You are on page 1of 39

2

‫املقدمة‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫إن احلمد هلل ‪ ,‬حنمده ‪ ,‬ونستعينه ‪ ,‬ونستغفره ‪ ,‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ‪ ,‬ومن سيئات أعمالنا ‪ ,‬من يهده‬ ‫ ‬
‫اهلل فال مضل له ‪ ,‬ومن يضلل فال هادي له ‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ,‬أجنز وعده ‪ ,‬ونصر عبده ‪ ,‬وهزم‬
‫األحزاب وحده ‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله‪ ,‬وصفيه ‪ ,‬وخليله ‪ ,‬بلغ الرسالة ‪ ,‬وأدى األمانة ‪ ,‬ونصح األمة ‪ ,‬وجاهد‬
‫يف اهلل حق جهاده حىت أتاه اليقني من ربه أما بعد‪:‬‬

‫بعد خروجي من معتقل كوبا مجعين اهلل ببعض اإلخوة الطبيني ممن عندهم حرقة وغرية على دين اهلل تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫وكنت أحدثهم عن بعض عجائب املعتقل بقصد إعطائهم خربة ولو بسيطة عما جيري هناك‪ .‬فكان يشتد عجبهم مما‬
‫ولكن ذاك العجب بسبب أن خربة‬ ‫ّ‬ ‫أقصه عليهم وما ذاك العجب بسبب أن اخلرب الذي قصصته عليهم فيه غرابة‪ .‬كال‬
‫اإلخوة يف مثل هذه األمور قليلة ‪ ,‬فهم مل يبتلوا يف سبيل اهلل ‪ ,‬فلم يعرفوا ما حيصل بداخل املعتقالت ‪ ,‬لذلك كانوا‬
‫يستغربون مما يسمعون ويستعظمونه ‪.‬‬

‫مث يسر اهلل ألحد اإلخوة املفرج عنهم من غوانتنامو فبدأ بكتابة دروسا وعربا مستمدة من جتربته يف املعتقل وأظن أن‬
‫قصده من تلك الكتابة هو نفس القصد الذي كنت من أجله أحدث إخواين ‪ ,‬وقد كنت أقرأ وأتابع ما يكتب من أحد‬
‫املنتديات اليت كانت تنقل وتقتبس ما يكتبه نقال عن موقع آخر كان يكتب فيه‪ .‬وذلك ألن املوقع الرئيسي الذي يكتب‬
‫فيه حمجوب يف البلد الذي أسكنه‪ .‬ومن خالل متابعيت لتك العرب اليت يكتبها ذلك األخ ال حظت أن فيها قصور كبري‬
‫جدا ولكين التمست له عذرا على ذلك القصور الكبري‪ .‬فاملعتقل الذي كنا فيه {أعين معتقل غوانتنامو} كان كبريا‬
‫وغالب غرفه كانت انفرادية ‪ ,‬لذلك كان من الطبيعي أن يغيب عنه كثريا من العرب اليت مل يطلع عليها لكونه‬
‫َ‬ ‫جدا ‪,‬‬
‫يف عنرب آخر‪.‬‬

‫وال تستغربوا إذا قلت لكم بأنه ميرُّ على أحدِنا العام والعامني وهو ال يعرف أي شيء من أخبار زميله يف العنرب اآلخر ‪,‬‬
‫إال ما قد يقع من بعض املعتقلني باالتصال بالعنرب املجاور سرا وبسرعة عند استغفال اجلندي الصلييب ‪ ,‬وإال ما يأيت‬
‫أيضا من األخبار مع شخص يُن َق ُل من عنرب إىل عنرب آخر ‪ ,‬وهذه إحدى عجائب غوانتنامو أن ال يكون بينك وبني أخيك‬
‫إال حاجزا قماشيا أخضر اللون وال يكون بينك وبينه إال عدة خطوات فال تعلم شيئا من أخباره لفترة طويلة !! فالكالم‬
‫بني العنابر كان ممنوعا وأيضا كانت أماكن اعتقال اإلخوة يف مناطق وبلدان متفرقة وهلذا زاد عدد العرب اليت فاتته مما‬
‫حصل لإلخوة الذين مل يلتقي هبم‪.‬‬

‫وعلى سبيل املثال قد رأيت بعض األشياء بنفسي ومل أحدث عنها أي أحد ‪ ,‬ال هو وال غريه ‪ ,‬فقد كنا نتحفظ على‬
‫بعض الكالم خلصوصية ذلك املكان ‪ ,‬فاخلطر كان حميطا بنا من كل جهة ‪ ,‬و كان املكان مليئا بأجهزة التصنت‪.‬وقد‬
‫حاولت فيما بعد أن أمده بكل ما عندي من الفوائد ‪ ,‬لكن تعذر ذلك وحالت بعض الظروف من الوصول إىل ذلك األخ‬

‫‪1‬‬
‫كبعد املسافة بني دياري ودياره‪ .‬و كذلك مل استطع إيصال رسالة له يف املنتدى الذي كان يكتب فيه ‪ ,‬ألمده مبا عندي‬
‫من معلومات ألين كما ذكرت لكم سابقا بأن املوقع الذي يكتب فيه حمجوب يف حمل إقاميت‪ .‬مث ال حظت فيما بعد أن‬
‫ذلك األخ توقف فجأة ومن غري مقدمات عن إكمال دروسه وعربه‪ .‬وأنا ال أدري هل هذا التوقف هنائي أم ال؟ وما هو سببه؟‬
‫ومىت سيعود إن قرر ذلك ؟ وقد حاولت أن أعرف ذلك بأي طريق فما استطعت إىل ذلك سبيال ‪.‬‬

‫مث طلب مين أخ كرمي فاضل مواصلة املوضوع الذي طرقه ذلك األخ وإخراجه دفعة واحدة على شكل كتاب ونشره‬
‫بطريقته اخلاصة يف شبكة يثق هبا ‪ ,‬وهي من خرية شبكات املجاهدين (شبكة احلسبة) ‪ ,‬ل ِ َما يف ذلك من فوائد كثرية‬
‫ستتحقق من نشره‪ .‬كتحذير املسلمني من أالعيب النصارى واملنافقني واجلواسيس ‪ ,‬ورفع اهلمم واملعنويات بتبيني‬
‫ضعف العدو وخوره ‪ ,‬وصالبة اإلخوة وجلدهم ‪ ,‬وكذلك لتنبيه املجاهدين من خطورة األسر وش َّدة إيالمه‪ .‬وأن فيه فتنا‬
‫كقطع الليل املظلم قد تكون سببا يف خسران الدنيا واآلخرة كما قص عليكم ذلك األخ الفاضل يف قصة يا سر أبو‬
‫سرده‪ .‬أو أن األسري قد يضغط عليه فتأخذ منه معلومة ولو بسيطة قد تضر باملسلمني وتنفع الكافرين‪ .‬ولتنبيههم‬
‫فلما‬
‫أيضا وحتذيرهم من طرق تعذيب األسري ‪,‬فتهربت من إجابة ذلك الطلب‪ .‬فلم يزد هتريب ذاك األخ إال زيادة إحلاح‪ّ .‬‬
‫رأيت شدة حرصه على منفعة إخوانه وغريته عليهم أجبت طلبه ونزلت عند مراده ‪ ,‬فكتبت هذه املقاالت ولسان حايل‬
‫يقول كما قال القاسم بن علي احلريري يف أول كتابته ملقاماته ‪:‬‬

‫حكم ‪ ,‬وطاعته ُغنم إىل أن أنشأ مقامات أتل ُو فيها تلو البديع ‪ ,‬وإن مل يدرك الظالع‬ ‫أشار من إشارته ُ‬
‫شأوَ الضليع (السمني القوي) فذاكرته مبا قيل فيمن ألف بني كلمتني ‪ ,‬ونظم‬ ‫(أي املائل عن الطريق) ْ‬
‫بيتا أو بيتني ‪ ,‬واستقلت من هذا املقام الذي فيه حيار الفهم ‪ ,‬ويفرط الوهم ويسرب غور العقل وتتبني‬
‫قيمة املرء يف الفضل ‪ ,‬ويضطر صاحبه أن يكون كحاطب ليل ‪ ,‬أو جالب رجل وخيل ‪ ,‬وقلما سلم مكثار‬
‫قيل له عِثار ‪ ,‬فلما مل يسعف باإلقالة ‪ ,‬وال أعفى يف املقالة‪ ,‬لبيت دعوته تلبية املطيع‪ ,‬وبذلت يف‬ ‫‪ ,‬أو أ ُ َ‬
‫جهد املستطيع ‪ ...‬إىل أن قال رمحه اهلل [وأرجو أن ال أكون يف هذا اهلذر الذي َه َذ ْرت ُ ُه ‪ ,‬وامل َ ْورِدِ‬ ‫مطاوعته ُ‬
‫بك ِّف ِه ‪ ,‬فأحلق باألخسرين أعماال الذين ظل‬ ‫بظل ِفهِ‪ ،‬واجلادع مارن أنفه َ‬
‫الذي ت َ َورّ ْدت ُ ُه ‪ ,‬كالباحث عن حتفه ِ‬
‫ض ( أي تسامح وتساهل‬ ‫سعيهم يف احلياة الدنيا وهم حيسبون أهنم حيسنون صنعا ‪ ,‬على أين وإن أ َ ْغ َم َ‬
‫ص من ُغ ْمرٍ جاهل (أي الذي‬ ‫ح عين ( أي جادل عين ) املحب املحايب ‪ ,‬ال أكاد أخل ُ ُ‬‫َض َ‬‫) يل الفطن املتغايب ‪ ,‬ون َ‬
‫متجاهل ( أي صاحب حقد) يضع مين هلذا الوضع] ‪.‬أهـ‬ ‫ٍ‬ ‫مل جيرب األمور ) أو ذي غ ِْمرٍ‬

‫أقول هذا ليلتمس لنا العذر على ما قد يعرض من قصور ونقص كل أخ ناصح ‪ ,‬ولئال يتجرأ علينا بالطعن والتثريب‬
‫والتجريح عدو طاعن ‪ .‬وقد انتظرت قبل شروعي يف الكتابة عدة أيام انتظر أخانا الكرمي ليعاود الكتابة من جديد لعله‬
‫أن يكفينا الكلفة واملشقة ‪ ,‬فلم يعاود ومل يواصل كتابة املوضوع مرة أخرى ‪ ,‬لذلك توكلت على اهلل يف إمتام وإكمال‬
‫موضوعه ‪ ,‬وإضافة ما عندي من الفوائد ‪ ,‬وقد مسيت هذه املقاالت «يا ليت قومي يعلمون» ‪.‬‬

‫وأنا أعتقد بال شك بأن األخ سيعذرين لتطفلي على موضوعه النقطاعه عن اإلمتام وألين أملك معلومات ليست عنده‬
‫‪ ,‬مع أين حاولت إيصاهلا له بعدة طرق ‪ ,‬وشىت الوسائل لكن بال فائدة ‪ ,‬فكل الطرق كانت مقطعة بيين وبينه كما‬
‫ذكرت لكم ‪ ,‬ورأيت أيضا أن املقصود من كتابيت وكتابته نفع املسلمني فبأي طريق حصل فهو سيفرح وال شك ‪,‬‬
‫ولن ي َ ُع َّده تطفال مين على موضوعه ومبا أنه كان هو املستفتح للموضوع ‪ ,‬فسأحتفظ وأثبت بعض كالمه وأزيد‬
‫عليه زيادات وإضافات رأيت أهنا مفيدة دون وضع عالمة مميزة بني كالمي وكالمه ‪ ,‬ألن من املعروف لديكم أن ما أكتبه‬
‫هنا ال يعين بأين شاهدته بنفسي ‪ ,‬بل قد أكون ـ وهو الغالب ـ مسعته من إخواين مما حصل هلم فنقلته إليكم ‪,‬‬
‫ونقلي لكالم األخ صاحب املوضوع من هذا الباب ‪ ,‬وأنبه إىل أين سأمشي على نفس الترتيب الذي مشى عليه أخي‬
‫فأج ّزأ املقاالت وأرقمها ألن ذلك أنشط للقارئ ولئال يدخل امللل والفتور إىل قلبه من طول املقالة فقد كان العلماء‬
‫ف إىل أبواب وفصول ومسائل ومطالب من أجل هذا الغرض ‪ ,‬إال إذا كان ذلك التجزيء‬ ‫سابقا والزالوا يقسمون امل ُ َؤلّ َ‬
‫يضر بتسلسل القصة وتتابع األفكار فيها ‪ ,‬فسأذكرها مجلة واحدة من غري تقطيع ‪ ,‬وسأعرض عن حشو الكالم‬
‫ولن أطيل فيما ال طائل منه ‪ ,‬بل سأركز على ما هو مفيد منعا لإلطالة‪ .‬فالقصد من كتابة هذه الرسائل هو حتذير‬
‫وتنبيه املجاهدين من بعض األخطار املحدقة هبم ‪ ,‬وألن الشاب املجاهد ـ ال سيما يف وقتنا املعاصر ـ وقته ضيق جدا‬
‫فهو مشغول مبطاعنة األعداء والتربص هبم ‪ ,‬لينقض عليهم مىت ما سنحت له فرصة بذلك ‪ ,‬وكثرة الكالم تسبب‬
‫امللل والسآمة ‪ ,‬وتؤدي إىل نسيان كثري من املعلومات املهمة ألن الكالم بعضه ينسي بعضا ‪ ,‬وهي تصرف القارئ عن‬
‫مواصلة القراءة ‪ ,‬لذا قررت عدم إطالة الكالم فيما ال طائل منه ‪ ,‬وأن أعطي القارئ زبدة الكالم لكي ال يتشتت ذهنه ‪,‬‬

‫‪2‬‬
‫طَـل فـيُـ َم َّ‬
‫ـل ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫فإن خري الكالم ما قل ودل ومل ي ُ‬

‫وأنبه إىل أمور ‪:‬‬

‫‪1‬ـ إ ّن هذه العرب ليست خاصة بكوبا بل هي شاملة لكل املعتقالت‪.‬‬

‫‪2‬ـ أنا ال أزعم بأين استوعبت كل الدروس ‪ ,‬ولكن حاولت جاهدا أن أمجع أكرب قدر منها ‪ ,‬لذا فاملجال مفتوح لكل أخ‬
‫لديه زيادة على ما خططته أن يديل بدلوه‪.‬‬

‫‪3‬ـ كل كلمة جمملة أقوهلا وحتتمل وجهني أو أكثر ‪ ,‬فلينظر إليها ‪ ,‬فإهنا إن كانت يف حق رجل جماهد مسلم فلتحمل‬
‫على أحسن َم ْح َمل ‪ ,‬إن مل حتتمل ذلك فليلتمس يل كل أخ أي عذر على تلك الكلمة ‪ ,‬وأما إن كانت تلك الكلمة يف حق‬
‫إنسان خبيث ‪ ,‬فلتحمل على أسوء حممل‪.‬‬

