّار في كتاب الفكاهة ‪ :‬أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫استعمل النعمان بن عدي بن َنضْلَة على "ميسان" ‪ -‬من أرض البصرة ‪ -‬وكان يقول الشعر ‪،‬‬
‫فقال ‪:‬‬
‫أل هَل أتَى الحَسْنَاءَ أنّ حَليِلَها‪ِ ...‬بمَيْسَانَ ‪ ،‬يُسقَى في زُجاج وَحَنْتَم‪...‬‬
‫إذَا ش ْئتُ غَنّتْني دَهاقينُ قَرْيَة‪ ...‬وَ َرقّاصَةٌ تَجذُو على كل مَنْسم (‪)2‬‬
‫صغَر المُتَثَلم (‪)3‬‬
‫فإنْ كُنتَ َندْمانِي فَبالكْبر اسْقني‪ ...‬وَل تَسْقني بال ْ‬
‫جوْسَق المُ َتهَدَم‪...‬‬
‫َلعَل أميرَ المؤمنينَ َيسُوءه‪ ...‬تَنا ُدمُنا بال َ‬
‫فلما بلغ [ذلك] (‪ )4‬أمير المؤمنين قال ‪ :‬أي وال ‪ ،‬إنه ليسوءني ذلك ‪ ،‬ومن لقيه فليخبره أني قد‬
‫عزلته‪ .‬وكتب إليه ‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم { حم‪ .‬تَنزيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ‪ .‬غَافِرِ‬
‫ط ْولِ ل إَِلهَ إِل ُهوَ إِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ } [غافر ‪ ]3 - 1 :‬أما بعد‬
‫ب َوقَا ِبلِ ال ّت ْوبِ شَدِيدِ ا ْل ِعقَابِ ذِي ال ّ‬
‫الذّ ْن ِ‬
‫فقد بلغني قولك ‪:‬‬
‫جوْسق (‪ )5‬المُ َت َهدّم‪...‬‬
‫سوُءه‪ ...‬تَنَا ُدمُنَا بال َ‬
‫َل َعلّ أمير المُؤمنينَ َي ُ‬
‫وايم ال ‪ ،‬إنه ليسوءني وقد عزلتك‪ .‬فلما قدم على عمر َبكّتَه بهذا الشعر ‪ ،‬فقال ‪ :‬وال ‪ -‬يا أمير‬
‫المؤمنين ‪ -‬ما شربتها قَطّ ‪ ،‬وما ذاك الشعر إل شيء طَفح على لساني‪ .‬فقال عمر ‪ :‬أظن ذلك ‪،‬‬
‫ولكن وال ل تعمل لي على عمل أبدًا ‪ ،‬وقد قُلتَ ما قلتَ (‪.)6‬‬
‫فلم يُذكر أنه حَدّه على الشراب ‪ ،‬وقد ضمنه شعره ؛ لنهم يقولون ما ل يفعلون ‪ ،‬ولكنه (‪ )7‬ذمّه‬
‫عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬ولمه على ذلك وعزله به‪ .‬ولهذا جاء في الحديث ‪" :‬لن يمتلئ جوف‬
‫أحدكم قيحًا ‪ ،‬يَرِيه خير له من أن يمتلئ شعرًا" (‪.)8‬‬
‫والمراد من هذا ‪ :‬أن (‪ )9‬الرسول صلى ال عليه وسلم (‪ )10‬الذي أنزل عليه (‪ )11‬القرآن ليس‬
‫بكاهن ول بشاعر ؛‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬فهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مبسم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬المتلثم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬في الجوسق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬البيات في السيرة النبوية لبن هشام (‪ )2/266‬والطبقات الكبرى لبن سعد (‪.)4/140‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬ولكن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2257‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أن هذا الرسول"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلوات ال وسلمه عليه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه هذا القرآن"‪.‬‬

‫( ‪)6/174‬‬

‫شعْ َر َومَا يَنْ َبغِي َلهُ إِنْ‬


‫لن حاله مناف لحالهم من وجوه ظاهرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا عَّلمْنَاهُ ال ّ‬
‫ُهوَ إِل ِذكْ ٌر َوقُرْآنٌ مُبِينٌ } [يس ‪ ]69 :‬وقال تعالى ‪ { :‬إِنّهُ َل َقوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ‪َ .‬ومَا ُهوَ ِب َقوْلِ شَاعِرٍ‬
‫قَلِيل مَا ُت ْؤمِنُونَ‪ .‬وَل ِب َق ْولِ كَاهِنٍ قَلِيل مَا تَ َذكّرُونَ‪ .‬تَنزيلٌ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [الحاقة ‪]43 - 40 :‬‬
‫‪ ،‬وهكذا قال هاهنا ‪ { :‬وَإِنّهُ لَتَنزيلُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ‪ .‬نزلَ بِهِ الرّوحُ المِينُ‪ .‬عَلَى قَلْ ِبكَ لِ َتكُونَ مِنَ‬
‫ا ْلمُنْذِرِينَ‪ .‬بِِلسَانٍ عَرَ ِبيّ مُبِينٍ } إلى أن قال ‪َ { :‬ومَا تَنزَلتْ ِبهِ الشّيَاطِينُ‪َ .‬ومَا يَنْ َبغِي َلهُمْ َومَا‬
‫سمْعِ َل َمعْزُولُونَ } إلى أن قال ‪َ { :‬هلْ أُنَبّ ُئكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشّيَاطِينُ‪ .‬تَنزلُ‬
‫يَسْ َتطِيعُونَ‪ .‬إِ ّنهُمْ عَنِ ال ّ‬
‫شعَرَاءُ يَتّ ِب ُعهُمُ ا ْلغَاوُونَ‪ .‬أَلَمْ تَرَ أَ ّنهُمْ فِي ُكلّ‬
‫سمْ َع وََأكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ‪ .‬وَال ّ‬
‫عَلَى ُكلّ َأفّاكٍ أَثِيمٍ‪ .‬يُ ْلقُونَ ال ّ‬
‫وَادٍ َيهِيمُونَ‪ .‬وَأَ ّنهُمْ َيقُولُونَ مَا ل َي ْفعَلُونَ }‪.‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ } ‪ :‬قال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد (‪ )1‬بن عبد ال‬
‫وقوله ‪ { :‬إِل الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫شعَرَاءُ‬
‫بن قُسَيْط ‪ ،‬عن أبي الحسن سالم البَرّاد ‪ -‬مولى تميم الداري ‪ -‬قال ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬وَال ّ‬
‫يَتّ ِب ُعهُمُ ا ْلغَاوُونَ } ‪ ،‬جاء حسان بن ثابت ‪ ،‬وعبد ال بن َروَاحة ‪ ،‬وكعب بن مالك إلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهم يبكون فقالوا ‪ :‬قد علم ال حين أنزل هذه الية أنا شعراء‪ .‬فتل النبي‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ } قال ‪" :‬أنتم" ‪ { ،‬وَ َذكَرُوا اللّهَ كَثِيرًا }‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إِل الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫قال ‪" :‬أنتم" ‪ { ،‬وَانْ َتصَرُوا مِنْ َبعْدِ مَا ظُِلمُوا } قال ‪" :‬أنتم"‪.‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم‪ .‬وابن جرير ‪ ،‬من رواية ابن إسحاق (‪.)2‬‬
‫وقد روى ابن أبي حاتم أيضا ‪ ،‬عن أبي سعيد الشج ‪ ،‬عن أبي أسامة ‪ ،‬عن الوليد بن كثير ‪ ،‬عن‬
‫يزيد بن عبد ال ‪ ،‬عن أبي الحسن مولى بني نوفل ؛ أن حسان بن ثابت ‪ ،‬وعبد ال بن رواحة أتيا‬
‫شعَرَاءُ يَتّ ِب ُعهُمُ ا ْلغَاوُونَ } يبكيان ‪ ،‬فقال رسول‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حين نزلت ‪ { :‬وَال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شعَرَاءُ يَتّ ِب ُعهُمُ ا ْلغَاوُونَ } حتى بلغ ‪ { :‬إِل‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو يقرؤها عليهما ‪ { :‬وَال ّ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ } ‪ ،‬قال ‪" :‬أنتم" (‪.)3‬‬
‫الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫وقال أيضًا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو سلمة (‪ )4‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن هشام بن عُ ْروَة ‪ ،‬عن‬
‫شعَرَاءُ يَتّ ِب ُعهُمُ ا ْلغَاوُونَ } إلى قوله ‪َ { :‬يقُولُونَ مَا ل َي ْفعَلُونَ } قال‬
‫عروة قال ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬وَال ّ‬
‫عمِلُوا‬
‫عبد ال بن رواحة ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد علم ال أني منهم‪ .‬فأنزل ال ‪ { :‬إِل الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫الصّالِحَاتِ } إلى قوله ‪ { :‬ينقلبون }‪.‬‬
‫وهكذا قال ابن عباس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وغير واحد أن هذا استثناء‬
‫مما تقدم‪ .‬ول شك أنه استثناء ‪ ،‬ولكن هذه السورة مكية ‪ ،‬فكيف يكون سبب نزول هذه الية [في]‬
‫(‪ )5‬شعراء النصار ؟ في ذلك نظر ‪ ،‬ولم يتقدم إل مرسلت ل يعتمد عليها ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬ولكن‬
‫هذا الستثناء يدخل فيه شعراء النصار وغيرهم ‪ ،‬حتى يدخل فيه مَنْ كان متلبسًا من شعراء‬
‫الجاهلية بذم السلم وأهله ‪ ،‬ثم تاب وأناب ‪ ،‬ورجع وأقلع ‪ ،‬وعمل صالحًا ‪ ،‬وذكر ال كثيرًا في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬زيد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)19/79‬‬
‫(‪ )3‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )3/488‬من طريق أبي أسامة به‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)6/175‬‬

‫مقابلة ما تقدم من الكلم السيئ ‪ ،‬فإن الحسنات يذهبن السيئات ‪ ،‬وامتدح السلم وأهله في مقابلة‬
‫ما كذب (‪ )1‬بذمه ‪ ،‬كما قال عبد ال بن الز َبعْرَى حين أسلم ‪:‬‬
‫يَا رَسُولَ المَليك ‪ ،‬إنّ لسَاني‪ ...‬رَاتقٌ مَا فَ َتقْتُ إذْ أنا بُورُ‪...‬‬
‫ي َومَن مَالَ مَيْلَه مَثْبُورٌ‪...‬‬
‫إذْ أجَاري الشّيْطانَ في سَنن ال َغيْ‪ِ ...‬‬
‫وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ‪ ،‬كان من أشد الناس عداوة للنبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وهو ابن عمه ‪ ،‬وأكثرهم له هجوًا ‪ ،‬فلما أسلم لم يكن أحد أحب إليه من رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬وكان يمدح رسول ال صلى ال عليه وسلم بعدما كان يهجوه ‪ ،‬ويتوله بعدما‬
‫كان قد عاداه‪ .‬وهكذا روى مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أن أبا سفيان صخر بن حرب‬
‫لما أسلم قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ثلث أعطنيهن قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬معاوية تجعله كاتبا بين يديك‪.‬‬
‫قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬وتُؤمرني حتى أقاتل الكفار ‪ ،‬كما كنت أقاتل المسلمين‪ .‬قال ‪" :‬نعم"‪ .‬وذكر‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الثلثة (‪.)2‬‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ وَ َذكَرُوا اللّهَ كَثِيرًا } قيل ‪ :‬معناه ‪ :‬ذكروا‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬إِل الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ال كثيرًا في كلمهم‪ .‬وقيل ‪ :‬في شعرهم ‪ ،‬وكلهما صحيح ُمكَفّر لما سبق‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَانْ َتصَرُوا مِنْ َبعْدِ مَا ظُِلمُوا } قال ابن عباس ‪ :‬يردون على الكفار الذين كانوا يهجون‬
‫به المؤمنين‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد‪ .‬وهذا كما ثبت في الصحيح ‪ :‬أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال لحسان ‪" :‬اهجهم ‪ -‬أو قال ‪ :‬هاجهم ‪ -‬وجبريل معك" (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن كعب‬
‫بن مالك ‪ ،‬عن أبيه أنه قال للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قد أنزل في الشعّر‬
‫ما أنزل ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لكأن ما ترمونهم به َنضْح‬
‫النبْل" (‪.)4‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَسَ َيعَْلمُ الّذِينَ ظََلمُوا َأيّ مُ ْنقَلَبٍ يَ ْنقَلِبُونَ } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ ل يَ ْنفَعُ الظّاِلمِينَ‬
‫َمعْذِرَ ُتهُ ْم وََلهُمُ الّلعْنَ ُة وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ } [غافر ‪ ]52 :‬وفي الصحيح ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬إياكم والظلم ‪ ،‬فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" (‪.)5‬‬
‫وقال قتادة بن دِعَامَة في قوله ‪ { :‬وَسَ َيعْلَمُ الّذِينَ ظََلمُوا َأيّ مُنْقََلبٍ يَ ْنقَلِبُونَ } يعني ‪ :‬من الشعراء‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا إياس بن أبي تميمة ‪ ،‬قال ‪ :‬حضرت الحسن َومُرّ عليه بجنازة‬
‫نصراني ‪ ،‬فقال الحسن ‪ { :‬وَسَ َيعَْلمُ الّذِينَ ظََلمُوا َأيّ مُ ْنقََلبٍ يَ ْنقَلِبُونَ }‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن رَبَاح ‪ ،‬عن صفوان بن مُحْرز ‪ :‬أنه كان إذا قرأ هذه الية ‪ -‬بكى حتى أقول ‪:‬‬
‫قد اندق َقضِيب زَوره ‪ { -‬وَسَ َيعَْلمُ الّذِينَ ظََلمُوا َأيّ مُ ْنقََلبٍ يَ ْنقَلِبُونَ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما كان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)2501‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )6153‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2486‬من حديث البراء بن عازب ‪،‬‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)6/387‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪ )2578‬من حديث جابر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬ولفظه ‪" :‬اتقوا الظلم ‪ ،‬فإن‬
‫الظلم ظلمات يوم القيامة"‪.‬‬

‫( ‪)6/176‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال ابن وهب ‪ :‬أخبرني (‪ )1‬ابن سُرَيج السكندراني ‪ ،‬عن بعض المشيخة ‪ :‬أنهم كانوا بأرض‬
‫الروم ‪ ،‬فبينما هم ليلة على نار يشتوون (‪ )2‬عليها ‪ -‬أو ‪ :‬يصطلون ‪ -‬إذا بركاب (‪ )3‬قد أقبلوا ‪،‬‬
‫فقاموا إليهم ‪ ،‬فإذا فضالة بن عبُيد فيهم ‪ ،‬فأنزلوه فجلس معهم ‪ -‬قال ‪ :‬وصاحب لنا قائم يصلي ‪-‬‬
‫قال حتى مَرّ بهذه الية ‪ { :‬وَسَ َيعْلَمُ الّذِينَ ظََلمُوا َأيّ مُنْقََلبٍ يَ ْنقَلِبُونَ } قال فضالة بن عبيد ‪ :‬هؤلء‬
‫الذين يخربون البيت‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بهم أهل مكة‪ .‬وقيل ‪ :‬الذين ظلموا من المشركين‪ .‬والصحيح أن هذه الية عامة في‬
‫كل ظالم ‪ ،‬كما قال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذُكر عن زكريا بن يحيى الواسطي ‪ :‬حدثني الهيثم بن محفوظ‬
‫أبو سعد (‪ )4‬النهدي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن المجير (‪ )5‬حدثنا هشام بن عُ ْروَة ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬كتب أبي وصيته سطرين ‪ :‬بسم ال الرحمن‬
‫الرحيم ‪ ،‬هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قُحَافة ‪ ،‬عند خروجه من الدنيا ‪ ،‬حين يؤمن الكافر ‪،‬‬
‫عمَر بن الخطاب ‪ ،‬فإن يعدل فذاك ظني‬
‫وينتهي الفاجر ‪ ،‬ويَصدُق الكاذب ‪ :‬إني استخلفت عليكم ُ‬
‫به ‪ ،‬ورجائي فيه ‪ ،‬وإن يَجُر ويبدل فل أعلم الغيب ‪ { ،‬وَسَ َيعَْلمُ الّذِينَ ظََلمُوا َأيّ مُ ْنقََلبٍ يَ ْنقَلِبُونَ }‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة "الشعراء" والحمد ل رب العالمين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثنا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يشوون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بركبان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الحبر"‪.‬‬

‫( ‪)6/177‬‬

‫ن َوكِتَابٍ مُبِينٍ (‪ )1‬هُدًى وَبُشْرَى لِ ْل ُمؤْمِنِينَ (‪ )2‬الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّلَا َة وَ ُيؤْتُونَ‬


‫طس تِ ْلكَ آَيَاتُ ا ْلقُرْآَ ِ‬
‫عمَاَلهُمْ َفهُمْ َي ْع َمهُونَ (‪)4‬‬
‫ال ّزكَا َة وَهُمْ بِالَْآخِ َرةِ ُهمْ يُوقِنُونَ (‪ )3‬إِنّ الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِالَْآخِ َرةِ زَيّنّا َل ُهمْ أَ ْ‬
‫حكِيمٍ‬
‫أُولَ ِئكَ الّذِينَ َل ُهمْ سُوءُ ا ْل َعذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِ َرةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (‪ )5‬وَإِ ّنكَ لَتَُلقّى ا ْلقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ َ‬
‫شهَابٍ قَبَسٍ َلعَّلكُمْ‬
‫ستُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِ ْنهَا بِخَبَرٍ َأوْ آَتِيكُمْ ِب ِ‬
‫عَلِيمٍ (‪ )6‬إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهِْلهِ إِنّي آَنَ ْ‬
‫حوَْلهَا وَسُ ْبحَانَ اللّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)8‬‬
‫َتصْطَلُونَ (‪ )7‬فََلمّا جَاءَهَا نُو ِديَ أَنْ بُو ِركَ مَنْ فِي النّارِ َومَنْ َ‬
‫ن وَلّى مُدْبِرًا وََلمْ‬
‫عصَاكَ فََلمّا رَ َآهَا َتهْتَزّ كَأَ ّنهَا جَا ّ‬
‫حكِيمُ (‪ )9‬وَأَلْقِ َ‬
‫يَا مُوسَى إِنّهُ أَنَا اللّهُ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫خفْ إِنّي لَا َيخَافُ لَ َديّ ا ْلمُرْسَلُونَ (‪ )10‬إِلّا مَنْ ظََلمَ ثُمّ َب ّدلَ حُسْنًا َبعْدَ سُوءٍ فَإِنّي‬
‫ُي َعقّبْ يَا مُوسَى لَا تَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عوْنَ‬
‫خلْ يَ َدكَ فِي جَيْ ِبكَ َتخْرُجْ بَ ْيضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْ َ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )11‬وَأَ ْد ِ‬
‫َ‬
‫سحْرٌ مُبِينٌ (‪)13‬‬
‫سقِينَ (‪ )12‬فََلمّا جَاءَ ْتهُمْ آَيَاتُنَا مُ ْبصِ َرةً قَالُوا َهذَا ِ‬
‫َوقَ ْومِهِ إِ ّن ُهمْ كَانُوا َقوْمًا فَا ِ‬

‫سورة النمل‬
‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ن َوكِتَابٍ مُبِينٍ (‪ )1‬هُدًى وَبُشْرَى لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )2‬الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّلةَ‬
‫{ طس تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلقُرْآ ِ‬
‫عمَاَلهُمْ َفهُمْ‬
‫وَ ُيؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَهُمْ بِالخِ َرةِ هُمْ يُوقِنُونَ (‪ )3‬إِنّ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ زَيّنّا َلهُمْ أَ ْ‬
‫ب وَ ُهمْ فِي الخِ َرةِ هُ ُم الخْسَرُونَ (‪ )5‬وَإِ ّنكَ لَتَُلقّى ا ْلقُرْآنَ‬
‫َي ْع َمهُونَ (‪ )4‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َلهُمْ سُوءُ ا ْلعَذَا ِ‬
‫حكِيمٍ عَلِيمٍ (‪} )6‬‬
‫مِنْ لَدُنْ َ‬
‫سوَر‪.‬‬
‫قد تقدم الكلم في "سورة البقرة" على الحروف المتقطعة (‪ )1‬في أوائل ال ّ‬
‫ن َوكِتَابٍ مُبِينٍ } أي ‪ :‬بين واضح‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬تِ ْلكَ آيَاتُ } أي ‪ :‬هذه آيات { ا ْلقُرْآ ِ‬
‫{ هُدًى وَبُشْرَى لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬إنما تحصل الهداية والبشارة من القرآن ِلمَنْ آمن به واتبعه‬
‫وصدقه ‪ ،‬وعمل بما فيه ‪ ،‬وأقام الصلة المكتوبة ‪ ،‬وآتى الزكاة المفروضة ‪ ،‬وآمن (‪ )2‬بالدار‬
‫الخرة والبعث بعد الموت ‪ ،‬والجزاء على العمال ‪ ،‬خيرها وشرها ‪ ،‬والجنة والنار ‪ ،‬كما قال‬
‫عمًى‬
‫علَ ْيهِمْ َ‬
‫شفَا ٌء وَالّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ فِي آذَا ِنهِ ْم َوقْ ٌر وَ ُهوَ َ‬
‫تعالى ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ لِلّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَ ِ‬
‫أُولَ ِئكَ يُنَا َدوْنَ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ } [فصلت ‪ .]44 :‬وقال ‪ { :‬لِتُبَشّرَ ِبهِ ا ْلمُ ّتقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ َق ْومًا لُدّا }‬
‫[مريم ‪ ]97 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ } أي ‪ :‬يكذبون بها ‪ ،‬ويستبعدون‬
‫عمَاَلهُمْ َفهُمْ َي ْع َمهُونَ } أي ‪ :‬حَسّنّا لهم ما هم فيه ‪ ،‬ومددنا لهم في غَيهم فهم‬
‫وقوعها { زَيّنّا َلهُمْ أَ ْ‬
‫يَتيهون في ضللهم‪ .‬وكان هذا جزاء على ما كذبوا به من الدار الخرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ } [النعام ‪:‬‬
‫{ وَ ُنقَّلبُ َأفْ ِئدَ َتهُ ْم وَأَ ْبصَارَهُمْ َكمَا َلمْ ُي ْؤمِنُوا ِبهِ َأ ّولَ مَ ّرةٍ وَ َنذَرُهُمْ فِي ُ‬
‫‪ { ، ]110‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َلهُمْ سُوءُ ا ْلعَذَابِ } أي ‪ :‬في الدنيا والخرة ‪ { ،‬وَهُمْ فِي الخِ َرةِ هُمُ‬
‫الخْسَرُونَ } أي ‪ :‬ليس يخسر أنفسهم وأموالهم سواهم من أهل المحشر‪.‬‬
‫حكِيمٍ عَلِيمٍ } أي ‪ { :‬وَإِ ّنكَ } يا محمد ‪ -‬قال قتادة ‪ { :‬لَتَُلقّى }‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِ ّنكَ لَتَُلقّى ا ْلقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ َ‬
‫حكِيمٍ عَلِيمٍ } أي ‪ :‬من عند حكيم عليم ‪ ،‬أي ‪ :‬حكيم في أوامره‬
‫أي ‪ :‬لتأخذ‪ { .‬ا ْلقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ َ‬
‫ونواهيه ‪ ،‬عليم بالمور جليلها وحقيرها ‪ ،‬فخبره هو الصدق المحض ‪ ،‬وحكمه هو العدل التام ‪،‬‬
‫عدْل [ل مُ َب ّدلَ ِلكَِلمَا ِتهِ] } (‪[ )3‬النعام ‪.]115 :‬‬
‫ك صِ ْدقًا وَ َ‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬وَ َتمّتْ كَِلمَةُ رَ ّب َ‬
‫شهَابٍ قَبَسٍ َلعَّلكُمْ َتصْطَلُونَ (‪)7‬‬
‫ستُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِ ْنهَا بِخَبَرٍ َأوْ آتِيكُمْ ِب ِ‬
‫{ ِإذْ قَالَ مُوسَى لهِْلهِ إِنّي آنَ ْ‬
‫حوَْلهَا وَسُبْحَانَ اللّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )8‬يَا مُوسَى إِنّهُ‬
‫فََلمّا جَاءَهَا نُو ِديَ أَنْ بُو ِركَ مَنْ فِي النّا ِر َومَنْ َ‬
‫ن وَلّى ُمدْبِرًا وَلَمْ ُي َع ّقبْ يَا مُوسَى‬
‫عصَاكَ فََلمّا رَآهَا َتهْتَزّ كَأَ ّنهَا جَا ّ‬
‫حكِيمُ (‪ )9‬وَأَ ْلقِ َ‬
‫أَنَا اللّهُ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‬
‫خفْ إِنّي ل َيخَافُ لَ َديّ ا ْلمُرْسَلُونَ (‪ )10‬إِل مَنْ ظَلَمَ ُثمّ بَ ّدلَ حُسْنًا َبعْدَ سُوءٍ فَإِنّي َ‬
‫ل َت َ‬
‫ن َو َقوْمِهِ إِ ّن ُهمْ‬
‫عوْ َ‬
‫سعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْ َ‬
‫خلْ َي َدكَ فِي جَيْ ِبكَ تَخْرُجْ بَ ْيضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِ ْ‬
‫‪ )11‬وَأَدْ ِ‬
‫سحْرٌ مُبِينٌ (‪} )13‬‬
‫سقِينَ (‪ )12‬فََلمّا جَاءَ ْتهُمْ آيَاتُنَا مُ ْبصِ َرةً قَالُوا َهذَا ِ‬
‫كَانُوا َق ْومًا فَا ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬المقطعة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وأيقن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/178‬‬

‫سدِينَ (‪)14‬‬
‫سهُمْ ظُ ْلمًا وَعُُلوّا فَانْظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْلمُفْ ِ‬
‫حدُوا ِبهَا وَاسْتَ ْيقَنَ ْتهَا أَ ْنفُ ُ‬
‫وَجَ َ‬

‫سهُمْ ظُ ْلمًا وَعُُلوّا فَا ْنظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمفْسِدِينَ (‪} )14‬‬
‫جحَدُوا ِبهَا وَاسْتَ ْيقَنَ ْتهَا أَ ْنفُ ُ‬
‫{ وَ َ‬

‫( ‪)6/178‬‬

‫يقول تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم (‪ )1‬مذكرًا له ما كان من أمر موسى ‪ ،‬كيف اصطفاه ال‬
‫وكلمه ‪ ،‬وناجاه وأعطاه من اليات العظيمة الباهرة ‪ ،‬والدلة القاهرة ‪ ،‬وابتعثه إلى فرعون‬
‫وملئه ‪ ،‬فجحدوا بها وكفروا واستكبروا عن اتباعه والنقياد له ‪ ،‬فقال تعالى ‪ِ { :‬إذْ قَالَ مُوسَى‬
‫لهْلِهِ } أي ‪ :‬اذكر حين سار موسى بأهله ‪ ،‬فأضل الطريق ‪ ،‬وذلك في ليل وظلم ‪ ،‬فآنس من‬
‫ستُ نَارًا سَآتِيكُمْ‬
‫جانب الطور نارًا ‪ ،‬أي ‪ :‬رأى نارًا تأجج (‪ )2‬وتضطرم ‪ ،‬فقال { لهْلِهِ إِنّي آ َن ْ‬
‫شهَابٍ قَبَسٍ َلعَّلكُمْ َتصْطَلُونَ } أي ‪ :‬تتدفؤون به‪.‬‬
‫مِ ْنهَا بِخَبَرٍ } أي ‪ :‬عن الطريق ‪َ { ،‬أوْ آتِي ُكمْ بِ ِ‬
‫وكان كما قال ‪ ،‬فإنه رجع منها بخبر عظيم ‪ ،‬واقتبس منها نورًا عظيمًا ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فََلمّا‬
‫حوَْلهَا } أي ‪ :‬فلما أتاها رأى (‪ )3‬منظرًا هائل عظيمًا ‪،‬‬
‫جَاءَهَا نُو ِديَ أَنْ بُو ِركَ مَنْ فِي النّا ِر َومَنْ َ‬
‫حيث انتهى إليها ‪ ،‬والنار تضطرم في شجرة خضراء ‪ ،‬ل تزداد النار إل توقدًا ‪ ،‬ول تزداد‬
‫الشجرة إل خضرة ونضرة ‪ ،‬ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء‪.‬‬
‫قال ابن عباس وغيره ‪ :‬لم تكن نارًا ‪ ،‬إنما كانت نورًا (‪ )4‬يَ َتوَهّج‪.‬‬
‫وفي رواية عن ابن عباس ‪ :‬نور رب العالمين‪ .‬فوقف موسى متعجبًا مما رأى ‪ ،‬فنودي أن بورك‬
‫من في النار‪ .‬قال ابن عباس ‪[ :‬أي] (‪ُ )5‬قدّس‪.‬‬
‫حوَْلهَا } أي ‪ :‬من الملئكة‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫{ َومَنْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقتادة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا يونس بن حبيب ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪[ -‬و] (‪ )6‬هو الطيالسي ‪ -‬حدثنا‬
‫شعبة والمسعودي ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة ‪ ،‬سمع أبا عُبَيْدة يحدث ‪ ،‬عن أبي موسى ‪ ،‬رضي ال عنه‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال ل ينام ‪ ،‬ول ينبغي له أن ينام ‪ ،‬يخفض‬
‫القسط ويرفعه ‪ ،‬يرفع إليه عمل الليل قبل النهار ‪ ،‬وعمل النهار قبل الليل (‪ .)7‬زاد المسعودي ‪:‬‬
‫"وحجابه النور ‪ -‬أو النار ‪ -‬لو كشفها لحْ َر َقتْ سُبُحات وجهه كل شيء أدركه بصره"‪ .‬ثم قرأ أبو‬
‫حوَْلهَا } (‪)8‬‬
‫عُبَيْدة ‪ { :‬أَنْ بُو ِركَ مَنْ فِي النّا ِر َومَنْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلوات ال وسلمه عليه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تتأجج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬ورأى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬وإنما نور"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬عمل الليل بالنهار وعمل النهار بالليل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ورواه أحمد في مسنده (‪ )4/401‬من طريق وكيع عن المسعودي بنحوه‪.‬‬

‫( ‪)6/179‬‬

‫وأصل هذا الحديث مخرج في الصحيح لمسلم ‪ ،‬من حديث عمرو بن مُرّة ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَسُ ْبحَانَ اللّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬الذي يفعل ما يشاء ول يشبه شيئا من مخلوقاته ‪ ،‬ول‬
‫يحيط به شيء من مصنوعاته ‪ ،‬وهو العلي العظيم ‪ ،‬المباين لجميع المخلوقات ‪ ،‬ول يكتنفه‬
‫الرض والسموات ‪ ،‬بل هو الحد الصمد ‪ ،‬المنزه عن مماثلة المحدثات‪.‬‬
‫حكِيمُ } أعلمه (‪ )2‬أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه ال‬
‫وقوله ‪ { :‬يَا مُوسَى إِنّهُ أَنَا اللّهُ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫العزيز ‪ ،‬الذي عز كل شيء وقهره وغلبه ‪ ،‬الحكيم في أفعاله وأقواله‪.‬‬
‫ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ؛ ليظهر له دليل واضحا على أنه الفاعل المختار ‪ ،‬القادر على‬
‫كل شيء‪ .‬فلما ألقى موسى تلك العصا (‪ )3‬من يده انقلبت في الحال حَيّةً عظيمة هائلة في غاية‬
‫الكبر ‪ ،‬وسرعة الحركة مع ذلك ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فََلمّا رَآهَا َتهْتَزّ كَأَ ّنهَا جَانّ } والجان ‪ :‬ضرب من‬
‫الحيات ‪ ،‬أسرعه حركة ‪ ،‬وأكثره اضطرابا ‪ -‬وفي الحديث َن ْهيٌ عن قتل جِنّان (‪ )4‬البيوت (‪- )5‬‬
‫خفْ‬
‫فلما عاين موسى ذلك { وَلّى مُدْبِرًا وَلَمْ ُي َعقّبْ } أي ‪ :‬لم يلتفت من شدة فرقه { يَا مُوسَى ل َت َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إِنّي ل َيخَافُ لَ َديّ ا ْلمُرْسَلُونَ } أي ‪ :‬ل تخف مما ترى ‪ ،‬فإني أريد أن أصطَفيك رسول وأجعلك‬
‫نبيًا وجيهًا‪.‬‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } هذا استثناء منقطع ‪ ،‬وفيه بشارة‬
‫وقوله ‪ { :‬إِل مَنْ ظَلَمَ ُثمّ بَ ّدلَ حُسْنًا َبعْدَ سُوءٍ فَإِنّي َ‬
‫عظيمة للبشر ‪ ،‬وذلك أن من كان على [عمل] (‪ )6‬شيء ثم أقلع عنه ‪ ،‬ورجع وأناب ‪ ،‬فإن ال‬
‫ع ِملَ صَاِلحًا ثُمّ اهْتَدَى } [طه ‪:‬‬
‫ن وَ َ‬
‫ب وَآمَ َ‬
‫يتوب عليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِنّي َل َغفّارٌ ِلمَنْ تَا َ‬
‫غفُورًا رَحِيمًا }‬
‫‪ ، ]82‬وقال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َي ْعمَلْ سُوءًا َأوْ يَظِْلمْ َنفْسَهُ ُثمّ يَسْ َت ْغفِرِ اللّهَ َيجِدِ اللّهَ َ‬
‫[النساء ‪ ]110 :‬واليات في هذا كثيرة جدًا‪.‬‬
‫خلْ يَ َدكَ فِي جَيْ ِبكَ َتخْرُجْ بَ ْيضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } هذه آية أخرى ‪ ،‬ودليل باهر على‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَ ْد ِ‬
‫قدرة ال الفاعل المختار ‪ ،‬وصِدْق من جعل له معجزة ‪ ،‬وذلك أن ال ‪ -‬تعالى ‪ -‬أمره أن يُدخل‬
‫يده في جيب دِرْعِه ‪ ،‬فإذا أدخلها وأخرجها خَرجت بيضاء ساطعة ‪ ،‬كأنها قطعة قمر ‪ ،‬لها لمعان‬
‫يتلل (‪ )7‬كالبرق الخاطف‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فِي تِسْعِ آيَاتٍ } أي ‪ :‬هاتان ثنتان من تسع آيات أؤيدك بهن ‪ ،‬وأجعلهن برهانا لك إلى‬
‫سقِينَ }‪.‬‬
‫فرعون وقومه { إِ ّنهُمْ كَانُوا َق ْومًا فَا ِ‬
‫وهذه هي اليات التسع التي قال ال تعالى ‪ { :‬وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ } [السراء ‪:‬‬
‫‪ ]101‬كما تقدم تقرير ذلك هنالك‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فََلمّا جَاءَ ْتهُمْ آيَاتُنَا مُ ْبصِ َرةً } أي ‪ :‬بينة واضحة ظاهرة ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)179‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬اعلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬العصاة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حيات"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )3298‬من حديث ابن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬تتلل"‬

‫( ‪)6/180‬‬

‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي َفضّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَا ِدهِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)15‬‬
‫وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَ ْيمَانَ عِ ْلمًا َوقَالَا الْ َ‬
‫شيْءٍ إِنّ هَذَا َل ُهوَ‬
‫طقَ الطّيْ ِر وَأُوتِينَا مِنْ ُكلّ َ‬
‫َووَرِثَ سُلَ ْيمَانُ دَاوُو َد َوقَالَ يَا أَ ّيهَا النّاسُ عُّلمْنَا مَنْ ِ‬
‫س وَالطّيْرِ َفهُمْ يُوزَعُونَ (‪ )17‬حَتّى إِذَا‬
‫ن وَالْإِنْ ِ‬
‫حشِرَ لِسُلَ ْيمَانَ جُنُو ُدهُ مِنَ ا ْلجِ ّ‬
‫ا ْل َفضْلُ ا ْلمُبِينُ (‪ )16‬وَ ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن َوجُنُو ُد ُه وَهُمْ لَا‬
‫طمَ ّنكُمْ سُلَ ْيمَا ُ‬
‫حِ‬‫أَ َتوْا عَلَى وَادِ ال ّن ْملِ قَاَلتْ َنمْلَةٌ يَا أَ ّيهَا ال ّن ْملُ ادْخُلُوا مَسَاكِ َنكُمْ لَا يَ ْ‬
‫شكُرَ ِن ْعمَ َتكَ الّتِي أَ ْن َعمْتَ عََليّ‬
‫حكًا مِنْ َقوِْلهَا َوقَالَ َربّ َأوْزِعْنِي أَنْ أَ ْ‬
‫شعُرُونَ (‪ )18‬فَتَبَسّمَ ضَا ِ‬
‫يَ ْ‬
‫حمَ ِتكَ فِي عِبَا ِدكَ الصّالِحِينَ (‪)19‬‬
‫ل صَالِحًا تَ ْرضَاهُ وََأدْخِلْنِي بِرَ ْ‬
‫ع َم َ‬
‫ي وَأَنْ أَ ْ‬
‫وَعَلَى وَالِ َد ّ‬

‫سحْرٌ مُبِينٌ } وأرادوا معارضته بسحرهم فغلبوا [هنالك] (‪ { )1‬وانقلبوا صاغرين }‪.‬‬
‫{ قَالُوا َهذَا ِ‬
‫سهُمْ } أي ‪ :‬علموا في أنفسهم أنها حق (‬
‫جحَدُوا ِبهَا } أي ‪ :‬في ظاهر أمرهم ‪ { ،‬وَاسْتَ ْيقَنَ ْتهَا أَ ْنفُ ُ‬
‫{ وَ َ‬
‫جحَدوها وعاندوها وكابروها ‪ { ،‬ظُ ْلمًا وَعُُلوّا } أي ‪ :‬ظلما من أنفسهم ‪،‬‬
‫‪ )2‬من عند ال ‪ ،‬ولكن َ‬
‫سجِيّة ملعونة ‪ { ،‬وَعُُلوّا } أي ‪ :‬استكبارًا عن اتباع الحق ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَانْظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ‬
‫َ‬
‫ا ْل ُمفْسِدِينَ } أي ‪ :‬انظر يا محمد كيف كان عاقبة كُفرهم (‪ ، )3‬في إهلك ال إياهم ‪ ،‬وإغراقهم عن‬
‫آخرهم في صبيحة واحدة‪.‬‬
‫وفحوى الخطاب يقول ‪ :‬احذروا أيها المكذبون بمحمد ‪ ،‬الجاحدون لما جاء به من ربه ‪ ،‬أن‬
‫يصيبكم ما أصابهم بطريق الولى والحرى ؛ فإن محمدًا ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ )4‬أشرف‬
‫وأعظم من موسى ‪ ،‬وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى ‪ ،‬بما آتاه ال من الدلئل المقترنة‬
‫بوجوده في نفسه وشمائله ‪ ،‬وما سبقه من البشارات من النبياء به ‪ ،‬وأخذ المواثيق له ‪ ،‬عليه (‪)5‬‬
‫من ربه أفضل الصلة والسلم‪.‬‬
‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي َفضّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَا ِدهِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)15‬‬
‫سلَ ْيمَانَ عِ ْلمًا َوقَال ا ْل َ‬
‫{ وََلقَدْ آتَيْنَا دَاوُ َد وَ ُ‬
‫شيْءٍ إِنّ َهذَا َل ُهوَ‬
‫َووَرِثَ سُلَ ْيمَانُ دَاوُ َد َوقَالَ يَا أَ ّيهَا النّاسُ عُّلمْنَا مَ ْنطِقَ الطّيْ ِر وَأُوتِينَا مِنْ ُكلّ َ‬
‫ن وَالنْسِ وَالطّيْرِ َفهُمْ يُوزَعُونَ (‪ )17‬حَتّى ِإذَا‬
‫حشِرَ لِسُلَ ْيمَانَ جُنُو ُدهُ مِنَ ا ْلجِ ّ‬
‫ا ْل َفضْلُ ا ْلمُبِينُ (‪ )16‬وَ ُ‬
‫ن وَجُنُو ُد ُه وَهُمْ ل‬
‫طمَ ّنكُمْ سُلَ ْيمَا ُ‬
‫أَ َتوْا عَلَى وَادِي ال ّن ْملِ قَاَلتْ َنمَْلةٌ يَا أَ ّيهَا ال ّن ْملُ ا ْدخُلُوا مَسَاكِ َنكُمْ ل َيحْ ِ‬
‫شكُرَ ِن ْعمَ َتكَ الّتِي أَ ْن َعمْتَ عََليّ‬
‫حكًا مِنْ َقوِْلهَا َوقَالَ َربّ َأوْزِعْنِي أَنْ أَ ْ‬
‫شعُرُونَ (‪ )18‬فَتَبَسّمَ ضَا ِ‬
‫يَ ْ‬
‫حمَ ِتكَ فِي عِبَا ِدكَ الصّالِحِينَ (‪.} )19‬‬
‫ل صَالِحًا تَ ْرضَاهُ وََأدْخِلْنِي بِرَ ْ‬
‫ع َم َ‬
‫ي وَأَنْ أَ ْ‬
‫وَعَلَى وَالِ َد ّ‬
‫يخبر تعالى عما أنعم به على عبديه ونبييه داود وابنه سليمان ‪ ،‬عليهما من ال السلم ‪ ،‬من النعم‬
‫الجزيلة ‪ ،‬والمواهب الجليلة ‪ ،‬والصفات الجميلة ‪ ،‬وما جمع لهما بين سعادة الدنيا والخرة ‪،‬‬
‫والملك والتمكين التام في الدنيا ‪ ،‬والنبوة والرسالة في الدين ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وََلقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ‬
‫علَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَا ِدهِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ }‪.‬‬
‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي َفضّلَنَا َ‬
‫وَسُلَ ْيمَانَ عِ ْلمًا َوقَال ا ْل َ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر عن إبراهيم بن يحيى بن تمام (‪ : )6‬أخبرني أبي ‪ ،‬عن جدي قال ‪ :‬كتب‬
‫حمْدُه أفضل من‬
‫عمر بن عبد العزيز ‪ :‬إن ال لم ينعم على عَبد نعمة فحمد ال عليها ‪ ،‬إل كان َ‬
‫نعمته (‪ ، )7‬لو كنت ل تعرف ذلك إل في كتاب ال المنزل ؛ قال ال تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ‬
‫علَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَا ِدهِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } ‪ ،‬وأي نعمة أفضل مما‬
‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي َفضّلَنَا َ‬
‫وَسُلَ ْيمَانَ عِ ْلمًا َوقَال ا ْل َ‬
‫أوتي داود‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صدق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أمرهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬نعمه"‪.‬‬

‫( ‪)6/181‬‬

‫وسليمان ‪ ،‬عليهما السلم ؟‬


‫وقوله ‪َ { :‬ووَ ِرثَ سُلَ ْيمَانُ دَاوُدَ } أي ‪ :‬في الملك والنبوة ‪ ،‬وليس المراد ورا َثةَ المال ؛ إذ لو كان‬
‫كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولد داود ‪ ،‬فإنه قد كان لداود مائ ُة امرأة‪ .‬ولكن‬
‫المراد بذلك وراثةُ الملك والنبوة ؛ فإن النبياء ل تورث أموالهم ‪ ،‬كما أخبر بذلك رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم [في قوله] (‪ : )1‬نحن معشر النبياء ل نورث ‪ ،‬ما تركناه صدقة (‪.)3( )2‬‬
‫شيْءٍ } (‪ ، )5‬أي ‪ :‬أخبر سليمان‬
‫وقوله (‪ { : )4‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ عُّلمْنَا مَ ْنطِقَ الطّيْ ِر وَأُوتِينَا مِنْ ُكلّ َ‬
‫بنعم ال عليه ‪ ،‬فيما وهبه له من الملك التام ‪ ،‬والتمكين العظيم ‪ ،‬حتى إنه سَخّر له النس والجن‬
‫والطير‪ .‬وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضًا ‪ ،‬وهذا شيء لم يُعطَه أحد من البشر ‪ -‬فيما‬
‫علمناه ‪ -‬مما أخبر ال به ورسوله‪َ .‬ومَنْ زعم من الجهلة والرّعاع أنّ الحيوانات كانت تنطق‬
‫كنطق بني آدم قبل سليمان بن داود ‪ -‬كما يتفوه به كثير من الناس ‪ -‬فهو قولٌ بل علم‪ .‬ولو كان‬
‫المر كذلك لم يكن لتخصيص سليمان بذلك فائدة ؛ إذ كلهم يسمع كلم الطيور والبهائم ‪ ،‬ويعرف‬
‫ما تقول ‪ ،‬فليس المر كما زعموا ول كما قالوا ‪ ،‬بل لم تزل (‪ )6‬البهائم والطيور وسائر‬
‫المخلوقات من وقت خُلقت إلى زماننا هذا على هذا الشكل والمنوال‪ .‬ولكن ال ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫كان قد أفهم سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ما يتخاطب به الطيور في الهواء ‪ ،‬وما تنطق (‪ )7‬به‬
‫شيْءٍ } أي ‪:‬‬
‫الحيوانات على اختلف أصنافها ؛ ولهذا قال ‪ { :‬عُّلمْنَا مَنْطِقَ الطّيْ ِر وَأُوتِينَا مِنْ ُكلّ َ‬
‫ضلُ ا ْلمُبِينُ } أي ‪ :‬الظاهر البين ل علينا‪.‬‬
‫مما يحتاج إليه الملك ‪ { ،‬إِنّ َهذَا َل ُهوَ ا ْلفَ ْ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن عمرو بن أبي عمرو ‪ ،‬عن‬
‫المطلب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬كان‬
‫داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فيه غيرة شديدة ‪ ،‬فكان إذا خرج أغلقت البواب ‪ ،‬فلم يدخل على أهله أحد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حتى يرجع"‪ .‬قال ‪" :‬فخرج ذات يوم وأغلقت (‪ )8‬البواب ‪ ،‬فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار ‪ ،‬فإذا‬
‫رجل قائم وسط الدار ‪ ،‬فقالت ِلمَنْ في البيت ‪ :‬من أين دخل هذا الرجل ‪ ،‬والدار مغلقة ؟ وال‬
‫لنفتضحن بداود ‪ ،‬فجاء داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فإذا الرجل قائم وسط الدار ‪ ،‬فقال له داود ‪ :‬من أنت‬
‫؟ قال ‪ :‬الذي ل يهاب الملوك ‪ ،‬ول يمتنع من الحجاب‪ .‬فقال داود ‪ :‬أنت وال إذًا ملك الموت‪.‬‬
‫مرحبًا بأمر ال ‪ ،‬فتزمل داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مكانه حتى قبضت نفسه ‪ ،‬حتى فرغ من شأنه‬
‫وطلعت عليه الشمس ‪ ،‬فقال سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬للطير ‪ :‬أظلي على داود ‪ ،‬فأظلت عليه‬
‫الطير حتى أظلمت عليهما الرض ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما تركناه فهو صدقة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )6727‬من حديث عائشة بلفظ ‪" :‬ل نورث ما تركناه‬
‫صدقة"‪ .‬قال الحافظ ابن حجر في الفتح (‪ : )12/8‬وأما ما اشتهر في كتب أهل الصول وغيرهم‬
‫بلفظ ‪" :‬نحن معاشر النبياء ل نورث" فقد أنكره جماعة من الئمة ‪ ،‬وهو كذلك بالنسبة لخصوص‬
‫لفظ ‪" :‬نحن" وانظر بقية كلمه وحمله لمعنى الحديث في الفتح‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬بعدها في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إن هذا لهو الفضل المبين"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬بل نزل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬وما ينطق"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬وغلقت"‪.‬‬

‫( ‪)6/182‬‬

‫فقال لها سليمان ‪ :‬اقبضي جناحا جناحا" قال أبو هريرة ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كيف فعلت الطير ؟‬
‫فقبض رسول ال صلى ال عليه وسلم يده ‪ ،‬وغلبت عليه يومئذ المضرَحية (‪.)2( )1‬‬
‫جوْزيّ ‪ :‬ال َمضْرَحيّة (‪ )3‬النسور الحُمر‪.‬‬
‫قال أبو الفرج بن ال َ‬
‫س وَالطّيْرِ َفهُمْ يُوزَعُونَ } أي ‪ :‬وجمع‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَحُشِرَ لِسُلَ ْيمَانَ جُنُو ُدهُ مِنَ الْجِنّ وَالنْ ِ‬
‫لسليمان جنوده من الجن والنس والطير يعني ‪ :‬ركب فيهم في أبهة وعظمة (‪ )4‬كبيرة في النس‬
‫‪ ،‬وكانوا هم الذين يلونه ‪ ،‬والجن وهم بعدهم [يكونون] (‪ )5‬في المنزلة ‪ ،‬والطير ومنزلتها فوق‬
‫رأسه ‪ ،‬فإن كان حرّا أظلته منه بأجنحتها‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فهُمْ يُوزَعُونَ } أي ‪ :‬يكف أولهم على آخرهم ؛ لئل يتقدم أحد عن منزلته التي هي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مرتبة له‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬جعل على كل صنف وزعة ‪ ،‬يردون أولها على أخراها ‪ ،‬لئل يتقدموا في المسير ‪،‬‬
‫كما يفعل الملوك اليوم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬حَتّى إِذَا أَ َتوْا عَلَى وَادِي ال ّن ْملِ } أي ‪ :‬حتى إذا مر سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بمن معه من‬
‫طمَ ّنكُمْ سُلَ ْيمَانُ‬
‫حِ‬‫الجيوش والجنود على وادي النمل ‪ { ،‬قَاَلتْ َنمَْلةٌ يَا أَ ّيهَا ال ّن ْملُ ا ْدخُلُوا مَسَاكِ َنكُمْ ل يَ ْ‬
‫شعُرُونَ }‪.‬‬
‫وَجُنُو ُد ُه وَهُمْ ل َي ْ‬
‫أورد (‪ )6‬ابن عساكر ‪ ،‬من طريق إسحاق بن بشر ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ :‬أن‬
‫اسم هذه النملة حرس ‪ ،‬وأنها من قبيلة يقال لهم ‪ :‬بنو الشيصان ‪ ،‬وأنها كانت عرجاء ‪ ،‬وكانت‬
‫بقدر الذّيب (‪.)7‬‬
‫أي ‪ :‬خافت على النمل أن تحطمها (‪ )8‬الخيول بحوافرها ‪ ،‬فأمرتهم بالدخول إلى مساكنها (‪)9‬‬
‫ففهم ذلك سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬منها (‪.)10‬‬
‫ي وَأَنْ‬
‫شكُرَ ِن ْعمَ َتكَ الّتِي أَ ْن َع ْمتَ عََليّ وَعَلَى وَالِ َد ّ‬
‫حكًا مِنْ َقوِْلهَا َوقَالَ َربّ َأوْزِعْنِي أَنْ أَ ْ‬
‫{ فَتَ َبسّ َم ضَا ِ‬
‫ع َملَ صَاِلحًا تَ ْرضَاهُ } أي ‪ :‬ألهمني أن أشكر نعمتك التي مننت بها علي ‪ ،‬من تعليمي منطق‬
‫أَ ْ‬
‫ل صَالِحًا تَ ْرضَاهُ } أي ‪:‬‬
‫ع َم َ‬
‫الطير والحيوان ‪ ،‬وعلى والدي بالسلم لك ‪ ،‬واليمان بك ‪ { ،‬وَأَنْ أَ ْ‬
‫حمَ ِتكَ فِي عِبَا ِدكَ الصّالِحِينَ } أي ‪ :‬إذا توفيتني فألحقني‬
‫خلْنِي بِ َر ْ‬
‫عمل تحبه وترضاه ‪ { ،‬وَأَدْ ِ‬
‫بالصالحين من عبادك ‪ ،‬والرفيق العلى من أوليائك‪.‬‬
‫ومن قال من المفسرين ‪ :‬إن هذا الوادي كان بأرض الشام أو بغيره ‪ ،‬وإن هذه النملة كانت ذات‬
‫جناحين كالذباب ‪ ،‬أو غير ذلك من القاويل ‪ ،‬فل حاصل لها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬المصرحية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/419‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )8/206‬فيه المطلب بن عبد ال بن حنطب وثقه‬
‫أبو زرعة وغيره ‪ ،‬وبقية رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المصرحية" والمثبت من لسان العرب ‪ ،‬مادة "ضرح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬عظيمة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فأورد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬الذئب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬يحطمها"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬مساكنهم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬عنها"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/183‬‬

‫شدِيدًا َأوْ لََأذْبَحَنّهُ َأوْ‬


‫عذَابًا َ‬
‫عذّبَنّهُ َ‬
‫وَتَ َفقّدَ الطّيْرَ َفقَالَ مَا ِليَ لَا أَرَى ا ْل ُهدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ا ْلغَائِبِينَ (‪ )20‬لَأُ َ‬
‫لَيَأْتِيَنّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (‪)21‬‬

‫وعن َنوْف البكالي أنه قال ‪ :‬كان نمل سليمان أمثال الذئاب‪ .‬هكذا رأيته مضبوطا بالياء المثناة من‬
‫تحت‪ .‬وإنما هو بالباء الموحدة ‪ ،‬وذلك تصحيف ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫والغرض أن سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فهم قولها ‪ ،‬وتبسم ضاحكًا من ذلك (‪ ، )1‬وهذا أمر عظيم‬
‫جدا‪.‬‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أنبأنا‬
‫سعَر ‪ ،‬عن زيد ال َعمّي ‪ ،‬عن أبي الصديق الناجي قال ‪ :‬خرج سليمان (‪ )2‬عليه (‪ )3‬السلم ‪،‬‬
‫مِ ْ‬
‫يستسقي ‪ ،‬فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها ‪ ،‬رافعة قوائمها إلى السماء ‪ ،‬وهي تقول ‪ :‬اللهم ‪،‬‬
‫إنا خلق من خلقك ‪ ،‬ول غنى بنا عن سقياك ‪ ،‬وإل تسقنا تهلكنا‪ .‬فقال سليمان عليه السلم ‪:‬‬
‫ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح ‪ -‬عند مسلم ‪ -‬من طريق عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم [قال] (‪ )4‬قَ َرصَت نبيا من النبياء نملة ‪ ،‬فأمر بقرية‬
‫النمل فأحرقت ‪ ،‬فأوحى ال إليه ‪ ،‬أفي (‪ )5‬أن قرصتك نملة أهلكت أمة من المم تُسَبّح ؟ فهل‬
‫نملة واحدة!" (‪.)6‬‬
‫{ وَ َتفَقّدَ الطّيْرَ َفقَالَ مَا ِليَ ل أَرَى ا ْل ُهدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ا ْلغَائِبِينَ (‪ )20‬لعَذّبَنّهُ عَذَابًا شَدِيدًا َأوْ لذْبَحَنّهُ‬
‫َأوْ لَيَأْتِيَنّي ِبسُلْطَانٍ مُبِينٍ (‪.} )21‬‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬عن ابن عباس وغيره ‪ :‬كان الهدهد مهندسا ‪ ،‬يدل‬
‫سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على الماء ‪ ،‬إذا كان بأرض فلة طلبه فنظر له الماء في تخوم الرض ‪،‬‬
‫كما يرى النسان الشيء الظاهر على وجه الرض ‪ ،‬ويعرف كم مساحة بعده من وجه الرض ‪،‬‬
‫فإذا دلهم عليه أمر سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬الجان فحفروا له ذلك المكان ‪ ،‬حتى يستنبط (‪ )7‬الماء‬
‫من قراره ‪ ،‬فنزل سليمان ‪ ،‬عليه السلم [يوما] (‪ ، )8‬بفلة من الرض ‪ ،‬فتفقد الطير ليرى الهدهد‬
‫‪ ،‬فلم يره ‪َ { ،‬فقَالَ مَا ِليَ ل أَرَى ا ْلهُ ْدهُدَ َأمْ كَانَ مِنَ ا ْلغَائِبِينَ }‪.‬‬
‫حدّث يوما عبد ال بن عباس بنحو هذا ‪ ،‬وفي القوم رجل من الخوارج ‪ ،‬يقال له ‪" :‬نافع بن‬
‫الزرق" ‪ ،‬وكان كثير العتراض على ابن عباس ‪ ،‬فقال له ‪ :‬قف يا بن عباس ‪ ،‬غُلبت اليوم! قال‬
‫‪ :‬وَلِمَ ؟ قال ‪ :‬إنك تخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الرض ‪ ،‬وإن الصبي ليضع له الحبة‬
‫في الفخ ‪ ،‬ويحثو على الفخ ترابًا ‪ ،‬فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ ‪ ،‬فيصيده الصبي‪ .‬فقال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ابن عباس ‪ :‬لول أن يذهب هذا فيقول ‪ :‬رددت على ابن عباس ‪ ،‬لما أجبته‪ .‬فقال (‪ )9‬له ‪ :‬ويحك!‬
‫إنه إذا نزل القَدَر عَمي البصر ‪ ،‬وذهب الحَذَر‪ .‬فقال له نافع ‪ :‬وال ل أجادلك في شيء من القرآن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬من قولها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سليمان بن داود"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬عليهما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪.)2241‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬يستنبطوا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ثم قال"‪.‬‬

‫( ‪)6/184‬‬

‫أبدًا (‪.)1‬‬
‫وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد ال البَرْزيّ ‪ -‬من أهل "بَرْ َزةَ" من غوطة‬
‫دمشق ‪ ،‬وكان من الصالحين يصوم [يوم] (‪ )2‬الثنين والخميس ‪ ،‬وكان أعور قد بلغ الثمانين ‪-‬‬
‫عوَره ‪ ،‬فامتنع عليه ‪ ،‬فألح‬
‫فروى ابن عساكر بسنده إلى أبي سليمان بن زيد ‪ :‬أنه سأله عن سبب َ‬
‫عليه شهورًا ‪ ،‬فأخبره أن رجلين من أهل خراسان نزل عنده جمعة في قرية برزة ‪ ،‬وسأله عن‬
‫وادٍ بها ‪ ،‬فأريتهما إياه ‪ ،‬فأخرجا مجامر وأوقدا فيها بخورًا كثيرًا ‪ ،‬حتى عجعج الوادي بالدخان ‪،‬‬
‫فأخذا َيعْزمان والحيات تقبل من كل مكان إليهما ‪ ،‬فل يلتفتان إلى شيء منها ‪ ،‬حتى أقبلت حية‬
‫نحو الذراع ‪ ،‬وعيناها توقدان مثل الدينار‪ .‬فاستبشرا بها عظيما ‪ ،‬وقال الحمد ل الذي لم ُيخَيب‬
‫سفرنا من سنة ‪ ،‬وكسرا المجامر ‪ ،‬وأخذا الحية فأدخل في عينها ميل فاكتحل به ‪ ،‬فسألتهما أن‬
‫يكحلني ‪ ،‬فأبيا ‪ ،‬فألححت عليهما وقلت ‪ :‬ل بد من ذلك ‪ ،‬وتوعدتهما بالدولة ‪ ،‬فكحل عيني‬
‫الواحدة اليمنى ‪ ،‬فحين وقع في عيني نظرت إلى الرض تحتي مثل المرآة ‪ ،‬أنظر ما تحتها كما‬
‫تُري المرآة ‪ ،‬ثم قال لي ‪ :‬سر معنا قليل فسرت معهما وهما يحدثان ‪ ،‬حتى إذا بعدت عن‬
‫القرية ‪ ،‬أخذاني فكتفاني ‪ ،‬وأدخل أحدهما يده في عيني ففقأها ‪ ،‬ورمى بها ومضيا‪ .‬فلم أزل كذلك‬
‫ملقى مكتوفًا ‪ ،‬حتى مر بي نفر ف َفكّ وَثَاقي‪ .‬فهذا ما كان من خبر عيني (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا صدقة بن عمرو‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الغساني ‪ ،‬حدثنا عَبّاد بن مَيْسَرة المِ ْنقَ ِريّ ‪ ،‬عن الحسن قال ‪ :‬اسم هدهد سليمان عليه السلم ‪:‬‬
‫عنبر‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬كان سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إذا غدا إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه ‪:‬‬
‫تفقد الطير ‪ ،‬وكان فيما يزعمون يأتيه ُن َوبٌ من كل صنف من الطير ‪ ،‬كل يوم طائر ‪ ،‬فنظر‬
‫حضَره إل الهدهد ‪َ { ،‬فقَالَ مَا ِليَ ل أَرَى ا ْلهُ ْدهُدَ َأمْ كَانَ مِنَ‬
‫فرأى من أصناف الطير كلّها من َ‬
‫ا ْلغَائِبِينَ } أخطأه بصري من الطير ‪ ،‬أم غاب فلم يحضر ؟‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لعَذّبَنّهُ عَذَابًا شَدِيدًا } ‪ :‬قال العمش ‪ ،‬عن المِ ْنهَال بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس ‪ :‬يعني نتف ريشه‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن شداد ‪ :‬نتف ريشه وتشميسه‪ .‬وكذا قال غير واحد من السلف ‪ :‬إنه نتف ريشه ‪،‬‬
‫وتركه مُ ْلقًى يأكله الذر والنمل‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوْ لذْ َبحَنّهُ } يعني ‪ :‬قتله ‪َ { ،‬أوْ لَيَأْتِيَنّي ِبسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أي ‪ :‬بعذر واضح بين‪.‬‬
‫وقال سفيان بن عيينة ‪ ،‬وعبد ال بن شداد ‪ :‬لما قدم الهدهد قال له الطير ‪ :‬ما خلفك ‪ ،‬فقد نذر‬
‫سليمان دمك! فقال ‪ :‬هل استثنى ؟ فقالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ { :‬لعَذّبَنّهُ عَذَابًا شَدِيدًا َأوْ لذْبَحَنّهُ َأوْ‬
‫لَيَأْتِيَنّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } فقال ‪ :‬نجوت إذًا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/405‬من طريق المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ دمشق (‪" 19/130‬المخطوط")‪.‬‬

‫( ‪)6/185‬‬

‫حطْ بِ ِه وَجِئْ ُتكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ َيقِينٍ (‪)22‬‬


‫َف َمكَثَ غَيْرَ َبعِيدٍ َفقَالَ َأحَطتُ ِبمَا لَمْ تُ ِ‬

‫قال مجاهد ‪ :‬إنما دفع [ال] (‪ )1‬عنه ببره بأمه (‪.)2‬‬


‫{ َف َم َكثَ غَيْرَ َبعِيدٍ َفقَالَ أَحَطتُ ِبمَا لَمْ ُتحِطْ ِب ِه وَجِئْ ُتكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ َيقِينٍ (‪} )22‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬أمه"‪.‬‬

‫( ‪)6/186‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جدُونَ‬
‫شيْءٍ وََلهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (‪ )23‬وَجَدْ ُتهَا َو َق ْو َمهَا َيسْ ُ‬
‫إِنّي وَجَ ْدتُ امْرََأةً َتمِْل ُكهُ ْم وَأُوتِ َيتْ مِنْ ُكلّ َ‬
‫عمَاَلهُمْ َفصَدّهُمْ عَنِ السّبِيلِ َفهُمْ لَا َيهْ َتدُونَ (‪ )24‬أَلّا‬
‫شمْسِ مِنْ دُونِ اللّ ِه وَزَيّنَ َل ُهمُ الشّ ْيطَانُ أَ ْ‬
‫لِل ّ‬
‫ن َومَا ُتعْلِنُونَ (‪ )25‬اللّهُ لَا‬
‫خفُو َ‬
‫ض وَ َيعْلَمُ مَا ُت ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫خبْءَ فِي ال ّ‬
‫سجُدُوا لِلّهِ الّذِي ُيخْرِجُ الْ َ‬
‫يَ ْ‬
‫إِلَهَ ِإلّا ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلعَظِيمِ (‪)26‬‬

‫سجُدُونَ‬
‫جدْ ُتهَا َو َقوْ َمهَا يَ ْ‬
‫عظِيمٌ (‪ )23‬وَ َ‬
‫شيْ ٍء وََلهَا عَرْشٌ َ‬
‫ج ْدتُ امْرََأةً َتمِْل ُكهُ ْم وَأُوتِيَتْ مِنْ ُكلّ َ‬
‫{ إِنّي وَ َ‬
‫عمَاَلهُمْ َفصَدّهُمْ عَنِ السّبِيلِ َفهُمْ ل َيهْتَدُونَ (‪ )24‬أَل‬
‫شمْسِ مِنْ دُونِ اللّ ِه وَزَيّنَ َل ُهمُ الشّ ْيطَانُ أَ ْ‬
‫لِل ّ‬
‫خفُونَ َومَا ُتعْلِنُونَ (‪ )25‬اللّهُ ل‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ وَ َيعْلَمُ مَا تُ ْ‬
‫خبْءَ فِي ال ّ‬
‫سجُدُوا لِلّهِ الّذِي ُيخْرِجُ الْ َ‬
‫يَ ْ‬
‫إِلَهَ إِل ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلعَظِيمِ (‪} )26‬‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬ف َم َكثَ } الهدهد { غَيْرَ َبعِيدٍ } أي ‪ :‬غاب زمانًا يسيرًا ‪ ،‬ثم جاء فقال لسليمان ‪:‬‬
‫حطْ بِهِ } أي ‪ :‬اطلعت على ما لم تطلع عليه أنت ول جنودك ‪ { ،‬وَجِئْ ُتكَ مِنْ سَبَإٍ‬
‫{ َأحَطتُ ِبمَا َلمْ تُ ِ‬
‫بِنَبَإٍ َيقِينٍ } أي ‪ :‬بخبر صدق حق يقين‪.‬‬
‫حمْير ‪ ،‬وهم ملوك اليمن‪.‬‬
‫وسبأ ‪ :‬هم ‪ِ :‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِنّي وَجَ ْدتُ امْرََأةً َتمِْل ُكهُمْ } ‪ ،‬قال الحسن البصري ‪ :‬وهي بلقيس بنت شَرَاحيل ملكة‬
‫سبأ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كانت أمها جنية ‪ ،‬وكان مُؤخّر قدميها مثل حافر الدابة ‪ ،‬من بيت مملكة‪.‬‬
‫وقال زهير بن محمد ‪ :‬وهي بلقيس بنت شَرَاحيل بن مالك بن الريان ‪ ،‬وأمها فارعة الجنية‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج ‪ :‬بلقيس بنت ذي شرخ ‪ ،‬وأمها يلتقة‪.‬‬
‫وقال ابن أبى حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا مُسَدّد ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ -‬يعني ابن عيينة ‪-‬‬
‫عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان مع صاحبة (‪ )1‬سليمان ألف‬
‫قَيْل ‪ ،‬تحت كل قيل مائة ألف [مقاتل] (‪.)2‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قَيْل ‪ ،‬تحت كل قيل ‪ :‬مائة‬
‫ألف مقاتل‪.‬‬
‫ج ْدتُ امْرََأةً َتمِْل ُكهُمْ } ‪ :‬كانت‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا (‪َ )3‬م ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة في قوله ‪ { :‬إِنّي وَ َ‬
‫من بيت مملكة ‪ ،‬وكان أولو مشورتها ثلثمائة واثني عشر رجل كل رجل منهم على عشرة آلف‬
‫رجل‪ .‬وكانت بأرض يقال لها مأرب ‪ ،‬على ثلثة أميال من صنعاء‪.‬‬
‫وهذا القول هو أقرب ‪ ،‬على أنه كثير على مملكة اليمن ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫شيْءٍ } أي ‪ :‬من متاع الدنيا ما (‪ )4‬يحتاج إليه الملك المتمكن ‪ { ،‬وََلهَا‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأُوتِ َيتْ مِنْ ُكلّ َ‬
‫عظِيمٌ }‬
‫عَرْشٌ َ‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬كان لصاحبه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬مما"‪.‬‬

‫( ‪)6/186‬‬

‫يعني ‪ :‬سرير تجلس عليه عظيم هائل مزخرف بالذهب ‪ ،‬وأنواع الجواهر والللئ‪.‬‬
‫قال زهير بن محمد ‪ :‬كان من ذهب صفحتاه ‪ ،‬مرمول بالياقوت والزبرجد‪[ .‬طوله ثمانون‬
‫ذراعًا ‪ ،‬وعرضه أربعون ذراعًا‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬كان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد] (‪ )1‬واللؤلؤ ‪ ،‬وكان إنما‬
‫يخدمها النساء ‪ ،‬لها ستمائة امرأة تلي الخدمة (‪.)2‬‬
‫قال علماء التاريخ ‪ :‬وكان هذا السرير في قصر عظيم مشيد رفيع البناء محكم ‪ ،‬كان فيه ثلثمائة‬
‫وستون طاقة من شرقه ومثلها من غربه (‪ ، )3‬قد وضع بناؤه على أن تدخل الشمس كل يوم من‬
‫جدْ ُتهَا َوقَ ْو َمهَا‬
‫طاقة ‪ ،‬وتغرب من مقابلتها ‪ ،‬فيسجدون لها صباحًا ومساءً ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَ َ‬
‫عمَاَلهُمْ َفصَدّهُمْ عَنِ السّبِيلِ } أي ‪ :‬عن طريق‬
‫شمْسِ مِنْ دُونِ اللّ ِه وَزَيّنَ َل ُهمُ الشّ ْيطَانُ أَ ْ‬
‫سجُدُونَ لِل ّ‬
‫يَ ْ‬
‫الحق ‪َ { ،‬فهُمْ ل َيهْتَدُونَ }‪.‬‬
‫عمَاَلهُمْ َفصَدّ ُهمْ عَنِ السّبِيلِ َف ُه ْم ل‬
‫سجُدُوا لِلّهِ } [معناه ‪ { :‬وَزَيّنَ َلهُمُ الشّيْطَانُ أَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬أَل يَ ْ‬
‫جدُوا لِلّهِ } ] (‪ )4‬أي ‪ :‬ل يعرفون سبيل الحق التي هي إخلص السجود ل وحده‬
‫َيهْتَدُونَ أَل يَسْ ُ‬
‫شمْسُ‬
‫ل وَال ّنهَارُ وَال ّ‬
‫دون ما خلق من شيء من الكواكب وغيرها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومِنْ آيَا ِتهِ اللّ ْي ُ‬
‫جدُوا لِلّهِ الّذِي خََل َقهُنّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ َتعْبُدُونَ } [فصلت ‪:‬‬
‫شمْسِ وَل لِ ْل َقمَ ِر وَاسْ ُ‬
‫سجُدُوا لِل ّ‬
‫وَا ْلقَمَرُ ل تَ ْ‬
‫‪.]37‬‬
‫وقرأ بعض القراء ‪" :‬أل يا اسجدوا ل" جعلها "أل" الستفتاحية ‪ ،‬و"يا" للنداء ‪ ،‬وحذف المنادى ‪،‬‬
‫تقديره عنده ‪" :‬أل يا قوم ‪ ،‬اسجدوا ل"‪.‬‬
‫ت وَالرْضِ } ‪ :‬قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫س َموَا ِ‬
‫خبْءَ فِي ال ّ‬
‫وقوله ‪ { :‬الّذِي يُخْرِجُ الْ َ‬
‫‪ :‬يعلم كل خبيئة في السماء والرض‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫وغير واحد‪.‬‬
‫خبْء ‪ :‬الماء‪ .‬وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬خبء السموات‬
‫وقال سعيد بن المسيب ‪ :‬ال َ‬
‫والرض ‪ :‬ما جعل فيها من الرزاق ‪ :‬المطر من السماء ‪ ،‬والنبات من الرض‪.‬‬
‫وهذا مناسب من كلم الهدهد ‪ ،‬الذي جعل ال فيه من الخاصية ما ذكره ابن عباس وغيره ‪ ،‬من‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أنه يرى الماء يجري في تخوم الرض ودواخلها‪.‬‬
‫خفُونَ َومَا ُتعْلِنُونَ } أي ‪ :‬يعلم ما يخفيه العباد ‪ ،‬وما يعلنونه من القوال‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيعْلَمُ مَا ُت ْ‬
‫خفٍ بِاللّ ْيلِ‬
‫جهَرَ بِ ِه َومَنْ ُهوَ مُسْ َت ْ‬
‫سوَاءٌ مِ ْنكُمْ مَنْ أَسَرّ ا ْلقَ ْولَ َومَنْ َ‬
‫والفعال‪ .‬وهذا كقوله تعالى ‪َ { :‬‬
‫وَسَا ِربٌ بِال ّنهَارِ } [الرعد ‪.]10 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬امرأة تليها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬من شرقية ومثلها من غربية"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/187‬‬

‫قَالَ سَنَنْظُرُ َأصَ َد ْقتَ أَمْ كُ ْنتَ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )27‬اذْ َهبْ ِبكِتَابِي هَذَا فَأَ ْلقِهِ ِإلَ ْيهِمْ ثُمّ َتوَلّ عَ ْنهُمْ فَا ْنظُرْ‬
‫سمِ اللّهِ‬
‫ن وَإِنّهُ بِ ْ‬
‫جعُونَ (‪ )28‬قَاَلتْ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَلَأُ إِنّي أُ ْلقِيَ إَِليّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (‪ )29‬إِنّهُ مِنْ سُلَ ْيمَا َ‬
‫مَاذَا يَ ْر ِ‬
‫ي وَأْتُونِي مُسِْلمِينَ (‪)31‬‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ (‪ )30‬أَلّا َتعْلُوا عََل ّ‬
‫الرّ ْ‬

‫وقوله ‪ { :‬اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلعَظِيمِ } أي ‪ :‬هو المدعو ال ‪ ،‬وهو الذي ل إله إل هو‬
‫رب العرش العظيم ‪ ،‬الذي ليس في المخلوقات أعظم منه‪.‬‬
‫ولما كان الهدهد داعيا إلى الخير ‪ ،‬وعبادة ال وحده والسجود له ‪ ،‬نهي عن قتله ‪ ،‬كما رواه‬
‫المام أحمد وأبو داود وابن ماجه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬نهى النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب ‪ :‬النملة والنحلة والهدهد والصّرَد‪ .‬وإسناده صحيح (‪.)1‬‬
‫{ قَالَ سَنَ ْنظُرُ َأصَ َد ْقتَ َأمْ كُ ْنتَ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )27‬ا ْذ َهبْ ِبكِتَابِي َهذَا فَأَ ْلقِهِ إِلَ ْيهِمْ ُثمّ َت َولّ عَ ْنهُمْ فَانْظُرْ‬
‫سمِ اللّهِ‬
‫ن وَإِنّهُ بِ ْ‬
‫جعُونَ (‪ )28‬قَاَلتْ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَل إِنّي أُ ْل ِقيَ إَِليّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (‪ )29‬إِنّهُ مِنْ سُلَ ْيمَا َ‬
‫مَاذَا يَ ْر ِ‬
‫عَليّ وَأْتُونِي ُمسِْلمِينَ (‪.} )31‬‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ (‪ )30‬أَل َتعْلُوا َ‬
‫الرّ ْ‬
‫يخبر تعالى عن قيل سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬للهدهد حين أخبره عن أهل سبأ وملكتهم ‪ { :‬قَالَ‬
‫سَنَ ْنظُرُ َأصَ َد ْقتَ أَمْ كُ ْنتَ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ } أي ‪ :‬أصدقت (‪ )2‬في إخبارك هذا ‪ { ،‬أَمْ كُ ْنتَ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ‬
‫} في مقالتك ‪ ،‬فتتخلص (‪ )3‬من الوعيد الذي أوعدتك ؟‪.‬‬
‫جعُونَ } ‪ :‬وذلك أن سليمان ‪ ،‬عليه‬
‫{ اذْ َهبْ ِبكِتَابِي هَذَا فَأَ ْلقِه ِإلَ ْيهِمْ ثُمّ َتوَلّ عَ ْنهُمْ فَا ْنظُرْ مَاذَا يَرْ ِ‬
‫السلم ‪ ،‬كتب كتابًا إلى بلقيس وقومها‪ .‬وأعطاه لذلك الهدهد فحمله ‪ ،‬قيل ‪ :‬في جناحه كما هي‬
‫عادة الطير ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بمنقاره‪ .‬وذهب إلى بلدهم فجاء إلى قصر بلقيس ‪ ،‬إلى الخلوة التي كانت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تختلي فيها بنفسها ‪ ،‬فألقاه إليها من ُكوّة هنالك (‪ )4‬بين يديها ‪ ،‬ثم تولى ناحية أدبًا ورياسة ‪،‬‬
‫فتحيرت مما رأت ‪ ،‬وهالها ذلك ‪ ،‬ثم عمدت إلى الكتاب فأخذته ‪ ،‬ففتحت ختمه وقرأته ‪ ،‬فإذا فيه ‪:‬‬
‫ي وَأْتُونِي مُسِْلمِينَ } فجمعت عند ذلك‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ أَل َتعْلُوا عََل ّ‬
‫ن وَإِنّهُ بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫{ إِنّهُ مِنْ سُلَ ْيمَا َ‬
‫أمراءها ووزراءها وكبراء دولتها ومملكتها ‪ ،‬ثم قالت لهم ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمَل إِنّي أُ ْل ِقيَ ِإَليّ كِتَابٌ‬
‫كَرِيمٌ } تعني بكرمه ‪ :‬ما رأته من عجيب أمره ‪ ،‬كون طائر أتى به (‪ )5‬فألقاه إليها ‪ ،‬ثم تولى‬
‫عنها أدبًا‪ .‬وهذا أمر ل يقدر عليه أحد من الملوك ‪ ،‬ول سبيل لهم إلى ذلك ‪ ،‬ثم قرأته عليهم‪.‬‬
‫ي وَأْتُونِي مُسِْلمِينَ }‪.‬فعرفوا أنه من‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ أَل َتعْلُوا عََل ّ‬
‫ن وَإِنّهُ بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫{ إِنّهُ مِنْ سُلَ ْيمَا َ‬
‫نبي ال سليمان ‪ ،‬وأنه ل قبَل لهم به‪ .‬وهذا الكتاب في غاية البلغة والوجازة والفصاحة ‪ ،‬فإنه‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ }‬
‫حصّل المعنى بأيسر عبارة وأحسنها ‪ ،‬قال العلماء ‪ :‬ولم يكتب أحد { بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫َ‬
‫قبل سليمان ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثًا في تفسيره ‪ ،‬حيث قال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هارون بن‬
‫الفضل (‪ )6‬أبو يعلى الحناط (‪ ، )7‬حدثنا أبو يوسف ‪ ،‬عن سلمة بن صالح ‪[ ،‬عن عبد الكريم] (‬
‫‪ )8‬أبي أمية ‪ ،‬عن ابن بُرَيدة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كنت أمشي مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‬
‫‪" :‬إني أعلم آية لم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أجده من حديث أبي هريرة إل عند ابن ماجه في السنن برقم (‪ )3223‬بلفظ ‪" :‬نهى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد"‪ .‬وهو بهذا اللفظ من حديث‬
‫ابن عباس في مسند المام أحمد ( ‪ )1/332‬وسنن أبي داود برقم (‪ )5267‬وسنن ابن ماجه برقم (‬
‫‪.)3224‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬صدقت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬لتتخلص"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هناك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬جاء به"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬المفضل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الخياط"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/188‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شهَدُونِ (‪ )32‬قَالُوا َنحْنُ أُولُو ُق ّوةٍ‬
‫طعَةً َأمْرًا حَتّى تَ ْ‬
‫قَاَلتْ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَلَأُ َأفْتُونِي فِي َأمْرِي مَا كُ ْنتُ قَا ِ‬
‫وَأُولُو بَأْسٍ شَدِي ٍد وَالَْأمْرُ إِلَ ْيكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَ ْأمُرِينَ (‪ )33‬قَاَلتْ إِنّ ا ْلمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْ َيةً َأفْسَدُوهَا‬
‫سلَةٌ إِلَ ْيهِمْ ِبهَدِيّةٍ فَنَاظِ َرةٌ بِمَ يَ ْرجِعُ ا ْلمُرْسَلُونَ‬
‫جعَلُوا أَعِ ّزةَ أَهِْلهَا َأذِلّ ًة َوكَذَِلكَ َي ْفعَلُونَ (‪ )34‬وَإِنّي مُرْ ِ‬
‫وَ َ‬
‫(‪)35‬‬

‫تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود" قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أي آية ؟ قال ‪" :‬سأعلمكها‬
‫قبل أن أخرج من المسجد"‪ .‬قال ‪ :‬فانتهى إلى الباب ‪ ،‬فأخرج إحدى قدميه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬نسي ‪ ،‬ثم‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ } (‪.)1‬‬
‫ن وَإِنّهُ ِبسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫التفت إلي وقال { إِنّهُ مِنْ سُلَ ْيمَا َ‬
‫هذا حديث غريب ‪ ،‬وإسناده ضعيف‪.‬‬
‫وقال ميمون بن ِمهْرَان ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يكتب ‪ :‬باسمك اللهم ‪ ،‬حتى نزلت‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ }‪.‬‬
‫سمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫هذه الية ‪ ،‬فكتب ‪ { :‬بِ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬أَل َتعْلُوا عََليّ } ‪ :‬يقول (‪ )2‬قتادة ‪ :‬ل تجيروا علي { وَأْتُونِي مُسِْلمِينَ }‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬ل تمتنعوا ول تتكبروا علي‪.‬‬
‫{ وَأْتُونِي ُمسِْلمِينَ } ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬موحدين‪ .‬وقال غيره ‪ :‬مخلصين‪ .‬وقال سفيان بن عُيَيْنَة ‪:‬‬
‫طائعين‪.‬‬
‫شهَدُونِ (‪ )32‬قَالُوا نَحْنُ أُولُو ُق ّوةٍ‬
‫طعَةً َأمْرًا حَتّى َت ْ‬
‫{ قَاَلتْ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَل َأفْتُونِي فِي َأمْرِي مَا كُ ْنتُ قَا ِ‬
‫وَأُولُو بَأْسٍ شَدِي ٍد وَالمْرُ إِلَ ْيكِ فَا ْنظُرِي مَاذَا تَ ْأمُرِينَ (‪ )33‬قَاَلتْ إِنّ ا ْلمُلُوكَ ِإذَا َدخَلُوا قَرْيَةً َأ ْفسَدُوهَا‬
‫سلَةٌ إِلَ ْيهِمْ ِبهَدِيّةٍ فَنَاظِ َرةٌ بِمَ يَ ْرجِعُ ا ْلمُرْسَلُونَ‬
‫جعَلُوا أَعِ ّزةَ أَهِْلهَا َأذِلّ ًة َوكَذَِلكَ َي ْفعَلُونَ (‪ )34‬وَإِنّي مُرْ ِ‬
‫وَ َ‬
‫(‪.} )35‬‬
‫لما قرأت عليهم كتاب سليمان استشارتهم في أمرها ‪ ،‬وما قد نزل بها ؛ ولهذا قالت ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا‬
‫شهَدُونِ } أي ‪ :‬حتى تحضرون وتشيرون‪.‬‬
‫طعَةً َأمْرًا حَتّى تَ ْ‬
‫ا ْلمَل َأفْتُونِي فِي َأمْرِي مَا كُ ْنتُ قَا ِ‬
‫شدِيدٍ } أي ‪ :‬مَنوا إليها بعَدَدهم وعددهم وقوتهم ‪ ،‬ثم فوضوا إليها‬
‫{ قَالُوا َنحْنُ أُولُو ُق ّوةٍ وَأُولُو بَأْسٍ َ‬
‫بعد ذلك المر فقالوا ‪ { :‬وَالمْرُ إِلَ ْيكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَ ْأمُرِينَ } أي ‪ :‬نحن ليس لنا عاقة [ول بنا بأس‬
‫‪ ،‬إن شئت أن تقصديه وتحاربيه ‪ ،‬فما لنا عاقة] (‪ )3‬عنه‪ .‬وبعد هذا فالمر (‪ )4‬إليك ‪ ،‬مري فينا‬
‫برأيك (‪ )5‬نمتثله ونطيعه‪.‬‬
‫قال الحسن البصري ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬فوضوا أمرهم إلى عِلْجة تضطرب ثدياها ‪ ،‬فلما قالوا لها ما‬
‫قالوا ‪ ،‬كانت هي أحزم رأيًا منهم ‪ ،‬وأعلم بأمر سليمان ‪ ،‬وأنه (‪ )6‬ل قبل لها بجنوده وجيوشه ‪،‬‬
‫وما سُخّر له من الجن والنس والطير ‪ ،‬وقد شاهَدَت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرًا عجيبًا‬
‫بديعًا ‪ ،‬فقالت لهم ‪ :‬إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه ‪ ،‬فيقصدنا بجنوده ‪ ،‬ويهلكنا بمن معه ‪،‬‬
‫ويخلص إليّ وإليكم الهلك والدمار دون غيرنا ؛ ولهذا قالت ‪ { :‬إِنّ ا ْلمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َأفْسَدُوهَا }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه أبو نعيم في تاريخ أصفهان (‪ )2/187‬من طريق الحسين بن حفص عن أبي يوسف‬
‫به‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وبعدها فالمر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬رأيك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬وأنها"‪.‬‬

‫( ‪)6/189‬‬

‫جعَلُوا أَعِ ّزةَ أَهِْلهَا َأذِلّةً }‬


‫قال ابن عباس ‪ :‬أي إذا دخلوا بلدًا (‪ )1‬ع ْنوَة أفسدوه ‪ ،‬أي ‪ :‬خَرّبوه ‪ { ،‬وَ َ‬
‫أي ‪ :‬وقصدوا من فيها من الولة والجنود ‪ ،‬فأهانوهم غاية الهوان ‪ ،‬إما بالقتل أو بالسر‪.‬‬
‫جعَلُوا أَعِ ّزةَ أَهِْلهَا َأذِلّةً } (‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬قالت بلقيس ‪ { :‬إِنّ ا ْلمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً َأفْسَدُوهَا َو َ‬
‫‪ ، )2‬قال الرب ‪ ،‬عز وجل { َوكَذَِلكَ َي ْفعَلُونَ }‪ .‬ثم عدلت إلى المهادنة والمصالحة والمسالمة‬
‫والمخادعة والمصانعة ‪ ،‬فقالت ‪ { :‬وَإِنّي مُرْسَِلةٌ إِلَ ْيهِمْ ِب َهدِيّةٍ فَنَاظِ َرةٌ بِمَ يَ ْرجِعُ ا ْلمُ ْرسَلُونَ } أي ‪:‬‬
‫سأبعث إليه بهدية تليق به (‪ )3‬وأنظر ماذا يكون جوابه بعد ذلك ‪ ،‬فلعله يقبل ذلك ويكف عنا ‪ ،‬أو‬
‫يضرب علينا خَرَاجا نحمله إليه في كل عام ‪ ،‬ونلتزم له بذلك ويترك قتالنا ومحاربتنا‪ .‬قال قتادة ‪:‬‬
‫رحمها ال ورضي عنها ‪ ،‬ما كان أعقلها في إسلمها وفي شركها!! علمت أن الهدية تقع موقعًا‬
‫من الناس‪.‬‬
‫وقال ابن عباس وغير واحد ‪ :‬قالت لقومها ‪ :‬إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه ‪ ،‬وإن لم يقبلها فهو‬
‫نبي فاتبعوه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بلدة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أذلة وكذلك يفعلون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬بمثله"‪.‬‬

‫( ‪)6/190‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فََلمّا جَاءَ سُلَ ْيمَانَ قَالَ أَ ُتمِدّونَنِ ِبمَالٍ َفمَا آَتَا ِنيَ اللّهُ خَيْرٌ ِممّا آَتَا ُكمْ َبلْ أَنْتُمْ ِب َهدِيّ ِتكُمْ َتفْرَحُونَ (‪)36‬‬
‫جعْ إِلَ ْيهِمْ فَلَنَأْتِيَ ّن ُهمْ بِجُنُودٍ لَا قِ َبلَ َلهُمْ ِبهَا وَلَنُخْ ِرجَ ّنهُمْ مِ ْنهَا أَ ِذلّ ًة وَهُمْ صَاغِرُونَ (‪)37‬‬
‫ارْ ِ‬

‫{ فََلمّا جَاءَ سُلَ ْيمَانَ قَالَ أَ ُتمِدّونَنِي ِبمَالٍ َفمَا آتَا ِنيَ اللّهُ خَيْرٌ ِممّا آتَاكُمْ َبلْ أَنْتُمْ ِبهَدِيّ ِتكُمْ َتفْرَحُونَ (‪)36‬‬
‫جعْ إِلَ ْيهِمْ فَلَنَأْتِيَ ّن ُهمْ بِجُنُودٍ ل قِ َبلَ َلهُمْ ِبهَا وَلَ ُنخْرِجَ ّنهُمْ مِ ْنهَا أَذِلّةً وَهُ ْم صَاغِرُونَ (‪.} )37‬‬
‫ارْ ِ‬
‫ذكر غير واحد من المفسرين ‪ ،‬من السلف وغيرهم ‪ :‬أنها بعثت إليه بهدية عظيمة من ذهب‬
‫وجواهر وللئ وغير ذلك‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬أرسلت بلَبِنَة من ذهب‪ .‬والصحيح أنها أرسلت [إليه] (‬
‫‪ )1‬بآنية من ذهب‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬وأرسلت جواري في زي الغلمان ‪ ،‬وغلمان في زي‬
‫الجواري ‪ ،‬وقالت ‪ :‬إن عرف هؤلء من هؤلء فهو نبي‪ .‬قالوا ‪ :‬فأمرهم [سليمان] (‪ )2‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬أن يتوضؤوا ‪ ،‬فجعلت الجارية تُفرغ على يدها من الماء ‪ ،‬وجعل الغلم يغترف ‪،‬‬
‫فميزهم بذلك‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل جعلت الجارية تغسل باطن (‪ )3‬يدها قبل ظاهرها ‪ ،‬والغلم بالعكس‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل جعلت الجواري يغتسلن (‪ )4‬من أكفهن إلى مرافقهن ‪ ،‬والغلمان من مرافقهم إلى‬
‫أكفهم‪ .‬ول منافاة بين ذلك كله ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وذكر بعضهم ‪ :‬أنها أرسلت إليه بقدح ليمله ماء رواء ‪ ،‬ل من السماء ول من الرض ‪ ،‬فأجرى‬
‫الخيل حتى عرقت ‪ ،‬ثم مله من ذلك ‪ ،‬وبخرزة وسلك ليجعله فيها ‪ ،‬ففعل ذلك‪ .‬وال أعلم أكان‬
‫ذلك أم ل وأكثره مأخوذ من السرائيليات‪ .‬والظاهر أن سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لم ينظر إلى ما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬بطن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬يغسلن"‪.‬‬

‫( ‪)6/190‬‬

‫عفْريتٌ مِنَ ا ْلجِنّ أَنَا آَتِيكَ ِبهِ‬


‫شهَا قَ ْبلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسِْلمِينَ (‪ )38‬قَالَ ِ‬
‫قَالَ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَلَأُ أَ ّيكُمْ يَأْتِينِي ِبعَرْ ِ‬
‫قَ ْبلَ أَنْ َتقُومَ مِنْ َمقَا ِمكَ وَإِنّي عَلَ ْيهِ َلقَ ِويّ َأمِينٌ (‪ )39‬قَالَ الّذِي عِ ْن َدهُ عِلْمٌ مِنَ ا ْلكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَ ْبلَ‬
‫شكُرُ َأمْ َأ ْكفُرُ َومَنْ‬
‫ضلِ رَبّي لِيَبُْلوَنِي أَأَ ْ‬
‫أَنْ يَرْتَدّ إِلَ ْيكَ طَ ْر ُفكَ فََلمّا َر َآهُ مُسْ َتقِرّا عِنْ َدهُ قَالَ هَذَا مِنْ َف ْ‬
‫س ِه َومَنْ َكفَرَ فَإِنّ رَبّي غَ ِنيّ كَرِيمٌ (‪)40‬‬
‫شكُرُ لِ َنفْ ِ‬
‫شكَرَ فَإِ ّنمَا يَ ْ‬
‫َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جاءوا به بالكلية ‪ ،‬ول اعتنى به ‪ ،‬بل أعرض عنه ‪ ،‬وقال منكرًا عليهم ‪ { :‬أَ ُت ِمدّونَنِي ِبمَالٍ } أي ‪:‬‬
‫أتصانعونني بمال لترككم على شرككم وملككم ؟! { َفمَا آتَا ِنيَ اللّهُ خَيْرٌ ِممّا آتَاكُمْ } أي ‪ :‬الذي‬
‫أعطاني ال من الملك والمال والجنود خير مما أنتم فيه ‪َ { ،‬بلْ أَنْ ُتمْ ِبهَدِيّ ِت ُكمْ َتفْرَحُونَ } أي ‪ :‬أنتم‬
‫الذين (‪ )1‬تنقادون للهدايا والتحف ‪ ،‬وأما أنا فل أقبل منكم إل السلم أو السيف‪.‬‬
‫قال العمش ‪ ،‬عن المِ ْنهَال بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫أمر سليمان الشياطين فموهوا له ألف قصر من ذهب وفضة‪ .‬فلما رأت رسلها ذلك قالوا ‪ :‬ما‬
‫يصنع هذا بهديتنا‪ .‬وفي هذا دللة على جواز تهيؤ الملوك وإظهارهم الزينة للرسل والقصاد‪.‬‬
‫{ ا ْرجِعْ إِلَ ْي ِهمْ } أي ‪ :‬بهديتهم ‪ { ،‬فَلَنَأْتِيَ ّنهُمْ ِبجُنُودٍ ل قِ َبلَ َلهُمْ ِبهَا } أي ‪ :‬ل طاقة لهم بقتالهم ‪،‬‬
‫{ وَلَ ُنخْرِجَ ّنهُمْ مِ ْنهَا } أي ‪ :‬من بلدهم ‪َ { ،‬أذِلّ ًة وَهُمْ صَاغِرُونَ } أي ‪ :‬مهانون مدحورون‪.‬‬
‫فلما رجعت إليها رسلُها بهديتها ‪ ،‬وبما قال سليمان ‪ ،‬سمعت وأطاعت هي وقومها ‪ ،‬وأقبلت تسير‬
‫إليه في جنودها خاضعة ذليلة ‪ ،‬معظمة لسليمان ‪ ،‬ناوية متابعته في السلم‪ .‬ولما تحقق سليمان ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬قدومهم عليه ووفودهم إليه ‪ ،‬فرح (‪ )2‬بذلك وسَرّه‪.‬‬
‫عفْريتٌ مِنَ الْجِنّ أَنَا آتِيكَ‬
‫شهَا قَ ْبلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسِْلمِينَ (‪ )38‬قَالَ ِ‬
‫{ قَالَ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَل أَ ّي ُكمْ يَأْتِينِي ِبعَرْ ِ‬
‫ك وَإِنّي عَلَيْهِ َل َق ِويّ َأمِينٌ (‪ )39‬قَالَ الّذِي عِنْ َدهُ عِ ْلمٌ مِنَ ا ْلكِتَابِ أَنَا آتِيكَ ِبهِ‬
‫بِهِ قَ ْبلَ أَنْ َتقُومَ مِنْ َمقَامِ َ‬
‫شكُرُ أَمْ َأكْفُ ُر َومَنْ‬
‫ضلِ رَبّي لِيَبُْلوَنِي أََأ ْ‬
‫قَ ْبلَ أَنْ يَرْتَدّ إِلَ ْيكَ طَ ْر ُفكَ فََلمّا رَآهُ ُمسْ َتقِرّا عِ ْن َدهُ قَالَ هَذَا مِنْ َف ْ‬
‫س ِه َومَنْ َكفَرَ فَإِنّ رَبّي غَ ِنيّ كَرِيمٌ (‪.} )40‬‬
‫شكُرُ لِ َنفْ ِ‬
‫شكَرَ فَإِ ّنمَا يَ ْ‬
‫َ‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن رُومَان قال ‪ :‬فلما رجعت إليها الرسل بما قال سليمان قالت ‪:‬‬
‫قد ‪ -‬وال ‪ -‬عرفتُ ‪ ،‬ما هذا بملك ‪ ،‬وما لنا به من طاقة ‪ ،‬وما نصنع بمكاثرته (‪ )3‬شيئًا‪ .‬وبعثت‬
‫إليه ‪ :‬إني قادمة عليك بملوك قومي ‪ ،‬لنظر ما أمرك وما تدعونا إليه من دينك‪ .‬ثم أمرت بسرير‬
‫ملكها الذي كانت تجلس عليه ‪ -‬وكان من ذهب مُفصّص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ ‪ -‬فجعل في‬
‫سبعة أبيات ‪ ،‬بعضها في بعض ‪ ،‬ثم أقفلت عليه البواب ‪ ،‬ثم قالت لمن خَلفت على سلطانها ‪:‬‬
‫احتفظ بما قبلك ‪ ،‬وسرير ملكي ‪ ،‬فل يخلص إليه أحد من عباد ال ‪ ،‬ول يَرَينّه أحد حتى آتيك‪ .‬ثم‬
‫خصَت إلى سليمان في اثني عشر ألف قَيْل من ملوك اليمن ‪ ،‬تحت يدي كل قَيْل منهم ألوف‬
‫شَ‬‫َ‬
‫كثيرة‪ .‬فجعل سليمان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة ‪ ،‬حتى إذا دَنت جمع مَنْ‬
‫شهَا قَ ْبلَ أَنْ‬
‫عنده من الجن والنس ‪ِ ،‬ممّنْ تحت يديه ‪ ،‬فقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمَل أَ ّي ُكمْ يَأْتِينِي ِبعَ ْر ِ‬
‫يَأْتُونِي مُسِْلمِينَ }‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬لما بلغ سليمان أنها جائية ‪ ،‬وكان قد ذكر له عرشها فأعجبه ‪ ،‬وكان من ذهب ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬ففرح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪" :‬بمكابرته" والمثبت من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري (‪.)19/100‬‬

‫( ‪)6/191‬‬

‫وقوائمه لؤلؤ وجوهر ‪ ،‬وكان مسترًا بالديباج والحرير ‪ ،‬وكانت عليه تسعة مغاليق (‪ ، )1‬فكره أن‬
‫يأخذه بعد إسلمهم‪ .‬وقد علم نبي ال أنهم متى أسلموا تحرم أموالهم مع دمائهم فقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا‬
‫شهَا قَ ْبلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسِْلمِينَ }‪.‬‬
‫ا ْلمَل أَ ّيكُمْ يَأْتِينِي ِبعَرْ ِ‬
‫وهكذا قال عطاء الخراساني ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬وزُهير بن محمد ‪ { :‬قَ ْبلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسِْلمِينَ } فتحرم‬
‫علي أموالهم بإسلمهم‪.‬‬
‫عفْريتٌ مِنَ الْجِنّ } قال مجاهد ‪ :‬أي مارد من الجن‪.‬‬
‫{ قَالَ ِ‬
‫شعَيب الجبائي ‪ :‬وكان اسمه كوزن‪ .‬وكذا قال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن رومان‪ .‬وكذا‬
‫قال ُ‬
‫قال أيضا وهب بن منبه‪.‬‬
‫قال أبو صالح ‪ :‬وكان كأنه جبل‪.‬‬
‫{ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَ ْبلَ أَنْ َتقُومَ مِنْ َمقَا ِمكَ } قال ابن عباس ‪ :‬يعني ‪ :‬قبل أن تقوم من مجلسك‪ .‬وقال‬
‫مجاهد ‪ :‬مقعدك ‪ ،‬وقال السدي ‪ ،‬وغيره ‪ :‬كان يجلس للناس للقضاء والحكومات وللطعام (‪ )2‬من‬
‫أول النهار إلى أن تَزول الشمس‪.‬‬
‫{ وَإِنّي عَلَيْهِ َل َق ِويّ َأمِينٌ } ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬أي قوي على حمله ‪ ،‬أمين على ما فيه من الجوهر‪.‬‬
‫فقال سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬أريد أعجل من ذلك‪ .‬ومن هاهنا يظهر أن النبي سليمان أراد‬
‫سخّر له من الجنود ‪ ،‬الذي لم‬
‫بإحضار هذا السرير إظهار عظمة ما وهبه ال له من الملك ‪ ،‬و َ‬
‫يعطه أحد قبله ‪ ،‬ول يكون لحد من بعده‪ .‬وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها ؛ لن‬
‫هذا خارق عظيم أن يأتي بعرشها كما هو من بلدها قبل أن َيقْدموا عليه‪ .‬هذا وقد حجبته‬
‫بالغلق والقفال والحفظة‪ .‬فلما قال سليمان ‪ :‬أريد أعجل من ذلك ‪ { ،‬قَالَ الّذِي عِنْ َدهُ عِلْمٌ مِنَ‬
‫ا ْلكِتَابِ } قال ابن عباس ‪ :‬وهو آصف كاتب سليمان‪ .‬وكذا َروَى محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن‬
‫رومان ‪ :‬أنه آصف بن برخياء ‪ ،‬وكان صدّيقا يعلم السم العظم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان مؤمنا من النس ‪ ،‬واسمه آصف‪ .‬وكذا قال أبو صالح ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪:‬‬
‫إنه كان من النس ‪ -‬زاد قتادة ‪ :‬من بني إسرائيل‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬كان اسمه أسطوم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ -‬في رواية عنه ‪ : -‬كان اسمه بليخا‪.‬‬
‫وقال زهير بن محمد ‪ :‬هو رجل من الندلس (‪ )3‬يقال له ‪ :‬ذو النور‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وزعم عبد ال بن َلهِيعة ‪ :‬أنه الخضر‪ .‬وهو غريب جدًا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أَنَا آتِيكَ بِهِ قَ ْبلَ أَنْ يَرْ َتدّ إِلَ ْيكَ طَ ْر ُفكَ } أي ‪ :‬ارفع بصرك وانظر مُدّ بصرك مما تقدر‬
‫عليه ‪ ،‬فإنك ل يكل بصرك إل وهو حاضر عندك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬معاليق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والطعام"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬النس"‪.‬‬

‫( ‪)6/192‬‬

‫وقال وهب بن منبه ‪ :‬امدد بصرك ‪ ،‬فل يبلغ مداه حتى آتيك به‪.‬‬
‫فذكروا أنه أمره أن ينظر نحو اليمن التي فيها هذا العرش المطلوب ‪ ،‬ثم قام فتوضأ ‪ ،‬ودعا ال‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬قال ‪ :‬يا ذا الجلل والكرام‪ .‬وقال الزهري ‪ :‬قال ‪ :‬يا إلهنا وإله كل شيء ‪ ،‬إلهًا‬
‫واحدًا ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬ائتني بعرشها‪ .‬قال ‪ :‬فتمثل له بين يديه‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وزهير بن محمد ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬لما دعا ال ‪،‬‬
‫عز وجل ‪ ،‬وسأله أن يأتيه بعرش بلقيس ‪ -‬وكان في اليمن ‪ ،‬وسليمان عليه السلم ببيت المقدس‬
‫‪ -‬غاب السرير ‪ ،‬وغاص في الرض ‪ ،‬ثم نبع من بين يدي سليمان ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬لم يشعر سليمان إل وعرشها يحمل بين يديه‪ .‬قال ‪ :‬وكان‬
‫هذا الذي جاء به من عُبّاد البحر ‪ ،‬فلما عاين سليمان ومَلَؤه ذلك ‪ ،‬ورآه مستقرًا عنده { قَالَ هَذَا‬
‫شكُرُ َأمْ َأ ْكفُرُ َومَنْ‬
‫ضلِ رَبّي } أي ‪ :‬هذا من نعم ال علي { لِيَبُْلوَنِي } أي ‪ :‬ليختبرني ‪ { ،‬أَأَ ْ‬
‫مِنْ َف ْ‬
‫ع ِملَ صَاِلحًا فَلِ َنفْسِ ِه َومَنْ أَسَاءَ َفعَلَ ْيهَا } [فصلت ‪، ]46 :‬‬
‫سهِ } ‪ ،‬كقوله { مَنْ َ‬
‫شكُرُ لِ َنفْ ِ‬
‫شكَرَ فَإِ ّنمَا يَ ْ‬
‫َ‬
‫سهِمْ َي ْم َهدُونَ } [الروم ‪.]44 :‬‬
‫ل صَالِحًا فَل ْنفُ ِ‬
‫ع ِم َ‬
‫وكقوله { َومَنْ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ َكفَرَ فَإِنّ رَبّي غَ ِنيّ كَرِيمٌ } أي ‪ :‬هو غني عن العباد وعبادتهم ‪ { ،‬كَرِيمٌ } أي ‪:‬‬
‫كريم في نفسه ‪ ،‬وإن لم يعبده أحد ‪ ،‬فإن عظمته ليست مفتقرة (‪ )1‬إلى أحد ‪ ،‬وهذا كما قال موسى‬
‫حمِيدٌ } [إبراهيم ‪.]8 :‬‬
‫جمِيعًا فَإِنّ اللّهَ َلغَ ِنيّ َ‬
‫‪ { :‬إِنْ َتكْفُرُوا أَنْتُمْ َومَنْ فِي ال ْرضِ َ‬
‫وفي صحيح مسلم ‪" :‬يقول ال تعالى ‪ :‬يا عبادي لو أن أولكم وآخركم ‪ ،‬وإنسكم وجنكم كانوا على‬
‫أتقى قلب رجل منكم ‪ ،‬ما زاد ذلك في ملكي شيئًا‪ .‬يا عبادي ‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم ‪ ،‬وإنسكم‬
‫وجنكم ‪ ،‬كانوا على أفجر قلب رجل منكم ‪ ،‬ما نقص ذلك من ملكي شيئًا‪ .‬يا عبادي ‪ ،‬إنما هي‬
‫أعمالكم أحصيها لكم [ثم أوفيكم إياها] (‪ )2‬فمن وجد خيرا فليحمد ال ‪ ،‬ومن وجد غير ذلك فل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يلومن إل نفسه" (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬تفتقر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وصحيح مسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪ )2577‬من حديث أبي ذر الغفاري ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)6/193‬‬

‫شهَا نَنْظُرْ أَ َتهْ َتدِي أَمْ َتكُونُ مِنَ الّذِينَ لَا َيهْتَدُونَ (‪ )41‬فََلمّا جَا َءتْ قِيلَ َأ َهكَذَا‬
‫قَالَ َنكّرُوا َلهَا عَ ْر َ‬
‫شكِ قَاَلتْ كَأَنّهُ ُه َو وَأُوتِينَا ا ْلعِلْمَ مِنْ قَبِْلهَا َوكُنّا مُسِْلمِينَ (‪َ )42‬وصَدّهَا مَا كَا َنتْ َتعْبُدُ مِنْ دُونِ‬
‫عَرْ ُ‬
‫ش َفتْ عَنْ‬
‫اللّهِ إِ ّنهَا كَا َنتْ مِنْ َقوْمٍ كَافِرِينَ (‪ )43‬قِيلَ َلهَا ادْخُلِي الصّرْحَ فََلمّا رَأَتْهُ حَسِبَ ْتهُ ُلجّ ًة َوكَ َ‬
‫سَاقَ ْيهَا قَالَ إِنّ ُه صَرْحٌ ُممَرّدٌ مِنْ َقوَارِيرَ قَاَلتْ َربّ إِنّي ظََل ْمتُ َنفْسِي وَأَسَْل ْمتُ َمعَ سُلَ ْيمَانَ لِلّهِ َربّ‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ (‪)44‬‬

‫شهَا نَ ْنظُرْ أَ َتهْتَدِي َأمْ َتكُونُ مِنَ الّذِينَ ل َيهْتَدُونَ (‪ )41‬فََلمّا جَا َءتْ قِيلَ أَ َهكَذَا‬
‫{ قَالَ َنكّرُوا َلهَا عَرْ َ‬
‫شكِ قَاَلتْ كَأَنّهُ ُه َو وَأُوتِينَا ا ْلعِلْمَ مِنْ قَبِْلهَا َوكُنّا مُسِْلمِينَ (‪َ )42‬وصَدّهَا مَا كَا َنتْ َتعْبُدُ مِنْ دُونِ‬
‫عَرْ ُ‬
‫ش َفتْ عَنْ‬
‫اللّهِ إِ ّنهَا كَا َنتْ مِنْ َقوْمٍ كَافِرِينَ (‪ )43‬قِيلَ َلهَا ادْخُلِي الصّرْحَ فََلمّا رَأَتْهُ حَسِبَ ْتهُ ُلجّ ًة َوكَ َ‬
‫سَاقَ ْيهَا قَالَ إِنّ ُه صَرْحٌ ُممَرّدٌ مِنْ َقوَارِيرَ قَاَلتْ َربّ إِنّي ظََل ْمتُ َنفْسِي وَأَسَْل ْمتُ َمعَ سُلَ ْيمَانَ لِلّهِ َربّ‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ (‪} )44‬‬
‫لما جيء سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بعرش بلقيس قبل قدومها ‪ ،‬أمر به أن يغير بعض صفاته ‪،‬‬
‫ليختبر معرفتها وثباتها عند رؤيته ‪ ،‬هل تقدم على أنه عرشها أو أنه ليس به ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬نكّرُوا َلهَا‬
‫شهَا نَ ْنظُرْ أَ َتهْتَدِي َأمْ َتكُونُ مِنَ الّذِينَ ل َيهْتَدُونَ }‪.‬‬
‫عَرْ َ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬نزع عنه فصوصه ومرافقه‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬أمر به فغير ما كان أحمر جعل أصفر ‪ ،‬وما كان أصفر جعل أحمر ‪ :‬وما كان‬
‫أخضر جعل أحمر ‪ ،‬غَيّر كل شيء عن حاله‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬زادوا فيه ونقصوا‪.‬‬
‫[وقال قتادة ‪ :‬جعل أسفله أعله ومقدمه مؤخره ‪ ،‬وزادوا فيه ونقصوا] (‪.)1‬‬
‫شكِ } أي ‪ :‬عرض عليها عرشها ‪ ،‬وقد غير و ُنكّر ‪ ،‬وزيد فيه ونقص‬
‫{ فََلمّا جَا َءتْ قِيلَ أَ َهكَذَا عَرْ ُ‬
‫منه ‪ ،‬فكان فيها ثبات وعقل ‪ ،‬ولها لُب ودهاء وحزم ‪ ،‬فلم تقدم على أنه هو لبعد مسافته عنها ‪،‬‬
‫ول أنه غيره ‪ ،‬لما رأت من آثاره وصفاته ‪ ،‬وإن غير وبدل ونكر ‪ ،‬فقالت ‪ { :‬كَأَنّهُ ُهوَ } أي ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يشبهه ويقاربه‪ .‬وهذا غاية في الذكاء والحزم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأُوتِينَا ا ْلعِلْمَ مِنْ قَبِْلهَا َوكُنّا مُسِْلمِينَ } ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬سليمان يقوله‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وصَدّهَا مَا كَا َنتْ َتعْبُدُ مِنْ دُونِ اللّهِ إِ ّنهَا كَا َنتْ مِنْ َقوْمٍ كَافِرِينَ } ‪ :‬هذا من تمام كلم‬
‫سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ -‬في قول مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬رحمهما ال ‪ -‬أي ‪ :‬قال سليمان ‪:‬‬
‫{ وَأُوتِينَا ا ْلعِلْمَ مِنْ قَبِْلهَا َوكُنّا مُسِْلمِينَ } ‪ ،‬وهي كانت قد صدها ‪ ،‬أي ‪ :‬منعها من عبادة ال وحده‪.‬‬
‫{ مَا (‪ )2‬كَا َنتْ َتعْ ُبدُ مِنْ دُونِ اللّهِ إِ ّنهَا كَا َنتْ مِنْ َقوْمٍ كَافِرِينَ }‪ .‬وهذا الذي قاله مجاهد وسعيد‬
‫حسَنٌ (‪ ، )3‬وقاله ابن جرير أيضا‪.‬‬
‫َ‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬ويحتمل أن يكون في قوله ‪َ { :‬وصَدّهَا } ضمير يعود إلى سليمان ‪ ،‬أو إلى ال‬
‫‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬تقديره ‪ :‬ومنعها { مَا كَا َنتْ َتعْبُدُ مِنْ دُونِ اللّهِ } أي ‪ :‬صدّها عن عبادة غير ال‬
‫{ إِ ّنهَا كَا َنتْ مِنْ َقوْمٍ كَافِرِينَ }‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ويؤيد قول مجاهد ‪ :‬أنها إنما أظهرت السلم بعد دخولها إلى الصرح ‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫شفَتْ عَنْ سَاقَ ْيهَا } وذلك أن سليمان ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬قِيلَ َلهَا ادْخُلِي الصّرْحَ فََلمّا رَأَتْهُ حَسِبَ ْتهُ لُجّ ًة َوكَ َ‬
‫عليه السلم أمر الشياطين فبنوا لها قصرًا عظيما من قوارير ‪ ،‬أي ‪ :‬من زجاج ‪ ،‬وأجرى تحته‬
‫الماء ‪ ،‬فالذي ل يعرف أمره يحسب أنه ماء ‪ ،‬ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه‪ .‬واختلفوا‬
‫في السبب الذي دعا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬بل" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬سعيد بن جبير أيضا"‪.‬‬

‫( ‪)6/194‬‬

‫سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إلى (‪ )1‬اتخاذه ‪ ،‬فقيل ‪ :‬إنه لما عزم على تزويجها واصطفائها لنفسه ؛‬
‫ذكر له جمالها وحسنها ‪ ،‬ولكن في ساقيها هُ ْلبٌ (‪ )2‬عظيم ‪ ،‬ومؤخر أقدامها كمؤخر الدابة‪ .‬فساءه‬
‫ذلك ‪ ،‬فاتخذ هذا ليعلم صحته أم ل ؟ ‪ -‬هذا قول محمد بن كعب القُرَظي ‪ ،‬وغيره ‪ -‬فلما دخلت‬
‫وكشفت عن ساقيها ‪ ،‬رأى أحسن الناس وأحسنه قدمًا ‪ ،‬ولكن رأى على رجليها شعرًا ؛ لنها ملكة‬
‫ليس لها بعل (‪ )3‬فأحب أن يذهب ذلك عنها فقيل لها ‪ :‬الموسى ؟ فقالت ‪ :‬ل أستطيع ذلك‪ .‬وكره‬
‫سليمان ذلك ‪ ،‬وقال (‪ )4‬للجن ‪ :‬اصنعوا شيئًا غير الموسى يذهب به هذا الشعر ‪ ،‬فصنعوا له‬
‫ال ُنوْ َرةَ‪ .‬وكان أول من اتخذت له النّورَة ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومحمد بن كعب‬
‫القرظي ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابن جُرَيْج ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن رُومان ‪ :‬ثم قال لها ‪ :‬ادخلي الصرح ‪ ،‬ليريها مُ ْلكًا هو أعزّ‬
‫من ملكها ‪ ،‬وسلطانا هو أعظم من سلطانها‪ .‬فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها ‪ ،‬ل تشك‬
‫أنه ماء تخوضه ‪ ،‬فقيل لها ‪ :‬إنه صرح ُممَرّد من قوارير‪ .‬فلما وقفت على سليمان ‪ ،‬دعاها إلى‬
‫عبادة ال وعاتبها في عبادتها الشمس (‪ )5‬من دون ال‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬لما رأت الع ْلجَةُ الصرح عرفت ‪ -‬وال ‪ -‬أن قد رأت ملكًا أعظم من‬
‫ملكها‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن بعض أهل العلم ‪ ،‬عن وهب بن منبه قال ‪ :‬أمر سليمان بالصرح ‪،‬‬
‫وقد عملته له الشياطين من زجاج ‪ ،‬كأنه الماء بياضا‪ .‬ثم أرسل الماء تحته ‪ ،‬ثم وضع له فيه‬
‫سريره ‪ ،‬فجلس عليه ‪ ،‬وعكفت عليه الطير والجن والنس ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ادخلي الصرح ‪ ،‬ليريها‬
‫ش َفتْ عَنْ‬
‫حسِبَتْهُ ُلجّ ًة َوكَ َ‬
‫ملكا هو أعز من ملكها ‪ ،‬وسلطانا هو أعظم من سلطانها { فََلمّا رَأَ ْتهُ َ‬
‫سَاقَ ْيهَا } ‪ ،‬ل تشك أنه ماء تخوضه ‪ ،‬قيل لها ‪ { :‬إِنّ ُه صَرْحٌ ُممَرّدٌ مِنْ َقوَارِيرَ } ‪ ،‬فلما وقفت على‬
‫سليمان ‪ ،‬دعاها إلى عبادة ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وعاتبها في عبادتها الشمس من دون ال‪ .‬فقالت بقول‬
‫الزنادقة ‪ ،‬فوقع سليمان ساجدًا إعظاما لما قالت ‪ ،‬وسجد معه الناس ‪ ،‬فسقط في يديها حين رأت‬
‫سليمان صنع ما صنع ‪ ،‬فلما رفع سليمان رأسه قال ‪ :‬ويحك! ماذا قلت ؟ ‪ -‬قال ‪ )6( :‬وأنسيت ما‬
‫قالت (‪ )7‬فقالت ‪َ { :‬ربّ إِنّي ظََل ْمتُ َنفْسِي وَأَسَْل ْمتُ مَعَ سُلَ ْيمَانَ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } ‪ ،‬فأسلمت‬
‫وحسن إسلمها‪.‬‬
‫وقد روى المام أبو بكر بن أبي شيبة في هذا أثرًا غريبا عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ )8( :‬حدثنا‬
‫الحسين بن علي ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬حدثني عطاء بن السائب ‪ ،‬حدثنا مجاهد ‪ ،‬ونحن في الزد ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫حدثنا ابن عباس قال ‪ :‬كان سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬يجلس على سريره ‪ ،‬ثم تُوضَعُ كراسي‬
‫حوله ‪ ،‬فيجلس عليها النس ‪ ،‬ثم يجلس (‪ )9‬الجن ‪ ،‬ثم الشياطين ‪ ،‬ثم تأتي الريح فترفعهم ‪ ،‬ثم‬
‫تظلهم الطير ‪ ،‬ثم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬هلف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬زوج"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬وقال سليمان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الشيطان"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬قالت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬ما قلت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ :‬فقال‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬تجلس"‪.‬‬

‫( ‪)6/195‬‬

‫يغدون قدر ما يشتهي الراكب أن ينزل شهرًا ورواحها شهرًا ‪ ،‬قال ‪ :‬فبينما هو ذات يوم في مسير‬
‫له ‪ ،‬إذ تفقد الطير ففقد الهدهد فقال ‪ { )1( :‬مَا ِليَ ل أَرَى ا ْلهُ ْدهُدَ َأمْ كَانَ مِنَ ا ْلغَائِبِينَ * لعَذّبَنّهُ‬
‫عَذَابًا شَدِيدًا َأوْ لذْبَحَنّهُ َأوْ لَيَأْتِيَنّي ِبسُلْطَانٍ مُبِينٍ } ‪ ،‬قال ‪ :‬فكان عذابه إياه أن ينتفه ‪ ،‬ثم يلقيه في‬
‫الرض ‪ ،‬فل يمتنع من نملة ول من شيء من هوام الرض‪.‬‬
‫قال عطاء ‪ :‬وذكر سعيد بن جُبَير عن ابن عباس مثل حديث مجاهد { َف َم َكثَ غَيْرَ َبعِيدٍ } ‪ -‬فقرأ‬
‫حتى انتهى إلى قوله ‪ { -‬قَالَ سَنَنْظُرُ َأصَ َد ْقتَ َأمْ كُ ْنتَ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ اذْ َهبْ ِبكِتَابِي هَذَا } وكتب‬
‫ي وَأْتُونِي مُسِْلمِينَ } ‪ ،‬فلما ألقى الهدهد‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ } ‪ ،‬إلى بلقيس ‪ { :‬أَل َتعْلُوا عََل ّ‬
‫{ ِبسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫بالكتاب (‪ )2‬إليها ‪ ،‬ألقي في رُوعها ‪ :‬إنه كتاب كريم ‪ ،‬وإنه من سليمان ‪ ،‬وأن ل تعلوا علي‬
‫وأتوني مسلمين‪ .‬قالوا ‪ :‬نحن أولو قوة‪ .‬قالت ‪ :‬إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ‪ ،‬وإني مرسلة‬
‫إليهم بهدية‪ .‬فلما جاءت الهدية سليمان قال ‪ :‬أتمدونني بمال ‪ ،‬ارجع إليهم‪ .‬فلما نظر إلى الغبار ‪-‬‬
‫أخبرنا ابن عباس قال ‪ :‬وكان بين سليمان وبين ملكة سبأ ومَنْ معها حين نظر إلى الغبار كما بيننا‬
‫وبين الحيرة ‪ ،‬قال عطاء ‪ :‬ومجاهد حينئذ في الزد ‪ -‬قال سليمان ‪ :‬أيكم يأتيني بعرشها ؟ قال ‪:‬‬
‫عفْريتٌ مِنَ ا ْلجِنّ أَنَا آتِيكَ‬
‫وبين عرشها وبين سليمان حين نظر إلى الغبار مسيرة شهرين ‪ { ،‬قَالَ ِ‬
‫بِهِ قَ ْبلَ أَنْ َتقُومَ مِنْ َمقَامِكَ }‪ .‬قال ‪ :‬وكان لسليمان مجلس يجلس فيه للناس ‪ ،‬كما يجلس المراء ثم‬
‫يقوم ‪ -‬قال ‪ { )3( :‬أَنَا آتِيكَ بِهِ قَ ْبلَ أَنْ َتقُومَ مِنْ َمقَا ِمكَ }‪ .‬قال سليمان ‪ :‬أريد أعجل من ذلك‪.‬‬
‫فقال الذي عنده علم من الكتاب ‪ :‬أنا أنظر في كتاب ربي ‪ ،‬ثم آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك‪.‬‬
‫قال ‪[ :‬فنظر إليه سليمان فلما قطع كلمه رد سليمان بصره] (‪ ، )4‬فنبع عرشها من تحت قدم‬
‫سليمان ‪ ،‬من تحت كرسي كان سليمان يضع عليه رجله ‪ ،‬ثم يصعد إلى السرير‪ .‬قال ‪ :‬فلما رأى‬
‫شهَا } ‪،‬‬
‫ضلِ رَبّي } ‪ { ،‬قَالَ َنكّرُوا َلهَا عَ ْر َ‬
‫سليمان عرشها [مستقرًا عنده] (‪ )5‬قال ‪َ { :‬هذَا مِنْ َف ْ‬
‫فلما جاءت قيل لها ‪ :‬أهكذا عرشك ؟ قالت ‪ :‬كأنه هو‪ .‬قال ‪ :‬فسألته عن أمرين ‪ ،‬قالت لسليمان ‪:‬‬
‫أريد ماء [من زبد رواء] (‪ )6‬ليس من أرض ول من سماء ‪ -‬وكان سليمان إذا سئل عن شيء ‪،‬‬
‫سأل النس ثم الجن ثم الشياطين‪[ .‬قال] (‪ )7‬فقالت الشياطين ‪ :‬هذا هين ‪ ،‬أجْرِ الخيلَ ثم خذ عرقها‬
‫‪ ،‬ثم امل منه النية‪ .‬قال ‪ :‬فأمر بالخيل (‪ )8‬فأجريت ‪ ،‬ثم أخذ عرقها فمل منه النية‪ .‬قال ‪:‬‬
‫وسألت عن لون ال عز وجل‪ .‬قال ‪ :‬فوثب سليمان عن سريره ‪ ،‬فخر ساجدًا ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رب ‪،‬‬
‫لقد سألَتْني عن أمر إنه يتكايد (‪ ، )9‬أي ‪ :‬يتعاظم في قلبي أن أذكره لك‪ .‬قال ‪ :‬ارجع فقد‬
‫َكفَيتكهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فرجع إلى سريره فقال ‪ :‬ما سألت عنه ؟ قالت ‪ :‬ما سألتك إل عن الماء‪ .‬فقال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لجنوده ‪ :‬ما سألت عنه ؟ فقالوا ‪ :‬ما سألتك إل عن الماء‪ .‬قال ‪ :‬ونَسوه كلّهم‪ .‬قال ‪ :‬وقالت‬
‫الشياطين لسُلَيمان ‪ :‬تُريدُ أن تتخذها لنفسك (‪ ، )10‬فإن اتخذها لنفسه ثم ولد بينهما ولد ‪ ،‬لم ننفك‬
‫من عبوديته‪ .‬قال ‪ :‬فجعلوا صرحًا ممردًا من قوارير ‪ ،‬فيه السمك‪ .‬قال ‪ :‬فقيل لها ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬قال وتفقد الهدهد قال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هذا الكتاب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬أمر الخيل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ليتكابر"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يريد أن يتخذها لنفسه"‪.‬‬

‫( ‪)6/196‬‬

‫شعْرَاء‪ .‬فقال سليمان ‪ :‬هذا‬


‫ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة ‪ ،‬وكشفت عن ساقيها ‪ ،‬فإذا هي َ‬
‫قبيح ‪ ،‬ما يذهبه ؟ فقالوا ‪ :‬تذهبه (‪ )1‬المواسي‪ .‬فقال ‪ :‬أثر الموسى (‪ )2‬قبيح! قال ‪ :‬فجعلت‬
‫الشياطين النورَة‪ .‬قال ‪ :‬فهو أول من جُعلت له النورة‪.‬‬
‫ثم قال أبو بكر بن أبي شيبة ‪ :‬ما أحسنه من حديث‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬بل هو منكر غريب جدًا ‪ ،‬ولعله من أوهام عطاء بن السائب على ابن عباس ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫والقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب ‪ ،‬مما يوجد في صحفهم ‪ ،‬كروايات‬
‫كعب ووهب ‪ -‬سامحهما ال تعالى ‪ -‬فيما نقله إلى هذه المة من أخبار بني إسرائيل ‪ ،‬من‬
‫الوابد (‪ )3‬والغرائب والعجائب ‪ ،‬مما كان وما لم يكن ‪ ،‬ومما حرف وبدل ونسخ‪ .‬وقد أغنانا‬
‫ال ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫أصل الصرح في كلم العرب ‪ :‬هو القصر ‪ ،‬وكل بناء مرتفع ‪ ،‬قال ال ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫إخبارًا عن فرعون ‪ -‬لعنه ال ‪ -‬أنه قال لوزيره هامان { ابْنِ لِي صَ ْرحًا َلعَلّي أَبْلُغُ السْبَابَ‬
‫س َموَاتِ فَأَطِّلعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى } الية [غافر ‪ .]37 ، 36 :‬والصرح ‪ :‬قصر في اليمن‬
‫أَسْبَابَ ال ّ‬
‫عالي البناء ‪ ،‬والممرد أي ‪ :‬المبنى بناء محكما أملس { مِنْ َقوَارِيرَ } أي ‪ :‬زجاج‪ .‬وتمريد البناء‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تمليسه‪ .‬ومارد ‪ :‬حصن بدومة الجندل‪.‬‬
‫والغرض أن سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬اتخذ قصرا عظيما منيفا من زجاج لهذه الملكة ؛ ليريها‬
‫عظمة سلطانه وتمكنه ‪ ،‬فلما رأت ما آتاه ال ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬وجللة ما هو فيه ‪ ،‬وتبصرت في أمره‬
‫انقادت لمر ال (‪ )4‬وعَرَفت أنه نبي كريم ‪ ،‬وملك عظيم ‪ ،‬فأسلمت ل ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وقالت ‪:‬‬
‫ظَل ْمتُ َنفْسِي } أي ‪ :‬بما سلف من كفرها وشركها وعبادتها وقومها الشمس (‪ )5‬من‬
‫{ َربّ إِنّي َ‬
‫دون ال ‪ { ،‬وَأَسَْل ْمتُ مَعَ سُلَ ْيمَانَ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬متابعة لدين سليمان في عبادته ل (‪)6‬‬
‫وحده ‪ ،‬ل شريك له ‪ ،‬الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يذهبه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬المواسي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬النوادر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬لوامر ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬للشمس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬في عبادة ال"‪.‬‬

‫( ‪)6/197‬‬

‫صمُونَ (‪ )45‬قَالَ يَا َقوْمِ ِلمَ‬


‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى َثمُودَ َأخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْ ُبدُوا اللّهَ فَإِذَا ُهمْ فَرِيقَانِ يَخْ َت ِ‬
‫ك وَ ِبمَنْ‬
‫حمُونَ (‪ )46‬قَالُوا اطّيّرْنَا ِب َ‬
‫تَسْ َتعْجِلُونَ بِالسّيّئَةِ قَ ْبلَ ا ْلحَسَنَةِ َلوْلَا َتسْ َت ْغفِرُونَ اللّهَ َلعَّلكُمْ تُ ْر َ‬
‫َم َعكَ قَالَ طَائِ ُركُمْ عِنْدَ اللّهِ َبلْ أَنْ ُتمْ َقوْمٌ ُتفْتَنُونَ (‪)47‬‬

‫صمُونَ (‪ )45‬قَالَ يَا َقوْمِ‬


‫{ وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا إِلَى َثمُودَ أَخَاهُ ْم صَاِلحًا أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ َيخْ َت ِ‬
‫ك وَ ِبمَنْ‬
‫حمُونَ (‪ )46‬قَالُوا اطّيّرْنَا ِب َ‬
‫حسَنَةِ َلوْل تَسْ َت ْغفِرُونَ اللّهَ َلعَّلكُمْ تُ ْر َ‬
‫لِمَ َتسْ َتعْجِلُونَ بِالسّيّ َئةِ قَ ْبلَ الْ َ‬
‫َم َعكَ قَالَ طَائِ ُركُمْ عِنْدَ اللّهِ َبلْ أَنْ ُتمْ َقوْمٌ ُتفْتَنُونَ (‪} )47‬‬
‫يخبر تعالى عن ثمود وما كان من أمرها مع نبيها صالح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين بعثه ال إليهم ‪،‬‬
‫صمُونَ } قال مجاهد ‪ :‬مؤمن‬
‫فدعاهم إلى عبادة ال وحده ل شريك له ‪ { ،‬فَِإذَا ُهمْ فَرِيقَانِ َيخْ َت ِ‬
‫ض ِعفُوا ِلمَنْ آمَنَ مِ ْنهُمْ‬
‫وكافر ‪ -‬كقوله تعالى ‪ { :‬قَالَ ا ْلمَل الّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا مِنْ َق ْومِهِ لِلّذِينَ اسْ ُت ْ‬
‫سلَ بِهِ ُمؤْمِنُونَ قَالَ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا إِنّا بِالّذِي‬
‫سلٌ مِنْ رَبّهِ قَالُوا إِنّا ِبمَا أُرْ ِ‬
‫أَ َتعَْلمُونَ أَنّ صَالِحًا مُرْ َ‬
‫آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [العراف ‪.]76 ، 75 :‬‬

‫( ‪)6/197‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمُوا بِاللّهِ لَنُبَيّتَنّهُ‬
‫ض وَلَا ُيصِْلحُونَ (‪ )48‬قَالُوا َتقَا َ‬
‫سعَةُ رَهْطٍ ُيفْسِدُونَ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫َوكَانَ فِي ا ْلمَدِي َنةِ تِ ْ‬
‫شهِدْنَا َمهِْلكَ َأهْلِ ِه وَإِنّا َلصَا ِدقُونَ (‪َ )49‬و َمكَرُوا َمكْرًا َو َمكَرْنَا َمكْرًا وَ ُهمْ لَا‬
‫وَأَهْلَهُ ُثمّ لَ َنقُولَنّ ِلوَلِيّهِ مَا َ‬
‫ج َمعِينَ (‪ )51‬فَتِ ْلكَ بُيُو ُتهُمْ‬
‫شعُرُونَ (‪ )50‬فَانْظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ َمكْرِ ِهمْ أَنّا َدمّرْنَاهُ ْم َو َق ْو َمهُمْ أَ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫خَاوِيَةً ِبمَا ظََلمُوا إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَ َيةً ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ (‪ )52‬وَأَ ْنجَيْنَا الّذِينَ َآمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ (‪)53‬‬

‫{ قَالَ يَا َقوْمِ ِلمَ تَسْ َت ْعجِلُونَ بِالسّيّئَةِ قَ ْبلَ ا ْلحَسَ َنةِ } ‪ ،‬أي ‪ :‬لم تدعون بحضور العذاب ‪ ،‬ول تطلبون‬
‫حمُونَ * قَالُوا اطّيّرْنَا ِبكَ وَ ِبمَنْ‬
‫من ال رحمته ؟ ولهذا قال ‪َ { :‬لوْل تَسْ َت ْغفِرُونَ اللّهَ َلعَّلكُمْ تُرْ َ‬
‫َم َعكَ } أي ‪ :‬ما رأينا على وجهك ووجوه مَنْ اتبعك خيرا‪ .‬وذلك أنهم ‪ -‬لشقائهم ‪ -‬كان ل يصيب‬
‫أحدًا منهم سوءٌ إل قال ‪ :‬هذا من قبل صالح وأصحابه‪.‬‬
‫حسَنَةُ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬تشاءموا بهم‪ .‬وهذا كما قال تعالى إخبارًا عن قوم فرعون ‪ { :‬فَإِذَا جَاءَ ْت ُهمُ الْ َ‬
‫قَالُوا لَنَا َه ِذهِ وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ سَيّئَةٌ يَطّيّرُوا ِبمُوسَى َومَنْ َمعَهُ أَل إِ ّنمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللّهِ } [العراف ‪:‬‬
‫‪ .]131‬وقال تعالى ‪ { :‬وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ حَسَ َنةٌ َيقُولُوا َه ِذهِ مِنْ عِنْدِ اللّ ِه وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ سَيّ َئةٌ َيقُولُوا َه ِذهِ مِنْ‬
‫عِنْ ِدكَ ُقلْ ُكلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ } [النساء ‪ ]78 :‬أي ‪ :‬بقضاء ال وقدره (‪ .)1‬وقال مخبرًا عن أهل‬
‫جمَ ّنكُ ْم وَلَ َيمَسّ ّن ُكمْ مِنّا عَذَابٌ‬
‫القرية إذ جاءها المرسلون ‪ { :‬قَالُوا إِنّا تَطَيّرْنَا ِبكُمْ لَئِنْ َلمْ تَنْ َتهُوا لَنَرْ ُ‬
‫ك وَ ِبمَنْ َم َعكَ قَالَ طَائِ ُر ُكمْ‬
‫أَلِيمٌ‪ .‬قَالُوا طَائِ ُركُمْ َم َعكُمْ } [يس ‪ .]19 ، 18 :‬وقال هؤلء ‪ { :‬اطّيّرْنَا ِب َ‬
‫عِنْدَ اللّهِ } أي ‪ :‬ال يجازيكم على ذلك { َبلْ أَنْتُمْ َقوْمٌ ُتفْتَنُونَ } قال قتادة ‪ :‬تبتلون بالطاعة‬
‫والمعصية‪.‬‬
‫والظاهر أن المراد بقوله ‪ُ { :‬تفْتَنُونَ } أي ‪ :‬تستدرجون فيما أنتم فيه من الضلل‪.‬‬
‫سمُوا بِاللّهِ لَنُبَيّتَنّهُ‬
‫سعَةُ رَ ْهطٍ ُيفْسِدُونَ فِي ال ْرضِ وَل ُيصْلِحُونَ (‪ )48‬قَالُوا َتقَا َ‬
‫{ َوكَانَ فِي ا ْلمَدِينَةِ تِ ْ‬
‫شهِدْنَا َمهِْلكَ َأهْلِ ِه وَإِنّا َلصَا ِدقُونَ (‪َ )49‬و َمكَرُوا َمكْرًا َو َمكَرْنَا َمكْرًا وَ ُه ْم ل‬
‫وَأَهْلَهُ ُثمّ لَ َنقُولَنّ ِلوَلِيّهِ مَا َ‬
‫ج َمعِينَ (‪ )51‬فَتِ ْلكَ بُيُو ُتهُمْ‬
‫شعُرُونَ (‪ )50‬فَانْظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ َمكْرِ ِهمْ أَنّا َدمّرْنَاهُ ْم َو َق ْو َمهُمْ أَ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫ك ليَةً ِل َقوْمٍ َيعَْلمُونَ (‪ )52‬وَأَنْجَيْنَا الّذِينَ آمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ (‪.} )53‬‬
‫خَاوِيَةً ِبمَا ظََلمُوا إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫يخبر تعالى عن طغاة ثمود ورؤوسهم ‪ ،‬الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضللة والكفر وتكذيب‬
‫صالح ‪ ،‬وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة ‪ ،‬وهموا بقتل صالح أيضًا ‪ ،‬بأن يبيتوه في أهله ليل‬
‫فيقتلوه غيْلَة ‪ ،‬ثم يقولوا لوليائه من أقربيه ‪ :‬إنهم ما علموا بشيء من أمره ‪ ،‬وإنهم لصادقون فيما‬
‫أخبروهم به ‪ ،‬من أنهم لم يشاهدوا ذلك ‪ ،‬فقال تعالى ‪َ { :‬وكَانَ فِي ا ْلمَدِي َنةِ } أي ‪ :‬مدينة ثمود ‪،‬‬
‫ض وَل ُيصِْلحُونَ } وإنما غلب هؤلء على‬
‫سعَةُ رَ ْهطٍ } أي ‪ :‬تسعة نفر ‪ُ { ،‬يفْسِدُونَ فِي ال ْر ِ‬
‫{ ِت ْ‬
‫أمر ثمود ؛ لنهم كانوا كبراء فيهم ورؤساءهم‪.‬‬
‫قال ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هؤلء هم الذين عقروا الناقة ‪ ،‬أي ‪ :‬الذي صدر ذلك عن آرائهم‬
‫ومشورتهم ‪ -‬قبحهم ال ولعنهم ‪ -‬وقد فعل ذلك‪.‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال السّدّي ‪ ،‬عن أبي مالك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان أسماء هؤلء التسعة ‪ :‬دعمى ‪ ،‬ودعيم ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بقدر ال وقضائه"‪.‬‬

‫( ‪)6/198‬‬

‫وهرما ‪ ،‬وهريم ‪ ،‬وداب ‪ ،‬وصواب ‪ ،‬ورياب ‪ ،‬ومسطع ‪ ،‬وقدار بن سالف عاقر الناقة ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫الذي باشر ذلك بيده‪ .‬قال ال تعالى ‪ { :‬فَنَا َدوْا صَاحِ َب ُهمْ فَ َتعَاطَى َف َعقَرَ } [القمر ‪ ، ]29 :‬وقال تعالى‬
‫شقَاهَا } [الشمس ‪.]12 :‬‬
‫{ ِإذِ انْ َب َعثَ أَ ْ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا يحيى بن ربيعة الصنعاني ‪ ،‬سمعت عطاء ‪ -‬هو ابن أبي رباح ‪ -‬يقول‬
‫سعَةُ َرهْطٍ ُيفْسِدُونَ فِي ال ْرضِ وَل ُيصْلِحُونَ } قال ‪ :‬كانوا يقرضون‬
‫‪َ { :‬وكَانَ فِي ا ْلمَدِينَةِ تِ ْ‬
‫الدراهم (‪ ، )1‬يعني ‪ :‬أنهم كانوا يأخذون منها ‪ ،‬وكأنهم كانوا يتعاملون بها عددًا ‪ ،‬كما كان العرب‬
‫يتعاملون‪.‬‬
‫وقال المام مالك ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب أنه قال ‪َ :‬قطْع الذهب والورق من‬
‫الفساد في الرض (‪.)2‬‬
‫وفي الحديث ‪ -‬الذي رواه أبو داود وغيره ‪ : -‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن كسر‬
‫سكة المسلمين الجائزة بينهم إل من بأس (‪.)3‬‬
‫والغرض أن هؤلء الكفرة الفسقة ‪ ،‬كان من صفاتهم الفساد في الرض بكل طريق يقدرون‬
‫عليها ‪ ،‬فمنها ما ذكره هؤلء الئمة وغير ذلك‪.‬‬
‫سمُوا بِاللّهِ لَنُبَيّتَنّ ُه وَأَهْلَهُ } أي ‪ :‬تحالفوا وتبايعوا على قتل نبي ال صالح ‪ ،‬عليه‬
‫وقوله ‪ { :‬قَالُوا َتقَا َ‬
‫السلم ‪ ،‬من لقيه ليل غيلة‪ .‬فكادهم ال ‪ ،‬وجعل الدائرة عليهم‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬تقاسموا وتحالفوا (‪ )4‬على هلكه ‪ ،‬فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعين‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬توافقوا على أن يأخذوه ليل فيقتلوه ‪ ،‬وذكر لنا أنهم بينما هم َمعَانيق إلى صالح‬
‫ليفتكوا به ‪ ،‬إذ بعث ال عليهم صخرة فأهمدتهم‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هم الذين عقروا الناقة ‪ ،‬قالوا حين عقروها ‪ :‬نُبَيّت صالحا‬
‫[وأهله] (‪ )5‬وقومه فنقتلهم ‪ ،‬ثم نقول لولياء صالح ‪ :‬ما شهدنا من هذا شيئا ‪ ،‬وما لنا به من علم‪.‬‬
‫فدمرهم ال أجمعين‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬قال هؤلء التسعة بعدما عقروا الناقة ‪ :‬هَلُم فلنقتل صالحًا ‪ ،‬فإن كان‬
‫صادقًا عجلناه قبلنا ‪ ،‬وإن كان كاذبًا كنا قد ألحقناه بناقته! فأتوه ليل ليبيّتوه في أهله ‪ ،‬فدمغتهم‬
‫الملئكة بالحجارة ‪ ،‬فلما أبطؤوا على أصحابهم ‪ ،‬أتوا مَنزل صالح ‪ ،‬فوجدوهم منشدخين قد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رضخوا بالحجارة ‪ ،‬فقالوا لصالح ‪ :‬أنت قتلتهم ‪ ،‬ثم هموا به ‪ ،‬فقامت عشيرته دونه ‪ ،‬ولبسوا‬
‫السلح ‪ ،‬وقالوا لهم ‪ :‬وال ل تقتلونه أبدًا ‪ ،‬وقد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلث ‪ ،‬فإن كان‬
‫صادقًا فل تزيدوا ربكم عليكم غضبًا ‪ ،‬وإن كان كاذبا فأنتم من وراء ما تريدون‪ .‬فانصرفوا عنهم‬
‫ليلتهم تلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/70‬‬
‫(‪ )2‬الموطأ (‪.)2/635‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪.)3449‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬تحالفوا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/199‬‬

‫ش ْه َوةً مِنْ دُونِ‬


‫ش َة وَأَنْتُمْ تُ ْبصِرُونَ (‪ )54‬أَئِ ّنكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ َ‬
‫وَلُوطًا إِذْ قَالَ ِل َق ْومِهِ أَتَأْتُونَ ا ْلفَاحِ َ‬
‫جهَلُونَ (‪)55‬‬
‫النّسَاءِ َبلْ أَنْتُمْ َقوْمٌ َت ْ‬

‫وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم ‪ :‬لما عقروا الناقة وقال لهم صالح ‪َ { :‬تمَ ّتعُوا فِي دَا ِركُمْ ثَل َثةَ أَيّامٍ‬
‫ك وَعْدٌ غَيْرُ َمكْذُوبٍ } [هود ‪ ، ]65 :‬قالوا ‪ :‬زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلثة أيام ‪ ،‬فنحن‬
‫ذَِل َ‬
‫نفرغ منه وأهله قبل ثلث‪ .‬وكان لصالح مسجد في الحجْر عند شعب هناك يصلي فيه ‪ ،‬فخرجوا‬
‫إلى كهف ‪ ،‬أي ‪ :‬غار هناك ليل فقالوا ‪ :‬إذا جاء يصلي قتلناه (‪ ، )1‬ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى‬
‫أهله ‪ ،‬ففرغنا منهم‪ .‬فبعث ال صخرة من الهضَب حيالهم ‪ ،‬فخشوا أن تشدخهم فتبادروا (‪)2‬‬
‫فانطبقت عليهم الصخرة وهم في ذلك الغار ‪ ،‬فل يدري قومهم أين هم ‪ ،‬ول يدرون ما فعل‬
‫بقومهم‪ .‬فعذب ال هؤلء هاهنا ‪ ،‬وهؤلء هاهنا ‪ ،‬وأنجى ال صالحًا ومن معه ‪ ،‬ثم قرأ ‪:‬‬
‫شعُرُونَ فَا ْنظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ َمكْرِهِمْ أَنّا َدمّرْنَاهُمْ َوقَ ْو َمهُمْ‬
‫{ َو َمكَرُوا َمكْرًا َو َمكَرْنَا َمكْرًا وَهُمْ ل يَ ْ‬
‫ك ليَةً ِل َقوْمٍ‬
‫ج َمعِينَ فَتِ ْلكَ بُيُو ُتهُمْ خَاوِيَةً } أي ‪ :‬فارغة ليس فيها أحد { ِبمَا ظََلمُوا إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫أَ ْ‬
‫َيعَْلمُونَ‪ .‬وَأَنْجَيْنَا الّذِينَ آمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ }‪.‬‬
‫ش ْهوَةً مِنْ دُونِ‬
‫حشَ َة وَأَنْتُمْ تُ ْبصِرُونَ (‪ )54‬أَئِ ّن ُكمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ َ‬
‫{ وَلُوطًا ِإذْ قَالَ ِل َقوْمِهِ أَتَأْتُونَ ا ْلفَا ِ‬
‫جهَلُونَ (‪} )55‬‬
‫النّسَاءِ َبلْ أَنْتُمْ َقوْمٌ َت ْ‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقلناه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فبادروا"‪.‬‬

‫( ‪)6/200‬‬

‫طهّرُونَ (‪ )56‬فَأَ ْنجَيْنَاهُ‬


‫جوَابَ َق ْومِهِ إِلّا أَنْ قَالُوا َأخْرِجُوا َآلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَ ِتكُمْ إِ ّنهُمْ أُنَاسٌ يَ َت َ‬
‫َفمَا كَانَ َ‬
‫وَأَهْلَهُ إِلّا امْرَأَتَهُ قَدّرْنَاهَا مِنَ ا ْلغَابِرِينَ (‪ )57‬وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ ا ْلمُنْذَرِينَ (‪)58‬‬

‫طهّرُونَ (‪ )56‬فَأَ ْنجَيْنَاهُ‬


‫جوَابَ َق ْومِهِ إِل أَنْ قَالُوا َأخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَ ِتكُمْ إِ ّن ُهمْ أُنَاسٌ يَ َت َ‬
‫{ َفمَا كَانَ َ‬
‫وَأَهْلَهُ إِل امْرَأَتَهُ قَدّرْنَاهَا مِنَ ا ْلغَابِرِينَ (‪ )57‬وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ َمطَرُ ا ْلمُنْذَرِينَ (‪.} )58‬‬
‫يخبر تعالى عن عبده لوط عليه السلم ‪ ،‬أنه أنذر قومه نقمة ال بهم ‪ ،‬في فعلهم الفاحشة التي لم‬
‫يسبقهم إليها أحد من بني آدم ‪ ،‬وهي إتيان الذكور دون الناث ‪ ،‬وذلك فاحشة عظيمة ‪ ،‬استغنى‬
‫حشَ َة وَأَنْتُمْ تُ ْبصِرُونَ } أي ‪ :‬يرى‬
‫الرجال بالرجال ‪ ،‬والنساء بالنساء ‪ -‬قال (‪ { )1‬أَتَأْتُونَ ا ْلفَا ِ‬
‫بعضكم بعضًا ‪ ،‬وتأتون في ناديكم المنكر ؟‬
‫جهَلُونَ } أي ‪ :‬ل تعرفون شيئًا ل طبعًا‬
‫ش ْهوَةً مِنْ دُونِ النّسَاءِ َبلْ أَنْ ُتمْ َقوْمٌ َت ْ‬
‫{ أَئِ ّن ُكمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ َ‬
‫ول شرعًا ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ { :‬أَتَأْتُونَ ال ّذكْرَانَ مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خََلقَ َلكُمْ‬
‫ج ُكمْ َبلْ أَنْتُمْ َقوْمٌ عَادُونَ } [الشعراء ‪.]166 ، 165 :‬‬
‫رَ ّبكُمْ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫طهّرُونَ } أي ‪:‬‬
‫جوَابَ َق ْومِهِ إِل أَنْ قَالُوا َأخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَ ِتكُمْ إِ ّن ُهمْ أُنَاسٌ يَ َت َ‬
‫{ َفمَا كَانَ َ‬
‫يتحرجون (‪ )2‬من فعل ما تفعلونه ‪ ،‬ومن إقراركم على صنيعكم ‪ ،‬فأخرجوهم من بين أظهركم‬
‫فإنهم ل يصلحون لمجاورتكم في بلدكم‪ .‬فعزموا على ذلك ‪ ،‬فدمر ال عليهم وللكافرين أمثالها‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فَأَنْجَيْنَا ُه وَأَهَْلهُ إِل امْرَأَتَهُ َقدّرْنَاهَا مِنَ ا ْلغَابِرِينَ } أي ‪ :‬من الهالكين مع قومها ؛‬
‫لنها كانت ردءًا لهم على دينهم ‪ ،‬وعلى طريقتهم في رضاها بأفعالهم القبيحة ‪ ،‬فكانت (‪ )3‬تدل‬
‫قومها على ضيفان لوط ‪ ،‬ليأتوا إليهم ‪ ،‬ل أنها كانت تفعل الفواحش (‪ )4‬تكرمة لنبي ال صلى ال‬
‫عليه وسلم (‪ )5‬ل كرامة لها (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يخرجون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬وكانت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬الفاحشة"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬صلوات ال عليه وسلمه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬بها"‪.‬‬

‫( ‪)6/200‬‬

‫سمَاوَاتِ‬
‫خلَقَ ال ّ‬
‫طفَى آَللّهُ خَيْرٌ َأمّا ُيشْ ِركُونَ (‪َ )59‬أمْ مَنْ َ‬
‫حمْدُ لِلّ ِه وَسَلَامٌ عَلَى عِبَا ِدهِ الّذِينَ اصْ َ‬
‫ُقلِ الْ َ‬
‫شجَرَهَا أَئَِلهٌ‬
‫سمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَا ِئقَ ذَاتَ َب ْهجَةٍ مَا كَانَ َلكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا َ‬
‫وَالْأَ ْرضَ وَأَنْ َزلَ َلكُمْ مِنَ ال ّ‬
‫مَعَ اللّهِ َبلْ هُمْ َقوْمٌ َيعْدِلُونَ (‪)60‬‬

‫علَ ْيهِمْ مَطَرًا } أي ‪ :‬حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من‬
‫وقوله ‪ { :‬وََأمْطَرْنَا َ‬
‫الظالمين ببعيد ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَسَاءَ َمطَرُ ا ْلمُنْذَرِينَ } أي ‪ :‬الذين قامت عليهم الحجة ‪ ،‬ووصل‬
‫إليهم النذار ‪ ،‬فخالفوا الرسول وكذبوه ‪ ،‬وَهمّوا بإخراجه من بينهم‪.‬‬
‫خلَقَ‬
‫طفَى آللّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا ُيشْ ِركُونَ (‪َ )59‬أمْ مَنْ َ‬
‫صَ‬‫حمْدُ لِلّ ِه وَسَلمٌ عَلَى عِبَا ِدهِ الّذِينَ ا ْ‬
‫{ ُقلِ ا ْل َ‬
‫حدَائِقَ ذَاتَ َبهْجَةٍ مَا كَانَ َلكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا‬
‫سمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا ِبهِ َ‬
‫ض وَأَنزلَ َلكُمْ مِنَ ال ّ‬
‫س َموَاتِ وَال ْر َ‬
‫ال ّ‬
‫شجَرَهَا أَإَِلهٌ مَعَ اللّهِ َبلْ هُمْ َقوْمٌ َيعْدِلُونَ (‪.} )60‬‬
‫َ‬
‫حمْدُ ِللّهِ } أي ‪ :‬على نعَمه على عباده‬
‫يقول تعالى آمرًا رسوله صلى ال عليه وسلم أن يقول ‪ { :‬ا ْل َ‬
‫‪ ،‬من النعم التي ل تعد ول تحصى ‪ ،‬وعلى ما اتصف به من الصفات العُلى والسماء الحسنى ‪،‬‬
‫وأن يُسَلّم على عباد ال الذين اصطفاهم واختارهم ‪ ،‬وهم رسله وأنبياؤه الكرام ‪ ،‬عليهم من ال‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬هكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغيره ‪ :‬إن المراد بعباده الذين‬
‫صفُونَ * وَسَلمٌ‬
‫عمّا َي ِ‬
‫اصطفى ‪ :‬هم النبياء ‪ ،‬قال ‪ :‬وهو كقوله تعالى ‪ { :‬سُ ْبحَانَ رَ ّبكَ َربّ ا ْلعِ ّزةِ َ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [الصافات ‪.]182 - 180 :‬‬
‫عَلَى ا ْلمُرْسَلِينَ * وَا ْل َ‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬والسدي ‪ :‬هم أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬رضي [ال] (‪ )1‬عنهم‬
‫أجمعين ‪ ،‬وروي نحوه عن ابن عباس‪.‬‬
‫ول منافاة ‪ ،‬فإنهم إذا كانوا من عباد ال الذين اصطفى ‪ ،‬فالنبياء بطريق الولى والحرى ‪،‬‬
‫والقصد أن ال تعالى أمر رسوله ومن اتبعه بعد ما ذكر لهم (‪ )2‬ما فعل بأوليائه من النجاة‬
‫والنصر والتأييد ‪ ،‬وما أحل بأعدائه من الخزي والنكال والقهر ‪ ،‬أن يحمدوه على جميع (‪ )3‬أفعاله‬
‫‪ ،‬وأن يسلموا على عباده المصطفين الخيار‪.‬‬
‫وقد قال أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا محمد بن عمارة بن صَبِيح ‪ ،‬حدثنا طَلْق بن غنام ‪ ،‬حدثنا الحكم‬
‫ظهَيْر ‪ ،‬عن السدي ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬عن أبي مالك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَسَلمٌ عَلَى عِبَا ِدهِ‬
‫بن ُ‬
‫طفَى } قال ‪ :‬هم أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم اصطفاهم ال لنبيه ‪ ،‬رضي ال‬
‫صَ‬‫الّذِينَ ا ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عنهم (‪.)4‬‬
‫وقوله ‪ { :‬آللّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْ ِركُونَ } ‪ :‬استفهام إنكار على المشركين في عبادتهم مع ال آلهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ثم شرع تعالى يبين (‪ )5‬أنه المنفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬أمّنْ خَلَقَ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضَ } أي ‪ :‬تلك السموات بارتفاعها وصفائها ‪ ،‬وما جعل فيها من الكواكب النيرة‬
‫ال ّ‬
‫والنجوم الزاهرة والفلك الدائرة ‪ ،‬والرض باستفالها وكثافتها ‪ ،‬وما جعل فيها من الجبال‬
‫والوعار والسهول ‪ ،‬والفيافي والقفار ‪ ،‬والشجار والزروع ‪ ،‬والثمار والبحور (‪ )6‬والحيوان‬
‫على اختلف الصناف والشكال واللوان وغير ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬بعد ذكره لهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬جميل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند البزار برقم (‪" )2243‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/87‬وفيه الحكم‬
‫بن ظهير ‪ ،‬وهو متروك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬شرع يبين تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬والبحار"‪.‬‬

‫( ‪)6/201‬‬

‫سمَاءِ مَاءً } أي ‪ :‬جعله رزقا للعباد ‪ { ،‬فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَا ِئقَ } أي ‪ :‬بساتين‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنزلَ َلكُمْ مِنَ ال ّ‬
‫{ ذَاتَ َبهْجَةٍ } أي ‪ :‬منظر حسن وشكل بهي ‪ { ،‬مَا كَانَ َلكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا } أي ‪ :‬لم تكونوا‬
‫تقدرون على إنبات شجرها ‪ ،‬وإنما يقدر على ذلك الخالق الرازق ‪ ،‬المستقل بذلك المتفرد به ‪،‬‬
‫دون ما سواه من الصنام والنداد ‪ ،‬كما يعترف (‪ )1‬به هؤلء المشركون ‪ ،‬كما قال تعالى في‬
‫الية الخرى ‪ { :‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خََل َقهُمْ لَ َيقُولُنّ اللّهُ } [الزخرف ‪ { ، ]87 :‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ نزلَ‬
‫سمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا ِبهِ ال ْرضَ مِنْ َبعْدِ َموْ ِتهَا لَ َيقُولُنّ اللّهُ } [العنكبوت ‪ ]63 :‬أي ‪ :‬هم معترفون‬
‫مِنَ ال ّ‬
‫بأنه الفاعل لجميع ذلك وحده ل شريك له ‪ ،‬ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه ل يخلق ول‬
‫يرزق ‪ ،‬وإنما يستحق أن يُفرَدَ بالعبادة مَن هو المتفرد بالخلق والرزق ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَإَِلهٌ مَعَ اللّهِ‬
‫} أي ‪ :‬أإله مع ال يعبد‪ .‬وقد تبين لكم ‪ ،‬ولكل ذي لب مما يعرفون (‪ )2‬به أيضًا أنه الخالق‬
‫الرازق‪.‬‬
‫ومن المفسرين من يقول ‪ :‬معنى قوله ‪ { :‬أَإِلَهٌ َمعَ اللّهِ } [أي ‪ :‬أإله مع ال] (‪ )3‬فعل هذا‪ .‬وهو‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يرجع إلى معنى الول ؛ لن تقدير الجواب أنهم يقولون ‪ :‬ليس َثمّ أحدٌ فعل هذا معه ‪ ،‬بل هو‬
‫المتفرد به‪ .‬فيقال ‪ :‬فكيف تعبدون معه غيره وهو المستقل المتفرد بالخلق والتدبير ؟ كما قال ‪:‬‬
‫{ َأ َفمَنْ َيخْلُقُ َكمَنْ ل َيخْلُقُ } [النحل ‪.]17 :‬‬
‫ت وَال ْرضَ } ‪ { :‬أمن } في هذه اليات [كلها] (‪ )4‬تقديره ‪ :‬أمن‬
‫س َموَا ِ‬
‫خلَقَ ال ّ‬
‫وقوله هاهنا ‪َ { :‬أمّنْ َ‬
‫يفعل هذه الشياء َكمَنْ ل يقدر على شيء منها ؟ هذا معنى السياق وإن لم يذكر الخر ؛ لن في‬
‫قوة الكلم ما يرشد إلى ذلك ‪ ،‬وقد قال ‪ { :‬آل خير أما يشركون }‪.‬‬
‫ثم قال في آخر الية ‪َ { :‬بلْ هُمْ َقوْمٌ َي ْعدِلُونَ } أي ‪ :‬يجعلون ل عدل ونظيرًا‪ .‬وهكذا قال تعالى ‪:‬‬
‫حمَةَ رَبّهِ} [الزمر ‪ ]9 :‬أي ‪ :‬أمن‬
‫حذَرُ الخِ َر َة وَيَرْجُو َر ْ‬
‫{ َأمْ مَنْ ُهوَ قَا ِنتٌ آنَاءَ اللّ ْيلِ سَاجِدًا َوقَا ِئمًا يَ ْ‬
‫ن وَالّذِينَ ل َيعَْلمُونَ إِ ّنمَا‬
‫هو هكذا َكمَنْ ليس كذلك ؟ ولهذا قال ‪ُ { :‬قلْ َهلْ يَسْ َتوِي الّذِينَ َيعَْلمُو َ‬
‫يَتَ َذكّرُ أُولُو اللْبَابِ } [الزمر ‪َ { ، ]9 :‬أ َفمَنْ شَرَحَ اللّ ُه صَدْ َرهُ لِلسْلمِ َف ُهوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبّهِ َفوَ ْيلٌ‬
‫لِ ْلقَاسِيَةِ قُلُو ُبهُمْ مِنْ ِذكْرِ اللّهِ أُولَ ِئكَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ } [الزمر ‪ ، ]22 :‬وقال { َأ َفمَنْ (‪ُ )5‬هوَ قَائِمٌ‬
‫عَلَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ } [الرعد ‪ ]33 :‬أي ‪ :‬أمَنْ هو شهيد على أفعال الخلق ‪ ،‬حركاتهم‬
‫وسكناتهم ‪ ،‬يعلم الغيب جليله وحقيره ‪َ ،‬كمَنْ هو ل يعلم ول يسمع ول يبصر من هذه الصنام‬
‫سمّوهُمْ } [الرعد ‪ ، ]33 :‬وهكذا هذه اليات‬
‫جعَلُوا لِلّهِ شُ َركَاءَ ُقلْ َ‬
‫التي عبدوها ؟ ولهذا قال ‪ { :‬وَ َ‬
‫الكريمات كلها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬كما يعرف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يعترفون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في جميع النسخ ‪" :‬أمن" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬

‫( ‪)6/202‬‬

‫ج َعلَ بَيْنَ الْ َبحْرَيْنِ حَاجِزًا أَ ِئلَهٌ‬


‫سيَ وَ َ‬
‫ج َعلَ َلهَا َروَا ِ‬
‫ج َعلَ خِلَاَلهَا أَ ْنهَارًا وَ َ‬
‫ج َعلَ الْأَ ْرضَ قَرَارًا وَ َ‬
‫أَمْ مَنْ َ‬
‫جعَُل ُكمْ خَُلفَاءَ‬
‫شفُ السّو َء وَيَ ْ‬
‫ضطَرّ إِذَا دَعَا ُه وَ َيكْ ِ‬
‫مَعَ اللّهِ َبلْ َأكْثَرُهُمْ لَا َيعَْلمُونَ (‪َ )61‬أمْ مَنْ يُجِيبُ ا ْل ُم ْ‬
‫الْأَ ْرضِ أَئِلَهٌ َمعَ اللّهِ قَلِيلًا مَا تَ َذكّرُونَ (‪)62‬‬

‫ج َعلَ بَيْنَ الْ َبحْرَيْنِ حَاجِزًا‬


‫ي وَ َ‬
‫سَ‬‫ج َعلَ َلهَا َروَا ِ‬
‫ج َعلَ خِلَلهَا أَ ْنهَارًا َو َ‬
‫ج َعلَ ال ْرضَ قَرَارًا وَ َ‬
‫{ َأمْ مَنْ َ‬
‫أَإِلَهٌ َمعَ اللّهِ َبلْ َأكْثَرُ ُهمْ ل َيعَْلمُونَ (‪.} )61‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج َعلَ ال ْرضَ قَرَارًا } أي ‪ :‬قارة ساكنة ثابتة ‪ ،‬ل تميد ول تتحرك بأهلها ول ترجف‬
‫يقول ‪َ { :‬أمّنْ َ‬
‫بهم ‪ ،‬فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة ‪ ،‬بل جعلها من فضله ورحمته مهادًا‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ْرضَ‬
‫بساطًا ثابتة ل تتزلزل ول تتحرك ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ { :‬اللّهُ الّذِي َ‬
‫سمَاءَ بِنَاءً } [غافر ‪.]64 :‬‬
‫قَرَارًا وَال ّ‬
‫ج َعلَ خِلَلهَا أَ ْنهَارًا } أي ‪ :‬جعل فيها النهار العذبة الطيبة تشقها في خللها ‪ ،‬وصرفها فيها ما‬
‫{ وَ َ‬
‫بين أنهار كبار وصغار وبين ذلك ‪ ،‬وسيرها شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمال بحسب مصالح عباده في‬
‫أقاليمهم وأقطارهم حيث ذرأهم في أرجاء الرض ‪ ،‬سَيّرَ لهم (‪ )1‬أرزاقهم بحسب ما يحتاجون‬
‫ج َعلَ‬
‫سيَ } أي ‪ :‬جبال شامخة ترسي الرض وتثبتها ؛ لئل تميد بكم { وَ َ‬
‫ج َعلَ َلهَا َروَا ِ‬
‫إليه ‪ { ،‬وَ َ‬
‫بَيْنَ الْ َبحْرَيْنِ حَاجِزًا } أي ‪ :‬جعل بين المياه العذبة والمالحة (‪ )2‬حاجزًا ‪ ،‬أي ‪ :‬مانعًا يمنعها من‬
‫الختلط ‪ ،‬لئل يفسد هذا بهذا وهذا بهذا ‪ ،‬فإن الحكمة اللهية تقتضي بقاء كل منهما على صفته‬
‫المقصودة منه ‪ ،‬فإن البحر الحلو هو هذه النهار السارحة الجارية بين الناس‪ .‬والمقصود منها ‪:‬‬
‫أن تكون عذبة زلل تسقى الحيوان والنبات والثمار منها‪ .‬والبحار المالحة هي المحيطة بالرجاء‬
‫والقطار من كل جانب ‪ ،‬والمقصود منها ‪ :‬أن يكون ماؤها ملحًا أجاجًا ‪ ،‬لئل يفسد الهواء بريحها‬
‫ج َعلَ بَيْ َن ُهمَا‬
‫ج وَ َ‬
‫ت وَهَذَا مِلْحٌ أُجَا ٌ‬
‫‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي مَرَجَ الْ َبحْرَيْنِ َهذَا عَ ْذبٌ فُرَا ٌ‬
‫بَرْزَخًا َوحِجْرًا َمحْجُورًا } [الفرقان ‪ ]53 :‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَإِلَهٌ مَعَ اللّهِ } أي ‪ :‬فعل هذا ؟ أو يعبد‬
‫على (‪ )3‬القول الول والخر ؟ وكلهما متلزم صحيح ‪َ { ،‬بلْ َأكْثَرُ ُهمْ ل َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬في‬
‫عبادتهم غيره‪.‬‬
‫جعَُلكُمْ خَُلفَاءَ ال ْرضِ أَِإلَهٌ مَعَ اللّهِ قَلِيل مَا‬
‫شفُ السّوءَ وَيَ ْ‬
‫{ َأمّنْ ُيجِيبُ ا ْل ُمضْطَرّ ِإذَا دَعَا ُه وَ َيكْ ِ‬
‫تَ َذكّرُونَ (‪.} )62‬‬
‫سكُمُ الضّرّ فِي‬
‫جوّ عند النوازل ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَإِذَا َم ّ‬
‫عوّ عند الشدائد ‪ ،‬المر ُ‬
‫ينبه تعالى أنه هو المد ُ‬
‫س ُكمُ الضّرّ فَإِلَيْهِ‬
‫الْبَحْرِ ضَلّ مَنْ َتدْعُونَ إِل إِيّاهُ } [السراء ‪ ، ]67 :‬وقال تعالى ‪ { :‬ثُمّ إِذَا مَ ّ‬
‫تَجْأَرُونَ } [النحل ‪ .]53 :‬وهكذا قال هاهنا ‪َ { :‬أمّنْ ُيجِيبُ ا ْل ُمضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ } أي ‪ :‬مَنْ هو الذي‬
‫ل يلجأ المضطر إل إليه ‪ ،‬والذي ل يكشف ضر المضرورين سواه‪.‬‬
‫حذّاء ‪ ،‬عن أبي تميمة الهُجَيْمي ‪ ،‬عن‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا وُهَيْب ‪ ،‬حدثنا خالد ال َ‬
‫رجل من بلهجيم قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إلم تدعو ؟ قال ‪" :‬أدعو إلى ال وحده ‪ ،‬الذي إن‬
‫مَسّك ضر فدعوته كشف عنك ‪ ،‬والذي إن أضْلَلْت بأرض قَفْر فدعوتَه رَدّ عليك ‪ ،‬والذي إن‬
‫ن في‬
‫أصابتك سَنة فدعوتَه أنبتَ لك"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أوصني‪ .‬قال ‪" :‬ل تَسُبّنّ أحدًا ‪ ،‬ول تَزْهَد ّ‬
‫المعروف ‪ ،‬ولو أن تلقى أخاك وأنت منبسط إليه وجهك ‪ ،‬ولو أن تُفرغَ من دَلوك في إناء المستقي‬
‫‪،‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إليهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والملحة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أو بعد هذا"‪.‬‬

‫( ‪)6/203‬‬

‫واتزر إلى نصف الساق ‪ ،‬فإن أبيت فإلى الكعبين‪ .‬وإياك وإسبال الزار ‪ ،‬فإن إسبال الزار من‬
‫المخيلة ‪[ ،‬وإن ال ‪ -‬تبارك تعالى ‪ -‬ل يحب المخيلة] (‪.)2( )1‬‬
‫وقد رواه المام أحمد من وجه آخر ‪ ،‬فذكر اسم الصحابي فقال ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬حدثنا يونس ‪ -‬هو ابن عبيد ‪ -‬حدثنا عبيدة الهُجَيْمي (‪ )3‬عن أبي تَميمَةَ الهُجَيْمي ‪ ،‬عن‬
‫شمْلَة ‪ ،‬وقد وقع‬
‫جابر بن سُلَيم الهُجَيمي قال ‪ :‬أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو مُحْ َتبٍ بِ َ‬
‫هُدْبها على قدميه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أيكم محمد ‪ -‬أو ‪ :‬رسول ال ؟ ‪ -‬فأومأ بيده إلى نفسه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬أنا من أهل البادية ‪ ،‬و ِفيّ جفاؤهم ‪ ،‬فأوصني‪ .‬فقال ‪" :‬ل تحقرَنّ من المعروف شيئا ‪،‬‬
‫ولو أن تلقى أخاك ووجهك مُنْبَسط ‪ ،‬ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي ‪ ،‬وإن امرؤ شَتَمك‬
‫بما يعلم فيك فل تشتمه بما تعلم فيه ‪ ،‬فإنه يكون لك أجره وعليه وزْرُه‪ .‬وإياك وإسبال الزار ‪،‬‬
‫فإن إسبال الزار من المَخيلَة ‪ ،‬وإن ال ل يحب المخيلة ‪ ،‬ول تَسُبّنّ أحدًا"‪ .‬قال ‪ :‬فما سببت بعده‬
‫أحدًا ‪ ،‬ول شاة ول بعيرًا (‪.)4‬‬
‫وقد روى أبو داود والنسائي لهذا الحديث طرقا ‪ ،‬وعندهما طرف صالح منه (‪.)5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن هاشم (‪ )6‬حدثنا عب َدةَ بن نوح ‪ ،‬عن عمر بن‬
‫الحجاج ‪ ،‬عن عبيد ال بن أبي صالح قال ‪ :‬دخل عليّ طاوس يعودني ‪ ،‬فقلت (‪ )7‬له ‪ :‬ادع ال‬
‫لي يا أبا عبد الرحمن‪ .‬فقال ‪ :‬ادع لنفسك ‪ ،‬فإنه يجيب المضطر إذا دعاه‪.‬‬
‫وقال وهب بن منبه ‪ :‬قرأت في الكتاب الول ‪ :‬إن ال يقول ‪ :‬بعزتي إنه من اعتصم بي فإن‬
‫كادته السموات ومن (‪ )8‬فيهن ‪ ،‬والرض بمن فيها ‪ ،‬فإني (‪ )9‬أجعل له من بين ذلك مخرجًا‪.‬‬
‫ومن لم يعتصم بي فإني (‪ )10‬أخسف به من تحت قدميه الرض ‪ ،‬فأجعله في الهواء ‪ ،‬فأكله إلى‬
‫نفسه‪.‬‬
‫وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل ‪ -‬حكى عنه أبو بكر محمد بن داود الدّي َنوَري ‪،‬‬
‫ي الصوفي ‪ -‬قال هذا الرجل (‪ : )11‬كنت أكاري على بغل لي من دمشق إلى بلد‬
‫المعروف بال ّد ّق ّ‬
‫الزّبَدَاني ‪ ،‬فركب معي ذات مرة رجل ‪ ،‬فمررنا على بعض الطريق ‪ ،‬على طريق غير مسلوكة ‪،‬‬
‫فقال لي ‪ :‬خذ في هذه ‪ ،‬فإنها أقرب‪ .‬فقلت ‪ :‬ل خب َر َة لي فيها ‪ ،‬فقال ‪ :‬بل هي أقرب‪ .‬فسلكناها‬
‫فانتهينا إلى مكان وَعْر وواد عميق ‪ ،‬وفيه قتلى كثير ‪ ،‬فقال لي ‪ :‬أمسك رأس البغل حتى أنزل‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فنزل وتشمر ‪ ،‬وجمع عليه ثيابه ‪ ،‬وسل سكينا معه وقصدني ‪ ،‬ففررت من بين يديه وتبعني ‪،‬‬
‫فناشدته ال وقلت ‪ :‬خذ البغل بما عليه‪ .‬فقال ‪ :‬هو لي ‪ ،‬وإنما أريد قتلك‪ .‬فخوفته ال والعقوبة فلم‬
‫يقبل ‪ ،‬فاستسلمت بين يديه وقلت ‪ :‬إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين ؟ فقال ‪[ :‬صل] (‬
‫‪ )12‬وعجل‪ .‬فقمت أصلي فَأرْتِج‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)5/64‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الهجيمي عن أبيه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)5/63‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪ )4084‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)1052 - 1049‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬بمن"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬أن" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬فإنه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬بالرجل"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)6/204‬‬

‫عليّ القرآن فلم يَحضرني منه حرف واحد ‪ ،‬فبقيت واقفًا متحيرًا وهو يقول ‪ :‬هيه‪ .‬افرُغ‪ .‬فأجرى‬
‫شفُ السّوءَ } ‪ ،‬فإذا أنا بفارس قد‬
‫ال على لساني قوله تعالى ‪َ { :‬أمّنْ ُيجِيبُ ا ْل ُمضْطَرّ ِإذَا دَعَا ُه وَ َيكْ ِ‬
‫أقبل من فم الوادي ‪ ،‬وبيده حربة ‪ ،‬فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده ‪ ،‬فخر صريعًا ‪ ،‬فتعلقت‬
‫بالفارس وقلت ‪ :‬بال مَنْ أنت ؟ فقال ‪ :‬أنا رسول[ال] (‪ )1‬الذي يجيب المضطر إذا دعاه ‪،‬‬
‫ويكشف السوء‪ .‬قال ‪ :‬فأخذت البغل والحمل ورجعت سالما‪.‬‬
‫وذكر في ترجمة "فاطمة بنت الحسن أم أحمد العجلية" قالت ‪ :‬هزم الكفار يوما المسلمين في غزاة‬
‫جوَاد جَيّد بصاحبه ‪ ،‬وكان من ذوي اليسار ومن الصلحاء ‪ ،‬فقال للجواد ‪ :‬ما لك ؟ ويلك‪.‬‬
‫‪ ،‬فوقف َ‬
‫إنما كنت أعدّك لمثل هذا اليوم‪ .‬فقال له الجواد ‪ :‬وما لي ل أقصّر وأنت تَكلُ علوفتي إلى السّواس‬
‫فيظلمونني ول يطعمونني (‪ )2‬إل القليل ؟ فقال ‪ :‬لك عليّ عهد ال أني ل أعلفك بعد هذا اليوم إل‬
‫في حِجْري‪ .‬فجرى الجواد عند ذلك ‪ ،‬ونجّى صاحبه ‪ ،‬وكان ل يعلفه بعد ذلك إل في حِجْره ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫واشتهر أمره بين الناس ‪ ،‬وجعلوا يقصدونه ليسمعوا منه ذلك ‪ ،‬وبلغ ملك الروم أمرُه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما‬
‫ُتضَام (‪ )3‬بلدة يكون هذا الرجل فيها‪ .‬واحتال ليحصّله في بلده ‪ ،‬فبعث إليه رجل من المرتدين‬
‫حسُنت نيته في السلم وقومه ‪ ،‬حتى استوثق ‪ ،‬ثم خرجا‬
‫عنده ‪ ،‬فلما انتهى إليه أظهر له أنه قد َ‬
‫يوما يمشيان على جنب الساحل ‪ ،‬وقد واعد شخصا آخر من جهة ملك الروم ليتساعدا على‬
‫خدَعني بك فاكفنيهما بما‬
‫أسره ‪ ،‬فلما اكتنفاه ليأخذاه َرفَع طرفه إلى السماء وقال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إنه إنما َ‬
‫شئت ‪ ،‬قال ‪ :‬فخرج سبعان إليهما فأخذاهما ‪ ،‬ورجع الرجل سالما (‪.)4‬‬
‫جعَُلكُمْ خَُلفَاءَ ال ْرضِ } أي ‪ُ :‬يخْلفُ قَرنا لقرن قبلهم وخََلفًا لسلف ‪ ،‬كما قال‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَيَ ْ‬
‫تعالى ‪ { :‬إِنْ َيشَأْ يُذْهِ ْب ُك ْم وَيَسْتَخِْلفْ مِنْ َبعْ ِد ُكمْ مَا يَشَاءُ َكمَا أَنْشََأكُمْ مِنْ ذُرّيّةِ َقوْمٍ آخَرِينَ } [النعام‬
‫ضكُمْ َفوْقَ َب ْعضٍ دَرَجَاتٍ }‬
‫جعََلكُمْ خَل ِئفَ ال ْرضِ وَ َرفَعَ َب ْع َ‬
‫‪ ، ]133 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬
‫علٌ فِي ال ْرضِ خَلِيفَةً } [البقرة ‪:‬‬
‫[النعام ‪ ، ]165 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَإِذْ قَالَ رَ ّبكَ لِ ْلمَل ِئكَةِ إِنّي جَا ِ‬
‫جعَُلكُمْ خَُلفَاءَ‬
‫‪ ، ]30‬أي ‪ :‬قومًا يخلف بعضهم بعضا كما قدمنا تقريره‪ .‬وهكذا هذه الية ‪ { :‬وَيَ ْ‬
‫ال ْرضِ } أي ‪ :‬أمة بعد أمة ‪ ،‬وجيل بعد جيل ‪ ،‬وقومًا بعد قوم‪ .‬ولو شاء لوجدهم كلهم في وقت‬
‫واحد ‪ ،‬ولم يجعل بعضَهم من ذرية بعض ‪ ،‬بل لو شاء لخلقهم (‪ )5‬كلهم أجمعين ‪ ،‬كما خلق آدم‬
‫من تراب‪ .‬ولو شاء أن يجعلهم بعضهم من ذرية بعض (‪ )6‬ولكن ل يميت أحدا حتى تكون وفاة‬
‫الجميع في وقت واحد ‪ ،‬فكانت تضيق عليهم الرض (‪ )7‬وتضيق عليهم معايشهم وأكسابهم ‪،‬‬
‫ويتضرر بعضهم ببعض‪ .‬ولكن اقتضت حكمته وقدرته أن يخلقهم من نفس واحدة ‪ ،‬ثم يكثرهم‬
‫غاية الكثرة ‪ ،‬ويذرأهم في الرض ‪ ،‬ويجعلهم قرونا بعد قرون ‪ ،‬وأمما بعد أمم ‪ ،‬حتى ينقضي‬
‫عدًا ‪ ،‬ثم يقيم (‪)8‬‬
‫الجل وتفرغ البَرية ‪ ،‬كما قدر ذلك تبارك وتعالى ‪ ،‬وكما أحصاهم وعَدّهم َ‬
‫القيامة ‪ ،‬ويُوفي كلّ عامل عمله إذا بلغ الكتاب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيظلموني ول يطعموني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما نظام"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ دمشق (‪" 19/489‬المخطوط")‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬لجعلهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من ذرية بعضهم بعضا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬تضيق الرض عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬يوم"‪.‬‬

‫( ‪)6/205‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللّهِ َتعَالَى‬
‫سلُ الرّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَ َديْ َر ْ‬
‫أَمْ مَنْ َي ْهدِيكُمْ فِي ظُُلمَاتِ الْبَ ّر وَالْ َبحْ ِر َومَنْ يُ ْر ِ‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ (‪)63‬‬
‫اللّهُ َ‬

‫جعَُلكُمْ خَُلفَاءَ ال ْرضِ‬


‫شفُ السّوءَ وَيَ ْ‬
‫أجله ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬أمّنْ ُيجِيبُ ا ْل ُمضْطَرّ ِإذَا دَعَا ُه وَ َيكْ ِ‬
‫أَإِلَهٌ َمعَ اللّهِ } أي ‪ :‬يقدر على ذلك ‪ ،‬أو إله مع ال ُيعْبد ‪ ،‬وقد علم أن ال هو المتفرد بفعل ذلك‬
‫{ قَلِيل مَا َت َذكّرُونَ } (‪ )1‬أي ‪ :‬ما أقل تذكرهم فيما يرشدهم إلى الحق ‪ ،‬ويهديهم إلى الصراط‬
‫المستقيم‪.‬‬
‫حمَتِهِ أَإَِلهٌ مَعَ اللّهِ َتعَالَى‬
‫سلُ الرّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَ َديْ َر ْ‬
‫{ َأمّنْ َي ْهدِيكُمْ فِي ظُُلمَاتِ الْبَ ّر وَالْ َبحْ ِر َومَنْ يُ ْر ِ‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ (‪.} )63‬‬
‫اللّهُ َ‬
‫يقول ‪َ { :‬أمّنْ َي ْهدِيكُمْ فِي ظُُلمَاتِ الْبَ ّر وَالْ َبحْرِ } أي ‪ :‬بما خلق من الدلئل السماوية والرضية ‪،‬‬
‫ج َعلَ َلكُمُ‬
‫جمِ ُهمْ َيهْتَدُونَ } [النحل ‪ ، ]16 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬
‫كما قال ‪ { :‬وَعَلمَاتٍ وَبِالنّ ْ‬
‫النّجُومَ لِ َتهْتَدُوا ِبهَا فِي ظُُلمَاتِ الْبَ ّر وَالْبَحْرِ } الية [النعام ‪.]97 :‬‬
‫حمَتِهِ } أي ‪ :‬بين يدي السحاب الذي فيه مطر ‪ ،‬يغيث به‬
‫سلُ الرّيَاحَ ُبشْرًا بَيْنَ َي َديْ رَ ْ‬
‫{ َومَنْ يُرْ ِ‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ }‪.‬‬
‫عباده المجدبين الزلين القنطين ‪ { ،‬أَإَِلهٌ مَعَ اللّهِ َتعَالَى اللّهُ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ما تذكرون"‪.‬‬

‫( ‪)6/206‬‬

‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللّهِ ُقلْ هَاتُوا بُرْهَا َنكُمْ إِنْ كُنْ ُتمْ‬
‫أَمْ مَنْ يَ ْبدَأُ ا ْلخَلْقَ ُثمّ ُيعِي ُد ُه َومَنْ يَرْ ُز ُقكُمْ مِنَ ال ّ‬
‫صَا ِدقِينَ (‪)64‬‬

‫سمَا ِء وَال ْرضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللّهِ ُقلْ هَاتُوا بُرْهَا َن ُكمْ إِنْ‬
‫{ َأمّنْ مَنْ يَ ْبدَأُ ا ْلخَلْقَ ُثمّ ُيعِي ُد ُه َومَنْ يَرْ ُز ُقكُمْ مِنَ ال ّ‬
‫كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪.} )64‬‬
‫أي ‪ :‬هو الذي بقدرته وسلطانه يبدأ (‪ )1‬الخلق ثم يعيده ‪ ،‬كما قال تعالى في الية الخرى ‪ { :‬إِنّ‬
‫ئ وَ ُيعِيدُ } [البروج ‪ ، ]13 ، 12 :‬وقال { وَ ُهوَ الّذِي يَبْ َدأُ الْخَ ْلقَ ُثمّ‬
‫بَطْشَ رَ ّبكَ لَشَدِيدٌ إِنّهُ ُهوَ يُبْ ِد ُ‬
‫ُيعِي ُد ُه وَ ُهوَ أَ ْهوَنُ عَلَيْهِ } [الروم ‪.]27 :‬‬
‫سمَا ِء وَال ْرضِ } أي ‪ :‬بما ينزل من مطر السماء ‪ ،‬وينبت من بركات‬
‫{ َومَنْ يَرْ ُز ُقكُمْ مِنَ ال ّ‬
‫سمَاءِ ذَاتِ الرّجْعِ‪ .‬وَال ْرضِ ذَاتِ الصّ ْدعِ } [الطارق ‪، ]12 ، 11 :‬‬
‫الرض ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَال ّ‬
‫سمَا ِء َومَا َيعْرُجُ فِيهَا } [الحديد ‪:‬‬
‫ض َومَا َيخْرُجُ مِ ْنهَا َومَا يَنزلُ مِنَ ال ّ‬
‫وقال { َيعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ال ْر ِ‬
‫‪ ، ]4‬فهو ‪ ،‬تبارك وتعالى ‪ ،‬ينزل من السماء ماء مباركًا فيسكنه في الرض ‪ ،‬ثم يخرج به [منها]‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عوْا أَ ْنعَا َمكُمْ إِنّ فِي‬
‫(‪ )2‬أنواع الزروع والثمار والزاهير ‪ ،‬وغير ذلك من ألوان شتى ‪ { ،‬كُلُوا وَارْ َ‬
‫ك ليَاتٍ لولِي الّنهَى } [طه ‪ ]54 :‬؛ ولهذا قال ‪َ { :‬أإِلَهٌ مَعَ اللّهِ } أي ‪ :‬فعل هذا‪ .‬وعلى القول‬
‫ذَِل َ‬
‫الخر ‪ :‬يعبد ؟ { ُقلْ هَاتُوا بُرْهَا َن ُكمْ } على صحة ما تدعونه (‪ )3‬من عبادة آلهة أخرى ‪ { ،‬إِنْ‬
‫كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ } في ذلك ‪ ،‬وقد علم أنه ل حجة لهم ول برهان ‪ ،‬كما قال [ال] ‪َ { )4( :‬ومَنْ يَ ْدعُ‬
‫مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ ل بُرْهَانَ َلهُ بِهِ فَإِ ّنمَا حِسَابُهُ عِ ْندَ رَبّهِ إِنّهُ ل ُيفْلِحُ ا ْلكَافِرُونَ } [المؤمنون ‪.]117 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بدأ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬من يدعونه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/206‬‬

‫شعُرُونَ أَيّانَ يُ ْبعَثُونَ (‪َ )65‬بلِ ادّا َركَ‬


‫ت وَالْأَ ْرضِ ا ْلغَ ْيبَ ِإلّا اللّ ُه َومَا يَ ْ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫ُقلْ لَا َيعْلَمُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫عمُونَ (‪)66‬‬
‫شكّ مِ ْنهَا َبلْ هُمْ مِ ْنهَا َ‬
‫عِ ْل ُمهُمْ فِي الْآَخِ َرةِ َبلْ هُمْ فِي َ‬

‫شعُرُونَ أَيّانَ يُ ْبعَثُونَ (‪َ )65‬بلِ ادّا َركَ‬


‫ت وَالرْضِ ا ْلغَ ْيبَ إِل اللّهُ َومَا َي ْ‬
‫س َموَا ِ‬
‫{ ُقلْ ل َيعْلَمُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫عمُونَ (‪.} )66‬‬
‫شكّ مِ ْنهَا َبلْ هُمْ مِ ْنهَا َ‬
‫عِ ْل ُمهُمْ فِي الخِ َرةِ َبلْ هُمْ فِي َ‬
‫يقول تعالى آمرًا رسوله صلى ال عليه وسلم أن يقول معلمًا لجميع الخلق ‪ :‬أنه ل يعلم أحد من‬
‫أهل السموات والرض الغيب‪ .‬وقوله ‪ { :‬إِل اللّهَ } استثناء منقطع ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يعلم أحد ذلك إل ال‬
‫‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فإنه المنفرد بذلك وحده ‪ ،‬ل شريك له ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَعِنْ َدهُ َمفَاتِحُ ا ْلغَ ْيبِ ل َيعَْل ُمهَا‬
‫ث وَ َيعْلَمُ مَا فِي‬
‫إِل ُهوَ } الية [النعام ‪ ، ]59 :‬وقال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ عِ ْن َدهُ عِلْمُ السّاعَ ِة وَيُنزلُ ا ْلغَ ْي َ‬
‫سبُ غَدًا َومَا َتدْرِي َنفْسٌ بَِأيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }‬
‫الرْحَا ِم َومَا َتدْرِي َنفْسٌ مَاذَا َتكْ ِ‬
‫[لقمان ‪ ، ]34 :‬واليات في هذا كثيرة‪.‬‬
‫شعُرُونَ أَيّانَ يُ ْبعَثُونَ } أي ‪ :‬وما يشعر الخلئق الساكنون في السموات والرض‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا يَ ْ‬
‫ض ل تَأْتِي ُكمْ إِل َبغْتَةً } [العراف ‪، ]187 :‬‬
‫س َموَاتِ وَال ْر ِ‬
‫بوقت الساعة ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬ثقَُلتْ فِي ال ّ‬
‫أي ‪ :‬ثقل علمها على أهل السموات والرض‪.‬‬
‫جعْد ‪ ،‬حدثنا أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن داود بن‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن ال َ‬
‫أبي هند ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬مَنْ زعم أنه يعلم‬
‫‪ -‬يعني النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ما يكون في غد فقد أعظم على ال الفِرْية ؛ لن ال تعالى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ ا ْلغَ ْيبَ إِل اللّهُ } (‪.)1‬‬
‫يقول ‪ { :‬ل َيعْلَمُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬إنما جعل ال هذه النجوم لثلث خصلت (‪ : )2‬جعلها زينة للسماء ‪ ،‬وجعلها يهتدى‬
‫بها ‪ ،‬وجعلها رجومًا [للشياطين] (‪ ، )3‬فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه ‪ ،‬وأخطأ حظه ‪،‬‬
‫جهَلَة بأمر ال ‪ ،‬قد (‪ )4‬أحدثوا من هذه النجوم‬
‫وأضاع نصيبه وتكلّف ما ل علم له به‪ .‬وإن ناسًا َ‬
‫كهانة ‪ :‬من أعْرَس بنجم كذا وكذا ‪ ،‬كان كذا وكذا‪ .‬ومَنْ سافر بنجم كذا وكذا ‪ ،‬كان كذا وكذا‪.‬‬
‫ومَنْ ولد بنجم كذا وكذا ‪ ،‬كان كذا وكذا‪ .‬ولعمري ما من نجم إل يولد به الحمر والسود ‪،‬‬
‫والقصير والطويل ‪ ،‬والحسن والدميم ‪ ،‬وما ع ْلمُ هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من‬
‫الغيب! وقضى ال ‪ :‬أنه ل يعلم مَنْ في السموات والرض الغيب إل ال ‪ ،‬وما يشعرون أيان‬
‫يبعثون‪.‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم عنه بحروفه ‪ ،‬وهو كلم جليل متين صحيح‪.‬‬
‫شكّ مِ ْنهَا } أي ‪ :‬انتهى علمهم وعجز عن‬
‫وقوله ‪َ { :‬بلِ ادّا َركَ (‪ )5‬عِ ْل ُمهُمْ فِي الخِ َرةِ َبلْ هُمْ فِي َ‬
‫معرفة وقتها‪.‬‬
‫وقرأ آخرون ‪" :‬بل أدرك (‪ )6‬علمهم" ‪ ،‬أي ‪ :‬تساوى علمهم في ذلك ‪ ،‬كما في الصحيح لمسلم ‪:‬‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لجبريل ‪ -‬وقد سأله عن وقت الساعة ‪ -‬ما المسؤول عنها‬
‫بأعلم من السائل (‪ )7‬أي ‪ :‬تساوى في العجز عن دَرْك ذلك علم المسؤول والسائل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أصله في الصحيحين لكن فيهما الشاهد قوله تعالى ‪( :‬وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) بدل‬
‫هذه الية ‪( :‬قل ل يعلم من في السموات)‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خصال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أدرك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ادارك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم برقم (‪.)8‬‬

‫( ‪)6/207‬‬

‫ن وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَ ْبلُ إِنْ‬


‫َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا أَ ِئذَا كُنّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنّا َل ُمخْرَجُونَ (‪َ )67‬لقَ ْد وُعِدْنَا َهذَا َنحْ ُ‬
‫هَذَا إِلّا أَسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ (‪ُ )68‬قلْ سِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَانْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪ )69‬وَلَا‬
‫تَحْزَنْ عَلَ ْي ِه ْم وَلَا َتكُنْ فِي ضَ ْيقٍ ِممّا َي ْمكُرُونَ (‪)70‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬بلِ ادّ َركَ عِ ْل ُمهُمْ فِي الخِرَة } أي ‪ :‬غاب‪.‬‬
‫جهّلهم (‪ )2‬ربهم ‪ ،‬يقول ‪ :‬لم ينفذ (‪)3‬‬
‫وقال قتادة ‪َ { :‬بلِ ادّا َركَ (‪ )1‬عِ ْل ُمهُمْ فِي الخِ َرةِ } يعني ‪ :‬يُ َ‬
‫لهم إلى الخرة علم ‪ ،‬هذا قول‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيج ‪ ،‬عن عطاء الخراساني ‪ ،‬عن ابن عباس ‪" :‬بل أدرك علمهم في الخرة" حين لم‬
‫ينفع العلم ‪ ،‬وبه قال عطاء الخراساني ‪ ،‬والسدي ‪ :‬أن علمهم إنما يُدرك ويكمل يوم القيامة حيث‬
‫سمِعْ ِب ِه ْم وَأَ ْبصِرْ َي ْومَ يَأْتُونَنَا َلكِنِ الظّاِلمُونَ الْ َيوْمَ فِي ضَللٍ‬
‫ل ينفعهم ذلك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬أَ ْ‬
‫مُبِينٍ } [مريم ‪.]38 :‬‬
‫وقال سفيان ‪ ،‬عن عمرو بن عبيد ‪ ،‬عن الحسن أنه كان يقرأ ‪" :‬بل أدرك علمهم" قال ‪ :‬اضمحل‬
‫علمهم في الدنيا ‪ ،‬حين عاينوا الخرة‪.‬‬
‫شكّ مِ ْنهَا } عائد على الجنس ‪ ،‬والمراد الكافرون ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬بلْ ُهمْ فِي َ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ َموْعِدًا }‬
‫عمْتُمْ أَلّنْ نَ ْ‬
‫صفّا َلقَدْ جِئْ ُتمُونَا َكمَا خََلقْنَاكُمْ َأوّلَ مَ ّرةٍ َبلْ زَ َ‬
‫ك َ‬
‫{ وَعُ ِرضُوا عَلَى رَ ّب َ‬
‫شكّ مِ ْنهَا } أي ‪ :‬شاكّون‬
‫[الكهف ‪ ]48 :‬أي ‪ :‬الكافرون منكم‪ )4( .‬وهكذا قال هاهنا ‪َ { :‬بلْ ُهمْ فِي َ‬
‫عمُونَ } أي ‪ :‬في عمَاية وجهل كبير في أمرها وشأنها‪.‬‬
‫في وجودها ووقوعها ‪َ { ،‬بلْ هُمْ مِ ْنهَا َ‬
‫ن وَآبَاؤُنَا مِنْ قَ ْبلُ‬
‫{ َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا أَئِذَا كُنّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنّا َلمُخْ َرجُونَ (‪َ )67‬لقَ ْد وُعِدْنَا َهذَا َنحْ ُ‬
‫إِنْ َهذَا إِل أَسَاطِي ُر الوّلِينَ (‪ُ )68‬قلْ سِيرُوا فِي ال ْرضِ فَانْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪)69‬‬
‫وَل َتحْزَنْ عَلَ ْيهِ ْم وَل َتكُ فِي ضَ ْيقٍ ِممّا َي ْمكُرُونَ (‪.} )70‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن منكري البعث من المشركين ‪ :‬أنهم استبعدوا إعادة الجساد بعد صيرورتها‬
‫ن وَآبَاؤُنَا مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬ما زلنا نسمع بهذا‬
‫عظامًا ورفاتًا وترابًا ‪ ،‬ثم قال ‪َ { :‬لقَ ْد وُعِدْنَا هَذَا َنحْ ُ‬
‫نحن وآباؤنا ‪ ،‬ول نرى له حقيقة ول وقوعًا‪.‬‬
‫وقولهم ‪ { :‬إِنْ هَذَا إِل َأسَاطِي ُر الوّلِينَ } ‪ :‬يعنون ‪ :‬ما هذا الوعد بإعادة البدان ‪ { ،‬إِل أَسَاطِيرُ‬
‫عمّن قبلهم ‪ ،‬مَنْ قبلهم (‪ )6‬يتلقاه بعض عن بعض ‪ ،‬وليس له‬
‫الوّلِينَ } أي ‪ :‬أخذه (‪ )5‬قوم َ‬
‫حقيقة‪.‬‬
‫قال ال تعالى مجيبًا لهم عما ظنوه من الكفر وعدم المعاد ‪ُ { :‬قلْ } ‪ -‬يا محمد ‪ -‬لهؤلء ‪:‬‬
‫{ سِيرُوا فِي ال ْرضِ فَانْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمجْ ِرمِينَ } أي ‪ :‬المكذّبين بالرسل وما جاءوهم به‬
‫من أمر المعاد وغيره ‪ ،‬كيف حلت بهم نقَمُ ال وعذابه ونكاله ‪ ،‬ونجّى ال من بينهم رسله الكرام‬
‫َومَنْ اتبعهم من المؤمنين ‪ ،‬فدل ذلك على صدق ما جاءت به الرسل وصحته‪.‬‬
‫ثم قال تعالى مسليًا لنبيه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ { :‬وَل َتحْزَنْ عَلَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬المكذبين بما‬
‫جئت به ‪ ،‬ول تأسف عليهم وتذهب نفسك عليهم حسرات ‪ { ،‬وَل َتكُ فِي ضَيْقٍ ِممّا َي ْمكُرُونَ } أي‬
‫‪:‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أدرك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بجهلهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬يتقدم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬منهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬يأخذه" وفي أ ‪" :‬أخذ"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬كتبهم"‪.‬‬

‫( ‪)6/208‬‬

‫وَيَقُولُونَ مَتَى َهذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ُ )71‬قلْ عَسَى أَنْ َيكُونَ رَ ِدفَ َل ُكمْ َب ْعضُ الّذِي‬
‫شكُرُونَ (‪ )73‬وَإِنّ رَ ّبكَ لَ َيعَْلمُ‬
‫س وََلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ لَا يَ ْ‬
‫تَسْ َتعْجِلُونَ (‪ )72‬وَإِنّ رَ ّبكَ َلذُو َفضْلٍ عَلَى النّا ِ‬
‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ إِلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (‪)75‬‬
‫ن صُدُورُهُ ْم َومَا ُيعْلِنُونَ (‪َ )74‬ومَا مِنْ غَائِ َبةٍ فِي ال ّ‬
‫مَا ُتكِ ّ‬

‫في كيدك ورَدّ ما جئت به ‪ ،‬فإن ال مؤيدك وناصرك ‪ ،‬ومظهرٌ دينك على مَنْ خالفه وعانده في‬
‫المشارق والمغارب‪.‬‬
‫{ وَ َيقُولُونَ مَتَى هَذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَا ِدقِينَ (‪ُ )71‬قلْ عَسَى أَنْ َيكُونَ رَ ِدفَ َلكُمْ َب ْعضُ الّذِي‬
‫شكُرُونَ (‪ )73‬وَإِنّ رَ ّبكَ لَ َيعْلَمُ‬
‫س وََلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ ل يَ ْ‬
‫تَسْ َتعْجِلُونَ (‪ )72‬وَإِنّ رَ ّبكَ َلذُو َفضْلٍ عَلَى النّا ِ‬
‫سمَا ِء وَال ْرضِ إِل فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (‪} )75‬‬
‫ن صُدُورُهُ ْم َومَا ُيعْلِنُونَ (‪َ )74‬ومَا مِنْ غَائِ َبةٍ فِي ال ّ‬
‫مَا ُتكِ ّ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن المشركين ‪ ،‬في سؤالهم عن يوم القيامة واستبعادهم وقوع ذلك ‪ { :‬وَيَقُولُونَ‬
‫عسَى أَنْ َيكُونَ َر ِدفَ َلكُمْ‬
‫مَتَى هَذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ } قال ال مجيبًا لهم ‪ُ { :‬قلْ } يا محمد { َ‬
‫َب ْعضُ الّذِي تَسْ َت ْعجِلُونَ }‪[ .‬قال ابن عباس أن يكون قرب ‪ -‬أو ‪ :‬أن يقرب ‪ -‬لكم بعض الذي‬
‫تستعجلون] (‪ .)1‬وهكذا (‪ )2‬قال مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي‪.‬‬
‫عسَى أَنْ َيكُونَ قَرِيبًا } [السراء ‪، ]51 :‬‬
‫وهذا هو المراد بقوله تعالى ‪ { :‬وَ َيقُولُونَ مَتَى ُهوَ ُقلْ َ‬
‫جهَنّمَ َلمُحِيطَةٌ بِا ْلكَافِرِينَ } [العنكبوت ‪.]54 :‬‬
‫ب وَإِنّ َ‬
‫وقال تعالى { َيسْ َتعْجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَا ِ‬
‫وإنما دخلت "اللم" في قوله ‪َ { :‬ر ِدفَ َل ُكمْ } ؛ لنه ضُمن معنى "عَجِل لكم" كما قال مجاهد في‬
‫رواية عنه ‪ { :‬عَسَى أَنْ َيكُونَ َر ِدفَ َل ُكمْ } ‪ :‬عجل لكم‪.‬‬
‫ضلٍ عَلَى النّاسِ } أي ‪ :‬في إسباغه نعمَه عليهم مع ظلمهم‬
‫ثم قال ال تعالى ‪ { :‬وَإِنّ رَ ّبكَ َلذُو َف ْ‬
‫ن صُدُورُ ُهمْ‬
‫لنفسهم ‪ ،‬وهم مع ذلك ل يشكرونه على ذلك إل القليل منهم ‪ { ،‬وَإِنّ رَ ّبكَ لَ َيعْلَمُ مَا ُتكِ ّ‬
‫سوَاءٌ مِ ْنكُمْ مَنْ أَسَرّ ا ْل َق ْولَ‬
‫َومَا ُيعْلِنُونَ } أي ‪ :‬يعلم السرائر والضمائر ‪ ،‬كما يعلم الظواهر ‪َ { ،‬‬
‫خفَى } [طه ‪ { ، ]7 :‬أَل حِينَ يَسْ َتغْشُونَ ثِيَا َبهُمْ َيعْلَمُ‬
‫جهَرَ بِهِ } [الرعد ‪َ { ، ]10 :‬يعَْلمُ السّ ّر وََأ ْ‬
‫َومَنْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن َومَا ُيعْلِنُونَ } [هود ‪.]5 :‬‬
‫مَا يُسِرّو َ‬
‫ثم أخبر تعالى بأنه عالم غيب السموات والرض ‪ ،‬وأنه عالم الغيب والشهادة ‪ -‬وهو ما غاب عن‬
‫سمَا ِء وَال ْرضِ } قال ابن عباس ‪ :‬يعني ‪ :‬وما‬
‫العباد وما شاهدوه ‪ -‬فقال ‪َ { :‬ومَا مِنْ غَائِ َبةٍ فِي ال ّ‬
‫سمَا ِء وَال ْرضِ إِل فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } وهذا كقوله تعالى ‪ { :‬أَلَمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ‬
‫من شيء ‪ { ،‬فِي ال ّ‬
‫سمَا ِء وَال ْرضِ إِنّ ذَِلكَ فِي كِتَابٍ إِنّ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ } [الحج ‪.]70 :‬‬
‫مَا فِي ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وعنده"‪.‬‬

‫( ‪)6/209‬‬

‫إِنّ َهذَا ا ْلقُرْآَنَ َي ُقصّ عَلَى بَنِي ِإسْرَائِيلَ َأكْثَرَ الّذِي ُهمْ فِيهِ َيخْتَِلفُونَ (‪)76‬‬

‫{ إِنّ هَذَا ا ْلقُرْآنَ َيقُصّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ َأكْثَرَ الّذِي هُمْ فِيهِ يَخْ َتِلفُونَ (‪} )76‬‬

‫( ‪)6/210‬‬

‫ح ْكمِهِ وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْلعَلِيمُ (‪ )78‬فَ َت َو ّكلْ‬


‫ح َمةٌ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )77‬إِنّ رَ ّبكَ َيقْضِي بَيْ َنهُمْ بِ ُ‬
‫وَإِنّهُ َلهُدًى وَرَ ْ‬
‫سمِعُ الصّمّ الدّعَاءَ ِإذَا وَّلوْا مُدْبِرِينَ‬
‫س ِمعُ ا ْل َموْتَى وَلَا تُ ْ‬
‫عَلَى اللّهِ إِ ّنكَ عَلَى ا ْلحَقّ ا ْلمُبِينِ (‪ )79‬إِ ّنكَ لَا تُ ْ‬
‫سمِعُ إِلّا مَنْ ُي ْؤمِنُ بِآَيَاتِنَا َفهُمْ مُسِْلمُونَ (‪ )81‬وَإِذَا‬
‫ن ضَلَالَ ِت ِهمْ إِنْ تُ ْ‬
‫(‪َ )80‬ومَا أَ ْنتَ ِبهَادِي ا ْل ُع ْميِ عَ ْ‬
‫َوقَعَ ا ْل َقوْلُ عَلَ ْيهِمْ َأخْرَجْنَا َلهُمْ دَابّةً مِنَ الْأَ ْرضِ ُتكَّل ُمهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (‪)82‬‬

‫ح ْكمِ ِه وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْلعَلِيمُ (‪ )78‬فَ َت َوكّلْ‬


‫حمَةٌ ِل ْل ُمؤْمِنِينَ (‪ )77‬إِنّ رَ ّبكَ َي ْقضِي بَيْ َنهُمْ ِب ُ‬
‫{ وَإِنّهُ َلهُدًى وَرَ ْ‬
‫سمِعُ الصّمّ الدّعَاءَ ِإذَا وَّلوْا مُدْبِرِينَ‬
‫سمِعُ ا ْل َموْتَى وَل تُ ْ‬
‫عَلَى اللّهِ إِ ّنكَ عَلَى ا ْلحَقّ ا ْلمُبِينِ (‪ )79‬إِ ّنكَ ل تُ ْ‬
‫سمِعُ إِل مَنْ ُي ْؤمِنُ بِآيَاتِنَا َفهُمْ ُمسِْلمُونَ (‪.} )81‬‬
‫ن ضَللَ ِتهِمْ إِنْ تُ ْ‬
‫(‪َ )80‬ومَا أَ ْنتَ ِبهَادِي ا ْل ُع ْميِ عَ ْ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن كتابه العزيز ‪ ،‬وما اشتمل عليه من الهدى والبينات والفرقان (‪ : )1‬إنه‬
‫يقص على بني إسرائيل ‪ -‬وهم حملة التوراة والنجيل ‪َ { -‬أكْثَرَ الّذِي هُمْ فِيهِ يَخْ َتِلفُونَ } ‪،‬‬
‫كاختلفهم في عيسى وتباينهم فيه ‪ ،‬فاليهود افتروا ‪ ،‬والنصارى غَلَوا ‪ ،‬فجاء [إليهم] (‪ )2‬القرآن‬
‫بالقول الوسط الحق العدل ‪ :‬أنه عبد من عباد ال وأنبيائه ورسله الكرام ‪ ،‬عليه [أفضل] (‪)3‬‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬ذَِلكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ َقوْلَ ا ْلحَقّ الّذِي فِيهِ َيمْتَرُونَ } [مريم ‪:‬‬
‫‪.]34‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمَةٌ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬هدى لقلوب المؤمنين ‪ ،‬ورحمة لهم في العمليات‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّهُ َلهُدًى وَرَ ْ‬
‫ح ْكمِ ِه وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ } في انتقامه ‪ { ،‬ا ْلعَلِيمُ‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ َي ْقضِي بَيْ َنهُمْ } أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ِ { ،‬ب ُ‬
‫} بأفعال عباده وأقوالهم‪.‬‬
‫{ فَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ } أي ‪ :‬في أمورك ‪ ،‬وبَلّغ رسالة ربك ‪ { ،‬إِ ّنكَ عَلَى ا ْلحَقّ ا ْلمُبِينِ } أي ‪ :‬أنت‬
‫حقّت عليهم كلمة ربك‬
‫على الحق المبين وإن خالفك مَنْ خالفك ‪ِ ،‬ممّنْ كتبت (‪ )4‬عليه الشقاوة و َ‬
‫سمِعُ ا ْل َموْتَى } أي ‪ :‬ل تسمعهم شيئًا‬
‫أنهم ل يؤمنون ‪ ،‬ولو جاءتهم كل آية ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِ ّنكَ ل ُت ْ‬
‫سمِعُ‬
‫ينفعهم ‪ ،‬فكذلك هؤلء على قلوبهم غشاوة ‪ ،‬وفي آذانهم َوقْر الكفر ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِ ّنكَ ل تُ ْ‬
‫سمِعُ‬
‫ن ضَللَ ِتهِمْ إِنْ تُ ْ‬
‫سمِعُ الصّمّ الدّعَاءَ إِذَا وَّلوْا مُدْبِرِينَ * َومَا أَ ْنتَ ِبهَادِي ا ْل ُعمْيِ عَ ْ‬
‫ا ْل َموْتَى وَل تُ ْ‬
‫إِل مَنْ ُي ْؤمِنُ بِآيَاتِنَا َف ُهمْ مُسِْلمُونَ } [أي] (‪ : )5‬إنما يستجيب لك مَنْ هو سميع بصير ‪ ،‬السمع‬
‫والبصر النافعُ في القلب والبصيرة الخاضع ل ‪ ،‬ولما جاء عنه على ألسنة الرسل ‪ ،‬عليهم السلم‪.‬‬
‫{ وَإِذَا َوقَعَ ا ْل َقوْلُ عَلَ ْيهِمْ َأخْرَجْنَا َلهُمْ دَابّةً مِنَ ال ْرضِ ُتكَّل ُمهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا ل يُوقِنُونَ (‬
‫‪.} )82‬‬
‫هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتَ ْركِهم أوامر ال وتبديلهم الدين الحق ‪ ،‬يخرج‬
‫ال لهم دابة من الرض ‪ -‬قيل ‪ :‬من مكة‪ .‬وقيل ‪ :‬من غيرها‪ .‬كما سيأتي تفصيله ‪ -‬فَ ُتكَلّم الناس‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ -‬ورُوي عن علي رضي ال عنه ‪ : -‬تكلمهم كلما أي ‪:‬‬
‫تخاطبهم مخاطبة‪.‬‬
‫وقال عطاء الخراساني ‪ :‬تكلمهم فتقول لهم ‪ :‬إن الناس كانوا بآياتنا ل يوقنون‪ .‬ويروى هذا عن‬
‫علي ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪ .‬وفي هذا [القول] (‪ )6‬نظر ل يخفى ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬والبيان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كتب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/210‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال ابن عباس ‪ -‬في رواية ‪ -‬تجرحهم‪ .‬وعنه رواية ‪ ،‬قال ‪ :‬كل (‪ )1‬تفعل يعني هذا وهذا ‪،‬‬
‫وهو قولٌ حسن ‪ ،‬ول منافاة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد ورد في ذكر الدابة أحاديث وآثار كثيرة ‪ ،‬فلنذكر ما تيسر منها ‪ ،‬وال المستعان ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن فُرَات ‪ ،‬عن أبي الطفيل ‪ ،‬عن حُذَيفة بن أسيد الغفاري قال ‪:‬‬
‫أشرف علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر أمر الساعة فقال ‪ :‬ل تقوم‬
‫الساعة حتى تَرَوا عشر آيات ‪ :‬طلوع الشمس من مغربها ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬والدابة ‪ ،‬وخروج يأجوج‬
‫ومأجوج ‪ ،‬وخروج عيسى بن مريم ‪ ،‬والدجال ‪ ،‬وثلثة خسوف ‪ :‬خسف بالمغرب ‪ ،‬وخسف‬
‫بالمشرق ‪ ،‬وخسف بجزيرة العرب ‪ ،‬ونار تخرج من قَعر عدن تسوق ‪ -‬أو ‪ :‬تحشر ‪ -‬الناس ‪،‬‬
‫تبيت معهم حيث باتوا ‪ ،‬وتقيل معهم حيث قالوا" (‪.)2‬‬
‫وهكذا رواه مسلم وأهل السنن ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن فُرَات القزاز ‪ ،‬عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ‪،‬‬
‫حذَيفة موقوفا (‪ .)3‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح (‪ .)4‬ورواه مسلم أيضًا من حديث عبد‬
‫عن ُ‬
‫العزيز بن ُرفَيْع ‪ ،‬عن أبي الطفيل ‪ ،‬عنه مرفوعًا (‪ .)6( )5‬وال أعلم‪.‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن طلحة بن عمرو ‪ ،‬وجرير بن حازم ‪ ،‬فأما طلحة‬
‫فقال ‪ :‬أخبرني عبد ال بن عبيد ال بن عمَير الليثي ‪ :‬أن أبا الطفيل حدثه ‪ ،‬عن حذَيفة بن أسيد‬
‫الغفاري أبي سَريحَةَ ‪ ،‬وأما جرير فقال ‪ :‬عن عبد ال بن عُبيد ‪ ،‬عن رجل من آل عبد ال بن‬
‫مسعود ‪ -‬وحديث طلحة أتم وأحسن ‪ -‬قال ‪َ :‬ذكَرَ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم الدابة فقال ‪:‬‬
‫"لها ثلث خرجات من الدهر ‪ ،‬فتخرج خَرجة من أقصى البادية ‪ ،‬ول يدخل ذكرها القرية ‪ -‬يعني‬
‫‪ :‬مكة ‪ -‬ثم تكمن زمانًا طويل ثم تخرج خَرْجة أخرى دون تلك ‪ ،‬فيعلو ذكرها في أهل البادية ‪،‬‬
‫ويدخل ذكرها القرية" يعني ‪ :‬مكة‪ - .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ثم بينما الناس في‬
‫أعظم المساجد على ال حرمة وأكرمها ‪ :‬المسجد الحرام ‪ ،‬لم يَرُعْهم إل وهي تَرْغو (‪ )7‬بين‬
‫الركن والمقام ‪ ،‬تنفض عن رأسها التراب‪ .‬فارفض الناس عنها شتّى ومعًا ‪ ،‬وبقيت عصابة من‬
‫المؤمنين ‪ ،‬وعرفوا أنهم لم يعجزوا ال ‪ ،‬فبدأت بهم فجَلَت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب‬
‫الدرّي ‪ ،‬وولت في الرض ل يدركها طالب ‪ ،‬ول ينجو منها هارب ‪ ،‬حتى إن الرجل ليتعوذ منها‬
‫بالصلة ‪ ،‬فتأتيه من خلفه فتقول ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬الن تصلي ؟‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬كل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه المام أحمد في المسند (‪ )4/6‬ولكن باختلف في اللفاظ ‪ ،‬وهذا اللفظ هو سياق حديث‬
‫ابن مهدي عن سفيان وهو في المسند (‪.)4/7‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬به مرفوعا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪ )2901‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4311‬وسنن الترمذي برقم (‪)2183‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وسنن ابن ماجه برقم (‪.)4041‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬موقوفا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪.)2901‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬تربو"‪.‬‬

‫( ‪)6/211‬‬

‫سمُهُ (‪ )1‬في وجهه ‪ ،‬ثم تنطلق ويشترك الناس في الموال ‪ ،‬ويصطحبون في‬
‫فيقبل عليها فَتَ ِ‬
‫المصار ‪ ،‬يعرف المؤمن من الكافر ‪ ،‬حتى إن المؤمن ليقول ‪ :‬يا كافر ‪ ،‬اقضني حقي‪ .‬وحتى إن‬
‫الكافر ليقول ‪ :‬يا مؤمن ‪ ،‬اقضني حقي" (‪.)2‬‬
‫ورواه ابن جرير من طريقين ‪ ،‬عن حذيفة بن أُسَيْد موقوفًا (‪ )3‬فال أعلم‪ .‬ورواه من رواية حذيفة‬
‫بن اليمان مرفوعًا ‪ ،‬وأن ذلك في زمان عيسى بن مريم ‪ ،‬وهو يطوف بالبيت ‪ ،‬ولكن إسناده ل‬
‫يصح (‪.)4‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال مسلم بن الحجاج ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا محمد بن بشر ‪ ،‬عن أبي‬
‫ظتُ من رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حَيّان ‪ ،‬عن أبي زُرْعَة ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬حَف ْ‬
‫حديثًا لم أنسه (‪ )5‬بعد ‪ :‬سمعتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن أول اليات خروجًا‬
‫طلوع الشمس من مغربها ‪ ،‬وخروج الدابة على الناس ضُحى ‪ ،‬وأيتهما ما كانت قبل صاحبتها ‪،‬‬
‫فالخرى (‪ )6‬على أثرها قريبًا" (‪.)7‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬روى مسلم في صحيحه من حديث العلء بن عبد الرحمن بن يعقوب ‪ -‬مولى‬
‫الحُ َرقَة ‪ -‬عن أبيه ‪ :‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"بادروا بالعمال ستا (‪ : )8‬طلوع الشمس من مغربها ‪ ،‬أو الدخان ‪ ،‬أو الدجال ‪ ،‬أو الدابة ‪ ،‬أو‬
‫خاصة أحدكم ‪ ،‬أو أمر العامة" (‪ .)9‬وله من حديث قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن زياد بن رباح ‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬بادروا بالعمال ستا ‪:‬‬
‫الدجال ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬ودابة الرض ‪ ،‬وطلوع الشمس من مغربها ‪ ،‬وأمر العامة وخُويّصة أحدكم" (‬
‫‪.)10‬‬
‫عمْرُو بن‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال ابن ماجه ‪ :‬حدثنا حَ ْرمَلَة بن يحيى ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني َ‬
‫الحارث وابن َلهِيعة ‪ ،‬عن يزيد بن أبي حبيب ‪ ،‬عن سِنَان بن سعد ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬بادروا بالعمال ستًا ‪ :‬طلوع الشمس من‬
‫خوَيّصة أحدكم ‪ ،‬وأمر العامة"‪ .‬تفرد به (‪.)11‬‬
‫مغربها ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬ودابة الرض ‪ ،‬والدجال ‪ ،‬و ُ‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال أبو داود الطيالسي أيضا ‪ :‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن أوس‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )12‬بن خالد ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"تخرج دابة الرض ‪ ،‬ومعها عصا موسى وخاتم سليمان ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬فتخطم أنف الكافر‬
‫بالعصا ‪ ،‬وتُجلي وجه المؤمن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فتشمه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند الطيالسي برقم (‪.)1069‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)20/10‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)20/11‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬لم أنساه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬والخرى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم برقم (‪.)2941‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ستة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم برقم (‪.)2947‬‬
‫(‪ )10‬صحيح مسلم برقم (‪.)2947‬‬
‫(‪ )11‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )4056‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )3/256‬هذا إسناد حسن ‪،‬‬
‫سنان بن سعد مختلف فيه وفي اسمه"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في هـ ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أويس"‪ .‬والمثبت من المسند‪.‬‬

‫( ‪)6/212‬‬

‫بالخاتم ‪ ،‬حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر"‪.‬‬


‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬عن َبهْز وعفان ويزيد بن هارون ‪ ،‬ثلثتهم عن حماد بن سلمة ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫وقال ‪" :‬فتخطم أنف الكافر بالخاتم ‪ ،‬وتجلو وجه المؤمن بالعصا ‪ ،‬حتى إن أهل الخوان الواحد‬
‫ليجتمعون فيقول هذا ‪ :‬يا مؤمن ‪ ،‬ويقول هذا ‪ :‬يا كافر"‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجه ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن يونس بن محمد المؤدب ‪ ،‬عن حماد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال ابن ماجه ‪ :‬حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو ‪ ،‬حدثنا أبو ُتمَيْلة ‪ ،‬حدثنا خالد بن‬
‫عُبَيْد ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن بُرَيدة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬ذهب بي رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى‬
‫موضع بالبادية ‪ ،‬قريب من مكة ‪ ،‬فإذا أرض يابسة حولها رمل ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬تخرج الدابة من هذا الموضع‪ .‬فإذا فِتْر في شبر"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال ابن بُرَيدة ‪ :‬فحججت بعد ذلك بسنين ‪ ،‬فأرانا عصًا له ‪ ،‬فإذا هو بعَصاي هذه (‪ ، )3‬كذا وكذا‬
‫(‪.)4‬‬
‫وقال عبد الرزاق عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ؛ أن ابن عباس قال ‪ :‬هي دابةٌ ذات زَغَب ‪ ،‬لها أربع‬
‫قوائم ‪ ،‬تخرج من بعض أودية تهامة (‪.)5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن َرجَاء ‪ ،‬حدثنا فضيل بن مرزوق ‪ ،‬عن عطية‬
‫قال ‪ :‬قال عبد ال ‪ :‬تخرج الدابة من صِدْع من الصفا كجَرْي الفرس ثلثة أيام ‪ ،‬لم يخرج ثلثها‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن أبان بن صالح قال ‪ :‬سئل عبد ال بن عمرو عن الدابة ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫الدابة تخرج من تحت صخرة بجياد ‪ ،‬وال لو كنت معهم ‪ -‬أو لو شئت بعصاي الصخرة التي‬
‫تخرج الدابة من تحتها‪ .‬قيل ‪ :‬فتصنعُ ماذا يا عبد ال بن عمرو ؟ قال ‪ :‬تستقبل المشرق فتصرخ‬
‫صرخة تنفُذُه ‪ ،‬ثم تستقبل الشام فتصرخ (‪ )6‬صرخة تنفذه ‪ ،‬ثم تستقبل المغرب فتصرخ صرخة‬
‫تنفذه ‪ ،‬ثم تستقبل اليمن فتصرخ صرخة تنفذه ‪ ،‬ثم تروح من مكة فتصبح (‪ )7‬بعسفان‪ .‬قيل ‪ :‬ثم‬
‫ماذا ؟ قال ‪ :‬ل أعلم‪.‬‬
‫جمْع (‪ .)8‬ورواه ابن أبي حاتم‪ .‬وفي‬
‫وعن عبد ال بن عمر ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬تخرج الدابة ليلة َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند الطيالسي برقم (‪ )2564‬والمسند (‪ )2/295‬من حديث عفان ويزيد ‪ ،‬و(‪ )2/291‬من‬
‫حديث بهز‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن ابن ماجه برقم (‪.)4066‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )4067‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )3/259‬هذا إسناد ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/71‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ثم تصرخ"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬فتضع"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ )15/180‬من طريق عبد الملك بن المغيرة ‪ ،‬عن ابن‬
‫البيلمان ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪" :‬تخرج الدابة ليلة جمع والناس يسيرون إلى منى فتحملهم بين‬
‫عجزها وذنبها فل يبقى منافق إل خطمته ‪ ،‬قال ‪ :‬وتمسح المؤمن ‪ ،‬قال ‪ :‬فيصبحون وهم أشر من‬
‫الدجال"‪.‬‬

‫( ‪)6/213‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إسناده ابن البيلمان (‪.)1‬‬
‫وعن وهب بن منبه ‪ :‬أنه حكى من كلم عُزَير ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬وتخرج من تحت سدوم‬
‫دابة تكلم الناس كل يسمعها ‪ ،‬وتضع الحبالى قبل التمام ‪ ،‬ويعود الماء العذب أجاجًا ‪ ،‬ويتعادى‬
‫الخلء ‪ ،‬وتُحرَقُ الحكمة ‪ ،‬ويُرفَعُ العلم ‪ ،‬وتكلم الرض التي تليها‪ .‬وفي ذلك الزمان يرجو الناس‬
‫ما ل يبلغون ‪ ،‬ويتعبون فيما ل ينالون ‪ ،‬ويعملون فيما ل يأكلون‪ .‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عنه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو صالح ‪ -‬كاتب الليث ‪ -‬حدثني معاوية بن صالح ‪،‬‬
‫عن أبي مريم ‪ :‬أنه سمع أبا هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬يقول ‪ :‬إن الدابة فيها من كل لون ‪ ،‬ما بين‬
‫قرنيها فرسخ (‪ )2‬للراكب‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬هي مثل الحربة الضخمة‪.‬‬
‫وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬إنها دابة لها ريش وزغب‬
‫حضْر الفرس الجواد ثلثا ‪ ،‬وما خرج ثلثها (‬
‫وحافر ‪ ،‬وما لها ذنب ‪ ،‬ولها لحية ‪ ،‬وإنها لتخرج ُ‬
‫‪ .)3‬ورواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن ابن الزبير أنه وصف الدابة فقال ‪ :‬رأسها رأس ثور ‪ ،‬وعينها عين‬
‫خنزير ‪ ،‬وأذنها أذن فيل ‪ ،‬وقرنها قرن أيّل ‪ ،‬وعنقها عنق نعامة ‪ ،‬وصدرها صدر أسد ‪ ،‬ولونها‬
‫لون نَمر ‪ ،‬وخاصرتها خاصرة هِرّ ‪ ،‬وذنبها ذنب كبش ‪ ،‬وقوائمها قوائم بعير ‪ ،‬بين كل مفصلين‬
‫اثنا [عشر] (‪ )4‬ذراعًا ‪ ،‬تخرج معها عصا موسى ‪ ،‬وخاتم سليمان ‪ ،‬فل يبقى مؤمن إل نَكتَت في‬
‫وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء ‪ ،‬فتفشو تلك النكتة حتى يبيضّ لها وجهه ‪ ،‬ول يبقى كافر إل‬
‫َنكَتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان ‪ ،‬فتفشو تلك النكتة حتى يسود لها وجهه ‪ ،‬حتى إن‬
‫الناس يتبايعون في السواق ‪ :‬بكم ذا يا مؤمن ‪ ،‬بكم ذا يا كافر ؟ وحتى إنّ أهل البيت يجلسون‬
‫على مائدتهم ‪ ،‬فيعرفون مؤمنهم من كافرهم ‪ ،‬ثم تقول لهم الدابة ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬أبشر ‪ ،‬أنت من أهل‬
‫الجنة ‪ ،‬ويا فلن ‪ ،‬أنت من أهل النار‪ .‬فذلك قول ال تعالى ‪ { :‬وَِإذَا َوقَعَ ا ْل َقوْلُ عَلَ ْيهِمْ أَخْ َرجْنَا َلهُمْ‬
‫دَابّةً مِنَ ال ْرضِ ُتكَّل ُمهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا ل يُوقِنُونَ } (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬البيلماني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فرح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ثلثاها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬وهذا من السرائيليات مما ل فائدة من ذكره ‪ ،‬وأوصاف الدابة ل يعلمها إل ال سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/214‬‬

‫وَ َيوْمَ نَحْشُرُ مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ َفوْجًا ِممّنْ ُيكَ ّذبُ بِآَيَاتِنَا َفهُمْ يُوزَعُونَ (‪ )83‬حَتّى ِإذَا جَاءُوا قَالَ َأ َكذّبْتُمْ‬
‫طقُونَ‬
‫بِآَيَاتِي وََلمْ تُحِيطُوا ِبهَا عِ ْلمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪َ )84‬و َوقَعَ ا ْلقَ ْولُ عَلَ ْيهِمْ ِبمَا ظََلمُوا َف ُهمْ لَا يَ ْن ِ‬
‫سكُنُوا فِي ِه وَال ّنهَارَ مُ ْبصِرًا إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَاتٍ ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‪)86‬‬
‫جعَلْنَا اللّ ْيلَ لِ َي ْ‬
‫(‪ )85‬أَلَمْ يَ َروْا أَنّا َ‬

‫{ وَ َيوْمَ َنحْشُرُ مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ َفوْجًا ِممّنْ ُي َك ّذبُ بِآيَاتِنَا َفهُمْ يُوزَعُونَ (‪ )83‬حَتّى إِذَا جَاءُوا قَالَ َأكَذّبْ ُتمْ‬
‫بِآيَاتِي وََلمْ تُحِيطُوا ِبهَا عِ ْلمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪َ )84‬و َوقَعَ ا ْلقَ ْولُ عَلَ ْيهِمْ ِبمَا ظََلمُوا َف ُه ْم ل‬
‫سكُنُوا فِي ِه وَال ّنهَارَ مُ ْبصِرًا إِنّ فِي َذِلكَ ليَاتٍ ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ‬
‫جعَلْنَا اللّ ْيلَ لِيَ ْ‬
‫طقُونَ (‪ )85‬أََلمْ يَ َروْا أَنّا َ‬
‫يَنْ ِ‬
‫(‪.} )86‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن يوم القيامة ‪ ،‬وحشر الظالمين المكذبين (‪ )1‬بآيات ال ورسله إلى بين يدي‬
‫ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ليسألهم عما فعلوه في الدار الدنيا ‪ ،‬تقريعًا وتوبيخًا ‪ ،‬وتصغيرًا وتحقيرًا فقال ‪{ :‬‬
‫وَ َيوْمَ نَحْشُرُ مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ َفوْجًا } أي ‪ :‬من كل قوم وقرن (‪ )2‬فوجًا ‪ ،‬أي ‪ :‬جماعة ‪ِ { ،‬ممّنْ ُيكَ ّذبُ‬
‫ج ُهمْ } [الصافات ‪ ، ]22 :‬وقال تعالى‬
‫بِآيَاتِنَا } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬احْشُرُوا الّذِينَ ظََلمُوا وَأَ ْزوَا َ‬
‫جتْ } [التكوير ‪.]7 :‬‬
‫{ وَإِذَا الّنفُوسُ ُزوّ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬فهُمْ يُوزَعُونَ } قال ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ :‬يدفعون‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬وَزَعَةٌ ترد (‬
‫‪ )3‬أولهم على آخرهم‪ .‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬يساقون‪.‬‬
‫{ حَتّى إِذَا جَاءُوا } أي ‪ :‬أوقفوا بين يدي ال عز وجل ‪ ،‬في مقام المساءلة ‪ { ،‬قَالَ َأكَذّبْ ُتمْ بِآيَاتِي‬
‫وَلَمْ ُتحِيطُوا ِبهَا عِ ْلمًا َأمْ مَاذَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬ويسألون (‪ )4‬عن اعتقادهم ‪ ،‬وأعمالهم فلما لم‬
‫ق وَل صَلّى‪ .‬وََلكِنْ كَ ّذبَ‬
‫يكونوا من أهل السعادة ‪ ،‬وكانوا كما قال ال تعالى عنهم ‪ { :‬فَل صَدّ َ‬
‫وَ َتوَلّى } [القيامة ‪ ، ]32 ، 31 :‬فحينئذ قامت عليهم الحجة ‪ ،‬ولم يكن لهم عذر يعتذرون به ‪ ،‬كما‬
‫طقُونَ وَل ُيؤْذَنُ َل ُهمْ فَ َيعْتَذِرُونَ‪ .‬وَيْلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ } [المرسلت ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ { :‬هَذَا َيوْمُ ل يَنْ ِ‬
‫طقُونَ } أي ‪ :‬بهتوا فلم‬
‫‪ ، ]37 ، 35‬وهكذا قال هاهنا ‪َ { :‬ووَقَعَ ا ْلقَ ْولُ عَلَ ْيهِمْ ِبمَا ظََلمُوا َف ُه ْم ل يَ ْن ِ‬
‫يكن لهم جواب ؛ لنهم كانوا في الدار الدنيا ظلمة لنفسهم ‪ ،‬وقد ردوا إلى عالم الغيب والشهادة‬
‫الذي ل تخفى (‪ )5‬عليه خافية‪.‬‬
‫ثم قال تعالى منبهًا على قدرته التامة ‪ ،‬وسلطانه العظيم ‪ ،‬وشأنه الرفيع الذي تجب طاعته والنقياد‬
‫جعَلْنَا‬
‫لوامره ‪ ،‬وتصديق أنبيائه فيما جاءوا به من الحق الذي ل مَحيد عنه ‪ ،‬فقال { أََلمْ يَ َروْا أَنّا َ‬
‫سكُنُوا فِيهِ } أي ‪ :‬فيه ظلم تسكن (‪ )6‬بسببه حركاتهم ‪ ،‬وتهدأ أنفاسهم ‪ ،‬ويستريحون من‬
‫اللّ ْيلَ لِيَ ْ‬
‫َنصَب التعب في نهارهم‪ { .‬وَال ّنهَارَ مُ ْبصِرًا } أي ‪ :‬منيرًا مشرقًا ‪ ،‬فبسبب ذلك يتصرفون في‬
‫المعايش والمكاسب ‪ ،‬والسفار والتجارات ‪ ،‬وغير ذلك من شؤونهم التي يحتاجون إليها ‪ { ،‬إِنّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ك ليَاتٍ ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ }‪.‬‬
‫فِي ذَِل َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الظالمين مع المكذبين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬قرن وقوم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يرد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬فيسألون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬ل يخفى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬يسكن"‪.‬‬

‫( ‪)6/215‬‬

‫سمَاوَاتِ َومَنْ فِي الْأَ ْرضِ إِلّا مَنْ شَاءَ اللّ ُه َوكُلّ أَ َت ْوهُ دَاخِرِينَ‬
‫وَ َيوْمَ يُ ْنفَخُ فِي الصّورِ َففَزِعَ مَنْ فِي ال ّ‬
‫شيْءٍ إِنّهُ خَبِيرٌ‬
‫ب صُنْعَ اللّهِ الّذِي أَ ْتقَنَ ُكلّ َ‬
‫حسَ ُبهَا جَا ِم َدةً وَ ِهيَ َتمُرّ مَرّ السّحَا ِ‬
‫(‪ )87‬وَتَرَى الْجِبَالَ تَ ْ‬
‫ِبمَا َت ْفعَلُونَ (‪)88‬‬

‫ت َومَنْ فِي ال ْرضِ إِل مَنْ شَاءَ اللّ ُه َو ُكلّ أَ َت ْوهُ‬


‫س َموَا ِ‬
‫{ وَ َيوْمَ يُ ْنفَخُ فِي الصّورِ َففَ ِزعَ مَنْ فِي ال ّ‬
‫شيْءٍ‬
‫ب صُنْعَ اللّهِ الّذِي أَ ْتقَنَ ُكلّ َ‬
‫حسَ ُبهَا جَا ِم َدةً وَ ِهيَ َتمُرّ مَرّ السّحَا ِ‬
‫دَاخِرِينَ (‪ )87‬وَتَرَى الْجِبَالَ تَ ْ‬
‫إِنّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْفعَلُونَ (‪} )88‬‬

‫( ‪)6/216‬‬

‫حسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِ ْنهَا وَهُمْ مِنْ فَ َزعٍ َي ْومَئِذٍ َآمِنُونَ (‪َ )89‬ومَنْ جَاءَ بِالسّيّ َئةِ َفكُ ّبتْ ُوجُو ُههُمْ‬
‫مَنْ جَاءَ بِالْ َ‬
‫فِي النّارِ َهلْ تُجْ َزوْنَ إِلّا مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪)90‬‬

‫{ مَنْ جَاءَ بِا ْلحَسَ َنةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِ ْنهَا وَهُمْ مِنْ فَ َزعٍ َي ْومَئِذٍ آمِنُونَ (‪َ )89‬ومَنْ جَاءَ بِالسّيّئَةِ َفكُ ّبتْ‬
‫وُجُو ُههُمْ فِي النّارِ َهلْ ُتجْ َزوْنَ إِل مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪.} )90‬‬
‫يخبر تعالى عن هول يوم نفخة الفَزَع في الصّور ‪ ،‬وهو كما جاء في الحديث ‪" :‬قرن ينفخ فيه"‪.‬‬
‫وفي حديث(الصّور) أن إسرافيل هو الذي ينفخ فيه بأمر ال تعالى ‪ ،‬فينفخ فيه أول نفخة الفزع‬
‫ويطولها ‪ ،‬وذلك في آخر عمر الدنيا ‪ ،‬حين تقوم الساعة على شرار الناس من الحياء ‪ ،‬فيفزع‬
‫مَنْ في السموات ومَنْ في الرض { إِل مَنْ شَاءَ اللّهُ } ‪ ،‬وهم الشهداء ‪ ،‬فإنهم أحياء عند ربهم‬
‫يرزقون‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال المام مسلم بن الحجاج ‪ :‬حدثنا عُبَيد ال (‪ )1‬بن مُعاذ العنبري ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪،‬‬
‫عن النعمان بن سالم ‪ :‬سمعت يعقوب بن عاصم بن عُ ْروَة بن مسعود الثقفي ‪ ،‬سمعت عبد ال بن‬
‫عمرو ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وجاءه رجل فقال ‪ :‬ما هذا الحديث الذي تَحدث أن الساعة تقوم إلى كذا‬
‫وكذا ؟ فقال ‪ :‬سبحان ال ‪ -‬أو ‪ :‬ل إله إل ال ‪ -‬أو كلمة نحوهما ‪ -‬لقد هممت أل أحدث أحدا‬
‫شيئا أبدا ‪ ،‬إنما قلت ‪ :‬إنكم سترون بعد قليل أمرًا عظيمًا يخرب البيت ‪ ،‬ويكون ويكون‪ .‬ثم قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين ‪[ -‬ل أدري أربعين]‬
‫(‪ )2‬يومًا ‪ ،‬أو أربعين شهرًا ‪ ،‬أو أربعين عامًا ‪ -‬فيبعث ال عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود‬
‫‪ ،‬فيطلبه فيهلكه‪ .‬ثم يمكث الناس سبع سنين ‪ ،‬ليس بين اثنين عداوة ‪ ،‬ثم يرسل ال ريحًا باردة من‬
‫قبل الشام ‪ ،‬فل يبقى على وجه الرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إل قبضته ‪،‬‬
‫حتى لو أن أحدهم دخل في كبد جبل لدخَلَتْه (‪ )3‬عليه حتى تقبضه"‪ .‬قال ‪ :‬سمعتها من رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪" :‬فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلم السباع ‪ ،‬ل يعرفون‬
‫معروفا ول ينكرون منكرًا ‪ ،‬فيتمثل لهم الشيطان فيقول ‪ :‬أل تستجيبون ؟ فيقولون ‪ :‬فما تأمرنا ؟‬
‫فيأمرهم بعبادة الوثان ‪ ،‬وهم في ذلك (‪ )4‬دار رزقهم ‪ ،‬حسنٌ عيشهم‪ .‬ثم ينفخ في الصور فل‬
‫يسمعه أحد إل أصغى ليتًا [ورفع ليتا] (‪ .)5‬قال ‪" :‬وأول مَنْ يسمعه رجل يَلُوط حوض إبله"‪ .‬قال‬
‫ق ويَصعقُ الناس ‪ ،‬ثم يرسل ال ‪ -‬أو قال ‪ :‬ينزل ال مطرًا كأنه الطّل ‪ -‬أو قال ‪ :‬الظل‬
‫صعَ ُ‬
‫‪" :‬فَ َي ْ‬
‫‪ -‬نعمان الشاك ‪ -‬فتنبت (‪ )6‬منه أجساد الناس ‪ ،‬ثم ينفَخُ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون‪ .‬ثم يقال‬
‫‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬هلموا إلى ربكم ‪ ،‬وقفوهم إنهم مسؤولون‪ .‬ثم يقال ‪ :‬أخرجوا بعث النار‪ .‬فيقال ‪:‬‬
‫من كم ؟ فيقال ‪ :‬من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين"‪ .‬قال ‪" :‬فذلك (‪ )7‬يوم يجعل الولدان شيبا ‪،‬‬
‫وذلك يوم يكشف عن ساق" (‪.)8‬‬
‫وقوله (‪ : )9‬ثم ينفخ في الصور فل يسمعه أحد إل أصغى ليتا ورفع ليتا" الليت (‪ : )10‬هو‬
‫صفحة العنق ‪ ،‬أي ‪ :‬أمال عنقه ليستمعه من السماء جيدًا‪.‬‬
‫فهذه نفخة الفزع‪ .‬ثم بعد ذلك نفخة الصعق ‪ ،‬وهو الموت‪ .‬ثم بعد ذلك نفخة القيام لرب العالمين ‪،‬‬
‫وهو النشور من القبور لجميع الخلئق ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬و ُكلّ أَ َت ْوهُ دَاخِرِينَ } ‪ -‬قُرئ بالمد ‪،‬‬
‫ل بمعنى واحد ‪ -‬و { دَاخِرِينَ } أي ‪ :‬صاغرين مطيعين ‪ ،‬ل‬
‫وبغيره (‪ )11‬على الفعل ‪ ،‬وك ٌ‬
‫يتخلف أحد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وصحيح مسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لدخلت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وهي في تلك"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬وصحيح مسلم‪ .‬وفي أ ‪" :‬أصغى ليثا ورفع ليثا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬فينبت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬فكذلك"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪.)2940‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقوله"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬إل أصغى ليثا ورفع ليثا الليث"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬وغيره"‪.‬‬

‫( ‪)6/216‬‬

‫حمْ ِدهِ } [السراء ‪ ، ]52 :‬وقال { ُثمّ إِذَا‬


‫عن أمره ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ َيدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ ِب َ‬
‫ع َوةً مِنَ ال ْرضِ ِإذَا أَنْ ُتمْ تَخْ ُرجُونَ } [الروم ‪ .]25 :‬وفي حديث الصور ‪ :‬أنه في النفخة‬
‫دَعَاكُمْ دَ ْ‬
‫الثالثة يأمر ال الرواح ‪ ،‬فتوضع في ثقب (‪ )1‬في الصور ‪ ،‬ثم ينفخ إسرافيل فيه بعدما تنبت (‪)2‬‬
‫الجساد في قبورها وأماكنها ‪ ،‬فإذا نفخ في الصور طارت الرواح ‪ ،‬تتوهج أرواح المؤمنين نورًا‬
‫‪ ،‬وأرواح الكافرين ظُلمة ‪ ،‬فيقول ال ‪ ،‬عز وجل ‪ :‬وعزتي وجللي لترجعن كل روح (‪ )3‬إلى‬
‫جسدها‪ .‬فتجيء الرواح إلى أجسادها ‪ ،‬فتدب فيها كما يَدب السم في اللديغ ‪ ،‬ثم يقومون فينفضون‬
‫صبٍ‬
‫التراب من قبورهم ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ { :‬ي ْومَ يَخْ ُرجُونَ مِنَ الجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَ ّنهُمْ إِلَى ُن ُ‬
‫يُو ِفضُونَ } [المعارج ‪.]43 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَتَرَى ا ْلجِبَالَ َتحْسَ ُبهَا جَامِ َد ًة وَ ِهيَ َتمُرّ مَرّ السّحَابِ } أي ‪ :‬تراها كأنها ثابتة باقية على‬
‫ما كانت عليه ‪ ،‬وهي تمر مر السحاب ‪ ،‬أي ‪ :‬تزول عن أماكنها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ َتمُورُ‬
‫س ُفهَا‬
‫سمَاءُ َموْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا } [الطور ‪ ، ]10 ، 9 :‬وقال { وَيَسْأَلُو َنكَ عَنِ الْجِبَالِ َف ُقلْ يَ ْن ِ‬
‫ال ّ‬
‫عوَجًا وَل َأمْتًا } [طه ‪ ، ]107 ، 105 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫ص ْفصَفًا ل تَرَى فِيهَا ِ‬
‫سفًا فَ َيذَرُهَا قَاعًا َ‬
‫رَبّي َن ْ‬
‫ل وَتَرَى ال ْرضَ بَارِ َزةً } [الكهف ‪.]47 :‬‬
‫{ وَ َيوْمَ ُنسَيّرُ الْجِبَا َ‬
‫شيْءٍ } أي ‪ :‬يفعل ذلك بقدرته العظيمة الذي قد أتقن كل ما‬
‫وقوله ‪ { :‬صُنْعَ اللّهِ الّذِي أَ ْتقَنَ ُكلّ َ‬
‫خلق ‪ ،‬وأودع فيه (‪ )4‬من الحكمة ما أودع ‪ { ،‬إِنّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْفعَلُونَ } أي ‪ :‬هو عليم بما يفعل‬
‫عباده من خير وشر فيجازيهم عليه‪.‬‬
‫ثم بين تعالى حال السعداء والشقياء يومئذ فقال ‪ { :‬مَنْ جَاءَ بِالْحَسَ َنةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِ ْنهَا } ‪ -‬قال قتادة‬
‫‪ :‬بالخلص‪ .‬وقال زين العابدين ‪ :‬هي ل إله إل ال ‪ -‬وقد بيّن في المكان (‪ )5‬الخر (‪ )6‬أن له‬
‫عَشْر أمثالها { وَهُمْ مِنْ فَ َزعٍ َي ْومَئِذٍ آمِنُونَ } ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ { :‬ل يَحْزُ ُن ُهمُ ا ْلفَزَعُ‬
‫الكْبَرُ } [النبياء ‪ ، ]103 :‬وقال ‪َ { :‬أ َفمَنْ يُ ْلقَى فِي النّارِ خَيْرٌ َأمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ }‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫[فصلت ‪ ، ]40 :‬وقال ‪ { :‬وَ ُهمْ فِي ا ْلغُ ُرفَاتِ آمِنُونَ } [سبأ ‪.]37 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ جَاءَ بِالسّيّ َئةِ َفكُ ّبتْ ُوجُو ُههُمْ فِي النّارِ } أي ‪ :‬مَنْ لقي ال مسيئًا ل حسنة له ‪ ،‬أو ‪:‬‬
‫قد رجحت سيئاته على حسناته ‪ ،‬كل بحسبه (‪ )7‬؛ ولهذا قال ‪َ { :‬هلْ تُجْ َزوْنَ إِل مَا كُنْتُمْ‬
‫َت ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود وأبو هريرة وابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬وأنس بن مالك ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وسعيد‬
‫بن جبير ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وإبراهيم النّخَعي ‪ ،‬وأبو وائل ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪،‬‬
‫وزيد بن أسلم ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد ‪ ،‬في قوله ‪:‬‬
‫{ َومَنْ جَاءَ بِالسّيّ َئةِ } يعني ‪ :‬بالشرك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬نقب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ما نبتت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬كل ريح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬به"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الموضع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬يشير ابن كثير ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬إلى الية ‪ 160 :‬من سورة النعام ‪ ،‬وهي قوله تعالى ‪( :‬من‬
‫جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فل يجزى إل مثلها وهم ل يظلمون)‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬الحسنة"‪.‬‬

‫( ‪)6/217‬‬

‫شيْ ٍء وَُأمِ ْرتُ أَنْ َأكُونَ مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ (‪)91‬‬


‫إِ ّنمَا ُأمِ ْرتُ أَنْ أَعْبُدَ َربّ هَ ِذهِ الْبَ ْل َدةِ الّذِي حَ ّر َمهَا وَلَهُ ُكلّ َ‬
‫ضلّ َف ُقلْ إِ ّنمَا أَنَا مِنَ ا ْلمُنْذِرِينَ (‪َ )92‬و ُقلِ‬
‫ن َ‬
‫وَأَنْ أَتُْلوَ ا ْلقُرْآَنَ َفمَنِ اهْ َتدَى فَإِ ّنمَا َيهْ َتدِي لِ َنفْسِ ِه َومَ ْ‬
‫عمّا َت ْعمَلُونَ (‪)93‬‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَ َتعْ ِرفُو َنهَا َومَا رَ ّبكَ ِبغَا ِفلٍ َ‬
‫الْ َ‬

‫شيْءٍ وَُأمِرْتُ أَنْ َأكُونَ مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ (‬


‫{ إِ ّنمَا ُأمِ ْرتُ أَنْ أَعْ ُبدَ َربّ َه ِذهِ الْبَلْ َدةِ الّذِي حَ ّر َمهَا وَلَهُ ُكلّ َ‬
‫ضلّ َف ُقلْ إِ ّنمَا أَنَا مِنَ ا ْلمُنْذِرِينَ (‪َ )92‬و ُقلِ‬
‫ن َ‬
‫‪ )91‬وَأَنْ أَتُْلوَ ا ْلقُرْآنَ َفمَنِ اهْ َتدَى فَإِ ّنمَا َيهْتَدِي لِ َنفْسِ ِه َومَ ْ‬
‫عمّا َت ْعمَلُونَ (‪.} )93‬‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَ َتعْ ِرفُو َنهَا َومَا رَ ّبكَ ِبغَا ِفلٍ َ‬
‫الْ َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا رسوله وآمرًا له أن يقول ‪ { :‬إِ ّنمَا ُأمِ ْرتُ أَنْ أَعْ ُبدَ َربّ هَ ِذهِ الْبَلْ َدةِ الّذِي حَ ّر َمهَا‬
‫شكّ مِنْ دِينِي فَل أَعْبُدُ الّذِينَ‬
‫شيْءٍ } ‪َ ،‬كمَا قَالَ ‪ُ { :‬قلْ (‪ )1‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنْ كُنْ ُتمْ فِي َ‬
‫وَلَهُ ُكلّ َ‬
‫َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّ ِه وََلكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الّذِي يَ َت َوفّاكُمْ } [يونس ‪.]104 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وإضافة الربوبية إلى البلدة على سبيل التشريف لها والعتناء بها ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬فَلْ َيعْبُدُوا َربّ َهذَا‬
‫خوْفٍ } [قريش ‪.]4 ، 3 :‬‬
‫ع وَآمَ َنهُمْ مِنْ َ‬
‫ط َع َمهُمْ مِنْ جُو ٍ‬
‫الْبَ ْيتِ‪ .‬الّذِي َأ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬الّذِي حَ ّر َمهَا } أي ‪ :‬الذي إنما صارت حرامًا قدرًا وشرعًا ‪ ،‬بتحريمه لها ‪ ،‬كما ثبت في‬
‫الصحيحين عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم فتح مكة ‪" :‬إن هذا البلد‬
‫حرمه ال يوم خلق السموات والرض ‪ ،‬فهو حرام بحرمة ال إلى يوم القيامة ‪ ،‬ل يُعضَد شوكه ‪،‬‬
‫ول ينفر صيده ‪ ،‬ول يلتقط ُلقَطَتُه إل ِلمَنْ عرفها ‪ ،‬ول يختلى خلها" الحديث بتمامه‪ .‬وقد ثبت في‬
‫الصحاح والحسان والمسانيد من طرق جماعة تفيد القطع (‪ ، )2‬كما هو مبين في موضعه من (‪)3‬‬
‫كتاب الحكام ‪ ،‬ول الحمد‪.‬‬
‫شيْءٍ } ‪ :‬من باب عطف العام على الخاص ‪ ،‬أي ‪ :‬هو رب هذه البلدة ‪ ،‬ورب‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَهُ ُكلّ َ‬
‫كل شيء ومليكه ‪ { ،‬وَُأمِ ْرتُ أَنْ َأكُونَ مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ } أي ‪ :‬الموحدين المخلصين المنقادين لمره‬
‫المطيعين له‪ .‬ب‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنْ أَتُْلوَ ا ْلقُرْآنَ } أي ‪ :‬على الناس أبلغهم إياه ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬ذَِلكَ نَتْلُوهُ عَل ْيكَ مِنَ اليَاتِ‬
‫حقّ ِل َقوْمٍ‬
‫عوْنَ بِالْ َ‬
‫حكِيمِ } [آل عمران ‪ ، ]58 :‬وكقوله ‪ { :‬نَتْلُو عَلَ ْيكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى َوفِرْ َ‬
‫وَال ّذكْرِ ا ْل َ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ } [القصص ‪ ]3 :‬أي ‪ :‬أنا مبلغ ومنذر ‪َ { ،‬فمَنِ اهْتَدَى فَإِ ّنمَا َيهْتَدِي لِ َنفْسِ ِه َومَنْ ضَلّ َف ُقلْ‬
‫إِ ّنمَا أَنَا مِنَ ا ْلمُنْذِرِينَ } أي ‪ :‬لي سوية الرسل الذين أنذروا قومهم ‪ ،‬وقاموا بما عليهم من أداء‬
‫علَ ْيكَ‬
‫الرسالة إليهم ‪ ،‬وخََلصُوا من عهدتهم ‪ ،‬وحساب أممهم على ال ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬فَإِ ّنمَا َ‬
‫شيْ ٍء َوكِيلٌ }‬
‫الْبَلغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ } [الرعد ‪ ، ]40 :‬وقال ‪ { :‬إِ ّنمَا أَ ْنتَ َنذِي ٌر وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫[هود ‪.]12 :‬‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَ َتعْ ِرفُو َنهَا } ‪ ،‬أي ‪ :‬ل الحمد الذي ل يعذب أحدًا إل بعد قيام الحجة‬
‫{ َو ُقلِ الْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪" :‬قال" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )1834‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1353‬وسنن أبي داود برقم (‪)2018‬‬
‫وسنن الترمذي برقم (‪ )1590‬وسنن النسائي (‪ )5/203‬والمسند (‪.)1/259‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬في"‪.‬‬

‫( ‪)6/218‬‬

‫عليه ‪ ،‬والعذار إليه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَ َتعْ ِرفُو َنهَا } كما قال تعالى ‪ { :‬سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا‬
‫حقّ } [فصلت ‪.]53 :‬‬
‫سهِمْ حَتّى يَتَبَيّنَ َلهُمْ أَنّهُ الْ َ‬
‫فِي الفَاقِ َوفِي أَ ْنفُ ِ‬
‫عمّا َت ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬بل هو شهيد على كل شيء‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا رَ ّبكَ ِبغَا ِفلٍ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر عن أبي عمر الحوضي حفص بن عمر ‪ :‬حدثنا أبو أمية بن يعلى‬
‫الثقفي ‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي سعيد ‪ ،‬سمعت أبا هريرة يقول ‪ :‬قال ‪ :‬رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬ل َيغْترّنّ أحدكم بال ؛ فإن ال لو كان غافل شيئًا لغفل البعوضة‬
‫والخردلة والذرة" (‪.)1‬‬
‫[قال أيضا] (‪ : )2‬حدثنا محمد بن يحيى ‪ ،‬حدثنا نصر بن علي ‪ ،‬قال أبي ‪ :‬أخبرني خالد بن‬
‫قيس ‪ ،‬عن مطر ‪ ،‬عن عمر بن عبد العزيز قال ‪ :‬فلو كان ال مغفل شيئًا لغفل ما تعفي الرياح‬
‫من أثر قدمي ابن آدم‪.‬‬
‫وقد ذكر عن المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬أنه كان ينشد هذين البيتين ‪ ،‬إما له أو لغيره ‪:‬‬
‫إذَا مَا خَلَوتَ الدهْرَ يَومًا فَل َتقُل‪ ...‬خَلَوتُ وَلكن قُل عَليّ رَقيب‪...‬‬
‫وَل َتحْسَبَن ال َي ْغفُل ساعةً‪ ...‬وَل أن مَا يَخْفى عَلَيْه يَغيب‪...‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه الديملي في مسند الفردوس برقم (‪ )8167‬من طريق أبي أمية بن يعلى به‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/219‬‬

‫طسم (‪ )1‬تِ ْلكَ آَيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ (‪ )2‬نَتْلُوا عَلَ ْيكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى َوفِرْعَوْنَ بِا ْلحَقّ ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‪)3‬‬
‫ضعِفُ طَا ِئفَةً مِ ْن ُهمْ يُذَبّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي‬
‫ج َعلَ أَهَْلهَا شِ َيعًا َيسْ َت ْ‬
‫ض وَ َ‬
‫عوْنَ عَلَا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫إِنّ فِرْ َ‬
‫جعََلهُمْ أَ ِئمّةً‬
‫ض وَنَ ْ‬
‫ض ِعفُوا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫نِسَا َءهُمْ إِنّهُ كَانَ مِنَ ا ْل ُمفْسِدِينَ (‪ )4‬وَنُرِيدُ أَنْ َنمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْ ُت ْ‬
‫جعََلهُمُ ا ْلوَارِثِينَ (‪)5‬‬
‫وَنَ ْ‬

‫[بسم ال الرحمن الرحيم‪ .‬رب يسر بفضلك] (‪)1‬‬


‫تفسير سورة القصص‬
‫[وهي مكية] (‪)2‬‬
‫قال المام أحمد بن حنبل ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن معد يكرب قال ‪ :‬أتينا عبد ال فسألناه أن يقرأ علينا { طسم } المائتين ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما‬
‫هي معي ‪ ،‬ولكن عليكم مَن أخذها من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬خَبّاب بن الرَت‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فأتينا خَبّاب بن الرت ‪ ،‬فقرأها علينا ‪ ،‬رضي ال عنه (‪.)3‬‬
‫حقّ ِلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‬
‫عوْنَ بِالْ َ‬
‫{ طسم (‪ )1‬تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ (‪ )2‬نَتْلُو عَلَ ْيكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى َوفِرْ َ‬
‫ضعِفُ طَا ِئفَةً مِ ْنهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَاءَهُ ْم وَيَسْ َتحْيِي‬
‫ج َعلَ أَهَْلهَا شِ َيعًا َيسْ َت ْ‬
‫عوْنَ عَل فِي ال ْرضِ وَ َ‬
‫‪ )3‬إِنّ فِرْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جعََلهُمْ أَ ِئمّةً‬
‫ض ِعفُوا فِي ال ْرضِ وَنَ ْ‬
‫نِسَا َءهُمْ إِنّهُ كَانَ مِنَ ا ْل ُمفْسِدِينَ (‪ )4‬وَنُرِيدُ أَنْ َنمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْ ُت ْ‬
‫جعََلهُمُ ا ْلوَارِثِينَ (‪.} )5‬‬
‫وَنَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)1/419‬‬

‫( ‪)6/220‬‬

‫ن وَجُنُودَ ُهمَا مِ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيحْذَرُونَ (‪)6‬‬


‫ن وَهَامَا َ‬
‫عوْ َ‬
‫وَ ُن َمكّنَ َل ُهمْ فِي الْأَ ْرضِ وَنُ ِريَ فِرْ َ‬

‫ن وَجُنُودَ ُهمَا مِ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيحْذَرُونَ (‪.} )6‬‬


‫ن وَهَامَا َ‬
‫عوْ َ‬
‫{ وَ ُن َمكّنَ َلهُمْ فِي ال ْرضِ وَنُ ِريَ فِرْ َ‬
‫قد تقدم الكلم على الحروف المقطعة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬تلك } أي ‪ :‬هذه { آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ } أي ‪ :‬الواضح الجلي الكاشف عن حقائق‬
‫المور ‪ ،‬وعلم ما قد كان وما هو كائن‪.‬‬
‫عوْنَ بِا ْلحَقّ ِلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ } كما قال تعالى ‪َ { :‬نحْنُ َن ُقصّ‬
‫وقوله ‪ { :‬نَتْلُو عَلَ ْيكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى َوفِرْ َ‬
‫صصِ } [ يوسف ‪ ] 3 :‬أي ‪ :‬نذكر لك المر على ما كان عليه ‪ ،‬كأنك تشاهد‬
‫حسَنَ ا ْل َق َ‬
‫عَلَ ْيكَ أَ ْ‬
‫وكأنك حاضر‪.‬‬
‫ج َعلَ َأهَْلهَا شِ َيعًا } أي ‪:‬‬
‫عوْنَ عَل فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬تكبر وتجبر وطغى‪َ { .‬و َ‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِنّ فِرْ َ‬
‫أصنافا ‪ ،‬قد صرف كل صنف فيما يريد من أمور دولته‪.‬‬
‫ضعِفُ طَا ِئفَةً مِ ْنهُمْ } يعني ‪ :‬بني إسرائيل‪ .‬وكانوا في ذلك الوقت خيار أهل زمانهم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يسْ َت ْ‬
‫هذا وقد سلط عليهم هذا الملك الجبار العنيد يستعملهم في أخس العمال ‪ ،‬ويكُدّهُم ليل ونهارًا في‬
‫أشغاله وأشغال رعيته ‪ ،‬ويقتل مع هذا أبناءهم ‪ ،‬ويستحيي نساءهم ‪ ،‬إهانة لهم واحتقارا ‪ ،‬وخوفا‬
‫من أن يوجد منهم الغلم الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته من أن يوجد منهم غلم ‪،‬‬

‫( ‪)6/220‬‬

‫خ ْفتِ عَلَيْهِ فَأَ ْلقِيهِ فِي الْ َي ّم وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنّا رَادّوهُ‬
‫ضعِيهِ فَِإذَا ِ‬
‫وََأوْحَيْنَا إِلَى أُمّ مُوسَى أَنْ أَ ْر ِ‬
‫ن وَهَامَانَ‬
‫عوْ َ‬
‫عوْنَ لِ َيكُونَ َلهُمْ عَ ُدوّا وَحَزَنًا إِنّ فِرْ َ‬
‫ك وَجَاعِلُوهُ مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )7‬فَالْ َتقَطَهُ َآلُ فِرْ َ‬
‫إِلَ ْي ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عسَى أَنْ يَ ْن َفعَنَا َأوْ‬
‫عوْنَ قُ ّرةُ عَيْنٍ لِي وََلكَ لَا َتقْتُلُوهُ َ‬
‫وَجُنُودَ ُهمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (‪َ )8‬وقَاَلتِ امْرََأةُ فِرْ َ‬
‫شعُرُونَ (‪)9‬‬
‫خ َذ ُه وَلَدًا وَهُمْ لَا يَ ْ‬
‫نَتّ ِ‬

‫يكون سبب هلكه وذهاب دولته على يديه‪ .‬وكانت القبط قد تلقوا هذا من بني إسرائيل فيما كانوا‬
‫يدرسونه من قول إبراهيم الخليل ‪ ،‬حين ورد الديار المصرية ‪ ،‬وجرى له مع جبارها ما جرى ‪،‬‬
‫حين أخذ سارة ليتخذها جارية ‪ ،‬فصانها ال منه ‪ ،‬ومنعه منها (‪ )1‬بقدرته وسلطانه‪ .‬فبشر إبراهيم‬
‫عليه السلم ولده أنه سيولد من صلبه وذريته مَن يكون هلك ملك مصر على يديه ‪ ،‬فكانت القبط‬
‫تتحدث بهذا عند فرعون ‪ ،‬فاحترز فرعون من ذلك ‪ ،‬وأمر بقتل ذكور بني إسرائيل ‪ ،‬ولن ينفع‬
‫حذر من قدر ؛ لن أجل ال إذا جاء ل يؤخر ‪ ،‬ولكل أجل كتاب ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَنُرِيدُ أَنْ َنمُنّ‬
‫جعََلهُمُ ا ْلوَارِثِينَ‪ .‬وَ ُن َمكّنَ َلهُمْ فِي ال ْرضِ وَنُ ِريَ‬
‫جعََلهُمْ أَ ِئمّ ًة وَنَ ْ‬
‫ض وَنَ ْ‬
‫ضعِفُوا فِي ال ْر ِ‬
‫عَلَى الّذِينَ اسْ ُت ْ‬
‫حذَرُونَ }‪ .‬وقد فعل تعالى ذلك بهم ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫ن َوجُنُودَ ُهمَا مِ ْنهُمْ مَا كَانُوا يَ ْ‬
‫عوْنَ وَهَامَا َ‬
‫فِرْ َ‬
‫ض َو َمغَارِ َبهَا الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا وَ َت ّمتْ كَِل َمةُ‬
‫ضعَفُونَ مَشَارِقَ ال ْر ِ‬
‫{ وََأوْرَثْنَا ا ْل َقوْمَ الّذِينَ كَانُوا ُيسْ َت ْ‬
‫ن َو َق ْومُهُ َومَا كَانُوا‬
‫عوْ ُ‬
‫علَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ِبمَا صَبَرُوا وَ َدمّرْنَا مَا كَانَ َيصْنَعُ فِرْ َ‬
‫حسْنَى َ‬
‫رَ ّبكَ الْ ُ‬
‫ك وََأوْرَثْنَاهَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ } [ الشعراء ‪، ] 59 :‬‬
‫َيعْرِشُونَ } [ العراف ‪ ] 137 :‬وقال ‪َ { :‬كذَِل َ‬
‫أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى ‪ ،‬فما نفعه ذلك مع َقدَر الملك العظيم الذي ل‬
‫يخالف أمره القدري ‪ ،‬بل نفذ حكمه وجرى قلمه في القِدَم بأن يكون إهلك فرعون على يديه ‪ ،‬بل‬
‫يكون هذا الغلم الذي احترزت من وجوده ‪ ،‬وقتلت بسببه ألوفا من الولدان إنما منشؤه ومرباه‬
‫على فراشك ‪ ،‬وفي دارك ‪ ،‬وغذاؤه من طعامك ‪ ،‬وأنت تربيه وتدل وتتفداه ‪ ،‬وحتفك ‪ ،‬وهلكك‬
‫وهلك جنودك على يديه ‪ ،‬لتعلم أن رب السموات العل هو القادر الغالب العظيم ‪ ،‬العزيز القوي‬
‫الشديد المحال ‪ ،‬الذي ما شاء كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫خ ْفتِ عَلَ ْيهِ فَأَ ْلقِيهِ فِي الْيَ ّم وَل تَخَافِي وَل َتحْزَنِي إِنّا‬
‫ضعِيهِ فَإِذَا ِ‬
‫{ وََأوْحَيْنَا ِإلَى ُأمّ مُوسَى أَنْ أَ ْر ِ‬
‫عوْنَ‬
‫عوْنَ لِ َيكُونَ َلهُمْ عَ ُدوّا َوحَزَنًا إِنّ فِرْ َ‬
‫طهُ آلُ فِرْ َ‬
‫سلِينَ (‪ )7‬فَالْ َتقَ َ‬
‫ك وَجَاعِلُوهُ مِنَ ا ْلمُرْ َ‬
‫رَادّوهُ إِلَ ْي ِ‬
‫عسَى أَنْ‬
‫عوْنَ قُ ّرةُ عَيْنٍ لِي وََلكَ ل َتقْتُلُوهُ َ‬
‫وَهَامَانَ وَجُنُودَ ُهمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (‪َ )8‬وقَاَلتِ امْرََأةُ فِرْ َ‬
‫شعُرُونَ (‪.} )9‬‬
‫يَ ْن َفعَنَا َأوْ نَتّخِ َذ ُه وَلَدًا وَهُمْ ل يَ ْ‬
‫ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل ‪ ،‬خافت القبط أن ُيفْني بني إسرائيل (‪)2‬‬
‫فَيَلُون (‪ )3‬هم ما كانوا يلونه من العمال الشاقة‪ .‬فقالوا لفرعون ‪ :‬إنه يوشك ‪ -‬إن استمر هذا‬
‫الحال ‪ -‬أن يموت شيوخهم ‪ ،‬وغلمانهم ل يعيشون ‪ ،‬ونساؤهم ل يمكن أن َي ُقمْن بما يقوم به‬
‫رجالهم من العمال ‪ ،‬فيخلص إلينا ذلك‪ .‬فأمر بقتل الولدان عامًا وتركهم عامًا ‪ ،‬فولد هارون ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬في السنة التي يتركون فيها الولدان ‪ ،‬وولد موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في السنة التي‬
‫يقتلون فيها الولدان ‪ ،‬وكان لفرعون أناس موكلون بذلك ‪ ،‬وقوابل َيدُرْنَ على النساء ‪ ،‬فمن رأينها‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قد حملت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ومنعها منه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬أن تفنى بنو إسرائيل" وفي أ ‪" :‬أن يفنى ينو إسرائيل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فيكون"‪.‬‬

‫( ‪)6/221‬‬

‫أحصوا اسمها ‪ ،‬فإذا كان وقت ولدتها ل َيقْبَلُها إل نساء القبط ‪ ،‬فإذا ولدت المرأة جارية تركنها‬
‫حهُم‬
‫وذهبن ‪ ،‬وإن ولدت غلمًا دخل أولئك الذبّاحون ‪ ،‬بأيديهم الشفار المرهفة ‪ ،‬فقتلوه ومضوا قَبّ َ‬
‫ال‪ .‬فلما حملت أم موسى به ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها ‪ ،‬ولم تفطن لها‬
‫الدايات ‪ ،‬ولكن لما وضعته ذكرًا ضاقت به ذرعًا ‪ ،‬وخافت عليه خوفًا شديدًا وأحبته حبّا زائدًا ‪،‬‬
‫وكان موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ل يراه أحد إل أحبه ‪ ،‬فالسعيد من أحبه طبعا وشرعًا قال ال تعالى‬
‫‪ { :‬وَأَ ْلقَ ْيتُ عَلَ ْيكَ مَحَبّةً مِنّي } [ طه ‪ .] 39 :‬فلما ضاقت ذرعًا به ألهمت في سرها ‪ ،‬وألقي في‬
‫خ ْفتِ‬
‫ضعِيهِ فَِإذَا ِ‬
‫خلدها ‪ ،‬ونفث في روعها ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪ { :‬وََأوْحَيْنَا إِلَى أُمّ مُوسَى أَنْ أَ ْر ِ‬
‫عَلَيْهِ فَأَ ْلقِيهِ فِي الْ َي ّم وَل َتخَافِي وَل تَحْزَنِي إِنّا رَادّوهُ إِلَ ْيكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ }‪ .‬وذلك أنه كانت‬
‫دارها على حافة النيل ‪ ،‬فاتخذت تابوتًا ‪ ،‬ومهدَت فيه مهدًا ‪ ،‬وجعلت ترضع ولدها ‪ ،‬فإذا دخل‬
‫عليها أحد ِممّنْ تخاف جعلته في ذلك التابوت ‪ ،‬وسيرته (‪ )1‬في البحر ‪ ،‬وربطته (‪ )2‬بحبل‬
‫عندها‪ .‬فلما كان ذات يوم دخل عليها مَنْ تخافه ‪ ،‬فذهبت فوضعته في ذلك التابوت ‪ ،‬وأرسلته في‬
‫البحر وذهلت عن أن تربطه ‪ ،‬فذهب مع الماء واحتمله ‪ ،‬حتى مر به (‪ )3‬على دار فرعون ‪،‬‬
‫فالتقطه الجواري فاحتملنه ‪ ،‬فذهبن به إلى امرأة فرعون ‪ ،‬ول يدرين ما فيه ‪ ،‬وخشين أن يفتتن‬
‫عليها في فتحه دونها‪ .‬فلما كشفت عنه إذا هو غلم من أحسن الخلق وأجمله وأحله وأبهاه ‪،‬‬
‫فأوقع ال محبته في قلبها حين نظرت إليه ‪ ،‬وذلك لسعادتها وما أراد ال من كرامتها وشقاوة بعلها‬
‫ع ُدوّا [ َوحَزَنًا] } (‪.)4‬‬
‫عوْنَ لِ َيكُونَ َلهُمْ َ‬
‫طهُ آلُ فِرْ َ‬
‫؛ ولهذا قال { فَالْ َتقَ َ‬
‫قال محمد بن إسحاق وغيره ‪" :‬اللم" هنا لم العاقبة ل لم التعليل ؛ لنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك‪.‬‬
‫ول شك أن ظاهر اللفظ يقتضي ما قالوه ‪ ،‬ولكن إذا نظر إلى معنى السياق فإنه تبقى (‪ )5‬اللم‬
‫للتعليل ؛ لن معناه أن ال تعالى ‪ ،‬قيضهم للتقاطه ليجعله لهم عدوًا وحزنًا فيكون أبلغ في إبطال‬
‫عوْنَ وَهَامَانَ َوجُنُودَ ُهمَا كَانُوا خَاطِئِينَ }‪.‬‬
‫حذرهم منه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّ فِرْ َ‬
‫وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كتب كتابًا إلى قوم من القدرية ‪ ،‬في تكذيبهم‬
‫بكتاب ال وبأقداره النافذة في علمه السابق ‪ :‬وموسى في علم ال السابق لفرعون عدو وحزن ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حذَرُونَ } ‪ ،‬وقلتم أنتم ‪ :‬لو‬
‫ن وَجُنُو َد ُهمَا مِ ْنهُمْ مَا كَانُوا يَ ْ‬
‫عوْنَ وَهَامَا َ‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬وَنُ ِريَ فِرْ َ‬
‫ع ُدوّا وَحَزَنًا }‪.‬‬
‫شاء فرعون أن يكون لموسى وليًا ونصيرًا ‪ ،‬وال يقول ‪ { :‬لِ َيكُونَ َلهُمْ َ‬
‫خ َذ ُه وَلَدًا‬
‫عوْنَ قُ ّرةُ عَيْنٍ لِي وََلكَ ل َتقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَ ْن َفعَنَا َأوْ نَتّ ِ‬
‫وقوله تعالى ‪َ { :‬وقَاَلتِ امْرََأةُ فِرْ َ‬
‫شعُرُونَ } يعني ‪ :‬أن فرعون لما رآه همّ بقتله خوفًا من أن يكون من بني إسرائيل فجعلت‬
‫وَهُمْ ل يَ ْ‬
‫امرأته آسية بنت مزاحم ُتحَاجّ عنه وتَذب دونه ‪ ،‬وتحببه إلى فرعون ‪ ،‬فقالت ‪ { :‬قُ ّرةُ عَيْنٍ لِي‬
‫وََلكَ } فقال ‪ :‬أما لك فَ َنعَم ‪ ،‬وأما لي فل‪ .‬فكان كذلك ‪ ،‬وهداها ال به ‪ ،‬وأهلكه ال على يديه ‪،‬‬
‫وقد تقدم في حديث الفتون في سورة "طه" هذه القصة بطولها ‪ ،‬من رواية ابن عباس مرفوعًا عن‬
‫النسائي وغيره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وأرسلته"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وأوثقته"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬حتى قربه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يعني"‪.‬‬

‫( ‪)6/222‬‬

‫وََأصْبَحَ ُفؤَادُ أُمّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَا َدتْ لَتُ ْبدِي بِهِ َلوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْ ِبهَا لِ َتكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‬
‫شعُرُونَ (‪ )11‬وَحَ ّرمْنَا عَلَيْهِ ا ْلمَرَاضِعَ مِنْ‬
‫ب وَهُمْ لَا يَ ْ‬
‫‪َ )10‬وقَاَلتْ لُِأخْتِهِ ُقصّيهِ فَ َبصُرَتْ بِهِ عَنْ جُ ُن ٍ‬
‫قَ ْبلُ َفقَاَلتْ َهلْ أَدُّل ُكمْ عَلَى أَ ْهلِ بَ ْيتٍ َي ْكفُلُونَهُ َل ُك ْم وَهُمْ َلهُ نَاصِحُونَ (‪ )12‬فَرَ َددْنَاهُ إِلَى ُأمّهِ َكيْ َتقَرّ‬
‫ق وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ لَا َيعَْلمُونَ (‪)13‬‬
‫حّ‬‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫ن وَلِ َتعْلَمَ أَ ّ‬
‫عَيْ ُنهَا وَلَا تَحْزَ َ‬

‫وقوله" ‪ { :‬عَسَى أَنْ يَ ْن َفعَنَا } ‪ ،‬وقد حصل لها ذلك ‪ ،‬وهداها ال به ‪ ،‬وأسكنها الجنة بسببه‪ .‬وقولها‬
‫‪َ { :‬أوْ نَتّخِ َذ ُه وَلَدًا } أي ‪ :‬أرادت أن تتخذه ولدًا وتتبناه ‪ ،‬وذلك أنه لم يكن لها ولد منه‪.‬‬
‫شعُرُونَ } أي ‪ :‬ل يدرون ما أراد ال منه بالتقاطهم إياه ‪ ،‬من الحكمة‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَهُمْ ل يَ ْ‬
‫العظيمة البالغة ‪ ،‬والحجة القاطعة‪.‬‬
‫{ وََأصْبَحَ ُفؤَادُ ُأمّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَا َدتْ لَتُبْدِي ِبهِ َلوْل أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْ ِبهَا لِ َتكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‬
‫شعُرُونَ (‪ )11‬وَحَ ّرمْنَا عَلَيْهِ ا ْلمَرَاضِعَ مِنْ‬
‫‪َ )10‬وقَاَلتْ لخْ ِتهِ ُقصّيهِ فَ َبصُ َرتْ بِهِ عَنْ جُ ُنبٍ وَهُمْ ل يَ ْ‬
‫قَ ْبلُ َفقَاَلتْ َهلْ أَدُّل ُكمْ عَلَى أَ ْهلِ بَ ْيتٍ َي ْكفُلُونَهُ َل ُك ْم وَهُمْ َلهُ نَاصِحُونَ (‪ )12‬فَرَ َددْنَاهُ إِلَى ُأمّهِ َكيْ َتقَرّ‬
‫ق وََلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ ل َيعَْلمُونَ (‪.} )13‬‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ حَ ّ‬
‫ن وَلِ َتعْلَمَ أَ ّ‬
‫عَيْ ُنهَا وَل َتحْزَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن فؤاد أم موسى ‪ ،‬حين ذهب ولدها في البحر ‪ ،‬إنه أصبح فارغًا ‪ ،‬أي ‪ :‬من‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪،‬‬
‫كل شيء من أمور الدنيا إل من موسى‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫وأبو عبيدة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫{ إِنْ كَا َدتْ لَتُبْدِي بِهِ } أي ‪ :‬إن كادت من شدة وجدها وحزنها وأسفها لَتُظهر أنه ذهب لها ولد ‪،‬‬
‫وتخبر بحالها ‪ ،‬لول أن ال ثَبّتها وصبّرها ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ { :‬لوْل أَنْ رَ َبطْنَا عَلَى قَلْ ِبهَا لِ َتكُونَ مِنَ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‪َ .‬وقَاَلتْ لخْتِهِ ُقصّيهِ } أي ‪ :‬أمرت ابنتها ‪ -‬وكانت كبيرة تعي ما يقال لها ‪ -‬فقالت لها ‪:‬‬
‫{ ُقصّيهِ } أي ‪ :‬اتبعي أثره ‪ ،‬وخذي خبره ‪ ،‬و َتطَلّبي شأنه من نواحي البلد‪ .‬فخرجت لذلك ‪،‬‬
‫{ فَ َبصُ َرتْ بِهِ عَنْ جُ ُنبٍ } ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬عن جانب‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬فَ َبصُ َرتْ ِبهِ عَنْ جُ ُنبٍ } ‪ :‬عن بعيد‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬جعلت تنظر إليه وكأنها ل تريده‪.‬‬
‫وذلك أنه لما استقر موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بدار فرعون ‪ ،‬وأحبته امرأة الملك ‪ ،‬واستطلقته منه ‪،‬‬
‫عرضوا عليه المراضع التي في دارهم ‪ ،‬فلم يقبل منها ثديًا ‪ ،‬وأبى أن يقبل شيئًا من ذلك‪.‬‬
‫فخرجوا به إلى سوق لعلهم يجدون امرأة تصلح لرضاعته ‪ ،‬فلما رأته بأيديهم عرفته ‪ ،‬ولم تظهر‬
‫ذلك ولم (‪ )1‬يشعروا بها‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬وَحَ ّرمْنَا عَلَيْهِ ا ْلمَرَاضِعَ مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬تحريمًا قَدَريا ‪ ،‬وذلك لكرامة ال له‬
‫صانه (‪ )2‬عن أن يرتضع غير ثدي أمه ؛ ولن ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬جعل ذلك سببًا إلى رجوعه إلى‬
‫أمه ‪ ،‬لترضعه وهي آمنة ‪ ،‬بعدما كانت خائفة‪ .‬فلما رأتهم [أخته] (‪ )3‬حائرين فيمن يرضعه قالت‬
‫صحُونَ‪.‬‬
‫علَى َأ ْهلِ بَ ْيتٍ َي ْكفُلُونَهُ } (‪َ )4‬لكُ ْم وَ ُهمْ لَهُ نَا ِ‬
‫‪َ { :‬هلْ أَدُّلكُمْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ففي ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬صيانة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يرضعونه"‪.‬‬

‫( ‪)6/223‬‬

‫قال ابن عباس ‪ :‬لما قالت ذلك أخذوها ‪ ،‬وشكوا في أمرها ‪ ،‬وقالوا لها ‪ :‬وما يدريك نصحهم له‬
‫ظؤُورة (‪ )1‬الملك ورجاء منفعته‪.‬‬
‫وشفقتهم عليه ؟ فقالت ‪ :‬نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في ُ‬
‫فأرسلوها ‪ ،‬فلما قالت لهم ذلك وخَلَصت من أذاهم ‪ ،‬ذهبوا معها إلى منزلهم ‪ ،‬فدخلوا به (‪ )2‬على‬
‫أمه ‪ ،‬فأعطته ثديها فالتقمه ‪ ،‬ففرحوا بذلك فرحًا شديدًا‪ .‬وذهب البشير إلى امرأة الملك ‪ ،‬فاستدعت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أم موسى ‪ ،‬وأحسنت إليها ‪ ،‬وأعطتها عطاءً جزيل وهي ل تعرف أنها أمه في الحقيقة ‪ ،‬ولكن‬
‫لكونه وافق ثديها‪ .‬ثم سألتها آسية أن تقيم عندها فترضعه ‪ ،‬فأبت عليها وقالت ‪ :‬إن لي بعل‬
‫وأولدًا ‪ ،‬ول أقدر على المقام عندك‪ .‬ولكن إن أحببت أن أرضعه في بيتي فعلت‪ .‬فأجابتها امرأة‬
‫فرعون إلى ذلك ‪ ،‬وأجْ َرتْ عليها النفقة والصلت والكساوي والحسان الجزيل‪ .‬فرجعت أم‬
‫موسى بولدها راضية مرضية ‪ ،‬قد أبدلها ال من بعد خوفها أمنا ‪ ،‬في عز وجاه ورزق دَارّ‪.‬‬
‫ولهذا جاء في الحديث ‪" :‬مثل الذي يعمل ويحتسب في صنعته الخير ‪ ،‬كمثل أم موسى ترضع‬
‫ولدها وتأخذ أجرها" ولم يكن بين الشدة والفرج إل القليل ‪ :‬يوم وليلة ‪ ،‬أو نحوه ‪ ،‬وال [سبحانه] (‬
‫‪ )3‬أعلم ‪ ،‬فسبحان من بيديه المر! ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬الذي يجعل لمن اتقاه بعد كل‬
‫هم فرجًا ‪ ،‬وبعد كل ضيق (‪ )4‬مخرجًا‪ .‬ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فَرَ َددْنَاهُ إِلَى ُأمّهِ َكيْ َتقَرّ عَيْ ُنهَا } أي‬
‫حقّ } أي ‪ :‬فيما وعدها من رده إليها ‪،‬‬
‫‪ :‬به ‪ { ،‬وَل َتحْزَنْ } أي ‪ :‬عليه ‪ { :‬وَلِ َتعْلَمَ أَنّ وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫وجعله من المرسلين‪ .‬فحينئذ تحققت برده إليها أنه كائن منه رسول من المرسلين ‪ ،‬فعاملته في‬
‫تربيته ما ينبغي له طبعًا وشرعًا‪.‬‬
‫ح ْكمَ ال في أفعاله وعواقبها المحمودة ‪ ،‬التي هو‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلكِنّ َأكْثَرَ ُه ْم ل َيعَْلمُونَ } أي ‪ُ :‬‬
‫المحمود عليها في الدنيا والخرة ‪ ،‬فربما يقع المر كريها إلى النفوس ‪ ،‬وعاقبته محمودة في نفس‬
‫المر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَعَسَى أَنْ َتكْرَهُوا شَيْئًا وَ ُهوَ خَيْرٌ َل ُك ْم وَعَسَى أَنْ تُحِبّوا شَيْئًا وَ ُهوَ شَرّ‬
‫ج َعلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }‬
‫َلكُمْ } [ البقرة ‪ ] 216 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬فعَسَى أَنْ َتكْرَهُوا شَيْئًا وَيَ ْ‬
‫[ النساء ‪.] 19 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صهر" والمثبت من حديث الفتون‪ .‬انظر ‪ :‬الجزء الخامس ‪ ،‬تفسير‬
‫سورة طه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬بها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ضيقة"‪.‬‬

‫( ‪)6/224‬‬

‫خلَ ا ْل َمدِينَةَ عَلَى حِينِ‬


‫حسِنِينَ (‪ )14‬وَدَ َ‬
‫ح ْكمًا وَعِ ْلمًا َوكَذَِلكَ َنجْزِي ا ْلمُ ْ‬
‫ش ّد ُه وَاسْ َتوَى آَتَيْنَاهُ ُ‬
‫وََلمّا َبلَغَ أَ ُ‬
‫ع ُد ّوهِ فَاسْ َتغَاثَهُ الّذِي مِنْ شِيعَتِهِ‬
‫جدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ َيقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِ ِه وَهَذَا مِنْ َ‬
‫غفْلَةٍ مِنْ أَهِْلهَا َفوَ َ‬
‫َ‬
‫ضلّ مُبِينٌ (‬
‫ع َملِ الشّيْطَانِ إِنّهُ عَ ُدوّ ُم ِ‬
‫ع ُد ّوهِ َف َوكَ َزهُ مُوسَى َف َقضَى عَلَ ْيهِ قَالَ هَذَا مِنْ َ‬
‫عَلَى الّذِي مِنْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غفِرْ لِي َف َغفَرَ لَهُ إِنّهُ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪ )16‬قَالَ َربّ ِبمَا أَ ْن َع ْمتَ‬
‫‪ )15‬قَالَ َربّ إِنّي ظََل ْمتُ َنفْسِي فَا ْ‬
‫ظهِيرًا لِ ْل ُمجْ ِرمِينَ (‪)17‬‬
‫عََليّ فَلَنْ َأكُونَ َ‬

‫خلَ ا ْلمَدِينَةَ عَلَى حِينِ‬


‫ح ْكمًا وَعِ ْلمًا َوكَذَِلكَ نَجْزِي ا ْل ُمحْسِنِينَ (‪ )14‬وَ َد َ‬
‫{ وََلمّا بَلَغَ أَشُ ّد ُه وَاسْ َتوَى آتَيْنَاهُ ُ‬
‫ع ُد ّوهِ فَاسْ َتغَاثَهُ الّذِي مِنْ شِيعَتِهِ‬
‫جدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ َيقْتَتِلنِ َهذَا مِنْ شِيعَ ِت ِه وَهَذَا مِنْ َ‬
‫غفْلَةٍ مِنْ أَهِْلهَا َفوَ َ‬
‫َ‬
‫ضلّ مُبِينٌ (‬
‫ع َملِ الشّيْطَانِ إِنّهُ عَ ُدوّ ُم ِ‬
‫ع ُد ّوهِ َف َوكَ َزهُ مُوسَى َف َقضَى عَلَ ْيهِ قَالَ هَذَا مِنْ َ‬
‫عَلَى الّذِي مِنْ َ‬
‫غفِرْ لِي َف َغفَرَ لَهُ إِنّهُ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪ )16‬قَالَ َربّ ِبمَا أَ ْن َع ْمتَ‬
‫‪ )15‬قَالَ َربّ إِنّي ظََل ْمتُ َنفْسِي فَا ْ‬
‫ظهِيرًا لِ ْل ُمجْ ِرمِينَ (‪.} )17‬‬
‫عََليّ فَلَنْ َأكُونَ َ‬
‫لما ذكر تعالى مبدأ أمر موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى ‪ ،‬آتاه ال حكما‬
‫وعلما ‪ -‬قال مجاهد ‪ :‬يعني النبوة { َوكَذَِلكَ نَجْزِي ا ْل ُمحْسِنِينَ }‪.‬‬

‫( ‪)6/224‬‬

‫خهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِ ّنكَ َل َغ ِويّ‬


‫فََأصْبَحَ فِي ا ْل َمدِينَةِ خَا ِئفًا يَتَ َر ّقبُ فَإِذَا الّذِي اسْتَ ْنصَ َرهُ بِالَْأمْسِ يَسْ َتصْرِ ُ‬
‫ع ُدوّ َل ُهمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ َتقْتُلَنِي َكمَا قَتَ ْلتَ‬
‫مُبِينٌ (‪ )18‬فََلمّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَ ْبطِشَ بِالّذِي ُهوَ َ‬
‫َنفْسًا بِالَْأمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلّا أَنْ َتكُونَ جَبّارًا فِي الْأَ ْرضِ َومَا تُرِيدُ أَنْ َتكُونَ مِنَ ا ْل ُمصْلِحِينَ (‪)19‬‬

‫ثم ذكر تعالى سبب وصوله إلى ما كان تعالى قَدّر له من النبوة والتكليم ‪ :‬قضية قتله ذلك‬
‫خلَ‬
‫القبطي ‪ ،‬الذي كان سبب خروجه من الديار المصرية إلى بلد مدين ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬وَ َد َ‬
‫غفْلَةٍ مِنْ َأهِْلهَا } قال ابن جُرَيج ‪ ،‬عن عطاء الخراساني ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫ا ْلمَدِينَةَ عَلَى حِينِ َ‬
‫وذلك بين المغرب والعشاء‪.‬‬
‫وقال ابن الم ْنكَدر ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان ذلك نصف النهار‪ .‬وكذلك قال‬
‫عكْرمة ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬و ِ‬
‫جدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ َيقْتَتِلنِ } أي ‪ :‬يتضاربان ويتنازعان ‪ { ،‬هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ } أي ‪ :‬من بني‬
‫{ َفوَ َ‬
‫إسرائيل (‪ { ، )1‬وَهَذَا مِنْ عَ ُد ّوهِ } أي ‪ :‬قبطي ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬ومحمد بن‬
‫إسحاق‪ .‬فاستغاث السرائيلي بموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ووجد موسى فرصة ‪ ،‬وهي غفلة الناس ‪،‬‬
‫فعمد إلى القبطي { َف َوكَ َزهُ مُوسَى َف َقضَى عَلَ ْيهِ }‪.‬‬
‫جمْع (‪ )2‬كفه‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬وكزه بعصا كانت معه‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬وكزه ‪ ،‬أي ‪ :‬طعنه ب ُ‬
‫ضلّ‬
‫ع َملِ الشّيْطَانِ إِنّهُ عَ ُدوّ ُم ِ‬
‫{ َف َقضَى عَلَ ْيهِ } أي ‪ :‬كان فيها حتفه فمات ‪ ،‬قال موسى ‪ { :‬هَذَا مِنْ َ‬
‫غفِرْ لِي َف َغفَرَ لَهُ إِنّهُ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ‪ .‬قَالَ َربّ ِبمَا أَ ْن َع ْمتَ‬
‫مُبِينٌ‪ .‬قَالَ َربّ إِنّي ظََل ْمتُ َنفْسِي فَا ْ‬
‫ظهِيرًا } أي ‪ :‬معينا‬
‫عََليّ } أي ‪ :‬بما جعلت لي من الجاه والعزة والمنعة { فَلَنْ َأكُونَ َ‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ لِ ْل ُمجْ ِرمِينَ } أي ‪ :‬الكافرين بك ‪ ،‬المخالفين لمرك‪.‬‬
‫خهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِ ّنكَ َل َغ ِويّ‬
‫{ فََأصْبَحَ فِي ا ْلمَدِي َنةِ خَا ِئفًا يَتَ َر ّقبُ فَإِذَا الّذِي اسْتَ ْنصَ َرهُ بِالمْسِ يَسْ َتصْرِ ُ‬
‫ع ُدوّ َل ُهمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ َتقْتُلَنِي َكمَا قَتَ ْلتَ‬
‫مُبِينٌ (‪ )18‬فََلمّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَ ْبطِشَ بِالّذِي ُهوَ َ‬
‫ض َومَا تُرِيدُ أَنْ َتكُونَ مِنَ ا ْل ُمصِْلحِينَ (‪.} )19‬‬
‫َنفْسًا بِالمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِل أَنْ َتكُونَ جَبّارًا فِي ال ْر ِ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن موسى ‪ ،‬عليه السلم (‪ ، )3‬لما قتل ذلك القبطي ‪ :‬إنه أصبح { فِي ا ْلمَدِي َنةِ‬
‫خَا ِئفًا } أي ‪ :‬من َمعَرّة ما فعل ‪ { ،‬يَتَ َر ّقبُ } أي ‪ :‬يتلفت ويتوقع (‪ )4‬ما يكون من هذا المر ‪ ،‬فمر‬
‫في بعض الطرق ‪ ،‬فإذا ذاك (‪ )5‬الذي استنصره بالمس على ذلك القبطي يقاتل آخر ‪ ،‬فلما مر‬
‫موسى ‪ ،‬استصرخه على الخر ‪ ،‬فقال له موسى ‪ { :‬إِ ّنكَ َل َغ ِويّ مُبِينٌ } أي ‪ :‬ظاهر الغواية كثير‬
‫الشر‪ .‬ثم عزم على البطش بذلك القبطي ‪ ،‬فاعتقد السرائيلي لخوَرِه وضعفه وذلته أن موسى إنما‬
‫يريد قصده لما سمعه يقول ذلك ‪ ،‬فقال يدفع عن نفسه ‪ { :‬يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ َتقْتُلَنِي َكمَا قَتَ ْلتَ َنفْسًا‬
‫بِالمْسِ } وذلك لنه لم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أي إسرائيلي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬بجميع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬أي يتقلب أي يتوقع" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ذلك"‪.‬‬

‫( ‪)6/225‬‬

‫سعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنّ ا ْلمَلَأَ يَأْ َتمِرُونَ ِبكَ لِ َيقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنّي َلكَ‬
‫جلٌ مِنْ َأ ْقصَى ا ْل َمدِينَةِ يَ ْ‬
‫وَجَاءَ َر ُ‬
‫مِنَ النّاصِحِينَ (‪َ )20‬فخَرَجَ مِ ْنهَا خَا ِئفًا يَتَ َر ّقبُ قَالَ َربّ َنجّنِي مِنَ ا ْلقَوْمِ الظّاِلمِينَ (‪)21‬‬

‫يعلم به إل هو وموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فلما سمعها ذلك القبطي ل َقفَها من فمه ‪ ،‬ثم ذهب بها إلى‬
‫باب فرعون فألقاها عنده ‪ ،‬فعلم بذلك ‪ ،‬فاشتد حنقه ‪ ،‬وعزم على قتل موسى ‪ ،‬فطلبوه فبعثوا‬
‫وراءه ليحضروه لذلك‪.‬‬
‫سعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنّ ا ْلمَل يَأْ َتمِرُونَ ِبكَ لِ َيقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنّي َلكَ‬
‫جلٌ مِنْ َأ ْقصَى ا ْلمَدِي َنةِ يَ ْ‬
‫{ وَجَاءَ رَ ُ‬
‫مِنَ النّاصِحِينَ (‪.} )20‬‬
‫جلٌ } وصفه بالرّجُولية لنه خالف الطريق ‪ ،‬فسلك طريقًا أقرب من طريق‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وَجَاءَ َر ُ‬
‫الذين بُعثوا وراءه ‪ ،‬فسبق إلى موسى ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا موسى { إِنّ ا ْلمَل يَأْ َتمِرُونَ ِبكَ } أي ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يتشاورون فيك { لِ َيقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ } أي ‪ :‬من البلد { إِنّي َلكَ مِنَ النّاصِحِينَ }‪.‬‬
‫{ َفخَرَجَ مِ ْنهَا خَا ِئفًا يَتَ َر ّقبُ قَالَ َربّ َنجّنِي مِنَ ا ْلقَوْمِ الظّاِلمِينَ (‪} )21‬‬

‫( ‪)6/226‬‬

‫جدَ عَلَيْهِ‬
‫ن وَ َ‬
‫سوَاءَ السّبِيلِ (‪ )22‬وََلمّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَ َ‬
‫عسَى رَبّي أَنْ َي ْهدِيَنِي َ‬
‫وََلمّا َت َوجّهَ تِ ْلقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ َ‬
‫سقِي حَتّى ُيصْدِرَ‬
‫خطْ ُب ُكمَا قَالَتَا لَا نَ ْ‬
‫جدَ مِنْ دُو ِنهِمُ امْرَأتَيْنِ َتذُودَانِ قَالَ مَا َ‬
‫سقُونَ َووَ َ‬
‫ُأمّةً مِنَ النّاسِ يَ ْ‬
‫ظلّ َفقَالَ َربّ إِنّي ِلمَا أَنْزَ ْلتَ إَِليّ مِنْ خَيْرٍ‬
‫سقَى َل ُهمَا ثُمّ َتوَلّى إِلَى ال ّ‬
‫الرّعَا ُء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (‪َ )23‬ف َ‬
‫َفقِيرٌ (‪)24‬‬

‫سوَاءَ السّبِيلِ (‪ )22‬وََلمّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ‬


‫{ وََلمّا َتوَجّهَ تِ ْلقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبّي أَنْ َيهْدِيَنِي َ‬
‫سقِي حَتّى‬
‫ن َووَجَدَ مِنْ دُو ِنهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْ ُب ُكمَا قَالَتَا ل َن ْ‬
‫سقُو َ‬
‫عَلَيْهِ ُأمّةً مِنَ النّاسِ َي ْ‬
‫ظلّ َفقَالَ َربّ إِنّي ِلمَا أَنز ْلتَ إَِليّ‬
‫سقَى َل ُهمَا ُثمّ َتوَلّى إِلَى ال ّ‬
‫ُيصْدِرَ الرّعَا ُء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (‪ )23‬فَ َ‬
‫مِنْ خَيْرٍ َفقِيرٌ (‪} )24‬‬
‫لما أخبره ذلك الرجل بما تمال عليه فرعون ودولته في أمره ‪ ،‬خرج من مصر وحده ‪ ،‬ولم يألف‬
‫ذلك قلبه ‪ ،‬بل كان في رفاهية ونعمة ورئاسة ‪ { ،‬فَخَرَجَ مِ ْنهَا خَا ِئفًا يَتَ َر ّقبُ } أي ‪ :‬يتلفّت { قَالَ‬
‫َربّ نَجّنِي مِنَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ } أي ‪ :‬من فرعون وملئه‪ .‬فذكروا أن ال ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪ ،‬بعث‬
‫له ملكًا على فرس ‪ ،‬فأرشده إلى الطريق ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫عسَى رَبّي أَنْ َي ْهدِيَنِي‬
‫{ وََلمّا َتوَجّهَ تِ ْلقَاءَ مَدْيَنَ } أي ‪ :‬أخذ طريقًا سالكًا َمهْيَعا فرح بذلك ‪ { ،‬قَالَ َ‬
‫سوَاءَ السّبِيلِ } أي ‪ :‬إلى الطريق القوم‪ .‬ففعل ال به ذلك ‪ ،‬وهداه إلى الصراط المستقيم في الدنيا‬
‫َ‬
‫والخرة ‪ ،‬فجعل هاديًا مهديّا‪.‬‬
‫{ وََلمّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ } أي ‪ :‬ولما وصل إلى مدين وورد ماءها ‪ ،‬وكان لها بئر تَرده رعاء الشاء‬
‫جدَ مِنْ دُو ِنهِمُ امْرَأتَيْنِ َتذُودَانِ } أي ‪:‬‬
‫سقُونَ َووَ َ‬
‫جدَ عَلَيْهِ ُأمّةً مِنَ النّاسِ } أي ‪ :‬جماعة { يَ ْ‬
‫{ وَ َ‬
‫تكفكفان غنمهما أن ترد مع غنم أولئك الرعاء لئل يُؤذَيا‪ .‬فلما رآهما موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬رق‬
‫سقِي حَتّى‬
‫خطْ ُب ُكمَا } أي ‪ :‬ما خبركما ل تردان مع هؤلء ؟ { قَالَتَا ل نَ ْ‬
‫لهما ورحمهما ‪ { ،‬قَالَ مَا َ‬
‫ُيصْدِرَ الرّعَاءُ } أي ‪ :‬ل يحصل لنا سقي إل بعد فراغ هؤلء ‪ { ،‬وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } أي ‪ :‬فهذا‬
‫الحال الملجئ لنا إلى ما ترى‪.‬‬
‫سقَى َل ُهمَا } قال أبو بكر بن أبي شيبة ‪ :‬حدثنا عبد ال ‪ ،‬أنبأنا إسرائيل ‪ ،‬عن‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فَ َ‬
‫عمْرو (‪)1‬‬
‫أبى إسحاق ‪ ،‬عن َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عروة بن ميمون" والمثبت من مصنف ابن أبي شيبة‪.‬‬

‫( ‪)6/226‬‬

‫سقَ ْيتَ لَنَا فََلمّا جَا َءهُ‬


‫فَجَاءَ ْتهُ ِإحْدَا ُهمَا َتمْشِي عَلَى اسْ ِتحْيَاءٍ قَاَلتْ إِنّ أَبِي َيدْعُوكَ لِيَجْزِ َيكَ َأجْرَ مَا َ‬
‫حدَا ُهمَا يَا أَ َبتِ اسْتَ ْأجِ ْرهُ‬
‫ج ْوتَ مِنَ ا ْلقَوْمِ الظّاِلمِينَ (‪ )25‬قَاَلتْ إِ ْ‬
‫خفْ َن َ‬
‫َو َقصّ عَلَ ْيهِ ا ْل َقصَصَ قَالَ لَا َت َ‬
‫حدَى ابْنَ َتيّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ‬
‫حكَ إِ ْ‬
‫إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَ ْأجَ ْرتَ ا ْلقَ ِويّ الَْأمِينُ (‪ )26‬قَالَ إِنّي أُرِيدُ أَنْ أُ ْن ِك َ‬
‫شقّ عَلَ ْيكَ سَ َتجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللّهُ‬
‫ك َومَا أُرِيدُ أَنْ أَ ُ‬
‫عشْرًا َفمِنْ عِنْ ِد َ‬
‫حجَجٍ فَإِنْ أَ ْت َم ْمتَ َ‬
‫تَأْجُرَنِي َثمَا ِنيَ ِ‬
‫ي وَاللّهُ عَلَى مَا َنقُولُ‬
‫مِنَ الصّالِحِينَ (‪ )27‬قَالَ َذِلكَ بَيْنِي وَبَيْ َنكَ أَ ّيمَا الَْأجَلَيْنِ َقضَ ْيتُ فَلَا عُ ْدوَانَ عََل ّ‬
‫َوكِيلٌ (‪)28‬‬

‫بن ميمون الوْدي ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لما ورد‬
‫ماء مدين ‪ ،‬وجد عليه أمة من الناس يسقون ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ‪ ،‬ول‬
‫يطيق رفعها إل عشرة رجال ‪ ،‬فإذا هو بامرأتين تذودان ‪ ،‬قال ‪ :‬ما خطبكما ؟ فحدثتاه ‪ ،‬فأتى‬
‫الحجر فرفعه ‪ ،‬ثم لم يستق إل ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم‪ .‬إسناد صحيح (‪.)1‬‬
‫ظلّ َفقَالَ َربّ إِنّي ِلمَا أَنز ْلتَ إَِليّ مِنْ خَيْرٍ َفقِيرٌ } قال ابن عباس ‪ :‬سار‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ َتوَلّى إِلَى ال ّ‬
‫موسى من مصر إلى مدين ‪ ،‬ليس له طعام إل البقل وورق الشجر ‪ ،‬وكان حافيًا فما وصل َمدْيَن‬
‫حتى سقطت نعل قدمه‪ .‬وجلس (‪ )2‬في الظل وهو صفوة ال من خلقه ‪ ،‬وإن بطنه لصق بظهره‬
‫من الجوع ‪ ،‬وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه وإنه لمحتاج إلى شق تمرة‪.‬‬
‫ظلّ } قال ابن عباس ‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬والسدي ‪ :‬جلس تحت شجرة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِلَى ال ّ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني الحسين بن عمرو العَ ْنقَ ِزيّ (‪ ، )3‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون ‪ ،‬عن عبد ال ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬حَثثتُ (‪ )4‬على جمل‬
‫ليلتين ‪ ،‬حتى صَبّحت مدين ‪ ،‬فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى ‪ ،‬فإذا شجرة خضراء‬
‫ترف ‪ ،‬فأهوى إليها جملي ‪ -‬وكان جائعا ‪ -‬فأخذها جملي فعالجها ساعة ‪ ،‬ثم لفظها ‪ ،‬فدعوت ال‬
‫لموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ثم انصرفت (‪.)5‬‬
‫وفي رواية عن ابن مسعود ‪ :‬أنه ذهب إلى الشجرة التي كلم ال منها لموسى ‪ ،‬كما سيأتي وال (‬
‫‪ )6‬أعلم‪.‬‬
‫سمُر‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬كانت من شجر ال ّ‬
‫وقال عطاء بن السائب ‪ :‬لما قال موسى { َربّ إِنّي ِلمَا أَنز ْلتَ إَِليّ مِنْ خَيْرٍ َفقِيرٌ } ‪ ،‬أسمعَ المرأة‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سقَيْتَ لَنَا فََلمّا جَا َءهُ‬
‫حدَا ُهمَا َتمْشِي عَلَى اسْ ِتحْيَاءٍ قَاَلتْ إِنّ أَبِي يَدْعُوكَ لِ َيجْزِ َيكَ أَجْرَ مَا َ‬
‫{ َفجَاءَتْهُ إِ ْ‬
‫ج ْوتَ مِنَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ (‪ )25‬قَاَلتْ ِإحْدَا ُهمَا يَا أَ َبتِ اسْتَأْجِ ْرهُ‬
‫خفْ نَ َ‬
‫َو َقصّ عَلَ ْيهِ ا ْل َقصَصَ قَالَ ل تَ َ‬
‫علَى أَنْ‬
‫حكَ ِإحْدَى ابْنَ َتيّ هَاتَيْنِ َ‬
‫ي المِينُ (‪ )26‬قَالَ إِنّي أُرِيدُ أَنْ أُ ْنكِ َ‬
‫إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَ ْأجَ ْرتَ ا ْلقَ ِو ّ‬
‫شقّ عَلَ ْيكَ سَ َتجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللّهُ‬
‫ك َومَا أُرِيدُ أَنْ أَ ُ‬
‫عشْرًا َفمِنْ عِنْ ِد َ‬
‫حجَجٍ فَإِنْ أَ ْت َم ْمتَ َ‬
‫تَأْجُرَنِي َثمَا ِنيَ ِ‬
‫ي وَاللّهُ عَلَى مَا َنقُولُ‬
‫مِنَ الصّالِحِينَ (‪ )27‬قَالَ َذِلكَ بَيْنِي وَبَيْ َنكَ أَ ّيمَا الجَلَيْنِ َقضَ ْيتُ فَل عُ ْدوَانَ عََل ّ‬
‫َوكِيلٌ (‪.} )28‬‬
‫لما رجعت المرأتان سراعا (‪ )7‬بالغنم إلى أبيهما ‪ ،‬أنكر حالهما ومجيئهما سريعا ‪ ،‬فسألهما عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المصنف لبن أبي شيبة (‪.)11/530‬‬
‫(‪ )2‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬ولما جلس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬عمير العنقزي" وفي أ ‪" :‬عمير القفقري"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف أ ‪" :‬أخببت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)20/37‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬فال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬سريعا"‪.‬‬

‫( ‪)6/227‬‬

‫خبرهما ‪ ،‬فقصتا عليه ما فعل موسى ‪ ،‬عليه السلم‪ .‬فبعث إحداهما إليه لتدعوه إلى أبيها قال ال‬
‫تعالى ‪ { :‬فَجَاءَتْهُ ِإحْدَا ُهمَا َتمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ } أي ‪ :‬مشي الحرائر ‪ ،‬كما روي عن أمير‬
‫المؤمنين عمر رضي ال عنه ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬كانت مستتَرة بكم درْعها‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا [أبي ‪ ،‬حدثنا] (‪ )1‬أبو نعيم ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫عمر بن ميمون قال ‪ :‬قال عمر رضي ال عنه ‪ :‬جاءت تمشي على استحياء ‪ ،‬قائلة بثوبها على‬
‫وجهها ‪ ،‬ليست بسلفع (‪ )2‬خَرّاجة ولجة‪ .‬هذا إسناد صحيح‪.‬‬
‫قال الجوهري ‪ :‬السلفع من الرجال ‪ :‬الجسور ‪ ،‬ومن النساء ‪ :‬الجريئة السليطة ‪ ،‬ومن النوق ‪:‬‬
‫الشديدة‪.‬‬
‫سقَ ْيتَ لَنَا } ‪ ،‬وهذا تأدب في العبارة ‪ ،‬لم تطلبه طلبا مطلقا‬
‫{ قَاَلتْ إِنّ أَبِي َيدْعُوكَ لِ َيجْزِ َيكَ أَجْرَ مَا َ‬
‫سقَ ْيتَ لَنَا } يعني ‪ :‬ليثيبك ويكافئك‬
‫لئل يوهم ريبة ‪ ،‬بل قالت ‪ { :‬إِنّ أَبِي َيدْعُوكَ لِيَجْزِ َيكَ َأجْرَ مَا َ‬
‫صصَ } أي ‪ :‬ذكر له ما كان من أمره ‪ ،‬وما جرى‬
‫على سقيك لغنمنا ‪ { ،‬فََلمّا جَا َء ُه َو َقصّ عَلَ ْيهِ ا ْل َق َ‬
‫جوْتَ مِنَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ }‪ .‬يقول ‪:‬‬
‫خفْ َن َ‬
‫له من السبب الذي خرج من أجله من بلده ‪ { ،‬قَالَ ل تَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جوْتَ مِنَ‬
‫حكْم لهم في بلدنا‪ .‬ولهذا قال ‪َ { :‬ن َ‬
‫طب نفسا وَقرّ عينا ‪ ،‬فقد خرجتَ من مملكتهم فل ُ‬
‫ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ }‪.‬‬
‫وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل ‪ :‬مَنْ هو ؟ على أقوال ‪ :‬أحدها أنه شعيب النبي عليه السلم‬
‫(‪ )3‬الذي أرسل إلى أهل مدين‪ .‬وهذا هو المشهور عند كثيرين ‪ ،‬وقد قاله الحسن البصري وغير‬
‫واحد‪ .‬ورواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز الويسي ‪ ،‬حدثنا مالك بن أنس ؛ أنه بلغه أن شعيبا هو الذي قص‬
‫ج ْوتَ مِنَ ا ْلقَوْمِ الظّاِلمِينَ }‪.‬‬
‫خفْ نَ َ‬
‫عليه موسى القصص قال ‪ { :‬ل َت َ‬
‫وقد روى الطبراني عن سلمة بن سعد العنزي أنه وفد على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‬
‫له ‪" :‬مرحبا بقوم شعيب وَأخْتان موسى ‪ ،‬هُديت" (‪.)4‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل كان ابن أخي شعيب‪ .‬وقيل ‪ :‬رجل مؤمن من قوم شعيب‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬كان‬
‫شعيب قبل زمان موسى ‪ ،‬عليه (‪ )5‬السلم ‪ ،‬بمدة طويلة ؛ لنه قال لقومه ‪َ { :‬ومَا َقوْمُ لُوطٍ مِ ْنكُمْ‬
‫بِ َبعِيدٍ } [ هود ‪ .] 95 :‬وقد كان هلك قوم لوط في زمن الخليل ‪ ،‬عليه السلم (‪ )6‬بنص القرآن ‪،‬‬
‫وقد علم أنه كان بين موسى والخليل ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬مدة طويلة تزيد على أربعمائة سنة ‪ ،‬كما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬تستلفع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬صلى ال عليه وسلم" وفي أ ‪" :‬صلى ال عليه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المعجم الكبير (‪ )7/55‬من طريق حفص بن سلمة عن شيبان بن قيس عن سلمة بن سعد به ‪،‬‬
‫وقال الهيثمي ‪" :‬فيه من لم أعرفهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عليهما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)6/228‬‬

‫ذكره غير واحد‪ .‬وما قيل ‪ :‬إن شعيبا عاش مدة طويلة ‪ ،‬إنما هو ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬احتراز من هذا‬
‫الشكال ‪ ،‬ثم من المقوي لكونه ليس بشعيب أنه لو كان إياه لوشك أن ينص على اسمه في‬
‫القرآن هاهنا‪ .‬وما جاء في (‪ )1‬بعض الحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى (‪ )2‬لم يصح‬
‫إسناده ‪ ،‬كما سنذكره قريبا إن شاء ال‪ .‬ثم من الموجود في كتب بني إسرائيل أن هذا الرجل اسمه‬
‫‪" :‬ثبرون" ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال أبو عبيدة بن عبد ال بن مسعود ‪ :‬وأثرون (‪ )3‬وهو ابن أخي شعيب عليه السلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وعن أبي حمزة (‪ )4‬عن ابن عباس ‪ :‬الذي استأجر موسى يثرى صاحب مدين‪ .‬رواه ابن جرير ‪،‬‬
‫ثم قال ‪ :‬الصواب أن هذا ل يدرك إل بخبر ‪ ،‬ول خبر تجب به الحجة في ذلك‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬قَاَلتْ ِإحْدَا ُهمَا يَا أَ َبتِ اسْتَأْجِ ْرهُ إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَ ْرتَ ا ْل َق ِويّ المِينُ } أي ‪ :‬قالت إحدى‬
‫ابنتي هذا الرجل‪ .‬قيل ‪ :‬هي التي ذهبت وراء موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قالت لبيها ‪ { :‬يَا أَ َبتِ‬
‫اسْتَ ْأجِ ْرهُ } أي ‪ :‬لرعْية هذه (‪ )5‬الغنم‪.‬‬
‫قال عمر ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وشُريح القاضي ‪ ،‬وأبو مالك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وغير‬
‫واحد ‪ :‬لما قالت ‪ { :‬إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَ ْرتَ ا ْل َق ِويّ المِينُ } قال لها أبوها ‪ :‬وما علمك بذلك ؟‬
‫قالت ‪ :‬إنه رفع الصخرة التي ل يطيق حملها إل عشرة رجال ‪ ،‬وإنه لما جئت معه تقدمتُ‬
‫أمامهُ ‪ ،‬فقال لي ‪ :‬كوني من ورائي ‪ ،‬فإذا اجتنبت (‪ )6‬الطريق فاحذفي [لي (‪ ] )7‬بحصاة أعلم‬
‫بها كيف الطريق لتهدّى (‪ )8‬إليه‪.‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد ال ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫عمَر ‪ ،‬وصاحب يوسف حين قال ‪َ { :‬أكْ ِرمِي مَ ْثوَاهُ }‬
‫أفرس الناس ثلثة ‪ :‬أبو بكر حين تفرس في ُ‬
‫[ يوسف ‪ ، ] 21 :‬وصاحبة موسى حين قالت ‪ { :‬يَا أَ َبتِ اسْتَ ْأجِ ْرهُ إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَ ْرتَ ا ْل َق ِويّ‬
‫المِينُ }‪.‬‬
‫حكَ ِإحْدَى ابْنَ َتيّ هَاتَيْنِ } أي ‪ :‬طلب إليه هذا الرجل الشيخ الكبير أن‬
‫قاال ‪ { :‬إِنّي أُرِيدُ أَنْ أُ ْنكِ َ‬
‫يرعى عنه (‪ )9‬ويزوجه إحدى ابنتيه هاتين‪.‬‬
‫قال شعيب الجبائي ‪ :‬وهما صفورا ‪ ،‬وليّا‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬صفورا وشرقا ‪ ،‬ويقال ‪ :‬ليا‪ .‬وقد استدل أصحاب أبي حنيفة [رحمه ال‬
‫تعالى] (‪ )10‬بهذه الية على صحة البيع فيما إذا قال ‪" :‬بعتك أحد هذين العبدين بمائة‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫اشتريت" أنه يصح ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬لموسى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يثرون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبي هريرة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬رعية هذا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬اختلفت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬لهتدي"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬غنمه"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬

‫( ‪)6/229‬‬

‫وقوله ‪ { :‬عَلَى أَنْ تَ ْأجُرَنِي َثمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَ ْت َم ْمتَ عَشْرًا َفمِنْ عِ ْن ِدكَ } أي ‪ :‬على أن ترعى عليّ‬
‫ثماني سنين ‪ ،‬فإن تبرعت بزيادة سنتين فهو إليك (‪ ، )1‬وإل ففي ثمان كفاية ‪َ { ،‬ومَا أُرِيدُ أَنْ‬
‫شقّ عَلَ ْيكَ سَ َتجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ } أي ‪ :‬ل أشاقك ‪ ،‬ول أؤاذيك ‪ ،‬ول أماريك‪.‬‬
‫أَ ُ‬
‫وقد استدلوا بهذه الية الكريمة لمذهب الوزاعي ‪ ،‬فيما إذا قال ‪" :‬بعتك هذا بعشرة نقدًا ‪ ،‬أو‬
‫بعشرين نسيئة" أنه يصح ‪ ،‬ويختار المشتري بأيهما أخذه صح‪ .‬وحُمل الحديث المروي في سنن‬
‫أبي داود ‪" :‬من باع بيعتين في بيعة ‪ ،‬فله أوكسهما أو الربا " (‪ )2‬على هذا المذهب‪ .‬وفي‬
‫الستدلل بهذه الية وهذا الحديث على هذا المذهب نظر ‪ ،‬ليس هذا موضع بسطه لطوله‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫ثم قد استدل أصحاب المام أحمد ومَنْ تبعهم ‪ ،‬في صحة (‪ )3‬استئجار الجير بالطعمة والكسوة‬
‫بهذه الية ‪ ،‬واستأنسوا في ذلك بما رواه أبو عبد ال محمد بن يزيد بن ماجه في كتابه السنن ‪،‬‬
‫حمْصي ‪ ،‬حدثنا‬
‫حيث قال ‪" :‬باب استئجار الجير على طعام بطنه" ‪ :‬حدثنا محمد بن المصفّى ال ِ‬
‫بَقيّة بن الوليد ‪ ،‬عن مسلمة (‪ )4‬بن علي ‪ ،‬عن سعيد بن أبي أيوب ‪ ،‬عن الحارث بن يزيد ‪ ،‬عن‬
‫علي بن رَبَاح قال ‪ :‬سمعت (‪ )5‬عُتبةَ بن النّدّر (‪ )6‬يقول ‪ :‬كنا عند رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فقرأ { طسم } (‪ ، )7‬حتى إذا بلغ قصة موسى قال ‪" :‬إن موسى أجّرَ نفسه ثماني سنين أو ‪:‬‬
‫عشر (‪ )8‬سنين على عفة فرجه وطعام بطنه (‪.)9‬‬
‫خشَني الدمشقي‬
‫وهذا الحديث من هذا الوجه ضعيف (‪ ، )10‬لن مسلمة (‪ )11‬بن علي وهو ال ُ‬
‫ي ضعيف الرواية عند الئمة ‪ ،‬ولكن قد رُوي من وجه آخر ‪ ،‬وفيه نظر أيضا‪.‬‬
‫البلط ّ‬
‫وقال (‪ )12‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن‬
‫لَهيعة ‪ ،‬عن الحارث بن يزيد الحضرمي ‪ ،‬عن علي بن رَبَاح اللخمي قال ‪ :‬سمعت عتبة بن النّدر‬
‫السلمي ‪ -‬صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يحدث أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬إن موسى آجر نفسه بعفة فرجه ‪ ،‬وطعمة بطنه" (‪.)13‬‬
‫‪ .‬وقوله تعالى إخبارا عن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ { :‬قَالَ ذَِلكَ بَيْنِي وَبَيْ َنكَ أَ ّيمَا الجَلَيْنِ َقضَ ْيتُ فَل‬
‫ل َوكِيلٌ } ‪ ،‬يقول ‪ :‬إن موسى قال لصهره ‪ :‬المر على ما قلت من‬
‫ي وَاللّهُ عَلَى مَا َنقُو ُ‬
‫عُ ْدوَانَ عََل ّ‬
‫أنك استأجرتني على ثمان سنين ‪ ،‬فإن أتممت عشرًا فمن عندي ‪ ،‬فأنا متى فعلت أقلهما [فقد] (‬
‫‪ )14‬برئت من العهد ‪ ،‬وخرجت من الشرط ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَ ّيمَا الجَلَيْنِ َقضَ ْيتُ فَل عُ ْدوَانَ‬
‫عََليّ } أي ‪ :‬فل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬لك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪.)3461‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬حجة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬سلمة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ثم روى بإسناده عن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬المنذر" والمثبت من ف ‪ ،‬وسنن ابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬طس"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬أو عشرة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )2444‬وضعفه البوصيري في الزوائد (‪ )2/260‬لتدليس بقية بن‬
‫الوليد‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وهذا الحديث فيه ضعف من هذا الوجه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬سلمة"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )13‬ورواه البزار في مسنده برقم (‪" )1495‬كشف الستار" من طريق يحيى بن بكير عن ابن‬
‫لهيعة بأطول منه ‪ ،‬وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )14‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/230‬‬

‫حرج علي مع أن الكامل ‪ -‬وإن كان مباحًا لكنه فاضل من جهة أخرى ‪ ،‬بدليل من خارج‪ .‬كما‬
‫جلَ فِي َي ْومَيْنِ فَل إِ ْثمَ عَلَيْ ِه َومَنْ تَأَخّرَ فَل إِثْمَ عَلَ ْيهِ } [ البقرة ‪:‬‬
‫قال [ال] (‪ )1‬تعالى ‪َ { :‬فمَنْ َتعَ ّ‬
‫‪.] 203‬‬
‫وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لحمزة بن عمرو السلمي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وكان كثير‬
‫الصيام ‪ ،‬وسأله عن الصوم في السفر ‪ -‬فقال ‪" :‬إن شئت فصم ‪ ،‬وإن شئت فأفطر" (‪ )2‬مع أن‬
‫فعل الصيام راجح من دليل آخر‪.‬‬
‫هذا وقد دل الدليل على أن موسى عليه السلم ‪ ،‬إنما فعل أكمل الجلين وأتمهما ؛ قال البخاري ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عبد الرحيم ‪ ،‬حدثنا سعيد بن سليمان ‪ ،‬حدثنا مَرْوان بن شُجاع ‪ ،‬عن سالم‬
‫الفطس ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬سألني يهودي من أهل الحيرة ‪ :‬أي الجلين قضى موسى ؟‬
‫فقلت ‪ :‬ل أدري حتى أقدم على حَبْر العرب فأسأَلَه‪ .‬فقدمت فسألت ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فقال ‪ :‬قضى أكثرهما وأطيبهما ‪ ،‬إن رسول ال إذا قال فعل‪ .‬هكذا رواه البخاري (‪ )3‬وهكذا رواه‬
‫حكيم بن جبير وغيره ‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪ .‬ووقع في "حديث الفُتُون" ‪ ،‬من رواية القاسم بن أبي‬
‫أيوب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ؛ أن الذي سأله رجل من أهل النصرانية‪ .‬والول أشبه ‪ ،‬وال أعلم ‪،‬‬
‫وقد رُوي من (‪ )4‬حديث ابن عباس مرفوعا ‪ ،‬قال ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن محمد الطوسي ‪ ،‬حدثنا الحميدي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي‬
‫يعقوب ‪ ،‬عن الحكم بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬سألت جبريل ‪ :‬أيّ الجلين قضى موسى قال ‪ :‬أكملهما وأتمهما" (‪.)5‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن الحميدي ‪ ،‬عن سفيان ‪ -‬وهو ابن عيينة ‪ -‬حدثني إبراهيم‬
‫بن يحيى بن أبي يعقوب ‪ -‬وكان من أسناني أو أصغر مني ‪ -‬فذكره‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وإبراهيم هذا ليس بمعروف‪.‬‬
‫ورواه البزار عن أحمد بن أبان القرشي ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن إبراهيم بن أعين ‪ ،‬عن‬
‫الحكم بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فذكره‪ .‬ثم قال ‪:‬‬
‫ل نعرفه مرفوعا عن ابن عباس إل من هذا الوجه (‪.)6‬‬
‫وقال (‪ )7‬ابن أبي حاتم ‪ :‬قُرئ على يونس بن عبد العلى ‪ ،‬أنبأنا ابن وهب ‪ ،‬أنبأنا عمرو بن‬
‫الحارث ‪ ،‬عن يحيى بن ميمون الحضرمي ‪ ،‬عن يوسف بن تيرح ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم سئل ‪ :‬أيّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد في مسنده (‪ )3/493‬والنسائي في السنن (‪.)4/185‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)2684‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬روى طرق مرسلة من"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)20/44‬‬
‫(‪ )6‬قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (‪" )1/124‬إبراهيم بن يحيى العدني عن الحكم بن‬
‫أبان وعنه سفيان بن عيينة بخبر منكر والرجل نكرة ‪ ،‬وحديثه عن الحميدي ومتنه ‪ :‬سأل النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم جبريل عليه السلم أي الجلين قضى موسى ‪ ،‬انتهى‪ .‬وهذا الرجل ذكره ابن‬
‫حبان في الثقات‪ .‬وقال الزدي ‪ :‬ل يتابع في حديثه ‪ ،‬وأخرج الحاكم حديثه المذكور في‬
‫المستدرك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬ثم قال"‪.‬‬

‫( ‪)6/231‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الجلين قضى موسى ؟ قال ‪" :‬ل علم لي"‪ .‬فسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم جبريل ‪ ،‬فقال‬
‫جبريل ‪ :‬ل علم لي ‪ ،‬فسأل جبريل ملكا فوقه فقال ‪ :‬ل علم لي‪ .‬فسأل (‪ )1‬ذلك المَلَك ربه ‪ -‬عز‬
‫وجل ‪ -‬عما سأله عنه جبريل عما سأله عنه محمد صلى ال عليه وسلم فقال الرب سبحانه‬
‫وتعالى ‪" :‬قضى أبرهما وأبقاهما ‪ -‬أو قال ‪ :‬أزكاهما" (‪.)2‬‬
‫وهذا مرسل ‪ ،‬وقد جاء مرسل من وجه آخر ‪ ،‬وقال (‪ )3‬سُنَيد ‪ :‬حدثنا حجاج ‪ ،‬عن ابن جُرَيْج‬
‫قال ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم سأل جبريل ‪" :‬أيّ الجلين قضى موسى ؟" فقال‬
‫‪ :‬سوف أسأل إسرافيل‪ .‬فسأله فقال ‪ :‬سوف أسأل الرب عز وجل‪ .‬فسأله فقال ‪" :‬أبرهما وأوفاهما"‬
‫(‪.)4‬‬
‫طريق أخرى مرسلة أيضا ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن وكيع ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو َمعْشَر ‪،‬‬
‫عن محمد بن كعب القُرظي قال ‪ :‬سُئِل رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أي الجلين قضى‬
‫موسى ؟ قال ‪" :‬أوفاهما وأتمهما" (‪.)5‬‬
‫فهذه طرق متعاضدة ‪ ،‬ثم قد (‪ )6‬روي [هذا] (‪ )7‬مرفوعا من رواية أبي ذر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫قال الحافظ أبو بكر البزار ‪ ،‬حدثنا أبو عبيد ال يحيى بن محمد بن السكن ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن‬
‫جوْني ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال بن الصامت ‪ ،‬عن أبي ذر‬
‫عوْبَد بن أبي عمران ال َ‬
‫إدريس ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم سُئِل ‪ :‬أيّ الجلين َقضَى موسى ؟ قال ‪" :‬أوفاهما وأبرهما" ‪ ،‬قال‬
‫‪" :‬وإن سئلتَ أي المرأتين تزوج ؟ فقل الصغرى منهما"‪.‬‬
‫ثم قال البزار ‪ :‬ل نعلم يروى عن أبي ذر إل بهذا السناد (‪.)8‬‬
‫وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث عَوبَد بن أبي عمران ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬ثم قد روي أيضا نحوه‬
‫من حديث عتبة بن الندر (‪ )9‬بزيادة غريبة جدا ‪ ،‬فقال أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا عمر بن الخطاب‬
‫السجستاني ‪ ،‬حدثنا يحيى بن ُبكَيْر ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬حدثنا الحارث بن يزيد عن علي بن رباح‬
‫اللخمي قال ‪ :‬سمعت عتبة بن النّدر (‪ )10‬يقول ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم سُئل ‪ :‬أيّ‬
‫الجلين َقضَى موسى ؟ قال ‪" :‬أبرهما وأوفاهما"‪ .‬ثم قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن موسى ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬لما أراد فراق شعيب عليه السلم ‪ ،‬أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه‬
‫ما يعيشون به‪ .‬فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالِب لَون‪ .‬قال ‪ :‬فما مرت شاة إل‬
‫ضرب موسى جنبها بعصاه ‪ ،‬فولدت َقوَالب ألوان كلها ‪ ،‬وولدت ثنتين وثلثًا كل شاة ليس فيها‬
‫فَشُوش ول ضبُوب ‪ ،‬ول َكمِيشة ُتفَوّت الكف ‪ ،‬ول َثعُول"‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إذا (‪ )11‬افتتحتم الشام فإنكم ستجدون بقايا منها ‪ ،‬وهي السامرية" (‪.)12‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند البزار برقم (‪" )2245‬كشف الستار"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)20/44‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)20/44‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬وقد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬مسند البزار برقم (‪" )2244‬كشف الستار"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المنذر"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المنذر"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬إنكم إذا"‪.‬‬
‫(‪ )12‬مسند البزار برقم (‪" )2246‬كشف الستار"‪.‬‬

‫( ‪)6/232‬‬

‫هكذا أورده البزار‪ .‬وقد رواه ابن أبي حاتم بأبسط من هذا (‪ )1‬فقال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عبد ال بن ُبكَير ‪ ،‬حدثني عبد ال بن لهيعة(ح) وحدثنا أبو‬
‫زرعة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن لهيعة ‪ ،‬عن الحارث بن يزيد الحضرمي‬
‫‪ ،‬عن علي بن رباح اللخمي قال ‪ :‬سمعت عتبة بن النّدّر (‪ )2‬السلمي ‪ -‬صاحب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ -‬يحدث أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن موسى ‪ ،‬عليه السلم (‪)3‬‬
‫آجر نفسه بعفة فرجه وطُعمة بطنه‪ .‬فلما وفى الجل ‪ -‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أي الجلين ؟ قال ‪-‬‬
‫أبرهما وأوفاهما‪ .‬فلما أراد فراق شعيب أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون‬
‫به ‪ ،‬فأعطاها ما ولدت من غنمه من قالب (‪ )4‬لون من ولد ذلك العام ‪ ،‬وكانت غنمه سوداء‬
‫سمّاها من طرفها ‪ ،‬ثم وضعها في أدنى‬
‫حسناء ‪ ،‬فانطلق موسى ‪ ،‬عليه السلم إلى عصاه َف َ‬
‫الحوض ‪ ،‬ثم أوردها فسقاها ‪ ،‬ووقف موسى بإزاء الحوض فلم تصدر منها شاة إل ضرب جنبها‬
‫شاة شاة قال ‪" :‬فأتأمت وأثلثت ‪ ،‬ووضعت كلها قوالب ألوان ‪ ،‬إل شاة أو شاتين ليس فيها فشوش‪.‬‬
‫قال يحيى ‪ :‬ول ضبون‪ .‬وقال صفوان ‪ :‬ول ضبُوب‪ .‬قال أبو زرعة ‪ :‬الصواب ضَبُوب ‪ -‬ول‬
‫عَزُوز ول َثعُول ‪ ،‬ول كميشة ُت َفوّت الكف" ‪ ،‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فلو افتتحتم الشام‬
‫وجدتم بقايا تلك الغنم وهي السامرية"‪.‬‬
‫وحدثنا أبو زُرْعة ‪ ،‬حدثنا صفوان قال ‪ :‬سمعت الوليد قال ‪ :‬فسألت ابن َلهِيعة ‪ :‬ما الفشوش ؟ قال‬
‫‪ :‬التي َتفُشّ بلبنها واسعة الشّخب‪ .‬قلت ‪ :‬فما الضبوب ؟ قال ‪ :‬الطويلة الضرع تجره‪ .‬قلت ‪ :‬فما‬
‫العَزُوز ؟ قال ‪ :‬ضيقة الشّخب‪ .‬قال فما ال َثعُول ؟ قال ‪ :‬التي ليس لها ضرع إل كهيئة حلمتين‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قلت ‪ :‬فما الكميشة ؟ قال ‪ :‬التي ُت َفوّت الكف ‪ ،‬كميشة الضرع ‪ ،‬صغير ل يدركه الكف‪.‬‬
‫مدار هذا الحديث على عبد ال بن َلهِيعة المصري ‪ -‬وفي حفظه سوء ‪ -‬وأخشى أن يكون رفعه‬
‫خطأ ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وينبغي أن يُ ْروَى ليس فيها فشوش ول عزوز ‪ ،‬ول ضبوب ول ثَعول ول‬
‫كميشة ‪ ،‬لتذكر كل صفة ناقصة مع ما يقابلها من الصفات الناقصة‪ .‬وقد روى ابن جرير من (‪)5‬‬
‫كلم أنس بن مالك ‪ -‬موقوفا عليه ‪ -‬ما يقارب بعضه بإسناد جيد (‪ ، )6‬فقال ‪ :‬حدثنا محمد بن‬
‫المثنى ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬حدثنا أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬لما دعا نبي ال موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬صاحبه إلى الجل الذي كان بينهما ‪ ،‬قال له صاحبه‬
‫‪ :‬كل شاة ولدت على غير لونها فذلك ولدها لك‪ .‬فعمد فرفع حبال على الماء ‪ ،‬فلما رأت الخيال‬
‫فزعت فجالت جولة ‪ ،‬فولدن كلهن بلقًا إل شاة واحدة ‪ ،‬فذهب بأولدهن ذلك العام (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬بزيادة غريبة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المنذر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬قابله"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ما يقارب هذا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)20/44‬‬

‫( ‪)6/233‬‬

‫ستُ نَارًا‬
‫ل وَسَارَ بَِأهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَا ِنبِ الطّورِ نَارًا قَالَ لِأَهِْلهِ ا ْمكُثُوا إِنّي آَنَ ْ‬
‫جَ‬‫فََلمّا َقضَى مُوسَى الْأَ َ‬
‫طئِ ا ْلوَادِ‬
‫ج ْذ َوةٍ مِنَ النّارِ َلعَّلكُمْ َتصْطَلُونَ (‪ )29‬فََلمّا أَتَاهَا نُو ِديَ مِنْ شَا ِ‬
‫َلعَلّي آَتِيكُمْ مِ ْنهَا ِبخَبَرٍ َأوْ َ‬
‫الْأَ ْيمَنِ فِي الْ ُب ْقعَةِ ا ْلمُبَا َركَةِ مِنَ الشّجَ َرةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنّي أَنَا اللّهُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )30‬وَأَنْ أَلْقِ‬
‫خفْ إِ ّنكَ مِنَ الَْآمِنِينَ (‬
‫ل وَلَا تَ َ‬
‫ن وَلّى ُمدْبِرًا وَلَمْ ُي َع ّقبْ يَا مُوسَى َأقْ ِب ْ‬
‫عصَاكَ فََلمّا َرآَهَا َتهْتَزّ كَأَ ّنهَا جَا ّ‬
‫َ‬
‫حكَ مِنَ الرّ ْهبِ فَذَا ِنكَ‬
‫ضمُمْ ِإلَ ْيكَ جَنَا َ‬
‫‪ )31‬اسُْلكْ َي َدكَ فِي جَيْ ِبكَ تَخْرُجْ بَ ْيضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُو ٍء وَا ْ‬
‫سقِينَ (‪)32‬‬
‫ن َومَلَئِهِ إِ ّنهُمْ كَانُوا َق ْومًا فَا ِ‬
‫عوْ َ‬
‫بُرْهَانَانِ مِنْ رَ ّبكَ إِلَى فِرْ َ‬

‫ستُ‬
‫ل وَسَارَ بَِأهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَا ِنبِ الطّورِ نَارًا قَالَ لهْلِهِ ا ْمكُثُوا إِنّي آ َن ْ‬
‫جَ‬‫{ فََلمّا َقضَى مُوسَى ال َ‬
‫طئِ‬
‫صطَلُونَ (‪ )29‬فََلمّا أَتَاهَا نُو ِديَ مِنْ شَا ِ‬
‫ج ْذ َوةٍ مِنَ النّارِ َلعَّلكُمْ َت ْ‬
‫نَارًا َلعَلّي آتِيكُمْ مِ ْنهَا ِبخَبَرٍ َأوْ َ‬
‫ا ْلوَادِ ال ْيمَنِ فِي الْ ُب ْقعَةِ ا ْلمُبَا َركَةِ مِنَ الشّجَ َرةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنّي أَنَا اللّهُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )30‬وَأَنْ أَلْقِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خفْ إِ ّنكَ مِنَ المِنِينَ (‬
‫ل وَل َت َ‬
‫ن وَلّى ُمدْبِرًا وَلَمْ ُي َع ّقبْ يَا مُوسَى َأقْ ِب ْ‬
‫عصَاكَ فََلمّا رَآهَا َتهْتَزّ كَأَ ّنهَا جَا ّ‬
‫َ‬
‫حكَ مِنَ الرّ ْهبِ فَذَا ِنكَ‬
‫ضمُمْ ِإلَ ْيكَ جَنَا َ‬
‫‪ )31‬اسُْلكْ َي َدكَ فِي جَيْ ِبكَ تَخْرُجْ بَ ْيضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُو ٍء وَا ْ‬
‫سقِينَ (‪.} )32‬‬
‫ن َومَلَئِهِ إِ ّنهُمْ كَانُوا َق ْومًا فَا ِ‬
‫عوْ َ‬
‫بُرْهَانَانِ مِنْ رَ ّبكَ إِلَى فِرْ َ‬
‫قد تقدم في تفسير الية قبلها أن موسى عليه السلم ‪ ،‬قضى أتم الجلين وأوفاهما وأبرهما‬
‫وأكملهما وأنقاهما ‪ ،‬وقد يستفاد هذا أيضًا من الية الكريمة من قوله (‪ { : )1‬فََلمّا َقضَى مُوسَى‬
‫جلَ } أي ‪ :‬الكمل منهما ‪ ،‬وال (‪ )2‬أعلم‪.‬‬
‫ال َ‬
‫قال ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬قضى عشر سنين ‪ ،‬وبعدها عشرا أخر‪ .‬وهذا القول لم أره‬
‫لغيره ‪ ،‬وقد حكاه عنه ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬وال (‪ )3‬أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَسَارَ بَِأهْلِهِ } قالوا ‪ :‬كان موسى قد اشتاق إلى بلده وأهله ‪ ،‬فعزم على زيارتهم في‬
‫خفية من فرعون وقومه ‪ ،‬فتحمل بأهله وما كان معه من الغنم التي وهبها له صهره ‪ ،‬فسلك بهم‬
‫في ليلة مطيرة مظلمة باردة ‪ ،‬فنزل منزل فجعل كلما أورى زنده ل يُضيء شيئًا ‪ ،‬فتعجب من‬
‫ذلك ‪ ،‬فبينما هو كذلك [إذ] (‪ { )4‬آنَسَ مِنْ جَا ِنبِ الطّورِ نَارًا } أي ‪ :‬رأى نارا تضيء له على بعد‬
‫ستُ نَارًا } أي ‪ :‬حتى أذهب إليها ‪َ { ،‬لعَلّي آتِي ُكمْ مِ ْنهَا بِخَبَرٍ }‪ .‬وذلك‬
‫‪ { ،‬قَالَ لهْلِهِ ا ْمكُثُوا إِنّي آ َن ْ‬
‫ج ْذ َوةٍ مِنَ النّارِ } أي ‪ :‬قطعة منها (‪َ { ، )5‬لعَّلكُمْ َتصْطَلُونَ } أي ‪:‬‬
‫لنه قد أضل الطريق ‪َ { ،‬أوْ َ‬
‫تَتَدفؤون بها من البرد‪.‬‬
‫طئِ ا ْلوَادِ ال ْيمَنِ } أي ‪ :‬من جانب الوادي مما يلي الجبل‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فََلمّا أَتَاهَا نُو ِديَ مِنْ شَا ِ‬
‫عن يمينه من ناحية الغرب ‪ ،‬كما قال تعالى (‪َ { : )6‬ومَا كُ ْنتَ بِجَا ِنبِ ا ْلغَرْ ِبيّ إِذْ َقضَيْنَا ِإلَى مُوسَى‬
‫المْرَ } ‪ ،‬فهذا مما يرشد إلى أن موسى قصد النار إلى جهة القبلة ‪ ،‬والجبل الغربي عن يمينه ‪،‬‬
‫والنار وجدها تضطرم في شجرة خضراء في لحْف الجبل مما يلي الوادي ‪ ،‬فوقف باهتًا في‬
‫طئِ ا ْلوَادِ ال ْيمَنِ فِي الْ ُب ْقعَةِ ا ْلمُبَا َركَةِ مِنَ الشّجَ َرةِ }‪.‬‬
‫أمرها ‪ ،‬فناداه ربه ‪ { :‬مِنْ شَا ِ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة ‪ ،‬عن‬
‫أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬رأيت الشجرة التي نودي منها موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬سمرة‬
‫خضراء ترف‪ .‬إسناده مقارب‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن بعض مَنْ ل يتهم ‪ ،‬عن وهب بن منبه قال ‪ :‬شجرة من العُلّيق ‪،‬‬
‫وبعض أهل الكتاب يقول ‪ :‬من العوسج‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هي من العوسج ‪ ،‬وعصاه من العوسج‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬أَنْ يَا مُوسَى إِنّي أَنَا اللّهُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬الذي يخاطبك ويكلمك هو رب‬
‫العالمين ‪ ،‬الفعال لما يشاء ‪ ،‬ل إله غيره ‪ ،‬ول رب سواه ‪ ،‬تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة‬
‫المخلوقات في‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬حيث قال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬فال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬قطعة من النار"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬قال ال تعالى"‪.‬‬

‫( ‪)6/234‬‬

‫ذاته وصفاته ‪ ،‬وأقواله وأفعاله سبحانه!‬


‫عصَاكَ } أي ‪ :‬التي في يدك‪ .‬كما قرره على ذلك في قوله ‪َ { :‬ومَا تِ ْلكَ بِ َيمِي ِنكَ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنْ أَ ْلقِ َ‬
‫عصَايَ أَ َت َوكّأُ عَلَ ْيهَا وَأَهُشّ ِبهَا عَلَى غَ َنمِي وَلِيَ فِيهَا مَآ ِربُ أُخْرَى } [ طه ‪17 :‬‬
‫يَا مُوسَى قَالَ ِهيَ َ‬
‫سعَى } فعرف‬
‫‪ .] 18 ،‬والمعنى ‪ :‬أما هذه عصاك التي تعرفها ألقها { فَأَ ْلقَاهَا فَإِذَا ِهيَ حَيّةٌ تَ ْ‬
‫وتحقق أن الذي يخاطبه ويكلمه هو الذي يقول للشيء ‪ :‬كن ‪ ،‬فيكون‪ .‬كما تقدم بيان ذلك في سورة‬
‫"طه"‪.‬‬
‫وقال هاهنا ‪ { :‬فََلمّا رَآهَا َتهْتَزّ } أي ‪ :‬تضطرب { كَأَ ّنهَا جَانّ } أي ‪ :‬في حركتها السريعة مع‬
‫عظم خَلْق قوائمها (‪ )1‬واتساع فمها ‪ ،‬واصطكاك أنيابها وأضراسها ‪ ،‬بحيث ل تمر بصخرة إل‬
‫ابتلعتها ‪ ،‬فتنحدر في فيها تتقعقع ‪ ،‬كأنها حادرة في واد‪ .‬فعند ذلك { وَلّى ُمدْبِرًا وَلَمْ ُي َع ّقبْ } أي ‪:‬‬
‫خفْ إِ ّنكَ‬
‫ل وَل َت َ‬
‫ولم يكن يلتفت ؛ لن طبع البشرية ينفر من ذلك‪ .‬فلما قال ال له ‪ { :‬يَا مُوسَى َأقْ ِب ْ‬
‫ن المِنِينَ } ‪ ،‬رجع فوقف في مقامه الول‪.‬‬
‫مِ َ‬
‫ثم قال ال له ‪ { :‬اسُْلكْ يَ َدكَ فِي جَيْ ِبكَ َتخْرُجْ بَ ْيضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } أي ‪ :‬إذا أدخلت يدك في‬
‫جيب درعك ثم أخرجتها فإنها تخرج تتلل كأنها قطعة قمر في لمعان البرق ؛ ولهذا قال ‪ { :‬مِنْ‬
‫غَيْرِ سُوءٍ } أي ‪ :‬من غير برص‪.‬‬
‫حكَ مِنَ الرّ ْهبِ } ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬من الفزع‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬من الرعب‪.‬‬
‫ضمُمْ إِلَ ْيكَ جَنَا َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْ‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير ‪ :‬مما حصل لك من خوفك من الحية‪.‬‬
‫والظاهر أن المراد أعم من هذا ‪ ،‬وهو أنه أمر عليه السلم ‪ ،‬إذا خاف من شيء أن يضم إليه‬
‫جناحه من الرهب ‪ ،‬وهي يده ‪ ،‬فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف‪ .‬وربما إذا استعمل‬
‫أحد ذلك على سبيل القتداء فوضع يديه على فؤاده ‪ ،‬فإنه يزول عنه ما يجد أو يَخف ‪ ،‬إن شاء‬
‫ال ‪ ،‬وبه الثقة‪.‬‬
‫قال (‪ )2‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا الربيع بن ثعلب الشيخ الصالح ‪ ،‬أخبرنا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أبو إسماعيل المؤدب ‪ ،‬عن عبد ال بن مسلم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬قال (‪ : )3‬كان موسى عليه السلم ‪،‬‬
‫قد مُلئ قلبه رعبًا من فرعون ‪ ،‬فكان إذا رآه قال ‪ :‬اللهم إني أدرأ بك في نحره ‪ ،‬وأعوذ بك من‬
‫شره ‪ ،‬ففرّغ (‪ )4‬ال ما كان في قلب موسى عليه السلم ‪ ،‬وجعله في قلب فرعون ‪ ،‬فكان إذا رآه‬
‫بال كما يبول الحمار‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فذَا ِنكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَ ّبكَ } يعني ‪ :‬إلقاءه العصا وجعلها حية تسعى ‪ ،‬وإدخاله يده في‬
‫جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء ‪ -‬دليلن قاطعان واضحان على قدرة الفاعل المختار ‪ ،‬وصحة‬
‫عوْنَ َومَلَئِهِ } أي ‪ :‬وقومه من‬
‫نبوة مَنْ جرى هذا الخارق على يديه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِلَى فِرْ َ‬
‫سقِينَ } أي ‪ :‬خارجين عن طاعة ال ‪ ،‬مخالفين‬
‫الرؤساء والكبراء والتباع ‪ { ،‬إِ ّن ُهمْ كَانُوا َق ْومًا فَا ِ‬
‫لدين ال ‪[ ،‬وال أعلم] (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬عظم خلقها" وفي ف ‪" :‬عظم خلقتها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فنزع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)6/235‬‬

‫قَالَ َربّ إِنّي قَتَ ْلتُ مِ ْنهُمْ َنفْسًا فََأخَافُ أَنْ َيقْتُلُونِ (‪ )33‬وَأَخِي هَارُونُ ُهوَ َأ ْفصَحُ مِنّي لِسَانًا فَأَرْسِ ْلهُ‬
‫ج َعلُ َل ُكمَا سُ ْلطَانًا فَلَا‬
‫ك وَنَ ْ‬
‫عضُ َدكَ بَِأخِي َ‬
‫َمعِيَ ِردْءًا ُيصَ ّدقُنِي إِنّي أَخَافُ أَنْ ُي َكذّبُونِ (‪ )34‬قَالَ سَ َنشُدّ َ‬
‫َيصِلُونَ ِإلَ ْي ُكمَا بِآَيَاتِنَا أَنْ ُتمَا َومَنِ اتّ َب َع ُكمَا ا ْلغَالِبُونَ (‪)35‬‬

‫{ قَالَ َربّ إِنّي قَتَ ْلتُ مِ ْنهُمْ َنفْسًا فَأَخَافُ أَنْ َيقْتُلُونِ (‪ )33‬وَأَخِي هَارُونُ ُهوَ َأ ْفصَحُ مِنّي لِسَانًا فَأَرْسِ ْلهُ‬
‫ج َعلُ َل ُكمَا سُ ْلطَانًا فَل‬
‫ك وَنَ ْ‬
‫عضُ َدكَ بَِأخِي َ‬
‫َمعِيَ ِردْءًا ُيصَ ّدقُنِي إِنّي أَخَافُ أَنْ ُي َكذّبُونِ (‪ )34‬قَالَ سَ َنشُدّ َ‬
‫َيصِلُونَ ِإلَ ْي ُكمَا بِآيَاتِنَا أَنْ ُتمَا َومَنِ اتّ َب َع ُكمَا ا ْلغَالِبُونَ (‪.} )35‬‬
‫لما أمره ال تعالى بالذهاب إلى فرعون ‪ ،‬الذي إنما خرج من ديار مصر فرارًا منه وخوفًا من‬
‫سطوته ‪ { ،‬قَالَ َربّ إِنّي قَتَ ْلتُ مِ ْنهُمْ َنفْسًا } يعني ‪ :‬ذلك القبطي ‪ { ،‬فََأخَافُ أَنْ َيقْتُلُونِ } أي ‪ :‬إذا‬
‫رأوني‪.‬‬
‫{ وََأخِي هَارُونُ ُهوَ َأ ْفصَحُ مِنّي لِسَانًا } ‪ ،‬وذلك أن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كان في لسانه لثغة ‪،‬‬
‫بسبب ما كان تناول تلك الجمرة ‪ ،‬حين خُيّر بينها وبين التمرة أو الدرّة ‪ ،‬فأخذ الجمرة فوضعها‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عقْ َدةً مِنْ لِسَانِي‪َ .‬يفْ َقهُوا َقوْلِي‪.‬‬
‫على لسانه ‪ ،‬فحصل فيه شدة في التعبير ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَاحُْللْ ُ‬
‫شدُدْ ِبهِ أَزْرِي‪ .‬وَأَشْ ِركْهُ فِي َأمْرِي } [ طه ‪32 - 27 :‬‬
‫ج َعلْ لِي وَزِيرًا مِنْ َأهْلِي‪ .‬هَارُونَ أَخِي‪ .‬ا ْ‬
‫وَا ْ‬
‫] أي ‪ :‬يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم ‪ ،‬وهو القيام بأعباء النبوة والرسالة إلى هذا‬
‫الملك المتكبر الجبار العنيد‪ .‬ولهذا قال ‪ { :‬وَأَخِي هَارُونُ ُهوَ َأ ْفصَحُ مِنّي لِسَانًا فَأَرْسِ ْلهُ َم ِعيَ ِردْءًا‬
‫[ ُيصَ ّدقُنِي] } (‪ ، )1‬أي ‪ :‬وزيرًا ومعينًا ومقويّا لمري ‪ ،‬يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن ال عز‬
‫وجل ؛ لن خبر اثنين أنجع في النفوس من خبر واحد ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّي أَخَافُ أَنْ ُي َكذّبُونِ }‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ِ { :‬ردْءًا ُيصَ ّدقُنِي } أي ‪ :‬يبين لهم عني ما أكلمهم به ‪ ،‬فإنه يفهم [عني] (‬
‫‪.)2‬‬
‫عضُ َدكَ بِأَخِيكَ } أي ‪ :‬سنقوي أمرك ‪ ،‬ونعز جانبك‬
‫شدّ َ‬
‫فلما سأل ذلك قال ال تعالى ‪ { :‬سَنَ ُ‬
‫سؤَْلكَ يَا‬
‫بأخيك ‪ ،‬الذي سألت له أن يكون نبيا معك‪ .‬كما قال في الية الخرى ‪ { :‬قَدْ أُوتِيتَ ُ‬
‫حمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّا } [ مريم ‪.] 53 :‬‬
‫مُوسَى } [ طه ‪ ، ] 36 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَوَهَبْنَا َلهُ مِنْ رَ ْ‬
‫ولهذا قال بعض السلف ‪ :‬ليس أحد أعظم مِنّةً على أخيه ‪ ،‬من موسى على هارون ‪ ،‬عليهما‬
‫السلم ‪ ،‬فإنه شفع فيه حتى جعله ال نبيّا ورسول معه إلى فرعون وملئه ‪ ،‬ولهذا قال [ال تعالى]‬
‫(‪ )3‬في حق موسى ‪َ { :‬وكَانَ عِنْدَ اللّ ِه َوجِيهًا } [ الحزاب ‪.] 69 :‬‬
‫ج َعلُ َل ُكمَا سُ ْلطَانًا } أي ‪ :‬حجة قاهرة ‪ { ،‬فَل َيصِلُونَ إِلَ ْي ُكمَا بِآيَاتِنَا } أي ‪ :‬ل‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَنَ ْ‬
‫سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلغكما آيات ال ‪ ،‬كما قال ال تعالى [لرسوله محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم] (‪ { : )4‬يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ [وَإِنْ لَمْ َتفْ َعلْ َفمَا بَّل ْغتَ‬
‫ص ُمكَ مِنَ النّاسِ } [ المائدة ‪ .)5( ] 67 :‬وقال تعالى ‪ { :‬الّذِينَ يُبَّلغُونَ رِسَالتِ‬
‫رِسَالَتَهُ] وَاللّهُ َي ْع ِ‬
‫شوْنَ َأحَدًا إِل اللّ َه َو َكفَى بِاللّهِ حَسِيبًا } [ الحزاب ‪ ، ] 39 :‬أي ‪ :‬وكفى بال‬
‫شوْنَ ُه وَل يَخْ َ‬
‫اللّ ِه وَ َيخْ َ‬
‫ناصرًا ومعينًا ومؤيدًا‪ .‬ولهذا أخبرهما أن العاقبة لهما وِلمَنْ اتبعهما في الدنيا والخرة ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫{ أَنْ ُتمَا َومَنِ اتّ َب َع ُكمَا ا ْلغَالِبُونَ } ‪ ،‬كما قال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬إلى قوله"‪.‬‬

‫( ‪)6/236‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تعالى ‪ { :‬كَ َتبَ اللّهُ لغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ } [ المجادلة ‪ ، ] 21 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫شهَادُ‪َ .‬يوْمَ ل يَ ْنفَعُ الظّاِلمِينَ َمعْذِرَ ُتهُمْ‬
‫{ إِنّا لَنَ ْنصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ َيوْمَ َيقُومُ ال ْ‬
‫وََلهُمُ الّلعْنَ ُة وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ } [ غافر ‪.] 52 ، 51 :‬‬
‫ج َعلُ َل ُكمَا سُ ْلطَانًا فَل َيصِلُونَ إِلَ ْي ُكمَا } ‪ ،‬ثم يبتدئ فيقول ‪:‬‬
‫ووجه ابن جرير على أن المعنى ‪ { :‬وَنَ ْ‬
‫{ بِآيَاتِنَا أَنْ ُتمَا َومَنِ اتّ َب َع ُكمَا ا ْلغَالِبُونَ } ‪ ،‬تقديره ‪ :‬أنتما ومَنْ اتبعكما الغالبون بآياتنا (‪.)1‬‬
‫ول شك أن هذا المعنى صحيح ‪ ،‬وهو حاصل من التوجيه الول ‪ ،‬فل حاجة إلى هذا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)20/48‬‬

‫( ‪)6/237‬‬

‫س ِمعْنَا ِب َهذَا فِي آَبَائِنَا الَْأوّلِينَ (‬


‫سحْرٌ ُمفْتَرًى َومَا َ‬
‫فََلمّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا بَيّنَاتٍ قَالُوا مَا َهذَا إِلّا ِ‬
‫‪َ )36‬وقَالَ مُوسَى رَبّي أَعْلَمُ ِبمَنْ جَاءَ بِا ْل ُهدَى مِنْ عِنْ ِد ِه َومَنْ َتكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدّارِ إِنّهُ لَا ُيفْلِحُ‬
‫عوْنُ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَلَأُ مَا عَِل ْمتُ َلكُمْ مِنْ إَِلهٍ غَيْرِي فََأ ْوقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى‬
‫الظّاِلمُونَ (‪َ )37‬وقَالَ فِرْ َ‬
‫ج َعلْ لِي صَ ْرحًا َلعَلّي أَطِّلعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنّي لََأظُنّهُ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )38‬وَاسْ َتكْبَرَ ُهوَ‬
‫الطّينِ فَا ْ‬
‫جعُونَ (‪ )39‬فََأخَذْنَا ُه وَجُنُو َدهُ فَنَبَذْنَا ُهمْ فِي الْيَمّ‬
‫ق وَظَنّوا أَ ّن ُهمْ إِلَيْنَا لَا يُ ْر َ‬
‫حّ‬‫وَجُنُو ُدهُ فِي الْأَ ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬
‫جعَلْنَا ُهمْ أَ ِئمّةً َيدْعُونَ ِإلَى النّارِ وَيَوْمَ ا ْلقِيَامَةِ لَا يُ ْنصَرُونَ (‬
‫فَانْظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظّاِلمِينَ (‪ )40‬وَ َ‬
‫‪ )41‬وَأَتْ َبعْنَاهُمْ فِي َه ِذهِ الدّنْيَا َلعْ َن ًة وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ هُمْ مِنَ ا ْل َمقْبُوحِينَ (‪)42‬‬

‫س ِمعْنَا ِب َهذَا فِي آبَائِنَا الوّلِينَ (‬


‫{ فََلمّا جَاءَ ُهمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِل سِحْرٌ ُمفْتَرًى َومَا َ‬
‫‪َ )36‬وقَالَ مُوسَى رَبّي أَعْلَمُ ِبمَنْ جَاءَ بِا ْل ُهدَى مِنْ عِنْ ِد ِه َومَنْ َتكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدّارِ إِنّهُ ل ُيفْلِحُ‬
‫الظّاِلمُونَ (‪.} )37‬‬
‫يخبر تعالى عن مجيء موسى وأخيه هارون إلى فرعون وملئه ‪ ،‬وعرضه ما آتاهما ال من‬
‫المعجزات الباهرة والدللت القاهرة ‪ ،‬على صدقهما فيما أخبر عن ال عز وجل من توحيده‬
‫واتباع أوامره‪ .‬فلما عاين فرعون وملؤه ذلك وشاهدوه وتحققوه ‪ ،‬وأيقنوا أنه من ال ‪ ،‬عدلوا‬
‫بكفرهم وبغيهم إلى العناد والمباهتة ‪ ،‬وذلك لطغيانهم وتكبرهم عن اتباع الحق ‪ ،‬فقالوا ‪ { :‬مَا هَذَا‬
‫إِل سِحْرٌ مُفْتَرًى } أي ‪ :‬مفتعل مصنوع‪ .‬وأرادوا معارضته بالحيلة والجاه ‪ ،‬فما صعد معهم ذلك‪.‬‬
‫س ِمعْنَا ِب َهذَا فِي آبَائِنَا الوّلِينَ } يعنون ‪ :‬عبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬يقولون‬
‫وقوله (‪َ { : )1‬ومَا َ‬
‫‪ :‬ما رأينا أحدا من آبائنا على هذا الدين ‪ ،‬ولم نر (‪ )2‬الناس إل يشركون مع ال آلهة أخرى‪.‬‬
‫فقال موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مجيبا لهم ‪ { :‬رَبّي أَعْلَمُ ِبمَنْ جَاءَ بِا ْلهُدَى مِنْ عِنْ ِدهِ } يعني ‪ :‬مني‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ومنكم ‪ ،‬وسيفصل بيني وبينكم‪ .‬ولهذا قال ‪َ { :‬ومَنْ َتكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدّارِ } أي ‪ :‬النصرة والظفر‬
‫والتأييد ‪ { ،‬إِنّهُ ل ُيفْلِحُ الظّاِلمُونَ } أي ‪ :‬المشركون بال‪.‬‬
‫ج َعلْ لِي‬
‫عوْنُ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَل مَا عَِل ْمتُ َلكُمْ مِنْ إَِلهٍ غَيْرِي فََأ ْوقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطّينِ فَا ْ‬
‫{ َوقَالَ فِرْ َ‬
‫صَرْحًا َلعَلّي أَطّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنّي لظُنّهُ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )38‬وَاسْ َتكْبَرَ ُه َو وَجُنُو ُدهُ فِي ال ْرضِ‬
‫خذْنَا ُه وَجُنُو َدهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ فَانْظُرْ كَ ْيفَ كَانَ‬
‫جعُونَ (‪ )39‬فَأَ َ‬
‫ق وَظَنّوا أَ ّنهُمْ إِلَيْنَا ل يُرْ َ‬
‫حّ‬‫ِبغَيْرِ الْ َ‬
‫جعَلْنَا ُهمْ أَ ِئمّةً َيدْعُونَ ِإلَى النّارِ وَيَوْمَ ا ْلقِيَامَةِ ل يُ ْنصَرُونَ (‪ )41‬وَأَتْ َبعْنَاهُمْ‬
‫عَاقِبَةُ الظّاِلمِينَ (‪ )40‬وَ َ‬
‫فِي هَ ِذهِ الدّنْيَا َلعْنَ ًة وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ ُهمْ مِنَ ا ْل َمقْبُوحِينَ (‪.} )42‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وقولهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وما نرى"‪.‬‬

‫( ‪)6/237‬‬

‫يخبر تعالى عن كفر فرعون وطغيانه وافترائه في دعوى اللهية لنفسه القبيحة ‪ -‬لعنه ال ‪ -‬كما‬
‫سقِينَ } [ الزخرف ‪ ، ] 54 :‬وذلك لنه‬
‫خفّ َق ْومَهُ فََأطَاعُوهُ إِ ّن ُهمْ كَانُوا َق ْومًا فَا ِ‬
‫قال تعالى ‪ { :‬فَاسْ َت َ‬
‫دعاهم إلى العتراف له باللهية ‪ ،‬فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَل مَا عَِل ْمتُ َل ُكمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } ‪[ ،‬و] (‪ )1‬قال تعالى إخبارا عنه ‪َ { :‬فحَشَرَ فَنَادَى *‬
‫َفقَالَ أَنَا رَ ّبكُمُ العْلَى * فََأخَ َذهُ اللّهُ َنكَالَ الخِ َر ِة وَالولَى * إِنّ فِي ذَِلكَ َلعِبْ َرةً ِلمَنْ َيخْشَى }‬
‫[ النازعات ‪ ] 26 - 23 :‬يعني ‪ :‬أنه جمع قومه ونادى فيهم بصوته العالي ُمصَرّحا لهم بذلك ‪،‬‬
‫فأجابوه سامعين مطيعين‪ .‬ولهذا انتقم ال تعالى منه ‪ ،‬فجعله عبرة لغيره في الدنيا والخرة ‪،‬‬
‫سجُونِينَ }‬
‫جعَلَ ّنكَ مِنَ ا ْلمَ ْ‬
‫خ ْذتَ إَِلهًا غَيْرِي ل ْ‬
‫وحتى إنه واجه موسى الكليم بذلك فقال ‪ { :‬لَئِنِ اتّ َ‬
‫[ الشعراء ‪.] 29 :‬‬
‫ج َعلْ لِي صَرْحًا َلعَلّي َأطّلِعُ إِلَى إَِلهِ مُوسَى } أي ‪ :‬أمر‬
‫وقوله ‪ { :‬فََأ ْوقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطّينِ فَا ْ‬
‫وزيره هامان ومدبر رعيته ومشير دولته أن يوقد له على الطين ‪ ،‬ليتخذ له آجُرّا لبناء الصرح ‪،‬‬
‫عوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَ ْرحًا‬
‫وهو القصر المنيف الرفيع ‪ -‬كما قال في الية الخرى ‪َ { :‬وقَالَ فِرْ َ‬
‫س َموَاتِ فَأَطِّلعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنّي لظُنّهُ كَاذِبًا َوكَذَِلكَ زُيّنَ ِلفِرْعَوْنَ‬
‫َلعَلّي أَبْلُغُ السْبَابَ‪ .‬أَسْبَابَ ال ّ‬
‫عوْنَ إِل فِي تَبَابٍ } [ غافر ‪ ، ] 37 ، 36 :‬وذلك لن (‬
‫ل َومَا كَيْدُ فِرْ َ‬
‫عمَلِهِ َوصُدّ عَنِ السّبِي ِ‬
‫سُوءُ َ‬
‫‪ )2‬فرعون بنى هذا الصرح الذي لم يُرَ في الدنيا بناء أعلى منه ‪ ،‬إنما أراد بهذا أن يظهر لرعيته‬
‫تكذيب موسى فيما زعمه من دعوى إله غير فرعون ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَإِنّي لظُنّهُ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ }‬
‫أي ‪ :‬في قوله إن ثَمّ ربّا غيري ‪ ،‬ل أنه كذبه في أن ال أرسله ؛ لنه لم يكن يعترف بوجود‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خ ْذتَ إَِلهًا غَيْرِي‬
‫الصانع ‪ ،‬فإنه قال ‪َ { :‬ومَا َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [ الشعراء ‪ ] 23 :‬وقال ‪ { :‬لَئِنِ اتّ َ‬
‫سجُونِينَ } [ الشعراء ‪ ] 29 :‬وقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمَل مَا عَِل ْمتُ َلكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي }‬
‫جعَلَ ّنكَ مِنَ ا ْلمَ ْ‬
‫لْ‬
‫وهذا قول ابن جرير‪.‬‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬طغوا‬
‫ق وَظَنّوا أَ ّن ُهمْ إِلَيْنَا ل يُرْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاسْ َتكْبَرَ ُهوَ َوجُنُو ُدهُ فِي ال ْرضِ ِبغَيْرِ ا ْلحَ ّ‬
‫صبّ عَلَ ْيهِمْ‬
‫وتجبروا ‪ ،‬وأكثروا في الرض الفساد ‪ ،‬واعتقدوا أنه ل معاد ول قيامة (‪َ { ، )3‬ف َ‬
‫عذَابٍ‪.‬إِنّ رَ ّبكَ لَبِا ْلمِ ْرصَادِ } [ الفجر ‪ ، ] 14 ، 13 :‬ولهذا قال ها هنا ‪ { :‬فََأخَذْنَاهُ‬
‫سوْطَ َ‬
‫رَ ّبكَ َ‬
‫وَجُنُو َدهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ } أي ‪ :‬أغرقناهم في البحر في صبيحة واحدة ‪ ،‬فلم يبق منهم أحد‬
‫جعَلْنَاهُمْ أَ ِئمّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ } أي ‪ :‬لمن سلك وراءهم‬
‫{ فَا ْنظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الظّاِلمِينَ‪ .‬وَ َ‬
‫وأخذ بطريقتهم ‪ ،‬في تكذيب الرسل وتعطيل الصانع ‪ { ،‬وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ ل يُ ْنصَرُونَ } أي ‪ :‬فاجتمع‬
‫عليهم خزي الدنيا موصول بذل الخرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬أَهَْلكْنَا ُهمْ فَل نَاصِرَ َلهُمْ } [ محمد ‪:‬‬
‫‪] 13‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَتْ َبعْنَاهُمْ فِي هَ ِذهِ الدّنْيَا َلعْنَةً } (‪ )4‬أي ‪ :‬وشرع ال لعنتهم ولعنة مَلكهم فرعون على‬
‫ألسنة المؤمنين من عباده المتبعين رسله ‪ ،‬وكما أنهم في الدنيا ملعونون على ألسنة النبياء‬
‫وأتباعهم كذلك ‪ { ،‬وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ هُمْ مِنَ ا ْل َمقْبُوحِينَ }‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وهذه الية كقوله تعالى ‪:‬‬
‫{ وَأُتْ ِبعُوا فِي هَ ِذهِ َلعْنَةً وَيَوْمَ ا ْلقِيَامَةِ بِئْسَ ال ّرفْدُ ا ْلمَ ْرفُودُ } [ هود ‪.] 99 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ل قيامة ول معاد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فأتبعناهم"‪.‬‬

‫( ‪)6/238‬‬

‫ح َمةً َلعَّلهُمْ‬
‫س وَهُدًى وَرَ ْ‬
‫وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ مِنْ َبعْدِ مَا أَهَْلكْنَا ا ْلقُرُونَ الْأُولَى َبصَائِرَ لِلنّا ِ‬
‫يَتَ َذكّرُونَ (‪)43‬‬

‫حمَةً َلعَّلهُمْ‬
‫س وَهُدًى وَ َر ْ‬
‫{ وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ مِنْ َبعْدِ مَا أَهَْلكْنَا ا ْلقُرُونَ الولَى َبصَائِرَ لِلنّا ِ‬
‫يَتَ َذكّرُونَ (‪.} )43‬‬
‫يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله موسى الكليم ‪ ،‬عليه من ربه الصلة والتسليم ‪ ،‬من‬
‫إنزال التوراة عليه بعدما أهلك فرعون ومله‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬مِنْ َبعْدِ مَا أَهَْلكْنَا ا ْلقُرُونَ الولَى } يعني ‪ :‬أنه بعد إنزال التوراة لم يعذب أمة بعامة ‪،‬‬
‫عوْنُ َومَنْ قَبْلَهُ‬
‫بل أمر المؤمنين أن يقاتلوا أعداء ال من المشركين ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَجَاءَ فِرْ َ‬
‫صوْا َرسُولَ رَ ّبهِمْ فَأَخَ َذهُمْ َأخْ َذةً رَابِ َيةً } [ الحاقة ‪.] 10 ، 9 :‬‬
‫وَا ْل ُمؤْتَ ِفكَاتُ بِا ْلخَاطِ َئةِ * َف َع َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا محمد وعبد الوهاب قال حدثنا عوف ‪ ،‬عن أبي‬
‫َنضْرَة ‪ ،‬عن أبي سعيد الخُدْري قال ‪ :‬ما أهلك ال قومًا بعذاب من السماء ول من الرض بعدما‬
‫أنزلت التوراة على وجه الرض ‪ ،‬غير القرية التي مسخوا قردة ‪ ،‬ألم تر أن ال يقول ‪ { :‬وََلقَدْ‬
‫ن الولَى } (‪.)1‬‬
‫آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ مِنْ َبعْدِ مَا أَ ْهَلكْنَا ا ْلقُرُو َ‬
‫ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث عوف بن أبي جَميلة (‪ )2‬العرابي ‪ ،‬بنحوه‪ .‬وهكذا رواه أبو‬
‫بكر البزار في مسنده ‪ ،‬عن عمرو بن علي الفلس ‪ ،‬عن يحيى القَطّان ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن أبي‬
‫نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد موقوفًا (‪ .)3‬ثم رواه عن نصر بن علي ‪ ،‬عن عبد العلى ‪ ،‬عن عوف ‪،‬‬
‫عن أبي نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ -‬رفعه (‪ )4‬إلى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬ما أهلكَ ال‬
‫قوما بعذاب من السماء ول من الرض إل قبل موسى" ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ مِنْ‬
‫ن الولَى } (‪.)5‬‬
‫َبعْدِ مَا أَ ْهَلكْنَا ا ْلقُرُو َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬بصَائِرَ لِلنّاسِ } أي ‪ :‬من العمى والغي ‪ { ،‬وهدى } إلى الحق ‪ { ،‬ورحمة } أي ‪:‬‬
‫إرشادا إلى العمال الصالحة ‪َ { ،‬لعَّلهُمْ يَ َت َذكّرُونَ } أي ‪ :‬لعل الناس يتذكرون به ‪ ،‬ويهتدون بسببه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)20/50‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬حبلة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسند البزار برقم (‪" )2247‬كشف الستار"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬مرفوعا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند البزار برقم (‪" )2248‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/88‬رواه البزار‬
‫موقوفا ومرفوعا ورجالهما رجال الصحيح"‪.‬‬

‫( ‪)6/239‬‬

‫َومَا كُ ْنتَ ِبجَا ِنبِ ا ْلغَرْبِيّ ِإذْ َقضَيْنَا إِلَى مُوسَى الَْأمْ َر َومَا كُ ْنتَ مِنَ الشّا ِهدِينَ (‪ )44‬وََلكِنّا أَنْشَأْنَا‬
‫قُرُونًا فَ َتطَا َولَ عَلَ ْي ِهمُ ا ْل ُعمُ ُر َومَا كُ ْنتَ ثَاوِيًا فِي أَ ْهلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَ ْي ِهمْ آَيَاتِنَا وََلكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ (‪)45‬‬
‫ح َمةً مِنْ رَ ّبكَ لِتُنْذِرَ َق ْومًا مَا أَتَا ُهمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبِْلكَ َلعَّلهُمْ‬
‫َومَا كُ ْنتَ ِبجَا ِنبِ الطّورِ إِذْ نَادَيْنَا وََلكِنْ رَ ْ‬
‫يَتَ َذكّرُونَ (‪ )46‬وََلوْلَا أَنْ ُتصِي َبهُمْ ُمصِيبَةٌ ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِي ِهمْ فَ َيقُولُوا رَبّنَا َلوْلَا أَ ْرسَ ْلتَ إِلَيْنَا رَسُولًا‬
‫ك وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)47‬‬
‫فَنَتّبِعَ آَيَا ِت َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ َومَا كُ ْنتَ بِجَا ِنبِ ا ْلغَرْ ِبيّ إِذْ َقضَيْنَا إِلَى مُوسَى المْرَ َومَا كُ ْنتَ مِنَ الشّا ِهدِينَ (‪ )44‬وََلكِنّا أَنْشَأْنَا‬
‫قُرُونًا فَ َتطَا َولَ عَلَ ْي ِهمُ ا ْل ُعمُ ُر َومَا كُ ْنتَ ثَاوِيًا فِي أَ ْهلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَ ْي ِهمْ آيَاتِنَا وََلكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ (‪)45‬‬
‫ح َمةً مِنْ رَ ّبكَ لِتُنْذِرَ َق ْومًا مَا أَتَا ُهمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبِْلكَ َلعَّلهُمْ‬
‫َومَا كُ ْنتَ ِبجَا ِنبِ الطّورِ إِذْ نَادَيْنَا وََلكِنْ رَ ْ‬
‫يَتَ َذكّرُونَ (‪ )46‬وََلوْل أَنْ ُتصِي َبهُمْ ُمصِيبَةٌ ِبمَا َق ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ فَ َيقُولُوا رَبّنَا َلوْل أَ ْرسَ ْلتَ إِلَيْنَا رَسُول‬
‫ك وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪.} )47‬‬
‫فَنَتّبِعَ آيَا ِت َ‬

‫( ‪)6/239‬‬

‫يقول تعالى منبهًا على برهان نبوة محمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬حيث أخبر بالغيوب‬
‫الماضية ‪ ،‬خبرًا كأن سامعه شاهد ورَاءٍ لما تقدم ‪ ،‬وهو رجل أمي ل يقرأ شيئا من الكتب ‪ ،‬نشأ‬
‫بين قوم ل يعرفون شيئا من ذلك ‪ ،‬كما أنه لما أخبره عن مريم وما كان من أمرها ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫صمُونَ } [ آل عمران ‪:‬‬
‫{ َومَا كُ ْنتَ لَدَ ْيهِمْ إِذْ يُ ْلقُونَ َأقْل َمهُمْ أَ ّيهُمْ َي ْك ُفلُ مَرْ َي َم َومَا كُ ْنتَ َلدَ ْيهِمْ ِإذْ يَخْ َت ِ‬
‫‪ ، ] 44‬أي ‪ :‬ما كنت حاضرًا لذلك ‪ ،‬ولكن ال أوحاه إليك‪ .‬وهكذا لما أخبره عن نوح وقومه ‪،‬‬
‫وما كان من إنجاء ال له وإغراق قومه‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬تِ ْلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلغَ ْيبِ نُوحِيهَا إِلَ ْيكَ مَا كُ ْنتَ َتعَْل ُمهَا أَ ْنتَ وَل َق ْو ُمكَ مِنْ قَ ْبلِ َهذَا‬
‫فَاصْبِرْ إِنّ ا ْلعَاقِبَةَ لِ ْلمُ ّتقِينَ } [ هود ‪ ] 49 :‬وقال في آخر السورة { ذَِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ (‪ )1‬ا ْلقُرَى َن ُقصّهُ‬
‫ك َومَا‬
‫عَلَ ْيكَ } [ هود ‪ ، ] 100 :‬وقال بعد ذكر قصة يوسف ‪ { :‬ذَِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلغَ ْيبِ نُوحِيهِ إِلَ ْي َ‬
‫ج َمعُوا َأمْرَ ُه ْم وَهُمْ َي ْمكُرُونَ } [ يوسف ‪ ، ] 102 :‬وقال في سورة طه ‪ { :‬كَذَِلكَ‬
‫كُ ْنتَ َلدَ ْيهِمْ ِإذْ َأ ْ‬
‫ق َوقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنّا ِذكْرًا } [ طه ‪ ] 99 :‬وقال ها هنا ‪ -‬بعدما‬
‫َنقُصّ عَلَ ْيكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَ َ‬
‫أخبر عن قصة موسى من أولها إلى آخرها ‪ ،‬وكيف كان ابتداء إيحاء ال إليه وتكليمه له ‪: -‬‬
‫{ َومَا كُ ْنتَ بِجَا ِنبِ ا ْلغَرْ ِبيّ إِذْ َقضَيْنَا إِلَى مُوسَى المْرَ } يعني ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ما كنت بجانب الجبل‬
‫الغربي الذي كلم ال موسى من الشجرة التي هي شرقية على شاطئ الوادي ‪َ { ،‬ومَا كُ ْنتَ مِنَ‬
‫الشّا ِهدِينَ } لذلك ‪ ،‬ولكن ال سبحانه وتعالى أوحى إليك ذلك ‪ ،‬ليجعله حجة وبرهانًا على قرون قد‬
‫تطاول عهدها ‪ ،‬ونَسُوا حُجَج ال عليهم ‪ ،‬وما أوحاه إلى النبياء المتقدمين‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا كُ ْنتَ ثَاوِيًا فِي أَ ْهلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَاتِنَا } أي ‪ :‬وما كنت مقيما في أهل مدين تتلو‬
‫عليهم آياتنا ‪ ،‬حين أخْبرتَ عن نبيها شعيب ‪ ،‬وما قال لقومه ‪ ،‬وما ردّوا عليه ‪ { ،‬وََلكِنّا كُنّا‬
‫مُرْسِلِينَ } أي ‪ :‬ولكن نحن أوحينا إليك ذلك ‪ ،‬وأرسلناك للناس رسول‪.‬‬
‫{ َومَا كُ ْنتَ بِجَا ِنبِ الطّورِ إِذْ نَادَيْنَا } ‪ -‬قال أبو عبد الرحمن النسائي ‪ ،‬في التفسير من سننه ‪:‬‬
‫أخبرنا علي بن حُجْر ‪ ،‬أخبرنا عيسى ‪ -‬وهو ابن يونس ‪ -‬عن حمزة الزيات ‪ ،‬عن العمش ‪،‬‬
‫عن علي بن مُدْرِك ‪ ،‬عن أبي زُرْعَة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه { ‪َ :‬ومَا كُ ْنتَ ِبجَا ِنبِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الطّورِ ِإذْ نَادَيْنَا } ‪ ،‬قال ‪ :‬نودوا ‪ :‬يا أمة محمد ‪ ،‬أعطيتكم قبل أن تسألوني ‪ ،‬وأجبتكم قبل أن‬
‫تدعوني‪.‬‬
‫وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث جماعة ‪ ،‬عن حمزة ‪ -‬وهو ابن حبيب الزيات‬
‫‪ -‬عن العمش‪ .‬ورواه ابن جرير من حديث وكيع ويحيى بن عيسى ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن علي‬
‫بن مُدْرِك ‪ ،‬عن أبي زُرْعَة ‪ -‬وهو ابن عمرو بن جرير (‪ - )2‬أنه قال ذلك من كلمه ‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقال مُقاتِل بن حَيّان ‪َ { :‬ومَا كُ ْنتَ ِبجَا ِنبِ الطّورِ إِذْ نَادَيْنَا } ‪ :‬أمتك في أصلب آبائهم أن يؤمنوا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الغيب" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )20/51‬والذي فيه من طريق سفيان ويحيى بن عيسى‪.‬‬

‫( ‪)6/240‬‬

‫حقّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا َلوْلَا أُو ِتيَ مِ ْثلَ مَا أُو ِتيَ مُوسَى َأوَلَمْ َي ْكفُرُوا ِبمَا أُو ِتيَ مُوسَى مِنْ‬
‫فََلمّا جَاءَهُمُ الْ َ‬
‫قَ ْبلُ قَالُوا سِحْرَانِ َتظَاهَرَا َوقَالُوا إِنّا ِب ُكلّ كَافِرُونَ (‪ُ )48‬قلْ فَأْتُوا ِبكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ُهوَ أَ ْهدَى‬
‫ضلّ ِممّنِ‬
‫مِ ْن ُهمَا أَتّ ِب ْعهُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ )49‬فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا َلكَ فَاعَْلمْ أَ ّنمَا يَتّ ِبعُونَ أَ ْهوَاءَ ُه ْم َومَنْ َأ َ‬
‫اتّبَعَ َهوَاهُ ِبغَيْرِ هُدًى مِنَ اللّهِ إِنّ اللّهَ لَا َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪)50‬‬

‫بك إذا بعثت‪.‬‬


‫وقال قتادة ‪َ { :‬ومَا كُ ْنتَ بِجَا ِنبِ الطّورِ ِإذْ نَادَيْنَا } موسى‪ .‬وهذا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أشبه بقوله تعالى ‪:‬‬
‫{ َومَا كُ ْنتَ بِجَا ِنبِ ا ْلغَرْ ِبيّ إِذْ َقضَيْنَا إِلَى مُوسَى المْرَ }‪.‬‬
‫ثم أخبر هاهنا بصيغة أخرى أخص من ذلك ‪ ،‬وهو النداء ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَِإذْ نَادَى رَ ّبكَ‬
‫طوًى } [ النازعات ‪، ] 16 :‬‬
‫مُوسَى } [ الشعراء ‪ ، ] 10 :‬وقال ‪ { :‬إِذْ نَادَاهُ رَبّهُ بِا ْلوَادِ ا ْل ُمقَدّسِ ُ‬
‫وقال ‪ { :‬وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَا ِنبِ الطّورِ ال ْيمَنِ َوقَرّبْنَاهُ َنجِيّا } [ مريم ‪.] 52 :‬‬
‫ح َمةً مِنْ رَ ّبكَ } أي ‪ :‬ما كنت مشاهدًا لشيء من ذلك ‪ ،‬ولكن ال أوحاه إليك‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلكِنْ رَ ْ‬
‫وأخبرك به ‪ ،‬رحمة منه لك وبالعباد بإرسالك إليهم ‪ { ،‬لِتُنْذِرَ َق ْومًا مَا أَتَا ُهمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبِْلكَ‬
‫َلعَّلهُمْ يَ َت َذكّرُونَ } أي ‪ :‬لعلهم يهتدون بما جئتهم به من ال عز وجل‪.‬‬
‫{ وََلوْل أَنْ ُتصِي َبهُمْ ُمصِيبَةٌ ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِي ِهمْ فَ َيقُولُوا رَبّنَا َلوْل أَرْسَ ْلتَ إِلَيْنَا َرسُول فَنَتّبِعَ آيَا ِتكَ‬
‫وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬وأرسلناك إليهم لتقيم عليهم الحجة ولتقطع عذرهم إذا جاءهم عذاب‬
‫من ال بكفرهم ‪ ،‬فيحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول ول نذير ‪ ،‬كما قال تعالى بعد ذكره إنزال كتابه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المبارك وهو القرآن ‪ { :‬أَنْ َتقُولُوا (‪ )1‬إِ ّنمَا أُنزلَ ا ْلكِتَابُ عَلَى طَا ِئفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنّا عَنْ‬
‫دِرَاسَ ِتهِمْ َلغَافِلِينَ َأوْ َتقُولُوا َلوْ أَنّا أُنزلَ عَلَيْنَا ا ْلكِتَابُ َلكُنّا َأهْدَى مِ ْنهُمْ َفقَدْ جَا َءكُمْ بَيّنَةٌ مِنْ رَ ّبكُمْ‬
‫ن َومُنْذِرِينَ لِئَل َيكُونَ لِلنّاسِ‬
‫حمَةٌ } [ النعام ‪ ، ] 157 ، 156 :‬وقال ‪ُ { :‬رسُل مُبَشّرِي َ‬
‫وَهُدًى وَرَ ْ‬
‫سلِ } [ النساء ‪ ، ] 165 :‬وقال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ قَدْ جَا َءكُمْ رَسُولُنَا‬
‫عَلَى اللّهِ حُجّةٌ َبعْدَ الرّ ُ‬
‫سلِ أَنْ َتقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِي ٍر وَل نَذِيرٍ َفقَدْ جَا َء ُكمْ بَشِي ٌر وَنَذِي ٌر وَاللّهُ‬
‫يُبَيّنُ َلكُمْ عَلَى فَتْ َرةٍ مِنَ الرّ ُ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ } [ المائدة ‪ ، ] 19 :‬واليات في هذا كثيرة [وال أعلم] (‪.)2‬‬
‫عَلَى ُكلّ َ‬
‫{ فََلمّا جَاءَ ُهمُ ا ْلحَقّ مِنْ عِ ْندِنَا قَالُوا َلوْل أُو ِتيَ مِ ْثلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى َأوَلَمْ َي ْكفُرُوا ِبمَا أُو ِتيَ مُوسَى مِنْ‬
‫قَ ْبلُ قَالُوا سِحْرَانِ َتظَاهَرَا َوقَالُوا إِنّا ِب ُكلّ كَافِرُونَ (‪ُ )48‬قلْ فَأْتُوا ِبكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ُهوَ أَ ْهدَى‬
‫ضلّ ِممّنَ‬
‫مِ ْن ُهمَا أَتّ ِب ْعهُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ )49‬فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا َلكَ فَاعَْلمْ أَ ّنمَا يَتّ ِبعُونَ أَ ْهوَاءَ ُه ْم َومَنْ َأ َ‬
‫اتّبَعَ َهوَاهُ ِبغَيْرِ هُدًى مِنَ اللّهِ إِنّ اللّ َه ل َي ْهدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪} )50‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يقولوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/241‬‬

‫وَلَقَدْ وَصّلْنَا َل ُهمُ ا ْل َقوْلَ َلعَّلهُمْ يَ َت َذكّرُونَ (‪)51‬‬

‫{ وََلقَ ْد َوصّلْنَا َلهُمُ ا ْل َق ْولَ َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ (‪.} )51‬‬


‫يقول تعالى مخبرًا عن القوم الذين لو عذبهم قبل قيام الحجة عليهم ‪ ،‬لحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول‬
‫‪ :‬إنهم لما جاءهم الحق من عنده على لسان محمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ )1‬قالوا على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)6/241‬‬

‫وجه التعنت والعناد والكفر والجهل واللحاد ‪َ { :‬لوْل أُوتِيَ مِ ْثلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى َأوَلَمْ َي ْكفُرُوا ِبمَا‬
‫أُو ِتيَ مُوسَى مِنْ قَ ْبلُ } ‪ ،‬يعنون ‪ -‬وال أعلم ‪ : -‬من اليات الكثيرة ‪ ،‬مثل العصا واليد ‪،‬‬
‫والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ‪ ،‬وتنقص (‪ )1‬الزروع والثمار ‪ ،‬مما يضيق على‬
‫أعداء ال ‪ ،‬وكفلق البحر ‪ ،‬وتظليل الغمام ‪ ،‬وإنزال المنّ والسلوى ‪ ،‬إلى غير ذلك من اليات‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الباهرة ‪ ،‬والحجج القاهرة ‪ ،‬التي أجراها ال على يدي موسى عليه السلم ‪ ،‬حجة وبراهين له‬
‫على فرعون وملئه وبني إسرائيل ‪ ،‬ومع هذا كله لم ينجع في فرعون وملئه ‪ ،‬بل كفروا بموسى‬
‫عمّا وَجَدْنَا عَلَ ْيهِ آبَاءَنَا وَ َتكُونَ َل ُكمَا ا ْلكِبْرِيَاءُ فِي‬
‫وأخيه هارون ‪ ،‬كما قالوا لهما ‪َ { :‬أجِئْتَنَا لِتَ ْلفِتَنَا َ‬
‫ال ْرضِ َومَا نَحْنُ َل ُكمَا ِب ُمؤْمِنِينَ } [ يونس ‪ ، ] 78 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬فكَذّبُو ُهمَا َفكَانُوا مِنَ‬
‫ا ْل ُمهَْلكِينَ } [ المؤمنون ‪.] 48 :‬ولهذا قال هاهنا ‪َ { :‬أوَلَمْ َي ْكفُرُوا ِبمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪:‬‬
‫أولم يكفر البشر بما أوتي موسى من تلك اليات العظيمة‪ { .‬قَالُوا سِحْرَانِ َتظَاهَرَا ‪ ، } ،‬أي تعاونا‬
‫‪َ { ،‬وقَالُوا إِنّا ِب ُكلّ كَافِرُونَ } أي ‪ :‬بكل منهما كافرون‪ .‬ولشدة التلزم والتصاحب والمقارنة بين‬
‫موسى وهارون ‪ ،‬دلّ ذكر أحدهما على الخر ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫فمَا أدْري إذَا َي ّم ْمتُ أ ْرضًا‪ ...‬أريدُ الخَيْرَ أي ُهمَا يَليني‪...‬‬
‫أي ‪ :‬فما أدري أيليني الخير أو الشر‪ .‬قال مجاهد بن جبر ‪ :‬أمرت اليهود قريشا أن يقولوا لمحمد‬
‫صلى ال عليه وسلم ذلك ‪ ،‬فقال ال ‪َ { :‬أوَلَمْ َيكْفُرُوا ِبمَا أُو ِتيَ مُوسَى مِنْ قَ ْبلُ قَالُوا سِحْرَانِ‬
‫تَظَاهَرَا } قال ‪ :‬يعني موسى وهارون صلى ال عليه وسلم (‪ { )2‬تَظَاهَرَا } أي ‪ :‬تعاونا وتناصرا‬
‫وصدق كل منهما الخر‪ .‬وبهذا قال سعيد بن جبير وأبو رَزِين في قوله ‪ { :‬ساحِران } يعنون ‪:‬‬
‫موسى وهارون‪ .‬وهذا قول جيد قَويّ ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال مسلم بن يَسَار ‪ ،‬عن ابن عباس { قَالُوا ساحِرَانِ َتظَاهَرَا } يعني ‪ :‬موسى ومحمدًا ‪ ،‬صلوات‬
‫ال وسلمه عليهما (‪ )3‬وهذا رواية عن الحسن البصري‪.‬‬
‫وقال الحسن وقتادة ‪ :‬يعني ‪ :‬عيسى ومحمدًا ‪ ،‬صلى ال عليهما وسلم ‪ ،‬وهذا فيه بعد ؛ لن عيسى‬
‫لم يجر له ذكر هاهنا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وأما من قرأ { سِحْرَانِ َتظَاهَرَا } ‪ ،‬فقال علي بن أبي طلحة والعوفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬يعنون ‪:‬‬
‫التوراة والقرآن‪ .‬وكذا قال عاصم الجَنَديّ ‪ ،‬والسّ ّديّ ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬قال السدي‬
‫صدّق كل واحد منهما الخر‪.‬‬
‫‪ :‬يعني َ‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬يعنون ‪ :‬التوراة والنجيل‪ .‬وهو رواية عن أبي زرعة ‪ ،‬واختاره ابن جرير (‪.)4‬‬
‫وقال الضحاك وقتادة ‪ :‬النجيل والقرآن‪ .‬وال سبحانه ‪ ،‬أعلم بالصواب‪ .‬والظاهر على قراءة ‪:‬‬
‫{ سِحْرَانِ } أنهم يعنون ‪ :‬التوراة والقرآن ؛ لنه قال بعده ‪ُ { :‬قلْ فَأْتُوا ِبكِتَابٍ مِنْ عِ ْندِ اللّهِ ُهوَ‬
‫أَهْدَى مِ ْن ُهمَا أَتّ ِبعْهُ } ‪ ،‬وكثيرًا ما يقرن ال بين التوراة والقرآن ‪ ،‬كما في قوله تعالى { ُقلْ مَنْ أَنزلَ‬
‫ا ْلكِتَابَ الّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنّاسِ } إلى أن قال ‪ { :‬وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَا َركٌ }‬
‫[ النعام ‪، ] 92 ، 91 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تنقيص"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليهما السلم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬عليهما وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)20/53‬‬

‫( ‪)6/242‬‬

‫الّذِينَ آَتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ ُهمْ بِهِ ُي ْؤمِنُونَ (‪ )52‬وَإِذَا يُتْلَى عَلَ ْيهِمْ قَالُوا َآمَنّا بِهِ إِنّهُ ا ْلحَقّ مِنْ رَبّنَا‬
‫إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ ُمسِْلمِينَ (‪ )53‬أُولَ ِئكَ ُيؤْتَوْنَ َأجْرَهُمْ مَرّتَيْنِ ِبمَا صَبَرُوا وَيَدْ َرءُونَ بِالْحَسَ َنةِ السّيّ َئةَ‬
‫عمَاُلكُمْ سَلَامٌ‬
‫عمَالُنَا وََلكُمْ أَ ْ‬
‫س ِمعُوا الّل ْغوَ أَعْ َرضُوا عَنْ ُه َوقَالُوا لَنَا أَ ْ‬
‫َو ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْنفِقُونَ (‪ )54‬وَإِذَا َ‬
‫عَلَ ْيكُمْ لَا نَبْ َتغِي ا ْلجَاهِلِينَ (‪)55‬‬

‫حسَنَ } ‪ ،‬إلى أن قال ‪ { :‬وَهَذَا‬


‫وقال في آخر السورة ‪ { :‬ثُمّ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ َتمَامًا عَلَى الّذِي أَ ْ‬
‫حمُونَ } [ النعام ‪ ، ] 155 :‬وقالت الجن ‪ { :‬إِنّا‬
‫كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَا َركٌ فَاتّ ِبعُو ُه وَا ّتقُوا َلعَّلكُمْ تُرْ َ‬
‫س ِمعْنَا كِتَابًا أُنزلَ مِنْ َبعْدِ مُوسَى [ ُمصَ ّدقًا ِلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ] } [ الحقاف ‪ )1( ] 30 :‬وقال ورقة بن‬
‫َ‬
‫نوفل ‪ :‬هذا الناموس الذي أنزل [ال] (‪ )2‬على موسى‪ .‬وقد علم بالضرورة لذوي اللباب أن ال‬
‫لم ينزل كتابًا من السماء فيما أنزل من الكتب المتعددة على أنبيائه أكمل ول أشمل ول أفصح ول‬
‫أعظم ول أشرف من الكتاب الذي أنزل على محمد صلى ال عليه وسلم (‪ ، )3‬وهو القرآن ‪،‬‬
‫وبعده في الشرف والعظمة الكتاب الذي أنزله على موسى بن عمران ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وهو‬
‫حكُمُ ِبهَا النّبِيّونَ الّذِينَ‬
‫التوراة التي قال ال تعالى فيها ‪ { :‬إِنّا أَنزلْنَا ال ّتوْرَاةَ فِيهَا ُهدًى وَنُورٌ َي ْ‬
‫شهَدَاءَ }‬
‫حفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللّ ِه َوكَانُوا عَلَيْهِ ُ‬
‫ن وَالحْبَارُ ِبمَا اسْ ُت ْ‬
‫أَسَْلمُوا لِلّذِينَ هَادُوا وَالرّبّانِيّو َ‬
‫[ المائدة ‪ .] 44 :‬والنجيل إنما نزل متمما للتوراة ومُحل لبعض ما حُرّم على بني إسرائيل‪.‬‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ فَأْتُوا ِبكِتَابٍ مِنْ عِ ْندِ اللّهِ ُهوَ أَهْدَى مِ ْن ُهمَا أَتّ ِبعْهُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ } أي ‪:‬‬
‫فيما تدافعون به الحق وتعارضون به من الباطل‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا َلكَ } أي ‪ :‬فإن لم يجيبوك عما قلت لهم ولم يتبعوا الحق‬
‫ضلّ ِممّنَ اتّبَعَ َهوَاهُ ِبغَيْرِ هُدًى مِنَ‬
‫{ فَاعَْلمْ أَ ّنمَا يَتّ ِبعُونَ أَ ْهوَاءَ ُهمْ } أي ‪ :‬بل دليل ول حجة { َومَنْ َأ َ‬
‫اللّهِ } أي ‪ :‬بغير حجة مأخوذة من كتاب ال ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ الظّاِلمِينَ }‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَ ْد َوصّلْنَا َلهُمُ ا ْل َق ْولَ } قال مجاهد ‪ :‬فصلنا لهم القول‪ .‬وقال السدي ‪ :‬بينا لهم القول‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬يقول تعالى ‪ :‬أخبَرَهم كيف صُنع ِبمَنْ مضى وكيف هو صانع ‪َ { ،‬لعَّلهُمْ يَ َت َذكّرُونَ }‪.‬‬
‫قال مجاهد وغيره ‪َ { :‬وصّلْنَا َلهُمُ } يعني ‪ :‬قريشا‪ .‬وهذا هو الظاهر ‪ ،‬لكن قال حماد بن سلمة ‪،‬‬
‫ج ْعدَة ‪ ،‬عن رفاعة ‪ -‬رفاعة هذا هو ابن قَ َرظَة القُرَظيّ ‪،‬‬
‫عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن يحيى بن َ‬
‫وجعله ابن منده ‪ :‬رفاعة بن سموال ‪ ،‬خال صفية بنت حيي ‪ ،‬وهو الذي طلق تميمة بنت وهب‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫التي تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير بن باطا ‪ ،‬كذا ذكره ابن الثير (‪ - )4‬قال ‪ :‬نزلت‬
‫{ وََلقَ ْد َوصّلْنَا َلهُمُ ا ْل َق ْولَ } في عشرة أنا أحدهم‪ .‬رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديثه (‪.)5‬‬
‫حقّ مِنْ‬
‫{ الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ ِبهِ ُي ْؤمِنُونَ (‪ )52‬وَإِذَا يُتْلَى عَلَ ْيهِمْ قَالُوا آمَنّا ِبهِ إِنّهُ الْ َ‬
‫رَبّنَا إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسِْلمِينَ (‪ )53‬أُولَ ِئكَ ُيؤْتَوْنَ َأجْرَهُمْ مَرّتَيْنِ ِبمَا صَبَرُوا وَيَدْ َرءُونَ بِالْحَسَ َنةِ‬
‫عمَاُلكُمْ‬
‫عمَالُنَا وََلكُمْ أَ ْ‬
‫س ِمعُوا الّل ْغوَ أَعْ َرضُوا عَنْ ُه َوقَالُوا لَنَا أَ ْ‬
‫السّيّ َئ َة َو ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْنفِقُونَ (‪ )54‬وَإِذَا َ‬
‫سَلمٌ عَلَ ْيكُمْ ل نَبْ َتغِي الْجَاهِلِينَ (‪.} )55‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلوات ال وسلمه عليه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬أسد الغابة لبن الثير (‪.)2/228‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪ )20/56‬ورواه اللطبراني في المعجم الكبير (‪ )5/53‬من طريق حماد بن‬
‫سلمة به‪.‬‬

‫( ‪)6/243‬‬

‫يخبر تعالى عن العلماء الولياء (‪ )1‬من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالقرآن ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫{ الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ا ْلكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقّ تِلوَتِهِ أُولَ ِئكَ ُي ْؤمِنُونَ بِهِ } [ البقرة ‪ ، ] 121 :‬وقال ‪ { :‬وَإِنّ مِنْ‬
‫شعِينَ لِلّهِ } [ آل عمران ‪، ] 199 :‬‬
‫أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ َلمَنْ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه َومَا أُنزلَ إِلَ ْيكُ ْم َومَا أُنزلَ إِلَ ْيهِمْ خَا ِ‬
‫وقال ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَ ْي ِهمْ يَخِرّونَ لِل ْذقَانِ سُجّدًا * وَ َيقُولُونَ سُ ْبحَانَ‬
‫ن وَعْدُ رَبّنَا َلمَ ْفعُول } [ السراء ‪ ، ] 108 ، 107 :‬وقال ‪ { :‬وَلَ َتجِدَنّ َأقْرَ َب ُهمْ َموَ ّدةً‬
‫رَبّنَا إِنْ كَا َ‬
‫س ِمعُوا‬
‫ن وَرُهْبَانًا وَأَ ّنهُمْ ل يَسْ َتكْبِرُونَ‪ .‬وَإِذَا َ‬
‫لِلّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ قَالُوا إِنّا َنصَارَى ذَِلكَ بِأَنّ مِ ْنهُمْ قِسّيسِي َ‬
‫مَا أُنزلَ إِلَى الرّسُولِ تَرَى أَعْيُ َنهُمْ َتفِيضُ مِنَ ال ّدمْعِ ِممّا عَ َرفُوا مِنَ ا ْلحَقّ َيقُولُونَ رَبّنَا آمَنّا فَاكْتُبْنَا‬
‫مَعَ الشّاهِدِينَ } [ المائدة ‪.] 83 ، 82 :‬‬
‫قال سعيد بن جبير ‪ :‬نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشي ‪ ،‬فلما قدموا على النبي صلى‬
‫حكِيمِ } حتى ختمها ‪ ،‬فجعلوا يبكون وأسلموا ‪،‬‬
‫ال عليه وسلم قرأ عليهم ‪ { :‬يس‪ .‬وَالْقُرْآنِ الْ َ‬
‫ونزلت فيهم هذه الية الخرى ‪ { :‬الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلهِ هُمْ بِهِ ُي ْؤمِنُونَ‪ .‬وَإِذَا يُتْلَى عَلَ ْيهِمْ‬
‫قَالُوا آمَنّا بِهِ إِنّهُ ا ْلحَقّ مِنْ رَبّنَا إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ ُمسِْلمِينَ } يعني ‪ :‬من قبل هذا القرآن كنا مسلمين ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬موحدين مخلصين ل مستجيبين له‪.‬‬
‫قال ال ‪ { :‬أُولَ ِئكَ ُيؤْ َتوْنَ أَجْرَ ُهمْ مَرّتَيْنِ ِبمَا صَبَرُوا } أي ‪ :‬هؤلء المتصفون بهذه الصفة الذين‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫آمنوا بالكتاب الول ثم بالثاني [يؤتون أجرهم مرتين بإيمانهم بالرسول الول ثم بالثاني] (‪ )2‬؛‬
‫ولهذا قال ‪ِ { :‬بمَا صَبَرُوا } أي ‪ :‬على اتباع الحق ؛ فإنّ تجشّم مثل هذا شديد على النفوس‪ .‬وقد‬
‫ورد في الصحيحين من حديث عامر الشعبي ‪ ،‬عن أبي بُرْ َدةَ ‪ ،‬عن أبي موسى الشعري ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ثلثة يُؤتَونَ أجْرهم مَرّتَين ‪ :‬رجل من‬
‫أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي ‪ ،‬وعبد مملوك أدى حق ال وحق مواليه ‪ ،‬ورَجُل كانت له أمَة‬
‫فأدّبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها فتزوّجها" (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن إسحاق السّيلَحيني ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن سليمان (‪ )4‬بن عبد‬
‫الرحمن ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬إني لتحتَ راحلة رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم‬
‫الفتح ‪ ،‬فقال قول حسنًا جميل وقال فيما قال ‪" :‬مَنْ أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين ‪ ،‬وله‬
‫ما لنا وعليه ما علينا ‪[ ،‬ومَنْ أسلم من المشركين ‪ ،‬فله أجره ‪ ،‬وله ما لنا وعليه ما علينا] " (‪( )5‬‬
‫‪.)6‬‬
‫حسَنَةِ السّيّئَةَ } أي ‪ :‬ل يقابلون السيئ (‪ )7‬بمثله ‪ ،‬ولكن يعفون ويصفحون‪{ .‬‬
‫وقوله { وَيَدْ َرؤُونَ بِالْ َ‬
‫َو ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْنفِقُونَ } أي ‪ :‬ومن الذي رزقهم من الحلل ينفقون على خَلْق ال في النفقات‬
‫الواجبة لهلهم وأقاربهم ‪ ،‬والزكاة المفروضة والمستحبة من التطوعات ‪ ،‬وصدقات النفل‬
‫والقربات‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬اللباء" وفي أ ‪" :‬اللباب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )97‬وصحيح مسلم برقم (‪.)154‬‬
‫(‪ )4‬في ‪ ،‬أ ‪" :‬سليم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسند أحمد‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)5/259‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يقابلون على السيئ"‪.‬‬

‫( ‪)6/244‬‬

‫ت وََلكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَنْ َيشَا ُء وَ ُهوَ أَعَْلمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ (‪َ )56‬وقَالُوا إِنْ نَتّبِعِ ا ْلهُدَى‬
‫إِ ّنكَ لَا َتهْدِي مَنْ َأحْبَ ْب َ‬
‫شيْءٍ رِ ْزقًا مِنْ لَدُنّا وََلكِنّ‬
‫طفْ مِنْ أَ ْرضِنَا َأوَلَمْ ُن َمكّنْ َل ُهمْ حَ َرمًا َآمِنًا يُجْبَى إِلَ ْيهِ َثمَرَاتُ ُكلّ َ‬
‫َم َعكَ نُ َتخَ ّ‬
‫َأكْثَرَهُمْ لَا َيعَْلمُونَ (‪)57‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫س ِمعُوا الّل ْغوَ أَعْ َرضُوا عَ ْنهُ } أي ‪ :‬ل يخالطون أهله ول يعاشرونهم ‪ ،‬بل كما قال‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذَا َ‬
‫تعالى ‪ { :‬وَإِذَا مَرّوا بِالّل ْغوِ مَرّوا كِرَامًا } [ ‪0‬الفرقان ‪.] 72 :‬‬
‫عمَاُلكُمْ سَلمٌ عَلَ ْيكُمْ ل نَبْ َتغِي الْجَا ِهلِينَ } أي ‪ :‬إذا سَفه عليهم سَفيه ‪،‬‬
‫عمَالُنَا وََلكُمْ أَ ْ‬
‫{ َوقَالُوا لَنَا أَ ْ‬
‫وكلمهم بما ل يَليقُ بهم الجوابُ عنه ‪ ،‬أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله من الكلم القبيح ‪ ،‬ول‬
‫عمَاُلكُمْ سَلمٌ عَلَ ْي ُكمْ‬
‫عمَالُنَا وََلكُمْ أَ ْ‬
‫يصدر عنهم إل كلم طيب‪ .‬ولهذا قال عنهم ‪ :‬إنهم قالوا ‪ { :‬لَنَا أَ ْ‬
‫ل نَبْ َتغِي ا ْلجَاهِلِينَ } أي ‪ :‬ل نُريد طَريق الجاهلين ول نُحبّها‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق في السيرة ‪ :‬ثم قدم على رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو بمكة عشرون‬
‫رجل أو قريب من ذلك ‪ ،‬من النصارى ‪ ،‬حين (‪ )1‬بلغهم خبره من الحبشة‪ .‬فوجدوه في المسجد ‪،‬‬
‫فجلسوا إليه وكلموه وساءلوه ‪ -‬ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة ‪ -‬فلما فرغوا من‬
‫مساءلة رسول ال عما أرادوا ‪ ،‬دعاهم إلى ال وتل عليهم القرآن ‪ ،‬فلما سمعوا القرآن فاضت‬
‫أعينهم من الدمع ‪ ،‬ثم استجابوا ل وآمنوا به وصدقوه ‪ ،‬وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في‬
‫كتابهم من أمره‪ .‬فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش ‪ ،‬فقالوا (‪ )2‬لهم‬
‫ن ركب‪ .‬بعثكم مَنْ وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم (‪ )3‬بخبر الرجل ‪،‬‬
‫‪ :‬خَيّ َبكُم ال مِ ْ‬
‫فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال ؛ ما نعلم ركبًا أحمق منكم‪ .‬أو‬
‫كما قالوا لهم‪ .‬فقالوا [لهم] (‪ )4‬سلم عليكم ‪ ،‬ل نجاهلكم ‪ ،‬لنا ما نحن عليه ‪ ،‬ولكم ما أنتم عليه ‪،‬‬
‫لم نَألُ أنفسَنا خيرًا (‪.)5‬‬
‫قال ‪ :‬ويقال ‪ :‬إن النفر النصارى من أهل نجران ‪ ،‬فال أعلم أيّ ذلك كان (‪.)6‬‬
‫قال ‪ :‬ويقال ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬إن فيهم نزلت هذه اليات ‪ { :‬الّذِينَ آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ ُهمْ بِهِ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ } إلى قوله ‪ { :‬ل نَبْ َتغِي الْجَاهِلِينَ }‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقد سألت الزهري عن هذه اليات فيمن أنزلْن (‪ ، )7‬قال ‪ :‬ما زلتُ أسمع من علمائنا أنهن‬
‫أنزلهن (‪ )8‬في النجاشي وأصحابه ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬واليات التي (‪ )9‬في سورة المائدة ‪:‬‬
‫ن وَرُهْبَانًا } إلى قوله ‪ { :‬فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّا ِهدِينَ } [ المائدة ‪] 83 ، 82 :‬‬
‫{ ذَِلكَ بِأَنّ مِ ْنهُمْ قِسّيسِي َ‬
‫ت وََلكِنّ اللّهَ َي ْهدِي مَنْ يَشَا ُء وَ ُهوَ أَعَْلمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ (‪َ )56‬وقَالُوا إِنْ نَتّبِعِ‬
‫{ إِ ّنكَ ل َتهْدِي مَنْ َأحْبَ ْب َ‬
‫شيْءٍ رِ ْزقًا مِنْ‬
‫طفْ مِنْ أَ ْرضِنَا َأوَلَمْ ُن َمكّنْ َلهُمْ حَ َرمًا آمِنًا ُيجْبَى إِلَيْهِ َثمَرَاتُ ُكلّ َ‬
‫خّ‬‫ا ْلهُدَى َم َعكَ نُتَ َ‬
‫لَدُنّا وََلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ ل َيعَْلمُونَ (‪.} )57‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬حتى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فتأتونهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/392‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬كما"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬نزلت" وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬نزلن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬نزلن"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬اللتي"‪.‬‬

‫( ‪)6/245‬‬

‫يقول تعالى لرسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ :‬إنك يا محمد { إِ ّنكَ ل َتهْدِي مَنْ َأحْبَ ْبتَ } أي ‪:‬‬
‫ليس إليك ذلك ‪ ،‬إنما عليك البلغ ‪ ،‬وال يهدي من يشاء ‪ ،‬وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬ليس عليك هداهم ولكن ال يهدي من يشاء } [ البقرة ‪ ، ] 272 :‬وقال ‪َ { :‬ومَا‬
‫صتَ ِب ُم ْؤمِنِينَ } [ يوسف ‪.] 103 :‬‬
‫س وََلوْ حَ َر ْ‬
‫َأكْثَرُ النّا ِ‬
‫وهذه الية أخص من هذا كله ؛ فإنه قال ‪ { :‬إِ ّنكَ ل َتهْدِي مَنْ َأحْبَ ْبتَ وََلكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَنْ َيشَاءُ‬
‫وَ ُهوَ أَعْلَمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ } أي ‪ :‬هو أعلم ِبمَنْ يستحق الهداية ِبمَنْ يستحق ال ِغوَاية ‪ ،‬وقد ثبت في‬
‫الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عَمّ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد كان يَحوطُه‬
‫وينصره ‪ ،‬ويقوم في صفه ويحبه حبّا [شديدا] (‪ )1‬طبعيّا ل شرعيّا ‪ ،‬فلما حضرته الوفاة وحان‬
‫أجله ‪ ،‬دعاه رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى اليمان والدخول في السلم ‪ ،‬فسبق القدر فيه ‪،‬‬
‫واختطف من يده ‪ ،‬فاستمر على ما كان عليه من الكفر ‪ ،‬ول الحكمة (‪ )2‬التامة‪.‬‬
‫قال الزهري ‪ :‬حدثني سعيد بن المسَيّب ‪ ،‬عن أبيه ‪ -‬وهو المسيب بن حَزْن المخزومي ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ -‬قال ‪ :‬لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فوجد عنده‬
‫أبا جهل بن هشام ‪ ،‬وعبد ال بن أبي أمية بن المغيرة‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا‬
‫عم ‪ ،‬قل ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬كلمة أشهد لك بها عند ال"‪ .‬فقال أبو جهل وعبد ال بن أبي أمية ‪ :‬يا‬
‫أبا طالب ‪ ،‬أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول ال صلى ال عليه وسلم يعرضها عليه‬
‫‪ ،‬ويعودان له بتلك المقالة ‪ ،‬حتى قال آخر ما قال ‪ :‬هو على ملة عبد المطلب‪ .‬وأبى أن يقول ‪ :‬ل‬
‫إله إل ال‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أما لستغفرن لك ما لم أنه عنك"‪ .‬فأنزل ال‬
‫ن وََلوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى } [ التوبة ‪:‬‬
‫عز وجل ‪ { :‬مَا كَانَ لِلنّ ِبيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ َيسْ َتغْفِرُوا لِ ْلمُشْ ِركِي َ‬
‫‪ ، ] 113‬بوأنزل في أبي طالب ‪ { :‬إِ ّنكَ ل َتهْدِي مَنْ َأحْبَ ْبتَ وََلكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَنْ َيشَاءُ }‪.‬‬
‫أخرجاه (‪ )3‬من حديث الزهري (‪ .)4‬وهكذا رواه (‪ )5‬مسلم في صحيحه ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬من حديث‬
‫حضَ َرتْ وفاةُ أبي طالب أتاه رسولُ‬
‫يزيد بن كَ ْيسَان ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هُرَيْ َرةَ قال ‪ :‬لما َ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬يا عماه ‪ ،‬قل ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬أشهد لك بها يوم القيامة"‪ .‬فقال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لول أن ُتعَيّرني (‪ )6‬بها قريش ‪ ،‬يقولون ‪ :‬ما حمله عليه إل جَزَع الموت ‪ ،‬لقرَ ْرتُ بها عينَك ‪،‬‬
‫ل أقولها إل لقرّ بها عينك‪ .‬فأنزل ال ‪ { :‬إِ ّنكَ ل َتهْدِي مَنْ َأحْبَ ْبتَ وََلكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَنْ َيشَا ُء وَ ُهوَ‬
‫أَعْلَمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ }‪ .‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب (‪ ، )7‬ل نعرفه إل من حديث يزيد بن كيسان (‬
‫‪.)8‬‬
‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد القَطّان ‪ ،‬عن يزيد بن كيسان ‪ ،‬حدثني أبو حازم ‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬فذكره بنحوه (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الحجة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬البخاري ومسلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )1360‬وصحيح مسلم برقم (‪.)24‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬يعيرني"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬رواه الترمذي وقال ‪ :‬حسن صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم رقم (‪ )25‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3188‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)2/434‬‬

‫( ‪)6/246‬‬

‫سكَنْ مِنْ َب ْعدِهِمْ إِلّا قَلِيلًا َوكُنّا نَحْنُ ا ْلوَارِثِينَ‬


‫َوكَمْ أَهَْلكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِ َرتْ َمعِيشَ َتهَا فَتِ ْلكَ مَسَاكِ ُنهُمْ َلمْ تُ ْ‬
‫(‪َ )58‬ومَا كَانَ رَ ّبكَ ُمهِْلكَ ا ْلقُرَى حَتّى يَ ْب َعثَ فِي ُأ ّمهَا َرسُولًا يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آَيَاتِنَا َومَا كُنّا ُمهِْلكِي‬
‫ا ْلقُرَى ِإلّا وَأَهُْلهَا ظَاِلمُونَ (‪)59‬‬

‫وهكذا قال ابن عباس ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬إنها نزلت في أبي طالب حين‬
‫عَ َرضَ عليه رسولُ ال صلى ال عليه وسلم أن يقول ‪" :‬ل إله إل ال" فأبى عليه ذلك ‪ ،‬وقال ‪( :‬‬
‫‪ )1‬أيْ ابن أخي ‪ ،‬ملةَ الشياخ‪ .‬وكان آخر ما قال ‪ :‬هو على ملة عبد المطلب‪.‬‬
‫وقال (‪ )2‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو سلمة ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن‬
‫عثمان بن خُثَيْم (‪ ، )3‬عن سعيد بن أبي راشد قال ‪ :‬كان رسول قيصر جاء (‪ )4‬إليّ قال ‪ :‬كتب‬
‫معي قيصر إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم كتابًا ‪ ،‬فأتيته فدفعت الكتاب ‪ ،‬فوضعه في‬
‫حجره ‪ ،‬ثم قال ‪ِ " :‬ممّنْ الرجل ؟" قلت ‪ :‬من تنوخ (‪ .)5‬قال ‪" :‬هل لك في دين أبيك إبراهيم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الحنيفية ؟" قلت ‪ :‬إني رسول قوم ‪ ،‬وعلى دينهم حتى أرجع إليهم‪ .‬فضحك رسول ال صلى ال‬
‫ت وََلكِنّ اللّهَ َي ْهدِي مَنْ يَشَاءُ }‬
‫عليه وسلم ونظر إلى أصحابه وقال (‪ { : )6‬إِ ّنكَ ل َت ْهدِي مَنْ أَحْبَ ْب َ‬
‫(‪.)7‬‬
‫طفْ مِنْ أَ ْرضِنَا } ‪[ :‬يقول تعالى مخبرًا عن اعتذار‬
‫خّ‬‫وقوله ‪َ { :‬وقَالُوا إِنْ نَتّبِعِ ا ْلهُدَى َم َعكَ نُتَ َ‬
‫بعض الكفار في عدم اتباع (‪ )8‬الهدى حيث قالوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إِنْ نَتّبِعِ‬
‫طفْ مِنْ أَ ْرضِنَا } ] (‪ )9‬أي ‪ :‬نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى ‪ ،‬وخالفنا مَنْ‬
‫خّ‬‫ا ْلهُدَى َم َعكَ نُتَ َ‬
‫حولنا من أحياء العرب المشركين ‪ ،‬أن يقصدونا بالذى والمحاربة ‪ ،‬ويتخطفونا أينما كنا ‪ ،‬فقال‬
‫ال تعالى مجيبا لهم ‪َ { :‬أوَلَمْ ُن َمكّنْ َل ُهمْ حَ َرمًا آمِنًا } يعني ‪ :‬هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل ؛‬
‫لن ال جعلهم في بلد أمين ‪ ،‬وحَرَم معظم آمن منذ وُضع ‪ ،‬فكيف يكون هذا الحرم آمنًا في حال‬
‫كفرهم وشركهم ‪ ،‬ول يكون آمنًا لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق ؟‪.‬‬
‫شيْءٍ } أي ‪ :‬من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره ‪،‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬يجْبَى إِلَيْهِ َثمَرَاتُ ُكلّ َ‬
‫وكذلك المتاجر والمتعة { رِ ْزقًا مِنْ لَدُنّا } أي ‪ :‬من عندنا { وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ } فلهذا قالوا‬
‫ما قالوا‪.‬‬
‫وقد قال (‪ )10‬النسائي ‪ :‬أنبأنا الحسن بن محمد ‪ ،‬حدثنا الحجاج ‪ ،‬عن ابن جُرَيْج ‪ ،‬أخبرني ابن‬
‫أبي مُلَيْكة قال ‪ :‬قال عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬ولم يسمعه منه ‪ : -‬أن الحارث بن‬
‫طفْ مِنْ أَ ْرضِنَا } (‪.)11‬‬
‫عامر بن نوفل الذي قال ‪ { :‬إِنْ نَتّبِعِ ا ْلهُدَى َم َعكَ نُ َتخَ ّ‬
‫سكَنْ مِنْ َبعْدِ ِهمْ إِل قَلِيل َوكُنّا نَحْنُ‬
‫{ َوكَمْ َأهَْلكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ َبطِ َرتْ َمعِيشَ َتهَا فَتِ ْلكَ مَسَاكِ ُنهُمْ لَمْ تُ ْ‬
‫ا ْلوَارِثِينَ (‪َ )58‬ومَا كَانَ رَ ّبكَ ُمهِْلكَ ا ْلقُرَى حَتّى يَ ْب َعثَ فِي ُأ ّمهَا َرسُول يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَاتِنَا َومَا كُنّا‬
‫ُمهِْلكِي ا ْلقُرَى إِل وَأَهُْلهَا ظَاِلمُونَ (‪.} )59‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬جارا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪" :‬تيرح" والمثبت من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه أحمد في المسند (‪ )3/441‬من طريق حماد بن سلمة بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬اتباعهم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وقد روى"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )11‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11385‬‬

‫( ‪)6/247‬‬

‫يقول تعالى ُمعَ ّرضًا بأهل مكة في قوله ‪َ { :‬وكَمْ أَهَْلكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِ َرتْ َمعِيشَ َتهَا } أي ‪ :‬طغت‬
‫وأشرَت وكفرت نعمة ال (‪ ، )1‬فيما أنعم به عليهم من الرزاق ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪:‬‬
‫طمَئِنّةً يَأْتِيهَا رِ ْز ُقهَا رَغَدًا مِنْ ُكلّ َمكَانٍ َف َكفَرَتْ بِأَ ْنعُمِ اللّهِ‬
‫{ َوضَ َربَ اللّهُ مَثَل قَرْيَةً كَا َنتْ آمِنَةً مُ ْ‬
‫خوْفِ ِبمَا كَانُوا َيصْ َنعُونَ‪ .‬وََلقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِ ْن ُهمْ َفكَذّبُوهُ فَأَخَ َذهُمُ‬
‫فَأَذَا َقهَا اللّهُ لِبَاسَ ا ْلجُوعِ وَا ْل َ‬
‫سكَنْ مِنْ َبعْدِ ِهمْ إِل‬
‫ب وَهُمْ ظَاِلمُونَ } [ النحل ‪ ] 113 ، 112‬ولهذا قال ‪ { :‬فَتِ ْلكَ َمسَاكِ ُنهُمْ لَمْ تُ ْ‬
‫ا ْلعَذَا ُ‬
‫قَلِيل } أي ‪ :‬دَثَرت ديارهم فل ترى إل مساكنهم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكُنّا نَحْنُ ا ْلوَارِثِينَ } أي ‪ :‬رجعت خرابًا ليس فيها أحد‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن أبي حاتم [هاهنا] (‪ )2‬عن ابن مسعود أنه سمع كعبًا يقول لعمر ‪ :‬إن سليمان عليه‬
‫السلم (‪ )3‬قال للهامة ‪ -‬يعني البومة ‪ -‬ما لك ل تأكلين الزرع ؟ قالت ‪ :‬لنه أخرج آدم بسببه‬
‫من الجنة‪ .‬قال ‪ :‬فما لك ل تشربين الماء ؟ قالت ‪ :‬لن ال أغرق قوم نوح به‪ .‬قال ‪ :‬فما لك ل‬
‫تأوين إل إلى الخراب ؟ قالت ‪ :‬لنه ميراث ال عز وجل ‪ ،‬ثم تل { َوكُنّا نَحْنُ ا ْلوَارِثِينَ }‪.‬‬
‫ثم قال ال (‪ )4‬مخبرًا عن عدله ‪ ،‬وأنه ل يهلك أحدًا ظالمًا له ‪ ،‬وإنما يهلك من أهلك بعد قيام‬
‫الحجة عليهم ‪ ،‬ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا كَانَ رَ ّبكَ ُمهِْلكَ ا ْلقُرَى حَتّى يَ ْب َعثَ فِي ُأ ّمهَا } وهي مكة { َرسُول‬
‫يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَاتِنَا }‪ .‬فيه دللة على أن النبي المي ‪ ،‬وهو محمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪، )5‬‬
‫المبعوث من أم القرى ‪ ،‬رسول إلى جميع القرى ‪ ،‬من عرب وأعجام ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬لِتُ ْنذِرَ‬
‫حوَْلهَا } [ الشورى ‪ ، ] 7 :‬وقال تعالى ‪ُ { :‬قلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْيكُمْ‬
‫أُمّ ا ْلقُرَى َومَنْ َ‬
‫جمِيعًا } [ العراف ‪ ، ] 158 :‬وقال ‪ { :‬لنْذِ َركُمْ ِب ِه َومَنْ بَلَغَ } [ النعام ‪ ، ] 19 :‬وقال ‪َ { :‬ومَنْ‬
‫َ‬
‫َي ْكفُرْ ِبهِ مِنَ الحْزَابِ فَالنّارُ َموْعِ ُدهُ } [ هود ‪ .] 17 :‬وتمام الدليل [قوله] (‪ { )6‬وَإِنْ مِنْ قَرْ َيةٍ إِل‬
‫سطُورًا } [ السراء ‪:‬‬
‫شدِيدًا كَانَ ذَِلكَ فِي ا ْلكِتَابِ مَ ْ‬
‫عذَابًا َ‬
‫نَحْنُ ُمهِْلكُوهَا قَ ْبلَ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ َأوْ ُمعَذّبُوهَا َ‬
‫‪ .] 58‬فأخبر أنه سيهلك كل قرية قبل يوم القيامة ‪ ،‬وقد قال ‪َ { :‬ومَا كُنّا ُمعَذّبِينَ حَتّى نَ ْب َعثَ َرسُول‬
‫} [ السراء ‪ .] 15 :‬فجعل تعالى بعثة النبي المي شاملة لجميع القرى ؛ لنه مبعوث إلى (‪)7‬‬
‫أمها وأصلها التي ترجع إليها‪ .‬وثبت في الصحيحين عنه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ ، )8‬أنه‬
‫قال ‪" :‬بعثت إلى الحمر والسود"‪ .‬ولهذا ختم به الرسالة والنبوة ‪ ،‬فل نبي بعده ول رسول ‪ ،‬بل‬
‫شرعه باق بقاء الليل والنهار إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بقوله ‪ { :‬حَتّى يَ ْب َعثَ فِي ُأ ّمهَا } أي ‪ :‬أصلها وعظيمتها ‪ ،‬كأمهات الرساتيق‬
‫والقاليم‪ .‬حكاه الزمخشري وابن الجوزيّ ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬وليس ببعيد‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬بنعم ال" وفي أ ‪" :‬نعم ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)6/248‬‬

‫شيْءٍ َفمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَزِينَ ُتهَا َومَا عِ ْندَ اللّهِ خَيْ ٌر وَأَ ْبقَى َأفَلَا َت ْعقِلُونَ (‪َ )60‬أ َفمَنْ‬
‫َومَا أُوتِي ُتمْ مِنْ َ‬
‫حضَرِينَ (‪)61‬‬
‫وَعَدْنَا ُه وَعْدًا حَسَنًا َف ُهوَ لَاقِيهِ َكمَنْ مَ ّتعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا ثُمّ ُهوَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ مِنَ ا ْلمُ ْ‬
‫حقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقَ ْولُ رَبّنَا َهؤُلَاءِ‬
‫عمُونَ (‪ )62‬قَالَ الّذِينَ َ‬
‫وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ فَ َيقُولُ أَيْنَ شُ َركَا ِئيَ الّذِينَ كُنْ ُتمْ تَزْ ُ‬
‫غوَيْنَا تَبَرّأْنَا إِلَ ْيكَ مَا كَانُوا إِيّانَا َيعْبُدُونَ (‪َ )63‬وقِيلَ ادْعُوا شُ َركَا َءكُمْ‬
‫غوَيْنَا ُهمْ َكمَا َ‬
‫غوَيْنَا أَ ْ‬
‫الّذِينَ أَ ْ‬
‫عوْهُمْ فَلَمْ يَسْ َتجِيبُوا َلهُ ْم وَرََأوُا ا ْلعَذَابَ َلوْ أَ ّن ُهمْ كَانُوا َيهْتَدُونَ (‪ )64‬وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا َأجَبْتُمُ‬
‫فَدَ َ‬
‫ع ِملَ‬
‫ن وَ َ‬
‫ب وَ َآمَ َ‬
‫ا ْلمُرْسَلِينَ (‪َ )65‬ف َعمِ َيتْ عَلَ ْيهِمُ الْأَنْبَاءُ َي ْومَئِذٍ َفهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (‪ )66‬فََأمّا مَنْ تَا َ‬
‫صَالِحًا َفعَسَى أَنْ َيكُونَ مِنَ ا ْل ُمفْلِحِينَ (‪)67‬‬

‫شيْءٍ َفمَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَزِينَ ُتهَا َومَا عِنْدَ اللّهِ خَيْ ٌر وَأَ ْبقَى َأفَل َت ْعقِلُونَ (‪َ )60‬أ َفمَنْ‬
‫{ َومَا أُوتِيتُمْ مِنْ َ‬
‫حضَرِينَ (‬
‫وَعَدْنَا ُه وَعْدًا حَسَنًا َف ُه َو لقِيهِ َكمَنْ مَ ّتعْنَاهُ مَتَاعَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ُثمّ ُهوَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ مِنَ ا ْلمُ ْ‬
‫‪.} )61‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن حقارة الدنيا (‪ ، )1‬وما فيها من الزينة الدنيئة والزهرة الفانية بالنسبة إلى‬
‫ما أعده ال لعباده الصالحين في الدار الخرة من النعيم العظيم المقيم ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬مَا عِ ْن َدكُمْ يَ ْنفَدُ‬
‫َومَا عِ ْندَ اللّهِ بَاقٍ } [ النحل ‪ ، ] 96 :‬وقال ‪َ { :‬ومَا عِ ْندَ اللّهِ خَيْرٌ لِلبْرَارِ } [ آل عمران ‪] 198 :‬‬
‫‪ ،‬وقال ‪َ { :‬ومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا فِي الخِ َرةِ إِل مَتَاعٌ } [ الرعد ‪ ، ] 26 :‬وقال ‪َ { :‬بلْ ُتؤْثِرُونَ ا ْلحَيَاةَ‬
‫الدّنْيَا وَالخِ َرةُ خَيْ ٌر وَأَ ْبقَى } [ العلى ‪ ، ] 17 ، 16 :‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"وال ما الدنيا في الخرة ‪ ،‬إل كما َي ْغمِس أحدكم إصبعه في اليم ‪ ،‬فَلْينظُر ماذا يرجع إليه" (‪.)2‬‬
‫[وقوله] (‪َ { : )3‬أفَل َي ْعقِلُونَ } (‪ )4‬أي ‪ :‬أفل يعقل مَنْ يقدم الدنيا على الخرة ؟‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حسَنًا َف ُهوَ لقِيهِ َكمَنْ مَ ّتعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا ثُمّ ُهوَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ مِنَ‬
‫ن وَعَدْنَا ُه وَعْدًا َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬أ َفمَ ْ‬
‫حضَرِينَ } ‪ :‬يقول ‪ :‬أفمن هو مؤمن مصدق بما وعده ال على صالح أعماله من الثواب الذي‬
‫ا ْلمُ ْ‬
‫هو صائر إليه ل محالة ‪ ،‬كمَنْ هو كافر مكذب بلقاء ال ووعده ووعيده ‪ ،‬فهو ممتع في الحياة‬
‫حضَرِينَ } قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬من المعذبين‪.‬‬
‫الدنيا أيامًا قلئل ‪ { ،‬ثُمّ ُهوَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ مِنَ ا ْلمُ ْ‬
‫ثم قد قيل ‪ :‬إنها نزلت في رسول ال صلى ال عليه وسلم وفي أبي جهل‪ .‬وقيل ‪ :‬في حمزة وعلي‬
‫وأبي جهل ‪ ،‬وكلهما عن مجاهد‪ .‬والظاهر أنها عامة ‪ ،‬وهذا كقوله تعالى إخبارا عن ذلك المؤمن‬
‫حين أشرف على صاحبه ‪ ،‬وهو في الدرجات وذاك في الدركات ‪ { :‬وََلوْل ِن ْعمَةُ رَبّي َلكُ ْنتُ مِنَ‬
‫حضَرُونَ }‬
‫حضَرِينَ } [ الصافات ‪ ، ] 57 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ عَِل َمتِ الْجِنّةُ إِ ّنهُمْ َل ُم ْ‬
‫ا ْلمُ ْ‬
‫[ الصافات ‪.] 158 :‬‬
‫علَ ْيهِمُ ا ْل َقوْلُ رَبّنَا‬
‫عمُونَ (‪ )62‬قَالَ الّذِينَ حَقّ َ‬
‫{ وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ فَ َيقُولُ أَيْنَ شُ َركَائِيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تَزْ ُ‬
‫غوَيْنَا تَبَرّأْنَا إِلَ ْيكَ مَا كَانُوا إِيّانَا َيعْبُدُونَ (‪َ )63‬وقِيلَ ادْعُوا‬
‫غوَيْنَا ُهمْ َكمَا َ‬
‫غوَيْنَا أَ ْ‬
‫َهؤُلءِ الّذِينَ أَ ْ‬
‫عوْهُمْ فََلمْ يَسْ َتجِيبُوا َلهُ ْم وَرََأوُا ا ْلعَذَابَ َلوْ أَ ّن ُهمْ كَانُوا َيهْ َتدُونَ (‪ )64‬وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ فَ َيقُولُ‬
‫شُ َركَا َءكُمْ فَدَ َ‬
‫مَاذَا َأجَبْتُمُ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪َ )65‬ف َعمِ َيتْ عَلَ ْي ِهمُ النْبَاءُ َي ْومَئِذٍ َفهُمْ ل يَتَسَاءَلُونَ (‪ )66‬فََأمّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ‬
‫ل صَالِحًا َفعَسَى أَنْ َيكُونَ مِنَ ا ْل ُمفْلِحِينَ (‪.} )67‬‬
‫عمِ َ‬
‫وَ َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عما يوبخ به الكفار المشركين يوم القيامة ‪ ،‬حيث يناديهم فيقول ‪ { :‬أَيْنَ‬
‫عمُونَ }‬
‫شُ َركَائي الّذِينَ كُنْ ُتمْ تَزْ ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬عن الحياة الدنيا وحقارتها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2858‬من حديث المستورد بن شداد رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تعقلون"‪.‬‬