‫‪4‬ـ ليس املقصود من ذكر طرق التعذيب والتضييق على ألسرى هو التخذيل واإلرجاف كما قد يظن البعض ‪ ,‬فكيف‬
‫خيوف بعضنا بعضا منهم واهلل يقول ﱫ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﱪ قال ابن القيم ‪ :‬املعىن عند مجيع املفسرين‬
‫خيوفكم بأوليائه ‪ .‬مث قال تعاىل بعدها ﱫ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﱪ قال محد بن عتيق ‪ :‬فكلما قوي إميان العبد‬
‫زال من قلبه خوف أولياء الشيطان ‪ ,‬وكلما ضعف إميانه قوي خوفه منهم ‪.‬‬

‫وما املراد من ذكر تلك األساليب إال أن يعلم املجاهد ما ينتظره من العدو ‪ ,‬وحثه على أن يقاتل حىت يقتل وال ي ُ َم ِّ‬
‫كن‬
‫األعداء من التسلط عليه باألسر ‪ ,‬ولو قدر اهلل وقوعه يف األسر حلكمة يريدها سبحانه فهو بال شك قد حيتاج ملسائل‬
‫فقهية وعقدية يف أسره ولن جيد علماء يسأهلم عن حاجته ‪ ,‬فيجب عليه أن يتنبه لتلك املسائل ويعرف حكمها قبل‬
‫وقوعها ‪.‬‬

‫وقبل الشروع باملقصود أتقدم جبزيل الشكر إىل أخي الفاضل إلثارته مثل هذا املوضوع ‪ ,‬فجزاه اهلل خريا على ذلك ‪ ,‬وإن‬
‫كان يل يف هذه الكتابة شيئا من األجر فأسأل اهلل أن ال حيرمه منه ‪ ,‬فإنه نبهين ألمر كنت غفلت عنه ‪ ,‬والدال على‬
‫اخلري كفاعله وال خيفى عليكم أن الفضل للمتقدم‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬

‫التندم‬ ‫َ‬
‫شفيْتُ النفس قبل‬
‫ِ‬ ‫فلو قبل مبكاها بكيت صبَابَة * بسُعدى َ‬
‫ولكن بكت قبلي! فهيج يل البُكا * بكاها ‪ ,‬فقلت الفضل للمتقدم‬

‫وأسأل اهلل التوفيق واإلعانة على ما عزمت عليه ‪ .‬وأسأله أن يطرح الربكة وال َقبُول ملا سأخطه بيدي ‪ ,‬وأن جيعله نافعا‬
‫خالصا لوجهه الكرمي ‪ ,‬فباإلخالص يبارك بالقليل ويعم نفعه‪.‬‬
‫اللهم إين توكلت عليك ‪ ,‬فأنت حسيب ونعم الوكيل فصوب قلمي ‪ ,‬واحفظه من الزلل ‪ ,‬واجعل ما خيطه يكون أشد‬
‫من النبل على أعدائك وأنفع لعبادك من الغيث‬
‫اللهم ال تكلين إىل نفسي طرفة عني وال أقل من ذلك‪.‬‬

‫أخوكم ‪:‬أبوصاحل األنصاري‬


‫أحد العائدين من غوانتنامو‬

‫‪3‬‬
‫وتلك األيام ندوالها بني الناس‬
‫مما ال شك فيه أن الوثن األكرب (الواليات املتحدة) تطاول على املسلمني فاحتل الديار مبساعدة زنادقة ملحدين‬ ‫ ‬
‫منذ عشرات السنني وبنا فيها القواعد‪ .‬فال توجد بقعة من األرض إال وللصليب فيها قاعدة وحصن حصني ‪ ,‬واستوىل‬
‫َّ‬
‫وأضل نساء املسلمني وأبنائهم وبناهتم فأفسدهم عليهم تارة‪ .‬وبلغ األمر أن الرجل من‬ ‫كذلك على األموال ‪ ,‬وتسلط‬
‫املسلمني سلبت واليته على نسائه باسم احلرية الشخصية اليت فرضها الوثن وأتباعه على ديار اإلسالم !!‬

‫وتارة أخرى يقتلهم باسم مكافحة اإلرهاب والتطرف‪ .‬فهو يفعل هبم ما يشاء فال حماسب له وال رقيب عليه فيما‬
‫يفعل‪ .‬و َمنع ذلك الوثن عباد اهلل بواسطة عمالئه وسدنته املنافقني من تعلم دين اهلل وحالوا بينهم وبني تطبيق‬
‫ونصب الصليبيون والسدنة بكل مكر وخبث وخديعة يف كل بلد من بالد املسلمني علماء‬ ‫َّ‬ ‫شريعة اهلل تبارك وتعاىل‬
‫ضالني مضلني على أهنم مفتون شرعيون ليصبغوا هلم كل ما سبق من احتالل الديار وغصب األموال والتسلط‬
‫على الذراري وحماربة دين اهلل بصبغة شرعية‪ , .‬ليصري قبول ذلك االحتالل بسبب تلك الفتاوى املنحرفة واجب شرعي‪,‬‬
‫ألنه طاعة لويل األمر امللحد ‪ ,‬وخمالفته حرام شرعا بنصوص الكتاب والسنة‪ .‬وألن مصلحة األكل والشرب واللبس‬
‫ومصلحة العيش كعيشة البهائم أقصد أن يكون العيش للدنيا ومن أجل الدنيا فقط ‪ ,‬مقدمة على مصلحة حفظ‬
‫العقيدة والتوحيد واألمر باملعروف والنهي عن املنكر واملنافحة عن دين اهلل‪.‬‬

‫فتم هلم ما يريدون بسبب جهل الناس وبعدهم عن دينهم وإن شئت فقل لتظاهر الناس باجلهل‪ .‬مث أصبح َه ّم‬
‫املسلمني يف مشارق األرض ومغارهبا ما ذكر من األكل والشرب والنكاح وتوابعه فقط‪ .‬فقبلوا كالم العلماء املضلني‬
‫رغبة ورهبة‪ .‬مث جاء أبنائهم من بعدهم فقالوا ﱫ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﱪ فسلكوا نفس‬
‫منهج وطريقة اآلباء‪ .‬مث تتابع الناس من بعدهم على ذلك‪.‬‬

‫وملا أراد سبحانه اخلري للناس وأراد سبحانه أن يظهر دينه مرة أخرى بعد غربته‪ .‬أقام فئة صغرية قليلة مستضعفة‬
‫ج ْت ولفظت ذلك الذل واهلوان الذي ال يرضاه حر ‪ ,‬ومل تستسغه ‪ ,‬غضبة لدين‬ ‫تنافح عن دينه ‪ ,‬وتصدع باحلق‪ .‬و َم َّ‬
‫اهلل ‪ ,‬فقامت بواجبها الشرعي فنصحت وبينت‪ .‬ولكن ال جميب ولسان حاهلم يقول أمسعت لو ناديت حيا ولكن ال‬
‫حياة ملن تنادي‪ .‬وملا ضاق عباد اهلل ذرعا بتلك احلالة ‪ ,‬محلوا راية التوحيد ‪ ,‬وسووا صفوفهم ‪ ,‬وأعلنوا اجلهاد على الوثن‬
‫األكرب وأنصاره على ضعفهم وقلة حيلتهم‪ .‬ولكنهم توكلوا على القوي الناصر ووثقوا به بأنه ناصرهم ال حمالة ألنه‬
‫سبحانه يقول ﱫ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﱪ أي من ينصر دينه‪.‬‬

‫فنثر عباد اهلل سهامهم واختاروا بعضها‪ .‬مث ر َ َم ْوا الصليبيني بتسعة عشر سهما‪ .‬فأصبحت عليهم طريا أبابيل ‪,‬‬
‫فنكل سبحانه وتعاىل بأعدائه ‪ ,‬وشفى‬ ‫َّ‬ ‫وأصابت أعداء اهلل مبقتل‪ .‬وبارك اهلل بتلك الرميات للبنتاغون ومركز التجارة‪.‬‬
‫صدور قوم مؤمنني ‪ ,‬وأذهب غيض قلوهبم ‪ ,‬وأنزل عليهم سبحانه سوط عذاب‪ .‬ف ُهزِ َم مجع النصارى ووىل الدبر ‪ ,‬طلبا‬
‫للنجاة والسالمة‪.‬‬

‫ولكن ‪:‬‬

‫أين املفر واإلله الطــالبُ * واألشرم املغلوب ُ ليس الغالبُ‬

‫‪4‬‬
‫وأصبح أي مسلم إذا أراد أن ميتع ناظريه مبا حل باألعداء فما عليه إال أن ينظر إىل التلفاز فإنه لن يري إال جثثا كأهنا‬
‫أعجاز خنل منقعر‪ .‬أو رجال شاخصا بصره من هول ما رأى ﱫ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂﮃ ﮄﮅﮆﮇ ﮈﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﱪ وسوط عذاب ‪ :‬أي نوع عذاب‪ .‬فله احلمد تبارك وتعاىل على نعمه اجلزيلة‪.‬‬

‫مث حاول ذلك الوثن املعبود يف مجيع أحناء األرض أن يعيد هيبته املزعومة بالقبض على من رتب لتلك العمليات املباركة‬
‫وتبناها‪ .‬ولكن بفضل من اهلل وحده قد خاب مسعاهم وخسر‪ .‬وأنفقوا أمواال طائلة يف حرب ضخمة كشفت حقيقة‬
‫أمرهم ورجعوا منها خائبني مدحورين‪ .‬فكانت عليهم حسرة وغلبوا بفضل من اهلل كذلك‪ .‬ألن حقيقة حرهبم أهنا‬
‫حرب مع اهلل ‪ ,‬وبال شك من يغالب اهلل يغلب‪.‬‬

‫مث انطلقوا ميينا ومشاال ليقبضوا على شباب أهل السنة ليغطوا على تلك اهلزمية النكراء‪ .‬فكنت أنا وغريي من ضمن‬
‫املقبوض عليهم بباكستان‪ .‬وكانت هذه رمحة من اهلل يل وإلخواين‪ .‬فقد كنا يف السابق جنادل عن الطواغيت وأعواهنم‬
‫ونتمارى يف أمرهم‪ .‬فأراد سبحانه أن يرينا بأم أعيننا أهنم ال يرقبون يف مؤمن إال ٌ وال ذمة‪ .‬أعين أهنم ال يراعون يف مؤمن‬
‫قرابة وال عهدا‪.‬‬

‫علي نقلت من معتقل إىل معتقل إىل أن وضعت يف معتقل كبري‪ .‬فوجدت فيه عددا كبريا من‬ ‫ّ‬ ‫مث بعد تسلطهم‬
‫املعتقلني العرب والعجم‪ .‬وبتوفيق من اهلل أحس أحد املعتقلني بضخامة ما يعد لنا من املكر‪ .‬فقال ملن معه‪ :‬يا إخواين‬
‫ال تثقوا هبؤالء األخباث فإهنم سيقومون بتسليمكم لألمريكان ‪ ,‬فقاتلوهم قبل أن يسلطوهم عليكم‪ .‬فإما أن تكتب‬
‫لكم النجاة منهم ‪ ,‬أو تقتلوا فتكتب لكم شهادة يف سبيل اهلل‪ .‬فاتفق هو ومن معه يف غرفته على العملية اليت‬
‫سينفذوهنا على الباكستانيني‪ .‬واتفقوا كذلك على تفاصيلها وفوضوا واحدا منهم بإعالن ساعة الصفر‪ .‬ومل يكن‬
‫معهم من السالح إال سكاكني أخفوها معهم‪ .‬وكان من اتفاقهم أهنم مىت ما مسعوا التكبري (وهو ساعة الصفر)‬
‫هجموا على جيش الردة الباكستاين طعنا بالسكاكني ومسحا بالسوق واألعناق‪.‬‬

‫وملا أشرقت مشس الصباح بدأ جيش الردة بإخراجنا من الغرف وإركابنا حبافالت كبرية لننقل إىل مكان آخر‪ .‬وبعد‬
‫صعود كل املعتقلني يف احلافالت وكان عددها فوق األربع انطلق الرتل إىل جهة سرية جمهولة ليتم تسليمنا لألمريكان‬
‫بسرية تامة‪ .‬ومبجرد خروج احلافالت من بيشاور وأصبحت يف أرض فضاء فيها بعض التالل الصغرية‪ .‬كرب األخ وأعلن‬
‫ساعة الصفر‪ ,‬فهجم األسود على من كان معهم يف احلافلة من اجلنود فقتلوهم وهلل احلمد‪ .‬واستولوا على سالحهم‬
‫وأطلقوا النار على من كان فوق احلافلة من اجلنود فانقلبت احلافلة باجلميع‪ .‬ومل يتمكن املعتقلون يف احلافالت األخرى‬
‫من املشاركة ألن األمـر كان مفاجئا هلم ومباغتا فلم يعدوا له عدة‪ .‬وحصل اشتباك ورمي قتل على أثره سبع مرتدين‪.‬‬
‫وأربع شهداء حنسبهم واهلل حسيبهم‪ .‬مث نفذت الذخرية وما هي إال حلظات إال وطائرات ومروحيات املرتدين حتوم فوق‬
‫الرؤوس‪ .‬وازدمحت جنود الردة بذلك املكان‪ .‬مث نشر هذا اخلرب يف مجيع الصحف العاملية‪ .‬وال يستعجل أحدكم فيقول‪:‬‬
‫إن تعيني ساعة الصفر كان خاطئا‪ .‬فلو كان تعيينها بداخل منطقة سكنية لكان أفضل‪ .‬فقد ال يعرف بعضكم أن‬
‫من طبيعة الشعب الباكستاين أهنم إذا رأوا شخصا يركض وخلفه عسكري يطارده أهنم يقبضون عليه مباشرة‪.‬‬
‫ويسلمونه مرة أخرى للمرتد‪ .‬وهذا ما حصل لألخ مانع العتييب رمحة اهلل فعندما هرب من اجلنود فتبعوه‪ .‬دخل قرية‬
‫قبل غروب الشمس فما غربت الشمس إال وأهل القرية وأطفاهلا هم الذين يالحقونه‪.‬‬

‫وكانت تلك العملية املباركة من مكر اهلل سبحانه وتعاىل بأعدائه‪ .‬وذلك ألنه كان من مكر الصليبيني واهلل أعلم أن‬
‫يشتروا املعتقلني بأموال مث ينقلوهنم سرا إىل أفغانستان مث ينشرون بوسائل اإلعالم أن قوات املاريزن الصليبية قامت‬
‫بعملية إنزال على جبال أفغانستان فقبضت على هؤالء املجاهدين يف تلك العملية‪ .‬فيزوروا احلقيقة وحيطموا معنويات‬
‫املجاهدين‪ .‬ويرفعوا من معنويات جنودهم وسدنتهم الذين يعبدوهنم‪ .‬ولكن ميكرون وميكر اهلل واهلل خري املاكرين‪ .‬فقد‬
‫سخر سبحانه ذلك املعتقل هو ومن معه للقيام هبذا العمل ليبطل مكرهم‪.‬‬

‫ومما يؤكد أن هذا هو مقصودهم من ذلك املكر‪ .‬أين أول ما نقلت إىل معتقالت أفغانستان سألت عضوا صليبيا يعمل‬
‫يف منظمة الصليب األمحر‪.‬‬