‫( ‪)6/249‬‬

‫يعني ‪ :‬أين اللهة التي كنتم تعبدونها في الدار الدنيا ‪ ،‬من الصنام والنداد ‪ ،‬هل ينصرونكم أو‬
‫ينتصرون ؟ وهذا على سبيل التقريع والتهديد ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وََلقَدْ جِئْ ُتمُونَا فُرَادَى َكمَا خََلقْنَاكُمْ َأ ّولَ‬
‫عمْتُمْ أَ ّن ُهمْ فِيكُمْ شُ َركَاءُ َلقَدْ‬
‫ش َفعَا َءكُمُ الّذِينَ زَ َ‬
‫ظهُو ِركُ ْم َومَا نَرَى َم َعكُمْ ُ‬
‫خوّلْنَاكُ ْم وَرَاءَ ُ‬
‫مَ ّرةٍ وَتَ َركْتُمْ مَا َ‬
‫عمُونَ } [ النعام ‪.] 94 :‬‬
‫ضلّ عَ ْنكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْ ُ‬
‫َتقَطّعَ بَيْ َنكُمْ وَ َ‬
‫حقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقَ ْولُ } يعني ‪ :‬من الشياطين والمَرَدَة والدعاة إلى الكفر ‪ { ،‬رَبّنَا‬
‫وقوله ‪ { :‬قَالَ الّذِينَ َ‬
‫غوَيْنَا تَبَرّأْنَا إِلَ ْيكَ مَا كَانُوا إِيّانَا َيعْبُدُونَ } ‪ ،‬فشهدوا عليهم أنهم‬
‫غوَيْنَا ُهمْ َكمَا َ‬
‫غوَيْنَا أَ ْ‬
‫َهؤُلءِ الّذِينَ أَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أغووهم فاتبعوهم ‪ ،‬ثم تبرؤوا من عبادتهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَاتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آِل َهةً لِ َيكُونُوا‬
‫علَ ْيهِ ْم ضِدّا } [ مريم ‪ ، ] 82 ، 81 :‬وقال ‪َ { :‬ومَنْ‬
‫َلهُمْ عِزّا‪ .‬كَل سَ َيكْفُرُونَ ِبعِبَادَ ِتهِ ْم وَ َيكُونُونَ َ‬
‫ضلّ ِممّنْ َيدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ ل َيسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَا ِئهِمْ غَافِلُونَ‪ .‬وَإِذَا‬
‫َأ َ‬
‫حشِرَ النّاسُ كَانُوا َلهُمْ أَعْدَاءً َوكَانُوا ِبعِبَادَ ِتهِمْ كَافِرِينَ } [ الحقاف ‪ ، ] 6 ، 5 :‬وقال الخليل لقومه‬
‫ُ‬
‫ضكُمْ بِ َب ْعضٍ‬
‫‪ { :‬إِ ّنمَا اتّخَذْ ُتمْ مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْثَانًا َموَ ّدةَ بَيْ ِنكُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ثُمّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْكفُرُ َب ْع ُ‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا َومَ ْأوَاكُمُ النّا ُر َومَا َلكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [ العنكبوت ‪ ، ] 25 :‬وقال ال (‪{ : )1‬‬
‫وَيَ ْلعَنُ َب ْع ُ‬
‫ط َعتْ ِبهِمُ السْبَابُ َوقَالَ الّذِينَ اتّ َبعُوا َلوْ أَنّ‬
‫ب وَتَقَ ّ‬
‫إِذْ تَبَرّأَ الّذِينَ اتّ ِبعُوا مِنَ الّذِينَ اتّ َبعُوا وَرََأوُا ا ْلعَذَا َ‬
‫عمَاَلهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَ ْيهِمْ َومَا ُهمْ ِبخَارِجِينَ مِنَ‬
‫لَنَا كَ ّرةً فَنَتَبَرّأَ مِ ْنهُمْ َكمَا تَبَرّءُوا مِنّا َكذَِلكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَ ْ‬
‫النّارِ } [ البقرة ‪ ، ] 167 ، 166 :‬ولهذا قال ‪َ { :‬وقِيلَ ادْعُوا شُ َركَا َء ُكمْ } [أي] (‪ : )2‬ليخلصوكم‬
‫عوْهُمْ فََلمْ يَسْ َتجِيبُوا َلهُ ْم وَرََأوُا ا ْلعَذَابَ }‬
‫مما أنتم فيه ‪ ،‬كما كنتم ترجون منهم في الدار الدنيا ‪َ { ،‬فدَ َ‬
‫أي ‪ :‬وتيقنوا أنهم صائرون إلى النار ل محالة‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬لوْ أَ ّنهُمْ كَانُوا َيهْ َتدُونَ } أي ‪ :‬فودوا حين عاينوا العذاب لو أنهم كانوا من المهتدين في‬
‫عوْ ُهمْ فَلَمْ َيسْتَجِيبُوا‬
‫عمْتُمْ فَدَ َ‬
‫الدار الدنيا‪ .‬وهذا كقوله تعالى ‪ { :‬وَ َيوْمَ َيقُولُ نَادُوا شُ َركَا ِئيَ الّذِينَ زَ َ‬
‫جدُوا عَ ْنهَا َمصْ ِرفًا }‬
‫جعَلْنَا بَيْ َن ُهمْ َموْبِقًا‪ .‬وَرَأَى ا ْلمُجْ ِرمُونَ النّارَ َفظَنّوا أَ ّنهُمْ ُموَا ِقعُوهَا وََلمْ يَ ِ‬
‫َلهُ ْم وَ َ‬
‫[ الكهف ‪.] 53 ، 52 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ فَ َيقُولُ مَاذَا َأجَبْتُمُ ا ْلمُرْسَلِينَ } ‪ :‬النداء الول عن سؤال التوحيد ‪ ،‬وهذا فيه‬
‫إثبات النبوات ‪ :‬ماذا كان جوابكم للمرسلين إليكم ؟ وكيف كان حالكم معهم ؟ وهذا كما يُسأل العبد‬
‫في قبره ‪ :‬مَنْ ربك ؟ ومَنْ نبيك ؟ وما دينك (‪ )3‬؟ فأما المؤمن فيشهد أنه ل إله إل ال ‪ ،‬وأن‬
‫محمدًا عبد ال (‪ )4‬ورسوله‪ .‬وأما الكافر فيقول ‪ :‬هاه‪ ..‬هاه‪ .‬ل أدري ؛ ولهذا ل جواب له يوم‬
‫القيامة غير السكوت ؛ لن مَنْ كان في هذه أعمى فهو في الخرة أعمى وأضل سبيل ولهذا قال‬
‫علَ ْيهِمُ النْبَاءُ َي ْومَئِذٍ َفهُمْ ل يَ َتسَاءَلُونَ }‪.‬‬
‫تعالى ‪َ { :‬ف َعمِ َيتْ َ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬فعميت عليهم الحجج ‪ ،‬فهم ل يتساءلون بالنساب‪.‬‬
‫ع ِملَ صَاِلحًا } أي ‪ :‬في الدنيا ‪َ { ،‬فعَسَى أَنْ َيكُونَ مِنَ ا ْلمُفِْلحِينَ }‬
‫ن وَ َ‬
‫ب وَآمَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فََأمّا مَنْ تَا َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تعالى" وفي أ ‪" :‬ال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬من نبيكم وما دينكم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عبده"‪.‬‬

‫( ‪)6/250‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪ )68‬وَرَ ّبكَ‬
‫وَرَ ّبكَ َيخْلُقُ مَا يَشَا ُء وَ َيخْتَارُ مَا كَانَ َلهُمُ ا ْلخِيَ َرةُ سُ ْبحَانَ اللّ ِه وَ َتعَالَى َ‬
‫ح ْمدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِ َرةِ وَلَهُ‬
‫ن صُدُورُ ُه ْم َومَا ُيعْلِنُونَ (‪ )69‬وَ ُهوَ اللّهُ لَا إَِلهَ إِلّا ُهوَ َلهُ الْ َ‬
‫َيعْلَمُ مَا ُتكِ ّ‬
‫جعُونَ (‪)70‬‬
‫ح ْك ُم وَإِلَيْهِ تُ ْر َ‬
‫الْ ُ‬

‫أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬و"عسى" من ال موجبة ‪ ،‬فإن هذا واقع بفضل ال ومَنّه ل محالة‪.‬‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪ )68‬وَرَ ّبكَ‬
‫خلُقُ مَا َيشَا ُء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ َل ُهمُ ا ْلخِيَ َرةُ سُبْحَانَ اللّ ِه وَ َتعَالَى َ‬
‫{ وَرَ ّبكَ يَ ْ‬
‫ح ْمدُ فِي الولَى وَالخِ َرةِ وَلَهُ‬
‫ن صُدُورُ ُه ْم َومَا ُيعْلِنُونَ (‪ )69‬وَ ُهوَ اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ َلهُ الْ َ‬
‫َيعْلَمُ مَا ُتكِ ّ‬
‫جعُونَ (‪.} )70‬‬
‫ح ْك ُم وَإِلَيْهِ تُ ْر َ‬
‫الْ ُ‬
‫يخبر تعالى أنه المنفرد بالخلق والختيار ‪ ،‬وأنه ليس له في ذلك منازع ول معقب فقال ‪ { :‬وَرَ ّبكَ‬
‫يَخُْلقُ مَا يَشَا ُء وَيَخْتَارُ } أي ‪ :‬ما يشاء ‪ ،‬فما شاء كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬فالمور كلها خيرها‬
‫وشرها بيده ‪ ،‬ومرجعها إليه‪.‬‬
‫ن وَل‬
‫وقوله ‪ { :‬مَا كَانَ َل ُهمُ الْخِيَ َرةُ } نفي على أصح القولين ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ { :‬ومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِ ٍ‬
‫ُم ْؤمِنَةٍ إِذَا َقضَى اللّ ُه وَرَسُوُلهُ َأمْرًا أَنْ َيكُونَ َلهُمُ ا ْلخِيَ َرةُ مِنْ َأمْرِ ِهمْ } [ الحزاب ‪.] 36 :‬‬
‫وقد اختار ابن جرير أن { مَا } هاهنا بمعنى "الذي" ‪ ،‬تقديره ‪ :‬ويختار الذي لهم فيه خيرة‪ .‬وقد‬
‫احتج بهذا المسلك طائفة المعتزلة على وجوب مراعاة الصلح‪ .‬والصحيح أنها نافية ‪ ،‬كما نقله‬
‫ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن ابن عباس وغيره أيضا ‪ ،‬فإن المقام في بيان انفراده تعالى بالخلق والتقدير‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ } أي ‪ :‬من‬
‫والختيار ‪ ،‬وأنه ل نظير له في ذلك ؛ ولهذا قال ‪ { :‬سُ ْبحَانَ اللّ ِه وَ َتعَالَى َ‬
‫الصنام والنداد ‪ ،‬التي ل تخلق ول تختار شيئًا‪.‬‬
‫ن صُدُورُهُمْ َومَا ُيعْلِنُونَ } أي ‪ :‬يعلم ما تكن (‪ )1‬الضمائر ‪ ،‬وما‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَرَ ّبكَ َيعَْلمُ مَا ُتكِ ّ‬
‫سوَاءٌ مِ ْنكُمْ مَنْ أَسَرّ‬
‫تنطوي عليه السرائر ‪ ،‬كما يعلم ما تبديه الظواهر من سائر الخلئق ‪َ { ،‬‬
‫ل وَسَا ِربٌ بِال ّنهَارِ } [ الرعد ‪.] 10 :‬‬
‫خفٍ بِاللّ ْي ِ‬
‫جهَرَ بِهِ َومَنْ ُهوَ مُسْ َت ْ‬
‫ل َومَنْ َ‬
‫ا ْل َقوْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ اللّ ُه ل إِلَهَ إِل ُهوَ } أي ‪ :‬هو المنفرد باللهية ‪ ،‬فل معبود سواه ‪ ،‬كما ل رب يخلق‬
‫حمْدُ فِي الولَى وَالخِ َرةِ } أي ‪ :‬في جميع ما يفعله هو المحمود عليه ‪ ،‬لعدله‬
‫ويختار سواه { لَهُ الْ َ‬
‫جعُونَ‬
‫حكْمُ } أي ‪ :‬الذي ل معقب له ‪ ،‬لقهره وغلبته وحكمته ورحمته ‪ { ،‬وَإِلَيْهِ تُ ْر َ‬
‫وحكمته { وَلَهُ ا ْل ُ‬
‫} أي ‪ :‬جميعكم يوم القيامة فيجازي (‪ )2‬كل عامل بعمله ‪ ،‬من خير وشر ‪ ،‬ول يخفى عليه منهم‬
‫خافية في سائر العمال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬مكتمة" والمثبت من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فيجزي"‪.‬‬

‫( ‪)6/251‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْي ُكمُ اللّ ْيلَ سَ ْر َمدًا إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ ِبضِيَاءٍ َأفَلَا‬
‫ُقلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ َ‬
‫ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْيكُمُ ال ّنهَارَ سَ ْرمَدًا إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ‬
‫س َمعُونَ (‪ُ )71‬قلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ َ‬
‫تَ ْ‬
‫سكُنُوا فِي ِه وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ‬
‫ل وَال ّنهَارَ لِتَ ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ اللّ ْي َ‬
‫حمَتِهِ َ‬
‫سكُنُونَ فِيهِ َأفَلَا تُ ْبصِرُونَ (‪َ )72‬ومِنْ َر ْ‬
‫بِلَ ْيلٍ تَ ْ‬
‫شكُرُونَ (‪)73‬‬
‫َفضْلِ ِه وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬

‫ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْيكُمُ اللّ ْيلَ سَ ْرمَدًا ِإلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ ِبضِيَاءٍ َأفَل‬
‫{ ُقلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ َ‬
‫ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْيكُمُ ال ّنهَارَ سَ ْرمَدًا إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ‬
‫س َمعُونَ (‪ُ )71‬قلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ َ‬
‫تَ ْ‬
‫سكُنُوا فِي ِه وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ‬
‫ل وَال ّنهَارَ لِتَ ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ اللّ ْي َ‬
‫حمَتِهِ َ‬
‫سكُنُونَ فِيهِ َأفَل تُ ْبصِرُونَ (‪َ )72‬ومِنْ َر ْ‬
‫بِلَ ْيلٍ تَ ْ‬
‫شكُرُونَ (‪.} )73‬‬
‫َفضْلِ ِه وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬

‫( ‪)6/251‬‬

‫شهِيدًا َفقُلْنَا هَاتُوا‬


‫عمُونَ (‪ )74‬وَنَزَعْنَا مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ فَ َيقُولُ أَيْنَ شُ َركَا ِئيَ الّذِينَ كُنْ ُتمْ تَزْ ُ‬
‫ضلّ عَ ْن ُهمْ مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ (‪ )75‬إِنّ قَارُونَ كَانَ مِنْ َقوْمِ مُوسَى‬
‫بُرْهَا َنكُمْ َفعَِلمُوا أَنّ ا ْلحَقّ لِلّ ِه َو َ‬
‫فَ َبغَى عَلَ ْي ِه ْم وَآَتَيْنَاهُ مِنَ ا ْلكُنُوزِ مَا إِنّ َمفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِا ْل ُعصْبَةِ أُولِي ا ْل ُق ّوةِ إِذْ قَالَ َلهُ َق ْومُهُ لَا َتفْرَحْ إِنّ‬
‫حبّ ا ْلفَرِحِينَ (‪ )76‬وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللّهُ الدّارَ الْآَخِ َر َة وَلَا تَنْسَ َنصِي َبكَ مِنَ الدّنْيَا وَأَحْسِنْ‬
‫اللّهَ لَا يُ ِ‬
‫حبّ ا ْل ُمفْسِدِينَ (‪)77‬‬
‫َكمَا أَحْسَنَ اللّهُ ِإلَ ْيكَ وَلَا تَ ْبغِ ا ْلفَسَادَ فِي الْأَ ْرضِ إِنّ اللّهَ لَا ُي ِ‬

‫يقول تعالى ممتنًا على عباده بما سخر لهم من الليل والنهار ‪ ،‬اللذين ل قوَامَ لهم بدونهما‪ .‬وبين أنه‬
‫لو جعلَ الليلَ دائمًا عليهم سرمدًا إلى يوم القيامة ‪ ،‬لضرّ ذلك بهم ‪ ،‬ولسئمته النفوس وانحصرت‬
‫منه ‪ ،‬ولهذا قال تعالى ‪ { :‬مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ ِبضِيَاءٍ } أي ‪ :‬تبصرون به وتستأنسون بسببه ‪،‬‬
‫س َمعُونَ }‪.‬‬
‫{ َأفَل َت ْ‬
‫ثم أخبر أنه لو جعل النهار سرمدًا دائمًا مستمرّا إلى يوم القيامة ‪ ،‬لضرّ ذلك بهم ‪ ،‬ولتعبت‬
‫سكُنُونَ‬
‫البدان وكلّت من كثرة الحركات والشغال ؛ ولهذا قال ‪ { :‬مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِي ُكمْ بِلَ ْيلٍ تَ ْ‬
‫ج َعلَ‬
‫حمَتِهِ } أي ‪ :‬بكم { َ‬
‫فِيهِ } أي ‪ :‬تستريحون من حركاتكم وأشغالكم‪َ { .‬أفَل تُ ْبصِرُونَ‪َ .‬ومِنْ َر ْ‬
‫سكُنُوا فِيهِ } أي ‪ :‬في الليل ‪ { ،‬وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضِْلهِ }‬
‫ل وَال ّنهَارَ } أي ‪ :‬خلق هذا وهذا { لِ َت ْ‬
‫َلكُمُ اللّ ْي َ‬
‫أي ‪ :‬في النهار بالسفار والترحال ‪ ،‬والحركات والشغال ‪ ،‬وهذا من باب اللف والنشر‪.‬‬
‫شكُرُونَ } أي ‪ :‬تشكرون ال بأنواع العبادات في الليل والنهار ‪ ،‬ومن فاته شيء‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلعَّلكُمْ َت ْ‬
‫ج َعلَ اللّ ْيلَ‬
‫بالليل استدركه بالنهار ‪ ،‬أو بالنهار استدركه بالليل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬
‫شكُورًا } [ الفرقان ‪ .] 62 :‬واليات في هذا كثيرة (‪.)1‬‬
‫وَال ّنهَارَ خِ ْلفَةً ِلمَنْ أَرَادَ أَنْ َي ّذكّرَ َأوْ أَرَادَ ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا‬
‫عمُونَ (‪ )74‬وَنزعْنَا مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫{ وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ فَ َيقُولُ أَيْنَ شُ َركَائِيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تَزْ ُ‬
‫ضلّ عَ ْن ُهمْ مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ (‪.} )75‬‬
‫بُرْهَا َنكُمْ َفعَِلمُوا أَنّ ا ْلحَقّ لِلّ ِه َو َ‬
‫وهذا أيضا نداء [ثان] (‪ )2‬على سبيل التقريع والتوبيخ ِلمَنْ عبد مع ال إلهًا آخر ‪ ،‬يناديهم الرب ‪-‬‬
‫عمُونَ } أي ‪ :‬في‬
‫تبارك وتعالى ‪ -‬على رؤوس الشهاد فيقول ‪ { :‬أَيْنَ شُ َركَا ِئيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تَزْ ُ‬
‫الدار الدنيا‪.‬‬
‫شهِيدًا } ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬يعني رسول‪ { .‬فَقُلْنَا هَاتُوا بُ ْرهَا َنكُمْ } أي ‪ :‬على‬
‫{ وَنزعْنَا مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫صحة ما ادعيتموه من أن ل شركاء ‪َ { ،‬فعَِلمُوا أَنّ ا ْلحَقّ لِلّهِ } أي ‪ :‬ل إله غيره ‪ ،‬أي ‪ :‬فلم‬
‫ينطقوا ولم يحيروا (‪ )3‬جوابا ‪َ { ،‬وضَلّ عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ } أي ‪ :‬ذهبوا فلم ينفعوهم‪.‬‬
‫{ إِنّ قَارُونَ كَانَ مِنْ َقوْمِ مُوسَى فَ َبغَى عَلَ ْيهِ ْم وَآتَيْنَاهُ مِنَ ا ْلكُنُوزِ مَا إِنّ َمفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِا ْل ُعصْبَةِ أُولِي‬
‫حبّ ا ْلفَرِحِينَ (‪ )76‬وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللّهُ الدّارَ الخِ َر َة وَل‬
‫ا ْل ُقوّةِ ِإذْ قَالَ لَهُ َق ْومُهُ ل َتفْرَحْ إِنّ اللّهَ ل ُي ِ‬
‫حبّ‬
‫ك وَل تَبْغِ ا ْلفَسَادَ فِي ال ْرضِ إِنّ اللّهَ ل يُ ِ‬
‫تَنْسَ َنصِي َبكَ مِنَ الدّنْيَا وَأَحْسِنْ َكمَا َأحْسَنَ اللّهُ إِلَ ْي َ‬
‫ا ْل ُمفْسِدِينَ (‪.} )77‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬بعدها في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فصل ‪ :‬فانظر إلى هذه اليات وما تضمنته من العبرة والدللة على‬
‫ربوبية ال وحكمته ‪ ،‬كيف جعل الليل سكنا ولباسا ؟ يغشى العالم ‪ ،‬فتسكن فيه الحركات ‪ ،‬وتأوى‬
‫الحيوانات إلى بيوتها ‪ ،‬والطير إلى أوكارها ‪ ،‬وتستجم فيه النفوس ‪ ،‬وتستريح من كد السعي‬
‫والتعب ‪ ،‬حتى إذا أخذت منه النفوس راحتها وثباتها ‪ ،‬وتطلعت إلى معايشها وتصرفها‪ .‬جاء فالق‬
‫الصباح سبحانه بالنهار ‪ ،‬فقدم حيثه بشير الصباح ‪ ،‬فهزم تلك الظلمة ومزقها كل ممزق ‪،‬‬
‫وأزالها وكشفها عن العالم ‪ ،‬فإذا هم مبصرون ‪ ،‬فانتشر الحيوان ‪ ،‬وتصرف في معايشه ومصالحه‬
‫‪ ،‬وخرجت الطيور من أوكارها ‪ ،‬فيا له من ميعاد! ونشأة دال على قدرة ال سبحانه على المعاد‬
‫الكبر ‪ ،‬وتكرره ومشاهدة النفوس له بحيث صار عادة ومألفا ‪ ،‬منعها من العتبار والستدلل به‬
‫على النشأة الثانية ‪ ،‬وإحياء الخلق بعد موتهم ‪ ،‬كما وردت السنة بذلك ‪ ،‬أنه يستجاب للعبد إذا قام‬
‫من نومه يقول ‪ :‬الحمد ل الذي أحيانا بعد موتنا وإليه النشور"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فلم يجيبوا"‪.‬‬

‫( ‪)6/252‬‬

‫قال العمش ‪ ،‬عن المِ ْنهَال بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ { :‬إِنّ قَارُونَ‬
‫كَانَ مِنْ َقوْمِ مُوسَى } ‪ ،‬قال ‪ :‬كان ابن عمه‪ .‬وهكذا قال إبراهيم النّخَعي ‪ ،‬وعبد ال بن الحارث‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بن نوفل ‪ ،‬وسماك بن حرب ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومالك بن دينار ‪ ،‬وابن جُرَيْج ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬أنه كان ابن‬
‫عم موسى ‪ ،‬عليه السلم (‪.)1‬‬
‫قال ابن جُرَيْج ‪ :‬هو قارون بن يصهر بن قاهث ‪ ،‬وموسى بن عمران بن قاهث‪.‬‬
‫وزعم محمد بن إسحاق بن يَسَار ‪ :‬أن قارون كان عمّ موسى (‪ ، )2‬عليه السلم‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وأكثر أهل العلم على أنه كان ابن عمه ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقال قتادة بن دِعَامة ‪ :‬كنا‬
‫نُحدّث أنه كان ابن عم موسى ‪ ،‬وكان يسمى المنوّر لحسن صوته بالتوراة ‪ ،‬ولكن عدو ال نافق‬
‫كما نافق السامري ‪ ،‬فأهلكه البغي لكثرة ماله‪.‬‬
‫حوْشَب ‪ :‬زاد في ثيابه شبرًا طول ترفعًا على قومه‪.‬‬
‫شهْر بن َ‬
‫وقال َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَآتَيْنَاهُ مِنَ ا ْلكُنُوزِ } أي ‪[ :‬من] (‪ )3‬الموال { مَا إِنّ َمفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِا ْل ُعصْبَةِ أُولِي ا ْل ُق ّوةِ }‬
‫أي ‪ :‬لَيُثقلُ حملُها الفئامَ من الناس لكثرتها‪.‬‬
‫قال العمش ‪ ،‬عن خَيْ َثمَةَ ‪ :‬كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود ‪ ،‬كل مفتاح مثل الصبع ‪ ،‬كل‬
‫مفتاح على خزانة على حدته ‪ ،‬فإذا ركب حُملت على ستين بغل أغر محجل‪ .‬وقيل ‪ :‬غير ذلك ‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫حبّ ا ْلفَرِحِينَ } أي ‪ :‬وعظه فيما هو فيه صالح‬
‫وقوله ‪ِ { :‬إذْ قَالَ لَهُ َق ْومُهُ ل َتفْرَحْ إِنّ اللّهَ ل ُي ِ‬
‫قومه ‪ ،‬فقالوا على سبيل النصح والرشاد ‪ :‬ل تفرح بما أنت فيه ‪ ،‬يعنون ‪ :‬ل تبطر بما أنت فيه‬
‫حبّ ا ْلفَرِحِينَ } قال ابن عباس ‪ :‬يعني المرحين‪ .‬وقال مجاهد ‪:‬‬
‫من الموال (‪ { )4‬إِنّ اللّهَ ل يُ ِ‬
‫يعني الشرين البطرين ‪ ،‬الذين ل يشكرون ال على ما أعطاهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللّهُ الدّارَ الخِ َرةَ وَل تَنْسَ َنصِي َبكَ مِنَ الدّنْيَا } أي ‪ :‬استعمل ما وهبك‬
‫ال من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة ‪ ،‬في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات ‪ ،‬التي‬
‫يحصل لك بها الثواب في الدار الخرة‪ { .‬وَل تَنْسَ َنصِي َبكَ مِنَ الدّنْيَا } أي ‪ :‬مما أباح ال فيها (‬
‫‪ )5‬من المآكل والمشارب والملبس والمساكن والمناكح ‪ ،‬فإن لربك عليك حقّا ‪ ،‬ولنفسك عليك‬
‫حقّا ‪ ،‬ولهلك عليك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬موسى بن عمران"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬لك"‪.‬‬

‫( ‪)6/253‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حقّا ‪ ،‬ولزورك عليك حقا ‪ ،‬فآت كل ذي حق حقه‪.‬‬
‫حسَنَ اللّهُ إِلَ ْيكَ } أي ‪ :‬أحسن إلى خلقه كما أحسن هو إليك { وَل تَ ْبغِ ا ْلفَسَادَ فِي‬
‫{ وََأحْسِنْ َكمَا أَ ْ‬
‫ال ْرضِ } أي ‪ :‬ل تكنْ همتك بما أنت فيه أن تفسد به الرض (‪ ، )1‬وتسيء إلى خلق ال { إِنّ‬
‫حبّ ا ْل ُمفْسِدِينَ }‪.‬‬
‫اللّهَ ل ُي ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬في الرض"‪.‬‬

‫( ‪)6/254‬‬

‫قَالَ إِ ّنمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِ ْندِي َأوَلَمْ َيعْلَمْ أَنّ اللّهَ قَدْ أَ ْهَلكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ ا ْلقُرُونِ مَنْ ُهوَ أَشَدّ مِنْهُ ُق ّوةً‬
‫ج ْمعًا وَلَا يُسَْألُ عَنْ ذُنُو ِبهِمُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪)78‬‬
‫وََأكْثَرُ َ‬

‫{ قَالَ إِ ّنمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِ ْلمٍ عِنْدِي َأوََلمْ َيعْلَمْ أَنّ اللّهَ َقدْ أَهَْلكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ ا ْلقُرُونِ مَنْ ُهوَ َأشَدّ مِنْهُ‬
‫ج ْمعًا وَل يُسَْألُ عَنْ ذُنُو ِبهِمُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪.} )78‬‬
‫ُق ّوةً وََأكْثَرُ َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن جواب قارون لقومه ‪ ،‬حين نصحوه وأرشدوه إلى الخير { قَالَ إِ ّنمَا أُوتِيتُهُ‬
‫عَلَى عِلْمٍ عِ ْندِي } أي ‪ :‬أنا ل أفتقر إلى ما تقولون ‪ ،‬فإن ال تعالى إنما أعطاني هذا المال لعلمه‬
‫بأني أستحقه ‪ ،‬ولمحبته لي فتقديره ‪ :‬إنما أعطيته لعلم ال فيّ أني أهل له ‪ ،‬وهذا كقوله تعالى ‪:‬‬
‫خوّلْنَاهُ ِن ْعمَةً مِنّا قَالَ إِ ّنمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ } [ الزمر ‪:‬‬
‫{ فَِإذَا (‪ )1‬مَسّ النْسَانَ ضُرّ دَعَانَا ُثمّ إِذَا َ‬
‫ح َمةً مِنّا مِنْ َبعْ ِد ضَرّاءَ َمسّتْهُ‬
‫‪ ] 49‬أي ‪ :‬على علم من ال بي ‪ ،‬وكقوله تعالى ‪ { :‬وَلَئِنْ َأ َذقْنَاهُ رَ ْ‬
‫لَ َيقُولَنّ َهذَا لِي } [ فصلت ‪ ] 50 :‬أي ‪ :‬هذا أستحقه‪.‬‬
‫وقد رُوي عن بعضهم أنه أراد ‪ { :‬إِ ّنمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي } أي ‪ :‬إنه كان يعاني علم الكيمياء‬
‫‪ :‬وهذا القول ضعيف ؛ لن علم الكيمياء في نفسه علم باطل ؛ لن قلب العيان ل يقدر أحد‬
‫س ضُ ِربَ مَ َثلٌ فَاسْ َت ِمعُوا َلهُ إِنّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ‬
‫عليها إل ال عز وجل ‪ ،‬قال ال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّا ُ‬
‫خُلقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْ َت َمعُوا َلهُ } [ الحج ‪ ، ] 73 :‬وفي الصحيح عن النبي (‪ )2‬صلى‬
‫دُونِ اللّهِ لَنْ يَ ْ‬
‫ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬يقول ال تعالى ‪ :‬ومَنْ أظلم ِممّنْ ذهب يخلق كخلقي ‪ ،‬فليخلقوا ذرة ‪،‬‬
‫فليخلقوا شعيرة" (‪ .)3‬وهذا ورد في المصورين الذين يشبهون بخلق ال في مجرد الصورة‬
‫الظاهرة أو الشكل ‪ ،‬فكيف ِبمَنْ يدعي أنه يحيل ماهية هذه الذات إلى ماهية ذات أخرى ‪ ،‬هذا‬
‫زور ومحال ‪ ،‬وجهل وضلل‪ .‬وإنما يقدرون على الصبغ في الصورة الظاهرة ‪ ،‬وهو كذب‬
‫وزغل وتمويه ‪ ،‬وترويج أنه صحيح في نفس المر ‪ ،‬وليس كذلك قطعًا ل محالة ‪ ،‬ولم يثبت‬
‫بطريق شرعي أنه صح مع أحد من الناس من هذه الطريقة التي يتعاناها هؤلء الجهلة الفسقة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الفاكون فأما ما يجريه ال تعالى (‪ )4‬من خَرْق العوائد على يدي بعض الولياء من قلب بعض‬
‫العيان ذهبًا أو فضة أو نحو ذلك ‪ ،‬فهذا أمر ل ينكره مسلم ‪ ،‬ول يرده مؤمن ‪ ،‬ولكن هذا ليس‬
‫من قبيل الصناعات وإنما هذا عن مشيئة رب الرض والسموات ‪ ،‬واختياره وفعله ‪ ،‬كما روي‬
‫عن حَيْوة بن شُرَيح المصري ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬أنه سأله سائل ‪ ،‬فلم يكن عنده ما يعطيه ‪ ،‬ورأى‬
‫ضرورته ‪ ،‬فأخذ حصاة من الرض فأجالها في كفه ‪ ،‬ثم ألقاها إلى ذلك السائل فإذا هي ذهب‬
‫أحمر‪ .‬والحاديث والثار [في هذا] (‪ )5‬كثيرة جدّا يطول ذكرها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وإذا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )5953‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2111‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬سبحانه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/254‬‬

‫فَخَرَجَ عَلَى َق ْومِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الّذِينَ يُرِيدُونَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا يَا لَ ْيتَ لَنَا مِ ْثلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنّهُ َلذُو‬
‫ع ِملَ صَاِلحًا وَلَا يَُلقّاهَا إِلّا‬
‫ن وَ َ‬
‫حظّ عَظِيمٍ (‪َ )79‬وقَالَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْ َم وَيَْلكُمْ َثوَابُ اللّهِ خَيْرٌ ِلمَنْ َآمَ َ‬
‫َ‬
‫سفْنَا بِ ِه وَبِدَا ِرهِ الْأَ ْرضَ َفمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَ ْنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّ ِه َومَا كَانَ‬
‫الصّابِرُونَ (‪َ )80‬فخَ َ‬
‫سطُ الرّ ْزقَ ِلمَنْ يَشَاءُ‬
‫مِنَ ا ْلمُنْ َتصِرِينَ (‪ )81‬وََأصْبَحَ الّذِينَ َتمَ ّنوْا َمكَانَهُ بِالَْأمْسِ َيقُولُونَ وَ ْيكَأَنّ اللّهَ يَبْ ُ‬
‫سفَ بِنَا وَ ْيكَأَنّهُ لَا ُيفْلِحُ ا ْلكَافِرُونَ (‪)82‬‬
‫مِنْ عِبَا ِد ِه وَ َيقْدِرُ َلوْلَا أَنْ مَنّ اللّهُ عَلَيْنَا َلخَ َ‬

‫وقال بعضهم ‪ :‬إن قارون كان يعلم السم العظم ‪ ،‬فدعا ال به ‪ ،‬فتموّل بسببه‪ .‬والصحيح المعنى‬
‫الول ؛ ولهذا قال ال تعالى ‪ -‬رادّا عليه فيما ادعاه من اعتناء ال به فيما أعطاه من المال { َأوَلَمْ‬
‫ج ْمعًا } أي ‪ :‬قد كان من هو‬
‫َيعْلَمْ أَنّ اللّهَ َقدْ أَهَْلكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ ا ْلقُرُونِ مَنْ ُهوَ َأشَدّ مِنْهُ ُق ّوةً وََأكْثَرُ َ‬
‫أكثر منه مال وما كان ذلك عن محبة منا له ‪ ،‬وقد أهلكهم ال مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم ؛‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬وَل يُسَْألُ عَنْ ذُنُو ِبهِمُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ } أي ‪ :‬لكثرة ذنوبهم‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ { :‬عَلَى عِ ْلمٍ عِنْدِي } ‪ :‬على خير عندي‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬على علم أني أهل لذلك‪.‬‬
‫وقد أجاد في تفسير هذه الية المام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬فإنه قال في قوله ‪ { :‬قَالَ إِ ّنمَا‬
‫أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِ ْندِي } قال ‪ :‬لول رضا ال عني ‪ ،‬ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا المال ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج ْمعًا وَل يُسَْألُ‬
‫شدّ مِنْهُ ُق ّو ًة وََأكْثَرُ َ‬
‫وقرأ { َأوَلَمْ َيعْلَمْ أَنّ اللّهَ قَدْ أَهَْلكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ ا ْلقُرُونِ مَنْ ُهوَ أَ َ‬
‫عَنْ ذُنُو ِبهِمُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ } [وهكذا يقول مَنْ قل علمه إذا رأى مَنْ وسع ال عليه يقول ‪ :‬لول أنه‬
‫يستحق ذلك لما أعطي] (‪.)1‬‬
‫{ َفخَرَجَ عَلَى َق ْومِهِ فِي زِينَ ِتهِ قَالَ الّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا يَا لَ ْيتَ لَنَا مِ ْثلَ مَا أُو ِتيَ قَارُونُ إِنّهُ لَذُو‬
‫ع ِملَ صَاِلحًا وَل يَُلقّاهَا إِل‬
‫ن وَ َ‬
‫حظّ عَظِيمٍ (‪َ )79‬وقَالَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْ َم وَيَْلكُمْ َثوَابُ اللّهِ خَيْرٌ ِلمَنْ آمَ َ‬
‫َ‬
‫الصّابِرُونَ (‪.} )80‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن قارون ‪ :‬إنه خرج ذات يوم على قومه في زينة عظيمة ‪ ،‬وتجمل باهر ‪،‬‬
‫من مراكب وملبس عليه وعلى خدمه وحشمه ‪ ،‬فلما رآه مَنْ يريد الحياة الدنيا ويميل إلى زُخرفها‬
‫وزينتها ‪ ،‬تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي أعطي ‪ ،‬قالوا ‪ { :‬يَا لَ ْيتَ لَنَا مِ ْثلَ مَا أُو ِتيَ قَارُونُ إِنّهُ لَذُو‬
‫حظّ عَظِيمٍ } أي ‪ :‬ذو حظ وافر من الدنيا‪ .‬فلما سمع مقالتهم أهل العلم النافع قالوا لهم ‪ { :‬وَيَْلكُمْ‬
‫َ‬
‫ع ِملَ صَالِحًا } أي ‪ :‬جزاء ال لعباده المؤمنين الصالحين في الدار‬
‫ن وَ َ‬
‫َثوَابُ اللّهِ خَيْرٌ ِلمَنْ آمَ َ‬
‫الخرة خير مما ترون‪.‬‬
‫[كما في الحديث الصحيح ‪ :‬يقول ال تعالى ‪ :‬أعددت لعبادي الصالحين ما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن‬
‫خ ِفيَ َلهُمْ مِنْ قُ ّرةِ‬
‫سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر ‪ ،‬واقرؤوا إن شئتم ‪ { :‬فَل َتعْلَمُ َنفْسٌ مَا أُ ْ‬
‫أَعْيُنٍ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } (‪ [ )2‬السجدة ‪.)3( ] 17 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل يَُلقّاهَا إِل الصّابِرُونَ } ‪ :‬قال السدي ‪ :‬وما يلقى الجنة (‪ )4‬إل الصابرون‪ .‬كأنه جعل‬
‫ذلك من تمام كلم الذين أوتوا العلم‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬وما يلقى (‪ )5‬هذه الكلمة إل الصابرون عن‬
‫محبة الدنيا ‪ ،‬الراغبون في الدار الخرة‪ .‬وكأنه جعل ذلك مقطوعًا من كلم أولئك ‪ ،‬وجعله من‬
‫كلم ال عز وجل وإخباره بذلك‪.‬‬
‫سفْنَا بِ ِه وَبِدَا ِرهِ ال ْرضَ َفمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَ ْنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّ ِه َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُنْ َتصِرِينَ (‬
‫{ َفخَ َ‬
‫ن وَ ْيكَأَنّ اللّهَ يَ ْبسُطُ الرّزْقَ ِلمَنْ َيشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ وَيَقْدِرُ‬
‫‪ )81‬وََأصْبَحَ الّذِينَ َتمَ ّنوْا َمكَانَهُ بِالمْسِ َيقُولُو َ‬
‫سفَ بِنَا وَ ْيكَأَنّهُ ل ُيفْلِحُ ا ْلكَافِرُونَ (‪} )82‬‬
‫َلوْل أَنْ مَنّ اللّهُ عَلَيْنَا لَخَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)2824‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وما يلقاها أي الجنة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وما يلقاها"‪.‬‬

‫( ‪)6/255‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته ‪ ،‬وفخره على قومه وبغيه عليهم ‪ ،‬عقب ذلك بأنه خسف‬
‫به وبداره الرض ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح ‪ -‬عند البخاري من حديث الزهري ‪ ،‬عن سالم ‪ -‬أن‬
‫أباه حدثه ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به (‪، )1‬‬
‫فهو يتجلجل في الرض إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫ثم رواه من حديث جرير بن زيد ‪ ،‬عن سالم عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫نحوه (‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاص ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن عطية (‬
‫‪ ، )3‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال (‪ )4‬صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بينا رجل فيمَنْ كان قبلكم ‪،‬‬
‫خرج في بُرْدَيْن أخضرين يختال فيهما ‪ ،‬أمر ال الرض فأخذته ‪ ،‬فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم‬
‫القيامة"‪ .‬تفرد به أحمد (‪ ، )5‬وإسناده حسن‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا أبو خَيْ َثمَةَ ‪ ،‬حدثنا أبو معلى بن منصور (‪ ، )6‬أخبرني‬
‫محمد بن مسلم ‪ ،‬سمعت زيادًا النميري يحدث عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بينا رجل فيمن (‪ )7‬كان قبلكم خرج في بردين فاختال فيهما ‪،‬‬
‫فأمر ال الرض فأخذته ‪ ،‬فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" (‪.)8‬‬
‫وقد ذكر [الحافظ] (‪ )9‬محمد بن المنذر ‪ -‬شكّر ‪ -‬في كتاب العجائب الغريبة بسنده عن نوفل بن‬
‫مساحق قال ‪ :‬رأيت شابّا في مسجد نجران ‪ ،‬فجعلت أنظر إليه وأتعجب من طوله وتمامه وجماله‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لك تنظر إلي ؟ فقلت ‪ :‬أعجب من جمالك وكمالك‪ .‬فقال ‪ :‬إن ال ليعجب مني‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فما زال ينقص وينقص حتى صار بطول الشبر ‪ ،‬فأخذه بعض قرابته في كمه وذهب‪.‬‬
‫وقد ذُكر أن هلك قارون كان عن دعوة نبي ال موسى عليه السلم (‪ )10‬واختلف في سببه ‪،‬‬
‫فعن ابن عباس والسدي ‪ :‬أن قارون أعطى امرأة َبغِيّا مال على أن تبهت موسى بحضرة المل‬
‫من بني إسرائيل ‪ ،‬وهو قائم فيهم يتلو عليهم كتاب ال ‪ ،‬فتقول ‪ :‬يا موسى ‪ ،‬إنك فعلت بي كذا‬
‫عدَ من الفَرَق ‪ ،‬وأقبل عليها (‪)12‬‬
‫وكذا‪ .‬فلما قالت في المل ذلك (‪ )11‬لموسى عليه السلم ‪ ،‬أرْ ِ‬
‫وصلى ركعتين ثم قال ‪ :‬أنشدك بال الذي فَرَق البحر ‪ ،‬وأنجاكم من فرعون ‪ ،‬وفعل كذا و[فعل] (‬
‫‪ )13‬كذا ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬خسف ال به"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)5790‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)3/40‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪" :‬أبو يعلى بن منصور" والصواب ما أثبتناه من مسند أبي يعلى‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ممن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬مسند أبي يعلى (‪ )7/279‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )5/126‬فيه زياد بن عبد ال النميري‬
‫وهو ضعيف ‪ ،‬وقد وثقه ابن حبان وقال ‪ :‬يخطئ"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬بذلك"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬بعد ما"‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/256‬‬

‫شدْتَني فإن قارون أعطاني كذا وكذا ‪،‬‬


‫لما أخبرتني بالذي حملك على ما قلت ؟ فقالت ‪ :‬أما إذ نَ َ‬
‫على أن أقول لك ‪ ،‬وأنا أستغفر ال وأتوب إليه‪ .‬فعند ذلك خَرّ موسى ل عز وجل ساجدًا ‪ ،‬وسأل‬
‫ال في قارون‪ .‬فأوحى ال إليه أني قد أمرت الرض أن تطيعك فيه ‪ ،‬فأمر موسى الرض أن‬
‫تبتلعه وداره فكان (‪ )1‬ذلك‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إن قارون لما خرج على قومه في زينته تلك ‪ ،‬وهو راكب على البغال الشّهب ‪ ،‬وعليه‬
‫حفَله ذلك على مجلس نبي ال موسى عليه‬
‫جْ‬‫وعلى خدمه الثياب الرجوان الصّبغة (‪ ، )2‬فمر في َ‬
‫السلم ‪ ،‬وهو يذكرهم بأيام ال‪ .‬فلما رأى الناس قارون انصرفت وجوه الناس حوله ‪ ،‬ينظرون‬
‫إلى ما هو فيه‪ .‬فدعاه موسى عليه السلم ‪ ،‬وقال ‪ :‬ما حملك على ما صنعت ؟ فقال ‪ :‬يا موسى ‪،‬‬
‫أما لئن كنت ُفضّلتَ عََليّ بالنبوة ‪ ،‬فلقد فضلت عليك بالدنيا ‪ ،‬ولئن شئت لتخرجن ‪ ،‬فلتدعون عليّ‬
‫وأدعو عليك‪ .‬فخرج وخرج قارون في قومه ‪ ،‬فقال موسى (‪ : )3‬تدعو أو أدعو أنا ؟ قال ‪ :‬بل‬
‫أنا أدعو‪ .‬فدعا قارون فلم يجب له ‪ ،‬ثم قال موسى (‪ : )4‬أدعو ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقال موسى ‪ :‬اللهم ‪،‬‬
‫مُر الرض أن تطيعني (‪ )5‬اليوم‪ .‬فأوحى ال إليه أني قد فعلت ‪ ،‬فقال موسى ‪ :‬يا أرض ‪،‬‬
‫خذيهم‪ .‬فأخذتهم إلى أقدامهم‪ .‬ثم قال ‪ :‬خذيهم‪ .‬فأخذتهم إلى ركبهم ‪ ،‬ثم إلى مناكبهم‪ .‬ثم قال ‪:‬‬
‫أقبلي بكنوزهم وأموالهم‪ .‬قال ‪ :‬فأقبلت بها حتى نظروا إليها‪ .‬ثم أشار موسى بيده فقال ‪ :‬اذهبوا‬
‫بني لوى (‪ )6‬فاستوت بهم الرض‪.‬‬
‫وعن ابن عباس أنه قال ‪ :‬خُسف بهم إلى الرض السابعة‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة ‪ ،‬فهم يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وقد ذكر ها هنا إسرائيليات [غريبة] (‪ )7‬أضربنا عنها صفحًا‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪َ { :‬فمَا كَانَ َلهُ مِنْ فِئَةٍ يَ ْنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّ ِه َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُنْ َتصِرِينَ } أي ‪ :‬ما أغنى‬
‫جمَعه ‪ ،‬ول خدمه و [ل] (‪ )8‬حشمه‪ .‬ول دفعوا عنه نقمة ال وعذابه ونكاله [به]‬
‫عنه مالُه ‪ ،‬وما َ‬
‫(‪ ، )9‬ول كان هو في نفسه منتصرًا لنفسه ‪ ،‬فل ناصر له[ل] (‪ )10‬من نفسه ‪ ،‬ول من غيره‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وََأصْبَحَ الّذِينَ َتمَ ّنوْا َمكَانَهُ بِالمْسِ } أي ‪ :‬الذين لما رأوه في زينته قالوا { يَا لَ ْيتَ‬
‫حظّ عَظِيمٍ } ‪ ،‬فلما خسف به أصبحوا يقولون ‪ { :‬وَ ْيكَأَنّ اللّهَ يَ ْبسُطُ‬
‫لَنَا مِ ْثلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنّهُ لَذُو َ‬
‫الرّزْقَ ِلمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِد ِه وَ َيقْدِرُ } أي ‪ :‬ليس المال بدالّ على رضا ال عن صاحبه [وعن عباده]‬
‫(‪ )11‬؛ فإن ال يعطي ويمنع ‪ ،‬ويضيق ويوسع ‪ ،‬ويخفض ويرفع ‪ ،‬وله الحكمة التامة والحجة‬
‫البالغة‪ .‬وهذا كما في الحديث المرفوع عن ابن مسعود ‪" :‬إن ال قسم بينكم أخلقكم ‪ ،‬كما قسم‬
‫أرزاقكم وإن ال يعطي المال من يحب ‪ ،‬ومن ل يحب ‪ ،‬ول يعطي اليمان إل من يحب" (‪.)12‬‬
‫سفَ بِنَا } أي ‪ :‬لول لُطف ال بنا وإحسانه إلينا لخسف بنا ‪ ،‬كما خسف‬
‫{ َلوْل أَنْ مَنّ اللّهُ عَلَيْنَا َلخَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المصبغة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪ .‬وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬يا موسى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬فلتطعني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬اذهبوا به ل أرى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬المسند (‪.)1/387‬‬

‫( ‪)6/257‬‬

‫ض وَلَا فَسَادًا وَا ْلعَاقِبَةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪ )83‬مَنْ‬


‫جعَُلهَا لِلّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُُلوّا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫تِ ْلكَ الدّارُ الْآَخِ َرةُ َن ْ‬
‫عمِلُوا السّيّئَاتِ إِلّا مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‬
‫حسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِ ْنهَا َومَنْ جَاءَ بِالسّيّ َئةِ فَلَا يُجْزَى الّذِينَ َ‬
‫جَاءَ بِالْ َ‬
‫‪)84‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫به ‪ ،‬لنا وَددْنا أن نكون مثله‪.‬‬
‫{ وَ ْيكَأَنّهُ ل ُيفْلِحُ ا ْلكَافِرُونَ } يعنون ‪ :‬أنه كان كافرًا ‪ ،‬ول يفلح الكافر عند ال ‪ ،‬ل في الدنيا ول‬
‫في الخرة‪.‬‬
‫وقد اختلف النحاة في معنى قوله تعالى [ها هنا] (‪ { : )1‬وَ ْيكَأَنّ } ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬معناها ‪" :‬ويلك‬
‫خفّفت فقيل ‪" :‬ويك" ‪ ،‬ودلّ فتح "أن" على حذف "اعلم"‪ .‬وهذا القول ضعّفه ابن‬
‫اعلم أن" ‪ ،‬ولكن ُ‬
‫جرير (‪ ، )2‬والظاهر أنه قوي ‪ ،‬ول يشكل على ذلك إل كتابتها في المصاحف متصلة "ويكأن"‪.‬‬
‫والكتابة أمر وضعي اصطلحي ‪ ،‬والمرجع إلى اللفظ العربي ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬معناها ‪ :‬ويكأن ‪ ،‬أي ‪ :‬ألم تر أن‪ .‬قاله قتادة‪ .‬وقيل ‪ :‬معناها "وي كأن" ‪ ،‬ففصلها وجعل‬
‫حرف "وي" (‪ )3‬للتعجب أو للتنبيه ‪ ،‬و"كأن" بمعنى "أظن وأحسب"‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬وأقوى‬
‫القوال في هذا قول قتادة ‪ :‬إنها بمعنى ‪ :‬ألم تر أن ‪ ،‬واستشهد بقول الشاعر (‪: )4‬‬
‫سَألَتَاني الطّلق أنْ رَأتَاني‪َ ...‬قلّ مَالي ‪ ،‬وقَدْ جئْ ُتمَاني بِنُكر‪...‬‬
‫ش ضُرّ‪...‬‬
‫ب ومن َيفْتقر يَعش عَي َ‬
‫وَيْكأنْ مَنْ يكُن له نَشَب يُحْ‪َ ...‬ب ْ‬
‫ض وَل َفسَادًا وَا ْلعَاقِبَةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪ )83‬مَنْ‬
‫جعَُلهَا لِلّذِينَ ل يُرِيدُونَ عُُلوّا فِي ال ْر ِ‬
‫{ تِ ْلكَ الدّارُ الخِ َرةُ َن ْ‬
‫عمِلُوا السّيّئَاتِ إِل مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‬
‫حسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِ ْنهَا َومَنْ جَاءَ بِالسّيّ َئةِ فَل يُجْزَى الّذِينَ َ‬
‫جَاءَ بِالْ َ‬
‫‪.} )84‬‬
‫يخبر تعالى أن الدار الخرة ونعيمها المقيم الذي ل يحول ول يزول ‪ ،‬جعلها لعباده المؤمنين‬
‫المتواضعين ‪ ،‬الذين ل يريدون علوّا في الرض ‪ ،‬أي ‪ :‬ترفعًا على خلق ال وتعاظمًا عليهم‬
‫وتجبرًا بهم ‪ ،‬ول فسادًا فيهم‪ .‬كما قال عكرمة ‪ :‬العلو ‪ :‬التجبر‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬العلو ‪ :‬البغي‪.‬‬
‫وقال سفيان بن سعيد الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مسلم (‪ )5‬البطين ‪ :‬العلو في الرض ‪ :‬التكبر‬
‫بغير حق‪ .‬والفساد ‪ :‬أخذ المال بغير حق‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج ‪ { :‬ل يُرِيدُونَ عُُلوّا فِي ال ْرضِ } تعظمًا وتجبرًا (‪ { ، )6‬وَل فَسَادًا } ‪ :‬عمل‬
‫بالمعاصي‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن أشعث السمان (‪ ، )7‬عن أبى سلم‬
‫العرج ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه ‪،‬‬
‫ض وَل َفسَادًا‬
‫جعَُلهَا لِلّذِينَ ل يُرِيدُونَ عُُلوّا فِي ال ْر ِ‬
‫فيدخل (‪ )8‬في قوله ‪ { :‬تِ ْلكَ الدّارُ الخِ َرةُ َن ْ‬
‫وَا ْلعَاقِبَةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)20/77‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬هو زيد بن عمرو بن نفيل ‪ ،‬والبيت في تفسير الطبري (‪.)20/77‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬سالم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬ول تجبرا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬أشعب السماك"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬فدخل"‪.‬‬

‫( ‪)6/258‬‬

‫وهذا محمول على ما إذا أراد [بذلك] (‪ )1‬الفخر [والتطاول] (‪ )2‬على غيره ؛ فإن ذلك مذموم ‪،‬‬
‫كما ثبت في الصحيح ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم [أنه قال] (‪ )3‬إنه أوحي إليّ أن تواضَعُوا ‪،‬‬
‫حتى ل يفخَرَ أحد على أحد ‪ ،‬ول يبغي أحد على أحد" (‪ ، )4‬وأما إذا أحب ذلك لمجرد التجمّل‬
‫فهذا ل بأس به ‪ ،‬فقد ثبت أن رجل قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني أحب أن يكون ردائي حسنًا ونعلي‬
‫حسنة ‪ ،‬أفمن الكبر ذلك ؟ فقال ‪" :‬ل إن ال جميل يحبّ الجمال"‪.‬‬
‫وقال (‪ { : )5‬مَنْ جَاءَ بِالْحَسَ َنةِ } أي ‪ :‬يوم القيامة { فََلهُ خَيْرٌ مِ ْنهَا } أي ‪ :‬ثواب ال خير من‬
‫حسَنَة العبد ‪ ،‬فكيف وال يضاعفه أضعافًا كثيرة فهذا (‪ )6‬مقام الفضل‪.‬‬
‫َ‬
‫عمِلُوا السّيّئَاتِ إِل مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } ‪ ،‬كما قال في‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومَنْ جَاءَ بِالسّيّئَةِ فَل ُيجْزَى الّذِينَ َ‬
‫ت وُجُو ُههُمْ فِي النّارِ َهلْ ُتجْ َزوْنَ إِل مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ }‬
‫الية الخرى ‪َ { :‬ومَنْ جَاءَ بِالسّيّئَةِ َفكُ ّب ْ‬
‫[ النمل ‪ ] 90 :‬وهذا مقام الفصل والعدل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪ )2865‬من حديث عياض بن حمار رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬وهذا"‪.‬‬

‫( ‪)6/259‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إِنّ الّذِي فَ َرضَ عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآَنَ لَرَا ّدكَ إِلَى َمعَادٍ ُقلْ رَبّي أَعَْلمُ مَنْ جَاءَ بِا ْلهُدَى َومَنْ ُهوَ فِي ضَلَالٍ‬
‫ظهِيرًا لِ ْلكَافِرِينَ (‬
‫حمَةً مِنْ رَ ّبكَ فَلَا َتكُونَنّ َ‬
‫مُبِينٍ (‪َ )85‬ومَا كُ ْنتَ تَ ْرجُو أَنْ يُ ْلقَى إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابُ إِلّا َر ْ‬
‫ك وَلَا َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ (‪)87‬‬
‫ك وَا ْدعُ إِلَى رَ ّب َ‬
‫‪ )86‬وَلَا َيصُدّ ّنكَ عَنْ آَيَاتِ اللّهِ َبعْدَ إِذْ أُنْزَِلتْ إِلَ ْي َ‬
‫جعُونَ (‪)88‬‬
‫حكْ ُم وَإِلَيْهِ تُرْ َ‬
‫جهَهُ لَهُ ا ْل ُ‬
‫شيْءٍ هَاِلكٌ إِلّا وَ ْ‬
‫وَلَا تَ ْدعُ مَعَ اللّهِ إَِلهًا َآخَرَ لَا إَِلهَ إِلّا ُهوَ ُكلّ َ‬

‫{ إِنّ الّذِي فَ َرضَ عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآنَ لَرَا ّدكَ إِلَى َمعَادٍ ُقلْ رَبّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِا ْل ُهدَى َومَنْ ُهوَ فِي ضَللٍ‬
‫ظهِيرًا لِ ْلكَافِرِينَ (‬
‫ح َمةً مِنْ رَ ّبكَ فَل َتكُونَنّ َ‬
‫مُبِينٍ (‪َ )85‬ومَا كُ ْنتَ تَ ْرجُو أَنْ يُ ْلقَى إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابُ إِل رَ ْ‬
‫ك وَا ْدعُ إِلَى رَ ّبكَ وَل َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ (‪)87‬‬
‫‪ )86‬وَل َيصُدّ ّنكَ عَنْ آيَاتِ اللّهِ َبعْدَ إِذْ أُنزَلتْ إِلَ ْي َ‬
‫جعُونَ (‪.} )88‬‬
‫حكْ ُم وَإِلَيْهِ تُرْ َ‬
‫جهَهُ لَهُ ا ْل ُ‬
‫شيْءٍ هَاِلكٌ إِل وَ ْ‬
‫وَل َت ْدعُ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ ل إَِلهَ إِل ُهوَ ُكلّ َ‬
‫يقول تعالى آمرًا رسولَه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬ببلغ الرسالة وتلوة القرآن على الناس ‪،‬‬
‫ومخبرًا له بأنه سيرده إلى معاد ‪ ،‬وهو يوم القيامة ‪ ،‬فيسأله عما استرعاه من أعباء النبوة ؛ ولهذا‬
‫قال ‪ { :‬إِنّ الّذِي فَ َرضَ عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآنَ لَرَا ّدكَ إِلَى َمعَادٍ } أي ‪ :‬افترض عليك أداءه إلى الناس ‪،‬‬
‫{ لَرَا ّدكَ إِلَى َمعَادٍ } أي ‪ :‬إلى يوم القيامة فيسألك عن ذلك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ‬
‫سلَ فَ َيقُولُ مَاذَا‬
‫جمَعُ اللّهُ الرّ ُ‬
‫سلَ إِلَ ْيهِمْ وَلَنَسْأَلَنّ ا ْلمُرْسَلِينَ } [ العراف ‪ ، ] 6 :‬وقال { َيوْمَ َي ْ‬
‫أُرْ ِ‬
‫أُجِبْ ُتمْ [قَالُوا ل عِلْمَ لَنَا إِ ّنكَ أَ ْنتَ عَلمُ ا ْلغُيُوبِ] (‪ [ } )1‬المائدة ‪[ ] 109 :‬وقال] ‪َ { )2( :‬وجِيءَ‬
‫شهَدَاءِ } [ الزمر ‪.] 69 :‬‬
‫ن وَال ّ‬
‫بِالنّبِيّي َ‬
‫وقال السدي عن أبي صالح ‪ ،‬عن (‪ )3‬ابن عباس ‪ { :‬إِنّ الّذِي فَ َرضَ عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآنَ لَرَا ّدكَ إِلَى‬
‫َمعَادٍ } ‪ ،‬يقول ‪ :‬لرادّك إلى الجنة ‪ ،‬ثم سائلك عن القرآن‪ .‬قال السدي ‪ :‬وقال أبو سعيد مثلها‪.‬‬
‫عكْرمِة ‪[ ،‬و] (‪ )4‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ { :‬لَرَا ّدكَ إِلَى‬
‫وقال الحكم بن أَبان ‪ ،‬عن ِ‬
‫َمعَادٍ } قال ‪ :‬إلى يوم القيامة‪ .‬ورواه مالك ‪ ،‬عن الزهري‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)6/259‬‬

‫وقال الثوري ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس (‪ { : )1‬لَرَا ّدكَ إِلَى َمعَادٍ } ‪:‬‬
‫إلى الموت‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ولهذا طُ ُرقٌ عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬وفي بعضها ‪ :‬لرادك إلى معدنك من الجنة‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬يحييك يوم القيامة‪ .‬وكذا روي عن عكرمة ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وأبي‬
‫قَزَعَةَ ‪ ،‬وأبي مالك ‪ ،‬وأبي صالح‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬أي وال ‪ ،‬إن له لمعادًا (‪ ، )2‬يبعثه ال يوم القيامة ثم يدخله الجنة‪.‬‬
‫وقد رُوي عن ابن عباس غير ذلك ‪ ،‬كما قال البخاري في التفسير من صحيحه (‪: )3‬‬
‫صفُريّ ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن مقاتل ‪ ،‬أنبأنا يعلى ‪ ،‬حدثنا سفيان ال ُع ْ‬
‫{ لَرَا ّدكَ إِلَى َمعَادٍ } قال ‪ :‬إلى مكة‪.‬‬
‫وهكذا رواه النسائي في تفسير سننه ‪ ،‬وابن جرير من حديث يعلى ‪ -‬وهو ابن عبيد الطّنَافِسيّ ‪-‬‬
‫به (‪ .)4‬وهكذا روى ال َعوْفيّ ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬لَرَا ّدكَ إِلَى َمعَادٍ } أي ‪ :‬لرادك إلى مكة كما‬
‫أخرجك منها‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن مجاهد في قوله ‪ { :‬لَرَا ّدكَ إِلَى َمعَادٍ } ‪ :‬إلى مولدك بمكة‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬وقد روى عن ابن عباس ‪ ،‬ويحيى بن الجزار ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعطية ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬نحو ذلك‪.‬‬
‫[وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر قال ‪ :‬قال سفيان ‪ :‬فسمعناه من مقاتل منذ سبعين سنة ‪ ،‬عن‬
‫حفَة ‪ ،‬اشتاق إلى مكة‬
‫الضحاك] (‪ )5‬قال ‪ :‬لما خرج النبي صلى ال عليه وسلم من مكة ‪ ،‬فبلغ الجُ ْ‬
‫‪ ،‬فأنزل ال عليه ‪ { :‬إِنّ الّذِي فَ َرضَ عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآنَ لَرَا ّدكَ إِلَى َمعَادٍ } إلى مكة‪.‬‬
‫وهذا من كلم الضحاك يقتضي أن هذه الية مدنية ‪ ،‬وإن كان مجموع السورة مكيا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد قال عبد الرزاق ‪ :‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة في قوله ‪ { :‬لَرَا ّدكَ إِلَى َمعَادٍ } قال ‪ :‬هذه مما كان‬
‫ابن عباس يكتمها ‪ ،‬وقد َروَى ابنُ أبي حاتم بسنده عن نعيم القارئ أنه قال في قوله ‪ { :‬لَرَا ّدكَ إِلَى‬
‫َمعَادٍ } قال ‪ :‬إلى بيت المقدس‪.‬‬
‫وهذا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬يرجع إلى قول من فسر ذلك بيوم القيامة ؛ لن بيت المقدس هو أرض‬
‫المحشر والمنشر ‪ ،‬وال الموفق للصواب‪.‬‬
‫ووجه الجمع بين هذه القوال أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوعه إلى مكة ‪ ،‬وهو الفتح الذي‬
‫هو عند ابن عباس أمارة على اقتراب أجله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ ، )6‬كما فسره ابن‬
‫عباس‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وعنه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬إنه لمعاد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬كما روى البخاري بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )11386‬وتفسير الطبري (‪.)20/80‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أجل النبي صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)6/260‬‬

‫ح ْمدِ رَ ّبكَ‬
‫بسورة { ِإذَا جَاءَ َنصْرُ اللّ ِه وَا ْلفَتْحُ وَرَأَ ْيتَ النّاسَ َيدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ َأ ْفوَاجًا‪ .‬فَسَبّحْ بِ َ‬
‫جلُ رسول ال صلى ال عليه وسلم نُعي إليه ‪ ،‬وكان ذلك بحضرة‬
‫وَاسْ َت ْغفِ ْرهُ إِنّهُ كَانَ َتوّابًا } أنه أ َ‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ،‬ووافقه عمر على ذلك ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل أعلم منها غير الذي تعلم‪ .‬ولهذا فسر ابن‬
‫عباس تارة أخرى قوله ‪ { :‬لَرَا ّدكَ إِلَى َمعَادٍ } بالموت ‪ ،‬وتارة بيوم القيامة الذي هو بعد الموت ‪،‬‬
‫وتارة بالجنة التي هي جزاؤه ومصيره على أداء رسالة ال وإبلغها إلى الثقلين ‪ :‬الجن والنس ‪،‬‬
‫ولنه أكمل خلق ال ‪ ،‬وأفصح (‪ )1‬خلق ال ‪ ،‬وأشرف خلق ال على الطلق‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬قلْ رَبّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِا ْلهُدَى َومَنْ ُهوَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ } أي ‪ :‬قل ‪ِ -‬لمَنْ خالفك وكذبك‬
‫يا محمد من قومك من المشركين ومَنْ تبعهم على كفرهم ‪ -‬قل ‪ :‬ربي أعلم بالمهتدي منكم‬
‫ومني ‪ ،‬وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار ‪ ،‬وِلمَنْ تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ثم قال تعالى مذكّرًا لنبيه نعمته العظيمة عليه وعلى العباد إذ أرسله إليهم ‪َ { :‬ومَا كُ ْنتَ تَرْجُو أَنْ‬
‫يُ ْلقَى إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابُ } أي ‪ :‬ما كنت تظن قبل إنزال الوحي (‪ )2‬إليك أن الوحي ينزل عليك ‪ { ،‬إِل‬
‫حمَةً مِنْ رَ ّبكَ } أي ‪ :‬إنما نزل (‪ )3‬الوحي عليك من ال من رحمته بك وبالعباد بسببك ‪ ،‬فإذا‬
‫رَ ْ‬
‫ظهِيرًا } أي ‪ :‬معينًا { لِ ْلكَافِرِينَ } [أي] (‪ : )4‬ولكن فارقهم‬
‫منحك بهذه النعمة العظيمة { فَل َتكُونَنّ َ‬
‫ونابذهم وخالفهم‪.‬‬
‫{ وَل َيصُدّ ّنكَ عَنْ آيَاتِ اللّهِ َبعْدَ إِذْ أُنزَلتْ إِلَ ْيكَ } أي ‪ :‬ل تتأثر لمخالفتهم لك وصدهم الناس عن‬
‫ل كلمتك ‪ ،‬ومؤيدٌ دينك ‪ ،‬ومظهر ما أرسلت‬
‫طريقك (‪ )5‬ل تلوي على ذلك ول تباله ؛ فإن ال ُم ْع ٍ‬
‫(‪ )6‬به على سائر الديان ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَا ْدعُ إِلَى رَ ّبكَ } أي ‪ :‬إلى عبادة ربك وحده ل شريك‬
‫له ‪ { ،‬وَل َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ }‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تَ ْدعُ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ ل إِلَهَ إِل ُهوَ } أي ‪ :‬ل تليق العبادة إل له ول تنبغي اللهية‬
‫إل لعظمته‪.‬‬
‫جهَهُ } ‪ :‬إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم ‪ ،‬الذي تموت الخلئق‬
‫شيْءٍ هَاِلكٌ إِل َو ْ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬كلّ َ‬
‫ل وَالكْرَامِ }‬
‫ول يموت ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬كلّ مَنْ عَلَ ْيهَا فَانٍ * وَيَ ْبقَى َوجْهُ رَ ّبكَ ذُو ا ْلجَل ِ‬
‫شيْءٍ هَاِلكٌ إِل‬
‫[ الرحمن ‪ ، ] 27 ، 26 :‬فعبر بالوجه عن الذات ‪ ،‬وهكذا قوله ها هنا ‪ُ { :‬كلّ َ‬
‫جهَهُ } أي ‪ :‬إل إياه‪.‬‬
‫وَ ْ‬
‫وقد ثبت في الصحيح ‪ ،‬من طريق أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أصدق كلمة قالها شاعر [كلمة] (‪ )7‬لبيد ‪:‬‬
‫طلُ (‪)8‬‬
‫شيْء مَا خَل الَ بَا ِ‬
‫أل كلّ َ‬
‫جهَهُ } أي ‪ :‬إل ما أريد به وجهه ‪،‬‬
‫شيْءٍ هَاِلكٌ إِل وَ ْ‬
‫وقال مجاهد والثوري في قوله ‪ُ { :‬كلّ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وأنصح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الذكر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنزل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬طريقتك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ما أرسلك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وصحيح البخاري‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )3841‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2256‬‬

‫( ‪)6/261‬‬

‫وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له‪.‬‬


‫قال ابن جرير ‪ :‬ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر ‪:‬‬
‫ج ُه وال َع َملُ‪...‬‬
‫حصِيَهُ‪َ ...‬ربّ العبَاد ‪ ،‬إلَيه الوَ ْ‬
‫ستُ مُ ْ‬
‫أسْ َت ْغفِرُ الَ ذنبًا َل ْ‬
‫وهذا القول ل ينافي القول الول ‪ ،‬فإن هذا إخبار عن كل العمال بأنها باطلة إل ما أريد بها وجه‬
‫ال (‪ )1‬عز وجل من العمال الصالحة المطابقة للشريعة‪ .‬والقول الول مقتضاه أن كل الذوات‬
‫فانية (‪ )2‬وهالكة وزائلة إل ذاته (‪ )3‬تعالى ‪ ،‬فإنه الول الخر الذي هو قبل كل شيء وبعد كل‬
‫شيء‪.‬‬
‫قال (‪ )4‬أبو بكر عبد ال بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب "التفكر والعتبار" ‪ :‬حدثنا أحمد بن‬
‫محمد بن أبي بكر ‪ ،‬حدثنا مسلم بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا عمر بن سليم الباهلي ‪ ،‬حدثنا أبو الوليد قال ‪:‬‬
‫كان (‪ )5‬ابن عمر إذا أراد أن يتعاهد قلبه ‪ ،‬يأتي الخربة فيقف على بابها ‪ ،‬فينادي بصوت حزين‬
‫جهَهُ }‪.‬‬
‫شيْءٍ هَاِلكٌ إِل وَ ْ‬
‫فيقول ‪ :‬أين أهلك ؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول ‪ُ { :‬كلّ َ‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬يوم‬
‫ح ْكمُ } أي ‪ :‬الملك والتصرف ‪ ،‬ول معقب لحكمه ‪ { ،‬وَإِلَيْهِ تُ ْر َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬لهُ الْ ُ‬
‫معادكم ‪ ،‬فيجزيكم (‪ )6‬بأعمالكم ‪ ،‬إن كان خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا فشر‪.‬‬
‫[وال أعلم‪ .‬آخر تفسير سورة "القصص"] (‪)7‬‬
‫تفسير سورة العنكبوت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬به وجه ال" وفي أ ‪" :‬به وجهه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬تفنى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وجهه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬بسنده أن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬فيجازيكم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/262‬‬

‫سبَ النّاسُ أَنْ يُتْ َركُوا أَنْ َيقُولُوا َآمَنّا وَهُمْ لَا ُيفْتَنُونَ (‪ )2‬وََلقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ‬
‫حِ‬‫الم (‪ )1‬أَ َ‬
‫سبَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ أَنْ يَسْ ِبقُونَا سَاءَ مَا‬
‫ن صَ َدقُوا وَلَ َيعَْلمَنّ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )3‬أَمْ حَ ِ‬
‫فَلَ َيعَْلمَنّ اللّهُ الّذِي َ‬
‫ح ُكمُونَ (‪)4‬‬
‫يَ ْ‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫[وهي] (‪ )1‬مكية‪.‬‬
‫سبَ النّاسُ أَنْ يُتْ َركُوا أَنْ َيقُولُوا آمَنّا وَ ُهمْ ل ُيفْتَنُونَ (‪ )2‬وََلقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ‬
‫{ الم (‪َ )1‬أحَ ِ‬
‫سبَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ أَنْ يَسْ ِبقُونَا سَاءَ مَا‬
‫ن صَ َدقُوا وَلَ َيعَْلمَنّ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )3‬أَمْ حَ ِ‬
‫فَلَ َيعَْلمَنّ اللّهُ الّذِي َ‬
‫ح ُكمُونَ (‪.} )4‬‬
‫يَ ْ‬
‫أما الكلم على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة "البقرة"‪.‬‬
‫سبَ النّاسُ أَنْ يُتْ َركُوا أَنْ َيقُولُوا آمَنّا وَ ُهمْ ل ُيفْتَنُونَ } استفهام إنكار ‪ ،‬ومعناه ‪ :‬أن ال‬
‫وقوله ‪َ { :‬أحَ ِ‬
‫سبحانه وتعالى ل بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من اليمان ‪ ،‬كما جاء في الحديث‬
‫الصحيح ‪" :‬أشد الناس بلء النبياء ثم الصالحون ‪ ،‬ثم المثل فالمثل ‪ ،‬يبتلى الرجل على حسب‬
‫دينه ‪ ،‬فإن كان في دينه صلبة زيد في البلء" (‪ .)2‬وهذه الية كقوله ‪ { :‬أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَ ْدخُلُوا‬
‫الْجَنّ َة وََلمّا َيعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَا َهدُوا مِ ْنكُ ْم وَ َيعْلَمَ الصّابِرِينَ } (‪[ )3‬آل عمران ‪ ، ]142 :‬ومثلها في‬
‫سورة "براءة" وقال في البقرة ‪ { :‬أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَ ْدخُلُوا الْجَنّ َة وََلمّا يَأْ ِتكُمْ مَ َثلُ الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَبِْلكُمْ‬
‫مَسّ ْتهُمُ الْبَ ْأسَا ُء وَالضّرّا ُء وَزُلْزِلُوا حَتّى َيقُولَ الرّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ مَتَى َنصْرُ اللّهِ أَل إِنّ َنصْرَ‬
‫اللّهِ قَرِيبٌ } [البقرة ‪ ]214 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬وََلقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ فَلَ َيعَْلمَنّ اللّهُ الّذِينَ‬
‫صَ َدقُوا وَلَ َيعَْلمَنّ ا ْلكَاذِبِينَ } أي ‪ :‬الذين صدقوا في دعواهم اليمان ِممّنْ هو كاذب في قوله‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ودعواه‪ .‬وال سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون ‪ ،‬وما لم يكن لو كان كيف يكون (‪ .)4‬وهذا‬
‫مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة ؛ ولهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل ‪ { :‬إِل لِ َنعْلَمَ }‬
‫[البقرة ‪ : ]143 :‬إل لنرى ؛ وذلك أن الرؤية إنما تتعلق بالموجود ‪ ،‬والعلم أعم من الرؤية ‪ ،‬فإنه‬
‫[يتعلق] (‪ )5‬بالمعدوم والموجود‪.‬‬
‫ح ُكمُونَ } أي ‪ :‬ل يحسبن الذين لم‬
‫سبَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ أَنْ َيسْ ِبقُونَا سَاءَ مَا يَ ْ‬
‫حِ‬‫وقوله ‪َ { :‬أمْ َ‬
‫يدخلوا في اليمان أنهم يتخلصون من هذه الفتنة والمتحان ‪ ،‬فإن من ورائهم من العقوبة والنكال‬
‫ما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/172‬والترمذي في السنن برقم (‪ )2398‬من طريق مصعب بن سعد عن أبيه‬
‫سعد بن أبي وقاص رضي ال عنه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬هكذا وقعت الية في جميع المخطوطات ‪ ،‬والصواب بعدم إثبات قوله تعالى ‪( :‬ويعلم‬
‫الصابرين) لنها ليست نهاية تذييل الية ونهاية تذييل الية ‪( :‬ولم يتخذوا من دون ال ول رسوله‬
‫ول المؤمنين وليجة وال خبير بما تعملون)‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كيف كان يكون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/263‬‬

‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪َ )5‬ومَنْ جَا َهدَ فَإِ ّنمَا يُجَا ِهدُ لِ َنفْسِهِ إِنّ‬
‫ت وَ ُهوَ ال ّ‬
‫جلَ اللّهِ لََآ ٍ‬
‫مَنْ كَانَ يَرْجُو ِلقَاءَ اللّهِ فَإِنّ َأ َ‬
‫اللّهَ َلغَنِيّ عَنِ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)6‬‬

‫سبَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ أَنْ َيسْ ِبقُونَا } أي ‪ :‬يفوتونا‬


‫حِ‬‫هو أغلظ من هذا وأطم ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬أمْ َ‬
‫ح ُكمُونَ } أي ‪ :‬بئس ما يظنون‪.‬‬
‫‪ { ،‬سَاءَ مَا َي ْ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪َ )5‬ومَنْ جَا َهدَ فَإِ ّنمَا يُجَا ِهدُ لِ َنفْسِهِ‬
‫ت وَ ُهوَ ال ّ‬
‫جلَ اللّ ِه ل ٍ‬
‫{ مَنْ كَانَ يَ ْرجُو ِلقَاءَ اللّهِ فَإِنّ أَ َ‬
‫إِنّ اللّهَ َلغَ ِنيّ عَنِ ا ْلعَاَلمِينَ (‪} )6‬‬

‫( ‪)6/264‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَ ُن َكفّرَنّ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِت ِه ْم وَلَنَجْزِيَ ّنهُمْ أَحْسَنَ الّذِي كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪)7‬‬
‫وَالّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫ج ُعكُمْ‬
‫ط ْع ُهمَا إَِليّ مَرْ ِ‬
‫َووَصّيْنَا الْإِنْسَانَ ِبوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْ ِركَ بِي مَا لَيْسَ َلكَ ِبهِ عِلْمٌ فَلَا تُ ِ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَنُ ْدخِلَ ّنهُمْ فِي الصّالِحِينَ (‪)9‬‬
‫فَأُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )8‬وَالّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَ ُن َكفّرَنّ عَ ْن ُهمْ سَيّئَا ِتهِ ْم وَلَ َنجْزِيَ ّنهُمْ َأحْسَنَ الّذِي كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‬
‫{ وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫‪.} )7‬‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬مَنْ كَانَ يَ ْرجُو ِلقَاءَ اللّهِ } أي ‪ :‬في الدار الخرة ‪ ،‬وعمل الصالحات رجاء ما عند‬
‫ال من الثواب الجزيل ‪ ،‬فإن ال سيحقق له رجاءه ويوفيه عمله كامل موفورا (‪ ، )1‬فإن ذلك‬
‫كائن ل محالة ؛ لنه سميع الدعاء ‪ ،‬بصير بكل الكائنات (‪ )2‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬مَنْ كَانَ يَ ْرجُو ِلقَاءَ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ }‪.‬‬
‫ت وَ ُهوَ ال ّ‬
‫جلَ اللّ ِه ل ٍ‬
‫اللّهِ فَإِنّ أَ َ‬
‫ع ِملَ صَاِلحًا فَلِ َنفْسِهِ } [فصلت ‪]46 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ جَاهَدَ فَإِ ّنمَا ُيجَاهِدُ لِ َنفْسِهِ } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬مَنْ َ‬
‫أي ‪ :‬من عمل صالحا فإنما يعود نفع عمله على نفسه ‪ ،‬فإن ال غني عن أفعال العباد ‪ ،‬ولو كانوا‬
‫كلهم على أتقى قلب رجل [واحد] (‪ )3‬منهم ‪ ،‬ما زاد ذلك في ملكه شيئا ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَنْ‬
‫سهِ إِنّ اللّهَ َلغَ ِنيّ عَنِ ا ْلعَاَلمِينَ }‪.‬‬
‫جَا َهدَ فَإِ ّنمَا يُجَاهِدُ لِ َنفْ ِ‬
‫قال الحسن البصري ‪ :‬إن الرجل ليجاهد ‪ ،‬وما ضرب يوما من الدهر بسيف‪.‬‬
‫ثم أخبر أنه مع غناه عن الخلئق جميعهم من إحسانه وبره بهم يجازي الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات أحسن الجزاء ‪ ،‬وهو أنه يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا ‪ ،‬ويجزيهم أجرهم بأحسن ما (‬
‫‪ )4‬كانوا يعملون ‪ ،‬فيقبل القليل من الحسنات ‪ ،‬ويثيب عليها الواحدة بعشر أمثالها إلى سبعمائة‬
‫ظلِمُ مِ ْثقَالَ‬
‫ضعف ‪ ،‬ويجزي على السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ل يَ ْ‬
‫ع ْفهَا وَ ُيؤْتِ مِنْ لَدُ ْنهُ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء ‪ ، ]40 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬وَالّذِينَ‬
‫ذَ ّر ٍة وَإِنْ َتكُ حَسَنَةً ُيضَا ِ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَ ُن َكفّرَنّ عَ ْن ُهمْ سَيّئَا ِتهِ ْم وَلَ َنجْزِيَ ّنهُمْ َأحْسَنَ الّذِي كَانُوا َي ْعمَلُونَ }‬
‫آمَنُوا وَ َ‬
‫ط ْع ُهمَا إَِليّ‬
‫{ َو َوصّيْنَا النْسَانَ ِبوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَا َهدَاكَ لِتُشْ ِركَ بِي مَا لَيْسَ َلكَ ِبهِ عِلْمٌ فَل ُت ِ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَنُ ْدخِلَ ّنهُمْ فِي الصّالِحِينَ (‬
‫ج ُعكُمْ فَأُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )8‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫مَرْ ِ‬
‫‪.} )9‬‬
‫يقول تعالى آمرا عباده بالحسان إلى الوالدين بعد الحث على التمسك بتوحيده ‪ ،‬فإن الوالدين هما‬
‫سبب وجود النسان ‪ ،‬ولهما عليه (‪ )5‬غاية الحسان ‪ ،‬فالوالد بالنفاق والوالدة بالشفاق ؛ ولهذا‬
‫حدُ ُهمَا َأوْ‬
‫قال تعالى ‪َ { :‬و َقضَى رَ ّبكَ أَل َتعْبُدُوا إِل إِيّا ُه وَبِا ْلوَالِدَيْنِ ِإحْسَانًا ِإمّا يَبُْلغَنّ عِ ْن َدكَ ا ْلكِبَرَ أَ َ‬
‫حمَةِ‬
‫خ ِفضْ َل ُهمَا جَنَاحَ ال ّذلّ مِنَ الرّ ْ‬
‫ف وَل تَ ْنهَرْ ُهمَا َو ُقلْ َل ُهمَا َقوْل كَرِيمًا ‪ ،‬وَا ْ‬
‫كِل ُهمَا فَل َتقُلْ َل ُهمَا ُأ ّ‬
‫صغِيرًا } [السراء ‪.]24 ، 23 :‬‬
‫ح ْم ُهمَا َكمَا رَبّيَانِي َ‬
‫َوقُلْ رَبّي ارْ َ‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬موفرا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬بصير بالكائنات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬إليه"‪.‬‬

‫( ‪)6/264‬‬

‫ج َعلَ فِتْ َنةَ النّاسِ َكعَذَابِ اللّ ِه وَلَئِنْ جَاءَ َنصْرٌ مِنْ‬
‫َومِنَ النّاسِ مَنْ َيقُولُ َآمَنّا بِاللّهِ فَإِذَا أُو ِذيَ فِي اللّهِ َ‬
‫علَمَ ِبمَا فِي صُدُورِ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )10‬وَلَ َيعَْلمَنّ اللّهُ الّذِينَ َآمَنُوا‬
‫رَ ّبكَ لَ َيقُولُنّ إِنّا كُنّا َم َعكُمْ َأوَلَيْسَ اللّهُ بِأَ ْ‬
‫وَلَ َيعَْلمَنّ ا ْلمُنَافِقِينَ (‪)11‬‬

‫ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والحسان إليهما ‪ ،‬في مقابلة إحسانهما المتقدم ‪ ،‬قال ‪ { :‬وَإِنْ‬
‫ط ْع ُهمَا } أي ‪ :‬وإن حَرَصا عليك أن تتابعهما على‬
‫جَا َهدَاكَ لِتُشْ ِركَ بِي مَا لَيْسَ َلكَ بِهِ عِ ْلمٌ فَل تُ ِ‬
‫دينهما إذا كانا مشركين ‪ ،‬فإياك وإياهما ‪ ،‬ل تطعهما في ذلك ‪ ،‬فإن مرجعكم إلي يوم القيامة ‪،‬‬
‫فأجزيك بإحسانك إليهما ‪ ،‬وصبرك على دينك ‪ ،‬وأحشرك مع الصالحين ل في زمرة والديك ‪،‬‬
‫وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا ‪ ،‬فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع مَنْ أحب ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَ ُندْخِلَ ّنهُمْ فِي الصّاِلحِينَ }‪.‬‬
‫حبا دينيا ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫وقال (‪ )1‬الترمذي عند تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا محمد‬
‫سمَاك بن حرب قال ‪ :‬سمعت مُصعَب بن سعد يحدث عن أبيه سعد‬
‫بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن ِ‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬نزلت فيّ أربع آيات‪ .‬فذكر قصة ‪ ،‬وقالت أم سعد ‪ :‬أليس قد أمرك ال بالبر ؟ وال ل‬
‫شجَروا‬
‫أط َعمُ طعاما ول أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر ‪ ،‬قال ‪ :‬فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها َ‬
‫فاها ‪ ،‬فأنزل ال (‪َ { )2‬ووَصّيْنَا النْسَانَ ِبوَاِلدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ } الية‪.‬‬
‫وهذا الحديث رواه المام أحمد ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي أيضا (‪ ، )3‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن صحيح‪.‬‬
‫ج َعلَ فِتْنَةَ النّاسِ َكعَذَابِ اللّهِ وَلَئِنْ جَاءَ َنصْرٌ‬
‫{ َومِنَ النّاسِ مَنْ َيقُولُ آمَنّا بِاللّهِ فَإِذَا أُو ِذيَ فِي اللّهِ َ‬
‫علَمَ ِبمَا فِي صُدُورِ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )10‬وَلَ َيعَْلمَنّ اللّهُ الّذِينَ‬
‫مِنْ رَ ّبكَ لَ َيقُولُنّ إِنّا كُنّا َم َعكُمْ َأوَلَيْسَ اللّهُ بِأَ ْ‬
‫آمَنُوا وَلَ َيعَْلمَنّ ا ْلمُنَافِقِينَ (‪.} )11‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن صفات قوم من [المكذبين] (‪ )4‬الذين يدعون اليمان بألسنتهم ‪ ،‬ولم يثبت‬
‫اليمان في قلوبهم ‪ ،‬بأنهم إذا جاءتهم فتنة ومحنة في الدنيا ‪ ،‬اعتقدوا أن هذا من نقمة ال تعالى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج َعلَ‬
‫بهم ‪ ،‬فارتدوا عن السلم ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ َيقُولُ آمَنّا بِاللّهِ فَإِذَا أُو ِذيَ فِي اللّهِ َ‬
‫فِتْنَةَ النّاسِ َكعَذَابِ اللّهِ }‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬يعني فتنته أن يرتد عن دينه إذا أوذي في ال‪ .‬وكذا قال غيره من علماء السلف‪.‬‬
‫طمَأَنّ ِب ِه وَإِنْ‬
‫وهذه الية كقوله تعالى ‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ َيعْ ُبدُ اللّهَ عَلَى حَ ْرفٍ فَإِنْ َأصَابَهُ خَيْرٌ ا ْ‬
‫خسْرَانُ ا ْلمُبِينُ } [الحج ‪.]11 :‬‬
‫جهِهِ خَسِرَ الدّنْيَا وَالخِ َرةَ ذَِلكَ ُهوَ الْ ُ‬
‫َأصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ا ْنقَلَبَ عَلَى وَ ْ‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَلَئِنْ جَاءَ َنصْرٌ مِنْ رَ ّبكَ لَ َيقُولُنّ إِنّا كُنّا َم َعكُمْ } أي ‪ :‬ولئن جاء نصر قريب من ربك ‪-‬‬
‫يا محمد ‪ -‬وفتح ومغانم ‪ ،‬ليقولن هؤلء لكم ‪ :‬إنا كنا معكم ‪ ،‬أي [كنا] (‪ )5‬إخوانكم في الدين ‪،‬‬
‫كما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فنزلت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪ )3079‬والمسند (‪ )1/181‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1748‬وسنن أبي داود‬
‫برقم (‪.)2740‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)6/265‬‬

‫خطَايَا ُهمْ مِنْ‬


‫ح ِملْ خَطَايَا ُك ْم َومَا هُمْ ِبحَامِلِينَ مِنْ َ‬
‫َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلّذِينَ َآمَنُوا اتّ ِبعُوا سَبِيلَنَا وَلْ َن ْ‬
‫عمّا كَانُوا َيفْتَرُونَ‬
‫حمِلُنّ أَ ْثقَاَلهُ ْم وَأَ ْثقَالًا مَعَ أَ ْثقَاِلهِ ْم وَلَيُسْأَلُنّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َ‬
‫شيْءٍ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (‪ )12‬وَلَيَ ْ‬
‫َ‬
‫(‪)13‬‬

‫قال تعالى ‪ { :‬الّذِينَ يَتَرَ ّبصُونَ ِبكُمْ فَإِنْ كَانَ َلكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللّهِ قَالُوا أَلَمْ َنكُنْ َم َعكُ ْم وَإِنْ كَانَ لِ ْلكَافِرِينَ‬
‫حوِذْ عَلَ ْيكُمْ وَ َنمْنَ ْعكُمْ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } [النساء ‪ ، ]141 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ف َعسَى‬
‫َنصِيبٌ قَالُوا أََلمْ نَسْ َت ْ‬
‫سهِمْ نَا ِدمِينَ } [المائدة ‪.]52 :‬‬
‫اللّهُ أَنْ يَأْ ِتيَ بِا ْلفَتْحِ َأوْ َأمْرٍ مِنْ عِ ْن ِدهِ فَ ُيصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرّوا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫وقال تعالى مخبرا عنهم هاهنا ‪ { :‬وَلَئِنْ جَاءَ َنصْرٌ مِنْ رَ ّبكَ لَ َيقُولُنّ إِنّا كُنّا َم َعكُمْ } ‪ ،‬ثم قال تعالى‬
‫‪َ { :‬أوَلَيْسَ اللّهُ بِأَعَْلمَ ِبمَا فِي صُدُورِ ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬أوليس ال بأعلم بما في قلوبهم ‪ ،‬وما تكنّه‬
‫ضمائرهم ‪ ،‬وإن أظهروا لكم الموافقة ؟‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَ َيعَْلمَنّ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَلَ َيعَْلمَنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ } أي ‪ :‬وليختبرَنّ ال الناس بالضراء‬
‫والسراء ‪ ،‬ليتميز هؤلء من هؤلء ‪ ،‬ومن يطيع ال في الضراء والسراء ‪ ،‬إنما يطيعه في حظ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَنَبُْلوَ أَخْبَا َركُمْ } [محمد‬
‫نفسه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَلَنَبُْلوَ ّنكُمْ حَتّى َنعَْلمَ ا ْلمُجَا ِهدِينَ مِ ْنكُ ْم وَالصّابِرِي َ‬
‫‪ ، ]31 :‬وقال تعالى بعد وقعة أحد ‪ ،‬التي كان فيها ما كان من الختبار والمتحان ‪ { :‬مَا كَانَ اللّهُ‬
‫لِيَذَرَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى َيمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّ ّيبِ } الية [آل عمران ‪[ ، ]179 :‬وال‬
‫أعلم] (‪.)1‬‬
‫خطَايَاكُ ْم َومَا ُهمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ‬
‫ح ِملْ َ‬
‫{ َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا اتّ ِبعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَ ْ‬
‫عمّا كَانُوا َيفْتَرُونَ‬
‫حمِلُنّ أَ ْثقَاَلهُ ْم وَأَ ْثقَال مَعَ أَ ْثقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َ‬
‫شيْءٍ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (‪ )12‬وَلَيَ ْ‬
‫َ‬
‫(‪.} )13‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن كفار قريش ‪ :‬أنهم قالوا ِلمَنْ آمن منهم واتبع الهدى ‪ :‬ارجعوا عن دينكم‬
‫خطَايَاكُمْ } أي ‪ :‬وآثامكم ‪ -‬إن كانت لكم آثام في ذلك ‪-‬‬
‫ح ِملْ َ‬
‫إلى ديننا ‪ ،‬واتبعوا سبيلنا ‪ { ،‬وَلْنَ ْ‬
‫علينا وفي رقابنا ‪ ،‬كما يقول القائل ‪" :‬افعل هذا وخطيئتك في رقبتي"‪ .‬قال ال تكذيبا لهم ‪َ { :‬ومَا‬
‫شيْءٍ إِ ّن ُهمْ َلكَاذِبُونَ } أي ‪ :‬فيما قالوه ‪ :‬إنهم يحملون عن أولئك‬
‫هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَا ُهمْ مِنْ َ‬
‫شيْ ٌء وََلوْ كَانَ‬
‫ح َملْ مِنْهُ َ‬
‫حمِْلهَا ل يُ ْ‬
‫خطاياهم ‪ ،‬فإنه ل يحمل أحد وزر أحد ‪ { ،‬وَإِنْ تَ ْدعُ مُ ْثقَلَةٌ إِلَى ِ‬
‫حمِيمًا‪ .‬يُ َبصّرُونَهُمْ } [المعارج ‪، 10 :‬‬
‫حمِيمٌ َ‬
‫ذَا قُرْبَى } [فاطر ‪ ، ]18 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَل َيسَْألُ َ‬
‫‪.]11‬‬
‫حمِلُنّ أَ ْثقَاَلهُمْ وَأَثْقَال مَعَ أَ ْثقَاِلهِمْ } ‪ :‬إخبار عن الدعاة إلى الكفر والضللة ‪ ،‬أنهم يوم‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَيَ ْ‬
‫ن أضلوا مِنَ الناس ‪ ،‬من غير أن ينقص من‬
‫القيامة يحملون أوزار أنفسهم ‪ ،‬وأوزارًا أخَر بسبب مَ ْ‬
‫حمِلُوا َأوْزَارَهُمْ كَامِلَةً َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َومِنْ َأوْزَارِ الّذِينَ‬
‫أوزار أولئك شيئا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬لِ َي ْ‬
‫ُيضِلّو َنهُمْ ِبغَيْرِ عِلْمٍ أَل سَاءَ مَا يَزِرُونَ } [النحل ‪.]25 :‬‬
‫وفي الصحيح ‪" :‬من دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة ‪ ،‬من‬
‫غير أن ينقص من أجورهم شيئا ‪َ ،‬ومَنْ دعا إلى ضللة كان عليه مِنَ الثم مثل آثام مَنِ اتبعه إلى‬
‫يوم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)6/266‬‬

‫خمْسِينَ عَامًا فََأخَ َذهُمُ الطّوفَانُ وَهُمْ ظَاِلمُونَ (‬


‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى َق ْومِهِ فَلَ ِبثَ فِيهِمْ أَ ْلفَ سَنَةٍ إِلّا َ‬
‫‪)14‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫القيامة ‪ ،‬من غير أن ينقص من آثامهم شيئا" (‪ )1‬وفي الصحيح ‪" :‬ما قتلت نفس ظلما إل كان‬
‫ن القتل" (‪.)2‬‬
‫على ابن آدم الول كفل من دمها ؛ لنه أول من سَ ّ‬
‫عمّا كَانُوا َيفْتَرُونَ } أي ‪ :‬يكذبون ويختلقون من البهتان‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَيُسْأَلُنّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َ‬
‫وقد ذكر (‪ )3‬ابن أبي حاتم هاهنا حديثا فقال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا صدقة ‪،‬‬
‫حدثنا عثمان بن حفص بن أبي العالية ‪ ،‬حدثني سليمان بن حبيب المحاربي (‪ )4‬عن أبي أمامة ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم بلغ ما أرسل به ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إياكم‬
‫والظلم ‪ ،‬فإن ال يعزم يوم القيامة فيقول ‪ :‬وعزتي ل يجوزني اليوم ظلم! ثم ينادي مناد فيقول ‪:‬‬
‫أين فلن ابن فلن ؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال ‪ ،‬فيشخص الناس إليها أبصارهم حتى‬
‫يقوم بين يدي ال الرحمن عز وجل ثم يأمر المنادي فينادي (‪ )5‬من كانت له تِبَاعة ‪ -‬أو ‪ :‬ظُلمة‬
‫‪ -‬عند فلن ابن فلن ‪ ،‬فهلمّ‪ .‬فيقبلون حتى يجتمعوا قياما بين يدي الرحمن ‪ ،‬فيقول الرحمن ‪:‬‬
‫اقضوا عن عبدي‪ .‬فيقولون ‪ :‬كيف نقضي عنه ؟ فيقول لهم ‪ :‬خذوا لهم من حسناته‪ .‬فل يزالون‬
‫يأخذون منها حتى ل يبقى له حسنة ‪ ،‬وقد بقي من أصحاب الظلمات ‪ ،‬فيقول ‪ :‬اقضوا عن‬
‫عبدي‪ .‬فيقولون ‪ :‬لم يبق له حسنة‪ .‬فيقول ‪ :‬خذوا من سيئاتهم فاحملوها عليه"‪ .‬ثم نزع النبي صلى‬
‫عمّا‬
‫حمِلُنّ أَ ْثقَاَلهُ ْم وَأَ ْثقَال مَعَ أَ ْثقَاِلهِ ْم وَلَيُسْأَلُنّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َ‬
‫ال عليه وسلم بهذه الية الكريمة ‪ { :‬وَلَيَ ْ‬
‫كَانُوا َيفْتَرُونَ }‪.‬‬
‫وهذا الحديث له شاهد (‪ )6‬في الصحيح (‪ )7‬من غير هذا الوجه‪.‬‬
‫وقال (‪ )8‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن أبي الحواري ‪ ،‬حدثنا أبو بشر الحذاء ‪ ،‬عن أبي حمزة (‬
‫‪ )9‬الثمالي ‪ ،‬عن معاذ بن جبل ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"يا معاذ ‪ ،‬إن المؤمن يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه ‪ ،‬حتى عن ُكحْل عينيه ‪ ،‬وعن فتات‬
‫الطينة بإصبعيه (‪ ، )10‬فل أ ْلفَيَ ّنكَ تأتي يوم القيامة وأحد أسعد بما آتاك (‪ )11‬ال منك" (‪.)12‬‬
‫خمْسِينَ عَامًا فَأَخَ َذهُمُ الطّوفَانُ وَهُمْ ظَاِلمُونَ (‬
‫{ وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا نُوحًا إِلَى َق ْومِهِ فَلَ ِبثَ فِيهِمْ أَ ْلفَ سَ َنةٍ إِل َ‬
‫‪} )14‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم تخريج الحديث عند الية ‪ 2 :‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم تخريج الحديث عند الية ‪ 30 :‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬البخاري"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أن ينادي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬شواهد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬بعدها في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إن الرجل ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال وقد ظلم هذا ‪ ،‬وأخذ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مال هذا ‪ ،‬وأخذ من عرض هذا ‪ ،‬فيأخذ هذا من حسناته ‪ ،‬وهذا من حسناته ‪ ،‬فإذا لم يبق له حسنة‬
‫‪ ،‬أخذ من سيئاتهم ‪ ،‬فطرح عليه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عن أبي النسائي"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬بإصبعه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أتاه"‪.‬‬
‫(‪ )12‬ورواه أبو نعيم في الحلية ( ‪ )10/31‬من طريق إسحاق بن أبي حسان عن أحمد بن أبي‬
‫الحواري به‪.‬‬

‫( ‪)6/267‬‬

‫جعَلْنَاهَا آَ َيةً لِ ْلعَاَلمِينَ (‪)15‬‬


‫سفِينَةِ وَ َ‬
‫فَأَنْجَيْنَا ُه وََأصْحَابَ ال ّ‬

‫جعَلْنَاهَا آيَةً لِ ْلعَاَلمِينَ (‪.} )15‬‬


‫سفِينَ ِة وَ َ‬
‫{ فَأَ ْنجَيْنَا ُه وََأصْحَابَ ال ّ‬
‫هذه تسلية من ال تعالى لعبده ورسوله محمد صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬يخبره عن نوح (‪)1‬‬
‫عليه السلم ‪ :‬أنه مكث (‪ )2‬في قومه هذه المدة يدعوهم إلى ال ليل ونهارًا ‪ ،‬وسرا ‪ ،‬وجهارًا ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬قوم نوح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬لبث"‪.‬‬

‫( ‪)6/267‬‬

‫ومع هذا ما زادهم ذلك إل فرارا عن الحق ‪ ،‬وإعراضا عنه وتكذيبا له ‪ ،‬وما آمن معه منهم إل‬
‫ن وَهُمْ ظَاِلمُونَ } أي ‪:‬‬
‫خذَهُمُ الطّوفَا ُ‬
‫خمْسِينَ عَامًا فَأَ َ‬
‫قليل ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَلَ ِبثَ فِيهِمْ أَ ْلفَ سَنَةٍ إِل َ‬
‫ن كفر‬
‫بعد هذه المدة الطويلة ما نجع فيهم البلغ والنذار ‪ ،‬فأنت ‪ -‬يا محمد ‪ -‬ل تأسف على مَ ْ‬
‫بك من قومك ‪ ،‬ول تحزن عليهم ؛ فإن ال يهدي مَنْ يشاء ويضل مَنْ يشاء ‪ ،‬وبيده المر وإليه‬
‫حقّتْ عَلَ ْيهِمْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ‪ .‬وََلوْ جَاءَ ْت ُهمْ ُكلّ آيَةٍ حَتّى يَ َروُا‬
‫ترجع (‪ )1‬المور ‪ { ،‬إِنّ الّذِينَ َ‬
‫ا ْلعَذَابَ اللِيمَ } [يونس ‪ ، ]97 ، 96 :‬واعلم أن ال سيظهرك وينصرك ويؤيدك ‪ ،‬ويذل عدوّك ‪،‬‬
‫ويكبتهم ويجعلهم أسفل السافلين‪.‬‬
‫قال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن ماهَك (‪ ، )2‬عن ابن عباس قال ‪ :‬بعث‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نوح وهو لربعين سنة ‪ ،‬ولبث في قومه ألف سنة إل خمسين عاما ‪ ،‬وعاش بعد الطوفان ستين‬
‫عاما ‪ ،‬حتى كثر الناس وفشوا‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬يقال إن عمره كله [كان] (‪ )3‬ألف سنة إل خمسين عاما ‪ ،‬لبث فيهم قبل أن يدعوهم‬
‫ثلثمائة سنة ‪ ،‬ودعاهم ثلثمائة ولبث بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة‪.‬‬
‫وهذا قول غريب ‪ ،‬وظاهر السياق من الية أنه مكث في قومه يدعوهم إلى ال ألف سنة إل‬
‫خمسين عاما‪.‬‬
‫وقال عون بن أبي شداد ‪ :‬إن ال أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلثمائة سنة ‪ ،‬فدعاهم‬
‫ألف سنة إل خمسين عاما ‪ ،‬ثم عاش بعد ذلك ثلثمائة وخمسين سنة‪.‬‬
‫وهذا أيضا غريب ‪ ،‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وقول ابن عباس أقرب ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن سلمة بن ُكهَيْل ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬قال لي ابن عمر ‪ :‬كم لبث نوح في‬
‫قومه ؟ قال ‪ :‬قلت ألف سنة إل خمسين عاما‪ .‬قال ‪ :‬فإن الناس لم يزالوا في نقصان من أعمارهم‬
‫وأحلمهم وأخلقهم إلى يومك هذا‪.‬‬
‫سفِينَةِ } أي ‪ :‬الذين آمنوا بنوح عليه السلم‪ .‬وقد تقدّم ذكر ذلك‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَ ْنجَيْنَا ُه وََأصْحَابَ ال ّ‬
‫مفصل في سورة "هود" ‪ ،‬وتقدّم تفسيره بما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫جعَلْنَاهَا آيَةً لِ ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬وجعلنا تلك السفينة باقية ‪ ،‬إما عينها كما قال قتادة ‪ :‬إنها‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫بقيت إلى أول السلم على جبل الجودي ‪ ،‬أو نوعها جعله للناس تذكرة لنعمه على الخلق ‪ ،‬كيف‬
‫حمَلْنَا ذُرّيّ َتهُمْ فِي ا ْلفُ ْلكِ ا ْلمَشْحُونِ‪ .‬وَخََلقْنَا َلهُمْ‬
‫نجاهم من الطوفان ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَآيَةٌ َلهُمْ أَنّا َ‬
‫حمَةً مِنّا َومَتَاعًا إِلَى‬
‫مِنْ مِثْلِهِ مَا يَ ْركَبُونَ‪ .‬وَإِنْ نَشَأْ ُنغْ ِر ْقهُمْ فَل صَرِيخَ َل ُه ْم وَل ُهمْ يُ ْنقَذُونَ‪ .‬إِل َر ْ‬
‫جعََلهَا َلكُمْ‬
‫حمَلْنَاكُمْ فِي ا ْلجَارِيَةِ‪ .‬لِ َن ْ‬
‫طغَى ا ْلمَاءُ َ‬
‫حِينٍ } [يس ‪ ، ]44 - 41 :‬وقال تعالى ‪ { :‬إِنّا َلمّا َ‬
‫سفِينَةِ‬
‫ن وَاعِيَةٌ } [الحاقة ‪ ، ]12 ، 11 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬فَأَ ْنجَيْنَا ُه وََأصْحَابَ ال ّ‬
‫تَ ْذكِ َر ًة وَ َتعِ َيهَا أُذُ ٌ‬
‫جعَلْنَاهَا آيَةً لِ ْلعَاَلمِينَ } ‪ ،‬وهذا من باب التدريج من الشخص إلى الجنس ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ‬
‫وَ َ‬
‫جعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشّيَاطِينِ } [الملك ‪]5 :‬‬
‫ح وَ َ‬
‫سمَاءَ الدّنْيَا ِب َمصَابِي َ‬
‫زَيّنّا ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬يرجع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وائل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/268‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وَإِبْرَاهِيمَ ِإذْ قَالَ ِل َقوْمِهِ اعْ ُبدُوا اللّهَ وَاتّقُوهُ ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪ )16‬إِ ّنمَا َتعْبُدُونَ مِنْ‬
‫دُونِ اللّهِ َأوْثَانًا وَتَخُْلقُونَ ِإ ْفكًا إِنّ الّذِينَ َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَا َيمِْلكُونَ َلكُمْ رِ ْزقًا فَابْ َتغُوا عِ ْندَ اللّهِ‬
‫جعُونَ (‪ )17‬وَإِنْ ُتكَذّبُوا َفقَدْ كَ ّذبَ ُأمَمٌ مِنْ قَبِْل ُك ْم َومَا عَلَى‬
‫شكُرُوا َلهُ إِلَيْهِ تُرْ َ‬
‫الرّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَا ْ‬
‫الرّسُولِ إِلّا الْبَلَاغُ ا ْلمُبِينُ (‪)18‬‬

‫أي ‪ :‬وجعلنا نوعها ‪ ،‬فإن التي يرمى (‪ )1‬بها ليست هي التي زينة للسماء (‪ .)2‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫طفَةً فِي قَرَارٍ َمكِينٍ } [المؤمنون ‪]13 ، 12 :‬‬
‫جعَلْنَاهُ ُن ْ‬
‫{ وََلقَدْ خََلقْنَا النْسَانَ مِنْ سُللَةٍ مِنْ طِينٍ‪ .‬ثُمّ َ‬
‫‪ ،‬ولهذا نظائر كثيرة‪.‬‬
‫جعَلْنَاهَا } (‪ ، )3‬عائد إلى العقوبة ‪ ،‬لكان‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬لو قيل ‪ :‬إنّ الضمير في قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫وجهًا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫{ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ ِل َق ْومِهِ اعْبُدُوا اللّ َه وَا ّتقُوهُ ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ (‪ )16‬إِ ّنمَا َتعْ ُبدُونَ مِنْ‬
‫دُونِ اللّهِ َأوْثَانًا وَتَخُْلقُونَ ِإ ْفكًا إِنّ الّذِينَ َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ل َيمِْلكُونَ َلكُمْ رِ ْزقًا فَابْ َتغُوا عِنْدَ اللّهِ‬
‫جعُونَ (‪ )17‬وَإِنْ ُتكَذّبُوا َفقَدْ كَ ّذبَ ُأمَمٌ مِنْ قَبِْل ُك ْم َومَا عَلَى‬
‫شكُرُوا َلهُ إِلَيْهِ تُرْ َ‬
‫الرّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَا ْ‬
‫الرّسُولِ إِل الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ (‪.} )18‬‬
‫يخبر تعالى عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ‪ :‬أنه دعا قومه إلى عبادة ال وحده ل‬
‫شريك له ‪ ،‬والخلص له في التقوى ‪ ،‬وطلب الرزق منه وحده ل شريك له ‪ ،‬وتوحيده في الشكر‬
‫سدٍ لها غيره ‪ ،‬فقال لقومه ‪ { :‬اعْبُدُوا اللّ َه وَاتّقُوهُ } أي ‪:‬‬
‫(‪ ، )4‬فإنه المشكور على النعم ‪ ،‬ل مُ ْ‬
‫أخلصوا له العبادة والخوف ‪ { ،‬ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ } أي ‪ :‬إذا فعلتم ذلك حصل لكم‬
‫الخير في الدنيا والخرة ‪ ،‬واندفع عنكم الشر في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ثم أخبرهم أن الصنام التي يعبدونها والوثان ‪ ،‬ل تضر ول تنفع ‪ ،‬وإنما اختلقتم أنتم لها أسماء ‪،‬‬
‫سميتموها (‪ )5‬آلهة ‪ ،‬وإنما هي مخلوقة مثلكم‪ .‬هكذا روى العوفي عن ابن عباس‪ .‬وبه قال مجاهد‬
‫‪ ،‬والسدي‪.‬‬
‫وروى الوالبي (‪ ، )6‬عن ابن عباس ‪ :‬وتصنعون إفكا ‪ ،‬أي ‪ :‬تنحتونها أصناما‪ .‬وبه قال مجاهد ‪-‬‬
‫في رواية ‪ -‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة وغيرهم ‪ ،‬واختاره ابن جرير ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫وهي ل تملك لكم رزقا ‪ { ،‬فَابْ َتغُوا عِنْدَ اللّهِ الرّ ْزقَ } وهذا أبلغ في الحصر ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬إِيّاكَ َنعْبُدُ‬
‫وَإِيّاكَ َنسْ َتعِينُ } [الفاتحة ‪َ { ، ]5 :‬ربّ ابْنِ لِي عِنْ َدكَ بَيْتًا فِي ا ْلجَنّةِ } [التحريم ‪ ، ]11 :‬ولهذا قال‬
‫‪ { :‬فَابْ َتغُوا } أي ‪ :‬فاطلبوا { عِنْدَ اللّهِ الرّ ْزقَ } أي ‪ :‬ل عند غيره ‪ ،‬فإن غيره ل يملك شيئا ‪،‬‬
‫شكُرُوا لَهُ } أي ‪ :‬كلوا من رزقه واعبدوه وحده (‪ ، )7‬واشكروا له على ما أنعم به‬
‫{ وَاعْبُدُو ُه وَا ْ‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬فيجازي كل عامل بعمله‪.‬‬
‫عليكم ‪ { ،‬إِلَيْهِ تُرْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ ُتكَذّبُوا َفقَدْ َك ّذبَ ُأ َممٌ مِنْ قَبِْلكُمْ } أي ‪ :‬فبلغكم ما حل بهم من العذاب والنكال في‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مخالفة الرسل ‪َ { ،‬ومَا عَلَى الرّسُولِ إِل الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ } يعني ‪ :‬إنما على الرسول أن يبلغكم ما‬
‫أمره ال تعالى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬ترمى"‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬السماء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وجعلناها آية للعالمين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬الشرك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬فسميتموها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬البخاري"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وحده ل شريك له"‪.‬‬

‫( ‪)6/269‬‬

‫خلْقَ ُثمّ ُيعِي ُدهُ إِنّ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرٌ (‪ُ )19‬قلْ سِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ‬
‫َأوَلَمْ يَ َروْا كَ ْيفَ يُبْ ِدئُ اللّهُ الْ َ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ (‪ُ )20‬يعَ ّذبُ مَنْ‬
‫علَى ُكلّ َ‬
‫شئُ النّشَْأةَ الْآَخِ َرةَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫فَانْظُرُوا كَ ْيفَ بَدَأَ ا ْلخَ ْلقَ ثُمّ اللّهُ يُنْ ِ‬
‫سمَاءِ َومَا َل ُكمْ‬
‫ض وَلَا فِي ال ّ‬
‫يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ َيشَا ُء وَإِلَيْهِ ُتقْلَبُونَ (‪َ )21‬ومَا أَنْتُمْ ِب ُمعْجِزِينَ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫حمَتِي‬
‫ن وَِليّ وَلَا َنصِيرٍ (‪ )22‬وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآَيَاتِ اللّ ِه وَِلقَائِهِ أُولَ ِئكَ يَئِسُوا مِنْ رَ ْ‬
‫مِنْ دُونِ اللّهِ مِ ْ‬
‫وَأُولَ ِئكَ َل ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)23‬‬

‫به من الرسالة ‪ ،‬وال يضل مَنْ يشاء ويهدي مَنْ يشاء ‪ ،‬فاحرصوا (‪ )1‬لنفسكم أن تكونوا من‬
‫السعداء‪.‬‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬وَإِنْ ُتكَذّبُوا َفقَدْ كَ ّذبَ ُأ َممٌ مِنْ قَبِْلكُمْ } قال ‪ :‬يُعزي نبيه صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬وهذا من قتادة يقتضي أنه قد انقطع الكلم الول ‪ ،‬واعترض بهذا إلى قوله ‪َ { :‬فمَا كَانَ‬
‫جوَابَ َق ْومِهِ }‪ .‬وهكذا نص على ذلك ابن جرير أيضا (‪.)2‬‬
‫َ‬
‫والظاهر من السياق أن كل هذا من كلم إبراهيم الخليل ‪ ،‬عليه السلم[لقومه] (‪ )3‬يحتج عليهم‬
‫جوَابَ َق ْومِهِ } ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫لثبات المعاد ‪ ،‬لقوله بعد هذا كله ‪َ { :‬فمَا كَانَ َ‬
‫علَى اللّهِ يَسِيرٌ (‪ُ )19‬قلْ سِيرُوا فِي ال ْرضِ‬
‫{ َأوََلمْ يَ َروْا كَ ْيفَ يُ ْب ِدئُ اللّهُ الْخَ ْلقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ إِنّ ذَِلكَ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ُ )20‬ي َع ّذبُ مَنْ‬
‫شئُ النّشَْأةَ الخِ َرةَ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫فَانْظُرُوا كَ ْيفَ بَدَأَ ا ْلخَ ْلقَ ثُمّ اللّهُ يُنْ ِ‬
‫سمَاءِ َومَا َل ُكمْ‬
‫ض وَل فِي ال ّ‬
‫يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ َيشَا ُء وَإِلَيْهِ ُتقْلَبُونَ (‪َ )21‬ومَا أَنْتُمْ ِب ُمعْجِزِينَ فِي ال ْر ِ‬
‫حمَتِي‬
‫ن وَِليّ وَل َنصِيرٍ (‪ )22‬وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاتِ اللّهِ وَلِقَائِهِ أُولَ ِئكَ يَئِسُوا مِنْ َر ْ‬
‫مِنْ دُونِ اللّهِ مِ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وَأُولَ ِئكَ َل ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪.} )23‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن الخليل عليه السلم ‪ ،‬أنه أرشدهم إلى إثبات المعاد الذي ينكرونه ‪ ،‬بما‬
‫يشاهدونه في أنفسهم من خلق ال إياهم ‪ ،‬بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا ‪ ،‬ثم وجدوا وصاروا‬
‫أناسا سامعين مبصرين ‪ ،‬فالذي بدأ هذا قادر على إعادته ؛ فإنه سهل عليه يسير لديه‪.‬‬
‫ثم أرشدهم إلى العتبار بما في الفاق من اليات المشاهدة (‪ )4‬من خلق ال الشياء ‪ :‬السموات‬
‫وما فيها من الكواكب النيرة ‪ :‬الثوابت ‪ ،‬والسيارات ‪ ،‬والرضين وما فيها من مهاد وجبال ‪،‬‬
‫وأودية وبرا ٍر وقفار ‪ ،‬وأشجار وأنهار ‪ ،‬وثمار وبحار ‪ ،‬كل ذلك دال على حدوثها في أنفسها ‪،‬‬
‫وعلى وجود صانعها الفاعل المختار ‪ ،‬الذي يقول للشيء ‪ :‬كن ‪ ،‬فيكون ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا‬
‫كَ ْيفَ يُ ْب ِدئُ اللّهُ الْخَ ْلقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ إِنّ َذِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يَبْدَأُ الْخَ ْلقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ‬
‫وَ ُهوَ أَ ْهوَنُ عَلَيْهِ } [الروم ‪.]27 :‬‬
‫شئُ النّشَْأةَ الخِ َرةَ } أي‬
‫ثم قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ سِيرُوا فِي ال ْرضِ فَانْظُرُوا كَ ْيفَ بَدَأَ ا ْلخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنْ ِ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ }‪ .‬وهذا المقام شبيه بقوله تعالى ‪ { :‬سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا‬
‫‪ :‬يوم القيامة ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫حقّ } [فصلت ‪ ، ]53 :‬وكقوله تعالى ‪ { :‬أَمْ خُِلقُوا مِنْ‬
‫سهِمْ حَتّى يَتَبَيّنَ َلهُمْ أَنّهُ الْ َ‬
‫فِي الفَاقِ َوفِي أَ ْنفُ ِ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضَ بَل ل يُوقِنُونَ } [الطور ‪.]36 ، 35 :‬‬
‫شيْءٍ َأمْ ُهمُ الْخَاِلقُونَ * َأمْ خََلقُوا ال ّ‬
‫غَيْرِ َ‬
‫حمُ مَنْ يَشَاءُ } أي ‪ :‬هو الحاكم المتصرف ‪ ،‬الذي يفعل ما يشاء ‪،‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬يعَ ّذبُ مَنْ َيشَا ُء وَيَرْ َ‬
‫ويحكم ما يريد ‪ ،‬ل معقب لحكمه ‪ ،‬ول يُسأل عما يفعل وهم يسألون ‪ ،‬فله الخلق والمر ‪ ،‬مهما‬
‫فعل َفعَ ْدلٌ ؛ لنه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فأخلصوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)20/89‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬الباهرة"‪.‬‬

‫( ‪)6/270‬‬

‫المالك الذي ل يظلم مثقال ذرة ‪ ،‬كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن ‪" :‬إن ال لو عذب‬
‫أهل سماواته وأهل أرضه ‪ ،‬لعذبهم وهو غير ظالم لهم" (‪ .)1‬ولهذا قال تعالى ‪ُ { :‬يعَ ّذبُ مَنْ يَشَاءُ‬
‫وَيَرْحَمُ مَنْ َيشَا ُء وَإِلَيْهِ ُتقْلَبُونَ } أي ‪ :‬ترجعون يوم القيامة‪.‬‬
‫سمَاءِ } أي ‪ :‬ل يعجزه أحد من أهل سماواته‬
‫ض وَل فِي ال ّ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا أَنْتُمْ ِب ُمعْجِزِينَ فِي الرْ ِ‬
‫وأرضه ‪ ،‬بل هو القاهر فوق عباده ‪ ،‬وكل شيء خائف منه ‪ ،‬فقير إليه ‪ ،‬وهو الغني عما سواه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ي وَل َنصِيرٍ‪ .‬وَالّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللّ ِه وَِلقَائِهِ } أي ‪ :‬جحدوها (‪)2‬‬
‫ن وَِل ّ‬
‫{ َومَا َلكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِ ْ‬
‫حمَتِي } أي ‪ :‬ل نصيب لهم فيها ‪ { ،‬وَأُولَ ِئكَ َلهُمْ عَذَابٌ‬
‫وكفروا بالمعاد ‪ { ،‬أُولَ ِئكَ يَ ِئسُوا مِنْ رَ ْ‬
‫أَلِيمٌ } أي ‪ :‬موجع في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )4699‬وابن ماجه في السنن برقم (‪ )77‬من حديث أبي بن‬
‫كعب وزيد بن ثابت رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬جحدوا بها"‪.‬‬

‫( ‪)6/271‬‬

‫جوَابَ َق ْومِهِ إِلّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ َأوْ حَ ّرقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَاتٍ ِل َقوْمٍ‬
‫َفمَا كَانَ َ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ (‪َ )24‬وقَالَ إِ ّنمَا اتّخَذْ ُتمْ مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْثَانًا َموَ ّدةَ بَيْ ِنكُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ُثمّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْكفُرُ‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا َومَ ْأوَاكُمُ النّا ُر َومَا َلكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (‪)25‬‬
‫ضكُمْ بِ َب ْعضٍ وَيَ ْلعَنُ َب ْع ُ‬
‫َب ْع ُ‬

‫ك ليَاتٍ ِلقَوْمٍ‬
‫جوَابَ َق ْومِهِ إِل أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ َأوْ حَ ّرقُوهُ فَأَ ْنجَاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫{ َفمَا كَانَ َ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ (‪َ )24‬وقَالَ إِ ّنمَا اتّخَذْ ُتمْ مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْثَانًا َموَ ّدةَ بَيْ ِنكُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ُثمّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْكفُرُ‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا َومَ ْأوَاكُمُ النّا ُر َومَا َلكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (‪.} )25‬‬
‫ضكُمْ بِ َب ْعضٍ وَيَ ْلعَنُ َب ْع ُ‬
‫َب ْع ُ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن قوم إبراهيم في كفرهم وعنادهم ومكابرتهم ‪ ،‬ودفعهم الحق بالباطل ‪ :‬أنه‬
‫ما كان لهم جواب بعد مقالة إبراهيم هذه المشتملة على الهدى والبيان ‪ { ،‬إِل أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ َأوْ‬
‫حَ ّرقُوهُ } ‪ ،‬وذلك لنهم قام عليهم البرهان ‪ ،‬وتوجهت عليهم الحجة ‪ ،‬فعدلوا إلى استعمال جاههم‬
‫سفَلِينَ }‬
‫جعَلْنَاهُمُ ال ْ‬
‫جحِيمِ‪ .‬فَأَرَادُوا ِبهِ كَيْدًا َف َ‬
‫وقوة ملكهم ‪ { ،‬قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَ ْلقُوهُ فِي الْ َ‬
‫حوّطوا حولها‬
‫حشَدوا في جمع أحطاب عظيمة مدة طويلة ‪ ،‬و َ‬
‫[الصافات ‪ ، ]98 ، 97 :‬وذلك أنهم َ‬
‫‪ ،‬ثم أضرموا فيها النار ‪ ،‬فارتفع لها لهب إلى عَنَان السماء ‪ :‬ولم توقد (‪ )1‬نار قط أعظم منها ‪،‬‬
‫ثم عمدوا إلى إبراهيم فكتفوه وألقوه في كفّة المنجنيق ‪ ،‬ثم قذفوا به فيها ‪ ،‬فجعلها ال عليه بردا‬
‫وسلما ‪ ،‬وخرج منها سالما بعد ما مكث فيها أياما‪ .‬ولهذا وأمثاله جعله ال للناس إماما‪ .‬فإنه بذل‬
‫نفسه للرحمن ‪ ،‬وجسده للنيران ‪ ،‬وسخا بولده للقربان ‪ ،‬وجعل ماله للضيفان ‪ ،‬ولهذا اجتمع على‬
‫محبته جميع أهل الديان‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَ ْنجَاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ } أي ‪ :‬سَلّمه [ال] (‪ )2‬منها ‪ ،‬بأن جعلها عليه بردا وسلما ‪ { ،‬إِنّ‬
‫خذْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْثَانًا َموَ ّدةَ بَيْ ِن ُكمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا }‬
‫ك ليَاتٍ ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ‪َ .‬وقَالَ إِ ّنمَا اتّ َ‬
‫فِي ذَِل َ‬
‫يقول لقومه مقرّعا لهم وموبخا على سوء صنيعهم ‪ ،‬في عبادتهم الوثان ‪ :‬إنما اتخذتم هذه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لتجتمعوا على عبادتها في الدنيا ‪ ،‬صداقة وألفة منكم ‪ ،‬بعضكم لبعض في الحياة الدنيا‪ .‬وهذا على‬
‫قراءة من نصب { َموَ ّدةَ بَيْ ِن ُكمْ } ‪ ،‬على أنه مفعول له ‪ ،‬وأما على قراءة الرفع فمعناه ‪ :‬إنما‬
‫حصّل لكم المودة‬
‫اتخاذكم (‪ )3‬هذا يُ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬توجد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إنما اتخذتم"‪.‬‬

‫( ‪)6/271‬‬

‫ق وَ َيعْقُوبَ‬
‫حكِيمُ (‪َ )26‬ووَهَبْنَا لَهُ ِإسْحَا َ‬
‫فََآمَنَ لَهُ لُوطٌ َوقَالَ إِنّي ُمهَاجِرٌ إِلَى رَبّي إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫ب وَآَتَيْنَاهُ َأجْ َرهُ فِي الدّنْيَا وَإِنّهُ فِي الَْآخِ َرةِ َلمِنَ الصّالِحِينَ (‪)27‬‬
‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّتِهِ النّ ُب ّوةَ وَا ْلكِتَا َ‬
‫وَ َ‬

‫في الدنيا فقط { ثُمّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ } ينعكس هذا الحال ‪ ،‬فتبقى هذه الصداقة والمودة َب ْغضَة وشنآنا ‪،‬‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا } أي ‪ :‬يلعن‬
‫ضكُمْ بِ َب ْعضٍ } أي ‪ :‬تتجاحدون ما كان بينكم ‪ { ،‬وَيَ ْلعَنُ َب ْع ُ‬
‫فـ { َي ْكفُرُ َب ْع ُ‬
‫التباع المتبوعين ‪ ،‬والمتبوعون (‪ )1‬التباع ‪ { ،‬كُّلمَا َدخََلتْ ُأمّةٌ َلعَ َنتْ أُخْ َتهَا } [العراف ‪، ]38 :‬‬
‫ضهُمْ لِ َب ْعضٍ عَ ُدوّ إِل ا ْلمُ ّتقِينَ } [الزخرف ‪ ، ]67 :‬وقال هاهنا‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬الخِلءُ َي ْومَئِذٍ َب ْع ُ‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا َومَ ْأوَاكُمُ النّا ُر َومَا َلكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }‬
‫ضكُمْ بِ َب ْعضٍ وَيَ ْلعَنُ َب ْع ُ‬
‫{ ُثمّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْكفُرُ َب ْع ُ‬
‫أي ‪ :‬ومصيركم ومرجعكم بعد عرصات القيامة إلى النار ‪ ،‬وما لكم من ناصر ينصركم ‪ ،‬ول‬
‫منقذ ينقذكم من عذاب ال‪ .‬وهذا حال الكافرين ‪ ،‬فأما المؤمنون فبخلف ذلك‪.‬‬
‫حمَسي (‪ )3‬حدثنا أبو عاصم الثقفي [حدثنا] (‬
‫قال (‪ )2‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن إسماعيل ال ْ‬
‫‪ )4‬الربيع بن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن جعدة بن هُبَيْرة المخزومي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده (‬
‫‪ )5‬عن أم هانئ ‪ -‬أخت علي بن أبي طالب ‪ -‬قالت ‪ :‬قال لي النبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"أخبرِك أن ال تعالى يجمع الولين والخرين يوم القيامة في صعيد واحد ‪َ ،‬فمَنْ يدري أين‬
‫الطرفان " (‪ ، )6‬فقالت ال ورسوله أعلم‪" .‬ثم ينادي مناد من تحت العرش ‪ :‬يا أهل التوحيد ‪،‬‬
‫فيشرئبون" قال أبو عاصم ‪ :‬يرفعون رؤوسهم‪" .‬ثم ينادي ‪ :‬يا أهل التوحيد ‪ ،‬ثم ينادي الثالثة ‪ :‬يا‬
‫أهل التوحيد ‪ ،‬إن ال قد عفا عنكم" قال ‪" :‬فيقول الناس قد تعلق بعضهم ببعض في ظُلمات الدنيا‬
‫‪ -‬يعني ‪ :‬المظالم ‪ -‬ثم ينادي ‪ :‬يا أهل التوحيد ‪ ،‬ليعف بعضكم عن بعض ‪ ،‬وعلى ال الثواب" (‬
‫‪.)7‬‬
‫ق وَ َي ْعقُوبَ‬
‫سحَا َ‬
‫حكِيمُ (‪َ )26‬ووَهَبْنَا لَهُ إِ ْ‬
‫ط َوقَالَ إِنّي ُمهَاجِرٌ إِلَى رَبّي إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫{ فَآمَنَ َلهُ لُو ٌ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ب وَآتَيْنَاهُ َأجْ َرهُ فِي الدّنْيَا وَإِنّهُ فِي الخِ َرةِ َلمِنَ الصّالِحِينَ (‪.} )27‬‬
‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّتِهِ النّ ُب ّوةَ وَا ْلكِتَا َ‬
‫وَ َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن إبراهيم ‪ :‬أنه آمن له لوط ‪ ،‬يقال ‪ :‬إنه ابن أخي إبراهيم ‪ ،‬يقولون هو ‪:‬‬
‫لوط بن هاران بن آزر ‪ ،‬يعني ‪ :‬ولم يؤمن به من قومه سواه ‪ ،‬وسارة امرأة [إبراهيم] (‪)8‬‬
‫الخليل‪ .‬لكن يقال ‪ :‬كيف الجمع بين هذه الية ‪ ،‬وبين الحديث الوارد في الصحيح (‪ : )9‬أن‬
‫إبراهيم حين مَرّ على ذلك الجبار ‪ ،‬فسأل إبراهيم عن سارة ‪ :‬ما هي منه ؟ فقال ‪[ :‬هي] (‪)10‬‬
‫أختي ‪ ،‬ثم جاء إليها فقال لها ‪ :‬إني قد قلت له ‪" :‬إنك ‪ :‬أختي" ‪ ،‬فل تكذبيني ‪ ،‬فإنه ليس على وجه‬
‫الرض [أحد] (‪ )11‬مؤمن غيرك وغيري (‪ ، )12‬فأنت أختي في الدين‪ .‬وكأن المراد من هذا ‪-‬‬
‫وال أعلم ‪ -‬أنه ليس على وجه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬المتبوعين" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الحمصي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الطرفين"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪ )4803‬من طريق محمد بن إسماعيل الحمسي به‬
‫‪ ،‬وقال ‪" :‬ل يروى عن أم هانئ إل بهذا السناد ‪ ،‬تفرد به أبو عاصم"‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع‬
‫(‪" : )10/355‬فيه أبو عاصم ‪ -‬الربيع بن إسماعيل ‪ -‬منكر الحديث ‪ ،‬قاله أبو حاتم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم برقم (‪.)2371‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬غيري وغيرك"‪.‬‬

‫( ‪)6/272‬‬

‫الرض زوجان على السلم غيري وغيرك ‪ ،‬فإن لوطا عليه السلم ‪ ،‬آمن به من قومه ‪ ،‬وهاجر‬
‫معه إلى بلد الشام ‪ ،‬ثم أرسِل في حياة الخليل إلى أهل "سَدوم" وإقليمها ‪ ،‬وكان من أمرهم (‪ )1‬ما‬
‫تقدم وما سيأتي‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقَالَ إِنّي ُمهَاجِرٌ إِلَى رَبّي } يحتمل عود الضمير في قوله ‪َ { :‬وقَالَ } ‪ ،‬على لوط ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لنه (‪ )2‬أقرب المذكورين ‪ ،‬ويحتمل عوده إلى إبراهيم ‪ -‬قال (‪ )3‬ابن عباس ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬وهو‬
‫المكنى عنه بقوله ‪ { :‬فَآمَنَ َلهُ لُوطٌ } أي ‪ :‬من قومه‪.‬‬
‫ثم أخبر عنه بأنه اختار المهاجرة من بين أظهرهم ‪ ،‬ابتغاء إظهار الدين والتمكن من ذلك ؛ ولهذا‬
‫حكِيمُ } في أقواله وأفعاله‬
‫قال ‪ { :‬إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ } أي ‪ :‬له العزة ولرسوله وللمؤمنين به ‪ { ،‬ا ْل َ‬
‫وأحكامه القدرية والشرعية‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هاجرا جميعا من "كوثى" ‪ ،‬وهي من سواد (‪ )4‬الكوفة إلى الشام‪ .‬قال ‪ :‬وذُكر لنا أن‬
‫نبيّ ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إنها ستكون هجرة بعد هجرة ‪ ،‬ينحاز أهل الرض إلى ُمهَاجَر‬
‫إبراهيم ‪ ،‬ويبقى في الرض شرار أهلها ‪ ،‬حتى تلفظهم أرضهم وتقذرُهم روح ال ‪ ،‬وتحشرهم‬
‫النار مع القردة والخنازير ‪ ،‬تبيت معهم إذا باتوا ‪ ،‬وتَقِيل معهم إذا قالوا ‪ ،‬وتأكل ما سقط منهم"‪.‬‬
‫وقد أسند المام أحمد هذا الحديث ‪ ،‬فرواه مطول من حديث عبد ال بن عمرو بن العاص ‪ ،‬قال (‬
‫حوْشَب قال ‪ :‬لما جاءتنا بيعة‬
‫شهْر بن َ‬
‫‪ : )5‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن َ‬
‫يزيد بن معاوية ‪ ،‬قدمت الشام فأخبرت بمقام يقومه نوف ال ِبكَالي ‪ ،‬فجئته ؛ إذ جاء رجل ‪ ،‬فانتبذَ‬
‫خمِيصة ‪ ،‬وإذا (‪ )6‬هو عبد ال بن عمرو بن العاص‪ .‬فلما رآه نوف أمسك عن‬
‫الناس وعليه َ‬
‫الحديث ‪ ،‬فقال عبد ال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إنها ستكون هجرة بعد‬
‫هجرة ‪ ،‬فينحاز الناس إلى ُمهَاجرَ إبراهيم ‪ ،‬ل يبقى في الرض إل شرار أهلها ‪ ،‬فتلفظهم (‪)7‬‬
‫أرضوهم ‪ ،‬تقْذَرهم نفسُ الرحمن ‪ ،‬تحشرهم النار مع القردة والخنازير فتبيت معهم إذا باتوا ‪،‬‬
‫وتَقِيل معهم إذا قالوا ‪ ،‬وتأكل منهم من َتخَلّف"‪ .‬قال ‪ :‬وسمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول ‪" :‬سيخرج أناس (‪ )8‬من أمتي من قبل المشرق ‪ ،‬يقرؤون القرآن ل يجاوز تَرَاقِيهم ‪ ،‬كلما‬
‫عدّها زيادة على عشرين مرة "كلما خرج‬
‫خرج منهم قرن قُطع ‪ ،‬كلما خرج منهم قرن قطع" حتى َ‬
‫منهم قرن قطع ‪ ،‬حتى يخرج الدجال في بقيتهم" (‪.)9‬‬
‫ورواه أحمد عن أبي داود ‪ ،‬وعبد الصمد ‪ ،‬كلهما عن هشام الدّسْتُوائي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬به (‪)10‬‬
‫وقد رواه أبو داود في سننه ‪ ،‬فقال في كتاب الجهاد ‪ ،‬باب ما جاء في سكنى الشام ‪:‬‬
‫حدثنا عبيد ال بن عمر ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثني [أبي] (‪ ، )11‬عن قتادة ‪ ،‬عن شهر بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬إبراهيم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الذي هو"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬قاله"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من أرض سواد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬فإذا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬تلفظهم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬ناس"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)2/198‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)2/209‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من سنن أبي داود‪.‬‬

‫( ‪)6/273‬‬

‫حوشب ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ستكون‬
‫هجرة بعد هجرة ‪ ،‬فخيار أهل الرض ألزمهم مُهاجَر إبراهيم ‪ ،‬ويبقى في الرض شرار أهلها‬
‫تلفظهم أرضهم و َتقْذرهم نفس الرحمن ‪ ،‬وتحشرهم النار مع القردة والخنازير" (‪.)1‬‬
‫وقال (‪ )2‬المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬أخبرنا أبو جَنَاب يحيى بن أبي حيّة ‪ ،‬عن شهر بن‬
‫عمَر يقول (‪ )4‬لقد رأيتُنا وما صاحب الدينار والدرهم بأحق‬
‫حوشب قال ‪ :‬سمعت (‪ )3‬عبد ال بن ُ‬
‫من أخيه المسلم ‪ ،‬ثم لقد رأيتنا بآخِرَة الن ‪ ،‬والدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم ‪،‬‬
‫ولقد سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬لئن أنتم اتبعتم أذناب البقر ‪ ،‬وتبايعتم‬
‫بالعينة ‪ ،‬وتركتم الجهاد في سبيل ال ‪ ،‬ليلزمنكم ال مذلّة في أعناقكم ‪ ،‬ثم ل تنزع منكم حتى‬
‫ترجعوا إلى ما كنتم عليه ‪ ،‬وتتوبوا إلى ال عز وجل"‪ .‬وسمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول ‪" :‬لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مُهاجر أبيكم إبراهيم حتى ل يبقى في الرضين (‪ )5‬إل‬
‫شرار أهلها وتلفظهم أرضوهم ‪ ،‬وتقذرهم روح الرحمن ‪ ،‬وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ‪،‬‬
‫تقيل حيث يقيلون (‪ ، )6‬وتبيت حيث يبيتون ‪ ،‬وما سقط منهم فلها"‪ .‬ولقد سمعت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقول ‪" :‬يخرج من أمتي قوم يسيئون العمال ‪ ،‬يقرؤون القرآن ل يجاوز حناجرهم‬
‫‪ -‬قال يزيد ‪ :‬ل أعلمه إل قال ‪ -‬يحقر أحدكم علمه مع علمهم ‪ ،‬يقتلون أهل السلم ‪ ،‬فإذا خرجوا‬
‫فاقتلوهم ‪ ،‬ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ‪ ،‬ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ‪ ،‬فطوبى لمن قتلهم ‪ ،‬وطوبى لمن‬
‫قتلوه‪ .‬كلما طلع منهم قرن قَطعَه ال"‪ .‬فردد ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم عشرين مرة ‪ ،‬أو‬
‫أكثر ‪ ،‬وأنا أسمع (‪.)7‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو الحُسَيْن بن الفضل ‪ ،‬أخبرنا عبد ال بن جعفر ‪ ،‬حدثنا‬
‫يعقوب بن سفيان ‪ ،‬حدثنا أبو النضر إسحاق بن يزيد وهشام بن عمار الدمشقيان قال حدثنا يحيى‬
‫بن حمزة ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬عن نافع ‪ -‬وقال أبو النضر ‪ ،‬عمن حدّثه ‪ ،‬عن نافع ‪ -‬عن عبد ال‬
‫بن عمر ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬سيهاجر أهل الرض هجرة بعد هجرة ‪ ،‬إلى‬
‫مهاجَر إبراهيم ‪ ،‬حتى ل يبقى إل شرار أهلها ‪ ،‬تلفظهم الرضون (‪ )8‬وتقذرهم روح الرحمن ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ‪ ،‬تبيت معهم حيث باتوا ‪ ،‬وتقيل معهم حيث قالوا ‪ ،‬لها ما‬
‫سقط منهم"‪.‬‬
‫غريب من حديث نافع‪ .‬والظاهر أن الوزاعي قد رواه عن شيخ له من الضعفاء ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وروايته من حديث عبد ال بن عمرو بن العاص أقرب إلى الحفظ‪.‬‬
‫ق وَ َي ْعقُوبَ } ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬فََلمّا اعْتَزََل ُه ْم َومَا َيعْ ُبدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ووَهَبْنَا لَهُ إِسْحَا َ‬
‫جعَلْنَا نَبِيّا } [مريم ‪ ]49 :‬أي ‪ :‬إنه لما فارق قومَه أقرّ ال عينه‬
‫ق وَ َيعْقُوبَ َوكُل َ‬
‫وَهَبْنَا لَهُ ِإسْحَا َ‬
‫بوجود ولد صالح نبي [وولد له ولد صالح] (‪ )9‬في حياة جده‪ .‬وكذلك (‪ )10‬قال ال ‪َ { :‬ووَهَبْنَا لَهُ‬
‫ق وَ َي ْعقُوبَ نَافِلَةً } [النبياء ‪]72 :‬‬
‫سحَا َ‬
‫إِ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن أبي داود برقم (‪.)2482‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬سمعت عبد ال بن عمرو قال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الرض"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ‪ ،‬هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تقيل معهم حيث قالوا" والمثبت من المسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )2/84‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )5/251‬فيه أبو جناب الكلبي وهو ضعيف" وقال‬
‫الحافظ ابن حجر في الفتح (‪" )11/380‬سنده ل بأس به"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬الرض‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬ولذلك"‪.‬‬

‫( ‪)6/274‬‬

‫سحَاقَ َي ْعقُوبَ } أي ‪ :‬ويولَد لهذا الولد ولد‬


‫ق َومِنْ وَرَاءِ إِ ْ‬
‫أي ‪ :‬زيادة ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬فَبَشّرْنَاهَا بِِإسْحَا َ‬
‫في حياتكما ‪ ،‬تقر به أعينكما‪ .‬وكون يعقوب ولد لسحاق نص عليه القرآن ‪ ،‬وثبتت به السنة‬
‫حضَرَ َي ْعقُوبَ ا ْل َم ْوتُ ِإذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا َتعْ ُبدُونَ مِنْ َب ْعدِي قَالُوا‬
‫شهَدَاءَ إِذْ َ‬
‫النبوية ‪ ،‬قال ال ‪ { :‬أَمْ كُنْ ُتمْ ُ‬
‫حدًا وَنَحْنُ َلهُ مُسِْلمُونَ } [البقرة ‪، ]133 :‬‬
‫سمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إَِلهًا وَا ِ‬
‫ك وَإِلَهَ آبَا ِئكَ إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ‬
‫َنعْبُدُ إَِل َه َ‬
‫ن يعقوبَ بن إسحاقَ بن‬
‫وفي الصحيحين ‪" :‬إن الكريم ابنَ الكريم ابنِ الكريم ابن الكريم يوسفُ ب َ‬
‫إبراهيم" (‪.)1‬‬
‫ق وَ َيعْقُوبَ [نَافِلَةً] } (‪ ، )2‬قال ‪:‬‬
‫فأما ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬ووَهَبْنَا لَهُ ِإسْحَا َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫"هما ولدا إبراهيم"‪ .‬فمعناه ‪ :‬أن ولد الولد بمنزلة الولد ؛ فإن هذا أمر ل يكاد يخفى على من هو‬
‫دون ابن عباس‪.‬‬
‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّتِهِ النّ ُب ّو َة وَا ْلكِتَابَ } ‪ ،‬هذه خِ ْلعَة (‪ )3‬سَنية عظيمة ‪ ،‬مع اتخاذ ال إياه‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫خليل وجعله للناس إماما ‪ ،‬أن جعل في ذريته النبوة والكتاب ‪ ،‬فلم يوجد نبي بعد إبراهيم عليه‬
‫السلم ‪ ،‬إل وهو من سللته ‪ ،‬فجميع أنبياء بني إسرائيل من سُللة يعقوب بن إسحاق بن‬
‫إبراهيم ‪ ،‬حتى كان آخرهم عيسى ابن مريم ‪ ،‬فقام في ملئهم مبشرا بالنبي العربي القرشي‬
‫الهاشمي ‪ ،‬خاتم الرسل على الطلق ‪ ،‬وسيد ولد آدم في الدنيا والخرة ‪ ،‬الذي اصطفاه ال من‬
‫صميم العرب العَرْباء ‪ ،‬من سللة إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬عليهم السلم ‪ :‬ولم يوجد نبي من سللة‬
‫إسماعيل سواه ‪ ،‬عليه أفضل الصلة والسلم [من ال تعالى] (‪.)4‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَآتَيْنَاهُ َأجْ َرهُ فِي الدّنْيَا وَإِنّهُ فِي الخِ َرةِ َلمِنَ الصّالِحِينَ } أي ‪ :‬جمع ال له بين سعادة‬
‫الدنيا الموصولة بسعادة الخرة ‪ ،‬فكان له في الدنيا الرزق الواسع الهنيّ والمنزل الرّحْب ‪،‬‬
‫والمورد العذب ‪ ،‬والزوجة الحسنة الصالحة ‪ ،‬والثناء الجميل ‪ ،‬والذكر الحسن ‪ ،‬فكل أحد يحبه‬
‫ويتوله ‪ ،‬كما قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم ‪ ،‬مع القيام بطاعة ال من جميع الوجوه ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي َوفّى } [النجم ‪ ، ]37 :‬أي ‪ :‬قام بجميع ما أمر به ‪ ،‬وكمل طاعة‬
‫ربه ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬وَآتَيْنَاهُ أَجْ َرهُ فِي الدّنْيَا وَإِنّهُ فِي الخِ َرةِ َلمِنَ الصّاِلحِينَ } ‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى ‪ { :‬إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ ُأمّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ َيكُ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ‪ .‬شَاكِرًا ل ْنعُمِهِ اجْتَبَا ُه وَهَدَاهُ‬
‫حسَنَ ًة وَإِنّهُ فِي الخِ َرةِ َلمِنَ الصّالِحِينَ } [النحل ‪- 120 :‬‬
‫إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ‪ .‬وَآتَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا َ‬
‫‪.]121‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )4688‬من حديث ابن عمر ‪ ،‬ولم أجده عند مسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬خلقة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬من ال"‪.‬‬

‫( ‪)6/275‬‬

‫حشَةَ مَا سَ َبقَكُمْ ِبهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )28‬أَئِ ّنكُمْ لَتَأْتُونَ‬
‫وَلُوطًا إِذْ قَالَ ِل َق ْومِهِ إِ ّنكُمْ لَتَأْتُونَ ا ْلفَا ِ‬
‫جوَابَ َق ْومِهِ إِلّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا ِبعَذَابِ‬
‫ل وَتَأْتُونَ فِي نَادِي ُكمُ ا ْلمُ ْنكَرَ َفمَا كَانَ َ‬
‫طعُونَ السّبِي َ‬
‫ل وَ َتقْ َ‬
‫الرّجَا َ‬
‫اللّهِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪ )29‬قَالَ َربّ ا ْنصُرْنِي عَلَى ا ْل َقوْمِ ا ْل ُمفْسِدِينَ (‪)30‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شةَ مَا سَ َب َقكُمْ ِبهَا مِنْ َأحَدٍ مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )28‬أَئِ ّن ُكمْ لَتَأْتُونَ‬
‫{ وَلُوطًا ِإذْ قَالَ ِل َقوْمِهِ إِ ّن ُكمْ لَتَأْتُونَ ا ْلفَاحِ َ‬
‫جوَابَ َق ْومِهِ إِل أَنْ قَالُوا ائْتِنَا ِبعَذَابِ‬
‫ل وَتَأْتُونَ فِي نَادِي ُكمُ ا ْلمُ ْنكَرَ َفمَا كَانَ َ‬
‫طعُونَ السّبِي َ‬
‫ل وَ َتقْ َ‬
‫الرّجَا َ‬
‫اللّهِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪ )29‬قَالَ َربّ ا ْنصُرْنِي عَلَى ا ْل َقوْمِ ا ْل ُمفْسِدِينَ (‪} )30‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن نبيه لوط عليه السلم ‪ ،‬إنه أنكر على قومه سُوء صنيعهم ‪ ،‬وما كانوا‬
‫يفعلونه من قبيح العمال ‪ ،‬في إتيانهم الذكران من العالمين ‪ ،‬ولم يسبقهم إلى هذه الفعلة أحد من‬
‫بني آدم قبلهم‪ .‬وكانوا مع هذا يكفرون بال ‪ ،‬ويكذّبون رسوله ويخالفونه ويقطعون السبيل ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫يقفون في طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم ‪ { ،‬وَتَأْتُونَ فِي نَادِي ُكمُ ا ْلمُ ْنكَرَ } أي ‪ :‬يفعلون ما‬
‫ل يليق من القوال والفعال في مجالسهم التي يجتمعون فيها ‪ ،‬ل ينكر بعضهم على بعض شيئًا‬
‫من ذلك ‪ ،‬فمن قائل ‪ :‬كانوا يأتون بعضهم بعضا في المل قاله مجاهد‪ .‬ومن قائل ‪ :‬كانوا‬
‫يتضارطون ويتضاحكون ؛ قالته عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬والقاسم‪ .‬ومن قائل ‪ :‬كانوا يناطحون‬
‫بين الكباش ‪ ،‬ويناقرون بين الديوك ‪ ،‬وكل ذلك كان يصدر عنهم ‪ ،‬وكانوا شرًا من ذلك‪.‬‬
‫سمَاك بن‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حماد بن أسامة ‪ ،‬أخبرني حاتم بن أبي صغيرة ‪ ،‬حدثنا ِ‬
‫حرب ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ -‬مولى أم هانئ ‪ -‬عن أم هانئ (‪ )1‬قالت ‪ :‬سألت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬عن قوله عز وجل ‪ { :‬وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ا ْلمُ ْنكَرَ } ‪ ،‬قال ‪" :‬يحذفون أهل الطريق ‪،‬‬
‫ويسخرون منهم ‪ ،‬وذلك المنكر الذي كانوا يأتونه"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة عن أبي‬
‫صغِيرة (‪ )2‬به (‪ .)3‬ثم قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن ل نعرفه‬
‫يونس القُشَيري ‪ ،‬حاتم بن أبي َ‬
‫سمَاك‪.‬‬
‫إل من حديث حاتم بن أبي صغيرة (‪ )4‬عن ِ‬
‫وقال (‪ )5‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن عرفة ‪ ،‬حدثنا محمد بن كثير ‪ ،‬عن عمرو بن قيس ‪،‬‬
‫عن الحكم (‪ ، )6‬عن مجاهد ‪ { :‬وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ا ْلمُ ْنكَرَ } قال ‪ :‬الصفير ‪ ،‬ولعب الحمام (‪)7‬‬
‫والجُلهق ‪ ،‬والسؤال في المجلس ‪ ،‬وحل أزرار القباء‪.‬‬
‫جوَابَ َق ْومِهِ إِل أَنْ قَالُوا ائْتِنَا ِب َعذَابِ اللّهِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ } ‪ ،‬وهذا من‬
‫وقوله ‪َ { :‬فمَا كَانَ َ‬
‫كفرهم واستهزائهم وعنادهم ؛ ولهذا استنصر عليهم نبي ال فقال ‪َ { :‬ربّ ا ْنصُرْنِي عَلَى ا ْلقَوْمِ‬
‫ا ْل ُمفْسِدِينَ } (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده عن أم هانئ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬حيوة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )6/341‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3190‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬حيوة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬الحمار"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬الفاسقين" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)6/276‬‬

‫سلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنّا ُمهِْلكُو أَ ْهلِ َه ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ إِنّ أَهَْلهَا كَانُوا ظَاِلمِينَ (‪)31‬‬
‫وََلمّا جَا َءتْ رُ ُ‬
‫قَالَ إِنّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ ِبمَنْ فِيهَا لَنُ َنجّيَنّ ُه وَأَهَْلهُ إِلّا امْرَأَ َتهُ كَا َنتْ مِنَ ا ْلغَابِرِينَ (‪ )32‬وََلمّا‬
‫خفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنّا مُ َنجّوكَ وَأَ ْهَلكَ إِلّا‬
‫أَنْ جَا َءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ ِبهِ ْم َوضَاقَ ِبهِمْ ذَرْعًا َوقَالُوا لَا َت َ‬
‫سمَاءِ ِبمَا كَانُوا‬
‫امْرَأَ َتكَ كَا َنتْ مِنَ ا ْلغَابِرِينَ (‪ )33‬إِنّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَ ْهلِ هَ ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ ِرجْزًا مِنَ ال ّ‬
‫شعَيْبًا فَقَالَ يَا َقوْمِ‬
‫سقُونَ (‪ )34‬وََلقَدْ تَ َركْنَا مِ ْنهَا آَيَةً بَيّ َنةً ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‪ )35‬وَإِلَى َمدْيَنَ أَخَاهُمْ ُ‬
‫َيفْ ُ‬
‫جفَةُ‬
‫خذَ ْتهُمُ الرّ ْ‬
‫اعْبُدُوا اللّ َه وَارْجُوا الْ َيوْمَ الْآَخِ َر وَلَا َتعْ َثوْا فِي الْأَ ْرضِ ُمفْسِدِينَ (‪َ )36‬فكَذّبُوهُ فَأَ َ‬
‫فََأصْبَحُوا فِي دَارِ ِهمْ جَا ِثمِينَ (‪)37‬‬

‫{ وََلمّا جَا َءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْ ُبشْرَى قَالُوا إِنّا ُمهِْلكُو َأ ْهلِ هَ ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ إِنّ أَهَْلهَا كَانُوا ظَاِلمِينَ (‪)31‬‬
‫قَالَ إِنّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ ِبمَنْ فِيهَا لَنُ َنجّيَنّ ُه وَأَهَْلهُ إِل امْرَأَتَهُ كَا َنتْ مِنَ ا ْلغَابِرِينَ (‪ )32‬وََلمّا‬
‫ف وَل تَحْزَنْ إِنّا مُ َنجّوكَ وَأَ ْهَلكَ إِل‬
‫خ ْ‬
‫أَنْ جَا َءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ ِبهِ ْم َوضَاقَ ِبهِمْ ذَرْعًا َوقَالُوا ل تَ َ‬
‫سمَاءِ ِبمَا كَانُوا‬
‫امْرَأَ َتكَ كَا َنتْ مِنَ ا ْلغَابِرِينَ (‪ )33‬إِنّا مُنزلُونَ عَلَى أَ ْهلِ هَ ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ ِرجْزًا مِنَ ال ّ‬
‫سقُونَ (‪ )34‬وََلقَدْ تَ َركْنَا مِ ْنهَا آيَةً بَيّ َنةً ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‪.} )35‬‬
‫َيفْ ُ‬
‫لما استنصر لوط عليه السلم ‪ ،‬ال عليهم ‪ ،‬بعث ال لنصرته ملئكة فمروا على إبراهيم عليه‬
‫السلم ‪ ،‬في هيئة أضياف ‪ ،‬فجاءهم بما ينبغي للضيف ‪ ،‬فلما رأى أنه ل همّة لهم إلى الطعام‬
‫َنكِرَهم ‪ ،‬وأوجس منهم خيفة ‪ ،‬فشرعوا يؤانسونه ويبشرونه بوجود ولد صالح من امرأته سارة ‪-‬‬
‫وكانت حاضرة ‪ -‬فتعجبت من ذلك ‪ ،‬كما تقدم بيانه في سورة "هود" و"الحجر"‪ .‬فلما جاءت‬
‫إبراهيم بالبشرى ‪ ،‬وأخبروه بأنهم أرسلوا لهلك قوم لوط ‪ ،‬أخذ يدافع لعلهم يُنظَرون ‪ ،‬لعل ال أن‬
‫يهديهم ‪ ،‬ولما قالوا ‪ { :‬إِنّا ُمهِْلكُو أَ ْهلِ هَ ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ } ‪ { ،‬قَالَ إِنّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا َنحْنُ أَعْلَمُ ِبمَنْ فِيهَا‬
‫لَنُنَجّيَنّ ُه وَأَهْلَهُ إِل امْرَأَ َتهُ كَا َنتْ مِنَ ا ْلغَابِرِينَ } أي ‪ :‬من الهالكين ؛ لنها كانت تمالئهم على كفرهم‬
‫وبغيهم ودبرهم‪ .‬ثم ساروا من عنده فدخلوا على لوط في صورة شباب حسان ‪ ،‬فلما رآهم كذلك ‪،‬‬
‫{ سِيءَ ِبهِ ْم َوضَاقَ ِبهِمْ ذَرْعًا } أي ‪ :‬اهتمّ (‪ )1‬بأمرهم ‪ ،‬إن هو أضافهم خاف (‪ )2‬عليهم من‬
‫خفْ‬
‫قومه ‪ ،‬وإن لم يضفهم خشي عليهم منهم ‪ ،‬ولم يعلم بأمرهم في الساعة الراهنة‪ { .‬قَالُوا ل تَ َ‬
‫ك وَأَهَْلكَ إِل امْرَأَ َتكَ كَا َنتْ مِنَ ا ْلغَابِرِينَ‪ .‬إِنّا مُنزلُونَ عَلَى أَ ْهلِ هَ ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ‬
‫وَل َتحْزَنْ إِنّا مُنَجّو َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سقُونَ } ‪ ،‬وذلك أن جبريل عليه السلم اقتلع قراهم من قرار الرض‬
‫سمَاءِ ِبمَا كَانُوا َيفْ ُ‬
‫رِجْزًا مِنَ ال ّ‬
‫‪ ،‬ثم رفعها إلى عَنَان السماء ‪ ،‬ثم قلبها عليهم‪ .‬وأرسل ال عليهم حجارة من سجيل منضود ‪،‬‬
‫مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ‪ ،‬وجعل [ال] (‪ )3‬مكانها بحيرة خبيثة منتنة ‪،‬‬
‫وجعلهم عبرة إلى يوم التناد (‪ ، )4‬وهم من أشد الناس عذابا يوم المعاد ؛ ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫{ وََلقَدْ تَ َركْنَا مِ ْنهَا آ َيةً بَيّنَةً } أي ‪ :‬واضحة ‪ِ { ،‬ل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ } ‪َ ،‬كمَا قَالَ { وَإِ ّنكُمْ لَ َتمُرّونَ عَلَ ْيهِمْ‬
‫ُمصْبِحِينَ * وَبِاللّ ْيلِ َأفَل َت ْعقِلُونَ } [الصافات ‪.]138 ، 137 :‬‬
‫شعَيْبًا َفقَالَ يَا َقوْمِ اعْبُدُوا اللّ َه وَارْجُوا الْ َيوْ َم الخِ َر وَل َتعْ َثوْا فِي الرْضِ‬
‫{ وَإِلَى مَدْيَنَ َأخَا ُهمْ ُ‬
‫جفَةُ فََأصْبَحُوا فِي دَارِ ِهمْ جَا ِثمِينَ (‪.} )37‬‬
‫خذَ ْتهُمُ الرّ ْ‬
‫ُمفْسِدِينَ (‪َ )36‬فكَذّبُوهُ فَأَ َ‬
‫يخبر تعالى عن عبده ورسوله شعيب عليه السلم ‪ ،‬أنه أنذر قومه أهل مَدين ‪ ،‬فأمرهم بعبادة ال‬
‫وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن يخافوا بأس ال ونقمته وسطوته يوم القيامة ‪ ،‬فقال ‪ { :‬يَا َقوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ‬
‫وَارْجُوا الْ َيوْمَ الخِرَ }‪.‬‬
‫‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬معناه ‪ :‬واخشوا اليوم الخر ‪ ،‬وهذا كقوله تعالى ‪ِ { :‬لمَنْ كَانَ‬
‫يَرْجُو اللّ َه وَالْ َيوْمَ الخِرَ } [الممتحنة ‪.]6 :‬‬
‫ثم نهاهم عن العيث في الرض بالفساد ‪ ،‬وهو السعي فيها والبغي على أهلها ‪ ،‬وذلك أنهم كانوا‬
‫ينقصون المكيال والميزان ‪ ،‬ويقطعون الطريق على الناس ‪ ،‬هذا مع كفرهم بال ورسوله ‪،‬‬
‫فأهلكهم ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬اغتم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬خوفا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬القيامة"‪.‬‬

‫( ‪)6/277‬‬

‫عمَاَلهُمْ َفصَدّ ُهمْ عَنِ السّبِيلِ َوكَانُوا‬


‫وَعَادًا وَ َثمُو َد َوقَدْ تَبَيّنَ َلكُمْ مِنْ مَسَاكِ ِنهِ ْم وَزَيّنَ َلهُمُ الشّيْطَانُ أَ ْ‬
‫مُسْتَ ْبصِرِينَ (‪)38‬‬

‫برجفة عظيمة زلزلت عليهم بلدهم ‪ ،‬وصيحة أخرجت القلوب من حناجرها (‪ .)1‬وعذاب يوم‬
‫الظلة الذي أزهق الرواح من مستقرها ‪ ،‬إنه كان عذاب يوم عظيم‪ .‬وقد تقدمت قصتهم مبسوطة‬
‫في سورة "العراف ‪ ،‬وهود ‪ ،‬والشعراء"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬فََأصْبَحُوا فِي دَا ِرهِمْ جَا ِثمِينَ } ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ميتين‪ .‬وقال غيره ‪ :‬قد ألقي بعضهم على‬
‫بعض‪.‬‬
‫ل َوكَانُوا‬
‫عمَاَلهُمْ َفصَدّهُمْ عَنِ السّبِي ِ‬
‫{ وَعَادًا وَ َثمُو َد َوقَدْ تَبَيّنَ َلكُمْ مِنْ مَسَاكِ ِنهِمْ وَزَيّنَ َلهُمُ الشّ ْيطَانُ أَ ْ‬
‫مُسْتَ ْبصِرِينَ (‪} )38‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬حناجرهم"‪.‬‬

‫( ‪)6/278‬‬

‫ض َومَا كَانُوا سَا ِبقِينَ (‬


‫عوْنَ وَهَامَانَ وََلقَدْ جَاءَ ُهمْ مُوسَى بِالْبَيّنَاتِ فَاسْ َتكْبَرُوا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫ن َوفِرْ َ‬
‫َوقَارُو َ‬
‫سفْنَا ِبهِ‬
‫خَ‬‫خذَتْهُ الصّ ْيحَ ُة َومِ ْنهُمْ مَنْ َ‬
‫سلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا َومِ ْنهُمْ مَنْ أَ َ‬
‫خذْنَا بِذَنْ ِبهِ َفمِ ْنهُمْ مَنْ أَرْ َ‬
‫‪َ )39‬فكُلّا أَ َ‬
‫سهُمْ َيظِْلمُونَ (‪)40‬‬
‫ض َومِ ْنهُمْ مَنْ أَغْ َرقْنَا َومَا كَانَ اللّهُ لِ َيظِْل َمهُ ْم وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫الْأَ ْر َ‬

‫ن وََلقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيّنَاتِ فَاسْ َتكْبَرُوا فِي ال ْرضِ َومَا كَانُوا سَا ِبقِينَ (‬
‫ن وَهَامَا َ‬
‫ن َوفِرْعَوْ َ‬
‫{ َوقَارُو َ‬
‫سفْنَا ِبهِ‬
‫خَ‬‫ح ُة َومِ ْنهُمْ مَنْ َ‬
‫خذْنَا بِذَنْ ِبهِ َفمِ ْنهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا َومِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ ْتهُ الصّيْ َ‬
‫‪َ )39‬فكُل أَ َ‬
‫سهُمْ يَظِْلمُونَ (‪.} )40‬‬
‫ال ْرضَ َومِ ْنهُمْ مَنْ أَغْ َرقْنَا َومَا كَانَ اللّهُ لِيَظِْل َم ُه ْم وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫يخبر تعالى عن هؤلء المم المكذبة للرسل كيف أبادهم وتنوع في عذابهم ‪ ،‬فأخذهم (‪ )1‬بالنتقام‬
‫منهم ‪ ،‬فعاد قوم هود ‪ ،‬وكانوا يسكنون الحقاف وهي قريبة (‪ )2‬من حضرموت بلد اليمن ‪،‬‬
‫وثمود قوم صالح ‪ ،‬وكانوا يسكنون الحجر قريبًا من وادي القرى‪ .‬وكانت العرب تعرف مساكنهما‬
‫(‪ )3‬جيدا ‪ ،‬وتمر عليها كثيرًا‪ .‬وقارون صاحب الموال الجزيلة ومفاتيح الكنوز الثقيلة‪ .‬وفرعون‬
‫ملك مصر في زمان موسى ووزيره هامان القبطيان الكافران بال ورسوله‪.‬‬
‫{ َفكُل َأخَذْنَا ِبذَنْبِهِ } أي ‪ :‬كانت عقوبته بما يناسبه ‪َ { ،‬فمِ ْنهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا } ‪ ،‬وهم عاد‬
‫‪ ،‬وذلك أنهم قالوا ‪ :‬مَنْ أشدّ منا قوة ؟ فجاءتهم ريح صرصر باردة شديدة البرد ‪ ،‬عاتية شديدة‬
‫الهبوب جدا ‪ ،‬تحمل عليهم حصباء الرض فتقلبها عليهم ‪ ،‬وتقتلعهم من الرض فترفع الرجل‬
‫منهم إلى عَنَان السماء ‪ ،‬ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى بدنًا بل رأس ‪ ،‬كأنهم أعجاز نخل‬
‫خذَتْهُ الصّ ْيحَةُ } ‪ ،‬وهم ثمود ‪ ،‬قامت عليهم الحجة وظهرت لهم (‪)5‬‬
‫منقعر (‪َ { .)4‬ومِ ْنهُمْ مَنْ أَ َ‬
‫الدللة ‪ ،‬من تلك الناقة التي انفلقت عنها الصخرة ‪ ،‬مثل ما سألوا سواء بسواء ‪ ،‬ومع هذا ما آمنوا‬
‫بل استمروا على طغيانهم وكفرهم ‪ ،‬وتهددوا نبي ال صالحا ومَنْ آمن معه ‪ ،‬وتوعّدوهُم بأن‬
‫سفْنَا بِهِ‬
‫يخرجوهم ويرجموهم ‪ ،‬فجاءتهم صيحة أخمدت الصوات منهم والحركات‪َ { .‬ومِ ْنهُمْ مَنْ خَ َ‬
‫ال ْرضَ } ‪ ،‬وهو قارون الذي طغى وبغى وعتا ‪ ،‬وعصى الرب العلى ‪ ،‬ومشى في الرض‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مرحًا ‪ ،‬وفرح ومرح وتاه بنفسه ‪ ،‬واعتقد أنه أفضل من غيره ‪ ،‬واختال في مشيته ‪ ،‬فخسف ال‬
‫به وبداره الرض ‪ ،‬فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة‪َ { .‬ومِ ْنهُمْ مَنْ أَغْ َرقْنَا } ‪ ،‬وهم (‪ )6‬فرعون‬
‫ووزيره هامان ‪ ،‬وجنوده عن آخرهم ‪ ،‬أغرقوا في صبيحة واحدة ‪ ،‬فلم ينج منهم مخبر ‪َ { ،‬ومَا‬
‫سهُمْ يَظِْلمُونَ } أي ‪ :‬إنما فعل ذلك‬
‫كَانَ اللّهُ لِيَظِْل َمهُمْ } أي ‪ :‬فيما فعل بهم ‪ { ،‬وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وأخذهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬قرية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬مساكنهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬خاوية"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو"‪.‬‬

‫( ‪)6/278‬‬

‫مَ َثلُ الّذِينَ اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْلِيَاءَ َكمَ َثلِ ا ْلعَ ْنكَبُوتِ اتّخَ َذتْ بَيْتًا وَإِنّ َأوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَ ْيتُ‬
‫حكِيمُ (‬
‫شيْ ٍء وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫ا ْلعَ ْنكَبُوتِ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ (‪ )41‬إِنّ اللّهَ َيعَْلمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ َ‬
‫‪ )42‬وَتِ ْلكَ الَْأمْثَالُ َنضْرِ ُبهَا لِلنّاسِ َومَا َي ْعقُِلهَا إِلّا ا ْلعَاِلمُونَ (‪)43‬‬

‫بهم جزاء وفاقا بما كسبت أيديهم‪.‬‬


‫وهذا الذي ذكرناه ظاهر سياق الية ‪ ،‬وهو من باب اللف والنشر ‪ ،‬وهو أنه ذكر المم المكذبة ‪،‬‬
‫خذْنَا بِذَنْ ِبهِ } [الية] (‪ ، )2‬أي ‪ :‬من هؤلء المذكورين ‪ ،‬وإنما نبهتُ على‬
‫ثم قال ‪َ { :‬فكُل (‪ )1‬أَ َ‬
‫هذا لنه قد روي أن ابن جريج قال ‪ :‬قال (‪ )3‬ابن عباس في قوله ‪َ { :‬فمِ ْنهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَ ْيهِ‬
‫حَاصِبًا } ‪ ،‬قال ‪ :‬قوم لوط‪َ { .‬ومِ ْنهُمْ مَنْ أَغْ َرقْنَا } ‪ ،‬قال ‪ :‬قوم نوح‪.‬‬
‫وهذا (‪ )4‬منقطع عن ابن عباس ؛ فإن ابن جُرْيَج لم يدركه‪ .‬ثم قد ذكر في هذه السورة إهلك قوم‬
‫ق والفصلُ بين ذلك وبين هذا‬
‫نوح بالطوفان ‪ ،‬وقوم لوط بإنزال الرجز من السماء ‪ ،‬وطال السيا ُ‬
‫السياق‪.‬‬
‫خذَتْهُ الصّ ْيحَةُ } ‪،‬‬
‫وقال قتادة ‪َ { :‬فمِ ْنهُمْ مَنْ أَ ْرسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا } قال ‪ :‬قوم لوط ‪َ { ،‬ومِ ْنهُمْ مَنْ أَ َ‬
‫قوم شعيب‪ .‬وهذا بعيد أيضا لما تقدم ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫خ َذتْ بَيْتًا وَإِنّ َأوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَ ْيتُ‬
‫خذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْلِيَاءَ َكمَ َثلِ ا ْلعَ ْنكَبُوتِ اتّ َ‬
‫{ مَ َثلُ الّذِينَ اتّ َ‬
‫حكِيمُ (‬
‫شيْ ٍء وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫ا ْلعَ ْنكَبُوتِ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ (‪ )41‬إِنّ اللّهَ َيعَْلمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫س َومَا َي ْعقُِلهَا إِل ا ْلعَاِلمُونَ (‪} )43‬‬
‫‪ )42‬وَتِ ْلكَ المْثَالُ َنضْرِ ُبهَا لِلنّا ِ‬
‫هذا مثل ضربه ال تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون ال ‪ ،‬يرجون نصرهم ورزقهم ‪،‬‬
‫ويتمسكون بهم في الشدائد ‪ ،‬فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه (‪ )5‬فليس في أيدي‬
‫هؤلء من آلهتهم إل كمَنْ يتمسك ببيت العنكبوت ‪ ،‬فإنه ل يجدي عنه شيئا ‪ ،‬فلو عَلموا هذا الحال‬
‫لما اتخذوا من دون ال أولياء ‪ ،‬وهذا بخلف المسلم المؤمن قلبه ل ‪ ،‬وهو مع ذلك يحسن العمل‬
‫في اتباع الشرع فإنه مستمسك (‪ )6‬بالعروة الوثقى ل انفصام لها ‪ ،‬لقوتها وثباتها‪.‬‬
‫ثم قال تعالى متوعدا ِلمَنْ عبد غيره وأشرك به ‪ :‬إنه تعالى يعلم ما هم عليه من العمال ‪ ،‬ويعلم‬
‫ما يشركون به من النداد ‪ ،‬وسيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم‪.‬‬
‫س َومَا َي ْعقُِلهَا إِل ا ْلعَاِلمُونَ } أي ‪ :‬وما يفهمها ويتدبرها‬
‫ك المْثَالُ َنضْرِ ُبهَا لِلنّا ِ‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَتِ ْل َ‬
‫إل الراسخون في العلم المتضلعون منه‪.‬‬
‫قال (‪ )7‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسحاق بن عيسى ‪ ،‬حدثني ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن أبي قَبِيل (‪ ، )8‬عن‬
‫عقَلْتُ عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ألف مثل (‬
‫عمرو بن العاص ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪َ :‬‬
‫‪.)9‬‬
‫وهذه منقبة عظيمة لعمرو بن العاص ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬حيث يقول [ال] (‪ )10‬تعالى ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فمنهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وهو"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وذهابه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬متمسك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )4/203‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )8/264‬إسناده حسن"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬تبارك و"‪.‬‬

‫( ‪)6/279‬‬

‫حيَ إِلَ ْيكَ مِنَ ا ْلكِتَابِ‬


‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ بِا ْلحَقّ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَةً لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )44‬ا ْتلُ مَا أُو ِ‬
‫خََلقَ اللّهُ ال ّ‬
‫حشَا ِء وَا ْلمُ ْنكَ ِر وَلَ ِذكْرُ اللّهِ َأكْبَ ُر وَاللّهُ َيعَْلمُ مَا َتصْ َنعُونَ (‪)45‬‬
‫وََأقِمِ الصّلَاةَ إِنّ الصّلَاةَ تَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ك المْثَالُ َنضْرِ ُبهَا لِلنّاسِ َومَا َي ْعقُِلهَا إِل ا ْلعَاِلمُونَ }‪.‬‬
‫{ وَتِ ْل َ‬
‫وقال (‪ )1‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا أبي ‪،‬‬
‫حدثنا ابن سنان ‪ ،‬عن عمرو بن مرة قال ‪ :‬ما مررت بآية من كتاب ال ل أعرفها إل أحزنني ‪،‬‬
‫ك المْثَالُ َنضْرِ ُبهَا لِلنّاسِ َومَا َي ْعقُِلهَا إِل ا ْلعَاِلمُونَ }‪.‬‬
‫لني سمعت ال تعالى يقول ‪ { :‬وَتِ ْل َ‬
‫حيَ إِلَ ْيكَ مِنَ‬
‫ك ليَةً لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )44‬ا ْتلُ مَا أُو ِ‬
‫حقّ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضَ بِالْ َ‬
‫{ خَلَقَ اللّهُ ال ّ‬
‫ا ْلكِتَابِ وََأقِمِ الصّلةَ إِنّ الصّلةَ تَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَحْشَاءِ وَا ْلمُ ْنكَرِ وَلَ ِذكْرُ اللّهِ َأكْبَ ُر وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا َتصْ َنعُونَ‬
‫(‪.} )45‬‬
‫يقول تعالى [مخبرا] (‪ )2‬عن قدرته العظيمة ‪ :‬أنه خلق السموات والرض بالحق ‪ ،‬يعني ‪ :‬ل‬
‫سعَى } [طه ‪ { ، ]15 :‬لِ َيجْ ِزيَ الّذِينَ أَسَاءُوا ِبمَا‬
‫على وجه العبث واللعب ‪ { ،‬لِ ُتجْزَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا َت ْ‬
‫عمِلُوا وَيَجْ ِزيَ الّذِينَ أَحْسَنُوا بِا ْلحُسْنَى } [النجم ‪.]31 :‬‬
‫َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِلكَ ليَةً لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬لدللة واضحة على أنه تعالى المتفرد بالخلق والتدبير‬
‫واللهية‪.‬‬
‫ثم قال تعالى آمرا رسوله والمؤمنين بتلوة القرآن ‪ ،‬وهو قراءته وإبلغه للناس ‪ { :‬وََأقِمِ الصّلةَ‬
‫إِنّ الصّلةَ تَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَحْشَاءِ وَا ْلمُ ْنكَرِ وَلَ ِذكْرُ اللّهِ َأكْبَرُ } يعني ‪ :‬أن الصلة تشتمل على شيئين ‪:‬‬
‫على ترك الفواحش والمنكرات ‪ ،‬أي ‪ :‬إن مواظبتها تحمل على ترك ذلك‪ .‬وقد جاء في الحديث‬
‫من رواية عمران ‪ ،‬وابن عباس مرفوعا ‪" :‬مَنْ لم تنهه صلته عن الفحشاء والمنكر ‪ ،‬لم تزده من‬
‫ال إل بعدا" (‪.)3‬‬
‫[ذكر الثار الواردة في ذلك] (‪: )4‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن هارون المخرمي الفلس ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن نافع أبو‬
‫زياد ‪ ،‬حدثنا عمر بن أبي عثمان ‪ ،‬حدثنا الحسن ‪ ،‬عن عمران بن حصين قال ‪ :‬سُئِل النبي صلى‬
‫حشَا ِء وَا ْلمُ ْنكَرِ } قال ‪" :‬مَنْ لم تنهه صلته‬
‫ال عليه وسلم عن قول ال ‪ { :‬إِنّ الصّلةَ تَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَ ْ‬
‫عن الفحشاء والمنكر ‪ ،‬فل صلة له" (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬رواه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أما حديث عمران بن حصين ‪ ،‬فقد أخرجه ابن أبي حاتم ‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬من طريق عمر بن‬
‫أبي عثمان عن الحسن عن عمران به ‪ ،‬والحسن لم يسمع من عمران بن حصين‪ .‬وأما حديث ابن‬
‫عباس ‪ ،‬فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )11/54‬من طريق ليث عن طاوس عن ابن‬
‫عباس به‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬وهذا الحديث فيه علتان ذكرهما الشيخ ناصر الدين اللباني في الضعيفة وهما ‪:‬‬
‫‪ - 1‬النقطاع بين الحسن ‪ -‬وهو البصري ‪ -‬وعمران بن حصين ‪ ،‬فإنهم اختلفوا في سماعه منه‬
‫فإنه ثبت ‪ ،‬فعلته عنعنته الحسن فإنه مدلس معروف بذلك‪.‬‬
‫‪ - 2‬جهالة عمر بن أبي عثمان ‪ ،‬ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (‪ )3/1/123‬وقال ‪:‬‬
‫"سمع طاوسا قوله ‪ ،‬روى عنه يحيى بن سعيد"‪.‬‬

‫( ‪)6/280‬‬

‫وحدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي طلحة اليربوعي حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن‬
‫طاوس ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مَنْ لم تنهه صلته عن‬
‫الفحشاء والمنكر ‪ ،‬لم يزدد بها من ال إل بعدا"‪ .‬ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية (‪.)1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثنا خالد بن عبد ال ‪ ،‬عن العلء بن‬
‫المسيب ‪ ،‬عمن ذكره ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬إِنّ الصّلةَ تَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَحْشَاءِ وَا ْلمُ ْنكَرِ } قال ‪:‬‬
‫َفمَنْ لم تأمره صلته بالمعروف وتنهه عن المنكر ‪ ،‬لم يزدد بصلته من ال إل بعدا‪ .‬فهذا‬
‫موقوف (‪)2‬‬
‫‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬وحدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثنا علي بن هاشم بن (‪ )3‬البريد ‪ ،‬عن‬
‫جويبر ‪ ،‬عن الضحاك ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ل صلة ِلمَنْ‬
‫لم يطع الصلة ‪ ،‬وطاعة الصلة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر"‪ .‬قال ‪ :‬وقال سفيان ‪ { :‬قَالُوا يَا‬
‫شعَ ْيبُ َأصَل ُتكَ تَ ْأمُ ُركَ } [هود ‪ ]87 :‬قال ‪ :‬فقال سفيان ‪ :‬أي وال ‪ ،‬تأمره وتنهاه‪)4( .‬‬
‫ُ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشَجّ ‪ ،‬حدثنا أبو خالد ‪ ،‬عن جويبر ‪ ،‬عن الضحاك ‪ ،‬عن‬
‫عبد ال قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وقال أبو خالد مَرّة ‪ :‬عن عبد ال ‪" : -‬ل‬
‫صلة ِلمَنْ لم يطع الصلة ‪ ،‬وطاعة الصلة تنهاه (‪ )5‬عن الفحشاء والمنكر" (‪.)6‬‬
‫والموقوف أصح ‪ ،‬كما رواه العمش ‪ ،‬عن مالك بن الحارث ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن يزيد قال ‪:‬‬
‫قيل لعبد ال ‪ :‬إن فلنا يطيل الصلة ؟ قال ‪ :‬إن الصلة ل تنفع إل من أطاعها (‪.)7‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬قال علي ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن مسلم (‪ ، )8‬عن الحسن قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من صلى صلة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر ‪ ،‬لم يزدد بها من ال إل‬
‫ُبعْدا" (‪.)9‬‬
‫والصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬والحسن وقتادة ‪ ،‬والعمش‬
‫وغيرهم ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا يوسف بن موسى ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ -‬يعني ابن عبد الحميد ‪-‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح قال ‪ :‬أراه عن جابر ‪ -‬شك العمش ‪ -‬قال ‪ :‬قال رجل للنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إن فلنا يصلي فإذا أصبح سرق ‪ ،‬قال ‪" :‬سينهاه (‪ )10‬ما يقول" (‪.)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير (‪ )11/54‬وقال الحافظ العراقي في تخريج الحياء ‪" :‬إسناده لين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)20/99‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪ )20/99‬وفيه جويبر وهو متروك‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬تنهى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ذكره السيوطي في الدر المنثور (‪ )6/465‬مرفوعا ‪ ،‬وقال ‪" :‬أخرج عبد بن حميد وابن جرير‬
‫‪ ،‬وابن مردويه بسند ضعيف" فذكر الرواية التي قبلها‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ )13/298‬من طريق زائدة عن عاصم عن شقيق عن ابن‬
‫مسعود قال ‪" :‬ل تنفع الصلة إل من أطاعها ثم قرأ عبد ال ‪( :‬إن الصلة تنهى عن الفحشاء‬
‫والمنكر‪ )...‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا علي بن إسماعيل بن مسلم" والمثبت من‬
‫الطبري‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪ )20/99‬وهو من مراسيل الحسن‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬ستنهاه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬مسند البزار برقم (‪" )721‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" )2/258‬رجاله ثقات"‪.‬‬

‫( ‪)6/281‬‬

‫وحدثنا محمد بن موسى الحَرشي (‪ )1‬حدثنا زياد بن عبد ال ‪ ،‬عن العمش عن أبي صالح ‪ ،‬عن‬
‫جابر ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم بنحوه ‪ -‬ولم يشك (‪ - )2‬ثم قال ‪ :‬وهذا الحديث قد رواه‬
‫غير واحد عن العمش واختلفوا في إسناده ‪ ،‬فرواه غير واحد عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة أو غيره ‪ ،‬وقال قيس عن العمش ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬وقال جرير‬
‫وزياد ‪ :‬عن عبد ال ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن جابر‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا العمش قال ‪ :‬أنبأنا أبو صالح (‪ )3‬عن أبي هريرة قال ‪:‬‬
‫جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إن فلنا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق ؟ فقال ‪:‬‬
‫"إنه سينهاه ما يقول (‪." )5( )4‬‬
‫وتشتمل الصلة أيضا على ذكر ال تعالى ‪ ،‬وهو المطلوب الكبر ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬وَلَ ِذكْرُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اللّهِ َأكْبَرُ } أي ‪ :‬أعظم من الول ‪ { ،‬وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا َتصْ َنعُونَ } أي ‪ :‬يعلم جميع أقوالكم وأعمالكم‪.‬‬
‫حشَا ِء وَا ْلمُ ْنكَرِ } ‪ ،‬قال ‪ :‬إن الصلة فيها‬
‫وقال أبو العالية في قوله ‪ { :‬إِنّ الصّلةَ تَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَ ْ‬
‫ثلث خصال (‪ )6‬فكل صلة ل يكون فيها شيء من هذه الخلل فليست بصلة ‪ :‬الخلص ‪،‬‬
‫والخشية ‪ ،‬وذكر ال‪ .‬فالخلص يأمره بالمعروف ‪ ،‬والخشية تنهاه عن المنكر ‪ ،‬وذكر القرآن‬
‫يأمره وينهاه‪.‬‬
‫عوْن النصاري ‪ :‬إذا كنت في صلة فأنت في معروف ‪ ،‬وقد حجزتك عن الفحشاء‬
‫وقال ابن َ‬
‫والمنكر ‪ ،‬والذي أنت فيه من ذكر ال أكبر‪.‬‬
‫حشَا ِء وَا ْلمُ ْنكَرِ } يعني ‪ :‬ما دمت فيها‪.‬‬
‫وقال حماد بن أبي سليمان ‪ { :‬إِنّ الصّلةَ تَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَ ْ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَلَ ِذكْرُ اللّهِ َأكْبَرُ } ‪ ،‬يقول ‪ :‬ولذكر ال‬
‫لعباده أكبر ‪ ،‬إذا ذكروه من ذكرهم إياه‪.‬‬
‫وكذا روى غير واحد عن ابن عباس‪ .‬وبه قال مجاهد ‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو خالد الحمر ‪ ،‬عن داود بن أبي هند ‪ ،‬عن‬
‫رجل ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَلَ ِذكْرُ اللّهِ َأكْبَرُ } قال ‪ :‬ذكر ال عند طعامك وعند منامك‪ .‬قلت ‪ :‬فإن‬
‫صاحبًا لي في المنزل يقول غير الذي تقول ‪ :‬قال ‪ :‬وأي شيء يقول ؟ قلت ‪ :‬قال ‪ :‬يقول ال ‪:‬‬
‫{ فَا ْذكُرُونِي أَ ْذكُ ْركُمْ } [البقرة ‪ ، ]152 :‬فلذكر ال إيانا أكبر من ذكرنا إياه‪ .‬قال ‪ :‬صدق‪.‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫قال ‪ :‬وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا النفيلي ‪ ،‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬عن خالد ‪ ،‬عن ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الجرشي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند البزار برقم (‪" )722‬كشف الستار"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أبو صالح أخبرنا" والمثبت من المسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬ستنهاه ما تقول"‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/447‬ورواه البزار في مسنده برقم (‪" )720‬كشف الستار"‪ .‬من طريق العمش‬
‫به ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )2/258‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬خلل"‪.‬‬

‫( ‪)6/282‬‬

‫في قوله ‪ { :‬وَلَ ِذكْرُ اللّهِ َأكْبَرُ } قال ‪ :‬لها وجهان ‪ ،‬قال ‪ :‬ذكر ال عندما حرمه ‪ ،‬قال ‪ :‬وذكر ال‬
‫إياكم أعظم من ذكركم إياه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدّثنا ُهشَيْم ‪ ،‬أخبرنا عطاء بن السائب ‪ ،‬عن عبد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال بن ربيعة قال ‪ :‬قال لي ابن عباس ‪ :‬هل تدري ما قوله تعالى ‪ { :‬وََل ِذكْرُ اللّهِ َأكْبَرُ } ؟ قال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فما هو ؟ قلت ‪ :‬التسبيح والتحميد والتكبير في الصلة ‪ ،‬وقراءة القرآن ‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك‪ .‬قال ‪ :‬لقد قلت قول عجبًا ‪ ،‬وما هو كذلك ‪ ،‬ولكنه إنما يقول ‪ :‬ذكر ال إياكم عندما أمر به أو‬
‫نهى عنه إذا ذكرتموه ‪ ،‬أكبر من ذكركم إياه (‪)1‬‬
‫‪ .‬وقد روي هذا من غير وجه عن ابن عباس‪ .‬وروي أيضا عن ابن مسعود ‪ ،‬وأبي الدرداء ‪،‬‬
‫وسلمان الفارسي ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)20/99‬‬

‫( ‪)6/283‬‬

‫حسَنُ إِلّا الّذِينَ ظََلمُوا مِ ْنهُ ْم َوقُولُوا َآمَنّا بِالّذِي أُنْ ِزلَ إِلَيْنَا‬
‫وَلَا تُجَادِلُوا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ إِلّا بِالّتِي ِهيَ أَ ْ‬
‫وَأُنْ ِزلَ إِلَ ْي ُك ْم وَإَِلهُنَا وَإَِل ُهكُ ْم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسِْلمُونَ (‪)46‬‬

‫ظَلمُوا مِ ْنهُمْ َوقُولُوا آمَنّا بِالّذِي أُنزلَ إِلَيْنَا‬


‫{ وَل تُجَادِلُوا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ إِل بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ إِل الّذِينَ َ‬
‫وَأُنزلَ إِلَ ْي ُك ْم وَإَِلهُنَا وَإَِل ُهكُ ْم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسِْلمُونَ (‪.} )46‬‬
‫قال قتادة وغير واحد ‪ :‬هذه الية منسوخة بآية السيف ‪ ،‬ولم يبق معهم مجادلة ‪ ،‬وإنما هو السلم‬
‫أو الجزية أو السيف‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل هي باقية أو محكمة ِلمَنْ أراد الستبصار منهم في الدين ‪ ،‬فيجادل بالتي هي‬
‫ح ْكمَ ِة وَا ْل َموْعِظَةِ الْحَسَ َنةِ‬
‫أحسن ‪ ،‬ليكون أنجع فيه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬ا ْدعُ إِلَى سَبِيلِ رَ ّبكَ بِا ْل ِ‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ ِه وَ ُهوَ أَعَْلمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ } [النحل ‪:‬‬
‫ن َ‬
‫حسَنُ إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَ ْ‬
‫وَجَادِ ْل ُهمْ بِالّتِي ِهيَ أَ ْ‬
‫‪ ، ]125‬وقال تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون ‪َ { :‬فقُول لَهُ َقوْل لَيّنًا َلعَلّهُ يَ َت َذكّرُ َأوْ‬
‫خشَى } [طه ‪ .]44 :‬وهذا القول اختاره ابن جرير (‪ ، )1‬وحكاه عن ابن زيد‪.‬‬
‫يَ ْ‬
‫عمُوا عن واضح المحجة ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِل الّذِينَ ظََلمُوا مِ ْنهُمْ } أي ‪ :‬حادوا عن وجه الحق (‪ ، )2‬و َ‬
‫وعاندوا وكابروا ‪ ،‬فحينئذ ينتقل من الجدال إلى الجلد ‪ ،‬ويقاتلون بما يردعهم ويمنعهم ‪ ،‬قال ال‬
‫ط وَأَنزلْنَا‬
‫تعالى ‪َ { :‬لقَدْ أَ ْرسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزلْنَا َم َعهُمُ ا ْلكِتَابَ وَا ْلمِيزَانَ لِ َيقُومَ النّاسُ بِا ْلقِسْ ِ‬
‫س وَلِ َيعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُرهُ وَرُسُلَهُ بِا ْلغَ ْيبِ إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ }‬
‫شدِي ٌد َومَنَافِعُ لِلنّا ِ‬
‫حدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ َ‬
‫الْ َ‬
‫[الحديد ‪.]25 :‬‬
‫قال جابر ‪ :‬أمرْنَا من خالف كتاب ال أن نضربه بالسيف‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ { :‬إِل الّذِينَ ظََلمُوا مِ ْنهُمْ } يعني ‪ :‬أهل الحرب ‪َ ،‬ومَنِ امتنع منهم عن أداء الجزية‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقُولُوا آمَنّا بِالّذِي أُنزلَ إِلَيْنَا وَأُنزلَ إِلَ ْي ُكمْ } ‪ ،‬يعني ‪ :‬إذا أخبروا بما ل يعلم صدقه ول‬
‫كذبه ‪ ،‬فهذا ل نُقدم على تكذيبه لنه قد يكون حقا ‪ ،‬ول على تصديقه ‪ ،‬فلعله أن يكون باطل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)21/2‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الحجة"‪.‬‬

‫( ‪)6/283‬‬

‫ولكن نؤمن به إيمانا مجمل معلقا على شرط وهو أن يكون منزل ل مبدل ول مؤول‪.‬‬
‫عمَر ‪ ،‬أخبرنا علي بن‬
‫وقال البخاري ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا عثمان بن ُ‬
‫المبارك ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة (‪ ، )1‬رضي ال عنه قال ‪:‬‬
‫كان أهل الكتاب (‪ )2‬يقرؤون التوراة بالعبرانية ‪ ،‬ويفسرونها بالعربية لهل السلم ‪ ،‬فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تصدقوا أهل الكتاب ول تكذبوهم ‪ ،‬وقولوا ‪ :‬آمنا بال وما أنزل إلينا‬
‫وما أنزل إليكم ‪ ،‬وإلهنا وإلهكم واحد ‪ ،‬ونحن له مسلمون"‪ .‬وهذا الحديث تفرّد (‪ )3‬به البخاري (‬
‫‪.)4‬‬
‫عمَر ‪ ،‬أخبرنا يونس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬أخبرني ابن أبي نملة (‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عثمان بن ُ‬
‫‪ )5‬أن أبا َنمْلَةَ النصاري أخبره ‪ ،‬أنه بينما هو جالس عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬جاءه‬
‫رجل من اليهود ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬هل تتكلم هذه الجنازة ؟ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"ال أعلم"‪ .‬قال اليهودي ‪ :‬أنا أشهد أنها تتكلم‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا حدثكم‬
‫أهل الكتاب فل تصدقوهم ول تكذبوهم ‪ ،‬وقولوا ‪ :‬آمنا بال ورسله وكتبه ‪ ،‬فإن كان حقّا لم (‪)6‬‬
‫تكذبوهم ‪ ،‬وإن كان باطل لم (‪ )7‬تصدقوهم" (‪)8‬‬
‫عمَارة‪ .‬وقيل ‪ :‬عمار‪ .‬وقيل ‪ :‬عمرو بن معاذ بن زُرَارة النصاري ‪،‬‬
‫قلت ‪ :‬وأبو َنمْلَةَ هذا هو ‪ُ :‬‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫ثم ليعلم أن أكثر ما يُحدّثون به غالبُه كذب وبهتان ؛ لنه قد دخله تحريف وتبديل وتغيير وتأويل ‪،‬‬
‫وما أقل الصدق فيه ‪ ،‬ثم ما أقل فائدة كثير منه لو كان صحيحا‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا أبو عاصم ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن سليمان بن عامر ‪ ،‬عن‬
‫عمارة بن عمير ‪ ،‬عن حُرَيْث (‪ )9‬بن ظهير ‪ ،‬عن عبد ال ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬ل تسألوا‬
‫أهل الكتاب عن شيء ‪ ،‬فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ‪ ،‬إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل ‪ ،‬فإنه‬
‫ليس أحد من أهل الكتاب إل وفي قلبه تالية ‪ ،‬تدعوه إلى دينه كتالية المال (‪.)10‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا موسى بن إسماعيل (‪ )11‬حدثنا إبراهيم بن سعد ‪ ،‬أخبرنا ابن شهاب ‪ ،‬عن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عبيد ال بن عبد ال (‪ ، )12‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ‪ ،‬وكتابكم‬
‫الذي أنزل على رسوله صلى ال عليه وسلم أحدث (‪ )13‬تقرؤونه محضا لم يُشَب ‪ ،‬وقد حدَثَكم‬
‫أن أهل الكتاب بدّلوا كتاب ال ‪ ،‬وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬هو (‪ )14‬من عند ال ‪،‬‬
‫ليشتروا به ثمنا قليل ؟ أل ينهاكم ما جاءكم من العلم عن (‪ )15‬مسألتهم ؟ ل وال ما رأينا منهم‬
‫رجل يسألكم عن الذي أنزل عليكم (‪.)16‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬روى البخاري بإسناده عن أبي هريرة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪" :‬كان أهل التوراة" والمثبت من البخاري‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬انفرد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)7362 ، 4485‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬روى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬فل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)4/136‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬حرب"‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪.)21/4‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬سليمان"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬روى البخاري بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬أحدث الكتب"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقالوا ‪ :‬هذا هو"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ف ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )16‬صحيح البخاري برقم (‪.)7363‬‬

‫( ‪)6/284‬‬

‫جحَدُ‬
‫َوكَذَِلكَ أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ فَالّذِينَ آَتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ ُي ْؤمِنُونَ بِهِ َومِنْ َهؤُلَاءِ مَنْ ُي ْؤمِنُ ِب ِه َومَا يَ ْ‬
‫بِآَيَاتِنَا إِلّا ا ْلكَافِرُونَ (‪َ )47‬ومَا كُ ْنتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا َتخُطّهُ بِ َيمِي ِنكَ إِذًا لَارْتَابَ ا ْلمُ ْبطِلُونَ (‬
‫حدُ بِآَيَاتِنَا إِلّا الظّاِلمُونَ (‪)49‬‬
‫صدُورِ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ َومَا َيجْ َ‬
‫‪َ )48‬بلْ ُهوَ آَيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمَيد بن عبد الرحمن‬
‫وقال البخاري ‪ :‬وقال أبو اليمان ‪ :‬أخبرنا شعيب ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬أخبرني ُ‬
‫‪ :‬أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة ‪ -‬وذك َر كعبَ الحبار ‪ -‬فقال ‪ :‬إن كان من‬
‫أصدق هؤلء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ‪ ،‬وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب (‪.)1‬‬
‫قلت ‪ :‬معناه أنه يقع منه الكذب لغة من غير قصد ؛ لنه يحدث عن صحف هو يحسن بها الظن ‪،‬‬
‫وفيها أشياء موضوعة ومكذوبة ؛ لنهم لم يكن في ملتهم حفاظ متقنون كهذه المة العظيمة ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك وقرب العهد وضعت (‪ )2‬أحاديث كثيرة في هذه المة ‪ ،‬ل يعلمها إل ال ومن منحه ال علما‬
‫بذلك ‪ ،‬كل بحسبه ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫جحَدُ‬
‫{ َوكَذَِلكَ أَنزلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ فَالّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ا ْلكِتَابَ ُي ْؤمِنُونَ بِ ِه َومِنْ َهؤُلءِ مَنْ ُي ْؤمِنُ ِب ِه َومَا يَ ْ‬
‫ب وَل َتخُطّهُ بِ َيمِي ِنكَ إِذًا لرْتَابَ ا ْلمُبْطِلُونَ‬
‫بِآيَاتِنَا إِل ا ْلكَافِرُونَ (‪َ )47‬ومَا كُ ْنتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَا ٍ‬
‫حدُ بِآيَاتِنَا إِل الظّاِلمُونَ (‪.} )49‬‬
‫صدُورِ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ َومَا َيجْ َ‬
‫(‪َ )48‬بلْ ُهوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي ُ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يقول ال تعالى ‪ :‬كما أنزلنا الكُتُب (‪ )3‬على مَنْ قبلك ‪ -‬يا محمد ‪ -‬من الرسل ‪،‬‬
‫كذلك أنزلنا إليك هذا الكتاب‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله حسن ومناسبة وارتباط (‪ )4‬جيد‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَالّذِينَ آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ ُي ْؤمِنُونَ ِبهِ } أي ‪ :‬الذين أخذوه فتَلوْه حق تلوته من أحبارهم‬
‫العلماء الذكياء ‪ ،‬كعبد ال بن سلم ‪ ،‬وسلمان الفارسي ‪ ،‬وأشباههما‪.‬‬
‫حدُ بِآيَاتِنَا إِل‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِنْ َهؤُلءِ مَنْ ُي ْؤمِنُ بِهِ } ‪ ،‬يعني العرب من قريش وغيرهم ‪َ { ،‬ومَا َيجْ َ‬
‫ا ْلكَافِرُونَ } ‪ ،‬أي ‪ :‬ما يكذب بها ويجحد حقها إل مَنْ يستر الحق بالباطل ‪ ،‬ويغطي ضوء الشمس‬
‫بالوصائل ‪ ،‬وهيهات‪.‬‬
‫ب وَل َتخُطّهُ بِ َيمِي ِنكَ } ‪ ،‬أي ‪ :‬قد لبثت في قومك‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬ومَا كُ ْنتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَا ٍ‬
‫‪ -‬يا محمد ‪ -‬ومن قبل أن تأتي بهذا القرآن عُمرا ل تقرأ كتابا ول تحسن الكتابة ‪ ،‬بل كل أحد من‬
‫قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي ل تقرأ ول تكتب (‪ .)5‬وهكذا صفته في الكتب المتقدمة ‪،‬‬
‫جدُونَهُ َمكْتُوبًا عِ ْندَهُمْ فِي ال ّتوْرَاةِ‬
‫ي ال ّميّ الّذِي يَ ِ‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ الرّسُولَ النّ ِب ّ‬
‫وَالنْجِيلِ يَ ْأمُرُ ُهمْ بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْنهَاهُمْ عَنِ ا ْلمُ ْنكَرِ } الية [العراف ‪ .]157 :‬وهكذا كان ‪ ،‬صلوات‬
‫ال وسلمه عليه [دائما أبدا] (‪ )6‬إلى يوم القيامة (‪ ، )7‬ل يحسن الكتابة ول يخط سطرا ول حرفا‬
‫بيده ‪ ،‬بل كان له كتاب يكتبون بين‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)7361‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وضعفت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الكتاب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬ومناسبته وارتباطه"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬ل يقرأ ول يكتب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬دائما"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الدين"‪.‬‬

‫( ‪)6/285‬‬

‫يديه الوحي والرسائل إلى القاليم‪ .‬ومن زعم من متأخري الفقهاء ‪ ،‬كالقاضي أبي الوليد الباجي‬
‫ومن تابعه أنه عليه السلم (‪ ، )1‬كتب يوم الحديبية ‪" :‬هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد ال" فإنما‬
‫حمله على ذلك رواية في صحيح البخاري ‪" :‬ثم أخذ فكتب" ‪ :‬وهذه محمولة على الرواية الخرى‬
‫‪" :‬ثم أمر فكتب"‪ .‬ولهذا اشتد النكير بين فقهاء المغرب والمشرق على من قال بقول الباجي ‪،‬‬
‫وتبرؤوا منه ‪ ،‬وأنشدوا في ذلك أقوال وخطبوا به في محافلهم ‪ :‬وإنما أراد الرجل ‪ -‬أعني الباجي‬
‫‪ ،‬فيما يظهر عنه ‪ -‬أنه كتب ذلك على وجه المعجزة ‪ ،‬ل أنه كان يحسن الكتابة ‪ ،‬كما قال ‪ ،‬عليه‬
‫الصلة والسلم (‪ )2‬إخبارا عن الدجال ‪" :‬مكتوب بين عينيه كافر" وفي رواية ‪" :‬ك ف ر ‪،‬‬
‫يقرؤها كل مؤمن" (‪ ، )3‬وما أورده بعضهم من الحديث أنه لم يمت ‪ ،‬عليه السلم (‪ )4‬حتى تعلم‬
‫الكتابة ‪ ،‬فضعيف ل أصل له ؛ قال ال تعالى ‪َ { :‬ومَا كُ ْنتَ تَتْلُو } أي ‪ :‬تقرأ { مِنْ قَبْلِهِ مِنْ‬
‫خطّهُ بِ َيمِي ِنكَ } تأكيد أيضا ‪ ،‬وخرج مخرج الغالب ‪ ،‬كقوله تعالى ‪{ :‬‬
‫كِتَابٍ } لتأكيد النفي ‪ { ،‬وَل تَ ُ‬
‫وَل طَائِرٍ يَطِيرُ ِبجَنَاحَ ْيهِ } [النعام ‪.]38 :‬‬
‫وقوله ‪ِ { :‬إذًا لرْتَابَ ا ْلمُبْطِلُونَ } أي ‪ :‬لو كنت تحسنها (‪ )5‬لرتاب بعض الجهلة من الناس‬
‫فيقول ‪ :‬إنما تعلم هذا من كُتب قبله مأثورة عن النبياء ‪ ،‬مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم بأنه أمي ل‬
‫يحسن الكتابة ‪َ { :‬وقَالُوا أَسَاطِيرُ الوّلِينَ اكْتَتَ َبهَا َف ِهيَ ُتمْلَى عَلَ ْيهِ ُبكْ َر ًة وََأصِيل } [الفرقان ‪، ]5 :‬‬
‫غفُورًا رَحِيمًا }‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ إِنّهُ كَانَ َ‬
‫قال ال تعالى ‪ُ { :‬قلْ أَنزلَهُ الّذِي َيعْلَمُ السّرّ فِي ال ّ‬
‫[الفرقان ‪ ، ]6 :‬وقال هاهنا ‪َ { :‬بلْ ُهوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ } أي ‪[ :‬هذا] (‪)6‬‬
‫القرآن آيات بينة واضحة في الدللة على الحق ‪ ،‬أمرًا ونهيًا وخبرًا ‪ ،‬يحفظه العلماء ‪ ،‬يَسّره ال‬
‫عليهم حفظًا وتلوةً وتفسيرًا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ } [القمر‬
‫‪ ، ]17 :‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما مِنْ نبي إل وقد أعطي ما آمن على مثله‬
‫البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه ال إليّ ‪ ،‬فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا" (‪.)7‬‬
‫وفي حديث عياض بن حمار (‪ ، )8‬في صحيح مسلم ‪" :‬يقول ال تعالى ‪ :‬إني مبتليك ومبتل بك ‪،‬‬
‫ل المكتوب‬
‫ومنزل عليك كتابًا ل يغسله الماء ‪ ،‬تقرؤه نائما ويقظان" (‪ .)9‬أي ‪ :‬لو غسل الماء المح ّ‬
‫فيه لما احتيج إلى ذلك المحل ‪ ،‬كما جاء في الحديث الخر ‪" :‬لو كان القرآن في إهاب ‪ ،‬ما‬
‫أحرقته النار" (‪ ، )10‬لنه محفوظ في الصدور ‪ ،‬ميسر (‪ )11‬على اللسنة ‪ ،‬مهيمن على القلوب ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معجز لفظًا ومعنى ؛ ولهذا جاء في الكتب المتقدمة ‪ ،‬في صفة هذه المة ‪" :‬أناجيلهم في‬
‫صدورهم"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )7131‬من حديث أنس رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬تحسن الكتابة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )7274‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬وسيأتي إن‬
‫شاء ال‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬حماد"‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم برقم (‪.)2865‬‬
‫(‪ )10‬رواه أحمد في مسنده (‪ )4/151‬من حديث عقبة بن عامر‪ .‬وتقدم الكلم عليه في فضائل‬
‫القرآن‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وميسر"‪.‬‬

‫( ‪)6/286‬‬

‫َوقَالُوا َلوْلَا أُنْ ِزلَ عَلَ ْيهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبّهِ ُقلْ إِ ّنمَا الْآَيَاتُ عِ ْندَ اللّ ِه وَإِ ّنمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪َ )50‬أوََلمْ َي ْكفِهِمْ‬
‫حمَ ًة وَ ِذكْرَى ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‪ُ )51‬قلْ كَفَى بِاللّهِ‬
‫أَنّا أَنْزَلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ يُتْلَى عَلَ ْيهِمْ إِنّ فِي ذَِلكَ لَ َر ْ‬
‫ل َو َكفَرُوا بِاللّهِ أُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫طِ‬‫ض وَالّذِينَ َآمَنُوا بِالْبَا ِ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫شهِيدًا َيعَْلمُ مَا فِي ال ّ‬
‫بَيْنِي وَبَيْ َنكُمْ َ‬
‫الْخَاسِرُونَ (‪)52‬‬

‫واختار ابن جرير أن المعنى في قوله تعالى ‪َ { :‬بلْ ُهوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ }‬
‫‪ ،‬بل العلم بأنك ما كنت تتلو من قبل هذا الكتاب كتابًا ول تخطه بيمينك ‪ ،‬آيات بينات في صدور‬
‫الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب (‪ .)1‬ونقله عن قتادة ‪ ،‬وابن جريج‪ .‬وحكى الول عن الحسن‬
‫[البصري] (‪ )2‬فقط‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهو الذي رواه العوفي عن عبد ال بن عباس ‪ ،‬وقاله الضحاك ‪ ،‬وهو الظهر ‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جحَدُ بِآيَاتِنَا إِل الظّاِلمُونَ } أي ‪ :‬ما يكذب بها ويبخس حقها ويردها إل الظالمون ‪،‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا يَ ْ‬
‫حقّتْ‬
‫أي ‪ :‬المعتدون المكابرون ‪ ،‬الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َ‬
‫عَلَ ْيهِمْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ‪ .‬وََلوْ جَاءَ ْتهُمْ ُكلّ آ َيةٍ حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ اللِيمَ } [يونس ‪.]97 ، 96 :‬‬
‫{ َوقَالُوا َلوْل أُنزلَ عَلَ ْيهِ آيَاتٌ مِنْ رَبّهِ ُقلْ إِ ّنمَا اليَاتُ عِنْدَ اللّ ِه وَإِ ّنمَا أَنَا َنذِيرٌ مُبِينٌ (‪َ )50‬أوَلَمْ‬
‫حمَةً وَ ِذكْرَى ِلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‪ُ )51‬قلْ كَفَى‬
‫َي ْكفِهِمْ أَنّا أَنزلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ يُتْلَى عَلَ ْيهِمْ إِنّ فِي ذَِلكَ لَرَ ْ‬
‫طلِ َو َكفَرُوا بِاللّهِ أُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫ت وَال ْرضِ وَالّذِينَ آمَنُوا بِالْبَا ِ‬
‫س َموَا ِ‬
‫شهِيدًا َيعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬
‫بِاللّهِ بَيْنِي وَبَيْ َنكُمْ َ‬
‫الْخَاسِرُونَ (‪.} )52‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن المشركين في تعنتهم وطلبهم آيات ‪ -‬يعنون ‪ -‬ترشدهم إلى أن محمدا‬
‫رسول ال كما جاء صالح بناقته ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ُ { :‬قلْ } يا محمد ‪ { :‬إِ ّنمَا اليَاتُ عِنْدَ اللّهِ } أي‬
‫‪ :‬إنما أمر ذلك إلى ال ‪ ،‬فإنه لو علم أنكم تهتدون لجابكم إلى سؤالكم ؛ لن ذلك سهل عليه ‪،‬‬
‫يسير لديه ‪ ،‬ولكنه يعلم منكم أنما قصدكم التعنت والمتحان ‪ ،‬فل يجيبكم إلى ذلك ‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫ن وَآتَيْنَا َثمُودَ النّاقَةَ مُ ْبصِ َرةً فَظََلمُوا ِبهَا }‬
‫سلَ بِاليَاتِ إِل أَنْ كَ ّذبَ ِبهَا الوّلُو َ‬
‫‪َ { :‬ومَا مَ َنعَنَا أَنْ نُرْ ِ‬
‫[السراء ‪.]59 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِ ّنمَا أَنَا َنذِيرٌ مُبِينٌ } أي ‪ :‬إنما بعثت نذيرًا لكم بَيّنَ النذارة َفعَليّ أن أبلغكم رسالة ال و‬
‫جدَ لَهُ وَلِيّا مُرْشِدًا } [الكهف ‪ ، ]17 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫{ مَنْ َي ْهدِ اللّهُ َف ُهوَ ا ْل ُمهْتَ ِد َومَنْ ُيضِْللْ فَلَنْ تَ ِ‬
‫{ لَ ْيسَ عَلَ ْيكَ هُدَاهُ ْم وََلكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [البقرة ‪.]272 :‬‬
‫ثم قال تعالى مبينا كثرة جهلهم ‪ ،‬وسخافة عقلهم ‪ ،‬حيث طلبوا آيات تدلهم على صدق محمد فيما‬
‫جاءهم [به] (‪ - )3‬وقد جاءهم بالكتاب العزيز الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ‪ ،‬ول من خلفه‬
‫تنزيل من حكيم حميد ‪ ،‬الذي هو أعظم من كل معجزة ‪ ،‬إذ عجزت الفصحاء والبلغاء عن‬
‫معارضته ‪ ،‬بل عن معارضة عشر سور من مثله ‪ ،‬بل عن معارضة سورة منه ‪ -‬فقال تعالى ‪{ :‬‬
‫علَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ يُتْلَى عَلَ ْي ِهمْ } أي ‪ :‬أولم يكفهم آية أنا أنزلنا عليك هذا الكتاب‬
‫َأوَلَمْ َي ْك ِفهِمْ أَنّا أَنزلْنَا َ‬
‫العظيم ‪ ،‬الذي فيه خبر ما قبلهم ‪ ،‬ونبأ ما بعدهم ‪ ،‬وحكم ما بينهم ‪ ،‬وأنت رجل أمي ل تقرأ ول‬
‫تكتب ‪ ،‬ولم تخالط أحدا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)21/5‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)6/287‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من أهل الكتاب ‪ ،‬فجئتهم بأخبار ما في الصحف الولى ‪ ،‬ببيان الصواب مما اختلفوا فيه ‪،‬‬
‫وبالحق الواضح البين الجلي ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬أوََلمْ َيكُنْ َلهُمْ آيَةً أَنْ َيعَْلمَهُ عَُلمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ }‬
‫[الشعراء ‪ ، ]197 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬وقَالُوا َلوْل يَأْتِينَا بِآيَةٍ (‪ )1‬مِنْ رَبّهِ َأوََلمْ تَأْ ِتهِمْ بَيّنَةُ مَا فِي‬
‫ف الولَى } [طه ‪.]133 :‬‬
‫ح ِ‬
‫الصّ ُ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج ‪ ،‬حدثنا ليث ‪ ،‬حدثني سعيد بن أبي سعيد ‪ ،‬عن أبيه (‪ )2‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما من النبياء من نبي إل‬
‫قد أعطي من اليات ما مثله آمن عليه البشر ‪ ،‬وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه ال إلي ‪ ،‬فأرجو‬
‫أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة"‪ .‬أخرجاه (‪ )3‬من حديث الليث (‪.)4‬‬
‫حمَ ًة وَ ِذكْرَى ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ } أي ‪ :‬إن في هذا القرآن ‪:‬‬
‫وقال ال تعالى ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِلكَ لَ َر ْ‬
‫حمَةً } أي ‪ :‬بيانًا للحق ‪ ،‬وإزاحة للباطل و { ِذكْرَى } بما فيه حلول النقمات ونزول العقاب‬
‫{ لَ َر ْ‬
‫حمَ ًة وَ ِذكْرَى ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ }‪.‬‬
‫بالمكذبين والعاصين ‪ { ،‬لَ َر ْ‬
‫شهِيدًا } (‪ )5‬أي ‪ :‬هو أعلم بما تفيضون فيه من‬
‫ثم قال تعالى ‪ :‬قل ‪َ { :‬كفَى بِاللّهِ بَيْنِي وَبَيْ َنكُمْ َ‬
‫التكذيب ‪ ،‬ويعلم ما أقول لكم من إخباري عنه ‪ ،‬بأنه أرسلني ‪ ،‬فلو كنت كاذبا عليه لنتقم مني ‪،‬‬
‫طعْنَا مِنْهُ ا ْلوَتِينَ‪َ .‬فمَا‬
‫خذْنَا مِنْهُ بِالْ َيمِينِ‪ُ .‬ثمّ َلقَ َ‬
‫ض القَاوِيلِ‪ .‬ل َ‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬وََلوْ َت َق ّولَ عَلَيْنَا َب ْع َ‬
‫مِ ْنكُمْ مِنْ َأحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [الحاقة ‪ ، ]47 - 44 :‬وإنما أنا صادق عليه فيما أخبرتكم به ‪،‬‬
‫ولهذا أيدني بالمعجزات الواضحات ‪ ،‬والدلئل القاطعات‪.‬‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ } [أي] (‪ : )6‬ل تخفى عليه خافية‪.‬‬
‫{ َيعَْلمُ مَا فِي ال ّ‬
‫ل َو َكفَرُوا بِاللّهِ أُولَ ِئكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } أي ‪ :‬يوم معادهم سيجزيهم على ما‬
‫طِ‬‫{ وَالّذِينَ آمَنُوا بِالْبَا ِ‬
‫فعلوا ‪ ،‬ويقابلهم على ما صنعوا ‪ ،‬من تكذيبهم بالحق واتباعهم الباطل ‪ ،‬كذبوا برسل ال مع قيام‬
‫الدلة على صدقهم ‪ ،‬وآمنوا بالطواغيت والوثان بل دليل ‪ ،‬سيجازيهم على ذلك ‪ ،‬إنه حكيم عليم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في جميع النسخ ‪( :‬لول أنزل عليه آية) والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أخرجه البخاري ومسلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )2/341‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4981‬وصحيح مسلم برقم (‪.)152‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬كفى بال شهيدا بيني وبينكم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/288‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شعُرُونَ (‪)53‬‬
‫ب وَلَيَأْتِيَ ّنهُمْ َبغْتَ ًة وَ ُهمْ لَا َي ْ‬
‫سمّى لَجَاءَهُمُ ا ْلعَذَا ُ‬
‫جلٌ مُ َ‬
‫ب وََلوْلَا أَ َ‬
‫وَيَسْ َتعْجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَا ِ‬
‫حتِ‬
‫جهَنّمَ َل ُمحِيطَةٌ بِا ْلكَافِرِينَ (‪َ )54‬يوْمَ َيغْشَا ُهمُ ا ْلعَذَابُ مِنْ َف ْو ِقهِ ْم َومِنْ تَ ْ‬
‫يَسْ َتعْجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَابِ وَإِنّ َ‬
‫أَرْجُِل ِه ْم وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪)55‬‬

‫شعُرُونَ (‪)53‬‬
‫ب وَلَيَأْتِيَ ّنهُمْ َبغْتَةً وَهُمْ ل يَ ْ‬
‫سمّى َلجَاءَ ُهمُ ا ْلعَذَا ُ‬
‫جلٌ مُ َ‬
‫{ وَيَسْ َت ْعجِلُو َنكَ بِا ْل َعذَابِ وََلوْل أَ َ‬
‫حتِ‬
‫جهَنّمَ َل ُمحِيطَةٌ بِا ْلكَافِرِينَ (‪َ )54‬يوْمَ َيغْشَا ُهمُ ا ْلعَذَابُ مِنْ َف ْو ِقهِ ْم َومِنْ تَ ْ‬
‫يَسْ َتعْجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَابِ وَإِنّ َ‬
‫أَرْجُِل ِه ْم وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪.} )55‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن جهل المشركين في استعجالهم عذاب ال أن يقع بهم ‪ ،‬وبأس ال أن يحل‬

‫( ‪)6/288‬‬

‫حجَا َرةً مِنَ‬


‫حقّ مِنْ عِنْ ِدكَ فََأمْطِرْ عَلَيْنَا ِ‬
‫عليهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِذْ قَالُوا الّلهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا ُهوَ الْ َ‬
‫جلٌ‬
‫ب وََلوْل أَ َ‬
‫سمَاءِ َأوِ ائْتِنَا ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ } [النفال ‪ ، ]32 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬وَيَسْ َتعْجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَا ِ‬
‫ال ّ‬
‫سمّى لَجَا َءهُمُ ا ْل َعذَابُ } أي ‪ :‬لول ما حَتّم ال من تأخير العذاب إلى يوم القيامة لجاءهم العذاب‬
‫مُ َ‬
‫قريبا سريعا كما استعجلوه‪.‬‬
‫جهَنّمَ‬
‫ب وَإِنّ َ‬
‫شعُرُونَ‪َ .‬يسْ َتعْجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَا ِ‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَلَيَأْتِيَ ّنهُمْ َبغْتَةً } أي ‪ :‬فجأة ‪ { ،‬وَهُمْ ل َي ْ‬
‫َلمُحِيطَةٌ بِا ْلكَافِرِينَ } أي ‪ :‬يستعجلون بالعذاب ‪ ،‬وهو واقع بهم ل محالة‪.‬‬
‫جهَنّمَ َلمُحِيطَةٌ بِا ْلكَافِرِينَ } ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫عكْرِمة قال في قوله ‪ { :‬وَإِنّ َ‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن ِ‬
‫قال شعبة ‪ ،‬عن ِ‬
‫البحر‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين‪ .‬حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد ‪ ،‬حدثنا أبي عن‬
‫طةٌ بِا ْلكَافِرِينَ } ‪ :‬وجهنم هو‬
‫جهَنّمَ َل ُمحِي َ‬
‫مجالد ‪ ،‬عن الشعبي ؛ أنه سمع ابن عباس يقول ‪ { :‬وَإِنّ َ‬
‫هذا البحر الخضر ‪ ،‬تنتثر الكواكب فيه ‪ ،‬وتُكور فيه الشمس والقمر ‪ ،‬ثم يستوقد فيكون هو‬
‫جهنم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عاصم ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن أمية ‪ ،‬حدثني محمد بن حُيَي ‪ ،‬حدثنا (‪)1‬‬
‫صفوان بن يعلى ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬البحر هو جهنم"‪ .‬قالوا ‪ :‬ليعلى‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬أل ترون أن ال يقول ‪ { :‬نَارًا َأحَاطَ ِب ِهمْ سُرَا ِد ُقهَا } [الكهف ‪ ، ]29 :‬قال ‪ :‬ل والذي‬
‫نفس يعلى بيده ل أدخلها أبدا حتى أعرض على ال ‪ ،‬ول يصيبني منها قطرة حتى أعرض على‬
‫ال عز وجل (‪.)2‬‬
‫هذا تفسير غريب ‪ ،‬وحديث غريب جدا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫جِلهِمْ } ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ { :‬لهُمْ مِنْ‬
‫حتِ أَرْ ُ‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ َيغْشَاهُمُ ا ْلعَذَابُ مِنْ َف ْو ِقهِ ْم َومِنْ تَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غوَاشٍ } [العراف ‪ ، ]41 :‬وقال ‪َ { :‬ل ُهمْ مِنْ َف ْو ِقهِمْ ظَُللٌ مِنَ النّا ِر َومِنْ‬
‫جهَنّمَ ِمهَا ٌد َومِنْ َف ْوقِهِمْ َ‬
‫َ‬
‫ن وُجُو ِههِمُ النّا َر وَل‬
‫تَحْ ِتهِمْ ظَُللٌ } [الزمر ‪ ، ]16 :‬وقال ‪َ { :‬لوْ َيعْلَمُ الّذِينَ َكفَرُوا حِينَ ل َيكُفّونَ عَ ْ‬
‫ظهُورِ ِهمْ } [النبياء ‪ ، ]39 :‬فالنار تغشاهم من سائر جهاتهم ‪ ،‬وهذا أبلغ في العذاب الحسي‪.‬‬
‫عَنْ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } ‪ ،‬تهديد وتقريع وتوبيخ ‪ ،‬وهذا عذاب معنوي على‬
‫شيْءٍ خََلقْنَاهُ‬
‫سقَرَ‪ .‬إِنّا ُكلّ َ‬
‫سحَبُونَ فِي النّارِ عَلَى ُوجُو ِههِمْ ذُوقُوا مَسّ َ‬
‫النفوس ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬يوْمَ يُ ْ‬
‫جهَنّمَ دَعّا‪ .‬هَ ِذهِ النّارُ الّتِي كُنْتُمْ ِبهَا‬
‫ِبقَدَرٍ } [القمر ‪ ، ]49 ، 48 :‬وقال { َيوْمَ يُدَعّونَ إِلَى نَارِ َ‬
‫سوَاءٌ عَلَ ْيكُمْ إِ ّنمَا‬
‫سحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْ ُتمْ ل تُ ْبصِرُونَ‪ .‬اصَْلوْهَا فَاصْبِرُوا َأ ْو ل َتصْبِرُوا َ‬
‫ُتكَذّبُونَ‪َ .‬أفَ ِ‬
‫تُجْ َزوْنَ مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } [الطور ‪.]16 - 13 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بسنده عن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )4/233‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )10/386‬رجاله ثقات"‪.‬‬

‫( ‪)6/289‬‬

‫سعَةٌ فَإِيّايَ فَاعْ ُبدُونِ (‪ُ )56‬كلّ َنفْسٍ ذَا ِئقَةُ ا ْل َم ْوتِ ثُمّ ِإلَيْنَا‬
‫يَا عِبَا ِديَ الّذِينَ َآمَنُوا إِنّ أَ ْرضِي وَا ِ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَنُ َبوّئَ ّنهُمْ مِنَ الْجَنّةِ غُ َرفًا تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ‬
‫جعُونَ (‪ )57‬وَالّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫تُرْ َ‬
‫خَاِلدِينَ فِيهَا ِنعْمَ َأجْرُ ا ْلعَامِلِينَ (‪ )58‬الّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َت َوكّلُونَ (‪َ )59‬وكَأَيّنْ مِنْ دَابّةٍ لَا‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪)60‬‬
‫ح ِملُ رِ ْز َقهَا اللّهُ يَرْ ُز ُقهَا وَإِيّاكُمْ وَ ُهوَ ال ّ‬
‫تَ ْ‬

‫سعَةٌ فَإِيّايَ فَاعْبُدُونِ (‪ُ )56‬كلّ َنفْسٍ ذَا ِئقَةُ ا ْل َم ْوتِ ثُمّ ِإلَيْنَا‬
‫{ يَا عِبَا ِديَ الّذِينَ آمَنُوا إِنّ أَ ْرضِي وَا ِ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَنُ َبوّئَ ّنهُمْ مِنَ الْجَنّةِ غُ َرفًا تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ‬
‫جعُونَ (‪ )57‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫تُرْ َ‬
‫خَاِلدِينَ فِيهَا ِنعْمَ َأجْرُ ا ْلعَامِلِينَ (‪ )58‬الّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َت َوكّلُونَ (‪َ )59‬وكَأَيّنْ مِنْ دَابّ ٍة ل‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪.} )60‬‬
‫ح ِملُ رِ ْز َقهَا اللّهُ يَرْ ُز ُقهَا وَإِيّاكُمْ وَ ُهوَ ال ّ‬
‫تَ ْ‬
‫هذا أمر من ال لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي ل يقدرون فيه على إقامة الدين ‪ ،‬إلى‬
‫أرض ال الواسعة ‪ ،‬حيث يمكن إقامة الدين ‪ ،‬بأن يوحدوا ال ويعبدوه كما أمرهم ؛ ولهذا قال ‪{ :‬‬
‫سعَةٌ فَإِيّايَ فَاعْ ُبدُونِ }‪.‬‬
‫يَا عِبَا ِديَ الّذِينَ آمَنُوا إِنّ أَ ْرضِي وَا ِ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن عبد ربه ‪ ،‬حدثنا َبقِيّةُ بن الوليد ‪ ،‬حدثني جُبَيْر بن عمرو القرشي‬
‫‪ ،‬حدثني أبو سعد النصاري ‪ ،‬عن أبي يحيى مولى (‪ )1‬الزبير بن العوام قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬البلد بلد ال ‪ ،‬والعباد عباد ال ‪ ،‬فحيثما أصبتَ خيرًا فأقم" (‪.)2‬‬
‫ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها ‪ ،‬خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ليأمنوا ‪ ،‬على دينهم هناك ‪ ،‬فوجدوا هناك خير المنزلين ‪ ،‬أصحمة النجاشي ملك الحبشة ‪ ،‬رحمه‬
‫ال ‪ ،‬آواهم وأيدهم بنصره ‪ ،‬وجعلهم شُيُوما ببلده‪ .‬ثم بعد ذلك هاجر رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وأصحابه الباقون إلى المدينة النبوية يثرب المطهرة (‪)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬روى المام أحمد بإسناده عن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/166‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )4/72‬فيه جماعة لم أعرفهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬بعدها في ت ‪ -‬وأظنها من الناسخ ‪ -‬ما يلي ‪" :‬أما قصة هجرة الحبشة ‪ ،‬فقال ابن إسحاق ‪:‬‬
‫حدثني الزهري ‪ ،‬عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ‪ ،‬عن أمه أم سلمة بنت أبي‬
‫أمية بن المغيرة زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت ‪ :‬لما نزلنا بأرض الحبشة جاورنا خير جار‬
‫النجاشي ‪ ،‬آمنا على ديننا ‪ ،‬وعبدنا ال ل نؤذى ‪ ،‬ول نسمع شيئا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا‬
‫ائتمروا بينهم ‪ ،‬أن يبعثوا إلينا رجلين جلدين ‪ ،‬وأن يهدوا إلى النجاشي هدايا مما يُستطرف من‬
‫متاع مكة ‪ ،‬وكان أعجب ما يأتيه منها الدم ‪ ،‬فجمعوا له أدما كثيرا ‪ ،‬ولم يتركوا من بطارقته‬
‫بطريقا إل أهدوا له هدية وقالوا لهما ‪ :‬ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي ‪ ،‬ثم‬
‫قدموا إلى النجاشي هداياه ‪ ،‬ثم سلوه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فخرجنا حتى قدمنا عليه ‪ ،‬ونحن عنده بخير دار ‪ ،‬عند خير جار فلم يبق بطريق من‬
‫بطارقته إل دفعوا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ‪ ،‬ثم قال لكل بطريق ‪ :‬إنه قد ضوى إلى بلدك‬
‫منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ‪ ،‬ولم يدخلوا في دينكم ‪ ،‬وجاءوا بدين مبتدع ل نعرفه نحن‬
‫ول أنتم ‪ ،‬وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردوهم إليهم ‪ ،‬فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا‬
‫عليه أن يسلمهم إلينا ‪ ،‬ول يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم دينا وأعلم بما عابوا عليهم ؛ فقالوا لهما ‪:‬‬
‫نعم ‪ ،‬ثم أنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ثم كلماه فقال ‪ :‬أيها الملك إنه قد ضوى إلى‬
‫بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ‪ ،‬ولم يدخلوا في دينك ‪ ،‬جاءوا بدين مبتدع ل نعرفه‬
‫نحن ول أنت ‪ ،‬وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم وآباءهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم‬
‫أعلى بهم عينا ‪ ،‬وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬ولم يكن شيء أبغض إلى عبد ال بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلمهم‬
‫النجاشي ‪ ،‬فقالت بطارقته حوله ‪ :‬صدقوا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم‬
‫فأسلمهم إليهم ليردوهم إلى بلدهم وقومهم ‪ ،‬فغضب النجاشي وقال ‪ :‬لها ال ل أسلمهم إليهم أبدا‬
‫ول أكاد ‪ ،‬قوم جاوروني ‪ ،‬ونزلوا بلدي ‪ ،‬واختاروني على مَنْ سواي ‪ ،‬حتى أدعوهم فأسألهم‬
‫عما يقول هذان الرجلن‪ .‬فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى بلدهم ‪ ،‬وإن كانوا‬
‫على غير ذلك منعتهم وأحسنت جوارهم ما جاوروني ونزلوا بلدي‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬ثم أرسل إلى أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فدعاهم فلما جاءهم رسوله‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اجتمعوا ‪ ،‬ثم قال بعضهم لبعض ‪ :‬ما تقولون لهذا الرجل إذا جئتموه ؟ قالوا ‪ :‬نقول ‪ :‬وال ما‬
‫علمنا وما أمرنا به نبينا صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كائنا في ذلك ما هو كائن ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما جاءوه وقد‬
‫دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله ‪ ،‬فلما دخلوا عليه سألهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذا الذي‬
‫فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ول دين أحد من هذه الملل‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب‪ .‬فقال ‪ :‬أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الصنام‬
‫‪ ،‬ونأكل الميتة ‪ ،‬ونأتي الفواحش ‪ ،‬ونقطع الرحام ‪ ،‬ونسيء الجوار ‪ ،‬ويأكل القوي منا الضعيف‬
‫فكنا على ذلك ‪ ،‬حتى بعث ال إلينا رسول نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ‪ ،‬فدعانا إلى ال‬
‫لنوحده ‪ ،‬ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه ‪ ،‬الحجارة والوثان ‪ ،‬وأمرنا بصدق الحديث ‪ ،‬وأداء‬
‫المانة ‪ ،‬وصلة الرحم ‪ ،‬وحسن الجوار ‪ ،‬والكف عن المحارم والدماء ‪ ،‬ونهانا عن الفواحش ‪،‬‬
‫وقول الزور ‪ ،‬وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة ‪ ،‬وأمرنا أن نعبد ال ول نشرك به شيئا ‪ ،‬وأمرنا‬
‫بالصلة والزكاة والصيام‪ .‬قالت ‪ :‬فعد عليه أمور السلم‪ .‬فصدقناه وآمنا به ‪ ،‬واتبعناه على ما‬
‫جاء به من ال عز جل ‪ ،‬فعبدنا ال ل نشرك به شيئا ‪ ،‬وحرمنا ما حرم علينا ‪ ،‬وأحللنا ما أحل لنا‬
‫‪ ،‬فعدا علينا قومنا ‪ ،‬فعذبونا ‪ ،‬وفتنونا عن ديننا ؛ ليردونا إلى عبادة الوثان من عبادة ال ‪ ،‬وأن‬
‫نستحل كما كنا نستحل من الخبائث ‪ ،‬فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا ‪ ،‬وحالوا بيننا وبين ديننا‬
‫‪ ،‬خرجنا إلى بلدك ‪ ،‬واخترناك على مَنْ سواك ‪ ،‬ورغبنا في جوارك ‪ ،‬ورجونا أن ل نظلم عندك‬
‫أيها الملك‪ .‬قالت ‪ :‬فقال له النجاشي ‪ :‬وهل عندك مما جاء به من عند ال شيء ؟ قالت ‪ :‬فقال له‬
‫جعفر ‪ :‬نعم‪ .‬فقال له النجاشي ‪ :‬فاقرأه علي ‪ ،‬فقرأ عليه صدرا من (كهيعص)‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته ‪ ،‬وبكى أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ‪ ،‬حين سمعوا‬
‫ما يتلى عليهم‪ .‬وقال النجاشي ‪ :‬إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة‪ .‬انطلقا‪ .‬ل‬
‫وال ل أسلمهم إليكما ول أكاد‪ .‬قالت ‪ :‬فلما خرجا من عنده‪ .‬قال عمرو بن العاص ‪ :‬وال لتينه‬
‫غدا بما أستأصل به خضراءهم‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فقال له عبد ال بن أبي ربيعة ‪ -‬وكان أتقى الرجلين فينا ‪ : -‬ل تفعل فإن لهم أرحاما ‪،‬‬
‫وإن كانوا قد خالفونا‪ .‬قال ‪ :‬وال لخبرنه أنهم يقولون في عيسى قول عظيما‪ .‬فأرسل إليهم‬
‫فسألهم عما يقولون فيه‪ .‬قالت ‪ :‬فأرسل إليهم ليسألهم عنه‪ .‬قالت ‪ :‬ولم ينزل بنا مثلها ‪ ،‬فاجتمع‬
‫القوم‪ .‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬ما تقولون في عيسى إن سألكم عنه‪ .‬قالوا ‪ :‬نقول فيه ما قال ال عز‬
‫وجل ‪ ،‬وما جاء به نبينا ‪ ،‬كائنا في ذلك ما هو كائن‪ .‬قالت ‪ :‬فلما دخلوا عليه‪ .‬قال لهم ‪ :‬ما‬
‫تقولون في عيسى ابن مريم ‪ ،‬قالت ‪ :‬فقال جعفر بن أبي طالب ‪ :‬نقول فيه الذي جاء به نبينا‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬يقول فيه ‪ :‬هو عبد ال ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء‬
‫البتول‪ .‬قالت ‪ :‬فضرب النجاشي يده إلى الرض ‪ ،‬فأخذ منها عودا ‪ ،‬ثم قال له ‪ :‬ما عدا عيسى‬
‫ابن مريم ما قلت هذا العود‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قالت ‪ :‬فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال‪ .‬فقال ‪ :‬وإن تناخرتم اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي‪.‬‬
‫والشيوم ‪ :‬المنون‪ .‬مَنْ سَ ّبكُم غُرّم ‪ ،‬مَنْ سَ ّبكُم غُرّم ‪ ،‬ما أحب أن لي دبرا من ذهب ‪ ،‬وأني آذيت‬
‫رجل منكم‪ .‬والدبر ‪ :‬بلسان الحبشة الجبل‪ .‬وردوا عليهما هداياهما ‪ ،‬فل حاجة لي بها ‪ ،‬فوال ما‬
‫أخذ ال مني الرشوة حين ر ّد علي ملكي ‪ ،‬فآخذ الرشوة فيه ‪ ،‬وما أطاع الناس فيّ ‪ ،‬فأطيعهم فيه‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما‪ .‬قالت أم سلمة ‪ :‬فكنت أتعرض لهم ليسبوني‬
‫فأغرمهم ‪ ،‬وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فوال ما أغل لعلى ذلك ‪ ،‬إذ انبرى له رجل من الحبشة ينازعه ملكه‪ .‬قالت ‪ :‬فوال ‪ ،‬ما‬
‫أعلمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه ‪ ،‬عند ذلك تخوفا من أن يظهر ذلك الرجل على‬
‫النجاشي‪ .‬فيأتي رجل ل يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه‪ .‬قالت ‪ :‬وسار إليه النجاشي‬
‫وبينهما عرض النيل‪ .‬قالت ‪ :‬فقال أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬مَنْ رجل يخرج‬
‫حتى يشهد وقعة القوم ثم يأتينا بخبر القوم ؟ قالت ‪ :‬فقال الزبير بن العوام ‪ :‬أنا ‪ ،‬قالت ‪ :‬وكان‬
‫من أحدث القوم سنا‪ .‬قالت ‪ :‬فنفخوا له قربة فجعلوها في صدره ‪ ،‬ثم سبح حتى خرج إلى النيل‬
‫التي بها ملتقى القوم ‪ ،‬ثم انطلق حتى حضرهم‪ .‬قالت ‪ :‬ودعونا ال عز وجل للنجاشي بالظهور‬
‫على عدوه ‪ ،‬والتمكين له من بلده‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فوال إنا لعلى ذلك الحال متوقعين لما هو كائن ‪ ،‬إذا طلع الزبير يسعى ‪ ،‬ويليح بثوبه ‪ ،‬أل‬
‫أبشروا ‪ ،‬قد ظهر النجاشي ‪ ،‬وقد أهلك ال عدوه ‪ ،‬فوال ما أعلمنا فرحنا فرحة قط مثلها‪ .‬قالت ‪:‬‬
‫ورجع النجاشي وأهلك ال عدوه ‪ ،‬ومكن له فى بلده ‪ ،‬واستوسق عليه أمر الحبشة ‪ ،‬فكنا عنده‬
‫فى خير منزل ‪ ،‬حتى قدمنا على رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو بمكة‪.‬‬
‫وروي عن الزبير قال ‪ :‬لما نزل بالنجاشي عدوه من أهل أرضه ‪ ،‬جاءه المهاجرون فقالوا ‪ :‬إنا‬
‫نحب أن نخرج إليهم فنقاتل معك ‪ ،‬وترى جراءتنا ‪ ،‬ونجزيك بما صنعت بنا فقال ‪ :‬ذو ينصره ال‬
‫خير من الذي ينصره الناس ‪ ،‬فأنى ذلك عليهم"‬

‫( ‪)6/290‬‬

‫جعُونَ } أي ‪ :‬أينما كنتم يدرككم الموت ‪ ،‬فكونوا في‬


‫ثم قال ‪ُ { :‬كلّ َنفْسٍ ذَا ِئقَةُ ا ْل َم ْوتِ ُثمّ إِلَيْنَا تُ ْر َ‬
‫طاعة ال وحيث أمركم ال ‪ ،‬فهو خير لكم ‪ ،‬فإن الموت ل بد منه ‪ ،‬ول محيد عنه ‪ ،‬ثم إلى ال‬

‫( ‪)6/291‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المرجع [والمآب] (‪َ ، )1‬فمَنْ كان مطيعا له جازاه أفضل الجزاء ‪ ،‬ووافاه أتمّ (‪ )2‬الثواب ؛ ولهذا‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ لَنُ َبوّئَ ّنهُمْ مِنَ الْجَنّةِ غُ َرفًا تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ } أي ‪:‬‬
‫قال ‪ { :‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫لنسكننهم منازل عاليةً في الجنة تجري من تحتها النهار ‪ ،‬على اختلف أصنافها ‪ ،‬من ماء وخمر‬
‫‪ ،‬وعسل ولبن ‪ ،‬يصرفونها ويجرونها حيث شاؤوا ‪ { ،‬خَاِلدِينَ فِيهَا } أي ‪ :‬ماكثين فيها أبدا ل‬
‫يبغون عنها حول { ِنعْمَ َأجْرُ ا ْلعَامِلِينَ } ‪ :‬نعمت هذه الغرفُ أجرًا على أعمال المؤمنين‪.‬‬
‫ن صَبَرُوا } أي ‪ :‬على دينهم ‪ ،‬وهاجروا إلى ال ‪ ،‬ونابذوا العداء ‪ ،‬وفارقوا الهل‬
‫{ الّذِي َ‬
‫والقرباء ‪ ،‬ابتغاء وجه ال ‪ ،‬ورجاء ما عنده وتصديق موعوده‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثني أبي ‪ ،‬حدثنا صفوان المؤذِنَ ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪،‬‬
‫حدثنا معاوية بن سلم ‪ ،‬عن أخيه زيد بن سلم ‪ ،‬عن جده أبي سلم السود ‪ ،‬حدثني أبو معَاتق (‬
‫‪ )3‬الشعري ‪ ،‬أن أبا مالك الشعري حدثه أن (‪ )4‬رسول ال صلى ال عليه وسلم حدثه ‪ :‬أن في‬
‫الجنة غُرَفا يُرى ظاهرها من باطنها ‪ ،‬وباطنها من ظاهرها ‪ ،‬أعدّها ال ِلمَنْ أطعم الطعام ‪،‬‬
‫وأطاب الكلم ‪ ،‬وأباح الصيام ‪ ،‬وأقام الصلة (‪ )5‬والناس نيام (‪.)6‬‬
‫[وقوله] ‪ { )7( :‬وَعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َت َوكّلُونَ } ‪ ،‬في أحوالهم كلها ‪ ،‬في دينهم ودنياهم‪.‬‬
‫ثم أخبرهم تعالى أن الرزق ل يختص ببقعة ‪ ،‬بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا ‪،‬‬
‫بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع وأطيب ‪ ،‬فإنهم (‪ )8‬بعد قليل صاروا حكام‬
‫ح ِملُ رِ ْز َقهَا } أي ‪ :‬ل‬
‫البلد في سائر القطار والمصار ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ دَابّةٍ ل َت ْ‬
‫تطيق جمعه وتحصيله ول تؤخر (‪ )9‬شيئًا لغد ‪ { ،‬اللّهُ يَرْ ُز ُقهَا وَإِيّاكُمْ } أي ‪ :‬ال يقيض لها رزقها‬
‫على ضعفها ‪ ،‬وييسره عليها ‪ ،‬فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه ‪ ،‬حتى الذر في قرار‬
‫الرض ‪ ،‬والطير في الهواء والحيتان في الماء ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ { :‬ومَا مِنْ دَابّةٍ فِي ال ْرضِ إِل‬
‫عهَا ُكلّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [هود ‪.]6 :‬‬
‫عَلَى اللّهِ رِ ْز ُقهَا وَ َيعْلَمُ ُمسْ َتقَرّهَا َومُسْ َتوْدَ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي ‪ ،‬حدثنا يزيد ‪ -‬يعني ابن هارون ‪-‬‬
‫حدثنا الجراح بن مِ ْنهَال الجزري ‪ -‬هو أبو العطوف ‪ -‬عن الزهري ‪ ،‬عن رجل (‪ ، )10‬عن ابن‬
‫عمر قال ‪ :‬خرجت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان المدينة ‪ ،‬فجعل‬
‫يلتقط من التمر ويأكل ‪ ،‬فقال لي ‪" :‬يا بن عمر ‪ ،‬ما لك ل تأكل ؟" قال ‪ :‬قلت ‪ :‬ل أشتهيه يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬قال ‪" :‬لكني أشتهيه ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ووفاه تمام"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬أبو معاوية" والصواب ما أثبتناه من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند (‪.)5/343‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬روى ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي مالك الشعري"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وتابع الصلة والصيام وقام بالليل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه المام أحمد في مسنده (‪ )5/343‬من طريق أبي معانق عن أبي مالك به ‪ ،‬وسيأتي عند‬
‫الية ‪ 20 :‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬فهم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬ول يدخر"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬

‫( ‪)6/292‬‬

‫وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما ولم أجده ‪ ،‬ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك قيصر‬
‫وكسرى فكيف بك يا بن عمر إذا َبقِيتَ في قوم يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين ؟"‪ .‬قال ‪ :‬فوال‬
‫سمِيعُ‬
‫ح ِملُ رِ ْز َقهَا اللّهُ يَرْ ُز ُقهَا وَإِيّاكُ ْم وَ ُهوَ ال ّ‬
‫ما برحنا ول ِرمْنا حتى نزلت ‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ دَابّةٍ ل َت ْ‬
‫ا ْلعَلِيمُ } فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال لم يأمرني بكنز الدنيا ‪ ،‬ول باتباع الشهوات‬
‫‪َ ،‬فمَنْ كنز دنياه يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد ال ‪ ،‬أل وإني ل أكنز دينارًا ول درهمًا ‪ ،‬ول‬
‫أخبئ رزقا لغد (‪.)2( " )1‬‬
‫وهذا حديث غريب ‪ ،‬وأبو العطوف الجزري ضعيف‪.‬‬
‫وقد ذكروا أن الغراب إذا فَقسَ عن فراخه البَيض ‪ ،‬خرجوا وهم بيضٌ فإذا رآهم أبواهم كذلك ‪،‬‬
‫نفرا عنهم أياما حتى يسود الريش ‪ ،‬فيظل الفرخ فاتحًا فاه يتفقد أبويه ‪ ،‬فيقيض ال له طيرًا (‪)3‬‬
‫صغارًا كالبَرغَش فيغشاه فيتقوت منه تلك اليام حتى يسود ريشه ‪ ،‬والبوان يتفقدانه كل وقت ‪،‬‬
‫فكلما رأوه أبيض الريش نفرا عنه ‪ ،‬فإذا رأوه قد اسودّ ريشه عطفا عليه بالحضانة والرزق ‪،‬‬
‫ولهذا قال الشاعر ‪:‬‬
‫يا رازق النعّاب (‪ )4‬في عُشه‪ ...‬وجَابر العَظْم الكَسِير المهيض‪...‬‬
‫وقد قال الشافعي في جملة كلم له في الوامر ‪ ،‬كقول النبي صلى ال عليه وسلم "سافروا تصحوا‬
‫وترزقوا"‪.‬‬
‫قال البيهقي أخبرنا إملء أبو الحسن علي بن عبدان ‪ ،‬أخبرنا أحمد بن عبيد ‪ ،‬أخبرنا محمد بن‬
‫غالب ‪ ،‬حدثني محمد بن سِنان ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن َردّاد ‪ -‬شيخ من أهل المدينة ‪-‬‬
‫حدثنا عبد ال بن دينار (‪ )5‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬سافروا‬
‫تصحوا وتغنموا"‪ .‬قال ‪ :‬ورويناه عن ابن عباس (‪.)6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن دَرّاج ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن حُجَيرة ‪ ،‬عن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬سافروا تربحوا ‪ ،‬وصوموا تصحوا ‪،‬‬
‫واغزوا تغنموا" (‪.)7‬‬
‫وقد ورد مثل حديث ابن عمر عن ابن عباس مرفوعا ‪ ،‬وعن معاذ بن جبل موقوفا (‪ .)8‬وفي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬إلى غد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه البغوي في تفسيره (‪ )6/253‬من طريق إسماعيل بن زرارة عن الجراح بن المنهال به‬
‫‪ -‬وقال الشوكاني في فتح القدير (‪" : )4/213‬وهذا الحديث فيه نكارة شديدة لمخالفته لما كان عليه‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فقد كان يعطي نساءه قوت العام كما ثبت ذلك في كتب الحديث‬
‫المعتبرة ‪ ،‬وفي إسناده أبو العطوف الجزري وهو ضعيف"‪ .‬أ هـ مستفادا من حاشية تفسير‬
‫البغوي‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬طيورا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬البغاب" وفي أ ‪" :‬النعام"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى البيهقي بسنده"‬
‫(‪ )6‬السنن الكبرى (‪ )7/102‬ورواه ابن عدي في الكامل (‪ )6/190‬من طريق محمد بن عبد‬
‫الرحمن بن رواد به ‪ ،‬وقال ‪" :‬ل أعلم يرويه غير الرواد هذا ‪ ،‬وعامة ما يرويه غير محفوظ"‬
‫وقال ابن أبي حاتم في العلل (‪" : )2/306‬سألت أبي عن هذا الحديث فقال ‪ :‬هذا حديث منكر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )2/380‬وفيه ابن لهيعة ودراج ضعيفان‪.‬‬
‫(‪ )8‬أما حديث ابن عباس ‪ ،‬فرواه البيهقي في السنن الكبرى (‪ )7/102‬من طريق بسطام بن حبيب‬
‫عن القاسم عن أبي حازم عن ابن عباس مرفوعا ‪ ،‬ورواه ابن عدي في الكامل (‪ )7/57‬من طريق‬
‫نهشل ‪ ،‬عن الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬مرفوعا‪ .‬وقال ‪" :‬هذه الحاديث كلها عن الضحاك غير‬
‫محفوظة"‪ .‬ولم أجده عن معاذ موقوفا ‪ ،‬وسيأتي مرفوعا ‪ ،‬وجاء من حديث أبي سعيد الخدري‬
‫مرفوعا‪ .‬ورواه ابن عدي في الكامل (‪ )3/454‬عن سوار بن مصعب ‪ ،‬عن عطية ‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد ‪ ،‬مرفوعا وقال ‪" :‬سوار هذا عامة ما يرويه غير محفوظ"‪.‬‬

‫( ‪)6/293‬‬

‫س وَا ْلقَمَرَ لَ َيقُولُنّ اللّهُ فَأَنّى ُي ْؤ َفكُونَ (‪)61‬‬


‫شمْ َ‬
‫سخّرَ ال ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ وَ َ‬
‫وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خََلقَ ال ّ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪ )62‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ نَ ّزلَ‬
‫اللّهُ يَ ْبسُطُ الرّزْقَ ِلمَنْ َيشَاءُ مِنْ عِبَا ِد ِه وَيَقْدِرُ لَهُ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َبلْ َأكْثَرُهُمْ لَا َيعْقِلُونَ (‪)63‬‬
‫سمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا ِبهِ الْأَ ْرضَ مِنْ َبعْدِ َموْ ِتهَا لَ َيقُولُنّ اللّهُ ُقلِ ا ْل َ‬
‫مِنَ ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لفظ ‪" :‬سافروا مع ذوي الجدود والميسرة" (‪)1‬‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ } أي ‪ :‬السميع لقوال عباده ‪ ،‬العليم بحركاتهم وسكناتهم‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ ال ّ‬
‫س وَا ْلقَمَرَ لَ َيقُولُنّ اللّهُ فَأَنّى ُي ْؤ َفكُونَ (‪)61‬‬
‫شمْ َ‬
‫سخّرَ ال ّ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضَ وَ َ‬
‫{ وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خَلَقَ ال ّ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪ )62‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ نزلَ‬
‫اللّهُ يَ ْبسُطُ الرّزْقَ ِلمَنْ َيشَاءُ مِنْ عِبَا ِد ِه وَيَقْدِرُ لَهُ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َبلْ َأكْثَرُ ُهمْ ل َيعْقِلُونَ (‬
‫سمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا ِبهِ ال ْرضَ مِنْ َبعْدِ َموْ ِتهَا لَ َيقُولُنّ اللّهُ ُقلِ الْ َ‬
‫مِنَ ال ّ‬
‫‪.} )63‬‬
‫يقول تعالى مقررا (‪ )2‬أنه ل إله إل هو ؛ لن المشركين ‪ -‬الذين يعبدون معه غيره ‪ -‬معترفون‬
‫أنه (‪ )3‬المستقل بخلق السموات والرض والشمس والقمر ‪ ،‬وتسخير الليل والنهار ‪ ،‬وأنه الخالق‬
‫الرازق لعباده ‪ ،‬ومقدر آجالهم ‪ ،‬واختلفها واختلف أرزاقهم ففاوت بينهم ‪ ،‬فمنهم الغني والفقير ‪،‬‬
‫وهو العليم بما يصلح كُل منهم ‪ ،‬ومَنْ يستحق الغنى ممن يستحق الفقر ‪ ،‬فذكر أنه المستبدّ بخلق‬
‫الشياء (‪ )4‬المتفرد بتدبيرها ‪ ،‬فإذا كان المر كذلك فلم يُعبد غيره ؟ ولم يتوكل على غيره ؟ فكما‬
‫أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته ‪ ،‬وكثيرًا ما يقرر تعالى مقام اللهية بالعتراف‬
‫بتوحيد الربوبية‪ .‬وقد كان المشركون يعترفون بذلك ‪ ،‬كما كانوا يقولون في تلبيتهم ‪" :‬لبيك ل‬
‫شريك لك ‪ ،‬إل شريكا هو لك ‪ ،‬تملكه وما ملك"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الديلمي في مسند الفردوس برقم (‪ )3387‬من حديث معاذ بن جبل رضي ال عنه ‪،‬‬
‫وذكره السيوطي في الجامع ورمز له بالضعف وأعله المناوي بإسماعيل بن زياد‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مخبرا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬بأنه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الصنام"‪.‬‬

‫( ‪)6/294‬‬

‫ب وَإِنّ الدّارَ الَْآخِ َرةَ َل ِهيَ ا ْلحَ َيوَانُ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ (‪ )64‬فَِإذَا‬
‫َومَا هَ ِذهِ ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا إِلّا َل ْه ٌو وََلعِ ٌ‬
‫عوُا اللّهَ مُخِْلصِينَ َلهُ الدّينَ فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى الْبَرّ ِإذَا ُهمْ يُشْ ِركُونَ (‪ )65‬لِ َي ْكفُرُوا‬
‫َركِبُوا فِي ا ْلفُ ْلكِ دَ َ‬
‫سوْفَ َيعَْلمُونَ (‪)66‬‬
‫ِبمَا آَتَيْنَا ُه ْم وَلِيَ َتمَ ّتعُوا َف َ‬

‫{ َومَا َه ِذهِ الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِل َل ْه ٌو وََل ِعبٌ وَإِنّ الدّارَ الخِ َرةَ َل ِهيَ ا ْلحَ َيوَانُ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ (‪ )64‬فَإِذَا‬
‫عوُا اللّهَ مُخِْلصِينَ َلهُ الدّينَ فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى الْبَرّ ِإذَا ُهمْ يُشْ ِركُونَ (‪ )65‬لِ َي ْكفُرُوا‬
‫َركِبُوا فِي ا ْلفُ ْلكِ دَ َ‬
‫سوْفَ َيعَْلمُونَ (‪.} )66‬‬
‫ِبمَا آتَيْنَا ُه ْم وَلِيَ َتمَ ّتعُوا َف َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقول تعالى مخبرا عن حقارة الدنيا وزوالها وانقضائها ‪ ،‬وأنها ل دوام لها ‪ ،‬وغاية ما فيها لهو‬
‫ولعب ‪ { :‬وَإِنّ الدّارَ الخِ َرةَ َل ِهيَ الْحَ َيوَانُ } أي ‪ :‬الحياة الدائمة الحق الذي ل زوال لها ول‬
‫انقضاء ‪ ،‬بل هي مستمرة أبد الباد‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬لوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬لثروا ما يبقى على ما يفنى‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى عن المشركين أنهم عند الضطرار يدعونه وحده ل شريك له ‪ ،‬فهل يكون هذا‬

‫( ‪)6/294‬‬

‫ن وَبِ ِن ْعمَةِ اللّهِ َي ْكفُرُونَ (‬


‫طلِ ُي ْؤمِنُو َ‬
‫حوِْلهِمْ َأفَبِالْبَا ِ‬
‫طفُ النّاسُ مِنْ َ‬
‫جعَلْنَا حَ َرمًا َآمِنًا وَيُتَخَ ّ‬
‫َأوَلَمْ يَ َروْا أَنّا َ‬
‫جهَنّمَ مَ ْثوًى ِل ْلكَافِرِينَ‬
‫حقّ َلمّا جَا َءهُ أَلَيْسَ فِي َ‬
‫‪َ )67‬ومَنْ أَظَْلمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا َأوْ َك ّذبَ بِالْ َ‬
‫حسِنِينَ (‪)69‬‬
‫(‪ )68‬وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَ َن ْهدِيَ ّنهُمْ سُُبلَنَا وَإِنّ اللّهَ َل َمعَ ا ْلمُ ْ‬

‫سكُمُ الضّرّ فِي‬


‫عوُا اللّهَ مُخِْلصِينَ َلهُ الدّينَ } كقوله { وَِإذَا مَ ّ‬
‫منهم دائما ‪ { ،‬فَإِذَا َركِبُوا فِي ا ْلفُ ْلكِ دَ َ‬
‫الْبَحْرِ ضَلّ مَنْ َتدْعُونَ إِل إِيّاهُ فََلمّا َنجّاكُمْ (‪ )1‬إِلَى الْبَرّ أَعْ َرضْتُمْ } [السراء ‪ .]67 : :‬وقال هاهنا‬
‫‪ { :‬فََلمّا َنجّا ُهمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْ ِركُونَ }‪.‬‬
‫وقد ذكر محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن عكرمة بن أبي جهل ‪ :‬أنه لما فتح رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم مكة ذهب فارّا منها ‪ ،‬فلما ركب في البحر ليذهب إلى الحبشة ‪ ،‬اضطربت بهم السفينة ‪،‬‬
‫فقال أهلها ‪ :‬يا قوم ‪ ،‬أخلصوا لربكم الدعاء ‪ ،‬فإنه ل ينجي هاهنا إل هو‪ .‬فقال عكرمة ‪ :‬وال إن‬
‫كان ل ينجي في البحر غيره ‪ ،‬فإنه ل يُنَجّي غيره في البر أيضا ‪ ،‬اللهم لك عليّ عهد لئن خرجتُ‬
‫لذهبن فلضعَنّ يدي في يد محمد فلجدنه رؤوفًا رحيما ‪ ،‬وكان (‪ )2‬كذلك‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ َي ْكفُرُوا ِبمَا آتَيْنَا ُه ْم وَلِيَ َتمَ ّتعُوا } ‪ :‬هذه اللم يسميها كثير من أهل العربية والتفسير‬
‫وعلماء الصول لم العاقبة ؛ لنهم ل يقصدون ذلك ‪ ،‬ول شك أنها كذلك بالنسبة إليهم ‪ ،‬وأما‬
‫بالنسبة إلى تقدير ال عليهم ذلك وتقييضه إياهم لذلك فهي لم التعليل‪ .‬وقد ق ّدمْنا تقرير ذلك في‬
‫قوله ‪ { :‬لِ َيكُونَ َل ُهمْ عَ ُدوّا وَحَزَنًا } [القصص ‪.]8 :‬‬
‫ن وَبِ ِن ْعمَةِ اللّهِ َي ْكفُرُونَ‬
‫طلِ ُي ْؤمِنُو َ‬
‫حوِْلهِمْ َأفَبِالْبَا ِ‬
‫طفُ النّاسُ مِنْ َ‬
‫جعَلْنَا حَ َرمًا آمِنًا وَيُ َتخَ ّ‬
‫{ َأوََلمْ يَ َروْا أَنّا َ‬
‫جهَنّمَ مَ ْثوًى ِل ْلكَافِرِينَ‬
‫حقّ َلمّا جَا َءهُ أَلَيْسَ فِي َ‬
‫(‪َ )67‬ومَنْ أَظَْلمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا َأوْ َك ّذبَ بِالْ َ‬
‫حسِنِينَ (‪} )69‬‬
‫(‪ )68‬وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَ َن ْهدِيَ ّنهُمْ سُُبلَنَا وَإِنّ اللّهَ َل َمعَ ا ْلمُ ْ‬
‫يقول تعالى ممتنا على قريش فيما أحلهم من حرمه ‪ ،‬الذي جعله للناس سواء العاكف فيه‬
‫والبادي ‪ ،‬ومن دخله كان آمنا ‪ ،‬فهم في أمن عظيم ‪ ،‬والعراب حوله ينهب بعضهم بعضا ويقتل‬
‫بعضهم بعضا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬ليلفِ قُرَيْشٍ إِيل ِفهِمْ ِرحْلَةَ الشّتَا ِء وَالصّ ْيفِ‪ .‬فَلْ َيعْبُدُوا َربّ هَذَا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خوْفٍ } [قريش ‪.]4 - 1 :‬‬
‫ع وَآمَ َنهُمْ مِنْ َ‬
‫ط َع َمهُمْ مِنْ جُو ٍ‬
‫الْبَ ْيتِ‪ .‬الّذِي َأ ْ‬
‫ن وَبِ ِن ْعمَةِ اللّهِ َيكْفُرُونَ } أي ‪ :‬أفكان شكرهم على هذه النعمة العظيمة‬
‫طلِ ُي ْؤمِنُو َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬أفَبِالْبَا ِ‬
‫أن أشركوا به ‪ ،‬وعبدوا معه [غيره من] (‪ )3‬الصنام والنداد ‪ ،‬و { بَدّلُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ُكفْرًا وَأَحَلّوا‬
‫َق ْومَهُمْ دَارَ الْ َبوَارِ } [إبراهيم ‪ ، ]28 :‬وكفروا بنبي ال وعبده ورسوله ‪ ،‬فكان اللئق بهم إخلص‬
‫العبادة ل ‪ ،‬وأل يشركوا به ‪ ،‬وتصديق الرسول وتعظيمه وتوقيره ‪ ،‬فكذبوه وقاتلوه وأخرجوه من‬
‫بين ظهرهم ؛ ولهذا سلبهم ال ما كان أنعم به عليهم ‪ ،‬وقتل من قتل منهم ببدر ‪ ،‬وصارت الدولة‬
‫ل ولرسوله وللمؤمنين ‪ ،‬ففتح ال على رسوله مكة ‪ ،‬وأرغم آنافهم وأذل رقابهم‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا َأوْ كَ ّذبَ بِا ْلحَقّ َلمّا جَا َءهُ } أي ‪ :‬ل أحد أشد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أنجاكم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/295‬‬

‫عقوبة ممن كذب على ال فقال ‪ :‬إن ال أوحى إليه شيء ‪ ،‬ولم يوح إليه شيء‪ .‬ومن قال ‪ :‬سأنزل‬
‫مثل ما أنزل ال‪ .‬وهكذا ل أحد أشد عقوبة ممن كذب بالحق لما جاءه ‪ ،‬فالول مفتر ‪ ،‬والثاني‬
‫جهَنّمَ مَ ْثوًى لِ ْلكَافِرِينَ }‪.‬‬
‫مكذب ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ألَيْسَ فِي َ‬
‫ثم قال { وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا } يعني ‪ :‬الرسول ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬وأصحابه وأتباعه‬
‫إلى يوم الدين { لَ َن ْهدِيَ ّنهُمْ سُبُلَنَا } ‪ ،‬أي ‪ :‬لنُبَصرنهم سبلنا ‪ ،‬أي ‪ :‬طرقنا في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن أبي الحَواري ‪ ،‬حدثنا عباس الهمداني أبو أحمد ‪-‬‬
‫من أهل عكا ‪ -‬في قول ال (‪ { : )1‬وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَ َنهْدِيَ ّن ُهمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللّهَ َلمَعَ ا ْلمُحْسِنِينَ }‬
‫قال ‪ :‬الذين يعملون بما يعلمون ‪ ،‬يهديهم لما ل يعلمون‪ .‬قال أحمد بن أبي الحواري ‪ :‬فحدثت به‬
‫أبا سليمان الداراني فأعجبه ‪ ،‬وقال ‪ :‬ليس ينبغي ِلمَنْ ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه‬
‫في الثر ‪ ،‬فإذا سمعه في الثر عمل به ‪ ،‬وحمد ال حين وافق ما في نفسه (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّ اللّهَ َلمَعَ ا ْل ُمحْسِنِينَ } ‪ ،‬قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عيسى بن جعفر ‪ -‬قاضي الري ‪ -‬حدثنا أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن المغيرة ‪ ،‬عن‬
‫(‪ )3‬الشعبي قال ‪ :‬قال عيسى بن مريم ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬إنما الحسان أن تحسن إلى مَنْ أساء‬
‫إليك ‪ ،‬ليس (‪ )4‬الحسان أن تحسن إلى مَنْ أحسن إليك‪[ .‬وفي حديث جبريل لما سأل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم عن الحسان قال ‪" :‬أخبرني عن الحسان"‪ .‬قال ‪" :‬أن تعبد ال كأنك تراه ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فإن لم تكن تراه فإنه يراك"‪.‬‬
‫[انتهى تفسير سورة العنكبوت ‪ ،‬ول الحمد والمنة (‪)6( ] )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قوله تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬قلبه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده إلى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وليس"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪" :‬وال أعلم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)6/296‬‬

‫ض وَهُمْ مِنْ َب ْعدِ غَلَ ِبهِمْ سَ َيغْلِبُونَ (‪ )3‬فِي ِبضْعِ سِنِينَ لِلّهِ‬
‫الم (‪ )1‬غُلِ َبتِ الرّومُ (‪ )2‬فِي أَدْنَى الْأَ ْر ِ‬
‫الَْأمْرُ مِنْ قَ ْبلُ َومِنْ َب ْع ُد وَ َيوْمَئِذٍ َيفْرَحُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ (‪ )4‬بِ َنصْرِ اللّهِ يَ ْنصُرُ مَنْ َيشَا ُء وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ‬
‫الرّحِيمُ (‪)5‬‬

‫تفسير سورة الروم‬


‫مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ض وَهُمْ مِنْ َب ْعدِ غَلَ ِبهِمْ سَ َيغْلِبُونَ (‪ )3‬فِي ِبضْعِ سِنِينَ لِلّهِ‬
‫{ الم (‪ )1‬غُلِ َبتِ الرّومُ (‪ )2‬فِي أَدْنَى ال ْر ِ‬
‫ل َومِنْ َبعْ ُد وَ َي ْومَئِذٍ َيفْرَحُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ (‪ )4‬بِ َنصْرِ اللّهِ يَ ْنصُرُ مَنْ يَشَا ُء وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ‬
‫المْرُ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫الرّحِيمُ (‪} )5‬‬

‫( ‪)6/297‬‬

‫خِلفُ اللّ ُه وَعْ َد ُه وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ لَا َيعَْلمُونَ (‪َ )6‬يعَْلمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهُمْ‬
‫وَعْدَ اللّهِ لَا يُ ْ‬
‫عَنِ الَْآخِ َرةِ هُمْ غَافِلُونَ (‪)7‬‬

‫{ وَعْدَ اللّهِ ل ُيخِْلفُ اللّ ُه وَعْ َد ُه وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ (‪َ )6‬يعَْلمُونَ ظَاهِرًا مِنَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا‬
‫ن الخِ َرةِ هُمْ غَافِلُونَ (‪.} )7‬‬
‫وَهُمْ عَ ِ‬
‫[نزلت] (‪ )1‬هذه اليات حين غلب (‪ )2‬سابور ملك الفرس على بلد الشام وما والها من بلد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الجزيرة وأقاصي بلد الروم ‪ ،‬واضطر هرقل مَلك الروم حتى ألجأه إلى القسطنطينية ‪ ،‬وحاصره‬
‫فيها مدة طويلة ‪ ،‬ثم عادت الدولة لهرقل ‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا معاوية بن عمرو ‪ ،‬حدثنا أبو إسحاق ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن حبيب بن أبي‬
‫عمرة ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس (‪ ، )3‬رضي ال عنهما ‪ ،‬في قوله تعالى ‪ { :‬الم‪.‬‬
‫غُلِ َبتِ الرّومُ‪ .‬فِي أَدْنَى ال ْرضِ } قال ‪ :‬غُلبت وغَلَبت‪ .‬قال ‪ :‬كان المشركون يحبون أن تظهر‬
‫فارس على الروم ؛ لنهم أصحاب أوثان ‪ ،‬وكان المسلمون يحبون أن تظهر (‪ )4‬الروم على‬
‫فارس ؛ لنهم أهل كتاب ‪ ،‬فذُكر (‪ )5‬ذلك لبي بكر ‪ ، ،‬فذكره أبو بكر لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أما إنهم سيغلبون" فذكره أبو بكر لهم ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫اجعل بيننا وبينك أجل فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا ‪ ،‬وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا‪ .‬فجعل أجل‬
‫خمس (‪ )6‬سنين ‪ ،‬فلم يظهروا ‪ ،‬فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬أل جعلتها‬
‫إلى دُون" أراه قال ‪" :‬العشر"‪" .‬قال سعيد بن جبير ‪ :‬البضع ما دون العشر‪ .‬ثم ظهرت الروم بعد ‪،‬‬
‫غلِ َبتِ الرّومُ‪ .‬فِي َأدْنَى ال ْرضِ وَ ُهمْ مِنْ َبعْدِ غَلَ ِبهِمْ سَ َيغْلِبُونَ‪ .‬فِي ِبضْعِ‬
‫قال ‪ :‬فذلك قوله ‪ { :‬الم‪ُ .‬‬
‫سِنِينَ لِلّ ِه المْرُ مِنْ قَ ْبلُ َومِنْ َبعْ ُد وَ َي ْومَئِذٍ َيفْرَحُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ بِ َنصْرِ اللّهِ يَ ْنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ‬
‫الرّحِيمُ }‪.‬‬
‫هكذا رواه (‪ )7‬الترمذي والنسائي جميعا ‪ ،‬عن الحسين (‪ )8‬بن حُرَيْث ‪ ،‬عن معاوية بن عمرو ‪،‬‬
‫عن أبي إسحاق الفزاري ‪ ،‬عن سفيان بن سعيد الثوري (‪ )9‬به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب ‪،‬‬
‫إنما نعرفه من حديث سفيان ‪ ،‬عن حبيب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬غلبت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فروى المام أحمد بإسناده إلى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬يظهر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬فذكروه" وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فذكروا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬خمسين"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬الحسن"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )1/276‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3193‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11389‬‬

‫( ‪)6/297‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق الصاغاني (‪ ، )1‬عن معاوية بن عمرو ‪ ،‬به‪ .‬ورواه‬
‫ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا محمد بن سعيد ‪ -‬أو سعيد (‪ )2‬الثعلبي الذي يقال له ‪ :‬أبو سعد من‬
‫أهل طرسوس ‪ -‬حدثنا أبو إسحاق الفزاري ‪ ،‬فذكره‪ .‬وعندهم ‪ :‬قال سفيان ‪ :‬فبلغني أنهم غلبوا‬
‫يوم بدر (‪.)3‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال سليمان بن ِمهْران العمش ‪ ،‬عن مسلم ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬قال ‪ :‬قال عبد ال ‪:‬‬
‫خمس قد مضين ‪ :‬الدخان ‪ ،‬واللزام ‪ ،‬والبطشة ‪ ،‬والقمر ‪ ،‬والروم‪ .‬أخرجاه (‪.)5( )4‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا المحاربي ‪ ،‬عن داود بن أبي هند ‪ ،‬عن عامر ‪ -‬هو‬
‫الشعبي ‪ -‬عن عبد ال ‪ -‬هو (‪ )6‬ابن مسعود رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ :‬كان فارس ظاهرًا على‬
‫الروم ‪ ،‬وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم‪ .‬وك ان المسلمون يحبون أن تظهر‬
‫الروم على فارس ؛ لنهم أهل كتاب وهم أقرب إلى دينهم ‪ ،‬فلما نزلت ‪ { :‬الم‪ .‬غُلِ َبتِ الرّومُ‪ .‬فِي‬
‫غلَ ِبهِمْ سَ َيغْلِبُونَ‪ .‬فِي ِبضْعِ سِنِينَ } قالوا ‪ :‬يا أبا بكر ‪ ،‬إن صاحبك يقول‬
‫أَدْنَى ال ْرضِ وَهُمْ مِنْ َبعْدِ َ‬
‫‪ :‬إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين ؟! قال ‪ :‬صدق‪ .‬قالوا ‪ :‬هل لك إلى أن نقامرك ‪،‬‬
‫فبايعوه على أربع قلئص إلى سبع سنين ‪ ،‬فمضت السبع ولم يكن شيء ‪ ،‬ففرح المشركون بذلك‬
‫وشق على المسلمين ‪ ،‬ف ُذكِر (‪ )7‬ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬ما بضع سنين عندكم" ؟‬
‫قالوا ‪ :‬دون العشر‪ .‬قال ‪" :‬اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الجل"‪ .‬قال ‪ :‬فما مضت السنتان حتى‬
‫جاءت الركبان بظهور الروم على فارس ‪ ،‬ففرح المؤمنون بذلك ‪ ،‬وأنزل ال ‪ { :‬الم‪ .‬غُلِ َبتِ الرّومُ‬
‫} إلى قوله ‪[ { :‬وَعْدَ اللّهِ] ل ُيخِْلفُ اللّ ُه وَعْ َدهُ } (‪.)9( )8‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )10‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عمر ال َوكِيعي ‪،‬‬
‫حدثنا ُم َؤمّل ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن البراء قال ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬الم‪ .‬غُلِ َبتِ الرّومُ‪.‬‬
‫فِي َأدْنَى ال ْرضِ وَ ُهمْ مِنْ َبعْدِ غَلَ ِبهِمْ سَ َيغْلِبُونَ } ‪ ،‬قال المشركون لبي بكر ‪ :‬أل ترى إلى ما‬
‫يقول صاحبك ؟ يزعم أن الروم تغلب فارس‪ .‬قال ‪ :‬صدق صاحبي‪ .‬قالوا ‪ :‬هل لك أن نخاطرك ؟‬
‫فجعل بينه وبينهم أجل فحل الجل قبل أن تغلب الرومُ فارسَ ‪ ،‬فبلغ ذلك النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم فساءه ذلك وكرهه ‪ ،‬وقال لبي بكر ‪" :‬ما دعاك إلى هذا ؟" قال ‪ :‬تصديقًا ل ولرسوله‪ .‬فقال‬
‫خطَر واجعله إلى بضع سنين"‪ .‬فأتاهم أبو بكر فقال لهم ‪ :‬هل لكم في‬
‫‪َ " :‬تعَرّض لهم وأعظم ال َ‬
‫العود ‪ ،‬فإن العود أحمد ؟ قالوا ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الصنعاني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو سعد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)21/12‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬البخاري ومسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )4767‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2798‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير عن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فذكروا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)21/14‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬

‫( ‪)6/298‬‬

‫نعم‪[ .‬قال] (‪ )1‬فلم تمض تلك السنون حتى غلبت الروم فارسَ ‪ ،‬وربطوا خيولهم بالمدائن ‪ ،‬وبنوا‬
‫الرومية ‪ ،‬فجاء به أبو بكر إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬هذا السحت ‪ ،‬قال ‪ " :‬تصدق به"‬
‫(‪.)2‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬حدثنا محمد بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن أبي‬
‫أويس ‪ ،‬أخبرني ابن أبي الزّنَاد ‪ ،‬عن عروة بن الزبير (‪ )3‬عن نيَار بن مُكرَم السلمي قال ‪ :‬لما‬
‫ض وَهُمْ مِنْ َبعْدِ غَلَ ِبهِمْ سَ َيغْلِبُونَ فِي ِبضْعِ سِنِينَ } ‪،‬‬
‫نزلت ‪ { ،‬الم‪ .‬غُلِ َبتِ الرّومُ‪ .‬فِي أَدْنَى ال ْر ِ‬
‫فكانت فارس يوم نزلت هذه الية قاهرين للروم ‪ ،‬وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم ؛‬
‫لنهم وإياهم أهل كتاب ‪ ،‬وفي ذلك قول ال ‪ { :‬وَ َي ْومَئِذٍ َيفْرَحُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ بِ َنصْرِ اللّهِ يَ ْنصُرُ مَنْ يَشَاءُ‬
‫وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ } ‪ ،‬وكانت قريش تحب ظهور فارس ؛ لنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ول‬
‫إيمان ببعث ‪ ،‬فلما أنزل ال هذه الية خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة ‪ { :‬الم‪ .‬غُلِ َبتِ الرّومُ‪.‬‬
‫فِي َأدْنَى ال ْرضِ وَ ُهمْ مِنْ َبعْدِ غَلَ ِبهِمْ سَ َيغْلِبُونَ فِي ِبضْعِ سِنِينَ } ‪ ،‬قال (‪ )4‬ناس من قريش لبي‬
‫بكر ‪ :‬فذاك بيننا وبينك (‪ .)5‬زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين ‪ ،‬أفل نراهنك‬
‫ضعُوا‬
‫على ذلك ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ -‬وذلك قبل تحريم الرهان ‪ -‬فارتهن أبو بكر والمشركون ‪ ،‬وتوا َ‬
‫الرهان ‪ ،‬وقالوا لبي بكر ‪ :‬كم تجعل البضع ‪ :‬ثلث سنين إلى تسع سنين ‪ ،‬فَسمّ بيننا وبينك‬
‫وَسَطًا ننتهي إليه‪ .‬قال ‪ :‬فسموا بينهم ست سنين‪ .‬قال ‪ :‬فمضت ست السنين قبل أن يظهروا ‪،‬‬
‫فأخذ المشركون رهن أبي بكر ‪ ،‬فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس ‪ ،‬فعاب‬
‫المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين ‪ ،‬قال ‪ :‬لن ال قال ‪ { :‬فِي ِبضْعِ سِنِينَ }‪ .‬قال ‪ :‬فأسلم‬
‫عند ذلك ناس كثير (‪.)6‬‬
‫هكذا ساقه الترمذي ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هذا (‪ )7‬حديث حسن صحيح ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث عبد‬
‫عكْرِمة ‪،‬‬
‫الرحمن بن أبي الزناد‪ .‬وقد روي نحو هذا مرسل عن جماعة من التابعين ‪ ،‬مثل ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والشعبي ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ومن أغرب هذه السياقات ما رواه المام سُنَيد بن داود في تفسيره حيث قال ‪ :‬حدثني حجاج ‪،‬‬
‫عن أبي بكر بن عبد ال ‪ ،‬عن عكرمة قال ‪ :‬كانت في فارس امرأة ل تلد إل الملوك البطال ‪،‬‬
‫فدعاها كسرى فقال ‪ :‬إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشًا وأستعمل عليهم رجل من بنيك ‪،‬‬
‫فأشيري عَليّ ‪ ،‬أيّهم أستعمل ؟ فقالت ‪ :‬هذا فلن ‪ ،‬وهو أروغ من ثعلب ‪ ،‬وأحذر من صقر‪ .‬وهذا‬
‫فرخان ‪ ،‬وهو أنفذ من سنان‪ .‬وهذا شهريراز (‪ ، )8‬وهو أحلم من كذا ‪ -‬تعني أولدها الثلثة ‪-‬‬
‫فاستعمل أيهم شئت‪ .‬قال ‪ :‬فإني قد استعملت الحليم‪ .‬فاستعمل شهريراز (‪ ، )9‬فسار إلى الروم‬
‫بأهل فارس ‪ ،‬فظهر عليهم فقتلهم ‪ ،‬وخرّب مدائنهم ‪ ،‬وقطع زيتونهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه أبو يعلى في المسند الكبير ‪ ،‬كما في إتحاف المهرة للبوصيري (ق ‪ 183‬سليمانية) من‬
‫طريق إبراهيم بن محمد بن عرعرة ‪ ،‬عن المؤمل بنحوه ‪ ،‬وقال البوصيري ‪" :‬وله شاهد من‬
‫حديث نيار بن مكرم رواه الترمذي" وهو التي بعده‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬رواه أبو عيسى الترمذي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وبينكم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪.)3194‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وقال الترمذي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬شهريزار"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬شهريزار"‪.‬‬

‫( ‪)6/299‬‬

‫قال أبو بكر بن عبد ال ‪ :‬فحدثت بهذا الحديث عطاء الخراساني فقال ‪ :‬أما رأيت بلد الشام ؟‬
‫قلت ‪ :‬ل قال ‪ :‬أما إنك لو رأيتها (‪ )1‬لرأيت المدائن التي خربت ‪ ،‬والزيتون الذي قطع‪ .‬فأتيت‬
‫الشام بعد ذلك فرأيته (‪.)2‬‬
‫قال عطاء الخراساني ‪ :‬حدثني يحيى بن َي ْعمَر ‪ :‬أن قيصر بعث رجل يدعى قطمة بجيش من‬
‫الروم ‪ ،‬وبعث كسرى شهريراز (‪ ، )3‬فالتقيا بأذرعات وبُصرى ‪ ،‬وهي أدنى الشام إليكم ‪ ،‬فلقيت‬
‫فارس الروم ‪ ،‬فغلبتهم فارس‪ .‬ففرحت بذلك كفار قريش وكرهه المسلمون‪.‬‬
‫قال عكرمة ‪ :‬ولقي المشركون أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وقالوا ‪ :‬إنكم أهل كتاب ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والنصارى أهل كتاب [ونحن أميون ‪ ،‬وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل‬
‫الكتاب] (‪ ، )4‬وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرَنّ عليكم ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬الم‪ .‬غُلِ َبتِ الرّومُ‪ .‬فِي أَدْنَى‬
‫ل َومِنْ َبعْ ُد وَ َي ْومَئِذٍ َيفْرَحُ‬
‫ال ْرضِ وَ ُهمْ مِنْ َبعْدِ غَلَ ِب ِهمْ سَ َيغْلِبُونَ‪ .‬فِي ِبضْعِ سِنِينَ لِلّ ِه المْرُ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنُونَ‪ .‬بِ َنصْرِ اللّهِ يَ ْنصُرُ مَنْ يَشَاءُ } ‪ ،‬فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال ‪ :‬أفرحتم‬
‫بظهور إخوانكم على إخواننا ‪ ،‬فل تفرحوا ‪ ،‬ول يُقرّن ال أعينكم ‪ ،‬فوال ليظهرن ال الروم على‬
‫خلَف فقال ‪ :‬كذبت يا أبا فضيل‪.‬‬
‫فارس ‪ ،‬أخبرنا بذلك نبينا صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقام إليه أبيّ بن َ‬
‫فقال له أبو بكر ‪ :‬أنت أكذب يا عدو ال‪ .‬فقال ‪ :‬أناح ُبكَ عشر قلئص مني وعشر قلئص منك ‪،‬‬
‫فإن ظهرت الروم على فارس غَرِمتُ ‪ ،‬وإن ظهرت فارس غرمتَ إلى ثلث سنين‪ .‬ثم جاء (‪)5‬‬
‫أبو بكر إلى النبي صلى ال عليه وسلم فأخبره ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما هكذا ذكرت ‪ ،‬إنما البضع ما بين‬
‫خطَر وما ّدهْ في الجل" ‪ ،‬فخرج أبو بكر فلقي أبيّا فقال ‪ :‬لعلك‬
‫الثلث إلى التسع ‪ ،‬فزايدْه في ال َ‬
‫ندمت ؟ فقال ‪ :‬ل تعال أزايدك في الخَطَر وأمادّك في الجل ‪ ،‬فاجعلها مائة قلوص لمائة قلوص‬
‫إلى تسع سنين‪ .‬قال ‪ :‬قد فعلت ‪ ،‬فظهرت الروم على فارس قبل ذلك ‪ ،‬فغلبهم المسلمون‪.‬‬
‫قال عكرمة ‪ :‬لما أن ظهرت فارس على الروم ‪ ،‬جلس فرخان يشرب وهو أخو شهريراز (‪)6‬‬
‫فقال لصحابه ‪ :‬لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى‪ .‬فبلغت كسرى فكتب إلى شهريراز (‪)7‬‬
‫إذا أتاك كتابي [هذا] (‪ )8‬فابعث إليّ برأس فرخان‪ .‬فكتب إليه ‪ :‬أيها الملك ‪ ،‬إنك لن تجد مثل‬
‫فرخان ‪ ،‬له نكاية وصوت في العدو ‪ ،‬فل تفعل‪ .‬فكتب إليه ‪ :‬إن في رجال فارس خلفًا منه ‪،‬‬
‫فعجّل إليّ برأسه‪ .‬فراجعه ‪ ،‬فغضب كسرى فلم يجبه ‪ ،‬وبعث بريدا إلى أهل فارس ‪ :‬إني قد‬
‫نزعت (‪ )9‬عنكم شهريراز ‪ ،‬واستعملت عليكم فرخان‪ .‬ثم دفع إلى البريد صحيفة لطيفة صغيرة‬
‫فقال ‪ :‬إذا ولي فرخان الملك ‪ ،‬وانقاد له أخوه ‪ ،‬فأعطه هذه‪ .‬فلما قرأ شهريراز الكتاب قال ‪:‬‬
‫سمعا وطاعة ‪ ،‬ونزل عن سريره ‪ ،‬وجلس فرخان ‪ ،‬ودفع إليه الصحيفة ‪ ،‬قال (‪ )10‬ائتوني‬
‫بشهريراز (‪ )11‬وقَ ّدمَه ليضرب عنقه ‪ ،‬قال ‪ :‬ل تعجل [عليّ] (‪ )12‬حتى أكتب وصيتي ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫نعم‪ .‬فدعا بالسّفط فأعطاه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬لو أتيتها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )21/13‬من طريق سنيد به‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬شهريزار" وفي ف ‪ ،‬أ "بشهريراز"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬فجاء"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬شهريزار"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬شهريزار"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬عزلت"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬بشهريزار"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)6/300‬‬

‫الصحائف (‪ )1‬وقال ‪ :‬كل هذا راجعتُ فيك كسرى ‪ ،‬وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد‪ .‬فرد‬
‫الملك إلى أخيه شهريراز (‪ )2‬وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم ‪ :‬إن لي إليك حاجة ل‬
‫تحملها البُرُد ول تحملها الصّحف ‪ ،‬فالقني ‪ ،‬ول تلقني إل في خمسين روميا ‪ ،‬فإني ألقاك في‬
‫خمسين فارسيا‪ .‬فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي ‪ ،‬وجعل يضع العيون بين يديه في‬
‫الطريق ‪ ،‬وخاف أن يكون قد مكر به ‪ ،‬حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إل خمسون رجل‪ .‬ثم بسط‬
‫لهما والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما ‪ ،‬مع كل واحد منهما سكين ‪ ،‬فدعيا (‪ )3‬ترجمانا بينهما ‪،‬‬
‫فقال شهريراز (‪ )4‬إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا ‪ ،‬وإن كسرى حَسَدنا وأراد‬
‫أن أقتل أخي فأبيت ‪ ،‬ثم أمر أخي أن يقتلني‪ .‬وقد خلعناه جميعا ‪ ،‬فنحن نقاتله معك‪ .‬قال ‪ :‬قد‬
‫أصبتما‪ .‬ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا‪ .‬قال ‪ :‬أجل‪ .‬فقتل‬
‫الترجمان جميعا بسكينيهما‪[ .‬قال] (‪ )5‬فأهلك ال كسرى ‪ ،‬وجاء الخبر إلى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يوم الحديبية ‪ ،‬ففرح والمسلمون معه‪.‬‬
‫فهذا سياق غريب ‪ ،‬وبناء عجيب‪ .‬ولنتكلم على كلمات هذه اليات الكريمة ‪ ،‬فقوله تعالى ‪ { :‬الم‪.‬‬
‫غُلِ َبتِ الرّومُ } قد تقدم الكلم على الحروف المقطعة في أوائل السور ‪ ،‬في أول سورة "البقرة"‪.‬‬
‫وأما الروم فهم من سللة العيص بن إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬وهم أبناء عم بني إسرائيل ‪ ،‬ويقال لهم‬
‫‪ :‬بنو الصفر‪ .‬وكانوا على دين اليونان ‪ ،‬واليونان من سللة يافث بن نوح ‪ ،‬أبناء (‪ )6‬عم الترك‪.‬‬
‫وكانوا يعبدون الكواكب السيارة السبعة ‪ ،‬ويقال لها ‪ :‬المتحيرة ‪ ،‬ويصلون إلى القطب الشمالي ‪،‬‬
‫وهم الذين أسسوا دمشق ‪ ،‬وبنوا معبدها ‪ ،‬وفيه محاريب إلى جهة الشمال ‪ ،‬فكان (‪ )7‬الروم على‬
‫دينهم إلى مبعث المسيح بنحو من ثلثمائة سنة ‪ ،‬وكان من ملك الشام مع الجزيرة منهم يقال له ‪:‬‬
‫قيصر‪ .‬فكان أول من دخل في دين النصارى من الملوك قسطنطين بن قسطس ‪ ،‬وأمه مريم‬
‫الهيلنية الشدقانية (‪ )8‬من أرض حران ‪ ،‬كانت قد تنصرت قبله ‪ ،‬فدعته إلى دينها ‪ ،‬وكان قبل‬
‫ذلك فيلسوفا ‪ ،‬فتابعها ‪ -‬يقال ‪َ :‬تقِيّة ‪ -‬واجتمعت به النصارى ‪ ،‬وتناظروا في زمانه مع عبد ال‬
‫بن أريوس ‪ ،‬واختلفوا اختلفا [كثيرًا] (‪ )9‬منتشرا متشتتا ل ينضبط ‪ ،‬إل أنه اتفق من جماعتهم (‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ )10‬ثلثمائة وثمانية عشر أسقفًا ‪ ،‬فوضعوا لقسطنطين العقيدة ‪ ،‬وهي التي يسمونها المانة‬
‫الكبيرة ‪ ،‬وإنما هي الخيانة الحقيرة ‪ ،‬ووضعوا له القوانين ‪ -‬يعنون كتب الحكام من تحليل‬
‫وتحريم وغير ذلك مما يحتاجون إليه ‪ ،‬وغَيّروا دين المسيح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وزادوا فيه ونقصوا‬
‫منه‪ .‬وفصلوا إلى المشرق (‪ )11‬واعتاضوا عن السبت بالحد ‪ ،‬وعبدوا الصليب وأحلوا الخنزير‪.‬‬
‫واتخذوا أعيادًا أحدثوها كعيد الصليب والقداس (‪ )12‬والغطاس ‪ ،‬وغير ذلك من البواعيث‬
‫والشعانين ‪ ،‬وجعلوا له الباب وهو كبيرهم ‪ ،‬ثم البتاركة ‪ ،‬ثم المطارنة ‪ ،‬ثم الساقفة والقساقسة ‪،‬‬
‫ثم الشمامسة‪ .‬وابتدعوا الرهبانية‪ .‬وبنى لهم الملك الكنائس‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ثلث صحائف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬شهريزار"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فدعا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬شهريزار"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أتباع"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬القندقانية" وفي ف ‪" :‬الغندقانية"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬جماعته"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وصلوا إلى الشرق"‬
‫(‪ )12‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والقرابين"‪.‬‬

‫( ‪)6/301‬‬

‫والمعابد ‪ ،‬وأسس المدينة المنسوبة إليه وهي القسطنطينية ‪ ،‬يقال ‪ :‬إنه بنى في أيامه (‪ )1‬اثني‬
‫عشر ألف كنيسة ‪ ،‬وبنى بيت لحم بثلثة (‪ )2‬محاريب ‪ ،‬وبنت أمه القمامة ‪ ،‬وهؤلء هم الملكية ‪،‬‬
‫يعنون الذين هم على دين الملك‪.‬‬
‫ثم حدثت بعدهم اليعقوبية أتباع يعقوب السكاف ‪ ،‬ثم النسطورية أصحاب نسطورا ‪ ،‬وهم فرق‬
‫وطوائف كثيرة ‪ ،‬كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنهم افترقوا على اثنتين وسبعين‬
‫فرقة"‪ )3( .‬والغرض أنهم استمروا على النصرانية ‪ ،‬كلما هلك قيصر خلفه آخر بعده ‪ ،‬حتى كان‬
‫آخرهم هرقل‪ .‬وكان من عقلء الرجال ‪ ،‬ومن أحزم الملوك وأدهاهم ‪ ،‬وأبعدهم غورا وأقصاهم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رأيا ‪ ،‬فتمَّلكَ عليهم في رياسَة عظيمة وأبهة كبيرة ‪ ،‬فناوأه كسرى ملك الفرس ‪ ،‬ومَلكَ البلد‬
‫كالعراق وخراسان والرّي ‪ ،‬وجميع بلد العجم ‪ ،‬وهو سابور ذو الكتاف‪ .‬وكانت مملكته أوسع‬
‫من مملكة قيصر ‪ ،‬وله رياسة العجم وحماقة الفرس ‪ ،‬وكانوا مجوسا يعبدون النار‪ .‬فتقدم عن‬
‫عكرمة أنه بعث إليه نوابه وجيشه فقاتلوه ‪ ،‬والمشهور أن كسرى غزاه بنفسه في بلده فقهره‬
‫وكَسَره وقصره ‪ ،‬حتى لم يبق معه سوى مدينة قسطنطينية‪ .‬فحاصره بها مدة طويلة حتى ضاقت‬
‫عليه ‪ ،‬وكانت النصارى تعظمه تعظيما زائدا ‪ ،‬ولم يقدر كسرى على فتح البلد ‪ ،‬ول أمكنه ذلك‬
‫لحصانتها ؛ لن نصفها من ناحية البر ونصفها الخر من (‪ )4‬ناحية البحر ‪ ،‬فكانت تأتيهم الميرة‬
‫والمَدَد من هنالك‪ .‬فلما طال المر دبر قيصر مكيدة ‪ ،‬ورأى في نفسه خديعة ‪ ،‬فطلب من كسرى‬
‫أن يقلع عن بلده على مال يصالحه عليه ‪ ،‬ويشترط عليه ما شاء‪ .‬فأجابه إلى ذلك ‪ ،‬وطلب منه‬
‫أموال عظيمة ل يقدر عليها أحد من ملوك الدنيا (‪ ، )5‬من ذهب وجواهر وأقمشة وجوار وخدام‬
‫وأصناف كثيرة‪ .‬فطاوعه قيصر ‪ ،‬وأوهمه أن عنده جميع ما طلب ‪ ،‬واستقل عقله لما طلب منه ما‬
‫طلب ‪ ،‬ولو اجتمع هو وإياه لعجزت قدرتهما عن جمع عُشْره ‪ ،‬وسأل كسرى أن يُمكّنه من‬
‫الخروج إلى بلد الشام وأقاليم مملكته ‪ ،‬ليسعى في تحصيل ذلك من ذخائره وحواصله ودفائنه ‪،‬‬
‫فأطلق سراحه ‪ ،‬فلما عزم قيصر على الخروج من مدينة قسطنطينية ‪ ،‬جمع أهل ملته وقال ‪ :‬إني‬
‫خارج في أمر قد أبرمته ‪ ،‬في جند قد عينته من جيشي ‪ ،‬فإن رجعت إليكم قبل الحول فأنا‬
‫ملككم ‪ ،‬وإن لم أرجع إليكم قبلها فأنتم بالخيار ‪ ،‬إن شئتم استمررتم على بيعتي ‪ ،‬وإن شئتم وليتم‬
‫عليكم غيري‪ .‬فأجابوه بأنك ملكنا ما دمت حيا ‪ ،‬ولو غبت عشرة أعوام‪ .‬فلما خرج من‬
‫القسطنطينية خرج جريدة في جيش متوسط ‪ ،‬هذا وكسرى مُخَيّم على القسطنطينية ينتظره‬
‫ليرجع ‪ ،‬فركب قيصر من فوره وسار مسرعا حتى انتهى إلى بلد فارس ‪ ،‬فعاث في بلدهم قتل‬
‫لرجالها ومن بها من المقاتلة ‪ ،‬أول فأول ولم يزل يقتل حتى انتهى إلى المدائن ‪ ،‬وهي كرسي‬
‫مملكة كسرى ‪ ،‬فقتل من بها ‪ ،‬وأخذ جميع حواصله وأمواله ‪ ،‬وأسر نساءه وحريمه ‪ ،‬وحلق رأس‬
‫ولده ‪ ،‬و َركّبه على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬زمانه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬بثلث"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪ )4596‬وابن ماجه في السنن برقم (‪ )3992‬وقال البوصيري في الزوائد‬
‫‪" :‬إسناد عوف بن مالك فيه مقال ‪ ،‬وراشد بن سعد قال فيه أبو حاتم ‪ :‬صدوق‪ .‬وعباد بن يوسف‬
‫لم يخرج له أحد سوى ابن ماجه ‪ ،‬وليس له عندي سوى هذا الحديث قال ابن عدي ‪ :‬روى‬
‫أحاديث تفرد بها‪ .‬وذكره ابن حبان في الثقات وباقي رجال السناد ثقات"‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬الرض"‪.‬‬

‫( ‪)6/302‬‬

‫حمار وبعث معه من الساورة من قومه في غاية الهوان والذلة ‪ ،‬وكتب إلى كسرى يقول ‪ :‬هذا‬
‫ما طلبت فخُذه‪ .‬فلما بلغ ذلك كسرى أخذه من الغم ما ل يحصيه إل ال عز وجل ‪ ،‬واشتد حنقه‬
‫على البلد ‪ ،‬فاشتد (‪ )1‬في حصارها بكل ممكن فلم يقدر على ذلك‪ .‬فلما عجز ركب ليأخذ عليه‬
‫الطريق من مخاضة جيحون ‪ ،‬التي ل سبيل (‪ )2‬لقيصر إلى القسطنطينية إل منها ‪ ،‬فلما علم‬
‫قيصر بذلك احتال بحيلة عظيمة لم يسبق إليها ‪ ،‬وهو أنه أرصد جنده وحواصله التي معه عند فم‬
‫المخاضة ‪ ،‬وركب في بعض الجيش ‪ ،‬وأمر بأحمال من التبن والبعر والروث فحملت معه ‪،‬‬
‫وسار إلى قريب من يوم في الماء مصعدا ‪ ،‬ثم أمر بإلقاء تلك الحمال في النهر ‪ ،‬فلما مرت‬
‫بكسرى ظن هو وجنده أنهم قد خاضوا من هنالك ‪ ،‬فركبوا في طلبهم فشغرت المخاضة عن‬
‫الفرس ‪ ،‬وقدم قيصر فأمرهم بالنهوض في الخوض ‪ ،‬فخاضوا وأسرعوا السير ففاتوا كسرى‬
‫وجنوده ‪ ،‬ودخلوا القسطنطينية‪ .‬وكان ذلك يوما مشهودًا عند النصارى ‪ ،‬وبقي كسرى وجيوشه (‬
‫‪ )3‬حائرين ل يدرون ماذا يصنعون‪ .‬لم يحصلوا على بلد قيصر ‪ ،‬وبلدُهم قد خَرّبتها الروم‬
‫وأخذوا حواصلهم ‪ ،‬وسبوا ذراريهم ونساءهم‪ .‬فكان هذا من غَلب الروم فارسَ ‪ ،‬وكان ذلك بعد‬
‫تسع (‪ )4‬سنين من غلب الفرس للروم (‪.)5‬‬
‫وكانت الواقعة الكائنة بين فارس والروم حين غلبت الروم بين أذرعات وبُصرى ‪ ،‬على ما ذكره‬
‫ابن عباس وعكرمة وغيرهما ‪ ،‬وهي طرف بلد الشام مما يلي بلد الحجاز‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬كان ذلك في الجزيرة ‪ ،‬وهي أقرب بلد الروم من فارس ‪ ،‬فال (‪ )6‬أعلم‪.‬‬
‫ثم كان غلب الروم لفارس بعد بضع سنين ‪ ،‬وهي تسع ؛ فإن ال ِبضْعَ في كلم العرب ما بين‬
‫الثلث إلى التسع‪ .‬وكذلك جاء في الحديث الذي رواه الترمذي ‪ ،‬وابن جرير وغيرهما ‪ ،‬من‬
‫جمَحي ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عبُيَد ال بن عبد ال ‪ ،‬عن ابن‬
‫حديث عبد ال بن عبد الرحمن ال ُ‬
‫عباس ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لبي بكر في مُنَاحَبَة (‪ { )7‬الم غُلِ َبتِ الرّومُ } أل‬
‫احتطت يا أبا بكر ‪ ،‬فإن البضع ما بين ثلث إلى تسع ؟" ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هذا حديث حسن غريب من‬
‫هذا الوجه (‪.)8‬‬
‫وروى ابن جرير ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ :‬أنه قال ذلك (‪.)9‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لِلّ ِه المْرُ مِنْ قَ ْبلُ َومِنْ َبعْدُ } أي ‪ :‬من قبل ذلك ومن بعده ‪ ،‬فبني على الضم لما قُطع‬
‫المضاف ‪ ،‬وهو قوله ‪ { :‬قَ ْبلُ } عن الضافة ‪ ،‬ونُويت‪.‬‬
‫{ وَ َي ْومَئِذٍ َيفْرَحُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ بِ َنصْرِ اللّهِ } أي ‪ :‬للروم أصحاب قيصر ملك الشام ‪ ،‬على فارس‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أصحاب كسرى ‪ ،‬وهم المجوس‪ .‬وقد كانت نصرة الروم على فارس يوم وقعة بدر في قول طائفة‬
‫كبيرة من العلماء ‪ ،‬كابن عباس ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وقد ورد في الحديث الذي رواه‬
‫الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبزار ‪ ،‬من حديث العمش ‪ ،‬عن عطية (‪ )10‬عن أبي‬
‫سعيد قال ‪ :‬لما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فجد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ل مسلك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وجنوده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ثلث"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬من غلب فارس للروم" وفي أ ‪" :‬من غلب فارس الروم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬وال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬مبايعته"‪.‬‬
‫(‪ )8‬سنن الترمذي برقم (‪ )3191‬وتفسير الطبري (‪.)21/12‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)21/16‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وقد روى مالك"‪.‬‬

‫( ‪)6/303‬‬

‫كان يوم بدر ‪ ،‬ظهرت الروم على فارس ‪ ،‬فأعجب ذلك المؤمنين وفرحوا به ‪ ،‬وأنزل ال ‪:‬‬
‫{ وَ َي ْومَئِذٍ َيفْرَحُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ بِ َنصْرِ اللّهِ يَ ْنصُرُ مَنْ يَشَا ُء وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ } (‪.)1‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل كان نصرة الروم على فارس عام (‪ )2‬الحديبية ؛ قاله عكرمة ‪ ،‬والزهري ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬وغيرهم (‪ .)3‬ووجه بعضهم هذا القول بأن قيصر كان قد نذر لئن أظفره ال بكسرى‬
‫ليمشين من حمص إلى إيليا ‪ -‬وهو بيت المقدس ‪ -‬شكرا (‪ )4‬ل عز وجل ‪ ،‬ففعل ‪ ،‬فلما بلغ بيت‬
‫المقدس لم يخرج منه حتى وافاه كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬الذي بعثه مع دحية بن‬
‫خليفة ‪ ،‬فأعطاه دحية لعظيم بصرى ‪ ،‬فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر‪ .‬فلما وصل إليه سأل من‬
‫بالشام من عَرَب الحجاز ‪ ،‬فأحضرَ له أبو سفيان صخر بن حرب الموي في جماعة من كفار‬
‫قريش كانوا في غزة ‪ ،‬فجيء بهم إليه ‪ ،‬فجلسوا بين يديه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل‬
‫الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان ‪ :‬أنا‪ .‬فقال لصحابه ‪ -‬وأجلسهم خلفه ‪ : -‬إني سائل هذا‬
‫عن هذا الرجل ‪ ،‬فإن كذب فكذّبوه‪ .‬فقال أبو سفيان ‪ :‬فوال لول أن يَأثُرُوا عليّ الكذب لكذبت‪.‬‬
‫فسأله هرقل عن نسبه وصفته ‪ ،‬فكان فيما سأله أن قال ‪ :‬فهل يغدر ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬ل ونحن منه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في ُمدّة ل ندري ما هو صانع فيها ‪ -‬يعني بذلك الهدنة التي كانت قد وقعت بين رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وكفار قريش يوم (‪ )5‬الحديبية على وضع الحرب بينهم عشر سنين ‪ ،‬فاستدلوا بهذا‬
‫على أن نصر الروم على فارس كان عام الحديبية ؛ لن قيصر إنما َوفّى بنذره بعد الحديبية ‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫ولصحاب القول الول أن يجيبوا عن هذا بأن بلده كانت قد خربت وتشعثت ‪ ،‬فما تمكن من‬
‫وفاء نذره حتى أصلح ما ينبغي إصلحه وتفقد بلده ‪ ،‬ثم بعد أربع سنين من نصرته وفّى بنذره ‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫والمر (‪ )6‬في هذا سهل قريب ‪ ،‬إل أنه لما انتصرت فارس على الروم ساء ذلك المؤمنين ‪ ،‬فلما‬
‫انتصرت الروم على فارس فرح المؤمنون بذلك ؛ لن الروم أهل كتاب في الجملة ‪ ،‬فهم أقرب‬
‫عدَا َوةً لِلّذِينَ آمَنُوا‬
‫شدّ النّاسِ َ‬
‫جدَنّ أَ َ‬
‫إلى المؤمنين من المجوس ‪ ،‬كما قال [ال] (‪ )7‬تعالى ‪ { :‬لَتَ ِ‬
‫الْ َيهُو َد وَالّذِينَ َأشْ َركُوا وَلَتَجِدَنّ َأقْرَ َب ُهمْ َموَ ّدةً لِلّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ قَالُوا إِنّا َنصَارَى ذَِلكَ بِأَنّ مِ ْنهُمْ‬
‫س ِمعُوا مَا أُنزلَ إِلَى الرّسُولِ تَرَى أَعْيُ َنهُمْ َتفِيضُ مِنَ‬
‫ن وَرُهْبَانًا وَأَ ّنهُ ْم ل َيسْ َتكْبِرُونَ‪ .‬وَِإذَا َ‬
‫قِسّيسِي َ‬
‫ال ّدمْعِ ِممّا عَ َرفُوا مِنَ ا ْلحَقّ َيقُولُونَ رَبّنَا آمَنّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّا ِهدِينَ } [المائد ‪ ، ]83 ، 82 :‬وقال‬
‫تعالى هاهنا ‪ { :‬وَ َيوْمَئِذٍ َيفْرَحُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ بِ َنصْرِ اللّهِ يَ ْنصُرُ مَنْ يَشَا ُء وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ }‪.‬‬
‫صفْوان ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثني أسيد الكلبي ‪ ،‬قال‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫‪ :‬سمعت (‪ )8‬العلء بن الزبير الكلبي يحدث عن أبيه ‪ ،‬قال ‪ :‬رأيت غلبة فارس الروم ‪ ،‬ثم‬
‫رأيت غلبة الروم فارس ‪ ،‬ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم ‪ ،‬كل ذلك في خمس عشرة سنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪ )3192‬وتفسير الطبري (‪.)21/16‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬يوم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وغير واحد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬تشكرا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عام"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬فالمر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم عن"‪.‬‬

‫( ‪)6/304‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمّى وَإِنّ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫ق وَأَ َ‬
‫حّ‬‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا إِلّا بِالْ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر َ‬
‫سهِمْ مَا خَلَقَ اللّهُ ال ّ‬
‫َأوَلَمْ يَ َت َفكّرُوا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫كَثِيرًا مِنَ النّاسِ بِِلقَاءِ رَ ّب ِهمْ َلكَافِرُونَ (‪َ )8‬أوَلَمْ َيسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ‬
‫عمَرُوهَا وَجَاءَ ْت ُهمْ رُسُُل ُهمْ‬
‫عمَرُوهَا َأكْثَرَ ِممّا َ‬
‫شدّ مِ ْنهُمْ ُق ّو ًة وَأَثَارُوا الْأَ ْرضَ وَ َ‬
‫مِنْ قَبِْلهِمْ كَانُوا أَ َ‬
‫سهُمْ َيظِْلمُونَ (‪ )9‬ثُمّ كَانَ عَاقِ َبةَ الّذِينَ أَسَاءُوا السّوأَى‬
‫بِالْبَيّنَاتِ َفمَا كَانَ اللّهُ لِ َيظِْل َمهُ ْم وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫أَنْ كَذّبُوا بِآَيَاتِ اللّ ِه َوكَانُوا ِبهَا يَسْ َتهْزِئُونَ (‪)10‬‬

‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ } أي ‪ :‬في انتصاره وانتقامه من أعدائه ‪ { ،‬الرّحِيمُ } بعباده المؤمنين‪.‬‬
‫خِلفُ اللّ ُه وَعْ َدهُ } أي ‪ :‬هذا (‪ )1‬الذي أخبرناك به ‪ -‬يا محمد ‪ -‬من أنا‬
‫وقوله ‪ { :‬وَعْدَ اللّهِ ل يُ ْ‬
‫سننصر الروم على فارس ‪ ،‬وعد من ال حق ‪ ،‬وخَبَر صدق ل يخلف ‪ ،‬ول بد من كونه ووقوعه‬
‫؛ لن ال قد جرت سنته أن ينصر أقرب الطائفتين المقتتلتين إلى الحق ‪ ،‬ويجعل لها العاقبة ‪،‬‬
‫{ وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬بحكم ال في كونه وأفعاله المحكمة الجارية على وفق‬
‫العدل‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يعَْلمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ ُهمْ عَنِ الخِ َرةِ ُهمْ غَافِلُونَ } أي ‪ :‬أكثر الناس ليس لهم‬
‫علم إل بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها ‪ ،‬فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها ‪ ،‬وهم‬
‫غافلون عما ينفعهم في الدار الخرة ‪ ،‬كأن أحدهم ُم َغفّل ل ذهن (‪ )2‬له ول فكرة‪.‬‬
‫قال الحسن البصري ‪ :‬وال لَ َبلَغَ (‪ )3‬من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره ‪ ،‬فيخبرك‬
‫بوزنه ‪ ،‬وما يحسن أن يصلي‪.‬‬
‫وقال ابن عباس في قوله ‪َ { :‬يعَْلمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ ُهمْ عَنِ الخِ َرةِ ُهمْ غَافِلُونَ } يعني ‪:‬‬
‫الكفار ‪ ،‬يعرفون عمران الدنيا ‪ ،‬وهم في أمر الدين جهال‪.‬‬
‫سمّى وَإِنّ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫ق وَأَ َ‬
‫حّ‬‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا إِل بِالْ َ‬
‫ت وَالرْ َ‬
‫س َموَا ِ‬
‫خلَقَ اللّهُ ال ّ‬
‫سهِمْ مَا َ‬
‫{ َأوََلمْ يَ َت َفكّرُوا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫كَثِيرًا مِنَ النّاسِ بِِلقَاءِ رَ ّب ِهمْ َلكَافِرُونَ (‪َ )8‬أوَلَمْ َيسِيرُوا فِي ال ْرضِ فَيَنْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ‬
‫عمَرُوهَا َوجَاءَ ْتهُمْ ُرسُُلهُمْ‬
‫عمَرُوهَا َأكْثَرَ ِممّا َ‬
‫ض وَ َ‬
‫شدّ مِ ْنهُمْ ُق ّو ًة وَأَثَارُوا ال ْر َ‬
‫مِنْ قَبِْلهِمْ كَانُوا أَ َ‬
‫سهُمْ َيظِْلمُونَ (‪ )9‬ثُمّ كَانَ عَاقِ َبةَ الّذِينَ أَسَاءُوا السّوءَى‬
‫بِالْبَيّنَاتِ َفمَا كَانَ اللّهُ لِ َيظِْل َمهُ ْم وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫أَنْ كَذّبُوا بِآيَاتِ اللّ ِه َوكَانُوا ِبهَا يَسْ َتهْزِئُونَ (‪.} )10‬‬
‫يقول تعالى منبهًا على التفكر في مخلوقاته ‪ ،‬الدالة على وجوده وانفراده بخلقها ‪ ،‬وأنه ل إله غيره‬
‫سهِمْ } يعني به ‪ :‬النظر والتدبر والتأمل لخلق ال‬
‫ول رب سواه ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َتفَكّرُوا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫الشياء من العالم العلوي والسفلي ‪ ،‬وما بينهما من المخلوقات المتنوعة ‪ ،‬والجناس المختلفة ‪،‬‬
‫فيعلموا أنها ما خلقت سُدًى ول باطل بل بالحق ‪ ،‬وأنها مؤجلة (‪ )4‬إلى أجل مسمى ‪ ،‬وهو يوم‬
‫القيامة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَإِنّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ بِِلقَاءِ رَ ّبهِمْ َلكَافِرُونَ }‪.‬‬
‫ثم نبههم على صدق رسله فيما جاءوا به عنه ‪ ،‬بما أيدهم به من المعجزات ‪ ،‬والدلئل (‪)5‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن كفر بهم ‪ ،‬ونجاة مَنْ صدقهم ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬أوَلَمْ َيسِيرُوا فِي ال ْرضِ }‬
‫الواضحات ‪ ،‬من إهلك مَ ْ‬
‫أي ‪ :‬بأفهامهم وعقولهم ونظرهم وسماعهم أخبار الماضين ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَيَنْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ‬
‫شدّ مِ ْنهُمْ ُق ّوةً }‬
‫عَاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ كَانُوا أَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬هو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ "ل ذكر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ليبلغ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وأنهما مؤجلين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬والدللت"‪.‬‬

‫( ‪)6/305‬‬

‫جعُونَ (‪ )11‬وَ َيوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ يُ ْبلِسُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪ )12‬وَلَمْ َيكُنْ‬
‫اللّهُ يَ ْبدَأُ ا ْلخَلْقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ ُثمّ إِلَ ْيهِ تُرْ َ‬
‫ش َفعَا ُء َوكَانُوا ِبشُ َركَا ِئهِمْ كَافِرِينَ (‪ )13‬وَ َيوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ َي ْومَئِذٍ يَ َتفَرّقُونَ (‪)14‬‬
‫َلهُمْ مِنْ شُ َركَا ِئهِمْ ُ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ َف ُهمْ فِي َر ْوضَةٍ ُيحْبَرُونَ (‪)15‬‬
‫فََأمّا الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬

‫أي ‪ :‬كانت المم الماضية والقرون السالفة أشد منكم ‪ -‬أيها المبعوث إليهم محمد صلوات ال‬
‫وسلمه عليه (‪ )1‬وأكثر أموال وأولدا ‪ ،‬وما أوتيتم معشار ما أوتوا ‪ ،‬ومُكنوا في الدنيا تمكينا لم‬
‫تبلغوا إليه ‪ ،‬وعمروا فيها أعمارًا طوال فعمروها أكثر منكم‪ .‬واستغلوها أكثر من استغللكم ‪،‬‬
‫ومع هذا لما جاءتهم رسلهم بالبينات وفرحوا بما أوتوا ‪ ،‬أخذهم ال بذنوبهم ‪ ،‬وما كان لهم من ال‬
‫مِنْ واق ‪ ،‬ول حالت أموالهم ول أولدهم بينهم وبين بأس (‪ )2‬ال ‪ ،‬ول دفعوا عنهم مثقال ذرة ‪،‬‬
‫سهُمْ َيظِْلمُونَ } أي ‪ :‬وإنما‬
‫وما كان ال ليظلمهم فيما أحل بهم من العذاب والنكال { وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫أوتوا من أنفسهم حيث كذبوا بآيات ال ‪ ،‬واستهزؤوا بها ‪ ،‬وما ذاك إل بسبب ذنوبهم السالفة‬
‫وتكذيبهم المتقدم ؛ ولهذا قال ‪ُ { :‬ثمّ كَانَ عَاقِبَةَ الّذِينَ أَسَاءُوا السّوءَى أَنْ َكذّبُوا بِآيَاتِ اللّ ِه َوكَانُوا‬
‫ِبهَا يَسْ َتهْزِئُونَ } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَ ُنقَّلبُ َأفْ ِئدَ َتهُ ْم وَأَ ْبصَارَهُمْ َكمَا َلمْ ُي ْؤمِنُوا ِبهِ َأ ّولَ مَ ّرةٍ وَ َنذَرُهُمْ‬
‫طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ } [النعام ‪ ، ]110 :‬وقوله (‪ { : )3‬فََلمّا زَاغُوا أَزَاغَ اللّهُ قُلُو َبهُمْ } [الصف ‪:‬‬
‫فِي ُ‬
‫‪ ، ]5‬وقال ‪ { :‬فَإِنْ َتوَّلوْا فَاعْلَمْ أَ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُيصِي َبهُمْ بِ َب ْعضِ ذُنُو ِبهِمْ } [المائدة ‪.]49 :‬‬
‫وعلى هذا تكون (‪ )4‬السوءى منصوبة مفعول لساءوا‪ .‬وقيل ‪ :‬بل المعنى في ذلك ‪ { :‬ثُمّ كَانَ‬
‫عَاقِبَةَ الّذِينَ أَسَاءُوا السّوءَى } أي ‪ :‬كانت السوءى عاقبتهم ؛ لنهم كذبوا بآيات ال وكانوا بها‬
‫يستهزئون‪ .‬فعلى هذا تكون السوءى منصوبة خبر كان‪ .‬هذا توجيه ابن جرير (‪ ، )5‬ونقله (‪)6‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عن ابن عباس وقتادة‪ .‬ورواه ابن أبي حاتم عنهما وعن الضحاك بن مُزاحم ‪ ،‬وهو الظاهر ‪ ،‬وال‬
‫أعلم ‪َ { ،‬وكَانُوا ِبهَا يَسْ َتهْزِئُونَ }‪.‬‬
‫عةُ يُبْلِسُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪ )12‬وَلَمْ َيكُنْ‬
‫جعُونَ (‪ )11‬وَ َيوْمَ َتقُومُ السّا َ‬
‫{ اللّهُ يَبْ َدأُ الْخَ ْلقَ ُثمّ ُيعِي ُدهُ ثُمّ إِلَيْهِ تُ ْر َ‬
‫ش َفعَا ُء َوكَانُوا ِبشُ َركَا ِئهِمْ كَافِرِينَ (‪ )13‬وَ َيوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ َي ْومَئِذٍ يَ َتفَرّقُونَ (‪)14‬‬
‫َلهُمْ مِنْ شُ َركَا ِئهِمْ ُ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ َف ُهمْ فِي َر ْوضَةٍ ُيحْبَرُونَ (‪} )15‬‬
‫فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أمر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬يكون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)21/18‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ومنقول"‪.‬‬

‫( ‪)6/306‬‬

‫حضَرُونَ (‪)16‬‬
‫وََأمّا الّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآَيَاتِنَا وَِلقَاءِ الَْآخِ َرةِ فَأُولَ ِئكَ فِي ا ْل َعذَابِ مُ ْ‬

‫حضَرُونَ (‪.} )16‬‬


‫{ وََأمّا الّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآيَاتِنَا وَِلقَاءِ الخِ َرةِ فَأُولَ ِئكَ فِي ا ْلعَذَابِ مُ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬اللّهُ يَبْدَأُ الْخَ ْلقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ } أي ‪ :‬كما هو قادر على بَداءته فهو قادر على إعادته ‪{ ،‬‬
‫جعُونَ } ‪ ،‬أي ‪ :‬يوم القيامة فيجازي كل عامل بعمله‪.‬‬
‫ثُمّ إِلَ ْيهِ تُرْ َ‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَ َيوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ يُبِْلسُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ } قال ابن عباس ‪ :‬ييأس المجرمون‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬يفتضح المجرمون‪ .‬وفي رواية ‪ :‬يكتئب المجرمون‪.‬‬
‫ش َفعَاءُ } أي ‪ :‬ما شفعت فيهم اللهة التي كانوا يعبدونها من دون ال ‪،‬‬
‫{ وَلَمْ َيكُنْ َلهُمْ مِنْ شُ َركَا ِئ ِهمْ ُ‬
‫وكفروا بهم وخانوهم أحوج ما كانوا إليهم‪.‬‬

‫( ‪)6/306‬‬

‫ض وَعَشِيّا وَحِينَ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫حمْدُ فِي ال ّ‬
‫ن وَحِينَ ُتصْ ِبحُونَ (‪ )17‬وَلَهُ الْ َ‬
‫فَسُبْحَانَ اللّهِ حِينَ ُتمْسُو َ‬
‫حيّ وَيُحْيِي الْأَ ْرضَ َب ْعدَ َموْ ِتهَا َوكَذَِلكَ‬
‫ت وَيُخْرِجُ ا ْلمَ ّيتَ مِنَ ا ْل َ‬
‫حيّ مِنَ ا ْلمَ ّي ِ‬
‫ظهِرُونَ (‪ )18‬يُخْرِجُ الْ َ‬
‫تُ ْ‬
‫تُخْ َرجُونَ (‪)19‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَ َيوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ َي ْومَئِذٍ يَ َتفَ ّرقُونَ } ‪ :‬قال قتادة ‪ :‬هي ‪ -‬وال ‪ -‬الفرقة التي ل اجتماع‬
‫بعدها ‪ ،‬يعني ‪ :‬إذا رفع هذا إلى عليين ‪ ،‬وخفض هذا إلى أسفل السافلين ‪ ،‬فذاك آخر العهد‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َفهُمْ فِي َر ْوضَةٍ يُحْبَرُونَ } قال مجاهد‬
‫بينهما ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫وقتادة ‪ :‬ينعمون‪.‬‬
‫وقال يحيى بن أبي كثير ‪ :‬يعني سماع الغناء‪ .‬والحبرة أعم من هذا كله ‪ ،‬قال العجاج ‪:‬‬
‫شكَر (‪)2‬‬
‫الحمد (‪ )1‬ل الذي أعْطَى الحَبَرْ‪َ ...‬موَاِليَ ا ْلحَقّ إن ال َموْلى َ‬
‫ض وَعَشِيّا وَحِينَ‬
‫ت وَالرْ ِ‬
‫س َموَا ِ‬
‫حمْدُ فِي ال ّ‬
‫{ َفسُبْحَانَ اللّهِ حِينَ ُتمْسُونَ وَحِينَ ُتصْبِحُونَ (‪ )17‬وَلَهُ ا ْل َ‬
‫حيّ وَيُحْيِي ال ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا َوكَذَِلكَ‬
‫ت وَيُخْرِجُ ا ْلمَ ّيتَ مِنَ ا ْل َ‬
‫حيّ مِنَ ا ْلمَ ّي ِ‬
‫ظهِرُونَ (‪ )18‬يُخْرِجُ الْ َ‬
‫تُ ْ‬
‫تُخْ َرجُونَ (‪.} )19‬‬
‫هذا تسبيح منه تعالى لنفسه المقدسة ‪ ،‬وإرشاد لعباده إلى تسبيحه وتحميده ‪ ،‬في هذه الوقات‬
‫المتعاقبة الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه ‪ :‬عند المساء ‪ ،‬وهو إقبال الليل بظلمه ‪ ،‬وعند‬
‫الصباح ‪ ،‬وهو إسفار النهار عن ضيائه‪.‬‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ }‬
‫ح ْمدُ فِي ال ّ‬
‫ثم اعترض بحمده ‪ ،‬مناسبة للتسبيح وهو التحميد ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَلَهُ الْ َ‬
‫أي ‪ :‬هو المحمود على ما خلق في السموات والرض‪.‬‬
‫ظهِرُونَ } فالعشاء (‪ )3‬هو ‪ :‬شدة الظلم ‪ ،‬والظهار ‪ :‬قوة الضياء‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَعَشِيّا وَحِينَ ُت ْ‬
‫فسبحان خالق هذا وهذا ‪ ،‬فالق الصباح وجاعل الليل سكنا ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَال ّنهَارِ ِإذَا جَلهَا‪.‬‬
‫وَاللّ ْيلِ إِذَا َيغْشَاهَا } [الشمس ‪ ، ]4 ، 3 :‬وقال { وَاللّ ْيلِ إِذَا َيغْشَى‪ .‬وَال ّنهَارِ إِذَا تَجَلّى } [الليل ‪، 1 :‬‬
‫سجَى } [الضحى ‪ ، ]2 ، 1 :‬واليات في هذا كثيرة‪.‬‬
‫‪ ، ]2‬وقال ‪ { :‬وَالضّحَى‪ .‬وَاللّ ْيلِ ِإذَا َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن لَهيعة ‪ ،‬حدثنا زَبّان بن فائد ‪ ،‬عن سهل بن معاذ بن‬
‫جهَني ‪ ،‬عن أبيه (‪ )4‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أنه قال ‪" :‬أل أخبركم لم سمى‬
‫أنس ال ُ‬
‫ال إبراهيم خليله الذي وفى ؟ لنه كان يقول كلما أصبح وأمسى ‪ :‬سبحان ال حين تمسون وحين‬
‫تصبحون ‪ ،‬وله الحمد في السموات والرض وعشيا وحين تظهرون" (‪.)5‬‬
‫شعَيب الزدي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن صالح ‪ ،‬حدثني الليث بن‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا مطلب بن ُ‬
‫سعد ‪ ،‬عن سعيد بن بشير ‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني ‪ ،‬عن أبيه (‪ ، )6‬عن عبد ال‬
‫بن عباس ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من قال حين يصبح ‪ { :‬فَسُ ْبحَانَ اللّهِ حِينَ‬
‫ظهِرُونَ }‬
‫ت وَال ْرضِ وَعَشِيّا َوحِينَ تُ ْ‬
‫س َموَا ِ‬
‫حمْدُ فِي ال ّ‬
‫ن وَحِينَ ُتصْبِحُونَ‪ .‬وَلَهُ ا ْل َ‬
‫ُتمْسُو َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فالحمد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيت في تفسير الطبري (‪ )21/19‬ولسان العرب لبن منظور مادة "حبر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فالعشي"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده عن أنس الجهني"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)3/439‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى الطبراني بإسناده"‪.‬‬

‫( ‪)6/307‬‬

‫س ُكمْ‬
‫َومِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خََل َقكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ إِذَا أَنْ ُتمْ بَشَرٌ تَنْ َتشِرُونَ (‪َ )20‬ومِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خََلقَ َلكُمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫حمَةً إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَاتٍ ِلقَوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ (‪)21‬‬
‫ج َعلَ بَيْ َن ُكمْ َموَ ّد ًة وَرَ ْ‬
‫سكُنُوا ِإلَ ْيهَا وَ َ‬
‫أَ ْزوَاجًا لِ َت ْ‬

‫الية بكمالها ‪ ،‬أدرك ما فاته في يومه ‪ ،‬ومَنْ قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته"‪ .‬إسناد جيد‬
‫(‪ )1‬ورواه أبو داود في سننه (‪.)2‬‬
‫حيّ } هو ما نحن فيه من قدرته على خلق‬
‫ت وَيُخْرِجُ ا ْلمَ ّيتَ مِنَ ا ْل َ‬
‫حيّ مِنَ ا ْلمَ ّي ِ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬يخْرِجُ ا ْل َ‬
‫الشياء المتقابلة‪ .‬وهذه اليات المتتابعة الكريمة كلها من هذا النمط ‪ ،‬فإنه يذكر فيها خلقه الشياء‬
‫وأضدادها ‪ ،‬ليدل خلقه على كمال قدرته ‪ ،‬فمن ذلك إخراج النبات من الحب ‪ ،‬والحب من‬
‫النبات ‪ ،‬والبيض من الدجاج ‪ ،‬والدجاج من البيض ‪ ،‬والنسان من النطفة ‪ ،‬والنطفة من النسان ‪،‬‬
‫والمؤمن من الكافر ‪ ،‬والكافر من المؤمن‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيُحْيِي ال ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا } كقوله ‪ { :‬وآية لهم الرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها‬
‫حبا فمنه يأكلون‪ .‬وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون } [يس ‪، 33 :‬‬
‫ت وَرَ َبتْ وَأَنْبَ َتتْ مِنْ ُكلّ َزوْجٍ‬
‫‪ ، ]34‬وقال ‪ { :‬وَتَرَى ال ْرضَ هَامِ َدةً فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَ ْيهَا ا ْلمَاءَ اهْتَ ّز ْ‬
‫عةَ آتِ َي ٌة ل‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ‪ .‬وَأَنّ السّا َ‬
‫ق وَأَنّهُ يُحْيِي ا ْل َموْتَى وَأَنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫َبهِيجٍ‪ .‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلحَ ّ‬
‫سلُ الرّيَاحَ‬
‫رَ ْيبَ فِيهَا وَأَنّ اللّهَ يَ ْب َعثُ مَنْ فِي ا ْلقُبُورِ } [الحج ‪ ، ]7 - 5 :‬وقال ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يُرْ ِ‬
‫سقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَ ّيتٍ فَأَنزلْنَا ِبهِ ا ْلمَاءَ فََأخْرَجْنَا ِبهِ مِنْ‬
‫حمَ ِتهِ حَتّى إِذَا َأقَّلتْ سَحَابًا ِثقَال ُ‬
‫بُشْرًا بَيْنَ َي َديْ رَ ْ‬
‫ُكلّ ال ّثمَرَاتِ َكذَِلكَ نُخْرِجُ ا ْل َموْتَى َلعَّلكُمْ َت َذكّرُونَ } [العراف ‪ ]57 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪َ { :‬وكَذَِلكَ‬
‫تُخْ َرجُونَ }‪.‬‬
‫سكُمْ‬
‫{ َومِنْ آيَا ِتهِ أَنْ خََل َقكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ ِإذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (‪َ )20‬ومِنْ آيَا ِتهِ أَنْ خَلَقَ َل ُكمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫ك ليَاتٍ ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ (‪.} )21‬‬
‫حمَةً إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫ج َعلَ بَيْ َن ُكمْ َموَ ّد ًة وَرَ ْ‬
‫سكُنُوا ِإلَ ْيهَا وَ َ‬
‫أَ ْزوَاجًا لِ َت ْ‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬ومِنْ آيَاتِهِ } الدالة على عظمته وكمال قدرته أنه خلق أباكم آدم من تراب ‪ُ { ،‬ثمّ‬
‫صوّر فكان علقة ‪ ،‬ثم‬
‫إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ } ‪ ،‬فأصلكم من تراب ‪ ،‬ثم من ماء مهين ‪ ،‬ثم َت َ‬
‫مضغة ‪ ،‬ثم صار عظاما ‪ ،‬شكله على شكل النسان ‪ ،‬ثم كسا ال تلك العظام لحما ‪ ،‬ثم نفخ فيه‬
‫الروح ‪ ،‬فإذا هو سميع بصير‪ .‬ثم خرج من بطن أمه صغيرا ضعيف القوى والحركة ‪ ،‬ثم كلما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طال عمره تكاملت قواه وحركاته حتى آل به الحال إلى أن صار يبني المدائن والحصون ‪،‬‬
‫ويسافر في أقطار القاليم ‪ ،‬ويركب متن البحور ‪ ،‬ويدور أقطارَ الرض ويتكسب ويجمع‬
‫الموال ‪ ،‬وله فكرة وغور ‪ ،‬ودهاء ومكر ‪ ،‬ورأي وعلم ‪ ،‬واتساع في أمور الدنيا والخرة كل‬
‫بحسبه‪ .‬فسبحان مَنْ أقدرهم وسَيّرهم وسخرهم وصرفهم في فنون المعايش والمكاسب ‪ ،‬وفاوت‬
‫بينهم في العلوم والفكرة ‪ ،‬والحسن والقبح ‪ ،‬والغنى والفقر ‪ ،‬والسعادة والشقاوة ؛ ولهذا قال تعالى‬
‫‪َ { :‬ومِنْ آيَا ِتهِ أَنْ خََل َقكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ ِإذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إسناد ضعيف" وهو الصواب‪.‬‬
‫(‪ )2‬المعجم الكبير (‪ )12/239‬وسنن أبي داود برقم (‪.)5076‬‬

‫( ‪)6/308‬‬

‫ض وَاخْ ِتلَافُ أَ ْلسِنَ ِتكُ ْم وَأَ ْلوَا ِنكُمْ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَاتٍ لِ ْلعَاِلمِينَ (‪)22‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫َومِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ ال ّ‬
‫س َمعُونَ (‪)23‬‬
‫َومِنْ آَيَاتِهِ مَنَا ُمكُمْ بِاللّ ْيلِ وَال ّنهَا ِر وَابْ ِتغَا ُؤكُمْ مِنْ َفضْلِهِ إِنّ فِي َذِلكَ لَآَيَاتٍ ِلقَوْمٍ َي ْ‬

‫عوْف ‪ ،‬عن قسامة بن زهير (‪، )1‬‬


‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد وغُنْدَر ‪ ،‬قال حدثنا َ‬
‫عن أبي موسى قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال خلق آدم من قبضة قبضها من‬
‫جميع الرض ‪ ،‬فجاء بنو آدم على قدر الرض ‪ ،‬جاء منهم البيض والحمر والسود وبين‬
‫ذلك ‪ ،‬والخبيث والطيب ‪ ،‬والسهل والحزن ‪ ،‬وبين ذلك"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والترمذي من طرق ‪ ،‬عن عوف العرابي ‪ ،‬به (‪ .)2‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث‬
‫حسن صحيح‪.‬‬
‫سكُمْ أَ ْزوَاجًا } أي ‪ :‬خلق لكم من جنسكم إناثا َيكُنّ لكم‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِنْ آيَا ِتهِ أَنْ خَلَقَ َل ُكمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫ج َعلَ مِ ْنهَا‬
‫س وَاحِ َدةٍ وَ َ‬
‫سكُنُوا إِلَ ْيهَا } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬هوَ الّذِي خََل َقكُمْ مِنْ َنفْ ٍ‬
‫أزواجا ‪ { ،‬لِتَ ْ‬
‫سكُنَ إِلَ ْيهَا } [العراف ‪ ]189 :‬يعني بذلك ‪ :‬حواء ‪ ،‬خلقها ال من آدم من ضِلَعه‬
‫جهَا لِيَ ْ‬
‫َزوْ َ‬
‫القصر اليسر‪ .‬ولو أنه جعل بني آدم كلهم ذكورا وجعل إناثهم من جنس آخر [من غيرهم] (‪)3‬‬
‫إما من جان أو حيوان ‪ ،‬لما حصل هذا الئتلف بينهم وبين الزواج ‪ ،‬بل كانت تحصل َنفْرَة لو‬
‫كانت الزواج من غير الجنس‪ .‬ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم ‪،‬‬
‫وجعل بينهم وبينهن مودة ‪ :‬وهي المحبة ‪ ،‬ورحمة ‪ :‬وهي الرأفة ‪ ،‬فإن الرجل (‪ )4‬يمسك المرأة‬
‫إما لمحبته لها ‪ ،‬أو لرحمة بها ‪ ،‬بأن يكون لها منه ولد ‪ ،‬أو محتاجة إليه في النفاق ‪ ،‬أو لللفة‬
‫ك ليَاتٍ ِلقَوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ }‪.‬‬
‫بينهما ‪ ،‬وغير ذلك ‪ { ،‬إِنّ فِي ذَِل َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ت وَال ْرضِ وَاخْتِلفُ أَ ْلسِنَ ِتكُ ْم وَأَ ْلوَا ِنكُمْ إِنّ فِي َذِلكَ ليَاتٍ لِ ْلعَاِلمِينَ (‪)22‬‬
‫س َموَا ِ‬
‫{ َومِنْ آيَا ِتهِ خَ ْلقُ ال ّ‬
‫س َمعُونَ (‪.} )23‬‬
‫َومِنْ آيَاتِهِ مَنَا ُمكُمْ بِاللّ ْيلِ وَال ّنهَا ِر وَابْ ِتغَا ُؤكُمْ مِنْ َفضْلِهِ إِنّ فِي َذِلكَ ليَاتٍ ِل َقوْمٍ يَ ْ‬
‫ت وَالرْضِ } أي ‪ :‬خلق السموات في‬
‫س َموَا ِ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ومن آيات قدرته العظيمة { خَ ْلقِ ال ّ‬
‫ارتفاعها واتساعها ‪ ،‬وشفوف أجرامها وزهارة كواكبها ونجومها الثوابت والسيارات ‪ ،‬والرض‬
‫في انخفاضها وكثافتها وما فيها من جبال وأودية ‪ ،‬وبحار وقفار ‪ ،‬وحيوان وأشجار‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاخْتِلفُ أَ ْلسِنَ ِتكُمْ } يعني ‪ :‬اللغات ‪ ،‬فهؤلء بلغة العرب ‪ ،‬وهؤلء تَتَرٌ لهم لغة أخرى ‪،‬‬
‫وهؤلء كَرَج ‪ ،‬وهؤلء روم ‪ ،‬وهؤلء إفرنج ‪ ،‬وهؤلء بَرْبر ‪ ،‬وهؤلء تكْرور ‪ ،‬وهؤلء حبشة ‪،‬‬
‫وهؤلء هنود ‪ ،‬وهؤلء عجم ‪ ،‬وهؤلء صقالبة ‪ ،‬وهؤلء خزر ‪ ،‬وهؤلء أرمن ‪ ،‬وهؤلء أكراد ‪،‬‬
‫إلى غير ذلك مما ل يعلمه إل ال من اختلف لغات بني آدم ‪ ،‬واختلف ألوانهم وهي حُلهم ‪،‬‬
‫فجميع أهل الرض ‪ -‬بل أهل الدنيا ‪ -‬منذ خلق ال آدم إلى قيام الساعة ‪ :‬كل له عينان‬
‫وحاجبان ‪ ،‬وأنف وجبين ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )4/400‬وسنن أبي داود برقم (‪ )3693‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2955‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فالرجل"‪.‬‬

‫( ‪)6/309‬‬

‫سمَاءِ مَاءً فَ ُيحْيِي بِهِ الْأَ ْرضَ َبعْدَ َموْتِهَا إِنّ فِي‬
‫ط َمعًا وَيُنَ ّزلُ مِنَ ال ّ‬
‫خ ْوفًا وَ َ‬
‫َومِنْ آَيَاتِهِ يُرِي ُكمُ الْبَرْقَ َ‬
‫ذَِلكَ لَآَيَاتٍ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‪)24‬‬

‫وفم وخدان‪ .‬وليس يشبه واحد منهم الخر ‪ ،‬بل ل بد أن يفارقه بشيء من السمت أو الهيئة أو‬
‫الكلم ‪ ،‬ظاهرا كان أو خفيا ‪ ،‬يظهر عند التأمل ‪ ،‬كل وجه منهم أسلوب بذاته وهيئة ل تشبه‬
‫الخرى‪ .‬ولو توافق جماعة في صفة من جمال أو قبح (‪ ، )1‬ل بد من فارق بين كل واحد منهم‬
‫ل وَال ّنهَا ِر وَابْ ِتغَا ُؤكُمْ مِنْ َفضْلِهِ }‬
‫وبين الخر ‪ { ،‬إنّ فِي ذَلِك ليات للعَالَمين َومِنْ آيَاتِهِ مَنَا ُمكُمْ بِاللّ ْي ِ‬
‫أي ‪ :‬ومن اليات ما جعل لكم من صفة النوم في الليل والنهار ‪ ،‬فيه تحصل الراحة وسكون‬
‫الحركة ‪ ،‬وذهاب الكلل والتعب ‪ ،‬وجعل لكم النتشار والسعي في السباب والسفار في النهار ‪،‬‬
‫س َمعُونَ } أي ‪ :‬يعون‪.‬‬
‫ك ليَاتٍ ِلقَوْمٍ َي ْ‬
‫وهذا ضد النوم ‪ { ،‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫قال الطبراني ‪ :‬حدثنا حجاج بن عمران السدوسي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن الحصين العقيلي ‪ ،‬حدثنا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫محمد بن عبد ال بن عُلثة ‪ ،‬حدثني ثور بن يزيد ‪ ،‬عن خالد بن َمعْدان ‪ ،‬سمعت عبد الملك بن‬
‫مروان يحدث عن أبيه (‪ ، )2‬عن زيد بن ثابت ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أصابني أرق من الليل ‪،‬‬
‫فشكوت ذلك إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬قل ‪ :‬اللهم غارت النجوم ‪ ،‬وهدأت‬
‫العيون ‪ ،‬وأنت حي قيوم ‪ ،‬يا حي يا قيوم ‪[ ،‬أنم عيني و] (‪ )3‬أهدئ ليلي" فقلتها فذهب عني (‪.)4‬‬
‫سمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي ِبهِ ال ْرضَ َب ْعدَ َموْ ِتهَا إِنّ فِي‬
‫ط َمعًا وَيُنزلُ مِنَ ال ّ‬
‫خ ْوفًا َو َ‬
‫{ َومِنْ آيَا ِتهِ يُرِيكُمُ الْبَ ْرقَ َ‬
‫ك ليَاتٍ ِلقَوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‪} )24‬‬
‫ذَِل َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬قبيح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى الطبراني بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬ومعجم الطبراني‪.‬‬
‫(‪ )4‬المعجم الكبير (‪ )5/124‬ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة برقم (‪ )745‬وابن عدي في‬
‫الكامل (‪ )5/150‬من طريق عمرو بن الحصين به ‪ ،‬وقال ابن عدي ‪" :‬تفرد به عمرو بن الحصين‬
‫وهو مظلم الحديث ‪ ،‬ويروي عن قوم معروفين"‪ .‬وله شاهد من حديث أنس ‪ ،‬حسنه الحافظ ابن‬
‫حجر كما في الفتوحات الربانية لبن علن (‪.)3/177‬‬

‫( ‪)6/310‬‬

‫ع َوةً مِنَ الْأَ ْرضِ ِإذَا أَنْتُمْ تَخْ ُرجُونَ (‪)25‬‬


‫سمَا ُء وَالْأَ ْرضُ بَِأمْ ِرهِ ثُمّ ِإذَا دَعَاكُمْ دَ ْ‬
‫َومِنْ آَيَاتِهِ أَنْ َتقُومَ ال ّ‬

‫ع َوةً مِنَ ال ْرضِ إِذَا أَنْتُمْ َتخْرُجُونَ (‬


‫سمَا ُء وَالرْضُ بَِأمْ ِرهِ ثُمّ إِذَا دَعَاكُمْ دَ ْ‬
‫{ َومِنْ آيَا ِتهِ أَنْ َتقُومَ ال ّ‬
‫‪.} )25‬‬
‫ط َمعًا } أي ‪)1( ] :‬‬
‫خ ْوفًا وَ َ‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬ومِنْ آيَاتِهِ } الدالة على عظمته أنه { يُرِي ُكمُ الْبَرْقَ [ َ‬
‫تارة تخافون مما يحدث بعده من أمطار مزعجة ‪ ،‬أو صواعق متلفة ‪ ،‬وتارة ترجون َومِيضَه وما‬
‫سمَاءِ مَاءً فَ ُيحْيِي ِبهِ ال ْرضَ َب ْعدَ‬
‫يأتي بعده من المطر المحتاج إليه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَيُنزلُ مِنَ ال ّ‬
‫َموْ ِتهَا } أي ‪ :‬بعدما كانت هامدة ل نبات فيها ول شيء ‪ ،‬فلما جاءها الماء { اهْتَ ّزتْ وَرَ َبتْ‬
‫وَأَنْبَ َتتْ مِنْ ُكلّ َزوْجٍ َبهِيجٍ } [الحج ‪ .]5 :‬وفي ذلك عبرة ودَللَة واضحة على المعاد وقيام الساعة‬
‫ك ليَاتٍ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ }‪.‬‬
‫؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫سمَاءَ أَنْ َتقَعَ عَلَى‬
‫سكُ ال ّ‬
‫سمَا ُء وَال ْرضُ بَِأمْ ِرهِ } كقوله ‪ { :‬وَ ُيمْ ِ‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ َتقُومَ ال ّ‬
‫ت وَالرْضَ أَنْ تَزُول } [فاطر‬
‫س َموَا ِ‬
‫سكُ ال ّ‬
‫ال ْرضِ إِل بِِإذْنِهِ } [الحج ‪ ، ]65 :‬وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ُيمْ ِ‬
‫‪ .]41 :‬وكان عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬إذا اجتهد في اليمين يقول ‪ :‬ل والذي تقوم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫السماء والرض بأمره ‪ ،‬أي ‪ :‬هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها ‪ ،‬ثم إذا كان يوم القيامة‬
‫بُدلت الرض‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)6/310‬‬

‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ ُكلّ لَهُ قَانِتُونَ (‪ )26‬وَ ُهوَ الّذِي يَبْدَأُ ا ْلخَ ْلقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ وَ ُهوَ َأ ْهوَنُ عَلَيْهِ‬
‫وَلَهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫حكِيمُ (‪)27‬‬
‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫وَلَهُ ا ْلمَ َثلُ الْأَعْلَى فِي ال ّ‬

‫غير الرض والسموات ‪ ،‬وخرجت الموات من قبورها أحياء بأمره تعالى ودعائه إياهم ؛ ولهذا‬
‫ع َوةً مِنَ ال ْرضِ ِإذَا أَنْتُمْ َتخْرُجُونَ } كما قال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ يَدْعُوكُمْ‬
‫قال ‪ُ { :‬ثمّ إِذَا دَعَاكُمْ دَ ْ‬
‫حمْ ِد ِه وَتَظُنّونَ إِنْ لَبِثْ ُتمْ إِل قَلِيل } [السراء ‪.]52 :‬‬
‫فَتَسْتَجِيبُونَ ِب َ‬
‫ح َدةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسّاهِ َرةِ } [النازعات ‪ ، ]14 ، 13 :‬وقال ‪ { :‬إِنْ‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬فَإِ ّنمَا ِهيَ َزجْ َر ٌة وَا ِ‬
‫حضَرُونَ } [يس ‪.]53 :‬‬
‫جمِيعٌ لَدَيْنَا مُ ْ‬
‫ح َدةً فَإِذَا هُمْ َ‬
‫ح ًة وَا ِ‬
‫كَا َنتْ إِل صَيْ َ‬
‫ت وَال ْرضِ ُكلّ لَهُ قَانِتُونَ (‪ )26‬وَ ُهوَ الّذِي يَبْدَأُ ا ْلخَ ْلقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ وَ ُهوَ َأ ْهوَنُ‬
‫س َموَا ِ‬
‫{ وَلَهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫حكِيمُ (‪.} )27‬‬
‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫س َموَاتِ وَال ْر ِ‬
‫عَلَيْ ِه وَلَهُ ا ْلمَ َثلُ العْلَى فِي ال ّ‬
‫ت وَالرْضِ } أي ‪ :‬ملكه وعبيده ‪ُ { ،‬كلّ لَهُ قَانِتُونَ } أي ‪:‬‬
‫س َموَا ِ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وَلَهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫خاضعون خاشعون طوعًا وكرهًا‪.‬‬
‫وفي حديث دَرّاج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬مرفوعا ‪ " :‬كل حَرْف في (‪ )1‬القرآن يُذكَرُ‬
‫فيه القنوت فهو الطاعة" (‪.)2‬‬
‫علَيْهِ } قال [علي] (‪ )3‬بن أبي طلحة عن ابن‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يَبْدَأُ ا ْلخَلْقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ وَ ُهوَ َأ ْهوَنُ َ‬
‫عباس ‪ :‬يعني ‪ :‬أيسر عليه‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬العادة أهون عليه من ال َبدَاءة ‪ ،‬والبداءة عليه هَيْنٌ‪ .‬وكذا قال عكرمة وغيره‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬أخبرنا شعيب ‪ ،‬أخبرنا أبو الزّنَاد ‪ ،‬عن العرج ‪ )4( ،‬عن‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬قال ال ‪ :‬كَذبَني ابن آدم ولم‬
‫يكن له ذلك ‪ ،‬وشتمني ولم يكن له ذلك ‪ ،‬فأما تكذيبه إياي فقوله ‪ :‬لن يعيدني كما بدأني ‪ ،‬وليس‬
‫أول الخلق بأهونَ عليّ من إعادته‪ .‬وأما شتمه إياي فقوله ‪ :‬اتخذ ال ولدا ‪ ،‬وأنا الحد الصمد ‪،‬‬
‫الذي لم يلد ولم يولد ‪ ،‬ولم يكن له كفوًا أحد" (‪.)5‬‬
‫انفرد بإخراجه البخاري كما انفرد بروايته ‪ -‬أيضا ‪ -‬من حديث عبد الرزاق عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫همام ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬به (‪ .)6‬وقد رواه المام أحمد منفردا به عن حسن بن موسى ‪ ،‬عن ابن‬
‫لهِيعة ‪ ،‬حدثنا أبو يونس سليم بن جُبَيْر ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم بنحوه ‪،‬‬
‫أو مثله (‪.)7‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬كلهما بالنسبة إلى القدرة على السواء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه المام أحمد في مسنده (‪ ، )3/75‬وتقدم الحديث عند تفسير الية ‪ 116 :‬من سورة‬
‫البقرة‪ .‬قال الحافظ ابن كثير ‪" :‬ولكن هذا السناد ضعيف ل يعتمد عليه ‪ ،‬ورفع هذا الحديث منكر‬
‫وقد يكون من كلم الصحابي ‪ ،‬أو مَنْ دونه ‪ ،‬وال أعلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وقال البخاري بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)4974‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)4975‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)2/350‬‬

‫( ‪)6/311‬‬

‫سوَاءٌ‬
‫سكُمْ َهلْ َل ُكمْ مِنْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُن ُكمْ مِنْ شُ َركَاءَ فِي مَا رَ َزقْنَاكُمْ فَأَنْ ُتمْ فِيهِ َ‬
‫ضَ َربَ َل ُكمْ مَثَلًا مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫صلُ الْآَيَاتِ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‪َ )28‬بلِ اتّبَعَ الّذِينَ ظََلمُوا أَ ْهوَاءَ ُهمْ‬
‫سكُمْ كَذَِلكَ ُن َف ّ‬
‫تَخَافُو َنهُمْ َكخِيفَتِكُمْ أَ ْنفُ َ‬
‫ضلّ اللّ ُه َومَا َلهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (‪)29‬‬
‫ِبغَيْرِ عِلْمٍ َفمَنْ َي ْهدِي مَنْ َأ َ‬

‫قال ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كل عليه هين‪ .‬وكذا قال الربيع بن خُثَيْم‪ .‬ومال إليه ابن جرير ‪،‬‬
‫وذكر عليه شواهد كثيرة ‪ ،‬قال ‪ :‬ويحتمل أن يعود الضمير في قوله ‪ { :‬وَ ُهوَ أَ ْهوَنُ عَلَيْهِ } إلى‬
‫الخلق ‪ ،‬أي ‪ :‬وهو أهون على الخلق‪.‬‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ } قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَهُ ا ْلمَ َثلُ العْلَى فِي ال ّ‬
‫شيْءٌ } [الشورى ‪.]11 :‬‬
‫كقوله ‪ { :‬لَيْسَ َكمِثْلِهِ َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬مَثَله أنه ل إله إل هو ‪ ،‬ول رب غيره ‪ ،‬وقال مثل هذا ابن جرير‪.‬‬
‫وقد أنشد بعض ال ُمفَسرين عند ذكر هذه الية لبعض أهل المعارف ‪:‬‬
‫صفَاء‪ ...‬وَجُنبَ أنْ يُحَ ّر َكهُ النّسيمُ‪...‬‬
‫سكَن الغَديرُ على َ‬
‫إذَا َ‬
‫شمْسُ تَبْدو وَالنّجُومُ‪...‬‬
‫سمَاء بَل امْترَاء‪َ ...‬كذَاكَ ال ّ‬
‫ترى فيه ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صفْوها الُ العَظيمُ‪...‬‬
‫كَذاكَ قُلُوبُ أرْبَاب التّجَلّي‪ ...‬يُرَى في َ‬
‫{ وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ } الذي (‪ )1‬ل يغالب ول يمانع ‪ ،‬بل قد غلب كل شيء ‪ ،‬وقهر كل شيء بقدرته‬
‫حكِيمُ } في أفعاله وأقواله ‪ ،‬شَرْعًا وقَدَرا‪.‬‬
‫وسلطانه ‪ { ،‬الْ َ‬
‫وعن مالك في تفسيره المروي عنه ‪ ،‬عن محمد بن الم ْنكَدِر ‪ ،‬في قوله تعالى ‪ { :‬وَلَهُ ا ْلمَ َثلُ‬
‫العْلَى } ‪ ،‬قال ‪ :‬ل إله إل ال‪.‬‬
‫سكُمْ َهلْ َلكُمْ مِنْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ مِنْ شُ َركَاءَ فِي مَا رَ َزقْنَا ُكمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ‬
‫{ ضَ َربَ َلكُمْ مَثَل مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫صلُ اليَاتِ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‪َ )28‬بلِ اتّبَعَ الّذِينَ ظََلمُوا‬
‫سكُمْ َكذَِلكَ ُنفَ ّ‬
‫سوَاءٌ َتخَافُو َنهُمْ كَخِيفَ ِتكُمْ أَ ْنفُ َ‬
‫َ‬
‫ضلّ اللّ ُه َومَا َلهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (‪} )29‬‬
‫أَ ْهوَاءَ ُهمْ ِبغَيْرِ عِلْمٍ َفمَنْ َيهْدِي مَنْ َأ َ‬
‫هذا مثل ضربه ال تعالى للمشركين به ‪ ،‬العابدين معه غيره ‪ ،‬الجاعلين له شركاء وهم مع ذلك‬
‫معترفون أن شركاءه من الصنام والنداد عبيد له ‪ ،‬ملك له ‪ ،‬كما كانوا في تلبيتهم يقولون ‪ :‬لبيك‬
‫سكُمْ }‬
‫ل شريك لك ‪ ،‬إل شريكا هو لك ‪ ،‬تملكه وما ملك‪ .‬فقال تعالى ‪ { :‬ضَ َربَ َل ُكمْ مَثَل مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫أي ‪ :‬تشهدونه وتفهمونه من أنفسكم ‪َ { ،‬هلْ َلكُمْ مِنْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ مِنْ شُ َركَاءَ فِي مَا رَ َزقْنَا ُكمْ‬
‫سوَاءٌ } أي ‪ :‬ل يرتضي أحد منكم أن يكون عبده شريكًا له في ماله ‪ ،‬فهو وهو فيه على‬
‫فَأَنْتُمْ فِيهِ َ‬
‫سكُمْ } أي ‪ :‬تخافون أن يقاسموكم الموال‪.‬‬
‫السواء { َتخَافُونَهُمْ كَخِيفَ ِتكُمْ أَ ْنفُ َ‬
‫قال أبو ِمجْلَز ‪ :‬إن مملوكك ل تخاف أن يقاسمك مالك ‪ ،‬وليس له ذاك (‪ ، )2‬كذلك ال ل شريك‬
‫له‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ذلك"‪.‬‬

‫( ‪)6/312‬‬

‫خلْقِ اللّهِ ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّ ُم وََلكِنّ‬


‫ج َهكَ لِلدّينِ حَنِيفًا فِطْ َرةَ اللّهِ الّتِي َفطَرَ النّاسَ عَلَ ْيهَا لَا تَبْدِيلَ لِ َ‬
‫فََأقِ ْم وَ ْ‬
‫َأكْثَرَ النّاسِ لَا َيعَْلمُونَ (‪ )30‬مُنِيبِينَ إِلَ ْي ِه وَا ّتقُو ُه وََأقِيمُوا الصّلَاةَ وَلَا َتكُونُوا مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ (‪ )31‬مِنَ‬
‫الّذِينَ فَ ّرقُوا دِي َنهُ ْم َوكَانُوا شِ َيعًا ُكلّ حِ ْزبٍ ِبمَا لَدَ ْي ِهمْ فَرِحُونَ (‪)32‬‬

‫والمعنى ‪ :‬أن أحدكم يأنف من ذلك ‪ ،‬فكيف تجعلون ل النداد من خلقه‪ .‬وهذا كقوله تعالى ‪:‬‬
‫جعَلُونَ لِلّهِ مَا َيكْرَهُونَ } [النحل ‪ ]62 :‬أي ‪ :‬من البنات ‪ ،‬حيث جعلوا الملئكة الذين هم عباد‬
‫{ وَيَ ْ‬
‫الرحمن إناثا ‪ ،‬وجعلوها بنات ال ‪ ،‬وقد كان أحدهم إذا بُشر بالنثى ظل وجهه مسودا وهو‬
‫كظيم ‪ ،‬يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ‪ ،‬أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ‪ ،‬فهم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يأنفون من البنات‪ .‬وجعلوا الملئكة بنات ال ‪ ،‬فنسبوا إليه ما ل يرتضونه لنفسهم ‪ ،‬فهذا أغلظ‬
‫الكفر‪ .‬وهكذا في هذا المقام جعلوا له شركاء من عبيده وخلقه ‪ ،‬وأحدهم يأبى غاية الباء ويأنف‬
‫غاية النفة من ذلك ‪ ،‬أن يكون عبدهُ شريكَه في ماله ‪ ،‬يساويه فيه‪ .‬ولو شاء لقاسمه عليه ‪ ،‬تعالى‬
‫ال عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬
‫قال الطبراني ‪ :‬حدثنا محمود بن الفرج الصبهاني ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ‪ ،‬حدثنا‬
‫حماد بن شعيب ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬عن سعيد بن جبير (‪ ، )1‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان‬
‫يلبي أهل الشرك ‪ :‬لبيك اللهم [لبيك] (‪ ، )2‬لبيك ل شريك لك ‪ ،‬إل شريكا هو لك ‪ ،‬تملكه وما‬
‫سوَاءٌ‬
‫ملك‪ .‬فأنزل ال ‪َ { :‬هلْ َلكُمْ مِنْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ مِنْ شُ َركَاءَ فِي مَا رَ َزقْنَاكُمْ فَأَنْ ُتمْ فِيهِ َ‬
‫سكُمْ } (‪.)3‬‬
‫تَخَافُو َنهُمْ َكخِيفَتِكُمْ أَ ْنفُ َ‬
‫ولما كان التنبيه بهذا المثل على براءته تعالى ونزاهته بطريق الولى والحرى ‪ ،‬قال ‪ { :‬كَذَِلكَ‬
‫صلُ اليَاتِ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ }‪.‬‬
‫ُنفَ ّ‬
‫س َفهًا من أنفسهم وجهل { َبلِ اتّبَعَ الّذِينَ ظََلمُوا }‬
‫ثم قال تعالى مبينا أن المشركين إنما عبدوا غيره َ‬
‫ضلّ اللّهُ }‬
‫أي ‪ :‬المشركون { أَ ْهوَاءَ ُهمْ } أي ‪ :‬في عبادتهم النداد بغير علم ‪َ { ،‬فمَنْ َيهْدِي مَنْ َأ َ‬
‫[أي ‪ :‬فل أحد يهديهم إذا كتب ال إضللهم] (‪َ { ، )4‬ومَا َلهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } أي ‪ :‬ليس لهم من‬
‫قدرة ال منقذ ول مجير ‪ ،‬ول محيد لهم عنه ؛ لنه ما شاء كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫ج َهكَ لِلدّينِ حَنِيفًا فِطْ َرةَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَ ْيهَا ل تَبْدِيلَ ِلخَلْقِ اللّهِ َذِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّمُ وََلكِنّ‬
‫{ فََأ ِق ْم وَ ْ‬
‫َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ (‪ )30‬مُنِيبِينَ إِلَيْ ِه وَا ّتقُوهُ وََأقِيمُوا الصّل َة وَل َتكُونُوا مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ (‪ )31‬مِنَ‬
‫الّذِينَ فَ ّرقُوا دِي َنهُ ْم َوكَانُوا شِ َيعًا ُكلّ حِ ْزبٍ ِبمَا لَدَ ْي ِهمْ فَرِحُونَ (‪} )32‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬فسدد وجهك واستمر على الذي شرعه ال لك ‪ ،‬من الحنيفية ملة إبراهيم ‪ ،‬الذي‬
‫هداك ال لها ‪ ،‬وكملها لك غاية الكمال ‪ ،‬وأنت مع ذلك لزم فطرتك السليمة ‪ ،‬التي فطر ال‬
‫الخلق عليها ‪ ،‬فإنه تعالى فطر خلقه على [معرفته وتوحيده ‪ ،‬وأنه ل إله غيره ‪ ،‬كما تقدم عند‬
‫ستُ بِرَ ّبكُمْ قَالُوا بَلَى } [العراف ‪ ، ]172 :‬وفي الحديث ‪:‬‬
‫سهِمْ أَلَ ْ‬
‫ش َهدَهُمْ عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫قوله تعالى ‪ { :‬وَأَ ْ‬
‫"إني خلقت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬روى الطبراني بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬المعجم الكبير (‪ ، )12/20‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )3/223‬وفيه حماد بن شعيب وهو‬
‫ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/313‬‬

‫عبادي حُنَفاء ‪ ،‬فاجتالتهم الشياطين عن دينهم"‪ .‬وسنذكر في الحاديث أن ال تعالى فطر خلقه‬
‫على] (‪ )1‬السلم ‪ ،‬ثم طرأ على بعضهم الديان الفاسدة كاليهودية أو النصرانية أو المجوسية (‬
‫‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل تَبْدِيلَ ِلخَلْقِ اللّهِ } قال بعضهم ‪ :‬معناه ل تبدلوا خلق ال ‪ ،‬فتغيروا الناس عن فطرتهم‬
‫التي فطرهم ال عليها‪ .‬فيكون خبرا بمعنى الطلب ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َدخَلَهُ كَانَ آمِنًا } [آل‬
‫عمران ‪ ، ]97 :‬وهذا معنى حسن صحيح‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬هو خبر على بابه ‪ ،‬ومعناه ‪ :‬أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على‬
‫الجبلة المستقيمة ‪ ،‬ل يولد أحد إل على ذلك ‪ ،‬ول تفاوت بين الناس في ذلك ؛ ولهذا قال ابن‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وابن‬
‫عباس ‪ ،‬وإبراهيم النّخَعي ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫زيد (‪ )3‬في قوله ‪ { :‬ل تَبْدِيلَ ِلخَلْقِ اللّهِ } أي ‪ :‬لدين ال‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬قوله ‪ { :‬ل تَ ْبدِيلَ لِخَ ْلقِ اللّهِ } ‪ :‬لدين ال ‪ ،‬خَلْقُ الولين ‪[ :‬دين الولين] ‪)4( ،‬‬
‫والدين والفطرة ‪ :‬السلم‪.‬‬
‫حدثنا عبدان ‪ ،‬أخبرنا عبد ال ‪ ،‬أخبرنا يونس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن‬
‫(‪ )5‬أن أبا هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما من مولود يولد إل على الفطرة‬
‫جمْعاء ‪ ،‬هل تحسون فيها من‬
‫‪ ،‬فأبواه ُي َهوّدَانه أو يُ َنصّرانه أو ُيمَجسانه ‪ ،‬كما تَنْتِج البهيمة بهيمة َ‬
‫جدعاء" ؟ ثم يقول ‪ِ { :‬فطْ َرةَ اللّهِ الّتِي َفطَرَ النّاسَ عَلَ ْيهَا ل تَ ْبدِيلَ لِخَ ْلقِ اللّهِ ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّمُ }‪.‬‬
‫ورواه مسلم من حديث عبد ال بن وهب ‪ ،‬عن يونس بن يزيد اليْلي ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫وأخرجاه ‪ -‬أيضا ‪ -‬من حديث عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم (‪.)7‬‬
‫وفي معنى هذا الحديث قد وردت أحاديث عن جماعة من الصحابة ‪ ،‬فمنهم السودُ بن سَرِيع‬
‫التميمي‪ .‬قال (‪ )8‬المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا إسماعيل ‪ ،‬حدثنا يونس ‪ ،‬عن الحسن (‪ )9‬عن السود بن سَرِيع [التميمي] (‪ )10‬قال ‪ :‬أتيت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وغزوت معه ‪ ،‬فأصبت ظهرا (‪ ، )11‬فقتل الناس يومئذ ‪ ،‬حتى‬
‫قتلوا الولدان‪ .‬فبلغ ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬ما بال أقوام جاوزهم القتل اليوم‬
‫حتى قتلوا الذرية ؟"‪ .‬فقال رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أما هم أبناء المشركين ؟ فقال ‪" :‬أل إنما خياركم‬
‫أبناء المشركين"‪ .‬ثم قال ‪" :‬ل تقتلوا ذرية ‪ ،‬ل تقتلوا ذرية"‪ .‬وقال ‪" :‬كل نسمة تولد على الفطرة ‪،‬‬
‫حتى يُعرب عنها لسانها ‪ ،‬فأبواها يهودانها أو ينصرانها"‪.‬‬
‫__________‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬والنصرانية والمجوسية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وسعيد بن حبير وغيرهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ثم روى بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )4775‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2658‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )6599‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2658‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬فروى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ظفرا"‪.‬‬

‫( ‪)6/314‬‬

‫ورواه النسائي في كتاب السير ‪ ،‬عن زياد بن أيوب ‪ ،‬عن هُشَيْم ‪ ،‬عن يونس ‪ -‬وهو ابن عبيد ‪-‬‬
‫عن الحسن البصري ‪ ،‬به (‪.)2( )1‬‬
‫ومنهم جابر بن عبد ال النصاري ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا هاشم ‪ ،‬حدثنا أبو جعفر ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن جابر عن عبد ال قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كل مولود يولد على الفطرة ‪ ،‬حتى يُعرب عنه لسانه ‪ ،‬فإذا‬
‫عبر (‪ )3‬عنه لسانه إما شاكرًا وإما كفورا" (‪.)4‬‬
‫ومنهم عبد ال بن عباس الهاشمي ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫عوَانة ‪ ،‬حدثنا أبو بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير (‪ ، )5‬عن ابن عباس ‪،‬‬
‫حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫رضي ال عنهما ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سُئل عن أولد المشركين ‪ ،‬فقال ‪" :‬ال‬
‫أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث أبي بشر جعفر بن إياس‬
‫شكُرِي ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس مرفوعا بذلك (‪.)6‬‬
‫اليَ ْ‬
‫وقد قال (‪ )7‬أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ -‬يعني ابن سلمة ‪ -‬أنبأنا عمار بن أبي‬
‫عمار ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬أتى عليّ زمان وأنا أقول ‪ :‬أولد المسلمين مع أولد المسلمين ‪،‬‬
‫وأولد المشركين مع المشركين‪ .‬حتى حدثني فلن عن (‪ )8‬فلن ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم سئل (‪ )9‬عنهم فقال ‪" :‬ال أعلم بما كانوا عاملين"‪ .‬قال ‪ :‬فلقيت الرجل فأخبرني‪ .‬فأمسكت‬
‫عن قولي (‪.)10‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ومنهم عياض بن حِمار المجاشعي ‪ ،‬قال (‪ )11‬المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا هشام ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪ ،‬عن مُطَرّف ‪ ،‬عن عياض بن حمار أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته ‪" :‬إن ربي ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أمرني أن‬
‫أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا ‪ ،‬كل مال نحلته عبادي حلل ‪ ،‬وإني خلقت عبادي‬
‫حنفاء كلهم ‪ ،‬وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم ‪ ،‬وحرمت عليهم ما أحللت لهم ‪ ،‬وأمرتهم‬
‫أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ‪ ،‬ثم إن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬نظر إلى أهل الرض فمقتهم ‪،‬‬
‫عربهم وعجمهم ‪ ،‬إل بقايا من أهل الكتاب ‪ ،‬وقال ‪ :‬إنما بعثتك لبتليك وأبتلي بك ‪ ،‬وأنزلت عليك‬
‫كتابا ل يغسله الماء ‪ ،‬تقرؤه نائما ويقظان‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى أيضا بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )3/435‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)8616‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬عرب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )3/353‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )7/218‬وفيه أبو جعفر الرازي وهو ثقة وفيه‬
‫خلف ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى أيضا بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )1/328‬وصحيح البخاري برقم (‪ )1383‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2660‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه سئل"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )5/73‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )7/218‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬

‫( ‪)6/315‬‬

‫ثم إن ال أمرني أن أحرق قريشا ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رب إذًا يَ ْثَلغُوا رأسي فيدعوه خبُ َزةً‪ .‬قال (‪: )1‬‬
‫استخرجهم كما استخرجوك ‪ ،‬واغزهم َنغْزُك ‪ ،‬وأنفق عليهم فسننفق عليك‪ .‬وابعث جيشا نبعث‬
‫خمسة مثله ‪ ،‬وقاتل ِبمَنْ أطاعك مَنْ عصاك"‪ .‬قال ‪" :‬وأهل الجنة ‪ :‬ثلثة ذو سلطان مُقسط‬
‫متصدق موفق ‪ ،‬ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم ‪ ،‬ورجل عفيف فقير متصدق‪.‬‬
‫وأهل النار خمسة ‪ :‬الضعيف الذي ل زَبْرَ له ‪ ،‬الذين هم فيكم تَ َبعًا ‪ ،‬ل يبتغون أهل ول مال‪.‬‬
‫والخائن الذي ل يخفى له طمع وإن دق إل خانه‪ .‬ورجل ل يصبح ول يمسي إل وهو يخادعك‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عن (‪ )2‬أهلك ومالك" وذكر البخيل ‪ ،‬أو الكذاب ‪ ،‬والشنظير ‪ :‬الفحاش (‪.)3‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم ‪ ،‬فرواه من طرق عن قتادة ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّمُ } أي ‪ :‬التمسك بالشريعة (‪ )5‬والفطرة السليمة هو الدين القويم‬
‫المستقيم ‪ { ،‬وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬فلهذا ل يعرفه أكثر الناس ‪ ،‬فهم عنه ناكبون ‪،‬‬
‫صتَ ِب ُمؤْمِنِينَ } [يوسف ‪ { ، ]103 :‬وَإِنْ ُتطِعْ َأكْثَرَ‬
‫س وََلوْ حَ َر ْ‬
‫كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا َأكْثَرُ النّا ِ‬
‫مَنْ فِي ال ْرضِ ُيضِلّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ } الية [النعام ‪.]116 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مُنِيبِينَ إِلَ ْيهِ } قال ابن زيد ‪ ،‬وابن جُرَيْج ‪ :‬أي راجعين إليه ‪ { ،‬وَا ّتقُوهُ } أي ‪ :‬خافوه‬
‫وراقبوه ‪ { ،‬وََأقِيمُوا الصّلةَ } وهي الطاعة العظيمة ‪ { ،‬وَل َتكُونُوا مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ } أي ‪ :‬بل من‬
‫الموحدين المخلصين له العبادة ‪ ،‬ل يريدون بها سواه‪.‬‬
‫حمَيد] (‪ ، )6‬حدثنا يحيى بن واضح ‪ ،‬حدثنا يونس بن أبي إسحاق ‪،‬‬
‫قال ابن جرير ‪[ :‬حدثنا ابن ُ‬
‫عن يزيد (‪ )7‬بن أبي مريم قال ‪ :‬مر عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬بمعاذ بن جبل فقال ‪ :‬ما قوام هذه‬
‫المة (‪ )8‬؟ قال معاذ ‪ :‬ثلث ‪ ،‬وهن [من] (‪ )9‬المنجيات ‪ :‬الخلص ‪ ،‬وهي الفطرة ‪ ،‬فطرة ال‬
‫التي فَطرَ الناس عليها ‪ ،‬والصلة وهي الملة ‪ ،‬والطاعة وهي العصمة‪ .‬فقال عمر ‪ :‬صدقت‪.‬‬
‫حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُلَيّةَ ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪ ،‬عن أبي قِلبة ‪ :‬أن عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال‬
‫لمعاذ ‪ :‬ما قوام هذا المر ؟ فذكره نحوه (‪.)10‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مِنَ الّذِينَ فَ ّرقُوا دِي َنهُمْ َوكَانُوا شِ َيعًا ُكلّ حِ ْزبٍ ِبمَا َلدَ ْيهِمْ فَ ِرحُونَ } أي ‪ :‬ل تكونوا من‬
‫المشركين الذين قد فرقوا دينهم أي ‪ :‬بدلوه وغيروه وآمنوا ببعض وكفروا ببعض‪.‬‬
‫وقرأ بعضهم ‪" :‬فارقوا دينهم" أي ‪ :‬تركوه وراء ظهورهم ‪ ،‬وهؤلء كاليهود والنصارى والمجوس‬
‫وعَبَدة الوثان ‪ ،‬وسائر أهل الديان الباطلة ‪ ،‬مما عدا أهل السلم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ‬
‫شيْءٍ إِ ّنمَا َأمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ُثمّ يُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا كَانُوا َي ْفعَلُونَ }‬
‫ستَ مِ ْنهُمْ فِي َ‬
‫فَ ّرقُوا دِي َنهُ ْم َوكَانُوا شِ َيعًا لَ ْ‬
‫[النعام ‪ ، ]159 :‬فأهل الديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء وملَل باطلة ‪ ،‬وكل فرقة منهم‬
‫تزعم أنهم على شيء ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الفاحش"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )4/162‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2865‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬المتمسك بالشرعة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬زيد"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪.)21/26‬‬

‫( ‪)6/316‬‬

‫وهذه المة (‪ )1‬أيضًا اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضللة (‪ )2‬إل واحدة ‪ ،‬وهم أهل السنة‬
‫والجماعة ‪ ،‬المتمسكون بكتاب ال وسنة رسول ال (‪ )3‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وبما كان عليه‬
‫الصدر الول من الصحابة والتابعين ‪ ،‬وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه ‪ ،‬كما رواه الحاكم‬
‫في مستدركه أنه سئل ‪ ،‬عليه السلم (‪ )4‬عن الفرقة الناجية منهم ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما أنا عليه [اليوم] (‪)5‬‬
‫وأصحابي" (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ضالة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬رسوله"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ‪ :‬أ ‪ ،‬والمستدرك‪.‬‬
‫(‪ )6‬المستدرك (‪ ، )129 ، 1/128‬وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف ص (‪" : )63‬إسناده‬
‫حسن"‪.‬‬

‫( ‪)6/317‬‬

‫حمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ بِرَ ّبهِمْ يُشْ ِركُونَ‬


‫عوْا رَ ّبهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ُثمّ إِذَا أَذَا َقهُمْ مِ ْنهُ رَ ْ‬
‫س ضُرّ دَ َ‬
‫وَإِذَا مَسّ النّا َ‬
‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ (‪َ )34‬أمْ أَنْزَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ سُ ْلطَانًا َف ُهوَ يَ َتكَلّمُ ِبمَا كَانُوا‬
‫(‪ )33‬لِ َي ْكفُرُوا ِبمَا آَتَيْنَاهُمْ فَ َتمَ ّتعُوا فَ َ‬
‫حمَةً فَرِحُوا ِبهَا وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ سَيّ َئةٌ ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِي ِهمْ إِذَا هُمْ‬
‫بِهِ ُيشْ ِركُونَ (‪ )35‬وَإِذَا أَ َذقْنَا النّاسَ رَ ْ‬
‫َيقْنَطُونَ (‪َ )36‬أوََلمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ ِلمَنْ يَشَا ُء وَ َيقْدِرُ إِنّ فِي َذِلكَ لَآَيَاتٍ ِلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‬
‫‪)37‬‬

‫حمَةً ِإذَا فَرِيقٌ مِ ْن ُهمْ بِرَ ّبهِمْ‬


‫عوْا رَ ّبهُمْ مُنِيبِينَ إِلَ ْيهِ ثُمّ ِإذَا َأذَا َقهُمْ مِنْهُ َر ْ‬
‫س ضُرّ دَ َ‬
‫{ وَإِذَا مَسّ النّا َ‬
‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ (‪َ )34‬أمْ أَنزلْنَا عَلَ ْي ِهمْ سُ ْلطَانًا َف ُهوَ يَ َتكَلّمُ‬
‫يُشْ ِركُونَ (‪ )33‬لِ َي ْكفُرُوا ِبمَا آتَيْنَاهُمْ فَ َتمَ ّتعُوا فَ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمَةً فَ ِرحُوا ِبهَا وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ سَيّئَةٌ ِبمَا َق ّد َمتْ أَ ْيدِيهِمْ‬
‫ِبمَا كَانُوا ِبهِ يُشْ ِركُونَ (‪ )35‬وَإِذَا َأ َذقْنَا النّاسَ َر ْ‬
‫إِذَا هُمْ َيقْنَطُونَ (‪َ )36‬أوََلمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ ِلمَنْ يَشَا ُء وَ َيقْدِرُ إِنّ فِي َذِلكَ ليَاتٍ ِل َقوْمٍ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ (‪.} )37‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن الناس إنهم في حال الضطرار يدعون ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وأنه إذا‬
‫أسبغ عليهم النعم ‪ ،‬إذا فريق منهم [أي] (‪ )1‬في حالة الختبار يشركون بال ‪ ،‬ويعبدون معه‬
‫غيره‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ َي ْكفُرُوا ِبمَا آتَيْنَا ُهمْ } ‪ ،‬هي لم العاقبة عند بعضهم ‪ ،‬ولم التعليل عند آخرين ‪ ،‬ولكنها‬
‫تعليل لتقييض ال لهم ذلك‪.‬‬
‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ } (‪ ، )2‬قال بعضهم ‪ :‬وال لو توعدني حارس دَرْب لخفت‬
‫ثم توعدهم بقوله ‪ { :‬فَ َ‬
‫منه ‪ ،‬فكيف والمتوعد هاهنا [هو] (‪ )3‬الذي يقول للشيء ‪ :‬كن ‪ ،‬فيكون‪.‬‬
‫ثم قال منكرًا على المشركين فيما اختلقوه من عبادة الوثان بل دليل ول حجة ول برهان‪ { .‬أَمْ‬
‫أَنزلْنَا عَلَ ْيهِمْ سُلْطَانًا } أي ‪ :‬حجة { َف ُهوَ يَ َتكَلّمُ } أي ‪ :‬ينطق { ِبمَا كَانُوا بِهِ ُيشْ ِركُونَ } ؟ وهذا‬
‫استفهام إنكار ‪ ،‬أي ‪ :‬لم يكن [لهم] (‪ )4‬شيء من ذلك‪.‬‬
‫حمَةً فَرِحُوا ِبهَا وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ سَيّئَةٌ ِبمَا َق ّد َمتْ أَ ْيدِيهِمْ ِإذَا ُهمْ َيقْنَطُونَ } ‪،‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَإِذَا َأ َذقْنَا النّاسَ َر ْ‬
‫عصَمه ال ووفقه ؛ فإن النسان إذا أصابته نعمة‬
‫هذا إنكار على النسان من حيث هو ‪ ،‬إل مَنْ َ‬
‫بَطر وقال ‪ { :‬ذَ َهبَ السّيّئَاتُ عَنّي إِنّهُ َلفَرِحٌ َفخُورٌ } [هود ‪ ، ]10 :‬أي ‪ :‬يفرح في نفسه ويفخر‬
‫على غيره ‪ ،‬وإذا أصابته شدة قَنط وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير بالكلية ؛ قال ال ‪ { :‬إِل‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ } [هود ‪ ، ]11 :‬أي ‪ :‬صبروا في الضراء ‪ ،‬وعملوا الصالحات‬
‫ن صَبَرُوا وَ َ‬
‫الّذِي َ‬
‫في الرخاء ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح ‪" :‬عجبا للمؤمن ‪ ،‬ل يقضي ال له قضاء إل كان خيرًا له ‪ ،‬إن‬
‫أصابته سراء شكر فكان‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يعلمون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/317‬‬

‫ن وَابْنَ السّبِيلِ ذَِلكَ خَيْرٌ لِلّذِينَ يُرِيدُونَ َوجْهَ اللّ ِه وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ‬
‫سكِي َ‬
‫حقّ ُه وَا ْلمِ ْ‬
‫فََآتِ ذَا ا ْلقُرْبَى َ‬
‫(‪َ )38‬ومَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْ ُبوَ فِي َأ ْموَالِ النّاسِ فَلَا يَرْبُو عِ ْندَ اللّهِ َومَا آَتَيْتُمْ مِنْ َزكَاةٍ تُرِيدُونَ َوجْهَ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ض ِعفُونَ (‪ )39‬اللّهُ الّذِي خََل َقكُمْ ثُمّ رَ َز َقكُمْ ثُمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ يُحْيِي ُكمْ َهلْ مِنْ شُ َركَا ِئكُمْ‬
‫اللّهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُم ْ‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪)40‬‬
‫شيْءٍ سُبْحَانَهُ وَ َتعَالَى َ‬
‫مَنْ َي ْفعَلُ مِنْ ذَِل ُكمْ مِنْ َ‬

‫خيرًا له ‪ ،‬وإن أصابته ضَرّاء (‪ )1‬صبر فكان خيرًا له" (‪.)2‬‬


‫وقوله تعالى ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ يَ ْبسُطُ الرّ ْزقَ ِلمَنْ يَشَا ُء وَ َيقْدِرُ } أي ‪ :‬هو المتصرف الفاعل‬
‫ك ليَاتٍ ِلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ }‪.‬‬
‫لذلك بحكمته وعدله ‪ ،‬فيوسع على قوم ويضيّق على آخرين ‪ { ،‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫جهَ اللّ ِه وَأُولَ ِئكَ ُهمُ‬
‫ن وَ ْ‬
‫سكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ ذَِلكَ خَيْرٌ لِلّذِينَ يُرِيدُو َ‬
‫حقّهُ وَا ْلمِ ْ‬
‫{ فَآتِ ذَا ا ْلقُرْبَى َ‬
‫ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪َ )38‬ومَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْ ُبوَ فِي َأ ْموَالِ النّاسِ فَل يَرْبُو عِنْدَ اللّ ِه َومَا آتَيْ ُتمْ مِنْ َزكَاةٍ‬
‫ضعِفُونَ (‪ )39‬اللّهُ الّذِي خََل َقكُمْ ثُمّ رَ َز َقكُمْ ثُمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ يُحْيِي ُكمْ َهلْ‬
‫ن وَجْهَ اللّهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُم ْ‬
‫تُرِيدُو َ‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ (‪} )40‬‬
‫شيْءٍ سُ ْبحَانَ ُه وَ َتعَالَى َ‬
‫مِنْ شُ َركَا ِئكُمْ مَنْ َي ْف َعلُ مِنْ ذَِلكُمْ مِنْ َ‬
‫سكِينَ } وهو ‪ :‬الذي‬
‫حقّهُ } أي ‪ :‬من البر والصلة ‪ { ،‬وَا ْلمِ ْ‬
‫يقول تعالى آمرًا بإعطاء ذي { ا ْلقُرْبَى َ‬
‫ل شيء له ينفق عليه ‪ ،‬أو له شيء ل يقوم بكفايته ‪ { ،‬وَابْنَ السّبِيلِ } وهو المسافر المحتاج إلى‬
‫نفقة وما يحتاج إليه في سفره ‪ { ،‬ذَِلكَ خَيْرٌ لِلّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ } أي ‪ :‬النظر إليه يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬وهو الغاية القصوى ‪ { ،‬وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } أي ‪ :‬في الدنيا وفي الخرة (‪.)3‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْ ُبوَ فِي َأ ْموَالِ النّاسِ فَل يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ } أي ‪ :‬من أعطى عطية‬
‫يريد أن يرد الناس عليه أكثر مما أهدى لهم ‪ ،‬فهذا ل ثواب له عند ال ‪ -‬بهذا فسره ابن عباس ‪،‬‬
‫ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬والشعبي ‪ -‬وهذا الصنيع مباح (‪)4‬‬
‫وإن كان ل ثواب فيه (‪ )5‬إل أنه قد نهى عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم خاصة ‪ ،‬قاله‬
‫الضحاك ‪ ،‬واستدل بقوله ‪ { :‬وَل َتمْنُنْ َتسْ َتكْثِرُ } [المدثر ‪ ]6 :‬أي ‪ :‬ل تعط العطاء تريد أكثر منه‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬الربا رباءان ‪ ،‬فربا ل يصح (‪ )6‬يعني ‪ :‬ربا البيع ؟ وربا ل بأس به ‪ ،‬وهو‬
‫هدية الرجل يريد فضلها (‪ )7‬وأضعافها‪ .‬ثم تل هذه الية ‪َ { :‬ومَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْ ُبوَ فِي َأ ْموَالِ‬
‫النّاسِ فَل يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ }‪.‬‬
‫جهَ اللّهِ فَأُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫ن وَ ْ‬
‫وإنما الثواب عند ال في الزكاة ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا آتَيْ ُتمْ مِنْ َزكَاةٍ تُرِيدُو َ‬
‫ضعِفُونَ } أي ‪ :‬الذين يضاعف ال لهم الثواب والجزاء ‪ ،‬كما [جاء] (‪ )8‬في الصحيح ‪" :‬وما‬
‫ا ْل ُم ْ‬
‫تصدق أحد ِبعَدْل تمرة من كسب طيب إل أخذها الرحمن بيمينه ‪ ،‬فَيُرَبّيها لصاحبها كما يُرَبّي‬
‫أحدكم فَُلوّه أو َفصِيلَه ‪ ،‬حتى تصير التمرة أعظم من أُحُد" (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الضراء"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪ )2999‬من حديث صهيب الرومي رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الخرى"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فسره ابن عباس وغيره"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬به"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ل يصلح"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬أفضلها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري برقم (‪.)1410‬‬

‫( ‪)6/318‬‬

‫جعُونَ (‪)41‬‬
‫عمِلُوا َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬
‫ظهَرَ ا ْلفَسَادُ فِي الْبَ ّر وَالْبَحْرِ ِبمَا كَسَ َبتْ أَ ْيدِي النّاسِ لِ ُيذِي َقهُمْ َب ْعضَ الّذِي َ‬
‫َ‬

‫وقوله ‪ { :‬اللّهُ الّذِي خََل َقكُمْ ثُمّ رَ َز َقكُمْ } أي ‪ :‬هو الخالق الرازق (‪ )1‬يخرج النسان من بطن أمه‬
‫عريانا ل علم له ول سمع ول بصر ول ُقوَى ‪ ،‬ثم يرزقه جميع ذلك بعد ذلك ‪ ،‬والرياش واللباس‬
‫والمال والملك والمكاسب ‪ ،‬كما قال (‪ )2‬المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن سلم أبي شرحبيل ‪ ،‬عن حَبّة وسواء ابني خالد قال‬
‫دخلنا على النبي صلى ال عليه وسلم وهو يصلح شيئا فأعَنّاه ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل تيأسا من الرزق ما‬
‫َتهَزّ َزتْ رؤوسكما ؛ فإن النسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشرة ‪ ،‬ثم يرزقه ال عز وجل" (‪.)3‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ ُيمِي ُتكُمْ } ‪ ،‬أي ‪ :‬بعد هذه الحياة { ُثمّ يُحْيِي ُكمْ } أي ‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬
‫شيْءٍ }‬
‫وقوله ‪َ { :‬هلْ مِنْ شُ َركَا ِئكُمْ } أي ‪ :‬الذين تعبدونهم من دون ال‪ { .‬مَنْ َيفْ َعلُ مِنْ ذَِلكُمْ مِنْ َ‬
‫أي ‪ :‬ل يقدر أحد منهم على فعل شيء من ذلك ‪ ،‬بل ال سبحانه وتعالى هو المستقل بالخلق‬
‫والرزق ‪ ،‬والحياء والماتة ‪ ،‬ثم يبعث الخلئق يوم القيامة ؛ ولهذا قال بعد هذا كله ‪ { :‬سُبْحَا َنهُ‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ } أي ‪ :‬تعالى وتقدس وتنزه وتعاظم وجل وعَزّ عن أن يكون له شريك أو‬
‫وَ َتعَالَى َ‬
‫نظير أو مساوٍ ‪ ،‬أو ولد أو والد ‪ ،‬بل هو الحد الفرد الصمد ‪ ،‬الذي لم يلد ولم يولد ‪ ،‬ولم يكن له‬
‫كفوًا أحد‪.‬‬
‫جعُونَ (‬
‫عمِلُوا َلعَّلهُمْ يَرْ ِ‬
‫ظهَرَ ا ْلفَسَادُ فِي الْبَ ّر وَالْ َبحْرِ ِبمَا كَسَ َبتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِي َقهُمْ َب ْعضَ الّذِي َ‬
‫{ َ‬
‫‪} )41‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الرزاق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬كما روى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)3/469‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/319‬‬

‫ُقلْ سِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَا ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ مِنْ قَ ْبلُ كَانَ َأكْثَرُ ُهمْ مُشْ ِركِينَ (‪)42‬‬

‫{ ُقلْ سِيرُوا فِي ال ْرضِ فَانْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ مِنْ قَ ْبلُ كَانَ َأكْثَ ُرهُمْ مُشْ ِركِينَ (‪.} )42‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬المراد بالبر هاهنا ‪ :‬الفَيَافي ‪،‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬و ِ‬
‫وبالبحر ‪ :‬المصار والقرى ‪ ،‬وفي رواية عن ابن عباس وعَكرمة ‪ :‬البحر ‪ :‬المصار والقرى ‪،‬‬
‫ما كان منها على جانب نهر‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل المراد بالبر هو البر المعروف ‪ ،‬وبالبحر ‪ :‬البحر المعروف‪.‬‬
‫ظهَرَ ا ْلفَسَادُ } يعني ‪ :‬انقطاع المطر عن البر يعقبه القحط ‪ ،‬وعن‬
‫وقال زيد (‪ )1‬بن ُرفَيْع ‪َ { :‬‬
‫البحر تعمى (‪ )2‬دوابه‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال بن يزيد المقري ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن حميد بن قيس العرج ‪ ،‬عن‬
‫ظهَرَ ا ْلفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ } ‪ ،‬قال ‪ :‬فساد البر ‪ :‬قتل ابن آدم ‪ ،‬وفساد (‪ )3‬البحر ‪:‬‬
‫مجاهد ‪َ { :‬‬
‫أخذ السفينة غصبا‪.‬‬
‫وقال عطاء الخراساني ‪ :‬المراد بالبر ‪ :‬ما فيه من المدائن والقرى ‪ ،‬وبالبحر ‪ :‬جزائره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ "يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يعني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وفي"‪.‬‬

‫( ‪)6/319‬‬

‫ج َهكَ لِلدّينِ ا ْلقَيّمِ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْمٌ لَا مَ َردّ لَهُ مِنَ اللّهِ َي ْومَئِذٍ َيصّدّعُونَ (‪ )43‬مَنْ َكفَرَ‬
‫فََأقِ ْم وَ ْ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ مِنْ‬
‫سهِمْ َي ْمهَدُونَ (‪ )44‬لِ َيجْ ِزيَ الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫ل صَالِحًا فَلِأَ ْنفُ ِ‬
‫ع ِم َ‬
‫َفعَلَيْهِ ُكفْ ُرهُ َومَنْ َ‬
‫حبّ ا ْلكَافِرِينَ (‪)45‬‬
‫َفضْلِهِ إِنّهُ لَا يُ ِ‬

‫والقول الول أظهر ‪ ،‬وعليه الكثر ‪ ،‬ويؤيده ما ذكره محمد بن إسحاق في السيرة ‪ :‬أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وسلم صَالَح ملك أيلة ‪ ،‬وكتب إليه ببحره ‪ ،‬يعني ‪ :‬ببلده‪.‬‬
‫ظهَرَ ا ْلفَسَادُ فِي الْبَ ّر وَالْ َبحْرِ ِبمَا كَسَ َبتْ أَيْدِي النّاسِ } أي ‪ :‬بان النقص في‬
‫ومعنى قوله تعالى ‪َ { :‬‬
‫(‪ )1‬الثمار والزروع بسبب المعاصي‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال أبو العالية ‪ :‬مَنْ عصى ال في الرض فقد أفسد في الرض ؛ لن صلح الرض والسماء‬
‫حدّ يقام في الرض أحبّ إلى أهلها من‬
‫بالطاعة ؛ ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود ‪" :‬لَ َ‬
‫أن يمطروا أربعين صباحا" (‪ .)2‬والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت ‪ ،‬انكف الناس ‪ -‬أو‬
‫أكثرهم ‪ ،‬أو كثير منهم ‪ -‬عن تعاطي المحرمات ‪ ،‬وإذا ارتكبت المعاصي كان سببا في محاق (‬
‫‪ )3‬البركات من السماء والرض ؛ ولهذا إذا نزل عيسى [ابن مريم] (‪ )4‬عليه السلم ‪ ،‬في آخر‬
‫الزمان فحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت ‪ ،‬من قتل الخنزير وكسر الصليب ووضع‬
‫الجزية ‪ ،‬وهو تركها ‪ -‬فل يقبل إل السلم أو السيف ‪ ،‬فإذا أهلك ال في زمانه الدجال وأتباعه‬
‫ويأجوج ومأجوج ‪ ،‬قيل للرض ‪ :‬أخرجي بركاتك‪ .‬فيأكل من الرمانة الفئَام من الناس ‪،‬‬
‫ويستظلون بقَحْفها ‪ ،‬ويكفي لبن اللّقحة الجماعةَ من الناس‪ .‬وما ذاك إل ببركة تنفيذ شريعة رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير ؛ [ولهذا] (‪ )5‬ثبت في الصحيح‬
‫‪" )6( :‬إنّ الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلد ‪ ،‬والشجر والدواب" (‪.)7‬‬
‫عوْف ‪ ،‬عن أبي قحذم قال (‪)8‬‬
‫ولهذا قال المام أحمد بن حنبل ‪ :‬حدثنا محمد والحسين قال حدثنا َ‬
‫حبّ ‪ ،‬يعني من بر أمثال النوى ‪ ،‬عليه‬
‫‪ :‬وجد رجل في زمان زياد ‪ -‬أو ‪ :‬ابن زياد ‪ -‬صرة فيها َ‬
‫مكتوب ‪ :‬هذا نبت في زمان كان يعمل فيه بالعدل (‪.)9‬‬
‫وروى مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ :‬أن المراد بالفساد هاهنا الشرك‪ .‬وفيه نظر‪.‬‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬يبتليهم بنقص الموال والنفس‬
‫عمِلُوا َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ ُيذِي َقهُمْ َب ْعضَ الّذِي َ‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬عن المعاصي ‪ ،‬كما‬
‫والثمرات ‪ ،‬اختبارا منه ‪ ،‬ومجازاة على صنيعهم ‪َ { ،‬لعَّل ُهمْ يَرْ ِ‬
‫جعُونَ } [العراف ‪.]168 :‬‬
‫ت وَالسّيّئَاتِ َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وَبََلوْنَاهُمْ بِا ْلحَسَنَا ِ‬
‫ثم قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ سِيرُوا فِي ال ْرضِ فَانْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬من قبلكم ‪،‬‬
‫{ كَانَ َأكْثَرُ ُهمْ مُشْ ِركِينَ } أي ‪ :‬فانظروا ماذا حلّ بهم من تكذيب الرسل وكفر النعم‪.‬‬
‫ج َهكَ لِلدّينِ ا ْلقَيّمِ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َي ْو ٌم ل مَ َردّ لَهُ مِنَ اللّهِ َي ْومَئِذٍ َيصّدّعُونَ (‪ )43‬مَنْ َكفَرَ‬
‫{ فََأ ِق ْم وَ ْ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ مِنْ‬
‫سهِمْ َي ْمهَدُونَ (‪ )44‬لِ َيجْ ِزيَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ل صَالِحًا فَل ْنفُ ِ‬
‫ع ِم َ‬
‫َفعَلَيْهِ ُكفْ ُرهُ َومَنْ َ‬
‫حبّ ا ْلكَافِرِينَ (‪.} )45‬‬
‫َفضْلِهِ إِنّهُ ل ُي ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد في المسند (‪ )2/362‬والنسائي في السنن (‪ )8/75‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬ولم يقع‬
‫لي في سنن أبي داود‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حصول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الصحيحين"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪.)6512‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى أنه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)2/296‬‬

‫( ‪)6/320‬‬

‫حمَتِ ِه وَلِتَجْ ِريَ ا ْلفُ ْلكُ بَِأمْ ِر ِه وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضِْلهِ‬
‫ت وَلِيُذِي َقكُمْ مِنْ َر ْ‬
‫سلَ الرّيَاحَ مُبَشّرَا ٍ‬
‫َومِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْ ِ‬
‫شكُرُونَ (‪ )46‬وََلقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ ُرسُلًا إِلَى َق ْو ِمهِمْ فَجَاءُو ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ فَانْ َت َقمْنَا مِنَ الّذِينَ‬
‫وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫حقّا عَلَيْنَا َنصْرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)47‬‬
‫أَجْ َرمُوا َوكَانَ َ‬

‫يقول تعالى آمرًا عباده بالمبادرة إلى الستقامة في طاعته ‪ ،‬والمبادرة إلى الخيرات ‪ { :‬فََأقِمْ‬
‫ج َهكَ لِلدّينِ ا ْلقَيّمِ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َي ْو ٌم ل مَ َردّ لَهُ مِنَ اللّهِ } أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬إذا أراد كونه فل‬
‫وَ ْ‬
‫رادّ له ‪َ { ،‬ي ْومَئِذٍ َيصّدّعُونَ } أي ‪ :‬يتفرقون ‪ ،‬ففريق في الجنة وفريق في السعير ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ‬
‫سهِمْ َي ْم َهدُونَ لِ َيجْ ِزيَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ل صَالِحًا فَل ْنفُ ِ‬
‫ع ِم َ‬
‫{ مَنْ َكفَرَ َفعَلَيْهِ ُكفْ ُرهُ َومَنْ َ‬
‫مِنْ َفضْلِهِ } أي ‪ :‬يجازيهم مجازاة الفضل ‪ :‬الحسنة بعشر أمثالها ‪ ،‬إلى سبعمائة ضعف ‪ ،‬إلى ما‬
‫حبّ ا ْلكَافِرِينَ } ‪ ،‬ومع هذا هو العادل فيهم ‪ ،‬الذي ل يجور‪.‬‬
‫يشاء ال ‪ { ،‬إِنّهُ ل يُ ِ‬
‫حمَتِهِ وَلِتَجْ ِريَ ا ْلفُ ْلكُ بَِأمْ ِرهِ وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ‬
‫ت وَلِيُذِي َقكُمْ مِنْ رَ ْ‬
‫سلَ الرّيَاحَ مُبَشّرَا ٍ‬
‫{ َومِنْ آيَا ِتهِ أَنْ يُرْ ِ‬
‫شكُرُونَ (‪ )46‬وََلقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ ُرسُل إِلَى َق ْومِهِمْ َفجَاءُو ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ فَانْ َتقَمْنَا مِنَ‬
‫َفضْلِ ِه وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫حقّا عَلَيْنَا َنصْرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪.} )47‬‬
‫الّذِينَ أَجْ َرمُوا َوكَانَ َ‬
‫يذكر تعالى نعَمه على خلقه ‪ ،‬في إرساله الرياح مبشرات بين يدي رحمته ‪ ،‬بمجيء الغيث (‪)1‬‬
‫حمَتِهِ } أي ‪ :‬المطر الذي ينزله فيحيي به العباد والبلد ‪،‬‬
‫عقيبها ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَلِيُذِي َقكُمْ مِنْ َر ْ‬
‫{ وَلِ َتجْ ِريَ ا ْلفُ ْلكُ بَِأمْ ِرهِ } أي ‪ :‬في البحر ‪ ،‬وإنما سيرها بالريح ‪ { ،‬وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضِْلهِ } أي ‪ :‬في‬
‫شكُرُونَ } أي ‪:‬‬
‫التجارات والمعايش ‪ ،‬والسير من إقليم إلى إقليم ‪ ،‬وقطر إلى قطر ‪ { ،‬وََلعَّلكُمْ َت ْ‬
‫تشكرون ال على ما أنعم به عليكم من النعم الظاهرة والباطنة ‪ ،‬التي ل تعد ول تحصى‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ ُرسُل إِلَى َقوْ ِمهِمْ َفجَاءُوهُمْ بِالْبَيّنَاتِ فَانْتَ َقمْنَا مِنَ الّذِينَ أَجْ َرمُوا }‬
‫هذه تسلية من ال لعبده ورسوله محمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ ، )2‬بأنه وإن كذبه كثير من‬
‫قومه ومن الناس ‪ ،‬فقد كُذّبت الرسل المتقدمون مع ما جاءوا أممهم به من الدلئل الواضحات ‪،‬‬
‫حقّا عَلَيْنَا َنصْرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } ‪،‬‬
‫ولكن ال انتقم ممن كذبهم وخالفهم ‪ ،‬وأنجى المؤمنين بهم ‪َ { ،‬وكَانَ َ‬
‫هو حقّ أوجبه على نفسه الكريمة ‪ ،‬تكرما وتفضل كقوله تعالى ‪ { :‬كَ َتبَ رَ ّبكُمْ عَلَى َنفْسِهِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ح َمةَ } [النعام ‪.]54 :‬‬
‫الرّ ْ‬
‫قال (‪ )3‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن نفيل ‪ ،‬حدثنا موسى بن أعين ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن‬
‫حوْشَب (‪ ، )4‬عن أم الدرداء ‪ ،‬عن أبي الدرداء قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫شهر بن َ‬
‫وسلم يقول ‪" :‬ما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬بمجيء المطر والغيث"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬بإسناده"‪.‬‬

‫( ‪)6/321‬‬

‫سفًا فَتَرَى ا ْلوَ ْدقَ‬


‫جعَلُهُ ِك َ‬
‫سمَاءِ كَ ْيفَ يَشَا ُء وَيَ ْ‬
‫طهُ فِي ال ّ‬
‫سلُ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُ ُ‬
‫اللّهُ الّذِي يُرْ ِ‬
‫يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا َأصَابَ بِهِ مَنْ َيشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ إِذَا هُمْ َيسْتَبْشِرُونَ (‪ )48‬وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلِ أَنْ‬
‫ح َمةِ اللّهِ كَ ْيفَ ُيحْيِي الْأَ ْرضَ َب ْعدَ َموْ ِتهَا إِنّ‬
‫يُنَ ّزلَ عَلَ ْيهِمْ مِنْ قَبْلِهِ َلمُبْلِسِينَ (‪ )49‬فَانْظُرْ ِإلَى آَثَارِ رَ ْ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ (‪)50‬‬
‫ذَِلكَ َل ُمحْيِي ا ْل َموْتَى وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬

‫من امرئ مسلم يَ ُردّ عن عرض أخيه ‪ ،‬إل كان حقا على ال أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة"‪.‬‬
‫حقّا عَلَيْنَا َنصْرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } (‪.)1‬‬
‫ثم تل هذه الية ‪َ { :‬وكَانَ َ‬
‫سفًا فَتَرَى ا ْلوَدْقَ‬
‫جعَلُهُ كِ َ‬
‫سمَاءِ كَ ْيفَ يَشَا ُء وَ َي ْ‬
‫سطُهُ فِي ال ّ‬
‫سلُ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْ ُ‬
‫{ اللّهُ الّذِي يُرْ ِ‬
‫يَخْرُجُ مِنْ خِللِهِ فَِإذَا َأصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ إِذَا ُهمْ يَسْتَ ْبشِرُونَ (‪ )48‬وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلِ أَنْ‬
‫ح َمةِ اللّهِ كَ ْيفَ ُيحْيِي ال ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا إِنّ‬
‫يُنزلَ عَلَ ْيهِمْ مِنْ قَبْلِهِ َلمُبْلِسِينَ (‪ )49‬فَانْظُرْ ِإلَى آثَارِ رَ ْ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ (‪} )50‬‬
‫ذَِلكَ َل ُمحْيِي ا ْل َموْتَى وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه أحمد في المسند (‪ )6/448‬من طريق إسماعيل ‪ ،‬وابن أبي الدنيا في الغيبة والنميمة‬
‫برقم (‪ )102‬من طريق جرير كلهما عن ليث ‪ -‬وهو ابن أبي سليم ‪ -‬به ولم يذكر الية‪.‬‬

‫( ‪)6/322‬‬

‫وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرََأ ْوهُ ُمصْفَرّا َلظَلّوا مِنْ َبعْ ِدهِ َي ْكفُرُونَ (‪)51‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صفَرّا لَظَلّوا مِنْ َبعْ ِدهِ َيكْفُرُونَ (‪.} )51‬‬
‫{ وَلَئِنْ أَ ْرسَلْنَا رِيحًا فَرََأ ْوهُ ُم ْ‬
‫سلُ الرّيَاحَ‬
‫يبين تعالى كيف يخلق السحاب التي (‪ )1‬ينزل منها الماء (‪ )2‬فقال ‪ { :‬اللّهُ الّذِي يُرْ ِ‬
‫سطُهُ فِي‬
‫سحَابًا } ‪ ،‬إما من البحر على ما ذكره غير واحد ‪ ،‬أو مما يشاء ال عز وجل‪ { .‬فَيَبْ ُ‬
‫فَتُثِيرُ َ‬
‫سمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ } أي ‪َ :‬يمُدّه فيكثّر ُه ويُ َنمّيه ‪ ،‬ويجعل من القليل كثيرا ‪ ،‬ينشئ سحابة فترى في‬
‫ال ّ‬
‫رأي العين مثل الترس ‪ ،‬ثم يبسطها حتى تمل أرجاء الفق‪ .‬وتارة يأتي السحاب من نحو البحر‬
‫حمَتِهِ حَتّى ِإذَا َأقَّلتْ‬
‫سلُ الرّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَ َديْ َر ْ‬
‫ثقال مملوءة ماء ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يُ ْر ِ‬
‫سقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَ ّيتٍ فَأَنزلْنَا ِبهِ ا ْلمَاءَ فََأخْرَجْنَا بِهِ مِنْ ُكلّ ال ّثمَرَاتِ كَذَِلكَ نُخْرِجُ ا ْل َموْتَى َلعَّلكُمْ‬
‫سحَابًا ِثقَال ُ‬
‫َ‬
‫طهُ‬
‫سحَابًا فَيَبْسُ ُ‬
‫سلُ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ َ‬
‫تَ َذكّرُونَ } [العراف ‪ ، ]57 :‬وكذلك قال هاهنا ‪ { :‬اللّهُ الّذِي يُرْ ِ‬
‫سفًا }‪ .‬قال مجاهد ‪ ،‬وأبو عمرو بن العلء ‪ ،‬ومطر الوَرّاق ‪،‬‬
‫جعَلُهُ كِ َ‬
‫سمَاءِ كَ ْيفَ يَشَاءُ وَيَ ْ‬
‫فِي ال ّ‬
‫وقتادة ‪ :‬يعني قطعا‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬متراكما ‪ ،‬قاله الضحاك‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬أسود من كثرة الماء ‪ ،‬تراه مدلهما ثقيل قريبا من الرض‪.‬‬
‫وقوله { فَتَرَى ا ْلوَ ْدقَ يَخْرُجُ مِنْ خِللِهِ } أي ‪ :‬فترى المطر ‪ -‬وهو القطر ‪ -‬يخرج من بين ذلك‬
‫السحاب ‪ { ،‬فَِإذَا َأصَابَ ِبهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ ِإذَا ُهمْ يَسْتَ ْبشِرُونَ } أي ‪ :‬لحاجتهم إليه يفرحون‬
‫بنزوله عليهم ووصوله إليهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يُنزلَ عَلَ ْيهِمْ مِنْ قَبِْلهِ َلمُبْلِسِينَ } ‪ ،‬معنى الكلم ‪ :‬أن هؤلء القوم‬
‫الذين أصابهم هذا المطر كانوا قَنطين أزلين من نزول المطر إليهم قبل ذلك ‪ ،‬فلما جاءهم ‪،‬‬
‫جاءهم على فاقة ‪ ،‬فوقع منهم موقعا عظيما‪.‬‬
‫وقد اختلف النحاة في قوله ‪ { :‬مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يُنزلَ عَلَ ْي ِهمْ مِنْ قَبْلِهِ َلمُبِْلسِينَ } ‪ ،‬فقال ابن جرير ‪ :‬هو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬المطر"‪.‬‬

‫( ‪)6/322‬‬

‫تأكيد‪ .‬وحكاه عن بعض أهل العربية‪.‬‬


‫وقال آخرون ‪[ :‬وإن كانوا] (‪ )1‬من قبل أن ينزل عليهم المطر ‪ { ،‬مِنْ قَبِْلهِ } أي ‪ :‬النزال‬
‫{ َلمُبِْلسِينَ }‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون ذلك من دللة التأسيس ‪ ،‬ويكون معنى الكلم ‪ :‬أنهم كانوا محتاجين إليه قبل‬
‫نزوله ‪ ،‬ومن قبله ‪ -‬أيضا ‪ -‬قد فات عندهم نزوله وقتا بعد وقت ‪ ،‬فترقبوه في إبانه فتأخر ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فمضت مدة فترقبوه فتأخر ‪ ،‬ثم جاءهم بغتة بعد الياس منه والقنوط ‪ ،‬فبعد ما كانت أرضهم‬
‫مقشعرة هامدة أصبحت وقد اهتزت وربت ‪ ،‬وأنبتت من كل زوج بهيج ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَانْظُرْ‬
‫حمَةِ اللّهِ } يعني ‪ :‬المطر { كَ ْيفَ يُحْيِي ال ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا }‪.‬‬
‫إِلَى آثَارِ َر ْ‬
‫ثم نبه بذلك على إحياء الجساد بعد موتها وتفرقها وتمزقها ‪ ،‬فقال ‪ { :‬إِنّ ذَِلكَ َلمُحْيِي ا ْل َموْتَى }‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ }‪.‬‬
‫أي ‪ :‬إن الذي فعل ذلك لقادر على إحياء الموات ‪ { ،‬إنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫صفَرّا لَظَلّوا مِنْ َب ْع ِدهِ َيكْفُرُونَ } ‪ ،‬يقول { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَلَئِنْ أَ ْرسَلْنَا رِيحًا فَرََأ ْوهُ ُم ْ‬
‫رِيحًا } يابسة على الزرع الذي زرعوه ‪ ،‬ونبت وشب واستوى على سوقه ‪ ،‬فرأوه مصفرا ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫قد اصفر وشرع في الفساد ‪ ،‬لظلوا من بعده ‪ ،‬أي ‪ :‬بعد هذا الحال يكفرون ‪ ،‬أي ‪ :‬يجحدون ما‬
‫تقدم [إليهم] (‪ )2‬من النعم ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬أفَرَأَيْتُمْ مَا َتحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ َنحْنُ الزّارِعُونَ‪َ .‬لوْ‬
‫جعَلْنَاهُ حُطَامًا َفظَلْتُمْ َت َف ّكهُونَ‪ .‬إِنّا َل ُمغْ َرمُونَ َبلْ نَحْنُ َمحْرُومُونَ } [الواقعة ‪.]67 - 63 :‬‬
‫نَشَاءُ لَ َ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ‪ ،‬حدثنا هُشَيْم (‪ ، )3‬عن َيعْلَى‬
‫بن عطاء ‪ ،‬عن أبيه (‪ )4‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬قال ‪ :‬الرياح ثمانية ‪ ،‬أربعة منها رحمة ‪،‬‬
‫وأربعة عذاب ‪ ،‬فأما الرحمة فالناشرات والمبشرات والمرسلت والذاريات‪ .‬وأما العذاب فالعقيم‬
‫والصرصر ‪ ،‬وهما في البر ‪ ،‬والعاصف والقاصف ‪ ،‬وهما في البحر [فإذا شاء سبحانه وتعالى‬
‫حركه بحركة الرحمة فجعله رخاء ورحمة وبشرى بين يدي رحْمته ‪ ،‬ولقحًا للسحاب تلقحه‬
‫بحمله الماء ‪ ،‬كما يلقح الذكر النثى بالحمل ‪ ،‬وإن شاء حركه بحركة العذاب فجعله عقيمًا ‪،‬‬
‫وأودعه عذابًا أليمًا ‪ ،‬وجعله نقمة على من يشاء من عباده ‪ ،‬فيجعله صرصرًا وعاتيًا ومفسدًا لما‬
‫يمر عليه ‪ ،‬والرياح مختلفة في مهابها ‪ :‬صبا ودبور ‪ ،‬وجنوب ‪ ،‬وشمال ‪ ،‬وفي منفعتها وتأثيرها‬
‫أعظم اختلف ‪ ،‬فريح لينة رطبة تغذي النبات وأبدان الحيوان ‪ ،‬وأخرى تجففه ‪ ،‬وأخرى تهلكه‬
‫وتعطبه ‪ ،‬وأخرى تسيره وتصلبه ‪ ،‬وأخرى توهنه وتضعفه] (‪.)5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو (‪ )6‬عبُيَد ال ابن أخي ابن وهب ‪ ،‬حدثنا عمي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن‬
‫عَيْاش (‪ ، )7‬حدثني عبد ال بن سليمان ‪ ،‬عن دراج ‪ ،‬عن عيسى بن هلل الصدَفي ‪ ،‬عن عبد ال‬
‫بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الريح مسخرة من الثانية ‪ -‬يعني الرض‬
‫الثانية ‪ -‬فلما أراد ال أن يهلك عادًا ‪ ،‬أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحًا تهلك عادًا ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫يا رب ‪ ،‬أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور‪ .‬قال له الجبار تبارك وتعالى ‪ :‬ل إذًا تكفأ‬
‫الرض وما عليها ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬هاشم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬عباس"‪.‬‬

‫( ‪)6/323‬‬

‫سمِعُ الصّمّ الدّعَاءَ إِذَا وَّلوْا ُمدْبِرِينَ (‪َ )52‬ومَا أَ ْنتَ ِبهَادِي ا ْل ُع ْميِ عَنْ‬
‫سمِعُ ا ْل َموْتَى وَلَا تُ ْ‬
‫فَإِ ّنكَ لَا تُ ْ‬
‫سمِعُ إِلّا مَنْ ُي ْؤمِنُ بِآَيَاتِنَا َفهُمْ ُمسِْلمُونَ (‪)53‬‬
‫ضَلَالَ ِتهِمْ إِنْ ُت ْ‬

‫شيْءٍ أَ َتتْ عَلَ ْيهِ إِل‬


‫ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم" ‪ ،‬فهي التي قال ال في كتابه ‪ { :‬مَا َتذَرُ مِنْ َ‬
‫جعَلَتْهُ كَال ّرمِيمِ } (‪[ )1‬الذرايات ‪ .]42 :‬هذا حديث غريب ‪ ،‬ورفعه منكر‪ .‬والظهر أنه من كلم‬
‫َ‬
‫عبد ال بن عمرو ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫سمِعُ الصّمّ الدّعَاءَ إِذَا وَّلوْا مُدْبِرِينَ (‪َ )52‬ومَا أَ ْنتَ ِبهَادِي ا ْل ُع ْميِ عَنْ‬
‫سمِعُ ا ْل َموْتَى وَل ُت ْ‬
‫{ فَإِ ّنكَ ل تُ ْ‬
‫س ِمعُ إِل مَنْ ُي ْؤمِنُ بِآيَاتِنَا َف ُهمْ مُسِْلمُونَ (‪.} )53‬‬
‫ضَللَ ِتهِمْ إِنْ تُ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬كما أنك ليس في قدرتك أن تسمع الموات في أجداثها ‪ ،‬ول تبلغ (‪ )2‬كلمَك الصم‬
‫الذين ل يسمعون ‪ ،‬وهم مع ذلك ُمدْبِرُون عنك ‪ ،‬كذلك ل تقدر على هداية العميان عن الحق ‪،‬‬
‫وردهم عن ضللتهم ‪ ،‬بل ذلك إلى ال تعالى ‪ ،‬فإنه بقدرته يسمع الموات أصوات الحياء إذا‬
‫سمِعُ إِل‬
‫شاء ‪ ،‬ويهدي مَنْ يشاء ‪ ،‬ويضل مَنْ يشاء ‪ ،‬وليس ذلك لحد سواه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنْ تُ ْ‬
‫مَنْ ُي ْؤمِنُ بِآيَاتِنَا َفهُمْ مُسِْلمُونَ } أي ‪ :‬خاضعون مستجيبون مطيعون ‪ ،‬فأولئك هم الذين يستمعون (‬
‫‪ )3‬الحق ويتبعونه ‪ ،‬وهذا حال المؤمنين ‪ ،‬والول مَ َثلُ الكافرين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا يَسْ َتجِيبُ‬
‫جعُونَ } [النعام ‪.]36 :‬‬
‫س َمعُونَ وَا ْل َموْتَى يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ ُثمّ إِلَيْهِ يُرْ َ‬
‫الّذِينَ َي ْ‬
‫سمِعُ ا ْل َموْتَى } ‪ ،‬على‬
‫وقد استدلت أم المؤمنين عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬بهذه الية ‪ { :‬إِ ّنكَ ل تُ ْ‬
‫توهيم عبد ال بن عمر في روايته مخاطبة النبي صلى ال عليه وسلم القتلى الذين ألقوا في قَلِيب‬
‫بدر (‪ ، )4‬بعد ثلثة أيام ‪ ،‬ومعاتبته إياهم وتقريعه لهم ‪ ،‬حتى قال له عمر ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما‬
‫تخاطب من قوم قد جَيّفوا ؟ فقال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ‪ ،‬ولكن ل‬
‫يجيبون"‪ .‬وتأولته عائشة على أنه قال ‪" :‬إنهم الن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق" (‪.)5‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أحياهم ال له حتى سمعوا مقالته تقريعًا وتوبيخًا ونقمة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سيأتي تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 42 :‬من سورة الذاريات‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ول يبلغ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يسمعون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في روايته أن النبي صلى ال عليه وسلم خاطب القتلى الذين ألقوا في القليب ‪،‬‬
‫قليب بدر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬قال المام الزركشي رحمه ال في كتابه "الجابة ليراد ما استدركته عائشة على الصحابة"‬
‫ص (‪" : )121‬أخرج البخاري عن ابن عمر قال ‪ :‬وقف النبي صلى ال عليه وسلم على قليب بدر‬
‫فقال ‪" :‬هل وجدتم ما وعد ربكم حقا" ثم قال ‪" :‬إنهم الن يسمعون ما أقول" ‪ ،‬فذكر لعائشة فقالت‬
‫‪ :‬إنما قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنهم ليعلمون الن أن ما كنت أقول لهم حق"‪ .‬قال السهيلي‬
‫في الروض ‪" :‬وعائشة لم تحضر ‪ ،‬وغيرها ممن حضر أحفظ للفظه صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫قالوا له ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أتخاطب قوما قد جيفوا أو أجيفوا ؟ فقال ‪" :‬ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"‬
‫‪ ،‬وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحال عالمين ‪ ،‬جاز أن يكونوا سامعين ‪ ،‬إما بآذان رؤوسهم ‪ ،‬إذا‬
‫قلنا ‪ :‬إن الروح تعاد إلى الجسد أو إلى بعضه عند المسألة‪ .‬وهو قول جمهور أهل السنة ‪ ،‬وإما‬
‫ن يقول بتوجه السؤال إلى الروح من غير رجوع إلى الجسد‬
‫بأذن القلب أو الروح على مذهب مَ ْ‬
‫أو إلى بعضه‪ .‬قال ‪ :‬وقد روي أن عائشة احتجت بقوله تعالى ‪( :‬وما أنت بمسمع من في القبور)‬
‫وهذه الية كقوله ‪( :‬أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي) أي ‪ :‬إن ال هو الذي يهدي ويوفق ويدخل‬
‫الموعظة إلى آذان القلوب ل أنت ‪ ،‬وجعل الكفار أمواتًا وصمًا على جهة التشبيه بالموات‬
‫وبالصم ‪ ،‬فال هو الذي يسمعهم على الحقيقة إذا شاء ‪ ،‬فل تعلق لها في الية لوجهين ‪ :‬أحدهما ‪:‬‬
‫أنها إنما نزلت في دعاء الكفار إلى اليمان ‪ ،‬الثاني ‪ :‬أنه إنما نفى عن نبيه أن يكون هو المسمع‬
‫لهم ‪ ،‬وصدق ال ‪ ،‬فإنه ل يسمعهم إذا شاء إل هو"‪.‬‬

‫( ‪)6/324‬‬

‫والصحيح عند العلماء رواية ابن عمر ‪ ،‬لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة ‪ ،‬من‬
‫أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححًا [له] (‪ ، )1‬عن ابن عباس مرفوعًا ‪" :‬ما من أحد يمر‬
‫بقبر أخيه المسلم ‪ ،‬كان يعرفه في الدنيا ‪ ،‬فيسلم عليه ‪ ،‬إل رد ال عليه روحه ‪ ،‬حتى يرد عليه‬
‫السلم" (‪.)2‬‬
‫[وثبت عنه صلى ال عليه وسلم أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له ‪ ،‬إذا انصرفوا عنه ‪ ،‬وقد‬
‫شرع النبي صلى ال عليه وسلم لمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلم من‬
‫يخاطبونه فيقول المسلم ‪ :‬السلم عليكم دار قوم مؤمنين ‪ ،‬وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ‪ ،‬ولول‬
‫هذا الخطاب لكانوا بمنزلة خطاب المعدوم والجماد ‪ ،‬والسلف مجمعون على هذا ‪ ،‬وقد تواترت‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الثار عنهم بأن الميت يعرف بزيارة الحي له ويستبشر ‪ ،‬فروى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور‬
‫عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما من رجل يزور‬
‫قبر أخيه ويجلس عنده ‪ ،‬إل استأنس به ورد عليه حتى يقوم"‪.‬‬
‫وروي عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا مر رجل بقبر يعرفه فسلم عليه ‪ ،‬رد عليه‬
‫السلم‪.‬‬
‫جحْدَرِي قال ‪ :‬رأيت عاصمًا الجحدري‬
‫وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن رجل من آل عاصم ال َ‬
‫في منامي بعد موته بسنتين ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أليس قد متّ ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬قلت ‪ :‬فأين أنت ؟ قال ‪ :‬أنا ‪-‬‬
‫وال ‪ -‬في روضة من رياض الجنة ‪ ،‬أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى‬
‫بكر بن عبد ال المزني ‪ ،‬فنتلقى أخباركم‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أجسامكم أم أرواحكم ؟ قال ‪ :‬هيهات! قد‬
‫بليت الجسام ‪ ،‬وإنما تتلقى الرواح ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬فهل تعلمون بزيارتنا إياكم ؟ قال ‪ :‬نعلم بها‬
‫عشية الجمعة ويوم الجمعة كله ويوم السبت إلى طلوع الشمس ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬فكيف ذلك دون‬
‫اليام كلها ؟ قال ‪ :‬لفضل يوم الجمعة وعظمته‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وحدثنا محمد بن الحسين ‪ ،‬ثنا بكر بن محمد ‪ ،‬ثنا حسن القصاب قال ‪ :‬كنت أغدو مع محمد‬
‫بن واسع في كل غداة سبت حتى نأتي أهل الجبان ‪ ،‬فنقف على القبور فنسلم عليهم ‪ ،‬وندعو لهم‬
‫ثم ننصرف ‪ ،‬فقلت ذات يوم ‪ :‬لو صيرت هذا اليوم يوم الثنين ؟ قال ‪ :‬بلغني أن الموتى يعلمون‬
‫بزوارهم يوم الجمعة ويومًا قبلها ويومًا بعدها‪ .‬قال ‪ :‬ثنا محمد ‪ ،‬ثنا عبد العزيز بن أبان قال ‪ :‬ثنا‬
‫سفيان الثوري قال ‪ :‬بلغني عن الضحاك أنه قال ‪ :‬من زار قبرًا يوم السبت قبل طلوع الشمس‬
‫علم الميت بزيارته ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬وكيف ذلك ؟ قال ‪ :‬لمكان يوم الجمعة‪.‬‬
‫حدثنا خالد بن خِدَاش ‪ ،‬ثنا جعفر بن سليمان ‪ ،‬عن أبي التّيّاح يقول ‪ :‬كان مُطَرّف يغدو ‪ ،‬فإذا كان‬
‫يوم الجمعة أدلج‪ .‬قال ‪ :‬وسمعت أبا التياح يقول ‪ :‬بلغنا أنه كان ينزل بغوطة ‪ ،‬فأقبل ليلة حتى إذا‬
‫كان عند المقابر يقوم وهو على فرسه ‪ ،‬فرأى أهل القبور كل صاحب قبر جالسًا على قبره ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬هذا مطرف يأتي الجمعة ويصلون عندكم يوم الجمعة ؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬ونعلم ما يقول فيه‬
‫الطير‪ .‬قلت ‪ :‬وما يقولون ؟ قال ‪ :‬يقولون سلم عليكم ؛ حدثني محمد بن الحسن ‪ ،‬ثنا يحيى بن‬
‫أبي بكر ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الستذكار لبن عبد البر من طريق بشر بن بكير ‪ ،‬عن الوزاعي ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن عبيد‬
‫بن عمير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬مرفوعا‪ .‬ولفظه ‪" :‬ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في‬
‫الدنيا فسلم عليه إل عرفه ورد عليه السلم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/325‬‬

‫ثنا الفضل بن الموفق ابن خال سفيان بن عيينة قال ‪ :‬لما مات أبي جزعت عليه جزعًا شديدًا ‪،‬‬
‫فكنت آتي قبره في كل يوم ‪ ،‬ثم قصرت عن ذلك ما شاء ال ‪ ،‬ثم إني أتيته يومًا ‪ ،‬فبينا أنا جالس‬
‫عند القبر غلبتني عيناي فنمت ‪ ،‬فرأيت كأن قبر أبي قد انفرج ‪ ،‬وكأنه قاعد في قبره متوشح‬
‫أكفانه ‪ ،‬عليه سِحْنَة الموتى ‪ ،‬قال ‪ :‬فكأني بكيت لما رأيته‪ .‬قال ‪ :‬يا بني ‪ ،‬ما أبطأ بك عني ؟ قلت‬
‫‪ :‬وإنك لتعلم بمجيئي ؟ قال ‪ :‬ما جئت مرة إل علمتها ‪ ،‬وقد كنت تأتيني فأسر بك ويسر من حولي‬
‫بدعائك ‪ ،‬قال ‪ :‬فكنت آتيه بعد ذلك كثيرًا‪.‬‬
‫طفَاوي قال ‪ :‬وكانت أمه من‬
‫سوَيْد ال ّ‬
‫حدثني محمد ‪ ،‬حدثنا يحيى بن بَسْطام ‪ ،‬ثنا عثمان بن ُ‬
‫العابدات ‪ ،‬وكان يقال لها ‪ :‬راهبة ‪ ،‬قال ‪ :‬لما احتضرت رفعت رأسها إلى السماء فقالت ‪ :‬يا‬
‫ذخري وذخيرتي من عليه اعتمادي في حياتي وبعد موتي ‪ ،‬ل تخذلني عند الموت ول توحشني‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فماتت‪ .‬فكنت آتيها في كل جمعة فأدعو لها وأستغفر لها ولهل القبور ‪ ،‬فرأيتها ذات يوم‬
‫في منامي ‪ ،‬فقلت لها ‪ :‬يا أمي ‪ ،‬كيف أنت ؟ قالت ‪ :‬أي ‪ :‬بني ‪ ،‬إن للموت لكربة شديدة ‪ ،‬وإني‬
‫بحمد ال لفي برزخ محمود يفرش فيه الريحان ‪ ،‬ونتوسد السندس والستبرق إلى يوم النشور ‪،‬‬
‫فقلت لها ‪ :‬ألك حاجة ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬قلت ‪ :‬وما هي ؟ قالت ‪ :‬ل تدع ما كنت تصنع من زياراتنا‬
‫والدعاء لنا ‪ ،‬فإني لبشر بمجيئك يوم الجمعة إذا أقبلت من أهلك ‪ ،‬يقال لي ‪ :‬يا راهبة ‪ ،‬هذا ابنك‬
‫‪ ،‬قد أقبل ‪ ،‬فأسر ويسر بذلك مَنْ حولي من الموات‪.‬‬
‫حدثني محمد ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد العزيز بن سليمان ‪ ،‬حدثنا بشر بن منصور قال ‪ :‬لما كان‬
‫زمن الطاعون كان رجل يختلف إلى الجبان ‪ ،‬فيشهد الصلة على الجنائز ‪ ،‬فإذا أمسى وقف على‬
‫المقابر فقال ‪ :‬آنس ال وحشتكم ‪ ،‬ورحم غربتكم ‪ ،‬وتجاوز عن مسيئكم ‪ ،‬وقبل حسناتكم ‪ ،‬ل يزيد‬
‫على هؤلء الكلمات ‪ ،‬قال ‪ :‬فأمسيت ذات ليلة وانصرفت إلى أهلي ولم آت المقابر فأدعو كما‬
‫كنت أدعو ‪ ،‬قال ‪ :‬فبينا أنا نائم إذا بخلق قد جاءوني ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما أنتم وما حاجتكم ؟ قالوا ‪ :‬نحن‬
‫أهل المقابر ‪ ،‬قلت ‪ :‬ما حاجتكم ؟ قالوا ‪ :‬إنك عودتنا منك هدية عند انصرافك إلى أهلك ‪ ،‬قلت ‪:‬‬
‫وما هي ؟ قالوا ‪ :‬الدعوات التي كنت تدعو بها ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت فإني أعود لذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬فما تركتها‬
‫بعد‪.‬‬
‫وأبلغ من ذلك أن الميت يعلم بعمل الحي من أقاربه وإخوانه‪ .‬قال عبد ال بن المبارك ‪ :‬حدثني‬
‫ثور بن يزيد ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن أيوب قال ‪ :‬تعرض أعمال الحياء على الموتى ‪ ،‬فإذا رأوا‬
‫حسنًا فرحوا واستبشروا وإن رأوا سوءًا قالوا ‪ :‬اللهم راجع به‪.‬‬
‫وذكر ابن أبي الدنيا عن أحمد بن أبي الحواري قال ‪ :‬ثنا محمد أخي قال ‪ :‬دخل عباد بن عباد‬
‫على إبراهيم بن صالح وهو على فلسطين فقال ‪ :‬عظني ‪ ،‬قال ‪ :‬بِمَ أعظك ‪ ،‬أصلحك ال ؟ بلغني‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أن أعمال الحياء تعرض على أقاربهم من الموتى ‪ ،‬فانظر ما يعرض على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم من عملك ‪ ،‬فبكى إبراهيم حتى أخضل لحيته‪ .‬قال ابن أبي الدنيا ‪ :‬وحدثني محمد بن‬
‫سمِجَة‬
‫الحسين ‪ ،‬ثنا خالد بن عمرو الموي ‪ ،‬ثنا صدقة بن سليمان الجعفري قال ‪ :‬كانت لي شِرّة َ‬
‫‪ ،‬فمات أبي فتبت وندمت على ما فرطت ‪ ،‬ثم زللت أيما زلة ‪ ،‬فرأيت أبي في المنام ‪ ،‬فقال ‪ :‬أي‬
‫بني ‪ ،‬ما كان أشد فرحي بك‬

‫( ‪)6/326‬‬

‫ضعْفًا وَشَيْبَةً يَخُْلقُ مَا‬


‫ج َعلَ مِنْ َبعْدِ ُق ّو ٍة َ‬
‫ض ْعفٍ ُق ّوةً ثُمّ َ‬
‫ج َعلَ مِنْ َبعْ ِد َ‬
‫ضعْفٍ ثُمّ َ‬
‫اللّهُ الّذِي خََلقَكُمْ مِنْ َ‬
‫يَشَاءُ وَ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ ا ْلقَدِيرُ (‪)54‬‬

‫وأعمالك تعرض علينا ‪ ،‬فنشبهها بأعمال الصالحين ‪ ،‬فلما كانت هذه المرة استحييت لذلك حياء‬
‫شديدًا ‪ ،‬فل تخزني فِيمَنْ حولي من الموات ‪ ،‬قال ‪ :‬فكنت أسمعه بعد ذلك يقول في دعائه في‬
‫السحر ‪ ،‬وكان جارًا لي بالكوفة ‪ :‬أسألك إيابة ل رجعة فيها ول حور ‪ ،‬يا مصلح الصالحين ‪ ،‬ويا‬
‫هادي المضلين ‪ ،‬ويا أرحم الراحمين‪.‬‬
‫وهذا باب فيه آثار كثيرة عن الصحابة‪ .‬وكان بعض النصار من أقارب عبد ال بن رواحة يقول‬
‫‪ :‬اللهم إني أعوذ بك من عمل أخزى به عند عبد ال بن رواحة ‪ ،‬كان يقول ذلك بعد أن استشهد‬
‫عبد ال‪.‬‬
‫وقد شرع السلم على الموتى ‪ ،‬والسلم على مَنْ لم يشعر ول يعلم بالمسلم محال ‪ ،‬وقد علم النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أمته إذا رأوا القبور أن يقولوا ‪" :‬سلم عليكم أهل الديار من المؤمنين ‪ ،‬وإنا‬
‫إن شاء ال بكم لحقون ‪ ،‬يرحم ال المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ‪ ،‬نسأل ال لنا ولكم‬
‫العافية" ‪ ،‬فهذا السلم والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويرد ‪ ،‬وإن لم يسمع‬
‫المسلم الرد ‪ ،‬وال أعلم] (‪.)1‬‬
‫ض ْعفًا وَشَيْبَةً َيخْلُقُ‬
‫ج َعلَ مِنْ َب ْعدِ ُق ّوةٍ َ‬
‫ضعْفٍ ُق ّوةً ثُمّ َ‬
‫ج َعلَ مِنْ َبعْدِ َ‬
‫ض ْعفٍ ُثمّ َ‬
‫ن َ‬
‫{ اللّهُ الّذِي خََل َقكُمْ مِ ْ‬
‫مَا يَشَاءُ وَ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ ا ْلقَدِيرُ (‪.} )54‬‬
‫ينبه تعالى على تنقل النسان في أطوار الخلق حال بعد حال ‪ ،‬فأصله من تراب ‪ ،‬ثم من نطفة ‪،‬‬
‫ثم من علقة ‪ ،‬ثم من مضغة ‪ ،‬ثم يصير عظاما ثم يُكسَى لحما ‪ ،‬ويُنفَخ فيه الروح ‪ ،‬ثم يخرج من‬
‫حدَثا ‪ ،‬ثم‬
‫بطن أمه ضعيفا نحيفًا واهن القوى‪ .‬ثم يشب قليل قليل حتى يكون صغيرًا ‪ ،‬ثم َ‬
‫مراهقًا ‪ ،‬ثم شابا‪ .‬وهو القوة بعد الضعف ‪ ،‬ثم يشرع في النقص فيكتهل (‪ ، )2‬ثم يشيخ ثم يهرم ‪،‬‬
‫وهو الضعف بعد القوة‪ .‬فتضعف الهمة والحركة والبطش ‪ ،‬وتشيب الّلمّة ‪ ،‬وتتغير الصفات‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ض ْعفًا وَشَيْ َبةً يَخُْلقُ مَا يَشَاءُ } أي ‪ :‬يفعل ما‬
‫ج َعلَ مِنْ َبعْدِ ُق ّو ٍة َ‬
‫الظاهرة والباطنة ؛ ولهذا قال ‪ُ { :‬ثمّ َ‬
‫يشاء ويتصرف في عبيده بما يريد ‪ { ،‬وَ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ ا ْلقَدِيرُ }‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن فضيل ويزيد ‪ ،‬حدثنا فضيل بن مرزوق (‪ ، )3‬عن عطية‬
‫ض ْعفٍ ُق ّوةً‬
‫ج َعلَ مِنْ َب ْع ِد َ‬
‫ض ْعفٍ ثُمّ َ‬
‫ن َ‬
‫العوفي ‪ ،‬قال ‪ :‬قرأت على ابن عمر ‪ { :‬اللّهُ الّذِي خََل َقكُمْ مِ ْ‬
‫ض ْعفٍ‬
‫ج َعلَ مِنْ َبعْ ِد َ‬
‫ضعْفٍ ثُمّ َ‬
‫ضعْفًا } (‪ ، )4‬فقال ‪ { :‬اللّهُ الّذِي خََل َقكُمْ مِنْ َ‬
‫ج َعلَ مِنْ َب ْعدِ ُق ّوةٍ َ‬
‫ثُمّ َ‬
‫ض ْعفًا } ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬قرأتُ على رسول ال صلى ال عليه وسلم كما قرأت‬
‫ج َعلَ مِنْ َبعْدِ ُق ّوةٍ َ‬
‫ُق ّوةً ُثمّ َ‬
‫علي ‪ ،‬فأخذ علي كما أخذتُ عليك‪.‬‬
‫حسّنه ‪ -‬من حديث فضيل ‪ ،‬به (‪ .)5‬ورواه أبو داود من حديث‬
‫ورواه أبو داود والترمذي ‪ -‬و َ‬
‫عبد ال بن جابر ‪ ،‬عن عطية ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬بنحوه (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيتكهل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ضعفا وشيبة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/58‬وسنن أبي داود برقم (‪ )3978‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2936‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود برقم (‪.)3979‬‬