‫فقلت له ‪ :‬أي شيء قال لك األمريكان عن مكان اعتقايل؟‬

‫‪5‬‬
‫فقال‪ :‬هم يقولون أنه مت القبض عليك يف أفغانستان !!‬
‫فقلت له ‪ :‬هذا غري صحيح بل مت اعتقايل يف باكستان مث سلمت إىل األمريكان‪.‬‬
‫فقال يل ‪ :‬لكن هم يقولون خالف ذلك‪.‬‬

‫بعدما انتهى ذلك االشتباك مت نقلنا بسرعة إىل سجن صغري‪ .‬وكان هذا السجن عبارة عن غرفة صغرية جدا فوقها‬
‫غرفة أخرى فيها بعض اإلخوة‪ .‬وكان ذلك أيضا يف معسكر جليش دجال باكستان برويز مشرف قاتله اهلل هو وجيشه‪.‬‬
‫وكان عددنا يف تلك الغرفة يزيد على اخلمسني رجال‪ .‬لذلك كان ال يستطيع الواحد منا أن ميد رجليه من ضيق املكان‪ .‬بل‬
‫إن بعضنا ينام فوق بعض‪ .‬وال تستغربوا إن قلت لكم‪ :‬إذا أردنا أن نصلي ال نستطيع أن نصلي مجاعة واحدة بل يصلي‬
‫بعضنا وبعدما ينتهون يصلى اآلخرون‪ .‬وكانوا لعنة اهلل عليهم واملالئكة والناس أمجعني ال يسمحون لنا بالذهاب‬
‫للخالء ‪ ,‬ويتعمدون جتويعنا‪ .‬وما هذا أيضا إال من خرية اهلل لنا ‪ ,‬ليُريَنا سبحانه تطبيقا عمليا لقوله ﱫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﱪ وقوله ﱫ ﮊ ﮋ ﮌ ﱪ أي حيبون لكم العنت واملشقة‪ .‬وقوله تعاىل ﱫ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﱫﮌﮍ ﮎ‬ ‫ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﱪ وقوله‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﱪ‪.‬‬

‫وكانت هذه الغرفة حماطة بغرفة أخرى يسكنها اجلنود فهي غرفة وسط غرفة‪ .‬وملا رأينا أن األمر وصل إىل هذا احلـد‪,‬‬
‫كسرنا الباب‪ .‬وعندما رآنا اجلنود وحنن نريد أن خنرج منها ‪ ,‬هربوا وفروا‪ .‬ومل يبق إال مرتد واحد فاستقبلنا بسالحه وصوبه‬
‫علينا فقفز عبدالرمحن العمري (أبو أنس النيجريي) رمحه اهلل‪ .‬من فوق الباب املكسور وانطلق إليه‪ .‬فلما رأى املرتد ذلك‬
‫هرب ووىل الدبر وحلق بأصحابه‪ .‬ومل يطلق طلقة واحدة من شدة فزعه‪ .‬وكان حاله كحال محاس بن قيس عندما كان‬
‫يعد سالحا قبل جميء النيب صلى اهلل عليه وسلم لفتح مكة‪.‬‬

‫فقالت له امرأته‪ :‬واهلل ما يقوم ملحمد وأصحابه شيئا‬


‫فقال‪ :‬واهلل إين ألرجو أن أخ ِد َمك بعضهم‬
‫له‪.‬‬ ‫مث قال‪ :‬إن يقبلوا اليوم فمايل ِع ّله‪ ،‬هذا سالح كامل وإِل َّ ْه‪ ،‬وذو غِرار ْين سريع َّ‬
‫الس ْ‬

‫علي‬
‫َّ‬ ‫فلما اهنزم املشركون عند قدوم جيش املصطفى صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬دخل محاس على امرأته وقال ‪ :‬أغلقي‬
‫بايب ‪.‬‬
‫فقالت ‪ :‬وأين ما كنت تقول؟ فقال ‪:‬‬

‫إنك لو شهدت يوم َ‬


‫اخلنْدَمَهْ * إذ فر صفوان وفر عكرمه‬
‫وأبو يزيد قائم كاملُـؤْتِمَهْ* واستقبلتنا بالسيوف املُسْلِمَ ْ‬
‫ه‬
‫يقطعن كل رأس ومججمه * ضربا فال يسمع إال غمْغَمَه‬
‫هلم هنيت خلفنا وهَمْـهَمْهْ * مل تنطقي باللوم أدىن كلمه‬

‫قوله كاملؤمته ‪ :‬أي املرأة اليت قتل زوجها وبقي هلا أيتام ‪ ,‬والغمغمه ‪ :‬أصوات األبطال يف احلرب‪.‬‬

‫مث قمنا باحتالل غرفة أعوان الطاغوت‪ .‬وصعد بعض اإلخوة إىل الغرفة اليت فوقنا وفتحوا الباب على من كان هناك‪ .‬وما‬
‫هي إال حلظات حىت أحاط اجلنود بتلك الغرفتني من كل ناحية باملدرعات والرشاشات ذات العيار الثقيل واملروحيات حتوم‬
‫فوق الرؤوس‪ .‬مث أتى جمموعة من الضباط فتفاوضنا معهم ‪ ,‬ونظرا ألننا ال منلك سالحا مل تكن تلك املفاوضات جمدية‬
‫ومل تأثر تأثريا كبريا إال أهنم قاتلهم اهلل صرفوا كيدهم عنا وخف أذاهم لفترة من الزمن‪ .‬مث نقلنا بعد ذلك إىل معتقل‬
‫آخر‪ .‬وهو يعترب سجنا عسكريا كبريا‪ .‬وكان هذا بعد تقيدنا بناقلة جنود عسكرية حببال لفترة طويلة‪ .‬منذ الصباح‬
‫إىل املساء مع تغميض العينني‪ .‬وكانت طريقة التقييد طريقة خبيثة فكان الواحد منا ال يستطيع القيام وال اجللوس‬
‫بل بني ذلك‪ .‬وتورمت أيدي اإلخوة واحتقن الدم فيها‪ .‬وفقد بعضهم اإلحساس هبا لفترة من الزمن‪ .‬مث صلينا على تلك‬
‫احلالة صالة املربوط الذي ال يستطيع استقبال القبلة ‪ ,‬وصالة فاقد الطهورين الذي ليس عنده ماء يتطهر به وال تراب‬
‫يتيمم به‪ .‬وصالة من ال يعرف دخول الوقت ألن األعني كانت مغطاة ‪ ,‬وصالة من ال يستطيع القيام لغري مرض‪.‬‬

‫وبعد ختفيف اهلل علينا ووصولنا إىل ذلك املعتقل مت تقسيمنا إىل جمموعات‪ .‬ومت وضع كل جمموعة يف غرفة ‪ ,‬وهي‬

‫‪6‬‬
‫غرفة باالسم فقط‪ .‬وأما حقيقتها فإهنا أرض فضاء حماطة حبديد فوالذي ‪ ,‬أرضيتها من اإلمسنت املسلح ‪ ,‬ليس‬
‫فيها فرش ننام عليها‪ .‬ومل يكن هناك إال بطانيات رقيقة ال تقي من الربد مع أننا كنا يف منتصف الشتاء‪ .‬وكان من‬
‫ت مع أخ كرمي متواضع بشوش يطيل تالوة القرآن‪ .‬كلما تضايق أحد منا يواسيه ويصربه ويقول‬ ‫توفيق اهلل يل أين ِ‬
‫وض ْع ُ‬
‫له وهو يتبسم يا شيخ وحد اهلل‪ .‬لقد كان جزاه اهلل خريا وخفف عنه ثابتا صابرا مل تظهر عليه عالمات االرتباك واجلزع‬
‫مع أنه مطلوب لألمريكان بامسه‪.‬‬

‫ومن ثباته أنه جاءنا يف يوم مرتد فقال لنا عدة كلمات لكننا مل نفهمها ألهنا ليست بلغتنا‪ .‬وذلك األخ الكرمي يسمعه‬
‫ويبتسم‪ .‬فقلنا لألخ ‪ :‬هل فهمت ما يقول فتبسم وتظاهر بعدم الفهم‪ .‬مث ملا انكشف األمر فيما بعد ‪ ,‬قال لنا ‪ :‬لقد‬
‫فهمت من كالم اجلندي السابق أنه يقول سيأيت جنود فيهم نساء ويأخذونكم إىل مكان آخر‪ .‬وعرفت أن أولئك اجلنود‬
‫هم األمريكان ألنه ال يوجد نساء يف جيوش هذه املنطقة إال ما يذكر عن الصليبيني‪ .‬ولكن مل أرد ختويفكم ‪ ,‬وأيضا‬
‫عندما عرف أن املحققني الذين حيققون مع الشباب هم (‪ )FBI‬مل يتمعر وجهه ومل يتغري بل بقي مبتسما بشوشا‪.‬‬
‫ومن الصفات النادرة ‪ ,‬يف ذلك الرجل أنه كان متواضعا إلخوانه ‪ ,‬ومن صور تواضعه أنه يف عصر يوم من األيام كان كل‬
‫اإلخوة جالسون ‪ ,‬فمنهم من حيادث صاحبه ومنهم من يقرأ قرآنا ومنهم من ميشي ‪.....‬اخل‪ .‬فلم نشعر إال وذاك األخ‬
‫الفاضل ابن الشيخ اللييب حفظه اهلل من الصليبيني وفرج عنه مبنه وكرمه ينظف دورة املياه يف الغرفة اليت كنا‬
‫فيها‪ .‬فهب اإلخوة إليه وأجلسوه وعاتبوه ‪ ,‬فلله دره ما أثبته وهلل دره ما أشد تواضعه‪.‬‬

‫مالحظة ‪ :‬تسليم األخ الفاضل ابن الشيخ ومن معه للجيش الباكستاين كان خبيانة من أهل قرية ‪ ,‬بعدما أضاف أهل‬
‫القرية بعض املنسحبني من تورا بورا ‪ ,‬مث بعد ذلك سلموا لألمريكان‪.‬‬

‫ويف يوم قام حمقق املباحث الفيدرالية األمريكية باستدعائنا‪ .‬وبدأ التحقيق معنا على أنه حمقق من هيئة األمم‬
‫املتحدة ‪ ,‬كما ذكـر ذلك األخ الفاضل يف دروسه‪ .‬وأخـذوا ابن الشيخ اللييب‪ .‬فقال له ‪ :‬من أنت وما هي قصتك‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫أنا حممد صاحل من مجهورية مايل ‪ ,‬وأنا أعمل هبيئة إغاثة إنسانية‪ .‬فأرجعوه وأرجعونا إىل الغرف بعد تبصيمنا‬
‫وأخذهم صور لنا متعددة‪ .‬مث بعد فترة قصرية وزِّعت علينا مالبس زرقاء ( بلسوتات ) مكتوب عليها من الداخل ‪ ,‬دولة‬
‫الكويت حمالت خليل هباسني‪ .‬وبعد العشاء جاءنا جندي‪ .‬فقال ‪ :‬انتم ستنتقلون إىل مكان آخر‪ ,‬فاستعدوا للرحيل ‪,‬‬
‫فخرجنا واحدا تلو اآلخر ‪ ,‬ونظرا ألين كنت أتكلم اإلجنليزية وكنت أيضا أعرف ضابطا منهم تكلمت معه يف السابق‬
‫عدة مرات عندما إضرابنا عن الطعام يف باكستان‪ .‬فوجدت ذلك الضابط واقفا عند حاملة اجلنود قبل صعودي فيها ‪,‬‬
‫فقلت له إىل أين سنذهب؟ قال ‪ :‬إىل مكان آخر‪ .‬فقلت له‪ :‬إىل مكان آخر أو إىل املطار؟ فسكت ‪ ,‬فقلت له‪ :‬صدقين إن‬
‫األمر عادي‪ ,‬لكن حىت أكون على بينه من أمري‪ .‬فقال‪ :‬أنتم ستذهبون اآلن إىل املطار ‪ ,‬فصعدت احلافلة وقلت إلخواين‪ :‬يا‬
‫شباب اآلن قال يل الضابط كذا وكذا فكونوا على بينه‪ .‬مث ُغطيت رؤوسنا بأكياس سود بعد تقيد أيدينا من جديد‪.‬‬

‫وانطلقت احلافلة حبفظ اهلل ورعايته إىل املطار‪ ,‬فقال ابن الشيخ ‪ :‬من يقرأ لنا شيئا من القرآن ‪ ,‬ومبا أين كنت من الديار‬
‫القريبة من دياره‪ .‬فقد كنت أجترأ عليه أكثر من غريي فقلت له ‪ :‬اقرأ أنت‪ .‬فقرأ من أول سورة الشعراء ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﱪ إىل أن‬
‫بلغ ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﱪ‪ .‬وكانت قراءته فرج اهلل عنه بتدبر‬
‫وخشوع ومتهل حىت وصلنا إىل املطار ‪ ,‬فتوقفت الناقلة‪ .‬وكان اهلدوء مطبقا فال يسمع أي صوت ‪ ,‬مث بدأ صوت أزيز‬
‫حمركات يسمع من بعيد وبدأ يقترب إلينا شيئا فشيئا ‪...‬‬

‫وسأنقل هنا ما كتبه أخ يف مذكراته مع بعض التغيري البسيط فيه ‪:‬‬

‫(فحطت طائرة الصليب يف املطار‪ .‬ونقلنا إليها بتربيط اشد من تربيط من زعموا أهنم لن يسلمونا إىل‬
‫األمريكان‪ .‬ألننا حنن وهم مسلمون وأولئك كفار بزعمهم خابوا وخسروا‪ .‬فحلقت تلك الطائرة بعدما‬
‫ربطنا فيها كما تربط البضائع على أرضية الطائرة‪ .‬حلقت وهي حتمل خنبة صاحلة من أطهر شباب‬
‫أهل السنة واجلماعة‪ .‬حلقت وهي حتمل جمموعة من الشباب الذين غدر هبم أعداء امللة والشريعة‬
‫السمحة‪ .‬حلقت وهي حتمل شبابا عملوا خلدمة هذا الدين أكثر مما هذر وثرثر من يظنون أهنم طلبة‬
‫ِي وخلفت خزيا وعارا ال ميحوه ماح من ذاكرة التاريخ على من خذهلم وختال‬ ‫علم من املرجئة‪ .‬حلقت ه َ‬
‫عنهم )‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وهنا أود أن أنبه إىل أنه مما يبني أن العملية كانت مؤامرة كربى اشترك فيها الصليبيون واملنافقون ضد هذه الثلة‬
‫القليلة‪ .‬أن موفودا من القنصلية السلولية زار املعتقل قبل تسليمنا لألمريكان وأخذ بيانات مجيع املعتقلني السعوديني‬
‫وقال هلم باحلرف الواحد ‪ :‬قضيتكم كبرية فال تنتظروا اخلروج بسرعة‪ .‬وقال هلم قاتله اهلل من أفىت لكم بالسفر ‪,‬‬
‫أكيد أهنم محود العقلة وعلى اخلضري وابن جربين‪ .‬وأيضا جاء مندوب من السفارة اإلماراتية والتقى بعبداهلل اإلمارايت‬
‫وحاول اخلبيث التهكم باألخ‪ .‬وال خيفى عليكم أهنم بسبب عدم إمياهنم باهلل واليوم اآلخر وسوء ظنهم بربنا تبارك‬
‫وتعاىل‪ .‬كانوا يظنون بأننا لن خنرج من هذا البالء وإن خرجنا فرضا فلن خنرج إال بعد تطاول السنون‪ .‬لذلك كانوا صرحيني‬
‫يف هذا الكالم‪ .‬وظنوا أن هذا الكالم سيبقى طي الكتمان لعقود متطاولة‪ .‬وأظهروا للناس خالفه بأهنم ال يعرفون‬
‫شيئا عن مصري معتقليهم‪ .‬وأن الواليات املتحدة خطفتهم مبساعدة حكومة باكستان قبل متكن حكومات الردة من‬
‫الوصول إىل مواطنيها‪ .‬مع أن الواقع خالف ذلك فقد كانوا يعلمون بكل ما حصل بل كان بتنسيق مشترك بينهم‪ .‬ومما‬
‫يعضد هذا الكالم ما رواه أحد اإلخوة عن بعض املعتقلني ‪ ,‬أنه سأل أحد املسئولني الكبار ‪ ,‬فقال له ‪ :‬كيف تسلموين‬
‫لألمريكان مع أين مواطن دولة أخرى ‪ ,‬فقال له املسئول ‪ :‬نـحن ال نسلمك وما حيصل لكم فإنه يكون كالتايل‪ :‬نرسل‬
‫كتابا إىل سفارة بلدك ونقول يف الكتاب بأنه يوجد لدينا رجل يدعي بأنه من مواطنيكم ‪ ,‬وحنن نريد أن نسلمه للحكومة‬
‫األمريكية‪ .‬فتقوم السفارة بدورها بإرسال كتاب إىل وزارة خارجية بلدك‪ .‬فتقوم الوزارة بدورها باملوافقة وإرسال كتابا آخر‬
‫إىل وزارة الداخلية مث تأيت املوافقة النهائية منها‪ .‬مث بعد كل هذه املراحل نـحن نسلمك إىل الصليبيني‪ .‬إذا عرفتم هذا‬
‫فال تستغربوا إذا رأيتم املعاملة اليت يتلقاها من رجع من غوانتنامو سواء يف املغرب والسلولية السعودية والبحرين‬
‫وغريها من البلدان‪ .‬ومن عدم سجنهم لفترات متطاولة وعدم تعرضهم لالضطهاد كما هو حال باقي املعتقلني‬
‫اآلخرين‪ .‬وبال شك ستعرفون مل هذه املعاملة ‪ ,‬وستعلمون أهنا تقية ‪ ,‬وخمافة أن يبوحوا مبا شاهدوه وعاينوه‪.‬‬

‫قَـص َد ْت ُه ونزلنا منها امتدت أيدي الصليبيني بالضرب والسحب وحماولة تكسري‬
‫َ‬ ‫وبعدما هبطت الطائرة يف املطار الذي‬
‫األيدي‪ .‬وضغط وعصر األعضاء احلساسة من البدن‪ .‬وليُفزع األخ أكثر فقديأخذه اجلنود يف بعض األحيان ويتجهون به‬
‫ناحية حمرك الطائرة وهو ُم َغطى العينني مث يقترب باألخ من املحرك ليومهوه بأنه سيلقى بداخل آلة ضخمة‪ .‬وكان‬
‫الضرب وتوابعه خيتلف من شخص إىل آخر‪ .‬فهو متفاوت وليس بدرجة واحدة‪ .‬وهذا التفاوت بسبب أن الصليبيني‬
‫كانوا يضعون على كل معتقل من غري أن يشعر عالمة من خلفه يصنفونه هبا‪ .‬وكان هناك عالمتني وتصنيفني فقط‬
‫األول (‪ )T‬والثاين (‪ )BT‬فاألول يعين ‪( :‬تريورست) أي ‪ :‬إرهايب والثاين ‪( :‬بيج تريورست) ‪ ,‬أي إرهايب كبري‪ .‬وبناءا على هذا‬
‫التصنيف يكون نصيبه من الضرب واإلهانة مبجرد نزوله من الطائرة وقبل دخوله على املحقق‪ .‬ليدخل إليه خائفا‬
‫مذعورا فيديل بكل ما لديه من املعلومات دفعة واحدة‪ .‬لذلك كان ابن الشيخ يضرب ضربا شديدا ‪ ,‬لدرجة أين كنت‬
‫أمسع صوت اللكمات اليت كانت توجه له حفظه اهلل وثبته‪ .‬مع أن املفترض أهنم مل يكونوا يعرفون شخصيته ألنه‬
‫قال هلم ‪ :‬أن امسه حممد صاحل‪ .‬وهو من مجهورية مايل‪.‬‬

‫بعد ذلك الضرب مددنا على أرض املطار امللساء واحدا جبانب اآلخر وكان هذا يف منتصف ليل فصل الشتاء ‪ ,‬ومل يكن‬
‫أحدنا يلبس إال ذلك اللباس األزرق املقدم من احلكومة الكويتية للصليبيني‪ .‬فلم يغن عنا شيئا ومل يدفع عنا ذلك الربد‬
‫سمع يف ذلك املكان إال أصوات‬‫القارس‪ .‬ومبا أننا يف منتصف الليل فقد لف اهلدوء والسكون وطغى على كل شيء‪ .‬وال ي ُ ْ‬
‫نباح الكالب اليت حتيط بنا من كل جانب‪ .‬ومشي اجلنود وحركتهم من حولنا‪ .‬وأصوات حمركات الطائرات وهي تدور ‪.‬‬

‫طي به رأسي‬‫وقد حدث ألحد اإلخوة أمر يكشف حقيقة الصليبيني‪ .‬يقول األخ ‪ :‬ويف تلك اللحظة فتح الكيس الذي ُغـ ِّ َ‬
‫فرأيت حقيقة القوم‪ .‬أتدرون ماذا رأيت ؟ رأيت ونـحن ممدون على األرض جنود املاريزن األمريكي يقفون صفوفا من خلفنا‬
‫وهم يلبسون ثيابا سوداء منتفخة كاليت يلبسها رواد الفضاء‪ .‬ويلبسون أيضا نظارات سوداء كبرية‪ .‬مع أن الوقت كان‬
‫يف منتصف الليل‪ .‬ورأيتهم حيملون أسلحة ضخمة وميسكوهنا باستعداد وبوقفة ضبط وربط عسكرية وقد اختاروا‬
‫لذلك جنودا أجسامهم ضخمة‪ .‬فعرفت أهنم يصورون فلما سينمائيا ‪ ,‬كأفالم رامبو! ألهنم حيتاجون حاجة ماسة‬
‫ألي شيء يرفعون به معنويات شعبهم ‪ ,‬ومن قبله معنويات جيشهم املنهارة ‪ ,‬أهـ ‪.‬‬

‫بعد هذا بدأ دخولنا على حمقق مصري اجلنسية استعان األمريكان خبرباته يف حماربة دين اهلل تبارك وتعاىل‪ .‬وكان من‬
‫علي يبدأ أعوانه بالضرب ‪ ,‬وعصر األعضاء احلساسة ‪ ,‬ألفقد تركيزي فيما‬ ‫ّ‬ ‫طريقته يف التحقيق أنه بعدما يطرح سؤاله‬
‫أقول‪ .‬وملا أتأخر وأتباطأ باإلجابة كان يتنرفز ‪ ,‬ويقول بغضب شديد ‪ :‬عندما أسألك ال تفكر وال تتأخر باإلجابة أريدك أن‬
‫جتيب مبجرد مساع السؤال‪ .‬أريد اإلجابة بسرعة ومن غري تفكري‪ .‬فلما قلت له ‪ :‬أنا ال أفكر ولكين ال أستطيع اإلجابة‬

‫‪8‬‬
‫بسرعة بسبب أمل الضرب ‪ ,‬فكأنه واهلل أعلم أشار ألعوانه بتخفيف الضرب ‪ ,‬فخُ َف َ‬
‫ف عين‪.‬‬

‫وال يظن أحد أهنم اختذوا معي هذا األسلوب خلطوريت وكثرة معلومايت ‪ ,‬بل أنا من الناحية اإلستخباراتية بالنسبة‬
‫هلم ليس يل أي قيمة تذكر‪ .‬ولكنهم كانوا خائفني ومذعورين من الشيخ بن الدن والقاعدة‪ .‬فأرادوا أن حيصلوا على‬
‫أي معلومة صغرية أو كبرية ‪ ,‬وعلى وجه السرعة ‪ ,‬لعلها تنفعهم وتسعفهم ‪ ,‬فاستماتوا من أجل احلصول على أي‬
‫شيء غث أو مسني‪.‬‬

‫وبعد فراغي من التحقيق نقلت إىل مكان حماط بأسالك شائكة فنظرت من بعيد فإذا فيه ابن الشيخ وهو متلحف‬
‫ببطانية‪ .‬وكان للتو قد فرغ من التحقيق‪ .‬ونظرا لوجود عسكري يقف بالقرب من مكانه مل نستطع الكالم معه‬
‫باللسان وال اإلشارة باليد‪ .‬إال أنه رفع بطانيته قليال ونظر لنا نظرته املعتادة بثبات وتبسم‪ .‬فلله دره ما أثبته‪.‬‬

‫بعد ذلك بوقت يسري الح لنا من ثقوب يف جدار جبوارنا بداية طلوع فجر يوم جديد ‪ ,‬وهو أول يوم من أيام حيايت احلقيقية‪.‬‬
‫فقد كنت قبله أعمى فأبصرت وجاهال فتعلمت وغافال فاستيقظت‪ .‬ففهمت رغما عين معىن قوله تعاىل عن‬
‫املنافقني ﱫ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺﱪ‪ .‬وحينها عرفت من هو عدوي احلقيقي الذي سلط الكافرين علي وعلى‬
‫إخواين‪ .‬ونزع سبحانه من قليب يف هذا اليوم الرمحة للمنافقني واجلواسيس رغما عين‪ .‬فصلينا صالة الفجر فرادى‬
‫حتت البطانيات ألننا منعنا من احلركة‪ .‬ومع طلوع الشمس أخذ ابن الشيخ للتحقيق ومل يرجع‪ .‬وأخذت أنا للتحقيق‬
‫مرة أخرى فطلب مين املحقق األمريكي التكلم معه بلغته‪ .‬فنظرت إليه ومل أحترك وتظاهرت بعدم الفهم‪ .‬فقال يل‬
‫باإلجنليزية ‪ :‬أنا أعلم بأنك تفهم كالمي ولكنك ال تريد أن تتكلم باإلجنليزية‪ .‬فتظاهرت بعدم الفهم كذلك‪ .‬مث قلت‬
‫له ‪ , No English :‬فتكلم هو بالعربية وحقق معي هبا‪ .‬وكان قصدي من عدم التكلم معه بلغته أن أعطي لنفسي‬
‫فرصة للتظاهر بأن كالمه غري مفهوم يل بعدما يسألين سؤاال حمرجا‪ .‬وللتفكري يف اجلواب قبل التكلم به يف الوقت‬
‫الذي يقوم فيه املترجم بترمجة الكالم إن كان التحقيق بواسطة مترجم‪ .‬وألنكر يف املستقبل إن زللت بالكالم من غري‬
‫قصد واالحتجاج بأن املحقق أو املترجم كان كالمه غري مفهوم بالنسبة يل أو أن الترمجة كانت خاطئة‪ .‬وبعد الفراغ‬
‫منه نقلت إىل معتقل مجاعي مع تقييد الرجلني ليال وصباحا ‪ ,‬ومنعت من الكالم مع أي أحد كحال كل املعتقلني‪.‬‬

‫وأما بالنسبة البن الشيخ فقد نقل مع طلوع الشمس ملكان آخر ومل يرجع لنا إال بعد عدة أيام فعرفت فيما بعد أنه‬
‫بعدما دخل على املحقق املصري وسأله عن امسه‪ .‬قال ‪ :‬امسي حممد صاحل ‪ ,‬فقال له املحقق ‪ :‬أنت ابن الشيخ‬
‫اللييب ‪ ,‬فريح نفسك وعطنا من األخري يكون خريا لك‪ .‬أو نستخدم معك أسلوبا آخر ‪ ,‬فلما رأى األخ الفاضل أن األمر‬
‫مكشوف ومفضوح اعترف بأنه هو ابن الشيخ‪ .‬حينها فقط عرفت ملاذا كانوا يضربونه ضربا شديدا عند أول نزولنا من‬
‫الطائرة‪ .‬مث نقل إىل معتقل آخر‪ .‬وال أعلم عنه أي شيء إىل هذا اليوم إال ما يروى من إشاعات بأنه نقل إىل دولة اليهود‬
‫أو إىل مصر أو إىل أملانيا الشرقية فاهلل أعلم‪ .‬أسأل اهلل أن حيفظه من كل سوء أينما حل ونزل ‪ ,‬ويصرف عنه شر كل‬
‫ذي شر‪.‬‬

‫قلت لكم قبل عدة أسطر يف قصة بن الشيخ أنه ( رفع غطائه وتبسم لنا ) هذه اجلملة بالذات مل أذكرها اعتباطا وال‬
‫للتسلية‪ .‬بل ألمر أردت لفت النظر إليه‪ .‬وهذا األمر الذي أردت لفت النظر إليه هو أين بعد سياق كل هذه األحداث اليت‬
‫مررنا هبا أردت دفع التوهم من أننا كنا منهارون نفسيا ويائسون‪ .‬مع العلم بأننا كنا من أوائل املعتقلني‪ .‬فاملستقبل‬
‫بالنسبة لنا كان جمهوال ‪ ,‬وال نعرف ما يردون أن يفعلوا بنا‪ .‬لكن كانت ثقتنا باهلل كبرية‪ .‬ومعنوياتنا مرتفعة وعالية‬
‫لذلك كان هذا اجلبل الشامخ أمرينا ابن الشيخ يتبسم يف أصعب الظروف مع كونه مطلوبا باالسم للصليبيني ‪ ,‬وأنه‬
‫عندما ألقي القبض عليه خرج أكرب مسئول صلييب يبشر قومه خبرب اعتقاله‪.‬‬