‫( ‪)6/327‬‬

‫عةٍ كَذَِلكَ كَانُوا ُي ْؤ َفكُونَ (‪َ )55‬وقَالَ الّذِينَ أُوتُوا‬


‫سمُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَا َ‬
‫وَ َيوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ ُيقْ ِ‬
‫ا ْلعِلْ َم وَالْإِيمَانَ َلقَدْ لَبِثْ ُتمْ فِي كِتَابِ اللّهِ إِلَى َيوْمِ الْ َب ْعثِ َفهَذَا َيوْمُ الْ َب ْعثِ وََلكِ ّنكُمْ كُنْتُمْ لَا َتعَْلمُونَ (‪)56‬‬
‫فَ َي ْومَئِذٍ لَا يَ ْنفَعُ الّذِينَ ظََلمُوا َمعْذِرَ ُتهُ ْم وَلَا هُمْ ُيسْ َتعْتَبُونَ (‪ )57‬وََلقَ ْد ضَرَبْنَا لِلنّاسِ فِي َهذَا ا ْلقُرْآَنِ مِنْ‬
‫طلُونَ (‪َ )58‬كذَِلكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَى قُلُوبِ‬
‫ل وَلَئِنْ جِئْ َت ُهمْ بِآَيَةٍ لَ َيقُولَنّ الّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْ ُتمْ إِلّا مُبْ ِ‬
‫ُكلّ مَ َث ٍ‬
‫خفّ ّنكَ الّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (‪)60‬‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ حَقّ وَلَا َيسْتَ ِ‬
‫الّذِينَ لَا َيعَْلمُونَ (‪ )59‬فَاصْبِرْ إِ ّ‬

‫عةُ ُيقْسِمُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَِلكَ كَانُوا ُي ْؤ َفكُونَ (‪َ )55‬وقَالَ الّذِينَ‬
‫{ وَ َيوْمَ َتقُومُ السّا َ‬
‫ث وََلكِ ّنكُمْ كُنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ (‬
‫أُوتُوا ا ْلعِلْ َم وَاليمَانَ َلقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّهِ إِلَى َيوْمِ الْ َب ْعثِ َفهَذَا َيوْمُ الْ َب ْع ِ‬
‫‪ )56‬فَ َي ْومَئِذٍ ل يَ ْنفَعُ الّذِينَ ظََلمُوا َمعْذِرَ ُتهُ ْم وَل هُمْ ُيسْ َتعْتَبُونَ (‪} )57‬‬
‫يخبر تعالى عن جهل الكفار في الدنيا والخرة ‪ ،‬ففي الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الوثان ‪،‬‬
‫وفي الخرة يكون منهم جهل عظيم أيضا ‪ ،‬فمنه إقسامهم بال أنهم ما لبثوا في الدنيا إل ساعة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫واحدة ‪ ،‬ومقصودهم هم بذلك عدم قيام الحجة عليهم ‪ ،‬وأنهم لم يُ ْنظَروا حتى يُعذَر إليهم‪ .‬قال ال‬
‫تعالى ‪ { :‬كَذَِلكَ كَانٌوا ُي ْؤ َفكُون‪َ .‬وقَالَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْل َم وَاليمَانَ َلقَدْ لَبِثْ ُتمْ فِي كِتَابِ اللّهِ إِلَى َيوْمِ‬
‫الْ َب ْعثِ } أي ‪ :‬فيرد عليهم المؤمنون العلماء في الخرة ‪ ،‬كما أقاموا عليهم حجة ال في الدنيا ‪،‬‬
‫فيقولون لهم حين يحلفون ما لبثوا غير ساعة ‪َ { :‬لقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّهِ } أي ‪ :‬في كتاب العمال‬
‫‪ِ { ،‬إلَى َيوْمِ الْ َب ْعثِ } أي ‪ :‬من يوم خلقتم إلى أن بعثتم ‪ { ،‬وََلكِ ّنكُمْ كُنْ ُت ْم ل َتعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫ظَلمُوا َمعْذِرَ ُت ُهمْ } أي ‪[ :‬ل ينفعهم] (‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فَ َي ْومَئِذٍ } أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ { ،‬ل يَ ْنفَعُ الّذِينَ َ‬
‫‪ )1‬اعتذارهم عما فعلوا ‪ { ،‬وَل هُمْ ُيسْ َتعْتَبُونَ } أي ‪ :‬ول هم يرجعون إلى الدنيا ‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫‪ { :‬وَإِنْ َيسْ َتعْتِبُوا َفمَا هُمْ مِنَ ا ْل ُمعْتَبِينَ } [فصلت ‪.]24 :‬‬
‫ل وَلَئِنْ جِئْ َتهُمْ بِآيَةٍ لَ َيقُولَنّ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِل‬
‫{ وََلقَ ْد ضَرَبْنَا لِلنّاسِ فِي َهذَا ا ْلقُرْآنِ مِنْ ُكلّ مَ َث ٍ‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ حَقّ وَل‬
‫مُبْطِلُونَ (‪ )58‬كَذَِلكَ َيطْبَعُ اللّهُ عَلَى قُلُوبِ الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ (‪ )59‬فَاصْبِرْ إِ ّ‬
‫خفّنّكَ الّذِينَ ل يُوقِنُونَ (‪} )60‬‬
‫يَسْ َت ِ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وََلقَ ْد ضَرَبْنَا لِلنّاسِ فِي َهذَا ا ْلقُرْآنِ مِنْ ُكلّ مَ َثلٍ } أي ‪ :‬قد بينا لهم الحق ‪،‬‬
‫ووضحناه لهم ‪ ،‬وضربنا لهم فيه المثال ليتبينوا الحق ويتبعوه‪ { .‬وَلَئِنْ جِئْ َت ُهمْ بِآيَةٍ لَ َيقُولَنّ الّذِينَ‬
‫َكفَرُوا إِنْ أَنْ ُتمْ إِل مُبْطِلُونَ } أي ‪ :‬لو رأوا أي آية كانت ‪ ،‬سواء كانت باقتراحهم أو غيره ‪ ،‬ل‬
‫يؤمنون بها ‪ ،‬ويعتقدون أنها سحر وباطل ‪ ،‬كما قالوا في انشقاق القمر ونحوه ‪ ،‬كما قال [ال] (‪)2‬‬
‫حقّتْ عَلَ ْيهِمْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ‪ .‬وََلوْ جَاءَ ْتهُمْ ُكلّ آيَةٍ حَتّى يَ َروُا ا ْل َعذَابَ اللِيمَ‬
‫تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َ‬
‫} [يونس ‪ ]97 ، 96 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬كَذَِلكَ يَطْ َبعُ اللّهُ عَلَى قُلُوبِ الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ‪ .‬فَاصْبِرْ‬
‫حقّ } أي ‪ :‬اصبر على مخالفتهم وعنادهم ‪ ،‬فإن ال تعالى منجز لك ما وعدك من‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫إِ ّ‬
‫خفّ ّنكَ الّذِينَ ل يُوقِنُونَ }‬
‫نصره إياك ‪ ،‬وجعله العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والخرة ‪ { ،‬وَل يَسْ َت ِ‬
‫أي ‪ :‬بل اثبت على ما بعثك ال به ‪ ،‬فإنه الحق الذي ل مرية فيه ‪ ،‬ول تعدل عنه وليس فيما سواه‬
‫هُدَى يتبع ‪ ،‬بل الحق كله منحصر فيه‪.‬‬
‫قال سعيد عن قتادة ‪ :‬نادى رجل من الخوارج عليا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وهو في الصلة ‪ -‬صلة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/328‬‬

‫ك وَلَ َتكُونَنّ مِنَ‬


‫عمَُل َ‬
‫ك وَإِلَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلكَ لَئِنْ أَشْ َر ْكتَ لَ َيحْبَطَنّ َ‬
‫حيَ إِلَ ْي َ‬
‫الغداة ‪ -‬فقال ‪ { :‬وََلقَدْ أُو ِ‬
‫الْخَاسِرِينَ } [الزمر ‪ ، ]65 :‬فأنصت له علي حتى فهم ما قال ‪ ،‬فأجابه وهو في الصلة ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خفّ ّنكَ الّذِينَ ل يُوقِنُونَ }‪ .‬رواه ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم‪ .‬وقد‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ حَقّ وَل يَسْ َت ِ‬
‫{ فَاصْبِرْ إِ ّ‬
‫رواه ابن جرير من وجه آخر فقال ‪:‬‬
‫حدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬عن شَرِيك ‪ ،‬عن عثمان بن أبي زُرْعَة ‪ ،‬عن علي بن‬
‫ك وَإِلَى‬
‫حيَ إِلَ ْي َ‬
‫ربيعة قال ‪ :‬نادى رجل من الخوارج عليا وهو في صلة الفجر ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وََلقَدْ أُو ِ‬
‫ك وَلَ َتكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ‪ ،‬فأجابه علي وهو في الصلة‬
‫عمَُل َ‬
‫الّذِينَ مِنْ قَبِْلكَ لَئِنْ أَشْ َر ْكتَ لَيَحْ َبطَنّ َ‬
‫خفّ ّنكَ الّذِينَ ل يُوقِنُونَ } (‪.)1‬‬
‫عدَ اللّهِ حَقّ وَل يَسْ َت ِ‬
‫ن وَ ْ‬
‫‪ { :‬فَاصْبِرْ إِ ّ‬
‫جعْد ‪ ،‬أخبرنا شريك ‪ ،‬عن‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن ال َ‬
‫عمران بن ظَبْيان ‪ ،‬عن أبي تحيا قال ‪ :‬صلى علي (‪ )2‬رضي ال عنه ‪ ،‬صلة الفجر ‪ ،‬فناداه‬
‫ك وَلَ َتكُونَنّ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ } ‪ ،‬فأجابه علي (‪، )3‬‬
‫عمَُل َ‬
‫رجل من الخوارج ‪ { :‬لَئِنْ أَشْ َر ْكتَ لَيَحْ َبطَنّ َ‬
‫خفّ ّنكَ الّذِينَ ل يُوقِنُونَ }‪.‬‬
‫ق وَل َيسْتَ ِ‬
‫حّ‬‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫وهو في الصلة ‪ { :‬فَاصْبِرْ إِ ّ‬
‫[ما روي في فضل هذه السورة الشريفة ‪ ،‬واستحباب قراءتها في الفجر] (‪: )4‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬سمعت شبيب ‪-‬‬
‫أبا روح ‪ -‬يحدّث عن رجل (‪ )5‬من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم صلى بهم الصبح ‪ ،‬فقرأ فيها الرّوم فأوهم ‪ ،‬فقال ‪" :‬إنه يلبس علينا القرآن ‪ ،‬فإن‬
‫أقواما منكم يصلون معنا ل يحسنون الوضوء ‪ ،‬فمن شهد الصلة معنا فليحسن الوضوء" (‪.)6‬‬
‫وهذا إسناد حسن ومتن حسن (‪ )7‬وفيه سر عجيب ‪ ،‬ونبأ غريب ‪ ،‬وهو أنه ‪ ،‬عليه السلم (‪)8‬‬
‫تأثر بنقصان وضوء من ائتم به ‪ ،‬فدل ذلك أن صلة المأموم متعلقة (‪ )9‬بصلة المام‪.‬‬
‫[آخر تفسير سورة "الروم"] (‪_ .)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)21/38‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬علي بن أبي طالب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬علي بن أبي طالب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده عن رجل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)3/471‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬إسناده حسن ومتنه حسن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في هـ ‪" :‬معدوقة"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/329‬‬

‫حمَةً لِ ْلمُحْسِنِينَ (‪ )3‬الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّلَا َة وَ ُيؤْتُونَ‬


‫حكِيمِ (‪ )2‬هُدًى وَرَ ْ‬
‫الم (‪ )1‬تِ ْلكَ آَيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْل َ‬
‫ال ّزكَا َة وَهُمْ بِالَْآخِ َرةِ ُهمْ يُوقِنُونَ (‪ )4‬أُولَ ِئكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَ ّبهِمْ وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪َ )5‬ومِنَ‬
‫عذَابٌ‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ِبغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتّخِذَهَا هُ ُزوًا أُولَ ِئكَ َلهُمْ َ‬
‫النّاسِ مَنْ َيشْتَرِي َل ْهوَ ا ْلحَدِيثِ لِ ُي ِ‬
‫س َم ْعهَا كَأَنّ فِي ُأذُنَيْ ِه َوقْرًا فَبَشّ ْرهُ ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ‬
‫ُمهِينٌ (‪ )6‬وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلّى مُسْ َتكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَ ْ‬
‫(‪)7‬‬

‫تفسير سورة لقمان‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حسِنِينَ (‪ )3‬الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّل َة وَ ُيؤْتُونَ‬
‫حمَةً لِ ْلمُ ْ‬
‫حكِيمِ (‪ )2‬هُدًى وَ َر ْ‬
‫{ الم (‪ )1‬تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ الْ َ‬
‫ال ّزكَا َة وَهُمْ بِالخِ َرةِ هُمْ يُوقِنُونَ (‪ )4‬أُولَ ِئكَ عَلَى ُهدًى مِنْ رَ ّبهِ ْم وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلمُفْلِحُونَ (‪.} )5‬‬
‫تقدم في أول سورة "البقرة" عامة الكلم على ما يتعلق بصدر هذه السورة ‪ ،‬وهو أنه تعالى جعل‬
‫هذا القرآن هدى وشفاء ورحمة للمحسنين ‪ ،‬وهم الذين أحسنوا العمل في اتباع الشريعة ‪ ،‬فأقاموا‬
‫الصلة المفروضة بحدودها وأوقاتها ‪ ،‬وما يتبعها من نوافل راتبة وغير راتبة ‪ ،‬وآتوا الزكاة‬
‫المفروضة عليهم إلى مستحقيها ‪ ،‬ووصلوا قراباتهم وأرحامهم ‪ ،‬وأيقنوا بالجزاء في الدار‬
‫الخرة ‪ ،‬فرغبوا إلى ال في ثواب ذلك ‪ ،‬لم يراؤوا به ول أرادوا جزاءً من الناس ول شكورا ‪،‬‬
‫َفمَنْ فعل ذلك كذلك فهو من الذين قال ال تعالى ‪ { :‬أُولَ ِئكَ عَلَى ُهدًى مِنْ رَ ّبهِمْ } أي ‪ :‬على‬
‫بصيرة وبينة ومنهج واضح وجلي ‪ { ،‬وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } أي ‪ :‬في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫حدِيثِ لِ ُيضِلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ِبغَيْرِ عِ ْل ٍم وَيَتّخِ َذهَا هُ ُزوًا أُولَ ِئكَ َلهُمْ‬
‫{ َومِنَ النّاسِ مَنْ َيشْتَرِي َل ْهوَ الْ َ‬
‫س َم ْعهَا كَأَنّ فِي أُذُنَ ْي ِه َوقْرًا فَبَشّ ْرهُ‬
‫عَذَابٌ ُمهِينٌ (‪ )6‬وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلّى مُسْ َتكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَ ْ‬
‫ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‪.} )7‬‬
‫لما ذكر تعالى حال السعداء ‪ ،‬وهم الذين يهتدون بكتاب ال وينتفعون بسماعه ‪ ،‬كما قال [ال] (‪)1‬‬
‫شوْنَ رَ ّبهُمْ ُثمّ تَلِينُ‬
‫شعِرّ مِنْهُ جُلُودُ الّذِينَ َيخْ َ‬
‫حدِيثِ كِتَابًا مُتَشَا ِبهًا مَثَا ِنيَ َتقْ َ‬
‫حسَنَ الْ َ‬
‫تعالى ‪ { :‬اللّهُ نزلَ أَ ْ‬
‫جُلُو ُدهُ ْم َوقُلُو ُبهُمْ إِلَى ِذكْرِ اللّهِ َذِلكَ هُدَى اللّهِ َيهْدِي ِبهِ مَنْ يَشَاءُ َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }‬
‫[الزمر ‪ ، ]23 :‬عطف بذكر حال الشقياء ‪ ،‬الذين أعرضوا عن النتفاع بسماع كلم ال ‪ ،‬وأقبلوا‬
‫على استماع المزامير والغناء باللحان وآلت الطرب ‪ ،‬كما قال ابن مسعود في قوله تعالى ‪:‬‬
‫حدِيثِ } قال ‪ :‬هو ‪ -‬وال ‪ -‬الغناء‪.‬‬
‫{ َومِنَ النّاسِ مَنْ َيشْتَرِي َل ْهوَ الْ َ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس بن عبد العلى ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني يزيد بن يونس ‪ ،‬عن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أبي صخر ‪ ،‬عن أبي معاوية البجلي ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن أبي الصهباء البكري ‪ ،‬أنه سمع‬
‫ضلّ عَنْ‬
‫عبد ال بن مسعود ‪ -‬وهو يسأل عن هذه الية ‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي َل ْهوَ ا ْلحَدِيثِ لِ ُي ِ‬
‫سَبِيلِ اللّهِ } ‪ -‬فقال عبد ال ‪ :‬الغناء ‪ ،‬وال الذي ل إله إل هو ‪ ،‬يرددها (‪ )2‬ثلث مرات (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فرددها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)21/39‬‬

‫( ‪)6/330‬‬

‫حمَيْد الخراط ‪ ،‬عن عمار ‪ ،‬عن سعيد‬


‫حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا صفوان بن عيسى ‪ ،‬أخبرنا ُ‬
‫بن جبير ‪ ،‬عن أبي الصهباء ‪ :‬أنه سأل ابن مسعود عن قول ال ‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي َل ْهوَ‬
‫حدِيثِ } قال ‪ :‬الغناء (‪.)1‬‬
‫الْ َ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬ومكحول ‪ ،‬وعمرو بن‬
‫وكذا قال ابن عباس ‪ ،‬وجابر ‪ ،‬و ِ‬
‫شعيب ‪ ،‬وعلي بن بَذيمة‪.‬‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬أنزلت هذه الية ‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي َل ْهوَ ا ْلحَدِيثِ لِ ُي ِ‬
‫علْمٍ } في الغناء والمزامير‪.‬‬
‫اللّهِ ِبغَيْرِ ِ‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ِبغَيْرِ عِ ْلمٍ } ‪ :‬وال‬
‫حدِيثِ لِ ُي ِ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬قوله ‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي َل ْهوَ الْ َ‬
‫لعله ل ينفق فيه مال ولكنْ شراؤه استحبابه ‪ ،‬بحسب المرء من الضللة أن يختارَ حديثَ الباطل‬
‫على حديث الحق ‪ ،‬وما يضر على ما ينفع‪.‬‬
‫حدِيثِ } ‪ :‬اشتراء المغنيات من الجواري‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬عنى بقوله ‪َ { :‬يشْتَرِي َل ْهوَ الْ َ‬
‫حمَسي ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن خَلد الصفار ‪ ،‬عن‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن إسماعيل ال ْ‬
‫عُبَيْد ال بن زَحْر ‪ ،‬عن علي بن يزيد ‪ ،‬عن القاسم بن عبد الرحمن (‪ )2‬عن أبي أمامة ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل يحل بيع المغنيات ول شراؤهن ‪ ،‬وأكل أثمانهن حرام ‪،‬‬
‫عَليّ ‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي َل ْهوَ ا ْلحَدِيثِ }‪.‬‬
‫وفيهن أنزل ال عز وجل َ‬
‫وهكذا رواه الترمذي وابن جرير ‪ ،‬من حديث عُبَيد ال بن زحر بنحوه (‪ ، )3‬ثم قال الترمذي ‪:‬‬
‫ضعُفَ (‪ )4‬علي بن يزيد المذكور‪.‬‬
‫هذا حديث غريب‪ .‬و َ‬
‫قلت ‪ :‬علي ‪ ،‬وشيخه ‪ ،‬والراوي عنه ‪ ،‬كلهم ضعفاء‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال الضحاك في قوله تعالى ‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي َل ْهوَ ا ْلحَدِيثِ } يعني ‪ :‬الشرك‪ .‬وبه قال‬
‫عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ؛ واختار ابن جرير أنه كل كلم يصد عن آيات ال واتباع سبيله‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ } أي ‪ :‬إنما يصنع هذا للتخالف للسلم وأهله‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ ُي ِ‬
‫وعلى قراءة فتح الياء ‪ ،‬تكون اللم لم العاقبة ‪ ،‬أو تعليل للمر القدري ‪ ،‬أي ‪ :‬قُيضوا لذلك‬
‫ليكونوا كذلك‪.‬‬
‫خذَهَا هُ ُزوًا } قال مجاهد ‪ :‬ويتخذ سبيل ال هزوا ‪ ،‬يستهزئ بها‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيَتّ ِ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬يعني ‪ :‬ويتخذ آيات ال هزوا‪ .‬وقول مجاهد أولى‪.‬‬
‫عذَابٌ ُمهِينٌ } أي ‪ :‬كما استهانوا بآيات ال وسبيله ‪ ،‬أهينوا يوم القيامة‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬أُولَ ِئكَ َلهُمْ َ‬
‫في العذاب الدائم المستمر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)21/39‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪ )3195‬وتفسير الطبري (‪.)21/40‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وفي إسناده"‬

‫( ‪)6/331‬‬

‫حقّا وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ‬


‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُمْ جَنّاتُ ال ّنعِيمِ (‪ )8‬خَاِلدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫إِنّ الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫سيَ أَنْ َتمِيدَ ِبكُ ْم وَ َبثّ فِيهَا مِنْ‬
‫ع َمدٍ تَ َروْ َنهَا وَأَلْقَى فِي الْأَ ْرضِ َروَا ِ‬
‫سمَاوَاتِ ِبغَيْرِ َ‬
‫حكِيمُ (‪ )9‬خَلَقَ ال ّ‬
‫الْ َ‬
‫سمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْجٍ كَرِيمٍ (‪ )10‬هَذَا خَلْقُ اللّهِ فَأَرُونِي مَاذَا‬
‫ُكلّ دَابّ ٍة وَأَنْزَلْنَا مِنَ ال ّ‬
‫خََلقَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ َبلِ الظّاِلمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (‪)11‬‬

‫س َم ْعهَا كَأَنّ فِي أُذُنَ ْي ِه َوقْرًا } أي ‪ :‬هذا‬


‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَِإذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلّى مُسْ َتكْبِرًا كَأَنْ لَمْ َي ْ‬
‫المقبل على اللهو واللعب والطرب ‪ ،‬إذا تليت عليه اليات القرآنية ‪ ،‬ولى عنها وأعرض وأدبر‬
‫صمَم ‪ ،‬كأنه ما يسمعها ؛ لنه يتأذى بسماعها ‪ ،‬إذ ل انتفاع له بها ‪ ،‬ول أ َربَ‬
‫و َتصَا ّم وما به من َ‬
‫له فيها ‪ { ،‬فَبَشّ ْرهُ ِبعَذَابٍ َألِيمٍ } أي ‪ :‬يوم القيامة يؤلمه ‪ ،‬كما تألم بسماع كتاب ال وآياته‪.‬‬
‫حقّا وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َل ُهمْ جَنّاتُ ال ّنعِيمِ (‪ )8‬خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫حكِيمُ (‪.} )9‬‬
‫الْ َ‬
‫هذا ذكر مآل البرار من السعداء في الدار الخرة ‪ ،‬الذين آمنوا بال وصَدّقوا المرسلين ‪ ،‬وعملوا‬
‫العمال الصالحة المتابعة (‪ )1‬لشريعة ال { َل ُهمْ جَنّاتُ ال ّنعِيمِ } أي ‪ :‬يتنعمون فيها بأنواع الملذ‬
‫والمسارّ ‪ ،‬من المآكل والمشارب ‪ ،‬والملبس والمساكن ‪ ،‬والمراكب والنساء ‪ ،‬والنضرة والسماع‬
‫الذي لم يخطر ببال أحد ‪ ،‬وهم في ذلك مقيمون دائما فيها ‪ ،‬ل يظعنون ‪ ،‬ول يبغون عنها حول‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حقّا } أي ‪ :‬هذا كائن ل محالة ؛ لنه من وعد ال ‪ ،‬وال ل يخلف الميعاد ؛‬
‫وقوله ‪ { :‬وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫لنه الكريم المنان ‪ ،‬الفعال لما يشاء ‪ ،‬القادر على كل شيء ‪ { ،‬وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ } ‪ ،‬الذي قد قهر كل‬
‫حكِيمُ } ‪ ،‬في أقواله وأفعاله ‪ ،‬الذي جعل القرآن هدى للمؤمنين‬
‫شيء ‪ ،‬ودان له كل شيء ‪ { ،‬ا ْل َ‬
‫عمًى } [فصلت ‪:‬‬
‫شفَا ٌء وَالّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ فِي آذَا ِنهِ ْم َوقْ ٌر وَ ُهوَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫{ ُقلْ ُهوَ لِلّذِينَ آمَنُوا ُهدًى وَ ِ‬
‫خسَارًا } [السراء‬
‫ن وَل يَزِيدُ الظّاِلمِينَ إِل َ‬
‫حمَةٌ لِ ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫شفَا ٌء وَرَ ْ‬
‫‪ { ، ]44‬وَنُنزلُ مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا ُهوَ ِ‬
‫‪.]82 :‬‬
‫سيَ أَنْ َتمِيدَ ِب ُك ْم وَ َبثّ فِيهَا مِنْ ُكلّ دَابّةٍ‬
‫ع َمدٍ تَ َروْ َنهَا وَأَلْقَى فِي ال ْرضِ َروَا ِ‬
‫س َموَاتِ ِبغَيْرِ َ‬
‫{ خَلَقَ ال ّ‬
‫سمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْجٍ كَرِيمٍ (‪ )10‬هَذَا خَ ْلقُ اللّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خََلقَ الّذِينَ‬
‫وَأَنزلْنَا مِنَ ال ّ‬
‫مِنْ دُونِهِ َبلِ الظّاِلمُونَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ (‪.} )11‬‬
‫يبين سبحانه بهذا قدرته العظيمة على خلق السموات والرض ‪ ،‬وما فيهما وما بينهما ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫عمَد مرئية ول غير مرئية‪.‬‬
‫ع َمدٍ } ‪ ،‬قال الحسن وقتادة ‪ :‬ليس لها َ‬
‫س َموَاتِ ِبغَيْرِ َ‬
‫{ خَلَقَ ال ّ‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وَعكْرِمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ :‬لها عمد ل ترونها‪ .‬وقد تقدم تقرير هذه المسألة في أول‬
‫سورة "الرعد" بما أغنى (‪ )2‬عن إعادته‪.‬‬
‫سيَ } يعني ‪ :‬الجبال أرست الرض وثقلتها لئل تضطرب بأهلها على‬
‫{ وَأَ ْلقَى فِي ال ْرضِ َروَا ِ‬
‫وجه الماء ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَنْ َتمِيدَ ِب ُكمْ } أي ‪ :‬لئل تميد بكم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َبثّ فِيهَا مِنْ ُكلّ دَابّةٍ } أي ‪ :‬وذرأ فيها من أصناف الحيوانات مما ل يعلم عدد أشكالها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬التابعة" وفي أ "المتتابعة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬بما يغني"‪.‬‬

‫( ‪)6/332‬‬

‫وألوانها إل الذي خلقها‪.‬‬


‫سمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ ُكلّ‬
‫ولما قرر أنه الخالق نبه على أنه الرازق بقوله تعالى { وَأَنزلْنَا مِنَ ال ّ‬
‫َزوْجٍ كَرِيمٍ } أي ‪ :‬من كل زوج من النبات كريم ‪ ،‬أي ‪ :‬حسن المنظر‪.‬‬
‫وقال الشعبي ‪ :‬والناس ‪ -‬أيضًا ‪ -‬من نبات الرض ‪َ ،‬فمَنْ دخل الجنة فهو كريم ‪ ،‬ومَنْ دخل‬
‫النار فهو لئيم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬هذَا خَلْقُ اللّهِ } أي ‪ :‬هذا الذي ذكره تعالى من خلق السموات ‪ ،‬والرض وما بينهما ‪،‬‬
‫خلَقَ‬
‫صادر عن فعل ال وخلقه وتقديره ‪ ،‬وحده ل شريك له في ذلك ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَأَرُونِي مَاذَا َ‬
‫الّذِينَ مِنْ دُونِهِ } أي ‪ :‬مما تعبدون وتدعون من الصنام والنداد ‪َ { ،‬بلِ الظّاِلمُونَ } يعني ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المشركين بال العابدين معه غيره { فِي ضَللٍ } أي ‪ :‬جهل وعمى ‪ { ،‬مُبِينٍ } أي ‪ :‬واضح ظاهر‬
‫ل خفاء به‪.‬‬

‫( ‪)6/333‬‬

‫حمِيدٌ (‬
‫شكُرُ لِ َنفْسِهِ َومَنْ َكفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَ ِنيّ َ‬
‫شكُرْ فَإِ ّنمَا يَ ْ‬
‫شكُرْ لِلّ ِه َومَنْ يَ ْ‬
‫ح ْكمَةَ أَنِ ا ْ‬
‫وَلَقَدْ آَتَيْنَا ُل ْقمَانَ الْ ِ‬
‫‪)12‬‬

‫حمِيدٌ‬
‫شكُرُ لِ َنفْسِ ِه َومَنْ َكفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَ ِنيّ َ‬
‫شكُرْ فَإِ ّنمَا َي ْ‬
‫شكُرْ لِلّ ِه َومَنْ يَ ْ‬
‫ح ْكمَةَ أَنِ ا ْ‬
‫{ وََلقَدْ آتَيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ‬
‫(‪.} )12‬‬
‫اختلف السلف في لقمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬هل كان نبيًا ‪ ،‬أو عبدًا صالحا من غير نبوة ؟ على قولين‬
‫‪ ،‬الكثرون على الثاني‪.‬‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان لقمان عبدًا حبشيًا‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن الشعث ‪ ،‬عن ِ‬
‫نجارًا‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬عن عبد ال بن الزبير ‪ ،‬قلت لجابر بن عبد ال ‪ :‬ما انتهى إليكم من شأن لقمان ؟‬
‫قال ‪ :‬كان قصيرًا أفطس من النوبة‪.‬‬
‫وقال يحيى بن سعيد النصاري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب قال ‪ :‬كان لقمان من سودان مصر ‪ ،‬ذا‬
‫مشافر ‪ ،‬أعطاه ال الحكمة ومنعه النبوة‪.‬‬
‫وقال الوزاعي ‪ :‬رحمه ال ‪ ،‬حدثني عبد الرحمن بن حَ ْرمَلة قال ‪ :‬جاء رجل أسود إلى سعيد بن‬
‫المسيب يسأله ‪ ،‬فقال له سعيد بن المسيب ‪ :‬ل تحزن من أجل أنك أسود ‪ ،‬فإنه كان من أخير‬
‫الناس ثلثة من السودان ‪ :‬بلل ‪ ،‬ومهْجَع مولى عمر بن الخطاب ‪ ،‬ولقمان الحكيم ‪ ،‬كان أسود‬
‫نوبيًا ذا مشافر (‪.)1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن أبي الشهب (‪ ، )2‬عن خالد الرّ َب ِعيّ قال ‪:‬‬
‫كان لقمان عبدًا حبشيا نجارا ‪ ،‬فقال له موله ‪ :‬اذبح لنا هذه الشاة‪ .‬فذبحها ‪ ،‬فقال ‪ :‬أخْرجْ أطيب‬
‫مُضغتين فيها‪ .‬فأخرج اللسان والقلب ‪ ،‬فمكث ما شاء ال ثم قال ‪ :‬اذبح لنا هذه الشاة‪ .‬فذبحها ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬أخرج أخبث مضغتين فيها‪ .‬فأخرج اللسان والقلب ‪ ،‬فقال له موله ‪ :‬أمرتك أن تخرج‬
‫أطيب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)21/43‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الشعث"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/333‬‬

‫مضغتين فيها فأخرجتهما ‪ ،‬وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيها فأخرجتهما‪ .‬فقال لقمان ‪ :‬إنه‬
‫ليس من شيء أطيب منهما إذا طابا ‪ ،‬ول أخبث منهما إذا خَبُثا (‪.)1‬‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬كان لقمان عبدًا صالحًا ‪ ،‬ولم يكن نبيا‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬كان لقمان عبدا أسود عظيم الشفتين ‪ ،‬مشقق القدمين‪.‬‬
‫حكّام بن سَلْم ‪ ،‬عن سعيد الزبيدي ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬كان لقمان الحكيم عبدا حبشيا غليظ‬
‫وقال َ‬
‫الشفتين ‪ُ ،‬مصَفح القدمين ‪ ،‬قاضيا على بني إسرائيل‪.‬‬
‫وذكر غيره ‪ :‬أنه كان قاضيا على بني إسرائيل في زمن (‪ )2‬داود ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫حمَيد ‪ ،‬حدثنا الحكم ‪ ،‬حدثنا عمرو بن قيس قال ‪ :‬كان لقمان ‪ ،‬عليه‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن ُ‬
‫صفّح القدمين ‪ ،‬فأتاه رجل وهو في مجلس أناس يحدثهم ‪،‬‬
‫السلم ‪ ،‬عبدًا أسود غليظ الشفتين ‪ُ ،‬م َ‬
‫فقال له ‪ :‬ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقال ‪ :‬فما بلغ بك ما‬
‫أرى ؟ قال ‪ :‬صدق الحديث ‪ ،‬والصمت عما ل يعنيني (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا (‪ )4‬عبد الرحمن بن‬
‫يزيد (‪ )5‬عن جابر قال ‪ :‬إن ال رفع لقمان الحكيم بحكمته ‪ ،‬فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك ‪،‬‬
‫فقال له ‪ :‬ألست عبد بني فلن الذي كنت ترعى بالمس ؟ قال ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬فما بلغ بك ما أرى ؟‬
‫قال ‪ :‬قَدَرُ ال ‪ ،‬وأداء المانة ‪ ،‬وصدق الحديث ‪ ،‬وتركي ما ل يعنيني‪.‬‬
‫فهذه الثار منها ما هو مُصرّح فيه بنفي كونه نبيا ‪ ،‬ومنها ما هو مشعر بذلك ؛ لن كونه عبدًا قد‬
‫مَسّه الرق ينافي كونه نبيا ؛ لن الرسل كانت تبعث في أحساب قومها ؛ ولهذا كان جمهور السلف‬
‫على أنه لم يكن نبيا ‪ ،‬وإنما ينقل كونه نبيا عن عكرمة ‪ -‬إن صح السند إليه ‪ ،‬فإنه رواه ابن‬
‫جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم من حديث َوكِيع (‪ )6‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن عكرمة فقال ‪ :‬كان‬
‫لقمان نبيًا‪ .‬وجابر هذا هو ابن يزيد الجعفي ‪ ،‬وهو ضعيف ‪ ،‬وال (‪ )7‬أعلم‪.‬‬
‫عمَر مولى غُفرَة قال ‪ :‬وقف‬
‫وقال عبد ال بن وهب ‪ :‬أخبرني عبد ال بن عياش القتْبَاني ‪ ،‬عن ُ‬
‫رجل على لقمان الحكيم فقال ‪ :‬أنت لقمان ‪ ،‬أنت عبد بني الحسحاس ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬أنت‬
‫راعي الغنم ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬أنت السود ؟ قال ‪ :‬أما سوادي فظاهر ‪ ،‬فما الذي يعجبك من‬
‫أمري ؟ قال ‪ :‬وَطءْ الناس بسَاطك ‪ ،‬وغَشْيُهم بابك ‪ ،‬ورضاهم بقولك‪ .‬قال ‪ :‬يا بن أخي (‪ )8‬إن‬
‫صغَيتَ (‪ )9‬إلى ما أقول لك كنت كذلك‪ .‬قال لقمان ‪ :‬غضي بصري ‪ ،‬وكفي لساني ‪ ،‬وعفة‬
‫َ‬
‫طعمتي ‪ ،‬وحفظي فرجي ‪ ،‬وقولي بصدق ‪ ،‬ووفائي بعهدي ‪ ،‬وتكرمتي ضيفي ‪ ،‬وحفظي جاري ‪،‬‬
‫وتركي ما ل يعنيني ‪ ،‬فذاك الذي صيرني إلى ما (‪ )10‬ترى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)21/43‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬زمان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)21/44‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬عن وكيع"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أبي"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إن صنعت"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كما"‪.‬‬

‫( ‪)6/334‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن ُنفَيل ‪ ،‬حدثنا عمرو بن واقد ‪ ،‬عن عَبْ َدةَ بن رَبَاح ‪،‬‬
‫عن ربيعة ‪ ،‬عن (‪ )1‬أبي الدرداء ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه قال يومًا ‪ -‬وذُك َر لقمان الحكيم ‪ -‬فقال ‪:‬‬
‫صمْصَامة سكيتا ‪،‬‬
‫ما أوتي ما أوتي عن أهل ول مال ‪ ،‬ول حسب ول خصال ‪ ،‬ولكنه كان رجل َ‬
‫طويل التفكر ‪ ،‬عميق النظر ‪ ،‬لم ينم نهارًا قط ‪ ،‬ولم يره أحد قط يبزق ول يتنخّع ‪ ،‬ول يبول ول‬
‫يتغوط ‪ ،‬ول يغتسل ‪ ،‬ول يعبث ول يضحك ‪ ،‬وكان ل يعيد منطقًا نطقه إل أن يقول حكمة‬
‫يستعيدها إياه أحد ‪ ،‬وكان قد تزوج وولد له أولد ‪ ،‬فماتوا فلم يبك عليهم‪ .‬وكان يغشى السلطان ‪،‬‬
‫ويأتي الحكام ‪ ،‬لينظر ويتفكر ويعتبر (‪ ، )2‬فبذلك أوتي ما أوتي‪.‬‬
‫وقد ورد أثر غريب عن قتادة ‪ ،‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا العباس بن الوليد ‪ ،‬حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي ‪ ،‬حدثنا سعيد بن‬
‫بشير ‪ ،‬عن قتادة قال ‪ :‬خَيّر ال لقمان الحكيم بين النبوة والحكمة ‪ ،‬فاختار الحكمة على النبوة‪ .‬قال‬
‫‪ :‬فأتاه جبريل وهو نائم فَذرّ عليه الحكمة ‪ -‬أو ‪ :‬رش عليه الحكمة ‪ -‬قال ‪ :‬فأصبح ينطق بها‪.‬‬
‫قال سعيد ‪ :‬فسمعت عن قتادة يقول ‪ :‬قيل للقمان ‪ :‬كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خَيّرك‬
‫ربك ؟ فقال ‪ :‬إنه لو أرسل إليّ بالنبوة عَ ْزمَة لرجوت فيه الفوز منه ‪ ،‬ولكنت أرجو أن أقوم بها ‪،‬‬
‫ولكنه خَيّرني فخفت أن أضعف عن النبوة ‪ ،‬فكانت الحكمة أحب إليّ‪.‬‬
‫فهذا من رواية سعيد بن بشير ‪ ،‬وفيه ضعف قد تكلموا فيه بسببه ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫ح ْكمَةَ } أي ‪:‬‬
‫والذي رواه سعيد بن أبي عَرُوبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬في قوله تعالى ‪ { :‬وَلَقَدْ آتَيْنَا ُل ْقمَانَ الْ ِ‬
‫الفقه في السلم ‪ ،‬ولم يكن نبيًا ‪ ،‬ولم يوح إليه‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شكُرْ ِللّهِ } أي ‪ :‬أمرناه أن‬
‫ح ْكمَةَ } أي ‪ :‬الفهم والعلم والتعبير ‪ { ،‬أَنِ ا ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدْ آتَيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ‬
‫يشكر ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬على ما أتاه ال ومنحه ووهبه من الفضل ‪ ،‬الذي خصّه (‪ )3‬به عمن سواه‬
‫من أبناء جنسه وأهل زمانه‪.‬‬
‫شكُرُ لِ َنفْسِهِ } أي ‪ :‬إنما يعود نفع ذلك وثوابه على الشاكرين (‬
‫شكُرْ فَإِ ّنمَا َي ْ‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ يَ ْ‬
‫سهِمْ َي ْمهَدُونَ } [الروم ‪.]44 :‬‬
‫ع ِملَ صَاِلحًا فَل ْنفُ ِ‬
‫‪ )4‬لقوله (‪ )5‬تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َ‬
‫حمِيدٌ } أي ‪ :‬غني عن العباد ‪ ،‬ل يتضرر بذلك ‪ ،‬ولو كفر أهل‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ َكفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَ ِنيّ َ‬
‫الرض كلهم جميعًا ‪ ،‬فإنه الغني عمن سواه ؛ فل إله إل ال ‪ ،‬ول نعبد إل إياه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده إلى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ويعتب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬خصصه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الشاكر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬كقوله"‪.‬‬

‫( ‪)6/335‬‬

‫وَإِذْ قَالَ ُل ْقمَانُ لِابْ ِن ِه وَ ُهوَ َيعِظُهُ يَا بُ َنيّ لَا تُشْ ِركْ بِاللّهِ إِنّ الشّ ْركَ لَظُ ْلمٌ عَظِيمٌ (‪َ )13‬ووَصّيْنَا الْإِ ْنسَانَ‬
‫شكُرْ لِي وَِلوَالِدَ ْيكَ إَِليّ ا ْل َمصِيرُ (‪)14‬‬
‫ن َو ِفصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ا ْ‬
‫حمَلَتْهُ ُأمّ ُه وَهْنًا عَلَى وَهْ ٍ‬
‫ِبوَالِدَيْهِ َ‬
‫ط ْع ُهمَا َوصَاحِ ْب ُهمَا فِي الدّنْيَا َمعْرُوفًا وَاتّبِعْ‬
‫وَإِنْ جَا َهدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْ ِركَ بِي مَا لَيْسَ َلكَ بِهِ عِ ْلمٌ فَلَا تُ ِ‬
‫ج ُعكُمْ فَأُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪)15‬‬
‫سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إَِليّ ثُمّ إَِليّ مَ ْر ِ‬

‫عظِيمٌ (‪َ )13‬و َوصّيْنَا‬


‫ي ل ُتشْ ِركْ بِاللّهِ إِنّ الشّ ْركَ َلظُلْمٌ َ‬
‫ن لبْنِ ِه وَ ُهوَ َيعِظُهُ يَا بُ َن ّ‬
‫{ وَإِذْ قَالَ ُل ْقمَا ُ‬
‫شكُرْ لِي وَِلوَالِدَ ْيكَ إَِليّ ا ْل َمصِيرُ‬
‫ن َو ِفصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ا ْ‬
‫حمَلَتْهُ ُأمّ ُه وَهْنًا عَلَى وَهْ ٍ‬
‫النْسَانَ ِبوَالِدَيْهِ َ‬
‫ط ْع ُهمَا َوصَاحِ ْب ُهمَا فِي الدّنْيَا َمعْرُوفًا‬
‫(‪ )14‬وَإِنْ جَا َهدَاكَ عَلى أَنْ تُشْ ِركَ بِي مَا لَيْسَ َلكَ بِهِ عِ ْلمٌ فَل تُ ِ‬
‫ج ُعكُمْ فَأُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪.} )15‬‬
‫وَاتّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إَِليّ ثُمّ إَِليّ مَ ْر ِ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن وصية لقمان لولده ‪ -‬وهو ‪ :‬لقمان بن عنقاء بن سدون‪ .‬واسم ابنه ‪ :‬ثاران‬
‫في قول حكاه السهيلي‪ .‬وقد ذكره [ال] (‪ )1‬تعالى بأحسن الذكر ‪ ،‬فإنه آتاه الحكمة ‪ ،‬وهو يوصي‬
‫ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه ‪ ،‬فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف ؛ ولهذا‬
‫أوصاه أول بأن يعبد ال وحده ول يشرك به شيئًا ‪ ،‬ثم قال محذرًا له ‪ { :‬إِنّ الشّ ْركَ َلظُلْمٌ عَظِيمٌ }‬
‫أي ‪ :‬هو أعظم الظلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال البخاري حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن علقمة (‪ ، )2‬عن عبد‬
‫ال ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬الّذِينَ آمَنُوا وََلمْ يَلْبِسُوا إِيمَا َنهُمْ ِبظُلْمٍ } [النعام ‪، ]82 :‬‬
‫شق ذلك على أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬أينا لم يَلْبس إيمانه بظلم ؟ فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنه ليس بذاك ‪ ،‬أل (‪ )3‬تسمع إلى قول لقمان ‪ { :‬يَا بُ َنيّ ل‬
‫تُشْ ِركْ بِاللّهِ إِنّ الشّ ْركَ لَظُ ْلمٌ عَظِيمٌ }‪.‬‬
‫ورواه مسلم من حديث العمش ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫ثم قَرَنَ بوصيته إياه بعبادة ال وحده البر بالوالدين‪ .‬كما قال تعالى ‪َ { :‬و َقضَى رَ ّبكَ أَل َتعْبُدُوا إِل‬
‫إِيّا ُه وَبِا ْلوَالِدَيْنِ ِإحْسَانًا } [السراء ‪ .]23 :‬وكثيرا ما يقرن تعالى بين ذلك في القرآن‪.‬‬
‫حمَلَتْهُ ُأمّ ُه وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ }‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬مشقة وَهْن‬
‫وقال هاهنا { َو َوصّيْنَا النْسَانَ ِبوَالِدَيْهِ َ‬
‫الولد‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬جهدًا على جهد‪.‬‬
‫وقال عطاء الخراساني ‪ :‬ضعفا على ضعف‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬و ِفصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } أي ‪ :‬تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪{ :‬‬
‫حوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ِلمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمّ ال ّرضَاعَةَ } [البقرة ‪.]233 :‬‬
‫ضعْنَ َأوْلدَهُنّ َ‬
‫وَا ْلوَالِدَاتُ يُ ْر ِ‬
‫ومن هاهنا استنبط ابن عباس وغيره من الئمة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ؛ لنه قال تعالى في‬
‫شهْرًا } [الحقاف ‪.]15 :‬‬
‫حمْلُ ُه َو ِفصَالُهُ ثَلثُونَ َ‬
‫الية الخرى ‪ { :‬وَ َ‬
‫وإنما يذكر تعالى تربيةَ الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليل ونهارًا ‪ ،‬ليُذكّر الولد بإحسانها‬
‫صغِيرًا } [السراء ‪ ]24 :‬؛ ولهذا‬
‫ح ْم ُهمَا َكمَا رَبّيَانِي َ‬
‫المتقدم إليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬و ُقلْ َربّ ا ْر َ‬
‫شكُرْ لِي وَِلوَالِدَ ْيكَ إَِليّ ا ْل َمصِيرُ } أي ‪ :‬فإني سأجزيك (‪ )5‬على ذلك أوفر الجزاء‪.‬‬
‫قال ‪ { :‬أَنِ ا ْ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن أبي شيبة ‪ ،‬ومحمود بن غَيْلن قال حدثنا‬
‫عبيد ال ‪ ،‬أخبرنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق (‪ )6‬عن سعيد بن وهب قال ‪ :‬قدم علينا معاذ بن‬
‫جبل ‪ ،‬وكان بعثه النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقام فحمد ال وأثنى عليه ثم قال ‪ :‬إني [رسول] (‬
‫‪ )7‬رسول ال صلى ال عليه وسلم إليكم ‪ :‬أن تعبدوا ال ول تشركوا به شيئًا ‪ ،‬وأن تطيعوني ل‬
‫آلوكم خيرًا ‪ ،‬وأن المصير إلى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬روى البخاري بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ألم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )4776‬وصحيح مسلم برقم (‪.)124‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬سأجازيك"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬روى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/336‬‬

‫سمَاوَاتِ َأوْ فِي الْأَ ْرضِ يَ ْأتِ ِبهَا‬


‫صخْ َرةٍ َأوْ فِي ال ّ‬
‫يَا بُ َنيّ إِ ّنهَا إِنْ َتكُ مِ ْثقَالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْ َدلٍ فَ َتكُنْ فِي َ‬
‫ف وَانْهَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَاصْبِرْ عَلَى مَا‬
‫اللّهُ إِنّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (‪ )16‬يَا بُ َنيّ َأ ِقمِ الصّلَا َة وَ ْأمُرْ بِا ْل َمعْرُو ِ‬
‫س وَلَا َتمْشِ فِي الْأَ ْرضِ مَرَحًا إِنّ اللّهَ‬
‫صعّرْ خَ ّدكَ لِلنّا ِ‬
‫َأصَا َبكَ إِنّ ذَِلكَ مِنْ عَ ْزمِ الُْأمُورِ (‪ )17‬وَلَا ُت َ‬
‫صوَاتِ‬
‫ضضْ مِنْ صَوْ ِتكَ إِنّ أَ ْنكَرَ الَْأ ْ‬
‫غ ُ‬
‫ك وَا ْ‬
‫حبّ ُكلّ مُخْتَالٍ َفخُورٍ (‪ )18‬وَا ْقصِدْ فِي مَشْ ِي َ‬
‫لَا يُ ِ‬
‫حمِيرِ (‪)19‬‬
‫صوْتُ ا ْل َ‬
‫َل َ‬

‫ال ‪ ،‬وإلى الجنة أو إلى النار ‪ ،‬إقامة فل ظعن ‪ ،‬وخلود فل موت‪.‬‬


‫ط ْع ُهمَا } أي ‪ :‬إن حَ َرصَا عليك‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ ُتشْ ِركَ بِي مَا لَيْسَ َلكَ بِهِ عِلْمٌ فَل ُت ِ‬
‫كل الحرص على أن تتابعهما (‪ )1‬على دينهما ‪ ،‬فل تقبل منهما ذلك ‪ ،‬ول يمنعنّك ذلك من أن‬
‫تصاحبهما في الدنيا معروفا ‪ ،‬أي ‪ :‬محسنًا إليهما ‪ { ،‬وَاتّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إَِليّ } يعني ‪ :‬المؤمنين‬
‫ج ُعكُمْ فَأُنَبّ ُئ ُكمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫‪ُ { ،‬ثمّ إَِليّ مَرْ ِ‬
‫قال الطبراني في كتاب العشرة ‪ :‬حدثنا أبو عبد الرحمن عبد ال بن أحمد بن حنبل ‪ ،‬حدثنا أحمد‬
‫بن أيوب بن راشد ‪ ،‬حدثنا مسلمة بن علقمة ‪ ،‬عن داود بن أبي هند [عن أبي عثمان النهدي] (‪)2‬‬
‫‪ :‬أن سعد بن مالك قال ‪ :‬أنزلت فيّ هذه الية ‪ { :‬وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ ُتشْ ِركَ بِي مَا لَ ْيسَ َلكَ بِهِ‬
‫ط ْع ُهمَا } الية ‪ ،‬وقال ‪ :‬كنت رجل برًا بأمي ‪ ،‬فلما أسلمت قالت ‪ :‬يا سعد ‪ ،‬ما هذا الذي‬
‫عِلْمٌ فَل ُت ِ‬
‫أراك قد أحدثت ؟ لَ َتدَعَنّ دينك هذا أو ل آكل ول أشرب حتى أموت ‪ ،‬فَ ُتعَيّر بي ‪ ،‬فيقال ‪" :‬يا قاتل‬
‫أمه"‪ .‬فقلت ‪ :‬ل تفعلي يا أمَه ‪ ،‬فإني ل أدع ديني هذا لشيء‪ .‬فمكثتْ يومًا وليلة لم تأكل فأصبحت‬
‫قد جهدت ‪ ،‬فمكثتْ يومًا [آخر] (‪ )3‬وليلة أخرى ل تأكل ‪ ،‬فأصبحتْ قد اشتد جهدها ‪ ،‬فلما رأيت‬
‫ذلك قلت ‪ :‬يا أمه ‪ ،‬تعلمين وال لو كانت لكِ مائة نفس فخَرجت َنفْسا َنفْسًا ‪ ،‬ما تركت ديني هذا‬
‫لشيء ‪ ،‬فإن شئت فكلي ‪ ،‬وإن شئت ل تأكلي‪ .‬فأكلتْ (‪.)4‬‬
‫س َموَاتِ َأوْ فِي ال ْرضِ يَ ْأتِ‬
‫{ يَا بُ َنيّ إِ ّنهَا إِنْ َتكُ مِثْقَالَ حَبّةٍ مِنْ خَ ْر َدلٍ فَ َتكُنْ فِي صَخْ َرةٍ َأوْ فِي ال ّ‬
‫ِبهَا اللّهُ إِنّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (‪ )16‬يَا بُ َنيّ َأ ِقمِ الصّل َة وَ ْأمُرْ بِا ْل َمعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَاصْبِرْ‬
‫س وَل َتمْشِ فِي ال ْرضِ مَ َرحًا‬
‫خ ّدكَ لِلنّا ِ‬
‫صعّرْ َ‬
‫عَلَى مَا َأصَا َبكَ إِنّ ذَِلكَ مِنْ عَ ْز ِم المُورِ (‪ )17‬وَل ُت َ‬
‫صوْ ِتكَ إِنّ أَ ْنكَرَ‬
‫ن َ‬
‫غضُضْ مِ ْ‬
‫حبّ ُكلّ ُمخْتَالٍ فَخُورٍ (‪ )18‬وَا ْقصِدْ فِي َمشْ ِيكَ وَا ْ‬
‫إِنّ اللّ َه ل ُي ِ‬
‫حمِيرِ (‪.} )19‬‬
‫صوْتُ ا ْل َ‬
‫الصْوَاتِ َل َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذه وصايا نافعة قد حكاها ال تعالى عن لقمان الحكيم ؛ ليمتثلها الناس ويقتدوا بها ‪ ،‬فقال ‪ { :‬يَا‬
‫بُ َنيّ إِ ّنهَا إِنْ َتكُ مِ ْثقَالَ حَبّةٍ مِنْ خَ ْر َدلٍ } أي ‪ :‬إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة [من] (‬
‫‪ )5‬خردل‪ .‬وجوز بعضهم أن يكون الضمير في قوله ‪ { :‬إِ ّنهَا } ضمير الشأن والقصة‪ .‬وجوز‬
‫على هذا رفع { مِ ْثقَالَ } والول أولى‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬يَ ْأتِ ِبهَا اللّهُ } أي ‪ :‬أحضرها ال يوم القيامة حين يضع الموازين القسط ‪ ،‬وجازى‬
‫عليها إن خيرًا فخير ‪ ،‬وإن شرًا فشر‪ .‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَ َنضَعُ ا ْل َموَازِينَ ا ْلقِسْطَ لِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ فَل‬
‫تُظَْلمُ َنفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِ ْثقَالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْ َدلٍ أَتَيْنَا ِبهَا َو َكفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [النبياء ‪ ، ]47 :‬وقال‬
‫تعالى ‪َ { :‬فمَنْ َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ خَيْرًا يَ َرهُ * َومَنْ َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ شَرّا يَ َرهُ } [الزلزلة ‪] 8 ، 7 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬تبايعهما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أسد الغابة ‪ ،‬والدر المنثور‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )4‬وذكره ابن الثير في أسد الغابة (‪ )2/216‬عن داود بن أبي هند‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/337‬‬

‫صمّاء ‪ ،‬أو غائبة ذاهبة في أرجاء‬


‫‪ ،‬ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة َ‬
‫السموات أو الرض (‪ )1‬فإن ال يأتي بها ؛ لنه ل تخفى عليه خافية ‪ ،‬ول يعزب عنه مثقال ذرة‬
‫في السموات ول في الرض ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي ‪ :‬لطيف العلم ‪ ،‬فل تخفى‬
‫عليه الشياء وإن دَقت ولطفت وتضاءلت { خَبِيرٌ } بدبيب النمل في الليل البهيم‪.‬‬
‫صخْ َرةٍ } أنها صخرة تحت الرضين (‪ )2‬السبع ‪،‬‬
‫وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله ‪ { :‬فَ َتكُنْ فِي َ‬
‫ذكره السّدّي بإسناده ذلك المطروق عن ابن عباس وابن مسعود وجماعة من الصحابة إن صح‬
‫ذلك ‪ ،‬ويروى هذا عن عطية العوفي ‪ ،‬وأبي مالك ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬والمِنهال بن عمرو ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وهذا وال أعلم ‪ ،‬كأنه متلقى من السرائيليات التي ل تصدق ‪ ،‬ول تكذب ‪ ،‬والظاهر ‪ -‬وال أعلم‬
‫‪ -‬أن المراد ‪ :‬أن هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة ‪ ،‬فإن ال سيبديها ويظهرها‬
‫بلطيف علمه ‪ ،‬كما قال (‪ )3‬المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا دَراج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد‬
‫الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬لو أن أحدكم يعمل في‬
‫صمّاء ‪ ،‬ليس لها باب ول كوّة ‪ ،‬لخرج عمله للناس كائنًا ما كان" (‪.)4‬‬
‫صخرة َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثم قال ‪ { :‬يَا بُ َنيّ َأقِمِ الصّلةَ } أي ‪ :‬بحدودها وفروضها وأوقاتها ‪ { ،‬وَ ْأمُرْ بِا ْل َمعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ‬
‫ا ْلمُ ْنكَرِ } أي ‪ :‬بحسب طاقتك وجهدك ‪ { ،‬وَاصْبِرْ عَلَى مَا َأصَا َبكَ } ‪ ،‬علم أن المر بالمعروف‬
‫والناهي عن المنكر ‪ ،‬ل بد أن يناله من الناس أذى ‪ ،‬فأمره بالصبر‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ ذَِلكَ مِنْ عَزْمِ المُورِ } أي ‪ :‬إن الصبر على أذى الناس لمن عزم المور‪.‬‬
‫صعّرْ خَ ّدكَ لِلنّاسِ } يقول ‪ :‬ل تُع ِرضْ بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل ُت َ‬
‫احتقارًا منك لهم ‪ ،‬واستكبارًا عليهم ولكن ألِنْ جانبك ‪ ،‬وابسط وجهك إليهم ‪ ،‬كما جاء في الحديث‬
‫‪" :‬ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه مُنْبَسِط ‪ ،‬وإياك وإسبال الزار فإنها من المِخيلَة ‪ ،‬والمخيلة ل‬
‫يحبها ال"‪.‬‬
‫صعّرْ خَ ّدكَ لِلنّاسِ } يقول ‪ :‬ل تتكبر‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَل ُت َ‬
‫فتحقِرَ (‪ )5‬عبادَ ال ‪ ،‬وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك‪ .‬وكذا روى العوفي وعكرمة عنه‪.‬‬
‫خ ّدكَ لِلنّاسِ } ‪ :‬ل تكَلّم وأنت معرض‪ .‬وكذا رُوي‬
‫صعّرْ َ‬
‫وقال مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ { :‬وَل ُت َ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬ويزيد بن الصم ‪ ،‬وأبي الجوزاء ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وابن‬
‫عن مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫يزيد ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال إبراهيم النّخعِي ‪ :‬يعني بذلك ‪ :‬التشديق في الكلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬والرض"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الرض"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬كما روى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )3/28‬وحسنه الهيثمي في المجمع (‪ )10/225‬وفيه ابن لهيعة عن دراج وهما‬
‫ضعيفان‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فتحتقر"‪.‬‬

‫( ‪)6/338‬‬

‫والصواب القول الول‪.‬‬


‫صعَر ‪ :‬داء يأخذ البل في أعناقها أو رؤوسها ‪ ،‬حتى تُل َفتَ (‪ )1‬أعناقُها‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وأصل ال ّ‬
‫عن رؤوسها ‪ ،‬فشبه به الرجل المتكبر ‪ ،‬ومنه قول عمرو بن حُني ال ّتغْلبي ‪:‬‬
‫خدّه‪ ...‬أ َقمْنَا لَه مِنْ مَيْلِه فَ َت َق ّومَا (‪)2‬‬
‫صعّر َ‬
‫َوكُنّا إذَا الجَبّا ُر َ‬
‫وقال أبو طالب في شعره ‪:‬‬
‫صعْر الرؤوس ُنقِيمها (‪)3‬‬
‫َوكُنّا قَديمًا ل نقرّ ظُلمَة‪ ...‬إذا ما ثَنوا ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل َتمْشِ فِي ال ْرضِ مَرَحًا } أي ‪ :‬جذل متكبرًا جبارًا عنيدًا ‪ ،‬ل تفعل ذلك يبغضك ال‬
‫حبّ ُكلّ ُمخْتَالٍ َفخُورٍ } أي ‪ :‬مختال معجب في نفسه ‪ ،‬فخور ‪ :‬أي‬
‫؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ل ُي ِ‬
‫على غيره ‪ ،‬وقال تعالى ‪ { )4( :‬وَل َتمْشِ فِي ال ْرضِ مَرَحًا إِ ّنكَ لَنْ تَخْ ِرقَ ال ْرضَ وَلَنْ تَبُْلغَ‬
‫الْجِبَالَ طُول } [السراء ‪ ، ]37 :‬وقد تقدم الكلم على ذلك في موضعه‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال الحضرمي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عمران‬
‫بن أبي ليلى ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن ابن أبي ليلى ‪ ،‬عن عيسى ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (‪)5‬‬
‫شمّاس قال ‪ :‬ذكر الكبر عند رسول ال صلى ال عليه وسلم فشدد فيه ‪،‬‬
‫عن ثابت بن قيس بن َ‬
‫فقال ‪" :‬إن ال ل يحب كل مختال فخور"‪ .‬فقال رجل من القوم ‪ :‬وال يا رسول ال إني لغسل‬
‫سوْطي ‪ ،‬فقال ‪" :‬ليس ذلك الكبر ‪ ،‬إنما‬
‫ثيابي فيعجبني بياضها ‪ ،‬ويعجبني شِراك نعلي ‪ ،‬وعِلقة َ‬
‫الكبر أن تَسْفه الحق و َت ْغمِط (‪ )6‬الناس" (‪.)7‬‬
‫ورواه من طريق أخرى بمثله ‪ ،‬وفيه قصة طويلة ‪ ،‬ومقتل ثابت ووصيته بعد موته (‪.)8‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْقصِدْ فِي مَشْ ِيكَ } أي ‪ :‬امش مشيًا مقتصدا ليس بالبطيء المتثبط ‪ ،‬ول بالسريع‬
‫المفرط ‪ ،‬بل عدل وسطًا بين بين‪.‬‬
‫صوْتِكَ } أي ‪ :‬ل تبالغ في الكلم ‪ ،‬ول ترفع صوتك فيما ل فائدة فيه ؛‬
‫ضضْ مِنْ َ‬
‫غ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْ‬
‫حمِيرِ } قال مجاهد وغير واحد ‪ :‬إن أقبح‬
‫ص ْوتُ الْ َ‬
‫صوَاتِ َل َ‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬إِنّ أَ ْنكَ َر ال ْ‬
‫الصوات لصوت الحمير ‪ ،‬أي ‪ :‬غاية مَنْ رفع صوته أنه ُيشَبه بالحمير في علوه ورفعه ‪ ،‬ومع‬
‫هذا هو بغيض إلى ال تعالى‪ .‬وهذا التشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم ؛ لن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ليس لنا مثل السوء ‪ ،‬العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود‬
‫في قيئه"‪.‬‬
‫وقال النسائي عند تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا قتيبة بن سعيد ‪ ،‬حدثنا الليث ‪ ،‬عن جعفر بن ربيعة ‪،‬‬
‫عن العرج ‪ )9( ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم [أنه] (‪ )10‬قال ‪" :‬إذا سمعتم‬
‫صياح الديكة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬تلتفت" وفي أ ‪" :‬بلغت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيت في مجاز القرآن لبي عبيدة (‪.)2/127‬‬
‫(‪ )3‬البيت في السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/269‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وقد قال ال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى الطبراني بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تغمص"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المعجم الكبير (‪ )2/69‬وفيه انقطاع بين ابن أبي ليلى وثابت‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬المعجم الكبير (‪ )2/70‬من طريق عبد الرحمن بن يزيد ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن بنت ثابت بقصة‬
‫أبيها ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )9/322‬وبنت ثابت بن قيس لم أعرفها ‪ ،‬وبقية رجاله رجال‬
‫الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى النسائي عند تفسير هذه الية بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/339‬‬

‫فاسألوا ال من فضله ‪ ،‬وإذا سمعتم نهيق الحمير (‪ )1‬فتعوذوا بال من الشيطان ‪ ،‬فإنها رأت‬
‫شيطانًا"‪.‬‬
‫وقد أخرجه بقية الجماعة سوى ابن ماجه ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن جعفر بن ربيعة به ‪ )2( ،‬وفي بعض‬
‫اللفاظ ‪" :‬بالليل" ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫فهذه وصايا نافعة جدًا ‪ ،‬وهي من قَصص القرآن العظيم عن لقمان الحكيم‪ .‬وقد روي عنه من‬
‫الحكم والمواعظ أشياء كثيرة ‪ ،‬فلنذكر منها أنموذجًا ودستورًا إلى ذلك‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ابن إسحاق ‪ ،‬أخبرنا ابن المبارك ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬أخبرني َنهْشَل بن‬
‫جمّع الضبي عن قزعة ‪ ،‬عن ابن عمر (‪ )3‬رضي ال عنه (‪ )4‬قال ‪ :‬أخبرنا رسول ال صلى‬
‫مُ َ‬
‫ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن لقمان الحكيم كان يقول ‪ :‬إن ال إذا استودع شيئا حفظه" (‪.)5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا عيسى بن يونس ‪ ،‬عن الوزاعي ‪ ،‬عن‬
‫موسى بن سليمان ‪ ،‬عن القاسم [بن مُخَ ْيمِرة يحدث عن أبي موسى الشعري] (‪ )6‬أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬قال لقمان لبنه وهو يعظه ‪ :‬يا بني ‪ ،‬إياك والتقنع فإنه مخوفة‬
‫بالليل ‪ ،‬مذمة بالنهار" (‪.)7‬‬
‫ضمْرَة ‪ ،‬حدثنا السّريّ بن يحيى (‪ )8‬قال ‪ :‬قال‬
‫وقال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن عثمان ‪ ،‬عن َ‬
‫لقمان لبنه ‪ :‬يا بني ‪ ،‬إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبدة بن سليمان ‪ ،‬أخبرنا ابن المبارك ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن المسعودي (‬
‫عوْن بن عبد ال قال ‪ :‬قال لقمان لبنه ‪ :‬يا بني ‪ ،‬إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم‬
‫‪ ، )9‬عن َ‬
‫السلم ‪ -‬يعني السلم ‪ -‬ثم اجلس في ناحيتهم ‪ ،‬فل تنطق حتى تراهم قد نطقوا ‪ ،‬فإن أفاضوا في‬
‫جلْ سهمك معهم ‪ ،‬وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول عنهم إلى غيرهم‪.‬‬
‫ذكر ال فَأ ِ‬
‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار ‪ ،‬حدثنا ضمرة (‪ ، )10‬عن‬
‫حفص بن عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬وضع لقمان جرابًا من خردل إلى جانبه ‪ ،‬وجعل يعظ‬
‫ابنه وعظة ويخرج خردلة ‪ ،‬حتى نفذ الخردل ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا بني ‪ ،‬لقد وعظتك موعظة لو وُعِظَها‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جبل لتفطر‪ .‬قال ‪ :‬فتفطر ابنه‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا يحيى بن عبد الباقي ال ِمصّيصي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد الرحمن‬
‫الحراني ‪ ،‬حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي ‪ ،‬حدثنا أبين (‪ )11‬بن سفيان المقدسي ‪ ،‬عن‬
‫خليفة بن سلم ‪ ،‬عن عطاء بن أبي رباح (‪ ، )12‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬اتخذوا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الحمار"‪.‬‬
‫(‪ )2‬النسائي في السنن الكبرى (‪ )11391‬وصحيح البخاري برقم (‪ )3301‬وصحيح مسلم برقم (‬
‫‪ )2779‬وسنن أبي داود برقم (‪ )5102‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3459‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عنهما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)2/87‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ ‪ ،‬والمستدرك‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/411‬وقال ‪" :‬هذا متن شاهده إسناد صحيح" وأقره الذهبي‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى أيضا بإسناده عن السري بن يحيى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن القاسم بن مخيمرة"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وروى أيضا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬ف ‪ ،‬هـ ‪" :‬أنس" والتصويب من المعجم الكبير وكتب الرجال‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬وروى الطبراني بسنده"‪.‬‬

‫( ‪)6/340‬‬

‫السودان فإن ثلثة منهم من سادات أهل الجنة ‪ :‬لقمان الحكيم ‪ ،‬والنجاشي ‪ ،‬وبلل المؤذن" (‪.)1‬‬
‫قال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬أراد الحبش‪.‬‬
‫فصل في الخمول والتواضع ‪ :‬وذلك متعلق بوصية لقمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لبنه ‪ ،‬وقد جمع في‬
‫ذلك الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا كتابًا مفردًا [و] (‪ )2‬نحن ‪ ،‬نذكر منه مقاصده ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا‬
‫إبراهيم بن المنذر ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن موسى المدني ‪ ،‬عن أسامة بن زيد ‪ ،‬عن حفص بن عبيد‬
‫طمْرَين‬
‫ال بن أنس بن مالك ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ُ " :‬ربّ أشعثَ ذي ِ‬
‫ُيصْفَح عن أبواب الناس ‪ ،‬إذا (‪ )3‬أقسم على ال لبره" (‪.)4‬‬
‫ثم رواه من حديث جعفر بن سليمان ‪ ،‬عن ثابت وعلي بن زيد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬عن النبي صلى ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليه وسلم فذكره ‪ ،‬وزاد ‪ ،‬منهم البراء بن مالك (‪.)5‬‬
‫[وروي أيضا عن أنس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬طوبى‬
‫للتقياء الثرياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا ‪ ،‬وإذا غابوا لم يفتقدوا ‪ ،‬أولئك مصابيح مجردون‬
‫من كل فتنة غبراء مشينة"] (‪ .)6‬وقال أبو بكر بن سهل التميمي ‪ :‬حدثنا ابن أبي مريم ‪ ،‬حدثنا‬
‫نافع بن يزيد ‪ ،‬عن عياش بن عباس ‪ ،‬عن عيسى بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه دخل المسجد فإذا هو بمعاذ بن جبل يبكي عند قبر رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ما يبكيك يا معاذ ؟ قال ‪ :‬حديث سمعته من رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬سمعته يقول ‪" :‬إن اليسير من الرياء شرك ‪ ،‬وإن ال يحب التقياء الخفياء‬
‫الثرياء ‪ ،‬الذين إذا غابوا لم يفتقدوا ‪ ،‬وإذا حضروا لم يعرفوا ‪ ،‬قلوبهم مصابيح الهدى ‪ ،‬ينجون‬
‫من كل غبراء مظلمة" (‪.)7‬‬
‫حدثنا الوليد بن شجاع ‪ ،‬حدثنا عَثّام بن علي ‪ ،‬عن حميد بن عطاء العرج ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫الحارث ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ُ " :‬ربّ‬
‫ذي طمرين ل يُؤبَه له ‪ ،‬لو أقسم على ال لبره ‪ ،‬لو قال ‪ :‬اللهم إني أسألك الجنة لعطاه الجنة ‪،‬‬
‫ولم يعطه من الدنيا شيئا" (‪.)8‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن سالم بن أبي‬
‫الجعد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن من أمتي مَنْ لو أتى باب أحدكم يسأله‬
‫دينارًا أو درهما أو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير (‪ )11/198‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )4/235‬فيه أبين بن سفيان وهو‬
‫ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬لو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪" )5054‬مجمع البحرين" قال ‪" :‬حدثنا أحمد بن‬
‫يحيى الحلواني ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن المنذر ‪ ،‬فذكر مثله ‪ -‬ثم قال ‪ -‬لم يروه عن حفص إل‬
‫أسامة" ‪ ،‬وله شاهد في صحيح مسلم برقم (‪ )2622‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪ .‬تنبيه ‪:‬‬
‫سقط هذا الحديث من مخطوطة التواضع والخمول لبن أبي الدنيا ‪ ،‬وكذا الرواية بعده‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3854‬من طريق سيار عن جعفر بن سليمان به ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"هذا حديث حسن صحيح من هذا الوجه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬التواضع والخمول لبن أبي الدنيا برقم (‪.)8‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬سقط الحديث من مخطوطة التواضع والخمول ‪ ،‬ورواه الديلمي في مسند الفردوس برقم (‬
‫‪ )3246‬من طريق ابن أبي الدنيا‪.‬‬

‫( ‪)6/341‬‬

‫فلسًا لم يعطه ‪ ،‬ولو سأل ال الجنة لعطاه إياها ‪ ،‬ولو سأله (‪ )1‬الدنيا لم يعطه إياها ‪ ،‬ولم يمنعها‬
‫إياه لهوانه عليه ‪ ،‬ذو طمرين ل يؤبه له ‪ ،‬لو أقسم على ال لبره" (‪.)2‬‬
‫وهذا مرسل من هذا الوجه‪.‬‬
‫عوْف قال ‪ :‬قال أبو‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬أخبرنا جعفر بن سليمان ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن من ملوك الجنة من هو أشعث أغبر ذو‬
‫طمرين ل يُؤبَه له ‪ ،‬الذين إذا استأذنوا على المراء لم يؤذن لهم ‪ ،‬وإذا خطبوا النساء لم ينكحوا ‪،‬‬
‫وإذا قالوا لم يُنصَت لهم ‪ ،‬حوائج أحدهم تتجلجل في صدره ‪ ،‬لو قسم نوره يوم القيامة بين الناس‬
‫لوسعهم" (‪ .)3‬قال ‪ :‬وأنشدني عمر بن شَبّةَ ‪ ،‬عن ابن عائشة قال ‪ :‬قال عبد ال بن المبارك ‪:‬‬
‫أل ُربّ ذي طمْرَين في مَنزل غَدًا‪ ...‬زَرَابِيه مَبْثُوثةً و َنمَارقُه‪...‬‬
‫علَيه حَدَائقُه (‪)4‬‬
‫ق والت ّفتْ َ‬
‫حَوَل َقصْره‪ ...‬وَأشرَ َ‬
‫قَد اطّرَ َدتْ أنهاره ْ‬
‫وروي ‪ -‬أيضا ‪ -‬من حديث عُبَيد ال بن زَحْر ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬عن أبي أمامة‬
‫مرفوعا ‪" :‬قال ال ‪ :‬من أغبط أوليائي عندي ‪ :‬مؤمن خفيف الحاذ ‪ ،‬ذو حظ من صلة ‪ ،‬أحسن‬
‫عبادة ربه ‪ ،‬وأطاعه في السر ‪ ،‬وكان غامضا في الناس ‪ ،‬ل يشار إليه بالصابع‪ .‬إن صبر على‬
‫عجّلت منيته ‪ ،‬وقل تراثه ‪ ،‬وقلت بواكيه" (‪.)5‬‬
‫ذلك"‪ .‬قال ‪ :‬ثم َنقَد رسول ال بيده وقال ‪ُ " :‬‬
‫وعن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬أحب عباد ال (‪ )6‬إلى ال الغرباء‪ .‬قيل ‪ :‬ومَنْ الغرباء ؟ قال ‪:‬‬
‫الفرارون بدينهم ‪ ،‬يجمعون يوم القيامة إلى عيسى بن مريم (‪.)7‬‬
‫وقال الفضيل بن عياض ‪ :‬بلغني أن ال تعالى (‪ )8‬يقول للعبد يوم القيامة ‪ :‬ألم أنعم عليك ؟ ألم‬
‫أعطك ؟ ألم أسترك ؟ ألم‪ ..‬؟ ألم‪ ..‬؟ ألم أخمل ذكرك ؟ ثم قال الفضيل ‪ :‬إن استطعت أل تُعرَف‬
‫فافعل ‪ ،‬وما عليك أل يُثنى عليك ‪ ،‬وما عليك أن تكون مذموما عند الناس محمودًا عند ال‪.‬‬
‫وكان ابن مُحَيْرِيز يقول ‪ :‬اللهم إني أسألك ذكرا خامل‪.‬‬
‫وكان الخليل بن أحمد يقول ‪ :‬اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك ‪ ،‬واجعلني في نفسي من أوضع‬
‫خلقك ‪ ،‬وعند الناس من أوسط خلقك‪.‬‬
‫ثم قال (‪ : )9‬باب ما جاء في الشهرة‬
‫حدثنا أحمد بن عيسى المصري ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬عن عمر بن الحارث وابن َلهِيعة ‪ ،‬عن يزيد‬
‫بن أبي حبيب ‪ ،‬عن سِنَان بن سعد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫"حسب امرئ من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ولو سأل ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬التواضع والخمول لبن أبي الدنيا برقم (‪ ، )1‬وهو مرسل‪.‬‬
‫(‪ )3‬ورواه ابن أبي الدنيا في الولياء برقم (‪ )9‬عن الحسن مرسل بنحوه ‪ ،‬وقد سقط هذا الحديث‬
‫من مخطوطة التواضع والخمول‪.‬‬
‫(‪ )4‬التواضع والخمول لبن أبي الدنيا برقم (‪.)5‬‬
‫(‪ )5‬التواضع والخمول برقم (‪ )13‬وقد قال ابن حبان ‪" :‬إذا روى عبيد ال بن زحر عن علي بن‬
‫يزيد عن القاسم فهو مما عملته أيديهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أحب العباد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬التواضع والخمول برقم (‪.)16‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬أي ابن أبي الدنيا‪.‬‬

‫( ‪)6/342‬‬

‫الشر ‪ -‬إل من عصم ال ‪ -‬أن يشير الناس إليه بالصابع في دينه ودنياه ‪ ،‬وإن ال ل ينظر إلى‬
‫صوركم ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم" (‪.)1‬‬
‫سيّ ‪،‬‬
‫وروي مثله عن إسحاق بن البهلول ‪ ،‬عن ابن أبي ُفدَيْك ‪ ،‬عن محمد بن عبد الواحد الخْنَ ِ‬
‫عن عبد الواحد بن أبي كثير ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال مرفوعا ‪ ،‬مثله (‪.)2‬‬
‫وروي عن الحسن مرسل نحوه (‪ ، )3‬فقيل للحسن ‪ :‬فإنه يشار إليك بالصابع ؟ فقال ‪ :‬إنما‬
‫المراد من يشار إليه في دينه بالبدعة وفي دنياه بالفسق (‪.)4‬‬
‫وعن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ل تبدأ لن تشتهر ‪ ،‬ول ترفع شخصك لتذكر ‪ ،‬وتعلم واكتم ‪،‬‬

‫واصمت تسلم ‪ ،‬تَسُر البرار ‪ ،‬وتغيظ الفجار‪.‬‬


‫وقال إبراهيم بن أدهم ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬ما صدق ال من أحب الشهرة‪.‬‬
‫وقال أيوب ‪ :‬ما صدق ال عبده إل سره أل يشعر بمكانه‪.‬‬
‫وقال محمد بن العلء ‪ :‬من أحب ال أحب أل يعرفه الناس‪.‬‬
‫سمَاك بن سلمة ‪ :‬إياك وكثرة الخلء‪.‬‬
‫وقال ِ‬
‫وقال أبَان بن عثمان ‪ :‬إن أحببت أن يسلم لك دينك فأقل من المعارف ؛ كان أبو العالية إذا جلس‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إليه أكثر من ثلثة نهض وتركهم‪.‬‬
‫عوْف ‪ ،‬عن أبي رَجَاء قال ‪ :‬رأى طلحة قوما‬
‫جعْد ‪ ،‬أخبرنا شعبة ‪ ،‬عن َ‬
‫وقال ‪ :‬حدثنا علي بن ال َ‬
‫يمشون معه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ذباب طمع ‪ ،‬وفراش النار‪.‬‬
‫وقال ابن إدريس ‪ ،‬عن هارون بن عنترة (‪ ، )5‬عن سليم بن حنظلة قال ‪ :‬بينا نحن حول أبي إذ‬
‫عله عمر بن الخطاب بالدرة وقال ‪ :‬إنها مذلة للتابع ‪ ،‬وفتنة للمتبوع‪.‬‬
‫وقال ابن عون ‪ ،‬عن الحسن ‪ :‬خرج ابن مسعود فاتبعه أناس ‪ ،‬فقال ‪ :‬وال لو تعلمون ما أغِلقُ‬
‫عليه بابي ‪ ،‬ما اتبعني منكم رجلن‪.‬‬
‫وقال حماد بن زيد ‪ :‬كنا إذا مررنا على المجلس ‪ ،‬ومعنا أيوب ‪ ،‬فسلم ‪ ،‬ردوا ردا شديدا ‪ ،‬فكان‬
‫ذلك َيغُمه‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ :‬كان أيوب يطيل قميصه ‪ ،‬فقيل له في ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن الشهرة‬
‫فيما مضى كانت في طول القميص ‪ ،‬واليوم في تشميره‪ .‬واصطنع مرة نعلين على حذو نعلي‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فلبسهما أياما ثم خلعهما ‪ ،‬وقال ‪ :‬لم أر الناس يلبسونهما‪.‬‬
‫وقال إبراهيم النّخَعي ‪ :‬ل تلبس من الثياب ما يُشهر في الفقهاء ‪ ،‬ول ما يزدريك السفهاء‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ :‬كانوا يكرهون من الثياب الجياد ‪ ،‬التي يُشتَهر بها ‪ ،‬ويرفع الناس إليه فيها‬
‫أبصارهم‪ .‬والثياب الرديئة التي يحتقر فيها ‪ ،‬ويستذل دينه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التواضع والخمول برقم (‪ )30‬وفيه سنان بن سعد ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬التواضع والخمول برقم (‪ )31‬وقال العراقي ‪" :‬ليس معروفا من حديث جابر إنما هو معروف‬
‫من حديث أبي هريرة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬التواضع والخمول برقم (‪.)32‬‬
‫(‪ )4‬التواضع والخمول برقم (‪.)33‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬هارون بن أبي عشيرة"‪.‬‬

‫( ‪)6/343‬‬

‫خدَاش ‪ :‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن أبي حسنة ‪ -‬صاحب الزيادي ‪ -‬قال ‪ :‬كنا عند أبي‬
‫وحدثنا خالد بن ِ‬
‫قِلبة إذ دخل عليه رجل عليه أكسية ‪ ،‬فقال ‪ :‬إياكم وهذا الحمار النهاق‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬إن قوما جعلوا الكبر في قلوبهم ‪ ،‬والتواضع في ثيابهم ‪ ،‬فصاحب‬
‫الكساء بكسائه أعجب من صاحب المطرف بمطرفه (‪ ، )1‬ما لهم تفاقدوا‪.‬‬
‫وفي بعض الخبار أن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قال لبني إسرائيل ‪ :‬ما لكم تأتوني عليكم ثياب‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الرهبان ‪ ،‬وقلوبكم قلوب الذئاب ‪ ،‬البسوا ثياب الملوك ‪ ،‬وألينوا قلوبكم بالخشية‪.‬‬
‫فصل في حسن الخلق‬
‫قال أبو التياح ‪ :‬عن أنس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم من أحسن‬
‫الناس خلقا (‪.)2‬‬
‫ي المؤمنين أفضل ؟ قال ‪" :‬أحسنهم خلقا" (‬
‫وعن عطاء ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أ ّ‬
‫‪.)3‬‬
‫وعن نوح بن عباد ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس مرفوعا ‪" :‬إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجات الخرة‬
‫وشرف المنازل ‪ ،‬وإنه لضعيف العبادة‪ .‬وإنه ليبلغ بسوء خلقه دَرَك جهنم وهو عابد" (‪ .)4‬وعن‬
‫سِنَان بن هارون ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن أنس مرفوعا ‪" :‬ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والخرة" (‪.)5‬‬
‫وعن عائشة مرفوعا ‪" :‬إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار" (‪.)6‬‬
‫وقال ابن أبي الدنيا ‪ :‬حدثني أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن إدريس ‪،‬‬
‫أخبرني أبي وعمي ‪ ،‬عن جدي ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬سُئل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم عن أكثر ما يُدخلُ الناسَ الجنة ‪ ،‬فقال ‪" :‬تقوى ال وحسن الخلق"‪ .‬وسئل عن أكثر ما‬
‫يدخل الناس النار ‪ ،‬فقال ‪" :‬الجوفان ‪ :‬الفم والفرج" (‪.)7‬‬
‫وقال أسامة بن شَرِيك ‪ :‬كنت عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فجاءته العراب من كل‬
‫مكان ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما خير ما أعطي النسان ؟ قال ‪" :‬حسن الخلق" (‪.)8‬‬
‫وقال يعلى بن مملك (‪ : )9‬عن أم الدرداء ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ -‬يبلغ به ‪ -‬قال ‪" :‬ما [من] (‪)10‬‬
‫شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق" (‪ ، )11‬وكذا رواه عطاء ‪ ،‬عن أم الدرداء ‪ ،‬به (‪.)12‬‬
‫وعن مسروق ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو مرفوعا ‪" :‬إن من خياركم أحاسنكم أخلقا" (‪.)13‬‬
‫حدثنا عبد ال بن أبي بدر ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبيد (‪ ، )14‬عن محمد بن أبي سارة ‪ ،‬عن الحسن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المطرق بمطرقه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬التواضع والخمول برقم (‪.)163‬‬
‫(‪ )3‬التواضع والخمول برقم (‪.)164‬‬
‫(‪ )4‬التواضع والخمول برقم (‪.)168‬‬
‫(‪ )5‬التواضع والخمول برقم (‪.)169‬‬
‫(‪ )6‬التواضع والخمول برقم (‪.)166‬‬
‫(‪ )7‬التواضع والخمول برقم (‪.)170‬‬
‫(‪ )8‬التواضع والخمول برقم (‪.)171‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬ف ‪ ،‬هـ ‪" :‬سماك" والصواب ما أثبتناه من كتب الرجال‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬التواضع والخمول برقم (‪.)172‬‬
‫(‪ )12‬التواضع والخمول برقم (‪.)173‬‬
‫(‪ )13‬التواضع والخمول برقم (‪.)174‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عنين" وفي أ ‪" :‬عيسى" والصواب ما أثبتناه من التواضع والخمول لبن أبي‬
‫الدنيا ‪ ،‬وكتب الرجال‪.‬‬

‫( ‪)6/344‬‬

‫بن علي قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال ليعطي العبد من الثواب على حسن‬
‫الخلق ‪ ،‬كما يعطي المجاهد في سبيل ال ‪ ،‬يغدو عليه الجر ويروح" (‪.)1‬‬
‫وعن مكحول ‪ ،‬عن أبي ثعلبة مرفوعا ‪" :‬إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا ‪ ،‬أحاسنكم أخلقا ‪،‬‬
‫وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني منزل في الجنة مساويكم أخلقا ‪ ،‬الثرثارون المتشدقون المتفيهقون"‬
‫(‪.)2‬‬
‫وعن أبي أويس ‪ ،‬عن محمد بن الم ْنكَدِر ‪ ،‬عن جابر مرفوعا ‪" :‬أل أخبركم بأكملكم إيمانا ‪،‬‬
‫أحاسنكم أخلقا ‪ ،‬الموطؤون أكنافا ‪ ،‬الذين ُيؤْلفون ويَأْلفون" (‪.)3‬‬
‫وقال الليث ‪ ،‬عن يزيد بن عبد ال بن أسامة ‪ ،‬عن بكر بن أبي الفرات قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ط َعمَه النار" (‪.)4‬‬
‫حسّن ال خَلْق رجل وخُلُقه فَتَ ْ‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬ما َ‬
‫وعن عبد ال بن غالب الحُدّاني ‪ ،‬عن أبي سعيد مرفوعا ‪" :‬خصلتان ل يجتمعان في مؤمن ‪:‬‬
‫البخل ‪ ،‬وسوء الخلق" (‪ ، )5‬وقال ميمون بن ِمهْرَان ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما‬
‫من ذنب أعظم عند ال من سوء الخلق ؛ وذلك أن صاحبه ل يخرج من ذنب إل وقع في آخر" (‬
‫‪.)6‬‬
‫سيّ ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن رجل‬
‫حمَ ِ‬
‫حدثنا علي بن الجعد ‪ ،‬حدثنا أبو المغيرة ال ْ‬
‫من قريش قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما من ذنب أعظم عند ال من سوء الخلق‬
‫؛ إن الخلق الحسن ليذيب الذنوب كما تذيب الشمس الجليد ‪ ،‬وإن الخلق السيئ ليفسد العمل كما‬
‫يفسد الخل العسل" (‪.)7‬‬
‫سعُون الناس‬
‫وقال عبد ال بن إدريس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعا ‪ " :‬إنكم ل َت َ‬
‫سعُهم منكم بسط وجوه وحسن خلق" (‪.)8‬‬
‫بأموالكم ‪ ،‬ولكن يَ َ‬
‫وقال محمد بن سيرين ‪ :‬حسن الخلق عون على الدين‪.‬‬
‫فصل في ذم الكبر‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال علقمة ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ -‬رفعه ‪" : -‬ل يدخل الجنة مَنْ كان في قلبه (‪ )9‬مثقال حبة من كِبْر‬
‫‪ ،‬ول يدخل النار من في قلبه مثقال حبة (‪ )10‬من إيمان" (‪.)11‬‬
‫وقال إبراهيم بن أبي عَبْلَة ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو مرفوعا ‪" :‬من كان في قلبه‬
‫مثقال ذرة من كبر ‪ ،‬أكبه ال على وجهه في النار" (‪.)12‬‬
‫حدثنا إسحاق بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن عمر بن راشد ‪ ،‬عن إياس بن سلمة ‪ ،‬عن‬
‫أبيه مرفوعا ‪" :‬ل يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب عند ال من الجبارين ‪ ،‬فيصيبه ما أصابهم‬
‫من العذاب" (‪.)13‬‬
‫وقال مالك بن دينار ‪ :‬ركب سليمان بن داود ‪ ،‬عليهما (‪ )14‬السلم ‪ ،‬ذات يوم البساط في مائتي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التواضع والخمول برقم (‪.)176‬‬
‫(‪ )2‬التواضع والخمول برقم (‪.)177‬‬
‫(‪ )3‬التواضع والخمول برقم (‪.)178‬‬
‫(‪ )4‬التواضع والخمول برقم (‪.)180‬‬
‫(‪ )5‬التواضع والخمول برقم (‪.)182‬‬
‫(‪ )6‬التواضع والخمول برقم (‪.)183‬‬
‫(‪ )7‬التواضع والخمول برقم (‪.)184‬‬
‫(‪ )8‬التواضع والخمول برقم (‪.)190‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ذرة"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ذرة"‪.‬‬
‫(‪ )11‬التواضع والخمول برقم (‪.)192‬‬
‫(‪ )12‬التواضع والخمول برقم (‪.)196‬‬
‫(‪ )13‬التواضع والخمول برقم (‪.)198‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬عليه"‪.‬‬

‫( ‪)6/345‬‬

‫ألف من النس ‪ ،‬ومائتي ألف من الجن ‪ ،‬فَرُفع حتى سمع تسبيح الملئكة في السماء ‪ ،‬ثم خفضوه‬
‫حتى مست قدمه ماء البحر ‪ ،‬فسمعوا صوتا لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر لخسف‬
‫به أبعد مما رفع‪.‬‬
‫حدثنا أبو خَيثَمة ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬عن حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬كان‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أبو بكر يخطبنا فيذكر بدء خلق النسان ‪ ،‬حتى إن أحدنا ليُقذر نفسه ‪ ،‬يقول ‪ :‬خرج من مجرى‬
‫البول مرتين (‪.)1‬‬
‫وقال الشعبي ‪ :‬من قتل اثنين فهو جبار ‪ ،‬ثم تل { أَتُرِيدُ أَنْ َتقْتُلَنِي َكمَا قَتَ ْلتَ َنفْسًا بِالمْسِ إِنْ تُرِيدُ‬
‫إِل أَنْ َتكُونَ جَبّارًا فِي ال ْرضِ } [القصص ‪ ]19 :‬وقال الحسن ‪ :‬عجبا لبن آدم ‪ ،‬يغسل الخرء‬
‫بيده في اليوم مرتين ثم يتكبر! يعارض جبار السموات ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا خالد بن خِدَاش ‪ ،‬حدثنا حماد‬
‫بن زيد ‪ ،‬عن علي بن الحسن ‪ ،‬عن الضحاك بن سفيان ‪ ،‬فذكر الحديث‪ .‬ضرب مثل الدنيَا بما‬
‫يخرج من ابن آدم (‪.)2‬‬
‫وقال الحسن ‪ ،‬عن يحيى ‪ ،‬عن أبي قال ‪ :‬إن مطعم بن آدم ضرب مثل للدنيا وإن قَ ّزحَه ومَلّحه‪.‬‬
‫وقال محمد بن الحسين بن علي ‪ -‬من ولد علي رضي ال عنه ‪ : -‬ما دخل قلبَ رجل شيء من‬
‫الكبر إل نقص من عقله بقدر ذلك‪.‬‬
‫وقال يونس بن عبيد ‪ :‬ليس مع السجود كبر ‪ ،‬ول مع التوحيد نفاق‪.‬‬
‫ونظر طاوس إلى عمر بن عبد العزيز وهو يختال في مشيته ‪ ،‬وذلك قبل أن يستخلف ‪ ،‬فطعنه‬
‫طاوس في جنبه بأصبعه ‪ ،‬وقال ‪ :‬ليس هذا شأن (‪ )3‬من في بطنه خرء ؟ فقال له كالمعتذر إليه ‪:‬‬
‫يا عم ‪ ،‬لقد ضرب كل عضو مني على هذه المشية حتى تعلمتها‪.‬‬
‫قال أبو بكر بن أبي الدنيا ‪ :‬كانت بنو أمية يضربون أولدهم حتى يتعلموا (‪ )4‬هذه المشية‪.‬‬
‫فصل في الختيال‬
‫عن أبي ليلى ‪ ،‬عن ابن بُرَيْدة ‪ ،‬عن أبيه مرفوعا ‪" :‬مَنْ جَرّ ثوبه خيلء لم ينظر ال إليه" (‪.)5‬‬
‫ورواه عن إسحاق بن إسماعيل ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن ابن عمر مرفوعا مثله (‬
‫‪ .)6‬وحدثنا محمد بن َبكّار ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة مرفوعًا ‪" :‬ل ينظر ال يوم القيامة إلى مَنْ جر إزاره" (‪ .)7‬و"بينما رجل يتبختر في برديه‬
‫‪ ،‬أعجبته نفسه ‪ ،‬خسف ال به الرض ‪ ،‬فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" (‪.)8‬‬
‫وروى الزهري عن سالم ‪ ،‬عن أبيه ‪" :‬بينما رجل‪ "...‬إلى آخره (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التواضع والخمول برقم (‪.)200‬‬
‫(‪ )2‬التواضع والخمول برقم (‪.)210‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬مشي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬يتعلمون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬التواضع والخمول برقم (‪.)238‬‬
‫(‪ )6‬التواضع والخمول برقم (‪.)239‬‬
‫(‪ )7‬التواضع والخمول برقم (‪.)232‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬التواضع والخمول برقم (‪.)233‬‬
‫(‪ )9‬التواضع والخمول برقم (‪.)234‬‬

‫( ‪)6/346‬‬

‫ض وَأَسْبَغَ عَلَ ْي ُكمْ ِن َعمَهُ ظَاهِ َر ًة وَبَاطِنَةً َومِنَ‬


‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫أَلَمْ تَ َروْا أَنّ اللّهَ سَخّرَ َل ُكمْ مَا فِي ال ّ‬
‫النّاسِ مَنْ ُيجَا ِدلُ فِي اللّهِ ِبغَيْرِ عِ ْل ٍم وَلَا ُهدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (‪ )20‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمُ اتّ ِبعُوا مَا أَنْ َزلَ اللّهُ‬
‫سعِيرِ (‪َ )21‬ومَنْ ُيسْلِمْ‬
‫قَالُوا َبلْ نَتّ ِبعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا َأوََلوْ كَانَ الشّ ْيطَانُ يَدْعُو ُهمْ إِلَى عَذَابِ ال ّ‬
‫سكَ بِا ْلعُ ْر َوةِ ا ْلوُ ْثقَى وَإِلَى اللّهِ عَاقِبَةُ الُْأمُورِ (‪َ )22‬ومَنْ َكفَرَ فَلَا‬
‫جهَهُ إِلَى اللّ ِه وَ ُهوَ مُحْسِنٌ َفقَدِ اسْ َتمْ َ‬
‫وَ ْ‬
‫عمِلُوا إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ (‪ُ )23‬نمَ ّت ُعهُمْ قَلِيلًا ُثمّ‬
‫ج ُعهُمْ فَنُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬
‫يَحْزُ ْنكَ ُكفْ ُرهُ إِلَيْنَا مَرْ ِ‬
‫َنضْطَرّ ُهمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (‪)24‬‬

‫علَ ْيكُمْ ِن َعمَهُ ظَاهِ َر ًة وَبَاطِنَةً‬


‫ض وَأَسْبَغَ َ‬
‫ت َومَا فِي ال ْر ِ‬
‫س َموَا ِ‬
‫سخّرَ َلكُمْ مَا فِي ال ّ‬
‫{ أََلمْ تَ َروْا أَنّ اللّهَ َ‬
‫َومِنَ النّاسِ مَنْ يُجَا ِدلُ فِي اللّهِ ِبغَيْرِ عِ ْل ٍم وَل ُهدًى وَل كِتَابٍ مُنِيرٍ (‪ )20‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمُ اتّ ِبعُوا مَا‬
‫سعِيرِ (‬
‫عذَابِ ال ّ‬
‫أَنزلَ اللّهُ قَالُوا َبلْ نَتّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَ ْيهِ آبَاءَنَا َأوََلوْ كَانَ الشّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى َ‬
‫‪.} )21‬‬
‫يقول تعالى منبها خلقه على نعمه عليهم في الدنيا والخرة ‪ ،‬بأنه سخر لهم ما في السموات من‬
‫نجوم يستضيئون بها في ليلهم ونهارهم ‪ ،‬وما يخلق فيها من سحاب وأمطار وثلج وبرد ‪ ،‬وجعله‬
‫إياها لهم سقفا محفوظا ‪ ،‬وما خلق لهم في الرض من قرار وأنهار وأشجار وزروع وثمار‪.‬‬
‫وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة من إرسال الرسل وإنزال الكتب ‪ ،‬وإزاحة الشبَه والعلل ‪ ،‬ثم‬
‫مع هذا كله ما آمن الناس كلهم ‪ ،‬بل منهم من يجادل في ال ‪ ،‬أي ‪ :‬في توحيده وإرسال الرسل‪.‬‬
‫ومجادلته في ذلك بغير علم ‪ ،‬ول مستند من حجة صحيحة ‪ ،‬ول كتاب مأثور صحيح ؛ ولهذا قال‬
‫تعالى ‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ ُيجَا ِدلُ فِي اللّهِ ِبغَيْرِ عِ ْل ٍم وَل هُدًى وَل كِتَابٍ مُنِيرٍ } أي ‪ :‬مبين مضيء‪.‬‬
‫{ وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ } أي ‪ :‬لهؤلء المجادلين في توحيد ال ‪ { :‬اتّ ِبعُوا مَا أَنزلَ اللّهُ } أي ‪ :‬على رسوله‬
‫جدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } أي ‪ :‬لم يكن لهم حجة إل اتباع‬
‫من الشرائع المطهرة ‪ { ،‬قَالُوا َبلْ نَتّبِعُ مَا وَ َ‬
‫الباء القدمين ‪ ،‬قال ال ‪َ { :‬أوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ ل َي ْعقِلُونَ شَيْئًا وَل َيهْتَدُونَ } [البقرة ‪ ]170 :‬أي ‪:‬‬
‫فما ظنكم أيها المحتجون بصنيع آبائهم ‪ ،‬أنهم كانوا على ضللة وأنتم خلف لهم فيما كانوا فيه ؛‬
‫سعِيرِ }‪.‬‬
‫ولهذا قال ‪َ { :‬أوََلوْ كَانَ الشّيْطَانُ َيدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ ال ّ‬
‫سكَ بِا ْلعُ ْر َوةِ ا ْلوُ ْثقَى وَإِلَى اللّهِ عَاقِ َب ُة المُورِ (‪)22‬‬
‫حسِنٌ َفقَدِ اسْ َتمْ َ‬
‫جهَهُ إِلَى اللّ ِه وَ ُهوَ مُ ْ‬
‫{ َومَنْ يُسِْل ْم وَ ْ‬
‫عمِلُوا إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ (‪)23‬‬
‫ج ُع ُهمْ فَنُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬
‫َومَنْ َكفَرَ فَل يَحْزُ ْنكَ ُكفْ ُرهُ إِلَيْنَا مَرْ ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عذَابٍ غَلِيظٍ (‪.} )24‬‬
‫ضطَرّهُمْ إِلَى َ‬
‫ُنمَ ّت ُعهُمْ قَلِيل ثُمّ َن ْ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عمن أسلم وجهه ل ‪ ،‬أي ‪ :‬أخلص له العمل وانقاد لمره واتبع شرعه ؛ ولهذا‬
‫سكَ‬
‫حسِنٌ } أي ‪ :‬في عمله ‪ ،‬باتباع ما به أمر ‪ ،‬وترك ما عنه زجر ‪ { ،‬فَقَدِ اسْ َتمْ َ‬
‫قال ‪ { :‬وَ ُهوَ مُ ْ‬
‫بِا ْلعُ ْر َوةِ ا ْلوُثْقَى } أي ‪ :‬فقد أخذ موثقا من ال متينًا أنه ل يعذبه ‪ { ،‬وَإِلَى اللّهِ عَاقِبَ ُة المُورِ‪َ .‬ومَنْ‬
‫َكفَرَ فَل َيحْزُ ْنكَ ُكفْرُهُ } أي ‪ :‬ل تحزن يا محمد عليهم في كفرهم بال وبما جئت به ؛ فإن قدر ال‬
‫نافذ فيهم ‪ ،‬وإلى ال مرجعهم فينبئهم بما عملوا ‪ ،‬أي ‪ :‬فيجزيهم عليه ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ‬
‫الصّدُورِ } ‪ ،‬فل تخفى عليه خافية‪.‬‬
‫ضطَرّهُمْ } أي ‪ :‬نلجئهم { إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي‬
‫ثم قال ‪ُ { :‬نمَ ّت ُعهُمْ قَلِيل } أي ‪ :‬في الدنيا ‪ { ،‬ثُمّ َن ْ‬
‫‪ :‬فظيع صعب مشق على النفوس ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َيفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ ا ْل َك ِذبَ ل‬
‫ج ُعهُمْ ثُمّ نُذِي ُقهُمُ ا ْلعَذَابَ الشّدِيدَ ِبمَا كَانُوا َيكْفُرُونَ } [يونس ‪69 :‬‬
‫ُيفْلِحُونَ‪ .‬مَتَاعٌ فِي الدّنْيَا ثُمّ إِلَيْنَا مَ ْر ِ‬
‫‪.]70 ،‬‬

‫( ‪)6/347‬‬

‫حمْدُ لِلّهِ َبلْ َأكْثَرُ ُهمْ لَا َيعَْلمُونَ (‪ )25‬لِلّهِ‬


‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ لَ َيقُولُنّ اللّهُ ُقلِ الْ َ‬
‫وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خََلقَ ال ّ‬
‫حمِيدُ (‪ )26‬وََلوْ أَ ّنمَا فِي الْأَ ْرضِ مِنْ شَجَ َرةٍ َأقْلَامٌ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ ا ْل َ‬
‫مَا فِي ال ّ‬
‫حكِيمٌ (‪ )27‬مَا خَ ْل ُقكُ ْم وَلَا‬
‫وَالْبَحْرُ َيمُ ّدهُ مِنْ َبعْ ِدهِ سَ ْبعَةُ أَبْحُرٍ مَا َنفِ َدتْ كَِلمَاتُ اللّهِ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ (‪)28‬‬
‫ح َدةٍ إِنّ اللّهَ َ‬
‫س وَا ِ‬
‫َبعْ ُثكُمْ إِلّا كَ َنفْ ٍ‬

‫حمْدُ لِلّهِ َبلْ َأكْثَرُ ُهمْ ل َيعَْلمُونَ (‪)25‬‬


‫س َموَاتِ وَال ْرضَ لَ َيقُولُنّ اللّهُ ُقلِ الْ َ‬
‫{ وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خَلَقَ ال ّ‬
‫حمِيدُ (‪.} )26‬‬
‫ت وَال ْرضِ إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ ا ْل َ‬
‫س َموَا ِ‬
‫لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن هؤلء المشركين به ‪ :‬إنهم يعرفون أن ال خالقُ السموات والرض ‪،‬‬
‫وحدَه ل شريك له ‪ ،‬ومع هذا يعبدون معه شركاء يعترفون أنها خَ ْلقٌ له وملك له ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫حمْدُ لِلّهِ } [أي ‪ :‬إذْ قامت عليكم الحجة‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضَ لَ َيقُولُنّ اللّهُ ُقلِ الْ َ‬
‫{ وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خَلَقَ ال ّ‬
‫باعترافكم] ‪َ { )1( ،‬بلْ َأكْثَرُ ُهمْ ل َيعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫حمِيدُ } أي‬
‫ت وَال ْرضِ } أي ‪ :‬هو خلقه وملكه ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ ا ْل َ‬
‫س َموَا ِ‬
‫ثم قال ‪ { :‬لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫‪ :‬الغني عما سواه ‪ ،‬وكل شيء فقير إليه ‪ ،‬الحميد في جميع ما خلق ‪ ،‬له الحمد في السموات‬
‫والرض على ما خلق وشرع ‪ ،‬وهو المحمود في المور كلها‪.‬‬
‫{ وََلوْ أَ ّنمَا فِي ال ْرضِ مِنْ شَجَ َرةٍ َأقْلمٌ وَالْبَحْرُ َيمُ ّدهُ مِنْ َب ْع ِدهِ سَ ْبعَةُ أَبْحُرٍ مَا َنفِ َدتْ كَِلمَاتُ اللّهِ إِنّ‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ (‪.} )28‬‬
‫ح َدةٍ إِنّ اللّهَ َ‬
‫س وَا ِ‬
‫حكِيمٌ (‪ )27‬مَا خَ ْل ُقكُ ْم وَل َبعْ ُثكُمْ إِل كَ َنفْ ٍ‬
‫اللّهَ عَزِيزٌ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن عظمته وكبريائه وجلله ‪ ،‬وأسمائه الحسنى وصفاته العل وكلماته التامة‬
‫التي ل يحيط بها أحد ‪ ،‬ول اطلع لبشر على كنهها وإحصائها ‪ ،‬كما قال سيد البشر وخاتم الرسل‬
‫‪" :‬ل أحصي ثناء عليك ‪ ،‬أنت كما أثنيت على نفسك" ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬وََلوْ أَ ّنمَا فِي ال ْرضِ مِنْ‬
‫شجَ َرةٍ َأقْل ٌم وَالْبَحْرُ َيمُ ّدهُ مِنْ َبعْ ِدهِ سَ ْبعَةُ أَ ْبحُرٍ مَا َنفِ َدتْ كَِلمَاتُ اللّهِ } [أي ‪ :‬ولو أن جميع أشجار‬
‫َ‬
‫الرض جعلت أقلما ‪ ،‬وجعل البحر مدادًا ومَده سبعة أبحر] (‪ )2‬معه ‪ ،‬فكتبت بها كلمات ال‬
‫الدالة على عظمته وصفاته وجلله لتكسرت القلم ‪ ،‬ونَفدَ ماء البحر ‪ ،‬ولو جاء أمثالها مَدَدا‪.‬‬
‫وإنما ذكرت "السبعة" على وجه المبالغة ‪ ،‬ولم يرد الحصر ول [أن] (‪ )3‬ثم سبعة أبحر موجودة‬
‫تحيط بالعالم ‪ ،‬كما يقوله من تلقاه من كلم السرائيليين التي ل تصدق ول تكذب ‪ ،‬بل كما قال‬
‫تعالى في الية الخرى ‪ُ { :‬قلْ َلوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا ِلكَِلمَاتِ رَبّي لَ َنفِدَ الْ َبحْرُ قَ ْبلَ أَنْ تَ ْنفَدَ كَِلمَاتُ‬
‫رَبّي وََلوْ جِئْنَا ِبمِثْلِهِ مَ َددًا } [الكهف ‪ ، ]109 :‬فليس المراد بقوله ‪ِ { :‬بمِثْلِهِ } آخر فقط ‪ ،‬بل بمثله‬
‫ثم بمثله ثم بمثله ‪ ،‬ثم هلم جرا ؛ لنه ل حصر ليات ال وكلماته‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬لو جعل شجر الرض أقلما ‪ ،‬وجعل البحر مدادا ‪ ،‬وقال ال ‪" :‬إن من‬
‫أمري كذا ‪ ،‬ومن أمري كذا" لنفد ما في البحور ‪ ،‬وتكسرت القلم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬قال المشركون ‪ :‬إنما هذا كلم يوشك أن ينفد ‪ ،‬فقال ال تعالى ‪ { :‬وََلوْ أَ ّنمَا فِي‬
‫ال ْرضِ مِنْ شَجَ َرةٍ َأقْلمٌ } أي ‪ :‬لو كان شجر الرض أقلما ‪ ،‬ومع البحر سبعة أبحر ‪ ،‬ما كان‬
‫لتنفد عجائب ربي وحكمته وخلقه وعلمه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/348‬‬

‫وقال الربيع بن أنس ‪ :‬إن مثل علم العباد كلهم في علم ال كقطرة من ماء البحور كلها ‪ ،‬وقد أنزل‬
‫شجَ َرةٍ َأقْلمٌ } الية‪.‬‬
‫ال ذلك ‪ { :‬وََلوْ أَ ّنمَا فِي ال ْرضِ مِنْ َ‬
‫يقول ‪ :‬لو كان البحر مدادا لكلمات ال والشجار كلها أقلما ‪ ،‬لنكسرت القلم ‪ ،‬وفني ماء البحر‬
‫‪ ،‬وبقيت كلمات ال قائمة ل يفنيها شيء ؛ لن أحدا ل يستطيع أن يقدر قدره ‪ ،‬ول يثني عليه كما‬
‫ينبغي ‪ ،‬حتى يكون هو الذي يثني على نفسه‪ .‬إن ربنا كما يقول ‪ ،‬وفوق ما نقول‪.‬‬
‫وقد روي أن هذه الية نزلت جوابا لليهود ‪ ،‬قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثني ابن أبي محمد ‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن جبير أو عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن أحبار يهود قالوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بالمدينة ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أرأيت قولك ‪َ { :‬ومَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِل قَلِيل } ؟ [السراء ‪ ، ]85 :‬إيانا‬
‫تريد أم قومك ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كل"‪ .‬فقالوا ‪ :‬ألست تتلو فيما جاءك أنا قد‬
‫أوتينا التوراة فيها تبيان لكل شيء ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنها في علم ال‬
‫قليل ‪ ،‬وعندكم من ذلك ما يكفيكم"‪ .‬وأنزل ال فيما سألوه عنه من ذلك ‪ { :‬وَلَوْ أَ ّنمَا فِي ال ْرضِ‬
‫شجَ َرةٍ َأقْلمٌ } الية‪.‬‬
‫مِنْ َ‬
‫وهكذا روي عن عكرمة ‪ ،‬وعطاء بن يَسَار‪ .‬وهذا يقتضي أن هذه الية مدنية ل مكية ‪،‬‬
‫والمشهور أنها مكية ‪ ،‬وال (‪ )1‬أعلم‪.‬‬
‫حكِيمٌ } أي ‪ :‬عزيز قد عَز كلّ شيء وقهره وغلبه ‪ ،‬فل مانع لما أراد‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫حكِيمٌ } في خلقه وأمره ‪ ،‬وأقواله وأفعاله ‪ ،‬وشرعه وجميع‬
‫ول مخالف ول معقب لحكمه ‪َ { ،‬‬
‫شؤونه‪.‬‬
‫ح َدةٍ } أي ‪ :‬ما خَلْقُ جميع الناس وبعثهم يوم المعاد‬
‫س وَا ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬مَا خَ ْل ُقكُ ْم وَل َبعْ ُثكُمْ إِل كَ َنفْ ٍ‬
‫بالنسبة إلى قدرته إل كنسبة [خلق] (‪ )2‬نفس واحدة ‪ ،‬الجميع هين عليه و { إِ ّنمَا َأمْ ُرهُ ِإذَا أَرَادَ‬
‫شَيْئًا أَنْ َيقُولَ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ } [يس ‪َ { ، ]82 :‬ومَا َأمْرُنَا إِل وَاحِ َدةٌ كََلمْحٍ بِالْ َبصَرِ } [القمر ‪]50 :‬‬
‫أي ‪ :‬ل يأمر بالشيء إل مرة واحدة ‪ ،‬فيكون ذلك الشيء ل يحتاج إلى تكرره وتوكده (‪.)3‬‬
‫{ فَإِ ّنمَا ِهيَ َزجْ َر ٌة وَاحِ َدةٌ فَإِذَا ُهمْ بِالسّاهِ َرةِ } [النازعات ‪.]14 ، 13 :‬‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ } أي ‪ :‬كما هو سميع لقوالهم بصير بأفعالهم كسمعه وبصره‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َ‬
‫بالنسبة إلى نفس واحدة كذلك قدرته عليهم كقدرته على نفس واحدة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬مَا خَ ْل ُقكُ ْم وَل‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ] } (‪.)4‬‬
‫َبعْ ُثكُمْ إِل كَ َنفْسٍ وَاحِ َدةٍ [إِنّ اللّهَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وتوكيده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬

‫( ‪)6/349‬‬

‫س وَا ْل َقمَرَ ُكلّ َيجْرِي إِلَى‬


‫شمْ َ‬
‫ل وَسَخّرَ ال ّ‬
‫أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَا ِر وَيُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْي ِ‬
‫سمّى وَأَنّ اللّهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪ )29‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلحَقّ وَأَنّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫أَ َ‬
‫ل وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرُ (‪)30‬‬
‫طُ‬‫الْبَا ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫س وَا ْل َقمَرَ ُكلّ يَجْرِي ِإلَى‬
‫شمْ َ‬
‫{ أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَا ِر وَيُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْيلِ وَسَخّرَ ال ّ‬
‫سمّى وَأَنّ اللّهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪ )29‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلحَقّ وَأَنّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫أَ َ‬
‫ل وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرُ (‪} )30‬‬
‫طُ‬‫الْبَا ِ‬
‫يخبر تعالى أنه { يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ } بمعنى ‪ :‬يأخذ منه في النهار ‪ ،‬فيطولُ ذلك ويقصر هذا ‪،‬‬

‫( ‪)6/349‬‬

‫وهذا يكون زمن الصيف يطول النهار إلى الغاية ‪ ،‬ثم يسرع في النقص فيطول الليل ويقصر‬
‫سمّى } قيل ‪:‬‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ ُكلّ يَجْرِي ِإلَى َأ َ‬
‫شمْ َ‬
‫النهار ‪ ،‬وهذا يكون في زمن الشتاء ‪ { ،‬وَسَخّرَ ال ّ‬
‫إلى غاية محدودة‪ .‬وقيل ‪ :‬إلى يوم القيامة‪ .‬وكل المعنيين صحيح ‪ ،‬ويستشهد للقول الول بحديث‬
‫أبي ذر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬الذي في الصحيحين ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يا أبا‬
‫ذر ‪ ،‬أتدري أين تذهب هذه الشمس ؟"‪ .‬قلت ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬فإنها تذهب فتسجد تحت‬
‫العرش ‪ ،‬ثم تستأذن ربّها فيوشك أن يقال لها ‪ :‬ارجعي من حيث جئت" (‪.)1‬‬
‫وقال ابن أبي الحاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو صالح ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أيوب ‪ ،‬عن ابن جُرَيْج ‪،‬‬
‫عن عَطَاء بن أبي رباح (‪ ، )2‬عن ابن عباس أنه قال ‪ :‬الشمس بمنزلة الساقية ‪ ،‬تجري بالنهار‬
‫في السماء في فلكها ‪ ،‬فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الرض حتى تطلع من مشرقها ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬وكذلك القمر‪ .‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫سمَا ِء وَال ْرضِ }‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنّ اللّهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬أََلمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ مَا فِي ال ّ‬
‫[الحج ‪ )3( .]70 :‬ومعنى هذا ‪ :‬أنه تعالى الخالق العالم بجميع الشياء ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬اللّهُ الّذِي خََلقَ‬
‫شيْءٍ قَدِي ٌر وَأَنّ اللّهَ‬
‫ل المْرُ بَيْ َنهُنّ لِ َتعَْلمُوا أَنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫س َموَاتٍ َومِنَ ال ْرضِ مِثَْلهُنّ يَتَنز ُ‬
‫سَبْعَ َ‬
‫شيْءٍ عِ ْلمًا } [الطلق ‪.]12 :‬‬
‫قَدْ َأحَاطَ ِب ُكلّ َ‬
‫طلُ } أي ‪ :‬إنما يظهر لكم آياته‬
‫ق وَأَنّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَا ِ‬
‫حّ‬‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ ُهوَ الْ َ‬
‫لتستدلوا بها على أنه الحق ‪ ،‬أي ‪ :‬الموجود الحق ‪ ،‬الله الحق ‪ ،‬وأن كل ما سواه باطل فإنه‬
‫الغني عما سواه ‪ ،‬وكل شيء فقير إليه ؛ لن كل ما (‪ )4‬في السموات والرض الجميع خلقه‬
‫وعبيده ‪ ،‬ل يقدر أحد منهم على تحريك ذَرّة إل بإذنه ‪ ،‬ولو اجتمع كل أهل الرض على أن‬
‫ق وَأَنّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ‬
‫حّ‬‫يخلقوا ذبابا لعجزوا عن ذلك ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ذِلكَ بِأَنّ اللّهَ ُهوَ الْ َ‬
‫ل وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرُ } أي ‪ :‬العلي ‪ :‬الذي ل أعلى منه ‪ ،‬الكبير ‪ :‬الذي هو أكبر من‬
‫طُ‬‫الْبَا ِ‬
‫كل شيء ‪ ،‬فكل (‪ )5‬شيء خاضع حقير بالنسبة إليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )4803‬وصحيح مسلم برقم (‪.)159‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬السموات" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وكل"‪.‬‬

‫( ‪)6/350‬‬

‫شكُورٍ (‬
‫ل صَبّارٍ َ‬
‫أَلَمْ تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْلكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِ ِن ْعمَةِ اللّهِ لِيُرِ َيكُمْ مِنْ آَيَا ِتهِ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَاتٍ ِل ُك ّ‬
‫عوُا اللّهَ مُخِْلصِينَ َلهُ الدّينَ فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى الْبَرّ َفمِ ْنهُمْ ُمقْ َتصِ ٌد َومَا‬
‫غشِ َيهُمْ َموْجٌ كَالظَّللِ دَ َ‬
‫‪ )31‬وَإِذَا َ‬
‫شوْا َي ْومًا لَا َيجْزِي وَالِدٌ عَنْ‬
‫خَ‬‫جحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلّا ُكلّ خَتّارٍ َكفُورٍ (‪ )32‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّبكُ ْم وَا ْ‬
‫يَ ْ‬
‫حقّ فَلَا َتغُرّ ّنكُمُ ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا وَلَا َيغُرّ ّنكُمْ بِاللّهِ‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫وَلَ ِد ِه وَلَا َموْلُودٌ ُهوَ جَازٍ عَنْ وَالِ ِدهِ شَيْئًا إِ ّ‬
‫ا ْلغَرُورُ (‪)33‬‬

‫شكُورٍ‬
‫ل صَبّارٍ َ‬
‫ك ليَاتٍ ِل ُك ّ‬
‫{ أََلمْ تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْلكَ َتجْرِي فِي الْبَحْرِ بِ ِن ْعمَةِ اللّهِ لِيُرِ َيكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫عوُا اللّهَ مُخِْلصِينَ َلهُ الدّينَ فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى الْبَرّ َفمِ ْنهُمْ ُمقْ َتصِ ٌد َومَا‬
‫غشِ َيهُمْ َموْجٌ كَالظَّللِ دَ َ‬
‫(‪ )31‬وَإِذَا َ‬
‫جحَدُ بِآيَاتِنَا إِل ُكلّ خَتّارٍ كَفُورٍ (‪} )32‬‬
‫يَ ْ‬
‫يخبر تعالى أنه هو الذي سَخّر البحر لتجري فيه الفلك بأمره ‪ ،‬أي ‪ :‬بلطفه وتسخيره ؛ فإنه لول‬
‫ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن لما جرت ؛ ولهذا قال ‪ { :‬لِيُرِ َي ُكمْ مِنْ آيَاتِهِ } أي ‪ :‬من‬
‫شكُورٍ } أي ‪ :‬صبار في الضراء ‪ ،‬شكور في الرخاء‪.‬‬
‫ل صَبّارٍ َ‬
‫قدرته ‪ { ،‬إِنّ فِي ذَِلكَ ليَاتٍ ِل ُك ّ‬
‫عوُا اللّهَ مُخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ } ‪،‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَإِذَا غَشِ َي ُهمْ َموْجٌ كَالظَّللِ } أي ‪ :‬كالجبال والغمام ‪ { ،‬دَ َ‬
‫ضلّ مَنْ تَدْعُونَ إِل إِيّاهُ } [السراء ‪ ، ]67 :‬وقال {‬
‫سكُمُ الضّرّ فِي الْبَحْ ِر َ‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِذَا مَ ّ‬
‫عوُا اللّهَ مُخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ } [العنكبوت ‪.]65 :‬‬
‫فَإِذَا َركِبُوا فِي ا ْلفُ ْلكِ دَ َ‬
‫ثم قال ‪ { :‬فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى الْبَرّ َفمِ ْنهُمْ ُمقْ َتصِدٌ } قال مجاهد ‪ :‬أي كافر‪ .‬كأنه فسر المقتصد هاهنا‬
‫بالجاحد ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فََلمّا َنجّا ُهمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْ ِركُونَ } [العنكبوت ‪.]65 :‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬هو المتوسط في العمل‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله ابن زيد هو المراد في قوله ‪َ { :‬فمِ ْنهُمْ ظَاِلمٌ لِ َنفْسِ ِه َومِ ْنهُمْ ُمقْ َتصِ ٌد َومِ ْنهُمْ سَا ِبقٌ‬
‫بِالْخَيْرَاتِ } [فاطر ‪ ، ]32 :‬فالمقتصد هاهنا هو ‪ :‬المتوسط في العمل‪ .‬ويحتمل أن يكون مرادًا هنا‬
‫أيضا ‪ ،‬ويكون من باب النكار على من شاهد تلك الهوال والمور العظام واليات الباهرات في‬
‫البحر ‪ ،‬ثم بعدما أنعم عليه من الخلص ‪ ،‬كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام ‪ ،‬والدؤوب في‬
‫العبادة ‪ ،‬والمبادرة إلى الخيرات‪ .‬فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرا والحالة هذه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جحَدُ بِآيَاتِنَا إِل ُكلّ خَتّارٍ َكفُورٍ } ‪ :‬فالختار ‪ :‬هو الغَدّار‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا يَ ْ‬
‫وقتادة ‪ ،‬ومالك عن (‪ )1‬زيد بن أسلم ‪ ،‬وهو الذي كلما عاهد نقض عهده ‪ ،‬والخَتْر ‪ :‬أتَم الغدر‬
‫وأبلغه ‪ ،‬قال عمرو بن معد يكرب ‪:‬‬
‫غدْر وَخَتْر (‪)2‬‬
‫عمَير‪ ...‬مَلتَ يَد ْيكَ مِنْ َ‬
‫وَإ ّنكَ لَو رَأيتَ أبَا ُ‬
‫وقوله ‪َ { :‬كفُورٍ } أي ‪ :‬جحود للنعم ل يشكرها ‪ ،‬بل يتناساها ول يذكرها‪.‬‬
‫ن وَاِل ِدهِ شَيْئًا‬
‫ن وَلَ ِد ِه وَل َموْلُودٌ ُهوَ جَازٍ عَ ْ‬
‫شوْا َي ْومًا ل يَجْزِي وَاِلدٌ عَ ْ‬
‫خَ‬‫{ يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّبكُ ْم وَا ْ‬
‫حقّ فَل َتغُرّ ّنكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَل َيغُرّ ّنكُمْ بِاللّهِ ا ْلغَرُورُ (‪.} )33‬‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫إِ ّ‬
‫يقول تعالى منذرا للناس يوم المعاد ‪ ،‬وآمرا لهم بتقواه والخوف منه ‪ ،‬والخشية من يوم القيامة‬
‫ن وََل ِدهِ } أي ‪ :‬لو أراد أن يفديه بنفسه لما قبل منه‪ .‬وكذلك الولد لو أراد‬
‫حيث { ل َيجْزِي وَالِدٌ عَ ْ‬
‫فداء والده بنفسه لم يتقبل منه‪.‬‬
‫ثم عاد بالموعظة عليهم بقوله ‪ { :‬فَل َتغُرّ ّنكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا } [أي ‪ :‬ل تلهينكم بالطمأنينة فيها عن‬
‫الدار الخرة] (‪ { .)3‬وَل َيغُرّ ّنكُمْ بِاللّهِ ا ْلغَرُورُ } يعني ‪ :‬الشيطان‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬وقتادة‪ .‬فإنه يغر ابن آدم ويَعدهُ ويمنيه ‪ ،‬وليس من ذلك شيء بل كما قال تعالى ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬و"‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيت في تفسير الطبري (‪.)21/54‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/351‬‬

‫سبُ غَدًا َومَا‬


‫ع ِة وَيُنَ ّزلُ ا ْلغَ ْيثَ وَ َيعْلَمُ مَا فِي الْأَ ْرحَا ِم َومَا تَدْرِي َنفْسٌ مَاذَا َتكْ ِ‬
‫إِنّ اللّهَ عِنْ َدهُ عِ ْلمُ السّا َ‬
‫تَدْرِي َنفْسٌ بَِأيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (‪)34‬‬

‫{ َي ِعدُهُ ْم وَ ُيمَنّيهِ ْم َومَا َيعِدُ ُهمُ الشّيْطَانُ إِل غُرُورًا } [النساء ‪.]120 :‬‬
‫قال وهب بن منبه ‪ :‬قال عزير ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬لما رأيت بلء قومي اشتد حزني وكثر همي ‪،‬‬
‫وأرق نومي ‪ ،‬فضرعت (‪ )1‬إلى ربي وصليت وصمت فأنا في ذلك أتضرع أبكي إذ أتاني الملك‬
‫فقلت له ‪ :‬أخبرني هل تشفع أرواح المصدقين (‪ )2‬للظلمة ‪ ،‬أو الباء لبنائهم ؟ قال ‪ :‬إن القيامة‬
‫فيها (‪ )3‬فصل القضاء وملك ظاهر ‪ ،‬ليس فيه رخصة ‪ ،‬ل يتكلم فيه أحد إل بإذن الرحمن ‪ ،‬ول‬
‫يؤخذ فيه والد عن ولده ‪ ،‬ول ولد عن والده ‪ ،‬ول أخ عن أخيه ‪ ،‬ول عبد عن سيده ‪ ،‬ول يهتم‬
‫أحد بغيره (‪ )4‬ول يحزن لحزنه ‪ ،‬ول أحد يرحمه ‪ ،‬كل مشفق على نفسه ‪ ،‬ول يؤخذ إنسان عن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إنسان ‪ ،‬كل َيهُم همه ويبكي عَوله ‪ ،‬ويحمل وزره ‪ ،‬ول يحمل وزره معه غيره‪ .‬رواه ابن أبي‬
‫حاتم‪.‬‬
‫سبُ غَدًا َومَا‬
‫ث وَ َيعْلَمُ مَا فِي الرْحَا ِم َومَا تَدْرِي َنفْسٌ مَاذَا َتكْ ِ‬
‫{ إِنّ اللّهَ عِ ْن َدهُ عِلْمُ السّاعَ ِة وَيُنزلُ ا ْلغَ ْي َ‬
‫تَدْرِي َنفْسٌ بَِأيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (‪.} )34‬‬
‫هذه مفاتيح الغيب التي استأثر ال تعالى بعلمها ‪ ،‬فل يعلمها أحد إل بعد إعلمه تعالى بها ؛ فعلم‬
‫وقت الساعة ل يعلمه نبي مرسل ول ملك مقرب ‪ { ،‬ل يُجَلّيهَا ِل َوقْ ِتهَا إِل ُهوَ } [العراف ‪]187 :‬‬
‫‪ ،‬وكذلك إنزال الغيث ل يعلمه إل ال ‪ ،‬ولكن إذا أمر به علمته الملئكة الموكلون بذلك ومَنْ شاء‬
‫ال من خلقه‪ .‬وكذلك ل يعلم ما في الرحام مما يريد أن يخلقه [ال] (‪ )5‬تعالى سواه ‪ ،‬ولكن إذا‬
‫أمر بكونه ذكرا أو أنثى ‪ ،‬أو شقيا أو سعيدا علم الملئكة الموكلون بذلك ‪ ،‬ومَنْ شاء ال من خلقه‪.‬‬
‫وكذلك ل تدري نفس ماذا تكسب غدا في دنياها وأخراها ‪َ { ،‬ومَا َتدْرِي َنفْسٌ بَِأيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ }‬
‫في بلدها أو غيره من أي بلد ال كان ‪ ،‬ل علم لحد بذلك‪ .‬وهذه شبيهة بقوله تعالى ‪ { :‬وَعِنْ َدهُ‬
‫َمفَاتِحُ ا ْلغَ ْيبِ ل َيعَْل ُمهَا إِل ُهوَ } الية [النعام ‪ .]59 :‬وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس ‪:‬‬
‫مفاتيح الغيب‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬حدثني حسين بن واقد ‪ ،‬حدثني عبد ال بن بُرَيدة ‪،‬‬
‫سمعت أبي ‪ -‬بُرَيدة ‪ )6( -‬يقول ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬خمس ل‬
‫ث وَ َيعْلَمُ مَا فِي الرْحَا ِم َومَا‬
‫يعلمهن إل ال عز وجل ‪ { :‬إِنّ اللّهَ عِ ْن َدهُ عِلْمُ السّاعَ ِة وَيُنزلُ ا ْلغَ ْي َ‬
‫غدًا َومَا تَدْرِي َنفْسٌ بَِأيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (‪.)7‬‬
‫سبُ َ‬
‫تَدْرِي َنفْسٌ مَاذَا َت ْك ِ‬
‫هذا حديث صحيح السناد ‪ ،‬ولم يخرجوه‪.‬‬
‫حديث ابن عمر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عبد ال بن دينار ‪ ،‬عن ابن‬
‫عمر (‪ )8‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪ )9‬مفاتيح الغيب خمس ل يعلمهن إل ال ‪:‬‬
‫سبُ غَدًا َومَا‬
‫ث وَ َيعْلَمُ مَا فِي الرْحَا ِم َومَا تَدْرِي َنفْسٌ مَاذَا َتكْ ِ‬
‫{ إِنّ اللّهَ عِ ْن َدهُ عِلْمُ السّاعَ ِة وَيُنزلُ ا ْلغَ ْي َ‬
‫تَدْرِي َنفْسٌ بَِأيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬وتضرعت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬الصديقين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إن يوم القيامة فيه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت "ول يهتم بهم أحدا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ورى المام أحمد بإسناده عن بريدة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )5/353‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )7/90‬رجال أحمد رجال الصحيح"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى البخاري عن عبد ال بن عمر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬

‫( ‪)6/352‬‬

‫انفرد بإخراجه البخاري ‪ ،‬فرواه في "كتاب الستسقاء" من صحيحه ‪ ،‬عن محمد بن يوسف‬
‫الفريابي ‪ ،‬عن سفيان بن سعيد الثوري ‪ ،‬به (‪ .)1‬ورواه في التفسير من وجه آخر فقال ‪:‬‬
‫حدثنا يحيى بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬حدثني عمر بن محمد بن زيد بن عبد ال بن عمر ‪:‬‬
‫أن أباه حدثه أن عبد ال بن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مفاتيح الغيب‬
‫ث وَ َيعْلَمُ مَا فِي الرْحَامِ } انفرد به أيضا (‬
‫ع ِة وَيُنزلُ ا ْلغَ ْي َ‬
‫خمس"‪ .‬ثم قرأ ‪ { :‬إِنّ اللّهَ عِنْ َدهُ عِ ْلمُ السّا َ‬
‫‪.)2‬‬
‫ورواه المام أحمد عن غُ ْندَر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن عمر بن محمد ؛ أنه سمع أباه يحدث ‪ ،‬عن ابن‬
‫عمر ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أوتيت مفاتيح كل شيء إل الخمس ‪ { :‬إِنّ اللّهَ عِنْ َدهُ‬
‫سبُ غَدًا َومَا تَدْرِي َنفْسٌ‬
‫ث وَ َيعْلَمُ مَا فِي الرْحَا ِم َومَا تَدْرِي َنفْسٌ مَاذَا َتكْ ِ‬
‫عِلْمُ السّاعَ ِة وَيُنزلُ ا ْلغَ ْي َ‬
‫بَِأيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (‪.)3‬‬
‫[حديث ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬حدثني عمرو‬
‫بن مُرّة ‪ ،‬عن عبد ال بن سلمة قال ‪ :‬قال عبد ال (‪ : )4‬أوتي نبيكم صلى ال عليه وسلم مفاتيح‬
‫ث وَ َيعْلَمُ مَا فِي الرْحَا ِم َومَا تَدْرِي‬
‫كل شيء غير خمس ‪ { :‬إِنّ اللّهَ عِ ْن َدهُ عِلْمُ السّاعَ ِة وَيُنزلُ ا ْلغَ ْي َ‬
‫سبُ غَدًا َومَا َتدْرِي َنفْسٌ بَِأيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ] (‪.)6( )5‬‬
‫َنفْسٌ مَاذَا َتكْ ِ‬
‫وكذا رواه عن محمد بن جعفر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن مرة ‪ ،‬به‪ .‬وزاد في آخره ‪ :‬قال ‪:‬‬
‫قلت له ‪ :‬أنت سمعته من عبد ال ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬أكثر من خمسين مرة (‪.)7‬‬
‫سعَر ‪ ،‬عن عمرو بن مرة به (‪.)8‬‬
‫ورواه أيضا عن َوكِيع ‪ ،‬عن مِ ْ‬
‫وهذا إسناد حسن على شرط أصحاب السنن ولم يخرجوه‪.‬‬
‫حديث أبي هريرة ‪ :‬قال البخاري عند تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا إسحاق ‪ ،‬عن جرير ‪ ،‬عن أبي‬
‫عةَ ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه (‪ )9‬؛ أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫حيان ‪ ،‬عن أبي زُرْ َ‬
‫وسلم كان يوما بارزا للناس ‪ ،‬إذ أتاه رجل يمشي ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما اليمان ؟ قال ‪:‬‬
‫"اليمان ‪ :‬أن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله ولقائه ‪ ،‬وتؤمن بالبعث الخر"‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول‬
‫ال ‪ ،‬ما السلم ؟ قال ‪" :‬السلم ‪ :‬أن تعبد ال ول تشرك به شيئًا ‪ ،‬وتقيم الصلة ‪ ،‬وتؤتي الزكاة‬
‫المفروضة ‪ ،‬وتصوم رمضان"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما الحسان ؟ قال ‪" :‬الحسان ‪ :‬أن تعبد‬
‫ال كأنك تراه ‪ ،‬فإن لم تكن تراه فإنه يراك"‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬متى الساعة ؟ قال ‪" :‬ما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المسؤول عنها بأعلم من السائل ‪ ،‬ولكن سأحدثك عن أشراطها ‪ :‬إذا ولدت المَةُ رَبّ َتهَا ‪ ،‬فذاك من‬
‫أشراطها‪ .‬وإذا كان الحفاة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )2/24‬وصحيح البخاري برقم (‪.)1035‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4697‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)2/85‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد عن ابن مسعود قال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)1/386‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)1/438‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)1/445‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى البخاري"‪.‬‬

‫( ‪)6/353‬‬

‫العُرَاة رؤوس الناس ‪ ،‬فذاك من أشراطها ‪ ،‬في خمس ل يعلمهن (‪ )1‬إل ال‪ { .‬إِنّ اللّهَ عِ ْن َدهُ عِلْمُ‬
‫ث وَ َيعْلَمُ مَا فِي الرْحَامِ } ‪ ،‬ثم انصرف الرجل فقال ‪" :‬ردّوه عََليّ"‪ .‬فأخذوا‬
‫ع ِة وَيُنزلُ ا ْلغَ ْي َ‬
‫السّا َ‬
‫ليردوه ‪ ،‬فلم يروا شيئًا ‪ ،‬فقال ‪" :‬هذا جبريل ‪ ،‬جاء ليعلم الناس دينهم" (‪.)2‬‬
‫ورواه البخاري أيضا في "كتاب اليمان" ‪ ،‬ومسلم من طرق ‪ ،‬عن أبي حيان ‪ ،‬به (‪ .)3‬وقد تكلمنا‬
‫عليه في أول شرح البخاري‪ .‬وذكرنا ثم حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ذلك بطوله ‪،‬‬
‫وهو من أفراد مسلم (‪.)4‬‬
‫شهْر ‪ ،‬حدثنا‬
‫حديث ابن عباس ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو النضر ‪ ،‬حدثنا عبد الحميد ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫عبد ال بن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬جلس رسول ال صلى ال عليه وسلم مجلسا له ‪،‬‬
‫فأتاه جبريل فجلس بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪ )5‬واضعا كفيه على ركبتي النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪[ ،‬حدثني] (‪ )6‬ما السلم ؟ قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ :‬السلم أن تسلم وجهك ل عز وجل ‪ ،‬وتشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪،‬‬
‫وأن محمدا عبده ورسوله"‪ .‬قال ‪ :‬فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت ؟ قال ‪" :‬إذا فعلت ذلك فقد أسلمت"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬فحدّثني ما اليمان ؟ قال ‪" :‬اليمان ‪ :‬أن تؤمن بال ‪ ،‬واليوم الخر ‪،‬‬
‫والملئكة ‪ ،‬والكتاب ‪ ،‬والنبيين ‪ ،‬وتؤمن بالموت ‪ ،‬وبالحياة بعد الموت ‪ ،‬وتؤمن بالجنة والنار ‪،‬‬
‫والحساب والميزان ‪ ،‬وتؤمن بالقدر كله خيره وشره"‪ .‬قال ‪ :‬فإذا فعلت ذلك فقد آمنت ؟ قال ‪" :‬إذا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬فعلت ذلك فقد آمنت"‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬حدثني ما الحسان ؟ قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬الحسان أن تعمل ل كأنك تراه ‪ ،‬فإن كنت ل تراه فإنه يراك"‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول‬
‫ال ‪ ،‬فحدثني متى الساعة ؟ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬سبحان ال‪ .‬في خمس ل‬
‫ث وَ َيعْلَمُ مَا فِي الرْحَا ِم َومَا َتدْرِي‬
‫يعلمهن إل هو ‪ { )8( :‬إِنّ اللّهَ عِ ْن َدهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنزلُ ا ْلغَ ْي َ‬
‫سبُ غَدًا َومَا َتدْرِي َنفْسٌ بَِأيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ‪ ،‬ولكن إن شئت‬
‫َنفْسٌ مَاذَا َتكْ ِ‬
‫حدثتك بمعالم لها دون ذلك ؟"‪ .‬قال ‪ :‬أجل ‪ ،‬يا رسول ال ‪ ،‬فحدثني‪ .‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إذا رأيت المَة ولدت رَبّتَها ‪ -‬أو ‪ :‬ربها ‪ -‬ورأيت أصحاب الشاء يتطاولون في‬
‫البنيان ‪ ،‬ورأيت الحفاة الجياع العالة [كانوا رؤوس الناس ‪ ،‬فذلك من معالم الساعة وأشراطها"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ومَنْ أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة ؟ قال ‪" :‬العرب"] (‪.)10( )9‬‬
‫حديث غريب ‪ ،‬ولم يخرجوه‪.‬‬
‫حديث رجل من بني عامر ‪ :‬روى المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن‬
‫منصور ‪ ،‬عن رِبْعي بن حِرَاش ‪ ،‬عن رجل من بني عامر ؛ أنه استأذن على النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم فقال ‪ :‬أألج ؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم لخادمه ‪" :‬اخرُجي إليه ‪ ،‬فإنه ل يحسن‬
‫الستئذان فقولي له ‪ :‬فليقل ‪" :‬السلم عليكم ‪ ،‬أأدخل ؟" قال ‪ :‬فسَمعت ُه يقول ذلك ‪ ،‬فقلت ‪ :‬السلم‬
‫عليكم ‪ ،‬أأدخل ؟ فأذن ‪ ،‬فدخلت ‪ ،‬فقلت ‪ :‬بم أتيتنا به ؟ قال ‪" :‬لم آتكم إل بخير ‪ ،‬أتيتكم أن تعبدوا‬
‫ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ل يعلمهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4777‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )50‬وصحيح مسلم برقم (‪.)9‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)8‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بين يديه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬فإذا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬ال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)1/318‬‬

‫( ‪)6/354‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تَدَعوا اللت والعزى ‪ ،‬وأن تصلوا بالليل والنهار خمس صلوات ؛ وأن تصوموا من السنة‬
‫شهرًا ‪ ،‬وأن تحجوا البيت ‪ ،‬وأن تأخذوا الزكاة من مال أغنيائكم فتردوها على فقرائكم"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فقال ‪ :‬فهل بقي من العلم شيء ل تعلمه ؟ قال ‪" :‬قد عَلم ال عز وجل خيرًا ‪ ،‬وإن من العلم ما ل‬
‫ث وَ َيعْلَمُ مَا فِي الرْحَامِ‬
‫ع ِة وَيُنزلُ ا ْلغَ ْي َ‬
‫يعلمه إل ال عز وجل ‪ :‬الخمس ‪ { :‬إِنّ اللّهَ عِنْ َدهُ عِ ْلمُ السّا َ‬
‫غدًا َومَا َتدْرِي َنفْسٌ بَِأيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }‪ )1( .‬وهذا‬
‫سبُ َ‬
‫َومَا َتدْرِي َنفْسٌ مَاذَا َتكْ ِ‬
‫إسناد صحيح‪.‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيِح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬جاء رجل من أهل البادية فقال ‪ :‬إن امرأتي حبلى ‪ ،‬فأخبرني‬
‫ما تلد ؟ وبلدنا جَدبَةٌ ‪ ،‬فأخبرني متى ينزل الغيث ؟ وقد عَلمتُ متى وُلدتُ فأخبرني متى أموت ؟‬
‫فأنزل ال عز وجل ‪ { :‬إِنّ اللّهَ عِ ْن َدهُ عِلْمُ السّاعَةِ [وَيُنزلُ ا ْلغَ ْيثَ ] } (‪ ، )2‬إلى قوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ‬
‫بل‬
‫عَلِيمٌ خَبِيرٌ }‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬وهي (‪ )3‬مفاتيح الغيب التي قال ال تعالى ‪ { :‬وَعِنْ َدهُ َمفَاتِحُ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫َيعَْل ُمهَا إِل ُهوَ } [النعام ‪ .]59 :‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير‪.‬‬
‫وقال الشعبي ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬أنها قالت ‪ :‬مَنْ حدثك أنه يعلم ما‬
‫سبُ غَدًا } (‪.)4‬‬
‫في غد فقد كذب ‪ ،‬ثم قرأت ‪َ { :‬ومَا تَدْرِي َنفْسٌ مَاذَا َتكْ ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا تَدْرِي َنفْسٌ بَِأيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ } ‪ :‬قال قتادة ‪ :‬أشياء استأثر ال بهن ‪ ،‬فلم يُطلع‬
‫عةِ } ‪ ،‬فل يدري أحد من الناس متى‬
‫عليهن مَلَكا مقربًا ‪ ،‬ول نبيا مرسل { إِنّ اللّهَ عِنْ َدهُ عِ ْلمُ السّا َ‬
‫تقوم الساعة ‪ ،‬في أي سنة أو في أي شهر ‪ ،‬أو ليل أو نهار ‪ { ،‬وَيُنزلُ ا ْلغَ ْيثَ } ‪ ،‬فل يعلم أحد‬
‫متى ينزل الغيث ‪ ،‬ليل أو نهارًا ‪ { ،‬وَ َيعْلَمُ مَا فِي الرْحَامِ } ‪ ،‬فل يعلم أحد ما في الرحام ‪ ،‬أذكر‬
‫غدًا } ‪ ،‬أخير أم شر ‪ ،‬ول‬
‫سبُ َ‬
‫أم أنثى ‪ ،‬أحمر أو أسود ‪ ،‬وما هو ‪َ { ،‬ومَا تَدْرِي َنفْسٌ مَاذَا َت ْك ِ‬
‫تدري يا ابن آدم متى تموت ؟ لعلك الميت غدا ‪ ،‬لعلك المصاب غدا ‪َ { ،‬ومَا َتدْرِي َنفْسٌ بَِأيّ‬
‫أَ ْرضٍ َتمُوتُ } ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الرض ‪ ،‬أفي بحر أم بر ‪ ،‬أو سهل أو‬
‫جبل ؟‬
‫وقد جاء في الحديث ‪" :‬إذا أراد ال قبض عبد بأرض ‪ ،‬جعل له إليها حاجة" ‪ ،‬فقال الحافظ أبو‬
‫القاسم الطبراني في معجمه الكبير ‪ ،‬في مسند أسامة بن زيد ‪:‬‬
‫حدثنا إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬أخبرنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن أبي المليح ‪ ،‬عن‬
‫أسامة (‪ )5‬بن زيد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما جعل ال ميتَة (‪ )6‬عبد بأرض‬
‫إل جعل له فيها حاجة" (‪.)7‬‬
‫حفَريّ ‪ ،‬عن‬
‫وقال عبد ال بن المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا أبو داود ال َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)5/368‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وهن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)21/56‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬فروى أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير في مسند أسامة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬منية"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المعجم الكبير (‪ )1/178‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" )7/196‬ورجاله رجال الصحيح" وفيها ‪:‬‬
‫"منية" بدل "ميتة"‪.‬‬

‫( ‪)6/355‬‬

‫عكَامِس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪: )1‬‬


‫سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن مَطَر بن ُ‬
‫إذا قضى ال ميتة عبد بأرض ‪ ،‬جعل له إليها حاجة"‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي في "القدر" ‪ ،‬من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬به (‪ .)2‬ثم قال ‪" :‬حسن غريب ‪،‬‬
‫ول يعرف لمطر عن النبي صلى ال عليه وسلم غير هذا الحديث‪ .‬وقد رواه أبو داود في‬
‫"المراسيل" ‪ )3( ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪ ،‬عن أبي المليح بن أسامة (‪ )4‬عن أبي عزة (‬
‫‪ )5‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا أراد ال قبض روح عبد بأرض جعل له فيها‬
‫‪ -‬أو قال ‪ :‬بها ‪ -‬حاجة"‪.‬‬
‫وأبو عزة هذا هو ‪َ :‬يسَار (‪ )6‬بن عبد ال ‪ ،‬ويقال ‪ :‬ابن عبد ال ُهذَلي‪.‬‬
‫وأخرجه الترمذي من حديث إسماعيل [بن إبراهيم ‪ -‬وهو ابن عُلَيّة (‪ ، )7‬وقال ‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن عصام الصفهاني ‪ ،‬حدثنا المؤمل بن إسماعيل] (‪ ، )8‬حدثنا‬
‫عبيد ال بن أبي حميد ‪ ،‬عن أبي المليح ‪ ،‬عن أبي عزة الهذلي قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إذا أراد ال قبض عبد بأرض ‪ ،‬جعل له إليها حاجة ‪ ،‬فلم ينته حتى يقدمها"‪ .‬ثم قرأ‬
‫ث وَ َيعْلَمُ مَا فِي الرْحَامِ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إِنّ اللّهَ عِ ْن َدهُ عِلْمُ السّاعَ ِة وَيُنزلُ ا ْلغَ ْي َ‬
‫غدًا َومَا َتدْرِي َنفْسٌ بَِأيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (‪.)9‬‬
‫سبُ َ‬
‫َومَا َتدْرِي َنفْسٌ مَاذَا َتكْ ِ‬
‫حدَري ومحمد بن يحيى‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا أحمد بن ثابت الجَ ْ‬
‫عمَر بن علي ‪ ،‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬عن قيس ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫القُطَعي قال حدثنا ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا أراد ال قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة"‪ .‬ثم قال البزار ‪ :‬وهذا‬
‫عمَر بن علي ال ُمقَدميّ‪ )10( .‬وقال ابن أبي الدنيا ‪ :‬حدثني سليمان‬
‫الحديث ل نعلم أحدا يرفعه إل ُ‬
‫بن أبي مسيح (‪ )11‬قال ‪ :‬أنشدني محمد بن الحكم لعشى َهمْدان ‪:‬‬
‫سوَى حَنُوط غَدَاةَ البَيْن مَع خرَق‪...‬‬
‫ج َمعُه‪ِ ...‬‬
‫َفمَا تَ َزوّ َد ممّا كَانَ يَ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شبّ لَُه‪ ...‬وَقلّ ذَلكَ مِنْ زَاد لمُنْطَلق!‪...‬‬
‫عوَاد ُت َ‬
‫وَغَيْرِ َنفْحة أ ْ‬
‫شيْء َف ُكلّ فَتَى‪ ...‬إلَى مَنيّته سَيّارُ في عَنَق (‪)12‬‬
‫ل تَأسَيَنّ عَلَى َ‬
‫ن الموتَ ُيخْطِئهُ‪ُ ...‬معَّللٌ بأعَاليل مِنَ الحَمق‪...‬‬
‫َوكُلّ مَنْ ظَنّ أ ّ‬
‫ن ل ُيسَيّرْ إلَيها طَائعًا يُسَق‪...‬‬
‫بأ ّيمَا بَلْدَة ُتقْدَر منيته‪ ...‬إ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬روى عبد ال بن المام أحمد بإسناده أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زوائد المسند (‪ )5/227‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2146‬‬
‫(‪ )3‬لم أجده في المطبوع من المراسيل‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عن أبي عزة الهذلي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬بشار"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )3/429‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2147‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬ورواه الطبراني في الوسط برقم (‪" )3248‬مجمع البحرين" من طريق عباد بن صهيب ‪،‬‬
‫عن عبيد ال بن أبي حميد به ‪ ،‬وعباد ابن صهيب متروك‪.‬‬
‫(‪ )10‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )1/367‬من طريق محمد بن خالد الوهبي ‪ ،‬عن إسماعيل بن‬
‫أبي خالد بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬شيخ"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬يسير في غنق"‪.‬‬

‫( ‪)6/356‬‬

‫أورده الحافظ ابن عساكر ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في ترجمة عبد الرحمن بن عبد ال بن الحارث ‪)1( ،‬‬
‫وهو أعشى َهمْدَان ‪ ،‬وكان الشعبي زوجَ أخته ‪ ،‬وهو مُ َزوّج بأخت الشعبي أيضا ‪ ،‬وقد كان ممن‬
‫طلب العلم وتَ َفقّه ‪ ،‬ثم عدل إلى صناعة الشعر فعُرف به‪.‬‬
‫عمَر بن شَبّة ‪ ،‬كلهما عن عمر بن علي (‪ )2‬مرفوعا ‪:‬‬
‫وقد رواه ابن ماجه عن أحمد بن ثابت و ُ‬
‫"إذا كان أجل أحدكم بأرض أوثَبَتْه (‪ )3‬إليها حاجة ‪ ،‬فإذا بلغ أقصى أثره (‪ ، )4‬قبضه ال عز‬
‫وجل ‪ ،‬فتقول الرض يوم القيامة ‪ :‬رب ‪ ،‬هذا ما أودعتني" (‪.)5‬‬
‫قال الطبراني ‪ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا معمر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن‬
‫أبي المليح ‪ ،‬عن أسامة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما جعل ال منية عبد بأرض ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إل جعل له إليها حاجة" (‪.)6‬‬
‫[آخر تفسير سورة "لقمان" والحمد ل رب العالمين ‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل] (‪)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أجد البيات فيما بين يدي من تاريخ دمشق ول في المختصر لبن منظور‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عكرمة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬أتت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أمره"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )4263‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )2/264‬هذا إسناد صحيح‬
‫ورجاله ثقات"‪ .‬والكلم هنا متعلق برواية البزار ولم أستسغ تقديمها ؛ لورودها هكذا في النسخ‪.‬‬
‫(‪ )6‬المعجم الكبير (‪ )1/178‬وقد مر ذكره‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/357‬‬

‫الم (‪ )1‬تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ لَا رَ ْيبَ فِيهِ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪َ )2‬أمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ َبلْ ُهوَ ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبكَ‬
‫لِتُنْذِرَ َق ْومًا مَا أَتَا ُهمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبِْلكَ َلعَّلهُمْ َيهْتَدُونَ (‪)3‬‬

‫تفسير سورة السجدة (‪)1‬‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫قال البخاري في "كتاب الجمعة" ‪ :‬حدثنا أبو نعيم ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن سعد بن إبراهيم ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن هُ ْرمُز العرج ‪ )2( ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كان النبي (‪ )3‬صلى‬
‫ال عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة ‪ { :‬الم * تَنزيلُ } السجدة ‪ ،‬و { َهلْ أَتَى عَلَى‬
‫النْسَانِ }‪.‬‬
‫ورواه مسلم أيضًا من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬به‪)4( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أسود بن عامر ‪ ،‬أخبرنا الحسن بن صالح ‪ ،‬عن لَيْث ‪ ،‬عن أبي‬
‫الزبير ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم ل ينام حتى يقرأ { الم * تَنزيلُ } السجدة‬
‫و { تَبَا َركَ الّذِي بِيَ ِدهِ ا ْلمُ ْلكُ } تفرد به أحمد‪)5( .‬‬
‫{ الم (‪ )1‬تَنزيلُ ا ْلكِتَابِ ل رَ ْيبَ فِيهِ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪َ )2‬أمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ َبلْ ُهوَ ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبكَ‬
‫لِتُنْذِرَ َق ْومًا مَا أَتَا ُهمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبِْلكَ َلعَّلهُمْ َيهْتَدُونَ (‪.} )3‬‬
‫قد تقدم الكلم على الحروف المقطعة في أول سورة "البقرة" بما أغنى عن إعادته‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪ { :‬تَنزيلُ ا ْلكِتَابِ ل رَ ْيبَ فِيهِ } أي ‪ :‬ل شك فيه ول مرية أنه نزل ‪ { )6( ،‬مِنْ َربّ‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ }‪.‬‬
‫ثم قال مخبرًا عن المشركين ‪ { :‬أَمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ } ‪ ،‬بل يقولون ‪ { :‬افْتَرَاهُ } أي ‪ :‬اختلقه من‬
‫حقّ مِنْ رَ ّبكَ لِتُ ْنذِرَ َق ْومًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ َنذِيرٍ مِنْ قَبِْلكَ َلعَّلهُمْ َيهْتَدُونَ } أي‬
‫تلقاء نفسه ‪َ { ،‬بلْ ُهوَ الْ َ‬
‫يتبعون الحق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬سورة الم السجدة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى البخاري بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )891‬وصحيح مسلم برقم (‪.)880‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)3/340‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬منزل"‪.‬‬

‫( ‪)6/358‬‬

‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ مَا َلكُمْ مِنْ دُونِهِ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر َ‬
‫اللّهُ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫سمَاءِ إِلَى الْأَ ْرضِ ثُمّ َيعْرُجُ إِلَيْهِ فِي َيوْمٍ كَانَ‬
‫شفِيعٍ َأفَلَا تَتَ َذكّرُونَ (‪ُ )4‬يدَبّرُ الَْأمْرَ مِنَ ال ّ‬
‫ن وَِليّ وَلَا َ‬
‫مِ ْ‬
‫شهَا َدةِ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)6‬‬
‫ب وَال ّ‬
‫ِمقْدَا ُرهُ أَ ْلفَ سَنَةٍ ِممّا َتعُدّونَ (‪ )5‬ذَِلكَ عَاِلمُ ا ْلغَ ْي ِ‬

‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ مَا َلكُمْ مِنْ‬
‫ت وَالرْ َ‬
‫س َموَا ِ‬
‫{ اللّهُ الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫سمَاءِ ِإلَى ال ْرضِ ثُمّ َيعْرُجُ إِلَيْهِ فِي‬
‫شفِيعٍ َأفَل تَتَ َذكّرُونَ (‪ُ )4‬يدَبّ ُر المْرَ مِنَ ال ّ‬
‫ي وَل َ‬
‫ن وَِل ّ‬
‫دُونِهِ مِ ْ‬
‫شهَا َدةِ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪.} )6‬‬
‫ب وَال ّ‬
‫َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ أَ ْلفَ سَنَةٍ ِممّا َت ُعدّونَ (‪ )5‬ذَِلكَ عَاِلمُ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫يخبر تعالى أنه الخالق للشياء ‪ ،‬فخلق السموات والرض وما بينهما في ستة أيام ‪ ،‬ثم استوى‬
‫على العرش‪ .‬وقد تقدم الكلم على ذلك‪.‬‬
‫شفِيعٍ } أي ‪ :‬بل هو المالك لزمة المور ‪ ،‬الخالق لكل شيء ‪،‬‬
‫ي وَل َ‬
‫ن وَِل ّ‬
‫{ مَا َل ُكمْ مِنْ دُونِهِ مِ ْ‬
‫المدبر لكل شيء ‪ ،‬القادر (‪ )1‬على كل شيء ‪ ،‬فل ولي لخلقه سواه ‪ ،‬ول شفيع إل من بعد إذنه‪.‬‬
‫{ َأفَل تَ َت َذكّرُونَ } يعني ‪ :‬أيها العابدون غيره ‪ ،‬المتوكلون على من عداه ‪ -‬تعالى وتقدس وتنزه أن‬
‫يكون له نظير أو شريك أو نديد ‪ ،‬أو وزير أو عديل ‪ ،‬ل إله إل هو ول رب سواه‪.‬‬
‫وقد أورد النسائي هاهنا حديثا فقال ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن يعقوب ‪ ،‬حدثني محمد بن الصباح ‪ ،‬حدثنا‬
‫عجْلن ‪ ،‬عن أبي جُريْج المكي ‪ ،‬عن عطاء ‪ )2( ،‬عن أبي‬
‫أبو عبيدة الحداد ‪ ،‬حدثنا الخضر بن َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هريرة ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أخذ بيدي فقال ‪" :‬إن ال خلق السموات والرض وما‬
‫بينهما في ستة أيام ‪ ،‬ثم استوى على العرش في اليوم (‪ )3‬السابع ‪ ،‬فخلق التربة يوم السبت ‪،‬‬
‫والجبال يوم الحد ‪ ،‬والشجر يوم الثنين ‪ ،‬والمكروه يوم الثلثاء ‪ ،‬والنور يوم الربعاء ‪،‬‬
‫والدواب يوم الخميس ‪ ،‬وآدم يوم الجمعة في آخر ساعة من النهار بعد العصر ‪ ،‬وخلقه من أديم‬
‫الرض ‪ ،‬بأحمرها وأسودها ‪ ،‬وطيبها وخبيثها ‪ ،‬من أجل ذلك جعل ال من بني آدم الطيب‬
‫والخبيث"‪)4( .‬‬
‫هكذا أورد هذا الحديث إسنادًا ومتنا ‪ ،‬وقد أخرج مسلم والنسائي أيضا من حديث الحجاج بن محمد‬
‫العور ‪ ،‬عن ابن جُرَيج ‪ ،‬عن إسماعيل بن أمية ‪ ،‬عن أيوب بن خالد ‪ ،‬عن عبد ال بن رافع ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم بنحو من هذا السياق‪)5( .‬‬
‫وقد علّله البخاري في كتاب "التاريخ الكبير" فقال ‪" :‬وقال بعضهم ‪ :‬أبو هريرة عن كعب الحبار‬
‫وهو أصح" ‪ )6( ،‬وكذا علّله غير واحد من الحفاظ ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫سمَاءِ إِلَى ال ْرضِ ثُمّ َيعْرُجُ ِإلَيْهِ } أي ‪ :‬يتنزل (‪ )7‬أمره من أعلى‬
‫وقوله ‪ُ { :‬يدَبّ ُر المْرَ مِنَ ال ّ‬
‫س َموَاتٍ‬
‫السموات إلى أقصى تخوم الرض السابعة ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪ { :‬اللّهُ الّذِي خََلقَ سَبْعَ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنّ اللّهَ َقدْ أَحَاطَ ِب ُكلّ‬
‫ل المْرُ بَيْ َنهُنّ لِ َتعَْلمُوا أَنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫َومِنَ ال ْرضِ مِثَْلهُنّ يَتَنز ُ‬
‫شيْءٍ عِ ْلمًا } [الطلق ‪.]12 :‬‬
‫َ‬
‫وترفع العمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا ‪ ،‬ومسافة ما بينها وبين الرض [مسيرة] (‪)8‬‬
‫خمسمائة سنة ‪ ،‬وسمك السماء خمسمائة سنة‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬وصعوده في‬
‫مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬ولكنه يقطعها في طرفة عين ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فِي َيوْمٍ كَانَ مِقْدَا ُرهُ‬
‫أَ ْلفَ سَنَةٍ ِممّا َت ُعدّونَ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬القاهر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى مسلم والنسائي حديثا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬على العرش يوم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11392‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪ )2789‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11010‬‬
‫(‪ )6‬التاريخ الكبير للبخاري (‪ )414 ، 1/413‬وممن أعله من الحفاظ ابن المديني كما نقل ذلك‬
‫البيهقي في السماء والصفات ص (‪ )275‬وقد رد ذلك الشيخ ناصر اللباني في صحيحته برقم (‬
‫‪ )1833‬والحديث يحتاج إلى بحث ‪ ،‬وال اعلم‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ينزل"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/359‬‬

‫ج َعلَ نَسَْلهُ مِنْ سُلَاَلةٍ مِنْ مَاءٍ َمهِينٍ‬


‫شيْءٍ خََلقَ ُه وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (‪ُ )7‬ثمّ َ‬
‫الّذِي َأحْسَنَ ُكلّ َ‬
‫شكُرُونَ (‪َ )9‬وقَالُوا‬
‫سمْعَ وَالْأَ ْبصَارَ وَالَْأفْئِ َدةَ قَلِيلًا مَا تَ ْ‬
‫ج َعلَ َل ُكمُ ال ّ‬
‫سوّا ُه وَ َنفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِ ِه َو َ‬
‫(‪ُ )8‬ثمّ َ‬
‫أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَ ْرضِ أَئِنّا َلفِي خَ ْلقٍ جَدِيدٍ َبلْ هُمْ بِِلقَاءِ رَ ّب ِهمْ كَافِرُونَ (‪ُ )10‬قلْ يَ َت َوفّاكُمْ مََلكُ ا ْل َم ْوتِ‬
‫جعُونَ (‪)11‬‬
‫الّذِي ُو ّكلَ ِبكُمْ ثُمّ إِلَى رَ ّبكُمْ تُرْ َ‬

‫شهَا َدةِ } أي ‪ :‬المدبر لهذه المور الذي هو شهيد على أعمال عباده ‪ ،‬يرفع‬
‫{ ذَِلكَ عَالِمُ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫إليه جليلها وحقيرها ‪ ،‬وصغيرها وكبيرها ‪ -‬هو { ا ْلعَزِيزُ } الذي قد عَزّ كلّ شيء فقهره وغلبه ‪،‬‬
‫ودانت له العباد والرقاب ‪ { ،‬الرّحِيمُ } بعباده المؤمنين‪ .‬فهو عزيز في رحمته ‪ ،‬رحيم في عزته‬
‫[وهذا هو الكمال ‪ :‬العزة مع الرحمة ‪ ،‬والرحمة مع العزة ‪ ،‬فهو رحيم بل ذل]‪)1( .‬‬
‫ج َعلَ نَسَْلهُ مِنْ سُلَلةٍ مِنْ مَاءٍ‬
‫خلْقَ النْسَانِ مِنْ طِينٍ (‪ُ )7‬ثمّ َ‬
‫شيْءٍ خََلقَهُ وَبَدَأَ َ‬
‫حسَنَ ُكلّ َ‬
‫{ الّذِي أَ ْ‬
‫شكُرُونَ (‪)9‬‬
‫سمْ َع وَال ْبصَارَ وَالفْئِ َدةَ قَلِيل مَا تَ ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ّ‬
‫ح ِه وَ َ‬
‫سوّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُو ِ‬
‫َمهِينٍ (‪ )8‬ثُمّ َ‬
‫}‪.‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬إنه الذي أحسن خلق الشياء وأتقنها وأحكمها‪.‬‬
‫شيْءٍ خََلقَهُ } قال ‪ :‬أحسن خلق كل شيء‪ .‬كأنه‬
‫وقال مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ { :‬الّذِي َأحْسَنَ ُكلّ َ‬
‫جعله من المقدم والمؤخر‪.‬‬
‫ثم لما ذكر خلق السموات والرض ‪ ،‬شرع في ذكر خلق النسان فقال ‪ { :‬وَبَدَأَ خَلْقَ النْسَانِ مِنْ‬
‫طِينٍ } يعني ‪ :‬خلق أبا البشر آدم من طين‪.‬‬
‫ج َعلَ نَسَْلهُ مِنْ سُلَلةٍ مِنْ مَاءٍ َمهِينٍ } أي ‪ :‬يتناسلون كذلك من نطفة تخرج من بين صلب‬
‫{ ُثمّ َ‬
‫الرجل وترائب المرأة‪.‬‬
‫ج َعلَ‬
‫ح ِه وَ َ‬
‫سوّاهُ } يعني ‪ :‬آدم ‪ ،‬لما خلقه من تراب خلقه سويا مستقيما ‪ { ،‬وَ َنفَخَ فِيهِ مِنْ رُو ِ‬
‫{ ُثمّ َ‬
‫شكُرُونَ } أي ‪ :‬بهذه القوى التي‬
‫سمْ َع وَال ْبصَارَ وَالفْئِ َدةَ } ‪ ،‬يعني ‪ :‬العقول ‪ { ،‬قَلِيل مَا تَ ْ‬
‫َلكُمُ ال ّ‬
‫رزقكموها ال عز وجل‪ )2( .‬فالسعيد مَنْ استعملها في طاعة ربه عز وجل‪.‬‬
‫جدِيدٍ َبلْ ُهمْ بِِلقَاءِ رَ ّبهِمْ كَافِرُونَ (‪ُ )10‬قلْ يَ َت َوفّاكُمْ‬
‫{ َوقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي ال ْرضِ أَئِنّا َلفِي خَ ْلقٍ َ‬
‫جعُونَ (‪} )11‬‬
‫مََلكُ ا ْل َموْتِ الّذِي ُوكّلَ ِبكُمْ ُثمّ إِلَى رَ ّبكُمْ تُ ْر َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن المشركين في استبعادهم المعاد حيث قالوا ‪ { :‬أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي ال ْرضِ } أي‬
‫جدِيدٍ } ؟ أي ‪ :‬أئنا‬
‫‪ :‬تمزقت أجسامنا وتفرقت في أجزاء الرض (‪ )3‬وذهبت ‪ { ،‬أَئِنّا َلفِي خَ ْلقٍ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لَ َنعُودُ بعد تلك الحال ؟! يستبعدون ذلك ‪ )4( ،‬وهذا إنما هو بعيد بالنسبة إلى ُقدْرَتهم العاجزة ‪ ،‬ل‬
‫بالنسبة إلى قُدْرة الذي بدأهم وخلقهم من العدم ‪ ،‬الذي إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن‬
‫فيكون ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬بلْ ُهمْ بِِلقَاءِ رَ ّبهِمْ كَافِرُونَ }‪.‬‬
‫ثم قال ‪ُ { :‬قلْ يَ َت َوفّاكُمْ مََلكُ ا ْل َموْتِ الّذِي ُو ّكلَ ِبكُمْ } ‪ ،‬الظاهر من هذه الية أن ملك الموت شخص‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ف أ ‪" :‬الرضين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬تلك الحال"‪.‬‬

‫( ‪)6/360‬‬

‫معين من الملئكة ‪ ،‬كما هو المتبادر من حديث البراء المتقدم ذكره في سورة "إبراهيم" ‪ )1( ،‬وقد‬
‫سمي في بعض الثار بعزرائيل ‪ ،‬وهو المشهور ‪ ،‬قاله قتادة وغير واحد ‪ ،‬وله أعوان‪ .‬وهكذا (‬
‫‪ )2‬ورد في الحديث أن أعوانه ينتزعون الرواح من سائر الجسد ‪ ،‬حتى إذا بلغت الحلقوم تناولها‬
‫ملك الموت‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬حُويت له الرض فجعلت له مثل الطست ‪ ،‬يتناول منها حيث يشاء‪ )3( .‬ورواه‬
‫زهير بن محمد عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بنحوه مرسل‪ .‬وقاله ابن عباس ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنهما‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي يحيى المقري ‪ ،‬حدثنا (‪ )4‬عمرو بن شمر (‬
‫‪ )5‬عن جعفر بن محمد قال ‪ :‬سمعت أبي يقول ‪ :‬نظر رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى ملك‬
‫الموت عند رأس رجل من النصار ‪ ،‬فقال له النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا ملك الموت ‪ ،‬ارفق‬
‫طبْ نفسًا وقَر عينًا فإني بكل مؤمن رفيق ‪،‬‬
‫بصاحبي فإنه مؤمن"‪ .‬فقال مَلَك الموت ‪ :‬يا محمد ‪ِ ،‬‬
‫شعَر ‪ ،‬في بر ول (‪ )6‬بحر ‪ ،‬إل وأنا أتصفحه في كل يوم‬
‫واعلم أن ما في الرض بيت َمدَر ول َ‬
‫خمس مرات ‪ ،‬حتى إني أعرفُ (‪ )7‬بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم ‪ ،‬وال يا محمد ‪ ،‬لو أني‬
‫أردت أن أقبض روح بعوضة ما قَدَرتُ على ذلك حتى يكون ال هو المر بقبضها‪)8( .‬‬
‫قال جعفر ‪ :‬بلغني أنه إنما يتصفحهم عند (‪ )9‬مواقيت الصلة ‪ ،‬فإذا حضرهم عند الموت فإن كان‬
‫ممن يحافظ على الصلة دنا منه الملك ‪ ،‬ودفع عنه الشيطان ‪ ،‬ولقنه المَلَك ‪" :‬ل إله إل ال ‪،‬‬
‫محمد رسول ال" في تلك الحال العظيمة‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬حدثنا محمد بن مسلم ‪ ،‬عن إبراهيم بن مَيْسَرة قال ‪ :‬سمعت مجاهدًا يقول (‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ )10‬ما على ظهر الرض من بيت شعر أو مدر إل وملك الموت يُطيف به كل يوم مرتين‪.‬‬
‫وقال كعب الحبار ‪ :‬وال ما من بيت فيه أحد من أهل الدنيا إل وملك الموت يقوم على بابه كل‬
‫يوم سبع مرات‪ .‬ينظر هل فيه أحد أمر أن (‪ )11‬يتوفاه‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬يوم معادكم وقيامكم من قبوركم لجزائكم‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ إِلَى رَ ّبكُمْ تُ ْر َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬عند الية السابعة والعشرين ‪ ،‬وقد جاء الحديث بتمامه في نسخة ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬كما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ :‬شاء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" ،‬عمر بن سمرة" والتصويب من البداية والنهاية والمعجم‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬أو"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬لعرف"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )4/220‬والبزار في مسنده برقم (‪" )784‬كشف الستار"‬
‫من طريق إسماعيل بن أبان ‪ ،‬عن عمرو بن شمر الجعفي ‪ ،‬عن جعفر بن محمد عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫الحارث بن الخزرج عن أبيه ‪ ،‬أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكر نحوه ‪ ،‬فأسنده ولم‬
‫يرسله ‪ ،‬ذكره الحافظ ابن حجر في الصابة وقال ‪" :‬عمرو بن شمر متروك الحديث"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وقال مجاهد"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وبه"‪.‬‬

‫( ‪)6/361‬‬

‫ل صَالِحًا إِنّا‬
‫جعْنَا َن ْع َم ْ‬
‫س ِمعْنَا فَارْ ِ‬
‫س ِهمْ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ رَبّنَا أَ ْبصَرْنَا وَ َ‬
‫وََلوْ تَرَى ِإذِ ا ْلمُجْ ِرمُونَ نَاكِسُو رُءُو ِ‬
‫جهَنّمَ مِنَ الْجِنّ ِة وَالنّاسِ‬
‫حقّ ا ْل َقوْلُ مِنّي لََأمْلَأَنّ َ‬
‫مُوقِنُونَ (‪ )12‬وََلوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا ُكلّ َنفْسٍ هُدَاهَا وََلكِنْ َ‬
‫ج َمعِينَ (‪َ )13‬فذُوقُوا ِبمَا نَسِي ُتمْ ِلقَاءَ َي ْو ِمكُمْ َهذَا إِنّا َنسِينَاكُ ْم وَذُوقُوا عَذَابَ ا ْلخُلْدِ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‬
‫أَ ْ‬
‫حمْدِ رَ ّبهِ ْم وَهُمْ لَا يَسْ َتكْبِرُونَ (‪)15‬‬
‫سجّدًا وَسَبّحُوا بِ َ‬
‫‪ )14‬إِ ّنمَا ُي ْؤمِنُ بِآَيَاتِنَا الّذِينَ إِذَا ُذكّرُوا ِبهَا خَرّوا ُ‬
‫ط َمعًا َو ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْن ِفقُونَ (‪ )16‬فَلَا َتعَْلمُ َنفْسٌ‬
‫خ ْوفًا وَ َ‬
‫تَتَجَافَى جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَاجِعِ َيدْعُونَ رَ ّبهُمْ َ‬
‫خ ِفيَ َلهُمْ مِنْ قُ ّرةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪)17‬‬
‫مَا أُ ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل صَالِحًا إِنّا‬
‫جعْنَا َن ْع َم ْ‬
‫س ِمعْنَا فَارْ ِ‬
‫سهِمْ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ رَبّنَا أَ ْبصَرْنَا وَ َ‬
‫{ وََلوْ تَرَى إِذِ ا ْلمُجْ ِرمُونَ نَاكِسُو رؤُُو ِ‬
‫جهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ‬
‫مُوقِنُونَ (‪ )12‬وََلوْ شِئْنَا لتَيْنَا ُكلّ َنفْسٍ ُهدَاهَا وََلكِنْ حَقّ ا ْل َق ْولُ مِنّي لمْلنّ َ‬
‫ج َمعِينَ (‪َ )13‬فذُوقُوا ِبمَا نَسِي ُتمْ ِلقَاءَ َي ْو ِمكُمْ َهذَا إِنّا َنسِينَاكُ ْم وَذُوقُوا عَذَابَ ا ْلخُلْدِ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‬
‫أَ ْ‬
‫‪.} )14‬‬
‫يخبر تعالى عن حال المشركين يوم القيامة ‪ ،‬وحالهم حين عاينوا البعث ‪ ،‬وقاموا بين يدي ال‬
‫س ِمعْنَا }‬
‫حقيرين ذليلين ‪ ،‬ناكسي رؤوسهم ‪ ،‬أي ‪ :‬من الحياء والخجل ‪ ،‬يقولون ‪ { :‬رَبّنَا أَ ْبصَرْنَا وَ َ‬
‫سمِعْ ِب ِه ْم وَأَ ْبصِرْ َي ْومَ يَأْتُونَنَا }‬
‫(‪ )1‬أي ‪ :‬نحن الن نسمع قولك ونطيع أمرك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬أَ ْ‬
‫سمَعُ َأوْ‬
‫[مريم ‪ .]38 :‬وكذلك يعودون على أنفسهم بالملمة إذا (‪ )2‬دخلوا النار بقولهم ‪َ { :‬لوْ كُنّا َن ْ‬
‫س ِمعْنَا‬
‫سعِيرِ } [الملك ‪ .]10 :‬وهكذا هؤلء يقولون ‪ { :‬رَبّنَا أَ ْبصَرْنَا وَ َ‬
‫َن ْعقِلُ مَا كُنّا فِي َأصْحَابِ ال ّ‬
‫جعْنَا } أي ‪ :‬إلى الدار الدنيا ‪َ { ،‬ن ْع َملْ صَالِحًا إِنّا مُوقِنُونَ } أي ‪ :‬قد أيقنا وتحققنا أن وعدك‬
‫فَارْ ِ‬
‫حق ولقاءك حق ‪ ،‬وقد علم الرب تعالى منهم أنه لو أعادهم إلى الدار الدنيا لكانوا كما كانوا فيها‬
‫علَى النّارِ َفقَالُوا يَا‬
‫كفارا يكذبون آيات (‪ )3‬ال ويخالفون رسله ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وََلوْ تَرَى إِ ْذ ُو ِقفُوا َ‬
‫خفُونَ مِنْ قَ ْبلُ وََلوْ رُدّوا‬
‫لَيْتَنَا نُرَدّ وَل ُنكَ ّذبَ بِآيَاتِ رَبّنَا وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ‪َ .‬بلْ بَدَا َلهُمْ مَا كَانُوا يُ ْ‬
‫َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا عَنْ ُه وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ َوقَالُوا إِنْ ِهيَ إِل حَيَاتُنَا الدّنْيَا َومَا َنحْنُ ِبمَ ْبعُوثِينَ } [النعام ‪:‬‬
‫‪.]29 - 27‬‬
‫ك لمَنَ مَنْ فِي‬
‫وقال هاهنا { وََلوْ شِئْنَا لتَيْنَا ُكلّ َنفْسٍ هُدَاهَا } ‪ ،‬كما قال تعالى { وََلوْ شَاءَ رَ ّب َ‬
‫جمِيعًا } [يونس ‪.]99 :‬‬
‫ال ْرضِ كُّلهُمْ َ‬
‫ج َمعِينَ } أي ‪ :‬من الصنفين ‪ ،‬فدارهم النار‬
‫جهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ أَ ْ‬
‫{ وََلكِنْ حَقّ ا ْل َق ْولُ مِنّي لمْلنّ َ‬
‫(‪ )4‬ل محيد لهم عنها ول محيص لهم منها ‪ ،‬نعوذ بال وكلماته التامة من ذلك‪.‬‬
‫{ َفذُوقُوا ِبمَا نَسِي ُتمْ ِلقَاءَ َي ْو ِمكُمْ َهذَا } أي ‪ :‬يقال لهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ ‪ :‬ذوقوا‬
‫[هذا] (‪ )5‬العذاب بسبب تكذيبكم به ‪ ،‬واستبعادكم وقوعه ‪ ،‬وتناسيكم له ؛ إذ عاملتموه معاملة من‬
‫هو ناس له ‪ { ،‬إِنّا نَسِينَاكُمْ } أي ‪[ :‬إنا] (‪ )6‬سنعاملكم معاملة الناسي ؛ لنه تعالى ل ينسى شيئا‬
‫ول يضل عنه شيء ‪ ،‬بل من باب المقابلة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬الْ َيوْمَ نَنْسَاكُمْ َكمَا َنسِيتُمْ ِلقَاءَ َي ْو ِمكُمْ‬
‫هَذَا } [الجاثية ‪.]34 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَذُوقُوا عَذَابَ ا ْلخُلْدِ ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬بسبب كفركم وتكذيبكم ‪ )7( ،‬كما قال في‬
‫حمِيمًا وَغَسّاقًا جَزَا ًء ِوفَاقًا‪ .‬إِ ّنهُمْ كَانُوا ل‬
‫الية الخرى ‪ { :‬ل َيذُوقُونَ فِيهَا بَ ْردًا وَل شَرَابًا‪ .‬إِل َ‬
‫عذَابًا } [النبأ‬
‫حصَيْنَاهُ كِتَابًا‪َ .‬فذُوقُوا فَلَنْ نزي َدكُمْ إِل َ‬
‫شيْءٍ َأ ْ‬
‫يَرْجُونَ حِسَابًا‪َ .‬وكَذّبُوا بِآيَاتِنَا كِذّابًا‪َ .‬و ُكلّ َ‬
‫‪.]30 - 24 :‬‬
‫حمْدِ رَ ّبهِمْ وَهُمْ ل يَسْ َتكْبِرُونَ (‪)15‬‬
‫{ إِ ّنمَا ُي ْؤمِنُ بِآيَاتِنَا الّذِينَ إِذَا ُذكّرُوا ِبهَا خَرّوا سُجّدًا وَسَبّحُوا ِب َ‬
‫ط َمعًا َو ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْن ِفقُونَ (‪ )16‬فَل َتعَْلمُ َنفْسٌ‬
‫خ ْوفًا وَ َ‬
‫تَتَجَافَى جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَاجِعِ َيدْعُونَ رَ ّبهُمْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خ ِفيَ َلهُمْ مِنْ قُ ّرةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪.} )17‬‬
‫مَا أُ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬بعدها في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فارجعنا نعمل صالحا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬إذ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬بآيات"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬قد ذرأتهم للنار"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬كفرهم وتكذيبهم"‪.‬‬

‫( ‪)6/362‬‬

‫يقول تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا ُي ْؤمِنُ بِآيَاتِنَا } أي ‪ :‬إنما يصدق بها { الّذِينَ إِذَا ُذكّرُوا ِبهَا خَرّوا سُجّدًا } أي ‪:‬‬
‫ح ْمدِ رَ ّبهِ ْم وَ ُهمْ ل يَسْ َتكْبِرُونَ } [أي] (‪ )1‬عن‬
‫استمعوا لها وأطاعوها قول وفعل { وَسَبّحُوا بِ َ‬
‫اتباعها والنقياد لها ‪ ،‬كما يفعله الجهلة من الكفرة الفجرة ‪[ ،‬وقد] (‪ )2‬قال ال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ‬
‫جهَنّمَ دَاخِرِينَ } [غافر ‪.]60 :‬‬
‫يَسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَ َيدْخُلُونَ َ‬
‫ثم قال [تعالى ‪ { :‬تَتَجَافَى جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَاجِعِ } يعني بذلك ‪ :‬قيام الليل ‪ ،‬وترك النوم‬
‫والضطجاع على الفرش الوطيئة‪ .‬قال مجاهد والحسن في قوله تعالى] (‪ { : )3‬تَتَجَافَى جُنُو ُبهُمْ }‬
‫يعني بذلك ‪ :‬قيام الليل‪.‬‬
‫وعن أنس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومحمد بن المُ ْنكَدِر ‪ ،‬وأبي حازم ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬هو الصلة بين العشاءين‪.‬‬
‫وعن أنس أيضًا ‪ :‬هو انتظار صلة العتمة‪ .‬رواه ابن جرير بإسناد جيد‪)4( .‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬هو صلة العشاء في جماعة ‪ ،‬وصلة الغداة في جماعة‪.‬‬
‫ط َمعًا } أي ‪ :‬خوفًا من وبال عقابه ‪ ،‬وطمعًا في جزيل ثوابه ‪َ { ،‬و ِممّا‬
‫خ ْوفًا وَ َ‬
‫{ َيدْعُونَ رَ ّبهُمْ َ‬
‫رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْن ِفقُونَ } ‪ ،‬فيجمعون بين فعل القربات اللزمة والمتعدية ‪ ،‬ومقدم هؤلء وسيدهم وفخرهم‬
‫في الدنيا والخرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كما قال عبد ال بن َروَاحة ‪ ،‬رضي ال عنه‬
‫‪:‬‬
‫َوفِينَا َرسُولُ ال يَتْلُو كتَابَه‪ ...‬إذَا ا ْنشَقّ َمعْرُوفٌ مِنَ الصّبْحِ سَاطعُ‪...‬‬
‫[أرَانَا ال ُهدَى َبعْدَ ال َعمَى َفقُلُوبُنَا‪ ...‬به مُوقِنَاتٌ أنّ مَا قَال وَاقِعُ] (‪...)5‬‬
‫يَبيتُ يُجَافِي جَنْ َبهُ عَنْ فِرَاشِه‪ ...‬إِذَا اسْتَ ْثقَلَتْ با ْلمُشْ ِركِين ال َمضَاجِعُ‪...‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا روح وعفان قال حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أخبرنا عطاء بن السائب ‪ ،‬عن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مُرّة الهمداني ‪ ،‬عن ابن مسعود (‪ ، )6‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬عجب ربنا من‬
‫رجلين ‪ :‬رجل ثار من وِطَائه ولحافه ‪ ،‬ومن بين أهله وَحَيّه (‪ )7‬إلى صلته ‪[ ،‬فيقول ربنا ‪ :‬أيا‬
‫ملئكتي ‪ ،‬انظروا إلى عبدي ‪ ،‬ثار من فراشه ووطائه ‪ ،‬ومن بين حيه وأهله إلى صلته] (‪)8‬‬
‫رغبة فيما عندي ‪ ،‬وشفقة مما عندي‪ .‬ورجل غزا في سبيل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فانهزموا ‪ ،‬فعلم ما‬
‫عليه من الفرار ‪ ،‬وما له في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)21/63‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده عن ابن مسعود"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من بين بنيه وأهله"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫( ‪)6/363‬‬

‫الرجوع ‪ ،‬فرجع حتى أهريق دمه ‪ ،‬رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي‪ .‬فيقول ال ‪ ،‬عز وجل‬
‫للملئكة ‪ :‬انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي ‪ ،‬ورهبة مما عندي ‪ ،‬حتى أهريق دمه"‪.‬‬
‫وهكذا رواه أبو داود في "الجهاد" ‪ ،‬عن موسى بن إسماعيل ‪ ،‬عن حماد بن سلمة ‪ ،‬به بنحوه‪)1( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن عاصم بن أبي النّجُود ‪ ،‬عن أبي وائل‬
‫‪ )2( ،‬عن معاذ بن جبل قال ‪ :‬كنت مع النبي صلى ال عليه وسلم في سفر ‪ ،‬فأصبحت يوما قريبا‬
‫منه ‪ ،‬ونحن نسير ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا نبي ال ‪ )3( ،‬أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار‪ .‬قال‬
‫‪" :‬لقد سألت عن عظيم ‪ ،‬وإنه ليسير على من يسره ال عليه ‪ ،‬تعبد ال ول تشرك به شيئا ‪ ،‬وتقيم‬
‫الصلة ‪ ،‬وتؤتي الزكاة ‪ ،‬وتصوم رمضان ‪ ،‬وتحج البيت"‪ .‬ثم قال ‪" :‬أل أدلك على أبواب الخير ؟‬
‫الصوم جنة ‪ ،‬والصدقة تطفئ الخطيئة ‪ ،‬وصلة الرجل في (‪ )4‬جوف الليل"‪ .‬ثم قرأ ‪ { :‬تَتَجَافَى‬
‫جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَاجِعِ } ‪ ،‬حتى بلغ { َي ْعمَلُون }‪ .‬ثم قال ‪" :‬أل أخبرك برأس المر وعموده وذروة‬
‫سنامه ؟" فقلت ‪ :‬بلى ‪ ،‬يا رسول ال‪ .‬فقال ‪" :‬رأس المر السلم ‪ ،‬وعموده الصلة ‪ ،‬وذروة‬
‫سَنَامه الجهاد في سبيل ال"‪ .‬ثم قال ‪" :‬أل أخبرك بملك ذلك كله ؟" فقلت ‪ :‬بلى ‪ ،‬يا نبي ال‪.‬‬
‫فأخذ بلسانه ثم قال ‪ُ " :‬كفّ عليك هذا"‪ .‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به‪ .‬فقال ‪:‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثكلتك أمك يا معاذ ‪ ،‬وهل َيكُب الناس في النار على وجوههم ‪ -‬أو قال ‪ :‬على مناخرهم ‪ -‬إل‬
‫حصائد ألسنتهم"‪.‬‬
‫رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم ‪ ،‬من طرق عن معمر ‪ ،‬به‪ )5( .‬وقال (‪ )6‬الترمذي‬
‫‪ :‬حسن صحيح‪ .‬ورواه ابن جرير من حديث شعبة ‪ ،‬عن الحكم قال ‪ :‬سمعت عُ ْروَة بن النزال (‬
‫‪ )7‬يحدث عن معاذ بن جبل ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال له ‪" :‬أل أدلك على أبواب‬
‫الخير ‪ :‬الصوم جنة ‪ ،‬والصدقة تكفر الخطيئة ‪ ،‬وقيام العبد في جوف الليل" ‪ ،‬وتل هذه الية ‪:‬‬
‫ط َمعًا َو ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْن ِفقُونَ } (‪.)8‬‬
‫خ ْوفًا وَ َ‬
‫جعِ يَدْعُونَ رَ ّبهُمْ َ‬
‫{ تَ َتجَافَى جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَا ِ‬
‫ورواه أيضًا من حديث الثوري ‪ ،‬عن منصور بن المعتمر ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن ميمون بن أبي‬
‫شبيب ‪ ،‬عن معاذ ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم بنحوه ‪ ،‬ومن حديث العمش ‪ ،‬عن حبيب بن‬
‫أبي ثابت ‪ ،‬والحكم عن ميمون بن أبي شبيب ‪ ،‬عن معاذ مرفوعا بنحوه‪ .‬ومن حديث حماد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬عن عاصم بن أبي النّجُود ‪ ،‬عن شهر ‪ ،‬عن معاذ بن جبل ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬في قوله تعالى ‪ { :‬تَتَجَافَى جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَاجِعِ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/416‬وسنن أبي داود برقم (‪.)5236‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يا رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )5/231‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2616‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪)11394‬‬
‫وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3973‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬رواه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬الزبير"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)21/64‬‬

‫( ‪)6/364‬‬

‫قال ‪" :‬قيام العبد من الليل"‪)1( .‬‬


‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سَنَان الواسطي ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬حدثنا فِطْر بن‬
‫خليفة ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬والحكم ‪ ،‬وحكيم بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ميمون بن أبي شبيب ‪ ،‬عن‬
‫معاذ بن جبل قال ‪ :‬كنت مع النبي صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك فقال ‪" :‬إن شئت أنبأتك‬
‫بأبواب الخير ‪ :‬الصوم جنة ‪ ،‬والصدقة تطفئ الخطيئة ‪ ،‬وقيام الرجل في جوف الليل" ‪ ،‬ثم تل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ط َمعًا َو ِممّا‬
‫خ ْوفًا وَ َ‬
‫جعِ يَدْعُونَ رَ ّبهُمْ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬تَ َتجَافَى جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَا ِ‬
‫رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْن ِفقُونَ }‪.‬‬
‫سهِر ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن إسحاق ‪،‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سويد بن سعيد ‪ ،‬حدثنا علي بن مُ ْ‬
‫حوْشَب ‪ )2( ،‬عن أسماء بنت يزيد قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا‬
‫شهْر بن َ‬
‫عن َ‬
‫جمع ال الولين والخرين يوم القيامة ‪ ،‬جاء مناد فنادى بصوت يُسمعُ الخلئق ‪ :‬سيعلم أهل‬
‫الجمع اليوم مَن أولى بالكرم‪ .‬ثم يرجع فينادي ‪ :‬ليقم (‪ )3‬الذين كانت { تَتَجَافَى جُنُو ُبهُمْ عَنِ‬
‫ا ْل َمضَاجِعِ } الية ‪ ،‬فيقومون وهم قليل"‪)4( .‬‬
‫وقال البزار ‪ :‬حدثنا عبد ال بن شَبِيب ‪ ،‬حدثنا الوليد بن عطاء بن الغر ‪ ،‬حدثنا عبد الحميد بن‬
‫سليمان ‪ ،‬حدثني مصعب ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال بلل (‪ )5‬لما نزلت هذه الية ‪:‬‬
‫جعِ } [الية] (‪ ، )6‬كنا نجلس في المجلس ‪ ،‬وناس من أصحاب‬
‫{ تَ َتجَافَى جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَا ِ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلون بعد المغرب إلى العشاء ‪ ،‬فنزلت هذه الية ‪ { :‬تَتَجَافَى‬
‫جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَاجِعِ }‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬ل نعلم روى أسلم عن بلل سواه ‪ ،‬وليس له طريق عن بلل غير هذه الطريق (‪.)7‬‬
‫خ ِفيَ َل ُهمْ مِنْ قُ ّرةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬فل يعلم أحد‬
‫وقوله ‪ { :‬فَل َتعَْلمُ َنفْسٌ مَا أُ ْ‬
‫عظمة ما أخفى ال لهم في الجنات من النعيم المقيم ‪ ،‬واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد ‪َ ،‬لمّا‬
‫أخفوا أعمالهم (‪ )8‬أخفى ال لهم من الثواب ‪ ،‬جزاء وفاقا ؛ فإن الجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫قال الحسن [البصري] ‪ )9( :‬أخفى قوم عملهم فأخفى ال لهم ما لم تر عين ‪ ،‬ولم يخطر (‪)10‬‬
‫على قلب بشر‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫خ ِفيَ َل ُهمْ مِنْ قُ ّرةِ أَعْيُنٍ } الية ‪ :‬حدثنا علي بن‬
‫قال البخاري ‪ :‬قوله ‪ { :‬فَل َتعْلَمُ َنفْسٌ مَا ُأ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)65 ، 21/64‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬لتقم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه إسحاق بن راهوية في مسنده ‪ ،‬وأبو يعلى في المسند الكبير كما في المطالب العالية (‬
‫‪ )4/373‬من حديث أسماء بنت يزيد رضي ال عنها‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وقال البزار بإسناده عن بلل قال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )7‬مسند البزار برقم (‪" )2250‬كشف الستار" ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/90‬فيه عبد‬
‫ال بن شبيب وهو ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أعمالهم كذلك"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬ول يخطر"‪.‬‬

‫( ‪)6/365‬‬

‫عبد ال ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي الزّنَاد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬قال ال تعالى ‪ :‬أعددت لعبادي الصالحين ما ل عين‬
‫رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر"‪ .‬قال أبو هريرة ‪ :‬فاقرؤوا إن شئتم ‪ { :‬فَل‬
‫خفِيَ َلهُمْ مِنْ قُ ّرةِ أَعْيُنٍ }‪.‬‬
‫َتعْلَمُ َنفْسٌ مَا ُأ ْ‬
‫قال ‪ :‬وحدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا أبو الزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال ال مثله (‪.)1‬‬
‫قيل لسفيان ‪ :‬روايةً ؟ قال ‪ :‬فَأيّ شيء ؟‪.‬‬
‫ورواه مسلم والترمذي من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬به (‪ .)2‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫ثم قال البخاري ‪ :‬حدثنا إسحاق بن نصر ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬حدثنا (‪ )3‬أبو صالح‬
‫‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يقول ال تعالى ‪ :‬أعددت لعبادي الصالحين‬
‫ما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر ‪ ،‬ذُخْرًا منْ بَله ما أطلعْتم عليه" ‪ ،‬ثم‬
‫خ ِفيَ َلهُمْ مِنْ قُ ّرةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫قرأ ‪ { :‬فَل َتعْلَمُ َنفْسٌ مَا أُ ْ‬
‫قال أبو معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬قرأ أبو هريرة ‪" :‬قُرّات أَعْيُنٍ"‪ .‬انفرد به‬
‫البخاري من هذا الوجه‪)4( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن همام بن مُنَبّه قال ‪ :‬هذا ما حدثنا أبو‬
‫هريرة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال تعالى قال ‪ :‬أعددت لعبادي الصالحين ما ل‬
‫عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من رواية عبد الرزاق (‪ .)5‬ورواه الترمذي في التفسير ‪ ،‬وابن جرير ‪،‬‬
‫من حديث عبد الرحيم بن سليمان ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بمثله‪ .‬ثم قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن‬
‫صحيح‪)6( .‬‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أبي رافع ‪ ،‬عن أبي هريرة (‪ ، )7‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال‬
‫حماد ‪ :‬أحسبه عن النبي (‪ )8‬صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من يدخل الجنة ينعم ل يبأس ‪ ،‬ل تبلى‬
‫ثيابه ‪ ،‬ول يفنى شبابه ‪ ،‬في الجنة ما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬تعالى"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4779‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2824‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3197‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )4780‬وفي البخاري "رواية أبي معاوية" بعد الحديث المتقدم‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/313‬وصحيح البخاري برقم (‪ )8498‬من طريق عبد ال عن معمر به ‪ ،‬ولم‬
‫أجده في الصحيحين من رواية عبد الرزاق‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪ )3292‬وتفسير الطبري (‪.)21/66‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى مسلم عن أبي هريرة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬

‫( ‪)6/366‬‬

‫رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬به‪)1( .‬‬


‫وروى (‪ )2‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا هارون ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬حدثني أبو صخر ‪ ،‬أن أبا حازم حدّثه‬
‫قال ‪ :‬سمعت (‪ )3‬سهل بن سعد الساعدي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬يقول ‪ :‬شهدت من رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة ‪ ،‬حتى انتهى ‪ ،‬ثم قال في آخر حديثه ‪" :‬فيها ما ل عين‬
‫رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر" ‪ ،‬ثم قرأ هذه الية ‪ { :‬تَتَجَافَى جُنُو ُبهُمْ عَنِ‬
‫ط َمعًا] } (‪ ، )4‬إلى قوله ‪َ { :‬ي ْعمَلُون }‪.‬‬
‫خ ْوفًا وَ َ‬
‫ا ْل َمضَاجِعِ [يَدْعُونَ رَ ّبهُمْ َ‬
‫وأخرجه مسلم في صحيحه عن هارون بن معروف ‪ ،‬وهارون بن سعيد ‪ ،‬كلهما عن ابن وهب ‪،‬‬
‫به‪)5( .‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني العباس بن أبي طالب ‪ ،‬حدثنا معلى بن أسد ‪ ،‬حدثنا سلم بن أبي‬
‫مطيع ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن عقبة بن عبد الغافر ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬يروي عن ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قال ‪" :‬أعددت لعبادي الصالحين ما ل عين رأت ‪ ،‬ول‬
‫أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر"‪ .‬لم يخرجوه‪)6( .‬‬
‫وقال (‪ )7‬مسلم أيضا في صحيحه ‪ :‬حدثنا ابن أبي عمر وغيره ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا مُطَرّف بن‬
‫طَريف وعبد الملك بن سعيد ‪ ،‬سمعا الشعبي يخبر عن المغيرة بن شعبة قال ‪ :‬سمعته على المنبر‬
‫‪ -‬يرفعه إلى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬سأل موسى ‪ ،‬عليه السلم (‪ )8‬ربه عز وجل ‪:‬‬
‫ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ قال ‪ :‬هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬ادخل‬
‫الجنة‪ .‬فيقول ‪ :‬أي رب ‪ ،‬كيف وقد نزل الناس منازلهم ‪ ،‬وأخذوا أخذاتهم ؟ فيقال له ‪ :‬أترضى أن‬
‫ك من ملوك الدنيا ؟ فيقول ‪ :‬رضيت رب‪ .‬فيقول ‪ :‬لك ذلك ‪ ،‬ومثله ‪ ،‬ومثله‬
‫يكون لك مثل مُلك مَِل ٍ‬
‫‪ ،‬ومثله ‪ ،‬ومثله ‪َ ،‬فقَال في الخامسة ‪ :‬رضيت رب‪ .‬فيقول ‪ :‬هذا لك وعشرة أمثاله (‪ )9‬ولك ما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اشتهت نفسك ولَذّت عينك‪ .‬فيقول ‪ :‬رضيت رب‪ .‬قال ‪ :‬رب ‪ ،‬فأعلهم منزلة ؟ قال ‪ :‬أولئك‬
‫ستُ كرامتهم بيدي ‪ ،‬وختمت عليها ‪ ،‬فلم تر عين ‪ ،‬ولم تسمع (‪ )10‬أذن ‪ ،‬ولم‬
‫الذين أرَدتُ ‪ ،‬غَرَ ْ‬
‫خ ِفيَ َلهُمْ مِنْ قُ ّرةِ‬
‫يخطر على قلب بشر" ‪ ،‬قال ‪ :‬ومصداقه من كتاب ال ‪ { :‬فَل َتعَْلمُ َنفْسٌ مَا أُ ْ‬
‫أَعْيُنٍ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر ‪ ،‬وقال ‪ :‬حسن صحيح ‪ ،‬قال ‪ :‬ورواه بعضهم عن الشعبي ‪،‬‬
‫عن المغيرة ولم يرفعه ‪ ،‬والمرفوع أصح‪)11( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)2836‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى مسلم أيضا عن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )5/334‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2825‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)21/67‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وعشرة أمثاله معه"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف "تستمع"‪.‬‬
‫(‪ )11‬صحيح مسلم برقم (‪ )189‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3198‬‬

‫( ‪)6/367‬‬

‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا جعفر بن منير المدائني ‪ ،‬حدثنا أبو بدر شجاعُ بن الوليد ‪ ،‬حدثنا زياد‬
‫جحَادة ‪ ،‬عن عامر (‪ )1‬بن عبد الواحد قال ‪ :‬بلغني أن الرجل من أهل‬
‫بن خَيْثَمة ‪ ،‬عن محمد بن ُ‬
‫الجنة يمكث في مكانه سبعين سنة ‪ ،‬ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه ‪ ،‬فتقول له ‪ :‬قد‬
‫أنَى لك أن يكون لنا منك نصيب ؟ فيقول ‪ :‬من أنت ؟ فتقول ‪ :‬أنا من المزيد‪ .‬فيمكث معها سبعين‬
‫سنة ‪ ،‬ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه ‪ ،‬فتقول له ‪ :‬قد أنى لك أن يكون لنا منك‬
‫خ ِفيَ َلهُمْ مِنْ قُ ّرةِ‬
‫نصيب ‪ ،‬فيقول ‪ :‬من أنت ؟ فتقول ‪ :‬أنا التي (‪ )2‬قال ال ‪ { :‬فَل َتعَْلمُ َنفْسٌ مَا أُ ْ‬
‫أَعْيُنٍ }‪.‬‬
‫وقال ابن َلهِيعَة ‪ :‬حدثني عطاء بن دينار ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر قال ‪ :‬تدخل عليهم الملئكة في‬
‫مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلث مرات ‪ ،‬معهم التحف من ال من جنات عدن ما ليس في جناتهم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خفِيَ َلهُمْ مِنْ قُ ّرةِ أَعْيُنٍ } ‪ ،‬و ُيخْبَرون أن ال عنهم (‪ )3‬راض‪.‬‬
‫‪ ،‬وذلك قوله ‪ { :‬فَل َتعْلَمُ َنفْسٌ مَا ُأ ْ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا سهل بن موسى الرازي ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن صفوان بن‬
‫عمرو ‪ ،‬عن أبي اليمان الهوزني ‪ -‬أو غيره ‪ -‬قال ‪ :‬الجنة مائة درجة ‪ ،‬أوّلها درجة فضة‬
‫وأرضها فضة ‪ ،‬ومساكنها فضة ‪[ ،‬وآنيتها فضة] (‪ )4‬وترابها المسك‪ .‬والثانية ذهب ‪ ،‬وأرضها‬
‫ذهب ‪ ،‬ومساكنها ذهب ‪ ،‬وآنيتها ذهب ‪ ،‬وترابها المسك‪ .‬والثالثة لؤلؤ ‪ ،‬وأرضها لؤلؤ ‪ ،‬ومساكنها‬
‫اللؤلؤ ‪ ،‬وآنيتها اللؤلؤ ‪ ،‬وترابها المسك‪ .‬وسبع وتسعون بعد ذلك ‪ ،‬ما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن‬
‫خ ِفيَ َلهُمْ مِنْ قُ ّرةِ أَعْيُنٍ‬
‫سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر‪ .‬ثم تل هذه الية ‪ { :‬فَل َتعْلَمُ َنفْسٌ مَا أُ ْ‬
‫جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } (‪)5‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا معتمر بن سليمان ‪ ،‬عن الحكم بن أبان ‪ ،‬عن‬
‫الغِطْرِيف ‪ ،‬عن جابر بن زيد ‪ ،‬عن ابن عباس (‪ )6‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬عن الروح‬
‫المين قال ‪" :‬يؤتى بحسنات العبد وسيئاته ‪ ،‬ينقص بعضها من بعض ‪ ،‬فإن بقيت حسنة [واحدة] (‬
‫‪ )7‬وسع ال له في الجنة" ‪ ،‬قال ‪ :‬فدخلت على "يزداد" َفحَدّث بمثل هذا الحديث ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت ‪:‬‬
‫عمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيّئَا ِتهِمْ فِي‬
‫حسَنَ مَا َ‬
‫فأين ذهبت الحسنة ؟ قال ‪ { :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ نَ َتقَ ّبلُ عَ ْنهُمْ أَ ْ‬
‫َأصْحَابِ ا ْلجَنّ ِة وَعْدَ الصّدْقِ الّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } [الحقاف ‪ .]16 :‬قلت ‪ :‬قوله تعالى ‪ { :‬فَل‬
‫خفِيَ َلهُمْ مِنْ قُ ّرةِ أَعْيُنٍ } ‪ ،‬قال ‪ :‬العبد يعمل سرّا أسرّه إلى ال ‪ ،‬لم يُعلم به الناس ‪،‬‬
‫َتعْلَمُ َنفْسٌ مَا ُأ ْ‬
‫فأسَرّ ال له يوم القيامة قُرّة أعين‪)8( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم عن عباس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أنا من الذين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)21/66‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بإسناده عن ابن عباس"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)21/67‬‬

‫( ‪)6/368‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ فََلهُمْ جَنّاتُ‬
‫سقًا لَا َيسْ َتوُونَ (‪َ )18‬أمّا الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫َأ َفمَنْ كَانَ ُم ْؤمِنًا َكمَنْ كَانَ فَا ِ‬
‫سقُوا َفمَ ْأوَاهُمُ النّارُ كُّلمَا أَرَادُوا أَنْ َيخْرُجُوا مِ ْنهَا‬
‫ا ْلمَ ْأوَى نُزُلًا ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )19‬وََأمّا الّذِينَ َف َ‬
‫أُعِيدُوا فِيهَا َوقِيلَ َلهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النّارِ الّذِي كُنْتُمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ (‪)20‬‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ فََلهُمْ جَنّاتُ‬


‫سقًا ل َيسْ َتوُونَ (‪َ )18‬أمّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫{ َأ َفمَنْ كَانَ ُم ْؤمِنًا َكمَنْ كَانَ فَا ِ‬
‫سقُوا َفمَ ْأوَا ُهمُ النّارُ كُّلمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْ ُرجُوا مِ ْنهَا‬
‫ا ْلمَ ْأوَى نزل ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )19‬وََأمّا الّذِينَ فَ َ‬
‫أُعِيدُوا فِيهَا َوقِيلَ َلهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النّارِ الّذِي كُنْتُمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ (‪} )20‬‬

‫( ‪)6/369‬‬

‫جعُونَ (‪َ )21‬ومَنْ أَظَْلمُ ِممّنْ ُذكّرَ بِآَيَاتِ‬


‫وَلَنُذِيقَ ّنهُمْ مِنَ ا ْلعَذَابِ الَْأدْنَى دُونَ ا ْلعَذَابِ الَْأكْبَرِ َلعَّلهُمْ يَرْ ِ‬
‫رَبّهِ ُثمّ أَعْ َرضَ عَ ْنهَا إِنّا مِنَ ا ْل ُمجْ ِرمِينَ مُنْتَ ِقمُونَ (‪)22‬‬

‫جعُونَ (‪َ )21‬ومَنْ َأظْلَمُ ِممّنْ ُذكّرَ بِآيَاتِ‬


‫ب الكْبَرِ َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬
‫{ وَلَنُذِيقَ ّنهُمْ مِنَ ا ْلعَذَابِ الدْنَى دُونَ ا ْلعَذَا ِ‬
‫رَبّهِ ُثمّ أَعْ َرضَ عَ ْنهَا إِنّا مِنَ ا ْل ُمجْ ِرمِينَ مُنْتَ ِقمُونَ (‪} )22‬‬
‫يخبر تعالى عن عدله [وكرمه] (‪ )1‬أنه ل يساوي في حُكمه يوم القيامة مَنْ كان مُؤمنًا بآياته متبعًا‬
‫لرسله ‪ ،‬بمن كان فاسقا ‪ ،‬أي ‪ :‬خارجا عن طاعة ربه مكذّبًا لرُسُله إليه (‪ ، )2‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫سوَاءً مَحْيَا ُهمْ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َ‬
‫جعََل ُهمْ كَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫سبَ الّذِينَ اجْتَرَحُوا السّيّئَاتِ أَنْ نَ ْ‬
‫حِ‬‫{ َأمْ َ‬
‫عمِلُوا‬
‫ج َعلُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ح ُكمُونَ } [الجاثية ‪ ، ]21 :‬وقال تعالى ‪ { :‬أَمْ َن ْ‬
‫َو َممَاتُهُمْ سَاءَ مَا َي ْ‬
‫ج َعلُ ا ْلمُ ّتقِينَ كَا ْلفُجّارِ } [ص ‪ ، ]28 :‬وقال تعالى ‪ { :‬ل‬
‫الصّالِحَاتِ كَا ْل ُمفْسِدِينَ فِي ال ْرضِ أَمْ َن ْ‬
‫صحَابُ الْجَنّةِ هُمُ ا ْلفَائِزُونَ } [الحشر ‪ ]20 :‬؛ ولهذا قال‬
‫يَسْ َتوِي َأصْحَابُ النّا ِر وََأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َأ ْ‬
‫سقًا ل يَسْ َتوُونَ } أي ‪ :‬عند ال يوم القيامة‪.‬‬
‫تعالى هاهنا ‪َ { :‬أ َفمَنْ كَانَ ُم ْؤمِنًا َكمَنْ كَانَ فَا ِ‬
‫وقد ذكر عطاء بن َيسَار والسّ ّديّ وغيرهما ‪ :‬أنها نزلت في علي بن أبي طالب ‪ ،‬وعقبة بن أبي‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ } أي ‪ :‬صدقت قلوبهم‬
‫ُمعَيط ؛ ولهذا َفصّل حكمهم فقال ‪َ { :‬أمّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫بآيات ال وعملوا بمقتضاها (‪ ، )3‬وهي الصالحات { فََلهُمْ جَنّاتُ ا ْلمَ ْأوَى } أي ‪ :‬التي فيها المساكن‬
‫سقُوا } أي‬
‫والدور والغرف العالية { نزل } أي ‪ :‬ضيافة وكرامة { ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ‪ .‬وََأمّا الّذِينَ َف َ‬
‫‪ :‬خرجوا عن الطاعة ‪َ { ،‬فمَ ْأوَاهُمُ النّارُ كُّلمَا أَرَادُوا أَنْ َيخْرُجُوا مِ ْنهَا أُعِيدُوا فِيهَا } كقوله ‪ { :‬كُّلمَا‬
‫غمّ أُعِيدُوا فِيهَا } الية [الحج ‪.]22 :‬‬
‫أَرَادُوا أَنْ َيخْرُجُوا مِ ْنهَا مِنْ َ‬
‫قال الفُضَيل بن عياض ‪ :‬وال إن اليدي لموثقة ‪ ،‬وإن الرجل لمقيدة ‪ ،‬وإن اللهب ليرفعهم‬
‫والملئكة تقمعهم‪.‬‬
‫عذَابَ النّارِ الّذِي كُنْ ُتمْ بِهِ ُت َكذّبُونَ } أي ‪ :‬يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا‪.‬‬
‫{ َوقِيلَ َلهُمْ ذُوقُوا َ‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جعُونَ] } (‪)4‬‬
‫جعُونَ [َلعَّلهُمْ يَرْ ِ‬
‫ب الكْبَرِ َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَنُذِيقَ ّنهُمْ مِنَ ا ْل َعذَابِ الدْنَى دُونَ ا ْلعَذَا ِ‬
‫قال (‪ )5‬ابن عباس ‪ :‬يعني بالعذاب الدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها ‪ ،‬وما يحل بأهلها مما‬
‫يبتلي ال به عباده ليتوبوا إليه‪ .‬وروي مثله عن أبي بن كعب ‪ ،‬وأبي العالية ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وإبراهيم‬
‫خصِيف‪.‬‬
‫خعِي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعلقمة ‪ ،‬وعطية ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعبد الكريم الجَزَري ‪ ،‬و َ‬
‫النّ َ‬
‫وقال ابن عباس ‪ -‬في رواية عنه ‪ : -‬يعني به إقامة الحدود عليهم‪.‬‬
‫وقال البراء بن عازب ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وأبو عبيدة ‪ :‬يعني به عذاب القبر‪.‬‬
‫وقال النسائي ‪ :‬أخبرنا عمرو بن علي ‪ ،‬أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن أبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬لرسل ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬قلوبهم بلقاء ال ومقتضاها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬

‫( ‪)6/369‬‬

‫إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص وأبي عبيدة (‪ ، )1‬عن عبد ال ‪ { :‬وَلَ ُنذِيقَنّهُمْ مِنَ ا ْلعَذَابِ الدْنَى دُونَ‬
‫ب الكْبَرِ } قال ‪ :‬سنون أصابتهم‪)2( .‬‬
‫ا ْلعَذَا ِ‬
‫عمَر القَوَاريري ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن‬
‫وقال عبد ال بن المام أحمد ‪ :‬حدثني عبد ال بن ُ‬
‫شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن عَزْرَة (‪ ، )3‬عن الحسن العُرَني ‪ ،‬عن يحيى بن الجزار ‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫ب الكْبَرِ }‬
‫ليلى (‪ )4‬عن أبي بن كعب في هذه الية ‪ { :‬وَلَنُذِيقَ ّنهُمْ مِنَ ا ْل َعذَابِ الدْنَى دُونَ ا ْلعَذَا ِ‬
‫قال ‪ :‬المصيبات (‪ )5‬والدخان قد مضيا ‪ ،‬والبطشة واللزام‪)6( .‬‬
‫ورواه مسلم من حديث شعبة ‪ ،‬به موقوفا نحوه‪ )7( .‬وعند البخاري عن ابن مسعود ‪ ،‬نحوه‪)8( .‬‬
‫وقال عبد ال بن مسعود (‪ )9‬أيضا ‪ ،‬في رواية عنه ‪ :‬العذاب الدنى ‪ :‬ما أصابهم من القتل‬
‫والسبي يوم بدر‪ .‬وكذا قال مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم‪.‬‬
‫قال السّدّي وغيره ‪ :‬لم يبق بيت بمكة إل دخله الحزن على قتيل لهم أو أسير ‪ ،‬فأصيبوا أو غَرموا‬
‫(‪ ، )10‬ومنهم مَنْ جمع له المران‪.‬‬
‫ظلَمُ ِممّنْ ُذكّرَ بِآيَاتِ رَبّهِ ثُمّ أَعْ َرضَ عَ ْنهَا } أي ‪ :‬ل أظلم ممن َذكّرَه ال بآياته‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ أَ ْ‬
‫وبينها له ووضحها ‪ ،‬ثم بعد ذلك تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها ‪ ،‬كأنه ل يعرفها‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬إياكم والعراض عن ذكر ال ‪ ،‬فإن مَنْ أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الغرّة ‪ ،‬وأعوز أشد ال َعوَز (‪ ، )11‬وعظم من أعظم الذنوب‪.‬‬
‫ولهذا قال تعالى متهددا لمن فعل ذلك ‪ { :‬إِنّا مِنَ ا ْل ُمجْ ِرمِينَ مُنْ َتقِمُونَ } أي ‪ :‬سأنتقم ممن فعل ذلك‬
‫أشد النتقام‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني عمران بن بكار الكِلعي ‪ ،‬حدثنا محمد بن المبارك ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن‬
‫سيّ ‪ ،‬عن جنادة بن أبي أمية (‪ )12‬عن‬
‫عياش ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن عبيد ال ‪ ،‬عن عبادة بن نُ َ‬
‫معاذ بن جبل قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ثلث من فعلهن فقد أجرم ‪،‬‬
‫من عقد (‪ )13‬لواء في غير حق ‪ ،‬أو عقّ والديه ‪ ،‬أو مشى مع ظالم ينصره ‪ ،‬فقد أجرم ‪ ،‬يقول‬
‫ال تعالى ‪ { :‬إِنّا مِنَ ا ْلمُجْ ِرمِينَ مُنْ َت ِقمُونَ } (‪)14‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى النسائي بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11395‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عررة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى عبد ال بن المام أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المضمار"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زوائد المسند (‪.)5/128‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم برقم (‪.)2799‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )4820‬ولفظه ‪" :‬مضي خمس ‪ :‬الدخان والروم والقمر والبطشة‬
‫واللزام"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وعن ابن مسعود"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬هزموا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأعور أشد العورة"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬اعتقد" وفي أ "أعقد"‪.‬‬
‫(‪ )14‬تفسير الطبري (‪.)21/69‬‬