‫ويف كل قصة ابن الشيخ اليت ذكرناها عربة وموعظة كبرية‪ .‬وهي أن ابن الشيخ مل يكن له فيما أعلم أي ظهور إعالمي‪.‬‬
‫فشخصيته وصورته بالنسبة لألمريكان تعترب جمهولة‪ .‬إال ما قد حيصلون عليه من املعلومات والصور عن طريق‬
‫يستهن أحد منكم باجلواسيس‪ .‬واعلموا أن منهم من‬
‫ِ‬ ‫احلكومة الليبية‪ .‬أو ما حيصلون عليه عن طريق اجلواسيس‪ .‬وال‬
‫يستطيع أن يرسم بيديه صورة تقريبية للشخص املطلوب بعد مشاهدته ولو مرة واحدة‪ .‬ومنهم من يستطيع عمل‬
‫كروكي وخمطط تقرييب ملوقع معني يريده إذا مل يكن لديه آلة تصوير يستخدمها‪ .‬فبعضهم لديه قدرة عجيبة على‬
‫الرسم ‪ ,‬وقد يُعطى كبارهم دروسا يف الرسم ‪ ,‬حلاجتهم املاسة إليها‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ومن رمحة اهلل بعباده الصاحلني أن اإلنسان اخلبيث مهما حتفظ ليكتم أمرا ما يضمره يف نفسه‪ .‬فال بد من حصول‬
‫زلة منه أو سقطة تكشف أمره‪ .‬قال عثمان بن عفان ‪( :‬ما كتم رجل سريرة إال أبداها اهلل من فلتات لسانه وعلى‬
‫صفحات وجهه ) ومن هذا القبيل ما حصل ألركان العراقي ـ وهو أحد جواسيس أفغانستان وغوانتنامو الكبار الدهاة‬
‫كما ستعلمون خربه العجيب فيما يأيت إن شاء اهلل ـ فقد كان أركان يتغزل ويعاكس مترمجة أمريكية تعمل يف‬
‫املعتقل‪ .‬فأراد أن يبني هلا مدى عشقه وتعلقه هبا فرسم وجهها بيديه اخلبيثتني‪ .‬فكان اإلخوة الذين جبواره يتعجبون‬
‫ويستغربون من دقة رمسه‪ .‬وهذه قرينة تضاف إىل قرائن وأدلة أخرى تدل على أنه من أخطر اجلواسيس الكبار كما‬
‫ستعلمون بإذن اهلل‪.‬‬

‫بعد سرد قصة ابن الشيخ وما حصل له بسبب العمالء الذين قاموا بتسليمه للنصارى وبكشف هويته هلم أحتاج‬
‫ألن أذكركم بقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬ال يلدغ مؤمن من جحر مرتني ))‪ .‬وبقول عمر بن اخلطاب رضي‬
‫ِب وال خيدعين اخلب )) أي لست مبخادع وال خيدعين املخادع‪ .‬لذلك لعله من املناسب أن نذكر‬
‫اهلل تعاىل عنه ‪ (( :‬لست خب ٍ‬
‫ضع ولو شيئا قليال (‪ )1‬عن العمالء وضررهم الشديد على األمة عموما واملجاهدين خصوصا‪ .‬بل ال حيسن‬ ‫يف هذا امل َ ْو ِ‬
‫بنا وحنن نريد االستفادة من هذه التجربة أن منر على مثل هذه القصة مرور الكرام ؟ وكيف نفعله وحنن قد بينا يف أول‬
‫الكتابة أن ما هذه الرسائل اليت هي اآلن بني أيديكم إال صيحة نذير لتحذير املجاهدين من العمالء تكشفهم وتعريهم‬
‫حىت يكونوا على بينة منهم وليتقوا شرهم‪.‬‬

‫لذلك أقول وباهلل التوفيق إنه ال خيفى على كل من تأمل لواقعنا املؤمل‪ .‬أنه سيجد أن غالب طعنات الغدر املوجعة‬
‫اليت وجهت لألمة ولرموزها كانت عن طريق اجلواسيس والعمالء املخادعني‪ .‬سواء منهم اجلواسيس الكبار كاحلكام أو‬
‫من هم دوهنم يف الرتبة واملنصب‪ .‬وسيالحظ املتأمل أن هذه الطعنات ال تزال تتكرر مرة بعد مرة إال أن الناس غافلون‬
‫أو متغافلون عن هذا اخلطر الداهم‪ .‬ولت ُْعلم خطورة األمر وج ِّديَتَ ُه سأذكر بعض طعناهتم‪ .‬فمن هذه الطعنات إقصاء‬
‫الشريعة وعدم حتكيمها بني اخللق وحتكيم القوانني البشرية بدال منها وهي أضخم وأكرب وأفظع طعنة‪ .‬وكذلك سجن‬
‫عامل من علماء األمة الشيخ عمر عبدالرمحن كان سببه جاسوس من اجلواسيس‪ .‬والقبض على خالد الشيخ حممد‬
‫وأبو زبيدة كان بسبب العمالء‪ .‬بل لوال ستر اهلل سبحانه وتعاىل لكنا قد فجعنا قبل عدة سنوات باغتيال الشيخ‬
‫بن الدن حفظه اهلل على يد عميل من العمالء لكن اهلل سلم‪ .‬ومالبسات هذه القصة أنه كان يوجد رجل خباري فاجر‬
‫ص َّديق ‪ ,‬جاءه يف يوم‬ ‫يقضي عقوبة بالسجن يف مملكة آل سلول بسبب قضية خمدرات وسرقة‪ .‬هذا الرجل امسه ِ‬
‫ضابطان سلوليان رتبة أحدمها عقيد فعرضا عليه عرضا آمثا‪ .‬وكان هذا العرض هو أن يغتال الشيخ املجاهد أسامة‬
‫بن الدن يف أفغانستان مقابل مثن خبس‪ .‬مخسة ماليني ريال وجنسية سعودية‪ .‬وهذا العرض مقدم من امللحد بن امللحد‬
‫أعط َي على إثر ذلك دورة يف مكان معني على الرماية‬ ‫ِ‬ ‫ص ِّديق على هذا العرض مث‬ ‫سلمان بن عبد العزيز آل سلول‪ .‬فوافق ِ‬
‫باملسدس بعدة هيئات ‪ ,‬واقفا ومرتكزا ومنبطحا‪ .‬ودورات أخرى قد حيتاجها يف تنفيذ هذه املهمة اآلمثة‪ .‬مث شرحت له‬
‫اخلطة بالتفصيل ومن سيستقبله يف أفغانستان ليمهد له ويرتب أموره وكان هذا املمهد رجال عراقيا‪ .‬مث ر ُ ِّح َل إىل‬
‫أفغانستان على أنه مبعد من مملكة آل سلول وغري مرغوب فيه ‪ ,‬ليقوم بتنفيذ ذلك املخطط اآلمث ولكن ميكرون وميكر‬
‫ح أمره حبمد اهلل ‪ ,‬فقبض عليه وسلم لطالبان‪ .‬مث سجن يف سجن قندهار ‪ ,‬وبعد احتالل النصارى‬ ‫ف وَ ُف ِ‬
‫ض َ‬ ‫اهلل‪ .‬فقد ُك ِ‬
‫ش َ‬
‫ألفغانستان أخرج من ذلك املعتقل ونقل إىل املعتقالت األمريكية ليتعرف على من قام بالتحقيق معه من العرب يف‬
‫أثناء فترة اعتقاله عند املجاهدين‪ .‬طبعا أنا مل أعرف هذه القصة إال منه شخصيا‪ .‬فهو من قصها بنفسه ‪ ,‬بعدما‬
‫سلِّم وأرجع حلكومة‬ ‫ضغطنا عليه ليقص لنا حقيقة أمره‪ .‬لكنه يقول ‪ :‬إنه تاب إىل اهلل فاهلل أعلم ‪ ,‬مع العلم أنه ُ‬
‫آل سلول مرة أخرى يف هذا العام عام ‪ .2006‬لذا جيب أن يكون املجاهدون متيقظون وعلى حذر منه‪ .‬ألنه جبلوسه معنا‬
‫وخمالطته لنا يف السجن لفترة طويلة‪ .‬عرف أشياء كثرية عن اإلخوة املجاهدين ‪ ,‬فاحذروا منه لئال يستخدمها مبكر‬
‫سمح هلم أسيادهم بالتوبة‪.‬‬ ‫جديد ‪ ,‬فتوبت أمثال هؤالء صعبة بل ال ي َ ْ‬

‫(‪ )1‬وال يضر كونه قليال ‪ ,‬ألنه كما يقال ‪ :‬إن القليل بالقليل يكثرُ‪ .‬وحنن بانتظار أي أخ ليديل بدلوه ‪ ,‬ليعم النفع كل املجاهدين‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫أماحياة تسرّالصديق وإما مماتا يغيض العدا‬
‫بعدما مت نقلي إىل داخل املعسكر ال حظت كما ال حظ اجلميع أن قيادته كانت وجلة وقلقة جدا من أن يقوم‬
‫اإلخوة بعملية ضدهم ‪ ,‬فهم يعلمون جيدا بأهنم يتعاملون مع نوعية نادرة ال ختاف من املوت بل تطلبه بشدة‪.‬‬
‫كما حيرص األعداء بشدة من أجل أن يبقوا على وجه األرض أحياء يتنفسون ‪ ,‬قال تعاىل عنهم ﱫﭣ ﭤﱪ أي‬
‫املوت ﱫ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﱪ يعين تعاىل أهنم حريصون‬
‫على أ ِّي حياة كانت ﱫﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈﱪ أي أن حرصهم على احلياة أشد من حرص املشركني عليها‪.‬‬

‫وقد شاهدوا بأم أعينهم كيف تواثبت أسود اإلسالم بأنفسها على مركز التجارة العاملي من غري خوف من املوت‪ .‬ومل‬
‫يتركوه إال وهو أكرب كومة رمال يف العامل بعدما كان أعلى ناطحة سحاب يف التاريخ‪ .‬وكذلك رأوهم حينما غنموا‬
‫الطائرات األمريكية فدمر هبا بعضهم أكرب وثن يف العامل أعين البنتاغون األمريكي‪ .‬و حلق آخرون بتلك الطائرات ناحية‬
‫منتجع الرئاسة ليهشموا هبا رأس رئيسهم إال أهنا أسقطت ألن أمر اهلل بتهشيم رأسه مل حين إىل اآلن‪ .‬وشاهدوا بأم‬
‫أعينهم كيف استوىل شباب عزل ليس معهم سالح على قلعة جنك وعلى احلافالت يف بيشاور وعلى السجن العسكري‬
‫الذي قصصت لكم خربه‪ .‬مث قتلوا عددا كبريا من املرتدين واملنافقني‪ .‬ومما يكشف للقارئ شدة فزعهم ورعبهم أهنم‬
‫كانوا عندما يطلبون من أحد منا الذهاب معهم إىل التحقيق فإنه جيب عليه أن يذهب إىل مقدمة اخليمة ـ وهي يف‬
‫احلقيقة ليست خبيمة ألن سقفها سقف اخليمة فقط وإال فجوانبها أسالك شائكة ـ فينبطح على األرض ويضع‬
‫يديه فوق رأسه ويرجع باقي املعتقلون إىل آخر اخليمة مث يذهب بعض اجلنود املسلحني إىل خلف اخليمة من خارجها ‪,‬‬
‫فيصوبون السالح على املعتقلني‪ .‬مث بعد كل هذا يدخل جنود آخرون وهم يركضون ليأخذوا معهم األخ‪ .‬فيقيدون يديه‬
‫وأما رجليه فهي مقيدة باستمرار كما بينت لكم‪ .‬مث يُدخلون كيسا برأسه وبعد كل هذه اإلجراءات الطويلة ي ُ ْخرَ ُج األخ‬
‫من اخليمة‪ .‬يضاف إىل ذلك أن األنوار الكاشفة مسلطة على املعتقلني طوال الليل‪ .‬والدوريات الراجلة ال تنقطع على‬
‫مدار الساعة‪ .‬ويف كل بضعة أيام إن مل يكن يوميا ميرون مبروحياهتم من فوق رؤوسنا‪ .‬وإلرعاب املعتقلني أكثر فقد كانوا‬
‫ي ُ ْجرون تدريبات للكالب بني اخليام فينطلق أحد اجلنود جريا وقد لبس ثيابا تشبه ثياب املعتقلني فيطلقون الكلب خلفه‬
‫صن جدا ‪,‬‬ ‫ح َّ‬‫ليتعقبه فيقبض عليه ويبدأ بنهش يده املحفوظة بواقي‪ .‬يريدون إفهامنا بكل ما سبق بأن املعتقل ُم َ‬
‫وأنه لن يستطيع أحد أن يقوم فيه بأي عمل ولن ي ُ َمكن من ذلك فضال عن أن يفر منه‪ .‬من أجل ذلك الرعب (املرعب)‬
‫‪ ,‬وألن مصلحة املحققني تكمن يف أن يأتيهم املعتقل مشتت الذهن وفاقد التركيز ومنهكا من التعب وشدة اجلوع‬
‫وقلة النوم ‪ ,‬لكي ال يستطيع التركز يف كالمه الذي يقوله وليستطيعوا الضغط عليه بسهولة لذلك اتبعت قيادة‬
‫املعسكر يف إدارته سياسة التضييق الشديد على املعتقلني ‪ ,‬وتطبيق عقوبات قاسية مقتبسة من دراسات نفسية‪.‬‬

‫ولعله جيب علي يف هذا املوضع أن أذكر بعض طرق التضييق اليت اتبعها املحققون وإدارة املعسكر سواء كان هذا‬
‫يف أفغانستان أو يف كوبا‪ .‬وهذا ليس من باب التخذيل واإلرجاف كما قد يتبادر إىل أذهان بعضكم‪ .‬فإن املخذل هو من‬
‫يفند الناس عن القتال ويزهدهم فيه ‪ ,‬كمن يقول ال تؤمن هزمية اجليش أو احلر أو الربد شديد يريد بذلك صرف الناس‬
‫عن اخلروج لقتال العدو‪ .‬وأما املرجف فهو من خيوف الناس من العدو ومثاله كالذي يقول هلكت سرية من املسلمني‬
‫وضعفوا ومالنا طاقة بالكفار وحنو ذلك إن كالمي ليس من هذا القبيل ‪ ,‬بل أنا أقول بقوله سبحانه تعاىل ‪ :‬ﱫ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﱪ‪ ,‬وأقول ‪ :‬ﱫ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﱪ‪ .‬وأقول ‪ :‬اغزوا بين األصفر ‪ ,‬وقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا‬
‫‪ ,‬اقتلوهم ونكلوا هبم على بركة اهلل‪ .‬وسنوا هبم سنة أيب مصعب الزرقاوي رمحه اهلل وأسكنه فسيح جناته وجزاه‬

‫‪11‬‬
‫السنَّة احلسنة اليت سنها فيهم‪ .‬وأقول اطحنوا األنذال واذحبوهم ذحبا وطهروا األرض منهم وال‬ ‫اهلل كل خري على تلك ُّ‬
‫ختشوهم فاهلل أحق أن ختشوه‪ .‬فهذا اجلنس الكافر ال يستحق احلياة‪ .‬فما أكفره وما أجبنه وما أفسده وما أجنسه من‬
‫جنس‪ .‬وما قصدت من ذكر طرق تضييقهم إال ليعلم كل جماهد علم اليقني بأن هذا اجلنس العفن ال ينبغي إحسان‬
‫الظن فيه وأردت منه عدم التأثر بالدعايات اإلعالمية اليت تقول بأن األمريكان يراعون حقوق اإلنسان ويعاملونه باحترام‪.‬‬
‫سن الظن خبصم كافر لئيم ال يعرف يف عاداته وتقاليده وال يوجد يف املصطلحات اليت يستخدمها أي معىن‬ ‫فكيف ي ُ ْح ُ‬
‫للفضائل أو مكارم األخالق أو املروءة أو العفة‪ .‬بل كان أول ما شاهد بعينية من هذه البسيطة عند أول خروجه إليها‬
‫هو الرذيلة والفاحشة ‪.‬‬

‫لذلك أردت أن أقول لكل جماهد جياهد أعداء امللة بذكري لطرق تضييقهم علينا‪ .‬يا أيها املجاهد قاتل يف سبيل اهلل‬
‫حىت تقتل فإن ذلك خري لك بكثري من األسر‪ .‬وال تعط لألعداء أي فرصة ألن يأسروك‪ .‬أيها املجاهد إياك مث إياك أن تفعل‬
‫ذلك‪ .‬فاألسر مليء بالفنت اليت هي كقطع الليل املظلم‪ .‬والقلوب بني إصبعني من أصابع الرمحن يقلبها كيف شاء‬
‫سبحانه وتعاىل‪ .‬لذلك ينبغي أن تعلم بأنه يوجد احتمال ولو كان ضئيال بعدم الصرب على تلك الفنت‪ .‬وإن حصل ذلك‬
‫ـ أعين عدم الصرب ـ ال قدر اهلل فهذا هو اهلالك كله‪ .‬فال ينبغي لك أن تستهني هبذه الفتنة‪.‬‬

‫من أجل ذلك املقصد النبيل أقول وباهلل التوفيق إن من صور التضييق اليت كانت تتبع يف املعتقل تقليل الطعام على‬
‫املعتقلني فثالث وجبات كنا نأكلها وهي باهتة خالية من امللح مع كوهنا مكررة‪ .‬تعادل وجبة واحدة يف خارج السجن‪.‬‬
‫ويف بعض األحيان ال تكون تلك الوجبة إال لقيمات قليلة ال تقيم الصلب ‪ ,‬وقصدهم من هذا الفعل واهلل أعلم أن‬
‫ف تفكريه وينصب على انتظار الوجبة األخرى فيكون هذا هو‬ ‫صرَ َ‬ ‫يبقى املعتقل ضعيفا ومنهكا ليس به قوة‪ .‬وليُ ْ‬
‫شغله الشاغل‪ .‬وليستطيعوا ابتزازه بسهولة ومن غري تكلفة تذكر فبدال من أن يعطى عطية جزلة ليديل مبعلومة‬
‫مهمة يريدوهنا منه‪ .‬أو ليعترف على نفسه‪ .‬فإهنم يساومونه بطرق غري مباشرة ليعطى وجبة طعام شهية يسيل‬
‫هلا اللعاب يف ذلك املكان ليعترف على نفسه ـ طبعا ال يلزم من ذكر الوسيلة أنه يوجد من استجاب هلا‪ .‬لكن مبا أهنا‬
‫علي ذكرها لتتنبهوا ملكر األعداء ولتعرفوا قمة خبثهم ولؤمهم وأن‬‫َّ‬ ‫كانت تستخدم كوسيلة من وسائلهم ‪ ,‬فيجب‬
‫غالب أساليبهم مستمدة من دراسات نفسية ـ ولكن ميكرون وميكر اهلل فإهنم ما فعلوا شيئا يقصدون منه التضييق‬
‫علينا إال جعله اهلل رمحة وباب خري يفتح لنا حيثنا فيه تعاىل على كثري من الطاعات‪ .‬فبسبب قلة الطعام كان عدد‬
‫كبري من اإلخوة يكثرون من الصيام طاعة هلل أوال‪ .‬مث ليجمعوا الثالث وجبات يف وجبة واحدة ليسدوا هبا اجلوع‪ .‬مع كون‬
‫ذلك ممنوع يف املعتقل‪ .‬ومن فعله فإنه يعرض نفسه للعقوبة مع مصادرة كل طعامه ‪ ,‬وال حيتقر َّن أحد منكم هذه‬
‫ج ِّو َع لفترة طويلة تصل لسنوات فإنه قد تضعف مهته ويصيبه فتور فيقدم التنازالت نسأل‬ ‫الوسيلة فإن اإلنسان إذا ُ‬
‫اهلل العافية وهذه الطريقة كانت إحدى خطط األعداء القدماء واخلطر احلقيقي على األمة أعين هبم املنافقني كما‬
‫قال تعاىل عنهم ﱫ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈﱪ وكذلك مل يكن هناك وقت حمدد للوجبة مع أن املعروف عن الثكن العسكرية أن مجيع املواعيد‬
‫فيها منظمة جدا مما يشعرك بأن العملية كانت مدروسة وليست نامجة عن خطأ‪.‬‬

‫ومن صور ذلك التضييق أنه ال يسمح للمعتقل بالنوم إال لفترات قليلة ومتقطعة‪ .‬فقد كان جيب على كل نزيل يف‬
‫معتقل أفغانستان أن ينهض ويقف يف آخر الغرفة عندما ينادي اجلندي كل ساعة للتحضري وعند التفتيش املستمر‬
‫للخيام وعندما يُستدعى أحدنا للتحقيق ليدخل اجلنود ويقيدوا ذلك األخ قبيل اقتياده معهم‪ .‬ومىت ما ختلف أحد‬
‫منا وتأخر عن القيام فإن العقوبة تشمل اجلميع‪ .‬وأما يف غوانتنامو فقد استبدلوا هذه الطريقة بطريقة خبيثة جدا‬
‫يقطر منها املكر كله‪ .‬وهي أهنم بنوا عنابر من غرف حديدية‪ .‬فصفوا مثاين كنتينرات للبضائع‪ .‬أربع من اليمني وأربع‬
‫وجزِّأ كل واحد منها إىل ‪ 6‬صناديق (غرف) ليكون جمموع الصناديق اليت أريد هلا أن تكون صناديق عذاب‬ ‫من الشمال ُ‬
‫فأبت إال أن تكون صناديق رمحة ‪ 48‬صندوقا يزيد طوهلا عن املعتقل بشيء يسري‪ .‬وأما عرضها فقد كان اقل من ذلك‬
‫وكان جيب على املعتقل الطويل أن يثين رجليه ليستطيع أن يتمدد يف غرفته بالعرض‪ .‬مث رفعت هذه الصناديق بقوائم‬
‫حديدية فأصبحت معلقة يف اهلواء‪ .‬لذلك عندما ميشي اجلندي يف العنرب وهو يقوم بدوريته الراجلة على مدار الساعة‬
‫فإن ذلك حيدث إزعاجا يف العنرب وهزة خفيفة عند ارتطام رجليه باألرضية احلديدية مما مينعنا من النوم‪ .‬باإلضافة إىل أن‬
‫العيادة حينما تأيت لتوزيع الدواء املزيف فإهنا تأيت لتوزيعه يف منتصف الليل بعدما ينام اإلخوة‪ .‬يضاف إليه أن تنظيف‬
‫العنرب يقوم به فريق املساء وهم يتعمدون إحداث ضوضاء وإزعاج عند غسيلهم‪ .‬فكيف ننام وحنن نسمع صوت خرير‬
‫املاء والضرب املتعمد للمكانس على أرضية العنرب مع ما حيدثه اجلنود أنفسهم من إزعاج كما أنه يف بعض األحيان‬
‫يقوم املحقق بإصدار قرار بعدم السماح ملعتقل معني بالنوم وهذا القرار يسمى يف مصطلح املحققني بـ ( الطريان‬

‫‪12‬‬
‫املتكرر) ـ فيقوم اجلنود بنقل املعتقل من غرفة إىل غرفة أخرى كل ‪ 30‬أو ‪ 60‬دقيقة وعلى مدار الساعة صباحا ومساء‬
‫ويف منتصف الليل حىت ال يُـ َم َّ‬
‫كن من النوم وقد تطول هذه املدة إىل أشهر وقد تقصر إىل أقل من ذلك‪ .‬وإذا أرادوا إيذائه‬
‫أكثر فإنه يتم نقله خارج العنرب إىل عنرب آخر ليكون النقل عليه أشق وأطول ومشيه فيه وهو مقيد اليدين والرجلني‬
‫أكثر ‪.‬‬

‫ومن صور البالء واألذى الذي يواجه املعتقل يف األسر أن األعداء جيربون عليه يف حال مرضه أنواعا من األدوية‪ .‬فبعض‬
‫صنَّ َعته‪ .‬وغالبه‬
‫األدوية اليت تصرف للمرضى جمهولة املصدر وليس عليه أي عالمة تدل على هوية الشركة اليت َ‬
‫مسكنات وليست بدواء وهذا من أشد مكرهم لعنة اهلل عليهم ألنه من املعلوم أن املسكنات يف مثل الظروف اليت‬
‫كان مير هبا بعض املرضى تزيد املشكلة بالنسبة هلم ألهنا تسكن األمل فقط ‪ ,‬وال ت ُ ْبرِؤُ من الداء‪ .‬ومعلوم أن الداء‬
‫إذا مل يعاجل مباشرة فإنه يستفحل ويقوى ويتمكن من البدن أكثر مع مرور الوقت‪ .‬لذلك هم كانوا يصرفون املسكن‬
‫لفترة طويلة ليزيدوا اجلراح ولتتمكن األمراض من املعتقلني لكن بطرق ماكرة ذكية من غري أن يشعر هبا أحد‪ .‬ليخرج‬
‫املعتقل من السجن إن ُقـ ِّدر له اخلروج وهو متهالك البدن حيمل أمراضا مزمنة‪.‬‬

‫فضال عن هذا فقد كان الصليبيون يتدربون على األسرى جهارا هنارا‪ .‬ومعلوم أن هذا غري مصرح به حىت يف قوانني‬
‫واتفاقيات جنيف اليت يقدسوهنا ونربأ إىل اهلل منها‪ .‬فإن اتفاقياهتم تنص نصا صرحيا على أنه ال حيق ألي دولة أسرت‬
‫جنود دولة أخرى أن جتري عليهم جتارب وتدريبات طبية‪ .‬ومن أمثلة تلك التجارب والتدريبات اليت أجروها علينا أنين كنت‬
‫يف يوم مريضا أرقد يف ذلك املستشفى الومهي املتهالك‪ .‬فأتوا بشخص ليفحصين ونظرا لصغر سنة وعدم خربته‬
‫مع مالحظيت أن معه شخص آخر يشرف عليه يف أثناء عملية الفحص فقد شعرت بأنه يتدرب علي فرفضت فحصه‬
‫وقلت هلم‪ :‬املفترض أن هذا الرجل يتدرب يف الكلية وليس على بدين!!! ولكن بال فائدة فقد أمت عملية التدريب وأجرى‬
‫علي‪ .‬ويف مرة أخرى أتوا مبمرض ليضع يل مغذيا يف الوريد‪ .‬إال أين ال حظت انه ال يعرف استخراج العرق الذي يريد‬
‫َّ‬ ‫جتربته‬
‫أن حيقن فيه فرفضت املغذي وجتربته‪ .‬ولكنهم قالوا يل ‪ :‬ليس لك حق أن ترفض فللممرض أن حياول ضرب احلقنة ثالث‬
‫حماوالت فإذا فشلت الثالث نأتيك مبمرض آخر!! وطلب األطباء من أيب الوليد املكي أن يوافق على بتر رجله بسبب إصابة‬
‫كانت هبا ولكنه تردد واستشار واستخار‪ .‬وكان ممن استشارهم الدكتور أمين الصنعاين وهو دكتور عظام معتقل معنا‪,.‬‬
‫فنصحه بعدم االلتفات لكالمهم بعدما استفصل عن حالته بقدر املستطاع‪ .‬فغضب األطباء من األخ وقطعوا عنه‬
‫بعض األدوية اليت حيتاجها‪ .‬وحصل نفس األمر بالضبط لعبد الرمحن الصنعاين ‪.‬‬

‫وكذلك هناك تعاون وتكاتف بني األطباء واملحققني ضد املعتقل ليستخدموا أمراضه ضده وليضغطوا عليه هبا‬
‫وجيعلوهنا كوسيلة من وسائل التعذيب النتزاع املعلومات منه‪ .‬فمثال إذا أصاب أحدنا أي مرض أو أمل ‪ ,‬كوجع يف ضرسه‬
‫أو بواسري أو أكرب من هذه األمراض أو أصغر ‪ ,‬فإن الطبيب لن يقدم له العالج وال يسمح له بذلك إال بعد موافقة املحقق‬
‫الذي يتابع ملف املعتقل‪ .‬وهذا الكالم ليس فيه مبالغة ومن سأل أي معتقل كان هناك سيخربه بالعجب العجاب ومن‬
‫هذا ما حصل لألخ أيب بكر الشافعي فقد أصيب مبرض وكان يوعك بسببه وعكا شديدا لدرجة أنه يف بعض األحيان‬
‫يسقط مغشيا عليه من شدة األمل ‪ ,‬ومل تقدم له أي عناية طبية يف البلد اليت تزعم بأهنا راعية حلقوق اإلنسان ‪,‬‬
‫بسبب أن املحقق الذي يتابع ملف األخ غري موافق على منحه الدواء ‪ !!!...‬وللعلم أن غالب صور اإليذاء والعقوبات اليت‬
‫يعاقب هبا املعتقل يكون هلذا تأثري سليب على صحة األسري على املدى البعيد كما سيتضح لك فيما يأيت بإذن‬
‫اهلل‪.‬‬

‫ومن صور اإليذاء ‪ ,‬أن األسري ال يسمح له باقتناء أو متلك أي شيء يف املعتقل‪ .‬وكل ما يستخدمه فهو عرضة للسحب‬
‫واملصادرة يف أي حلظة ‪ ,‬فاملالبس اليت يرتديها تسحب منه وال يترك إال بسروال صغري يستر بعض عورته ‪ ,‬ومىت ما ركع‬
‫أو سجد يف صالته انكشفت عورته أكثر‪ .‬ويسحب غطاءه وفراشه ونعاله املطاطي والفرشة واملعجون حىت الدواء قد‬
‫يقطع عنه كعقوبة كما أسلفت لكم‪ .‬ومعلوم أن اإلنسان إذا مشى أو نام على احلديد البارد فإن هذا يسبب له العديد‬
‫من أمراض العظام واملفاصل والروماتزم والبواسري وسلس البول بسبب ارختاء األعصاب‪ .‬وحتلق حلية املعتقل ورأسه‬
‫رغما عنه ومينع من امللح يف الطعام لكي ال حيس له بأي طعم وال يتلذذ فيه بل يكون أكله من أجل أن ال ميوت فقط‪.‬‬
‫كل ما سبق يفعل على أنه عقوبات ‪.‬‬

‫وكان األعداء حريصني كل احلرص على جتنيد أكرب عدد من اإلخوة لذلك اتبعوا معهم كل الطرق والوسائل اليت‬
‫يستطيعون فتنتهم هبا ترغيبا وترهيبا‪ .‬ومن ذلك أهنم سلطوا عليهم مومسات بصورة مترمجات وحمققات طمعا‬