‫( ‪)6/370‬‬

‫جعَلْنَا مِ ْنهُمْ‬
‫جعَلْنَاهُ ُهدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (‪ )23‬وَ َ‬
‫وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ فَلَا َتكُنْ فِي مِرْ َيةٍ مِنْ ِلقَائِ ِه وَ َ‬
‫صلُ بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ‬
‫أَ ِئمّةً َيهْدُونَ بَِأمْرِنَا َلمّا صَبَرُوا َوكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (‪ )24‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ َي ْف ِ‬
‫فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَِلفُونَ (‪)25‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث إسماعيل بن عياش ‪ ،‬به ‪ ،‬وهذا حديث غريب جدًا‪.‬‬
‫جعَلْنَا‬
‫جعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (‪ )23‬وَ َ‬
‫{ وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ فَل َتكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ ِلقَائِ ِه وَ َ‬
‫صلُ بَيْ َنهُمْ َيوْمَ‬
‫مِ ْنهُمْ أَ ِئمّةً َي ْهدُونَ بَِأمْرِنَا َلمّا صَبَرُوا َوكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (‪ )24‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ َيفْ ِ‬
‫ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَِلفُونَ (‪} )25‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه آتاه الكتاب وهو التوراة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَل َتكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ ِلقَائِهِ } ‪ :‬قال قتادة ‪ :‬يعني به ليلة السراء‪ )1( .‬ثم روي عن أبي‬
‫العالية الرّياحي قال ‪ :‬حدثني ابن عم نبيكم ‪ -‬يعني ابن عباس ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫جعْدًا ‪ ،‬كأنه من رجال‬
‫طوَال َ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أُريتُ ليلة أسري بي موسى بن عمران ‪ ،‬رجل آدم ُ‬
‫شَنُوءة‪ .‬ورأيت عيسى رجل مربوع الخلق ‪ ،‬إلى الحمرة والبياض ‪ ،‬مبسط الرأس ‪ ،‬ورأيت مالكًا‬
‫خازن النار والدجال ‪ ،‬في آيات أراهن ال إياه" ‪ { ،‬فَل َتكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ ِلقَائِهِ } ‪ ،‬أنه قد رأى‬
‫موسى ‪ ،‬ولقي موسى ليلة أسري به‪)2( .‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا الحسن بن علي الحُ ْلوَاني ‪ ،‬حدثنا‬
‫روح بن عبادة ‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي عَرُوبَة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن‬
‫جعَلْنَاهُ ُهدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } ‪ ،‬قال ‪ :‬جُعل موسى هُدى‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم في قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫لبني إسرائيل ‪ ،‬وفي قوله ‪ { :‬فَل َتكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ ِلقَائِهِ } قال ‪ :‬من لقاء موسى ربه عز وجل‪( .‬‬
‫‪)3‬‬
‫جعَلْنَاهُ } أي ‪ :‬الكتاب الذي آتيناه { هُدًى لِبَنِي ِإسْرَائِيلَ } ‪[ ،‬كما قال تعالى في سورة‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫جعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي ِإسْرَائِيلَ أَل تَتّخِذُوا مِنْ دُونِي َوكِيل }‬
‫السراء ‪ { :‬وَآتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ وَ َ‬
‫[السراء ‪.]2 :‬‬
‫جعَلْنَا مِ ْن ُهمْ أَ ِئمّةً َيهْدُونَ بَِأمْرِنَا َلمّا صَبَرُوا َوكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } ‪ ،‬أي ‪ :‬لما كانوا‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫صابرين على أوامر ال وترك نواهيه وزواجره وتصديق رسله واتباعهم فيما جاؤوهم به ‪ ،‬كان‬
‫منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر ال ‪ ،‬ويدعون إلى الخير ‪ ،‬ويأمرون بالمعروف ‪ ،‬وينهون عن‬
‫المنكر‪ .‬ثم لما بدلوا وحَرّفوا وأوّلوا ‪ ،‬سلبوا ذلك المقام ‪ ،‬وصارت قلوبهم قاسية ‪ ،‬يحرفون الكلم‬
‫جعَلْنَا مِ ْنهُمْ أَ ِئمّةً‬
‫عن مواضعه ‪ ،‬فل عمل صالحًا ‪ ،‬ول اعتقاد صحيحًا ؛ (‪ )4‬ولهذا قال ‪َ { :‬و َ‬
‫َيهْدُونَ بَِأمْرِنَا َلمّا صَبَرُوا } (‪ )5‬قال قتادة وسفيان ‪ :‬لما صبروا عن الدنيا ‪ :‬وكذلك قال الحسن بن‬
‫صالح‪.‬‬
‫قال سفيان ‪ :‬هكذا كان هؤلء ‪ ،‬ول ينبغي للرجل أن يكون إماما يُقتَدى به حتى يتحامى عن الدنيا‪.‬‬
‫قال وكيع ‪ :‬قال سفيان ‪ :‬ل بد للدين من العلم ‪ ،‬كما ل بد للجسد من الخبز‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬السرى"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬انظر الثر عند تفسير الية الولى من سورة السراء وتخريجه هناك‪.‬‬
‫(‪ )3‬المعجم الكبير للطبراني (‪ )12/160‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/90‬رجاله رجال‬
‫الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فل عمل صالحا ول اعتقادا صحيحا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب"‪.‬‬

‫( ‪)6/371‬‬

‫س َمعُونَ (‬
‫َأوَلَمْ َيهْدِ َلهُمْ كَمْ أَهَْلكْنَا مِنْ قَبِْلهِمْ مِنَ ا ْلقُرُونِ َيمْشُونَ فِي َمسَاكِ ِنهِمْ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَاتٍ َأفَلَا َي ْ‬
‫سهُمْ َأفَلَا‬
‫‪َ )26‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّا َنسُوقُ ا ْلمَاءَ إِلَى الْأَ ْرضِ الْجُرُزِ فَ ُنخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَ ْأ ُكلُ مِنْهُ أَ ْنعَا ُمهُ ْم وَأَ ْنفُ ُ‬
‫يُ ْبصِرُونَ (‪)27‬‬

‫وقال ابن بنت الشافعي ‪ :‬قرأ أبي على عمي ‪ -‬أو ‪ :‬عمي على أبي ‪ -‬سئل سفيان عن قول علي ‪،‬‬
‫جعَلْنَا مِ ْنهُمْ‬
‫رضي ال عنه ‪ :‬الصبر من اليمان بمنزلة الرأس من الجسد ‪ ،‬ألم تسمع قوله ‪َ { :‬و َ‬
‫أَ ِئمّةً َيهْدُونَ بَِأمْرِنَا َلمّا صَبَرُوا } ‪ ،‬قال ‪ :‬لما أخذوا برأس المر صاروا رؤوسًا‪ .‬قال بعض العلماء‬
‫‪ :‬بالصبر واليقين تنال المامة في الدين‪.‬‬
‫حكْ َم وَالنّ ُبوّة [وَرَ َزقْنَاهُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ‬
‫ولهذا قال تعالى] ‪ { )1( :‬وََلقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ُ‬
‫َو َفضّلْنَاهُمْ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ‪ .‬وَآتَيْنَا ُهمْ بَيّنَاتٍ مِنَ المْرِ] َفمَا اخْتََلفُوا إِل مِنْ َب ْعدِ مَا جَاءَهُمُ ا ْلعِلْمُ }‬
‫صلُ بَيْ َن ُهمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ‬
‫[الجاثية ‪ ، )2( ]17 ، 16 :‬كما قال هنا ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ َي ْف ِ‬
‫يَخْتَِلفُونَ } أي ‪ :‬من العتقادات والعمال‪.‬‬
‫س َمعُونَ‬
‫ك ليَاتٍ َأفَل َي ْ‬
‫{ َأوََلمْ َيهْدِ َلهُمْ كَمْ أَهَْلكْنَا مِنْ قَبِْل ِهمْ مِنَ ا ْلقُرُونِ َي ْمشُونَ فِي مَسَاكِ ِنهِمْ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫سهُمْ‬
‫(‪َ )26‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّا َنسُوقُ ا ْلمَاءَ إِلَى ال ْرضِ ا ْلجُرُزِ فَنُخْرِجُ ِبهِ زَرْعًا تَ ْأ ُكلُ مِنْهُ أَ ْنعَا ُمهُ ْم وَأَ ْنفُ ُ‬
‫َأفَل يُ ْبصِرُونَ (‪.} )27‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬أولم يهد لهؤلء المكذبين بالرسل ما أهلك ال قبلهم من المم الماضية ‪ ،‬بتكذيبهم‬
‫الرسل ومخالفتهم إياهم فيما جاؤوهم به من قويم السبل ‪ ،‬فلم يبق منهم باقية ول عين ول أثر ؟‬
‫سمَعُ َلهُمْ ِركْزًا } [مريم ‪ ]98 :‬؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ي ْمشُونَ فِي‬
‫{ َهلْ ُتحِسّ مِ ْنهُمْ مِنْ أَحَدٍ َأوْ تَ ْ‬
‫مَسَاكِ ِنهِمْ } أي ‪ :‬وهؤلء المكذبون يمشون في مساكن أولئك المكذبين فل يرون فيها أحدا ممن‬
‫كان يسكنها ويعمرها ‪ ،‬ذهبوا منها ‪ { ،‬كَأَنْ لَمْ َيغْ َنوْا فِيهَا } [العراف ‪ ، ]92 :‬كما قال ‪ { :‬فَتِ ْلكَ‬
‫بُيُو ُتهُمْ خَاوِيَةً ِبمَا ظََلمُوا } [النمل ‪ ، ]52 :‬وقال ‪َ { :‬فكَأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهَْلكْنَاهَا وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ َف ِهيَ‬
‫شهَا وَبِئْرٍ ُمعَطَّل ٍة َو َقصْرٍ مَشِيدٍ‪َ .‬أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الرْضِ فَ َتكُونَ َلهُمْ قُلُوبٌ َي ْعقِلُونَ‬
‫خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُو ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫س َمعُونَ ِبهَا فَإِ ّنهَا ل َت ْعمَى ال ْبصَارُ وََلكِنْ َت ْعمَى ا ْلقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ } [الحج ‪:‬‬
‫ِبهَا َأوْ آذَانٌ يَ ْ‬
‫ك ليَاتٍ } أي ‪ :‬إن في ذهاب أولئك القوم و َدمَارهم‬
‫‪ ]46 ، 45‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫وما حل بهم بسبب تكذيبهم الرسل ‪ ،‬ونجاة من آمن بهم ‪ ،‬ليات وعبرا ومواعظ ودلئل (‪)3‬‬
‫متظاهرة‪.‬‬
‫س َمعُونَ } أي ‪ :‬أخبار من تقدم ‪ ،‬كيف كان أمرهم ؟‪.‬‬
‫{ َأفَل َي ْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّا نَسُوقُ ا ْلمَاءَ إِلَى ال ْرضِ الْجُرُزِ } ‪ :‬يبين تعالى لطفه بخلقه ‪ ،‬وإحسانه‬
‫إليهم في إرساله الماء إما من السماء أو من السيح ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما تحمله النهار وينحدر من الجبال‬
‫إلى الراضي المحتاجة إليه في أوقاته ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِلَى الرْضِ ا ْلجُرُزِ } ‪ ،‬وهي [الرض] (‬
‫صعِيدًا جُرُزًا } [الكهف ‪، ]8 :‬‬
‫‪ )4‬التي ل نبات فيها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِنّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَ ْيهَا َ‬
‫أي ‪ :‬يَبَسًا ل تنبت شيئًا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬دللت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/372‬‬

‫وليس المراد من قوله ‪ { :‬إِلَى ال ْرضِ الْجُرُزِ } أرض مصر فقط ‪ ،‬بل هي بعض المقصود ‪ ،‬وإن‬
‫مثل بها كثير من المفسرين فليست [هي] (‪ )1‬المقصودة وحدها ‪ ،‬ولكنها مرادة قطعًا من هذه الية‬
‫‪ ،‬فإنها في نفسها أرض رخوة غليظة تحتاج من الماء ما لو نزل عليها مطرًا لتهدمت أبنيتها ‪،‬‬
‫فيسوق ال إليها النيل بما يتحمله من الزيادة الحاصلة من أمطار بلد الحبشة ‪ ،‬وفيه طين أحمر ‪،‬‬
‫فيغشى أرض مصر ‪ ،‬وهي أرض سبخة مرملة محتاجة إلى ذلك الماء ‪ ،‬وذلك الطين أيضًا لين ُبتَ‬
‫الزرع فيه ‪ ،‬فيستغلون كل سنة على ماء جديد ممطور في غير بلدهم ‪ ،‬وطين جديد من غير‬
‫أرضهم ‪ ،‬فسبحان الحكيم الكريم المنان المحمود ابتداء‪.‬‬
‫قال ابن َلهِيعَة ‪ ،‬عن قيس بن حجاج ‪ ،‬عمن حدثه قال ‪ :‬لما فُ ِتحَت مصر ‪ ،‬أتى أهلها عمرو بن‬
‫العاص ‪[ -‬وكان أميرًا بها] (‪ - )2‬حين دخل بؤونة من أشهر العجم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أيها المير ‪ ،‬إن‬
‫لنيلنا سُنّة ل يجري إل بها‪ .‬قال ‪ :‬وما ذاك ؟ قالوا ‪ :‬إذا كانت ثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشهر‬
‫عمَدنا إلى جارية ِبكْر بين (‪ )3‬أبويها ‪ ،‬فأرضينا أبويها ‪ ،‬وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل‬
‫َ‬
‫ما يكون ‪ ،‬ثم ألقيناها في هذا النيل‪ .‬فقال لهم عمرو ‪ :‬إن هذا ل يكون في السلم ‪ ،‬إن السلم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يهدم ما كان قبله‪ .‬فأقاموا بؤونة والنيل ل يجري ‪ ،‬حتى هموا بالجلء ‪ ،‬فكتب عمرو إلى عمر بن‬
‫الخطاب بذلك ‪ ،‬فكتب إليه ‪ :‬إنك قد أصبت بالذي فعلت ‪ ،‬وقد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي‬
‫هذا ‪ ،‬فألقها في النيل‪ .‬فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها ‪ :‬من عبد ال عمر أمير‬
‫المؤمنين إلى نيل أهل مصر ‪ ،‬أما بعد‪ ...‬فإنك إن كنت إنما تجري من قبلك فل تجر ‪ ،‬وإن كان‬
‫ال الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل ال أن يجريك‪ .‬قال ‪ :‬فألقى البطاقة في النيل ‪ ،‬وأصبحوا‬
‫يوم السبت وقد أجرى ال النيل ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة ‪ ،‬وقطع ال تلك السّنّة عن أهل‬
‫مصر إلى اليوم‪ .‬رواه الحافظ أبو القاسم الللكائي الطبري في كتاب "السنة" له‪)4( .‬‬
‫ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّا نَسُوقُ ا ْلمَاءَ إِلَى ال ْرضِ ا ْلجُرُزِ فَ ُنخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَ ْأ ُكلُ مِنْهُ‬
‫طعَامِهِ‪ .‬أَنّا صَبَبْنَا ا ْلمَاءَ‬
‫سهُمْ َأفَل يُ ْبصِرُونَ } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَلْيَ ْنظُرِ النْسَانُ إِلَى َ‬
‫أَ ْنعَا ُمهُ ْم وَأَ ْنفُ ُ‬
‫شقّا‪ .‬فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّا‪ .‬وَعِنَبًا َوقَضْبًا‪ .‬وَزَيْتُونًا وَ َنخْل‪ .‬وَحَدَا ِئقَ غُلْبًا‪َ .‬وفَا ِكهَةً‬
‫ش َققْنَا ال ْرضَ َ‬
‫صَبّا‪ .‬ثُمّ َ‬
‫وَأَبّا‪[ .‬مَتَاعًا َلكُ ْم وَل ْنعَا ِمكُمْ] } [عبس ‪ ]32 - 24 :‬؛ (‪ )5‬ولهذا قال هاهنا ‪َ { :‬أفَل يُ ْبصِرُونَ }‪.‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬إِلَى ال ْرضِ ا ْلجُرُزِ } قال ‪ :‬هي‬
‫التي ل تُمطر إل مطرًا ل يغني عنها شيئا ‪ ،‬إل ما يأتيها من السيول‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ :‬هي أرض باليمن‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬هي قرى فيما بين اليمن والشام‪.‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسّ ّديّ ‪ ،‬وابن زيد ‪ :‬الرض الجرز ‪ :‬التي ل نبات فيها‬
‫وقال ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )4‬كتاب السنة لللكائي برقم (‪" )66‬قسم كرامات الولياء" حدثنا محمد بن أبي بكر ‪ ،‬حدثنا‬
‫محمد بن مخلد ‪ ،‬حدثنا محمد بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن صالح ‪ ،‬عن ابن لهيعة به ‪ ،‬وهو‬
‫مرسل‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/373‬‬

‫وَيَقُولُونَ مَتَى َهذَا ا ْلفَتْحُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ُ )28‬قلْ َيوْمَ ا ْلفَتْحِ لَا يَ ْنفَعُ الّذِينَ كَفَرُوا إِيمَا ُنهُ ْم وَلَا ُهمْ‬
‫يُنْظَرُونَ (‪ )29‬فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُ ْم وَانْتَظِرْ إِ ّنهُمْ مُنْتَظِرُونَ (‪)30‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهي مغبرة‪.‬‬
‫جعَلْنَا‬
‫قلت ‪ :‬وهذا كقوله ‪ { :‬وَآيَةٌ َلهُمُ الرْضُ ا ْلمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِ ْنهَا حَبّا َفمِنْهُ يَ ْأكُلُونَ‪ .‬وَ َ‬
‫عمِلَ ْتهُ أَيْدِيهِمْ َأفَل‬
‫ب َوفَجّرْنَا فِيهَا مِنَ ا ْلعُيُونِ‪ .‬لِيَ ْأكُلُوا مِنْ َثمَ ِرهِ َومَا َ‬
‫ل وَأَعْنَا ٍ‬
‫فِيهَا جَنّاتٍ مِنْ نَخِي ٍ‬
‫شكُرُونَ } [يس ‪.]35 - 33 :‬‬
‫يَ ْ‬
‫{ وَ َيقُولُونَ مَتَى هَذَا ا ْلفَتْحُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ُ )28‬قلْ َيوْمَ ا ْلفَتْحِ ل يَ ْنفَعُ الّذِينَ كَفَرُوا إِيمَا ُنهُ ْم وَل هُمْ‬
‫يُنْظَرُونَ (‪ )29‬فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُ ْم وَانْتَظِرْ إِ ّنهُمْ مُنْتَظِرُونَ (‪.} )30‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن استعجال الكفار وقوعَ بأس ال بهم ‪ ،‬وحلول غضبه ونقمته عليهم ‪،‬‬
‫استبعادًا وتكذيبًا وعنادا ‪ { :‬وَيَقُولُونَ مَتَى َهذَا ا ْلفَتْحُ } ؟ أي ‪ :‬متى تنصر علينا يا محمد ؟ كما‬
‫تزعم أن لك وقتًا ُتدَال علينا ‪ ،‬ويُنْتَقم لك منا ‪ ،‬فمتى يكون هذا ؟ ما نراك أنت وأصحابك إل‬
‫مختفين خائفين ذليلين!‬
‫سخَطه وغضبه في الدنيا وفي‬
‫حلّ بكم بأس ال و َ‬
‫قال ال تعالى ‪ُ { :‬قلْ َيوْمَ ا ْلفَتْحِ } أي ‪ :‬إذا َ‬
‫الخرى ‪ { ،‬ل يَ ْنفَعُ الّذِينَ َكفَرُوا إِيمَا ُنهُمْ وَل ُهمْ يُنْظَرُونَ } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فََلمّا جَاءَ ْتهُمْ‬
‫رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ فَ ِرحُوا ِبمَا عِنْدَ ُهمْ مِنَ ا ْلعِ ْل ِم وَحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا بِهِ َيسْ َتهْزِئُونَ‪ .‬فََلمّا رََأوْا بَأْسَنَا قَالُوا‬
‫آمَنّا بِاللّ ِه وَحْ َد ُه َو َكفَرْنَا ِبمَا كُنّا بِهِ مُشْ ِركِينَ‪ .‬فََلمْ َيكُ يَ ْن َفعُهُمْ إِيمَا ُنهُمْ َلمّا رََأوْا بَأْسَنَا سُنّةَ اللّهِ الّتِي قَدْ‬
‫خسِرَ هُنَاِلكَ ا ْلكَافِرُونَ } [غافر ‪ ، ]85 - 83 :‬ومَنْ زعم أن المراد من هذا الفتح‬
‫خََلتْ فِي عِبَا ِد ِه وَ َ‬
‫فتحُ مكة فقد أبعد النّجْعة ‪ ،‬وأخطأ فأفحش ‪ ،‬فإن يوم الفتح قد قَبِل رسولُ ال صلى ال عليه وسلم‬
‫إسلم الطلقاء ‪ ،‬وقد كانوا قريبًا من ألفين ‪ ،‬ولو كان المراد فتح مكة لما قبل إسلمهم ؛ لقوله ‪:‬‬
‫{ ُقلْ َيوْمَ ا ْلفَتْحِ ل يَ ْنفَعُ الّذِينَ كَفَرُوا إِيمَا ُنهُ ْم وَل هُمْ يُ ْنظَرُونَ } ‪ ،‬وإنما المراد الفتح الذي هو‬
‫القضاء والفصل ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْ َنهُمْ فَ ْتحًا وَنَجّنِي َومَنْ َمعِيَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ }‬
‫ق وَ ُهوَ ا ْلفَتّاحُ ا ْلعَلِيمُ } [سبأ ‪:‬‬
‫حّ‬‫جمَعُ بَيْنَنَا رَبّنَا ُثمّ َيفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْ َ‬
‫[الشعراء ‪ ، ]118 :‬وكقوله ‪ُ { :‬قلْ َي ْ‬
‫‪ ، ]26‬وقال تعالى ‪ { :‬وَاسْ َتفْتَحُوا وَخَابَ ُكلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ } [إبراهيم ‪ ، ]15 :‬وقال ‪َ { :‬وكَانُوا مِنْ‬
‫قَ ْبلُ َيسْ َتفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا } [البقرة ‪ ، ]89 :‬وقال ‪ { :‬إِنْ تَسْ َتفْتِحُوا َفقَدْ جَا َءكُمُ ا ْلفَتْحُ }‬
‫[النفال ‪.]19 :‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُ ْم وَانْتَظِرْ إِ ّن ُهمْ مُنْتَظِرُونَ } أي ‪ :‬أعرض عن هؤلء المشركين وبلغ ما‬
‫حيَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ل إِلَهَ إِل ُه َو وَأَعْ ِرضْ عَنِ ا ْلمُشْ ِركِينَ‬
‫أنزل إليك من ربك ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬اتّبِعْ مَا أُو ِ‬
‫} [النعام ‪ ، ]106 :‬وانتظر فإن ال سينجز لك ما وعدك ‪ ،‬وسينصرك على من خالفك ‪ ،‬إنه ل‬
‫يخلف الميعاد‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّن ُهمْ مُنْتَظِرُونَ } أي ‪ :‬أنت منتظر ‪ ،‬وهم منتظرون ‪ ،‬ويتربصون بكم الدوائر ‪ { ،‬أَمْ‬
‫َيقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَ ّبصُ ِبهِ رَ ْيبَ ا ْلمَنُونِ } [الطور ‪ ، ]30 :‬وسترى أنت عاقبة صبرك عليهم وعلى‬
‫أداء رسالة ال ‪ ،‬في نصرتك وتأييدك ‪ ،‬وسيجدون غب ما ينتظرونه فيك وفي أصحابك ‪ ،‬من‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وبيل عقاب ال لهم ‪ ،‬وحلول عذابه بهم ‪ ،‬وحسبنا ال ونعم الوكيل ‪[ ،‬وال أعلم]‪)1( .‬‬
‫[آخر تفسير سورة "الم السجدة"] (‪)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)6/374‬‬

‫حكِيمًا (‪ )1‬وَاتّبِعْ مَا يُوحَى‬


‫ن وَا ْلمُنَا ِفقِينَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا َ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ اتّقِ اللّ َه وَلَا ُتطِعِ ا ْلكَافِرِي َ‬
‫إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ إِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرًا (‪ )2‬وَ َتوَ ّكلْ عَلَى اللّ ِه َو َكفَى بِاللّ ِه َوكِيلًا (‪)3‬‬

‫تفسير سورة الحزاب‬


‫[وهي] (‪ )1‬مدنية‪.‬‬
‫قال [عبد ال بن] المام أحمد (‪ : )2‬حدثنا خلف بن هشام ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬عن عاصم بن‬
‫َبهْدَلَة ‪ ،‬عن زِرّ قال ‪ :‬قال لي أُبي بن كعب ‪ :‬كَأين تقرأ سورة الحزاب ؟ أو كَأين تعدها ؟ قال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬ثلثا وسبعين آية ‪ :‬فقال ‪ :‬قَط! لقد رأيتها وإنها لتعادل "سورة البقرة" ‪ ،‬ولقد قرأنا فيها ‪:‬‬
‫الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ‪ ،‬نكال من ال ‪ ،‬وال عليم (‪ )3‬حكيم" (‪.)4‬‬
‫ورواه النسائي من وجه آخر ‪ ،‬عن عاصم ‪ -‬وهو ابن أبي النجود ‪ ،‬وهو ابن َبهْدَلَة ‪ -‬به (‪.)5‬‬
‫وهذا إسناد حسن ‪ ،‬وهو يقتضي أنه كان (‪ )6‬فيها قرآن ثم نسخ لفظه وحكمه أيضا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حكِيمًا (‪ )1‬وَاتّبِعْ مَا يُوحَى‬
‫ن وَا ْلمُنَا ِفقِينَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا َ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ اتّقِ اللّ َه وَل ُتطِعِ ا ْلكَافِرِي َ‬
‫إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ إِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرًا (‪ )2‬وَ َتوَ ّكلْ عَلَى اللّ ِه َو َكفَى بِاللّ ِه َوكِيل (‪.} )3‬‬
‫هذا تنبيه بالعلى على الدنى ‪ ،‬فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا ‪ ،‬فَلن يأتمر من دونه‬
‫بذلك بطريق الولى والحرى‪ .‬وقد قال طَلْق بن حبيب ‪ :‬التقوى ‪ :‬أن تعمل بطاعة ال ‪ ،‬على‬
‫نور من ال ‪ ،‬ترجو ثواب ال ‪ ،‬وأن تترك معصية ال ‪ ،‬على نور من ال ‪ ،‬مخافة عذاب ال‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تُطِعِ ا ْلكَافِرِينَ وَا ْلمُنَافِقِينَ } أي ‪ :‬ل تسمع منهم ول تستشرهم ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا‬
‫حكِيمًا } أي ‪ :‬فهو أحق أن تتبع أوامره وتطيعه ‪ ،‬فإنه عليم بعواقب المور ‪ ،‬حكيم في أقواله‬
‫َ‬
‫وأفعاله‪ .‬ولهذا قال ‪ { :‬وَاتّبِعْ مَا يُوحَى إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ } أي ‪ :‬من قرآن وسنة ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا‬
‫َت ْعمَلُونَ خَبِيرًا } أي ‪ :‬فل تخفى عليه خافية‪.‬‬
‫{ وَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ } أي ‪ :‬في جميع أمورك وأحوالك ‪َ { ،‬و َكفَى بِاللّ ِه َوكِيل }‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في هـ ‪" :‬قال المام أحمد ‪ :‬إنما قاله عبد ال بن أحمد" ‪ ،‬وفي ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قال المام‬
‫أحمد" وأثبتنا ما بين القوسين ليستقيم السياق ‪ ،‬والذي في المسند ‪" :‬حدثنا عبد ال ‪ ،‬حدثنا خلف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عزيز"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)5/132‬‬
‫(‪ )5‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)7150‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أنه قد كان"‪.‬‬

‫( ‪)6/375‬‬

‫ج َعلَ‬
‫جكُمُ اللّائِي ُتظَاهِرُونَ مِ ْنهُنّ ُأ ّمهَا ِتكُمْ َومَا َ‬
‫ج َعلَ أَ ْزوَا َ‬
‫ج ْوفِ ِه َومَا َ‬
‫جلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي َ‬
‫ج َعلَ اللّهُ لِرَ ُ‬
‫مَا َ‬
‫ق وَ ُهوَ َيهْدِي السّبِيلَ (‪ )4‬ادْعُو ُهمْ لِآَبَا ِئهِمْ ُهوَ‬
‫حّ‬‫أَدْعِيَا َءكُمْ أَبْنَا َء ُكمْ ذَِل ُكمْ َقوُْلكُمْ بَِأ ْفوَا ِهكُ ْم وَاللّهُ َيقُولُ الْ َ‬
‫ن َو َموَالِيكُ ْم وَلَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا َأخْطَأْتُمْ بِهِ‬
‫خوَا ُنكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫سطُ عِنْدَ اللّهِ فَإِنْ َلمْ َتعَْلمُوا آَبَاءَ ُهمْ فَإِ ْ‬
‫َأقْ َ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا (‪)5‬‬
‫وََلكِنْ مَا َت َعمّ َدتْ قُلُو ُبكُ ْم َوكَانَ اللّهُ َ‬

‫أي ‪ :‬وكفى به وكيل لمن توكل عليه وأناب إليه‪.‬‬


‫جكُمُ اللئِي ُتظَاهِرُونَ مِ ْنهُنّ ُأ ّمهَا ِتكُ ْم َومَا‬
‫ج َعلَ أَ ْزوَا َ‬
‫ج ْوفِ ِه َومَا َ‬
‫جلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي َ‬
‫ج َعلَ اللّهُ لِ َر ُ‬
‫{ مَا َ‬
‫ق وَ ُهوَ َيهْدِي السّبِيلَ (‪ )4‬ادْعُو ُهمْ‬
‫حّ‬‫ج َعلَ أَدْعِيَا َءكُمْ أَبْنَا َءكُمْ ذَِل ُكمْ َقوُْلكُمْ بَِأ ْفوَا ِهكُ ْم وَاللّهُ َيقُولُ الْ َ‬
‫َ‬
‫ن َو َموَالِيكُ ْم وَلَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ‬
‫خوَا ُنكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫سطُ عِنْدَ اللّهِ فَإِنْ َلمْ َتعَْلمُوا آبَا َءهُمْ فَِإ ْ‬
‫لبَا ِئهِمْ ُهوَ َأقْ َ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا (‪.} )5‬‬
‫خطَأْتُمْ ِب ِه وََلكِنْ مَا َت َعمّ َدتْ قُلُو ُبكُمْ َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫فِيمَا أَ ْ‬
‫يقول تعالى موطئا قبل المقصود المعنوي أمرا حسيا معروفا ‪ ،‬وهو أنه كما ل يكون للشخص‬
‫الواحد قلبان في جوفه ‪ ،‬ول تصير زوجته التي يظاهر منها بقوله ‪ :‬أنت عََليّ كظهر أمي أمًا له ‪،‬‬
‫جلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ‬
‫ج َعلَ اللّهُ لِ َر ُ‬
‫كذلك ل يصير الدّعيّ ولدًا للرجل إذا تبنّاه فدعاه ابنا له ‪ ،‬فقال ‪ { :‬مَا َ‬
‫جكُمُ اللئِي ُتظَاهِرُونَ مِ ْنهُنّ ُأ ّمهَا ِتكُمْ } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬مَا هُنّ ُأ ّمهَا ِتهِمْ إِنْ‬
‫ج َعلَ أَ ْزوَا َ‬
‫ج ْوفِ ِه َومَا َ‬
‫فِي َ‬
‫ُأ ّمهَا ُتهُمْ إِل اللئِي وَلَدْ َنهُ ْم وَإِ ّنهُمْ لَ َيقُولُونَ مُ ْنكَرًا مِنَ ا ْلقَ ْولِ وَزُورًا }‪[.‬المجادلة ‪.]3 :‬‬
‫ج َعلَ َأدْعِيَا َءكُمْ أَبْنَا َءكُمْ } ‪ :‬هذا هو المقصود بالنفي ؛ فإنها نزلت في شأن زيد بن‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫حارثة مولى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كان النبي صلى ال عليه وسلم قد تبناه قبل النبوة ‪،‬‬
‫وكان يقال له ‪" :‬زيد بن محمد" فأراد ال تعالى أن يقطع هذا اللحاق وهذه النسبة بقوله ‪َ { :‬ومَا‬
‫حمّدٌ أَبَا َأحَدٍ مِنْ ِرجَاِلكُ ْم وََلكِنْ‬
‫ج َعلَ أَدْعِيَا َءكُمْ أَبْنَا َءكُمْ } كما قال في أثناء السورة ‪ { :‬مَا كَانَ ُم َ‬
‫َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شيْءٍ عَلِيمًا } [الحزاب ‪ ]40 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬ذَِل ُكمْ َقوُْلكُمْ‬
‫ن َوكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫رَسُولَ اللّ ِه وَخَا َتمَ النّبِيّي َ‬
‫بَِأ ْفوَا ِهكُمْ } يعني ‪ :‬تبنيكم لهم قول ل يقتضي أن يكون ابنا حقيقيا ‪ ،‬فإنه مخلوق من صلب رجل‬
‫آخر ‪ ،‬فما يمكن أن يكون له أبوان ‪ ،‬كما ل يمكن أن يكون للبشر الواحد قلبان‪.‬‬
‫ق وَ ُهوَ َيهْدِي السّبِيلَ } ‪ :‬قال سعيد بن جبير { َيقُولُ ا ْلحَقّ } أي ‪ :‬العدل‪ .‬وقال‬
‫حّ‬‫{ وَاللّهُ َيقُولُ الْ َ‬
‫قتادة ‪ { :‬وَ ُهوَ َيهْدِي السّبِيلَ } أي ‪ :‬الصراط المستقيم‪.‬‬
‫وقد ذكر غير واحد ‪ :‬أن هذه الية نزلت في رجل من قريش ‪ ،‬كان يقال له ‪" :‬ذو القلبين" ‪ ،‬وأنه‬
‫كان يزعم أن له قلبين ‪ ،‬كل منهما بعقل وافر‪ .‬فأنزل ال هذه الية ردا عليه‪ .‬هكذا روى ال َعوْفي‬
‫عن ابن عباس‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا زهير ‪ ،‬عن قابوس ‪ -‬يعني ابن أبي ظِبْيَان ‪ -‬أن أباه‬
‫جلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي‬
‫ج َعلَ اللّهُ لِ َر ُ‬
‫حدثه قال ‪ :‬قلت لبن عباس ‪ :‬أرأيت قول ال تعالى (‪ { : )1‬مَا َ‬
‫خطْرَة ‪،‬‬
‫خطَر َ‬
‫ج ْوفِهِ } ‪ ،‬ما عنى بذلك ؟ قال ‪ :‬قام رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما يصلي ‪ ،‬ف َ‬
‫َ‬
‫فقال المنافقون الذين يصلون معه ‪ :‬أل ترون له قلبين ‪ ،‬قلبا معكم وقلبا معهم ؟ فأنزل ال ‪ ،‬عز‬
‫ج ْوفِهِ } (‪.)2‬‬
‫جلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي َ‬
‫ج َعلَ اللّهُ لِ َر ُ‬
‫وجل ‪ { :‬مَا َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)1/267‬‬

‫( ‪)6/376‬‬

‫وهكذا رواه الترمذي عن عبد ال بن عبد الرحمن الدارمي ‪ ،‬عن صاعد الحراني ‪ -‬وعن عبد بن‬
‫حميد ‪ ،‬عن أحمد بن يونس ‪ -‬كلهما عن زهير ‪ ،‬وهو ابن معاوية ‪ ،‬به‪ .‬ثم قال ‪ :‬وهذا حديث‬
‫حسن‪ .‬وكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم من حديث زهير ‪ ،‬به‪)1( .‬‬
‫جلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي‬
‫ج َعلَ اللّهُ لِ َر ُ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬في قوله ‪ { :‬مَا َ‬
‫ج ْوفِهِ } قال ‪ :‬بلغنا أن ذلك كان في زيد بن حارثة ‪ ،‬ضُرب له مثل ‪ ،‬يقول ‪ :‬ليس ابن رجل آخر‬
‫َ‬
‫ابنك (‪.)2‬‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد ‪ :‬أنها نزلت في زيد بن حارثة‪ .‬وهذا يوافق ما قدّمناه من‬
‫التفسير ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ادْعُوهُ ْم لبَا ِئهِمْ ُهوَ َأ ْقسَطُ عِ ْندَ اللّهِ } ‪ :‬هذا أمر ناسخ لما كان في ابتداء السلم من‬
‫جواز ادعاء البناء الجانب ‪ ،‬وهم الدعياء ‪ ،‬فأمر [ال] (‪ )3‬تعالى برد نسبهم إلى آبائهم في‬
‫الحقيقة ‪ ،‬وأن هذا هو العدل والقسط‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال البخاري ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا ُمعَلى (‪ )4‬بن أسد ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن المختار ‪ ،‬حدثنا‬
‫موسى بن عقبة قال ‪ :‬حدثني سالم عن عبد ال بن عمر ؛ أن زيدًا بن حارثة مولى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ما كنا ندعوه إل زيد بن محمد ‪ ،‬حتى نزل القرآن ‪ { :‬ادْعُوهُ ْم لبَا ِئهِمْ ُهوَ‬
‫سطُ عِنْدَ اللّهِ }‪ .‬وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن موسى بن عقبة ‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫َأقْ َ‬
‫وقد كانوا يعاملونهم معاملة البناء من كل وجه ‪ ،‬في الخلوة بالمحارم وغير ذلك ؛ ولهذا قالت‬
‫سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كنا (‪ )6‬ندعو سالما ابنا ‪ ،‬وإن ال قد أنزل ما‬
‫أنزل ‪ ،‬وإنه كان يدخل عََليّ ‪ ،‬وإني أجد في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا ‪ ،‬فقال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬أرضعيه تحرمي عليه" الحديث‪)7( .‬‬
‫ولهذا لما نسخ هذا الحكم ‪ ،‬أباح تعالى زوجة الدعي ‪ ،‬وتزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بزينب بنت جحش زوجة (‪ )8‬زيد بن حارثة ‪ ،‬وقال ‪ِ { :‬ل َكيْ ل َيكُونَ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ حَرَجٌ فِي‬
‫ن وَطَرًا } [الحزاب ‪ ، ]37 :‬وقال في آية التحريم ‪ { :‬وَحَل ِئلُ‬
‫ضوْا مِ ْنهُ ّ‬
‫أَ ْزوَاجِ أَدْعِيَا ِئهِمْ إِذَا َق َ‬
‫أَبْنَا ِئكُمُ الّذِينَ مِنْ َأصْل ِبكُمْ } [النساء ‪ ، ]23 :‬احترازا عن زوجة الدعيّ ‪ ،‬فإنه ليس من الصلب ‪،‬‬
‫فأما البن من الرضاعة ‪ ،‬فمنزل منزلة ابن الصلب شرعا ‪ ،‬بقوله عليه السلم (‪ )9‬في‬
‫الصحيحين ‪" :‬حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب" (‪ .)10‬فأما دعوة الغير ابنا على سبيل‬
‫التكريم والتحبيب ‪ ،‬فليس مما نهى عنه في هذه الية ‪ ،‬بدليل ما رواه المام أحمد وأهل السنن إل‬
‫الترمذي ‪ ،‬من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬عن سلمة بن ُكهَيْل ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪ )3199‬وتفسير الطبري (‪.)21/74‬‬
‫(‪ )2‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/92‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬يعلى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )4782‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2425‬وسنن الترمذي برقم (‪)3209‬‬
‫والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11397‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ "إنا كنا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬الحديث في صحيح مسلم برقم (‪ )1453‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬مطلقة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬صحيح البخاري برقم (‪ )4796‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1445‬من حديث عائشة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنها‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/377‬‬

‫عن الحسن العُرَني ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قدمنا على رسول ال صلى ال‬
‫جمْع ‪ ،‬فجعل َيلْطَخ أفخاذنا ويقول ‪:‬‬
‫حمُرَات لنا من َ‬
‫عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على ُ‬
‫"أُبَيْنيّ ل ترموا الجمرة (‪ )1‬حتى تطلع الشمس " (‪ .)2‬قال أبو عبيد وغيره ‪" :‬أُبَيْنيّ" تصغير بني‬
‫(‪ .)3‬وهذا ظاهر الدللة ‪ ،‬فإن هذا كان في حجة الوداع سنة عشر ‪ ،‬وقوله ‪ { :‬ادْعُو ُه ْم لبَا ِئهِمْ }‬
‫في شأن زيد بن حارثة ‪ ،‬وقد قتل في يوم مؤتة سنة ثمان ‪ ،‬وأيضا ففي صحيح مسلم ‪ ،‬من حديث‬
‫جعْد أبي عثمان البصري ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪،‬‬
‫شكُري ‪ ،‬عن ال َ‬
‫عوَانة الوضاح بن عبد ال اليَ ْ‬
‫أبي َ‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا بُني"‪ .‬ورواه أبو داود‬
‫والترمذي (‪.)4‬‬
‫ن َو َموَالِيكُمْ } ‪ :‬أمر [ال] (‪ )5‬تعالى برد أنساب‬
‫خوَا ُنكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَإِنْ َلمْ َتعَْلمُوا آبَا َءهُمْ فَِإ ْ‬
‫الدعياء إلى آبائهم ‪ ،‬إن عرفوا ‪ ،‬فإن لم يعرفوا (‪ )6‬آباءهم ‪ ،‬فهم إخوانهم في الدين ومواليهم ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬عوضًا عما فاتهم من النسب‪ .‬ولهذا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم خرج من مكة‬
‫عام عُمرة القضاء ‪ ،‬وتبعتهم ابنة حمزة تنادي ‪ :‬يا عم ‪ ،‬يا عم‪ .‬فأخذها علي وقال لفاطمة ‪ :‬دونَك‬
‫عمّك فاحتمليها (‪ .)7‬فاختصم فيها علي ‪ ،‬وزيد ‪ ،‬وجعفر في أيّهم يكفلها ‪ ،‬فكل أدلى بحجة (‬
‫ابنة َ‬
‫‪ )8‬؛ فقال علي ‪ :‬أنا أحق بها وهي ابنة عميس ‪ -‬وقال زيد ‪ :‬ابنة أخي‪ .‬وقال جعفر بن أبي‬
‫طالب ‪ :‬ابنة عمي ‪ ،‬وخالتها تحتي ‪ -‬يعني أسماء بنت عميس‪ .‬فقضى النبي (‪ )9‬صلى ال عليه‬
‫وسلم لخالتها ‪ ،‬وقال ‪" :‬الخالة بمنزلة الم"‪ .‬وقال لعلي ‪" :‬أنت مني ‪ ،‬وأنا منك"‪ .‬وقال لجعفر ‪:‬‬
‫"أشبهت خَلْقي وخُلُقي"‪ .‬وقال لزيد ‪" :‬أنت أخونا ومولنا" (‪.)10‬‬
‫ففي هذا الحديث أحكام كثيرة من أحسنها ‪ :‬أنه ‪ ،‬عليه الصلة والسلم (‪ )11‬حكم بالحق ‪،‬‬
‫خوَا ُنكُمْ فِي‬
‫وأرضى كل من المتنازعين ‪ ،‬وقال لزيد ‪" :‬أنت أخونا ومولنا" ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَِإ ْ‬
‫ن َو َموَالِيكُمْ }‪.‬‬
‫الدّي ِ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن عُلَيّة ‪ ،‬عن عيينة بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن‬
‫أبيه قال ‪ :‬قال أبو َبكْرَة ‪ :‬قال ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬ادْعُوهُمْ لبَائِهِمْ ُهوَ َأقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ فَإِنْ َلمْ َتعَْلمُوا‬
‫ن َو َموَالِيكُمْ } ‪ ،‬فأنا ممن ل يُعرَف أبوه ‪ ،‬وأنا من إخوانكم في الدين‪ .‬قال‬
‫خوَا ُنكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫آبَا َءهُمْ فَِإ ْ‬
‫أبي ‪ :‬وال إني لظنه لو علم أن أباه كان حمارا لنتمى (‪ )12‬إليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬جمرة العقبة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/311‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1940‬وسنن النسائي (‪ )5/270‬وسنن ابن ماجه‬
‫برقم (‪.)3025‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ابني"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪ )2151‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4964‬وسنن الترمذي برقم (‪.)4831‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬يعلموا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فاحتملتها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬بحجته"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬فقضى بها النبي"‪.‬‬
‫(‪ )10‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )2699‬من حديث البراء ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬لنتسب"‪.‬‬

‫( ‪)6/378‬‬

‫وقد جاء في الحديث ‪" :‬من ادعى لغير أبيه ‪ ،‬وهو يعلمه ‪ ،‬كفر (‪ )2( .)1‬وهذا تشديد وتهديد‬
‫ووعيد أكيد ‪ ،‬في التبري من النسب المعلوم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ادْعُوهُ ْم لبَا ِئهِمْ ُهوَ َأ ْقسَطُ عِ ْندَ اللّهِ‬
‫ن َومَوَالِيكُمْ }‪.‬‬
‫خوَا ُنكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫فَإِنْ لَمْ َتعَْلمُوا آبَاءَ ُهمْ فَإِ ْ‬
‫خطَأْتُمْ بِهِ } أي ‪ :‬إذا نسبتم بعضهم إلى غير أبيه في الحقيقة‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَلَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَ ْ‬
‫خطأ ‪ ،‬بعد الجتهاد واستفراغ الوسع ؛ فإن ال قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه ‪ ،‬كما أرشد‬
‫خطَأْنَا } [البقرة ‪ .]286 :‬وثبت‬
‫خذْنَا إِنْ َنسِينَا َأوْ أَ ْ‬
‫إليه في قوله آمرًا عباده أن يقولوا ‪ { :‬رَبّنَا ل ُتؤَا ِ‬
‫في صحيح مسلم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬قال ال ‪ :‬قد فعلت" (‪ .)3‬وفي صحيح‬
‫البخاري ‪ ،‬عن عمرو بن العاص قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا اجتهد الحاكم‬
‫فأصاب ‪ ،‬فله أجران ‪ ،‬وإن اجتهد فأخطأ ‪ ،‬فله أجر" (‪ .)4‬وفي الحديث الخر ‪" :‬إن ال رفع عن‬
‫أمتي الخطأ والنسيان ‪ ،‬وما يُكرَهُون (‪ )5‬عليه"‪.‬‬
‫غفُورًا َرحِيمًا‬
‫خطَأْتُمْ ِب ِه وََلكِنْ مَا َت َعمّ َدتْ قُلُو ُبكُمْ َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫وقال هاهنا ‪ { :‬وَلَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَ ْ‬
‫خ ُذكُمُ اللّهُ بِالّل ْغوِ فِي أَ ْيمَا ِنكُمْ‬
‫} أي ‪ :‬وإنما الثم على مَنْ تعمد الباطل كما قال تعالى (‪ { : )6‬ل ُيؤَا ِ‬
‫وََلكِنْ ُيؤَاخِ ُذكُمْ ِبمَا كَسَ َبتْ قُلُو ُبكُم }‪ .‬وفي الحديث المتقدم ‪" :‬من ادعى إلى غير أبيه ‪ ،‬وهو يعلمه ‪،‬‬
‫إل كفر"‪ .‬وفي القرآن المنسوخ ‪" :‬فإن (‪ )7‬كفرًا بكم أن ترغبوا عن آبائكم"‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عبيد ال بن عبد ال بن‬
‫عتبة بن مسعود ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن عمر أنه قال ‪ :‬بعث ال (‪ )8‬محمدا صلى ال عليه وسلم‬
‫بالحق ‪ ،‬وأنزل معه الكتاب ‪ ،‬فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ‪ ،‬فرجم رسول ال صلى ال عليه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وسلم ‪ ،‬ورجمنا بعده‪ .‬ثم قال ‪ :‬قد كنا نقرأ ‪" :‬ول ترغبوا عن آبائكم [فإنه كفر بكم ‪ -‬أو ‪ :‬إن كفرًا‬
‫بكم ‪ -‬أن ترغبوا عن آبائكم] (‪ ، )9‬وإن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل تطروني [كما‬
‫أطري] (‪ )10‬عيسى بن مريم ‪ ،‬فإنما أنا عبد ‪ ،‬فقولوا ‪ :‬عبده ورسوله" (‪ .)11‬وربما قال َم ْعمَر ‪:‬‬
‫"كما أطرت النصارى ابن مريم" (‪.)12‬‬
‫طعْن في النّسبَ ‪ ،‬والنيّاحة على الميت ‪،‬‬
‫ورواه في الحديث الخر ‪" :‬ثلث في الناس كفر ‪ :‬ال ّ‬
‫والستسقاء بالنجوم" (‪.)13‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وهو يعلمه إل كفر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )3508‬من حديث أبي ذر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬بلفظ مقارب‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪ )126‬من حديث ابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)7352‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬والمر يكرهون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬فإنه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬إن ال بعث" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬إن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬بعث"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أنا عبد ال وقولوا عبد ال ورسوله"‪.‬‬
‫(‪ )12‬المسند (‪.)1/47‬‬
‫(‪ )13‬المسند (‪ )5/342‬ورواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )934‬كلهما عن أبي مالك الشعري‬
‫بلفظ ‪" :‬أربع في أمتي من أمر الجاهلية ل يتركوهن ‪ :‬الفخر في النساب" ثم ذكر هذه الثلث‪.‬‬

‫( ‪)6/379‬‬

‫ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ‬


‫سهِ ْم وَأَ ْزوَاجُهُ ُأ ّمهَا ُتهُ ْم وَأُولُو الْأَ ْرحَامِ َب ْع ُ‬
‫النّ ِبيّ َأوْلَى بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫ن وَا ْل ُمهَاجِرِينَ إِلّا أَنْ َت ْفعَلُوا إِلَى َأوْلِيَا ِئكُمْ َمعْرُوفًا كَانَ ذَِلكَ فِي ا ْلكِتَابِ مَسْطُورًا (‪)6‬‬
‫اللّهِ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِي َ‬

‫ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ‬


‫س ِه ْم وَأَ ْزوَاجُهُ ُأ ّمهَا ُتهُ ْم وَأُولُو الرْحَامِ َب ْع ُ‬
‫{ النّ ِبيّ َأوْلَى بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫سطُورًا (‪)6‬‬
‫ن وَا ْل ُمهَاجِرِينَ إِل أَنْ َت ْفعَلُوا إِلَى َأوْلِيَا ِئكُمْ َمعْرُوفًا كَانَ ذَِلكَ فِي ا ْلكِتَابِ مَ ْ‬
‫اللّهِ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫}‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قد علم ال تعالى شفقة رسوله صلى ال عليه وسلم على أمته ‪ ،‬ونصحَه لهم ‪ ،‬فجعله أولى بهم من‬
‫أنفسهم ‪ ،‬وحكمه فيهم ُمقَ ّدمًا على اختيارهم لنفسهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَل وَرَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ‬
‫ت وَيُسَّلمُوا تَسْلِيمًا } [النساء‬
‫سهِمْ حَرَجًا ِممّا َقضَ ْي َ‬
‫شجَرَ بَيْ َنهُمْ ُث ّم ل َيجِدُوا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫ح ّكمُوكَ فِيمَا َ‬
‫حَتّى يُ َ‬
‫‪ .]65 :‬وفي الصحيح ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله‬
‫وولده والناس أجمعين" (‪ .)1‬وفي الصحيح أيضا أن عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬يا رسول‬
‫ال ‪ ،‬وال لنت أحب إلي من كل شيء إل من نفسي‪ .‬فقال ‪" :‬ل يا عمر ‪ ،‬حتى أكون أحب إليك‬
‫من نفسك"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول ال (‪ )2‬لنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي‪ .‬فقال ‪" :‬الن يا‬
‫عمر" (‪.)3‬‬
‫سهِمْ }‪.‬‬
‫ولهذا قال تعالى في هذه الية ‪ { :‬النّ ِبيّ َأوْلَى بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫وقال البخاري عندها ‪ )4( :‬حدثنا إبراهيم بن المنذر ‪ ،‬حدثنا [محمد بن] (‪ )5‬فُلَيح ‪ ،‬حدثنا أبي ‪،‬‬
‫عمْرَة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن‬
‫عن هلل بن علي ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي َ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما من مؤمن إل وأنا أولى الناس به في الدنيا والخرة‪ .‬اقرؤوا‬
‫عصَبَتُه مَن كانوا‪.‬‬
‫سهِمْ } ‪ ،‬فأيما مؤمن ترك مال فليرثه َ‬
‫إن شئتم ‪ { :‬النّ ِبيّ َأوْلَى بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫فإن ترك دَيْنًا أو ضَياعًا ‪ ،‬فليأتني فأنا موله"‪ .‬تفرد به البخاري (‪.)6‬‬
‫ورواه أيضا في "الستقراض" وابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن فليح ‪ ،‬به مثله (‪.)7‬‬
‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬من حديث أبي حصين ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بنحوه (‪.)8‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري في قوله تعالى ‪ { :‬النّ ِبيّ َأوْلَى‬
‫سهِمْ } عن أبي سلمة ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫كان يقول ‪" :‬أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ‪ ،‬فأيما رجل مات وترك دينا ‪ ،‬فإلي‪ .‬ومَنْ ترك مال‬
‫فلورثته " (‪ .)9‬ورواه أبو داود ‪ ،‬عن أحمد بن حنبل (‪ ، )10‬به نحوه‪.‬‬
‫جهُ ُأ ّمهَا ُتهُمْ } أي ‪ :‬في الحرمة والحترام ‪ ،‬والكرام والتوقير والعظام ‪ ،‬ولكن‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَ ْزوَا ُ‬
‫ل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)14‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فقال ‪ :‬وال يا رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)6632‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عند هذه الية الكريمة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)4781‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )2399‬وتفسير الطبري (‪.)21/77‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)2/334‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬فهو لورثته"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )3/296‬وسنن أبي داود برقم (‪.)2956‬‬

‫( ‪)6/380‬‬

‫تجوز الخلوة بهن ‪ ،‬ول ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالجماع ‪ ،‬وإن سمى بعض العلماء‬
‫بناتهن أخوات المؤمنين ‪ ،‬كما هو منصوص الشافعي في المختصر ‪ ،‬وهو من باب إطلق العبارة‬
‫ل إثبات الحكم‪ .‬وهل يقال لمعاوية وأمثاله ‪ :‬خال المؤمنين ؟ فيه قولن للعلماء‪ .‬ونص الشافعي‬
‫على أنه يقال ذلك‪ .‬وهل يقال لهن ‪ :‬أمهات المؤمنات ‪ ،‬فيدخل النساء (‪ )1‬في جمع المذكر السالم‬
‫تغليبا ؟ فيه قولن ‪ :‬صح عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬أنها قالت ‪ :‬ل يقال ذلك‪ .‬وهذا أصح‬
‫الوجهين في مذهب الشافعي ‪ ،‬رحمه ال‪)2( .‬‬
‫وقد روي عن أُبي بن كعب ‪ ،‬وابن عباس أنهما قرآ ‪" :‬النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬والحسن ‪ :‬وهو أحد‬
‫أمهاتهم وهو أب لهم" ‪ ،‬وروي نحو هذا عن معاوية ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫الوجهين في مذهب الشافعي‪ .‬حكاه البغوي وغيره ‪ ،‬واستأنسوا عليه بالحديث الذي رواه أبو داود‬
‫‪:‬‬
‫عجْلن ‪ ،‬عن القعقاع بن‬
‫حدثنا عبد ال بن محمد النفيلي ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪ ،‬عن محمد بن َ‬
‫حكيم ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنما أنا لكم‬
‫بمنزلة الوالد أعَلّمكم ‪ ،‬فإذا أتى أحدكم الغائط فل يستقبل القبلة ول يستدبرها ‪ ،‬ول يستطب بيمينه"‬
‫‪ ،‬وكان يأمر بثلثة أحجار ‪ ،‬وينهى عن الروث والرمة‪.‬‬
‫وأخرجه النسائي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث ابن عجلن (‪.)3‬‬
‫حدٍ مِنْ رِجَاِل ُكمْ } ‪ :‬وقوله‬
‫حمّدٌ أَبَا أَ َ‬
‫والوجه الثاني ‪ :‬أنه ل يقال ذلك ‪ ،‬واحتجوا بقوله ‪ { :‬مَا كَانَ مُ َ‬
‫ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ } أي ‪ :‬في حكم ال { مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‬
‫‪ { :‬وَأُولُو الرْحَامِ َب ْع ُ‬
‫وَا ْل ُمهَاجِرِينَ } أي ‪ :‬القرابات أولى بالتوارث من المهاجرين والنصار‪ .‬وهذه ناسخة لما كان قبلها‬
‫من التوارث بالحلف والمؤاخاة التي كانت بينهم ‪ ،‬كما قال ابن عباس وغيره ‪ :‬كان المهاجري‬
‫يرث النصاري دون قراباته (‪ )4‬وذوي رحمه ‪ ،‬للخوة التي آخى بينهما رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وكذا قال سعيد بن جبير ‪ ،‬وغير واحد من السلف والخلف‪.‬‬
‫وقد أورد فيه ابن أبي حاتم حديثا عن الزبير بن العوام ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬حدثنا أبي ‪،‬‬
‫حدثنا أحمد بن أبي بكر المصعبي ‪ -‬من ساكني بغداد ‪ -‬عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ‪ ،‬عن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هشام بن عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن الزبير بن العوام قال ‪ :‬أنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فينا خاصة معشر‬
‫ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ } ‪ ،‬وذلك أنا معشر قريش لما قَدمنا‬
‫قريش والنصار ‪ { :‬وَأُولُو الرْحَامِ َب ْع ُ‬
‫المدينة ‪ )5( ،‬قَدمنا ول أموال لنا ‪ ،‬فوجدنا النصار ِنعْمَ الخوانُ ‪ ،‬فواخيناهم ووارثناهم‪ .‬فآخى‬
‫أبو بكر خارجة بن زيد ‪ ،‬وآخى عمر فلنا ‪ ،‬وآخى عثمان بن عفان رضي ال عنه رجل من‬
‫بني زُرَيق ‪ ،‬سعد الزرقي ‪ ،‬ويقول بعض الناس غيره‪ .‬قال الزبير ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فيدخل النساء فيه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪ )8‬وسنن النسائي (‪ )1/38‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)313‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أقاربه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬لما قدمنا إلى المدينة"‪.‬‬

‫( ‪)6/381‬‬

‫وواخيت أنا كعب بن مالك ‪ ،‬فجئته فابتعلته فوجدت السلح قد ثقله فيما يرى ‪ ،‬فوال يا بني ‪ ،‬لو‬
‫مات يومئذ عن الدنيا ‪ ،‬ما ورثه غيري ‪ ،‬حتى أنزل ال هذه الية فينا معشر قريش والنصار‬
‫خاصة ‪ ،‬فرجعنا إلى مواريثنا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِل أَنْ َت ْفعَلُوا إِلَى َأوْلِيَا ِئكُمْ َمعْرُوفًا } أي ‪ :‬ذهب الميراث ‪ ،‬وبقي النصر والبر والصلة‬
‫والحسان والوصية‪.‬‬
‫سطُورًا } أي ‪ :‬هذا الحكم ‪ ،‬وهو أن أولي الرحام بعضهم أولى‬
‫وقوله ‪ { :‬كَانَ ذَِلكَ فِي ا ْلكِتَابِ مَ ْ‬
‫ببعض ‪ ،‬حكم من ال مقدر مكتوب في الكتاب الول ‪ ،‬الذي ل يبدل ‪ ،‬ول يغير‪ .‬قاله مجاهد‬
‫وغير واحد‪ .‬وإن كان قد يقال (‪ : )1‬قد شرع خلفه في وقت لما له في ذلك من الحكمة البالغة ‪،‬‬
‫وهو يعلم أنه سينسخه إلى ما هو جار في قدره الزلي (‪ ، )2‬وقضائه القدري الشرعي‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وإن كان تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬إلى ما هو جار في قدره الول" ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬إلى هو جار في قدره الزلي"‪.‬‬

‫( ‪)6/382‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خذْنَا مِ ْنهُمْ‬
‫ح وَإِبْرَاهِي َم َومُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَ َم وَأَ َ‬
‫وَإِذْ َأخَذْنَا مِنَ النّبِيّينَ مِيثَا َقهُ ْم َومِ ْنكَ َومِنْ نُو ٍ‬
‫مِيثَاقًا غَلِيظًا (‪ )7‬لِيَسَْألَ الصّا ِدقِينَ عَنْ صِ ْد ِقهِ ْم وَأَعَدّ لِ ْلكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (‪)8‬‬

‫ح وَإِبْرَاهِي َم َومُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِ ْن ُهمْ‬


‫ك َومِنْ نُو ٍ‬
‫خذْنَا مِنَ النّبِيّينَ مِيثَا َقهُ ْم َومِ ْن َ‬
‫{ وَإِذْ أَ َ‬
‫مِيثَاقًا غَلِيظًا (‪ )7‬لِيَسَْألَ الصّا ِدقِينَ عَنْ صِ ْد ِقهِ ْم وَأَعَدّ لِ ْلكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (‪.} )8‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن أولي العزم الخمسة ‪ ،‬وبقية النبياء ‪ :‬أنه أخذ عليهم العهد والميثاق في‬
‫إقامة دين ال ‪ ،‬وإبلغ رسالته ‪ ،‬والتعاون والتناصر والتفاق ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِذْ َأخَذَ اللّهُ‬
‫ح ْكمَةٍ ُثمّ جَا َءكُمْ َرسُولٌ ُمصَدّقٌ ِلمَا َم َعكُمْ لَ ُت ْؤمِنُنّ بِ ِه وَلَتَ ْنصُرُنّهُ‬
‫ب وَ ِ‬
‫مِيثَاقَ النّبِيّينَ َلمَا آتَيْ ُتكُمْ مِنْ كِتَا ٍ‬
‫شهَدُوا وَأَنَا َم َعكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ } [آل‬
‫خذْتُمْ عَلَى ذَِلكُمْ ِإصْرِي قَالُوا َأقْرَرْنَا قَالَ فَا ْ‬
‫قَالَ أََأقْرَرْتُ ْم وَأَ َ‬
‫عمران ‪ ]81 :‬فهذا العهد والميثاق أخذ عليهم بعد إرسالهم ‪ ،‬وكذلك هذا‪ .‬ونص من بينهم على‬
‫هؤلء الخمسة ‪ ،‬وهم أولو العزم ‪ ،‬وهو من باب عطف الخاص على العام ‪ ،‬وقد صرّح بذكرهم‬
‫ك َومَا‬
‫أيضا في هذه الية ‪ ،‬وفي قوله ‪ { :‬شَ َرعَ َلكُمْ مِنَ الدّينِ مَا َوصّى بِهِ نُوحًا وَالّذِي َأوْحَيْنَا إِلَ ْي َ‬
‫َوصّيْنَا ِبهِ إِبْرَاهِي َم َومُوسَى وَعِيسَى أَنْ َأقِيمُوا الدّينَ وَل تَ َتفَ ّرقُوا فِيهِ } [الشورى ‪ ، ]13 :‬فذكر‬
‫الطرفين والوسط ‪ ،‬الفاتح والخاتم ‪ ،‬ومن بينهما على [هذا] (‪ )1‬الترتيب‪ .‬فهذه هي الوصية التي‬
‫ك َومِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ‬
‫خذْنَا مِنَ النّبِيّينَ مِيثَا َقهُ ْم َومِ ْن َ‬
‫أخذ عليهم الميثاق بها ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَِإذْ أَ َ‬
‫[ َومُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ] } (‪ ، )2‬فبدأ في هذه الية بالخاتم ؛ لشرفه ‪ -‬صلوات ال [وسلمه] (‬
‫‪ )3‬عليه ‪ -‬ثم رتبهم بحسب وجودهم صلوات ال [وسلمه] (‪ )4‬عليهم‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة الدمشقي ‪ ،‬حدثنا محمد بن بكار ‪ ،‬حدثنا سعيد بن بشير ‪،‬‬
‫حدثني قتادة ‪ ،‬عن الحسن (‪ ، )5‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬في قول ال تعالى ‪ { :‬وَإِذْ َأخَذْنَا مِنَ النّبِيّينَ مِيثَا َقهُ ْم َومِ ْنكَ َومِنْ نُوحٍ } الية ‪ :‬قال النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كنت أول النبيين في الخلق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬روى ابن أبي الدنيا"‪.‬‬

‫( ‪)6/382‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سلْنَا عَلَ ْيهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا َلمْ تَ َروْهَا‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ إِذْ جَاءَ ْتكُمْ جُنُودٌ فَأَرْ َ‬
‫غتِ الْأَ ْبصَارُ‬
‫س َفلَ مِ ْنكُ ْم وَِإذْ زَا َ‬
‫َوكَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرًا (‪ِ )9‬إذْ جَاءُوكُمْ مِنْ َف ْو ِقكُ ْم َومِنْ أَ ْ‬
‫وَبََلغَتِ ا ْلقُلُوبُ الْحَنَاجِ َر وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَا (‪)10‬‬

‫وآخرهم في البعث ‪[ ،‬فَبُدئ بي] (‪ )1‬قبلهم" (‪ )2‬سعيد بن بشير فيه ضعف‪.‬‬


‫وقد رواه سعيد بن أبي عروبة ‪ ،‬عن قتادة مرسل وهو أشبه ‪ ،‬ورواه بعضهم عن قتادة موقوفا ‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫وقال أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا أبو أحمد ‪ ،‬حدثنا حمزة الزيات ‪ ،‬حدثنا علي‬
‫بن ثابت ‪ ،‬عن أبي حازم (‪ ، )3‬عن أبى هريرة قال ‪ :‬خيار ولد آدم خمسة ‪ :‬نوح ‪ ،‬وإبراهيم ‪،‬‬
‫وموسى ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬ومحمد ‪ ،‬وخيرهم محمد صلى ال عليه وسلم أجمعين (‪ .)4‬موقوف ‪،‬‬
‫وحمزة فيه ضعف (‪.)5‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن المراد بهذا الميثاق الذي أخذ منهم حين أخرجوا في صورة الذّر من صلب آدم ‪،‬‬
‫كما قال أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي بن كعب قال ‪ :‬ورفع‬
‫أباهم آدم ‪ ،‬فنظر إليهم ‪ -‬يعني ‪ :‬ذريته ‪ -‬وأن فيهم الغني والفقير ‪ ،‬وحسن الصورة ‪ ،‬ودون‬
‫ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬رب ‪ ،‬لو سويتَ بين عبادك ؟ فقال ‪ :‬إني أحببت أن أشكر‪ .‬وأرى فيهم النبياء مثل‬
‫السرج ‪ ،‬عليهم كالنور ‪ ،‬وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة ‪ ،‬فهو الذي يقول ال تعالى ‪:‬‬
‫ك َومِنْ نُوح [وَإِبْرَاهِي َم َومُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْ َيمَ] } (‪ )6‬الية‪.‬‬
‫خذْنَا مِنَ النّبِيّينَ مِيثَا َقهُ ْم َومِ ْن َ‬
‫{ وَإِذْ أَ َ‬
‫وهذا قول مجاهد أيضا‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬الميثاق الغليظ ‪ :‬العهد‪.‬‬
‫ن صِ ْد ِقهِمْ } ‪ ،‬قال مجاهد ‪ :‬المبلغين المؤدين عن الرسل‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ َيسَْألَ الصّا ِدقِينَ عَ ْ‬
‫عذَابًا أَلِيمًا } أي ‪ :‬موجعا ‪ ،‬فنحن نشهد أن الرسل قد‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَعَدّ لِ ْلكَافِرِينَ } أي ‪ :‬من أممهم { َ‬
‫بَّلغُوا رسالت ربهم ‪ ،‬ونصحوا المم وأفصحوا لهم عن الحق المبين ‪ ،‬الواضح الجلي ‪ ،‬الذي ل‬
‫لبس فيه ‪ ،‬ول شك ‪ ،‬ول امتراء ‪ ،‬وإن كذبهم مَنْ كذبهم من الجهلة والمعاندين والمارقين‬
‫والقاسطين ‪ ،‬فما جاءت به الرسل هو الحق ‪ ،‬ومَنْ خالفهم فهو على الضلل‪.‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ ِإذْ جَاءَ ْتكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ رِيحًا َوجُنُودًا لَمْ تَ َروْهَا‬
‫غتِ ال ْبصَارُ‬
‫س َفلَ مِ ْنكُ ْم وَِإذْ زَا َ‬
‫َوكَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرًا (‪ِ )9‬إذْ جَاءُوكُمْ مِنْ َف ْو ِقكُ ْم َومِنْ أَ ْ‬
‫وَبََلغَتِ ا ْلقُلُوبُ الْحَنَاجِ َر وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَ (‪.} )10‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن نعمته وفضله وإحسانه إلى عباده المؤمنين ‪ ،‬في صرفه أعداءهم وهزمه‬
‫إياهم عام تألبوا عليهم وتحزبوا وذلك عام الخندق ‪ ،‬وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة على‬
‫الصحيح‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والدلئل والكامل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه أبو نعيم في دلئل النبوة ص (‪ )6‬وابن عدي في الكامل (‪ )3/373‬وتمام في الفوائد‬
‫برقم (‪ )1003‬من طرق عن سعيد بن بشير عن قتادة به ‪ ،‬وفي إسناده علتان ‪ :‬الولى ‪ :‬الحسن‬
‫البصري مدلس وقد عنعن‪ .‬الثانية ‪ :‬سعيد بن بشير ضعيف وقد خولف ‪ ،‬خالفه أبو هلل وسعيد‬
‫بن أبي عروبة كما ذكره المؤلف فقال ‪ :‬عن قتادة مرسل ‪ ،‬ا‪.‬هـ مستفادا من السلسلة الضعيفة‬
‫برقم (‪ )661‬للشيخ ناصر اللباني‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى أبو بكر البزار بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند البزار برقم (‪" )2368‬كشف الستار"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬موقوف ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬

‫( ‪)6/383‬‬

‫المشهور‪.‬‬
‫عقْبة وغيره كانت في سنة أربع‪.‬‬
‫وقال موسى بن ُ‬
‫وكان سبب قدوم الحزاب أن نفرًا من أشراف يهود بني النضير ‪ ،‬الذين كانوا قد أجلهم رسول‬
‫شكَم ‪،‬‬
‫حقَيْق ‪ ،‬وسلم بن مِ ْ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم من المدينة إلى خيبر ‪ ،‬منهم ‪ :‬سلم بن أبي ال ُ‬
‫وكنانة بن الربيع ‪ ،‬خرجوا إلى مكة واجتمعوا بأشراف قريش ‪ ،‬وأَلّبوهم على حرب رسول ال (‬
‫‪ )1‬صلى ال عليه وسلم ووعدوهم من أنفسهم النصر والعانة‪ .‬فأجابوهم إلى ذلك ‪ ،‬ثم خرجوا‬
‫إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم أيضا‪ .‬وخرجت قريش في أحابيشها ‪ ،‬ومن تابعها ‪ ،‬وقائدهم‬
‫أبو سفيان صخر بن حرب ‪ ،‬وعلى غطفان عُيَينة بن حصن بن بدر ‪ ،‬والجميع قريب من عشرة‬
‫آلف ‪ ،‬فلما سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم بمسيرهم أمر المسلمين بحفر الخندق حول‬
‫المدينة مما يلي الشرق (‪ ، )2‬وذلك بإشارة سلمان الفارسي ‪ ،‬فعمل المسلمون فيه واجتهدوا ‪،‬‬
‫ونقل معهم رسول ال صلى ال عليه وسلم التراب وحفَر ‪ ،‬وكان في حفره ذلك آيات بينات‬
‫ودلئل واضحات‪.‬‬
‫وجاء المشركون فنزلوا شرقي المدينة قريبا من أحد ‪ ،‬ونزلت طائفة منهم في أعالي أرض المدينة‬
‫س َفلَ مِ ْنكُمْ } ‪ ،‬وخرج رسول ال صلى ال‬
‫‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪ { :‬إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ َف ْو ِقكُ ْم َومِنْ أَ ْ‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ومن معه من المسلمين ‪ ،‬وهم نحو ثلثة آلف ‪ ،‬وقيل ‪ :‬سبعمائة ‪ ،‬وأسندوا (‪)3‬‬
‫ظهورهم إلى سَلْع ووجوههم إلى نحو العدو ‪ ،‬والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم يحجب‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الرجالة والخيالة أن تصل إليهم ‪ ،‬وجعل النساء والذراري في آطام المدينة ‪ ،‬وكانت بنو قريظة ‪-‬‬
‫وهم طائفة من اليهود ‪ -‬لهم حصن شرقي المدينة ‪ ،‬ولهم عهد من النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وذمة ‪ ،‬وهم قريب من ثمانمائة مقاتل فذهب إليهم حُ َييّ بن أخطب ال ّنضَري [اليهودي] (‪ ، )4‬فلم‬
‫يزل بهم حتى نقضوا العهد ‪ ،‬ومالؤوا الحزاب على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فعَظُم‬
‫خطْب واشتد المر ‪ ،‬وضاق الحال ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪ { :‬هُنَاِلكَ ابْتُِليَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَزُلْزِلُوا‬
‫ال َ‬
‫زِلْزَال شَدِيدًا }‪.‬‬
‫ومكثوا محاصرين للنبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه قريبًا من شهر ‪ ،‬إل أنهم ل يصلون‬
‫إليهم ‪ ،‬ولم يقع بينهم قتال ‪ ،‬إل أن عمرو بن عبد ودّ العامري ‪ -‬وكان من الفرسان الشجعان‬
‫المشهورين في الجاهلية ‪ -‬ركب ومعه فوارس فاقتحموا الخندق ‪ ،‬وخلصوا إلى ناحية المسلمين ‪،‬‬
‫فندب رسول ال صلى ال عليه وسلم خيل المسلمين إليه ‪ ،‬فلم (‪ )5‬يبرز إليه أحد ‪ ،‬فأمر عليا‬
‫فخرج إليه ‪ ،‬فتجاول ساعة ‪ ،‬ثم قتله علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فكان علمة على النصر‪.‬‬
‫ثم أرسل ال عز ‪ ،‬وجل ‪ ،‬على الحزاب ريحًا شديدة الهبوب قوية ‪ ،‬حتى لم تبق (‪ )6‬لهم خيمة‬
‫ول شيء ول تُوقَد لهم نار ‪ ،‬ول يقر لهم قرار حتى ارتحلوا خائبين خاسرين ‪ ،‬كما قال ال تعالى‬
‫‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ ِإذْ جَاءَ ْتكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ رِيحًا } (‪.)7‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬وهي الصبا ‪ ،‬ويؤيده الحديث الخر ‪" :‬نصرت بالصبا ‪ ،‬وأهلكت عاد بالدبور"‪.‬‬
‫عكْرمة قال ‪:‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا عبد العلى ‪ ،‬حدثنا داود ‪ ،‬عن ِ‬
‫قالت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬المشرق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فأسندوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فيقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬يبق"‪.‬‬
‫(‪ )7‬بعدها في ف ‪( :‬وجنودا لم تروها)‪.‬‬

‫( ‪)6/384‬‬

‫الجنوب للشمال ليلة الحزاب ‪ :‬انطلقي ننصر رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت الشمال ‪ :‬إن‬
‫الحرة ل تسري بالليل‪ .‬قال ‪ :‬فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا (‪.)1‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبي سعيد الشَجّ ‪ ،‬عن حفص بن غياث ‪ ،‬عن داود ‪ ،‬عن عكرمة ‪،‬‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬فذكره‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضا ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا ابن وَهْب ‪ ،‬حدثني عبيد ال بن عمر ‪ ،‬عن نافع ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن عمر قال ‪ :‬أرسلني خالي عثمان بن َمظْعون ليلة الخندق في برد شديد وريح إلى‬
‫المدينة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ائتنا بطعام ولحاف‪ .‬قال ‪ :‬فاستأذنت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأذن لي ‪،‬‬
‫وقال ‪" :‬من أتيت من أصحابي فمرهم يرجعوا"‪ .‬قال ‪ :‬فذهبت والريح تسفي كل شيء ‪ ،‬فجعلت ل‬
‫ألقى أحدا إل أمرته بالرجوع إلى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فما يلوي أحد منهم عنقه‪ .‬قال‬
‫‪ :‬وكان معي ترس لي ‪ ،‬فكانت الريح تضربه عليّ ‪ ،‬وكان فيه حديد ‪ ،‬قال ‪ :‬فضربته الريح حتى‬
‫وقع بعض ذلك الحديد على كفي ‪ ،‬فأنفدها (‪ )2‬إلى الرض‪)3( .‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَجُنُودًا لَمْ تَ َروْهَا } وهم الملئكة ‪ ،‬زلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب والخوف ‪ ،‬فكان‬
‫رئيس كل قبيلة يقول ‪ :‬يا بني فلن إليّ‪ .‬فيجتمعون إليه فيقول ‪ :‬النجاء ‪ ،‬النجاء‪ .‬لما ألقى ال‬
‫تعالى في قلوبهم من الرعب‪.‬‬
‫ظيّ قال ‪ :‬قال فتى من أهل‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن زياد ‪ ،‬عن محمد بن كعب القُرَ ِ‬
‫الكوفة لحذيفة بن اليمان ‪ :‬يا أبا عبد ال ‪ ،‬رأيتم رسول ال صلى ال عليه وسلم وصحبتموه ؟ قال‬
‫‪ :‬نعم يا ابن أخي‪ .‬قال ‪ :‬وكيف كنتم تصنعون ؟ قال ‪ :‬وال لقد كنا نجهد‪ .‬قال الفتى ‪ :‬وال لو‬
‫أدركناه ما تركناه يمشي على الرض ولحملناه على أعناقنا‪ .‬قال ‪ :‬قال حذيفة ‪ :‬يابن أخي ‪ ،‬وال‬
‫لو رأيتنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم بالخندق وصلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ُهوِيّا‬
‫من الليل ‪ ،‬ثم التفت فقال ‪" :‬مَنْ رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ؟ ‪ -‬يشرط له النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه يرجع ‪ -‬أدخله ال الجنة"‪ .‬قال ‪ :‬فما قام رجل‪ .‬ثم صلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم هويّا من الليل ثم التفت إلينا ‪ ،‬فقال مثله ‪ ،‬فما قام منا رجل‪ .‬ثم صلى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم هُويّا من الليل ثم التفت إلينا فقال ‪" :‬من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع ‪-‬‬
‫يشترط له رسول ال صلى ال عليه وسلم الرجعة ‪ -‬أسأل ال أن يكون رفيقي في الجنة"‪ .‬فما قام‬
‫رجل من القوم ؛ من شدة الخوف ‪ ،‬وشدة الجوع ‪ ،‬وشدة البرد‪ .‬فلما لم يقم أحد ‪ ،‬دعاني رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني فقال ‪" :‬يا حذيفة ‪ ،‬اذهب فادخل‬
‫في القوم فانظر ما يفعلون ‪ ،‬ول تُحْدثَنّ شيئا حتى تأتينا"‪ .‬قال ‪ :‬فذهبت فدخلت [في القوم] (‪، )4‬‬
‫والريح وجنود ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬تفعل بهم ما تفعل ‪ ،‬ل ُتقِرّ لهم ِقدْرًا ول نارًا ول بناءً ‪ ،‬فقام أبو‬
‫سفيان فقال ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬لينظر امرؤ مَنْ جليسه‪ .‬قال حذيفة ‪ :‬فأخذت بيد الرجل الذي إلى‬
‫جنبي ‪ ،‬فقلت ‪ :‬مَنْ أنت ؟ فقال ‪ :‬أنا فلن بن فلن ‪ ،‬ثم قال أبو سفيان ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬إنكم‬
‫خفّ ‪ ،‬وأخلفتنا بنو قريظة ‪ ،‬وبََلغَنا عنهم الذي‬
‫وال ما أصبحتم بدار مقام ‪ ،‬لقد هلك الكُرَاع وال ُ‬
‫نكره ‪ ،‬ولقينا من هذه الريح الذي ترون (‪ .)5‬وال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)21/80‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فأبعدها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)21/80‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والسيرة النبوية‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ما ترون"‪.‬‬

‫( ‪)6/385‬‬

‫ما تطمئن لنا قدر ‪ ،‬ول َتقُوم لنا نار ‪ ،‬ول يستمسك لنا بناء ‪ ،‬فارتحلوا ‪ ،‬فإني مُرْتَحل ‪ ،‬ثم قام إلى‬
‫جمَله وهو معقول ‪ ،‬فجلس عليه ‪ ،‬ثم ضربه ‪ ،‬فوثب به على ثلث ‪ ،‬فما أطلق عقَالَه إل وهو‬
‫َ‬
‫قائم‪ .‬ولول عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم إلي ‪" :‬أل تحدث شيئا حتى تأتيني" ثم شئتُ ‪،‬‬
‫لقتلته بسهم‪.‬‬
‫قال حذيفة ‪ :‬فرجعت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو قائم يصلي في مِرْط لبعض نسائه‬
‫مُرَحل ‪ ،‬فلما رآني أدخلني بين رجليه ‪ ،‬وطرح علي طرف المرْط ‪ ،‬ثم ركع ‪ ،‬وسجد وإني لفيه ‪،‬‬
‫غطَفان بما فعلت قريش ‪ ،‬فانشمروا راجعين إلى بلدهم (‪.)1‬‬
‫فلما سَلّم أخبرته الخبر ‪ ،‬وسمعت َ‬
‫وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث العمش ‪ ،‬عن إبراهيم التيمي ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كنا عند‬
‫حذيفة بن اليمان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فقال له رجل ‪ :‬لو أدركتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫ت تفعل ذلك ؟ لقد رَأيتُنا مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫قاتلتُ معه وأبليتُ‪ .‬فقال له حذيفة ‪ :‬أنت كن َ‬
‫وسلم ليلة الحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقُرّ ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل‬
‫رجل يأتي بخبر القوم ‪ ،‬يكون معي يوم القيامة ؟"‪ .‬فلم يجبه منا أحد ‪ ،‬ثم الثانية ‪ ،‬ثم الثالثة مثله‪.‬‬
‫ثم قال ‪" :‬يا حذيفة ‪ ،‬قم فأتنا بخبر من القوم"‪ .‬فلم أجد بدّا إذ دعاني باسمي أن أقوم ‪ ،‬فقال ‪" :‬ائتني‬
‫بخبر القوم ‪ ،‬ول تَذْعَرْهم عََليّ"‪ .‬قال ‪ :‬فمضيت كأنما أمشي في حَمام حتى أتيتهم ‪ ،‬فإذا أبو سفيان‬
‫َيصْلَى ظهره بالنار ‪ ،‬فوضعت سهما في كَبِِد قوسي ‪ ،‬وأردت أن أرميَه ‪ ،‬ثم ذكرتُ قولَ رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل َتذْعَرْهم عََليّ" ‪ ،‬ولو َرمَيْته لصبته‪ .‬قال ‪ :‬فرجعت كأنما أمشي في‬
‫ت وقُررْتُ فأخبرتُ‬
‫حمّام ‪ ،‬فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم أصابني البرد حين فَرَغ ُ‬
‫َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وألبسني من فضل عَبَاءَة كانت عليه يصلي فيها ‪ ،‬فلم أزل نائما‬
‫حتى الصبح ‪ ،‬فلما أن أصبحت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قم يا نومان (‪.)3( )2‬‬
‫ورواه يونس بن ُبكَيْر ‪ ،‬عن هشام بن سعد ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ :‬أن رجل قال لحذيفة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ :‬نشكو إلى ال صحبتكم لرسول ال صلى ال عليه وسلم ؛ إنكم أدركتموه ولم ندركه ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ورأيتموه ولم نره‪ .‬فقال حذيفة ‪ :‬ونحن نشكو إلى ال إيمانكم به ولم تروه ‪ ،‬وال ل تدري يا بن‬
‫ت تكون‪ .‬لقد رأيتنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة الخندق في‬
‫أخي لو أدركتَه كيف كن َ‬
‫ليلة باردة مَطِيرة‪ ...‬ثم ذكر نحو ما تقدم مطول (‪.)4‬‬
‫وروى بلل بن يحيى العَبْسي ‪ ،‬عن حذيفة نحو ذلك أيضا (‪.)5‬‬
‫وقد أخرج الحاكم والبيهقي في "الدلئل" ‪ ،‬من حديث عكرمة بن عمار ‪ ،‬عن محمد بن عبد ال‬
‫الدؤلي ‪ ،‬عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة قال ‪َ :‬ذكَر حذيفة مشاهدهم مع رسول ال (‪ )6‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)2/231‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬نوام"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)1788‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البيهقي في دلئل النبوة (‪ )3/454‬من طريق أحمد بن عبد الجبار ‪ ،‬عن يونس بن‬
‫بكير به‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )3/31‬ومن طريقه البيهقي في دلئل النبوة (‪ )3/450‬عن‬
‫موسى بن أبي المختار ‪ ،‬عن بلل العبسي ‪ ،‬عن حذيفة‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬مع النبي"‪.‬‬

‫( ‪)6/386‬‬

‫جلساؤه ‪ :‬أما وال لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا‪ .‬فقال حذيفة ‪ :‬ل تمنوا ذلك‪ .‬لقد رأيتُنا ليلة‬
‫الحزاب ونحن صافّون قُعود ‪ ،‬وأبو سفيان ومَنْ معه من الحزاب فوقنا ‪ ،‬وقريظة اليهود أسفل‬
‫منا نخافهم على ذرارينا ‪ ،‬وما أتَت علينا قطّ أشدّ ظلم ًة ول أشد ريحًا ‪ ،‬في أصوات ريحها أمثال‬
‫الصواعق ‪ ،‬وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه ‪ ،‬فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ويقولون ‪" :‬إن بيوتنا عورة وما هي بعورة"‪ .‬فما يستأذنه أحد منهم إل أذن له ‪ ،‬ويأذن لهم‬
‫فيتسللون ‪ ،‬ونحن ثلثمائة ونحو ذلك ‪ ،‬إذ استقبلنا رسول ال صلى ال عليه وسلم رَجُل رجل‬
‫حتى أتى عََليّ وما عََليّ جُنّة (‪ )1‬من العدو ول من البرد إل مِرْط لمرأتي ‪ ،‬ما يجاوز ركبتي‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأتاني صلى ال عليه وسلم وأنا جَاثٍ على ركبتي فقال ‪" :‬مَنْ هذا ؟" فقلت ‪ :‬حذيفة‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"حذيفة"‪ .‬فتقاصرت بالرض (‪ )2‬فقلت ‪ :‬بلى يا رسول ال ‪ ،‬كراهية أن أقوم‪[ .‬قال ‪ :‬قم] (‪، )3‬‬
‫فقمت ‪ ،‬فقال ‪" :‬إنه كائن في القوم خبر فأتني بخبر القوم" ‪ -‬قال ‪ :‬وأنا من أشد [الناس] (‪ )4‬ا‬
‫فزعًا ‪ ،‬وأشدهم قُرّا ‪ -‬قال ‪ :‬فخرجت ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اللهم ‪ ،‬احفظه من‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بين يديه ومن خلفه ‪ ،‬وعن يمينه وعن شماله ‪ ،‬ومن فوقه ومن تحته"‪ .‬قال ‪ :‬فوال ما خلق ال‬
‫فزعا ول قرّا في جوفي إل خرج من جوفي ‪ ،‬فما أجد فيه شيئا‪ .‬قال ‪ :‬فلما وليت قال ‪" :‬يا‬
‫حذيفة ‪ ،‬ل تُحدثَنّ في القوم شيئًا حتى تأتيني"‪ .‬قال ‪ :‬فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم‬
‫نظرت في ضوء نار لهم َت َوقّدُ ‪ ،‬وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ‪ ،‬ويمسح خاصرته ‪،‬‬
‫ويقول ‪ :‬الرحيلَ الرحيلَ ‪ ،‬ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك ‪ ،‬فانتزعت سهما من كنانتي أبيض‬
‫الريش ‪ ،‬فأضعه في كَبِِد قوسي لرميه به في ضوء النار ‪ ،‬فذكرت قول رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ل تحدثن فيهم شيئا حتى تأتيني" ‪[ ،‬فأمسكت] (‪ )5‬ورددت سهمي إلى كنانتي ‪ ،‬ثم إني‬
‫شجّعت نفسي حتى دخلت العسكر ‪ ،‬فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون ‪ :‬يا آل عامر ‪،‬‬
‫َ‬
‫الرحيلَ الرحيلَ ‪ ،‬ل مُقام لكم‪ .‬وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا ‪ ،‬فوال إني‬
‫لسمع صوت الحجارة في رحالهم َوفَرَسَ ْتهُمُ (‪ )6‬الريح تضربهم بها ‪ ،‬ثم خرجت نحو النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬فلما انتصفت في الطريق أو نحوا من ذلك ‪ ،‬إذا أنا بنحو من عشرين فارسًا أو‬
‫نحو ذلك (‪ُ )7‬معْ َتمّين ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أخْبر صاحبك أن ال تعالى كفَاه القوم‪ .‬فرجعت إلى رسول ال‬
‫جعَني القُرّ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو مشتمل في شملة يصلي ‪ ،‬فوال ما عدا أن رجعت رَا َ‬
‫وجعلت أقَرْقفُ ‪ ،‬فأومأ إليّ رسول ال صلى ال عليه وسلم [بيده] (‪ )8‬وهو يصلي ‪ ،‬فدنوت منه ‪،‬‬
‫فأسبل علي شملته‪ .‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا حَزَبه أمر صلى ‪ ،‬فأخبرته خبر‬
‫القوم ‪ ،‬وأخبرته أني تركتهم يترحلون (‪ ، )9‬وأنزل ال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ‬
‫علَ ْيكُمْ إِذْ جَاءَ ْت ُكمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَ ْيهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَ َروْهَا َوكَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرًا } (‬
‫اللّهِ َ‬
‫‪.)10‬‬
‫وأخرج أبو داود في سننه منه ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إذا حزبه أمر ‪ ،‬من حديث‬
‫عكرمة بن عمار ‪ ،‬به‪)11( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬جنبة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬إلى الرض"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ :‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ :‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وفرشهم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬نحوًا من ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬يرتحلون"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )10‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)3/451‬‬
‫(‪ )11‬سنن أبي داود برقم (‪.)1319‬‬

‫( ‪)6/387‬‬

‫هُنَاِلكَ ابْتُِليَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (‪ )11‬وَإِذْ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ مَا‬
‫جعُوا‬
‫وَعَدَنَا اللّ ُه وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُورًا (‪ )12‬وَإِذْ قَاَلتْ طَا ِئفَةٌ مِ ْنهُمْ يَا َأ ْهلَ يَثْ ِربَ لَا مُقَامَ َلكُمْ فَارْ ِ‬
‫عوْ َر ٌة َومَا ِهيَ ِب َعوْ َرةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِرَارًا (‪)13‬‬
‫وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِ ْنهُمُ النّ ِبيّ َيقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا َ‬

‫س َفلَ مِ ْنكُمْ } تقدم عن حذيفة أنهم بنو‬


‫وقوله ‪ِ { :‬إذْ جَاءُوكُمْ مِنْ َف ْو ِقكُمْ } أي ‪ :‬الحزاب { َومِنْ أَ ْ‬
‫غتِ البْصَا ُر وَبََل َغتِ ا ْلقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ } أي ‪ :‬من شدة الخوف والفزع ‪،‬‬
‫قريظة ‪ { ،‬وَإِذْ زَا َ‬
‫{ وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَا }‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬ظن بعض مَنْ كان مع رسول ال صلى ال عليه وسلم أن الدائرة على‬
‫المؤمنين ‪ ،‬وأن ال سيفعل ذلك (‪.)1‬‬
‫غتِ ال ْبصَا ُر وَبََل َغتِ ا ْلقُلُوبُ الْحَنَاجِ َر وَتَظُنّونَ بِاللّهِ‬
‫وقال محمد بن إسحاق في قوله ‪ { :‬وَإِذْ زَا َ‬
‫الظّنُونَا } ‪ :‬ظن المؤمنون (‪ )2‬كل ظن ‪ ،‬ونجم النفاق حتى قال ُمعَتّب (‪ )3‬بن قشير ‪ -‬أخو بني‬
‫عمرو بن عوف ‪ : -‬كان محمد َيعِدُنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ‪ ،‬وأحدنا ل يقدر على أن‬
‫يذهب إلى الغائط‪.‬‬
‫وقال الحسن في قوله ‪ { :‬وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَ } ‪ :‬ظنون مختلفة ‪ ،‬ظن المنافقون أن محمدا‬
‫وأصحابه يستأصلون ‪ )4( ،‬وأيقن المؤمنون أن ما وعد ال ورسوله حق ‪ ،‬وأنه سيظهره على‬
‫الدين كله ولو كره المشركون‪.‬‬
‫وقال (‪ )5‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن عاصم النصاري ‪ ،‬حدثنا أبو عامر(ح) وحدثنا أبي ‪،‬‬
‫حدثنا أبو عامر العقدي ‪ ،‬حدثنا الزبير ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن عبد ال ‪ ،‬مولى عثمان بن عفان ‪ -‬عن ُ‬
‫رَتْيج بن عبد الرحمن بن أبي سعيد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قلنا يوم الخندق ‪ :‬يا رسول‬
‫ال ‪ ،‬هل من شيء نقول ‪ ،‬فقد بلغت القلوب الحناجر ؟ قال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬نعم ‪ ،‬قولوا ‪:‬‬
‫اللهم استر عوراتنا ‪ ،‬وآمن َروْعاتنا"‪ .‬قال ‪ :‬فضرب وجوه أعدائه بالريح ‪ ،‬فهزمهم بالريح‪.‬‬
‫وكذا رواه المام أحمد بن حنبل ‪ ،‬عن أبي عامر العقدي (‪.)6‬‬
‫ن وَزُلْزِلُوا زِلْزَال شَدِيدًا (‪ )11‬وَإِذْ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ‬
‫{ هُنَاِلكَ ابْتُِليَ ا ْل ُم ْؤمِنُو َ‬
‫جعُوا‬
‫ب ل مُقَامَ َلكُمْ فَارْ ِ‬
‫مَا وَعَدَنَا اللّ ُه وَرَسُولُهُ إِل غُرُورًا (‪ )12‬وَإِذْ قَاَلتْ طَا ِئفَةٌ مِ ْن ُهمْ يَا أَ ْهلَ يَثْ ِر َ‬
‫عوْ َر ٌة َومَا ِهيَ ِب َعوْ َرةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِل فِرَارًا (‪} )13‬‬
‫وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِ ْنهُمُ النّ ِبيّ َيقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن ذلك الحال ‪ ،‬حين نزلت الحزاب حول المدينة ‪ ،‬والمسلمون محصورون‬
‫في غاية الجهد والضيق ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم بين أظهرهم ‪ :‬أنهم ابتُلوا واختُبروا‬
‫وزلزلوا زلزال شديدا ‪ ،‬فحينئذ ظهر النفاق ‪ ،‬وتكلم الذين في قلوبهم مرض بما في أنفسهم‪.‬‬
‫ن وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ مَا وَعَدَنَا اللّ ُه وَرَسُولُهُ إِل غُرُورًا } أما المنافق ‪،‬‬
‫{ وَإِذْ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُو َ‬
‫فنجم نفاقه ‪ ،‬والذي في قلبه شبهة أو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)21/83‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ظن المنون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬معقب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬سيستأصلون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)3/3‬‬

‫( ‪)6/388‬‬

‫وََلوْ دُخَِلتْ عَلَ ْيهِمْ مِنْ َأقْطَارِهَا ثُمّ سُ ِئلُوا ا ْلفِتْنَةَ لَآَ َتوْهَا َومَا َتلَبّثُوا ِبهَا إِلّا يَسِيرًا (‪ )14‬وََلقَدْ كَانُوا‬
‫عهْدُ اللّهِ مَسْئُولًا (‪)15‬‬
‫عَاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَ ْبلُ لَا ُيوَلّونَ الْأَدْبَا َر َوكَانَ َ‬

‫ضعُف حاله فتنفس بما يجده من الوسواس في نفسه ؛ لضعف إيمانه ‪ ،‬وشدة ما هو فيه‬
‫حسِ ْيكَة ‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫من ضيق الحال‪.‬‬
‫وقوم آخرون قالوا كما قال ال ‪ { :‬وَإِذْ قَاَلتْ طَا ِئفَةٌ مِ ْنهُمْ يَا أَ ْهلَ يَثْ ِربَ } يعني ‪ :‬المدينة ‪ ،‬كما جاء‬
‫في الصحيح ‪" :‬أريت [في المنام] (‪ )1‬دارَ هجرتكُم ‪ ،‬أرض بين حَرّتين فذهب وَهْلي أنها َهجَر ‪،‬‬
‫فإذا هي يثرب" (‪ ، )2‬ش وفي لفظ ‪" :‬المدينة"‪.‬‬
‫فأما الحديث الذي رواه المام أحمد ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن مهدي ‪ ،‬حدثنا صالح بن عمر ‪ ،‬عن يزيد‬
‫بن أبي زياد ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬عن البراء ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫سمّى المدينة يثرب ‪ ،‬فليستغفر ال ‪ ،‬هي طابة ‪ ،‬هي طابة" (‪.)3‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من َ‬
‫تفرد به المام أحمد ‪ ،‬وفي (‪ )4‬إسناده ضعف ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬إنما كان أصل تسميتها "يثرب" برجل نزلها من العماليق ‪ ،‬يقال له ‪ :‬يثرب بن عبيل بن‬
‫مهلبيل بن عوص بن عملق بن لوذ بن إرم بن سام بن نوح‪ .‬قاله السهيلي ‪ ،‬قال ‪ :‬وروي عن‬
‫بعضهم أنه قال ‪ :‬إن لها [في التوراة] (‪ )5‬أحد عشر اسما ‪ :‬المدينة ‪ ،‬وطابة ‪ ،‬وطيبة ‪ ،‬المسكينة ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والجابرة ‪ ،‬والمحبة ‪ ،‬والمحبوبة ‪ ،‬والقاصمة ‪ ،‬والمجبورة ‪ ،‬والعذراء ‪ ،‬والمرحومة‪.‬‬
‫وعن كعب الحبار قال ‪ :‬إنا نجد في التوراة يقول ال للمدينة ‪ :‬يا طيبة ‪ ،‬ويا طابة ‪ ،‬ويا مسكينة‬
‫[ل تقلي الكنوز ‪ ،‬أرفع أحاجرك على أحاجر القرى] (‪.)6‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل ُمقَامَ َلكُمْ } أي ‪ :‬هاهنا ‪ ،‬يعنون عند النبي صلى ال عليه وسلم في مقام المرابطة ‪{ ،‬‬
‫جعُوا } أي ‪ :‬إلى بيوتكم ومنازلكم‪ { .‬وَيَسْتَ ْأذِنُ فَرِيقٌ مِ ْنهُمُ النّ ِبيّ } ‪ :‬قال العوفي ‪ ،‬عن ابن‬
‫فَارْ ِ‬
‫عباس ‪ :‬هم بنو حارثة قالوا ‪ :‬بيوتنا نخاف عليها السّ َرقَ‪ .‬وكذا قال غير واحد‪.‬‬
‫وذكر ابن إسحاق ‪ :‬أن القائل لذلك هو أوس بن قَيظيّ ‪ ،‬يعني ‪ :‬اعتذروا في الرجوع إلى منازلهم‬
‫بأنها عَورة ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس دونها ما يحجبها عن العدو ‪ ،‬فهم يخشون عليها منهم‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫{ َومَا ِهيَ ِب َعوْ َرةٍ } أي ‪ :‬ليست كما يزعمون ‪ { ،‬إِنْ يُرِيدُونَ إِل فِرَارًا } أي ‪ :‬هَرَبًا من الزحف‪.‬‬
‫{ وََلوْ ُدخَِلتْ عَلَ ْيهِمْ مِنْ َأ ْقطَارِهَا ُثمّ سُئِلُوا ا ْلفِتْنَ َة ل َتوْهَا َومَا تَلَبّثُوا ِبهَا إِل َيسِيرًا (‪ )14‬وََلقَدْ كَانُوا‬
‫عهْدُ اللّهِ مَسْئُول (‪} )15‬‬
‫عَاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَ ْبلُ ل ُيوَلّونَ الدْبَا َر َوكَانَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )7035‬من حديث أبي موسى ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)4/285‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ففي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/389‬‬

‫ل وَإِذًا لَا ُتمَ ّتعُونَ إِلّا قَلِيلًا (‪ُ )16‬قلْ مَنْ ذَا الّذِي‬
‫ُقلْ لَنْ يَ ْن َفعَكُمُ ا ْلفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ ا ْل َم ْوتِ َأوِ ا ْلقَتْ ِ‬
‫حمَ ًة وَلَا َيجِدُونَ َلهُمْ مِنْ دُونِ اللّ ِه وَلِيّا وَلَا‬
‫صمُكُمْ مِنَ اللّهِ إِنْ أَرَادَ ِب ُكمْ سُوءًا َأوْ أَرَادَ ِبكُمْ َر ْ‬
‫َي ْع ِ‬
‫َنصِيرًا (‪)17‬‬

‫{ ُقلْ لَنْ يَ ْن َف َعكُمُ ا ْلفِرَارُ إِنْ فَرَرْ ُتمْ مِنَ ا ْل َم ْوتِ َأوِ ا ْلقَ ْتلِ وَإِذًا ل ُتمَ ّتعُونَ إِل قَلِيل (‪ُ )16‬قلْ مَنْ ذَا الّذِي‬
‫جدُونَ َل ُهمْ مِنْ دُونِ اللّ ِه وَلِيّا وَل‬
‫حمَ ًة وَل يَ ِ‬
‫صمُكُمْ مِنَ اللّهِ إِنْ أَرَادَ ِب ُكمْ سُوءًا َأوْ أَرَادَ ِبكُمْ َر ْ‬
‫َي ْع ِ‬
‫َنصِيرًا (‪.} )17‬‬
‫عوْ َرةٌ َومَا ِهيَ ِب َعوْ َرةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِل فِرَارًا } ‪:‬‬
‫يخبر تعالى عن هؤلء الذين { َيقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا َ‬
‫أنهم لو‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/389‬‬

‫شحّةً عَلَ ْي ُكمْ‬


‫خوَا ِنهِمْ هَلُمّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلّا قَلِيلًا (‪ )18‬أَ ِ‬
‫قَدْ َيعَْلمُ اللّهُ ا ْل ُمعَ ّوقِينَ مِ ْنكُ ْم وَا ْلقَائِلِينَ لِإِ ْ‬
‫خ ْوفُ رَأَيْ َت ُهمْ يَنْظُرُونَ إِلَ ْيكَ َتدُورُ أَعْيُ ُنهُمْ كَالّذِي ُي ْغشَى عَلَ ْيهِ مِنَ ا ْل َم ْوتِ فَِإذَا َذ َهبَ‬
‫فَإِذَا جَاءَ ا ْل َ‬
‫عمَاَلهُمْ َوكَانَ ذَِلكَ عَلَى‬
‫حدَادٍ َأشِحّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَ ِئكَ َلمْ ُي ْؤمِنُوا فََأحْبَطَ اللّهُ أَ ْ‬
‫خ ْوفُ سََلقُوكُمْ بِأَلْسِ َنةٍ ِ‬
‫الْ َ‬
‫اللّهِ َيسِيرًا (‪)19‬‬

‫دَخل عليهم العداء من كل جانب من جوانب المدينة ‪ ،‬وقُطر من أقطارها ‪ ،‬ثم سئلوا الفتنة ‪،‬‬
‫وهي الدخول في الكفر ‪ ،‬لكفروا سريعًا ‪ ،‬وهم ل يحافظون على اليمان ‪ ،‬ول يستمسكون به مع‬
‫أدنى خوف وفزع‪.‬‬
‫هكذا فسرها قتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وهذا ذم لهم في غاية الذم‪.‬‬
‫ثم قال تعالى يذكرهم بما كانوا عاهدوا ال من قبل هذا الخوف ‪ ،‬أل يولوا الدبار ول يفروا (‪)1‬‬
‫ع ْهدُ اللّهِ مَسْئُول } أي ‪ :‬وإن ال تعالى سيسألهم عن ذلك العهد ‪ ،‬ل بد من‬
‫من الزحف ‪َ { ،‬وكَانَ َ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ثم أخبرهم أن فرَارهم ذلك ل يؤخر آجالهم ‪ ،‬ول يطول أعمارهم ‪ ،‬بل ربما كان ذلك سببًا في‬
‫تعجيل أخذهم غرّة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَإِذًا ل ُتمَ ّتعُونَ إِل قَلِيل } أي ‪ :‬بعد هَرَبكم وفراركم ‪ُ { ،‬قلْ‬
‫ل وَالخِ َرةُ خَيْرٌ ِلمَنِ ا ّتقَى } [النساء ‪.] 77 :‬‬
‫مَتَاعُ الدّنْيَا قَلِي ٌ‬
‫صمُكُمْ مِنَ اللّهِ } أي ‪ :‬يمنعكم ‪ { ،‬إِنْ أَرَادَ ِبكُمْ سُوءًا َأوْ أَرَادَ ِب ُكمْ‬
‫ثم قال ‪ُ { :‬قلْ مَنْ ذَا الّذِي َي ْع ِ‬
‫جدُونَ َلهُمْ مِنْ دُونِ اللّ ِه وَلِيّا وَل َنصِيرًا } أي ‪ :‬ليس لهم ول لغيرهم من دون ال‬
‫حمَةً وَل يَ ِ‬
‫رَ ْ‬
‫مجير ول مغيث (‪.)2‬‬
‫شحّةً‬
‫خوَا ِنهِمْ هَلُمّ إِلَيْنَا وَل يَأْتُونَ الْبَ ْأسَ إِل قَلِيل (‪ )18‬أَ ِ‬
‫{ َقدْ َيعْلَمُ اللّهُ ا ْل ُم َع ّوقِينَ مِ ْنكُ ْم وَا ْلقَائِلِينَ ل ْ‬
‫خ ْوفُ رَأَيْ َتهُمْ يَ ْنظُرُونَ إِلَ ْيكَ تَدُورُ أَعْيُ ُنهُمْ كَالّذِي ُيغْشَى عَلَيْهِ مِنَ ا ْل َموْتِ فَإِذَا ذَ َهبَ‬
‫عَلَ ْيكُمْ فَِإذَا جَاءَ الْ َ‬
‫عمَاَلهُمْ َوكَانَ ذَِلكَ عَلَى‬
‫حدَادٍ َأشِحّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَ ِئكَ َلمْ ُي ْؤمِنُوا فََأحْبَطَ اللّهُ أَ ْ‬
‫خ ْوفُ سََلقُوكُمْ بِأَلْسِ َنةٍ ِ‬
‫الْ َ‬
‫اللّهِ َيسِيرًا (‪.} )19‬‬
‫يخبر تعالى عن إحاطة علمه بالمعوقين لغيرهم عن شهود الحرب ‪ ،‬والقائلين لخوانهم ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫أصحابهم (‪ )3‬وعُشَرائه ِم وخلطائهم { هَُلمّ إِلَيْنَا } أي ‪ :‬إلى ما نحن فيه من القامة في الظلل‬
‫والثمار ‪ ،‬وهم مع ذلك { ل يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِل قَلِيل‪ .‬أشحةً عليكم } أي ‪ :‬بخلء بالمودة ‪ ،‬والشفقة‬
‫عليكم‪.‬‬
‫شحّةً عَلَ ْيكُمْ } أي ‪ :‬في الغنائم‪.‬‬
‫وقال السّدي ‪ { :‬أَ ِ‬
‫خوْفُ رَأَيْ َتهُمْ يَ ْنظُرُونَ إِلَ ْيكَ تَدُورُ أَعْيُ ُن ُهمْ كَالّذِي ُيغْشَى عَلَيْهِ مِنَ ا ْل َموْتِ } أي ‪ :‬من‬
‫{ فَِإذَا جَاءَ ا ْل َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خ ْوفُ سََلقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ‬
‫شدة خوفه وجزعه ‪ ،‬وهكذا خوف هؤلء الجبناء من القتال { فَِإذَا َذ َهبَ الْ َ‬
‫حدَادٍ } أي ‪ :‬فإذا كان المن ‪ ،‬تكلموا كلمًا بليغًا فصيحًا عاليًا ‪ ،‬وادعوا لنفسهم المقامات العالية‬
‫ِ‬
‫في الشجاعة والنجدة ‪ ،‬وهم يكذبون في ذلك‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ { :‬سََلقُوكُمْ (‪ } )4‬أي ‪ :‬استقبلوكم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أل يولون ول يفرون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬من دون ال وليًا مجيرًا مغيثًا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أي لصحابهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬سلقوكم بألسنة"‪.‬‬

‫( ‪)6/390‬‬

‫حسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَ ْأتِ الَْأحْزَابُ َيوَدّوا َلوْ أَ ّنهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ‬
‫يَ ْ‬
‫س َوةٌ حَسَ َنةٌ ِلمَنْ كَانَ‬
‫أَنْبَا ِئكُ ْم وََلوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلّا قَلِيلًا (‪َ )20‬لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ ُأ ْ‬
‫يَرْجُو اللّ َه وَالْ َيوْمَ الَْآخِ َر وَ َذكَرَ اللّهَ كَثِيرًا (‪ )21‬وََلمّا رَأَى ا ْل ُم ْؤمِنُونَ الَْأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا‬
‫اللّ ُه وَرَسُوُل ُه َوصَدَقَ اللّ ُه وَرَسُولُ ُه َومَا زَا َدهُمْ إِلّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (‪)22‬‬

‫وقال قتادة ‪ :‬أما عند الغنيمة فأشح قوم ‪ ،‬وأسوأه مقاسمة ‪ :‬أعطونا ‪ ،‬أعطونا ‪ ،‬قد (‪ )1‬شهدنا‬
‫معكم‪ .‬وأما عند البأس فأجبن قوم ‪ ،‬وأخذله للحق‪.‬‬
‫ج َمعُوا الجبن والكذب وقلة الخير ‪ ،‬فهم‬
‫وهم مع ذلك أشحة على الخير ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس فيهم خير ‪ ،‬قد َ‬
‫(‪ )2‬كما قال في أمثالهم الشاعر (‪: )3‬‬
‫جفَاءً وغلظَةً‪ ...‬وَفي الحَربْ أمْثَالَ النّسَاء ال َعوَاركِ‪...‬‬
‫أفي السّلم أعْيَارًا (‪َ )4‬‬
‫أي ‪ :‬في حال المسالمة كأنهم الحمير‪ .‬والعيار ‪ :‬جمع عير ‪ ،‬وهو الحمار ‪ ،‬وفي الحرب كأنهم‬
‫عمَاَلهُ ْم َوكَانَ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ‬
‫النساء الحُيّض ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬أُولَ ِئكَ لَمْ ُي ْؤمِنُوا فَأَحْ َبطَ اللّهُ أَ ْ‬
‫يَسِيرًا } أي ‪ :‬سهل هينا عنده‪.‬‬
‫{ َيحْسَبُونَ الحْزَابَ َلمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَ ْأتِ الحْزَابُ َيوَدّوا َلوْ أَ ّنهُمْ بَادُونَ فِي العْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ‬
‫أَنْبَا ِئكُ ْم وََلوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِل قَلِيل (‪.} )20‬‬
‫حسَبُونَ الحْزَابَ لَمْ َيذْهَبُوا } بل‬
‫وهذا أيضا من صفاتهم القبيحة في الجبن والخوف والخور ‪ { ،‬يَ ْ‬
‫هم قريب منهم ‪ ،‬وإن لهم عودة إليهم { وَإِنْ يَ ْأتِ الحْزَابُ َيوَدّوا َلوْ أَ ّنهُمْ بَادُونَ فِي العْرَابِ‬
‫يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَا ِئكُمْ } أي ‪ :‬و َيوَدّون إذا جاءت الحزاب أنهم ل يكونون (‪ )5‬حاضرين معكم في‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المدينة بل في البادية ‪ ،‬يسألون عن أخباركم ‪ ،‬وما كان من أمركم مع عدوكم ‪ { ،‬وََلوْ كَانُوا فِيكُمْ‬
‫مَا قَاتَلُوا إِل قَلِيل } أي ‪ :‬ولو كانوا بين أظهركم ‪ ،‬لما قاتلوا معكم إل قليل ؛ لكثرة جبنهم وذلتهم‬
‫وضعف يقينهم‪.‬‬
‫س َوةٌ حَسَ َنةٌ ِلمَنْ كَانَ يَرْجُو اللّ َه وَالْ َيوْمَ الخِ َر وَ َذكَرَ اللّهَ كَثِيرًا (‪)21‬‬
‫{ َلقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ ُأ ْ‬
‫وََلمّا َرأَى ا ْل ُم ْؤمِنُونَ الحْزَابَ قَالُوا َهذَا مَا وَعَدَنَا اللّ ُه وَرَسُولُ ُه َوصَدَقَ اللّ ُه وَرَسُولُهُ َومَا زَادَهُمْ إِل‬
‫إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (‪.} )22‬‬
‫هذه الية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول ال صلى ال عليه وسلم في أقواله وأفعاله‬
‫وأحواله ؛ ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي (‪ )6‬صلى ال عليه وسلم يوم الحزاب ‪ ،‬في صبره‬
‫ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه‬
‫دائما إلى يوم الدين ؛ ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم‬
‫س َوةٌ حَسَ َنةٌ } أي ‪ :‬هل اقتديتم به وتأسيتم بشمائله ؟‬
‫الحزاب ‪َ { :‬لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ ُأ ْ‬
‫ولهذا قال ‪ِ { :‬لمَنْ كَانَ يَ ْرجُو اللّهَ وَالْ َيوْمَ الخِ َر وَ َذكَرَ اللّهَ كَثِيرًا }‪.‬‬
‫جعْله العاقبةَ حاصلةً لهم‬
‫ثم قال تعالى مخبرًا عن عباده المؤمنين المصدقين بموعود ال لهم ‪ ،‬و َ‬
‫في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فقد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فيهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيت لهند بنت عتبة ‪ ،‬وهو في السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/656‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أعيار"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ل يكونوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬برسول ال"‪.‬‬

‫( ‪)6/391‬‬

‫عدَنَا اللّ ُه وَرَسُوُل ُه َوصَدَقَ‬


‫الدنيا والخرة ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وََلمّا رَأَى ا ْل ُم ْؤمِنُونَ الحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَ َ‬
‫اللّ ُه وَرَسُوُلهُ }‪.‬‬
‫قال ابن عباس وقتادة ‪ :‬يعنون قوله تعالى في "سورة البقرة" { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَ ْدخُلُوا الْجَنّ َة وََلمّا‬
‫يَأْ ِتكُمْ مَ َثلُ الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَبِْلكُمْ َمسّ ْتهُمُ الْبَ ْأسَا ُء وَالضّرّا ُء وَزُلْزِلُوا حَتّى َيقُولَ الرّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا‬
‫َمعَهُ مَتَى َنصْرُ اللّهِ أَل إِنّ َنصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } [البقرة ‪.]214 :‬‬
‫أي هذا ما وعدنا ال ورسوله من البتلء والختبار والمتحان الذي يعقبه النصر القريب ؛ ولهذا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال ‪َ { :‬وصَدَقَ اللّ ُه وَرَسُولُهُ }‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا زَا َدهُمْ إِل إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا } ‪ :‬دليل على زيادة اليمان وقوته بالنسبة إلى الناس (‪)1‬‬
‫وأحوالهم ‪ ،‬كما قاله جمهور الئمة ‪ :‬إنه (‪ )2‬يزيد وينقص‪ .‬وقد قررنا ذلك في أول "شرح‬
‫البخاري" ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫ومعنى قوله ‪َ { :‬ومَا زَادَهُمْ } أي ‪ :‬ذلك الحال والضيق والشدة [ما زادهم] (‪ { )3‬إِل إِيمَانًا } بال ‪،‬‬
‫{ وَتَسْلِيمًا } أي ‪ :‬انقيادا لوامره ‪ ،‬وطاعة لرسوله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬بالنسبة إلى إيمان الناس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أن اليمان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)6/392‬‬

‫ل صَ َدقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ َفمِ ْنهُمْ مَنْ َقضَى َنحْبَ ُه َومِ ْنهُمْ مَنْ يَنْ َتظِ ُر َومَا َبدّلُوا‬
‫مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ِرجَا ٌ‬
‫تَبْدِيلًا (‪ )23‬لِ َيجْ ِزيَ اللّهُ الصّا ِدقِينَ ِبصِ ْد ِقهِمْ وَ ُيعَ ّذبَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ إِنْ شَاءَ َأوْ يَتُوبَ عَلَ ْي ِهمْ إِنّ اللّهَ كَانَ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا (‪)24‬‬
‫َ‬

‫ل صَ َدقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ َفمِ ْنهُمْ مَنْ َقضَى نَحْ َب ُه َومِ ْنهُمْ مَنْ يَنْتَظِ ُر َومَا‬
‫{ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ رِجَا ٌ‬
‫بَدّلُوا تَ ْبدِيل (‪ )23‬لِيَجْ ِزيَ اللّهُ الصّا ِدقِينَ ِبصِ ْد ِقهِ ْم وَ ُيعَ ّذبَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ إِنْ شَاءَ َأوْ يَتُوبَ عَلَ ْيهِمْ إِنّ اللّهَ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا (‪} )24‬‬
‫كَانَ َ‬
‫لمّا ذكر عن المنافقين أنهم نقضوا العهد الذي كانوا عاهدوا ال عليه ل يولون الدبار ‪ ،‬وصف‬
‫المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق و { صَ َدقُوا مَا عَا َهدُوا اللّهَ عَلَ ْيهِ َفمِ ْنهُمْ مَنْ َقضَى َنحْبَهُ‬
‫} ‪ ،‬قال بعضهم ‪ :‬أجله‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬عهده‪ .‬وهو يرجع إلى الول‪.‬‬
‫{ َومِ ْنهُمْ مَنْ يَنْ َتظِ ُر َومَا بَدّلُوا تَبْدِيل } أي ‪ :‬وما غيروا عهد ال ‪ ،‬ول نقضوه ول بدلوه‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬أخبرنا شعيب ‪ ،‬عن الزهري قال ‪ :‬أخبرني خارجة بن زيد بن‬
‫ثابت ‪ ،‬عن أبيه (‪ )1‬قال ‪ :‬لما نسخنا الصّحُف (‪َ ، )2‬فقَ ْدتُ آيةً من "سورة الحزاب" كنت أسمع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقرؤها ‪ ،‬لم أجدها مع أحد إل مع خزيمة بن ثابت النصاري ‪-‬‬
‫الذي جعل رسول ال صلى ال عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين ‪ { : -‬مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ِرجَالٌ‬
‫صَ َدقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ }‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬روى البخاري عن زيد بن ثابت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المصحف"‪.‬‬

‫( ‪)6/392‬‬

‫‪.‬‬
‫انفرد به البخاري دون مسلم‪ .‬وأخرجه أحمد في مسنده ‪ ،‬والترمذي والنسائي ‪ -‬في التفسير من‬
‫سننيهما ‪ -‬من حديث الزهري ‪ ،‬به (‪ .)1‬وقال الترمذي ‪" :‬حسن صحيح"‪.‬‬
‫وقال (‪ )2‬البخاري أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد ال النصاري ‪ ،‬حدثني‬
‫أبي ‪ ،‬عن ُثمَامَة ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬نرى هذه الية نزلت في أنس بن النضر ‪ { :‬مِنَ‬
‫ل صَ َدقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ } (‪.)3‬‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ِرجَا ٌ‬
‫انفرد به البخاري من هذا الوجه ‪ ،‬ولكن له شواهد من طرق أخر‪ .‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا هاشم بن القاسم ‪ ،‬حدثنا سليمان بن المغيرة ‪ ،‬عن ثابت (‪ )4‬قال ‪ :‬قال أنس ‪ :‬عمي أنس بن‬
‫النضر سُميت به ‪ ،‬لم يشهد مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم بدر ‪ ،‬فشق عليه وقال ‪ :‬أول‬
‫مشهد شهده رسول ال صلى ال عليه وسلم غُيّ ْبتُ (‪ )5‬عنه ‪ ،‬لئن أراني ال مشهدا فيما بعد مع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم لَيَرَيَنَ ال ما أصنع‪ .‬قال ‪ :‬فهاب أن يقول غيرها ‪ ،‬فشهد مع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم [يوم] (‪ )6‬أحد ‪ ،‬فاستقبل سعدَ بن معاذ فقال له أنس (‪ )7‬يا أبا‬
‫عمرو ‪ ،‬أبِنْ‪ .‬واهًا لريح الجنة أجده دون أحد ‪ ،‬قال ‪ :‬فقاتلهم حتى قُتل قال ‪َ :‬فوُجد في جسده‬
‫بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية ‪ ،‬فقالت أخته ‪ -‬عمتي الرّبَيّع ابنة النضر (‪ : - )8‬فما‬
‫عرفتُ أخي إل ببنانه‪ .‬قال ‪ :‬فنزلت هذه الية ‪ِ { :‬رجَالٌ صَ َدقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ َفمِ ْنهُمْ مَنْ‬
‫َقضَى َنحْبَ ُه َومِ ْنهُمْ مَنْ يَنْ َتظِ ُر َومَا َبدّلُوا تَبْدِيل }‪ .‬قال ‪ :‬فكانوا يُرَون أنها نزلت فيه ‪ ،‬وفي‬
‫أصحابه‪.‬‬
‫ورواه مسلم والترمذي والنسائي ‪ ،‬من حديث سليمان بن المغيرة ‪ ،‬به (‪ .)9‬ورواه النسائي أيضا‬
‫وابن جرير ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬به نحوه (‪.)10‬‬
‫وقال (‪ )11‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سنان ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬حدثنا حميد ‪ ،‬عن أنس‬
‫أن عمه ‪ -‬يعني ‪ :‬أنس بن النضر ‪ -‬غاب عن قتال بَدر ‪ ،‬فقال ‪ :‬غُيّبتُ عن أول قتال قاتله‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم المشركين ‪ ،‬لئن ال أشهدني قتال للمشركين ‪ ،‬لَيَرَيَنّ ال ما أصنع‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلء ‪ -‬يعني‬
‫‪ :‬أصحابه ‪ -‬وأبرأ إليك مما جاء هؤلء ‪ -‬يعني ‪ :‬المشركين ‪ -‬ثم تقدم فلقيه سعد ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معاذ ‪ -‬دون أحد ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا معك‪ .‬قال سعد ‪ :‬فلم أستطع أن أصنع ما صنع‪ .‬قال ‪ :‬فوجد فيه‬
‫بضع وثمانون ضربة سيف ‪ ،‬وطَعنةَ رمح ‪ ،‬ورمية سهم‪ .‬وكانوا (‪ )12‬يقولون ‪ :‬فيه وفي‬
‫أصحابه [نزلت] (‪َ { : )13‬فمِ ْنهُمْ مَنْ َقضَى َنحْبَ ُه َومِ ْنهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )4784‬والمسند (‪ )5/188‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3104‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم (‪.)11401‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4783‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬روى المام أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬غبت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬أنس بن النضر‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬عمة الربيع بنت النضر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )4/193‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1903‬وسنن الترمذي رقم (‪.)3200‬‬
‫(‪ )10‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )11404‬وتفسير الطبري (‪.)21/93‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وطعنة برمح ورمية بسهم فكانوا"‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)6/393‬‬

‫وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد ‪ ،‬والنسائي فيه أيضا ‪ ،‬عن إسحاق بن إبراهيم ‪،‬‬
‫كلهما ‪ ،‬عن يزيد بن هارون ‪ ،‬به ‪ )1( ،‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‪ .‬وقد رواه البخاري في‬
‫المغازي ‪ ،‬عن حسان بن حسان ‪ ،‬عن محمد بن طلحة بن ُمصَرّف ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬به (‬
‫‪ ، )2‬ولم يذكر نزول الية‪ .‬ورواه بن جرير ‪ ،‬من حديث المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن‬
‫أنس ‪ ،‬به (‪.)3‬سب‬
‫وقال (‪ )4‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن الفضل العسقلني ‪ ،‬حدثنا سليمان بن أيوب بن سليمان‬
‫بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد ال ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬عن جدي ‪ ،‬عن موسى بن طلحة ‪،‬‬
‫عن أبيه طلحة قال ‪ :‬لما أن رجع النبي صلى ال عليه وسلم من أحد ‪ ،‬صعد المنبر ‪ ،‬فحمد ال‬
‫وأثنى عليه ‪ ،‬وعَزّى المسلمين بما أصابهم ‪ ،‬وأخبرهم بما لهم فيه من الجر والذخر ‪ ،‬ثم قرأ هذه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل صَ َدقُوا مَا عَا َهدُوا اللّهَ عَلَ ْيهِ } (‪ .)5‬فقام إليه رجل من المسلمين فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫الية ‪ { :‬رِجَا ٌ‬
‫حضْرَميّان فقال ‪" :‬أيها السائل ‪ ،‬هذا منهم"‪.‬‬
‫ال ‪ ،‬مَنْ هؤلء ؟ فأقبلت وَعََليّ ثوبان أخضران َ‬
‫وكذا رواه ابن جرير من حديث سليمان بن أيوب الطّلْحي ‪ ،‬به (‪ .)6‬وأخرجه الترمذي في التفسير‬
‫والمناقب أيضا ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬من حديث يونس بن ُبكَيْر ‪ ،‬عن طلحة بن يحيى ‪ ،‬عن موسى‬
‫وعيسى ابني طلحة ‪ ،‬عن أبيهما ‪ ،‬به (‪ .)7‬وقال ‪ :‬حسن غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث يونس‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أحمد بن عصام النصاري ‪ ،‬حدثنا أبو عامر ‪ -‬يعني ‪ :‬العقدي ‪ -‬حدثني‬
‫إسحاق ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن طلحة بن عبيد ال ‪ -‬عن موسى بن طلحة قال ‪[ :‬دخلت على معاوية ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬فلما خرجت ‪ ،‬دعاني فقال ‪ :‬أل أضع عندك يا بن أخي حديثا سمعته من رسول‬
‫سمِعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬طلحة ممن قضى‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ؟ أشهد لَ َ‬
‫نحبه" (‪.)8‬‬
‫حمّاني ‪ ،‬عن إسحاق بن يحيى بن‬
‫ورواه (‪ )9‬ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا عبد الحميد ال ِ‬
‫طلحة الطّلْحي ‪ ،‬عن موسى بن طلحة قال] (‪ : )10‬قام معاوية بن أبي سفيان فقال ‪ :‬إني سمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬طلحة ممن قضى نحبه" (‪.)11‬‬
‫ولهذا قال مجاهد في قوله ‪َ { :‬فمِ ْنهُمْ مَنْ َقضَى نَحْ َبهُ } قال ‪ :‬عهده ‪َ { ،‬ومِ ْنهُمْ مَنْ يَنْ َتظِرُ } قال ‪:‬‬
‫يوما‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪ )3201‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11403‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4048‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)21/93‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬بعدها في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪( :‬فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل)‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)21/94‬‬
‫(‪ )7‬سنن الترمذي برقم (‪.)3203‬‬
‫(‪ )8‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3202‬من طريق عمرو بن عاصم ‪ ،‬عن إسحاق بن يحيى‬
‫بن طلحة ‪ ،‬به‪ .‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ‪ ،‬وإنما روي عن‬
‫موسى بن طلحة عن أبيه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )11‬تفسير الطبري (‪.)21/93‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/394‬‬

‫ظهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا َوكَفَى اللّهُ ا ْل ُمؤْمِنِينَ ا ْلقِتَالَ َوكَانَ اللّهُ َقوِيّا عَزِيزًا (‪)25‬‬
‫وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ َكفَرُوا ِبغَيْ ِ‬

‫وقال الحسن ‪َ { :‬فمِ ْنهُمْ مَنْ َقضَى نَحْبَهُ } يعني ‪ :‬موته على الصدق والوفاء‪َ { .‬ومِ ْنهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ }‬
‫الموت على مثل ذلك ‪ ،‬ومنهم مَنْ لم يبدل (‪ )1‬تبديل‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ { :‬نَحْ َبهُ } نذره‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا بَدّلُوا تَ ْبدِيل } أي ‪ :‬وما غيّروا عهدهم ‪ ،‬وبدّلوا الوفاء بالغدر ‪ ،‬بل استمروا على ما‬
‫عوْ َرةٌ َومَا ِهيَ ِب َعوْ َرةٍ إِنْ‬
‫عاهدوا ال عليه ‪ ،‬وما نقضوه كفعل المنافقين الذين قالوا ‪ { :‬إِنّ بُيُوتَنَا َ‬
‫يُرِيدُونَ إِل فِرَارًا } ‪ { ،‬وََلقَدْ كَانُوا عَا َهدُوا اللّهَ مِنْ قَ ْبلُ ل ُيوَلّونَ الدْبَارَ } (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ َيجْ ِزيَ اللّهُ الصّا ِدقِينَ ِبصِ ْد ِقهِ ْم وَ ُيعَ ّذبَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ إِنْ شَاءَ َأوْ يَتُوبَ عَلَ ْي ِهمْ } أي ‪ :‬إنما‬
‫يختبر عباده بالخوف والزلزال ليميز (‪ )3‬الخبيث من الطيب ‪ ،‬فيظهر أمر هذا بالفعل ‪ ،‬وأمر هذا‬
‫بالفعل ‪ ،‬مع أنه تعالى يعلم الشيء قبل كونه ‪ ،‬ولكن ل يعذب الخلق بعلمه فيهم ‪ ،‬حتى يعملوا بما‬
‫ن وَنَبُْلوَ (‬
‫يعلمه فيهم (‪ ، )4‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَلَنَبُْلوَ ّنكُمْ حَتّى َنعْلَمَ (‪ )5‬ا ْلمُجَاهِدِينَ مِ ْنكُ ْم وَالصّابِرِي َ‬
‫‪َ )6‬أخْبَا َركُمْ } [محمد ‪ ، ]31 :‬فهذا علم بالشيء بعد (‪ )7‬كونه ‪ ،‬وإن كان العلم (‪ )8‬السابق حاصل‬
‫به قبل وجوده‪ .‬وكذا قال تعالى ‪ { :‬مَا كَانَ اللّهُ لِ َيذَرَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنْ ُتمْ عَلَيْهِ حَتّى َيمِيزَ ا ْلخَبِيثَ‬
‫ب َومَا كَانَ اللّهُ لِيُطِْل َعكُمْ عَلَى ا ْلغَ ْيبِ } [آل عمران ‪ .]179 :‬ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬لِ َيجْ ِزيَ‬
‫مِنَ الطّ ّي ِ‬
‫اللّهُ الصّا ِدقِينَ ِبصِ ْد ِقهِمْ } أي ‪ :‬بصبرهم على ما عاهدوا ال عليه ‪ ،‬وقيامهم به ‪ ،‬ومحافظتهم عليه‪.‬‬
‫{ وَ ُيعَ ّذبَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ } ‪ :‬وهم الناقضون لعهد ال ‪ ،‬المخالفون لوامره ‪ ،‬فاستحقوا بذلك عقابه‬
‫وعذابه ‪ ،‬ولكن هم تحت مشيئته في الدنيا ‪ ،‬إن شاء استمر بهم على ما فعلوا حتى يلقوه به‬
‫فيعذبهم عليه ‪ ،‬وإن شاء تاب عليهم بأن أرشدهم إلى النزوع عن النفاق إلى اليمان ‪ ،‬وعمل (‪)9‬‬
‫الصالح بعد الفسوق والعصيان‪ .‬ولما كانت رحمته ورأفته بخلقه هي الغالبة لغضبه قال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا }‪.‬‬
‫كَانَ َ‬
‫ل َوكَانَ اللّهُ َقوِيّا عَزِيزًا (‬
‫ظهِمْ َلمْ يَنَالُوا خَيْرًا َو َكفَى اللّهُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ا ْلقِتَا َ‬
‫{ وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ َكفَرُوا ِبغَ ْي ِ‬
‫‪.} )25‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن الحزاب لما أجلهم عن المدينة ‪ ،‬بما أرسل عليهم من الريح والجنود‬
‫اللهية ‪ ،‬ولول أن جعل ال رسوله رحمة للعالمين ‪ ،‬لكانت هذه الريح عليهم أشد من الريح العقيم‬
‫على عاد ‪ ،‬ولكن قال ال تعالى ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُيعَذّ َبهُ ْم وَأَ ْنتَ فِيهِمْ [ َومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َبهُ ْم وَ ُهمْ‬
‫يَسْ َت ْغفِرُونَ ] } (‪[ )10‬النفال ‪ ، ]33 :‬فسلط عليهم هواء فرق شملهم ‪ ،‬كما كان سبب اجتماعهم‬
‫من ال َهوَى ‪ ،‬وهم أخلط من قبائل شتى ‪ ،‬أحزاب وآراء ‪ ،‬فناسب أن يرسل عليهم الهواء الذي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فرق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬من بدل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وقد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فيميز"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬بما علمه منهم" وفي ف ‪" :‬بما يعلمه منهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬يعلم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬يبلو"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬قبل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬العالم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬والعمل"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/395‬‬

‫جماعتهم ‪ ،‬وردهم خائبين خاسرين بغيظهم وحَنَقهم ‪ ،‬لم ينالوا خيرًا ل في الدنيا ‪ ،‬مما كان في‬
‫أنفسهم من الظفر والمغنم ‪ ،‬ول في الخرة بما تحملوه (‪ )1‬من الثام في مبارزة الرسول ‪،‬‬
‫صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬بالعداوة ‪ ،‬وهمهم بقتله ‪ ،‬واستئصال جيشه ‪ ،‬ومَنْ هَمّ بشيء وصَدق‬
‫َهمّه بفعله ‪ ،‬فهو في الحقيقة كفاعله‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬و َكفَى اللّهُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ا ْلقِتَالَ } أي ‪ :‬لم يحتاجوا (‪ )2‬إلى منازلتهم ومبارزتهم حتى يجلوهم‬
‫عن بلدهم ‪ ،‬بل كفى ال وحده ‪ ،‬ونصر عبده ‪ ،‬وأعزّ جنده ؛ ولهذا قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم (‪ )3‬ل إله إل ال وحده ‪ ،‬صدق وعده ‪ ،‬ونصر عبده ‪ ،‬وأعزّ جنده ‪ ،‬وهزم الحزاب‬
‫وحده ‪ ،‬فل شيء بعده"‪ .‬أخرجاه من حديث أبي هريرة (‪.)4‬‬
‫وفي الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي أوْفى قال ‪ :‬دعا رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم على الحزاب فقال ‪" :‬اللهم منزل الكتاب ‪ ،‬سريع الحساب ‪ ،‬اهزم‬
‫الحزاب‪ .‬اللهم ‪ ،‬اهزمهم وزلزلهم" (‪ .)5‬وفي قوله ‪َ { :‬وكَفَى اللّهُ ا ْل ُمؤْمِنِينَ ا ْلقِتَالَ } ‪ :‬إشارة إلى‬
‫وضع الحرب بينهم وبين قريش ‪ ،‬وهكذا وقع بعدها ‪ ،‬لم يغزهم المشركون ‪ ،‬بل غزاهم المسلمون‬
‫في بلدهم‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬لما (‪ )6‬انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فيما بلغنا ‪" :‬لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ‪ ،‬ولكنكم تغزونهم" فلم تغز (‪ )7‬قريش بعد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ذلك ‪ ،‬وكان هو يغزوهم بعد ذلك ‪ ،‬حتى فتح ال عليه مكة‪.‬‬
‫وهذا الحديث الذي ذكره محمد بن إسحاق (‪ )8‬حديث صحيح ‪ ،‬كما قال (‪ )9‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا‬
‫يحيى ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬حدثني أبو إسحاق قال ‪ :‬سمعت سليمان بن صُرَد يقول ‪ )10( :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يوم الحزاب ‪" :‬الن نغزوهم ول يغزونا"‪.‬‬
‫وهكذا رواه البخاري في صحيحه ‪ ،‬من حديث الثوري وإسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬به (‪.)11‬‬
‫وقوله تعالى ‪َ { :‬وكَانَ اللّهُ َقوِيّا عَزِيزًا } أي ‪ :‬بحوله وقوته ‪ ،‬ردهم خائبين ‪ ،‬لم ينالوا خيرًا ‪،‬‬
‫وأعز ال السلم وأهله وصدق وعده ‪ ،‬ونصر رسوله وعبده ‪ ،‬فله الحمد والمنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬مما عملوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬لم تحتاجوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ولهذا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )4114‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2724‬باختلف في اللفظ‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )2933‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1742‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬فلما"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬تعد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وهذا الذي ذكره ابن إسحاق"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬رواه"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪ )4/262‬وصحيح البخاري برقم (‪.)4109‬‬

‫( ‪)6/396‬‬

‫عبَ فَرِيقًا َتقْتُلُونَ‬


‫ن صَيَاصِيهِ ْم َوقَ َذفَ فِي قُلُو ِبهِمُ الرّ ْ‬
‫وَأَنْ َزلَ الّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ َأ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مِ ْ‬
‫علَى ُكلّ‬
‫ضهُ ْم وَدِيَا َرهُ ْم وََأ ْموَاَلهُ ْم وَأَ ْرضًا لَمْ َتطَئُوهَا َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (‪ )26‬وََأوْرَ َثكُمْ أَ ْر َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرًا (‪)27‬‬
‫َ‬

‫عبَ فَرِيقًا َتقْتُلُونَ‬


‫ن صَيَاصِيهِ ْم َوقَ َذفَ فِي قُلُو ِبهِمُ الرّ ْ‬
‫{ وَأَنزلَ الّذِينَ ظَاهَرُو ُهمْ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مِ ْ‬
‫علَى ُكلّ‬
‫ضهُ ْم وَدِيَا َرهُ ْم وََأ ْموَاَلهُ ْم وَأَ ْرضًا لَمْ َتطَئُوهَا َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (‪ )26‬وََأوْرَ َثكُمْ أَ ْر َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرًا (‪.} )27‬‬
‫َ‬
‫قد تقدم أن بني قريظة لما قدمت جنود الحزاب ‪ ،‬ونزلوا على المدينة ‪ ،‬نقضوا ما كان بينهم وبين‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم من العهد ‪ ،‬وكان ذلك بسفارة حُ َييّ بن أخطب ال ّنضَري ‪ -‬لعنه ال‬
‫‪ -‬دخل حصنهم ‪ ،‬ولم يزل بسيدهم كعب بن أسد حتى نقض العهد ‪ ،‬وقال له فيما قال ‪ :‬ويحك ‪،‬‬
‫قد جئتك بعز الدهر ‪ ،‬أتيتك بقريش وأحابيشها ‪ ،‬وغطفان وأتباعها ‪ ،‬ول يزالون هاهنا حتى‬
‫يستأصلوا محمدا وأصحابه‪ .‬فقال له كعب ‪ :‬بل وال أتيتني ب ُذلّ الدهر‪ .‬ويحك يا حيي ‪ ،‬إنك‬
‫مشؤوم ‪ ،‬فدعنا (‪ )1‬منك‪ .‬فلم يزل يفتل في الذّروة والغَارب حتى أجابه ‪ ،‬واشترط له حُيي (‪)2‬‬
‫إن ذهب الحزاب ‪ ،‬ولم يكن من أمرهم شيء ‪ ،‬أن يدخل معهم في الحصن ‪ ،‬فيكون له (‪)3‬‬
‫أسوتهم‪ .‬فلما َنقَضت قريظةُ ‪ ،‬وبلغ ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ساءه ‪ ،‬وَشَقّ عليه‬
‫وعلى المسلمين جدّا ‪ ،‬فلما أيد ال و َنصَر ‪ ،‬وكبت العداء وردّهم خائبين بأخسر صفقة ‪ ،‬ورجع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى المدينة مؤيدا منصورا ‪ ،‬ووضع الناس السلح‪ .‬فبينما رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يغتسل (‪ )4‬من وعثاء تلك المرابطة في بيت أم سلمة إذ تبدى له جبريل‬
‫معتجرا بعمامة من إستبرق ‪ ،‬على بغلة عليها قطيفة [من] (‪ )5‬ديباج ‪ ،‬فقال ‪ :‬أوضَعت السلح يا‬
‫رسول ال ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬لكن الملئكة لم تضع أسلحتها ‪ ،‬وهذا الن رجوعي من طلب‬
‫القوم‪ .‬ثم قال ‪ :‬إن ال يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة‪ .‬وفي رواية فقال له ‪ :‬عذيرَك من‬
‫مقاتل ‪ ،‬أوضعتم السلح ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬لكنا لم نضع أسلحتنا بعد ‪ ،‬انهض إلى هؤلء‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"أين ؟"‪ .‬قال ‪ :‬بني قريظة ‪ ،‬فإن ال أمرني أن أزلزل عليهم‪ .‬فنهض رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم من فوره ‪ ،‬وأمر الناس بالمسير إلى بني قريظة ‪ ،‬وكانت على أميال من المدينة ‪ ،‬وذلك بعد‬
‫صلة الظهر ‪ ،‬وقال ‪" :‬ل يصلين أحد منكم العصر إل في بني قريظة"‪ .‬فسار الناس ‪ ،‬فأدركتهم‬
‫الصلة في الطريق ‪ ،‬فصلى بعضهم في الطريق وقالوا ‪ :‬لم يرد منا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم إل تعجيل السير ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬ل نصليها إل في بني قريظة‪ .‬فلم ُيعَنّف واحدا من‬
‫الفريقين‪ .‬وتبعهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد استخلف على المدينة ابن أم مكتوم ‪،‬‬
‫وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب‪ .‬ثم نازلهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وحاصرهم خمسا‬
‫وعشرين ليلة ‪ ،‬فلما طال عليهم الحال ‪ ،‬نزلوا على حكم سعد بن معاذ ‪ -‬سيد الوس ‪ -‬لنهم‬
‫كانوا حلفاءهم في الجاهلية ‪ ،‬واعتقدوا أنه يحسن إليهم في ذلك ‪ ،‬كما فعل عبد ال بن أبي بن‬
‫سلول في مواليه بني قينقاع ‪ ،‬حين استطلقهم من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فظن هؤلء أن‬
‫سعدا سيفعل فيهم كما فعل ابن أبي في أولئك ‪ ،‬ولم يعلموا أن سعدا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬كان قد‬
‫أصابه سهم في أكحَله أيام الخندق ‪ ،‬فكواه رسول ال صلى ال عليه وسلم في أكحله ‪ ،‬وأنزله في‬
‫قبة في المسجد ليعوده من قريب‪ .‬وقال سعد فيما دعا به ‪ :‬اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش‬
‫شيئا فأبقني لها‪ .‬وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها ول تمتني حتى تُقرّ عيني من بني‬
‫قريظة‪ .‬فاستجاب ال دعاءه ‪ ،‬وقَدّر عليهم أن نزلوا على حكمه باختيارهم طلبا من تلقاء أنفسهم ‪،‬‬
‫فعند ذلك استدعاه رسول ال صلى ال عليه وسلم من المدينة ليحكم فيهم ‪ ،‬فلما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬دعنا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬حتى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يغسل رأسه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/397‬‬

‫أقبل وهو راكب [على حمار] (‪ )1‬قد وطّؤوا له عليه ‪ ،‬جعل الوس يلوذون به ويقولون ‪ :‬يا‬
‫سعد ‪ ،‬إنهم مواليك ‪ ،‬فأحسن فيهم‪ .‬ويرققونه عليهم ويعطفونه ‪ ،‬وهو ساكت ل يرد عليهم‪ .‬فلما‬
‫أكثروا عليه قال ‪ :‬لقد آن لسعد أل تأخذه في ال لومة لئم‪ .‬فعرفوا أنه غير مستبقيهم ‪ ،‬فلما دنا‬
‫من الخيمة التي فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قوموا‬
‫إلى سيدكم"‪ .‬فقام إليه المسلمون ‪ ،‬فأنزلوه إعظاما وإكراما واحتراما له في محل وليته ‪ ،‬ليكون‬
‫أنفذ لحكمه فيهم‪ .‬فلما جلس قال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن هؤلء ‪ -‬وأشار إليهم ‪-‬‬
‫قد نزلوا على حكمك ‪ ،‬فاحكم فيهم بما شئت"‪ .‬قال ‪ :‬وحكمي نافذ عليهم ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫وعلى مَنْ في هذه الخيمة ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬وعلى مَنْ هاهنا‪ - .‬وأشار إلى الجانب الذي فيه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وهو معرض بوجهه عن رسول ال صلى ال عليه وسلم إجلل‬
‫(‪ )2‬وإكرامًا وإعظامًا ‪ -‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬نعم"‪ .‬فقال ‪ :‬إني أحكم أن تقتل‬
‫ُمقَاتلتهم ‪ ،‬وتُسبْى ذريتهم وأموالهم‪ .‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لقد حكمت بحكم ال‬
‫من فوق سبعة أرقعة" (‪ .)3‬وفي رواية ‪" :‬لقد حكمتَ بحكم المَلك"‪ .‬ثم أمر رسول ال صلى ال‬
‫خدّت في الرض ‪ ،‬وجيء بهم مكتفين ‪ ،‬فضرب أعناقهم ‪ ،‬وكانوا ما بين‬
‫عليه وسلم بالخاديد فَ ُ‬
‫السبعمائة إلى الثمانمائة ‪ ،‬وسبى مَنْ لم يُنبت منهم مع النساء وأموالهم (‪ ، )4‬وهذا كله مقرر‬
‫مفصل بأدلته وأحاديثه وبسطه في كتاب السيرة ‪ ،‬الذي أفردناه موجزا ومقتصّا (‪ .)5‬ول الحمد‬
‫والمنة‪.‬‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬وَأَنزلَ الّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ } أي ‪ :‬عاونوا الحزاب وساعدوهم على حرب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم { مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ } يعني ‪ :‬بني قريظة من اليهود ‪ ،‬من بعض‬
‫ط َمعًا في اتباع النبي المي الذي يجدونه‬
‫أسباط بني إسرائيل ‪ ،‬كان قد نزل آباؤهم الحجاز قديما ‪َ ،‬‬
‫مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل ‪ { ،‬فََلمّا جَا َءهُمْ مَا عَ َرفُوا َكفَرُوا بِه } [البقرة ‪ ، ]89 :‬فعليهم‬
‫لعنة ال‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫ن صَيَاصِيهِم } يعني ‪ :‬حصونهم‪ .‬كذا قال مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬مِ ْ‬
‫والسّدّي ‪ ،‬وغيرهم (‪ )6‬ومنه سميت صياصي البقر ‪ ،‬وهي قرونها ؛ لنها أعلى شيء فيها‪.‬‬
‫عبَ } ‪ :‬وهو الخوف ؛ لنهم كانوا مالؤوا المشركين على حرب رسول ال‬
‫{ َوقَ َذفَ فِي قُلُو ِبهِمُ الرّ ْ‬
‫(‪ )7‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وليس مَنْ يعلم كمن ل يعلم ‪ ،‬فأخافوا المسلمين وراموا قتلهم ليَعزّوا (‬
‫‪ )8‬في الدنيا ‪ ،‬فانعكس‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والبداية والنهاية‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬إجلل له"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن إسحاق في السيرة كما في البداية والنهاية (‪ )4/123‬من طريق عاصم بن عمر ‪،‬‬
‫عن عبد الرحمن بن عمر ‪ ،‬عن علقمة بن وقاص قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فذكره ‪ ،‬وأظن في السند خطأ‪ .‬ورواه ابن سعد في الطبقات (‪ )3/426‬من طريق محمد بن صالح‬
‫التمار ‪ ،‬عن سعد بن إبراهيم ‪ ،‬عن عامر بن سعد ‪ ،‬عن أبيه سعد بن أبي وقاص مرفوعا بلفظ ‪:‬‬
‫"لقد حكمت فيهم بحكم ال من فوق سبع سموات" ‪ ،‬وأصله في صحيح البخاري من دون قوله ‪:‬‬
‫"فوق سبع سموات" برقم (‪ )3043‬من حديث أبي سعيد الخدري‪.‬‬
‫(‪ )4‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)2/239‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وبسيطا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬كذا قال مجاهد وغير واحد من السلف" وفي أ ‪" :‬كذا قال مجاهد وغيرهم من‬
‫السلف"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ليغزوهم"‪.‬‬

‫( ‪)6/398‬‬

‫عليهم الحال ‪ ،‬وانقلب الفال (‪ ، )1‬انشمر (‪ )2‬المشركون ففازوا بصفقة المغبون ‪ ،‬فكما راموا‬
‫العز ذلوا (‪ ، )3‬وأرادوا استئصال المسلمين فاستؤصلوا ‪ ،‬وأضيف إلى ذلك شقاوة الخرة ‪،‬‬
‫فصارت الجملة أن هذه هي الصفقة الخاسرة ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فَرِيقًا َتقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا }‬
‫(‪ ، )4‬فالذين قتلوا هم المقاتلة ‪ ،‬والسراء هم الصاغر والنساء‪.‬‬
‫قال (‪ )5‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا ُهشَيْم بن بشير ‪ ،‬أخبرنا عبد الملك بن عمير ‪ ،‬عن عطية القرظي‬
‫قال ‪ :‬عُرضتُ على النبي صلى ال عليه وسلم يوم قريظة فشكوا فيّ ‪ ،‬فأمر بي النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أن ينظروا ‪ :‬هل أنبت بعد ؟ فنظروا فلم يجدوني أنبت ‪ ،‬فخلى عني وألحقني بالسبي‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وكذا رواه أهل السنن كلهم من طرق ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬به (‪ .)6‬وقال الترمذي ‪" :‬حسن‬
‫صحيح"‪ .‬ورواه النسائي أيضا ‪ ،‬من حديث ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن‬
‫عطية ‪ ،‬بنحوه (‪.)7‬‬
‫ضهُ ْم وَدِيَا َرهُ ْم وََأ ْموَاَلهُمْ } أي ‪ :‬جعلها لكم من قتلكم (‪ )8‬لهم { وَأَ ْرضًا لَمْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وََأوْرَ َثكُمْ أَ ْر َ‬
‫تَطَؤوهَا } قيل ‪ :‬خيبر‪ .‬وقيل ‪ :‬مكة‪ .‬رواه مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم‪ .‬وقيل ‪ :‬فارس والروم‪ .‬وقال‬
‫ابن جرير ‪ :‬يجوز أن يكون الجميع مرادا‪.‬‬
‫شيْءٍ قَدِيرًا } ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬أخبرنا محمد بن عمرو ‪،‬‬
‫{ َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن جده علقمة بن وقاص قال ‪ :‬أخبرتني (‪ )9‬عائشة قالت ‪ :‬خرجت يوم الخندق أقفو‬
‫الناس ‪ ،‬فسمعت وئيد الرض ورائي ‪ ،‬فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس‬
‫يحمل مجَنّه ‪ ،‬قالت ‪ :‬فجلست إلى الرض ‪ ،‬فمر سعد وعليه دِرْع من حديد قد خرجت منه‬
‫أطرافه ‪ ،‬فأنا أتخوف على أطراف سعد ‪ ،‬قالت ‪ :‬وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم ‪ ،‬فمر وهو‬
‫يرتجز (‪ )10‬ويقول ‪:‬‬
‫جلْ‪...‬‬
‫ن الموتَ إذا حَانَ ال َ‬
‫ح َملْ‪ ...‬مَا أحْسَ َ‬
‫لَ ّبثْ قليل يَشْهدُ الهَيْجَا َ‬
‫قالت ‪ :‬فقمت فاقتحمت حديقة ‪ ،‬فإذا فيها نفر من المسلمين ‪ ،‬وإذا فيها عمر بن الخطاب ‪ ،‬وفيهم‬
‫رجل عليه تَسْبغَة (‪ )11‬له ‪ -‬تعني المغفر ‪ -‬فقال عمر ‪ :‬ما جاء بك ؟ لعمري وال إنك لجريئة (‬
‫حوّز‪ .‬قالت ‪ :‬فما زال يلومني حتى تمنيت أن الرض‬
‫‪ ، )12‬وما يؤمنُك أن يكون بلء أو يكون تَ َ‬
‫انشقت بي (‪)13‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وانقلب عليهم الفال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬اشمر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فلما راموا العز أذلوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يقتلون ويأسرون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )5/311‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4404‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1584‬وسنن النسائي‬
‫(‪ )8/92‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)2542‬‬
‫(‪ )7‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)8619‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬قبلكم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده عن"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬يرتجل"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬مشيقة" وفي ف ‪" :‬نشيقة"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬محدبة"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬لي"‪.‬‬

‫( ‪)6/399‬‬

‫ساعتئذ ‪ ،‬فدخلت فيها ‪ ،‬فرفع الرجل التسبغة (‪ )1‬عن وجهه ‪ ،‬فإذا هو طلحة بن عبيد ال فقال ‪:‬‬
‫حوّز أو الفرار إل إلى ال تعالى ؟ قالت ‪:‬‬
‫يا عمر ‪ ،‬ويحك ‪ ،‬إنك قد أكثرت منذ اليوم ‪ ،‬وأين التَ َ‬
‫ويرمي سعدًا رجل من قريش ‪ ،‬يقال له ابن العَرقة بسهم (‪ ، )2‬وقال له ‪ :‬خذها وأنا ابن العَرقة‬
‫فأصابَ أ ْكحَلَه فقطعه ‪ ،‬فدعا ال سعد فقال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬ل تمتني حتى تُقر عيني من قريظة‪ .‬قالت ‪:‬‬
‫وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية ‪ ،‬قالت ‪ :‬فرقأ كَ ْلمُه ‪ ،‬وبعث ال الريح على المشركين ‪ ،‬وكفى‬
‫ال المؤمنين القتال ‪ ،‬وكان ال قويّا عزيزًا‪ .‬فلحق أبو سفيان ومَنْ معه بتهامة ‪ ،‬ولحق عيينة بن‬
‫بدر ومَنْ معه بنجد ‪ ،‬ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم ‪ ،‬ورجع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إلى المدينة وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد ‪ ،‬قالت ‪ :‬فجاءه جبريل ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬وإن على ثناياه لنقع الغبار ‪ ،‬فقال ‪ :‬أو قد وضعت السلح ؟ ل وال ما وضعت‬
‫الملئكة بعد السلح ‪ ،‬اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم‪ .‬قالت ‪ :‬فلبس رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫لمته ‪ ،‬وأذّن في الناس بالرحيل أن يخرجوا ‪[ ،‬فخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم] (‪ )3‬فمر‬
‫على بني غَنْم (‪ )4‬وهم جيران المسجد حوله فقال ‪ :‬ومَنْ مر بكم ؟ قالوا ‪ :‬مر بنا دحية الكلبي ‪-‬‬
‫وكان دحية الكلبي تشبه لحيته ‪ ،‬وسنه ووجهه جبريل ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬فأتاهم رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ‪ ،‬فلما اشتد حصارهم واشتد البلء قيل لهم ‪:‬‬
‫انزلوا على حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر ‪ ،‬فأشار إليهم‬
‫أنه الذبح‪ .‬قالوا ‪ :‬ننزل على حكم سعد بن معاذ [فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬انزلوا‬
‫على حكم سعد بن معاذ"‪ .‬فنزلوا وبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى سعد بن معاذ] (‪)5‬‬
‫حفّ به قومه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا أبا عمرو ‪،‬‬
‫حمِل عليه ‪ ،‬و َ‬
‫فأتي به على حمار عليه إكاف من ليف قد ُ‬
‫حلفاؤك ومواليك وأهل النّكاية ‪ ،‬ومَنْ قد علمت ‪ ،‬قالت ‪ :‬ول يَرْجعُ إليهم شيئا ‪ ،‬ول يلتفت إليهم ‪،‬‬
‫حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال ‪ :‬قد آن لي أل أبالي في ال لومة لئم‪ .‬قال (‪: )6‬‬
‫قال أبو سعيد (‪ : )7‬فلما طلع قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قوموا إلى سيدكم فأنزلوه"‪.‬‬
‫فقال عمر ‪ :‬سيدنا ال‪ .‬قال ‪" :‬أنزلوه"‪ .‬فأنزلوه ‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬احكم‬
‫فيهم"‪ .‬قال سعد ‪ :‬فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم ‪ ،‬وتسبى ذراريهم ‪ ،‬وتقسم أموالهم ‪ ،‬فقال‬
‫رسول ال ‪" :‬لقد حكمت فيهم بحكم ال وحكم رسوله"‪ .‬ثم دعا سعد فقال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إن كنت أبقيتَ‬
‫على نبيك من حرب قريش شيئًا ‪ ،‬فأبقني لها‪ .‬وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم ‪ ،‬فاقبضني‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إليك‪ .‬قال ‪ :‬فانفجر كَ ْلمُه ‪ ،‬وكان قد برئ منه إل مثل الخُرْص ‪ ،‬ورجع إلى قبته التي ضرب عليه‬
‫رسول ال‪.‬‬
‫حضَره رسولُ ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر ‪ ،‬وعمر قالت ‪ :‬فوالذي نفس‬
‫قالت عائشة ‪َ :‬ف َ‬
‫محمد بيده ‪ ،‬إني لعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر ‪ ،‬وأنا في حجرتي‪ .‬وكانوا كما قال ال‬
‫حمَاءُ بَيْ َنهُم }‪.‬‬
‫تعالى ‪ُ { :‬ر َ‬
‫قال علقمة ‪ :‬فقلت ‪ :‬أيْ أمّه ‪ ،‬فكيف كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصنع ؟ قالت ‪ :‬كانت‬
‫عينه ل تدمع على أحد ‪ ،‬ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬النشيقة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬بسهم له"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تميم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قالت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬أبو سعد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)6/141‬‬

‫( ‪)6/400‬‬

‫حكُنّ سَرَاحًا‬
‫ن وَأُسَرّ ْ‬
‫جكَ إِنْ كُنْتُنّ تُ ِردْنَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَ َتهَا فَ َتعَالَيْنَ ُأمَ ّت ْعكُ ّ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ لِأَ ْزوَا ِ‬
‫جمِيلًا (‪ )28‬وَإِنْ كُنْتُنّ تُ ِردْنَ اللّهَ وَرَسُولَ ُه وَالدّارَ الَْآخِ َرةَ فَإِنّ اللّهَ أَعَدّ لِ ْلمُحْسِنَاتِ مِ ْنكُنّ َأجْرًا عَظِيمًا‬
‫َ‬
‫(‪)29‬‬

‫وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد ال بن نمير ‪ ،‬عن هشام بن عُ ْروَة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫عائشة نحوًا من هذا ‪ ،‬ولكنه (‪ )1‬أخصر منه ‪ ،‬وفيه دُعاء سعد ‪ ،‬رضي ال عنه (‪.)2‬‬
‫حكُنّ سَرَاحًا‬
‫ن وَأُسَرّ ْ‬
‫جكَ إِنْ كُنْتُنّ تُ ِردْنَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَ َتهَا فَ َتعَالَيْنَ ُأمَ ّت ْعكُ ّ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ ل ْزوَا ِ‬
‫عدّ لِ ْل ُمحْسِنَاتِ مِ ْنكُنّ أَجْرًا‬
‫جمِيل (‪ )28‬وَإِنْ كُنْتُنّ تُ ِردْنَ اللّهَ وَرَسُولَ ُه وَالدّارَ الخِ َرةَ فَإِنّ اللّهَ أَ َ‬
‫َ‬
‫عَظِيمًا (‪.} )29‬‬
‫هذا أمر من ال لرسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ ، )3‬بأن يخَيّر نساءه بين أن يفارقهن ‪،‬‬
‫فيذهبن إلى غيره ممن يَحصُل لهن عنده الحياةُ الدنيا وزينتها ‪ ،‬وبين الصبر على ما عنده من‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضيق الحال ‪ ،‬ولهن عند ال في ذلك الثواب الجزيل ‪ ،‬فاخترن ‪ ،‬رضي ال عنهن وأرضاهن ‪ ،‬ال‬
‫ورسوله والدار الخرة ‪ ،‬فجمع ال لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الخرة‪.‬‬
‫قال (‪ )4‬البخاري ‪ :‬حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬أخبرنا شعيب ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬قال ‪ :‬أخبرني أبو سلمة بن‬
‫عبد الرحمن ‪ ،‬أن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬زوج النبي صلى ال عليه وسلم أخبرته ‪ :‬أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم جاءها حين أمره ال أن يخير أزواجه ‪ ،‬فبدأ بي رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فقال ‪" :‬إني ذاكر لك أمرا ‪ ،‬فل عليك أن ل تستعجلي حتى تستأمري أبويك" ‪ ،‬وقد عَلمَ‬
‫أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه‪ .‬قالت ‪ :‬ثم قال ‪" :‬وإن ال قال ‪ { :‬يا أيها النبي قل لزواجك }‬
‫إلى تمام اليتين ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬ففي أي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد ال ورسوله والدار الخرة (‬
‫‪.)5‬‬
‫وكذا رواه معلقا عن الليث ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬فذكره‬
‫وزاد ‪ :‬قالت ‪ :‬ثم فعل أزواج النبي صلى ال عليه وسلم مثل ما فعلت (‪.)6‬‬
‫وقد حكى البخاري أن َم ْعمَرًا اضطرب ‪ ،‬فتارة (‪ )7‬رواه عن الزهري ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬وتارة‬
‫رواه عن الزهري ‪ ،‬عن عُ ْروَة ‪ ،‬عن عائشة (‪.)8‬‬
‫عوَانة ‪ ،‬عن عمر بن أبي سلمة ‪ ،‬عن‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أحمد بن عبَدة الضّبّي ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫أبيه قال ‪ :‬قالت عائشة ‪ :‬لما نزل الخيار قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إني أريد أن‬
‫أذكر لك أمرا ‪ ،‬فل تقضي فيه شيئا حتى تستأمري أبويك"‪ .‬قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬وما هو يا رسول ال ؟‬
‫قال ‪ :‬فردّه عليها‪ .‬فقالت ‪ :‬فما هو يا رسول ال ؟ قالت ‪ :‬فقرأ عليها ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ‬
‫جكَ إِنْ كُنْتُنّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَ َتهَا } إلى آخر الية‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬بل نختار ال‬
‫لزْوَا ِ‬
‫ورسوله والدار الخرة‪ .‬قالت ‪ :‬ففرح بذلك النبي صلى ال عليه وسلم (‪)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ولكن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4117‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1769‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)4785‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)4786‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬فيه قتادة و"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري (‪" )8/520‬فتح"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)21/100‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/401‬‬

‫‪.‬‬
‫وحدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا محمد بن بشر ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن عائشة ‪،‬‬
‫رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬لما نزلت آية التخيير ‪ ،‬بدأ بي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"يا عائشة ‪ ،‬إني عارض عليك أمرًا ‪ ،‬فل تُفتياني فيه [بشيء] (‪ )1‬حتى تعرضيه على أبويك أبي‬
‫بكر وأم رومان"‪ .‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وما هو ؟ قال ‪" :‬قال ال عز وجل ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ‬
‫جمِيل‪ .‬وَإِنْ كُنْتُنّ‬
‫حكُنّ سَرَاحًا َ‬
‫جكَ إِنْ كُنْتُنّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَ َتهَا فَ َتعَالَيْنَ ُأمَ ّت ْعكُنّ وَأُسَرّ ْ‬
‫لزْوَا ِ‬
‫تُرِدْنَ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وَالدّارَ الخِ َرةَ فَإِنّ اللّهَ أَعَدّ لِ ْلمُحْسِنَاتِ مِ ْنكُنّ َأجْرًا عَظِيمًا }‪.‬قالت ‪ :‬فإني أريد‬
‫ال ورسوله والدار الخرة ‪ ،‬ول أؤامر في ذلك أبويّ أبا بكر وأم رومان ‪ ،‬فضحك رسول ال‬
‫حجَر فقال ‪" :‬إن عائشة قالت كذا وكذا"‪ .‬فقلن ‪ :‬ونحن نقول‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم استقرأ ال ُ‬
‫مثل ما قالت عائشة ‪ ،‬رضي ال عنهن كلهن (‪.)2‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبي سعيد الشَجّ ‪ ،‬عن أبي أسامة ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬به‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وحدثنا سعيد بن يحيى الموي ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن (‪ )3‬محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن أبي بكر ‪ ،‬عن عَمرة ‪ ،‬عن عائشة ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما نزل إلى‬
‫نسائه أمر أن يخيرهن ‪ ،‬فدخل عَليّ فقال ‪" :‬سأذكر لك أمرا فل تعجلي حتى تستشيري أباك"‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬وما هو يا نبي ال ؟ قال ‪" :‬إني أمرت أن أخيركن" ‪ ،‬وتل عليها آية التخيير ‪ ،‬إلى آخر‬
‫اليتين‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬وما الذي تقول ل تعجلي حتى تستشيري أباك ؟ فإني اختار ال ورسوله ‪،‬‬
‫فَسُرّ بذلك ‪ ،‬وعَرَض على نسائه فتتابعن كُلّهن ‪ ،‬فاخترنَ ال ورسوله (‪.)4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا يزيد بن سنان البصري ‪ ،‬حدثنا أبو صالح عبد ال بن صالح ‪ ،‬حدثني‬
‫عقَيل ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬أخبرنَي عُبيد ال بن عبد ال بن أبي ثَور ‪ ،‬عن ابن‬
‫الليث ‪ ،‬حدثني ُ‬
‫عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قالت عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ :‬أنزلت آية التخيير فبدأ بي َأ ّولَ‬
‫امرأة من نسائه ‪ ،‬فقال ‪" :‬إني ذاكر لك أمرا ‪ ،‬فل (‪ )5‬عليك أل تعجلي حتى تستأمري أبويك"‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬قد عَلِم (‪ )6‬أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه‪ .‬قالت ‪ :‬ثم قال ‪" :‬إن ال قال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا‬
‫جكَ } اليتين‪ .‬قالت عائشة ‪ :‬فقلت ‪ :‬أفي هذا أستأمر أبويّ ؟ فإني أريد ال ورسوله‬
‫النّ ِبيّ ُقلْ ل ْزوَا ِ‬
‫والدار الخرة‪ .‬ثم خير نساءه كلهن ‪ ،‬فقلن مثل ما قالت عائشة ‪ ،‬رضي ال عنهن‪.‬‬
‫وأخرجه البخاري ومسلم جميعا ‪ ،‬عن قتيبة ‪ ،‬عن الليث ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة‬
‫مثله (‪.)7‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن مسلم بن صَبِِيح ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن‬
‫عائشة قالت ‪ :‬خيرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فاخترناه ‪ ،‬فلم يعدها علينا شيئا‪ .‬أخرجاه من‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حديث العمش (‪)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)21/101‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬أنبأنا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)21/101‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬أعلم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬كذا ولم أجده بهذا السند فيهما ‪ ،‬ول ذكره المزي في تحفة الشراف ولعلي أتداركه فيما بعد‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )6/45‬وصحيح البخاري برقم (‪ )5262‬وصحيح مسلم رقم (‪.)1477‬‬

‫( ‪)6/402‬‬

‫‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ‪ ،‬حدثنا زكريا بن إسحاق ‪ ،‬عن أبي‬
‫الزبير ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬أقبل أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬يستأذن على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم والناس ببابه جلوس ‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم جالس ‪ :‬فلم يؤذن له‪ .‬ثم أقبل عمر‬
‫فاستأذن فلم يؤذن له‪ .‬ثم أذن لبي بكر وعمر فدخل والنبي صلى ال عليه وسلم جالس وحوله‬
‫نساؤه ‪ ،‬وهو ساكت ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬لكلمن النبي صلى ال عليه وسلم لعله يضحك ‪ ،‬فقال عمر ‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬لو رأيت ابنة زيد ‪ -‬امرأة عمر ‪ -‬سألتني النفقة آنفا ‪ ،‬فوجأت عنقها‪ .‬فضحك‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم حتى بدا ناجذه (‪ )1‬وقال ‪" :‬هن حولي يسألنني النفقة"‪ .‬فقام أبو بكر ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬إلى عائشة ليضربها ‪ ،‬وقام عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬إلى حفصة ‪ ،‬كلهما يقولن‬
‫‪ :‬تسألن النبي صلى ال عليه وسلم ما ليس عنده‪ .‬فنهاهما رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلن‬
‫نساؤه ‪ :‬وال ل نسأل رسول ال بعد هذا المجلس ما ليس عنده‪ .‬قال ‪ :‬وأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫الخيار ‪ ،‬فبدأ بعائشة فقال ‪" :‬إني أذكر لك أمرًا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك"‪.‬‬
‫جكَ } الية ‪ ،‬قالت عائشة ‪ ،‬رضي‬
‫قالت ‪ :‬وما هو ؟ قال ‪ :‬فتل عليها ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ ل ْزوَا ِ‬
‫ال عنها ‪ :‬أفيك أستأمر أبوي ؟ بل أختار ال ورسوله ‪ ،‬وأسألك أل تذكر لمرأة من نسائك ما‬
‫اخترت‪ .‬فقال ‪" :‬إن ال تعالى لم يبعثني معنفًا ‪ ،‬ولكن بعثني معلمًا ميسرًا (‪ ، )2‬ل تسألني امرأة‬
‫منهن عما اخترتِ إل أخبرتُها"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري ‪ ،‬فرواه هو والنسائي ‪ ،‬من حديث زكريا بن إسحاق المكي ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫به (‪.)3‬‬
‫وقال عبد ال بن المام أحمد ‪ :‬حدثنا سُرَيْج بن يونس ‪ ،‬حدثنا علي بن هاشم بن البريد ‪ ،‬عن‬
‫محمد بن عبيد [ال بن علي] (‪ )4‬بن أبي رافع ‪ ،‬عن عثمان بن علي بن الحسين ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خَيّر نساءه الدنيا والخرة ‪ ،‬ولم‬
‫يخيرهن الطلق (‪.)5‬‬
‫وهذا منقطع ‪ ،‬وقد رُوي عن الحسن وقتادة وغيرهما نحو ذلك‪ .‬وهو خلف الظاهر من الية ‪،‬‬
‫جمِيل } أي ‪ :‬أعطيكن حقوقكن وأطلق سراحكن‪.‬‬
‫حكُنّ سَرَاحًا َ‬
‫فإنه قال ‪ { :‬فَ َتعَالَيْنَ ُأمَ ّت ْعكُنّ وَأُسَرّ ْ‬
‫وقد اختلف العلماء في جواز تزويج غيره لهن لو طلقهن ‪ ،‬على قولين ‪ ،‬وأصحهما نعم لو وقع ‪،‬‬
‫ليحصل المقصود من السراح ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال عكرمة ‪ :‬وكان تحته يومئذ تسع نسوة ‪ ،‬خمس من قريش ‪ :‬عائشة ‪ ،‬وحفصة ‪ ،‬وأم حبيبة ‪،‬‬
‫وسودة ‪ ،‬وأم سلمة ‪ ،‬وكانت تحته صلى ال عليه وسلم صفية بنت حُ َييّ ال ّنضَريّة ‪ ،‬وميمونة بنت‬
‫الحارث الهللية ‪ ،‬وزينب بنت جحش السدية ‪ ،‬وجويرية بنت الحارث المصطلقية ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنهن وأرضاهن‪.‬‬
‫[ولم يتزوج واحدة منهن ‪ ،‬إل بعد أن توفيت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي‬
‫بن كلب ‪ ،‬تزوجها رسول ال صلى ال عليه وسلم بمكة ‪ ،‬وهو ابن خمس وعشرين سنة ‪،‬‬
‫وبقيت معه إلى أن أكرمه ال برسالته فآمنت به ونصرته ‪ ،‬وكانت له وزير صدق ‪ ،‬وماتت قبل‬
‫الهجرة بثلث سنين ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬في الصح ‪ ،‬ولها خصائص منها ‪ :‬أنه لم يتزوج عليها‬
‫غيرها ‪ ،‬ومنها أن أولده كلهم منها ‪ ،‬إل إبراهيم ‪ ،‬فإنه من سريته مارية ‪ ،‬ومنها أنها خير نساء‬
‫المة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬نواجذه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مبشرا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )3/328‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1478‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)9208‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬زوائد المسند (‪.)1/78‬‬

‫( ‪)6/403‬‬

‫واختلف في تفضيلها على عائشة على ثلثة أقوال ‪ ،‬ثالثها الوقف‪.‬‬


‫وسئل شيخنا أبو العباس بن تيمية عنهما فقال ‪ :‬اختصت كل واحدة منهما بخاصية ‪ ،‬فخديجة كان‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تأثيرها في أول السلم ‪ ،‬وكانت تُسلّي رسول ال صلى ال عليه وسلم وتثبته ‪ ،‬وتسكنه ‪ ،‬وتبذل‬
‫دونه مالها ‪ ،‬فأدركت غُرة السلم ‪ ،‬واحتملت الذى في ال وفي رسوله وكان نصرتها للرسول‬
‫في أعظم أوقات الحاجة ‪ ،‬فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها‪ .‬وعائشة تأثيرها في آخر‬
‫السلم ‪ ،‬فلها من التفقه في الدين وتبليغه إلى المة ‪ ،‬وانتفاع بنيها بما أدّت إليهم من العلم ‪ ،‬ما‬
‫ليس لغيرها‪ .‬هذا معنى كلمه ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫ومن خصائصها ‪ :‬أن ال ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬بعث إليها السلم مع جبريل ‪ ،‬فبلغها رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ذلك‪ .‬روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أتى جبريل‬
‫‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هذه خديجة ‪ ،‬قد أتت معها إناء‬
‫فيه إدام أو طعام أو شراب ‪ ،‬فإذا هي أتتك فأقرأها السلم من ربها ومني ‪ ،‬وبشرها ببيت في‬
‫صخَب فيه ول َنصَب (‪ )1‬وهذه ل َعمْر ال خاصة ‪ ،‬لم تكن لسواها‪ .‬وأما‬
‫الجنة ‪ ،‬من َقصَب ‪ ،‬ل َ‬
‫عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬فإن جبريل سلّم عليها على لسان النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فروى‬
‫البخاري بإسناده أن عائشة قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم يومًا ‪" :‬يا عائشة ‪ ،‬هذا‬
‫جبريل يقرئك السلم"‪ .‬فقلت ‪ :‬وعليه السلم ورحمة ال وبركاته ‪ ،‬ترى ما ل أرى ‪ ،‬تريد رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم (‪ .)2‬ومن خواص خديجة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ :‬أنه لم تسوءه قط ‪ ،‬ولم‬
‫تغاضبه ‪ ،‬ولم ينلها منه إيلءً ‪ ،‬ول عتب قط ‪ ،‬ول هجر ‪ ،‬وكفى بهذه منقبة وفضيلة‪.‬‬
‫ومن خواصها ‪ :‬أنها أول امرأة آمنت بال ورسوله من هذه المة‪.‬‬
‫فصل ‪:‬‬
‫فلمّا توفاها ال تزوج بعدها سودة بنت زمعة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬وهي سودة بنت زمعة بن قيس‬
‫بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن جبل بن عامر بن لؤي ‪ ،‬وكبرت عنده ‪ ،‬وأراد‬
‫طلقها فوهبت يومها لعائشة ‪ ،‬فأمسكها‪ .‬وهذا من خواصها ‪ :‬أنها آثرت بيومها حب النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم تقربًا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وحبا له ‪ ،‬وإيثارا لمقامها معه ‪ ،‬فكان‬
‫يقسم لعائشة يومها ويوم سودة ‪ ،‬ويقسم لنسائه ‪ ،‬ول يقسم لها وهي راضية بذلك مؤثرة ‪ ،‬لترضي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وتزوج الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬وهي بنت ست سنين قبل‬
‫الهجرة بسنتين ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بثلث ‪ ،‬وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الولى ‪ ،‬وهي بنت‬
‫تسع ‪ ،‬ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة ‪ ،‬وتوفيت بالمدينة ‪ ،‬ودفنت بالبقيع ‪ ،‬وأوصت أن يصلي‬
‫عليها أبو هريرة سنة ثمان وخمسين ‪ ،‬ومن خصائصها ‪ :‬أنها كانت أحب أزواج رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم إليه ‪ ،‬كما ثبت ذلك عنه في البخاري وغيره ‪ ،‬أنه سئل أي الناس أحب إليك ؟ قال‬
‫‪" :‬عائشة"‪ .‬قيل ‪ :‬فمن الرجال ؟ قال ‪" :‬أبوها" (‪.)3‬‬
‫ومن خصائصها أيضا ‪ :‬أنه لم يتزوج بكرا غيرها ‪ ،‬ومن خصائصها ‪ :‬أنه كان ينزل عليه الوحي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)3820‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)3768‬‬
‫(‪ )3‬لم أقف عليه في صحيح البخاري‪ .‬وهو في سنن الترمذي برقم (‪ )3879‬من حديث عمرو بن‬
‫العاص ‪ ،‬رضي ال عنه‬

‫( ‪)6/404‬‬

‫في لحافها دون غيرها‪.‬‬


‫ومن خصائصها ‪ :‬أن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬لما أنزل عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها ‪ ،‬فقال ‪" :‬ول‬
‫عليك أل تعجلي حتى تستأمري أبويك"‪ .‬فقالت ‪ :‬أفي هذا أستأمر أبويّ ‪ ،‬فإني أريد ال ورسوله‬
‫والدار الخرة‪ .‬فاستن بها بقية أزواجه صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقلن كما قالت‪.‬‬
‫ومن خصائصها ‪ :‬أن ال ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬برأها مما رماها به أهل الفك ‪ ،‬وأنزل في عذرها ‪،‬‬
‫وبراءتها ‪ ،‬وحيا يتلى في محاريب المسلمين ‪ ،‬وصلواتهم إلى يوم القيامة ‪ ،‬وشهد لها أنها من‬
‫الطيبات ‪ ،‬ووعدها المغفرة والرزق الكريم ‪ ،‬وأخبر سبحانه ‪ ،‬أن ما قيل فيها من الفك كان خيرًا‬
‫لها ‪ ،‬ولم يكن بذلك الذي قيل فيها شر لها ‪ ،‬ول عيب لها ‪ ،‬ول خافض من شأنها ‪ ،‬بل رفعها ال‬
‫بذلك ‪ ،‬وأعلى قدرها وعظم شأنها ‪ ،‬وأصار لها ذكرًا بالطيب والبراءة بين أهل الرض والسماء ‪،‬‬
‫فيا لها من منقبة ما أجلها‪ .‬وتأمل هذا التشريف والكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها‬
‫لنفسها ‪ ،‬حيث قالت ‪ :‬ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم ال فيّ بوحي يتلى ‪ ،‬ولكن كنت‬
‫أرجو أن يرى رسول ال صلى ال عليه وسلم رؤيا يبرئني ال بها ‪ ،‬فهذه صديقة المة ‪ ،‬وأم‬
‫المؤمنين ‪ ،‬وحب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهي تعلم أنها بريئة مظلومة ‪ ،‬وأن قاذفيها‬
‫ظالمون مفترون عليها ‪ ،‬قد بلغ أذاهم إلى أبويها ‪ ،‬وإلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهذا‬
‫كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لشأنها ‪ ،‬فما ظنك بمن قد صام يوما أو يومين ‪ ،‬أو شهرا أو‬
‫شهرين ‪ ،‬قد قام ليلة أو ليلتين ‪ ،‬فظهر عليه شيء من الحوال ‪ ،‬ولحظوا أنفسهم بعين استحقاق‬
‫الكرامات ‪ ،‬وأنهم ممن يتبرك بلقائهم ‪ ،‬ويُغتنم بصالح دعائهم ‪ ،‬وأنهم يجب على الناس احترامهم‬
‫وتعظيمهم وتعزيزهم وتوقيرهم ‪ ،‬فيتمسح بأثوابهم ‪ ،‬ويقبل ثرى أعتابهم ‪ ،‬وأنهم من ال بالمكانة‬
‫التي تنتقم لهم لجلها من تنقصهم في الحال ‪ ،‬وأن يؤخذ من أساء الدب عليهم من غير إمهال ‪،‬‬
‫وإن إساءة الدب عليهم ذنب ل يكفره شيء إل رضاهم‪.‬‬
‫ولو كان هذا من وراء كفاية لهان ‪ ،‬ولكن من وراء تخلف ‪ ،‬وهذه الحماقات والرعونات نتاج‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الجهل الصميم ‪ ،‬والعقل غير المستقيم ‪ ،‬فإن ذلك إنما يصدر من جاهل معجب بنفسه ‪ ،‬غافل عن‬
‫جرمه وعيوبه وذنوبه ‪ ،‬مغتر بإمهال ال له عن أخذه بما هو فيه من الكبر والزدراء على من‬
‫لعله عند ال خير منه‪ .‬نسأل ال العافية في الدنيا والخرة‪ .‬وينبغي للعبد أن يستعيذ بال أن يكون‬
‫عند نفسه عظيما ‪ ،‬وهو عند ال حقير ‪ ،‬ومن خصائص عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ :‬أن الكابر من‬
‫الصحابة ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬كان إذا أشكل المر عليهم من الدين ‪ ،‬استفتوها فيجدون علمه‬
‫عندها‪.‬‬
‫ومن خصائصها ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم توفي في بيتها‪ .‬ومن خصائصها ‪ :‬أن الملك‬
‫أرى صورتها للنبي صلى ال عليه وسلم قبل أن يتزوجها في خرقة حرير ‪ ،‬فقال النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن يكن هذا من عند ال يمضه" (‪ .)1‬ومن خصائصها ‪ :‬أن الناس كانوا يتحرون‬
‫هداياهم يومها من رسول ال صلى ال عليه وسلم تقربًا إلى الرسول صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه ‪ ،‬رضي ال عنهم أجمعين ‪ ،‬وتكنى أم عبد ال ‪،‬‬
‫وروي أنها أسقطت من النبي صلى ال عليه وسلم سقطًا ‪ ،‬ول يثبت ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )5078‬من حديث عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها‪.‬‬

‫( ‪)6/405‬‬

‫وتزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب ‪ ،‬وكانت قبله عند حبيش بن‬
‫حذافة ‪ ،‬وكان من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وممن شهد بدرا ‪ ،‬توفيت سنة سبع ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬ثمان وعشرين ‪ ،‬ومن خواصها ‪ :‬ما ذكره الحافظ أبو محمد المقدسي في مختصره في‬
‫السيرة ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم طلقها ‪ ،‬فأتاه جبريل فقال ‪ :‬إن ال يأمرك أن تراجع‬
‫حفصة ‪ ،‬فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة‪.‬‬
‫وقال الطبراني في المعجم الكبير ‪ :‬حدثنا أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى ‪ ،‬حدثنا جدي حرملة‬
‫‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬حدثنا عمرو بن صالح الحضرمي ‪ ،‬عن موسى بن علي بن رباح ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن عقبة بن عامر ‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم طلق حفصة ‪ ،‬فبلغ ذلك عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬فوضع التراب على رأسه ‪ ،‬وقال ‪ :‬ما يعبأ ال بابن الخطاب بعد هذا‪ .‬فنزل جبريل ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬على النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إن ال يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وتزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ‪ ،‬واسمها رملة بنت صخر بن‬
‫حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ‪ ،‬هاجرت مع زوجها عبد ال بن جحش إلى أرض‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الحبشة ‪ ،‬فتنصر بالحبشة ‪ ،‬وأتم ال لها السلم ‪ ،‬وتزوجها رسول ال صلى ال عليه وسلم وهي‬
‫بأرض الحبشة ‪ ،‬وأصدقها عند النجاشي أربعمائة دينار ‪ ،‬وبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عمرو بن أمية الضمري بها إلى أرض الحبشة ‪ ،‬وولى نكاحها عثمان بن عفان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬خالد بن‬
‫سعيد بن العاص ‪ ،‬وهي التي أكرمت فراش رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يجلس عليه أبوها‬
‫لما قدم أبو سفيان المدينة ‪ ،‬وقالت له ‪ :‬إنك مشرك ‪ ،‬ومنعته الجلوس عليه‪.‬‬
‫وتزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد ال‬
‫بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ‪ ،‬وكانت قبله عند أبي سلمة بن‬
‫عبد السد ‪ ،‬توفيت سنة اثنتين وستين ‪ ،‬ودفنت بالبقيع ‪ ،‬وهي آخر أزواج النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم موتًا ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بل ميمونة ‪ ،‬ومن خصائصها ‪ :‬أن جبريل دخل على النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وهي عنده فرأته في صورة دحية الكلبي‪ .‬ففي صحيح مسلم عن أبي عثمان قال ‪ :‬أنبئت‬
‫أن جبريل أتى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وعنده أم سلمة ‪ ،‬فقال ‪ :‬فجعل يتحدث ‪ ،‬ثم قام فقال‬
‫نبي ال صلى ال عليه وسلم لم سلمة ‪" :‬من هذا ؟" أو كما قال‪ .‬قالت ‪ :‬هذا دحية الكلبي‪ .‬قالت ‪:‬‬
‫وايم ال ‪ ،‬ما حسبته إل إياه ‪ ،‬حتى سمعت خطبة النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يخبر أنه جبريل ‪،‬‬
‫أو كما قال ‪ ،‬قال سليمان التيمي ‪ :‬فقلت لبي عثمان ‪ :‬ممن سمعت هذا الحديث ؟ قال ‪ :‬من أسامة‬
‫بن زيد (‪ )2‬وزوّجها ابنها ‪ -‬عمر ‪ -‬من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وردت طائفة ذلك بأن‬
‫ابنها لم يكن له من السن حينئذ ما يعقد التزويج ‪ ،‬ورد المام أحمد ذلك ‪ ،‬وأنكر على من قاله ‪،‬‬
‫ويدل على صحة قول أحمد ما رواه مسلم في صحيحه أن عمر بن أبي سلمة ‪ -‬ابنها ‪ -‬سأل‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم عن القبلة للصائم ؟ فقال ‪" :‬سل هذه" يعني ‪ :‬أم سلمة فأخبرته أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يفعله ‪ ،‬فقال ‪ :‬لسنا كرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يحل ال‬
‫لرسوله ما شاء‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إني أتقاكم ل وأعلمكم به" (‪ )3‬أو كما‬
‫قال‪ .‬ومثل هذا ل يقال لصغير جدا ‪ ،‬وعمر ولد بأرض الحبشة قبل الهجرة‪ .‬وقال البيهقي ‪ :‬وقول‬
‫من زعم أنه كان صغيرا ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير (‪ )17/291‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )4/334‬فيه عمرو بن صالح‬
‫الحضرمي ‪ ،‬ولم أعرفه ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)2451‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)1108‬‬

‫( ‪)6/406‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫دعوى ولم يثبت صغره بإسناد صحيح‪.‬‬
‫وتزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم زينب بنت جحش من بني خزيمة بن مدركة بن إلياس بن‬
‫مضر ‪ ،‬وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب ‪ ،‬وكانت قبل عند موله زيد بن حارثة ‪ ،‬فطلقها‬
‫فزوجه ال إياها من فوق سبع سموات ‪ ،‬وأنزل عليه ‪ { :‬فََلمّا َقضَى زَيْدٌ مِ ْنهَا َوطَرًا َزوّجْنَا َكهَا }‬
‫فقام فدخل عليها بل استئذان ‪ ،‬وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج النبي صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وتقول ‪ :‬زوّجكن أهاليكن وزوّجني ال من فوق سبع سمواته ‪ ،‬وهذا من خصائصها‪ .‬توفيت‬
‫بالمدينة سنة عشرين ‪ ،‬ودفنت بالبقيع‪.‬‬
‫وتزوج النبي صلى ال عليه وسلم زينب بنت خزيمة الهللية ‪ ،‬وكانت تحت عبد ال بن جحش ‪،‬‬
‫تزوجها سنة ثلث من الهجرة ‪ ،‬وكانت تسمى أم المساكين ‪ ،‬ولم تلبث عند رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إل يسيرا ‪ ،‬شهرين أو ثلثة ‪ ،‬وتوفيت ‪ ،‬رضي ال عنها‪.‬‬
‫وتزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم جويرية بنت الحارث من بني المصطلق ‪ ،‬وكانت سبيت‬
‫في غزوة بني المصطلق ‪ ،‬فوقعت في سهم ثابت بن قيس ‪ ،‬فكاتبها ‪ ،‬فقضى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم كتابتها ‪ ،‬وتزوجها سنة ست من الهجرة ‪ ،‬وتوفيت سنة ست وخمسين ‪ ،‬وهي التي‬
‫أعتق المسلمون بسببها مائة أهل بيت من الرقيق ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬أصهار رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وكان ذلك من بركتها على قومها‪.‬‬
‫وتزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم صفية بنت حيي ‪ ،‬من ولد هارون بن عمران أخي موسى‬
‫‪ ،‬سنة سبع ‪ ،‬فإنها سبيت من خيبر ‪ ،‬وكانت قبله تحت كنانة بن أبي الحقيق ‪ ،‬فقتله رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬توفيت سنة ست وثلثين ‪ ،‬وقيل ‪ :‬سنة خمسين‪ .‬ومن خصائصها ‪ :‬أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها‪ .‬قال أنس ‪ :‬أمهرها نفسها ‪ ،‬وصار‬
‫ذلك سنة للمة إلى يوم القيامة ‪ ،‬ويجوز للرجل أن يجعل عتق جاريته صداقها ‪ ،‬وتصير زوجته‬
‫على منصوص المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال‪ .‬قال الترمذي ‪ :‬حدثنا إسحاق بن منصور ‪ ،‬وعبد بن‬
‫حميد ‪ ،‬قال حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا معمر ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬بلغ صفية أن حفصة‬
‫قالت ‪ :‬صفية بنت يهودي ‪ ،‬فبكت ‪ ،‬فدخل عليها النبي صلى ال عليه وسلم وهي تبكي فقال ‪" :‬ما‬
‫يبكيك ؟" قالت ‪ :‬قالت لي حفصة ‪ :‬إني ابنة يهودي‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنك لبنة‬
‫نبي وإن عمك لنبي ‪ ،‬وإنك لتحت نبي ‪ ،‬فبما تفخر عليك ؟" ثم قال ‪" :‬اتق ال يا حفصة"‪ )1( .‬قال‬
‫الترمذى ‪ :‬هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه‪ .‬وهذا من خصائصها ‪ ،‬رضي ال عنها‪.‬‬
‫وتزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم ميمونة بنت الحارث الهللية ‪ ،‬تزوجها بسَرَف وهو على‬
‫تسعة أميال من مكة ‪ ،‬وهي آخر من تزوج من أمهات المؤمنين ‪ ،‬توفيت سنه ثلث وستين ‪،‬‬
‫وهي خالة خالد بن الوليد ‪ ،‬وخالة ابن عباس ‪ ،‬فإن أمه أم الفضل بنت الحارث وهي التي اختلف‬
‫في نكاح النبي صلى ال عليه وسلم لها‪ .‬هل نكحها حلل أو مُحرمًا ؟ والصحيح إنما تزوجها‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حلل كما قال أبو رافع الشفير في نكاحها‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو محمد المقدسي وغيره ‪ :‬وعقد على سبع ولم يدخل بهن ‪ ،‬فالصلة على أزواجه‬
‫تابعة لحترامهن وتحريمهن على المة ‪ ،‬وأنهن نساؤه صلى ال عليه وسلم في الدنيا والخرة ‪،‬‬
‫فمن فارقها في حياتها ولم يدخل ‪ ،‬ل يثبت لها أحكام زوجاته اللتي دخل بهن صلى ال عليه‬
‫وعلى أزواجه وآله وذريته وسلم تسليما]‪)2( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪ )3894‬وقال ‪" :‬هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)6/407‬‬

‫ض ْعفَيْنِ َوكَانَ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرًا‬


‫عفْ َلهَا ا ْلعَذَابُ ِ‬
‫حشَةٍ مُبَيّنَةٍ ُيضَا َ‬
‫يَا نِسَاءَ النّ ِبيّ مَنْ يَ ْأتِ مِ ْنكُنّ ِبفَا ِ‬
‫(‪)30‬‬

‫ض ْعفَيْنِ َوكَانَ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ‬


‫ب ِ‬
‫عفْ َلهَا ا ْلعَذَا ُ‬
‫شةٍ مُبَيّنَةٍ ُيضَا َ‬
‫{ يَا ِنسَاءَ النّ ِبيّ مَنْ يَ ْأتِ مِ ْنكُنّ ِبفَاحِ َ‬
‫يَسِيرًا (‪} )30‬‬

‫( ‪)6/408‬‬

‫ن وَأَعْتَدْنَا َلهَا رِ ْزقًا كَرِيمًا (‪ )31‬يَا‬


‫َومَنْ َيقْ ُنتْ مِ ْنكُنّ لِلّ ِه وَرَسُولِ ِه وَ َت ْع َملْ صَالِحًا ُنؤْ ِتهَا أَجْ َرهَا مَرّتَيْ ِ‬
‫طمَعَ الّذِي فِي قَلْ ِبهِ مَ َرضٌ َوقُلْنَ‬
‫ضعْنَ بِا ْل َق ْولِ فَ َي ْ‬
‫خ َ‬
‫حدٍ مِنَ النّسَاءِ إِنِ ا ّتقَيْتُنّ فَلَا َت ْ‬
‫نِسَاءَ النّ ِبيّ لَسْتُنّ كَأَ َ‬
‫ن وَلَا تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّةِ الْأُولَى وََأ ِقمْنَ الصّلَاةَ وَآَتِينَ ال ّزكَاةَ‬
‫َقوْلًا َمعْرُوفًا (‪َ )32‬وقَرْنَ فِي بُيُو ِتكُ ّ‬
‫طهِيرًا (‪)33‬‬
‫طهّ َركُمْ تَ ْ‬
‫طعْنَ اللّ َه وَرَسُولَهُ إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيذْ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ َأ ْهلَ الْبَ ْيتِ وَيُ َ‬
‫وَأَ ِ‬
‫ح ْكمَةِ إِنّ اللّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (‪)34‬‬
‫وَا ْذكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُو ِتكُنّ مِنْ آَيَاتِ اللّ ِه وَالْ ِ‬

‫ن وَأَعْ َتدْنَا َلهَا رِ ْزقًا كَرِيمًا (‪} )31‬‬


‫{ َومَنْ َيقْ ُنتْ مِ ْنكُنّ لِلّ ِه وَرَسُولِ ِه وَ َت ْع َملْ صَاِلحًا ُنؤْ ِتهَا َأجْرَهَا مَرّتَيْ ِ‬
‫يقول تعالى واعظًا نساء النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬اللتي اخترن ال ورسوله والدار الخرة ‪،‬‬
‫واستقر (‪ )1‬أمرهن تحت رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يخبرهن (‪ )2‬بحكمهن‬
‫[وتخصيصهن] (‪ )3‬دون سائر النساء ‪ ،‬بأن من يأت منهن بفاحشة مبينة ‪ -‬قال ابن عباس ‪ :‬وهي‬
‫النشوز وسوء الخلق‪ .‬وعلى كل تقدير فهو شرط ‪ ،‬والشرط ل يقتضي الوقوع كقوله تعالى ‪:‬‬
‫عمَُلكَ } [الزمر ‪ ، ]65 :‬وكقوله ‪:‬‬
‫ك وَإِلَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلكَ لَئِنْ أَشْ َر ْكتَ لَ َيحْبَطَنّ َ‬
‫حيَ إِلَ ْي َ‬
‫{ وََلقَدْ أُو ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَلَدٌ فَأَنَا َأ ّولُ‬
‫حمَ ِ‬
‫{ وََلوْ أَشْ َركُوا َلحَبِطَ عَ ْن ُهمْ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } [النعام ‪ُ { ، ]88 :‬قلْ إِنْ كَانَ لِلرّ ْ‬
‫طفَى ِممّا يَخُْلقُ مَا يَشَاءُ سُ ْبحَانَهُ ُهوَ‬
‫ا ْلعَابِدِينَ } [الزخرف ‪َ { ، ]81 :‬لوْ أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَتّخِذَ وَلَدًا لصْ َ‬
‫اللّهُ ا ْلوَاحِدُ ا ْلقَهّارُ } [الزمر ‪ ، ]4 :‬فلما كانت محلّتهن رفيعة ‪ ،‬ناسب أن يجعل الذنب لو وقع منهن‬
‫عفْ‬
‫مغلظا ‪ ،‬صيانة لجنابهن وحجابهن الرفيع ؛ ولهذا قال ‪ { :‬مَنْ يَ ْأتِ مِ ْنكُنّ ِبفَاحِشَةٍ مُبَيّ َنةٍ ُيضَا َ‬
‫ض ْعفَيْنِ }‪.‬‬
‫ب ِ‬
‫َلهَا ا ْلعَذَا ُ‬
‫ض ْعفَيْنِ } قال ‪ :‬في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ب ِ‬
‫عفْ َلهَا ا ْلعَذَا ُ‬
‫قال مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ُ { :‬يضَا َ‬
‫وعن ابن أبي نجيح [عن مجاهد] (‪ )4‬مثله‪.‬‬
‫علَى اللّهِ يَسِيرًا } أي ‪ :‬سهل هينا‪.‬‬
‫{ َوكَانَ ذَِلكَ َ‬
‫ثم ذكر عدله وفضله في قوله ‪َ { :‬ومَنْ َيقْنُتْ مِ ْنكُنّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ } أي ‪ :‬يطع (‪ )5‬ال ورسوله‬
‫ن وَأَعْتَدْنَا َلهَا رِ ْزقًا كَرِيمًا } أي ‪ :‬في الجنة ‪ ،‬فإنهن في منازل‬
‫ويستجب { ُنؤْ ِتهَا َأجْرَهَا مَرّتَيْ ِ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬في أعلى عليين ‪ ،‬فوق منازل جميع الخلئق ‪ ،‬في الوسيلة التي‬
‫هي أقرب منازل الجنة إلى العرش‪.‬‬
‫ط َمعَ الّذِي فِي قَلْبِهِ مَ َرضٌ‬
‫ضعْنَ بِا ْل َقوْلِ فَيَ ْ‬
‫خ َ‬
‫حدٍ مِنَ النّسَاءِ إِنِ ا ّتقَيْتُنّ فَل تَ ْ‬
‫{ يَا ِنسَاءَ النّ ِبيّ َلسْتُنّ كَأَ َ‬
‫َوقُلْنَ َقوْل َمعْرُوفًا (‪َ )32‬وقَرْنَ فِي بُيُو ِتكُنّ وَل تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّ ِة الولَى وََأ ِقمْنَ الصّلةَ وآتِينَ‬
‫طهِيرًا (‪)33‬‬
‫طهّ َركُمْ َت ْ‬
‫طعْنَ اللّ َه وَرَسُولَهُ إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ أَ ْهلَ الْبَ ْيتِ وَيُ َ‬
‫ال ّزكَا َة وَأَ ِ‬
‫ح ْكمَةِ إِنّ اللّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (‪.} )34‬‬
‫وَا ْذكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُو ِتكُنّ مِنْ آيَاتِ اللّ ِه وَالْ ِ‬
‫هذه آداب أمر ال تعالى بها نساء النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ونساء المة تبع لهن في ذلك ‪،‬‬
‫فقال مخاطبا لنساء النبي [صلى ال عليه وسلم] (‪ )6‬بأنهن إذا اتقين ال كما أمرهن ‪ ،‬فإنه ل‬
‫يشبههن أحد من النساء ‪ ،‬ول يلحقهن في الفضيلة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فاستقر‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يخبرن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يطيع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي ف ‪" :‬صلوات ال وسلمه عليه"‪.‬‬

‫( ‪)6/408‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضعْنَ بِا ْل َق ْولِ }‪.‬‬
‫خ َ‬
‫والمنزلة ‪ ،‬ثم قال ‪ { :‬فَل َت ْ‬
‫طمَعَ الّذِي فِي‬
‫قال السّدّي وغيره ‪ :‬يعني بذلك ‪ :‬ترقيق الكلم إذا خاطبن الرجال ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَيَ ْ‬
‫قَلْبِهِ مَ َرضٌ } أي ‪ :‬دَغَل ‪َ { ،‬وقُلْنَ َقوْل َمعْرُوفًا } ‪ :‬قال ابن زيد ‪ :‬قول حسنًا جميل معروفًا في‬
‫الخير‪.‬‬
‫ومعنى هذا ‪ :‬أنها تخاطب الجانب بكلم ليس فيه ترخيم ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تخاطب المرأة الجانب كما‬
‫تخاطب زوجها‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقَرْنَ فِي بُيُو ِتكُنّ } أي ‪ :‬الزمن بيوتكن فل (‪ )1‬تخرجن لغير حاجة‪ .‬ومن الحوائج‬
‫الشرعية الصلة في المسجد بشرطه ‪ ،‬كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تمنعوا إماء‬
‫ال مساجد ال ‪ ،‬وليخرجن وهن َتفِلت" وفي رواية ‪" :‬وبيوتهن خير لهن" (‪)2‬‬
‫سعَدة (‪ )3‬حدثنا أبو رجاء الكلبي ‪ ،‬روح بن‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا حميد بن مَ ْ‬
‫المسيب ثقة ‪ ،‬حدثنا ثابت البناني (‪ )4‬عن أنس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬جئن النساء إلى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقلن ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل ال‬
‫تعالى ‪ ،‬فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل ال ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬من قعد ‪ -‬أو كلمة نحوها ‪ -‬منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين (‪ )5‬في سبيل‬
‫ال"‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬ل نعلم رواه عن ثابت إل روح بن المسيب ‪ ،‬وهو رجل من أهل البصرة مشهور (‪.)6‬‬
‫وقال (‪ )7‬البزار أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا عمرو بن عاصم ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬عن قتادة‬
‫‪ ،‬عن ُموَرّق ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد ال ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن المرأة‬
‫عورة ‪ ،‬فإذا خرجت استشرفها الشيطان ‪ ،‬وأقرب ما تكون (‪ )8‬بروْحَة ربها وهي في َقعْر بيتها"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬عن بُنْدَار ‪ ،‬عن عمرو بن عاصم ‪ ،‬به نحوه (‪)9‬‬
‫وروى البزار بإسناده المتقدم ‪ ،‬وأبو داود أيضا ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬صلة‬
‫المرأة في مَخْدعِها أفضل من صلتها في بيتها ‪ ،‬وصلتها في بيتها أفضل من صلتها في‬
‫حجرتها" (‪ )10‬وهذا إسناد (‪ )11‬جيد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه بهذا اللفظ أبو داود في السنن برقم (‪ )565‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫وبالرواية الثانية برقم (‪ )567‬من حديث ابن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬وأصله في الصحيحين من‬
‫حديث ابن عمر‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬مسعود"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى أبو بكر البزار بإسناده"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬المجاهد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسند البزار برقم (‪" )1475‬كشف الستار" ورواه أبو يعلى في المسند (‪ )6/140‬وابن حبان‬
‫في المجروحين (‪ )1/299‬من طريق أبي رجاء الكلبي بنحوه‪ .‬قال ابن حبان ‪" :‬وكان روح ممن‬
‫يروي عن الثقات الموضوعات ‪ ،‬ويقلب السانيد ‪ ،‬ويرفع الموقوفات" ثم قال ‪" :‬ل تحل الرواية‬
‫عنه ول كتابة حديثه إل للختبار"‪ .‬وقال ابن عدي في الكامل ‪" :‬أحاديثه غير محفوظة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬ما يكون"‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن الترمذي برقم (‪ )1173‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪ .‬ورواه ابن خزيمة‬
‫في صحيحه برقم (‪ )1685‬ومن طريقه ابن حبان في صحيحه برقم (‪" )329‬موارد" عن عمرو بن‬
‫عاصم ‪ ،‬به ‪ ،‬وشك ابن خزيمة في سماع قتادة هذا الحديث من مورق‪.‬‬
‫(‪ )10‬سنن أبي داود برقم (‪.)570‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬إسناده"‪.‬‬

‫( ‪)6/409‬‬

‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَل تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ ا ْلجَاهِلِيّةِ الولَى } قال مجاهد ‪ :‬كانت المرأة تخرج تمشي بين‬
‫يدي الرجال ‪ ،‬فذلك تبرج الجاهلية‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬وَل تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّ ِة الولَى } يقول ‪ :‬إذا خرجتن من بيوتكن ‪ -‬وكانت لهن (‬
‫‪ )1‬مشية وتكسر وتغنّج ‪ -‬فنهى ال عن ذلك‪.‬‬
‫وقال مقاتل بن حيان ‪ { :‬وَل تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ ا ْلجَاهِلِيّةِ الولَى } والتبرج ‪ :‬أنها تلقي الخمار على‬
‫رأسها ‪ ،‬ول تشده فيواري قلئدها وقرطها وعنقها ‪ ،‬ويبدو ذلك كله منها ‪ ،‬وذلك التبرج ‪ ،‬ثم‬
‫عمت نساء المؤمنين في التبرج‪ .‬وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني ابن زهير ‪ ،‬حدثنا موسى بن‬
‫عكْرِمة (‪ )2‬عن ابن‬
‫إسماعيل ‪ ،‬حدثنا داود ‪ -‬يعني ابن أبي الفرات ‪ -‬حدثنا علي بن أحمر ‪ ،‬عن ِ‬
‫عباس قال ‪ :‬تل هذه الية ‪ { :‬وَل تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّ ِة الولَى }‪ .‬قال ‪ :‬كانت فيما بين نوح‬
‫وإدريس ‪ ،‬وكانت ألف سنة ‪ ،‬وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل ‪ ،‬والخر يسكن‬
‫الجبل‪ .‬وكان رجال الجبل صباحا وفي النساء َدمَامة‪ .‬وكان نساء السهل صباحا وفي الرجال‬
‫دمامة ‪ ،‬وإن إبليس أتى رجل من أهل السهل في صورة غلم ‪ ،‬فآجر نفسه منه ‪ ،‬فكان يخدمه‬
‫واتخذ إبليس شيئًا مثل الذي يُ َزمّر فيه الرّعاء ‪ ،‬فجاء فيه بصوت لم يسمَع الناس مثله ‪ ،‬فبلغ ذلك‬
‫من حوله ‪ ،‬فانتابوهم يسمعون إليه ‪ ،‬واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة ‪ ،‬فيتبرّجُ النساء‬
‫للرجال‪ .‬قال ‪ :‬ويتزيّن (‪ )3‬الرجال لهن ‪ ،‬وإن رجل من أهل الجبل َهجَم عليهم في عيدهم ذلك ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فرأى النساء وصَبَاحتهن ‪ ،‬فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك ‪ ،‬فتحولوا إليهن ‪ ،‬فنزلوا معهن وظهرت‬
‫الفاحشة فيهن ‪ ،‬فهو قوله تعالى ‪ { :‬وَل تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ ا ْلجَاهِلِيّةِ الولَى } (‪.)4‬‬
‫طعْنَ اللّ َه وَرَسُولَهُ } ‪ ،‬نهاهن أول عن الشر ثم أمرهن‬
‫وقوله ‪ { :‬وََأ ِقمْنَ الصّلةَ وآتِينَ ال ّزكَا َة وَأَ ِ‬
‫بالخير ‪ ،‬من إقامة الصلة ‪ -‬وهي ‪ :‬عبادة ال ‪ ،‬وحده ل شريك له ‪ -‬وإيتاء الزكاة ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫طعْنَ اللّ َه وَرَسُولَهُ } ‪ ،‬وهذا من باب عطف العام على الخاص‪.‬‬
‫الحسان إلى المخلوقين ‪ { ،‬وََأ ِ‬
‫طهِيرًا } ‪ :‬وهذا نص في‬
‫طهّ َركُمْ َت ْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ‬
‫دخول أزواج النبي صلى ال عليه وسلم في أهل البيت هاهنا ؛ لنهن سبب نزول هذه الية ‪،‬‬
‫وسبب النزول داخل فيه قول واحدا ‪ ،‬إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح‪.‬‬
‫عكْرِمة أنه كان ينادي في السوق ‪ { :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُ ْذ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ‬
‫وروى ابن جرير ‪ :‬عن ِ‬
‫طهِيرًا } ‪ ،‬نزلت (‪ )5‬في نساء النبي صلى ال عليه وسلم خاصة ‪ ،‬وهكذا‬
‫طهّ َركُمْ َت ْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ‬
‫روى ابن أبي حاتم قال ‪:‬‬
‫حدثنا علي بن حرب الموصلي ‪ ،‬حدثنا زيد بن ا ْلحُبَاب ‪ ،‬حدثنا حسين بن واقد ‪ ،‬عن يزيد النحوي‬
‫‪ ،‬عن عكرمة عن (‪ )6‬ابن عباس في قوله ‪ { :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيذْ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ َأ ْهلَ الْبَ ْيتِ }‬
‫قال ‪ :‬نزلت في نساء النبي صلى ال عليه وسلم خاصة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬لها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وتنزل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)22/4‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬أنزلت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده إلى"‪.‬‬

‫( ‪)6/410‬‬

‫وقال عكرمة ‪ :‬من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فإن كان المراد أنهن كُنّ سبب النزول دون غيرهن فصحيح ‪ ،‬وإن أريد أنهن المراد فقط دون‬
‫غيرهن ‪ ،‬ففي هذا نظر ؛ فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك ‪:‬‬
‫الحديث الول ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬أخبرنا علي بن زيد (‪ ، )1‬عن‬
‫أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة‬
‫ستة أشهر إذا خرج إلى صلة الفجر يقول ‪" :‬الصلة يا أهل البيت ‪ { ،‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْ ِهبَ عَ ْنكُمُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طهِيرًا }‪.‬‬
‫طهّ َركُمْ َت ْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫جسَ أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ‬
‫الرّ ْ‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬عن عبد بن حميد ‪ ،‬عن عفان به‪ .‬وقال ‪ :‬حسن غريب (‪)3( .)2‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا أبو نعيم ‪ ،‬حدثنا يونس بن أبي إسحاق ‪،‬‬
‫أخبرني أبو داود ‪ ،‬عن أبي الحمراء قال ‪ :‬رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪[ ،‬قال ‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم] (‪ )4‬إذا طلع الفجر ‪ ،‬جاء إلى باب‬
‫طهّ َركُمْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫علي وفاطمة فقال ‪" :‬الصلة الصلة { إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُ ْذ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ‬
‫طهِيرًا } (‪.)5‬‬
‫تَ ْ‬
‫أبو داود العمى هو ‪ :‬نفيع بن الحارث ‪ ،‬كذاب‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن مصعب ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬حدثنا شداد‬
‫أبو عمار (‪ )6‬قال ‪ :‬دخلت على واثلة بن السقع وعنده قوم ‪ ،‬فذكروا عليّا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫فلما قاموا قال لي ‪ :‬أل أخبرك بما رأيت من رسول ال ال عليه وسلم ؟ قلت ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬أتيت‬
‫فاطمة أسألها عن علي فقالت ‪َ :‬توَجه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فجلست أنتظره حتى‬
‫جاء رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ومعه علي وحسن وحسين ‪ ،‬آخذ كل واحد منهما بيده حتى‬
‫دخل ‪ ،‬فأدنى عليّا وفاطمة وأجلسهما بين يديه ‪ ،‬وأجلس حسنًا وحسينًا كل واحد منهما على‬
‫فخذه ‪ ،‬ثم لفّ عليهم (‪ )7‬ثوبه ‪ -‬أو قال ‪ :‬كساءه ‪ -‬ثم تل هذه الية ‪ { :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُ ْذ ِهبَ‬
‫طهِيرًا } ‪ ،‬اللهم (‪ )8‬هؤلء أهل بيتي ‪ ،‬وأهل بيتي أحق" ‪،‬‬
‫طهّ َر ُكمْ تَ ْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫عَ ْنكُمُ الرّجْسَ أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ‬
‫وقد رواه أبو جعفر بن جرير عن عبد الكريم بن أبي عمير (‪ ، )9‬عن الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن أبي‬
‫عمرو الوزاعي بسنده نحوه ‪ -‬زاد في آخره ‪ :‬قال واثلة ‪ :‬فقلت ‪ :‬وأنا يا رسول ال ‪ -‬صلى ال‬
‫عليك ‪ -‬من أهلك ؟ قال ‪" :‬وأنت من أهلي"قال واثلة ‪ :‬إنها من أرجى ما أرتجي (‪.)10‬‬
‫ثم رواه أيضا عن عبد العلى بن واصل ‪ ،‬عن الفضل بن ُدكَيْن ‪ ،‬عن عبد السلم بن حرب ‪،‬‬
‫عن كلثوم المحاربي ‪ ،‬عن شداد أبي عمار قال ‪ :‬إني لجالس عند واثلة بن السقع إذ ذكروا عليا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬حديث حسن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )3/259‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3206‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪ )22/6‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )22/200‬من طريق منصور بن‬
‫السود ‪ ،‬عن أبي داود بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده عن شداد بن عمار"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬عليهما"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬وقال ‪ :‬اللهم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )4/107‬وتفسير الطبري (‪.)22/6‬‬

‫( ‪)6/411‬‬

‫فشتموه ‪ ،‬فلما قاموا قال ‪ :‬اجلس حتى أخبرك عن الذي شتموه ‪ ،‬إني عند رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إذ جاء علي وفاطمة وحسن وحسين فألقى صلى ال عليه وسلم عليهم كساء له ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪" :‬اللهم هؤلء أهل بيتي ‪ ،‬اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا"‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫وأنا ؟ قال ‪" :‬وأنت" قال ‪ :‬فوال إنها لوثق عملي عندي (‪.)1‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد ال بن نمير ‪ ،‬حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان ‪ ،‬عن‬
‫عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬حدثني من سمع أم سلمة تذكر أن النبي صلى ال عليه وسلم كان في بيتها ‪،‬‬
‫فأتته فاطمة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬ببرمة فيها خَزيرة ‪ ،‬فدخلت بها عليه فقال لها ‪" :‬ادعي زوجك‬
‫وابنيك"‪ .‬قالت ‪ :‬فجاء علي وحسن وحسين فدخلوا عليه ‪ ،‬فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة ‪ ،‬وهو‬
‫على منامةٍ له على دكان (‪ )2‬تحته كساء خيبري ‪ ،‬قالت ‪ :‬وأنا في الحجرة أصلي ‪ ،‬فأنزل ال ‪،‬‬
‫طهِيرًا }‪ .‬قالت‬
‫طهّ َركُمْ تَ ْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫عز وجل ‪ ،‬هذه الية ‪ { :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُ ْذ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ‬
‫‪ :‬فأخذ فضل الكساء فغطاهم به ‪ ،‬ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اللهم هؤلء أهل‬
‫بيتي وخاصتي ‪ ،‬فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا" ‪ ،‬قالت ‪ :‬فأدخلت رأسي البيت ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫وأنا معكم يا رسول ال ؟ فقال ‪" :‬إنك إلى خير ‪ ،‬إنك إلى خير" (‪.)3‬‬
‫في إسناده من لم يسم (‪ ، )4‬وهو شيخ عطاء ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات‪.‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا عوف ‪ ،‬عن أبي المعدل (‪، )5‬‬
‫طفَا ِويّ ‪ ،‬عن أبيه ؛ أن أم سلمة حدثته قالت (‪ : )6‬بينما رسول ال صلى ال عليه‬
‫عن عطية ال ّ‬
‫وسلم في بيتي يومًا إذ قال الخادم ‪ :‬إن فاطمة وعليا بالسدّة قالت ‪ :‬فقال لي ‪" :‬قومي فَتَنَحي عن (‬
‫‪ )7‬أهل بيتي"‪ .‬قالت ‪ :‬فقمت فتنحيت في البيت قريبًا ‪ ،‬فدخل علي وفاطمة ‪ ،‬ومعهما الحسن‬
‫والحسين ‪ ،‬وهما صبيان صغيران ‪ ،‬فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبّلهما ‪ ،‬واعتنق عليا‬
‫بإحدى يديه وفاطمة باليد الخرى ‪ ،‬وقَبّل فاطمة وقَبّل عليا ‪ ،‬وأغدق عليهم خَميصَة سوداء وقال ‪:‬‬
‫"اللهم ‪ ،‬إليك ل إلى النار أنا وأهل بيتي"‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬وأنا يا رسول ال ؟ صلى ال عليك‪ .‬قال‬
‫‪" :‬وأنت" (‪.)8‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا [الحسن بن عطية ‪ ،‬حدثنا] (‪ )9‬فضيل‬
‫بن مرزوق ‪ ،‬عن عطية ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن أم سلمة ؛ أن هذه الية نزلت في بيتها ‪ { :‬إِ ّنمَا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طهِيرًا } قالت ‪ :‬وأنا جالسة على باب البيت‬
‫طهّ َركُمْ تَ ْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيذْ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ‬
‫فقلت ‪ :‬يا رسول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ )22/7‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )22/65‬من طريق علي بن عبد‬
‫العزيز عن الفضل بن دكين ‪ ،‬أبو نعيم به‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )6/292‬وقد سمى شيخ عطاء في رواية الطبراني في المعجم الكبير (‪ )9/11‬فقال‬
‫عن عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬عن عمر بن أبي سلمة بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬يسمع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬العدل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بسنده أن أم سلمة قالت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬فتنحى لي عن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)6/296‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ‪ :‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬و"الطبري"‪.‬‬