‫‪13‬‬
‫يف أن يضعف الوازع الديين عند اإلخوة مما يؤدي هبم إىل وقوعهم يف مستنقع الرذيلة أوال‪ .‬وثانيا‪ :‬حماولة جتنيدهم بعد‬
‫ذلك عن طريق ابتزاهم مبا سجل عليهم من أفالم فاضحة‪ .‬ومبا أُخِ َذ عليهم من اعترافات‪ .‬ولكن هذه الطريقة مل تفلح‬
‫حبمد اهلل وباءت بالفشل إال مع معتقل واحد فيما أعلم وسيأيت ذكره إن شاء اهلل‪ .‬وملا مل تفلح هذه الطريقة جلئوا إىل‬
‫طريقة أخرى لعلهم ينجحون هبا ألهنم حباجة ماسة إلسقاط األسرى بالفخ ليبتزوهم‪ .‬فقد كان يوجد معنا بعض‬
‫املعتقلني يظن العدو بأهنم ميلكون معلومات مهمة وقد حاولوا انتزاعها منهم بكل طريقة إال أهنا باءت بالفشل‬
‫فلم يبق هلم إال فتنتهم بالقوة لذلك أتوا ألحدهم بعاهرة على أهنا مترمجة عربية وبدأت تتلمس وتتحسس على‬
‫جسده بعدما قيد وربط يف أرضية غرفة التحقيق‪ .‬ولكن األخ ثبته اهلل وبصق عليها فانصرفت مث ضرب األخ من قبل‬
‫الشرطة العسكرية حىت كسرت سنه ‪.‬‬

‫ومن صور ذلك البالء العظيم أهنم قاتلهم اهلل كانوا يتعمدون بني كل فترة وأخرى امتهان الشعائر الدينية كتدنيس‬
‫املصحف وامتهانه وإيذائنا يف صالتنا ومنه ما حصل يف معتقل قندهار عندما كان عبد السالم ضعيف يؤم املصلني‬
‫يف صالة الفجر فدخل اجلنود على األسرى وضربوهم يف أثناء صالهتم‪ .‬وكحلق اللحى وأخذهم للسراويل الطويلة‬
‫وإبقاء املعتقلني يف بعض األحيان بالسراويل القصرية‪ .‬وقد يصل ألبعد من هذا يف بعض الظروف‪ .‬وقاموا بلف بعض‬
‫املعتقلني بعلم دولة اليهود‪ .‬وفعلوا أمورا أخرى يعف اللسان عن ذكرها‪ .‬يفعلون كل هذا ويزعمون كذبا وزورا بأهنم‬
‫حافظوا حقوق اإلنسان والشعائر الدينية ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﱪ وبعد تأملي هلذه األفعال وسبب صدورها منهم وجدت واهلل أعلم أهنا ترجع إىل أمرين مع قصور نظريت‪:‬‬

‫أ _ احلقد الدفني على هذا الدين ومحلته ‪.‬‬

‫ب _ أهنم يعتقدون أن كل معتقل اعتقل يف هذه احلرب ـ سواء كان يف أفغانستان أو يف العراق أو يف غريمها من الدول‬
‫ما محله على ترك األوطان واألهل واألصحاب واخلروج ملحاربة النصارى يف تلك احلرب الصليبية إال غريته على دين اهلل‬
‫‪ ,‬لذلك هم حياولون إعطائه جرعات من صدمات دينية ميتهنون هبذه الصدمات دين اهلل لتضعف هذه الغرية يف نفس‬
‫األسري شيئا فشيئا حىت تزول بالكلية‪ .‬وذلك أن اإلنسان إذا رأى تلك املقدسات اليت كان يستميت من أجل حفظها‬
‫ورعايتها وصيانتها من كل ما خيدشها ‪ ,‬عندما يراها تنتهك ومتتهن أمام عينيه أسوأ امتهان وهو ال يستطيع أن يفعل‬
‫هلا أي شيء وال يستطيع أن يذب عنها ستقل قداسة هذه األشياء يف نفسه إىل أن يتبلد إحساسه متاما يف هناية‬
‫األمر‪ .‬ومثل هذه الطرق بالضبط تستخدم يف بلداننا اإلسالمية من قبل العلمانيني واملنافقني يف اهلجوم على شرع‬
‫اهلل وعلى نبيه الكرمي صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬وعلى صحابته الكرام رضي اهلل عنهم أمجعني ‪ ,‬حىت صار آخر أمر‬
‫الناس أهنم يعدون أ َّن من هتجم على من سبق ذكرهم ورماهم بالنقائص أنه إنسان يعرب عن رأيه وهو من حرية الرأي‬
‫وهذا أمر طبيعي ‪ ,‬وهو غري ُمستنكر‪ ,‬ومن استنكره قال أنا ال أقدر أن أفعل أي شيء إال من رحم اهلل منهم‪.‬‬

‫ومبعىن آخر أقول‪ :‬إن الرسالة اليت يريدون توجيهها للمعتقل من خالل هذه املمارسات ‪ ,‬أهنم يريدونه أن يقول لنفسه‬
‫بأين إذا كنت ال أستطيع أن أدافع عن نفسي عندما أخذت مالبسي وكشفت عوريت وامتهن املصحف ومنعت من‬
‫ب تبارك وتعاىل أمامي فلم أستطع فعل أي شيء‪ .‬ومل أستطع الدفاع عن‬ ‫وس َّ‬
‫الصالة وأوذيت فيها وحلقت حلييت ُ‬
‫علي ‪ ,‬أو أن أذب عن ديين ‪ ,‬فكيف سافرت للدفاع عن اآلخرين مث يصبح بعد ذلك إنسانا سلبيا ال‬ ‫ّ‬ ‫نفسي عندما اعتدي‬
‫يعرف معروفا وال ينكر منكرا‪ .‬فاهلل أعلم أن هذا هو ما يريدون من املعتقل أن يفكر فيه وأن ينطبع يف ذهنه‪ .‬ولكن حبمد‬
‫اهلل أن النتيجة كانت بعكس مقصودهم متاما فقد تعرى العدو أمامنا‪ .‬وانكشفت سوءته القبيحة أكثر وبان جلميع‬
‫اإلخوة حقيقة القوم‪ .‬وسقطت أقنعة أوليائهم من منافقي العرب والعجم ومشاخيهم ومفتينهم وبان حقدهم على‬
‫دين اهلل وعلى محلته‪ .‬فقد كان أمرهم ملتبس على كثري من األخوة ممن ليس عندهم علم‪ .‬وأما اآلن فتحامل اإلخوة‬
‫عليهم أكثر ملا شاهدوه بأم أعينهم فليس امل ُ ْخبَر كاملُعايِن‪ .‬وعرفوا بأنه جيب على املجاهد أن حيتفظ بسالحه وال يتخلى‬
‫عنه ألي سبب كان ‪ ,‬بل يالزمه حىت يف حال نومه ويف حال راحته‪ .‬وأنه مىت ما ألقى سالحه فإنه يكون بذلك قد ارتكب‬
‫خطأ ال يغتفر قد يؤدي لتسلط خصمه عليه‪ .‬وأمحد اهلل أين مسعت من بعض اإلخوة يقولون بكل صراحة ‪ :‬اآلن قد‬
‫عرفنا أن الرجل ال يلقي سالحه‪.‬‬

‫واعلم أيها املجاهد بأن األعداء ال يفوتون أي فرصة تلقي فيها سالحك بل يغتنموهنا مباشرة وبسرعة‪ .‬وليتضح لك‬
‫هذا أكثر فاعلم أن األخ املجاهد أبا زبيدة فرج اهلل عنه وفك أسره‪ .‬تعطل سالحه فطلب من أحدهم أن يبدل له السالح‬
‫ومبجرد وصول هذا اخلرب لألعداء هجموا مباشرة على املكان الذي كان فيه األخ الفاضل ليقبضوا عليه‪ .‬إال أنه مل‬

‫‪14‬‬
‫يستسلم هلم بل قاوم بساطور لتقطيع اللحم كان حبوزته ألنه يعلم خبطورة األسر ويعلم أن القتل خري له من األسر‬
‫ولكن اهلل غالب على أمره‪ .‬وهذه القصة أخربين هبا بعض من كان مع األخ املجاهد الفاضل حني اعتقاله‪.‬‬

‫وبغض النظر عن كل ما سبق جيب أن يعلم اجلميع بأن من أخطر األمور اليت قد تواجه املعتقل يف فترة أسره أنه قد‬
‫يكون عنده معلومات وسواء كانت صغرية أو كبرية لكنها تنفع العدو إذا عرفها ـ فيأتيه ضغط فال يستطيع أن‬
‫يستحمله أو أن يصرب عليه فيتكلم ـ وسواء كان كالمه بقصد أو بغري قصد كزلة لسان ـ فيكون سببا باإلضرار‬
‫برجل مسلم وقد يتعدى الضرر ألكثر من واحد بل قد يطول األمر كل املجاهدين‪ .‬ولن ينفعه حينئذ ندمه‪ .‬وهنا لعلي‬
‫أتوقف عن سرد طرق تضييقهم ‪ ,‬ألين أحسب نفسي واهلل اعلم أين قد حذرتكم مبا فيه الكفاية مبا سبق ذكره من‬
‫األسر ومعاناته وآالمه‪ .‬ألين قصدت التحذير من األسر وليس التخويف من العدو ‪ ,‬لذا سأعرض عن ذكر باقي األساليب‬
‫كالضرب وغريها من الوسائل الساقطة‪.‬‬

‫وهنا وقبيل هناية هذه املقالة ‪ ,‬سأذكر موقفا مث ثناء مث طلبني‪ .‬أما املوقف فهو لرجل معتقل يف غوانتنامو ‪ ,‬وأردت من‬
‫بذكر املوقف دفع التوهم الذي قد حيصل للقارئ بأن األسرى قد ضعفت مهتهم بسبب تلك املمارسات الصليبية‬
‫ص َّدر َ فيهم املحقق قرار منع من النوم فكان ينقل من غرفة إىل‬ ‫واستجابوا ألهدافهم‪ .‬فاملوقف كان ألحد األبطال الذين َ‬
‫غرفة كل ساعة مع أخذه إىل غرفة التحقيق وتربيطه بأرضيتها‪ .‬وكانت طريقة التربيط كالتايل‪ :‬جيلس املعتقل على‬
‫مقعدته مث ت ُْدخَ ل يديه من حتت فخذيه مع تقييدمها حبلقة متصلة باألرض لكي ال يستطيع االستلقاء على ظهره‬
‫وال االحنراف على جنبه ويترك هكذا لساعات طوال تصل لـ ‪ 36‬ساعة أي يوم ونصف‪ .‬وال يسمح له الذهاب للخالء وال‬
‫األكل وال الشرب‪ .‬باإلضافة لوضع كشافات فالش ملونة أمام وجهه أمحر وأزرق وأصفر تضيء مث تنطفئ باستمرار‬
‫لكي ال ينام بتاتا مع تشغيل موسيقى عبدة الشيطان عليه بصوت عال‪ .‬ومنعوا عنه الدواء ملرض كان فيه‪ .‬وملا طالت‬
‫املدة أردت تصبريه وتثبيته على مصيبته‪ .‬فما أن بدأت الكالم معه عن الصرب حىت قاطعين قائال ‪ :‬يا أبا صاحل إذا رأيت‬
‫أعداء اهلل راضني عنك فاعلم بأن عندك خلل فراجع نفسك ومىت ما رأيهم غري راضني عنك ويبغضونك فامحد اهلل‬
‫ـت ومل أنطق بأي كلمة إال قويل جزآك اهلل خريا ‪.‬‬ ‫فس َ‬
‫ك ُّ‬ ‫ألن هذا يعين أنك على خري َ‬

‫وأما الثناء واإلشادة فهي باألخ البطل الشهيد حنسبه واهلل حسيبه وال نزكي على اهلل أحدا أبو مصعب الزرقاوي‬
‫وبأنصاره الذين نصروه وعزروه ونكلوا بعباد الصليب أميا تنكيل فقذفوا الرعب يف قلوهبم وشردوا هبم من خلفهم‪،‬‬
‫حىت صار هذا الرعب باديا وظاهرا على وجوههم‪ .‬فلعنة اهلل عليهم وعلى وجوههم‪ .‬وقد رأيت بنفسي وأنا يف غوانتنامو‬
‫كيف دب الرعب يف قلوهبم عندما حنر البطل أبو مصعب بيديه الكرميتني أحد العلوج‪ .‬فأصبحوا يف حيص بيص! وأذكر‬
‫هنا هذه القصة من باب إدخال السرور على قلوب القراء الشرفاء الكرام ‪ ,‬وحلث خليفته أبا محزة على هنج الطريق‬
‫الذي سلكه سلفه ليكون خري خلف خلري سلف‪ .‬وليعلم الشيخ املهاجر بأن طريقة سلفه كانت مؤثرة بالعدو ومثمرة‪،‬‬
‫لذلك أقول‪ :‬لقد كنا يف يوم أحد العنابر يف غوانتنامو فتسرب إلينا خرب مضمونه‪ ،‬أن أحد العلوج ن ُحر بالسكني وصور‬
‫ذلك بشريط فيديو مث نشر هذا التصوير يف كل وسائل اإلعالم ‪ ,‬فأردنا التأكد من صحت هذا اخلرب ‪ ,‬فتحدث أحد اإلخوة‬
‫مع أحد اجلنود عن أمر معني مث سأله هل شاهدت يف التلفاز ذلك الرجل الذي قطعوا رأسه بسكني‪ .‬فسكت اجلندي ومل‬
‫يتكلم مث ذهب هبدوء وخرج خارج العنرب‪ ,‬فاستغربنا من هذا التصرف‪ .‬ومل ندر ما الذي محله عليه‪ .‬وملا دخل ذلك اجلندي‬
‫إىل العنرب مرة أخرى ناداه ذلك األخ وقال له مالك ما الذي حصل لك عندما سألتك ذلك السؤال‪ .‬فقال والدموع تتالمع‬
‫يف مقلتيه اخلبيثتني وهو يوشك أن يبكي‪ :‬لقد كان منظرا بشعا‪ .‬فلما تأكد لنا اخلرب كدنا نطري من الفرح وواهلل لقد‬
‫قال أكثر من واحد منهم لو نعلم بأننا سنرسل للعراق هلربنا إىل كندا وملا ذهبنا إىل هناك كل هذا من شدة رعبهم‪,‬‬
‫فلله درك يا أبا مصعب لقد أفزعتهم أنت وأنصارك بتوفيق من اهلل أميا فزع وواهلل لو كان أبو مصعب حيا واستطعت‬
‫الوصول إليه لقبلت رأسه وبني عينيه إلدخاله السرور على قلوبنا يف ذلك املحبس‪.‬‬

‫وأما الطلبان فهما مقدمان لوزير احلرب يف دولة اإلسالم حفظها اهلل ورعاهاوجعلها غصة يف حلق كل من يف قلبه‬
‫مرض َ‬
‫وشرِ َق هبا‪:‬‬