‫( ‪)6/412‬‬

‫ال ‪ ،‬ألستُ من أهل البيت ؟ فقال ‪" :‬إنك إلى خير ‪ ،‬أنت من أزواج النبي صلى ال عليه وسلم"‬
‫قالت ‪ :‬وفي البيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬وفاطمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والحسين ‪،‬‬
‫رضي ال عنهم (‪.)1‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬رواه ابن جرير أيضا ‪ ،‬عن أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن َوكِيع ‪ ،‬عن عبد الحميد بن َبهْرَام ‪،‬‬
‫حوْشَب ‪ ،‬عن أم سلمة بنحوه (‪.)2‬‬
‫شهْر بن َ‬
‫عن َ‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا خالد بن َمخْلَد ‪ ،‬حدثني موسى بن‬
‫يعقوب ‪ ،‬حدثني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ‪ ،‬عن عبد ال بن وهب بن َز ْمعَة قال ‪:‬‬
‫أخبرتني أم سلمة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم جمع فاطمة والحسن‬
‫والحسين ‪ ،‬ثم أدخلهم تحت ثوبه ‪ ،‬ثم جأر إلى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬هؤلء أهل بيتي"‪ .‬قالت‬
‫أم سلمة ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أدخلني معهم‪ .‬فقال ‪" :‬أنت من أهلي" (‪.)3‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬رواه ابن جرير أيضا ‪ ،‬عن أحمد بن محمد الطوسي ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن صالح‬
‫‪ ،‬عن محمد بن سليمان الصبهاني ‪ ،‬عن يحيى بن عبيد المكي ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن عمر بن أبي‬
‫سلمة ‪ ،‬عن أمه بنحو ذلك (‪.)4‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا مصعب بن المقدام ‪ ،‬حدثنا سعيد بن‬
‫زربي ‪ ،‬عن محمد بن سيرين ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن أم سلمة قالت ‪ :‬جاءت فاطمة إلى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ببرمة لها قد صنعت فيها عَصيدَة تحملها على طبق ‪ ،‬فوضعتها بين يديه‬
‫فقال ‪" :‬أين ابن عمك وابناك ؟" فقالت ‪ :‬في البيت‪ .‬فقال ‪" :‬ادعيهم"‪ .‬فجاءت إلى علي فقالت ‪:‬‬
‫جبْ رسول ال أنت وابناك‪ .‬قالت أم سلمة ‪ :‬فلما رآهم مقبلين مدّ يده إلى كساء كان على‬
‫أِ‬
‫المنامة ‪ ،‬فمده وبسطه ‪ ،‬وأجلسهم عليه ‪ ،‬ثم أخذ بأطراف الكساء الربعة بشماله ‪ ،‬فضمه فوق‬
‫رؤوسهم ‪ ،‬وأومأ بيده اليمنى إلى ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فقال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬هؤلء أهل بيتي ‪ ،‬فأذهب‬
‫عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا"‪)5( .‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا عبد ال (‪ )6‬بن عبد القدوس ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن حكيم بن سعد قال ‪ :‬ذكرنا علي بن أبي طالب عند أم سلمة ‪ ،‬فقالت ‪ :‬في بيتي‬
‫طهِيرًا }‪ .‬قالت أم سلمة ‪ :‬جاء‬
‫طهّ َركُمْ َت ْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫جسَ أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ‬
‫نزلت ‪ { :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْ ِهبَ عَ ْن ُكمُ الرّ ْ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى بيتي فقال ‪" :‬ل تأذني لحد"‪ .‬فجاءت فاطمة فلم أستطع أن‬
‫أحجبها عن أبيها‪ .‬ثم جاء الحسن فلم أستطع أن أحجبه عن أمه وجده ‪ ،‬ثم جاء الحسين فلم أستطع‬
‫أن أحجبه ‪ ،‬ثم جاء علي فلم أستطع أن أحجبه ‪ ،‬فاجتمعوا فَجَلّلهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بكساء كان عليه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬هؤلء أهل بيتي ‪ ،‬فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا"‪ .‬فنزلت‬
‫هذه الية حين اجتمعوا على البساط‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وأنا ؟ قالت ‪ :‬فوال ما أنعم ‪،‬‬
‫وقال ‪" :‬إنك إلى خير" (‪.)7‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال ابن جرير ‪ ،‬حدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا محمد بن بشر (‪ )8‬عن زكريا ‪ ،‬عن‬
‫مصعب بن شيبة ‪ ،‬عن صفية بنت شيبة قالت ‪ :‬قالت عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ :‬خرج رسول ال‬
‫(‪ )9‬صلى ال عليه وسلم ذات‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ )22/7‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )23/249‬من طريق فضيل بن‬
‫مرزوق به مختصرا‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )22/6‬ورواه الطحاوي في مشكل الثار برقم (‪ )770‬من طريق عبد الحميد‬
‫بن بهرام ‪ ،‬به‪ .‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )23/333‬من طريق زبيد ‪ ،‬عن شهر بن‬
‫حوشب ‪ ،‬عن أم سلمة‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪ )22/7‬ورواه الطحاوي في مشكل الثار برقم (‪ )763‬من طريق خالد بن‬
‫مخلد القطواني به‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪ )22/7‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )23/286‬من طريق شريك ‪،‬‬
‫عن عطاء ‪ ،‬عن أم سلمة‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)22/7‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عبد الملك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )22/7‬ورواه الطحاوي في مشكل الثار برقم (‪ )762‬من طريق جرير بن‬
‫عبد الحميد ‪ ،‬عن العمش بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬النبي"‪.‬‬

‫( ‪)6/413‬‬

‫شعْر أسود ‪ ،‬فجاء الحسن فأدخله معه ‪ ،‬ثم جاء الحسين فأدخله معه‬
‫غداة ‪ ،‬وعليه مِرْط مُرَحّل من َ‬
‫‪ ،‬ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ‪ ،‬ثم جاء علي فأدخله معه ‪ ،‬ثم قال ‪ { :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْ ِهبَ عَ ْنكُمُ‬
‫طهِيرًا }‪.‬‬
‫طهّ َركُمْ َت ْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫جسَ أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ‬
‫الرّ ْ‬
‫ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشر (‪ ، )1‬به‪)2( .‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سُرَيج بن يونس أبو الحارث ‪ ،‬حدثنا محمد‬
‫حوْشَب ‪ -‬عن عمّ له قال ‪ :‬دخلت مع أبي على عائشة ‪،‬‬
‫بن يزيد ‪ ،‬عن العوام ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن َ‬
‫فسألتها عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فقالت ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ :‬تسألني عن رجل كان من أحب‬
‫الناس إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه ؟ لقد رأيت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ‪ ،‬فألقى عليهم ثوبا فقال ‪:‬‬
‫"اللهم ‪ ،‬هؤلء أهل بيتي ‪ ،‬فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا"‪ .‬قالت ‪ :‬فدنوت منه فقلت ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬وأنا من أهل بيتك ؟ فقال ‪" :‬تَ َنحّي ‪ ،‬فإنك على خير"‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال ابن جرير حدثنا المثنى ‪ ،‬حدثنا بكر (‪ )3‬بن يحيى بن زَبّان العَنزيّ ‪ ،‬حدثنا‬
‫منْدَل ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عطية ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"نزلت هذه الية في خمسة ‪ :‬فيّ ‪ ،‬وفي علي ‪ ،‬وحسن ‪ ،‬وحسين ‪ ،‬وفاطمة ‪ { :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ‬
‫طهِيرًا } (‪.)4‬‬
‫طهّ َركُمْ َت ْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫جسَ أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ‬
‫لِيُذْ ِهبَ عَ ْن ُكمُ الرّ ْ‬
‫قد تقدم أن فضيل بن مرزوق رواه عن عطية ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن أم سلمة ‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫وروى ابن أبي حاتم من حديث هارون بن سعد العِجْلي ‪ ،‬عن عطية ‪ ،‬عن أبي سعيد موقوفا ‪،‬‬
‫فال أعلم‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن المثنى ‪ ،‬حدثنا أبو بكر الحنفي ‪ ،‬حدثنا ُبكَيْر بن مسمار‬
‫قال ‪ :‬سمعت عامر بن سعد قال ‪ :‬قال سعد ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم حين نزل عليه‬
‫الوحي ‪ ،‬فأخذ عليا وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬رب ‪ ،‬هؤلء أهلي وأهل بيتي" (‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪)5‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثني زُهَير بن حرب ‪ ،‬وشُجاع بن مَخْلَد جميعا ‪ ،‬عن‬
‫ابن عُلَيّة ‪ -‬قال زهير ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬حدثني أبو حَيّان ‪ ،‬حدثني يزيد بن حَيّان قال‬
‫حصَين بن سَبْ َر َة وعمر بن مسلم (‪ )6‬إلى زيد بن أرقم ‪ ،‬فلما جلسنا إليه قال له‬
‫‪ :‬انطلقت أنا و ُ‬
‫حصين ‪ :‬لقد لقيتَ يا زيدُ خيرًا كثيرًا [رأيتَ رسول ال صلى ال عليه وسلم وسمعتَ حديثه ‪،‬‬
‫حدّثنا يا زيد ما سمعت من‬
‫وغزوتَ معه ‪ ،‬وصليتَ خلفه ‪ ،‬لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا] (‪ )7‬؛ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬يا بن أخي ‪ ،‬وال لقد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )22/5‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2081‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬بكير"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)22/5‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )22/7‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )8439‬من طريق أبي‬
‫بكر الحنفي ‪ ،‬عن بكير بن مسمار ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سلمة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬

‫( ‪)6/414‬‬

‫كَبرَت (‪ )1‬سِنّي ‪ ،‬وقدم عهدي ‪ ،‬ونسيتُ بعض الذي كنتُ أعي من رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فما حَدّثتكُم فاقبلوا ‪ ،‬وما ل فل ُتكَلّفونيه‪ .‬ثم قال ‪ :‬قام فينا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫خمّا ‪ -‬بين مكة والمدينة ‪ -‬فحمد ال وأثنى عليه ‪ ،‬ووعظ وَ َذكّر ‪ ،‬ثم قال‬
‫يوما خطيبا بماء يدعى ُ‬
‫‪" :‬أما بعد ‪ ،‬أل أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك (‪ )2‬أن يأتي رسول ربي فأجيب ‪ ،‬وأنا تارك فيكم‬
‫ث على كتاب‬
‫ح ّ‬
‫ثقلين ‪ ،‬وأولهما كتاب ال ‪ ،‬فيه الهدى والنور ‪ ،‬فخذوا بكتاب ال واستمسكوا به"‪ .‬فَ َ‬
‫ال وَرَغّب فيه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬وأهل بيتي ‪ ،‬أ َذكّركم ال في أهل بيتي ‪ ،‬أذكّركم ال في أهل بيتي"‬
‫ثلثا‪ .‬فقال له حصين ‪ :‬ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال ‪ :‬نساؤه من أهل‬
‫عقِيل ‪ ،‬وآل‬
‫بيته ‪ ،‬ولكن أهل بيته من حُ ِرمَ الصّدَقة بعده‪ .‬قال ‪ :‬ومَنْ هم ؟ قال هم آل علي ‪ ،‬وآل َ‬
‫جعفر ‪ ،‬وآل عباس‪ .‬قال ‪ :‬كل هؤلء حُرِمَ الصدقة ؟ قال ‪ :‬نعم (‪.)3‬‬
‫ثم رواه عن محمد بن َبكّار بن الريّان ‪ ،‬عن حسان بن إبراهيم ‪ ،‬عن سعيد بن مسروق ‪ ،‬عن يزيد‬
‫بن حَيّان (‪ ، )4‬عن زيد بن أرقم ‪ ،‬فذكر الحديث بنحو ما تقدم ‪ ،‬وفيه ‪ :‬فقلنا له ‪ :‬مَنْ أهل بيته ؟‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نساؤه ؟ قال ‪ :‬ل وايم ال ‪ ،‬إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى‬
‫أبيها وقومها‪ .‬أهل بيته أصله وعَصبَته الذين حُرموا الصدقة بعده (‪.)5‬‬
‫هكذا وقع في هذه الرواية ‪ ،‬والولى أولى ‪ ،‬والخذ بها أحرى‪ .‬وهذه الثانية تحتمل أنه أراد تفسير‬
‫الهل المذكورين في الحديث الذي رواه ‪ ،‬إنما المراد بهم آله الذين حُرموا الصدقة ‪ ،‬أو أنه ليس‬
‫المراد بالهل الزواج فقط ‪ ،‬بل هم مع آله ‪ ،‬وهذا الحتمال أرجح ؛ جمعا بينها وبين الرواية‬
‫التي قبلها ‪ ،‬وجمعا أيضا بين القرآن والحاديث المتقدمة إن صحت ‪ ،‬فإن في بعض أسانيدها‬
‫نظرًا ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬ثم الذي ل يشك فيه من تَدَبّر القرآن أن نساء النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫طهِيرًا } ‪،‬‬
‫طهّ َركُمْ تَ ْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫داخلت في قوله تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيذْ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ‬
‫فإن سياق الكلم معهن ؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله ‪ { :‬وَا ْذكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُو ِتكُنّ مِنْ آيَاتِ‬
‫ح ْكمَةِ } أي ‪ :‬اعملن بما ينزل ال على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنة‪ .‬قاله قتادة‬
‫اللّ ِه وَا ْل ِ‬
‫وغير واحد ‪ ،‬واذكرن هذه النعمة التي خصصتن (‪ )6‬بها من بين الناس ‪ ،‬أن الوحي ينزل في‬
‫بيوتكن دون سائر الناس ‪ ،‬وعائشة [الصديقة] (‪ )7‬بنت الصديق َأوْلهُنّ بهذه النعمة ‪ ،‬وأحظاهن‬
‫بهذه الغنيمة ‪ ،‬وأخصهن من هذه الرحمة العميمة ‪ ،‬فإنه لم ينزل على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم الوحيُ في فراش امرأة سواها ‪ ،‬كما نص على ذلك صلوات ال وسلمه عليه (‪ .)8‬قال‬
‫بعض العلماء ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬لنه لم يتزوج بكرا سواها ‪ ،‬ولم ينم معها رجل في فراشها سواه ‪،‬‬
‫فناسب أن تخصص بهذه المزية ‪ ،‬وأن تفرد بهذه الرتبة العلية‪ .‬ولكن إذا كان أزواجه من أهل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ "كبر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬فيوشك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)2408‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬حسان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)2408‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬خصصتهن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)6/415‬‬

‫ن وَالصّا ِدقَاتِ‬
‫ت وَالصّا ِدقِي َ‬
‫ن وَا ْلقَانِتَا ِ‬
‫ت وَا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ وَا ْلقَانِتِي َ‬
‫ن وَا ْلمُسِْلمَا ِ‬
‫إِنّ ا ْلمُسِْلمِي َ‬
‫ن وَالصّا ِئمَاتِ‬
‫ن وَا ْلمُ َتصَ ّدقَاتِ وَالصّا ِئمِي َ‬
‫ت وَا ْلمُ َتصَ ّدقِي َ‬
‫شعَا ِ‬
‫شعِينَ وَالْخَا ِ‬
‫ت وَالْخَا ِ‬
‫وَالصّابِرِينَ وَالصّابِرَا ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ت وَالذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيرًا وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ َل ُهمْ َم ْغفِرَ ًة وَأَجْرًا عَظِيمًا‬
‫جهُ ْم وَالْحَا ِفظَا ِ‬
‫وَالْحَافِظِينَ فُرُو َ‬
‫(‪)35‬‬

‫بيته ‪ ،‬فقرابته أحق بهذه التسمية ‪ ،‬كما تقدم في الحديث ‪" :‬وأهل بيتي أحق"‪ .‬وهذا يشبه ما ثبت‬
‫في صحيح مسلم ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما سئل عن المسجد الذي أسس على‬
‫التقوى من أول يوم ‪ ،‬فقال ‪" :‬هو مسجدي هذا" (‪ .)1‬فهذا من هذا القبيل ؛ فإن الية إنما نزلت في‬
‫مسجد قُباء ‪ ،‬كما ورد في الحاديث الخر‪ .‬ولكن إذا كان ذاك أسّسَ على التقوى من أول يوم ‪،‬‬
‫فمسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم أولى بِتَسمِيَته بذلك ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫حصَين بن عبد‬
‫عوَانة ‪ ،‬عن ُ‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الوليد ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫الرحمن ‪ ،‬عن أبي جميلة (‪ )2‬قال ‪ :‬إن الحسن بن علي استُخلفَ حين قُتِل علي ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنهما (‪ )3‬قال ‪ :‬فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر وزعم حصين أنه بلغه أن‬
‫الذي طعنه رجل من بني أسد ‪ ،‬وحسن ساجد قال ‪ :‬فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه ‪،‬‬
‫فمرض منها أشهرا ‪ ،‬ثم بَرَأ فقعد على المنبر ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أهل العراق ‪ ،‬اتقوا ال فينا ‪ ،‬فإنا‬
‫أمراؤكم وضيفانكم ‪ ،‬ونحن أهل البيت الذي قال ال ‪ { :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيذْ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ َأ ْهلَ‬
‫طهِيرًا } قال ‪ :‬فما زال يقولها حتى ما بقي أحد من أهل المسجد إل وهو َيحِنّ‬
‫طهّ َركُمْ َت ْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫الْبَ ْي ِ‬
‫بكاء‪.‬‬
‫وقال السّدّي ‪ ،‬عن أبي الديلم قال ‪ :‬قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام ‪ :‬أما قرأت في‬
‫طهِيرًا } ؟ قال ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫طهّ َركُمْ َت ْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫الحزاب ‪ { :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُ ْذ ِهبَ عَ ْن ُكمُ الرّجْسَ أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ‬
‫ولنتم هم ؟ قال ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ كَانَ َلطِيفًا خَبِيرًا } أي ‪ :‬بلطفه بكن بلغتن هذه المنزلة ‪ ،‬وبخبرته (‪ )4‬بكن‬
‫وأنكن أهل لذلك ‪ ،‬أعطاكن ذلك وخصكن بذلك‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬واذكرن نعمة ال عليكن بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات ال‬
‫والحكمة ‪ ،‬فاشكرن ال على ذلك واحمدنه‪.‬‬
‫{ إِنّ اللّهَ كَانَ َلطِيفًا خَبِيرًا } أي ‪ :‬ذا لطف بكن ‪ ،‬إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته‬
‫والحكمة‪ .‬وهي السنة ‪ ،‬خبيرًا بكنّ إذ اختاركن لرسوله أزواجًا‪.‬‬
‫ح ْكمَةِ } قال ‪ :‬يمتنّ عليهن بذلك‪ .‬رواه‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬وَا ْذكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُو ِتكُنّ مِنْ آيَاتِ اللّهِ وَالْ ِ‬
‫ابن جرير‪.‬‬
‫وقال عطية ال َعوْفي في قوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ كَانَ َلطِيفًا خَبِيرًا } يعني ‪ :‬لطيف باستخراجها ‪ ،‬خبير‬
‫بموضعها‪ .‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وكذا روى الربيع بن أنس ‪ ،‬عن قتادة (‪.)5‬‬
‫ن وَالصّا ِدقَاتِ‬
‫ت وَالصّا ِدقِي َ‬
‫ت وَا ْلقَانِتِينَ وَالْقَانِتَا ِ‬
‫ن وَا ْل ُم ْؤمِنَا ِ‬
‫ت وَا ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫ن وَا ْلمُسِْلمَا ِ‬
‫{ إِنّ ا ْلمُسِْلمِي َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَالصّا ِئمَاتِ‬
‫ن وَا ْلمُ َتصَ ّدقَاتِ وَالصّا ِئمِي َ‬
‫ت وَا ْلمُ َتصَ ّدقِي َ‬
‫شعَا ِ‬
‫شعِينَ وَالْخَا ِ‬
‫ت وَالْخَا ِ‬
‫وَالصّابِرِينَ وَالصّابِرَا ِ‬
‫ت وَالذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيرًا وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ َل ُهمْ َم ْغفِرَ ًة وَأَجْرًا عَظِيمًا‬
‫جهُ ْم وَالْحَا ِفظَا ِ‬
‫وَالْحَافِظِينَ فُرُو َ‬
‫(‪.} )35‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )1398‬من حديث أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬بمخبرته"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وقتادة"‪.‬‬

‫( ‪)6/416‬‬

‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا عبد الواحد بن زياد ‪ ،‬حدثنا عثمان بن حكيم ‪ ،‬حدثنا (‪)1‬‬
‫عبد الرحمن بن شيبة ‪ ،‬سمعت أم سلمة زوج النبي صلى ال عليه وسلم تقول ‪ :‬قلت للنبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ :‬ما لنا ل ُن ْذكَرُ في القرآن كما يذكر الرجال ؟ قالت (‪ : )2‬فلم يَرعني منه ذات‬
‫حجْرة‬
‫يوم إل ونداؤه على المنبر ‪ ،‬قالت ‪ ،‬وأنا أسَرّح شعري ‪ ،‬فلففت شعري ‪ ،‬ثم خرجت إلى ُ‬
‫حجَر بيتي ‪ ،‬فجعلت سمعي عند الجريد ‪ ،‬فإذا هو يقول عند المنبر ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إن ال‬
‫من ُ‬
‫يقول ‪ :‬إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات" إلى آخر الية‪.‬‬
‫وهكذا رواه النسائي وابن جرير ‪ ،‬من حديث عبد الواحد بن زياد ‪ ،‬به مثله (‪.)3‬‬
‫سوَيْد ‪ ،‬أخبرنا عبد ال بن‬
‫طريق أخرى عنها ‪ :‬قال النسائي أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن حاتم ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫شَريك ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أم سلمة أنها قالت للنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن ‪ ،‬والنساء ل يذكرن ؟ فأنزل ال { إِنّ‬
‫ت وَا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ } (‪.)4‬‬
‫ن وَا ْلمُسِْلمَا ِ‬
‫ا ْلمُسِْلمِي َ‬
‫وقد رواه ابن جرير ‪ ،‬عن أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن أبي معاوية ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪:‬‬
‫أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ‪ ،‬حدثه عن أم سلمة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬يا‬
‫سِلمِينَ وَا ْلمُسِْلمَاتِ } الية‬
‫رسول ال ‪ ،‬أيذكر الرجال في كل شيء ول نذكر ؟ فأنزل ال ‪ { :‬إِنّ ا ْلمُ ْ‬
‫(‪)5‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن ابن أبي نَجيح ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬قالت أم سلمة ‪ :‬يا‬
‫ن وَا ْلمُسِْلمَاتِ } الية‪.‬‬
‫رسول ال ‪ ،‬يذكر الرجال ول نذكر ؟ فأنزل ال ‪ { :‬إِنّ ا ْل ُمسِْلمِي َ‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب قال ‪ :‬حدثنا سَيّار بن مظاهر العَنزي (‪ )6‬حدثنا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أبو كُدَيْنة يحيى بن المهلّب ‪ ،‬عن قابوس بن أبي ظِبْيَان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال‬
‫النساء للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ما له يذكر المؤمنين ول يذكر المؤمنات ؟ فأنزل ال ‪ { :‬إِنّ‬
‫ن وَا ْلمُسِْلمَاتِ } الية (‪.)7‬‬
‫ا ْلمُسِْلمِي َ‬
‫وحدثنا بشر (‪ )8‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا سعيد (‪ )9‬؛ عن قتادة قال ‪ :‬دخل نساء على نساء النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬فقلن ‪ :‬قد َذكَركُنّ ال في القرآن ‪ ،‬ولم نُذكَر بشيء ‪ ،‬أما فينا ما يذكر ؟ فأنزل ال‬
‫ن وَا ْلمُسِْلمَاتِ } الية (‪.)10‬‬
‫عز وجل ‪ { :‬إِنّ ا ْلمُسِْلمِي َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى المام احمد بإسناده عن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )6/305‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )1405‬وتفسير الطبري (‪.)22/9‬‬
‫(‪ )4‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)1404‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)22/8‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سنان بن مظاهر العمرى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)22/8‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬تفسير الطبري (‪.)22/8‬‬

‫( ‪)6/417‬‬

‫ن وَا ْل ُمؤْمِنَاتِ } دليل على أن اليمان غير السلم ‪،‬‬


‫ن وَا ْلمُسِْلمَاتِ وَا ْل ُم ْؤمِنِي َ‬
‫فقوله ‪ { :‬إِنّ ا ْل ُمسِْلمِي َ‬
‫وهو أخص منه ‪ ،‬لقوله (‪ )1‬تعالى ‪ { :‬قَاَلتِ العْرَابُ آمَنّا ُقلْ لَمْ ُت ْؤمِنُوا وََلكِنْ قُولُوا َأسَْلمْنَا وََلمّا‬
‫خلِ اليمَانُ فِي قُلُو ِبكُمْ } [الحجرات ‪ .]14 :‬وفي الصحيحين ‪" :‬ل يزني الزاني حين يزني وهو‬
‫يَ ْد ُ‬
‫مؤمن"‪ .‬فيسلبه (‪ )2‬اليمان ‪ ،‬ول يلزم من ذلك كفره بإجماع المسلمين ‪ ،‬فدل على أنه أخص منه‬
‫كما قررناه في أول شرح البخاري‪.‬‬
‫[وقوله] (‪ { : )3‬وَا ْلقَانِتِينَ وَا ْلقَانِتَاتِ } القنوت ‪ :‬هو الطاعة في سكون ‪َ { ،‬أمْ مَنْ ُهوَ قَا ِنتٌ آنَاءَ‬
‫حمَةَ رَبّهِ } [الزمر ‪ ، ]9 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلهُ مَنْ فِي‬
‫حذَرُ الخِ َر َة وَيَرْجُو َر ْ‬
‫اللّ ْيلِ سَاجِدًا َوقَا ِئمًا يَ ْ‬
‫جدِي وَا ْر َكعِي مَعَ‬
‫ك وَاسْ ُ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ ُكلّ لَهُ قَانِتُونَ } [الروم ‪ { ، ]26 :‬يَا مَرْ َيمُ اقْنُتِي لِرَ ّب ِ‬
‫ال ّ‬
‫الرّا ِكعِينَ } [آل عمران ‪َ { ، ]43 :‬وقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ } [البقرة ‪ .]238 :‬فالسلم بعده مرتبة (‪)4‬‬
‫يرتقي إليها ‪ ،‬ثم القنوت ناشئ عنهما‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَالصّا ِدقَاتِ } ‪ :‬هذا في القوال ‪ ،‬فإن الصدق خصلة محمودة ؛ ولهذا كان بعض‬
‫{ وَالصّا ِدقِي َ‬
‫الصحابة لم ُتجَرّب عليه كِذْبة ل في الجاهلية ول في السلم (‪ ، )5‬وهو علمة على اليمان ‪،‬‬
‫ن صدق نجا ‪" ،‬عليكم بالصدق ؛ فإن الصدق يهدي إلى‬
‫كما أن الكذب أمارة على النفاق ‪ ،‬ومَ ْ‬
‫البر ‪ ،‬وإن البر يهدي إلى الجنة‪ .‬وإياكم والكذب ؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور ‪ ،‬وإن الفجور‬
‫يهدي إلى النار‪ .‬ول يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند ال صديقا ‪ ،‬ول يزال‬
‫الرجل يكذب ويتَحرّى الكذب حتى يكتب عند ال كذابا" (‪ .)6‬والحاديث فيه كثيرة جدا‪.‬‬
‫سجِيّة الثبات ‪ ،‬وهي الصبر على المصائب ‪ ،‬والعلم بأن‬
‫ن وَالصّابِرَاتِ } ‪ :‬هذه َ‬
‫{ وَالصّابِرِي َ‬
‫المقدور كائن ل محالة ‪ ،‬وَتََلقّي ذلك بالصبر والثبات ‪ ،‬وإنما الصبر عند الصدمة الولى ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫أصعبه في أول وهلة ‪ ،‬ثم ما بعده أسهل منه ‪ ،‬وهو صدق السجية وثباتها‪.‬‬
‫شعَاتِ } الخشوع (‪ : )7‬السكون والطمأنينة ‪ ،‬والتؤدة والوقار والتواضع‪.‬‬
‫ن وَالْخَا ِ‬
‫شعِي َ‬
‫{ وَا ْلخَا ِ‬
‫والحامل عليه الخوف من ال ومراقبته ‪[ ،‬كما في الحديث] (‪" : )8‬اعبد ال كأنك تراه ‪ ،‬فإن لم‬
‫تكن تراه فإنه يراك"‪.‬‬
‫ن وَا ْلمُ َتصَ ّدقَاتِ } ‪ :‬الصدقة ‪ :‬هي الحسان إلى الناس المحاويج الضعفاء ‪ ،‬الذين ل‬
‫{ وَا ْلمُ َتصَ ّدقِي َ‬
‫سبَ لهم ول كاسب ‪ ،‬يعطون من فضول الموال (‪ )9‬طاعة ل ‪ ،‬وإحسانا إلى خلقه ‪ ،‬وقد ثبت‬
‫كَ ْ‬
‫في الصحيحين ‪" :‬سبعة يظلهم ال في ظله يوم ل ظل إل ظله" فذكر منهم ‪" :‬ورجل تصدق‬
‫بصدقة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬كقوله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فسلبه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬قربة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬جاهلية ول إسلم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أتى بعجز الحديث وأخر صدره"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬العمال"‪.‬‬

‫( ‪)6/418‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فأخفاها ‪ ،‬حتى ل تعلم شماله ما تنفق يمينه" (‪ .)1‬وفي الحديث الخر ‪" :‬والصدقة تطفئ‬
‫الخطيئة ‪ ،‬كما يطفئ الماء النار" (‪.)2‬‬
‫[وفي الترمذي عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪" :‬إن‬
‫الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء"‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما منكم من أحد‬
‫إل سيكلمه ربه ‪ ،‬ليس بينه وبينه ترجمان ‪ ،‬فينظر أيمن منه ‪ ،‬فل يرى إل ما قدّم ‪ ،‬وينظر أشأم‬
‫منه ‪ ،‬فل يرى إل ما قدم ‪ ،‬وينظر بين يديه فل يرى إل النار تلقاء وجهه‪ .‬فاتقوا النار ولو بشق‬
‫تمرة"‪.‬‬
‫وفي حديث أبي ذر أنه قال ‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم ماذا ينجي العبد من النار ؟‬
‫قال ‪" :‬اليمان بال"‪ .‬قلت ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬مع اليمان عمل ؟ قال ‪" :‬ترضخ مما خوّلك ال" ‪ ،‬أو‬
‫"ترضخ مما رزقك ال" ؛ ولهذا لما خطب النبي صلى ال عليه وسلم يوم العيد قال في خطبته ‪:‬‬
‫"يا معشر النساء تص ّدقْنَ ولو من حليكن ‪ ،‬فإني رأيتكن أكثر أهل النار"‪ .‬وكأنه حثهن ورغبهن‬
‫على ما يفدين به أنفسهن من النار ‪ ،‬وقال عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬ذكر لي أن‬
‫العمال تتباهى ‪ ،‬فتقول الصدقة ‪ :‬أنا أفضلكم‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال ‪ :‬ضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬مثل البخيل‬
‫والمتصدق ‪ ،‬كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد ‪ ،‬أو جنتان من حديد‪ .‬قد اضطرت أيديهما إلى‬
‫ثديهما وتراقيهما ‪ ،‬فجعل المتصدق ‪ ،‬كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه ‪ ،‬حتى تغشى أنامله ‪،‬‬
‫وتعفو أثره ‪ ،‬وجعل البخيل كلما همّ بصدقة قلصت ‪ ،‬وأخذت كل حلقة مكانها‪ .‬قال أبو هريرة ‪:‬‬
‫فأنا رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جيبه‪ .‬فلو رأيته يوسعها ول‬
‫يتسع‪ .‬وقد قال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } [التغابن ‪ ]16 :‬فجود الرجل‬
‫يحببه إلى أضداده ‪ ،‬وبخله يبغضه إلى أولده‪ .‬كما قيل ‪:‬‬
‫وَيُظْهر عيبَ المرء في الناس بخلُه‪ ...‬وتستره عنهم جميعا سخاؤه‪...‬‬
‫َتغَطّ بأثواب السخاء فإنني‪ ...‬أرى كل عيب والسخاء غطاؤه] (‪...)3‬‬
‫والحاديث في الحث عليها كثيرة جدا ‪ ،‬له موضع بذاته‪.‬‬
‫ن وَالصّا ِئمَاتِ } ‪ :‬في الحديث الذي رواه ابن ماجه ‪" :‬والصوم زكاة البدن" أي ‪ :‬تزكيه‬
‫{ وَالصّا ِئمِي َ‬
‫وتطهره وتنقيه من الخلط الرديئة طبعا وشرعا‪.‬‬
‫قال (‪ )4‬سعيد بن جبير ‪ :‬من صام رمضان وثلثة أيام من كل شهر ‪ ،‬دخل في قوله ‪:‬‬
‫ن وَالصّا ِئمَاتِ }‪.‬‬
‫{ وَالصّا ِئمِي َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )1423‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1031‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )614‬من حديث كعب بن عجرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه" ورواه أحمد في المسند ‪ 3/321‬من حديث جابر بن عبد‬
‫ال ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )2616‬وابن ماجه في السنن برقم (‬
‫‪ )3973‬من حديث معاذ ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬كما قال"‪.‬‬

‫( ‪)6/419‬‬

‫ولما كان الصوم من أكبر العون على كسر الشهوة ‪ -‬كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫حصَن للفرج ‪ ،‬ومَنْ‬
‫غضّ للبصر ‪ ،‬وأ ْ‬
‫"يا معشر الشباب ‪ ،‬مَنْ استطاع منكم الباء فليتزوج ‪ ،‬فإنه أ َ‬
‫جهُمْ‬
‫لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء" (‪ - )1‬ناسب أن يذكر بعده ‪ { :‬وَالْحَا ِفظِينَ فُرُو َ‬
‫جهِمْ‬
‫وَالْحَافِظَاتِ } أي ‪ :‬عن المحارم والمآثم إل عن المباح ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَالّذِينَ ُهمْ ِلفُرُو ِ‬
‫ج ِهمْ َأوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُن ُهمْ فَإِ ّنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * َفمَنِ ابْ َتغَى وَرَاءَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ‬
‫حَا ِفظُونَ إِل عَلَى أَ ْزوَا ِ‬
‫هُمُ ا ْلعَادُونَ } [المؤمنون ‪.] 7 - 5 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيرًا وَالذّاكِرَاتِ } قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عبيد ال ‪ ،‬حدثنا محمد بن جابر ‪ ،‬عن علي بن القمر ‪ ،‬عن الغَرّ‬
‫أبي مسلم (‪ ، )2‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‬
‫‪" :‬إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل ‪ ،‬فصليا ركعتين ‪ ،‬كتبا (‪ )3‬تلك الليلة من الذاكرين ال كثيرا‬
‫والذاكرات"‪.‬‬
‫وقد رواه أبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من حديث العمش ‪[ ،‬عن علي بن القمر] (‪، )4‬‬
‫عن الغر أبي مسلم ‪ ،‬عن أبي سعيد وأبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بمثله (‪.)5‬‬
‫وقال (‪ )6‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا دَرّاج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي‬
‫خدْري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أي العباد أفضل درجة عند ال‬
‫سعيد ال ُ‬
‫يوم القيامة ؟ قال ‪" :‬الذاكرون ال كثيرا والذاكرات"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ومن الغازي في سبيل ال ؟ قال ‪" :‬لو ضرب بسيفه في الكفار‬
‫والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون ال أفضل منه" (‪.)7‬‬
‫وقال (‪ )8‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ‪ ،‬عن العلء ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم يسير في طريق مكة ‪،‬‬
‫جمْدان ‪ ،‬سيروا فقد سبق ال ُمفَرّدون"‪ .‬قالوا ‪ :‬وما ال ُمفَرّدون (‪ )9‬؟‬
‫جمْدان فقال ‪" :‬هذا ُ‬
‫فأتى على ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال ‪" :‬الذاكرون ال كثيرا (‪ ." )10‬ثم قال ‪" :‬اللهم اغفر للمحلقين"‪ .‬قالوا ‪ :‬والمقصرين ؟ قال ‪:‬‬
‫"اللهم ‪ ،‬اغفر للمحلقين"‪ .‬قالوا ‪ :‬والمقصرين ؟ قال ‪" :‬والمقصرين"‪.‬‬
‫تفرد به من هذا الوجه ‪ ،‬ورواه مسلم دون آخره (‪.)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )5066‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1400‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬روى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كانا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬وسنن أبي داود وابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪ )1309‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )11406‬وسنن ابن ماجه‬
‫برقم (‪.)1335‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )3/75‬ودراج عن أبي الهيثم ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وما المفردون يا رسول ال ؟"‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الذاكرون ال كثيرا والذاكرات"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪ )2/411‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1302‬وإنما رواه مسلم دون أوله ‪ ،‬وال اعلم‪.‬‬

‫( ‪)6/420‬‬

‫وقال (‪ )1‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا حُجَيْن بن المثنى ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ‪ ،‬عن زياد بن‬
‫أبي زياد ‪ -‬مولى عبد ال بن عَيّاش (‪ )2‬بن أبي ربيعة ‪ -‬أنه بلغه عن معاذ بن جبل ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما عمل آدمي عمل قط أنجى له من‬
‫عذاب ال من ذكر ال"‪ .‬وقال معاذ ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل أخبركم بخير‬
‫أعمالكم ‪ ،‬وأزكاها عند مليككم ‪ ،‬وأرفعها في درجاتكم ‪ ،‬وخير لكم من تعاطي الذهب والفضة ‪،‬‬
‫ومن أن تلقوا عدوكم غدا فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم" ؟ قالوا ‪ :‬بلى يا رسول ال‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"ذكر ال عز وجل" (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا زَبّان بن فائد ‪ ،‬عن سهل بن معاذ بن‬
‫جهَنيّ ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أن رجل سأله فقال ‪ :‬أي‬
‫أنس ال ُ‬
‫المجاهدين أعظم أجرًا يا رسول ال ؟ فقال ‪" :‬أكثرهم (‪ )4‬ل ذكرًا"‪ .‬قال ‪ :‬فأي الصائمين أكثر‬
‫أجرًا ؟ قال ‪" :‬أكثرهم ل ذكرا"‪ .‬ثم ذكر الصلة والزكاة والحج والصدقة ‪ ،‬كل ذلك يقول رسول‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أكثرهم ل ذكرا"‪ .‬فقال أبو بكر لعمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ :‬ذهب‬
‫الذاكرون بكل خير‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أجل" (‪.)5‬‬
‫وسنذكر بقية الحاديث الواردة في كثرة الذكر عند قوله تعالى في هذه السورة ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬
‫آمَنُوا ا ْذكُرُوا اللّهَ ِذكْرًا كَثِيرًا وَسَبّحُوهُ ُبكْ َرةً وََأصِيل } الية [الحزاب ‪ ، ]42 ، 41 :‬إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫عدّ اللّهُ َلهُمْ َم ْغفِ َرةً وََأجْرًا عَظِيمًا } أي ‪ :‬هيأ لهم (‪ )6‬منه لذنوبهم مغفرة وأجرا عظيما‬
‫وقوله ‪ { :‬أَ َ‬
‫وهو الجنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عباس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)5/239‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أكثرهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )3/438‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/74‬وفيه زبان بن فائد وهو ضعيف ‪،‬‬
‫وقد وثق ‪ ،‬وكذلك ابن لهيعة ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬أعد لهم"‪.‬‬

‫( ‪)6/421‬‬

‫ن وَلَا ُم ْؤمِنَةٍ إِذَا َقضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ َأمْرًا أَنْ َيكُونَ َلهُمُ الْخِيَ َرةُ مِنْ َأمْرِ ِه ْم َومَنْ َي ْعصِ‬
‫َومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِ ٍ‬
‫ضلّ ضَلَالًا مُبِينًا (‪)36‬‬
‫اللّ َه وَرَسُوَلهُ َفقَ ْد َ‬

‫{ َومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِنٍ وَل ُم ْؤمِنَةٍ إِذَا َقضَى اللّ ُه وَرَسُولُهُ َأمْرًا أَنْ َيكُونَ َلهُمُ الْخِيَ َرةُ مِنْ َأمْرِ ِه ْم َومَنْ‬
‫ل ضَلل مُبِينًا (‪.} )36‬‬
‫ضّ‬‫َي ْعصِ اللّ َه وَرَسُولَهُ َفقَ ْد َ‬
‫ن وَل ُم ْؤمِنَةٍ } الية ‪ ،‬وذلك أن رسول ال‬
‫قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬قوله ‪َ { :‬ومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِ ٍ‬
‫صلى ال عليه وسلم انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثة ‪ ،‬فدخل على زينب بنت جحش‬
‫السدية فخطبها ‪ ،‬فقالت ‪ :‬لست بناكحته ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بل فانكحيه"‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أؤامر في نفسي‪ .‬فبينما هما يتحدثان أنزل ال هذه الية على رسوله صلى‬
‫ن وَل ُم ْؤمِنَةٍ ِإذَا َقضَى اللّ ُه وَرَسُولُهُ َأمْرًا } الية ‪ ،‬قالت ‪ :‬قد‬
‫ال عليه وسلم ‪َ { :‬ومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِ ٍ‬
‫رضيته لي منكحا يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قالت ‪ :‬إذًا ل أعصي رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬قد أنكحته نفسي (‪.)1‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)22/9‬‬

‫( ‪)6/421‬‬

‫وقال ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن ابن أبي عمرة ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬خطب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة ‪ ،‬فاستنكفت منه ‪ ،‬وقالت ‪ :‬أنا خير منه حسبا ‪-‬‬
‫وكانت امرأة فيها حدة ‪ -‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪َ { :‬ومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِنٍ وَل ُمؤْمِنَةٍ } الية كلها‪.‬‬
‫وهكذا قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪ :‬أنها نزلت في زينب بنت جحش [السدية] (‪)1‬‬
‫حين خطبها رسول ال صلى ال عليه وسلم على موله زيد بن حارثة ‪ ،‬فامتنعت ثم أجابت‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬نزلت في أم كلثوم (‪ )2‬بنت عقبة بن أبي ُمعَيْط ‪ ،‬وكانت‬
‫أول مَنْ هاجر من النساء ‪ -‬يعني ‪ :‬بعد صلح الحديبية ‪ -‬فوهبت نفسها للنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬قد قبلت‪ .‬فزوجها زيد بن حارثة ‪ -‬يعني وال أعلم بعد فراقه زينب ‪ -‬فسخطت هي‬
‫وأخوها وقال إنما أردنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فزوّجَنا عبده‪ .‬قال ‪ :‬فنزل القرآن ‪َ { :‬ومَا‬
‫كَانَ ِل ُم ْؤمِنٍ وَل ُم ْؤمِنَةٍ إِذَا َقضَى اللّ ُه وَرَسُوُلهُ َأمْرًا } إلى آخر الية‪ .‬قال ‪ :‬وجاء أمر أجمع من‬
‫سهِم } قال ‪ :‬فذاك خاص وهذا جماع‪.‬‬
‫هذا ‪ { :‬النّ ِبيّ َأوْلَى بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫وقال (‪ )3‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن ثابت البُنَاني ‪ ،‬عن أنس قال ‪:‬‬
‫خطب النبي صلى ال عليه وسلم على جُلَيْبيب امرأة من النصار إلى أبيها ‪ ،‬فقال ‪ :‬حتى أستأمر‬
‫أمها‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فنعم (‪ )4‬إذًا‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق الرجل إلى امرأته ‪[ ،‬فذكر‬
‫ذلك لها] (‪ ، )5‬فقالت ‪ :‬لها ال ذا (‪ ، )6‬ما وجد رسول ال صلى ال عليه وسلم إل جلَيبيبا ‪،‬‬
‫وقد منعناها من فلن وفلن ؟ قال ‪ :‬والجارية في سترها (‪ )7‬تسمع‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق الرجل يريد‬
‫أن يخبر النبي صلى ال عليه وسلم بذلك‪ .‬فقالت الجارية ‪ :‬أتريدون أن تَرُدّوا على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أمره ؟ إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه‪ .‬قال ‪ :‬فكأنها جَلّت عن أبويها ‪ ،‬وقال‬
‫صدقت‪ .‬فذهب أبوها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إن كنت رضيته فقد رضيناه‪ .‬قال‬
‫‪" :‬فإني قد رضيته"‪ .‬قال ‪ :‬فزوجها (‪ ، )8‬ثم فزع أهل المدينة ‪ ،‬فركب جُلَيْبيب فوجدوه قد قتل ‪،‬‬
‫وحوله ناس من المشركين قد قتلهم ‪ ،‬قال أنس ‪ :‬فلقد رأيتها [وإنها] (‪ )9‬لمن أنفق بيت بالمدينة (‬
‫‪.)10‬‬
‫وقال (‪ )11‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن سلمة ‪ -‬عن ثابت ‪ ،‬عن كنانة‬
‫بن نعيم العدوي ‪ ،‬عن أبي برزة السلمي أن جليبيبا كان امرأ يدخل على النساء َيمُرّ بهن‬
‫ويلعبهن ‪ ،‬فقلت لمرأتي ‪ :‬ل يدخلن اليوم عليكم (‪ )12‬جُليبيبُ ‪ ،‬فإنه إن دخل عليكم (‪)13‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لفعلن ولفعلن‪ .‬قال ‪ :‬وكانت النصار إذا كان لحدهم أيّم لم يزوجها حتى يعلم ‪ :‬هل لنبي ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فيها حاجة أم ل ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لرجل من النصار ‪:‬‬
‫"زوجني ابنتك"‪ .‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬وكرامة يا رسول ال (‪ ، )14‬و ُن ْعمَة عين‪ .‬فقال ‪ :‬إني لست أريدها‬
‫لنفسي‪ .‬قال ‪ :‬فلمن يا رسول ال ؟ قال ‪ :‬لجليبيب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أم مكتوم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬لنعم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬إذا" والمثبت من ت ‪ ،‬ف والنهاية لبن الثير‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬خدرها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬فتزوجها"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)3/136‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬عليكن"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في أ ‪" :‬عليكن"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في أ ‪" :‬برسول ال"‪.‬‬

‫( ‪)6/422‬‬

‫فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أشاور أمها‪ .‬فأتى أمها فقال ‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم يخطب ابنتك‬
‫؟ فقالت ‪ :‬نعم ونُعمة عين‪ .‬فقال ‪ :‬إنه ليس يخطبها لنفسه ‪ ،‬إنما يخطبها لجليبيب‪ .‬فقالت ‪َ :‬أجُلَيبيب‬
‫إنيه (‪ )1‬؟ أجليبيب إنيِه (‪ )2‬؟ ل لعمر ال ل ت َزوّجُه‪ .‬فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فيخبره بما قالت أمها ‪ ،‬قالت الجارية ‪ :‬مَنْ خطبني إليكم ؟ فأخبرتها أمها‪ .‬قالت ‪:‬‬
‫أتردون على رسول ال صلى ال عليه وسلم أمره ؟! ادفعوني إليه ‪ ،‬فإنه لن يضيعني‪ .‬فانطلق‬
‫أبوها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬شأنَك بها‪ .‬فَ َزوّجها جليبيبا‪ .‬قال ‪ :‬فخرج رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم في غزاة له ‪ ،‬فلما أفاء ال عليه قال لصحابه ‪" :‬هل تفقدون من أحد" ؟‬
‫قالوا ‪ :‬نفقد فلنا ونفقد فلنا‪ .‬قال ‪" :‬انظروا هل تفقدون من أحد ؟" قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪" :‬لكني أفقد‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جليبيبا"‪ .‬قال ‪" :‬فاطلبوه في القتلى"‪ .‬فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه‪[ .‬قالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه] (‪ .)3‬فأتاه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقام عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬قتل سبعة [وقتلوه] (‪ ، )4‬هذا مني وأنا منه‪ .‬مرتين أو ثلثا ‪ ،‬ثم وضعه رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم على ساعديه [وحفر له ‪ ،‬ما له سرير إل ساعد النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم] (‪ .)5‬ثم وضعه في قبره ‪ ،‬ولم يذكر أنه غسله ‪ ،‬رضي ال عنه‪ .‬قال ثابت ‪ :‬فما كان في‬
‫النصار أيّم أنفق منها‪ .‬وحدث إسحاق بن عبد ال بن أبي طلحة ثابتا ‪ :‬هل تعلم ما دعا لها رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ؟ فقال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬صب عليها [الخير] (‪ )6‬صبا ‪ ،‬ول تجعل عيشها كدا"‬
‫كذا قال ‪ ،‬فما كان في النصار أيم أنفق منها‪.‬‬
‫هكذا أورده المام أحمد بطوله (‪ ، )7‬وأخرج منه مسلم والنسائي في الفضائل قصة قتله (‪.)8‬‬
‫وذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "الستيعاب" أن الجارية لما قالت في خدرها ‪ :‬أتردون‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم أمره ؟ تلت (‪ )9‬هذه الية ‪َ { :‬ومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِنٍ وَل ُم ْؤمِنَةٍ إِذَا‬
‫َقضَى اللّ ُه وَرَسُولُهُ َأمْرًا أَنْ َيكُونَ َل ُهمُ الْخِيَ َرةُ مِنْ َأمْرِهِمْ } (‪.)10‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج [أخبرني عامر بن مصعب ‪ ،‬عن طاوس قال ‪ :‬إنه سأل ابن عباس عن ركعتين‬
‫ن وَل ُم ْؤمِنَةٍ إِذَا‬
‫بعد العصر ‪ ،‬فنهاه ‪ ،‬وقرأ ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنه (‪َ { : )11‬ومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِ ٍ‬
‫َقضَى اللّ ُه وَرَسُولُهُ َأمْرًا أَنْ َيكُونَ (‪َ )12‬ل ُهمُ الْخِيَ َرةُ مِنْ َأمْرِهِمْ } ] (‪.)13‬‬
‫فهذه الية عامة في جميع المور ‪ ،‬وذلك أنه إذا حكم ال ورسوله بشيء ‪ ،‬فليس لحد مخالفته ول‬
‫ح ّكمُوكَ‬
‫اختيار لحد هاهنا ‪ ،‬ول رأي ول قول ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَل وَرَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ حَتّى ُي َ‬
‫ت وَيُسَّلمُوا تَسْلِيمًا } [النساء ‪ ]65 :‬وفي‬
‫سهِمْ حَرَجًا ِممّا َقضَ ْي َ‬
‫فِيمَا شَجَرَ بَيْ َنهُمْ ثُمّ ل َيجِدُوا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫الحديث ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به"‪ .‬ولهذا شدد في‬
‫ضلّ ضَلل مُبِينًا } ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬فَلْ َيحْذَرِ‬
‫خلف ذلك ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬ومَنْ َي ْعصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ َفقَ ْد َ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ } [النور ‪.]63 :‬‬
‫الّذِينَ ُيخَاِلفُونَ عَنْ َأمْ ِرهِ أَنْ ُتصِي َبهُمْ فِتْنَةٌ َأوْ ُيصِي َبهُمْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ابنه" والتصويب من المسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ابنه" والتصويب من المسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)4/422‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪ )2482‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)8246‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬نزلت"‪.‬‬
‫(‪ )10‬الستيعاب (‪.)1/259‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬عنهما"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬تكون"‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/423‬‬

‫سكَ مَا اللّهُ‬


‫خفِي فِي َنفْ ِ‬
‫ك وَاتّقِ اللّ َه وَتُ ْ‬
‫جَ‬‫سكْ عَلَ ْيكَ َزوْ َ‬
‫وَإِذْ َتقُولُ لِلّذِي أَ ْنعَمَ اللّهُ عَلَيْ ِه وَأَ ْن َع ْمتَ عَلَيْهِ َأ ْم ِ‬
‫حقّ أَنْ َتخْشَاهُ فََلمّا َقضَى زَ ْيدٌ مِ ْنهَا وَطَرًا َزوّجْنَا َكهَا ِل َكيْ لَا َيكُونَ عَلَى‬
‫س وَاللّهُ أَ َ‬
‫مُبْدِي ِه وَ َتخْشَى النّا َ‬
‫ن وَطَرًا َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ َمفْعُولًا (‪)37‬‬
‫ضوْا مِ ْنهُ ّ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَ ْزوَاجِ أَدْعِيَا ِئهِمْ إِذَا َق َ‬

‫سكَ مَا‬
‫خفِي فِي َنفْ ِ‬
‫ك وَاتّقِ اللّهَ وَتُ ْ‬
‫جَ‬‫سكْ عَلَ ْيكَ َزوْ َ‬
‫علَيْ ِه وَأَ ْن َع ْمتَ عَلَ ْيهِ َأمْ ِ‬
‫{ وَإِذْ َتقُولُ لِلّذِي أَ ْن َعمَ اللّهُ َ‬
‫ي ل َيكُونَ‬
‫خشَاهُ فََلمّا َقضَى زَ ْيدٌ مِ ْنهَا وَطَرًا َزوّجْنَا َكهَا ِل َك ْ‬
‫س وَاللّهُ َأحَقّ أَنْ تَ ْ‬
‫خشَى النّا َ‬
‫اللّهُ مُ ْبدِي ِه وَتَ ْ‬
‫ن وَطَرًا َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ مَ ْفعُول (‪.} )37‬‬
‫ضوْا مِ ْنهُ ّ‬
‫عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَ ْزوَاجِ أَدْعِيَا ِئهِمْ إِذَا َق َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن نبيه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬إنه قال لموله زيد بن حارثة وهو الذي‬
‫أنعم ال عليه ‪ ،‬أي ‪ :‬بالسلم ‪ ،‬ومتابعة الرسول ‪ ،‬عليه أفضل الصلة والسلم ‪ { :‬وَأَ ْن َع ْمتَ‬
‫عَلَيْه } أي ‪ :‬بالعتق من الرق ‪ ،‬وكان سيدًا كبير الشأن جليل القدر ‪ ،‬حبيبًا إلى النبي صلى ال‬
‫حبّ‪ .‬قالت عائشة ‪ ،‬رضي ال‬
‫حبّ ابن ال ِ‬
‫حبّ ‪ ،‬ويقال لبنه أسامة ‪ :‬ال ِ‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬يقال له ‪ :‬ال ِ‬
‫عنها ‪ :‬ما بعثه رسول ال صلى ال عليه وسلم في سرية إل أمره عليهم ‪ ،‬ولو عاش بعده‬
‫لستخلفه‪ .‬رواه أحمد عن سعيد بن محمد الوراق ومحمد بن عبيد ‪ ،‬عن وائل بن داود ‪ ،‬عن عبد‬
‫ال البهي عنها (‪.)1‬‬
‫عوَانة(ح) ‪ ،‬وحدثنا محمد بن َم ْعمَر ‪ ،‬حدثنا‬
‫وقال (‪ )2‬البزار ‪ :‬حدثنا خالد بن يوسف ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫أبو داود ‪ ،‬حدثنا أبو عوانة ‪ ،‬أخبرني عمران بن أبي سلمة (‪ ، )3‬عن أبيه ‪ :‬حدثني أسامة بن زيد‬
‫قال ‪ :‬كنت في المسجد ‪ ،‬فأتاني العباس وعلي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬فقال يا أسامة ‪،‬‬
‫استأذن لنا على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬فأتيتُ رسولَ ال فأخبرته ‪ ،‬فقلت ‪ :‬علي‬
‫والعباس يستأذنان ؟ فقال ‪" :‬أتدري ما حاجتهما ؟" قلت ‪ :‬ل يا رسول ال‪ .‬فقال ‪" :‬لكني أدري" ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فأذن لهما‪ .‬قال يا رسول ال ‪ ،‬جئناك لتخبرنا ‪ :‬أيّ أهلك أحبّ إليك ؟ فقال ‪" :‬أحب أهلي‬
‫إليّ فاطمة بنت محمد" قال يا رسول ال ‪ ،‬ما نسألك عن فاطمة‪ .‬قال ‪" :‬فأسامة بن زيد بن‬
‫حارثة ‪ ،‬الذي أنعم ال عليه وأنعمت عليه" (‪.)4‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم قد َزوّجه بابنة عمته زينب بنت جحش السدية ‪ -‬وأمها‬
‫أميمة (‪ )5‬بنت عبد المطلب ‪ -‬وأصدقها عشرة دنانير ‪ ،‬وستين درهما ‪ ،‬وخِمارا ‪ ،‬ومِ ْلحَفة ‪،‬‬
‫ودرْعًا ‪ ،‬وخمسين مُدّا من طعام ‪ ،‬وعشرة أمداد من تمر‪ .‬قاله مقاتل بن حيان ‪ ،‬فمكثت عنده قريبا‬
‫من سنة أو فوقها ‪ ،‬ثم وقع بينهما ‪ ،‬فجاء زيد يشكوها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فجعل‬
‫سكَ مَا اللّهُ‬
‫خفِي فِي َنفْ ِ‬
‫رسول ال يقول له ‪" :‬أمسك عليك زوجك ‪ ،‬واتق ال"‪ .‬قال ال تعالى ‪ { :‬وَتُ ْ‬
‫حقّ أَنْ َتخْشَاهُ }‪.‬‬
‫س وَاللّهُ أَ َ‬
‫مُبْدِي ِه وَ َتخْشَى النّا َ‬
‫ذكر ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم هاهنا آثارًا عن بعض السلف ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬أحببنا أن‬
‫نضرب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)6/227‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬عمر بن أبي سلمة" ‪ ،‬والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3819‬من طريق أبي عوانة بنحوه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫"حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬أمية"‪.‬‬

‫( ‪)6/424‬‬

‫عنها صفَحا لعدم صحتها فل نوردها‪.‬‬


‫وقد روى المام أحمد هاهنا أيضا حديثًا ‪ ،‬من رواية حماد بن زيد ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس فيه‬
‫غرابة تركنا سياقه أيضا (‪.)1‬‬
‫وقد روى البخاري أيضا بعضه مختصرا فقال ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الرحيم ‪ ،‬حدثنا ُمعَلّى (‪ )2‬بن‬
‫خفِي فِي‬
‫منصور ‪ ،‬عن حماد بن زيد ‪ ،‬حدثنا ثابت ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬إن هذه الية ‪ { :‬وَ ُت ْ‬
‫سكَ مَا اللّهُ مُ ْبدِيهِ } نزلت في شأن زينب بنت جحش ‪ ،‬وزيد بن حارثة ‪ ،‬رضي ال عنهما (‪.)3‬‬
‫َنفْ ِ‬
‫وقال (‪ )4‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق ‪ ،‬حدثنا ابن عيينة ‪ ،‬عن‬
‫خفِي فِي‬
‫علي بن زيد بن جُدْعان قال ‪ :‬سألني علي بن الحسين ما يقول الحسن في قوله ‪ { :‬وَ ُت ْ‬
‫خشَاهُ ] } (‪ )5‬؟ فذكرت له فقال ‪ :‬ل ولكن ال‬
‫حقّ أَنْ تَ ْ‬
‫س وَاللّهُ أَ َ‬
‫خشَى النّا َ‬
‫سكَ مَا اللّهُ مُ ْبدِيهِ [وَتَ ْ‬
‫َنفْ ِ‬
‫أعلم نبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها ‪ ،‬فلما أتاه زيد ليشكوها إليه قال ‪ :‬اتق ال ‪،‬‬
‫وأمسك عليك زوجك‪ .‬فقال ‪ :‬قد أخبرتك أني مُ َزوّجكها ‪ ،‬وتخفي في نفسك ما ال مبديه‪.‬‬
‫وهكذا رُوي عن السّدّي أنه قال نحو ذلك‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال (‪ )6‬ابن جرير ‪ :‬حدثني إسحاق بن شاهين ‪ ،‬حدثني خالد ‪ ،‬عن داود عن عامر ‪ ،‬عن عائشة‬
‫‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬أنها قالت ‪ :‬لو كتم محمد صلى ال عليه وسلم شيئًا مما أوحي إليه من كتاب‬
‫حقّ أَنْ َتخْشَاهُ } (‪.)7‬‬
‫س وَاللّهُ أَ َ‬
‫سكَ مَا اللّهُ مُبْدِي ِه وَ َتخْشَى النّا َ‬
‫خفِي فِي َنفْ ِ‬
‫ال ‪ ،‬لكتم ‪ { :‬وَتُ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬فََلمّا َقضَى زَيْدٌ مِ ْنهَا وَطَرًا َزوّجْنَا َكهَا } ‪ :‬الوطر ‪ :‬هو الحاجة والرب ‪ ،‬أي ‪ :‬لما فَرَغ‬
‫منها ‪ ،‬وفارقها ‪َ ،‬زوّجناكها ‪ ،‬وكان الذي وَلي تزويجها منه هو ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬بمعنى ‪ :‬أنه‬
‫أوحى إليه أن يدخل عليها بل ولي ول مهر ول عقد ول شهود من البشر‪.‬‬
‫قال (‪ )8‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا هاشم ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن القاسم أبو النضر ‪ -‬حدثنا سليمان بن المغيرة ‪،‬‬
‫عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لما انقضت عدة زينب قال رسول ال صلى ال‬
‫خمّر عَجينها ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫عليه وسلم لزيد بن حارثة ‪" :‬اذهب فاذكرها علي"‪ .‬فانطلق حتى أتاها وهي ُت َ‬
‫فلما رأيتها عظمت في صدري ‪ -‬حتى ما أستطيع أن أنظر إليها ‪ -‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ذكرها ‪ ،‬فوليتها ظهري ونكصت (‪ )9‬على عقبي ‪ ،‬وقلت ‪ :‬يا زينب ‪ ،‬أبشري ‪ ،‬أرسلني‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يذكرك‪ .‬قالت ‪ :‬ما أنا بصانعة شيئا حتى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحديث في المسند (‪ )3/149‬والغرابة من قوله ‪" :‬فرأى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫امرأته زينب وكأنه دخله" فقد شك مؤمل في الرواية ‪ ،‬وهو سيئ الحفظ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يعلى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4787‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )22/11‬وأصله في الصحيح بلفظ ‪" :‬من حدثك بثلث"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وركضت"‪.‬‬

‫( ‪)6/425‬‬

‫أؤامر ربي ‪ ،‬عز وجل‪ .‬فقامت إلى مسجدها ‪ ،‬ونزل القرآن ‪ ،‬وجاء رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فدخل عليها بغير إذن‪ .‬ولقد رأيتنا حين دَخََلتْ على رسول ال صلى ال عليه وسلم أطعمنا‬
‫عليها الخبز واللحم ‪ ،‬فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام ‪ ،‬فخرج رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم [واتبعته] (‪ )1‬فجعل يتتبع حُجر نسائه يسلم عليهن ‪ ،‬ويقلن ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كيف وجدت أهلك ؟ فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبر‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق حتى دخل‬
‫البيت ‪ ،‬فذهبت أدخل معه ‪ ،‬فألقي الستر بيني وبينه ‪ ،‬ونزل الحجاب ‪ ،‬ووعظ القوم بما وعظوا به‬
‫‪ { :‬ل َتدْخُلُوا بُيُوتَ النّ ِبيّ إِل أَنْ ُيؤْذَنَ َلكُمْ } الية‪.‬‬
‫ورواه مسلم والنسائي من طرق ‪ ،‬عن سليمان (‪ )2‬بن المغيرة ‪ ،‬به‪)3( .‬‬
‫وقد روى البخاري ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن زينب بنت جحش‬
‫كانت تفخر على أزواج النبي صلى ال عليه وسلم فتقول ‪ :‬زوجكن أهاليكن وزوجني ال من فوق‬
‫سبع سموات (‪.)4‬‬
‫وقد قدمنا في "سورة النور" عن محمد بن عبد ال بن جحش قال ‪ :‬تفاخرت زينب وعائشة ‪ ،‬فقالت‬
‫زينب ‪ ،‬رضي ال عنها (‪ : )5‬أنا التي نزل تزويجي من السماء ‪ ،‬وقالت عائشة ‪ :‬أنا التي نزل‬
‫عُذْري من السماء ‪ ،‬فاعترفت لها زينب ‪ ،‬رضي ال عنها‪)6( .‬‬
‫وقال (‪ )7‬ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن المغيرة ‪ ،‬عن الشعبي قال ‪ :‬كانت‬
‫زينب تقول للنبي صلى ال عليه وسلم إني لدل عليك بثلث ‪ ،‬ما من نسائك امرأة تدل بهن ‪ :‬إن‬
‫جدي وجدك واحد ‪ ،‬وإني أنكحنيك ال من السماء ‪ ،‬وإن السفير جبريل عليه السلم‪)8( .‬‬
‫ن وَطَرًا } أي ‪:‬‬
‫ضوْا مِ ْنهُ ّ‬
‫وقوله ‪ِ { :‬ل َكيْ ل َيكُونَ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَ ْزوَاجِ َأدْعِيَا ِئهِمْ ِإذَا َق َ‬
‫إنما أبحنا لك تزويجها وفعلنا ذلك ؛ لئل يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الدعياء ‪،‬‬
‫وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة ‪ ،‬فكان يقال له ‪:‬‬
‫ج َعلَ أَدْعِيَا َء ُكمْ أَبْنَا َءكُمْ ذَِلكُمْ َقوُْلكُمْ‬
‫"زيد بن محمد" ‪ ،‬فلما قطع ال هذه النسبة بقوله تعالى ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫ق وَ ُهوَ َيهْدِي السّبِيلَ ادْعُوهُ ْم لبَا ِئهِمْ ُهوَ َأ ْقسَطُ عِ ْندَ اللّهِ } ‪ ،‬ثم زاد ذلك‬
‫حّ‬‫بَِأ ْفوَا ِهكُ ْم وَاللّهُ َيقُولُ الْ َ‬
‫بيانا وتأكيدا بوقوع تزويج رسول ال صلى ال عليه وسلم بزينب بنت جحش لما طلقها زيد بن‬
‫حارثة ؛ ولهذا قال في آية التحريم ‪ { :‬وَحَل ِئلُ أَبْنَا ِئ ُكمُ الّذِينَ مِنْ َأصْل ِبكُم } [النساء ‪ ]23 :‬ليحترز‬
‫من البن الدّعِي ؛ فإن ذلك كان كثيرًا فيهم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكَانَ َأمْرُ اللّهِ َمفْعُول } أي ‪ :‬وكان هذا المر الذي وقع قد قدره ال تعالى وحَتّمه ‪،‬‬
‫وهو كائن ل محالة ‪ ،‬كانت زينب في علم ال ستصير من أزواج النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬سليم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )3/195‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1428‬وسنن النسائي (‪.)6/79‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)7420‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عنهما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬عند الية ‪.11‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)22/11‬‬

‫( ‪)6/426‬‬

‫مَا كَانَ عَلَى النّ ِبيّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَ َرضَ اللّهُ لَهُ سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَ ْبلُ َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ‬
‫حدًا إِلّا اللّ َه َوكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا‬
‫شوْنَ أَ َ‬
‫خَ‬‫شوْنَ ُه وَلَا يَ ْ‬
‫خَ‬‫قَدَرًا َمقْدُورًا (‪ )38‬الّذِينَ يُبَّلغُونَ ِرسَالَاتِ اللّ ِه وَيَ ْ‬
‫شيْءٍ عَلِيمًا‬
‫ن َوكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫حدٍ مِنْ رِجَاِلكُ ْم وََلكِنْ رَسُولَ اللّ ِه وَخَا َتمَ النّبِيّي َ‬
‫حمّدٌ أَبَا أَ َ‬
‫(‪ )39‬مَا كَانَ مُ َ‬
‫(‪)40‬‬

‫ل َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ‬


‫{ مَا كَانَ عَلَى النّ ِبيّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَ َرضَ اللّهُ َلهُ سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَ ْب ُ‬
‫قَدَرًا َمقْدُورًا (‪.} )38‬‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬مَا كَانَ عَلَى النّ ِبيّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَ َرضَ اللّهُ لَهُ } أي ‪ :‬فيما أحل له وأمره به من‬
‫تزويج زينب التي طلقها دَعِيّه زيد بن حارثة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬هذا حكم ال في النبياء قبله ‪ ،‬لم يكن ليأمرهم‬
‫بشيء وعليهم في ذلك حَرج ‪ ،‬وهذا رَدّ على مَنْ َتوَهّم مِن المنافقين نقصًا في تزويجه امرأة زيد‬
‫موله ودَعيه ‪ ،‬الذي كان قد تبناه‪.‬‬
‫{ َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ قَدَرًا َمقْدُورًا } أي ‪ :‬وكان أمره الذي يقدّره كائنًا ل محالة ‪ ،‬وواقعًا ل محيد عنه‬
‫ول معدل ‪ ،‬فما شاء [ال] (‪ )1‬كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫شوْنَ َأحَدًا إِل اللّ َه َوكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا (‪ )39‬مَا كَانَ‬
‫شوْنَ ُه وَل َيخْ َ‬
‫خَ‬‫{ الّذِينَ يُبَّلغُونَ رِسَالتِ اللّ ِه وَيَ ْ‬
‫شيْءٍ عَلِيمًا (‪.} )40‬‬
‫ن َوكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫حدٍ مِنْ رِجَاِل ُك ْم وََلكِنْ رَسُولَ اللّ ِه وَخَا َتمَ النّبِيّي َ‬
‫حمّدٌ أَبَا أَ َ‬
‫مُ َ‬
‫شوْنَهُ }‬
‫خَ‬‫يمدح تعالى (‪ { : )2‬الّذِينَ يُبَّلغُونَ ِرسَالتِ اللّهِ } أي ‪ :‬إلى خلقه ويؤدونها بأمانتها { وَيَ ْ‬
‫أي ‪ :‬يخافونه ول يخافون أحدًا سواه فل تمنعهم سطوة أحد عن إبلغ رسالت ال ‪َ { ،‬وكَفَى بِاللّهِ‬
‫حسِيبًا } أي ‪ :‬وكفى بال ناصرًا ومعينًا‪ .‬وسيد الناس في هذا المقام ‪ -‬بل وفي كل مقام ‪ -‬محمد‬
‫َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ؛ فإنه قام بأداء الرسالة وإبلغها إلى أهل المشارق والمغارب ‪،‬‬
‫إلى جميع أنواع بني آدم ‪ ،‬وأظهر ال كلمته ودينه وشرعه على جميع الديان والشرائع ‪ ،‬فإنه قد‬
‫كان النبي يبعث (‪ )3‬إلى قومه خاصة ‪ ،‬وأما هو ‪ ،‬صلوات ال عليه ‪ ،‬فإنه بُعث إلى جميع الخلق‬
‫جمِيعًا } [العراف ‪ ، ]158 :‬ثم ورث‬
‫عَرَبهم وعجمهم ‪ُ { ،‬قلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْي ُكمْ َ‬
‫مقام البلغ عنه أمته من بعده ‪ ،‬فكان أعلى مَنْ قام بها بعده أصحابه ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬بلغوا‬
‫حضَره وسفره ‪ ،‬وسره‬
‫عنه كما أمرهم به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله ‪ ،‬في ليله ونهاره ‪ ،‬و َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وعلنيته ‪ ،‬فرضي ال عنهم وأرضاهم‪ .‬ثم ورثه كل خلف عن سلفهم إلى زماننا هذا ‪ ،‬فبنورهم‬
‫يقتدي المهتدون ‪ ،‬وعلى منهجهم يسلك الموفقون‪ .‬فنسأل ال الكريم المنان أن يجعلنا من خلفهم‪.‬‬
‫قال (‪ )4‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا ابن ُنمَيْر ‪ ،‬أخبرنا العمش ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة ‪ ،‬عن أبي ال َبخْتَري‬
‫‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل‬
‫يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمر ال فيه مقال ثم ل (‪ )5‬يقوله ‪ ،‬فيقول ال ‪ :‬ما يمنعك أن تقول فيه‬
‫؟ فيقول ‪ :‬رب ‪ ،‬خشيت الناس‪ .‬فيقول ‪ :‬فأنا أحق أن يخشى (‪." )6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬يمدح ال تعالى" وفي أ ‪" :‬يمدح ال عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وكان النبي قبله إنما يبعث"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬روي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬أن ل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬يخشاه"‪.‬‬

‫( ‪)6/427‬‬

‫ورواه أيضا عن عبد الرزاق ‪ ،‬عن الثوري ‪ ،‬عن زبيد ‪ ،‬عن عمرو بن مرة (‪.)1‬‬
‫ورواه ابن ماجه ‪ ،‬عن أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن عبد ال بن نمير وأبي معاوية ‪ ،‬كلهما عن العمش ‪،‬‬
‫به (‪.)2‬‬
‫حمّدٌ أَبَا َأحَدٍ مِنْ ِرجَاِلكُمْ } ‪ ،‬نهى (‪[ )3‬تعالى] (‪ )4‬أن يقال بعد هذا ‪" :‬زيد بن‬
‫وقوله ‪ { :‬مَا كَانَ ُم َ‬
‫محمد" أي ‪ :‬لم يكن أباه وإن كان قد تبناه ‪ ،‬فإنه ‪ ،‬صلوات ال عليه وسلمه ‪ ،‬لم يعش له ولد ذكر‬
‫حتى بلغ الحلم ؛ فإنه ولد له القاسم ‪ ،‬والطيب ‪ ،‬والطاهر ‪ ،‬من خديجة فماتوا صغارا ‪ ،‬وولد له‬
‫إبراهيم من مارية القبطية ‪ ،‬فمات أيضا رضيعا (‪ ، )5‬وكان له من خديجة أربع بنات ‪ :‬زينب ‪،‬‬
‫ورقية ‪ ،‬وأم كلثوم ‪ ،‬وفاطمة ‪ ،‬رضي ال عنهم (‪ )6‬أجمعين ‪ ،‬فمات في حياته ثلث وتأخرت‬
‫فاطمة حتى أصيبت به ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬ثم ماتت بعده لستة أشهر‪.‬‬
‫شيْءٍ عَلِيمًا } كقوله ‪ { :‬اللّهُ أَعْلَمُ حَ ْيثُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ َوكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫ج َعلُ رِسَالَ َتهُ } [النعام ‪ ]124 :‬فهذه الية نص في (‪ )7‬أنه ل نبي بعده ‪ ،‬وإذا كان ل نبي بعده‬
‫يَ ْ‬
‫فل رسول [بعده] (‪ )8‬بطريق الولى والحرى ؛ لن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة ‪ ،‬فإن‬
‫كل رسول نبي ‪ ،‬ول ينعكس‪ .‬وبذلك وردت الحاديث المتواترة عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم من حديث جماعة من الصحابة‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عامر الزدي ‪ ،‬حدثنا زُهَيْر بن محمد ‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن‬
‫عقيل ‪ ،‬عن الطفيل بن أبيّ بن كعب (‪ ، )9‬عن أبيه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬مثلي‬
‫في النبيين كمثل رجل بنى دارًا فأحسنها وأكملها ‪ ،‬وترك فيها موضع لَبنة لم َيضَعها ‪ ،‬فجعل‬
‫الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬لو ت ّم موضع هذه اللبنة ؟ فأنا في النبيين‬
‫موضع تلك اللبنة"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬عن بُنْدَار ‪ ،‬عن أبي عامر العقدي ‪ ،‬به (‪ ، )10‬وقال ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )11‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا عبد الواحد بن زياد ‪ ،‬حدثنا المختار بن‬
‫فُلفُل ‪ ،‬حدثنا أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن الرسالة والنبوة قد‬
‫انقطعت ‪ ،‬فل رسول بعدي ول نبي‪ ".‬قال ‪ :‬فشَقّ ذلك على الناس قال ‪ :‬قال (‪ : )12‬ولكن‬
‫المبشرات"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وما المبشرات ؟ قال ‪" :‬رؤيا الرجل المسلم ‪ ،‬وهي جزء من‬
‫أجزاء النبوة"‪.‬‬
‫وهكذا روى الترمذي عن الحسن بن محمد الزعفراني ‪ ،‬عن عفان بن مسلم ‪ ،‬به (‪ )13‬وقال ‪:‬‬
‫صحيح غريب من حديث المختار بن فُلفُل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)73 ، 30 /3‬‬
‫(‪ )2‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )4008‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )3/242‬هذا إسناد صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ينهى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أيضا صغيرا رضيعا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عنهن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده عن أبي بن كعب"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )5/136‬وسنن الترمذي برقم (‪." )3613‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وروي"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )13‬المسند (‪ )3/267‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2272‬‬

‫( ‪)6/428‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا سَليم بن حَيّان ‪ ،‬عن سعيد بن ميناء ‪ ،‬عن جابر بن‬
‫عبد ال قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مثلي ومثل النبياء كمثل رجل بنى دارًا‬
‫فأكملها وأحسنها إل موضع لَبنة ‪ ،‬فكان مَنْ دخلها فنظر إليها قال ‪ :‬ما أحسنها إل موضع هذه‬
‫اللبنة! فأنا موضع اللبنة ‪ ،‬ختم بي النبياء ‪ ،‬عليهم السلم"‪.‬‬
‫ورواه البخاري ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬والترمذي من طرق ‪ ،‬عن سليم (‪ )1‬بن حيان ‪ ،‬به‪ )2( .‬وقال الترمذي‬
‫‪ :‬صحيح غريب من هذا الوجه‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬مثلي ومثل النبيين‬
‫[من قبلي] (‪ )3‬كمثل رجل بنى دارا فأتمها إل لَبنَة واحدة ‪ ،‬فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة"‪ .‬انفرد‬
‫بإخراجه مسلم من رواية العمش ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال [المام] (‪ )5‬أحمد ‪ :‬حدثنا يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬حدثنا عثمان‬
‫بن عُبَيد الراسبي قال ‪ :‬سمعت أبا الطفيل قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل نبوة‬
‫بعدي إل المبشرات"‪ .‬قال ‪ :‬قيل ‪ :‬وما المبشرات يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬الرؤيا الحسنة ‪ -‬أو قال ‪-‬‬
‫الرؤيا الصالحة‪)6( ".‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن َهمّام بن مُنَبّه قال ‪ :‬هذا‬
‫ما حدثنا أبو هريرة (‪ )7‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن مثلي ومثل النبياء من‬
‫قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا فأحسنها وأكملها وأجملها ‪ ،‬إل موضع لَبنة من زاوية من زواياها ‪،‬‬
‫فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان ويقولون ‪ :‬أل َوضَ ْعتَ هاهنا لبنة فيتم بنيانك ؟!" قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فكنت أنا اللبنة"‪.‬‬
‫أخرجاه من حديث عبد الرزاق‪)8( .‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬عن أبي هريرة أيضا ‪ :‬قال (‪ )9‬المام مسلم ‪ :‬حدثنا يحيى بن أيوب (‪ )10‬وقتيبة‬
‫وعلي بن حجر قالوا ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن جعفر ‪ ،‬عن العلء ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬فُضلت على النبياء بست ‪ :‬أعْطِيتُ‬
‫حلّت لي الغنائم ‪ ،‬وجعلت لي الرض طهورا ومسجدا ‪،‬‬
‫جوامع الكلم ‪ ،‬و ُنصِ ْرتُ بالرعب ‪ ،‬وأ ِ‬
‫وأرسلت إلى الخلق كافة ‪ ،‬وختم بي النبيون"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪" :‬سليمان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند الطيالسي برقم (‪ )1785‬وصحيح البخاري برقم (‪ )3534‬وصحيح مسلم برقم (‪)2287‬‬
‫وسنن الترمذي برقم (‪.)2862‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )3/9‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2286‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )5/454‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/173‬ورجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )2/312‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2286‬ولم أجده في البخاري ولم يعزه المزي في‬
‫تحفة الشراف إل لمسلم‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬يعقوب"‪.‬‬

‫( ‪)6/429‬‬

‫ورواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث إسماعيل بن جعفر ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪)1( .‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد الخدري قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مثلي ومثل النبياء من قبلي ‪ ،‬كمثل‬
‫رجل بنى دارًا فأتمها إل موضع لبنة واحدة ‪ ،‬فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة"‪.‬‬
‫ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬وأبي كُرَيْب ‪ ،‬كلهما عن أبي معاوية ‪ ،‬به‪)2( .‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )3‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ‪ ،‬حدثنا معاوية بن صالح عن‬
‫سعيد بن سُويد الكلبي ‪ ،‬عن عبد العلى بن هلل السلمي ‪ ،‬عن العِرْباض بن سارية قال ‪ :‬قال‬
‫جدِل في طينته‪)4( ".‬‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إني عند ال لخاتم النبيين وإن آدم لمنْ َ‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )5‬الزهري ‪ :‬أخبرني محمد بن جبير بن مطعم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن لي أسماء ‪ :‬أنا محمد ‪ ،‬وأنا أحمد ‪ ،‬وأنا‬
‫الماحي الذي يمحو ال تعالى بي الكفر ‪ ،‬وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ‪ ،‬وأنا العاقب‬
‫الذي ليس بعده (‪ )6‬نبي‪ ".‬أخرجاه في الصحيحين (‪.)7‬‬
‫وقال (‪ )8‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن عبد ال بن هُبَيْرة ‪ ،‬عن‬
‫عبد الرحمن بن جبير قال ‪ :‬سمعت عبد ال بن عمرو يقول ‪ :‬خرج علينا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يوما كالمودّع ‪ ،‬فقال ‪" :‬أنا محمد النبي المي ‪ -‬ثلثا ‪ -‬ول نبي بعدي ‪ ،‬أوتيت فواتح‬
‫الكلم وجوامعه وخواتمه ‪ ،‬وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش ‪ ،‬وتجوز بي ‪ ،‬وعُوفيتُ وعُوفيتْ‬
‫(‪ )9‬أمتي ؛ فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم ‪ ،‬فإذا ذُهب بي فعليكم بكتاب ال ‪ ،‬أحلّوا حلله ‪،‬‬
‫وحرّموا حرامه"‪ .‬تفرد به المام أحمد‪)10( .‬‬
‫ورواه (‪[ )11‬المام] (‪ )12‬أحمد أيضا عن يحيى بن إسحاق ‪ ،‬عن ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن عبد ال بن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هبيرة ‪ ،‬عن عبد ال بن مريج (‪ )13‬الخولني ‪ ،‬عن أبي قيس ‪ -‬مولى عمرو بن العاص ‪ -‬عن‬
‫عبد ال بن عمرو فذكر مثله سواء (‪.)15( )14‬‬
‫والحاديث في هذا كثيرة ‪ ،‬فمن رحمة ال تعالى بالعباد إرسال محمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه‬
‫عليه ‪ ،‬إليهم ‪ ،‬ثم من تشريفه لهم ختم النبياء والمرسلين به ‪ ،‬وإكمال الدين الحنيف له‪ .‬وقد أخبر‬
‫تعالى في كتابه ‪ ،‬ورسوله في السنة المتواترة عنه ‪ :‬أنه ل نبي بعده ؛ ليعلموا أن كل مَنِ ادعى‬
‫هذا المقام بعده‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )523‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1553‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)567‬‬
‫(‪ )2‬تقدم الحديث من قريب‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)4/127‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬بعدي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )3532‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2354‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وعرفت"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )2/12‬وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪" :‬وحدثني"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )13‬في أ ‪" :‬سريح"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في أ ‪" :‬سواه"‪.‬‬
‫(‪ )15‬المسند (‪ )2/172‬وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)6/430‬‬

‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا ا ْذكُرُوا اللّهَ ِذكْرًا كَثِيرًا (‪ )41‬وَسَبّحُوهُ ُبكْ َرةً وََأصِيلًا (‪ُ )42‬هوَ الّذِي ُيصَلّي‬
‫جكُمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّو ِر َوكَانَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ َرحِيمًا (‪)43‬‬
‫عَلَ ْيكُ ْم َومَلَا ِئكَتُهُ لِ ُيخْرِ َ‬

‫فهو كذاب أفاك ‪ ،‬دجال ضال مضل ‪ ،‬ولو تخرق (‪ )1‬وشعبذ ‪ ،‬وأتى بأنواع السحر والطلسم‬
‫والنَيرجيّات (‪ ، )2‬فكلها محال وضلل عند أولي اللباب ‪ ،‬كما أجرى ال ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫على يد السود العَنْسي باليمن ‪ ،‬ومسيلمة الكذاب باليمامة ‪ ،‬من الحوال الفاسدة والقوال الباردة ‪،‬‬
‫ما علم كل ذي لب وفهم وحِجى أنهما كاذبان ضالن ‪ ،‬لعنهما ال‪ .‬وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم‬
‫القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال ‪ [ ،‬فكل واحد من هؤلء الكذابين] (‪ )3‬يخلق ال معه من‬
‫المور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب مَنْ (‪ )4‬جاء بها‪ .‬وهذا من تمام لطف ال تعالى بخلقه ‪،‬‬
‫فإنهم بضرورة الواقع ل يأمرون بمعروف ول ينهون عن منكر إل على سبيل التفاق ‪ ،‬أو لما‬
‫لهم فيه من المقاصد إلى غيره ‪ ،‬ويكون في غاية الفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم ‪ ،‬كما قال‬
‫علَى ُكلّ َأفّاكٍ أَثِيمٍ } الية [الشعراء ‪:‬‬
‫تعالى ‪َ { :‬هلْ أُنَبّ ُئكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشّيَاطِينُ * تَنزلُ َ‬
‫‪ .]222 ، 221‬وهذا بخلف النبياء ‪ ،‬عليهم السلم ‪ ،‬فإنهم في غاية البر والصدق (‪ )5‬والرشد‬
‫والستقامة[ والعدل] (‪ )6‬فيما يقولونه ويفعلونه ويأمرون به وينهون عنه ‪ ،‬مع ما يؤيدون به من‬
‫الخوارق للعادات ‪ ،‬والدلة الواضحات ‪ ،‬والبراهين الباهرات ‪ ،‬فصلوات ال وسلمه عليهم دائما‬
‫مستمرا ما دامت الرض والسموات‪.‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا اللّهَ ِذكْرًا كَثِيرًا (‪ )41‬وَسَبّحُوهُ ُبكْ َر ًة وََأصِيل (‪ُ )42‬هوَ الّذِي ُيصَلّي‬
‫جكُمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّو ِر َوكَانَ بِا ْل ُمؤْمِنِينَ َرحِيمًا (‪} )43‬‬
‫عَلَ ْيكُ ْم َومَل ِئكَتُهُ لِ ُيخْرِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬تمخرق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬النيرنجيات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الصدقة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/431‬‬

‫تَحِيّ ُتهُمْ َيوْمَ يَ ْل َقوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدّ َلهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (‪)44‬‬

‫{ َتحِيّ ُتهُمْ َيوْمَ َي ْلقَوْنَهُ سَل ٌم وَأَعَدّ َل ُهمْ أَجْرًا كَرِيمًا (‪.} )44‬‬
‫يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بكثرة ذكرهم لربهم تعالى ‪ ،‬المنعم عليهم بأنواع النعم وأصناف (‬
‫‪ )1‬المنن ‪ ،‬لما لهم في ذلك من جزيل الثواب ‪ ،‬وجميل المآب‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن عبد ال بن سعيد (‪ ، )2‬حدثني مولى بن عياش (‪)3‬‬
‫عن أبي بَحرية (‪ ، )4‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وسلم ‪" :‬أل أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم ‪ ،‬وأرفعها في درجاتكم ‪ ،‬وخير لكم من‬
‫إعطاء الذهب والوَرق ‪ ،‬وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ‪ ،‬ويضربوا أعناقكم ؟"‬
‫قالوا ‪ :‬وما هو يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬ذكر ال عز وجل"‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث عبد ال بن سعيد بن أبي هند ‪ ،‬عن زياد ‪ -‬مولى‬
‫ابن عياش (‪ - )5‬عن أبي بَحرية ‪ -‬واسمه عبد ال بن قيس التراغمي ‪ -‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬به (‬
‫‪ .)6‬قال الترمذي ‪ :‬ورواه بعضهم عنه فأرسله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وصنوف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عباس"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عن أبي عرة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عباس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )5/195‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3377‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3790‬‬

‫( ‪)6/431‬‬

‫قلت ‪ :‬وقد تقدم هذا الحديث عند قوله تعالى ‪ { :‬وَالذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيرًا وَالذّاكِرَاتِ } في مسند‬
‫[المام] (‪ )1‬أحمد ‪ ،‬من حديث زياد بن أبي زياد مولى عبد ال بن عَيّاش ‪ :‬أنه بلغه عن معاذ بن‬
‫جبل ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بنحوه ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫حمْصي قال ‪:‬‬
‫وقال (‪ )2‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا فرج بن َفضَالة ‪ ،‬عن أبي سعد ال ِ‬
‫سمعت أبا هريرة يقول ‪ :‬دعاء سمعته من رسول ال صلى ال عليه وسلم ل أدعه ‪" :‬اللهم ‪،‬‬
‫اجعلني أعظم شكرك ‪ ،‬وأتبع نصيحتك ‪ ،‬وأكثر ذكرك ‪ ،‬وأحفظ وصيتك"‪)3( .‬‬
‫ورواه الترمذي عن يحيى بن موسى ‪ ،‬عن وكيع ‪ ،‬عن أبي فضالة الفرج بن فضالة ‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد الحمصي ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬فذكر مثله وقال ‪ :‬غريب‪)4( .‬‬
‫وهكذا رواه المام أحمد أيضا عن أبي النضر هاشم بن القاسم ‪ ،‬عن فرج بن فضالة ‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد المدني (‪ )5‬عن أبي هريرة فذكره‪)6( .‬‬
‫وقال (‪ )7‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن َم ْهدِي ‪ ،‬عن معاوية بن صالح ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫قيس قال ‪ :‬سمعت عبد ال بن ُبسْر يقول ‪ :‬جاء أعرابيان إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقال أحدهما ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أي الناس خير ؟ قال ‪" :‬مَنْ طال عمره وحسن عمله"‪ .‬وقال الخر‬
‫‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن شرائع السلم قد كثرت علينا (‪ ، )8‬فمرني بأمر أتشبث به‪ .‬قال ‪" :‬ل يزال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لسانك َرطْبًا بذكر ال"‪)9( .‬‬
‫وروى الترمذي وابن ماجه [منه] (‪ )10‬الفصل الثاني ‪ ،‬من حديث معاوية بن صالح ‪ ،‬به‪)11( .‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫وقال (‪ )12‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا سُرَيج (‪ ، )13‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث قال ‪ :‬إنّ‬
‫دَرّاجا أبا السمح حدثه ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬أكثروا ذكر ال حتى يقولوا ‪ :‬مجنون‪)14( ".‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا عبد ال بن أحمد ‪ ،‬حدثنا عقبة بن مُكرم ال َعمّي ‪ ،‬حدثنا سعيد بن سفيان (‬
‫جحْدَرِي ‪ ،‬حدثنا الحسن بن أبي جعفر ‪ ،‬عن عقبة بن أبي ثُبَيت (‪ )16‬الراسبي ‪ ،‬عن أبي‬
‫‪ )15‬ال َ‬
‫الجوزاء ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اذكروا ال ذكرا كثيرا‬
‫[حتى] (‪ )17‬يقول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)2/477‬‬
‫(‪ )4‬سنن الترمذي برقم (‪.)3604‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬المزني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)2/311‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬عليّ"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)4/190‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬سنن الترمذي برقم (‪ )3375‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3793‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في أ ‪" :‬شريح"‪.‬‬
‫(‪ )14‬المسند (‪ )3/68‬وفيه دراج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )15‬في أ ‪" :‬سفر"‪.‬‬
‫(‪ )16‬في أ ‪" :‬سبب"‪.‬‬
‫(‪ )17‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمعجم‪.‬‬

‫( ‪)6/432‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المنافقون ‪ :‬تراءون‪)1( ".‬‬
‫وقال (‪ )2‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ‪ ،‬حدثنا شداد أبو طلحة الراسبي ‪ ،‬سمعت‬
‫أبا الوازع جابر بن عمرو يحدث عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا ال فيه ‪ ،‬إل رأوه حسرة يوم القيامة‪)3( ".‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله تعالى ‪ { :‬ا ْذكُرُوا اللّهَ ِذكْرًا كَثِيرًا } ‪ :‬إن ال لم‬
‫يفرض [على عباده] (‪ )4‬فريضة إل [جعل لها حدا معلوما ‪ ،‬ثم] (‪ )5‬عذر أهلها في حال عذر ‪،‬‬
‫غير الذكر ‪ ،‬فإن ال لم يجعل له حدّا ينتهي إليه ‪ ،‬ولم يعذر أحدًا في تركه ‪ ،‬إل مغلوبا على تركه‬
‫‪ ،‬فقال ‪ { :‬فَا ْذكُرُوا اللّهَ قِيَامًا َو ُقعُودًا وَعَلَى جُنُو ِبكُمْ } [النساء ‪ ، ]103 :‬بالليل والنهار ‪[ ،‬في البر‬
‫والبحر] (‪ ، )6‬وفي السفر والحضر ‪ ،‬والغنى والفقر ‪ ،‬والصحة والسقم ‪ ،‬والسر والعلنية ‪ ،‬وعلى‬
‫كل حال ‪ ،‬وقال ‪ { :‬وَسَبّحُوهُ ُبكْ َر ًة وََأصِيل } فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملئكته‪.‬‬
‫والحاديث واليات والثار في الحث على ذكر ال كثيرة جدا ‪ ،‬وفي هذه الية الكريمة الحث‬
‫على الكثار (‪ )7‬من ذلك‪.‬‬
‫وقد صنف الناس في الذكار المتعلقة بآناء الليل والنهار كالنسائي والمعمري وغيرهما (‪ ، )8‬ومن‬
‫أحسن الكتب المؤلفة في ذلك كتاب الذكار للشيخ محيي الدين النووي ‪ ،‬رحمه ال تعالى (‪)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير للطبراني (‪ )12/169‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/76‬فيه الحسين بن‬
‫أبي جعفر الجعفري وهو ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬زاده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )2/224‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/80‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬الكثرار"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬والمعمري والكلم الطيب لشيخ السلم وغيرهم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬وقد طبع كتاب الذكار بتحقيق الشيخ عبد القادر الرناؤوط في دار الهدى وعليه تخريج لبن‬
‫علن اسمه ‪" :‬الفتوحات الربانية" طبع في الهند‪.‬‬
‫هذا وقد جاء في نسخة "ت" بعد هذه الفقرة ما يلي ‪:‬‬
‫"فذكر ال أصل موالة ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ورأسها‪ .‬والغفلة أصل معاداته ورأسها ‪ ،‬فإن العبد ل‬
‫يزال يذكر ربه حتى يحبه فيواليه ‪ ،‬ول يزال يغفل عنه حتى يبغضه ويعاديه‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫(ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) وما استجلبت نعم ال تعالى‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫واستدفعت نقمة بمثل ذكر ال ‪ ،‬فالذكر جلب النعم دفاع النقم‪ .‬قال تعالى ‪( :‬إن ال يدفع عن الذين‬
‫آمنوا) وفي القراءة الخرى ‪( :‬يدافع عن الذين آمنوا) فدفعه ودفاعه عنهم بحسب قوة إيمانهم‬
‫وكماله ومادة اليمان وقوته بذكر ال ‪ ،‬فمن كان أكمل إيمانا وأكثر ذكرا كان دفاع ال عنه ‪،‬‬
‫ودفعه أعظم‪ .‬ومن نقص نقص ذكر بذكر ونسيان بنسيان ‪ ،‬وقال تعالى ‪( :‬وإذ تأذن ربكم لئن‬
‫شكرتم لزيدنكم) والذكر رأس الشكر ‪ ،‬والشكر جلب النعم ‪ ،‬موجب للمزيد‪ .‬قال بعض السلف ‪:‬‬
‫ما أقبح الغفلة عن ذكر من ل يغفل عن برك‪ .‬ومجالس الذكر رياض الجنة كما روى ابن أبي‬
‫الدنيا من حديث جابر ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"يأيها الناس ارتعوا في رياض الجنة" قلنا يا رسول ال ‪ :‬وما رياض الجنة ؟ قال ‪" :‬مجالس‬
‫الذكر" ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اغدوا وروحوا فاذكروا فمن كان يحب أن يعلم منزلته عند ال ‪ ،‬فلينظر كيف‬
‫منزلة ال عنده ‪ ،‬فإن ال ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه"‪ .‬فمجالس الذكر مجالس الملئكة‬
‫كما في الصحيحين عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬إن ل ملئكة َفضْل عن كتاب الناس يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر ‪ ،‬فإذا وجدوا‬
‫قومًا يذكرون ال تنادوا هلم إلى حاجتكم ‪ ،‬فتحف بأجنحتها إلى السماء الدنيا ‪ ،‬فيسألهم ربهم وهو‬
‫أعلم بهم ‪ :‬ما يقول عبادي ؟ قال ‪ :‬يقولون ‪ :‬يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال ‪:‬‬
‫وهل رأوني ؟ قال ‪ :‬يقولون ‪ :‬ل وال يا ربنا ما رأوك ‪ ،‬فيقول ‪ :‬كيف لو أنهم رأوني ؟ قال ‪:‬‬
‫فيقولون ‪ :‬لو أنهم رأوك كانوا أشد عبادة وأشد تحميدا وتمجيدا ‪ ،‬وأكثر تسبيحا ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ما‬
‫يسألوني ؟ فيقولون ‪ :‬يسألونك الجنة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬وهل رأوها ؟ فيقولون ‪ :‬ل وال يا ربنا ما رأوها ‪،‬‬
‫فيقول ‪ :‬كيف لو رأوها ؟ فيقولون ‪ :‬لو رأوها كانوا أشد حرصا عليها ‪ ،‬وأشد لها طلبا ‪ ،‬وأعظم‬
‫فيها رغبة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬مم يتعوذون ؟ قال ‪ :‬فيقولون ‪ :‬من النار ‪ ،‬فيقول ‪ :‬هل رأوها ؟ فيقولون ‪:‬‬
‫ل وال يا ربنا ما رأوها ‪ ،‬فيقول ‪ :‬كيف لو رأوها ؟ فيقولون ‪ :‬لو رأوها كانوا أشد منها فرارا‬
‫وأشد لها مخافة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬فأشهدكم أني قد غفرت لهم ‪ ،‬فيقول ملك من الملئكة ‪ :‬إن فيهم فلنا‬
‫ليس منهم ‪ ،‬إنما جاء لحاجة‪ .‬قال ‪ :‬هم القوم ل يشقى بهم جليسهم" ‪ ،‬فهذا من بركتهم على نفوسهم‬
‫وعلى جليسهم ‪ ،‬فلهم نصيب من قوله ‪( :‬وجعلني مباركا أينما كنت) [مريم ‪ ]31 :‬وإن ال ‪ ،‬عز‬
‫وجل ‪ ،‬ليباهى بالذاكرين الملئكة ‪ ،‬كما روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال ‪:‬‬
‫خرج معاوية على حلقة في المسجد ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما أجلسكم ؟ قالوا ‪ :‬جلسنا نذكر ال‪ .‬قال ‪ :‬ما‬
‫أجلسكم إل ذلك ؟ قالوا ‪ :‬وال ما أجلسنا إل ذلك‪ .‬قال ‪ :‬أما إني لم أسألكم تهمة لكم ‪ ،‬وما كان أحد‬
‫بمنزلتي من رسول ال صلى ال عليه وسلم أقل‬
‫عنه حديثا مني ‪ ،‬وإن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه‪ .‬قالوا ‪ :‬جلسنا‬
‫نذكر ال ونحمده على ما هدانا للسلم ‪ ،‬ومَنْ علينا بك‪ .‬قال ‪" :‬آل ما أجلسكم إل ذلك ؟" قالوا ‪:‬‬
‫آل ما أجلسنا إل ذلك ؟ قال ‪" :‬أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ‪ ،‬ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يباهي بكم الملئكة" فهذه المباهاة من الرب تبارك وتعالى ‪ ،‬دليل على شرف الذكر عنده ومحبته‬
‫له وأن له مزية على غيره من العمال‪.‬‬
‫والذكر نوعان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ذكر أسماء الرب وصفاته والثناء عليه ‪ ،‬وتنزيهه وتقديسه عما ل يليق‬
‫به وهذا أيضا نوعان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬إنشاء الثناء بها من الذاكر ‪ ،‬وهذا النوع هو المذكور في الحديث‬
‫نحو ‪ :‬سبحان ال والحمد ل ‪ ،‬ول إله إل ال وال أكبر ‪ ،‬وسبحان ال وبحمده ‪ ،‬ول إله إل ال‬
‫وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬فأفضل هذا النوع‬
‫أجمعه للثناء وأعمه نحو ‪ :‬سبحان ال عدد خلقه ‪ ،‬فهذا أفضل من مجرد سبحان ال ‪ ،‬وقول ‪:‬‬
‫الحمد ل عدد ما خلق في السماء ‪ ،‬وعدد ما خلق في الرض ‪ ،‬وعدد ما خلق بينهما ‪ ،‬وعدد ما‬
‫هو خالق ‪ ،‬أفضل من مجرد قولك ‪ :‬الحمد ل ‪ ،‬وهذا في حديث جويرية أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال لها ‪" :‬لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم ‪ ،‬لوزنتهن ‪:‬‬
‫سبحان ال عدد خلقه ‪ ،‬سبحان ال رضا نفسه ‪ ،‬سبحان ال زنة عرشه ‪ ،‬سبحان ال مداد كلماته"‪.‬‬
‫رواه مسلم‪ .‬وفي الترمذي وسنن أبي داود عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم على امرأة بين يديها نوى أو حصى تسبح به ‪ ،‬فقال ‪" :‬أخبرك بما هو أيسر عليك‬
‫من هذا وأفضل ؟" فقال ‪ :‬سبحان ال عدد ما خلق في السماء ‪ ،‬وسبحان ال عدد ما خلق في‬
‫الرض ‪ ،‬وسبحان ال عدد ما بين ذلك ‪ ،‬وسبحان ال عدد ما هو خالق ‪ ،‬وال أكبر مثل ذلك ‪،‬‬
‫ول إله إل ال مثل ذلك ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال مثل ذلك"‪.‬‬
‫والنوع الثاني ‪ :‬الخبر عن الرب تبارك وتعالى بأحكام أسمائه وصفاته نحو قولك ‪ :‬إن ال ‪ ،‬عز‬
‫وجل ‪ ،‬يسمع أصوات عباده ‪ ،‬ويرى حركاتهم ‪ ،‬ول يخفى عليه خافية من أعمالهم ‪ ،‬وهو أرحم‬
‫من آبائهم وأمهاتهم ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير ‪ ،‬وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد الواجد ونحو‬
‫ذلك‪ .‬وأفضل هذا النوع الثناء عليه بما أثنى به على نفسه ‪ ،‬وبما أثنى عليه رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم من غير تحريف ول تعطيل ‪ ،‬ومن غير تشبيه ول تمثيل كما قال ‪( :‬ليس كمثله شيء وهو‬
‫السميع البصير) ‪ ،‬وهذا النوع أيضا ثلثة أنواع ‪ :‬حمد ‪ ،‬وثناء ‪ ،‬ومجد‪.‬‬
‫فالحمد ‪ :‬الخبار عنه بصفات كماله مع محبته والرضا عنه ‪ ،‬ول يكون المحب الساكت حامدا ‪،‬‬
‫ول المثنى بل محبة حامدا ‪ ،‬حتى يجمع له المحبة والثناء ‪ ،‬فإن كرر المحامد شيئا بعد شيء ‪،‬‬
‫كانت ثناء ‪ ،‬فإن كان المدح بصفات الجلل والعظمة والكبرياء والملك كان مجدا‪ .‬قد جمع ال‬
‫تعالى لعبده النواع الثلثة فى أول سورة فاتحة الكتاب ‪ ،‬فإذا قال العبد ‪( :‬الحمد ل رب العالمين)‬
‫قال ال ‪ :‬حمدني عبدي ‪ ،‬وإذا قال ‪( :‬الرحمن الرحيم) قال ‪ :‬أثنى عََليّ عبدي‪ .‬وإذا قال ‪( :‬مالك‬
‫يوم الدين) قال ‪ :‬مجدني عبدي‪.‬‬
‫والنوع الثاني من الذكر ‪ :‬ذكر أمره ونهيه وأحكامه ‪ ،‬وهذا أيضا نوعان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ذكره بذلك‬
‫إخبارا عنه بأنه أمر بكذا ونهى عن كذا وأحب كذا وسخط كذا ‪ ،‬والثاني ‪ :‬ذكره عند أمره فيبادر‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إليه ‪ ،‬وعند نهيه فيهرب منه ‪ ،‬فذكر أمره ونهيه شيء ‪ ،‬وذكره عند أمره ونهيه شيء آخر ‪ ،‬فإذا‬
‫اجتمعت هذه النواع للذاكر ‪ ،‬فذكره أفضل الذكر وأجله وأعظمه‪.‬‬
‫فائدة ‪:‬‬
‫فهذا ذكره هو الفقه الكبر ‪ ،‬وما دونه من أفضل الذكر إذا صحت فيه النية ‪ ،‬ومن ذكره تعالى‬
‫ذكر آلئه وإنعامه وإحسانه وأياديه ومواقع فضله على عبيده ‪ ،‬وهذا من أجل أنواع الذكر ‪ ،‬فهذه‬
‫خمسة أنواع ‪ ،‬وهي تكون بالقلب واللسان ‪ ،‬وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان ؛‬
‫لن ذكر القلب يثمر المعرفة ‪ ،‬ويصح المحبة ‪ ،‬ويثير الحياء ‪ ،‬ويبعث على المخافة ‪ ،‬ويدعو إلى‬
‫المراقبة ‪ ،‬ويردع عن التقصير في الطاعة والتهاون في المعاصي والسيئات ‪ ،‬وذكر اللسان وحده‬
‫ل يوجب شيئا ما من تلك الثمار ‪ ،‬وإن أثمر شيئا ما ‪ ،‬فثمرته ضعيفة‪.‬‬
‫والذكر أفضل من الدعاء ؛ لن الذكر ثناء على ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬بجميل صفاته وآلئه وأسمائه ‪،‬‬
‫والدعاء سؤال العبد حاجته ‪ ،‬فأين هذا من هذا ؟ ولهذا جاء في الحديث ‪" :‬مَنْ شغله ذكري عن‬
‫مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"‪ .‬ولهذا كان مستحبا في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد ال‬
‫والثناء عليه بين يدي حاجته ‪ ،‬ثم يسأل حاجته كما جاء في حديث فضالة بن عبيد أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم سمع رجل يدعو في صلته لم يحمد ال ولم يصل على النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لقد عجل هذا" ‪ ،‬ثم دعاه فقال له أو لغيره ‪" :‬إذا‬
‫صلى أحدكم ‪ ،‬فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ‪ ،‬ثم يصلي على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم‬
‫يدعو بما شاء "‪ .‬رواه المام أحمد والترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح‪ .‬وهكذا دعا ذو النون‬
‫الذي قال فيه النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إل فرج ال‬
‫كربه ‪ :‬ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" وفي الترمذي ‪ :‬دعوة أخي ذي النون إذ‬
‫دعا بها في بطن الحوت ‪ :‬ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ‪ ،‬فإنه لم يدع بها مسلم‬
‫في شيء قط إل استجاب ال له"‪ .‬وهكذا عامة الدعية النبوية ‪ ،‬ومنه‬
‫قول النبي صلى ال عليه وسلم في دعاء الكرب ‪" :‬ل إله إل ال رب العرش العظيم ‪ ،‬ل إله إل‬
‫ال رب السموات السبع ورب الرض ورب العرش الكريم"‪ .‬ومنه حديث بريدة السلمي ‪ ،‬رواه‬
‫أهل السنن أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سمع رجل يدعو وهو يقول ‪ :‬اللهم أسألك بأني‬
‫أشهد أنك أنت ال الذي ل إله إل أنت الحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ‪ ،‬ولم يكن له كفوا أحد ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬والذي نفسي بيده لقد سأل ال باسمه العظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى"‪.‬‬
‫وروى أبو داود والنسائي من حديث أنس أنه كان مع النبي صلى ال عليه وسلم جالسا ورجل‬
‫يصلي ثم دعا ‪ :‬اللهم أسألك بأن لك الحمد ل إله إل أنت بديع السموات والرض يا ذا الجلل‬
‫والكرام يا حي يا قيوم فقال النبي ‪" :‬لقد دعا ال باسمه العظيم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل‬
‫به أعطى" وروى أبو داود والنسائي من حديث أنس ‪ ،‬فأخبر النبي صلى ال عليه وسلم أن الدعاء‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يستجاب إذا تقدمه هذا الثناء والذكر ‪ ،‬وأنه اسم ال العظم ‪ ،‬فكان ذكر ال والثناء عليه أنجح ما‬
‫سأل به حوائجه ‪ ،‬فهذا من فوائد الذكر ‪ ،‬وهو أنه يجعل الدعاء مستجابا فلهذا قال تعالى ‪( :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا اذكروا ال ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيل) فالدعاء الذي يتقدمه الذكر والثناء أقرب‬
‫إلى الجابة من الدعاء المجرد ‪ ،‬فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره‬
‫واعترافه ‪ ،‬كان أبلغ في الجابة وأفضل‪ .‬فإنه يكون قد توسل إلى المدعو بصفات كماله وإحسانه‬
‫وفضله ‪ ،‬وعرض ‪ ،‬بل صرح ‪ ،‬بشدة حالته وضرورته وفقره ومسكنته ‪ ،‬فهذا المقتضى منه‬
‫وأوصاف المسؤول مقتضى منه ‪ ،‬فاجتمع المقتضى من السائل والمقتضى من المسؤول في الدعاء‬
‫‪ ،‬فكان أبلغ وألطف موقعا وأتم معرفة وعبودية ‪ ،‬وأنت ترى في الشاهد ول المثل العلى أن‬
‫الرجل إذا توسل إلى من يريد معروفه بكرمه وجوده وبره ‪ ،‬وذكر حاجته هو وفقره ومسكنته ‪،‬‬
‫كان أعطف لقلب المسؤول وأقرب إلى قضاء حاجته من أن يقول له ابتداء أعطني كذا وكذا ‪ ،‬فإذا‬
‫عرف هذا فتأمل قول موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪( :‬رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) وقول ذي‬
‫النون في دعائه ‪( :‬ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) وقول أبينا آدم ‪( :‬ربنا ظلمنا‬
‫أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وفي الصحيحين أن أبا بكر الصديق رضي‬
‫ال عنه ؛ قال يا رسول ال ‪ ،‬علمني دعاء أدعو به في صلتي فقال ‪" :‬قل اللهم إني ظلمت نفسي‬
‫ظلما كثيرا ول يغفر الذنوب إل أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور‬
‫الرحيم" فجمع في هذا الدعاء الشريف العظيم القدر بين العتراف بحاله ‪ ،‬والتوسل إلى ربه‬
‫بفضله وجوده ‪ ،‬وأنه المتفرد بغفران الذنوب ثم سأل حاجته بعد التوسل بالمرين معا فهكذا آداب‬
‫الدعاء والعبودية‪.‬‬
‫وقراءة القرآن أفضل الذكار وهي أفضل من الذكر ‪ ،‬والذكر أفضل من الدعاء ‪ ،‬وهذا من حيث‬
‫النظر إلى كل واحد منهما مجردا ‪ ،‬وقد تعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل ‪ ،‬بل تعينه‬
‫فل يجوز أن يعدل عنه إلى الفاضل ‪ ،‬وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود ‪ ،‬فإنه أفضل من قراءة‬
‫القرآن ‪ ،‬وكذلك التشهد ‪ ،‬وكذلك رب اغفر لي بين السجدتين ‪ ،‬وقول رب اغفر لي وارحمني‬
‫واهدني وعافني وارزقني بين السجدتين أفضل من القراءة‪ .‬وكذلك الذكر عقيب السلم من الصلة‬
‫‪ ،‬ذكر التهليل والتسبيح والتكبير والتحميد أفضل من الشتغال عنه بالقراءة‪ .‬وكذلك إجابة‬
‫المؤذن ‪ ،‬والقول كما يقول ‪ ،‬أفضل من القراءة ‪ ،‬وإن كان فضل القرآن على كل كلم كفضل ال‬
‫على خلقه ‪ ،‬لكن لكل مقام مقال ‪ ،‬متى فات مقاله فيه وعدل عنه إلى غيره ‪ ،‬واختلت الحكمة ‪،‬‬
‫وفقدت المصلحة المطلوبة منه ‪ ،‬وهكذا الذكار المفيدة بمحال مخصوصة أفضل من القراءة‬
‫المطلقة اللهم إل أن يعرض للعبد ما يجعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة القرآن ‪ ،‬مثاله أن‬
‫يحدث له من التفكر في ذنوبه فيحصل له توبة واستغفار أو يحصل له ما يخاف أذاه من شياطين‬
‫النس والجن ‪ ،‬فيعدل إلى الذكار والدعوات التي تحصنه وتحوطه ‪ ،‬وكذلك أيضا قد يعرض‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫للعبد حاجة ضرورية إذا اشتغل عن سؤالها بقراءة القرآن ‪ ،‬لم يحضر قلبه فيها‪ .‬وإذا أقبل على‬
‫الذكر والدعاء إليها اجتمع قلبه كله على ال ‪ ،‬وأحدث له تضرعا وخشوعا وابتهال ‪ ،‬فهذا قد‬
‫يكون اشتغاله بالدعاء والحالة هذه أنفع له ‪ ،‬وإن كان كل من القراءة والذكر أفضل وأكثر أجرا ‪،‬‬
‫وهذا باب نافع يحتاج إلى فقه نص وفرقان بين فضيلة الشيء في نفسه وبين فضيلته العارضة ‪،‬‬
‫فيعطي كل ذي حق حقه ويضع كل شيء موضعه ‪ ،‬فللعين موضع ‪ ،‬وللرجل موضع ‪ ،‬وللماء‬
‫موضع ‪ ،‬وللحم موضع ‪ ،‬وحفظ المراتب هو من تمام الحكمة التي هي نظام المر والنهي ‪ ،‬وال‬
‫الموفق‪.‬‬
‫وهكذا الصابون والشنان أنفع للثوب في وقت ‪ ،‬والتحمير وماء الورد أنفع له في وقت‪ .‬وقلت‬
‫لشيخ السلم ابن تيمية ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬يوما ‪ :‬سئل بعض أهل العلم ‪ :‬أيما أنفع للعبد التسبيح أو‬
‫الستغفار ؟ فقال ‪ :‬إذا كان الثوب نقيا فالبخور وماء الورد نافع له ‪ ،‬وإن كاد دنسا فالصابون‬
‫والماء الجاري أنفع له فقال ‪ :‬كيف والثياب ل تزال دنسة ؟‪.‬‬
‫ومن هذا الباب أن سورة (قل هو ال أحد ال) تعدل ثلث القرآن ‪ ،‬ومع هذا فل تقوم مقام آيات‬
‫المواريث والطلق والخلع والعدد ونحوها ‪ ،‬بل هذه اليات في وقتها ‪ ،‬وعند الحاجة إليها أنفع من‬
‫تلوة سورة الخلص‪ .‬ولما كانت الصلة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء ‪ ،‬وهي جامعة‬
‫لجزاء العبودية على أتم الوجوه ‪ ،‬فكانت أفضل من كل القراءة والذكر والدعاء بمفرده بجمعها‬
‫ذلك كله مع عبودية سائر العضاء فهذا أصل نافع جدا للعبد يفتح للعبد باب معرفة مراتب‬
‫العمال وينزلها منازلها لئل يشتغل بمفضولها عن فاضلها فيرنح عليه إبليس الفضل الذي بينهما‬
‫أو ينظر إلى فاضلها فيشتغل عن مفضولها ‪ ،‬وإن كان ذلك وقته فتفوته مصلحته بالكلية لظنه أن‬
‫اشتغاله به أكثر ثوابا وأعظم أجرا"‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫( ‪)6/433‬‬

‫وقوله ‪ { :‬وَسَبّحُوهُ ُبكْ َر ًة وََأصِيل } أي ‪ :‬عند الصباح والمساء ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬فَسُ ْبحَانَ اللّهِ حِينَ‬
‫ظهِرُونَ } [الروم ‪، 17 :‬‬
‫ت وَال ْرضِ وَعَشِيّا َوحِينَ تُ ْ‬
‫س َموَا ِ‬
‫حمْدُ فِي ال ّ‬
‫ن وَلَهُ الْ َ‬
‫ن وَحِينَ ُتصْبِحُو َ‬
‫ُتمْسُو َ‬
‫‪]18‬‬
‫علَ ْيكُ ْم َومَل ِئكَتُهُ } ‪ :‬هذا تهييج إلى الذكر ‪ ،‬أي ‪ :‬إنه سبحانه يذكركم‬
‫وقوله ‪ُ { :‬هوَ الّذِي ُيصَلّي َ‬
‫فاذكروه أنتم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ { :‬كمَا أَ ْرسَلْنَا فِيكُمْ رَسُول مِ ْنكُمْ يَتْلُو عَلَ ْيكُمْ آيَاتِنَا وَيُ َزكّيكُ ْم وَ ُيعَّل ُمكُمُ‬
‫شكُرُوا لِي وَل َت ْكفُرُونِ }‬
‫ح ْكمَ َة وَ ُيعَّل ُمكُمْ مَا لَمْ َتكُونُوا َتعَْلمُونَ‪ .‬فَا ْذكُرُونِي َأ ْذكُ ْركُ ْم وَا ْ‬
‫ا ْلكِتَابَ وَالْ ِ‬
‫[البقرة ‪ .]152 ، 151 :‬وقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يقول ال ‪ :‬مَنْ ذكرني في نفسه ذكرته‬
‫في نفسي ‪ ،‬ومَنْ ذكرني في مَل ذكرته في مل خير منهم" (‪)1‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والصلة من ال ثناؤه على العبد عند الملئكة ‪ ،‬حكاه البخاري عن أبي العالية‪ .‬ورواه أبو جعفر‬
‫الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عنه‪.‬‬
‫حمَةٌ } ]‬
‫وقال غيره ‪ :‬الصلة من ال ‪ :‬الرحمة [ورد بقوله ‪ { :‬أُولَ ِئكَ عَلَ ْيهِمْ صََلوَاتٌ مِنْ رَ ّبهِ ْم وَ َر ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫وقد يقال ‪ :‬ل منافاة بين القولين وال أعلم‪.‬‬
‫حمِلُونَ‬
‫وأما الصلة من الملئكة ‪ ،‬فبمعنى الدعاء للناس والستغفار (‪ ، )3‬كقوله ‪ { :‬الّذِينَ َي ْ‬
‫شيْءٍ‬
‫س ْعتَ ُكلّ َ‬
‫حمْدِ رَ ّبهِ ْم وَ ُي ْؤمِنُونَ ِب ِه وَيَسْ َت ْغفِرُونَ لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا وَ ِ‬
‫حوْلَهُ ُيسَبّحُونَ ِب َ‬
‫ش َومَنْ َ‬
‫ا ْلعَرْ َ‬
‫عدْنٍ الّتِي‬
‫جحِيمِ رَبّنَا وَأَدْخِ ْل ُهمْ جَنّاتِ َ‬
‫عذَابَ الْ َ‬
‫ك َو ِقهِمْ َ‬
‫غفِرْ لِلّذِينَ تَابُوا وَاتّ َبعُوا سَبِيَل َ‬
‫حمَةً وَعِ ْلمًا فَا ْ‬
‫رَ ْ‬
‫حكِي ُم َو ِقهِمُ السّيّئَاتِ } الية‪.‬‬
‫جهِ ْم وَذُرّيّا ِتهِمْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫ن صَلَحَ مِنْ آبَا ِئ ِه ْم وَأَ ْزوَا ِ‬
‫وَعَدْ َتهُ ْم َومَ ْ‬
‫[غافر ‪.]9 - 7 :‬‬
‫ج ُكمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ } أي ‪ :‬بسبب رحمته بكم وثنائه عليكم ‪ ،‬ودعاء‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ ُيخْرِ َ‬
‫ملئكته لكم ‪ ،‬يخرجكم من ظلمات الجهل والضلل إلى نور الهدى واليقين‪َ { .‬وكَانَ بِا ْل ُمؤْمِنِينَ‬
‫رَحِيمًا } أي ‪ :‬في الدنيا والخرة ‪ ،‬أما في الدنيا ‪ :‬فإنه هداهم إلى الحق الذي جهله غيرهم ‪،‬‬
‫ضلّ عنه وحاد عنه من سواهم من الدعاة إلى الكفر أو البدعة وأشياعهم (‬
‫و َبصّرهم الطريق الذي َ‬
‫‪ )4‬من الطغام (‪ .)5‬وأما رحمته بهم في الخرة ‪ :‬فآمنهم من الفزع الكبر ‪ ،‬وأمر ملئكته‬
‫يتلقونهم بالبشارة بالفوز بالجنة والنجاة من النار ‪ ،‬وما ذاك إل لمحبته لهم ورأفته بهم‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن أبي عدي ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬مر‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم في نفر من أصحابه وصبي في الطريق ‪ ،‬فلما رأت أمه القوم‬
‫سعَت فأخذته ‪ ،‬فقال القوم ‪ :‬يا‬
‫خشيت على ولدها أن يوطأ ‪ ،‬فأقبلت تسعى وتقول ‪ :‬ابني ابني ‪ ،‬وَ َ‬
‫رسول ال ‪ ،‬ما كانت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )7405‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )2675‬من حديث أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬والستغفار إليهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأتباعهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الطغاة"‪.‬‬

‫( ‪)6/436‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّا أَ ْرسَلْنَاكَ شَا ِهدًا َومُبَشّرًا وَنَذِيرًا (‪ )45‬وَدَاعِيًا إِلَى اللّهِ بِِإذْنِ ِه وَسِرَاجًا مُنِيرًا (‪)46‬‬
‫ن وَ َدعْ أَذَاهُ ْم وَ َت َو ّكلْ‬
‫ن وَا ْلمُنَافِقِي َ‬
‫وَبَشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ بِأَنّ َلهُمْ مِنَ اللّهِ َفضْلًا كَبِيرًا (‪ )47‬وَلَا تُطِعِ ا ْلكَافِرِي َ‬
‫عَلَى اللّ ِه َو َكفَى بِاللّ ِه َوكِيلًا (‪)48‬‬

‫خفّضهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال ‪" :‬ول ال (‪ ، )1‬ل‬


‫هذه لتلقي ابنها في النار‪ .‬قال ‪ :‬فَ َ‬
‫يلقي حبيبه في النار"‪.‬‬
‫إسناده على شرط الصحيحين ‪ ،‬ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة (‪ ، )2‬ولكن في صحيح‬
‫المام البخاري ‪ ،‬عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى‬
‫امرأة من السبي قد أخذت صبيا لها ‪ ،‬فألصقته إلى صدرها ‪ ،‬وأرضعته فقال ‪" :‬أترون هذه تلقي‬
‫ولدها في النار وهي تقدر على ذلك ؟" قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪" :‬فوال ‪ ،‬ل أرحم بعباده من هذه بولدها" (‬
‫‪.)3‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬تحِيّ ُتهُمْ َيوْمَ يَ ْل َقوْنَهُ سَلمٌ } الظاهر أن المراد ‪ -‬وال أعلم ‪ { -‬تَحِيّ ُت ُهمْ } أي ‪ :‬من ال‬
‫تعالى يوم يلقونه { سَلمٌ } أي ‪ :‬يوم يسلم عليهم كما قال تعالى ‪ { :‬سَلمٌ َقوْل مِنْ َربّ َرحِيمٍ }‬
‫[يس ‪.]58 :‬‬
‫وزعم قتادة أن المراد أنهم يحيي (‪ )4‬بعضهم بعضا بالسلم ‪ ،‬يوم يلقون ال في الدار الخرة‪.‬‬
‫واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫عوَاهُمْ فِيهَا سُ ْبحَا َنكَ الّلهُمّ وَتَحِيّ ُتهُمْ فِيهَا سَل ٌم وَآخِرُ‬
‫قلت ‪ :‬وقد يستدل بقوله (‪ )5‬تعالى ‪ { :‬دَ ْ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [يونس ‪ ، ]10 :‬وقوله ‪ { :‬وَأَعَدّ َلهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا } (‪ )6‬يعني‬
‫عوَا ُهمْ أَنِ ا ْل َ‬
‫دَ ْ‬
‫‪ :‬الجنة وما فيها من المآكل والمشارب ‪ ،‬والملبس والمساكن ‪ ،‬والمناكح والملذ والمناظر وما ل‬
‫عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر‪.‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا َومُبَشّرًا وَنَذِيرًا (‪ )45‬وَدَاعِيًا إِلَى اللّهِ بِإِذْ ِن ِه وَسِرَاجًا مُنِيرًا (‪)46‬‬
‫ن وَا ْلمُنَا ِفقِينَ َو َدعْ َأذَا ُه ْم وَ َتوَ ّكلْ‬
‫وَبَشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ بِأَنّ َلهُمْ مِنَ اللّهِ َفضْل كَبِيرًا (‪ )47‬وَل ُتطِعِ ا ْلكَافِرِي َ‬
‫عَلَى اللّ ِه َو َكفَى بِاللّ ِه َوكِيل (‪.} )48‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا موسى بن داود ‪ ،‬حدثنا فُلَيْح بن سليمان ‪ ،‬عن هلل بن علي (‪ )7‬عن‬
‫عطاء بن يسار قال ‪ :‬لقيت عبد ال بن عمرو بن العاص فقلت ‪ :‬أخبرني عن صفة رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم في التوراة‪ .‬قال ‪ :‬أجل ‪ ،‬وال إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن ‪:‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا َومُبَشّرًا وَنَذِيرًا } وحرزا للميين ‪ ،‬أنت عبدي ورسولي ‪،‬‬
‫سميتك المتوكل ‪ ،‬لست بفظ (‪ )8‬ول غليظ ول سخاب في السواق ‪ ،‬ول يدفع السيئة بالسيئة ‪،‬‬
‫ولكن يعفو ويغفر (‪ ، )9‬ولن يقبضَه ال حتى يقيم به الملة العوجاء ‪ ،‬بأن ل إله إل ال ‪ ،‬فيفتح بها‬
‫أعينا عميا ‪ ،‬وآذانا صما ‪ ،‬وقلوبا غلفا"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ل وال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/104‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)5999‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يحيون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وقد يستدل له بقوله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬عظيما" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬روى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬ل بفظ" وفي أ ‪" :‬ل فظ"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ف ‪" :‬يعفو ويصفح ويغفر"‪.‬‬

‫( ‪)6/437‬‬

‫وقد رواه البخاري في "البيوع" عن محمد بن سنان ‪ ،‬عن فُلَيْح بن سليمان ‪ ،‬عن هلل بن علي به‪.‬‬
‫ورواه في التفسير عن عبد ال ‪ -‬قيل ‪ :‬ابن رجاء ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ابن صالح ‪ -‬عن عبد العزيز بن أبي‬
‫سلمة ‪ ،‬عن هلل ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬به (‪ .)1‬ورواه ابن أبي حاتم ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال بن رجاء ‪ ،‬عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ‪ ،‬به‪.‬‬
‫وقال البخاري في البيوع ‪ :‬وقال سعيد ‪ ،‬عن هلل ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن عبد ال بن سلم‪.‬‬
‫وقال وهب بن منبه ‪ :‬إن ال أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل ‪ -‬يقال له ‪ :‬شعياء ‪ -‬أن قم‬
‫في قومك بني إسرائيل ‪ ،‬فإني منطق لسانك بوحي وأبعث أميا من الميين ‪ ،‬أبعثه [مبشرا] (‪)2‬‬
‫ليس بفظ ول غليظ ول سخاب في السواق ‪ ،‬لو يمر إلى جنب سراج لم يطفئه ‪ ،‬من سكينته ‪،‬‬
‫ولو يمشي على القصب لم يسمع من تحت قدميه ‪ ،‬أبعثه مبشرا ونذيرا ‪ ،‬ل يقول الخنا ‪ ،‬أفتح به‬
‫أعينا ُك ْمهًا (‪ ، )3‬وآذانا صما ‪ ،‬وقلوبا غلفا ‪ ،‬أسَدّده لكل أمر جميل ‪ ،‬وأهب له كل خلق كريم ‪،‬‬
‫وأجعل السكينة لباسه ‪ ،‬والبر شعاره ‪ ،‬والتقوى ضميره ‪ ،‬والحكمة منطقه ‪ ،‬والصدق والوفاء‬
‫طبيعته ‪ ،‬والعفو والمعروف خلقه ‪ ،‬والحق شريعته ‪ ،‬والعدل سيرته ‪ ،‬والهدى إمامه ‪ ،‬والسلم‬
‫خمَالة ‪،‬‬
‫ملته ‪ ،‬وأحمد اسمه ‪ ،‬أهدي به بعد الضللة ‪ ،‬وأعلم به بعد الجهالة ‪ ،‬وأرفع به بعد ال َ‬
‫وأعرف به بعد الّنكْرَة ‪ ،‬وأكثر به بعد القلة ‪ ،‬وأغني به بعد العَيْلَة ‪ ،‬وأجمع به بعد الفرقة ‪،‬‬
‫وأؤلف به بين أمم متفرقة ‪ ،‬وقلوب مختلفة ‪ ،‬وأهواء متشتتة ‪ ،‬وأستنقذ به فِئامًا من الناس عظيمة‬
‫(‪ )4‬من الهلكة ‪ ،‬وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ‪ ،‬يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ‪،‬‬
‫موحدين مؤمنين مخلصين ‪ ،‬مصدقين لما جاءت به رسلي (‪ ، )5‬ألهمهم التسبيح والتحميد ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والثناء والتكبير والتوحيد ‪ ،‬في مساجدهم ومجالسهم ‪ ،‬ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم ‪ ،‬يصلون لي‬
‫قياما وقعودا ‪ ،‬ويقاتلون في سبيل ال (‪ )6‬صفوفا وزُحوفا ‪ ،‬ويخرجون من ديارهم ابتغاء‬
‫مرضاتي ألوفا ‪ ،‬يطهرون الوجوه والطراف ‪ ،‬ويشدون الثياب في النصاف ‪ ،‬قربانهم دماؤهم ‪،‬‬
‫وأناجيلهم في صدورهم ‪ ،‬رهبان بالليل ليُوث بالنهار ‪ ،‬وأجعل في أهل بيته وذريته السابقين‬
‫والصديقين والشهداء والصالحين ‪ ،‬أمته من بعده يهدون بالحق وبه يعدلون ‪ ،‬أعز مَنْ نصرهم ‪،‬‬
‫وأؤيد مَنْ دعا لهم ‪ ،‬وأجعل دائرة السوء على مَنْ خالفهم أو بغى عليهم ‪ ،‬أو أراد أن ينتزع شيئا‬
‫مما في أيديهم‪ .‬أجعلهم ورثة لنبيهم ‪ ،‬والداعية إلى ربهم ‪ ،‬يأمرون بالمعروف وينهون عن‬
‫المنكر ‪ ،‬ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ‪ ،‬ويوفون بعهدهم ‪ ،‬أختم بهم الخير الذي بدأته بأولهم ‪،‬‬
‫ذلك فضلي أوتيه من أشاء ‪ ،‬وأنا ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫هكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن وهب بن منبه اليماني ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫ثم قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن صالح ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن محمد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )2/174‬وصحيح البخاري برقم (‪ )2125‬ورقم (‪.)4838‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أعينا عميا كمها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬عظيم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬الرسل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬في سبيلي"‪.‬‬

‫( ‪)6/438‬‬

‫ع ّدةٍ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِذَا َنكَحْتُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ثُمّ طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ َت َمسّوهُنّ َفمَا َلكُمْ عَلَ ْيهِنّ مِنْ ِ‬
‫جمِيلًا (‪)49‬‬
‫ن وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحًا َ‬
‫َتعْتَدّو َنهَا َفمَ ّتعُوهُ ّ‬

‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس (‬


‫بن عبيد ال العَرْزَمي (‪ ، )1‬عن شَيْبَان النحوي ‪ ،‬أخبرني قتادة ‪ ،‬عن ِ‬
‫‪ )2‬قال ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّا أَ ْرسَلْنَاكَ شَا ِهدًا َومُبَشّرًا وَنَذِيرًا } ‪ -‬وقد كان أمر عليا‬
‫ومعاذا أن يسيرا إلى اليمن ‪ -‬فقال ‪" :‬انطلقا فبشرا ول تنفرا ‪ ،‬ويسرا ول تعسرا ‪ ،‬إنه قد أنزل‬
‫علي ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا َومُبَشّرًا وَ َنذِيرًا }‪.‬‬
‫ورواه الطبراني عن محمد بن نصر بن حميد البزاز البغدادي ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن صالح‬
‫الزدي ‪ ،‬عن عبد الرحمن [بن محمد] (‪ )3‬بن عبيد ال العرزمي ‪ ،‬بإسناده مثله (‪ .)4‬وقال في‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫آخره ‪" :‬فإنه قد أنزل (‪ )5‬علي ‪ :‬يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا على أمتك ومبشرا بالجنة ‪،‬‬
‫ونذيرا من النار ‪ ،‬وداعيا إلى شهادة أن ل إله إل ال بإذنه ‪ ،‬وسراجا منيرا بالقرآن"‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬شَاهِدًا } أي ‪ :‬ل بالوحدانية ‪ ،‬وأنه ل إله غيره ‪ ،‬وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة ‪،‬‬
‫س وَ َيكُونَ الرّسُولُ عَلَ ْيكُمْ‬
‫ش َهدَاءَ عَلَى النّا ِ‬
‫شهِيدًا } ‪[ ،‬كقوله ‪ { :‬لِ َتكُونُوا ُ‬
‫{ وَجِئْنَا ِبكَ عَلَى َهؤُلءِ َ‬
‫شهِيدًا } ] (‪[ )6‬البقرة ‪.]143 :‬‬
‫َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومُبَشّرًا وَنَذِيرًا } أي ‪ :‬بشيرا للمؤمنين بجزيل الثواب ‪ ،‬ونذيرا للكافرين من وبيل‬
‫العقاب‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَدَاعِيًا إِلَى اللّهِ بِِإذْنِهِ } أي ‪ :‬داعيا للخلق إلى عبادة ربهم عن أمره لك بذلك ‪،‬‬
‫{ وَسِرَاجًا مُنِيرًا } أي ‪ :‬وأمرُك ظاهر فيما جئت به من الحق ‪ ،‬كالشمس في إشراقها وإضاءتها ‪،‬‬
‫ل يجحدها إل معاند‪.‬‬
‫ن وَ َدعْ أَذَاهُمْ } ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تطعهم و[ل] (‪ )7‬تسمع منهم في‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تُطِعِ ا ْلكَافِرِينَ وَا ْلمُنَافِقِي َ‬
‫الذي يقولونه (‪ { )8‬وَ َدعْ أَذَاهُمْ } أي ‪ :‬اصفح وتجاوز عنهم ‪ ،‬و ِكلْ أمرهم إلى ال ‪ ،‬فإن فيه كفايةً‬
‫لهم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَ َت َوكّلْ عَلَى اللّهِ َوكَفَى بِاللّ ِه َوكِيل }‪.‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا َن َكحْتُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ُثمّ طَّلقْتُمُوهُنّ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ َتمَسّوهُنّ َفمَا َل ُكمْ عَلَ ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ‬
‫جمِيل (‪.} )49‬‬
‫ن وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحًا َ‬
‫َتعْتَدّو َنهَا َفمَ ّتعُوهُ ّ‬
‫هذه الية الكريمة فيها أحكام (‪ )9‬كثيرة‪ .‬منها ‪ :‬إطلق النكاح على العقد وحده ‪ ،‬وليس في القرآن‬
‫آية أصرح في ذلك منها ‪ ،‬وقد اختلفوا في النكاح ‪ :‬هل هو حقيقة في العقد وحده ‪ ،‬أو في الوطء ‪،‬‬
‫أو فيهما ؟ على ثلثة أقوال ‪ ،‬واستعمال القرآن إنما هو في العقد والوطء بعده ‪ ،‬إل في هذه الية‬
‫فإنه استعمل في العقد وحده ؛ لقوله ‪ِ { :‬إذَا َنكَحْ ُتمُ (‪ )10‬ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ُثمّ طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ‬
‫َتمَسّوهُنّ }‪ .‬وفيها دللة لباحة طلق المرأة قبل الدخول بها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عبد ال القرشي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ثم روى ابن أبي حاتم بإسناده إلى ابن عباس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمعجم‪.‬‬
‫(‪ )4‬المعجم الكبير (‪ )11/312‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/92‬وفيه عبد الرحمن بن محمد‬
‫بن عبيد ال العرزمي وهو ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنزلت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬في الذين يتولونهم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬في ت "اشتملت على أحكام"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬نكحتموا"‪.‬‬

‫( ‪)6/439‬‬

‫وقوله ‪ { :‬ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ } خرج مخرج الغالب ؛ إذ ل فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك‬
‫بالتفاق‪ .‬وقد استدل ابن عباس ‪ ،‬وسعيد بن المسَيّب ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وعلي بن الحسين ‪،‬‬
‫زين العابدين ‪ ،‬وجماعة من السلف بهذه الية على أن الطلق ل يقع إل إذا تقدمه نكاح ؛ لن ال‬
‫تعالى قال ‪ { :‬إِذَا َنكَحْتُمُ (‪ )1‬ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ُثمّ طَّلقْ ُتمُوهُنّ } ‪ ،‬فعقب النكاح بالطلق ‪ ،‬فدل على أنه ل‬
‫يصح ول يقع قبله‪ .‬وهذا مذهب الشافعي ‪ ،‬وأحمد بن حنبل ‪ ،‬وطائفة كثيرة من السلف والخلف ‪،‬‬
‫رحمهم ال تعالى‪.‬‬
‫وذهب مالك وأبو حنيفة ‪ ،‬رحمهما ال ‪ ،‬إلى صحة الطلق قبل النكاح ؛ فيما إذا قال ‪" :‬إن‬
‫تزوجت فلنة فهي طالق"‪ .‬فعندهما متى تزوجها طلقت منه‪ .‬واختلفا فيما إذا قال ‪" :‬كل امرأة‬
‫أتزوجها فهي طالق"‪ .‬فقال مالك ‪ :‬ل تطلق حتى يعين المرأة‪ .‬وقال أبو حنيفة ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬كل‬
‫امرأة يتزوجها بعد هذا الكلم تطلق منه ‪ ،‬فأما الجمهور فاحتجوا على عدم وقوع الطلق بهذه‬
‫الية‪.‬‬
‫شمَيْل ‪ ،‬حدثنا يونس ‪-‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن منصور المروزي ‪ ،‬حدثنا النضر بن ُ‬
‫يعني ‪ :‬ابن أبي إسحاق ‪ -‬سمعت آدم مولى خالد ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪[ :‬إذا‬
‫قال] (‪ : )2‬كل امرأة أتزوجها فهي طالق ‪ ،‬قال ‪ :‬ليس بشيء من أجل أن ال تعالى يقول ‪ { :‬يَا‬
‫أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا َن َكحْتُمُ ا ْل ُمؤْمِنَاتِ ثُمّ طَّلقْ ُتمُوهُنّ } الية‪.‬‬
‫حمَسِي ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن مطر ‪ ،‬عن الحسن بن مسلم بن يَنّاق (‪)3‬‬
‫وحدثنا محمد بن إسماعيل ال ْ‬
‫‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬إنما قال ال تعالى ‪ { :‬إِذَا َن َكحْتُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ثُمّ طَّلقْ ُتمُوهُنّ } ‪ ،‬أل ترى أن‬
‫الطلق بعد النكاح ؟!‬
‫وهكذا روى محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن داود بن الحصين ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال‬
‫ال ‪ { :‬إِذَا َن َكحْتُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ُثمّ طَّلقْتُمُوهُنّ } فل طلق [قبل النكاح] (‪.)4‬‬
‫وقد ورد الحديث بذلك عن عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬ل طلق لبن آدم فيما ل يملك"‪ .‬رواه المام أحمد والترمذي ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬وابن‬
‫ماجه (‪ .)5‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن"‪ .‬وهو أحسن شيء روي في هذا الباب‪ .‬وهكذا‬
‫سوَر بن مَخْ َرمَة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ل‬
‫روى ابن ماجه عن علي ‪ ،‬والمِ ْ‬
‫طلق قبل نكاح" (‪.)6‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫[وفي الية دليل على أن المسيس مطلق ‪ ،‬ويراد به الوطء] (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬نكحتموا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى أيضا بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/189‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1181‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2191‬وسنن ابن‬
‫ماجه برقم (‪.)2047‬‬
‫(‪ )6‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )2048‬من طريق علي بن الحسين ‪ ،‬عن هشام بن سعد ‪ ،‬عن الزهري‬
‫‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن المسور ‪ ،‬به‪ .‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )2/132‬هذا إسناد حسن ‪ ،‬علي‬
‫بن الحسين وهشام بن سعد مختلف فيهما"‪ .‬وبرقم (‪ )2049‬من طريق جويبر ‪ ،‬عن الضحاك ‪،‬‬
‫عن النزال بن سبرة ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬به‪ .‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )2/132‬هذا إسناد ضعيف‬
‫لتفاقهم على ضعف جويبر بن سعيد البجلي ‪ ،‬لكن لم ينفرد به جويبر ‪ ،‬فقد رواه البيهقي في‬
‫الكبرى (‪ )7/320‬من طريق معاذ العنبري ‪ ،‬عن حميد الطويل ‪ ،‬عن الحسن عن علي به ‪ ،‬ثم‬
‫رواه من طريق سعيد عن جويبر به موقوفا من الطريقين معا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)6/440‬‬

‫ن َومَا مََل َكتْ َيمِي ُنكَ ِممّا َأفَاءَ اللّهُ عَلَ ْيكَ‬
‫جكَ اللّاتِي آَتَ ْيتَ أُجُورَهُ ّ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّا َأحْلَلْنَا َلكَ أَ ْزوَا َ‬
‫ن وَهَ َبتْ‬
‫ك وَامْرََأةً ُم ْؤمِنَةً إِ ْ‬
‫ك وَبَنَاتِ خَالَا ِتكَ اللّاتِي هَاجَرْنَ َم َع َ‬
‫عمّا ِتكَ وَبَنَاتِ خَاِل َ‬
‫ك وَبَنَاتِ َ‬
‫ع ّم َ‬
‫وَبَنَاتِ َ‬
‫حهَا خَاِلصَةً َلكَ مِنْ دُونِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ قَدْ عَِلمْنَا مَا فَ َرضْنَا عَلَ ْيهِمْ‬
‫سهَا لِلنّ ِبيّ إِنْ أَرَادَ النّ ِبيّ أَنْ يَسْتَ ْنكِ َ‬
‫َنفْ َ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا (‪)50‬‬
‫ج َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫جهِ ْم َومَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُن ُهمْ ِلكَيْلَا َيكُونَ عَلَ ْيكَ حَرَ ٌ‬
‫فِي أَ ْزوَا ِ‬

‫وقوله (‪َ { : )1‬فمَا َل ُكمْ عَلَ ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ َتعْ َتدّو َنهَا } ‪ :‬هذا أمر مجمع عليه بين العلماء ‪ :‬أن المرأة‬
‫إذا طلقت قبل الدخول بها ل عدة عليها فتذهب فتتزوج في فورها مَنْ (‪ )2‬شاءت ‪ ،‬ول يستثنى‬
‫من هذا إل المتوفى عنها زوجها ‪ ،‬فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشرا ‪ ،‬وإن لم يكن دخل بها‬
‫بالجماع أيضا‪.‬‬
‫جمِيل } ‪ :‬المتعة هاهنا أعم من أن تكون نصف الصداق‬
‫ن وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحًا َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬فمَ ّتعُوهُ ّ‬
‫المسمى ‪ ،‬أو المتعة الخاصة إن لم يكن قد سمى لها ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬وَإِنْ طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِنْ قَ ْبلِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صفُ مَا فَ َرضْتُمْ } [البقرة ‪ ، ]237 :‬وقال { ل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ‬
‫ن َوقَدْ فَ َرضْتُمْ َلهُنّ فَرِيضَةً فَ ِن ْ‬
‫أَنْ َتمَسّوهُ ّ‬
‫طّلقْتُمُ النّسَاءَ مَا لَمْ َتمَسّوهُنّ َأوْ َتفْ ِرضُوا َلهُنّ فَرِيضَ ًة َومَ ّتعُوهُنّ عَلَى ا ْلمُوسِعِ قَدَ ُر ُه وَعَلَى ا ْلمُقْتِرِ‬
‫إِنْ َ‬
‫علَى ا ْل ُمحْسِنِينَ } [البقرة ‪.]236 :‬‬
‫حقّا َ‬
‫قَدَ ُرهُ مَتَاعًا بِا ْل َمعْرُوفِ َ‬
‫وفي صحيح البخاري ‪ ،‬عن سهل بن سعد وأبي أسيد ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم تزوج‬
‫أميمة بنت شَرَاحيل ‪ ،‬فلما أدخلت (‪ )3‬عليه بسط يده إليها ‪ ،‬فكأنها كرهت ذلك ‪ ،‬فأمر أبا أسيد أن‬
‫يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيّين (‪.)4‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ :‬إن كان سمى لها صداقا ‪ ،‬فليس لها‬
‫إل النصف ‪ ،‬وإن لم يكن سمى لها صداقا فأمتعها على قدر عسره ويسره ‪ ،‬وهو السراح الجميل‪.‬‬
‫ن َومَا مََل َكتْ َيمِي ُنكَ ِممّا َأفَاءَ اللّهُ عَلَ ْيكَ‬
‫جكَ اللتِي آتَ ْيتَ ُأجُورَهُ ّ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّا أَحْلَلْنَا َلكَ أَ ْزوَا َ‬
‫ك وَبَنَاتِ خَال ِتكَ اللتِي هَاجَرْنَ َم َعكَ وَامْرََأةً ُم ْؤمِنَةً إِنْ‬
‫عمّا ِتكَ وَبَنَاتِ خَاِل َ‬
‫ك وَبَنَاتِ َ‬
‫ع ّم َ‬
‫وَبَنَاتِ َ‬
‫حهَا خَاِلصَةً َلكَ مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ قَدْ عَِلمْنَا مَا فَ َرضْنَا‬
‫سهَا لِلنّ ِبيّ إِنْ أَرَادَ النّ ِبيّ أَنْ َيسْتَ ْنكِ َ‬
‫وَهَ َبتْ َنفْ َ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا (‪.} )50‬‬
‫جهِمْ َومَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُمْ ِلكَيْل َيكُونَ عَلَ ْيكَ حَرَجٌ َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫عَلَ ْيهِمْ فِي أَ ْزوَا ِ‬
‫يقول تعالى مخاطبا نبيه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬بأنه قد أحل له من النساء أزواجه اللتي‬
‫أعطاهن ُمهُورَهُنّ ‪ ،‬وهي الجور هاهنا‪ .‬كما قاله مجاهد وغير واحد ‪ ،‬وقد كان َمهْرُه لنسائه‬
‫اثنتي (‪ )5‬عشرة أوقية ونَشّا وهو نصف (‪ )6‬أوقية ‪ ،‬فالجميع خمسمائة درهم ‪ ،‬إل أم حبيبة بنت‬
‫أبي سفيان فإنه أمهرها عنه النجاشي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬أربعمائة دينار ‪ ،‬وإل صفية بنت حُ َييّ فإنه‬
‫جوَيرية بنت الحارث‬
‫اصطفاها من سَبْي خيبر ‪ ،‬ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها‪ .‬وكذلك ُ‬
‫المصطلقية ‪ ،‬أدى عنها كتابتها إلى ثابت بن قيس بن شماس وتزوجها ‪ ،‬رضي ال عن جميعهن (‬
‫‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬في فورها متى" وفي أ ‪" :‬في قرئها من"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فلما دخلت" وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فلما أن دخلت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)5257 ، 5256‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ثنتي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬والنش النصف"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬رضي ال عنهن أجمعين"‪.‬‬

‫( ‪)6/441‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا مََل َكتْ َيمِي ُنكَ ِممّا َأفَاءَ اللّهُ عَلَ ْيكَ } أي ‪ :‬وأباح لك التسري مما أخذت من المغانم (‬
‫‪ ، )1‬وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما‪ .‬وملك ريحانة بنت شمعون النضرية ‪ ،‬ومارية‬
‫القبطية أم ابنه إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وكانتا من السراري ‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬
‫ك وَبَنَاتِ خَال ِتكَ اللتِي هَاجَرْنَ َم َعكَ } ‪ :‬هذا‬
‫ك وَبَنَاتِ خَاِل َ‬
‫عمّا ِت َ‬
‫ع ّمكَ وَبَنَاتِ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَبَنَاتِ َ‬
‫عدل وَسط بين الفراط والتفريط ؛ فإن النصارى ل يتزوجون المرأة إل إذا كان الرجل بينه‬
‫وبينها سبعة أجداد فصاعدا ‪ ،‬واليهود يتزوج أحدهم بنت أخيه وبنت أخته ‪ ،‬فجاءت هذه الشريعة‬
‫الكاملة الطاهرة بهدم إفراط النصارى ‪ ،‬فأباح بنت العم والعمة ‪ ،‬وبنت الخال والخالة ‪ ،‬وتحريم (‬
‫‪ )2‬ما فَرّطت (‪ )3‬فيه اليهود من إباحة بنت الخ والخت ‪ ،‬وهذا بشع (‪ )4‬فظيع‪.‬‬
‫عمّا ِتكَ وَبَنَاتِ خَاِلكَ وَبَنَاتِ خَال ِتكَ } َفوَحّدَ لفظ الذكر لشرفه ‪،‬‬
‫ك وَبَنَاتِ َ‬
‫ع ّم َ‬
‫وإنما قال ‪ { :‬وَبَنَاتِ َ‬
‫جهُمْ مِنَ الظُّلمَاتِ‬
‫شمَا ِئلِ } [النحل ‪ { ، ]48 :‬يُخْ ِر ُ‬
‫وجمع الناث لنقصهن كقوله ‪ { :‬عَنِ الْ َيمِينِ وَال ّ‬
‫ت وَالنّورَ } [النعام ‪ ، ]1 :‬وله نظائر كثيرة‪.‬‬
‫ج َعلَ الظُّلمَا ِ‬
‫إِلَى النّورِ } [البقرة ‪ { ، ]257 :‬وَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬اللتِي هَاجَرْنَ َم َعكَ } قال ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه ال ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عمار بن (‪ )5‬الحارث الرازي ‪ ،‬حدثنا عبيد ال (‪ )6‬بن موسى ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪،‬‬
‫عن السدي ‪ ،‬عن أبي صالح (‪ ، )7‬عن أم هانئ قالت ‪ :‬خطبني رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ن َومَا مََل َكتْ‬
‫جكَ اللتِي آتَ ْيتَ أُجُورَهُ ّ‬
‫فاعتذرت إليه بعذري ‪ ،‬ثم أنزل ال ‪ { :‬إِنّا َأحْلَلْنَا َلكَ أَ ْزوَا َ‬
‫ع ّمكَ } إلى قوله ‪ { :‬اللتِي هَاجَرْنَ َم َعكَ } قالت ‪ :‬فلم أكن أحل‬
‫ك وَبَنَاتِ َ‬
‫َيمِي ُنكَ ِممّا َأفَاءَ اللّهُ عَلَ ْي َ‬
‫له ‪ ،‬ولم أكن ممن هاجر معه ‪ ،‬كنت من الطلقاء‪ .‬ورواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن عبيد ال‬
‫بن موسى ‪ ،‬به (‪.)8‬‬
‫ثم رواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عنها بنحوه‪.‬‬
‫ورواه الترمذي في جامعه (‪ .)9‬وهكذا قال أبو رَزين وقتادة ‪ :‬إن المراد ‪ :‬من هاجر معه إلى‬
‫المدينة‪ .‬وفي رواية عن قتادة ‪ { :‬اللتِي هَاجَرْنَ َم َعكَ } أي ‪ :‬أسلمن‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬قرأ ابن‬
‫مسعود ‪" :‬واللتي هَاجَرْنَ َمعَك"‪.‬‬
‫حهَا } أي ‪ :‬ويحل لك ‪-‬‬
‫سهَا لِلنّ ِبيّ إِنْ أَرَادَ النّ ِبيّ أَنْ يَسْتَ ْنكِ َ‬
‫ن وَهَ َبتْ َنفْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَامْرََأةً ُم ْؤمِنَةً إِ ْ‬
‫يأيها النبي ‪ -‬المرأة المؤمنة إذا وهبت نفسها لك أن تتزوجها بغير مهر إن شئت ذلك‪ .‬وهذه الية‬
‫توالى فيها شرطان ‪ ،‬كقوله تعالى إخبارًا عن نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه قال لقومه ‪ { :‬وَل يَ ْن َف ُعكُمْ‬
‫ُنصْحِي إِنْ أَرَ ْدتُ أَنْ أَ ْنصَحَ َلكُمْ إِنْ كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ ُي ْغوِ َيكُمْ } [هود ‪ ، ]34 :‬وكقول موسى ‪ { :‬يَا‬
‫َقوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ َفعَلَيْهِ َت َوكّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسِْلمِينَ } [يونس ‪.]84 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الغنائم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وحرم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ما حرموا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬شنيع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬و"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬روى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)22/15‬‬
‫(‪ )9‬سنن الترمذي برقم (‪ )3214‬وقال ‪" :‬هذا حديث حسن صحيح ل أعرفه إل من هذا الوجه من‬
‫حديث السدي"‪.‬‬

‫( ‪)6/442‬‬

‫حهَا } وقد قال المام‬


‫سهَا لِلنّ ِبيّ إِنْ أَرَادَ النّ ِبيّ أَنْ يَسْتَ ْن ِك َ‬
‫ن وَهَ َبتْ َنفْ َ‬
‫وقال هاهنا ‪ { :‬وَامْرََأةً ُم ْؤمِنَةً إِ ْ‬
‫أحمد (‪: )1‬‬
‫حدثنا إسحاق ‪ ،‬أخبرنا مالك ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد الساعدي ؛ أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم جاءته امرأة فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني قد وَهَبت نفسي لك‪ .‬فقامت قياما طويل‬
‫فقام رجل فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪َ ،‬زوّجنيها إن لم يكن لك بها حاجة‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬هل عندك من شيء تُصدقها إياه" ؟ فقال ‪ :‬ما عندي إل إزاري هذا‪ .‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن أعطيتها إزارك جلستَ ل إزار لك ‪ ،‬فالتمس شيئا"‪ .‬فقال ‪ :‬ل أجد‬
‫شيئا‪ .‬فقال ‪" :‬التمس ولو خاتما من حديد" فالتمس فلم يجد شيئا ‪ ،‬فقال له النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬هل معك من القرآن شيء ؟" قال ‪ :‬نعم ؛ سورة كذا ‪ ،‬وسورة كذا ‪ -‬لسور يسميها ‪ -‬فقال‬
‫له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬زوجتكها بما معك من القرآن"‪.‬‬
‫أخرجاه من حديث مالك (‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان (‪ ، )3‬حدثنا مرحوم ‪ ،‬سمعت ثابتا يقول (‪ : )4‬كنت مع أنس‬
‫جالسا وعنده ابنة له ‪ ،‬فقال أنس ‪ :‬جاءت امرأة إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقالت ‪ :‬يا نبي‬
‫ال ‪ ،‬هل لك فيّ حاجة ؟ فقالت ابنته ‪ :‬ما كان أقل حياءها‪ .‬فقال ‪" :‬هي خير منك ‪ ،‬رغبت في‬
‫النبي ‪ ،‬فعرضت عليه نفسها"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه البخاري ‪ ،‬من حديث مرحوم بن عبد العزيز [العطار] (‪ ، )5‬عن ثابت البُنَاني ‪،‬‬
‫عن أنس ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫وقال (‪ )7‬أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا عبد ال بن بكر ‪ ،‬حدثنا سِنان بن ربيعة ‪ ،‬عن الحضرمي ‪ ،‬عن‬
‫أنس بن مالك ‪ :‬أن امرأة أتت النبي صلى ال عليه وسلم فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ابنة لي كذا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وكذا‪ .‬فذكرت من حسنها وجمالها ‪ ،‬فآثرتك بها‪ .‬فقال ‪" :‬قد قبلتها"‪.‬فلم تزل تمدحها حتى ذكرت‬
‫أنها لم تصدع ولم تَشْتَك شيئًا قط ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل حاجة لي في ابنتك"‪ .‬لم يخرجوه (‪.)8‬‬
‫وقال (‪ )9‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا منصور بن أبي مُزَاحم ‪ ،‬حدثنا ابن أبي الوضاح ‪-‬‬
‫يعني ‪ :‬محمد بن مسلم ‪ -‬عن هشام بن عُ ْروَة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬التي وهبت نفسها‬
‫للنبي صلى ال عليه وسلم خولة بنت حكيم (‪.)10‬‬
‫وقال ابن وهب ‪ ،‬عن سعيد بن عبد الرحمن وابن أبي الزّنَاد ‪ ،‬عن هشام بن عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪:‬‬
‫أن خولة بنت حكيم بن الوقص ‪ ،‬من بني سُلَيم ‪ ،‬كانت من اللتي وَهَبْن أنفسهن لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم (‪.)11‬‬
‫وفي رواية له عن سعيد بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬كنا نتحدث أن خولة بنت حكيم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وقد روى البخاري ومسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )5/336‬وصحيح البخاري برقم (‪ )5135‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1425‬ولكنه عند‬
‫مسلم من طريق يعقوب وعبد العزيز بن أبي حازم وسفيان بن عيينة والدراوردي وزائدة كلهم‬
‫عن أبي حازم بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عثمان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى البخاري أن ثابتا قال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )3/268‬وصحيح البخاري برقم (‪.)5120‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)3/155‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬ورواه البيهقي في السنن الكبرى (‪ )7/55‬من طريق منصور بن أبي مزاحم ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )11‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)22/23‬‬

‫( ‪)6/443‬‬

‫كانت وهبت نفسها لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكانت امرأة صالحة (‪.)1‬‬
‫فيحتمل أن أم سليم هي خولة بنت حكيم ‪ ،‬أو هي امرأة أخرى‪.‬‬
‫حمَسِي ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا موسى بن عبيدة ‪،‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن إسماعيل ال ْ‬
‫عن محمد بن كعب ‪ ،‬وعمر بن الحكم ‪ ،‬وعبد ال بن عبيدة قالوا ‪ :‬تزوج رسول ال صلى ال‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليه وسلم ثلث عشرة امرأة ‪ ،‬ست من قريش ‪ ،‬خديجة ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬وحفصة ‪ ،‬وأم حبيبة ‪،‬‬
‫صعَة ‪ ،‬وامرأتان من بني هلل بن عامر ‪:‬‬
‫ص ْع َ‬
‫وسودة ‪ ،‬وأم سلمة‪ .‬وثلث من بني عامر بن َ‬
‫ميمونة بنت الحارث ‪ ،‬وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وزينب أم المساكين ‪-‬‬
‫امرأة من بني أبي بكر بن كلب من القرطاء ‪ -‬وهي التي اختارت الدنيا ‪ ،‬وامرأة من بني الجون‬
‫‪ ،‬وهي التي استعاذت منه ‪ ،‬وزينب بنت جحش السدية ‪ ،‬والسبيتان صفية بنت حيي بن أخطب ‪،‬‬
‫وجويرية بنت الحارث بن عمرو بن المصطلق الخزاعية (‪.)2‬‬
‫سهَا لِلنّ ِبيّ }‬
‫ن وَهَ َبتْ َنفْ َ‬
‫وقال سعيد بن أبي عَرُوبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَامْرََأةً ُم ْؤمِنَةً إِ ْ‬
‫قال ‪ :‬هي ميمونة بنت الحارث‪.‬‬
‫فيه انقطاع ‪ :‬هذا مرسل ‪ ،‬والمشهور أن زينب التي كانت تدعى أم المساكين هي زينب بنت‬
‫خُزَيمة النصارية ‪ ،‬وقد ماتت عند النبي صلى ال عليه وسلم في حياته ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫والغرض من هذا أن اللتي وهبن أنفسهن من النبي صلى ال عليه وسلم كثير ‪ ،‬كما قال (‪)3‬‬
‫البخاري ‪ ،‬حدثنا زكريا بن يحيى ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة قال ‪ :‬هشام بن عروة حدثنا عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫عائشة قالت ‪ :‬كنت أغار من اللتي وهبن أنفسهن من النبي صلى ال عليه وسلم وأقول ‪ :‬أتهب‬
‫ن وَ ُتؤْوِي إِلَ ْيكَ مَنْ تَشَا ُء َومَنِ ابْ َتغَ ْيتَ‬
‫امرأة (‪ )4‬نفسها ؟ فلما أنزل ال ‪ { :‬تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِ ْنهُ ّ‬
‫ِممّنْ عَزَ ْلتَ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكَ } قلت ‪ :‬ما أرى ربك إل يُسَارع في هواك (‪.)5‬‬
‫وقد قال (‪ )6‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن منصور الجعفي ‪ ،‬حدثنا‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لم يكن‬
‫يونس بن ُبكَيْر ‪ ،‬عن عَنْبَسَة بن الزهر ‪ ،‬عن سِماك ‪ ،‬عن ِ‬
‫عند رسول ال صلى ال عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن يونس بن ُبكَيْر (‪ .)7‬أي ‪ :‬إنه لم يقبل واحدة ممن وهبت‬
‫نفسها له ‪ ،‬وإن كان ذلك مباحا له ومخصوصا به ؛ لنه مردود إلى مشيئته ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪:‬‬
‫حهَا } أي ‪ :‬إن اختار ذلك‪.‬‬
‫{ إِنْ أَرَادَ النّ ِبيّ أَنْ َيسْتَ ْنكِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)22/23‬‬
‫(‪ )2‬ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ )5/270‬من طريق وكيع بلفظ ‪" :‬تزوج رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم امرأة من بني الجون فطلقها وهي التي استعاذت منه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬كما روى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المرأة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)4788‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)22/17‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/444‬‬

‫وقوله ‪ { :‬خَاِلصَةً َلكَ مِنْ دُونِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ } قال عكرمة ‪ :‬أي ‪ :‬ل تحل الموهوبة لغيرك ‪ ،‬ولو أن‬
‫امرأة وهبت نفسها لرجل لم تحل له حتى يعطيها شيئا‪ .‬وكذا قال مجاهد والشعبي وغيرهما‪.‬‬
‫أي ‪ :‬إنها إذا فوضت المرأة نفسها إلى رجل ‪ ،‬فإنه متى دخل بها وجب لها عليه بها مهر مثلها ‪،‬‬
‫كما حكم به رسول ال صلى ال عليه وسلم في بَ ْروَع (‪ )1‬بنت واشق لما فوضت ‪ ،‬فحكم لها‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بصداق مثلها لما توفي عنها زوجها ‪ ،‬والموت والدخول سواء في‬
‫تقرير (‪ )2‬المهر وثبوت مهر المثل في المفوضة لغير النبي صلى ال عليه وسلم فأما هو ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬فإنه ل يجب عليه للمفوضة شيء ولو دخل بها ؛ لن له أن يتزوج بغير صداق ول ولي‬
‫ول شهود ‪ ،‬كما في قصة زينب بنت جحش ‪ ،‬رضي ال عنها‪ .‬ولهذا قال قتادة في قوله ‪:‬‬
‫{ خَاِلصَةً َلكَ مِنْ دُونِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ } ‪ ،‬يقول ‪ :‬ليس لمرأة تهب نفسها لرجل بغير ولي ول مهر إل‬
‫للنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫جهِ ْم َومَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُمْ } ] (‪ )3‬قال أبي بن‬
‫[وقوله تعالى ‪ { :‬قَدْ عَِلمْنَا مَا فَ َرضْنَا عَلَ ْيهِمْ فِي أَ ْزوَا ِ‬
‫كعب ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة وابن جرير في قوله ‪َ { :‬قدْ عَِلمْنَا مَا فَ َرضْنَا عَلَ ْيهِمْ فِي‬
‫حصْرِهم في أربع نسوة حرائر وما شاءوا (‪ )4‬من الماء ‪ ،‬واشتراط الولي‬
‫جهِمْ } أي ‪ :‬من َ‬
‫أَ ْزوَا ِ‬
‫والمهر والشهود عليهم ‪ ،‬وهم المة ‪ ،‬وقد رخصنا لك في ذلك ‪ ،‬فلم نوجب عليك شيئا منه ؛‬
‫غفُورًا رَحِيمًا }‪.‬‬
‫ج َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫{ ِلكَيْل َيكُونَ عَلَ ْيكَ حَرَ ٌ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬تزويج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬تقدير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وما يشاء"‪.‬‬

‫( ‪)6/445‬‬

‫ن وَتُ ْؤوِي إِلَ ْيكَ مَنْ تَشَاءُ َومَنِ ابْ َتغَ ْيتَ ِممّنْ عَزَ ْلتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَ ْيكَ ذَِلكَ َأدْنَى أَنْ‬
‫تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِ ْنهُ ّ‬
‫ن وَاللّهُ َيعَْلمُ مَا فِي قُلُو ِبكُمْ َوكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (‬
‫ن وَيَ ْرضَيْنَ ِبمَا آَتَيْ َتهُنّ كُّلهُ ّ‬
‫ن وَلَا َيحْزَ ّ‬
‫َتقَرّ أَعْيُ ُنهُ ّ‬
‫‪)51‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَ ُت ْؤوِي إِلَ ْيكَ مَنْ َتشَا ُء َومَنِ ابْ َتغَ ْيتَ ِممّنْ عَ َز ْلتَ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكَ ذَِلكَ أَدْنَى‬
‫{ تُ ْرجِي مَنْ تَشَاءُ مِ ْنهُ ّ‬
‫ن وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا فِي قُلُو ِبكُ ْم َوكَانَ اللّهُ عَلِيمًا‬
‫ن وَيَ ْرضَيْنَ ِبمَا آتَيْ َتهُنّ كُّلهُ ّ‬
‫ن وَل َيحْزَ ّ‬
‫أَنْ َتقَرّ أَعْيُ ُنهُ ّ‬
‫حَلِيمًا (‪.} )51‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن بشر (‪ ، )1‬حدثنا هشام بن عُ ْروَة ‪ ،‬عن أبيه (‪ )2‬عن عائشة ‪،‬‬
‫رضي ال عنها ؛ أنها كانت ُتعَيّر (‪ )3‬النساء اللتي وهبن أنفسهن لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬قالت ‪ :‬أل تستحي المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق ؟ فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬تُرْجِي‬
‫مَنْ تَشَاءُ مِ ْنهُنّ وَ ُت ْؤوِي ِإلَ ْيكَ مَنْ تَشَا ُء َومَنِ ابْ َتغَ ْيتَ ِممّنْ عَزَ ْلتَ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكَ } ‪ ،‬قالت ‪ :‬إني‬
‫أرَى رَبّك إل يُسَارع في هواك (‪.)4‬‬
‫وقد تقدم أن البخاري رواه من حديث أبى أسامة ‪ ،‬عن هشام بن عُ ْروَة ‪ ،‬فدل هذا على أن المراد‬
‫بقوله ‪ { :‬تُ ْرجِي } أي ‪ :‬تؤخر { مَنْ تَشَاءُ مِ ْنهُنّ } أي ‪ :‬من الواهبات [أنفسهن] (‪ { )5‬وَ ُتؤْوِي إِلَ ْيكَ‬
‫مَنْ تَشَاءُ } أي ‪ :‬مَنْ شئت قبلتها ‪ ،‬ومَنْ شئت رددتها ‪ ،‬ومَنْ رددتها فأنت فيها أيضا بالخيار بعد‬
‫ذلك ‪ ،‬إن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬تغير من النساء" وفي أ ‪" :‬تغير النساء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)6/158‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)6/445‬‬

‫ت فيها فآويتها ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَنِ ابْ َتغَ ْيتَ ِممّنْ عَزَ ْلتَ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكَ }‪ .‬قال عامر‬
‫شئت عُ ْد َ‬
‫ن وَ ُت ْؤوِي إِلَ ْيكَ مَنْ َتشَاءُ } ‪ :‬كن نساء وهبن أنفسهن للنبي‬
‫الشعبي في قوله ‪ { :‬تُ ْرجِي مَنْ تَشَاءُ مِ ْنهُ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم فدخل ببعضهن وأرجأ بعضهن لم يُنْكحن بعده ‪ ،‬منهن أم شريك‪.‬‬
‫ن وَ ُتؤْوِي إِلَ ْيكَ مَنْ تَشَاءُ } أي ‪ :‬من‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل المراد بقوله ‪ { :‬تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِ ْنهُ ّ‬
‫أزواجك ‪ ،‬ل حرج عليك أن تترك القَسْم لهن ‪ ،‬فتقدم من شئت ‪ ،‬وتؤخر من شئت ‪ ،‬وتجامع من‬
‫شئت ‪ ،‬وتترك من شئت‪.‬‬
‫هكذا يروى عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبي رَزين ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد‬
‫بن أسلم ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬ومع هذا كان ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬يقسم لهن ؛ ولهذا ذهب طائفة‬
‫من الفقهاء من الشافعية وغيرهم إلى أنه لم يكن القسم واجبا عليه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫واحتجوا بهذه الية الكريمة‪.‬‬
‫وقال (‪ )1‬البخاري ‪ :‬حدثنا حبّان بن موسى ‪ ،‬حدثنا عبد ال ‪ -‬هو ابن المبارك ‪ -‬أخبرنا عاصم‬
‫الحول ‪ ،‬عن ُمعَاذة (‪ )2‬عن عائشة ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يستأذن في يوم‬
‫ن وَ ُتؤْوِي إِلَ ْيكَ مَنْ تَشَا ُء َومَنِ ابْ َتغَ ْيتَ‬
‫المرأة منا بعد أن نزلت هذه الية ‪ { :‬تُ ْرجِي مَنْ َتشَاءُ مِ ْنهُ ّ‬
‫ِممّنْ عَزَ ْلتَ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكَ } ‪ ،‬فقلت لها ‪ :‬ما كنت تقولين ؟ فقالت ‪ :‬كنت أقول ‪ :‬إن كان ذاك‬
‫إليّ فإني ل أريد يا رسول ال أن أؤثر عليك أحدا (‪.)3‬‬
‫فهذا الحديث عنها يدل على أن المراد من (‪ )4‬ذلك عدم وجوب القسم ‪ ،‬وحديثها الول يقتضي أن‬
‫الية نزلت في الواهبات ‪ ،‬ومن هاهنا اختار ابن جرير أن الية عامة في الواهبات وفي النساء‬
‫اللتي عنده ‪ ،‬أنه مخير فيهن إن شاء قسم وإن شاء لم يقسم‪ .‬وهذا الذي اختاره حسن جيد قوي ‪،‬‬
‫ن وَيَ ْرضَيْنَ ِبمَا‬
‫ن وَل يَحْزَ ّ‬
‫وفيه جمع بين الحاديث ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬ذَِلكَ َأدْنَى أَنْ َتقَرّ أَعْيُ ُنهُ ّ‬
‫آتَيْ َتهُنّ كُّلهُنّ } أي ‪ :‬إذا علمن أن ال قد وضع عنك (‪ )5‬الحَرَج في القسم ‪ ،‬فإن شئت قسمت ‪،‬‬
‫وإن شئت لم تقسم ‪ ،‬ل جناح عليك في أي ذلك فعلت ‪ ،‬ثم مع هذا أنت تقسم لهن اختيارا منك ل‬
‫أنه على سبيل الوجوب ‪ ،‬فرحن بذلك واستبشرن به وحملن جميلك في ذلك ‪ ،‬واعترفن بمنتك (‪)6‬‬
‫عليهن في قسمك لهن وتسويتك بينهن وإنصافك لهن وعدلك فيهن‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا فِي قُلُو ِبكُمْ } أي ‪ :‬من الميل إلى بعضهن دون بعض ‪ ،‬مما ل يمكن‬
‫دفعه ‪ ،‬كما قال (‪ )7‬المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن أبي قِلبة ‪ ،‬عن عبد ال بن يزيد ‪ ،‬عن‬
‫عائشة قالت ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ‪ ،‬ثم يقول ‪" :‬اللهم هذا‬
‫فعلي فيما أملك ‪ ،‬فل تلمني فيما تملك ول أملك"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬معاذ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4789‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عليك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬بأمانتك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬كما روى"‪.‬‬

‫( ‪)6/446‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ج وََلوْ أَعْجَ َبكَ حُسْ ُنهُنّ إِلّا مَا مََلكَتْ َيمِي ُنكَ‬
‫حلّ َلكَ النّسَاءُ مِنْ َب ْع ُد وَلَا أَنْ تَبَ ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَا ٍ‬
‫لَا يَ ِ‬
‫شيْءٍ َرقِيبًا (‪)52‬‬
‫َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬

‫ورواه أهل السنن الربعة ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة ‪ )1( -‬وزاد أبو داود بعد قوله ‪ :‬فل تلمني‬
‫(‪ )2‬فيما تملك ول أملك ‪ :‬يعني القلب‪ .‬وإسناده صحيح ‪ ،‬ورجاله كلهم ثقات‪ .‬ولهذا عقب ذلك‬
‫بقوله ‪َ { :‬وكَانَ اللّهُ عَلِيمًا } أي ‪ :‬بضمائر السرائر ‪ { ،‬حَلِيمًا } أي ‪ :‬يحلم ويغفر‪.‬‬
‫حسْ ُنهُنّ إِل مَا مََل َكتْ َيمِي ُنكَ‬
‫عجَ َبكَ ُ‬
‫ج وََلوْ أَ ْ‬
‫حلّ َلكَ النّسَاءُ مِنْ َب ْع ُد وَل أَنْ تَبَ ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَا ٍ‬
‫{ ل َي ِ‬
‫شيْءٍ َرقِيبًا (‪.} )52‬‬
‫َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ذكر غير واحد من العلماء ‪ -‬كابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد ‪ ،‬وابن‬
‫جرير ‪ ،‬وغيرهم ‪ -‬أن هذه الية نزلت مجازاة لزواج النبي صلى ال عليه وسلم ورضًا عنهن ‪،‬‬
‫على حسن صنيعهن في اختيارهن ال ورسوله والدار الخرة ‪ ،‬لما خيرهن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬كما تقدم في الية‪ .‬فلما اخترن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كان جزاؤهن أن‬
‫[ال] (‪َ )3‬قصَره عليهن ‪ ،‬وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن ‪ ،‬أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن ‪ ،‬ولو‬
‫أعجبه حسنهن إل الماء والسراري فل حجر عليه فيهن‪ .‬ثم إنه تعالى رفع عنه الحجر (‪ )4‬في‬
‫ذلك ونسخ حكم هذه الية ‪ ،‬وأباح له التزوج (‪ ، )5‬ولكن لم يقع منه بعد ذلك تَ َزوّج لتكون المنة‬
‫للرسول (‪ )6‬صلى ال عليه وسلم عليهن‪.‬‬
‫قال (‪ )7‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪،‬‬
‫قالت ‪ :‬ما مات رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أحل ال له النساء (‪.)8‬‬
‫ورواه أيضا من حديث ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن عَطاء ‪ ،‬عن عبيد بن عمير (‪ ، )9‬عن عائشة‪ .‬ورواه‬
‫الترمذي والنسائي في سننيهما (‪.)10‬‬
‫وقال (‪ )11‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة ‪ ،‬حدثني‬
‫عمر بن أبي بكر ‪ ،‬حدثني المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي (‪ ، )12‬عن أبي النضر مولى عمر‬
‫بن عبيد ال (‪ ، )13‬عن عبد ال بن وهب بن َز ْمعَة ‪ ،‬عن أم سلمة أنها قالت ‪ :‬لم يمت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم حتى أحلّ ال له أن يتزوج من النساء ما شاء ‪ ،‬إل ذات محرم ‪ ،‬وذلك قول‬
‫ن وَتُ ْؤوِي إِلَ ْيكَ مَنْ تَشَاءُ }‪.‬‬
‫ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِ ْنهُ ّ‬
‫فجعلت هذه ناسخة للتي بعدها في التلوة ‪ ،‬كآيتي عدة الوفاة في البقرة ‪ ،‬الولى ناسخة للتي بعدها‬
‫‪ ،‬وال (‪ )14‬أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )6/144‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2134‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1140‬وسنن النسائي‬
‫(‪ )7/63‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)1971‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فل تملني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الحرج"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬التزويج"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ف ‪" :‬لرسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)6/41‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عن عمير بن عبيد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )6/180‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3216‬وسنن النسائي (‪.)6/56‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬الخزاعي"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬فال"‪.‬‬

‫( ‪)6/447‬‬

‫حلّ َلكَ النّسَاءُ مِنْ َبعْدُ } أي ‪ :‬من بعد ما ذكرنا لك من‬


‫وقال آخرون ‪ :‬بل معنى الية ‪ { :‬ل يَ ِ‬
‫صفة النساء اللتي أحللنا لك من نسائك اللتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك ‪ ،‬وبنات العم‬
‫والعمات (‪ )1‬والخال والخالت (‪ )2‬والواهبة وما سوى ذلك من أصناف النساء فل يحل لك‪ .‬هذا‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬والضحاك ‪ -‬في رواية ‪ -‬وأبي رَزِين ‪ -‬في‬
‫مرويّ عن أبي بن كعب ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫رواية عنه ‪ -‬وأبي صالح ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ -‬في رواية ‪ -‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُلَيّة ‪ ،‬عن داود بن أبي هند ‪ ،‬حدثني محمد بن أبي‬
‫موسى ‪ ،‬عن زياد ‪ -‬رجل من النصار (‪ - )3‬قال ‪ :‬قلت لبي بن كعب ‪ :‬أرأيت لو أن أزواج‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ُتوُفين ‪ ،‬أما كان له أن يتزوج ؟ فقال ‪ :‬وما يمنعه من ذلك ؟ قال ‪ :‬قلت‬
‫حلّ (‪َ )4‬لكَ النّسَاءُ مِنْ َب ْعدُ }‪ .‬فقال ‪ :‬إنما أحل ال له ضربا من النساء ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫‪ :‬قوله ‪ { :‬ل َي ِ‬
‫حلّ‬
‫سهَا لِلنّ ِبيّ } ثم قيل له ‪ { :‬ل َي ِ‬
‫جكَ } إلى قوله ‪ { :‬إِنْ وَهَ َبتْ َنفْ َ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّا أَحْلَلْنَا َلكَ أَ ْزوَا َ‬
‫(‪َ )5‬لكَ النّسَاءُ مِنْ َب ْعدُ }‪.‬‬
‫ورواه عبد ال بن أحمد من طرق ‪ ،‬عن داود ‪ ،‬به (‪ .)6‬وروى الترمذي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪،‬‬
‫رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬نهي رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أصناف النساء ‪ ،‬إل ما كان‬
‫حلّ (‪َ )7‬لكَ النّسَاءُ مِنْ َب ْع ُد وَل أَنْ تَ َب ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَاجٍ‬
‫من المؤمنات المهاجرات بقوله ‪ { :‬ل َي ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَهَ َبتْ‬
‫حسْ ُنهُنّ إِل مَا مََلكَتْ َيمِي ُنكَ } ‪ ،‬فأحل ال فتياتكم المؤمنات { وَامْرََأةً ُم ْؤمِنَةً إِ ْ‬
‫عجَ َبكَ ُ‬
‫وََلوْ أَ ْ‬
‫عمَلُهُ‬
‫سهَا لِلنّ ِبيّ } ‪ ،‬وحرم كل ذات دين غير السلم ‪ ،‬ثم قال ‪َ { :‬ومَنْ َي ْكفُرْ بِاليمَانِ َفقَدْ حَ ِبطَ َ‬
‫َنفْ َ‬
‫جكَ اللتِي آتَ ْيتَ ُأجُورَهُنّ‬
‫وَ ُهوَ فِي الخِ َرةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } و قال { يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّا أَحْلَلْنَا َلكَ أَ ْزوَا َ‬
‫َومَا مََل َكتْ َيمِي ُنكَ } (‪ )8‬إلى قوله ‪ { :‬خَاِلصَةً َلكَ مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } ‪ ،‬وحرم ما سوى ذلك من‬
‫أصناف النساء (‪.)9‬‬
‫حلّ (‪َ )10‬لكَ النّسَاءُ مِنْ َبعْدُ } أي ‪ :‬من بعد ما سمى لك ‪ ،‬ل (‪ )11‬مسلمة‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬ل يَ ِ‬
‫ول يهودية ول نصرانية ول كافرة‪.‬‬
‫حلّ َلكَ النّسَاءُ مِنْ َبعْدُ } (‪ : )12‬أمر أل يتزوج أعرابية ول غربية (‬
‫وقال أبو صالح ‪ { :‬ل َي ِ‬
‫‪ ، )13‬ويتزوج بعد من نساء تهامة ‪ ،‬وما شاء من بنات العم والعمة ‪ ،‬والخال والخالة ‪ ،‬إن شاء‬
‫ثلثمائة‪.‬‬
‫حلّ َلكَ النّسَاءُ مِنْ َبعْدُ } (‪ )14‬أي ‪ :‬التي سمى ال‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ { :‬ل يَ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وبنات العمات"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الخالة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فروى ابن جرير بإسناده عن رجل من النصار"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل تحل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل تحل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪ )22/21‬وزوائد المسند (‪.)5/132‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ل تحل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬بعدها في أ ‪" :‬مما أفاء ال عليك"‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن الترمذي برقم (‪ )3215‬وقال ‪" :‬هذا حديث حسن إنما نعرفه من حديث عبد الحميد بن‬
‫بهرام ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت أحمد بن الحسن يقول ‪ :‬قال أحمد بن حنبل ‪ :‬ل بأس بحديث عبد الحميد بن‬
‫بهرام عن شهر بن حوشب"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬ل تحل"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬ل تحل"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في أ ‪" :‬عربية"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في أ ‪" :‬ل يحل"‪.‬‬

‫( ‪)6/448‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫واختار ابن جرير ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬أن الية عامة فيمن ذكر من أصناف النساء ‪ ،‬وفي النساء اللواتي‬
‫في عصمته وكن تسعا‪ .‬وهذا الذي قاله جيد ‪ ،‬ولعله مراد كثير ممن حكينا عنه من السلف ؛ فإن‬
‫كثيرا منهم روي عنه هذا وهذا ‪ ،‬ول منافاة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ثم أورد ابن جرير على نفسه ما روي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها‬
‫‪ ،‬وعزم على فراق سودة حتى وهبته يومها لعائشة ‪ ،‬ثم أجاب بأن هذا كان قبل نزول قوله ‪ { :‬ل‬
‫عجَ َبكَ حُسْ ُنهُنّ } ‪ ،‬وهذا الذي قاله من أن‬
‫حلّ َلكَ النّسَاءُ مِنْ َبعْدُ وَل أَنْ تَ َب ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَاجٍ وََلوْ أَ ْ‬
‫يَ ِ‬
‫هذا كان قبل نزول الية صحيح ‪ ،‬ولكن ل يحتاج إلى ذلك ؛ فإن الية إنما دلت على أنه ل‬
‫يتزوج بمن عدا اللواتي في عصمته ‪ ،‬وأنه ل يستبدل بهن غيرهن ‪ ،‬ول يدل ذلك على أنه ل‬
‫يطلق واحدة منهن من غير استبدال ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫سوْدَة ففي الصحيح عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬وهي سبب نزول قوله تعالى ‪:‬‬
‫فأما قَضية َ‬
‫{ وَإِنِ امْرََأةٌ خَا َفتْ مِنْ َبعِْلهَا ُنشُوزًا َأوْ إِعْرَاضًا فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ِهمَا أَنْ ُيصْلِحَا بَيْ َن ُهمَا صُلْحًا‬
‫[ وَالصّلْحُ خَيْرٌ (‪ } ] )1‬الية [النساء ‪.)2( ]128 :‬‬
‫وأما قضية (‪ )3‬حفصة فروى أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه ‪ ،‬من طرق‬
‫عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ‪ ،‬عن صالح بن صالح بن حي (‪ )4‬عن سلمة أن بن ُكهَيْل ‪،‬‬
‫عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن عمر ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم طلق حفصة‬
‫ثم راجعها‪ .‬وهذا إسناد (‪ )5‬قوي (‪.)6‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا يونس بن ُبكَيْر ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح‬
‫(‪ ، )7‬عن ابن عمر قال ‪ :‬دخل عمر على حفصة وهي تبكي ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما يبكيك ؟ لعل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم طلقك ؟ إنه قد كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي ؛ وال لئن كان طلقك‬
‫مرة أخرى ل أكلمك أبدا‪ .‬ورجاله على شرط الصحيحين (‪.)8‬‬
‫ج وََلوْ أَعْجَ َبكَ حُسْ ُنهُنّ } ‪ ،‬فنهاه عن الزيادة عليهن ‪ ،‬أو‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل أَنْ تَبَ ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَا ٍ‬
‫طلق واحدة منهن واستبدال غيرها بها إل ما ملكت يمينه (‪.)9‬‬
‫وقد روى الحافظ أبو بكر البزار حديثا مناسبا ذكَرُه هاهنا ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حدثنا إبراهيم بن نصر ‪ ،‬حدثنا مالك بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا عبد السلم بن حرب ‪ ،‬عن إسحاق بن‬
‫عبد ال (‪ )10‬القرَشي ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن عطاء بن يَسَار (‪ )11‬عن أبي هُرَيرة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر تخريج هذا الحديث عند تفسير الية ‪ 128 :‬من سورة النساء‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬قصة"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬يحيى"‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬إسناده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود برقم (‪ )2283‬وسنن النسائي (‪ )6/213‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)2016‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى المام الحافظ أبو يعلى بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )8‬مسند أبي يعلى (‪.)1/160‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬يمينك"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬عبيد ال"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وروى البزار بإسناده"‪.‬‬

‫( ‪)6/449‬‬

‫طعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وََلكِنْ ِإذَا‬


‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا لَا َتدْخُلُوا بُيُوتَ النّ ِبيّ إِلّا أَنْ ُيؤْذَنَ َل ُكمْ إِلَى َ‬
‫حدِيثٍ إِنّ ذَِلكُمْ كَانَ ُيؤْذِي النّ ِبيّ فَيَسْتَحْيِي مِ ْنكُمْ‬
‫ط ِعمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِ َ‬
‫دُعِي ُتمْ فَا ْدخُلُوا فَإِذَا َ‬
‫طهَرُ ِلقُلُو ِبكُمْ‬
‫حجَابٍ ذَِلكُمْ أَ ْ‬
‫ن وَرَاءِ ِ‬
‫ق وَإِذَا سَأَلْ ُتمُوهُنّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنّ مِ ْ‬
‫وَاللّهُ لَا َيسْتَحْيِي مِنَ ا ْلحَ ّ‬
‫ن َومَا كَانَ َلكُمْ أَنْ ُت ْؤذُوا َرسُولَ اللّ ِه وَلَا أَنْ تَ ْن ِكحُوا أَ ْزوَاجَهُ مِنْ َب ْع ِدهِ أَبَدًا إِنّ ذَِلكُمْ كَانَ عِنْدَ‬
‫َوقُلُوبِهِ ّ‬
‫علِيمًا (‪)54‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫خفُوهُ فَإِنّ اللّهَ كَانَ ِب ُكلّ َ‬
‫عظِيمًا (‪ )53‬إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا َأوْ تُ ْ‬
‫اللّهِ َ‬

‫قال ‪ :‬كان البَدلُ في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل ‪ :‬بادلني امرأتك وأبادلُك بامرأتي ‪ :‬أي ‪:‬‬
‫تنزل لي عن امرأتك ‪ ،‬وأنزل لك عن امرأتي‪ .‬فأنزل ال ‪ { :‬وَل أَنْ تَ َب ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَاجٍ وَلَوْ‬
‫أَعْجَ َبكَ حُسْ ُنهُنّ } قال ‪ :‬فدخل عيينة بن حصن (‪ )1‬على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وعنده‬
‫عائشة ‪ ،‬فدخل بغير إذن ‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فأين الستئذان ؟" فقال يا‬
‫حمَيْراء إلى جنبك ؟‬
‫رسول ال ‪ ،‬ما استأذنت على رجل من ُمضَر منذ أدركت‪ .‬ثم قال ‪ :‬من هذه ال ُ‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هذه عائشة أم المؤمنين"‪ .‬قال ‪ :‬أفل أنزل لك عن أحسن‬
‫الخلق (‪ )2‬؟ قال ‪" :‬يا عيينة إن ال قد حرم ذلك"‪ .‬فلما أن خرج قالت عائشة ‪ :‬مَنْ هذا ؟ قال ‪:‬‬
‫هذا أحمق مطاع ‪ ،‬وإنه على ما ترين لسيد قومه"‪.‬‬
‫ثم قال البزار إسحاق (‪ )3‬بن عبد ال ‪ :‬لين الحديث جدا ‪ ،‬وإنما ذكرناه لنا لم نحفظه إل من هذا‬
‫الوجه ‪ ،‬وبينا العلة فيه (‪.)4‬‬
‫طعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَا ُه وََلكِنْ إِذَا‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتدْخُلُوا بُيُوتَ النّ ِبيّ إِل أَنْ ُيؤْذَنَ َلكُمْ ِإلَى َ‬
‫ط ِعمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَل ُمسْتَأْنِسِينَ ِلحَدِيثٍ إِنّ ذَِلكُمْ كَانَ ُيؤْذِي النّ ِبيّ فَيَسْ َتحْيِي مِ ْنكُمْ‬
‫دُعِي ُتمْ فَا ْدخُلُوا فَإِذَا َ‬
‫طهَرُ ِلقُلُو ِبكُمْ‬
‫ن وَرَاءِ حِجَابٍ َذِلكُمْ َأ ْ‬
‫ق وَإِذَا سَأَلْ ُتمُوهُنّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنّ مِ ْ‬
‫حّ‬‫وَاللّهُ ل يَسْ َتحْيِي مِنَ الْ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جهُ مِنْ َبعْ ِدهِ أَ َبدًا إِنّ ذَِلكُمْ كَانَ عِنْدَ‬
‫ن َومَا كَانَ َلكُمْ أَنْ ُت ْؤذُوا َرسُولَ اللّ ِه وَل أَنْ تَ ْنكِحُوا أَ ْزوَا َ‬
‫َوقُلُوبِهِ ّ‬
‫علِيمًا (‪.} )54‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫خفُوهُ فَإِنّ اللّهَ كَانَ ِب ُكلّ َ‬
‫عظِيمًا (‪ )53‬إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا َأوْ تُ ْ‬
‫اللّهِ َ‬
‫هذه آية الحجاب ‪ ،‬وفيها أحكام وآداب شرعية ‪ ،‬وهي مما وافق تنزيلها قول (‪ )5‬عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال ‪ :‬وافقت ربي في ثلث ‪،‬‬
‫خذُوا مِنْ مَقَامِ‬
‫فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ؟ فأنزل ال ‪ { :‬وَاتّ ِ‬
‫إِبْرَاهِيمَ ُمصَلّى } [البقرة ‪ .]125 :‬وقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ‪،‬‬
‫فلو حجبتهن ؟ فأنزل ال آية الحجاب‪ .‬وقلت لزواج النبي صلى ال عليه وسلم لما تمالن عليه‬
‫طّلقَكُنّ أَنْ يُ ْبدِلَهُ أَ ْزوَاجًا خَيْرًا مِ ْنكُنّ } [التحريم ‪ ، ]5 :‬فنزلت كذلك (‬
‫في الغيرة ‪ { :‬عَسَى رَبّهُ إِنْ َ‬
‫‪.)6‬‬
‫وفي رواية لمسلم ذكر أسارى بدر ‪ ،‬وهي قضية رابعة‪.‬‬
‫حمَيْد ‪ ،‬أن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال عمر‬
‫سدّد ‪ ،‬عن يحيى ‪ ،‬عن ُ‬
‫وقد قال (‪ )7‬البخاري ‪ :‬حدثنا مُ َ‬
‫بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عيينة الفزاري"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬قال انزل لي عنها وأنا أنزل لك عن أحسن الخلق"‪ .‬وفي أ ‪" :‬قال أنزل لك عن‬
‫أحسن الخلق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ثم قال البزار ‪ :‬في إسناده إسحاق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند البزار برقم (‪" )2251‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/92‬وفيه إسحاق‬
‫بن عبد ال بن أبي فروة وهو متروك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬لقول"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)402‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫( ‪)6/450‬‬

‫الخطاب ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬يدخل عليك البر والفاجر ‪ ،‬فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ؟‬
‫فأنزل ال آية الحجاب (‪.)1‬‬
‫وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول ال صلى ال عليه وسلم بزينب بنت جحش ‪ ،‬التي‬
‫تولى ال تعالى تزويجها بنفسه ‪ ،‬وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة ‪ ،‬في قول قتادة‬
‫والواقدي وغيرهما‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وزعم أبو عُبَيدة معمر بن المثنى ‪ ،‬وخليفة بن خياط ‪ :‬أن ذلك كان في سنة ثلث ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫قال (‪ )2‬البخاري ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال الرّقاشي ‪ ،‬حدثنا ُمعْتَمر بن سليمان ‪ ،‬سمعت أبي ‪،‬‬
‫حدثنا أبو مِجْلَز ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لما تزوج رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم زينب بنت جحش ‪ ،‬دعا القوم فَطَعموا ثم جلسوا يتحدثون ‪ ،‬فإذا هو [كأنه] (‪ )3‬يتهيأ (‪)4‬‬
‫للقيام فلم يقوموا‪ .‬فلما رأى ذلك قام ‪ ،‬فلما قام [قام] (‪ )5‬مَنْ قام ‪ ،‬وقعد ثلثة نفر‪ .‬فجاء النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ليدخل ‪ ،‬فإذا القوم جلوس ‪ ،‬ثم إنهم قاموا فانطلقت ‪ ،‬فجئت فأخبرت النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أنهم قد انطلقوا‪ .‬فجاء حتى دخل ‪ ،‬فذهبت أدخل ‪ ،‬فألقي [الحجاب] (‪ )6‬بيني‬
‫وبينه ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتدْخُلُوا بُيُوتَ النّ ِبيّ } الية‪.‬‬
‫وقد رواه أيضا في موضع آخر ‪ ،‬ومسلم والنسائي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن معتمر بن سليمان ‪ ،‬به (‪.)7‬‬
‫ثم رواه البخاري منفردا به من حديث أيوب ‪ ،‬عن أبي قِلبة ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه‬
‫‪[ ،‬بنحوه (‪ .)8‬ثم قال (‪ : )9‬حدثنا أبو معمر ‪ ،‬حدثنا عبد الوارث ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن‬
‫صهيب ‪ ،‬عن أنس بن مالك] (‪ )10‬قال ‪ :‬بُني [على] (‪ )11‬النبي صلى ال عليه وسلم بزينب بنت‬
‫جحش بخبز ولحم ‪ ،‬فأرس ْلتُ على الطعام داعيا ‪ ،‬فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ‪ ،‬ثم يجيء قوم‬
‫فيأكلون ويخرجون‪ .‬فدعوتُ حتى ما أجد أحدا أدعوه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬ما أجد أحدا أدعوه‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ارفعوا طعامكم" ‪ ،‬وبقي ثلثة رهط يتحدثون في البيت ‪ ،‬فخرج النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فانطلق إلى حجرة عائشة ‪ ،‬فقال ‪" :‬السلم عليكم أهل البيت ورحمة ال وبركاته"‪ .‬قالت ‪ :‬وعليك‬
‫السلم ورحمة ال ‪ ،‬كيف وجدت أهلك ‪ ،‬بارك ال لك ؟ فَ َتقَرّى حجر نسائه كُلّهن ‪ ،‬يقول لهن كما‬
‫يقول لعائشة ‪ ،‬ويقلن له كما قالت عائشة‪ .‬ثم رجع رسول ال (‪ )12‬صلى ال عليه وسلم فإذا رهط‬
‫ثلثة [في البيت] (‪ )13‬يتحدثون‪ .‬وكان النبي صلى ال عليه وسلم شديد الحياء ‪ ،‬فخرج منطلقا‬
‫نحو حُجْرة عائشة ‪ ،‬فما أدري أخبرتُه أم أخبر أن القوم خَرَجُوا ؟ فرجع حتى إذا وضع رجله في‬
‫سكُفة الباب داخله ‪ ،‬وأخرى خارجة ‪ ،‬أرْخَى الستر بيني وبينه ‪ ،‬وأنزلت آية الحجاب‪.‬‬
‫أُ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)2399‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬تهيأ"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )4791‬وبرقم (‪ )6271 ، 6239‬وصحيح مسلم برقم (‪)1428‬‬
‫والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11420‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪.)4792‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬قال البخاري"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والبخاري ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬بنى ال على النبي"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬

‫( ‪)6/451‬‬

‫انفرد به البخاري من بين أصحاب الكتب [الستة] (‪ ، )1‬سوى النسائي في اليوم والليلة ‪ ،‬من‬
‫حديث عبد الوارث (‪.)2‬‬
‫حمَيد ‪ ،‬عن‬
‫ثم رواه عن إسحاق ‪ -‬هو ابن منصور ‪ -‬عن عبد ال بن بكر (‪ )3‬السهمي ‪ ،‬عن ُ‬
‫أنس ‪ ،‬بنحو ذلك (‪ ، )4‬وقال ‪" :‬رجلن" انفرد به من هذا الوجه‪ .‬وقد تقدم في أفراد مسلم من‬
‫حديث سليمان بن المغيرة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم (‪ : )5‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو المظفر ‪ ،‬حدثنا جعفر بن سليمان ‪ ،‬عن الجعد ‪-‬‬
‫شكُرِي ‪ -‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬أعرس رسول ال صلى ال عليه وسلم ببعض‬
‫أبي عثمان اليَ ْ‬
‫نسائه ‪ ،‬فصنعت أم سليم حيسا ثم وضعته (‪ )6‬في َتوْر ‪ ،‬فقالت ‪ :‬اذهب بهذا إلى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬وأقرئه مني السلم ‪ ،‬وأخبره أن هذا منا له قليل ‪ -‬قال أنس ‪ :‬والناس يومئذ في‬
‫جَهد ‪ -‬فجئت به فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬بعثت بهذا أم سُلَيم إليك ‪ ،‬وهي تقرئك السلم ‪ ،‬وتقول ‪:‬‬
‫أخبره أن هذا منا له قليل ‪ ،‬فنظر إليه ثم قال ‪" :‬ضعه" ف َوضَعته في ناحية البيت ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اذهب‬
‫ن لقيتَ من [المسلمين"‪ .‬فدعوتُ مَنْ قال‬
‫فادع لي فلنا وفلنا"‪ .‬وسمى رجال كثيرا ‪ ،‬وقال ‪" :‬ومَ ْ‬
‫لي ‪ ،‬ومَنْ لقيت من] (‪ )7‬المسلمين ‪ ،‬فجئت والبيت والصّفّة والحجرة مَلى من الناس ‪ -‬فقلت ‪:‬‬
‫يا أبا عثمان ‪ ،‬كم كانوا ؟ فقال ‪ :‬كانوا زهاء ثلثمائة ‪ -‬قال أنس ‪ :‬فقال لي رسول ال صلى ال‬
‫جئْ به"‪ .‬فجئتُ به إليه ‪ ،‬فوضع يده عليه ‪ ،‬ودعا وقال ‪" :‬ما شاء ال"‪ .‬ثم قال ‪:‬‬
‫عليه وسلم ‪ِ " :‬‬
‫عشَرة ‪ ،‬وليسموا (‪ ، )8‬وليأكل كل إنسان مما يليه"‪ .‬فجعلوا يسمون ويأكلون ‪،‬‬
‫"ليتَحَلّق عَشَرة َ‬
‫حتى أكلوا كلهم‪ .‬فقال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ارفعه"‪ .‬قال ‪ :‬فجئتُ فأخذت التّورَ‬
‫فما أدري أهو حين وضعت أكثر أم حين أخذت ؟ قال ‪ :‬وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول‬
‫ال ‪ ،‬وزَوجُ رسول ال صلى ال عليه وسلم التي دخل بها معهم مُولّية وجهها إلى الحائط ‪،‬‬
‫فأطالوا الحديث ‪ ،‬فشقوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكان أشد الناس حياء ‪ -‬ولو‬
‫حجَره‬
‫أعلموا (‪ )9‬كان ذلك عليهم عزيزًا ‪ -‬فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم فخرج فسلم على ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وعلى نسائه ‪ ،‬فلما رأوه قد جاء ظنوا أنهم قد َثقّلوا عليه ‪ ،‬ابتدروا الباب فخرجوا ‪ ،‬وجاء رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم حتى أرخى الستر ‪ ،‬ودخل البيت وأنا في الحجرة ‪ ،‬فمكث رسولُ ال‬
‫صلى ال عليه وسلم في بيته يسيرا ‪ ،‬وأنزل ال عليه القرآن ‪ ،‬فخرج وهو يقرأ هذه الية ‪ { :‬يَا‬
‫طعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَا ُه وََلكِنْ ِإذَا دُعِي ُتمْ‬
‫أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتدْخُلُوا بُيُوتَ النّ ِبيّ إِل أَنْ ُيؤْذَنَ َلكُمْ إِلَى َ‬
‫ي قبل‬
‫علِيمًا }‪ .‬قال أنس ‪ :‬فقرأهن عَل ّ‬
‫شيْءٍ َ‬
‫ط ِعمْتُمْ فَانْتَشِرُوا } إلى قوله ‪ِ { :‬ب ُكلّ َ‬
‫فَا ْدخُلُوا فَإِذَا َ‬
‫الناس ‪ ،‬فأنا أحْدثُ الناس بهن عهدا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4793‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)10101‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بكير"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4794‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬روى مسلم والنسائي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬جعلت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ويسموا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬علموا"‪.‬‬

‫( ‪)6/452‬‬

‫وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي جميعا ‪ ،‬عن قتيبة ‪ ،‬عن جعفر بن سليمان ‪ ،‬به (‪ .)1‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن صحيح وعَلّقه البخاري في كتاب النكاح فقال ‪:‬‬
‫جعْد أبي عثمان ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬فذكر نحوه (‪.)2‬‬
‫ط ْهمَان ‪ ،‬عن ال َ‬
‫وقال إبراهيم بن َ‬
‫ورواه مسلم أيضا عن محمد بن رافع ‪ ،‬عن عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن الجعد ‪ ،‬به (‪ .)3‬وقد‬
‫روى هذا الحديث عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن شَرِيك ‪ ،‬عن بيان بن بشر ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬بنحوه‪.‬‬
‫حمَسِي الكوفي ‪ ،‬عن‬
‫وروى (‪ )4‬البخاري والترمذي ‪ ،‬من طريقين آخرين ‪ ،‬عن بَيَان بن بشر ال َ‬
‫أنس ‪ ،‬بنحوه (‪.)5‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم أيضا ‪ ،‬من حديث أبي َنضْرَة العبدي ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬بنحوه (‪ )6‬ورواه‬
‫ابن جرير من حديث عمرو بن سعيد ‪ ،‬ومن حديث الزهري ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬بنحو ذلك (‪.)7‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َبهْزُ وهاشم بن القاسم قال حدثنا سليمان بن المغيرة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن‬
‫أنس قال ‪ :‬لما انقضت عدة زينب قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ليزيد "اذهب فاذكرها‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عظُمت في‬
‫خمّر عجينها ‪ ،‬فلما رأيتُها َ‬
‫علي"‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق زيد حتى أتاها ‪ ،‬قال ‪ :‬وهي ُت َ‬
‫صدري‪ ...‬وذكر تمام الحديث ‪ ،‬كما قدمناه عند قوله ‪ { :‬فََلمّا َقضَى زَيْدٌ مِ ْنهَا َوطَرًا } ‪ ،‬وزاد في‬
‫آخره بعد قوله ‪َ :‬ووَعَظ القوم بما وعظوا به‪ .‬قال هاشم في حديثه ‪ { :‬ل َتدْخُلُوا بُيُوتَ النّ ِبيّ إِل أَنْ‬
‫ط ِعمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَل مُسْتَأْنِسِينَ‬
‫طعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَا ُه وََلكِنْ ِإذَا دُعِي ُتمْ فَا ْدخُلُوا فَإِذَا َ‬
‫ُيؤْذَنَ َلكُمْ إِلَى َ‬
‫حدِيثٍ إِنّ ذَِل ُكمْ كَانَ ُيؤْذِي النّ ِبيّ فَيَسْتَحْيِي مِ ْنكُ ْم وَاللّهُ ل يَسْتَحْيِي مِنَ ا ْلحَقّ }‪.‬‬
‫لِ َ‬
‫وقد أخرجه مسلم والنسائي ‪ ،‬من حديث سليمان بن المغيرة (‪ ، )8‬به (‪.)9‬‬
‫وقال (‪ )10‬ابن جرير ‪ :‬حدثني أحمد بن عبد الرحمن ‪ -‬ابن أخي ابن وهب ‪ -‬حدثني عمي عبد‬
‫ال بن وهب ‪ ،‬حدثني يونس عن الزهري ‪ ،‬عن عُ ْروَة ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬إن أزواج رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم كُنّ يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع ‪ -‬وهو صعيد أفيح ‪ -‬وكان عمر‬
‫يقول لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬احجب نساءك‪ .‬فلم يكن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ليفعل ‪ ،‬فخرجت سودة بنت زمعة زوج رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكانت امرأة طويلة ‪،‬‬
‫فناداها عمر بصوته العلى ‪ :‬قد عرفناك يا سودة‪ .‬ح ْرصًا أن (‪ )11‬ينزل الحجاب ‪ ،‬قالت (‪: )12‬‬
‫فأنزل ال الحجاب (‪.)13‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )1428‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3218‬وسنن النسائي (‪.)6/136‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)5163‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)1428‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )5170‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3219‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬بنحوه ولم يخرجوه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)22/27‬‬
‫(‪ )8‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬جعفر بن سليمان" والتصويب من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ ، )3/195‬وصحيح مسلم برقم (‪ ، )1428‬وسنن النسائي (‪.")6/79‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حرصا أن أن"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )13‬تفسير الطبري (‪.)22/28‬‬

‫( ‪)6/453‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هكذا وقع في هذه الرواية‪ .‬والمشهور أن هذا كان بعد نزول الحجاب ‪ ،‬كما رواه المام أحمد‬
‫والبخاري ومسلم ‪ ،‬من حديث هشام بن عُ ْروَة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪:‬‬
‫خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها ‪ ،‬وكانت امرأة جَسيمَةً ل تخفَى على مَنْ يعرفها ‪،‬‬
‫خفَين علينا ‪ ،‬فانظري كيف تخرجين ؟‬
‫فرآها عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬يا سودة ‪ ،‬أما وال ما تَ ْ‬
‫قالت ‪ :‬فانكفأت راجعة ‪ ،‬ورسولُ ال صلى ال عليه وسلم في بيتي ‪ ،‬وإنه ليتعشى ‪ ،‬وفي يده‬
‫عَرْق ‪ ،‬فدخلت فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني خرجت لبعض حاجتي ‪ ،‬فقال لي عمر كذا وكذا‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فأوحى ال إليه ‪ ،‬ثم رُفعَ عنه وإن العَرْق في يده ‪ ،‬ما وضعه‪ .‬فقال ‪" :‬إنه قد أذنَ لكن أن‬
‫تخرجن لحاجتكن"‪ .‬لفظ البخاري (‪.)1‬‬
‫حظَر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول ال صلى ال‬
‫فقوله ‪ { :‬ل تَ ْدخُلُوا بُيُوتَ النّ ِبيّ } ‪َ :‬‬
‫عليه وسلم بغير إذن ‪ ،‬كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء السلم ‪ ،‬حتى‬
‫غار ال لهذه المة ‪ ،‬فأمرهم بذلك ‪ ،‬وذلك من إكرامه تعالى هذه المة ؛ ولهذا قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إياكم والدخول على النساء" (‪.)2‬‬
‫طعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ }‪.‬‬
‫ثم استثنى من ذلك فقال ‪ { :‬إِل أَنْ ُيؤْذَنَ َل ُكمْ إِلَى َ‬
‫قال مجاهد وقتادة وغيرهما ‪ :‬أي غير متحينين نضجه واستواءه ‪ ،‬أي ‪ :‬ل ترقبوا الطعام حتى (‬
‫‪ )3‬إذا قارب الستواء تعرضتم للدخول ‪ ،‬فإن هذا يكرهه ال ويذمه‪ .‬وهذا دليل على تحريم‬
‫التطفيل ‪ ،‬وهو الذي تسميه العرب الضيفن ‪ ،‬وقد صنف الخطيب البغدادي في ذلك كتابا في ذم‬
‫الطفيليين‪ .‬وذكر من أخبارهم أشياء يطول إيرادها‪.‬‬
‫ط ِعمْتُمْ فَانْتَشِرُوا }‪ .‬وفي صحيح مسلم عن ابن‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وََلكِنْ ِإذَا دُعِي ُتمْ فَا ْدخُلُوا فَإِذَا َ‬
‫عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا دعا أحدكم أخاه‬
‫فَلْيجب ‪ ،‬عُرسًا كان أو غيره" (‪ .)4‬وأصله في الصحيحين وفي الصحيح أيضا ‪ ،‬عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو دُعيت إلى ذراع لجبت ‪ ،‬ولو أهدي إليّ كُرَاع لقبلت ‪ ،‬فإذا فَرَغتم من‬
‫الذي دُعيتم إليه فخففوا عن أهل المنزل ‪ ،‬وانتشروا في الرض" (‪ )5‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَل‬
‫مُسْتَأْنِسِينَ ِلحَدِيثٍ } أي ‪ :‬كما وقع لولئك النفر الثلثة الذين استرسل بهم الحديث ‪ ،‬ونسُوا‬
‫أنفسهم ‪ ،‬حتى شَقّ ذلك على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كما قال [ال] (‪ )6‬تعالى ‪ { :‬إِنّ‬
‫ذَِلكُمْ كَانَ ُيؤْذِي النّ ِبيّ فَيَسْتَحْيِي مِ ْنكُمْ } (‪.)7‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد أن دخولكم منزله بغير إذنه (‪ )8‬كان يشق عليه ويتأذى به ‪ ،‬لكن كان يكره أن‬
‫ينهاهم عن ذلك من شدة حيائه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حتى أنزل ال عليه النهي عن ذلك ؛ ولهذا قال ‪{ :‬‬
‫حقّ } أي ‪ :‬ولهذا نهاكم عن ذلك وزجرَكم عنه‪.‬‬
‫وَاللّهُ ل يَسْ َتحْيِي مِنَ الْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )6/56‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4795‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2170‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )5232‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )2172‬من حديث عقبة‬
‫بن عامر ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الطعام إذا طبخ حتى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)1429‬‬
‫(‪ )5‬في صحيح البخاري برقم (‪ )2568‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )7‬بعدها في أ ‪" :‬وال ل يستحيي من الحق"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬إذن"‪.‬‬

‫( ‪)6/454‬‬

‫حجَابٍ } أي ‪ :‬وكما نهيتكم عن‬


‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَِإذَا سَأَلْ ُتمُوهُنّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنّ مِنْ وَرَاءِ ِ‬
‫الدخول عليهن ‪ ،‬كذلك ل تنظروا إليهن بالكلية ‪ ،‬ولو كان لحدكم (‪ )1‬حاجة يريد تناولها منهن‬
‫فل ينظر إليهن ‪ ،‬ول يسألهن حاجة إل من وراء حجاب‪.‬‬
‫سعَر ‪ ،‬عن‬
‫وقال (‪ )2‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن مِ ْ‬
‫موسى بن أبي كثير ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬كنت آكل مع النبي (‪ )3‬صلى ال عليه‬
‫وسلم حَيْسًا في َقعْب ‪ ،‬فمر عمر فدعاه ‪ ،‬فأصابت إصبعه إصبعي ‪ ،‬فقال ‪ :‬حَسّ (‪ - )4‬أو ‪ :‬أوّه‬
‫‪ -‬لو أطاع فيكن ما رأتك (‪ )5‬عين‪ .‬فنزل الحجاب (‪.)6‬‬
‫طهَرُ ِلقُلُوبِكُمْ َوقُلُو ِبهِنّ } أي ‪ :‬هذا الذي أمرتكم به وشرعته لكم من الحجاب أطهر‬
‫{ ذَِلكُمْ َأ ْ‬
‫وأطيب‪.‬‬
‫جهُ مِنْ َبعْ ِدهِ أَ َبدًا إِنّ ذَِلكُمْ كَانَ عِ ْندَ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا كَانَ َلكُمْ أَنْ ُتؤْذُوا رَسُولَ اللّ ِه وَل أَنْ تَ ْنكِحُوا أَ ْزوَا َ‬
‫عظِيمًا } ‪ :‬قال (‪ )7‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن أبي حماد ‪،‬‬
‫اللّهِ َ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله تعالى‬
‫حدثنا مهْرَان ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن داود بن أبي هند ‪ ،‬عن ِ‬
‫‪َ { :‬ومَا كَانَ َلكُمْ أَنْ ُتؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ } قال ‪ :‬نزلت في َرجُل هَمّ أن يتزوج بعض نساء النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال رجل لسفيان ‪ :‬أهي عائشة ؟ قال ‪ :‬قد ذكروا ذاك‪.‬‬
‫وكذا قال مقاتل بن حَيّان ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وذكر بسنده عن السدي أن الذي عزم‬
‫على ذلك طلحة بن عبيد ال ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬حتى نزل التنبيه على تحريم ذلك ؛ ولهذا أجمع‬
‫العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم من أزواجه (‪ )8‬أنه يحرم‬
‫على غيره تزويجها من بعده ؛ لنهن أزواجه في الدنيا والخرة وأمهات المؤمنين ‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن دخل بها ثم طلقها في حياته (‪ )9‬هل يحل لغيره أن يتزوجها ؟ على قولين ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مأخذهما ‪ :‬هل دخلت هذه في عموم قوله ‪ { :‬مِنْ َبعْ ِدهِ } أم ل ؟ فأما من تزوجها ثم طلقها قبل أن‬
‫يدخل بها ‪ ،‬فما نعلم في حلها لغيره ‪ -‬والحالة هذه ‪ -‬نزاعا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال (‪ )10‬ابن جرير ‪ :‬حدثني [محمد] (‪ )11‬بن المثنى ‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب ‪ ،‬حدثنا داود ‪ ،‬عن‬
‫عامر ؛ أن نبي ال صلى ال عليه وسلم مات وقد ملك قيلة بنت (‪ )12‬الشعث ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن‬
‫قيس ‪ -‬فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بعد ذلك ‪ ،‬فشق ذلك على أبي بكر مشقة شديدة ‪ ،‬فقال له‬
‫عمر ‪ :‬يا خليفة رسول ال ‪ ،‬إنها ليست من نسائه ‪ ،‬إنها لم يُخَيّرها رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ولم يحجبها ‪ ،‬وقد برأها ال منه بالردة التي ارتدت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬لحدهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في هـ ‪" :‬خير" وفي ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حسن" والمثبت من النهاية لبن الثير ‪.1/385‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ما رأتكن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )11419‬من طريق زكريا بن يحيى عن ابن أبي‬
‫عمر ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬زوجاته"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬حياتها"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬قتيلة ابنة"‪.‬‬

‫( ‪)6/455‬‬

‫مع قومها‪ .‬قال ‪ :‬فاطمأن أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنهما (‪ )1‬وسكن (‪.)2‬‬
‫وقد عظم ال تبارك وتعالى ذلك ‪ ،‬وشدد فيه وتوعد عليه بقوله ‪ { :‬إِنّ ذَِلكُمْ كَانَ عِ ْندَ اللّهِ عَظِيمًا }‬
‫علِيمًا } أي ‪ :‬مهما تكنه ضمائركم‬
‫شيْءٍ َ‬
‫خفُوهُ فَإِنّ اللّهَ كَانَ ِب ُكلّ َ‬
‫‪ ،‬ثم قال ‪ { :‬إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا َأوْ تُ ْ‬
‫وتنطوي عليه سرائركم ‪ ،‬فإن ال (‪ )3‬يعلمه ؛ فإنه ل تخفى (‪ )4‬عليه خافية ‪َ { ،‬يعَْلمُ خَائِ َنةَ‬
‫خفِي الصّدُورُ } [غافر ‪.]19 :‬‬
‫العْيُنِ َومَا ُت ْ‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)22/29‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪" :‬فإنه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬ل يخفى"‪.‬‬

‫( ‪)6/456‬‬

‫ن وَلَا نِسَا ِئهِنّ‬


‫خوَا ِتهِ ّ‬
‫ن وَلَا أَبْنَاءِ َأ َ‬
‫خوَا ِنهِ ّ‬
‫ن وَلَا أَبْنَاءِ إِ ْ‬
‫خوَا ِنهِ ّ‬
‫ن وَلَا إِ ْ‬
‫ن وَلَا أَبْنَا ِئهِ ّ‬
‫لَا جُنَاحَ عَلَ ْيهِنّ فِي آَبَا ِئهِ ّ‬
‫شهِيدًا (‪)55‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫ن وَا ّتقِينَ اللّهَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫وَلَا مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُ ّ‬

‫ن وَل‬
‫خوَا ِتهِ ّ‬
‫خوَا ِنهِنّ وَل أَبْنَاءِ أَ َ‬
‫ن وَل أَبْنَاءِ ِإ ْ‬
‫خوَا ِنهِ ّ‬
‫ن وَل إِ ْ‬
‫ن وَل أَبْنَا ِئهِ ّ‬
‫{ ل جُنَاحَ عَلَ ْيهِنّ فِي آبَا ِئهِ ّ‬
‫شهِيدًا (‪.} )55‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫ن وَا ّتقِينَ اللّهَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ن وَل مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُ ّ‬
‫نِسَا ِئهِ ّ‬
‫لما أمر تعالى النساء بالحجاب من الجانب ‪ ،‬بيّن أن هؤلء القارب ل يجب الحتجاب منهم ‪،‬‬
‫كما استثناهم في سورة النور ‪ ،‬عند قوله ‪ { :‬وَل يُ ْبدِينَ زِينَ َتهُنّ إِل لِ ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ آبَا ِئهِنّ َأوْ آبَاءِ‬
‫خوَا ِتهِنّ َأوْ نِسَا ِئهِنّ }‬
‫خوَا ِنهِنّ َأوْ بَنِي َأ َ‬
‫خوَا ِنهِنّ َأوْ بَنِي ِإ ْ‬
‫ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ أَبْنَا ِئهِنّ َأوْ أَبْنَاءِ ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ ِإ ْ‬
‫إلى آخرها ‪[ ،‬النور ‪ ، ]31 :‬وفيها زيادات على هذه‪ .‬وقد تقدم تفسيرها والكلم عليها بما أغنى‬
‫عن إعادته‪ .‬وقد سأل بعض السلف فقال ‪ :‬لِم َلمْ يذكر العم والخال في هاتين اليتين ؟ فأجاب‬
‫عكرمة والشعبي ‪ :‬بأنهما لم يذكرا ؛ لنهما قد يصفان ذلك لبنيهما‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد‬
‫بن المثنى ‪ ،‬حدثنا حجاج بن مِنْهال ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬حدثنا داود ‪ ،‬عن الشعبي وعكرمة في قوله ‪:‬‬
‫ن وَل‬
‫خوَا ِتهِ ّ‬
‫خوَا ِنهِنّ وَل أَبْنَاءِ أَ َ‬
‫ن وَل أَبْنَاءِ ِإ ْ‬
‫خوَا ِنهِ ّ‬
‫ن وَل إِ ْ‬
‫ن وَل أَبْنَا ِئهِ ّ‬
‫{ ل جُنَاحَ عَلَ ْيهِنّ فِي آبَا ِئهِ ّ‬
‫ن وَل مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُنّ } قلت ‪ :‬ما شأن العم والخال لم يذكرا ؟ قال هما (‪ )1‬ينعتانها‬
‫نِسَا ِئهِ ّ‬
‫لبنائهما‪ .‬وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل نِسَا ِئهِنّ } ‪ :‬يعني بذلك ‪ :‬عَدَم الحتجاب من النساء المؤمنات‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُنّ } يعني به ‪ :‬أرقاءَهن من الذكور والناث ‪ ،‬كما تقدم التنبيه‬
‫عليه ‪ ،‬وإيراد الحديث فيه (‪.)2‬‬
‫قال سعيد بن المسيب ‪ :‬إنما يعني به ‪ :‬الماء فقط‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫شهِيدًا } أي ‪ :‬واخشينه في الخلوة والعلنية ‪،‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ّتقِينَ اللّهَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫فإنه شهيد على كل شيء ‪ ،‬ل تخفى عليه خافية ‪ ،‬فراقبن الرقيب‪.‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬لنهما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقديم تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 31 :‬من سورة النور‪.‬‬

‫( ‪)6/456‬‬

‫إِنّ اللّ َه َومَلَا ِئكَتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى النّ ِبيّ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَّلمُوا َتسْلِيمًا (‪)56‬‬

‫{ إِنّ اللّ َه َومَل ِئكَتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى النّ ِبيّ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَ ْي ِه وَسَّلمُوا تَسْلِيمًا (‪} )56‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬قال أبو العالية ‪ :‬صلة ال ‪ :‬ثناؤه عليه عند الملئكة ‪ ،‬وصلة الملئكة ‪ :‬الدعاء‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬يصلون ‪ :‬يبرّكون‪ .‬هكذا علقه البخاري عنهما (‪.)1‬‬
‫وقد رواه أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية كذلك‪ .‬وروي مثله عن الربيع‬
‫أيضا‪ .‬وروى علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس كما قاله سواء ‪ ،‬رواهما ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬وروي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا ‪ :‬صلة‬
‫الرب ‪ :‬الرحمة ‪ ،‬وصلة الملئكة ‪ :‬الستغفار‪.‬‬
‫ثم قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمرو الوْديّ ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عمرو بن مرة ‪،‬‬
‫قال العمش عن عطاء (‪ )2‬بن أبي رباح { إِنّ اللّهَ َومَل ِئكَتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى النّ ِبيّ } قال ‪ :‬صلته‬
‫تبارك وتعالى ‪ :‬سُبّوح قدوس ‪ ،‬سبقت رحمتي غضبي‪.‬‬
‫والمقصود من هذه الية ‪ :‬أن ال سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في المل العلى ‪،‬‬
‫بأنه يثني عليه عند الملئكة المقربين ‪ ،‬وأن الملئكة تصلي عليه‪ .‬ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي‬
‫بالصلة والتسليم عليه ‪ ،‬ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا‪.‬‬
‫وقد قال (‪ )3‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ‪ ،‬حدثني أبي ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن أشعث بن إسحاق ‪ ،‬عن جعفر ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن المغيرة ‪ -‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس ‪ :‬أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلم ‪ :‬هل يصلي ربك ؟ فناداه ربه ‪ :‬يا‬
‫موسى ‪ ،‬سألوك ‪" :‬هل يصلي ربك ؟" فقل ‪ :‬نعم ‪ ،‬إنما أصلي أنا وملئكتي على أنبيائي ورسلي‪.‬‬
‫فأنزل ال عز وجل ‪ ،‬على نبيه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إِنّ اللّ َه َومَلئِكَتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى النّ ِبيّ يَا‬
‫علَيْ ِه وَسَّلمُوا تَسْلِيمًا }‪.‬‬
‫أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا َ‬
‫وقد أخبر أنه سبحانه وتعالى (‪ ، )4‬يصلي على عباده المؤمنين في قوله تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬
‫جكُمْ مِنَ‬
‫آمَنُوا ا ْذكُرُوا اللّهَ ِذكْرًا كَثِيرًا وَسَبّحُوهُ ُبكْ َرةً وََأصِيل‪ُ .‬هوَ الّذِي ُيصَلّي عَلَ ْي ُك ْم َومَل ِئكَتُهُ لِيُخْ ِر َ‬
‫الظُّلمَاتِ إِلَى النّو ِر َوكَانَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ َرحِيمًا } [الحزاب ‪ .]43 - 41 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَبَشّرِ‬
‫علَ ْيهِ ْم صََلوَاتٌ مِنْ‬
‫جعُونَ‪ .‬أُولَ ِئكَ َ‬
‫الصّابِرِينَ (‪ .)5‬الّذِينَ إِذَا َأصَابَ ْتهُمْ ُمصِيبَةٌ قَالُوا إِنّا لِلّ ِه وَإِنّا إِلَيْهِ رَا ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمَةٌ وَأُولَئِكَ ُهمُ ا ْل ُمهْتَدُونَ } [البقرة ‪ .]157 - 155 :‬وفي الحديث ‪" :‬إن ال وملئكته‬
‫رَ ّبهِ ْم وَرَ ْ‬
‫يصلون على ميامِن الصفوف"‪ .‬وفي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪" )8/532‬فتح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده عن عطاء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وقد روى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وقد أخبر ال تعالى" وفي ف ‪" :‬وقد أخبر أنه سبحانه بأنه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬المؤمنين " وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)6/457‬‬

‫الحديث الخر ‪" :‬اللهم ‪ ،‬صل على آل أبي أوفى"‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لمرأة‬
‫جابر ‪ -‬وقد سألته أن يصلي عليها وعلى زوجها ‪" -‬صلى ال عليك ‪ ،‬وعلى زوجك (‪.)2( )1‬‬
‫وقد جاءت الحاديث المتواترة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بالمر بالصلة عليه ‪ ،‬وكيفية‬
‫الصلة عليه ‪ ،‬ونحن نذكر منها إن شاء ال تعالى ما تيسر ‪ ،‬وال المستعان‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ -‬عند تفسير هذه الية (‪ : - )3‬حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن‬
‫عجْرَة قال ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أما‬
‫سعَر ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن ابن أبي ليلى ‪ ،‬عن كعب بن ُ‬
‫مِ ْ‬
‫السلم عليك فَقد عرفناه ‪ ،‬فكيف الصلة ؟ فقال ‪" :‬قولوا ‪ :‬اللهم ‪ ،‬صل على محمد ‪ ،‬وعلى آل‬
‫محمد ‪[ ،‬كما صليت على آل إبراهيم ‪ ،‬إنك حميد مجيد‪ .‬اللهم ‪ ،‬بارك على محمد وعلى آل محمد]‬
‫(‪ )4‬كما باركت على آل إبراهيم ‪ ،‬إنك حميد مجيد" (‪.)5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة (‪ ، )6‬عن الحكم قال ‪ :‬سمعت ابن أبي‬
‫عجْ َر َة فقال ‪ :‬أل أهدي لك هدية ؟ خرج علينا رسول ال صلى ال عليه‬
‫ليلى قال ‪ :‬لقيني كعب بن ُ‬
‫وسلم فقلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد علمنا ‪ -‬أو ‪ :‬عرفنا ‪ -‬كيف السلم (‪ ، )7‬عليك ‪ ،‬فكيف الصلة ؟‬
‫قال ‪" :‬قولوا ‪ :‬اللهم ‪ ،‬صل على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما صليت على [آل] (‪ )8‬إبراهيم إنك‬
‫حميد مجيد‪ .‬اللهم ‪ ،‬بارك على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما باركت على آل إبراهيم ‪ ،‬إنك حميد‬
‫مجيد"‪.‬‬
‫وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة في كتبهم ‪ ،‬من طرق متعددة ‪ ،‬عن الحكم ‪ -‬وهو ابن عتبة (‪)9‬‬
‫زاد البخاري ‪ :‬وعبد ال بن عيسى ‪ ،‬كلهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬فذكره (‪.)10‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم (‪ : )11‬حدثنا الحسن بن عرفة ‪ ،‬حدثنا هُشَيْم بن بُشَير ‪ ،‬عن يزيد بن أبي زياد‬
‫‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬عن كعب بن عُجْرَة قال ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬إِنّ اللّ َه َومَل ِئكَتَهُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ُيصَلّونَ عَلَى النّ ِبيّ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَّلمُوا َتسْلِيمًا }‪ .‬قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد‬
‫علمنا السلم (‪ )12‬فكيف الصلة عليك ؟ قال ‪" :‬قولوا ‪ :‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ‪،‬‬
‫كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ‪ ،‬إنك حميد مجيد‪ .‬وبارك على محمد وعلى آل‬
‫محمد ‪ ،‬كما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬وعلى آل زوجك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد في مسنده (‪ )3/398‬وابن حبان في صحيحه برقم (‪" )1951‬موارد" من طريق‬
‫السود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬روى البخاري في صحيحه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)4797‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬نسلم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عيينة"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )4/241‬وصحيح البخاري برقم (‪ )3370‬وبرقم (‪ )6357‬وبرقم (‪ )4797‬وصحيح‬
‫مسلم برقم (‪ )406‬وسنن أبي داود برقم (‪ )976‬وسنن الترمذي برقم (‪ )483‬وسنن النسائي (‬
‫‪ )3/47‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)904‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬وقال البخاري"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬السلم عليك"‪.‬‬

‫( ‪)6/458‬‬

‫باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‪ .‬إنك حميد مجيد"‪ .‬وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول ‪:‬‬
‫وعلينا معهم‪.‬‬
‫ورواه الترمذي بهذه الزيادة (‪.)1‬‬
‫ومعنى قولهم ‪" :‬أما السلم عليك فقد عرفناه" ‪ :‬هو الذي في التشهد الذي كان يعلمهم إياه ‪ ،‬كما‬
‫كان يعلمهم السورة من القرآن ‪ ،‬وفيه ‪" :‬السلم عليك أيها النبي ورحمة ال وبركاته"‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )2‬البخاري ‪ :‬حدثنا عبد ال بن يوسف ‪ ،‬حدثنا الليث ‪ ،‬عن ابن (‪ )3‬الهاد ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن خباب ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذا السلم (‪ )4‬فكيف نصلي عليك ‪ :‬قال ‪" :‬قولوا ‪ :‬اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ‪ ،‬كما‬
‫صليت على آل إبراهيم‪ .‬وبارك على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما باركت على آل إبراهيم"‪[ .‬وفي‬
‫رواية] (‪ : )5‬قال أبو صالح ‪ ،‬عن الليث ‪" :‬على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما باركت على آل‬
‫إبراهيم"‪.‬‬
‫حدثنا إبراهيم بن حمزة ‪ ،‬حدثنا ابن أبى حازم والدّرَاوَرْدي ‪ ،‬عن يزيد ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن الهاد ‪ -‬قال‬
‫‪" :‬كما صليت على إبراهيم ‪ ،‬وبارك على محمد وآل محمد ‪ ،‬كما باركت على إبراهيم وآل‬
‫إبراهيم"‪.‬‬
‫وأخرجه النسائي وابن ماجة ‪ ،‬من حديث ابن الهاد ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )7‬المام أحمد ‪ :‬قرأت على عبد الرحمن ‪ :‬مالك ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي بكر ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن عمرو بن سُلَيم أنه قال ‪ :‬أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫كيف نصلي عليك ؟ قال ‪" :‬قولوا ‪ :‬اللهم" صل على محمد وأزواجه وذريته ‪ ،‬كما صليت على‬
‫[آل] (‪ )8‬إبراهيم ‪ ،‬وبارك على محمد وأزواجه وذريته ‪ ،‬كما باركت على آل إبراهيم ‪ ،‬إنك حميد‬
‫مجيد"‪.‬‬
‫وقد أخرجه بقية الجماعة ‪ ،‬سوى الترمذي ‪ ،‬من حديث مالك ‪ ،‬به (‪.)9‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال مسلم ‪ :‬حدثنا يحيى التميمي قال ‪ :‬قرأت على مالك ‪ ،‬عن ُنعَيم بن عبد ال‬
‫المُجمّر ‪ ،‬أخبرني محمد بن عبد ال بن زيد النصاري ‪ -‬قال ‪ :‬وعبد ال بن زيد هو الذي كان‬
‫أُ ِريَ النداء بالصلة ‪ -‬أخبره عن أبي مسعود النصاري ‪ -‬قال ‪ :‬أتانا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ونحن في مجلس سعد بن عُبَادة ‪ ،‬فقال له بَشير بن سعد ‪ :‬أمرنا ال أن نصلي عليك [يا‬
‫رسول ال] ‪ )10( ،‬فكيف نصلي عليك ؟ قال ‪ :‬فسكت رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى تمنينا‬
‫أنه لم يسأله ‪ ،‬ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قولوا ‪ :‬اللهم صل على محمد ‪ ،‬وعلى آل‬
‫محمد ‪ ،‬كما صليت على آل إبراهيم ‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما باركت على آل‬
‫إبراهيم في العالمين ‪ ،‬إنك حميد مجيد ‪ ،‬والسلم كما قد عَِلمْتُمْ"‪.‬‬
‫وقد رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي من حديث مالك ‪ ،‬به (‪ .)11‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪ )483‬وقال ‪" :‬حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬أبي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬هذا السلم عليك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)4798‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )5/424‬وصحيح البخاري برقم (‪ )3369‬وصحيح مسلم برقم (‪ )407‬وسنن أبي‬
‫داود برقم (‪ )979‬وسنن النسائي (‪ )3/49‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)905‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )11‬صحيح مسلم برقم (‪ )405‬وسنن أبي داود برقم (‪ )980‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3220‬وسنن‬
‫النسائي (‪.)3/45‬‬

‫( ‪)6/459‬‬

‫صحيح‪.‬‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن خُزَيمة ‪ ،‬وابن حبّان ‪ ،‬والحاكم في مستدركه ‪،‬‬
‫من حديث محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن محمد بن إبراهيم التيمي ‪ ،‬عن محمد بن عبد ال بن زيد بن‬
‫عبد ربه ‪ ،‬عن أبي مسعود البدري أنهم قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أما السلم فقد عرفناه ‪ ،‬فكيف‬
‫نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلتنا ؟ فقال ‪" :‬قولوا ‪ :‬اللهم ‪ ،‬صَل على محمد وعلى آل‬
‫محمد‪ "...‬وذكره (‪.)1‬‬
‫ورواه الشافعي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في مسنده ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬بمثله (‪ .)2‬ومن هاهنا ذهب‬
‫الشافعي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫في التشهد الخير ‪ ،‬فإن تركه لم تصح صلته‪ .‬وقد شَرَع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم‬
‫يُشنع على المام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلة ‪ ،‬ويزعم أنه قد تفرد بذلك ‪ ،‬وحكى‬
‫الجماع على خلفه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي وغيرهم ‪ ،‬فيما نقله القاضي عياض‪.‬‬
‫وقد َتعَسّف القائل (‪ )3‬في رده على الشافعي ‪ ،‬وتكلف في دعواه الجماع في ذلك ‪[ ،‬وقال ما لم‬
‫يحط به علما] (‪ ، )4‬فإنه قد روينا وجوب ذلك والمر بالصلة على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم في الصلة كما هو ظاهر الية ‪ ،‬ومفسر (‪ )5‬بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة ‪ ،‬منهم‬
‫‪ :‬ابن مسعود ‪ ،‬وأبو مسعود البدري ‪ ،‬وجابر بن عبد ال ‪ ،‬ومن التابعين ‪ :‬الشعبي ‪ ،‬وأبو جعفر‬
‫الباقر ‪ ،‬ومقاتل بن حيان‪ .‬وإليه ذهب الشافعي ‪ ،‬ل خلف عنه في ذلك ول بين (‪ )6‬أصحابه‬
‫أيضا ‪ ،‬وإليه ذهب [المام] (‪ )7‬أحمد أخيرا فيما حكاه عنه أبو زُرْعَة الدمشقي ‪ ،‬به‪ .‬وبه قال‬
‫إسحاق بن راهويه ‪ ،‬والفقيه المام محمد بن إبراهيم المعروف بابن الموّاز المالكي ‪ ،‬رحمهم ال ‪،‬‬
‫حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال في الصلة عليه صلى ال عليه وسلم كما علمهم أن‬
‫جيّ ‪،‬‬
‫يقولوا لما سألوه ‪ ،‬وحتى إن بعض أصحابنا أوجب الصلة على الل ممن (‪ )8‬حكاه البَنْدَني ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وسُلَيم الرازي ‪ ،‬وصاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي ‪ ،‬ونقله إمام الحرمين وصاحبه الغزالي قول‬
‫عن الشافعي‪ .‬والصحيح أنه وجه ‪ ،‬على أن الجمهور على خلفه ‪ ،‬وحكوا الجماع على خلفه ‪،‬‬
‫وللقول بوجوبه ظواهر الحديث ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫والغَرَض أن الشافعي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬لقوله (‪ )9‬بوجوب الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫ف وَخََلفٌ (‪ )10‬كما تقدم ‪ ،‬ل الحمد والمنة ‪ ،‬فل إجماع على خلفه في هذه المسألة‬
‫الصلة ‪ -‬سََل ٌ‬
‫ل قديما ول حديثا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ومما يؤيد ذلك ‪ :‬الحديث الخر الذي رواه المام أحمد وأبو داود والترمذي ‪ -‬وصححه ‪-‬‬
‫والنسائي وابن خزيمة ‪ ،‬وابن حبان في صحيحيهما ‪ ،‬من رواية حَيْوة بن شُرَيْح المصري ‪ ،‬عن‬
‫أبي هانئ حميد بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/119‬وسنن أبي داود برقم (‪ )981‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪)9877‬‬
‫والمستدرك (‪ )1/668‬وقال الحاكم ‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند الشافعي برقم (‪" )268‬بدائع المنن" ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )9875‬من‬
‫طريق داود بن قيس ‪ ،‬عن نعيم بن عبد ال ‪ ،‬عن أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬تعسف هذا القائل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ومشعر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬فيما" وفي أ ‪" :‬فيمن"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬سلفا وخلفا"‪.‬‬

‫( ‪)6/460‬‬

‫هانئ ‪ ،‬عن عمرو بن مالك أبي علي الجَنْبي (‪ ، )1‬عن فضالة بن عبيد ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم رجل يدعو في صلته ‪ ،‬لم يمجد ال ولم يصل على النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬عَجل هذا"‪ .‬ثم دعاه فقال له ولغيره‬
‫‪" :‬إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬والثناء عليه ‪ ،‬ثم ليصل على النبي ثم ليدعُ‬
‫[بعد] (‪ )2‬بما شاء" (‪.)3‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وكذا الحديث الذي رواه ابن ماجه ‪ ،‬من رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد‬
‫الساعدي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ل صلة لمن ل‬
‫وضوء له ‪ ،‬ول وضوء لمن لم يذكر اسم ال عليه ‪ ،‬ول صلة لمن لم يصل على النبي ‪ ،‬ول‬
‫صلة لمن لم يحب النصار (‪.)4‬‬
‫ولكن عبد المهيمن هذا متروك‪ .‬وقد رواه الطبراني من رواية أخيه "أبي بن عباس" ‪ ،‬ولكن في‬
‫ذلك نظر (‪ .)5‬وإنما يعرف من رواية "عبد المهيمن" ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا إسماعيل ‪ ،‬عن أبي داود‬
‫العمى ‪ ،‬عن بُرَيدة قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد علمنا كيف نسلم عليك ‪ ،‬فكيف نصلي عليك ؟‬
‫قال ‪" :‬قولوا ‪ :‬اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما جعلتها‬
‫على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد"‪.‬‬
‫أبو داود العمى اسمه ‪ :‬نفيع بن الحارث ‪ ،‬متروك (‪.)6‬‬
‫حديث آخر موقوف ‪ :‬رويناه من طريق سعيد بن منصور وزيد بن الحباب ويزيد بن هارون ‪،‬‬
‫ثلثتهم عن نوح بن قيس ‪ :‬حدثنا سلمة الكندي ‪ :‬أن عليا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬كان يعلم الناس هذا‬
‫حوّات ‪ ،‬وبارئ المسموكات ‪ ،‬وَجَبّار القلوب على فطْرَتها شقيها‬
‫الدعاء ‪ :‬اللهم داحي المدْ ُ‬
‫وسعيدها‪ .‬اجعل شرائف صلواتك ‪ ،‬ونوامي بركاتك ‪ ،‬ورأفة تحننك ‪ ،‬على محمد عبدك‬
‫ورسولك ‪ ،‬الخاتم لما سبق ‪ ،‬والفاتح لما أغلق ‪ ،‬والمعلن الحق بالحق ‪ ،‬والدامغ جيشات‬
‫حمّل فاضطلع بأمرك لطاعتك ‪ ،‬مستوفزا في مرضاتك ‪ ،‬غير نَكل في قَدَم ‪ ،‬ول‬
‫الباطيل ‪ ،‬كما ُ‬
‫وهن في عزم ‪ ،‬واعيا لوحيك ‪ ،‬حافظا لعهدك ‪ ،‬ماضيا على نفاذ أمرك ‪ ،‬حتى أورى قبسا‬
‫لقابس ‪ ،‬آلء ال تصل بأهله أسبابه ‪ ،‬به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والثم ‪[ ،‬وأقام] (‪)7‬‬
‫مُوضحات العلم ‪ ،‬ومُنِيرات السلم ونائرات الحكام ‪ ،‬فهو أمينك المأمون ‪ ،‬وخازن علمك‬
‫المخزون ‪ ،‬وشهيدك يوم الدين ‪ ،‬وبَعيثُك نعمة ‪ ،‬ورسولك بالحق رحمة‪ .‬اللهم افسح له مُفسحَات‬
‫في عدلك ‪ ،‬واجزه مضاعفات الخير من فضلك‪ .‬مهنّآت له غير مكدرات ‪ ،‬من فوز ثوابك المعلول‬
‫‪ ،‬وجزيل عطائك المجمول‪ .‬اللهم ‪ ،‬أعل على بناء البانين‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الحسيني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )6/18‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1481‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3477‬وسنن النسائي (‬
‫‪.)3/44‬‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )400‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" )1/167‬هذا إسناد ضعيف‬
‫لتفاقهم على ضعف عبد المهيمن"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير للطبراني (‪.)6/121‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)5/353‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف‪.‬‬

‫( ‪)6/461‬‬

‫بنيانه (‪ )1‬وأكرم مثواه لديك ونزله‪ .‬وأتمم (‪ )2‬له نوره ‪ ،‬واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة ‪،‬‬
‫خطّة فصل ‪ ،‬وحجة وبرهان عظيم (‪.)3‬‬
‫مرضي المقالة ‪ ،‬ذا منطق عدل ‪ ،‬و ُ‬
‫هذا مشهور من كلم علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وقد تكلم عليه ابن قتيبة في مشكل الحديث ‪ ،‬وكذا‬
‫أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي في جزء جمعه في فضل الصلة على النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬إل أن في إسناده نظرا‪.‬‬
‫قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي ‪ :‬سلمة (‪ )4‬الكندي هذا ليس بمعروف ‪ ،‬ولم يدرك عليا (‬
‫‪ .)5‬كذا قال‪ .‬وقد روى الحافظ أبو القاسم الطبراني هذا الثر عن محمد بن علي الصائغ ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن منصور ‪ ،‬حدثنا نوح بن قيس ‪ ،‬عن سلمة الكندي قال ‪ :‬كان علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫حوّات" وذكره (‪.)6‬‬
‫يعلمنا الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم فيقول ‪" :‬اللهم ‪ ،‬داحي المَدْ ُ‬
‫حسَين بن بَيَان] (‪ ، )7‬حدثنا زياد بن عبد ال ‪،‬‬
‫حديث آخر موقوف ‪ :‬قال ابن ماجه ‪[ :‬حدثنا ال ُ‬
‫حدثنا المسعودي ‪ ،‬عن عون بن عبد ال ‪ ،‬عن أبي فَاخِتة ‪ ،‬عن السود بن يزيد (‪ ، )8‬عن عبد‬
‫ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا صليتم على رسول ال صلى ال عليه وسلم فأحسنوا‬
‫الصلة عليه ؛ فإنكم ل تدرون لعل ذلك ُيعْرَض عليه‪ .‬قال ‪ :‬فقالوا له ‪َ :‬فعَلّمنا‪ .‬قال ‪ :‬قولوا ‪:‬‬
‫اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين ‪ ،‬وإمام المتقين ‪ ،‬وخاتم النبيين ‪،‬‬
‫محمد عبدك ورسولك ‪ ،‬إمام الخير وقائد الخير ‪ ،‬ورسول الرحمة‪ .‬اللهم ابعثه مقاما محمودا‬
‫َيغْبِطُه به الولون والخرون ‪ ،‬اللهم صل على محمد [وعلى آل محمد] (‪ ، )9‬كما صليت على‬
‫إبراهيم وعلى آل إبراهيم ‪ ،‬إنك حميد مجيد ‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت‬
‫على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪)10( .‬‬
‫وهذا موقوف ‪ ،‬وقد روى إسماعيل القاضي عن عبد ال بن عمرو ‪ -‬أو ‪ :‬عمر ‪ -‬على الشك من‬
‫الراوي قريبا من هذا (‪.)11‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )12‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا مالك بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫__________‬
‫علّ بناء الناس بناءه"‪.‬‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬اللهم َ‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وأتم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )3‬رواه أبو نعيم في عوالي سعيد بن منصور برقم (‪ )18‬فقال ‪ :‬حدثنا سليمان بن أحمد ‪ ،‬حدثنا‬
‫مسعدة بن سعد ‪ ،‬حدثنا سعيد بن منصور فذكره ‪ ،‬ورواه الحنائي في الفوائد (‪/10/162‬ب) ‪ -‬كما‬
‫في حاشية العوالي ‪ -‬من طريق يزيد بن هارون ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ف ‪" :‬سلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سلمة الكندي ذكره البخاري في التاريخ الكبير (‪ )4/195‬وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل‬
‫(‪ )4/300‬وأشار ابن أبي حاتم إلى هذا الحديث وقال ‪" :‬مرسل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المعجم الوسط برقم (‪" )4653‬مجمع البحرين" لكن فيه ‪" :‬حدثنا مسعدة بن سعد ‪ ،‬حدثنا سعيد‬
‫بن منصور" فلعل الحافظ نقله هنا من مسند العشرة‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬وابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى ابن ماجه بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬وابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )10‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )906‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )1/311‬هذا إسناد رجاله ثقات‬
‫إل أن المسعودي واسمه عبد الرحمن بن عتبة بن مسعود اختلط بآخره ‪ ،‬ولم يتميز حديثه الول‬
‫بالخر ‪ ،‬فاستحق الترك‪ .‬قاله ابن حبان"‪.‬‬
‫(‪ )11‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)62‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫( ‪)6/462‬‬

‫إسرائيل ‪ ،‬عن يونس بن خَبّاب قال ‪ :‬خطبنا بفارس فقال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َومَل ِئكَتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى النّ ِبيّ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْ ِه وَسَّلمُوا تَسْلِيمًا } ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنبأني من سمع ابن عباس يقول ‪ :‬هكذا‬
‫أنزل‪ .‬فقلنا ‪ -‬أو ‪ :‬قالوا ‪ -‬يا رسول ال ‪ ،‬عَلمنا السلم عليك ‪ ،‬فكيف الصلة عليك ؟ فقال ‪:‬‬
‫"اللهم ‪ ،‬صل على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ‪ ،‬إنك حميد مجيد‬
‫‪ ،‬وارحم محمدا وآل محمد ‪ ،‬كما رحمت آل إبراهيم ‪ ،‬إنك حميد مجيد ‪[ ،‬وبارك على محمد‬
‫وعلى آل محمد ‪ ،‬كما باركت على إبراهيم ‪ ،‬إنك حميد مجيد] (‪.)2( )1‬‬
‫فيستدل بهذا الحديث من ذهب إلى جواز الترحم على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كما هو قول‬
‫الجمهور ‪ :‬ويعضده حديث العرابي الذي قال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬ارحمني ومحمدا ‪ ،‬ول ترحم معنا أحدا‪.‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لقد حجرت (‪ )3‬واسعا"‪.‬‬
‫وحكى القاضي عياض عن جمهور المالكية منعه ‪ ،‬قال ‪ :‬وأجازه أبو محمد بن أبي زيد‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬أخبرنا شعبة ‪ ،‬عن عاصم بن عبيد ال (‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ )4‬قال ‪ :‬سمعت عبد ال بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال ‪ :‬سمعت النبي (‪ )5‬صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬مَنْ صلى علي صلة لم تزل الملئكة تصلي عليه ما صلى علي ‪ ،‬فَلْ ُي ِقلّ عبد‬
‫من ذلك أو ليكثر"‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجه ‪ ،‬من حديث شعبة ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )7‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي ‪ ،‬ويونس ‪ -‬هو‬
‫ابن محمد ‪ -‬قال حدثنا ليث ‪ ،‬عن يزيد بن الهاد ‪ ،‬عن عمرو بن أبي عمرو ‪ ،‬عن أبي‬
‫الحويرث ‪ ،‬عن محمد بن جبير بن مطعم ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن عوف قال ‪ :‬خرج رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فاتبعته حتى دخل نخل فسجد فأطال السجود ‪ ،‬حتى خفت ‪ -‬أو ‪ :‬خشيت ‪-‬‬
‫أن يكون ال قد توفاه أو قبضه‪ .‬قال ‪ :‬فجئت أنظر ‪ ،‬فرفع رأسه فقال ‪" :‬ما لك يا عبد الرحمن ؟"‬
‫قال ‪ :‬فذكرت ذلك له فقال ‪" :‬إن جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قال لي ‪ :‬أل أبشرك ؟ إن ال ‪ ،‬عز وجل‬
‫‪ ،‬يقول ‪ :‬مَنْ صلى عليك صليت عليه ‪ ،‬ومَنْ سَلّمَ عليك سلمتُ عليه" (‪.)8‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ‪ ،‬حدثنا سليمان بن بلل ‪،‬‬
‫حدثنا عمرو بن أبي عمرو ‪ ،‬من عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن عوف قال ‪ :‬خرج (‪ )9‬رسول ال صلى ال عليه وسلم فتوجه نحو صدقته ‪ ،‬فدخل‬
‫فاستقبل القبلة ‪ ،‬فخر ساجدا ‪ ،‬فأطال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)22/31‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬تحجرت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )3/445‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)907‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪)1/191‬‬
‫(‪ )9‬في هـ ‪" :‬قال" وفي ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬قام" والمثبت من المسند‪.‬‬

‫( ‪)6/463‬‬

‫السجود ‪ ،‬حتى ظننت أن ال قد قبض نفسه فيها ‪ ،‬فدنوت منه ثم جلست ‪ ،‬فرفع رأسه فقال ‪" :‬مَنْ‬
‫هذا ؟" فقلت ‪ :‬عبد الرحمن‪ .‬قال ‪" :‬ما شأنك ؟" قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬سجدت سجدة خشيت أن‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫[يكون] (‪ )1‬ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قبض نفسك فيها‪ .‬فقال ‪" :‬إن جبريل أتاني فبشرني أن ال ‪ ،‬عز‬
‫وجل ‪ ،‬يقول لك ‪ :‬من صلى عليك صليت عليه ‪ ،‬ومن سلم عليك سلمت عليه ‪ -‬فسجدتُ ل عز‬
‫وجل ‪ ،‬شكرا" (‪.)2‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪[ )3‬الحافظ] (‪ )4‬أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن بَحير‬
‫بن عبد ال بن معاوية بن بحير بن ريسان ‪[ ،‬حدثنا عمرو بن الربيع بن طارقة] (‪ ، )5‬حدثنا‬
‫يحيى بن أيوب ‪ ،‬حدثنا عبد ال (‪ )6‬بن عمر ‪ ،‬عن الحكم بن عتيبة (‪ ، )7‬عن إبراهيم النّخَعي ‪،‬‬
‫عن السود بن يزيد ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬خرج رسول ال صلى ال‬
‫طهَرة من خلفه ‪ ،‬فوجد النبي صلى‬
‫عليه وسلم لحاجة فلم يجد أحدا يتبعه ‪ ،‬ففزع عمر ‪ ،‬فأتاه بِم ْ‬
‫ال عليه وسلم ساجدا في مَشربة (‪ ، )8‬فتنحّى عنه من خلفه حتى رفع النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫رأسه ‪ ،‬فقال ‪" :‬أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني ‪ ،‬إن جبريل أتاني فقال ‪ :‬من‬
‫صلى عليك من أمتك واحدة ‪ ،‬صلى ال عليه عشر صلوات (‪ ، )9‬ورفعه عشر درجات"‪.‬‬
‫وقد اختار هذا الحديث الحافظ الضياء المقدسي في كتابه "المستخرج (‪ )10‬على الصحيحين" (‬
‫‪.)11‬‬
‫وقد رواه إسماعيل القاضي ‪ ،‬عن القعنبي ‪ ،‬عن سلمة بن وَرْدان ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬عن عمر بنحوه (‬
‫‪.)12‬‬
‫ورواه أيضا عن يعقوب بن حميد ‪ ،‬عن أنس بن عياض ‪ ،‬عن سلمة بن وَرْدان ‪ ،‬عن مالك بن‬
‫أوس بن الحدثان ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬بنحوه (‪.)13‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )14‬أبو عيسى الترمذي ‪ :‬حدثنا بُنْدَار ‪ ،‬حدثنا محمد بن خالد بن عَ ْثمَةَ ‪،‬‬
‫حدثني موسى بن يعقوب ال ّز ْم ِعيّ ‪ ،‬حدثني عبد ال بن كَيْسَان ؛ أن عبد ال بن شداد أخبره ‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن مسعود ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم‬
‫علي صلة"‪.‬‬
‫تفرد بروايته الترمذي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هذا حديث حسن غريب (‪.)15‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال إسماعيل القاضي ‪ :‬حدثنا علي بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن يعقوب بن زيد‬
‫بن طلحة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أتاني آت من ربي فقال لي ‪ :‬ما من عبد‬
‫يصلي عليك صلة إل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)1/191‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬زيادة من المعجم الصغير‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عبيد ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ "عيينة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬مسرية"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عشرا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المختارة"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المعجم الصغير (‪ )2/89‬والمختارة برقم (‪ .)93‬وقال الطبراني ‪" :‬لم يروه عن عبيد ال بن‬
‫عمر إل يحيى بن أيوب ‪ ،‬تفرد به عمرو بن الربيع"‪.‬‬
‫(‪ )12‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)4‬‬
‫(‪ )13‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)5‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )15‬سنن الترمذي برقم (‪.)484‬‬

‫( ‪)6/464‬‬

‫صلى ال عليه بها عشرًا"‪ .‬فقام رجل (‪ )1‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أل أجعل نصف دعائي لك ؟ قال‬
‫‪" :‬إن شئت"‪ .‬قال ‪ :‬أل أجعل ثلثي دعائي لك ؟ قال ‪" :‬إن شئت"‪ .‬قال ‪ :‬أل أجعل دعائي لك كله ؟‬
‫قال ‪" :‬إذن يكفيك ال هم الدينا وهم الخرة"‪ .‬فقال شيخ ‪ -‬كان بمكة ‪ ،‬يقال له ‪ :‬مَنِيع (‪- )2‬‬
‫لسفيان ‪ :‬عمن أسنده ؟ قال ‪ :‬ل أدري (‪.)3‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال إسماعيل القاضي ‪ :‬حدثنا سعيد بن سَلم العطار ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ -‬يعني ‪:‬‬
‫الثوري ‪ -‬عن عبد ال بن محمد بن عقيل ‪ ،‬عن الطفيل بن أبي بن كعب ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يخرج في جوف الليل فيقول ‪" :‬جاءت الراجفة ‪ ،‬تتبعها الرادفة ‪،‬‬
‫جاء الموت بما فيه"‪ .‬قال أبي ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني أصلي من الليل ‪ ،‬أفأجعل لك ثلث صلتي ؟‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الشطر"‪ .‬قال ‪ :‬أفأجعل لك شطر صلتي ؟ قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الثلثان"‪ .‬قال أفأجعل لك صلتي كلها ؟ قال ‪" :‬إذن يغفر ال ذنبك كله" (‬
‫‪.)4‬‬
‫وقد رواه (‪ )5‬الترمذي بنحوه فقال ‪ :‬حدثنا هَنّاد ‪ ،‬حدثنا قَبِيصة ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫عقِيل ‪ ،‬عن الطفيل بن أبي بن كعب ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه‬
‫محمد بن َ‬
‫وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬اذكروا ال ‪ ،‬اذكروا ال ‪ ،‬جاءت الراجفة‬
‫تتبعها الرادفة ‪ ،‬جاء الموت بما فيه ‪ ،‬جاء الموت بما فيه"‪ .‬قال أبي ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أكثر الصلة عليك ‪ ،‬فكم أجعل لك من صلتي ؟ قال ‪" :‬ما شئت"‪ .‬قلت ‪ :‬الربع ؟ قال ‪" :‬ما‬
‫شئت ‪ ،‬فإن زدت فهو خير لك"‪ .‬قلت ‪ :‬فالنصف ؟ قال ‪" :‬ما شئت ‪ ،‬فإن زدت فهو خير لك"‪ .‬قلت‬
‫‪ :‬فالثلثين ؟ قال ‪" :‬ما شئت ‪ ،‬فإن زدت فهو خير لك"‪ .‬قلت ‪ :‬أجعل لك صلتي كلها ؟ قال ‪" :‬إذن‬
‫تكفى همّك ‪ ،‬ويغفر لك ذنبك"‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬هذا حديث حسن (‪.)6‬‬
‫عقِيل ‪ ،‬عن الطفيل بن‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن َ‬
‫أبي ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أرأيت إن جعلتُ صلتي كلها عليك ؟ قال ‪" :‬إذن‬
‫يكفيك ال ما أ َهمّك من دنياك وآخرتك" (‪.)7‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو كامل ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن سليمان‬
‫مولى الحسن بن علي ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي طلحة ‪ ،‬عن أبيه ؛ أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم جاء ذات يوم ‪ ،‬والسرور يرى في وجهه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنا لنرى السرور في‬
‫وجهك‪ .‬فقال ‪" :‬إنه أتاني الملك فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أما يرضيك أن ربك ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬يقول ‪ :‬إنه ل‬
‫يصلي عليك أحد من أمتك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فقام إليه رجل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬سبع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)13‬‬
‫(‪ )4‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)14‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪.)2457‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)5/136‬‬

‫( ‪)6/465‬‬

‫إل صلّيت عليه عشرًا ‪ ،‬ول يسلم عليك أحد من أمتك إل سلمت عليه عشرا ؟ قال ‪ :‬بلى"‪.‬‬
‫ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬به (‪ .)1‬وقد رواه إسماعيل القاضي ‪ ،‬عن إسماعيل‬
‫ابن أبي أويس ‪ ،‬عن أخيه ‪ ،‬عن سليمان بن بلل ‪ ،‬عن عبيد ال بن عمر ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أبي‬
‫طلحة ‪ ،‬بنحوه (‪.)3( ، )2‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال [المام] (‪ )4‬أحمد ‪ :‬حدثنا سُرَيْج (‪ ، )5‬حدثنا أبو َمعْشَر ‪ ،‬عن إسحاق بن‬
‫عجْرَة ‪ ،‬عن أبي طلحة النصاري قال ‪ :‬أصبح رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما‬
‫كعب بن ُ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طيب النفس ‪ ،‬يُرى في وجهه البشر ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أصبحت اليوم طيب النفس ‪ ،‬يُرى‬
‫في وجهك البشر ؟ قال ‪" :‬أجل ‪ ،‬أتاني آتٍ من ربي ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬مَنْ صلى عليك من‬
‫أمتك صلة ‪ ،‬كتب ال له بها عشر حسنات ‪ ،‬ومحا عنه عشر سيئات ‪ ،‬ورفع له عشر درجات ‪،‬‬
‫ورد عليه مثلها" (‪.)6‬‬
‫وهذا أيضا إسناد جيد ‪ ،‬ولم يخرجوه‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬روى (‪ )7‬مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ‪ ،‬من حديث إسماعيل بن جعفر ‪ ،‬عن‬
‫العلء بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبيه ؛ عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫ي واحدة ‪ ،‬صلى ال عليه بها عشرا"‪.‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من صلى عََل ّ‬
‫قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح ‪ ،‬وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬وعامر بن‬
‫ربيعة ‪ ،‬وعمار ‪ ،‬وأبي طلحة ‪ ،‬وأنس ‪ ،‬وأبي بن كعب (‪.)8‬‬
‫وقال (‪ )9‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسين بن محمد ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن كعب ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬صلوا علي ؛ فإنها زكاة لكم‪ .‬وسلوا ال لي الوسيلة‬
‫؛ فإنها درجة في أعلى الجنة ‪ ،‬ل ينالها إل رجل ‪ ،‬وأرجو أن أكون أنا هو"‪ .‬تفرد به أحمد (‬
‫‪ ، )10‬وقد رواه البزار من طريق مجاهد ‪ ،‬عن أبى هريرة ‪ ،‬بنحوه فقال ‪ :‬حدثنا محمد بن‬
‫إسحاق ال َبكّالي ‪ ،‬حدثنا عثمان بن سعيد ‪ ،‬حدثنا داود بن عُلَيّة ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬صلوا علي ؛ فإنها زكاة لكم ‪ ،‬وسلوا ال لي‬
‫الدرجة الوسيلة من الجنة" فسألناه ‪ -‬أو ‪ :‬أخبرنا ‪ -‬فقال ‪" :‬هي درجة في أعلى الجنة ‪ ،‬وهي‬
‫لرجل ‪ ،‬وأنا أرجو أن أكون ذلك الرجل"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/30‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)9888‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪" :‬بمثله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)1‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬شريح"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)4/29‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪ )408‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1530‬وسنن الترمذي برقم (‪ )485‬وسنن‬
‫النسائي (‪.)3/50‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)2/365‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)6/466‬‬

‫في إسناده بعض من ُتكُلّم فيه (‪.)1‬‬


‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪[ ،‬عن عبد ال بن‬
‫هبيرة] (‪ ، )2‬عن عبد الرحمن بن مريج الخولني ‪ ،‬سمعت أبا قيس ‪ -‬مولى عمرو بن العاص ‪-‬‬
‫سمعت عبد ال بن عمرو يقول ‪ :‬مَنْ صلى على رسول ال صلى ال عليه وسلم صلة ‪ ،‬صلى‬
‫ال عليه وملئكته بها سبعين صلة ‪ ،‬فَلْ ُي ِقلّ عبد من ذلك أو ليكثر‪ .‬وسمعت عبد ال بن عمرو‬
‫يقول ‪ :‬خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما كالمودع فقال ‪" :‬أنا محمد النبي المي ‪-‬‬
‫قاله ثلث مرات ‪ -‬ول نبي بعدي ‪ ،‬أوتيت فواتح الكلم (‪ )3‬وخواتمه وجوامعه ‪ ،‬وعَلمتُ كم‬
‫خزنة النار وحملة العرش ‪ ،‬وتجوز بي ‪ ،‬عُوفيت وعوفيت أمتي ‪ ،‬فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم‬
‫‪ ،‬فإذا ذُهِب بي فعليكم بكتاب ال ‪ ،‬أحلوا حلله ‪ ،‬وحرموا حرامه" (‪.)4‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا أبو سَلَمة الخراساني ‪ ،‬حدثنا أبو إسحاق ‪ ،‬عن أنس‬
‫ن صَلّى علي مرة‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من ذُكرت عنده فَلْيصلّ علي ‪ ،‬ومَ ْ‬
‫واحدة صلى ال عليه عشرا"‪.‬‬
‫ورواه النسائي في "اليوم والليلة" ‪ ،‬من حديث أبي داود الطيالسي ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ -‬وهو المغيرة‬
‫بن مسلم الخراساني ‪ -‬عن أبي إسحاق عمرو بن عبد ال السّبِيعي ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن فضيل ‪ ،‬حدثنا يونس بن عمرو ‪ -‬يعني ‪ :‬يونس بن أبي‬
‫إسحاق ‪ -‬عن بُرَيد (‪ )6‬بن أبي مريم ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مَنْ‬
‫صلى علي صلة واحدة ‪ ،‬صلى ال عليه عشر صلوات ‪ ،‬وحطّ عنه عشر خطيئات" (‪.)7‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )8‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الملك بن عمرو وأبو سعيد [قال] (‪ : )9‬حدثنا‬
‫سليمان بن بلل ‪ ،‬عن عمارة بن غَزِيّة (‪ ، )10‬عن عبد ال بن الحسين ‪ ،‬عن أبيه علي بن‬
‫الحسين ‪ ،‬عن أبيه ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬البخيل من ذُكرت عنده ‪ ،‬ثم لم‬
‫يصل علي"‪ .‬وقال أبو سعيد ‪" :‬فلم يصل علي"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي من حديث سليمان بن بلل ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هذا حديث حسن غريب صحيح (‪.)11‬‬
‫ومن الرواة مَنْ جعله من مسند "الحسين بن علي" ‪ ،‬ومنهم مَنْ جعله من مسند "علي" نفسه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند البزار برقم (‪" )363‬كشف الستار" وقال الهيثمي ‪" :‬فيه داود بن علية ‪ ،‬ضعفه ابن‬
‫معين والنسائي وغيرهما ووثقه ابن نمير ‪ ،‬وقال موسى بن داود الضبي ‪ :‬ثنا ذؤاد بن علبة وأثنى‬
‫عليه خيرا ‪ ،‬وقال ابن عدي ‪ :‬هو في جملة الضعفاء ممن يكتب حديثه"‪ .‬كذا فيه ذؤاد بن علبة‬
‫وهو الصواب‪ .‬انظر ‪ :‬الكامل (‪ )3/121‬والتهذيب (‪ )3/221‬والميزان (‪.)2/32‬‬
‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬الكلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)2/172‬‬
‫(‪ )5‬السنن الكبرى برقم (‪.)9889‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬زيد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)3/102‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬نمير"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪.)1/201‬‬

‫( ‪)6/467‬‬

‫حديث آخر ‪ :‬قال إسماعيل القاضي ‪ :‬حدثنا حجاج بن مِنْهال ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن معبد‬
‫بن هلل العَنزي ‪ ،‬حدثنا رجل من أهل دمشق ‪ ،‬عن عوف بن مالك ‪ ،‬عن أبي ذر ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن أبخل الناس من ذُكرت عنده فلم يصل علي" (‬
‫‪.)1‬‬
‫حديث آخر مرسل ‪ :‬قال إسماعيل ‪ :‬وحدثنا سليمان بن حَرب ‪ ،‬حدثنا جرير بن حازم ‪ ،‬سمعت‬
‫الحسن يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بحسب امرئ من البخل أن أذْكر عنده فل‬
‫ُيصَلّي علي" (‪ ، )2‬صلوات ال عليه‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )3‬الترمذي ‪ :‬حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ‪ ،‬حدثنا رِبْعي بن إبراهيم ‪ ،‬عن‬
‫عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِي ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬رغم أَنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي‪[ .‬ورغم أنف رجل دخل عليه‬
‫شهر رمضان ‪ ،‬ثم انسلخ قبل أن يغفر له] (‪ ، )4‬ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم‬
‫يدخله الجنة"‪ .‬ثم قال ‪ :‬حسن غريب (‪.)5‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد رواه البخاري في الدب ‪ ،‬عن محمد بن عبيد ال ‪ ،‬حدثنا ابن أبي حازم ‪ ،‬عن كثير‬
‫بن زيد ‪ ،‬عن الوليد بن رباح ‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعا ‪ ،‬بنحوه (‪ .)6‬ورويناه من حديث محمد‬
‫بن عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبى هريرة ‪ ،‬به‪ .‬قال الترمذي ‪ :‬وفي الباب عن جابر وأنس‪.‬‬
‫عجْرَة ‪ ،‬وقد ذكرت طرق هذا الحديث في أول كتاب الصيام وعند‬
‫قلت ‪ :‬وابن عباس ‪ ،‬وكعب بن ُ‬
‫قوله تعالى ‪ { :‬إمّا يَبُْلغَنّ عِ ْن َدكَ ا ْلكِبَرَ َأحَدُ ُهمَا َأوْ كِل ُهمَا } [السراء ‪.]23 :‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهذا الحديث والذي قبله دليل على وجوب الصلة عليه صلى ال عليه وسلم كلما ذكر ‪ ،‬وهو‬
‫مذهب طائفة من العلماء [منهم الطحاوي والحليمي] (‪ ، )7‬ويتقوى بالحديث الخر الذي (‪ )8‬رواه‬
‫ابن ماجه ‪:‬‬
‫حدثنا جبُارة بن المغَلّس ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬حدثنا عمرو بن دينار ‪ ،‬عن جابر بن زيد ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من نسي الصلة عََليّ خَطئ طريق الجنة"‬
‫(‪.)9‬‬
‫جُبَارة ضعيف‪ .‬ولكن رواه إسماعيل القاضي من غير وجه ‪ ،‬عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من نسي الصلة عليّ خَطئ طريق الجنة"‪ .‬وهذا‬
‫مرسل يتقوى بالذي قبله [وال أعلم] (‪)11( .)10‬‬
‫وذهب آخرون إلى أنه تجب الصلة في المجلس مرة واحدة ‪ ،‬ثم ل تجب في بقية ذلك المجلس ‪،‬‬
‫بل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)37‬‬
‫(‪ )2‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)38‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والترمذي‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي برقم (‪.)3545‬‬
‫(‪ )6‬الدب المفرد للبخاري برقم (‪.)21‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ :‬بما"‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )908‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )1/313‬هذا إسناد ضعيف‬
‫لضعف جبارة بن المغلس"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)41‬‬

‫( ‪)6/468‬‬

‫تستحب‪ .‬نقله الترمذي عن بعضهم ‪ ،‬ويتأيد بالحديث الذي رواه الترمذي ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن صالح ‪ -‬مولى ال ّتوْءَمة ‪ -‬عن‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا ال فيه ‪ ،‬ولم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يصلوا على نبيهم إل كان عليهم تِ َرةٌ ‪ ،‬فإن شاء عذبهم ‪ ،‬وإن شاء غفر لهم"‪.‬‬
‫تفرد به الترمذي من هذا الوجه‪ .‬ورواه المام أحمد عن حجاج ويزيد بن هارون ‪ ،‬كلهما عن‬
‫ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن صالح ‪ -‬مولى التوءمة ‪ -‬عن أبي هريرة ‪ ،‬مرفوعا مثله‪ .‬ثم قال الترمذي ‪:‬‬
‫هذا حديث حسن‪)1( .‬‬
‫وقد رُوي عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬وقد رواه إسماعيل‬
‫القاضي من حديث شعبة ‪ ،‬عن سليمان ‪ ،‬عن َذ ْكوَان ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪" :‬ما من قوم يقعدون ثم‬
‫يقومون ول يصلون على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬إل كان عليهم حسرة ‪ ،‬وإن دخلوا الجنة لما‬
‫يرون [من] (‪ )2‬الثواب" (‪.)3‬‬
‫وحكي عن بعضهم أنه إنما تجب الصلة عليه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في العمر مرة واحدة ‪ ،‬امتثال‬
‫لمر الية ‪ ،‬ثم هي مستحبة في كل حال ‪ ،‬وهذا هو الذي نصره القاضي عياض بعدما حكى‬
‫الجماع على وجوب الصلة عليه صلى ال عليه وسلم في الجملة‪ .‬قال ‪ :‬وقد حكى الطبراني (‪)4‬‬
‫أن محمل الية على الندب ‪ ،‬وادعى فيه الجماع‪ .‬قال ‪ :‬ولعله فيما زاد على المرة ‪ ،‬والواجب‬
‫منه مرة كالشهادة له بالنبوة ‪ ،‬وما زاد على ذلك فمندوب مُرَغّب فيه من سنن السلم ‪ ،‬وشعار‬
‫أهله‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا قول غريب ‪ ،‬فإنه قد ورد المر بالصلة عليه في أوقات كثيرة ‪ ،‬فمنها واجب ‪،‬‬
‫ومنها مستحب على ما نبينه‪.‬‬
‫فمنه ‪ :‬بعد النداء للصلة ؛ للحديث الذي رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أبو عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا حيوة ‪ ،‬حدثنا كعب بن علقمة ‪ ،‬أنه سمع عبد الرحمن بن جبير‬
‫يقول ‪ :‬إنه سمع (‪ )5‬عبد ال بن عمرو بن العاص يقول ‪ :‬إنه سمع رسول ال صلى ال عليه‬
‫ي صلة‬
‫وسلم يقول ‪" :‬إذا سمعتم مؤذنا فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي ؛ فإنه من صلى عَل ّ‬
‫صلى ال عليه بها عشرا ‪ ،‬ثم سلوا لي الوسيلة ‪ ،‬فإنها منزلة في الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد‬
‫ال ‪ ،‬وأرجو أن أكون أنا هو ‪ ،‬فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه (‪ )6‬الشفاعة"‪.‬‬
‫وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ‪ ،‬من حديث كعب بن علقمة (‪)7‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال إسماعيل القاضي ‪ :‬حدثنا محمد بن أبي بكر ‪ ،‬حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬عن‬
‫أبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪ )3380‬والمسند (‪.)2/453‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفضل الصلة‪.‬‬
‫(‪ )3‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)55‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الطبري"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬له"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )2/168‬وصحيح مسلم برقم (‪ )384‬وسنن أبي داود برقم (‪ )523‬وسنن الترمذي‬
‫برقم (‪ )3614‬وسنن النسائي (‪.)2/25‬‬

‫( ‪)6/469‬‬

‫جشَمي ‪ ،‬عن صفوان بن سليم ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫بكر ال ُ‬
‫وسلم ‪" :‬من سأل ال لي الوسيلة ‪ ،‬حقت عليه شفاعتي يوم القيامة" (‪.)1‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال إسماعيل القاضي ‪ :‬حدثنا سليمان (‪ )2‬بن حرب ‪ ،‬حدثنا سعيد بن زيد ‪ ،‬عن‬
‫ليث ‪ ،‬عن كعب ‪ -‬هو كعب الحبار ‪ -‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬صلوا عَليّ ‪ ،‬فإن صلتكم عليّ زكاة لكم ‪ ،‬وسلوا ال لي الوسيلة"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫حدّثنا وإما سَألناه ‪ ،‬فقال ‪" :‬الوسيلة أعلى درجة في الجنة ‪ ،‬ل ينالها إل رجل ‪ ،‬وأرجو أن‬
‫فإما َ‬
‫أكون ذلك (‪ )3‬الرجل"‪.‬‬
‫ثم رواه عن محمد بن أبي بكر ‪ ،‬عن معتمر ‪ ،‬عن ليث ‪ -‬وهو ابن أبي سليم ‪ -‬به (‪ .)4‬وكذا‬
‫الحديث الخر ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا بكر بن سوادة ‪ ،‬عن زياد بن‬
‫نعيم ‪ ،‬عن وَفاء (‪ )5‬الحضرمي ‪ ،‬عن ُروَيْفع بن ثابت النصاري ؛ أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬من صلى على محمد وقال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة ‪ ،‬وجبت‬
‫له شفاعتي"‪.‬‬
‫وهذا إسناد ل بأس به ‪ ،‬ولم يخرجوه (‪.)6‬‬
‫أثر آخر (‪ )7‬قال إسماعيل القاضي ‪ :‬حدثنا علي بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثني َم ْعمَر ‪ ،‬عن‬
‫ابن (‪ )8‬طاوس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬سمعت ابن عباس يقول ‪ :‬اللهم تقبل شفاعة محمد الكبرى ‪ ،‬وارفع‬
‫سؤْلَه في الخرة والولى ‪ ،‬كما آتيت إبراهيم وموسى ‪ ،‬عليهما السلم‪.‬‬
‫درجته العليا ‪ ،‬وأعطه ُ‬
‫إسناد جَيّد قوي صحيح (‪.)9‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬عند دخول المسجد والخروج منه ‪ :‬للحديث الذي رواه المام أحمد (‪: )10‬‬
‫حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن عبد ال بن الحسن (‪ ، )11‬عن أمه‬
‫فاطمة بنت الحسين ‪ ،‬عن جدته [فاطمة] (‪ )12‬بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم قالت ‪ :‬كان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال ‪" :‬اللهم اغفر لي‬
‫ذنوبي ‪ ،‬وافتح لي أبواب رحمتك"‪ .‬وإذا خرج صلى على محمد وسلم ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اللهم اغفر لي‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ذنوبي ‪ ،‬وافتح لي أبواب فضلك" (‪.)13‬‬
‫وقال إسماعيل القاضي ‪ :‬حدثنا يحيى بن عبد الحميد ‪ ،‬حدثنا سفيان (‪ )14‬بن عمر التميمي ‪ ،‬عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)50‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬سليم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬أكون أنا ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)47 ، 46‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪ ،‬أ ‪" :‬ورقاء"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)4/108‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬حسن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬أبي"‪.‬‬
‫(‪ )9‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)52‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬ومنه عند دخول المسجد لما روى المام أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الحسين"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )13‬المسند (‪.)6/282‬‬
‫(‪ )14‬في أ ‪" :‬سيف"‪.‬‬

‫( ‪)6/470‬‬

‫سليمان الضّ ّبيّ ‪ ،‬عن علي بن الحسين قال ‪ :‬قال علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه (‪ : )1‬إذا‬
‫مررتم بالمساجد فصلوا على النبي صلى ال عليه وسلم (‪ .)2‬وأما الصلة عليه صلى ال عليه‬
‫وسلم في الصلة ‪ ،‬فقد قدمنا الكلم عليها في التشهد الخير ‪ ،‬ومَنْ ذهب إلى ذلك من العلماء مع‬
‫(‪ )3‬الشافعي ‪ ،‬رحمه ال (‪ .)4‬وأما التشهد الول فل تجب فيه قول واحدا ‪ ،‬وهل تستحب ؟ على‬
‫قولين للشافعي‪.‬‬
‫ومن ذلك (‪ )5‬الصلة عليه صلى ال عليه وسلم في صلة الجنازة ‪ :‬فإن السنة أن يقرأ في‬
‫التكبيرة الولى فاتحة الكتاب ‪ ،‬وفي الثانية أن يصلي على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وفي الثالثة‬
‫يدعو للميت ‪ ،‬وفي الرابعة يقول ‪ :‬اللهم ل تحرمنا أجره ‪ ،‬ول تفتنا بعده‪.‬‬
‫قال الشافعي ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا مُطَرّف بن مازن ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ :‬أخبرني أبو‬
‫أمامة بن (‪ )6‬سهل بن حُنَيف أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أن السنة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في الصلة على الجنازة أن يكبر المام ‪ ،‬ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الولى سرا في نفسه‬
‫ثم يصلي على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ويخلص الدعاء للجنازة ‪ ،‬وفي التكبيرات ل يقرأ في‬
‫شيء منها ‪ ،‬ثم يسلم سرا في نفسه (‪)7‬‬
‫ورواه النسائي ‪ ،‬عن أبي أمامة نفسه أنه قال ‪ :‬من السنة ‪ ،‬فذكره (‪.)8‬‬
‫وهذا من الصحابي في حكم المرفوع على الصحيح‪.‬‬
‫ورواه إسماعيل القاضي ‪ ،‬عن محمد بن المثنى ‪ ،‬عن عبد العلى ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن الزهري ‪،‬‬
‫عن أبي أمامة بن سهل ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب أنه قال ‪ :‬السنة في الصلة على الجنازة‪ ...‬فذكره‬
‫(‪.)9‬‬
‫وهكذا رُوي عن أبي هريرة ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬والشعبي‪.‬‬
‫ومن ذلك (‪ : )10‬في صلة العيد ‪ :‬قال إسماعيل القاضي (‪ : )11‬حدثنا مسلم بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا‬
‫حمّاد بن أبي سليمان ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن (‪ )12‬علقمة ‪ :‬أن ابن مسعود‬
‫هشام الدّسْ َتوَائي ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة يوما قبل العيد (‪ ، )13‬فقال لهم ‪ :‬إن هذا العيد قد‬
‫دنا ‪ ،‬فكيف التكبير فيه ؟ قال عبد ال ‪ :‬تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلة ‪ ،‬وتحمد ربك وتصلي‬
‫على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وعن علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)80‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬منهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مع الشافعي وأحمد ‪ ،‬رحمهما ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ومنه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬فروى الشافعي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬بإسناده عن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬الم (‪.)1/239‬‬
‫(‪ )8‬سنن النسائي (‪.)4/75‬‬
‫(‪ )9‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)94‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬ومنه الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬روى القاضي إسماعيل"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عقبة صلى العيد يوما"‪.‬‬

‫( ‪)6/471‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ثم تدعو ‪ ،‬وتكبر وتفعل مثل ذلك ‪ ،‬ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ‪ ،‬ثم تكبر‬
‫وتفعل مثل ذلك ‪ ،‬ثم تقرأ ‪ ،‬ثم تكبر وتركع ‪ ،‬ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ثم تدعو وتكبر ‪ ،‬وتفعل مثل ذلك ‪ ،‬ثم تركع‪ .‬فقال حذيفة وأبو موسى ‪ :‬صدق أبو‬
‫عبد الرحمن‪ .‬إسناد (‪ )1‬صحيح (‪)2‬‬
‫حبّ ختم الدعاء بالصلة عليه صلى ال عليه وسلم قال الترمذي ‪:‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أنه يُستَ َ‬
‫حدثنا أبو داود ‪ ،‬أخبرنا النضر بن شميل (‪ ، )3‬عن أبي قُرّة السدي ‪ ،‬عن سعيد بن المسيّب ‪،‬‬
‫عن عمر بن الخطاب (‪ )4‬قال ‪ :‬الدعاء موقوف بين السماء والرض ‪ ،‬ل يصعد حتى تصلي‬
‫على نبيك (‪.)5‬‬
‫وهكذا رواه أيوب بن موسى ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬قوله‪ .‬ورواه معاذ‬
‫بن الحارث ‪ ،‬عن أبي قرة ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن عمر مرفوعا (‪ .)6‬وكذا رواه رَزِين بن‬
‫معاوية (‪ )7‬في كتابه مرفوعا ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬الدعاء موقوف بين السماء‬
‫والرض ‪ ،‬ل يصعد حتى يصلى علي ‪ ،‬فل تجعلوني َك ُغمَر الراكب ‪ ،‬صلوا علي أول الدعاء‬
‫وأوسطه وآخره" (‪.)8‬‬
‫وهذه الزيادة إنما تروى من رواية جابر بن عبد ال في مسند المام عبد بن حُميد الكَشي [حيث] (‬
‫‪ )9‬قال ‪ :‬حدثنا جعفر بن عون ‪ ،‬أخبرنا موسى بن عُبَيدة ‪ ،‬عن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ‪،‬‬
‫عن أبيه قال ‪ :‬قال جابر ‪ :‬قال لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تجعلوني كقدح الراكب ‪،‬‬
‫إذا علق تعاليقه أخذ قدحه فمله من الماء ‪ ،‬فإن كان له حاجة في الوضوء توضأ ‪ ،‬وإن كان له‬
‫حاجة في الشرب شرب وإل أهراق ما فيه ‪ ،‬اجعلوني في أول الدعاء ‪ ،‬وفي ‪ ،‬وسط الدعاء ‪،‬‬
‫وفي آخر الدعاء"‪ .‬فهذا حديث غريب ‪ ،‬وموسى بن عبيدة ضعيف الحديث (‪.)10‬‬
‫ومن [آكد] (‪ )11‬ذلك ‪ :‬دعاء القنوت ‪ :‬لما رواه المام أحمد وأهل السنن ‪ ،‬وابن خزيمة (‪، )12‬‬
‫وابن حبّان ‪ ،‬والحاكم ‪ ،‬من حديث أبي الحورَاء (‪ ، )13‬عن الحسن بن علي ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬عّلمَني رسول ال صلى ال عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر ‪" :‬اللهم اهدني فيمن هديت ‪،‬‬
‫وعافني فيمن عافيت ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬إسناده"‬
‫(‪ )2‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)88‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬سهيل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬روى الترمذي بإسناده عن عمر بن الخطاب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي برقم (‪.)486‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الواحدي ومن طريقه الحافظ الرهاوي في الربعين كما في تخريج الكشاف للحافظ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ابن حجر (ص ‪.)137‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ورواه رزين بن أبي معاوية"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ذكره ابن الثير في جامع الصول (‪ )4/155‬رواية رزين‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬المنتخب لعبد بن حميد برقم (‪ )1130‬ورواه البزار في مسنده برقم (‪" )3156‬كشف الستار"‬
‫من طريق موسى بن عبيدة به‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬وابن جرير"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في أ ‪" :‬الجوزاء"‪.‬‬

‫( ‪)6/472‬‬

‫وتولني فيمن توليت ‪ ،‬وبارك لي فيما أعطيت ‪ ،‬وقني شر ما قضيت ‪ ،‬فإنك تقضي ول يقضى‬
‫عليك ‪ ،‬وإنه ل يَ ِذلّ من واليت (‪ )1‬تباركت [ربنا] (‪ )2‬وتعاليت" (‪.)3‬‬
‫وزاد النسائي في سننه بعد هذا ‪ :‬وصلى ال على النبي محمد‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أنه يستحب الكثار من الصلة عليه [في] (‪ )4‬يوم الجمعة وليلة الجمعة ‪ :‬قال المام‬
‫جعْفِي ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ‪ ،‬عن أبي الشعث‬
‫أحمد ‪ :‬حدثنا حسين بن علي ال َ‬
‫الصنعاني (‪ ، )5‬عن أوس بن أوس الثقفي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬من أفضل أيامكم يوم الجمعة ‪ ،‬فيه خلق آدم ‪ ،‬وفيه قبض ‪ ،‬وفيه النفخة ‪ ،‬وفيه الصعقة ‪،‬‬
‫فأكثروا علي من الصلة فيه ‪ ،‬فإن صلتكم معروضة علي"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وكيف‬
‫تعرض عليك صلتنا وقد أرمتْ ؟ ‪ -‬يعني ‪ :‬وقد بليت ‪ -‬قال ‪" :‬إن ال حرم على الرض أن‬
‫تأكل أجساد النبياء"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث حسين بن علي الجعفي (‪ .)6‬وقد صحح هذا‬
‫الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني ‪ ،‬والنووي في الذكار‪.‬‬
‫سوّاد المصري (‪ ، )7‬حدثنا عبد ال بن‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال أبو عبد ال بن ماجه ‪ :‬حدثنا عمرو بن َ‬
‫وهب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن سعيد بن أبي هلل ‪ ،‬عن زيد بن أيمن (‪ ، )8‬عن عُبَادة بن‬
‫سيّ ‪ ،‬عن أبي الدرداء قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أكثروا الصلة عليّ يوم‬
‫نُ َ‬
‫الجمعة ؛ فإنه مشهود تشهده الملئكة‪ .‬وإن أحدا ل يصلي علي إل عُرضت عََليّ صلته حتى‬
‫يفرغ منها"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬وبعد الموت ؟ قال ‪[" :‬وبعد الموت] (‪ ، )9‬إن ال حرم على الرض أن‬
‫تأكل أجساد النبياء" [فنبي ال حي يرزق] (‪.)10‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذا حديث غريب من هذا الوجه ‪ ،‬وفيه انقطاع بين عُبادة بن نَسي وأبي الدرداء ‪ ،‬فإنه لم يدركه‬
‫(‪ ، )11‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد روى البيهقي من حديث أبي أمامة وأبي مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في المر‬
‫بالكثار من الصلة عليه ليلة الجمعة ويوم الجمعة (‪ ، )12‬ولكن في إسنادهما ضعف ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وروي مرسل عن الحسن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬واليت ‪ ،‬ول يعز من عاديت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )1/199‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1425‬وسنن الترمذي برقم (‪ )464‬وسنن النسائي (‬
‫‪ )3/248‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ )1178‬وصحيح ابن خزيمة (‪ )1095‬وصحيح ابن حبان (‬
‫‪ )2/148‬والمستدرك (‪.)3/171‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬روى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )4/8‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1047‬وسنن النسائي (‪ )3/91‬وسنن ابن ماجه برقم (‬
‫‪.)1636‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬عمرو بن ندار المقري"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ف ‪" :‬ثابت"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬وابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬وابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )11‬سنن ابن ماجه برقم (‪.)1637‬‬
‫(‪ )12‬السنن الكبرى للبيهقي (‪ )3/249‬من حديث أبي أمامة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬ولم أجده عنده من‬
‫حديث أبي مسعود وإنما هو من حديث أنس ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)6/473‬‬

‫البصري ‪ ،‬فقال إسماعيل القاضي ‪:‬‬


‫حدثنا سليمان بن حرب ‪ ،‬حدثنا جرير بن حازم ‪ ،‬سمعت الحسن ‪ -‬هو البصري ‪ -‬يقول ‪ :‬قال‬
‫سدَ من كَلّمه (‪ )1‬روح القدس"‪ .‬مرسل حسن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تأكل الرض جَ َ‬
‫(‪.)2‬‬
‫وقال الشافعي ‪ :‬أخبرنا إبراهيم بن محمد ‪ ،‬أخبرنا صفوان بن سليم (‪ )3‬أن النبي صلى ال عليه‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وسلم قال ‪" :‬إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة ‪ ،‬فأكثروا الصلة علي"‪ .‬هذا مرسل (‪.)4‬‬
‫وهكذا يجب على الخطيب أن يصلي على النبي صلى ال عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر في‬
‫الخطبتين ‪ ،‬ول تصح الخطبتان إل بذلك ؛ لنها (‪ )5‬عبادة ‪ ،‬وذكر ال فيها شرط (‪ ، )6‬فوجب‬
‫ذكر الرسول صلى ال عليه وسلم فيها كالذان والصلة‪ .‬هذا مذهب الشافعي وأحمد ‪ ،‬رحمهما‬
‫ال‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أنه يستحب الصلة والسلم عليه عند زيارة قبره ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ :‬قال (‬
‫‪ )7‬أبو داود ‪:‬‬
‫حدثنا ابن عوف ‪ -‬هو محمد ‪ -‬حدثنا (‪ )8‬المقري ‪ ،‬حدثنا حَ ْيوَة ‪ ،‬عن أبي صخر حميد بن زياد ‪،‬‬
‫عن يزيد بن عبد ال بن قسيط ‪ ،‬عن أبي هريرة ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما‬
‫من (‪ )9‬أحد يسلم علي إل َردّ ال علي روحي ‪ ،‬حتى أرد عليه السلم"‪.‬‬
‫تفرد به أبو داود ‪ ،‬وصححه النووي في الذكار (‪ .)10‬ثم قال (‪ )11‬أبو داود ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن صالح قال ‪ :‬قرأت على عبد ال بن نافع ‪ ،‬أخبرني ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن سعيد‬
‫ال َمقْبُرِي ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تجعلوا بيوتكم قُبُورًا ‪،‬‬
‫ول تجعلوا قبري عيدا ‪ ،‬وصلوا علي ‪ ،‬فإن صلتكم تبلغني حيثما كنتم"‪.‬‬
‫تفرد به أبو داود أيضا (‪ .)12‬وقد رواه المام أحمد عن سُرَيْج ‪ ،‬عن عبد ال بن نافع ‪ -‬وهو‬
‫الصائغ ‪ -‬به (‪ .)13‬وصححه النووي أيضا‪ .‬وقد روي من وجه آخر عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫قال القاضي إسماعيل (‪ )14‬بن إسحاق في كتابه "فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم" ‪:‬‬

‫حدثنا إسماعيل بن أبي ُأوَيْس ‪ ،‬حدثنا جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد ال بن جعفر بن‬
‫أبي طالب [عمن أخبره] (‪ )15‬من أهل بيته ‪ ،‬عن علي بن الحسين بن علي ‪ :‬أن رجل كان يأتي‬
‫كل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬كلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)23‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬صفوان بن أبي سليم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬الم (‪.)1/184‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬لنهما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬مشروط"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬بن"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬ما منكم من"‪.‬‬
‫(‪ )10‬سنن أبي داود برقم (‪.)2041‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )12‬سنن أبي داود برقم (‪.)2042‬‬
‫(‪ )13‬المسند (‪.)2/367‬‬
‫(‪ )14‬في أ ‪" :‬القاضي ابن إسماعيل"‪.‬‬
‫(‪ )15‬زيادة من أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬عن أخيه" والمثبت من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/474‬‬

‫غداة فيزور قبر النبي صلى ال عليه وسلم ويصلي عليه ‪ ،‬ويصنع من ذلك ما اشتهر عليه علي‬
‫بن الحسين ‪ ،‬فقال له علي بن الحسين ‪ :‬ما يحملك على هذا ؟ قال ‪ :‬أحب السلم على النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬فقال له علي بن الحسين ‪ :‬هل لك أن أحدثك حديثا عن أبي ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقال له‬
‫علي بن الحسين ‪ :‬أخبرني أبي ‪ ،‬عن جدي أنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل‬
‫تجعلوا قبري عيدا ‪ ،‬ول تجعلوا بيوتكم قبورا ‪ ،‬وصلوا علي وسلموا حيثما كنتم فتبلغني (‪)1‬‬
‫صلتكم وسلمكم"‪.‬‬
‫في إسناده رجل مبهم لم يُسَمّ (‪ )2‬وقد رُوي من وجه آخر مرسل قال عبد الرزاق في مصنفه ‪،‬‬
‫عن الثوري ‪ ،‬عن ابن عجلن ‪ ،‬عن رجل ‪ -‬يقال له ‪ :‬سهيل ‪ -‬عن الحسن بن الحسن بن علي ؛‬
‫أنه رأى قوما عند القبر فنهاهم ‪ ،‬وقال ‪ :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل تتخذوا قبري‬
‫عيدا ‪ ،‬ول تتخذوا بيوتكم قبورا ‪ ،‬وصلوا علي حيثما كنتم ؛ فإن صلتكم تبلغني" (‪ .)3‬فلعله رآهم‬
‫يسيئون الدب برفع أصواتهم [فوق الحاجة] (‪ ، )4‬فنهاهم‪.‬‬
‫وقد روي أنه رأى رجل ينتاب القبر فقال ‪ :‬يا هذا ‪ ،‬ما أنت ورجل بالندلس منه إل سواء ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫الجميع يبلغه ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه دائما إلى يوم الدين‪.‬‬
‫وقال الطبراني في معجمه الكبير ‪ :‬حدثنا أحمد بن ِرشْدين المصري ‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي مريم ‪،‬‬
‫حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬أخبرني حميد بن أبي زينب ‪ ،‬عن حسن بن حسن بن علي بن أبي‬
‫طالب ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬عن أبيه ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬صلوا علي حيثما‬
‫كنتم ‪ ،‬فإن صلتكم تبلغني" (‪.)5‬‬
‫ثم قال الطبراني ‪ :‬حدثنا العباس بن حمدان الصبهاني ‪ ،‬حدثنا شعيب بن عبد الحميد الطحان ‪،‬‬
‫أخبرنا يزيد بن هارون عن (‪ )6‬شيبان ‪ ،‬عن الحكم بن عبد ال بن خطاف (‪ ، )7‬عن أم أنيس‬
‫بنت الحسن بن علي ‪ ،‬عن أبيها قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أرأيت قول ال ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عز وجل ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َومَل ِئكَتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى النّبِي } ؟" فقال ‪" :‬إن هذا هو المكتوم ‪ ،‬ولول أنكم‬
‫سألتموني عنه لما أخبرتكم ‪ ،‬إن ال وكل بي ملكين ل ُأ ْذكَرُ عند عبد مسلم فيصلي علي إل قال‬
‫ذانك الملكان ‪" :‬غفر ال لك"‪ .‬وقال ال وملئكته جوابا لذينك الملكين ‪" :‬آمين"‪ .‬ول يصلي أحد إل‬
‫قال ذانك الملكان ‪" :‬غفر ال لك"‪ .‬ويقول ال وملئكته جوابا لذينك الملكين ‪" :‬آمين"‪.‬‬
‫غريب جدا ‪ ،‬وإسناده فيه ضعف شديد (‪)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فستبلغني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)20‬‬
‫(‪ )3‬المصنف برقم (‪.)6726‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير (‪ )3/82‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/162‬فيه حميد بن أبي زينب لم‬
‫أعرفه ‪ ،‬وبقية رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬ف ‪" :‬بن أبي" والصواب ما أثبتناه من المعجم الكبير للطبراني‪.‬‬
‫(‪ )7‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬ف ‪" :‬خطاب" والصواب ما أثبتناه من المعجم الكبير للطبراني وكتب‬
‫الرجال‪.‬‬
‫(‪ )8‬المعجم الكبير (‪ )3/89‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/93‬فيه الحكم بن عبد ال بن خطاف‬
‫وهو كذاب"‪.‬‬

‫( ‪)6/475‬‬

‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن عبد ال بن السائب ‪ ،‬عن زاذان ‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن ل ملئكة سياحين‬
‫في الرض ‪ ،‬يبلغوني من (‪ )1‬أمتي السلم"‪.‬‬
‫وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري وسليمان بن ِمهْرَان العمش ‪ ،‬كلهما عن عبد ال‬
‫بن السائب ‪ ،‬به (‪)2‬‬
‫فأما الحديث الخر ‪" :‬مَنْ صلى عََليّ عند قبري سمعته ‪ ،‬ومَنْ صلى علي من بعيد بُلغته" ‪ -‬ففي‬
‫إسناده نظر ‪ ،‬تفرد به محمد بن مروان السدي الصغير ‪ ،‬وهو متروك ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي‬
‫صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعا (‪.)3‬‬
‫قال أصحابنا ‪ :‬ويستحب للمحرم إذا لبى وفرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ :‬لما روي (‪ )4‬عن الشافعي والدارقطني من رواية صالح بن محمد بن زائدة ‪ ،‬عن القاسم‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بن محمد بن أبي بكر الصديق قال ‪ :‬كان يُؤمر الرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم على كل حال (‪.)5‬‬
‫وقال إسماعيل القاضي ‪ :‬حدثنا عارم بن الفضل ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن المبارك ‪ ،‬حدثنا زكريا ‪ ،‬عن‬
‫الشعبي ‪ ،‬عن وهب بن الجدع قال ‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب يقول ‪ :‬إذا قدمتم فطوفوا بالبيت‬
‫سبعا ‪ ،‬وصلوا عند المقام ركعتين ‪ ،‬ثم ائتوا الصفا فقوموا عليه من حيث ترون البيت ‪ ،‬فكبروا‬
‫سبع تكبيرات ‪ ،‬تكبيرًا بين حمد ل وثناء عليه ‪ ،‬وصلة على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ومسألة‬
‫لنفسك ‪ ،‬وعلى المروة مثل ذلك (‪.)6‬‬
‫إسناد جيد حسن قوي‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬ويستحب الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم مع ذكر ال عند الذبح ‪ :‬واستأنسوا‬
‫بقوله (‪ )7‬تعالى ‪ { :‬وَ َر َفعْنَا َلكَ ِذكْرَك } [الشرح ‪ ، ]4 :‬قال بعض المفسرين ‪ :‬يقول ال تعالى ‪:‬‬
‫"ل أذكر إل ذكرت معي"‪ .‬وخالفهم في ذلك الجمهور ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬هذا موطن يفرد فيه ذكر الرب‬
‫تعالى ‪ ،‬كما عند الكل ‪ ،‬والدخول ‪ ،‬والوقاع وغير ذلك ‪ ،‬مما لم ترد فيه السنة بالصلة على‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال إسماعيل القاضي ‪ :‬حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ‪ ،‬حدثنا عمر بن هارون ‪،‬‬
‫عن موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن محمد بن ثابت ‪ ،‬عن أبي هريرة ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬صلوا على أنبياء ال ورسله ؛ فإن ال بعثهم كما بعثني"‪.‬‬
‫في إسناده ضعيفان ‪ ،‬وهما عمر بن هارون وشيخه (‪ ، )8‬وال أعلم‪ .‬وقد رواه عبد الرزاق ‪ ،‬عن‬
‫الثوري ‪ ،‬عن موسى بن عبيدة الربذي ‪ ،‬به (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/441‬وسنن النسائي (‪.)3/43‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (‪ )3/292‬من طريق الصمعي عن السدي به ‪ ،‬ثم روى‬
‫بإسناده عن ابن قتيبة قال ‪ :‬سألت ابن نمير عن حديث ‪" :‬من صلى علي عند قبري" فقال ‪" :‬دع ذا‬
‫‪ ،‬محمد بن مروان ليس بشيء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬لما رواه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬الم (‪.)2/134‬‬
‫(‪ )6‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)81‬‬
‫(‪ )7‬في ف ‪" :‬بقول ال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪ )45‬وعمر بن هارون متروك ‪ ،‬وموسى‬
‫بن عبيدة ضعيف‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )9‬المصنف لعبد الرزاق برقم (‪.)3118‬‬

‫( ‪)6/476‬‬

‫ومن ذلك ‪ :‬أنه يستحب الصلة عليه عند طنين الذن ‪ ،‬إن صح الخبر في ذلك ‪ ،‬على أن المام‬
‫أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قد رواه في صحيحه فقال ‪ :‬حدثنا زياد بن يحيى ‪ ،‬حدثنا‬
‫َم ْعمَر بن محمد بن عبيد ال ‪ ،‬عن أبيه محمد (‪ ، )1‬عن أبيه أبي رافع (‪ )2‬قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي ‪ ،‬وَلْ َيقُل ‪َ :‬ذكَر ال مَن ذكرني‬
‫بخير"‪ .‬إسناده غريب ‪ ،‬وفي ثبوته نظر (‪ )3‬وال أعلم‪.‬‬
‫[وهاهنا مسألة] (‪: )4‬‬
‫وقد استحب أهل الكتابة أن يكرر الكاتب الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم كلما كتبه ‪ ،‬وقد‬
‫ورد في الحديث من طريق كادح بن رحمة ‪ ،‬عن َن ْهشَل ‪ ،‬عن الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من صلى عليّ في كتاب ‪ ،‬لم تزل الصلة جارية له ما دام‬
‫اسمي في ذلك الكتاب" (‪.)5‬‬
‫وليس هذا الحديث بصحيح من وجوه كثيرة ‪ ،‬وقد رُوي من حديث أبي هريرة ‪ ،‬ول يصح أيضا (‬
‫‪ ، )6‬قال الحافظ أبو عبد ال الذهبي شيخُنا ‪ :‬أحسبه موضوعا‪ .‬وقد رُوي نَحوُه عن أبي بكر ‪،‬‬
‫وابن عباس‪ .‬ول يصح من ذلك شيء (‪ ، )7‬وال أعلم‪ .‬وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه ‪:‬‬
‫"الجامع لداب الراوي والسامع (‪ ، )8‬قال ‪ :‬رأيت بخط المام أحمد بن حنبل ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬كثيرا‬
‫ما يكتب اسم النبي صلى ال عليه وسلم من غير ذكر الصلة عليه كتابة ‪ ،‬قال ‪ :‬وبلغني أنه كان‬
‫يصلي عليه لفظا (‪.)9‬‬
‫[فصل] (‪)10‬‬
‫وأما الصلة على غير النبياء ‪ ،‬فإن كانت (‪ )11‬على سبيل التبعية كما تقدم في الحديث ‪" :‬اللهم ‪،‬‬
‫صل على محمد وآله وأزواجه وذريته" ‪ ،‬فهذا جائز بالجماع ‪ ،‬وإنما وقع النزاع فيما إذا أفرد‬
‫غير النبياء بالصلة عليهم ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬عن علي بن أبي رافع" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬بإسناده عن أبي رافع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ورواه الطبراني في المعجم الصغير (‪ )2/120‬وابن عدي في الكامل (‪ )6/451‬من طريق‬
‫معمر به ‪ ،‬وقال ابن عدي ‪" :‬معمر بن محمد بن عبيد ال بن أبي رافع عن أبيه منكر الحديث ‪،‬‬
‫ومقدار ما يرويه ل يتابع عليه"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو القاسم الصبهاني في الترغيب والترهيب برقم (‪ )1699‬من طريق أحمد بن‬
‫جعفر الهاشمي عن سليمان بن الربيع عن كادح بن رحمة به‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪" )234‬مجمع البحرين" من طريق يزيد بن‬
‫عياض عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )7‬أما حديث ابن عباس فسبق ‪ ،‬وأما حديث أبي بكر فرواه ابن عدي في الكامل (‪ )3/249‬من‬
‫طريق أبي داود النخعي ‪ ،‬عن أيوب بن موسى ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬عن أبي بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫وداود النخعي وضاع‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬والسائل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬الجامع لخلق الراوي (‪ )1/271‬ثم قال عقبه ‪" :‬وقد خالفه غيره من الئمة المتقدمين في‬
‫ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كان"‪.‬‬

‫( ‪)6/477‬‬

‫فقال قائلون ‪ :‬يجوز ذلك ‪ ،‬واحتجوا بقوله ‪ُ { :‬هوَ الّذِي ُيصَلّي عَلَ ْيكُمْ َومَلئِكَتُهُ } ‪ ،‬وبقوله { أُولَ ِئكَ‬
‫خذْ مِنْ َأ ْموَاِلهِ ْم صَ َد َقةً‬
‫حمَةٌ } [البقرة ‪ ، ]157 :‬وبقوله تعالى { ُ‬
‫عَلَ ْيهِ ْم صََلوَاتٌ مِنْ رَ ّبهِ ْم وَرَ ْ‬
‫سكَنٌ َل ُهمْ } [التوبة ‪ ، ]103 :‬وبحديث عبد ال‬
‫ن صَل َتكَ َ‬
‫صلّ عَلَ ْيهِمْ إِ ّ‬
‫طهّرُ ُه ْم وَتُ َزكّيهِمْ ِبهَا (‪َ )1‬و َ‬
‫تُ َ‬
‫بن أبي أ ْوفَى قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال ‪" :‬اللهم صل‬
‫عليهم"‪ .‬وأتاه أبي بصدقته فقال ‪" :‬اللهم صل على آل أبي أوفى"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين‪ .‬وبحديث‬
‫جابر ‪ :‬أن امرأته قالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬صل عََليّ وعلى زوجي‪ .‬فقال ‪" :‬صلى ال عليكِ وعلى‬
‫زوجك" (‪.)2‬‬
‫وقال الجمهور من العلماء ‪ :‬ل يجوز إفراد غير النبياء بالصلة ؛ لن هذا قد صار شعارا‬
‫للنبياء إذا ذكروا ‪ ،‬فل يلحق بهم غيرهم ‪ ،‬فل يقال ‪" :‬قال أبو بكر صلى ال عليه"‪ .‬أو ‪" :‬قال‬
‫علي صلى ال عليه"‪ .‬وإن كان المعنى صحيحا ‪ ،‬كما ل يقال ‪" :‬قال محمد ‪ ،‬عز وجل" ‪ ،‬وإن كان‬
‫عزيزا جليل ؛ لن هذا من شعار ذكر ال ‪ ،‬عز وجل‪ .‬وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة‬
‫على الدعاء لهم ؛ ولهذا لم يثبت شعارا لل أبي أوفى ‪ ،‬ول لجابر وامرأته‪ .‬وهذا مسلك حسن‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬ل يجوز ذلك ؛ لن الصلة على غير النبياء قد صارت من شعار أهل الهواء ‪،‬‬
‫يصلون على من يعتقدون فيهم ‪ ،‬فل يقتدى بهم في ذلك ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثم اختلف المانعون من ذلك ‪ :‬هل هو من باب التحريم ‪ ،‬أو الكراهة التنزيهية ‪ ،‬أو خلف‬
‫الولى ؟ على ثلثة أقوال ‪ ،‬حكاه الشيخ أبو زكريا النووي في كتاب الذكار‪ .‬ثم قال ‪ :‬والصحيح‬
‫الذي عليه الكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه ؛ لنه شعار أهل البدع ‪ ،‬وقد نهينا عن شعارهم ‪،‬‬
‫والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود‪ .‬قال أصحابنا ‪ :‬والمعتمد في ذلك أن الصلة صارت‬
‫مخصوصة في اللسان (‪ )3‬بالنبياء ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليهم ‪ ،‬كما أن قولنا ‪" :‬عز وجل" ‪،‬‬
‫مخصوص بال سبحانه وتعالى ‪ ،‬فكما ل يقال ‪" :‬محمد عز وجل" ‪ ،‬وإن كان عزيزا جليل ل يقال‬
‫‪" :‬أبو بكر ‪ -‬أو ‪ :‬علي ‪ -‬صلى ال عليه"‪ .‬هذا لفظه بحروفه‪ .‬قال ‪ :‬وأما السلم فقال الشيخ أبو‬
‫جوَيني من أصحابنا ‪ :‬هو في معنى الصلة ‪ ،‬فل يستعمل في الغائب ‪ ،‬ول يفرد به غير‬
‫محمد ال ُ‬
‫النبياء ‪ ،‬فل يقال ‪" :‬علي عليه السلم" ‪ ،‬وسواء في هذا الحياء والموات ‪ ،‬وأما الحاضر‬
‫فيخاطب به ‪ ،‬فيقال ‪ :‬سلم عليكم ‪ ،‬أو سلم عليك ‪ ،‬أو السلم عليك أو عليكم‪ .‬وهذا مجمع عليه‪.‬‬
‫انتهى ما ذكره (‪.)4‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب ‪ ،‬أن يفرد علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬بأن‬
‫يقال ‪" :‬عليه السلم" ‪ ،‬من دون سائر الصحابة ‪ ،‬أو ‪" :‬كرم ال وجهه" وهذا وإن كان معناه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬تطهرهم بها وتزكيهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم تخريج هذين الحديثين في هذه السورة‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬في لسان السلف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬الذكار ص (‪.)160 ، 159‬‬

‫( ‪)6/478‬‬

‫صحيحا ‪ ،‬لكن ينبغي أن يُسَاوى بين الصحابة في ذلك ؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم ‪،‬‬
‫فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان [بن عفان] (‪ )1‬أولى بذلك منه ‪ ،‬رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬
‫قال إسماعيل القاضي ‪ :‬حدثنا عبد ال بن عبد الوهاب ‪ ،‬حدثنا عبد الواحد بن زياد ‪ ،‬حدثني‬
‫عثمان بن حكيم بن عَبّاد بن حُنَيف ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس أنه قال ‪ :‬ل تصح (‪ )2‬الصلة‬
‫على أحد إل على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالمغفرة (‪( )3‬‬
‫‪.)4‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا حسين بن علي ‪ ،‬عن جعفر بن بَرْقان قال ‪:‬‬
‫كتب عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬أما بعد ‪ ،‬فإن أناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل‬
‫الخرة ‪ ،‬وإن ناسا من القصاص قد أحدثوا في الصلة على خلفائهم وأمرائهم ع ْدلَ الصلة على‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإذا جاءك كتابي هذا فمُرْهم أن تكون صلتهم على النبيين ودعاؤهم‬
‫للمسلمين عامة ‪ ،‬ويدعوا ما سوى ذلك‪ .‬أثر حسن (‪.)5‬‬
‫قال إسماعيل القاضي ‪ :‬حدثنا معاذ بن أسد ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن المبارك ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪،‬‬
‫حدثني خالد بن يَزيد ‪ ،‬عن سعيد بن أبي هلل ‪ ،‬عن نُبَيه بن وهب ؛ أن كعبا دخل على عائشة ‪،‬‬
‫رضي ال عنها ‪ ،‬فذكروا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال كعب ‪ :‬ما من فجر يطلع إل نزل‬
‫سبعون ألفا من الملئكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬سبعون ألفا بالليل ‪ ،‬وسبعون ألفا بالنهار ‪ ،‬حتى إذا انشقت عنه الرض خرج في سبعين‬
‫ألفا من الملئكة يزفونه (‪.)6‬‬
‫[فرع] (‪: )7‬‬
‫قال النووي ‪ :‬إذا صلى على النبي صلى ال عليه وسلم فليجمع بين الصلة والتسليم ‪ ،‬فل يقتصر‬
‫على أحدهما فل يقول ‪" :‬صلى ال عليه فقط" ‪ ،‬ول "عليه السلم" فقط ‪ ،‬وهذا الذي قاله منتزع من‬
‫علَيْ ِه وَسَّلمُوا تَسْلِيمًا } ‪ ،‬فالولى أن‬
‫هذه الية الكريمة ‪ ،‬وهي قوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا َ‬
‫يقال ‪ :‬صلى ال عليه وسلم تسليما‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬ل تصلح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬بالستغفار"‪.‬‬
‫(‪ )4‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪ )75‬ولفظه عنده "ل تصلوا على أحد إل‬
‫على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالستغفار"‪.‬‬
‫(‪ )5‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)76‬‬
‫(‪ )6‬فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم برقم (‪.)102‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ‪ :‬ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)6/479‬‬

‫عذَابًا ُمهِينًا (‪ )57‬وَالّذِينَ‬


‫إِنّ الّذِينَ ُيؤْذُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ َلعَ َنهُمُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالْآَخِ َرةِ وَأَعَدّ َلهُمْ َ‬
‫ُيؤْذُونَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ِبغَيْرِ مَا اكْ َتسَبُوا َفقَدِ احْ َتمَلُوا ُبهْتَانًا وَإِ ْثمًا مُبِينًا (‪)58‬‬

‫عذَابًا ُمهِينًا (‪ )57‬وَالّذِينَ‬


‫{ إِنّ الّذِينَ ُيؤْذُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ َلعَ َنهُمُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ وَأَعَدّ َلهُمْ َ‬
‫ُيؤْذُونَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ِبغَيْرِ مَا اكْ َتسَبُوا َفقَدِ احْ َتمَلُوا ُبهْتَانًا وَإِ ْثمًا مُبِينًا (‪} )58‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقول تعالى ‪ :‬متهددا ومتوعدا مَنْ آذاه ‪ ،‬بمخالفة أوامره وارتكاب زواجره وإصراره على ذلك ‪،‬‬
‫وأذَى رسوله بعيب أو تنقص ‪ ،‬عياذا بال من ذلك‪.‬‬
‫عكْرِمة في قوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ ُيؤْذُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ } ‪ :‬نزلت في المصوّرين‪.‬‬
‫قال ِ‬
‫وفي الصحيحين ‪ ،‬من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيّب ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يقول ال ‪ ،‬عز وجل ‪ :‬يؤذيني ابن آدم ‪،‬‬
‫سبّ الدهر ‪ ،‬وأنا الدهر ‪ ،‬أقلب ليله ونهاره" (‪.)1‬‬
‫يَ ُ‬
‫ومعنى هذا ‪ :‬أن الجاهلية كانوا يقولون ‪ :‬يا خيبة الدهر ‪ ،‬فعل بنا كذا وكذا‪ .‬فيسندون أفعال ال‬
‫تعالى إلى الدهر ‪ ،‬ويسبونه ‪ ،‬وإنما الفاعل لذلك هو ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فنهى عن ذلك‪ .‬هكذا قرره‬
‫الشافعي وأبو عبيد وغيرهما من العلماء ‪ ،‬رحمهم ال‪.‬‬
‫وقال ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ُ { :‬يؤْذُونَ اللّ َه وَرَسُوَلهُ } ‪ :‬نزلت في الذين طعنوا [على‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم] (‪ )2‬في تزويجه صفية بنت حُيَي بن أخطب‪.‬‬
‫والظاهر أن الية عامة في كل من آذاه بشيء ‪ ،‬ومن آذاه فقد آذى ال ‪ ،‬ومن (‪ )3‬أطاعه فقد‬
‫أطاع ال ‪ ،‬كما قال (‪ )4‬المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن سعد ‪ ،‬عن عَبيدة بن أبي رائطة الحذاء التميمي ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن [بن زياد] (‪ ، )5‬عن عبد ال بن المغفل المزني قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"ال ال في أصحابي ‪ ،‬ل تتخذوهم غَرَضا بعدي ‪ ،‬فمن أحبهم فبحبي أحبهم ‪ ،‬ومن أبغضهم‬
‫فببغضي أبغضهم ‪ ،‬ومن آذاهم فقد آذاني ‪ ،‬ومن آذاني فقد آذى ال ‪ ،‬ومن آذى ال يوشك أن‬
‫يأخذه"‪.‬‬
‫وقد رواه الترمذي من حديث عَبيدة بن أبي رائطة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن زياد ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫المغفل ‪ ،‬به‪ .‬ثم قال ‪ :‬وهذا حديث غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من هذا الوجه‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ ُيؤْذُونَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ِبغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا } أي ‪ :‬ينسبون إليهم ما هم بُرَآء‬
‫منه لم يعملوه ولم يفعلوه ‪َ { ،‬فقَدِ احْ َتمَلُوا ُبهْتَانًا وَإِ ْثمًا مُبِينًا } وهذا هو البهت البين أن يحكى أو‬
‫ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه ‪ ،‬على سبيل العيب والتنقص (‪ )6‬لهم ‪ ،‬ومَنْ أكثر مَنْ‬
‫يدخل في هذا الوعيد الكفرةُ بال ورسوله (‪ ، )7‬ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة ويعيبونهم‬
‫بما قد بَرّأهم ال منه ‪ ،‬ويصفونهم بنقيض ما أخبر ال عنهم ؛ فإن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قد أخبر أنه‬
‫قد رضي عن المهاجرين‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )4826‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2246‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬كما أن من"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬كما روى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬والنقص"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ورسله"‪.‬‬

‫( ‪)6/480‬‬

‫ك وَبَنَا ِتكَ وَنِسَاءِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَ ْيهِنّ مِنْ جَلَابِي ِبهِنّ َذِلكَ أَدْنَى أَنْ ُيعْ َرفْنَ‬
‫جَ‬‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ لِأَ ْزوَا ِ‬
‫ن وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ‬
‫غفُورًا رَحِيمًا (‪ )59‬لَئِنْ لَمْ يَنْ َتهِ ا ْلمُنَا ِفقُو َ‬
‫ن َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫فَلَا ُيؤْذَيْ َ‬
‫خذُوا‬
‫جفُونَ فِي ا ْلمَدِي َنةِ لَ ُنغْرِيَ ّنكَ ِبهِمْ ُثمّ لَا يُجَاوِرُو َنكَ فِيهَا إِلّا قَلِيلًا (‪ )60‬مَ ْلعُونِينَ أَيْ َنمَا ُثقِفُوا أُ ِ‬
‫وَا ْلمُرْ ِ‬
‫جدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلًا (‪)62‬‬
‫ل وَلَنْ تَ ِ‬
‫َوقُتّلُوا َتقْتِيلًا (‪ )61‬سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَ ْب ُ‬

‫والنصار ومدحهم ‪ ،‬وهؤلء الجهلة الغبياء يسبونهم ويتنقصونهم (‪ ، )1‬ويذكرون عنهم ما لم‬
‫يكن ول فعلوه أبدا ‪ ،‬فهم في الحقيقة منكوسو القلوب (‪ )2‬يذمون الممدوحين ‪ ،‬ويمدحون‬
‫المذمومين‪.‬‬
‫وقال (‪ )3‬أبو داود ‪ :‬حدثنا ال َقعْنَبِيّ ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن محمد ‪ -‬عن العلء ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬أنه قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما الغيبة ؟ قال ‪" :‬ذك ُركَ أخاك بما يكره"‪ .‬قيل ‪:‬‬
‫أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال ‪" :‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ‪ ،‬وإن لم يكن فيه ما‬
‫تقول فقد َبهَتّه"‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي ‪ ،‬عن قتيبة ‪ ،‬عن الدراوردي ‪ ،‬به‪ .‬قال ‪ :‬حسن صحيح (‪.)4‬‬
‫وقد قال (‪ )5‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا معاوية بن هشام ‪،‬‬
‫عن عمار بن أنس ‪ ،‬عن ابن أبي مُلَ ْيكَة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم لصحابه ‪" :‬أيّ الربا أربى عند ال ؟" قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬أربى الربا عند ال‬
‫استحللُ عرض امرئ مسلم" ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬وَالّذِينَ ُيؤْذُونَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ِبغَيْرِ مَا اكْ َتسَبُوا فَقَدِ‬
‫احْ َتمَلُوا ُبهْتَانًا وَإِ ْثمًا مُبِينًا } (‪.)6‬‬
‫علَ ْيهِنّ مِنْ جَلبِي ِبهِنّ ذَِلكَ أَدْنَى أَنْ‬
‫ك وَنِسَاءِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ يُدْنِينَ َ‬
‫ك وَبَنَا ِت َ‬
‫جَ‬‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ ل ْزوَا ِ‬
‫ن وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ‬
‫غفُورًا رَحِيمًا (‪ )59‬لَئِنْ لَمْ يَنْ َتهِ ا ْلمُنَا ِفقُو َ‬
‫ن َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫ُيعْ َرفْنَ فَل ُيؤْذَيْ َ‬
‫خذُوا‬
‫جفُونَ فِي ا ْلمَدِي َنةِ لَ ُنغْرِيَ ّنكَ ِبهِمْ ُث ّم ل ُيجَاوِرُو َنكَ فِيهَا إِل قَلِيل (‪ )60‬مَ ْلعُونِينَ أَيْ َنمَا ُثقِفُوا أُ ِ‬
‫وَا ْلمُرْ ِ‬
‫جدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيل (‪.} )62‬‬
‫ل وَلَنْ تَ ِ‬
‫َوقُتّلُوا َتقْتِيل (‪ )61‬سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَ ْب ُ‬
‫يقول تعالى آمرا رسوله ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم تسليما ‪ ،‬أن يأمر النساء المؤمنات ‪ -‬خاصة‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أزواجه وبناته لشرفهن ‪ -‬بأن يدنين عليهن من جلبيبهن ‪ ،‬ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية‬
‫وسمات الماء‪ .‬والجلباب هو ‪ :‬الرداء فوق الخمار‪ .‬قاله ابن مسعود ‪ ،‬وعبيدة ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والحسن‬
‫البصري ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وإبراهيم النخعي ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬وغير واحد‪ .‬وهو بمنزلة‬
‫الزار اليوم‪.‬‬
‫قاله الجوهري ‪ :‬الجلباب ‪ :‬الملحفة ‪ ،‬قالت امرأة من هذيل ترثي قتيل لها ‪:‬‬
‫شيَ ال َعذَارى عَلَ ْيهِنّ الجَلبيبُ (‪)7‬‬
‫َتمْشي النّسور إليه وَ ْهيَ لهيةٌ‪َ ...‬م ْ‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أمر ال نساء المؤمنين (‪ )8‬إذا خرجن من بيوتهن في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وينتقصونهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬قلوبهم منكوسة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أبي داود برقم (‪ )4874‬وسنن الترمذي برقم (‪.)1934‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم (‪ )6711‬من طريق يحيى بن واضح عن عمار بن أنس‬
‫‪ ،‬به‬
‫(‪ )7‬الصحاح (‪.)1/101‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المؤمنات"‪.‬‬

‫( ‪)6/481‬‬

‫حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلبيب ‪ ،‬ويبدين عينًا واحدة‪.‬‬


‫وقال محمد بن سيرين ‪ :‬سألت عَبيدةَ السّلماني عن قول ال تعالى ‪ { :‬يُدْنِينَ عَلَ ْيهِنّ مِنْ جَلبِي ِبهِنّ }‬
‫‪ ،‬فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬تغطي ُثغْرَة نحرها بجلبابها تدنيه عليها‪.‬‬
‫وقال (‪ )1‬ابن أبي حاتم ‪ :‬أخبرنا أبو عبد ال الظّهراني (‪ )2‬فيما كتب إليّ ‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق ‪،‬‬
‫أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن ابن خُثَيْم ‪ ،‬عن صفية بنت شيبة ‪ ،‬عن أم سلمة قالت ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪{ :‬‬
‫يُدْنِينَ عَلَ ْيهِنّ مِنْ جَلبِي ِبهِنّ } ‪ ،‬خرج نساء النصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة ‪،‬‬
‫وعليهن أكسية سود يلبسنها (‪.)3‬‬
‫وقال (‪ )4‬ابن أبي حاتم ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو صالح ‪ ،‬حدثني الليث ‪ ،‬حدثنا يونس بن يزيد قال‬
‫‪ :‬وسألناه (‪ )5‬يعني ‪ :‬الزهري ‪ : -‬هل على الوليدة خمار متزوجة أو غير متزوجة ؟ قال ‪ :‬عليها‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الخمار إن كانت متزوجة ‪ ،‬وتنهى عن الجلباب لنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر إل محصنات‬
‫ك وَنِسَاءِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ ُيدْنِينَ عَلَ ْيهِنّ مِنْ‬
‫ك وَبَنَا ِت َ‬
‫جَ‬‫(‪ .)6‬وقد قال ال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ ل ْزوَا ِ‬
‫جَلبِي ِبهِنّ }‪.‬‬
‫وروي عن سفيان الثوري أنه قال ‪ :‬ل بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة ‪ ،‬إنما ينهى عن ذلك‬
‫لخوف الفتنة ؛ ل لحرمتهن ‪ ،‬واستدل بقوله تعالى ‪ { :‬وَنِسَاءِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ }‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكَ أَدْنَى أَنْ ُيعْ َرفْنَ فَل ُيؤْذَيْنَ } أي ‪ :‬إذا فعلن ذلك عُ ِرفْنَ أنّهن حرائر ‪ ،‬لسن بإماء‬
‫جكَ وَبَنَا ِتكَ وَنِسَاءِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‬
‫ول عواهر ‪ ،‬قال السدي في قوله تعالى ‪ [ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ] ُقلْ ل ْزوَا ِ‬
‫يُدْنِينَ عَلَ ْيهِنّ مِنْ جَلبِي ِبهِنّ ذَِلكَ َأدْنَى أَنْ ُيعْ َرفْنَ فَل ُيؤْذَيْنَ } (‪ )7‬قال ‪ :‬كان ناس من فساق أهل‬
‫المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلم إلى طرق المدينة ‪ ،‬يتعرضون للنساء ‪ ،‬وكانت مساكن‬
‫أهل المدينة ضَيّقة ‪ ،‬فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن ‪ ،‬فكان أولئك الفساق‬
‫يبتغون ذلك منهن ‪ ،‬فإذا رأوا امرأة عليها جلباب قالوا ‪ :‬هذه حرة ‪ ،‬كفوا عنها‪ .‬وإذا رأوا المرأة‬
‫ليس عليها جلباب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬هذه أمة‪ .‬فوثبوا إليها (‪.)8‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬يتجلببن فيعلم أنهن حرائر ‪ ،‬فل يتعرض لهن فاسق بأذى ول ريبة‪.‬‬
‫غفُورًا َرحِيمًا } أي ‪ :‬لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكَانَ اللّهُ َ‬
‫بذلك‪.‬‬
‫ثم قال تعالى متوعدًا للمنافقين ‪ ،‬وهم الذين يظهرون اليمان ويبطنون الكفر ‪ { :‬وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ‬
‫جفُونَ فِي ا ْل َمدِينَةِ } يعني ‪ :‬الذين يقولون ‪:‬‬
‫مَ َرضٌ } قال عكرمة وغيره ‪ :‬هم الزناة هاهنا { وَا ْلمُرْ ِ‬
‫"جاء‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الطبراني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير عبد الرزاق (‪ )2/101‬ورواه الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن عائشة مثله ‪،‬‬
‫وأخرجه البخاري في صحيحه برقم (‪.)4759‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬سئل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬بالحرائر المحصنات"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عليها"‪.‬‬

‫( ‪)6/482‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫العداء" و"جاءت الحروب" ‪ ،‬وهو كذب وافتراء ‪ ،‬لئن لم ينتهوا عن ذلك ويرجعوا إلى الحق‬
‫{ لَ ُنغْرِيَ ّنكَ ِبهِمْ } قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أي ‪ :‬لنسلطنّك عليهم‪ .‬وقال قتادة ‪،‬‬
‫رحمه ال ‪ :‬لنح ّرشَنّك بهم‪ .‬وقال السدي ‪ :‬لنعلمنك بهم‪.‬‬
‫{ ُثمّ ل يُجَاوِرُو َنكَ فِيهَا } أي ‪ :‬في المدينة { إِل قَلِيل * مَ ْلعُونِينَ } حال منهم في مدة إقامتهم في‬
‫خذُوا } لذلتهم وقلتهم ‪،‬‬
‫المدينة مدة قريبة مطرودين مبعدين ‪ { ،‬أَيْ َنمَا ُثقِفُوا } أي ‪ :‬وجدوا ‪ { ،‬أُ ِ‬
‫{ َوقُتّلُوا َتقْتِيل }‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬هذه سنته في المنافقين إذا تمردوا على نفاقهم‬
‫وكفرهم ولم يرجعوا عما هم فيه ‪ ،‬أن أهل اليمان يسلطون عليهم ويقهرونهم ‪ { ،‬وَلَنْ َتجِدَ لِسُنّةِ‬
‫اللّهِ تَ ْبدِيل } أي ‪ :‬وسنة ال في ذلك ل تبدل ول تغير‪.‬‬

‫( ‪)6/483‬‬

‫عةَ َتكُونُ قَرِيبًا (‪ )63‬إِنّ اللّهَ‬


‫عةِ ُقلْ إِ ّنمَا عِ ْل ُمهَا عِنْدَ اللّ ِه َومَا يُدْرِيكَ َل َعلّ السّا َ‬
‫يَسْأَُلكَ النّاسُ عَنِ السّا َ‬
‫ن وَلِيّا وَلَا َنصِيرًا (‪َ )65‬يوْمَ ُتقَّلبُ‬
‫سعِيرًا (‪ )64‬خَالِدِينَ فِيهَا أَ َبدًا لَا َيجِدُو َ‬
‫ن وَأَعَدّ َل ُهمْ َ‬
‫َلعَنَ ا ْلكَافِرِي َ‬
‫طعْنَا سَادَتَنَا‬
‫طعْنَا الرّسُولَا (‪َ )66‬وقَالُوا رَبّنَا إِنّا أَ َ‬
‫طعْنَا اللّ َه وَأَ َ‬
‫وُجُو ُههُمْ فِي النّارِ َيقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَ َ‬
‫ب وَا ْلعَ ْنهُمْ َلعْنًا كَبِيرًا (‪)68‬‬
‫ض ْعفَيْنِ مِنَ ا ْلعَذَا ِ‬
‫َوكُبَرَاءَنَا فََأضَلّونَا السّبِيلَا (‪ )67‬رَبّنَا آَ ِتهِ ْم ِ‬

‫{ َيسْأَُلكَ النّاسُ عَنِ السّاعَةِ ُقلْ إِ ّنمَا عِ ْل ُمهَا عِ ْندَ اللّ ِه َومَا ُيدْرِيكَ َل َعلّ السّاعَةَ َتكُونُ قَرِيبًا (‪ )63‬إِنّ‬
‫ن وَلِيّا وَل َنصِيرًا (‪َ )65‬يوْمَ‬
‫سعِيرًا (‪ )64‬خَاِلدِينَ فِيهَا أَبَدًا ل َيجِدُو َ‬
‫اللّهَ َلعَنَ ا ْلكَافِرِينَ وَأَعَدّ َلهُمْ َ‬
‫طعْنَا‬
‫طعْنَا الرّسُولَ (‪َ )66‬وقَالُوا رَبّنَا إِنّا أَ َ‬
‫طعْنَا اللّ َه وََأ َ‬
‫ب وُجُو ُههُمْ فِي النّارِ َيقُولُونَ يَا لَيْتَنَا َأ َ‬
‫ُتقَلّ ُ‬
‫ضعْفَيْنِ مِنَ ا ْلعَذَابِ وَا ْلعَ ْنهُمْ َلعْنًا كَبِيرًا (‪.} )68‬‬
‫سَادَتَنَا َوكُبَرَاءَنَا فََأضَلّونَا السّبِيلَ (‪ )67‬رَبّنَا آ ِت ِه ْم ِ‬
‫يقول تعالى مخبرا لرسوله صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أنه ل علم له بالساعة ‪ ،‬وإن سأله الناس عن‬
‫ذلك‪ .‬وأرشده أن يرد علمها إلى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬كما قال له في سورة "العراف" ‪ ،‬وهي مكية‬
‫وهذه مدنية ‪ ،‬فاستمر الحال في َردّ علمها إلى الذي يقيمها ‪ ،‬لكن (‪ )1‬أخبره أنها قريبة بقوله ‪:‬‬
‫{ َومَا يُدْرِيكَ َل َعلّ السّاعَةَ َتكُونُ قَرِيبًا } ‪َ ،‬كمَا قَالَ ‪ { :‬اقْتَرَ َبتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ ا ْلقَمَر } [القمر ‪، ]1 :‬‬
‫غفْلَةٍ ُمعْرِضُون } [النبياء ‪ ، ]1 :‬وقال { أَتَى َأمْرُ اللّهِ فَل‬
‫وقال { اقْتَ َربَ لِلنّاسِ حِسَا ُبهُ ْم وَ ُهمْ فِي َ‬
‫تَسْ َتعْجِلُوهُ } [النحل ‪.]1 :‬‬
‫سعِيرًا } أي ‪ :‬في الدار‬
‫عدّ َلهُمْ َ‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َلعَنَ ا ْلكَافِرِينَ } أي ‪ :‬أبعدهم عن رحمته { وَأَ َ‬
‫الخرة‪.‬‬
‫{ خَالِدِينَ فِيهَا أَ َبدًا } أي ‪ :‬ماكثين مستمرين ‪ ،‬فل خروج لهم منها ول زوال لهم عنها ‪ { ،‬ل‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جدُونَ وَلِيّا وَل َنصِيرًا } أي ‪ :‬وليس لهم مغيث ول معين ينقذهم مما هم فيه‪.‬‬
‫يَ ِ‬
‫طعْنَا الرّسُول } أي ‪ :‬يسحبون‬
‫طعْنَا اللّ َه وَأَ َ‬
‫ثم قال ‪َ { :‬يوْمَ ُتقَّلبُ ُوجُو ُههُمْ فِي النّارِ َيقُولُونَ يَا لَيْتَنَا َأ َ‬
‫في النار على وجوههم ‪ ،‬وتلوى وجوههم على جهنم ‪ ،‬يقولون وهم كذلك ‪ ،‬يتمنون أن لو كانوا‬
‫في الدار الدنيا ممن أطاع ال وأطاع الرسول ‪ ،‬كما أخبر ال عنهم في حال العرصات بقوله ‪:‬‬
‫خذْ‬
‫{ وَ َيوْمَ َي َعضّ الظّالِمُ عَلَى َيدَيْهِ َيقُولُ يَا لَيْتَنِي اتّخَ ْذتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيل‪ .‬يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتّ ِ‬
‫فُلنًا خَلِيل * َلقَدْ َأضَلّنِي عَنِ ال ّذكْرِ َبعْدَ إِذْ جَاءَنِي َوكَانَ الشّيْطَانُ لِلنْسَانِ خَذُول } [الفرقان ‪27 :‬‬
‫‪، ]29 -‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬لكنه"‪.‬‬

‫( ‪)6/483‬‬

‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا لَا َتكُونُوا كَالّذِينَ َآ َذوْا مُوسَى فَبَرَّأهُ اللّهُ ِممّا قَالُوا َوكَانَ عِنْدَ اللّ ِه وَجِيهًا (‪)69‬‬

‫وقال تعالى ‪ { :‬رُ َبمَا َي َودّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ كَانُوا ُمسِْلمِينَ } [الحجر ‪ ، ]2 :‬وهكذا أخبر عنهم في‬
‫حالتهم (‪ )1‬هذه أنهم يودون أن لو كانوا أطاعوا ال ‪ ،‬وأطاعوا الرسول في الدنيا‪.‬‬
‫طعْنَا سَادَتَنَا َوكُبَرَاءَنَا فََأضَلّونَا السّبِيل }‪ .‬وقال طاوس ‪ :‬سادتنا ‪ :‬يعني الشراف‬
‫{ َوقَالُوا رَبّنَا إِنّا َأ َ‬
‫‪ ،‬وكبراءنا ‪ :‬يعني العلماء‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫أي ‪ :‬اتبعنا السادة وهم المراء والكبراء من المشيخة ‪ ،‬وخالفنا الرسل واعتقدنا أن عندهم شيئا ‪،‬‬
‫وأنهم على شيء فإذا هم ليسوا على شيء‪.‬‬
‫ض ْعفَيْنِ مِنَ ا ْلعَذَابِ } أي ‪ :‬بكفرهم وإغوائهم إيانا ‪ { ،‬وَا ْلعَ ْنهُمْ َلعْنًا كَبِيرًا } (‪ .)2‬قرأ‬
‫{ رَبّنَا آ ِتهِ ْم ِ‬
‫بعض القراء بالباء الموحدة‪ .‬وقرأ آخرون بالثاء المثلثة ‪ ،‬وهما قريبا المعنى ‪ ،‬كما في حديث عبد‬
‫ال بن عمرو ‪ :‬أن أبا بكر قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬علمني دعاء أدعو به في صلتي‪ .‬قال ‪" :‬قل ‪:‬‬
‫اللهم ‪ ،‬إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ‪ ،‬ول يغفر الذنوب إل أنت ‪ ،‬فاغفر لي مغفرة من عندك ‪،‬‬
‫وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين (‪ ، )3‬يُروى "كبيرا" و"كثيرا" ‪،‬‬
‫وكلهما بمعنى صحيح‪.‬‬
‫واستحب بعضهم أن يجمع الداعي بين اللفظين في دعائه ‪ ،‬وفي ذلك نظر ‪ ،‬بل الولى أن يقول‬
‫هذا تارة ‪ ،‬وهذا تارة ‪ ،‬كما أن القارئ مخير بين القراءتين أيتهما قرأ َفحَسَن ‪ ،‬وليس له الجمع‬
‫بينهما ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا ضِرَار بن صُرَد ‪ ،‬حدثنا‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫علي بن هاشم ‪ ،‬عن [محمد بن] (‪ )4‬عبيد ال بن أبي رافع ‪ ،‬عن أبيه (‪ ، )5‬في تسمية مَنْ شهد‬
‫مع علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬الحجاج بن عمرو بن غَزيّة ‪ ،‬وهو الذي كان يقول عند اللقاء ‪ :‬يا‬
‫طعْنَا سَادَتَنَا َوكُبَرَاءَنَا فََأضَلّونَا‬
‫معشر النصار ‪ ،‬أتريدون أن تقولوا لربنا إذا لقيناه ‪ { :‬رَبّنَا إِنّا َأ َ‬
‫ب وَا ْلعَ ْنهُمْ َلعْنًا كَبِيرًا } ؟ (‪.)6‬‬
‫ض ْعفَيْنِ مِنَ ا ْلعَذَا ِ‬
‫السّبِيل * رَبّنَا آ ِتهِ ْم ِ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتكُونُوا كَالّذِينَ آ َذوْا مُوسَى فَبَرَّأهُ اللّهُ ِممّا قَالُوا َوكَانَ عِنْدَ اللّ ِه وَجِيهًا (‬
‫‪.} )69‬‬
‫قال البخاري عند تفسير (‪ )7‬هذه الية ‪ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا روح بن عبادة ‪ ،‬حدثنا‬
‫عوف ‪ ،‬عن الحسن [ومحمد] (‪ )8‬وخلس ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ :‬إن موسى كان رجل حَيِيا ‪ ،‬وذلك قوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتكُونُوا كَالّذِينَ آ َذوْا‬
‫مُوسَى فَبَرَّأهُ اللّهُ ِممّا قَالُوا َوكَانَ عِنْدَ اللّ ِه وَجِيهًا } (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪" :‬حالهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬كثيرا كبيرا أو كلهما" وفي ف ‪ ،‬أ ‪" :‬كبيرا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري رقم (‪ )834‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2705‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من المعجم الكبير للطبراني‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى أبو القاسم الطبراني بإسناده عن أبي رافع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المعجم الكبير (‪.)3/223‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬روى البخاري عند تفسيره"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري برقم (‪.)4799‬‬

‫( ‪)6/484‬‬

‫هكذا أورد هذا الحديث هاهنا مختصرًا جدًا ‪ ،‬وقد رواه في أحاديث "النبياء" بهذا السند بعينه ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كان رجل‬
‫حَيِيا سِتّيرا ‪ ،‬ل يُرَى من جلده شَيء استحياء منه ‪ ،‬فآذاه من آذاه من بني إسرائيل ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ما‬
‫يتستر هذا التستر إل من عيب بجلده ‪ ،‬إما برص وإما أدْرَة وإما آفة ‪ ،‬وإن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أراد‬
‫أن يُبرئَه مما قالوا لموسى عليه السلم ‪ ،‬فخل يوما وحده ‪ ،‬فخلع ثيابه على حجر ‪ ،‬ثم اغتسل ‪،‬‬
‫فلمّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها ‪ ،‬وإن الحجر عدا بثوبه ‪ ،‬فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ‪،‬‬
‫حجَر ‪ ،‬حتى انتهى إلى مل من بني إسرائيل ‪ ،‬فرأوه عُريانا‬
‫فجعل يقول ‪ :‬ثوبي حَجَر ‪ ،‬ثوبي َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أحسن ما خلق ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وأبرأه مما يقولون ‪ ،‬وقام الحجر ‪ ،‬فأخذ ثوبَه فلبسه ‪ ،‬وطَفقَ‬
‫بالحجر ضربًا بعصاه ‪ ،‬فوال إن بالحجر لَنَدبًا من أثر ضربه ثلثًا أو أربعًا أو خمسًا ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫فذلك قوله تعالى ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا ل تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه ال مما قالوا وكان عند‬
‫ال وجيها }‪.‬‬
‫وهذا سياق حسن مطول ‪ ،‬وهذا الحديث من أفراد البخاري دون مسلم (‪)1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا روح ‪ ،‬حدثنا عوف ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫وخلس ‪ ،‬ومحمد ‪ ،‬عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال في هذه الية ‪ { :‬يَا‬
‫أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتكُونُوا كَالّذِينَ آ َذوْا مُوسَى فَبَرَّأهُ اللّهُ ِممّا قَالُوا } قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إن موسى كان رجل حَيِيا ستّيرا ‪ ،‬ل يكاد يُرَى من جلده شَيء استحياء منه" (‪.)2‬‬
‫ثم ساق الحديث كما رواه البخاري مطول ورواه في تفسيره (‪ .)3‬عن روح ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬به‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير من حديث الثوري ‪ ،‬عن جابر الجعفي ‪ ،‬عن عامر الشعبي ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم بنحو هذا (‪ .)4‬وهكذا رواه من حديث سليمان بن ِمهْرَان‬
‫العمش ‪ ،‬عن الم ْنهَال بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬وعبد ال بن الحارث ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫في قوله ‪ { :‬ل َتكُونُوا كَالّذِينَ آ َذوْا مُوسَى } قال ‪ :‬قال قومه له ‪ :‬إنك آدر‪ .‬فخرج ذات يوم يغتسل‬
‫‪ ،‬فوضع ثيابه على صخرة ‪ ،‬فخرجت الصخرة تشتد بثيابه ‪ ،‬وخرج يتبعها عريانا حتى انتهت به‬
‫مجالس بني إسرائيل ‪ ،‬قال ‪ :‬فرأوه ليس بآدر ‪ ،‬فذلك قوله ‪ { :‬فَبَرَّأهُ اللّهُ ِممّا قَالُوا }‪.‬‬
‫وهكذا رواه العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس سواء‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا روح بن حاتم وأحمد بن المعلى الدميّ قال حدثنا يحيى بن‬
‫حماد ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‬
‫‪" :‬كان موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬رجل حَيِيا ‪ ،‬وإنه أتى ‪ -‬أحسبه قال ‪ :‬الماء ‪ -‬ليغتسل ‪ ،‬فوضع‬
‫ثيابه على صخرة ‪ ،‬وكان ل يكاد تبدو عورته ‪ ،‬فقال (‪ )5‬بنو إسرائيل ‪ :‬إن موسى آدر ‪ -‬أو ‪ :‬به‬
‫آفة ‪ ،‬يعنون ‪ :‬أنه ل يضع ثيابه ‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)3404‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/514‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ورواه عنه في تفسيره"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)22/36‬‬
‫(‪ )5‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬فقالت"‪.‬‬

‫( ‪)6/485‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فاحتملت الصخرة ثيابه حتى صارت بحذاء مجالس بني إسرائيل ‪ ،‬فنظروا إلى موسى كأحسن‬
‫الرجال ‪ ،‬أو كما قال ‪ ،‬فذلك قوله ‪ { :‬فَبَرَّأهُ اللّهُ ِممّا قَالُوا َوكَانَ عِ ْندَ اللّ ِه وَجِيهًا } (‪.)1‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سعيد بن سليمان ‪ ،‬حدثنا عباد بن العوام ‪ ،‬عن سفيان بن‬
‫حسين ‪ ،‬حدثنا الحكم ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس (‪ )2‬عن علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنهم ‪ ،‬في قوله ‪ { :‬فَبَرَّأهُ اللّهُ ِممّا قَالُوا } قال ‪ :‬صعد موسى وهارون الجبل ‪ ،‬فمات هارون ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬فقال بنو إسرائيل لموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬أنت قتلته ‪ ،‬كان ألين لنا منك وأشد حياء‪.‬‬
‫فآذوه من ذلك ‪ ،‬فأمر ال الملئكة فحملته ‪ ،‬فمروا (‪ )3‬به على مجالس بني إسرائيل ‪ ،‬فتكلمت‬
‫بموته ‪ ،‬فما عرف موضع قبره إل الرّخَم ‪ ،‬وإن ال جعله أصم أبكم‪.‬‬
‫وهكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬عن علي بن موسى الطوسي ‪ ،‬عن عباد بن العوام ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫ثم قال ‪ :‬وجائز أن يكون هذا هو المراد بالذى ‪ ،‬وجائز أن يكون الول هو المراد ‪ ،‬فل قول‬
‫أولى من قول ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يحتمل أن يكون الكل مرادا ‪ ،‬وأن يكون معه غيره ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال (‪ )5‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن شَقيق ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬قسم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يوم قسما ‪ ،‬فقال رجل من النصار ‪ :‬إن هذه القسمة (‪ )6‬ما‬
‫أريد بها وجه ال‪ .‬قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا عدو ال ‪ ،‬أما لخبرن رسول ال صلى ال عليه وسلم بما‬
‫قلت‪ .‬قال ‪ :‬فذكر (‪ )7‬ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم فاحمرّ وجهه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬رحمة ال على‬
‫موسى ‪ ،‬فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين (‪ )8‬من حديث سليمان بن مهران العمش ‪ ،‬به (‪.)9‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج ‪ ،‬سمعت إسرائيل بن يونس ‪ ،‬عن الوليد بن أبي‬
‫هاشم (‪ - )10‬مولى الهمداني ‪ ،‬عن زيد بن زائد ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم لصحابه ‪" :‬ل يبلّغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا ‪ ،‬فإني أحب أن أخرج‬
‫إليكم وأنا [سليم الصدر]" (‪ .)11‬فأتى رسول ال صلى ال عليه وسلم مالٌ فقسمه ‪ ،‬قال ‪ :‬فمررت‬
‫برجلين وأحدهما يقول لصاحبه ‪ :‬وال ما أراد محمد بقسمته وجه ال ول الدار الخرة‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فَتَثَ ّبتُ حتى سمعت (‪ )12‬ما قال ثم أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫إنك قلت لنا ‪" :‬ل يبلغني أحد عن أصحابي شيئا" ‪ ،‬وإني مررت بفلن وفلن ‪ ،‬وهما يقولن كذا‬
‫وكذا‪ .‬فاحمر وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم وشَقّ عليه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬دعنا منك ‪ ،‬لقد أوذي‬
‫موسى بأكثر من هذا ‪ ،‬فصبر" (‪.)13‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند البزار برقم (‪" )2252‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/92‬وفيه إسحاق‬
‫بن عبد ال بن أبي فروة وهو متروك"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فمرت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)22/37‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬لقسمة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فذكرت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬أخرجه البخاري ومسلم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )1/380‬وصحيح البخاري برقم (‪ )3405‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1062‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬فقلت حين سمعت"‪.‬‬
‫(‪ )13‬المسند (‪.)1/395‬‬

‫( ‪)6/486‬‬

‫عمَاَل ُك ْم وَ َيغْفِرْ َلكُمْ ذُنُو َبكُ ْم َومَنْ‬


‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه َوقُولُوا َقوْلًا سَدِيدًا (‪ُ )70‬يصْلِحْ َلكُمْ أَ ْ‬
‫يُطِعِ اللّ َه وَرَسُولَهُ َفقَدْ فَازَ َفوْزًا عَظِيمًا (‪)71‬‬

‫وقد رواه أبو داود في الدب ‪ ،‬عن محمد [بن يحيى الذّهْلي ‪ ،‬عن محمد بن يوسف الفريابي ‪ ،‬عن‬
‫إسرائيل عن الوليد] (‪ )1‬بن أبي هاشم (‪ )2‬به مختصرًا ‪" :‬ل يبلغني أحد [من أصحابي] (‪ )3‬عن‬
‫أحد شيئا ؛ إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" (‪)4‬‬
‫وكذا رواه الترمذي في "المناقب" ‪ ،‬عن الذهلي سواء ‪ ،‬إل أنه قال ‪" :‬زيد بن زائدة"‪ .‬ورواه أيضا‬
‫عن محمد بن إسماعيل ‪ ،‬عن عبد ال بن محمد ‪ ،‬عن عبيد ال بن موسى وحسين بن محمد‬
‫كلهما عن إسرائيل ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن الوليد بن أبي هاشم ‪ ،‬به مختصرا أيضا ‪ ،‬فزاد في إسناده‬
‫السدي ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬غريب من هذا الوجه (‪.)5‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكَانَ عِنْدَ اللّ ِه وَجِيهًا } أي ‪ :‬له وجاهة وجاه عند ربه ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫قال الحسن البصري ‪ :‬كان مستجابَ الدعوة عند ال‪ .‬وقال غيره من السلف ‪ :‬لم يسأل ال شيئا إل‬
‫أعطاه‪ .‬ولكن منع الرؤية لما يشاء ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬من وجاهته العظيمة [عند ال] (‪ : )6‬أنه شفع في أخيه هارون أن يرسله ال‬
‫حمَتِنَا َأخَاهُ هَارُونَ نَبِيّا } [مريم ‪.]53 :‬‬
‫معه ‪ ،‬فأجاب ال سؤاله ‪ ،‬وقال ‪َ { :‬ووَهَبْنَا لَهُ مِنْ َر ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمَاَل ُك ْم وَ َيغْفِرْ َلكُمْ ذُنُو َبكُ ْم َومَنْ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه َوقُولُوا َقوْل سَدِيدًا (‪ُ )70‬يصْلِحْ َلكُمْ أَ ْ‬
‫يُطِعِ اللّ َه وَرَسُولَهُ َفقَدْ فَازَ َفوْزًا عَظِيمًا (‪} )71‬‬
‫يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بتقواه ‪ ،‬وأن يعبدوه عبادة مَنْ كأنه يراه ‪ ،‬وأن يقولوا { َقوْل‬
‫سَدِيدًا } أي ‪ :‬مستقيما ل اعوجاج فيه ول انحراف‪ .‬ووعدهم أنهم إذا فعلوا ذلك ‪ ،‬أثابهم عليه بأن‬
‫يصلح لهم أعمالهم ‪ ،‬أي ‪ :‬يوفقهم للعمال الصالحة ‪ ،‬وأن يغفر لهم الذنوب الماضية‪ .‬وما قد يقع‬
‫منهم في المستقبل يلهمهم التوبة منها‪.‬‬
‫عظِيمًا } ‪ :‬وذلك أنه يجار من النار ‪ ،‬ويصير إلى‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومَنْ ُيطِعِ اللّ َه وَرَسُولَهُ َفقَدْ فَازَ َفوْزًا َ‬
‫النعيم المقيم‪.‬‬
‫عوْن ‪ ،‬حدثنا خالد ‪ ،‬عن لَيْث ‪ ،‬عن أبي‬
‫قال (‪ )7‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن َ‬
‫بُرْدَة ‪ ،‬عن أبي موسى الشعري قال ‪ :‬صلى بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم صلة الظهر ‪،‬‬
‫فلما انصرف أومأ إلينا بيده فجلسنا ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن ال أمرني أن آمركم ‪ ،‬أن تتقوا ال وتقولوا قول‬
‫سديدا"‪ .‬ثم أتى النساء فقال ‪" :‬إن ال أمرني أن آمركن ‪ :‬أن تتقين ال وتقلن قول سديدا" (‪.)8‬‬
‫وقال (‪ )9‬ابن أبي الدنيا في كتاب "التقوى" ‪ :‬حدثنا محمد بن عباد بن موسى ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وأبي داود‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وأبي داود‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أبي داود برقم (‪.)4860‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي برقم (‪.)3896‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ورواه أحمد في مسنده (‪ )4/391‬من طريق شيبان عن ليث ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫( ‪)6/487‬‬

‫حمََلهَا الْإِنْسَانُ‬
‫شفَقْنَ مِ ْنهَا وَ َ‬
‫حمِلْ َنهَا وَأَ ْ‬
‫ض وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ َي ْ‬
‫ت وَالْأَ ْر ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫إِنّا عَ َرضْنَا الَْأمَانَةَ عَلَى ال ّ‬
‫ت وَيَتُوبَ اللّهُ‬
‫ن وَا ْلمُشْ ِركَا ِ‬
‫جهُولًا (‪ )72‬لِ ُيعَ ّذبَ اللّهُ ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلمُنَا ِفقَاتِ وَا ْلمُشْ ِركِي َ‬
‫إِنّهُ كَانَ ظَلُومًا َ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا (‪)73‬‬
‫عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ َوكَانَ اللّهُ َ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمُرة ‪ ،‬عن هشام بن عُ ْروَة ‪ ،‬عن أبيه (‪ ، )1‬عن‬
‫العزيز بن عمران الزهري ‪ ،‬حدثنا عيسى بن َ‬
‫عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬ما قام رسول ال صلى ال عليه وسلم على المنبر إل سمعته‬
‫يقول ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه َوقُولُوا َقوْل سَدِيدًا } الية‪ .‬غريب جدًا‪.‬‬
‫وروى من حديث عبد الرحيم بن زيد ال َعمّي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن محمد بن كعب ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫موقوفا (‪ ، )2‬من سره أن يكون أكرم الناس ‪ ،‬فليتق ال‪.‬‬
‫قال عكرمة ‪ :‬القول السديد ‪ :‬ل إله إل ال‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬السديد ‪ :‬الصدق‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬هو السداد‪ .‬وقال غيره ‪ :‬هو الصواب‪ .‬والكل حق‪.‬‬
‫حمََلهَا‬
‫ش َفقْنَ مِ ْنهَا َو َ‬
‫حمِلْ َنهَا وَأَ ْ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ وَا ْلجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَ ْ‬
‫علَى ال ّ‬
‫{ إِنّا عَ َرضْنَا المَانَةَ َ‬
‫ن وَا ْلمُشْ ِركَاتِ‬
‫ت وَا ْلمُشْ ِركِي َ‬
‫ن وَا ْلمُنَافِقَا ِ‬
‫جهُول (‪ )72‬لِ ُي َع ّذبَ اللّهُ ا ْلمُنَا ِفقِي َ‬
‫النْسَانُ إِنّهُ كَانَ ظَلُومًا َ‬
‫غفُورًا رَحِيمًا (‪} )73‬‬
‫ت َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫ن وَا ْل ُم ْؤمِنَا ِ‬
‫وَيَتُوبَ اللّهُ عَلَى ا ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني بالمانة ‪ :‬الطاعة ‪ ،‬وعرضها عليهم قبل أن يعرضها على‬
‫آدم ‪ ،‬فلم يطقنها (‪ ، )3‬فقال لدم ‪ :‬إني قد عرضتُ المانة على السموات والرض والجبال فلم‬
‫يطقنها (‪ ، )4‬فهل أنت آخذ بما فيها ؟ قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬وما فيها ؟ قال ‪ :‬إن أحسنت جزيت ‪ ،‬وإن‬
‫جهُول }‪.‬‬
‫حمََلهَا النْسَانُ إِنّهُ كَانَ ظَلُومًا َ‬
‫أسأت عوقبت‪ .‬فأخذها آدم فتحمّلها ‪ ،‬فذلك قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬المانة ‪ :‬الفرائض ‪ ،‬عرضها ال على السموات‬
‫والرض والجبال ‪ ،‬إن أدوها أثابهم‪ .‬وإن ضيعوها عذبهم (‪ ، )5‬فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير‬
‫معصية ‪ ،‬ولكن تعظيمًا لدين ال أل يقوموا بها ‪ ،‬ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها ‪ ،‬وهو (‪)6‬‬
‫جهُول } يعني ‪ :‬غرًا بأمر ال‪.‬‬
‫حمََلهَا النْسَانُ إِنّهُ كَانَ ظَلُومًا َ‬
‫قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬عن أبي بشر (‪ ، )7‬عن سعيد بن‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ‬
‫جبير ‪ ،‬عن (‪ )8‬ابن عباس أنه قال في هذه الية ‪ { :‬إِنّا عَ َرضْنَا المَانَةَ عَلَى ال ّ‬
‫شفَقْنَ مِ ْنهَا } قال ‪ :‬عرضت على آدم فقال ‪ :‬خذها بما فيها ‪ ،‬فإن‬
‫حمِلْ َنهَا وَأَ ْ‬
‫وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ َي ْ‬
‫عصَيت عذبتك‪ .‬قال ‪ :‬قبلت ‪ ،‬فما كان إل قدر ما بين العصر إلى الليل‬
‫غفَرت لك ‪ ،‬وإن َ‬
‫أطعت َ‬
‫من ذلك اليوم ‪ ،‬حتى أصاب الخطيئة‪.‬‬
‫وقد روى الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قريبا من هذا‪ .‬وفيه نظر وانقطاع بين الضحاك وبينه ‪،‬‬
‫وال أعلم‪ .‬وهكذا قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وغير واحد ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مرفوعا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يطقها" وفي أ ‪" :‬يطعنها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬يطعنها"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عذبهم ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬وهي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي بشر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بسنده إلى"‪.‬‬

‫( ‪)6/488‬‬

‫[أل] (‪ )1‬إن المانة هي الفرائض‪.‬‬


‫وقال آخرون ‪ :‬هي الطاعة‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي الضحى ‪ ،‬عن مسروق [قال] (‪ : )2‬قال أبي بن كعب ‪ :‬من المانة أن‬
‫المرأة اؤتمنت على فرجها‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬المانة ‪ :‬الدين والفرائض والحدود‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬الغسل من الجنابة‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم قال ‪ :‬المانة ثلثة ‪ :‬الصلة ‪ ،‬والصوم ‪ ،‬والغتسال من الجنابة‪.‬‬
‫وكل هذه القوال ل تنافي بينها ‪ ،‬بل هي (‪ )3‬متفقة وراجعة إلى أنها التكليف ‪ ،‬وقبول الوامر‬
‫ب ‪ ،‬فقبلها النسان على ضعفه‬
‫والنواهي بشرطها ‪ ،‬وهو أنه إن قام بذلك أثيب ‪ ،‬وإن تركها عُوقِ َ‬
‫وجهله وظلمه ‪ ،‬إل مَنْ وفق اللّهُ ‪ ،‬وبال المستعان‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن المغيرة [البصري] (‪ ، )4‬حدثنا حماد بن‬
‫واقد ‪ -‬يعني ‪ :‬أبا عمر الصفار ‪ -‬سمعت أبا معمر (‪ - )5‬يعني ‪ :‬عون بن معمر ‪ -‬يحدث عن‬
‫س َموَاتِ‬
‫الحسن ‪ -‬يعني ‪ :‬البصري (‪ - )6‬أنه تل هذه الية ‪ { :‬إِنّا عَ َرضْنَا المَانَةَ عَلَى ال ّ‬
‫ض وَالْجِبَالِ } قال ‪ :‬عرضها على السبع الطباق الطرائق التي زينت بالنجوم ‪ ،‬وحملة‬
‫وَالرْ ِ‬
‫العرش العظيم ‪ ،‬فقيل لها ‪ :‬هل تحملين المانة وما فيها ؟ قالت ‪ :‬وما فيها ؟ قال ‪ :‬قيل لها ‪ :‬إن‬
‫أحسنت جُزِيت ‪ ،‬وإن أسأت عوقبت‪ .‬قالت ‪ :‬ل‪ .‬ثم عرضها على الرضين السبع الشداد ‪ ،‬التي‬
‫شدت بالوتاد ‪ ،‬وذللت بالمهاد ‪ ،‬قال ‪ :‬فقيل لها ‪ :‬هل تحملين المانة وما فيها ؟ قالت ‪ :‬وما فيها ؟‬
‫قال ‪ :‬قيل لها ‪ :‬إن أحسنت جزيت ‪ ،‬وإن أسأت عوقبت‪ .‬قالت ‪ :‬ل‪ .‬ثم عرضها على الجبال الشم‬
‫(‪ )7‬الشوامخ الصعاب الصلب ‪ ،‬قال ‪ :‬قيل لها ‪ :‬هل تحملين المانة وما فيها ؟ قالت ‪ :‬وما‬
‫فيها ؟ قال ‪ :‬قيل لها ‪ :‬إن أحسنت جزيت ‪ ،‬وإن أسأت عوقبت‪ .‬قالت ‪ :‬ل‪.‬‬
‫وقال مقاتل بن حيان ‪ :‬إن ال حين خلق خلقه ‪ ،‬جمع بين النس والجن ‪ ،‬والسموات والرض‬
‫والجبال ‪ ،‬فبدأ بالسموات فعرض عليهن المانة وهي الطاعة ‪ ،‬فقال لهن ‪ :‬أتحملن هذه المانة ‪،‬‬
‫ولكن على الفضل والكرامة والثواب في الجنة‪ ...‬؟ فقلن ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إنا ل نستطيع هذا المر ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وليست بنا قوة ‪ ،‬ولكنا لك مطيعين‪ .‬ثم عرض المانة على الرضين ‪ ،‬فقال لهن ‪ :‬أتحملن هذه‬
‫المانة وتقبلنها مني ‪ ،‬وأعطيكن الفضل والكرامة (‪ )8‬؟ فقلن ‪ :‬ل صبر لنا على هذا يا رب ول‬
‫نطيق ‪ ،‬ولكنا لك سامعين مطيعين ‪ ،‬ل نعصيك في شيء تأمرنا به‪ .‬ثم قرب آدم فقال له ‪ :‬أتحمل‬
‫هذه المانة وترعاها حق رعايتها ؟ فقال عند ذلك آدم ‪ :‬ما لي عندك ؟ قال ‪ :‬يا آدم ‪ ،‬إن أحسنت‬
‫وأطعت ورعيت المانة ‪ ،‬فلك عندي الكرامة والفضل وحسن الثواب في الجنة‪ .‬وإن عصيت ولم‬
‫ترْعَها حق رعايتها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وهي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أبا عمر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬الصم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬والكرامة في الدنيا"‪.‬‬

‫( ‪)6/489‬‬

‫وأسأت ‪ ،‬فإني معذبك ومعاقبك وأنزلك النار‪ .‬قال ‪ :‬رضيت [يا] (‪ )1‬رب‪ .‬وتَحمّلها (‪ ، )2‬فقال‬
‫حمََلهَا النْسَانُ }‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫حمّلْ ُت َكهَا‪ .‬فذلك قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫ال عز وجل ‪ :‬قد َ‬
‫وعن (‪ )3‬مجاهد أنه قال ‪ :‬عرضها على السموات فقالت ‪ :‬يا رب ‪ ،‬حملتني الكواكب وسكان‬
‫السماء وما ذكر ‪ ،‬وما أريد ثوابا ول أحمل فريضة‪ .‬قال ‪ :‬وعرضها على الرض فقالت ‪ :‬يا رب‬
‫‪ ،‬غرست فيّ الشجار ‪ ،‬وأجريت فيّ النهار وسكان الرض وما ذكر ‪ ،‬وما أريد ثوابا ول أحمل‬
‫جهُول } في‬
‫حمََلهَا النْسَانُ إِنّهُ كَانَ ظَلُومًا َ‬
‫فريضة‪ .‬وقالت الجبال مثل ذلك ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬وَ َ‬
‫عاقبة أمره‪ .‬وهكذا قال ابن جُرَيْج‪.‬‬
‫ضجَجْنَ إلى ال ثلثة أيام ولياليهن‬
‫وعن ابن أشوع أنه قال ‪ :‬لما عرض ال عليهن حمل المانة ‪َ ،‬‬
‫‪ ،‬وقلن ‪ :‬ربنا‪ .‬ل طاقة لنا بالعمل ‪ ،‬ول نريد الثواب‪.‬‬
‫ثم قال (‪ )4‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء الموصلي ‪ ،‬حدثنا‬
‫س َموَاتِ‬
‫أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن سعد ‪ ،‬عن زيد بن أسلم في هذه الية ‪ { :‬إِنّا عَ َرضْنَا المَانَةَ عَلَى ال ّ‬
‫ض وَالْجِبَالِ } [الية] (‪ ، )5‬فقال النسان ‪ :‬بين أذني وعاتقي فقال ال تعالى (‪ : )6‬إني‬
‫وَالرْ ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مُعينك عليها ‪ ،‬أي ‪ :‬معينك على عينيك بطبقتين ‪ ،‬فإذا نازعاك إلى ما أكره فأطبق‪ .‬ومعينك على‬
‫لسانك بطبقتين ‪ ،‬فإذا نازعك إلى ما أكره فأطبق‪ .‬ومعينك على فرجك بلباس ‪ ،‬فل تكشفه إلى ما‬
‫أكره‪.‬‬
‫ثم روي عن أبي حازم نحو هذا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا ابن وهب قال ‪ :‬قال ابن زيد في قول ال ‪ ،‬عز وجل ‪:‬‬
‫ش َفقْنَ مِ ْنهَا } قال ‪ :‬إن‬
‫حمِلْ َنهَا وَأَ ْ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ وَا ْلجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَ ْ‬
‫علَى ال ّ‬
‫{ إِنّا عَ َرضْنَا المَانَةَ َ‬
‫ال عرض عليهن المانة أن يفترض عليهن الدين ‪ ،‬ويجعل لهن ثوابا وعقابا ‪ ،‬ويستأمنهن على‬
‫الدين‪ .‬فقلن ‪ :‬ل نحن مسخرات لمرك ‪ ،‬ل نريد ثوابا ول عقابا‪ .‬قال (‪ : )7‬وعرضها ال على‬
‫آدم فقال ‪ :‬بين أذني وعاتقي‪ .‬قال ابن زيد ‪ :‬فقال ال تعالى له ‪ :‬أما إذْ تحملت هذا فسأعينك ‪،‬‬
‫أجعل لبصرك حجابا ‪ ،‬فإذا خشيت أن تنظر إلى ما ل يحل لك فأرخ عليه حجابه ‪ ،‬واجعل للسانك‬
‫بابا وغلقا ‪ ،‬فإذا خشيت فأغلق ‪ ،‬وأجعل لفرجك لباسا فل تكشفه إل على ما أحللت لك‪.‬‬
‫سكُوني ‪ ،‬حدثنا بقِيّة ‪ ،‬حدثنا عيسى بن إبراهيم ‪،‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني سعيد (‪ )8‬بن عمرو ال ّ‬
‫عن موسى بن أبي حبيب ‪ ،‬عن (‪ )9‬الحكم بن عمير ‪ -‬وكان من أصحاب النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن المانة والوفاء نزل على ابن آدم مع‬
‫النبياء ‪ ،‬فأرسلوا به ‪ ،‬فمنهم رسول ال ‪ ،‬ومنهم نبي ‪ ،‬ومنهم نبي رسول ‪ ،‬ونزل القرآن وهو‬
‫كلم ال ‪ ،‬ونزلت العربية والعجمية ‪ ،‬فعلموا أمر القرآن وعلموا أمر السنن بألسنتهم ‪ ،‬ولم يدع‬
‫ال شيئا من أمره مما يأتون وما يجتنبون وهي الحجج عليهم ‪ ،‬إل بينه لهم‪ .‬فليس أهل لسان إل‬
‫وهم يعرفون الحسن والقبيح ‪ ،‬ثم المانة أول شيء يرفع ويبقى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وتحملتها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ثم روى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬ف ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بإسناده إلى"‪.‬‬

‫( ‪)6/490‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أثرها في جذور (‪ )1‬قلوب الناس ‪ ،‬ثم يرفع الوفاء والعهد والذمم وتبقى الكتب (‪ ، )2‬فعالم يعمل ‪،‬‬
‫ي وإلى أمتي ‪ ،‬ول يهلك على ال إل هالك ‪،‬‬
‫وجاهل يعرفها وينكرها ول يحملها ‪ ،‬حتى وصل إل ّ‬
‫ول يغفله إل تارك‪ .‬فالحذر أيها الناس ‪ ،‬وإياكم والوسواس الخناس ‪ ،‬فإنما يبلوكم أيكم أحسن عمل‬
‫(‪.)3‬‬
‫هذا حديث غريب جدا ‪ ،‬وله شواهد من وجوه أخرى‪.‬‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن خلف العسقلني ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن عبد المجيد الحنفي ‪،‬‬
‫أخبرنا أبو العوام القطان ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪ ،‬وأبان بن أبي عياش (‪ ، )4‬عن خُليَد ال َعصَري (‪ ، )5‬عن‬
‫أبي الدرداء ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬خمس من جاء بهن‬
‫يوم القيامة مع إيمان دخل الجنة ‪ :‬من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن‬
‫وسجودهن ومواقيتهن ‪ ،‬وأعطى الزكاة من ماله طيب النفس بها ‪ -‬وكان يقول ‪ ،‬وايم ال ل يفعل‬
‫ذلك إل مؤمن ‪[ -‬وصام رمضان ‪ ،‬وحج البيت إن استطاع إلى ذلك سبيل] (‪ ، )6‬وأدى المانة"‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬يا أبا الدرداء ‪ ،‬وما أداء المانة ؟ قال ‪ :‬الغسل من الجنابة ‪ ،‬فإن ال لم يأمن ابن آدم على‬
‫شيء من دينه غيره‪.‬‬
‫وهكذا رواه أبو داود عن محمد بن عبد الرحمن العنبري ‪ ،‬عن أبي علي عبيد ال بن عبد المجيد‬
‫(‪ )7‬الحنفي ‪ ،‬عن أبي العوام عمران بن دَاور (‪ )8‬القطان ‪ ،‬به (‪.)9‬‬
‫وقال ابن جرير (‪ )10‬أيضا ‪ :‬حدثنا تميم بن المنتصر ‪ ،‬أخبرنا إسحاق ‪ ،‬عن شريك ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن عبد ال (‪ )11‬بن السائب ‪ ،‬عن زاذان ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬القتل في سبيل ال يكفر الذنوب كلها ‪ -‬أو قال ‪ :‬يكفر كل شيء ‪ -‬إل‬
‫المانة ‪ ،‬يؤتى بصاحب المانة فيقال له ‪ :‬أدّ أمانتك‪ .‬فيقول ‪ :‬أنى يا رب وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال‬
‫له ‪ :‬أدّ أمانتك‪ .‬فيقول ‪ :‬أنى يا رب ‪ ،‬وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال له ‪ :‬أدّ أمانتك‪ .‬فيقول ‪ :‬أنى يا رب‬
‫وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقول ‪ :‬اذهبوا به إلى أمه الهاوية‪ .‬فيذهب به إلى الهاوية ‪ ،‬فيهوي فيها حتى‬
‫ينتهي إلى قعرها ‪ ،‬فيجدها هنالك كهيئتها ‪ ،‬فيحملها فيضعها على عاتقه ‪ ،‬فيصعد بها إلى شفير‬
‫جهنم ‪ ،‬حتى إذا رأى أنه قد خرج زلّت فهوى في أثرها أبد البدين"‪ .‬وقال ‪ :‬والمانة في الصوم ‪،‬‬
‫والمانة في الوضوء ‪ ،‬والمانة في الحديث ‪ ،‬وأشد ذلك الودائع‪ .‬فلقيت البراء فقلت ‪ :‬أل تسمع‬
‫إلى ما يقول أخوك عبد ال ؟ فقال ‪ :‬صدق‪.‬‬
‫قال شريك ‪ :‬وحدثنا عياش (‪ )12‬العامري ‪ ،‬عن زاذان ‪ ،‬عن (‪ )13‬عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬صدور"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الكسب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪ )22/39‬وله شاهد من حديث حذيفة أخرجه البخاري في صحيحه برقم (‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ )6497‬وسيأتي‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أبي عباس"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ثم روى ابن جرير بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬وتفسير الطبري‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬عبد الحميد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬داود"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪ )22/39‬وسنن أبي داود برقم (‪.)429‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي جرير"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬عبيد ال"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬عباس"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬وعن"‪.‬‬

‫( ‪)6/491‬‬

‫ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم بنحوه‪ .‬ولم يذكر ‪" :‬المانة في الصلة وفي كل شيء" (‬
‫‪ .)1‬إسناده جيد ‪ ،‬ولم يخرجوه‪.‬‬
‫ومما يتعلق بالمانة الحديث الذي رواه المام أحمد (‪: )2‬‬
‫حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن زيد بن وهب ‪ ،‬عن حذيفة قال ‪ :‬حدثنا رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الخر ‪ ،‬حدثنا "أن المانة نزلت في جذر (‪)3‬‬
‫قلوب الرجال ‪ ،‬ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة"‪ .‬ثم حدثنا عن رفع المانة ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬ينام الرجل النومة فتقبض المانة من قلبه ‪ ،‬فيظل أثرها مثل أثر [الوكت ‪ ،‬فتقبض المانة‬
‫من قلبه ‪ ،‬فيظل أثرها مثل أثر] (‪ )4‬المجل كجمر دحرجته [على رجلك ‪ ،‬تراه مُنتبرا وليس فيه‬
‫شيء"‪ .‬قال ‪ :‬ثم أخذ حصى (‪ )5‬فدحرجه] (‪ )6‬على رجله ‪ ،‬قال ‪" :‬فيصبح الناس يتبايعون ل يكاد‬
‫أحد يؤدي المانة ‪ ،‬حتى يقال ‪ :‬إن في بني فلن رجل أمينا ‪ ،‬حتى يقال للرجل ‪ :‬ما أجلده‬
‫وأظرفه وأعقله‪ .‬وما في قلبه حبة من خردل من إيمان‪ .‬ولقد أتى عََليّ زمان وما أبالي أيكم بايعت‬
‫‪ ،‬إن كان مسلما ليردنه على دينه ‪ ،‬وإن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه عليّ ساعيه ‪ ،‬فأما اليوم‬
‫فما كنت أبايع منكم إل فلنا وفلنا"‪.‬‬
‫وأخرجاه في الصحيحين من حديث العمش ‪ ،‬به (‪.)7‬‬
‫وقال (‪ )8‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن الحارث بن يزيد (‪ )9‬الحضرمي ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن عمرو ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أربع إذا كُنّ فيك فل عليك ما‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عفّة طُعمة"‪.‬‬
‫حفْظ أمانة ‪ ،‬وصِدْق حديث ‪ ،‬وحُسْن خليقة ‪ ،‬و ِ‬
‫فاتك من الدنيا ‪ِ :‬‬
‫هكذا رواه المام أحمد في مسنده عن عبد ال بن عمرو بن العاص (‪.)10‬‬
‫وقد قال الطبراني في مسند عبد ال بن عمر بن الخطاب ‪ :‬حدثني يحيى بن أيوب العلف‬
‫المصري (‪ ، )11‬حدثنا سعيد بن أبي مريم ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن الحارث بن يزيد ‪ ،‬عن ابن‬
‫حجَيرة ‪ ،‬عن عبد ال بن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫ُ‬
‫"أربع إذا كن فيك فل عليك ما فاتك من الدنيا ‪ :‬حفظ أمانة ‪ ،‬وصدق حديث ‪ ،‬وحسن خليقة ‪،‬‬
‫حجَيرة" ‪ ،‬وجعله من (‪ )12‬مسند ابن عمر (‪.)13‬‬
‫وعفة طعمة"‪ .‬فزاد في السناد ‪" :‬ابن ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)22/40‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الذي في الصحيحين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬صدر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حصاة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬ف ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )5/283‬وصحيح البخاري برقم (‪ )6497‬وصحيح مسلم برقم (‪.)143‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬زيد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)2/177‬‬
‫(‪ )11‬في ف ‪ ،‬أ ‪" :‬المقري"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )13‬مجمع الزوائد (‪ )4/145‬وقال الهيثمي ‪" :‬رواه أحمد والطبراني في الكبير ‪ ،‬وفيه ابن لهيعة‬
‫وحديثه حسن ‪ ،‬وبقية رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬

‫( ‪)6/492‬‬

‫وقد ورد النهي عن الحلف بالمانة ‪ ،‬قال عبد ال بن المبارك في كتاب الزهد (‪ : )1‬حدثنا‬
‫سحَيم ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫شريك ‪ ،‬عن أبي إسحاق الشيباني ‪ ،‬عن خُنَاس بن سُحَيم ‪ -‬أو قال ‪ :‬جَبَلَة بن ُ‬
‫حدَيْر من الجابية فقلتُ في كلمي ‪ :‬ل والمانة‪ .‬فجعل زياد يبكي ويبكي ‪،‬‬
‫أقبلت مع زياد بن ُ‬
‫فظننت أني أتيتُ أمرا عظيما ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬أكان يكره هذا ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬كان عمر بن الخطاب‬
‫ينهى عن الحلف بالمانة أشد النهي (‪.)2‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقد ورد في ذلك حديث مرفوع ‪ ،‬قال (‪ )3‬أبو داود ‪ :‬حدثنا أحمد بن عبد ال بن يونس ‪ ،‬حدثنا‬
‫زهير ‪ ،‬حدثنا الوليد بن ثعلبة الطائي ‪ ،‬عن ابن بريدة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬من حلف بالمانة فليس منا" ‪ ،‬تفرد به أبو داود ‪ ،‬رحمه ال (‪.)4‬‬
‫ن وَا ْلمُشْ ِركَاتِ } أي ‪ :‬إنما حمل ابن آدم‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬لِ ُيعَ ّذبَ اللّهُ ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلمُنَا ِفقَاتِ وَا ْلمُشْ ِركِي َ‬
‫المانة وهي التكاليف ليعذب ال المنافقين منهم والمنافقات ‪ ،‬وهم الذين يظهرون اليمان خوفا من‬
‫أهله ويبطنون الكفر متابعة لهله ‪ { ،‬وَا ْلمُشْ ِركِينَ وَا ْلمُشْ ِركَاتِ } ‪ ،‬وهم الذين ظاهرهم وباطنهم‬
‫على الشرك بال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ومخالفة رسله ‪ { ،‬وَيَتُوبَ اللّهُ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ } أي ‪:‬‬
‫وليرحم (‪ )5‬المؤمنين من الخلق (‪ )6‬الذين آمنوا بال ‪ ،‬وملئكته وكتبه ورسله العاملين بطاعته‬
‫غفُورًا َرحِيمًا }‪[ .‬آخر تفسير سورة "الحزاب"] (‪)7‬‬
‫{ َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فروى ابن المبارك بإسناد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬الزهد برقم (‪.)213‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬رواه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أبي داود برقم (‪ )3253‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (‪" )1318‬موارد" من طريق‬
‫وكيع عن الوليد بن ثعلبة ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وليرحم ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬الحلف"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ف‪.‬‬

‫( ‪)6/493‬‬

‫حكِيمُ ا ْلخَبِيرُ (‪)1‬‬


‫حمْدُ فِي الْآَخِ َر ِة وَ ُهوَ ا ْل َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ وَلَهُ ا ْل َ‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫الْ َ‬
‫سمَا ِء َومَا َيعْرُجُ فِيهَا وَ ُهوَ الرّحِيمُ ا ْل َغفُورُ (‬
‫ض َومَا يَخْرُجُ مِ ْنهَا َومَا يَنْ ِزلُ مِنَ ال ّ‬
‫َيعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫‪)2‬‬

‫تفسير سُورة سَبأ‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حكِيمُ الْخَبِيرُ (‪)1‬‬
‫حمْدُ فِي الخِ َر ِة وَ ُهوَ الْ َ‬
‫ض وَلَهُ ا ْل َ‬
‫ت َومَا فِي ال ْر ِ‬
‫س َموَا ِ‬
‫حمْدُ ِللّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫{ ا ْل َ‬
‫سمَا ِء َومَا َيعْرُجُ فِيهَا وَ ُهوَ الرّحِيمُ ا ْل َغفُورُ‬
‫ض َومَا َيخْرُجُ مِ ْنهَا َومَا يَنزلُ مِنَ ال ّ‬
‫َيعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ال ْر ِ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪.} )2‬‬
‫يخبر تعالى عن نفسه الكريمة ‪ :‬أن له الحمدَ المطلق في الدنيا والخرة ؛ لنه المنعم المتفضل‬
‫على أهل الدنيا والخرة ‪ ،‬المالك لجميع ذلك ‪ ،‬الحاكم في جميع ذلك ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَ ُهوَ اللّهُ ل إِلَهَ‬
‫جعُونَ } [القصص ‪ ]70 :‬؛ ولهذا قال‬
‫حكْ ُم وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ‬
‫حمْدُ فِي الولَى وَالخِ َر ِة وَلَهُ ا ْل ُ‬
‫إِل ُهوَ لَهُ ا ْل َ‬
‫س َموَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬الجميع ملكه وعبيده وتحت‬
‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي َلهُ مَا فِي ال ّ‬
‫هاهنا ‪ { :‬ا ْل َ‬
‫قهره وتصرفه ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَإِنّ لَنَا لَلخِ َر َة وَالولَى } [الليل ‪.]13 :‬‬
‫حمْدُ فِي الخِ َرةِ } ‪ ،‬فهو المعبود (‪ )1‬أبدا ‪ ،‬المحمود على طول المدى‪ .‬وقال ‪:‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَلَهُ ا ْل َ‬
‫حكِيمُ } أي ‪ :‬في أقواله وأفعاله وشرعه وقَدَره ‪ { ،‬ا ْلخَبِيرُ } الذي ل تخفى عليه خافية ‪،‬‬
‫{ وَ ُهوَ ا ْل َ‬
‫ول يغيب عنه شيء‪.‬‬
‫وقال مالك عن الزهري ‪ :‬خبير بخلقه ‪ ،‬حكيم بأمره ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬يعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ال ْرضِ َومَا‬
‫يَخْرُجُ مِ ْنهَا } أي ‪ :‬يعلم عدد القطر النازل في أجزاء الرض ‪ ،‬والحب المبذور والكامن فيها ‪،‬‬
‫سمَاءِ } أي ‪ :‬من قطر ورزق‬
‫ويعلم ما يخرج من ذلك ‪ :‬عدده وكيفيته وصفاته ‪َ { ،‬ومَا يَنزلُ مِنَ ال ّ‬
‫‪َ { ،‬ومَا َيعْرُجُ فِيهَا } أي ‪ :‬من العمال الصالحة وغير ذلك ‪ { ،‬وَ ُهوَ الرّحِيمُ ا ْل َغفُورُ } أي ‪:‬‬
‫الرحيم بعباده فل يعاجل عُصاتهم بالعقوبة ‪ ،‬الغفور (‪ )2‬عن ذنوب [عباده] (‪ )3‬التائبين إليه‬
‫المتوكلين عليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬المحمود"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬العفو"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)6/494‬‬

‫َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لَا تَأْتِينَا السّاعَةُ ُقلْ بَلَى وَرَبّي لَتَأْتِيَ ّنكُمْ عَاِلمِ ا ْلغَ ْيبِ لَا َيعْ ُزبُ عَ ْنهُ مِ ْثقَالُ ذَ ّرةٍ فِي‬
‫صغَرُ مِنْ َذِلكَ وَلَا َأكْبَرُ إِلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (‪ )3‬لِيَجْ ِزيَ الّذِينَ َآمَنُوا‬
‫ض وَلَا َأ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫ال ّ‬
‫س َعوْا فِي آَيَاتِنَا ُمعَاجِزِينَ أُولَ ِئكَ َل ُهمْ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ أُولَ ِئكَ َل ُهمْ َم ْغفِرَ ٌة وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (‪ )4‬وَالّذِينَ َ‬
‫وَ َ‬
‫عَذَابٌ مِنْ ِرجْزٍ أَلِيمٌ (‪ )5‬وَيَرَى الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ الّذِي أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ُهوَ ا ْلحَقّ وَ َيهْدِي إِلَى‬
‫حمِيدِ (‪)6‬‬
‫صِرَاطِ ا ْلعَزِيزِ الْ َ‬

‫{ َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا ل تَأْتِينَا السّاعَةُ ُقلْ بَلَى وَرَبّي لَتَأْتِيَ ّنكُمْ عَاِلمِ ا ْلغَ ْيبِ ل َيعْ ُزبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَ ّرةٍ فِي‬
‫ك وَل َأكْبَرُ إِل فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (‪ )3‬لِ َيجْ ِزيَ الّذِينَ آمَنُوا‬
‫صغَرُ مِنْ ذَِل َ‬
‫س َموَاتِ وَل فِي ال ْرضِ وَل َأ ْ‬
‫ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫س َعوْا فِي آيَاتِنَا ُمعَاجِزِينَ أُولَ ِئكَ َل ُهمْ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ أُولَ ِئكَ َل ُهمْ َم ْغفِرَ ٌة وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (‪ )4‬وَالّذِينَ َ‬
‫وَ َ‬
‫عَذَابٌ مِنْ ِرجْزٍ أَلِيمٌ (‪ )5‬وَيَرَى الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ الّذِي أُنزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ُهوَ ا ْلحَقّ وَ َيهْدِي إِلَى‬
‫حمِيدِ (‪.} )6‬‬
‫صِرَاطِ ا ْلعَزِيزِ الْ َ‬
‫هذه إحدى اليات الثلث التي ل رابع لهن ‪ ،‬مما أمر ال رسولَه صلى ال عليه وسلم أن يقسم‬
‫بربه العظيم على وقوع المعاد َلمّا أنكره مَنْ أنكره من أهل الكفر والعناد ‪ ،‬فإحداهن في سورة‬
‫ق َومَا أَنْ ُتمْ ِب ُمعْجِزِينَ } [يونس ‪، ]53 :‬‬
‫يونس ‪ { :‬وَيَسْتَنْبِئُو َنكَ َأحَقّ ُهوَ ُقلْ إِي وَرَبّي إِنّهُ َلحَ ّ‬
‫عةُ ُقلْ بَلَى وَرَبّي لَتَأْتِيَ ّنكُمْ } ‪ ،‬والثالثة في التغابن ‪:‬‬
‫والثانية هذه ‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ كَفَرُوا ل تَأْتِينَا السّا َ‬
‫عمِلْتُ ْم وَذَِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ }‬
‫عمَ الّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُ ْبعَثُوا ُقلْ بَلَى وَرَبّي لَتُ ْبعَثُنّ ُثمّ لَتُنَ ّبؤُنّ ِبمَا َ‬
‫{ زَ َ‬
‫[التغابن ‪ ، ]7 :‬فقوله ‪ُ { :‬قلْ بَلَى وَرَبّي لَتَأْتِيَ ّنكُمْ } (‪ ، )1‬ثم وصفه بما يؤكد ذلك ويقرره ‪ { :‬عَالِمِ‬
‫ك وَل َأكْبَرُ إِل فِي‬
‫صغَرُ مِنْ ذَِل َ‬
‫ت وَل فِي ال ْرضِ وَل َأ ْ‬
‫س َموَا ِ‬
‫ا ْلغَ ْيبِ ل َيعْ ُزبُ عَنْهُ مِ ْثقَالُ ذَ ّرةٍ فِي ال ّ‬
‫كِتَابٍ مُبِينٍ }‪.‬‬
‫قال مجاهد وقتادة ‪ { :‬ل َيعْ ُزبُ عَنْهُ } ل يغيب عنه ‪ ،‬أي ‪ :‬الجميع مندرج تحت علمه فل يخفى‬
‫عليه منه شيء ‪ ،‬فالعظام وإن تلشت وتفرقت وتمزقت ‪ ،‬فهو عالم أين ذهبت وأين (‪ )2‬تفرقت ‪،‬‬
‫ثم يعيدها كما بدأها أول مرة ‪ ،‬فإنه بكل شيء عليم‪.‬‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ‬
‫ثم بين حكمته في إعادة البدان وقيام الساعة بقوله ‪ { :‬لِ َيجْ ِزيَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫س َعوْا فِي آيَاتِنَا ُمعَاجِزِينَ } أي ‪ :‬سعوا في الصد عن سبيل‬
‫أُولَ ِئكَ َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وَرِزْقٌ كَرِي ٌم وَالّذِينَ َ‬
‫عذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ } أي ‪ :‬لينعم السعداء من المؤمنين ‪ ،‬ويعذب‬
‫ال وتكذيب رسله ‪ { ،‬أُولَ ِئكَ َلهُمْ َ‬
‫صحَابُ الْجَنّةِ هُمُ‬
‫الشقياء من الكافرين ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬ل يَسْ َتوِي َأصْحَابُ النّا ِر وََأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َأ ْ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ كَا ْل ُمفْسِدِينَ فِي‬
‫ج َعلُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ا ْلفَائِزُونَ } [الحشر ‪ ، ]20 :‬وقال تعالى ‪ { :‬أَمْ َن ْ‬
‫ج َعلُ ا ْلمُ ّتقِينَ كَا ْلفُجّارِ } [ص ‪.]28 :‬‬
‫ال ْرضِ َأمْ نَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيَرَى (‪ )3‬الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ الّذِي أُنزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ُهوَ ا ْلحَقّ }‪ .‬هذه حكمة أخرى‬
‫معطوفة على التي قبلها ‪ ،‬وهي أن المؤمنين بما أنزل على الرسل إذا شاهدوا قيام الساعة‬
‫ومجازاة البرار والفجار بالذي كانوا قد علموه من كتب ال في الدنيا رأوه حينئذ عين اليقين ‪،‬‬
‫سلُ رَبّنَا بِا ْلحَقّ } [العراف ‪ ، ]43 :‬ويقال أيضًا ‪ { :‬هَذَا مَا‬
‫ويقولون يومئذ أيضًا ‪َ { :‬لقَدْ جَا َءتْ رُ ُ‬
‫سلُونَ } [يس ‪َ { ، ]52 :‬لقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّهِ إِلَى َيوْمِ الْ َب ْعثِ َفهَذَا َيوْمُ‬
‫حمَنُ َوصَدَقَ ا ْلمُرْ َ‬
‫وَعَدَ الرّ ْ‬
‫الْ َب ْعثِ } [الروم ‪ { ، ]56 :‬وَيَرَى الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ الّذِي أُنزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ُهوَ ا ْلحَقّ وَ َيهْدِي إِلَى‬
‫حمِيدِ }‪ .‬العزيز هو ‪ :‬المنيع الجناب (‪ ، )4‬الذي ل يُغالب ول ُيمَانع ‪ ،‬بل قد قهر‬
‫صِرَاطِ ا ْلعَزِيزِ الْ َ‬
‫كل شيء ‪ ،‬الحميد في جميع أقواله وأفعاله وشرعه ‪ ،‬وقدره ‪ ،‬وهو المحمود في ذلك كله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ليأتينكم"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في س ‪" :‬وترى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬الجبار"‪.‬‬

‫( ‪)6/495‬‬

‫جدِيدٍ (‪)7‬‬
‫جلٍ يُنَبّ ُئ ُكمْ إِذَا مُ ّزقْ ُتمْ ُكلّ ُممَزّقٍ إِ ّنكُمْ َلفِي خَ ْلقٍ َ‬
‫َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا َهلْ َندُّلكُمْ عَلَى رَ ُ‬

‫جلٍ يُنَبّ ُئكُمْ ِإذَا مُ ّزقْتُمْ ُكلّ ُممَزّقٍ إِ ّن ُكمْ َلفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (‪} )7‬‬
‫{ َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا َهلْ نَدُّل ُكمْ عَلَى رَ ُ‬

‫( ‪)6/496‬‬

‫ب وَالضّلَالِ الْ َبعِيدِ (‪َ )8‬أفََلمْ‬


‫َأفْتَرَى عَلَى اللّهِ َكذِبًا أَمْ ِبهِ جِنّةٌ َبلِ الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِالَْآخِ َرةِ فِي ا ْلعَذَا ِ‬
‫سقِطْ عَلَ ْيهِمْ‬
‫سفْ ِبهِمُ الْأَ ْرضَ َأوْ نُ ْ‬
‫سمَاءِ وَالْأَ ْرضِ إِنْ نَشَأْ َنخْ ِ‬
‫يَ َروْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ َومَا خَ ْل َفهُمْ مِنَ ال ّ‬
‫سمَاءِ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَةً ِل ُكلّ عَ ْبدٍ مُنِيبٍ (‪)9‬‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫كِ َ‬

‫ب وَالضّللِ الْ َبعِيدِ (‪َ )8‬أفَلَمْ‬


‫{ َأفْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا َأمْ بِهِ جِنّةٌ َبلِ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ فِي ا ْلعَذَا ِ‬
‫سقِطْ عَلَ ْيهِمْ‬
‫سفْ ِبهِمُ ال ْرضَ َأوْ نُ ْ‬
‫سمَاءِ وَال ْرضِ إِنْ نَشَأْ نَخْ ِ‬
‫يَ َروْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ َومَا خَ ْل َفهُمْ مِنَ ال ّ‬
‫ك ليَةً ِل ُكلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (‪.} )9‬‬
‫سمَاءِ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫كِ َ‬
‫هذا إخبار من ال عن استبعاد الكفرة الملحدين قيامَ الساعة واستهزائهم بالرسول صلى ال عليه‬
‫جلٍ يُنَبّ ُئ ُكمْ إِذَا مُ ّزقْتُمْ ُكلّ ُممَزّقٍ } أي‬
‫وسلم في إخباره بذلك ‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا َهلْ َندُّلكُمْ عَلَى َر ُ‬
‫‪ :‬تفرقت (‪ )1‬أجسادكم في الرض وذهبت فيها كل مذهب وتمزقت كل ممزق ‪ { :‬إِ ّن ُكمْ } أي ‪:‬‬
‫جدِيدٍ } أي ‪ :‬تعودون أحياء ترزقون بعد ذلك ‪ ،‬وهو في هذا الخبار ل‬
‫بعد هذا الحال { َلفِي خَ ْلقٍ َ‬
‫يخلو أمره من قسمين ‪ :‬إما أن يكون قد تعمد الفتراء على ال أنه قد أوحى إليه ذلك ‪ ،‬أو أنه لم‬
‫يتعمد لكن لُبّس عليه كما يُلَبّس على المعتوه والمجنون ؛ ولهذا قالوا ‪َ { :‬أفْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَمْ‬
‫ب وَالضّللِ‬
‫بِهِ جِنّةٌ } ؟ قال ال تعالى رادًا عليهم ‪َ { :‬بلِ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ فِي ا ْلعَذَا ِ‬
‫الْ َبعِيدِ } أي ‪ :‬ليس المر كما زعموا ول كما ذهبوا إليه ‪ ،‬بل محمد صلى ال عليه وسلم هو‬
‫الصادق البار الراشد الذي جاء بالحق ‪ ،‬وهم الكذبة الجهلة الغبياء ‪ { ،‬فِي ا ْل َعذَابِ } أي ‪[ :‬في] (‬
‫‪ )2‬الكفر المفضي بهم إلى عذاب ال ‪ { ،‬وَالضّللِ الْ َبعِيدِ } من (‪ )3‬الحق في الدنيا‪.‬‬
‫ثم قال منبهًا لهم على قدرته في خلق السموات والرض ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬أفََلمْ يَ َروْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِي ِهمْ‬
‫سمَا ِء وَالرْضِ } أي ‪ :‬حيثما (‪ )4‬توجهوا وذهبوا فالسماء مظلة مُظلّلة عليهم ‪،‬‬
‫َومَا خَ ْل َفهُمْ مِنَ ال ّ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سعُونَ‪ .‬وَال ْرضَ فَ َرشْنَاهَا فَ ِنعْمَ‬
‫سمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَ ْي ٍد وَإِنّا َلمُو ِ‬
‫والرض تحتهم ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَال ّ‬
‫ا ْلمَاهِدُونَ } [الذاريات ‪.]48 ، 47 :‬‬
‫قال (‪ )5‬عبد بن حميد ‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪َ { :‬أفََلمْ يَ َروْا إِلَى مَا بَيْنَ‬
‫سمَاءِ وَال ْرضِ } ؟ قال ‪ :‬إنك إن نظرت عن يمينك أو عن شمالك ‪ ،‬أو من‬
‫أَيْدِيهِمْ َومَا خَ ْل َفهُمْ مِنَ ال ّ‬
‫بين يديك أو من خلفك ‪ ،‬رأيت السماء والرض‪.‬‬
‫سمَاءِ } أي ‪ :‬لو شئنا لفعلنا بهم‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫سقِطْ عَلَ ْيهِمْ ِك َ‬
‫سفْ ِبهِمُ ال ْرضَ َأوْ ُن ْ‬
‫خِ‬‫وقوله ‪ { :‬إِنْ َنشَأْ نَ ْ‬
‫ذلك لظلمهم وقدرتنا عليهم ‪ ،‬ولكن نؤخر ذلك لحلمنا وعفونا‪.‬‬
‫ك ليَةً ِل ُكلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } قال َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪ { :‬مُنِيبٍ } ‪ :‬تائب‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫وقال سفيان (‪ )6‬عن قتادة ‪ :‬المنيب ‪ :‬المقبل إلى (‪ )7‬ال عز وجل‪.‬‬
‫أي ‪ :‬إن في النظر إلى خلق السماء والرض لدللة لكل عبد فَطِن لبيب َرجّاع إلى ال ‪ ،‬على‬
‫قدرة ال على بعث الجساد ووقوع المعاد ؛ لن مَنْ قدر على خلق هذه السموات في ارتفاعها (‬
‫‪ )8‬واتساعها ‪ ،‬وهذه الرضين في انخفاضها وأطوالها وأعراضها ‪ ،‬إنه لقادر على إعادة الجسام‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ‬
‫ونشر الرميم من العظام ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬أوَلَيْسَ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ َأكْبَرُ مِنْ خَ ْلقِ النّاسِ وََلكِنّ‬
‫يَخُْلقَ مِثَْلهُمْ (‪ )9‬بَلَى } [يس ‪ ، ]81 :‬وقال ‪َ { :‬لخَلْقُ ال ّ‬
‫َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ } [غافر ‪.]57 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فرقت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬حيث"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬شيبان"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬وارتفاعها"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬على أن يحيي الموتى" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬

‫( ‪)6/496‬‬

‫ع َملْ سَا ِبغَاتٍ َوقَدّرْ‬


‫حدِيدَ (‪ )10‬أَنِ ا ْ‬
‫وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنّا َفضْلًا يَا جِبَالُ َأوّبِي َمعَهُ وَالطّيْ َر وَأَلَنّا َلهُ الْ َ‬
‫عمَلُوا صَالِحًا إِنّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪)11‬‬
‫فِي السّرْ ِد وَا ْ‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ع َملْ سَا ِبغَاتٍ‬
‫حدِيدَ (‪ )10‬أَنِ ا ْ‬
‫{ وََلقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنّا َفضْل يَا جِبَالُ َأوّبِي َمعَ ُه وَالطّيْ َر وَأَلَنّا لَهُ الْ َ‬
‫عمَلُوا صَاِلحًا إِنّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪.} )11‬‬
‫َوقَدّرْ فِي السّرْدِ وَا ْ‬
‫يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬مما آتاه من‬
‫الفضل المبين ‪ ،‬وجمع له بين النبوة والملك المتمكن ‪ ،‬والجنود ذوي العَدَد والعُدَد ‪ ،‬وما أعطاه‬
‫ومنحه من الصوت العظيم ‪ ،‬الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات ‪ ،‬الصم‬
‫الشامخات ‪ ،‬وتقف له الطيور السارحات ‪ ،‬والغاديات والرائحات ‪ ،‬وتجاوبه بأنواع اللغات‪ .‬وفي‬
‫الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الشعري يقرأ من الليل ‪،‬‬
‫فوقف فاستمع لقراءته (‪ ، )1‬ثم قال " لقد أوتي هذا مِ ْزمَارًا من مزامير آل داود"‪.‬‬
‫وقال أبو عثمان النهدي ‪ :‬ما سمعت صوت صَنج ول بَرْبَط ول وَتَر أحسن من صوت أبي موسى‬
‫الشعري ‪ ،‬رضي ال عنه‪)2( .‬‬
‫ومعنى قوله ‪َ { :‬أوّبِي } أي ‪ :‬سبحي‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وزعم أبو (‪ )3‬ميسرة أنه بمعنى سَبّحي بلسان الحبشة‪ .‬وفي هذا نظر ‪ ،‬فإن التأويب في اللغة هو‬
‫الترجيع ‪ ،‬فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي في كتابه "الجُمل" في باب النداء منه ‪ { :‬يَا‬
‫جِبَالُ َأوّبِي َمعَهُ } أي ‪ :‬سيري معه بالنهار كله ‪ ،‬والتأويب ‪ :‬سير النهار كله ‪ ،‬والسآد (‪ : )4‬سير‬
‫الليل كله‪ .‬وهذا لفظه ‪ ،‬وهو غريب جدًا لم أجده (‪ )5‬لغيره ‪ ،‬وإن كان له مساعدة من حيث اللفظ‬
‫في اللغة ‪ ،‬لكنه بعيد في معنى الية هاهنا‪ .‬والصواب أن المعنى في قوله تعالى ‪َ { :‬أوّبِي َمعَهُ }‬
‫أي ‪ :‬رَجّعي معه مُسَبّحة معه ‪ ،‬كما تقدم ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫حدِيدَ } ‪ :‬قال الحسن البصري ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والعمش وغيرهم ‪ :‬كان ل يحتاج‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَلَنّا َلهُ الْ َ‬
‫ع َملْ‬
‫أن يُدخلَه نارًا ول يضربه بمطرقة ‪ ،‬بل كان يفتله بيده مثل الخيوط ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَنِ ا ْ‬
‫سَا ِبغَاتٍ } وهي ‪ :‬الدروع‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وهو أول من عملها من الخلق ‪ ،‬وإنما كانت قبل ذلك‬
‫صفائح‪.‬‬
‫ضمْرَة (‪ ، )6‬عن ابن‬
‫سمَاعة ‪ ،‬حدثنا ابن َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا ابن َ‬
‫شوْذَب قال ‪ :‬كان داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬يرفع في كل يوم درعًا فيبيعها بستة آلف درهم ‪ :‬ألفين‬
‫َ‬
‫حوّاري‪.‬‬
‫له ولهله ‪ ،‬وأربعة آلف درهم يطعم بها بني إسرائيل خبز ال ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فاستمع رسول ال لقراءته"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخريج الحديث والثر في فضائل القرآن‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬والباد"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬لم أر" ‪ ،‬وفي ت ‪" :‬لم أره"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬

‫( ‪)6/497‬‬

‫شهْ ٌر وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ا ْلقِطْ ِر َومِنَ الْجِنّ مَنْ َي ْع َملُ بَيْنَ يَدَ ْيهِ‬
‫حهَا َ‬
‫شهْ ٌر وَ َروَا ُ‬
‫غ ُدوّهَا َ‬
‫وَلِسُلَ ْيمَانَ الرّيحَ ُ‬
‫سعِيرِ (‪َ )12‬ي ْعمَلُونَ لَهُ مَا َيشَاءُ مِنْ َمحَارِيبَ‬
‫بِإِذْنِ رَبّ ِه َومَنْ يَ ِزغْ مِ ْنهُمْ عَنْ َأمْرِنَا نُ ِذقْهُ مِنْ عَذَابِ ال ّ‬
‫شكُورُ (‪)13‬‬
‫شكْرًا َوقَلِيلٌ مِنْ عِبَا ِديَ ال ّ‬
‫عمَلُوا َآلَ دَاوُودَ ُ‬
‫ب َوقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ا ْ‬
‫جوَا ِ‬
‫جفَانٍ كَالْ َ‬
‫ل وَ ِ‬
‫وَ َتمَاثِي َ‬

‫{ َوقَدّرْ فِي السّرْدِ } ‪ :‬هذا إرشاد من ال لنبيه داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في تعليمه صنعة الدروع‪.‬‬
‫قال مجاهد في قوله ‪َ { :‬وقَدّرْ فِي السّ ْردِ } ‪ :‬ل ُتدِقّ المسمار فَيقلَق في الحلقة ‪ ،‬ول ُتغَلّظه‬
‫فيفصمها ‪ ،‬واجعله بقدر‪.‬‬
‫وقال الحكم بن عُتيبة (‪ : )1‬ل ُتغَلظه فيفصم ‪ ،‬ول ُت ِدقّه فيقلَق (‪ .)2‬وهكذا روي عن قتادة ‪ ،‬وغير‬
‫واحد‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬السرد ‪ :‬حَلَق (‪ )3‬الحديد‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬يقال ‪ :‬درع‬
‫مسرودة ‪ :‬إذا كانت مسمورة الحلق ‪ ،‬واستشهد بقول الشاعر ‪)4( :‬‬
‫وَعَليهما مَسْرُودَتَان َقضَاهُما‪ ...‬دَاودُ أو صنعَ السّوابغ تُبّعُ‪...‬‬
‫وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة داود ‪ ،‬عليه والسلم ‪ )5( ،‬من طريق إسحاق بن بشر ‪-‬‬
‫وفيه كلم ‪ -‬عن أبي إلياس ‪ ،‬عن وهب بن مُنَبه ما مضمونه ‪ :‬أن داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كان‬
‫يخرج متنكرًا ‪ ،‬فيسأل الركبان عنه وعن سيرته ‪ ،‬فل يسأل أحدًا إل أثنى عليه خيرًا في عبادته‬
‫وسيرته ومعدلته ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه‪ .‬قال وهب ‪ :‬حتى بعث ال مََلكًا في صورة رجل ‪،‬‬
‫فلقيه داود فسأله كما كان يسأل غيره ‪ ،‬فقال ‪ :‬هو خير الناس لنفسه ولمته ‪ ،‬إل أن فيه خصلة لو‬
‫لم تكن فيه كان كامل قال ‪ :‬ما هي ؟ قال ‪ :‬يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين ‪ ،‬يعني ‪ :‬بيت‬
‫المال ‪ ،‬فعند ذلك نصب داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إلى ربه في الدعاء أن يعلمه عمل بيده يستغني به‬
‫ويغني به عياله ‪ ،‬فألن له الحديد ‪ ،‬وعلمه صنعة الدروع ‪ ،‬فعمل الدرع (‪ ، )6‬وهو أول مَنْ‬
‫ت َوقَدّرْ فِي السّرْدِ } يعني ‪ :‬مسامير الحلق ‪ ،‬قال ‪ :‬وكان‬
‫ع َملْ سَا ِبغَا ٍ‬
‫عملها ‪ ،‬فقال ال ‪ { :‬أَنِ ا ْ‬
‫يعمل الدرع (‪ ، )7‬فإذا ارتفع من عمله درع باعها ‪ ،‬فتصدق بثلثها ‪ ،‬واشترى بثلثها ما يكفيه‬
‫وعياله ‪ ،‬وأمسك الثلث يتصدق به يوما بيوم إلى أن يعمل غيرها‪ .‬وقال ‪ :‬إن ال أعطى داود شيئًا‬
‫لم يعطه غيره من حسن الصوت ‪ ،‬إنه كان إذا قرأ الزبور تسمع الوحش (‪ )8‬حتى يؤخذ بأعناقها‬
‫وما تنفر ‪ ،‬وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إل على أصناف صوته‪ .‬وكان‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شديد الجتهاد ‪ ،‬وكان إذا افتتح الزبور بالقراءة كأنما ينفخ في المزامير ‪ ،‬وكأن (‪ )9‬قد أعطي‬
‫سبعين مزمارًا في حلقه‪.‬‬
‫عمَلُوا صَالِحًا } أي ‪ :‬في الذي أعطاكم ال من النعم ‪ { ،‬إِنّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ } أي‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْ‬
‫‪ :‬مراقب لكم ‪ ،‬بصير بأعمالكم وأقوالكم ‪ ،‬ل يخفى علي من ذلك شيء‪.‬‬
‫شهْ ٌر وَأَسَلْنَا َلهُ عَيْنَ ا ْلقِطْ ِر َومِنَ ا ْلجِنّ مَنْ َي ْع َملُ بَيْنَ َيدَيْهِ‬
‫حهَا َ‬
‫شهْرٌ وَرَوَا ُ‬
‫{ وَلِسُلَ ْيمَانَ الرّيحَ غُ ُدوّهَا َ‬
‫سعِيرِ (‪َ )12‬ي ْعمَلُونَ لَهُ مَا َيشَاءُ مِنْ َمحَارِيبَ‬
‫بِإِذْنِ رَبّ ِه َومَنْ يَ ِزغْ مِ ْنهُمْ عَنْ َأمْرِنَا نُ ِذقْهُ مِنْ عَذَابِ ال ّ‬
‫شكُورُ (‪} )13‬‬
‫شكْرًا َوقَلِيلٌ مِنْ عِبَا ِديَ ال ّ‬
‫عمَلُوا آلَ دَاوُدَ ُ‬
‫ب َوقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ا ْ‬
‫جوَا ِ‬
‫جفَانٍ كَالْ َ‬
‫ل وَ ِ‬
‫وَ َتمَاثِي َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬عيينة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيفلق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬هو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬هو أبو ذؤيب الهذلي ‪ ،‬والبيت في اللسان مادة (قضى)‪.‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ دمشق (‪ 5/708‬المخطوط)‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الدروع"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الدروع"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬تجتمع الوحوش إليه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬وكان"‪.‬‬

‫( ‪)6/498‬‬

‫لما ذكر تعالى ما أنعم به على داود ‪ ،‬عطف بذكر ما أعطى ابنه سليمان (‪ ، )1‬من تسخير الريح‬
‫له تحمل بساطه ‪ ،‬غدوها شهر ورواحها شهر‪.‬‬
‫قال الحسن البصري ‪ :‬كان يغدو على بساطه من دمشق فينزل بإصطخر يتغذّى (‪ )2‬بها ‪ ،‬ويذهب‬
‫رائحا من إصطخر فيبيت بكابل ‪ ،‬وبين دمشق وإصطخر شهر كامل للمسرع ‪ ،‬وبين إصطخر‬
‫وكابل شهر كامل للمسرع‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَسَلْنَا لَهُ (‪ )3‬عَيْنَ ا ْلقِطْرِ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬ومالك عن زيد بن أسلم ‪ ،‬و (‪ )4‬عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغير واحد ‪:‬‬
‫القطر ‪ :‬النحاس‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وكانت باليمن ‪ ،‬فكل ما يصنع الناس مما أخرج ال تعالى لسليمان ‪،‬‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫قال السدي ‪ :‬وإنما أسيلت له ثلثة أيام‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِنَ ا ْلجِنّ مَنْ َي ْع َملُ بَيْنَ َيدَيْهِ بِِإذْنِ رَبّهِ } أي ‪ :‬وسخرنا له الجن يعملون بين يديه بإذن‬
‫ال ‪ ،‬أي ‪ :‬بقدره (‪ ، )5‬وتسخيره لهم بمشيئته ما يشاء من البنايات وغير ذلك‪َ { .‬ومَنْ يَ ِزغْ مِ ْنهُمْ‬
‫سعِيرِ } وهو الحريق‪.‬‬
‫عَنْ َأمْرِنَا } أي ‪ :‬ومَنْ يعدل ويخرج منهم عن الطاعة { نُ ِذ ْقهُ مِنْ عَذَابِ ال ّ‬
‫وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثا غريبا فقال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو صالح ‪ ،‬حدثنا معاوية بن‬
‫صالح ‪ ،‬عن أبي الزاهرية ‪ ،‬عن جبير بن ُنفَير (‪ ، )6‬عن أبي ثعلبة الخُشَنيّ ؛ أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬الجن على ثلثة أصناف ‪ :‬صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء ‪،‬‬
‫وصنف حيات وكلب ‪ ،‬وصنف يحلون ويظعنون"‪ .‬رفعه غريب جدًا‪)7( .‬‬
‫وقال (‪ )8‬أيضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا حَ ْرمَلة ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني بكر (‪ )9‬بن ُمضَر ‪ ،‬عن‬
‫محمد ‪ ،‬عن ابن أنعم أنه قال ‪ :‬الجن ثلثة ‪ :‬صنف لهم الثواب وعليهم العقاب ‪ ،‬وصنف طيارون‬
‫فيما بين السماء والرض ‪ ،‬وصنف حيات وكلب‪.‬‬
‫قال بكر بن مضر ‪ :‬ول أعلم إل أنه قال ‪ :‬حدثني أن النس ثلثة (‪ : )10‬صنف يظلهم ال بظل‬
‫صوَر الناس على قلوب‬
‫عرشه يوم القيامة‪ .‬وصنف كالنعام بل هم أضل سبيل‪ .‬وصنف في ُ‬
‫الشياطين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ما أعطى ابنه سليمان بن داود" وفي س ‪" :‬ما أعطى ابنه سليمان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فيتغذى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬واسالنا"‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أي الذن القدرى" وفي س ‪" :‬أى القدرى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وقد روى ابن حاتم هاهنا حديثًا غريبًا بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/456‬وصححه ‪ ،‬ووافقه الذهبي ‪ ،‬والطبراني في الكبير (‬
‫‪ )22/214‬من طريق عبد ال بن صالح عن معاوية بن صالح به ‪ ،‬ورواه ابن حبان في صحيحه‬
‫برقم (‪ )2007‬من طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬بكير"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬ثلثة أصناف"‪.‬‬

‫( ‪)6/499‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال أيضا (‪ : )1‬حدثنا أبي ‪ :‬حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق حدثنا سلمة ‪ -‬يعني ابن الفضل ‪-‬‬
‫عن إسماعيل ‪ ،‬عن الحسن (‪ )2‬قال ‪ :‬الجن ولد إبليس ‪ ،‬والنس ولد آدم ‪ ،‬ومن هؤلء مؤمنون‬
‫ومن هؤلء مؤمنون ‪ ،‬وهم شركاؤهم في الثواب والعقاب ‪ ،‬ومَنْ كان من هؤلء وهؤلء مؤمنا‬
‫فهو ولي ال ‪ ،‬ومَنْ كان من هؤلء وهؤلء كافرا فهو شيطان‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ي ْعمَلُونَ لَهُ مَا َيشَاءُ مِنْ َمحَارِيبَ وَ َتمَاثِيلَ } ‪ :‬أما المحاريب فهي البناء الحسن ‪ ،‬وهو‬
‫أشرف شيء في المسكن وصدره‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬المحاريب بنيان دون القصور‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬هي المساجد‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬هي‬
‫المساجد والقصور ‪ ،‬وقال ابن زيد ‪ :‬هي المساكن‪ .‬وأما التماثيل فقال عطية العوفي ‪ ،‬والضحاك‬
‫والسدي ‪ :‬التماثيل ‪ :‬الصور‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬وكانت من نحاس‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬من طين وزجاج‪.‬‬
‫ب َوقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ } الجواب ‪ :‬جمع جابية ‪ ،‬وهي الحوض الذي يجبى‬
‫جوَا ِ‬
‫جفَانٍ كَالْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ِ‬
‫فيه الماء ‪ ،‬كما قال العشى ميمون بن قيس ‪:‬‬
‫جفْنَةٌ‪ ...‬كَجَابِيَة الشّيخ العِراقي َت ْفهَق (‪)4( )3‬‬
‫تَرُوحُ عَلَى آل المَحَلّق َ‬
‫جوَابِ } أي ‪ :‬كالجوبة من الرض‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬كَالْ َ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عنه ‪ :‬كالحياض‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك وغيرهم‪.‬‬
‫والقدور الراسيات ‪ :‬أي الثابتات ‪ ،‬في أماكنها (‪ )5‬ل تتحول ول تتحرك عن أماكنها لعظمها‪ .‬كذا‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬أثافيها منها‪.‬‬
‫شكْرًا } أي ‪ :‬وقلنا لهم اعملوا شكرًا على ما أنعم به عليكم في الدنيا‬
‫عمَلُوا آلَ دَاوُدَ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬ا ْ‬
‫والدين‪.‬‬
‫وشكرًا ‪ :‬مصدر من غير الفعل ‪ ،‬أو أنه مفعول له ‪ ،‬وعلى التقديرين فيه دللة على أن الشكر‬
‫يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫أفَادَ ْتكُمُ ال ّن ْعمَاء منّي (‪ )6‬ثَلثةً ‪ ... :‬يدِي ‪ ،‬ولَسَاني ‪ ،‬وَالضّمير ال ُمحَجّبَا‪...‬‬
‫قال أبو عبد الرحمن الحُبلي (‪ : )7‬الصلة شكر ‪ ،‬والصيام شكر ‪ ،‬وكل خير تعمله ل شكر‪.‬‬
‫وأفضل الشكر الحمد‪ .‬رواه ابن جرير‪.‬‬
‫وروى هو وابن أبي حاتم ‪ ،‬عن محمد بن كعب القُرَظي قال ‪ :‬الشكر تقوى ال والعمل الصالح‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم أيضا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الحسين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بقهق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬البيت في تفسير الطبرى (‪.)22/49‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬أماكنهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬عندى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬السلمى" والتصويت من الطبري ‪ ، 22/50‬مستفادا من طبعة‬
‫الشعب‪.‬‬

‫( ‪)6/500‬‬

‫فََلمّا َقضَيْنَا عَلَيْهِ ا ْل َم ْوتَ مَا دَّلهُمْ عَلَى َموْتِهِ ِإلّا دَابّةُ الْأَ ْرضِ تَ ْأ ُكلُ مِ ْنسَأَتَهُ فََلمّا خَرّ تَبَيّ َنتِ الْجِنّ أَنْ َلوْ‬
‫كَانُوا َيعَْلمُونَ ا ْلغَ ْيبَ مَا لَبِثُوا فِي ا ْلعَذَابِ ا ْل ُمهِينِ (‪)14‬‬

‫وهذا يقال لمن هو متلبس بالفعل ‪ ،‬وقد كان آل داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كذلك قائمين بشكر ال قول‬
‫وعمل‪.‬‬
‫قال (‪ )1‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن أبي بكر ‪ ،‬حدثنا جعفر ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن‬
‫سليمان ‪ -‬عن ثابت البُنَاني قال ‪ :‬كان داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قد جزأ على أهله وولده ونسائه‬
‫الصلة ‪ ،‬فكان ل تأتي عليهم (‪ )2‬ساعة من الليل والنهار إل وإنسان من آل داود قائم يصلي ‪،‬‬
‫شكُورُ }‪.‬‬
‫شكْرًا َوقَلِيلٌ مِنْ عِبَا ِديَ ال ّ‬
‫عمَلُوا آلَ دَاوُدَ ُ‬
‫فغمرتهم هذه الية ‪ { :‬ا ْ‬
‫وفي الصحيحين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن أحب الصلة إلى ال صلةُ‬
‫داودَ ‪ ،‬كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ‪ ،‬وأحب الصيام إلى ال صيام داود ‪ ،‬كان‬
‫يصوم يوما ويفطر يوما‪ .‬ول يَفر إذا لقى"‪)3( .‬‬
‫وقد روى أبو عبد ال بن ماجه من حديث سُنيْد بن داود ‪ ،‬حدثنا يوسف بن محمد بن المُ ْنكَدِر ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قالت أمّ سليمان بن داود‬
‫لسليمان ‪ :‬يا بني ‪ ،‬ل تكثر النوم بالليل ‪ ،‬فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيرًا يوم القيامة"‪( .‬‬
‫‪)4‬‬
‫وروى ابن أبي حاتم عن داود ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬هاهنا أثرا غريبا مطول جدا ‪ ،‬وقال أيضًا ‪:‬‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمران بن موسى ‪ ،‬حدثنا أبو يزيد (‪ )5‬فيض بن إسحاق الرقي (‪ )6‬قال ‪ :‬قال‬
‫شكْرًا }‪ .‬فقال داود ‪ :‬يا رب ‪ ،‬كيف أشكرك ‪ ،‬والشكر‬
‫عمَلُوا آلَ دَاوُدَ ُ‬
‫فضيل في قوله تعالى ‪ { :‬ا ْ‬
‫نعمة منك ؟ قال ‪" :‬الن شكرتني حين علمت (‪ )7‬أن النعمة (‪ )8‬مني"‪.‬‬
‫شكُورُ } إخبار عن الواقع‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقَلِيلٌ مِنْ عِبَا ِديَ ال ّ‬
‫{ فََلمّا َقضَيْنَا عَلَ ْيهِ ا ْل َم ْوتَ مَا دَّلهُمْ عَلَى َموْتِهِ إِل دَابّةُ ال ْرضِ تَ ْأ ُكلُ مِنْسَأَ َتهُ فََلمّا خَرّ تَبَيّ َنتِ ا ْلجِنّ أَنْ‬
‫َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ ا ْلغَ ْيبَ مَا لَبِثُوا فِي ا ْلعَذَابِ ا ْل ُمهِينِ (‪.} )14‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمّى ال موته على الجانّ المسخرين له‬
‫يذكر تعالى كيفية موت سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وكيف َ‬
‫في العمال الشاقة ‪ ،‬فإنه مكث متوكئًا على عصاه ‪ -‬وهي مِنْسَأته ‪ -‬كما قال ابن عباس ‪،‬‬
‫ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة وغير واحد ‪ -‬مدة طويلة نحوا من سنة ‪ ،‬فلما أكلتها (‪ )9‬داب ُة الرض‬
‫‪ ،‬وهي الرضة ‪ ،‬ضعفت (‪ )10‬وسقط (‪ )11‬إلى الرض ‪ ،‬وعلم أنه قد مات قبل ذلك بمدة طويلة‬
‫‪ -‬تبينت الجن والنس أيضًا أن الجن ل يعلمون الغيب ‪ ،‬كما كانوا يتوهمون ويوهمون الناس‬
‫ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ل يأتي عليهن" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬ل يأتي عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )1131‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1159‬‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )1332‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )1/433‬هذا إسناد ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪" :‬زيد" والمثبت من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪ ،‬والجرح والتعديل ‪ 3/2/88‬مستفادا من طبعة‬
‫الشعب‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬المرى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬قلت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬النعم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬فلما أكلت العصا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬فضعفت"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬وسقطت"‪.‬‬

‫( ‪)6/501‬‬

‫قد ورد في ذلك حديث مرفوع غريب ‪ ،‬وفي صحته نظر ‪ ،‬قال ابن جرير ‪:‬‬
‫ط ْهمَان ‪ ،‬عن‬
‫حدثنا أحمد بن منصور ‪ ،‬حدثنا موسى بن مسعود أبو حذيفة ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن َ‬
‫عطاء ‪ ،‬عن السائب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير (‪ )1‬عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‬
‫‪" :‬كان سليمان نبي ال ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها ‪ :‬ما‬
‫ستْ ‪ ،‬وإن كانت لدواء‬
‫اسمك ؟ فتقول ‪ :‬كذا‪ .‬فيقول ‪ :‬لي شيء أنت ؟ فإن كانت لغرس غُ ِر َ‬
‫كُتِ َبتْ‪ .‬فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه ‪ ،‬فقال لها ‪ :‬ما اسمك ؟ قالت ‪:‬‬
‫عمّ على الجن‬
‫الخروب‪ .‬قال ‪ :‬لي شيء أنت ؟ قالت ‪ :‬لخراب هذا البيت‪ .‬فقال سليمان ‪ :‬اللهم ‪َ ،‬‬
‫موتتي (‪ )2‬حتى يعلم النس أن الجن ل يعلمون الغيب‪ .‬فنحتها عصًا ‪ ،‬فتوكأ عليها حول ميتا ‪،‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والجن تعمل‪ .‬فأكلتها الرضة ‪ ،‬فتبينت النس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا [حول] (‬
‫‪ )3‬في العذاب المهين"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكان ابن عباس يقرؤها كذلك قال ‪" :‬فشكرت الجن الرضة (‪ ، )4‬فكانت تأتيها بالماء" (‬
‫‪.)5‬‬
‫طهْمان ‪ ،‬به‪ .‬وفي رفعه غرابة ونكارة ‪،‬‬
‫وهكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث إبراهيم بن َ‬
‫والقرب أن يكون موقوفًا ‪ ،‬وعطاء بن أبي مسلم الخراساني له غرابات ‪ ،‬وفي بعض حديثه‬
‫نكارة‪.‬‬
‫وقال السّدّي ‪ ،‬في حديث ذكره عن أبي مالك عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬وعن مُرة‬
‫الهمداني ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬وعن ناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬كان‬
‫سليمان يتحرر في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين ‪ ،‬وأقل من ذلك وأكثر ‪ ،‬يدخل‬
‫طعامه وشرابه ‪ ،‬فأدخله في المرة التي توفي فيها ‪ ،‬وكان بدء ذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه إل‬
‫نبتت في بيت المقدس شجرة ‪ ،‬فيأتيها فيسألها ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ما اسمك ؟ فتقول ‪ :‬اسمي كذا وكذا‪ .‬فإن‬
‫كانت لغرس غرسها ‪ ،‬وإن كانت ن ْبتَ دواء قالت ‪ :‬نَ َبتّ دواء لكذا وكذا‪ .‬فيجعلها (‪ )6‬كذلك ‪،‬‬
‫حتى نبتت شجرة يقال لها ‪ :‬الخرّوبة ‪ ،‬فسألها ‪ :‬ما اسمك ؟ فقالت ‪ :‬أنا الخروبة‪ .‬قال ‪ :‬ولي‬
‫شيء نَ َبتّ ؟ قالت ‪ :‬نبت لخراب هذا المسجد‪ .‬قال سليمان ‪ :‬ما كان ال ليُخَرّبه وأنا حي ؟ أنت‬
‫التي على وجهك هلكي وخراب بيت المقدس‪ .‬فنزعها وغرسها في حائط له ‪ ،‬ثم دخل المحراب‬
‫فقام يصلي متكئا على عصاه ‪ ،‬فمات ولم تعلم (‪ )7‬به الشياطين ‪ ،‬وهم في ذلك يعملون له ‪،‬‬
‫يخافون أن يخرج فيعاقبهم‪ .‬وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب ‪ ،‬وكان المحراب له كُوى بين‬
‫يديه وخلفه ‪ ،‬فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول ‪ :‬ألست جلدا (‪ )8‬إن دخلت فخرجت من‬
‫ذلك الجانب ؟ فيدخل حتى يخرج من الجانب الخر ‪ ،‬فدخل شيطان من أولئك فمر ‪ ،‬ولم يكن‬
‫شيطان ينظر إلى سليمان في المحراب إل احترق‪ .‬فمر ولم يسمع صوت سليمان ‪ ،‬ثم رجع فلم‬
‫يسمع ‪ ،‬ثم رجع فوقع في البيت ولم يحترق‪ .‬ونظر إلى سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قد سقط ميتا‪.‬‬
‫فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات‪ .‬ففتحوا (‪ )9‬عنه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬رواه ابن جرير بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬موتى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬للرضة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)22/51‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬فيجعل الشجرة"‪.‬‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ولم يعلم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬جليدا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في هـ ‪ ،‬س ‪ : :‬فتنحوا"‪.‬‬

‫( ‪)6/502‬‬

‫فأخرجوه‪َ .‬ووَجدوا منسأته ‪ -‬وهي ‪ :‬العصا بلسان الحبشة ‪ -‬قد أكلتها الرضة ‪ ،‬ولم يعلموا منذ‬
‫كم مات ؟ فوضعوا الرضة على العصا ‪ ،‬فأكلت منها يوما وليلة ‪ ،‬ثم حسبوا على ذلك النحو ‪،‬‬
‫فوجدوه قد مات منذ سنة‪ .‬وهي في قراءة ابن مسعود ‪ :‬فمكثوا يدأبون له من بعد موته حول (‬
‫‪ ، )1‬فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبونهم ولو أنهم علموا الغيب ‪ ،‬لعلموا بموت سليمان‬
‫ولم يلبثوا في العذاب يعملون له سنة ‪ ،‬وذلك قول ال (‪ )2‬عز وجل ‪ { :‬مَا دَّلهُمْ عَلَى َموْتِهِ إِل‬
‫دَابّةُ ال ْرضِ تَ ْأ ُكلُ مِنْسَأَتَهُ فََلمّا خَرّ تَبَيّ َنتِ ا ْلجِنّ أَنْ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ ا ْلغَ ْيبَ مَا لَبِثُوا فِي ا ْلعَذَابِ‬
‫ا ْل ُمهِينِ }‪ .‬يقول ‪ :‬تبين أمرهم للناس أنهم كانوا يكذبونهم ‪ ،‬ثم إن الشياطين قالوا للرضة ‪ :‬لو‬
‫كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام ‪ ،‬ولو كنت تشربين الشراب سقيناك أطيب الشراب ‪،‬‬
‫ولكنا سننقل إليك الماء والطين ‪ -‬قال ‪ :‬فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت ‪ -‬قال ‪ :‬ألم تر إلى‬
‫الطين الذي يكون في جوف الخشب ؟ فهو ما تأتيها به الشياطين ‪ ،‬شكرًا (‪ )3‬لها‪)4( .‬‬
‫وهذا الثر ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬إنما هو مما تُُلقّي من علماء أهل الكتاب ‪ ،‬وهي َو ْقفٌ ‪ ،‬ل يصدق منها‬
‫(‪ )5‬إل ما وافق الحق ‪ ،‬ول يُكذب منها إل ما خالف الحق ‪ ،‬والباقي ل يصدق ول يكذب (‪.)6‬‬
‫وقال ابن وهب وأصبغ بن الفرج ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله ‪ { :‬مَا َدّلهُمْ عَلَى‬
‫َموْتِهِ إِل دَابّةُ الرْضِ تَ ْأ ُكلُ مِنْسَأَتَهُ } قال ‪ :‬قال سليمان عليه السلم لملك الموت ‪ :‬إذا ُأمِ ْرتَ بي‬
‫فأعلمني‪ .‬فأتاه فقال ‪ :‬يا سليمان ‪ ،‬قد أمرت بك ‪ ،‬قد بقيت لك سويعة‪ .‬فدعا الشياطين فبنوا عليه‬
‫صرحا من قوارير ‪ ،‬وليس له باب ‪ ،‬فقام يصلي فاتكأ على عصاه ‪ ،‬قال ‪ :‬فدخل عليه ملك الموت‬
‫‪ ،‬فقبض روحه وهو متكئ على عصاه ‪ ،‬ولم يصنع ذلك فرارًا من ملك الموت‪ .‬قال ‪ :‬والجن‬
‫يعملون (‪ )7‬بين يديه وينظرون إليه ‪ ،‬يحسبون أنه حي‪ .‬قال ‪ :‬فبعث ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬دابة‬
‫الرض‪ .‬قال ‪ :‬والدابة تأكل العيدان ‪ -‬يقال لها ‪ :‬القادح ‪ -‬فدخلت فيها فأكلتْها ‪ ،‬حتى إذا أكلت‬
‫جوف العصا ضعفت ‪ ،‬وثقل عليها فخر ميتًا ‪ ،‬فلما رأت ذلك الجن انفضوا وذهبوا‪ .‬قال ‪ :‬فذلك‬
‫علَى َموْتِهِ إِل دَابّةُ ال ْرضِ تَ ْأ ُكلُ مِ ْنسَأَتَهِ }‪ .‬قال أصبغ ‪ :‬بلغني عن غيره أنها‬
‫قوله ‪ { :‬مَا دَّلهُمْ َ‬
‫قامت (‪ )8‬سنة تأكل منها قبل أن يخر (‪ .)9‬وقد ذكر غير واحد من السلف نحوًا من هذا ‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫__________‬

‫‪http://www.daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬حول كامل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬قوله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬تشكرا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)22/51‬‬
‫(‪ )5‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬ل نصدق منه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل تصدق ول تكذب"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬تعمل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬أقامت"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬تخر"‪.‬‬

‫( ‪)6/503‬‬

‫شكُرُوا لَهُ بَ ْل َدةٌ طَيّ َبةٌ‬


‫شمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَ ّب ُك ْم وَا ْ‬
‫ن وَ ِ‬
‫سكَ ِنهِمْ آَيَةٌ جَنّتَانِ عَنْ َيمِي ٍ‬

You might also like