‫األول ‪ :‬يا حبذا لو أنه حفظه اهلل ينحر واحدا بيديه الكرميتني ويهدي هذا العمل جلميع إخوانه املأسورين يف كل السجون‬
‫ليفرحهم ويدخل السرور إىل قلوهبم بعد طول احلزن والكآبة فإن اخلرب سيصلهم وال شك مع من سيلحق هبم‪.‬‬

‫وأمـا الثاين ‪ :‬فأطلب منه أن يرتب عملية ضخمة يأسر هبا كبريا من كرباء العدو فيطالب باستبداله بأسرى املسلمني‬

‫‪15‬‬
‫وعلى رأسهم النساء واألخ خالد الشيخ حممد ‪ ,‬وأبو زبيدة ‪ ,‬والشيخ عمر عبد الرمحن ‪ ,‬وابن الشيخ ‪ ,‬ورمزي بن‬
‫الشيبة وغريهم‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫هم العدوّ فاحذرهم‬
‫{يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم}‬

‫مبا أين تعهدت يف مقدمة املوضوع أن أجتنب حشو الكالم وإطالته واإلعراض عن ذكر القصص واملواقف احلزينة‬ ‫ ‬
‫طيَكم زبدة املوضوع حفاظا على أوقاتكم الثمينة ‪ ,‬لذلك‬ ‫أع ِ‬
‫ما مل تكن هناك مصلحة راجحة من ذلك‪ .‬والتزمت بأن ْ‬
‫يسعدين أن أقول لكم ‪ :‬إن فراغي من هذه املقالة ‪ ,‬معناه أين فرغت من كتابة املوضوع كامال ففيما ذكرت من النصائح‬
‫والعرب ُغ ْنيَة وكفاية عن اإلطالة للبيب أراد االتعاظ واالعتبار‪ .‬فقد ذكرت حبمد اهلل بعض القصص اليت تدل على صرب‬
‫الشباب واحتساهبم وجلدهم‪ .‬وبينت طرق الضغط اليت اتبعها العدو ‪ ,‬وأساليبهم يف فنت األسرى ‪ ,‬وقصدي من ذلك‬
‫كما تقدم أن حيرص املجاهد كل احلرص على القتال حىت املوت ‪ ,‬وعلى فرض أنه مع حرصه من عدم وقوعه يف األسر إال‬
‫أنه قد حيصل خالف ذلك‪ .‬من أجل ذلك االحتمال قد بينت طرق املحققني يف انتزاع املعلومات ‪ ,‬وهذه خالصة املوضوع‬
‫املركزة ‪ ,‬فيما أظن ‪ ,‬واهلل تعاىل أعلى وأعلم ‪.‬‬

‫لذلك أقول على بركة اهلل‪:‬‬

‫ذكرت يف املقالة السابقة كل الطرق واحليل اليت عرفتها من خالل جتربيت وقام العدو باستخدامها يف استخالص‬
‫املعلومات من األسرى ومل أترك إال طريقة واحدة نظرا ألمهيتها وخطورهتا‪ .‬فقد آثرت أن أجعل هلا مقالة منفصلة‬
‫لتعطى حقها املناسب هلا كامال‪ .‬و قررت تأخريها إىل هناية كل املقاالت ‪ ,‬لتبقى عالقة يف الذهن فال تنسى‪ .‬ألهنا قضية‬
‫حساسة وشائكة للغاية‪ .‬وطاملا آذت املسلمني ‪ ,‬وكانت خنجر غدر يُطْـ َعن به مرة بعد مرة‪ .‬كل خملص يريد رفعة دين‬ ‫ّ‬
‫اهلل وإصالح ما أفسده املنافقون‪ .‬وهذا اخلنجر الذي أعنيه هو خنجر اجلاسوسية‪ .‬فقد سلط علينا العدو جواسيسه‬
‫ليستخلصوا من املعلومات ما عجزت عنه التكنولوجيا املتطورة‪ .‬ألن اجلواسيس كما أسلفنا هلم جماالت وأعمال‬
‫ال تستطيع األقمار الصناعية وال أدق األجهزة القيام هبا‪ .‬فعلى سبيل املثال يستطيع األسري أن يتحدث مع صاحبه‬
‫عن أخطر األمور باستخدام إشارات اليد‪ .‬ولن تستطيع كل األجهزة والكامريات رصد فعله هذا‪ .‬لذلك هم حيتاجون‬
‫جلاسوس يرصد كل احلركات والسكنات حىت يف الزاويات اليت ال تصلها الكامريات‪ .‬وأيضا يستطيع اجلاسوس املتستر‬
‫بصورة أخ مشفق أن يبث إشاعات بني األسرى حتدث بلبلة وربكة كبرية قد تكون سببا يف سقوط عدد كبري من اإلخوة‬
‫البسطاء‪ .‬كما هو حال بعض املتسترين يف املنتديات اجلهادية بصورة إخوة خملصني كما أمسع‪ .‬ويستطيع اجلواسيس‬
‫والعمالء املتسترون بصورة طالب علم وعلماء أن يضلوا قطعانا كبرية جدا من املسلمني بفتاواهم السياسية‪ .‬وأن‬
‫يسلطوا املنافقني واليهود والنصارى على رقاب املسلمني باسم الدين وطاعة ويل األمر‪ .‬كما بينا ذلك يف أول املوضوع‪.‬‬
‫لذلك ينبغي أن يعلم أن للجواسيس والعمالء أعماال ومهمات كثرية أكثر من أن حتصر‪ .‬وال يقتصر عملهم على نقل‬
‫الكالم كما يظن كثري من الناس ‪ ,‬بل إهنم يتقمصون شخصيات متعددة حبسب ما تقتضيه الظروف من جماهدين‬
‫ودعاة ومصلحني وعلماء وحكاما وغريها من الشخصيات‪ .‬وقد تبني صدق هذا للجميع‪ .‬وال يستطيع إنكاره إال إنسان‬
‫مكابر معاند أو إنسان عميل يدافع عن أسياده العمالء‪ .‬من أجل تلك احلقيقة املرة مل يغفل العدو هذا الدور اخلطري‬
‫للجواسيس والعمالء ‪ ,‬فاستعان هبم علينا‪.‬‬

‫وبعون اهلل سأكتب نبذة خمتصرة عن كل اجلواسيس الذين رأيتهم‪ .‬وسأذكر لكم بعض ما فيهم من الصفات ‪,‬‬
‫لتكون مبثابة تنبيه وحتذير للمجاهدين من كل من يتصف بتلك الصفات ‪ ,‬وقد نبهنا اهلل سبحانه إىل ذلك أعين إىل‬
‫االعتبار بالصفات ‪ ,‬بقوله تعاىل لنبيه صلى اهلل عليه وسلم بعد أن فضح له املنافقني ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫‪17‬‬
‫ﭕﭖ ﱪ ‪ ,‬أي أنك ستعرفهم بعالماهتم ‪ ,‬مث قال تعاىل ﱫﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﱪ أي مبعناه إذا تكلموا عندك مبا‬
‫فيه هتجني أمر املسلمني أهـ ‪.‬‬

‫ومن خالل معرفة سريهتم القبيحة ستعرف بالتايل وظائف اجلواسيس‪ .‬وبإذن اهلل سأقتصر على ذكر أمساء اجلواسيس‬
‫اخلُـلَّص املتفق على جاسوسيتهم‪ .‬وأما من كان أمره ملتبسا وحالته مشتبهة ‪ ,‬فسأحتاط لديين وال أذكر امسه‬
‫ألين سأضع احتماال بأن يكون هذا الرجل رجال أمحقا أورد نفسه املهالك بسبب سذاجته ووضع نفسه يف املواقف‬
‫املحرجة‪ .‬ولكن مع هذا االحتياط فإين سأذكر مواقفه املريبة ليتعظ هبا اآلخرون‪ .‬وليتجنبوا وضع أنفسهم يف مواضع‬
‫الرِّيَب‪ .‬ومىت ما سألين عنهم يف املستقبل أهل اجلهاد العاملني وعن أمسائهم فسأخربهم هبا ليتجنبوا إدخاهلم‬
‫يف ساحات اجلهاد (لكن بشرط أن أثق بأن هذا السائل هو جماهد وليس ‪ .)....‬وصحيح بأننا ال منلك دليال صرحيا وحجة‬
‫بينة ندخلهم هبا يف زمرة املنافقني ‪ ,‬ولكن يف نفس الوقت قد أصبح أمر هؤالء مشكال علينا‪ .‬لذلك حنن ال نستطيع‬
‫إدخاهلم إىل ساحات اجلهاد للشبهة اليت أثاروها على أنفسهم‪ .‬وال يستغرب أح ٌد هذا القول والفعل مين ‪ ,‬فإن هذا‬
‫الفعل له أصل يف الشريعة‪ .‬أال ترون أن العلماء يقولون ‪ :‬إن اإلمام حيق له أن مينع املُخَـ ِّذل واملرجف من حضور املعركة‬
‫‪ ,‬ملا يف حضورهم من ضرر قد يلحقونه باملسلمني‪ .‬مع أهنم ليسوا بكفار ‪ .‬واهلل تعاىل أعلى وأعلم‪.‬‬

‫تنبيه ‪ :‬قبل شروعي يف ذكر أمساء اجلواسيس وأفعاهلم أشري إىل أن غالب اجلواسيس هم من تلك الدولة اليت قهر‬
‫أهل السنة فيها الصليبيني ( أي من اجلنسية العراقية )‪ .‬وال تستغربوا من هذا فإنه سيتبني لكم ال حقا بأهنم مل‬
‫يكونوا من أهل السنة طرفة عني بل كانوا جموسا أثىن عشرية‪ .‬يقومون بنفس مهمة ودور سلفهم ابن العلقمي عليه‬
‫وعليهم لعائن اهلل املتتابعة واملتتالية إىل يوم القيامة‪ .‬فإذا عرف السبب بطل العجب ‪ .‬لذلك اقتضى التنويه‪.‬‬

‫بعدما نقلت من معتقل باغرام إىل معتقل قندهار ‪ ,‬واستقررت فيه لفترة من الزمن‪ .‬ال حظت أن الصليبيني أحضروا‬
‫جمموعة صغرية من املعتقلني‪ .‬ووضعوهم يف أول األمر يف معزل عن باقي األسرى يف خيمة منفصلة‪ .‬فرمقهم بعض‬
‫اإلخوة حديدي (أي أقوياء) البصر ليستكشف األمر فإذا باخلرب اآليت هو أن هؤالء األشخاص هم اجلواسيس الذين ألقي‬
‫القبض عليهم يف أفغانستان قبل دخول القوات األمريكية ومت إيداعهم يف سجن قندهار‪ .‬مث ملا نزل الصليبيون إىل‬
‫أرض أفغانستان ‪ ,‬قاموا بإخراجهم من ذاك السجن وأحضروهم إىل سجن جديد يف معتقل مطار قندهار بدال من أن‬
‫يكافئوهم على عمالتهم باخلروج‪( .‬والكالم هنا ال يشمل رأس الكفر والزندقة واإلحلاد أركان العراقي املجوسي كما‬
‫سيأيت يف قصته بإذن اهلل)‪ .‬مث اتضح لنا فيما بعد أهنم جاؤوا هبم ليتم استخدامهم من جديد ‪ ,‬وليأخذوا ما عندهم‬
‫من معلومات (على الطبيعة) عن مجيع اإلخوة وباخلصوص عن القواد وعن اإلخوة الذين حققوا مع اجلواسيس عند‬
‫أول القبض عليهم (ألن هؤالء املحققني يعتربون عند األمريكان حمققني تنظيم القاعدة)‪ .‬وعن اإلخوة الذين كانوا‬
‫يضغطون على اجلواسيس يف أثناء التحقيق‪ .‬ومبعىن آخر أن من األسباب اليت دفعتهم باملجيء هبم أهنم يريدوهنم‬
‫أن يكونوا شهودا على اإلخوة ‪ ,‬مع العلم أن كل أولئك اجلواسيس أعلنوا توبتهم وندمهم يف أثناء فترة سجنهم على‬
‫اخلطأ الفادح الذي ارتكبوه‪ .‬ولكن صدق املثل الذي يقوله العوام «ذيل الكلب ال ينعدل»‪.‬‬

‫وكان الشياطني املحضرون هم ‪:‬‬

‫‪1‬ـ رأس الكفر أبو هلب العصر‪ ,‬الشيطان اإلنسي الكبري ‪ :‬أركان حممد قافل الكرمي ‪ ،‬الشهري بإسالم العراقي‪ .‬ذلك‬
‫الرجل الذي كل من مسع بأنه جاسوس صعق من هول الصدمة‪.‬‬

‫‪2‬ـ عبد الرحيم عبد الرزاق اجلنكو‪.‬‬

‫‪3‬ـ عبد احلكيم البخاري‪.‬‬

‫‪4‬ـ هشام الروسي‪.‬‬

‫‪5‬ـ صديق التركستاين وقد سبق ذكر قصته‪.‬‬

‫أولئك هم الشياطني املحضرون‪ .‬ويضاف إليهم ‪ ,‬أعداء اهلل سعد الباكستاين وياسر با سرده وعلي وجواد وحسن‬

‫‪18‬‬
‫العراقيني‪ .‬وأما بالنسبة لبشر الراوي فلم أعلم بأنه كان عميال حمنكا إال بعد إطالق سراحي وقراءيت لكالمه عن نفسه‬
‫بأنه كان جاسوسا على الشيخ أيب قتادة الفلسطيين فك اهلل أسره‪ .‬وبأن جهاز املخابرات الربيطاين (‪ )MI5‬قد ختلى‬
‫عنه وسلمه يف القارة األفريقية لألمريكان‪ ,‬فقبح اهلل مجيع اجلواسيس ‪.‬‬

‫وسأبدأ اآلن بفضحهم مبعونة من اهلل لكي ال يتم استخدامه مرة أخرى فإن هؤالء األخباث مبخالطتهم لألخوة قد‬
‫عرفوا الكثري الكثري من أخبار الشباب واهتماماهتم‪ .‬فاخلوف كل اخلوف من أن يتم إرساهلم ملناطق اجلهاد النائية ممن ال‬
‫يعرفون خربهم‪ .‬فيطعنوا املجاهدين طعنة خبيثة جديدة ‪ ,‬فإن سعدًا الباكستاين قد اعترف أمام اإلخوة بعدما ضُـيِّقَ‬
‫عليه يف عنرب امسه (عنرب روميو) بأنه أحضر إىل غوانتنامو ملهمة معينة‪ .‬وأن بانتظاره بعد اخلروج مهمة أخرى ‪ ,‬هذا‬
‫ما قاله بعظمة لسانه النجسة‪.‬‬

‫ولن أتكلم عن صديق التركستاين ألنه قد سبقت معنا قصته فال حاجة لتكرارها مرة أخرى‪ .‬وأما هشام الروسي فأنا‬
‫ال أعرف عنه أكثر من أن اإلخوة املجاهدين من اجلمهوريات الروسية املتواجدون يف أفغانستان قاموا بتسليمه لطالبان‬
‫مث أودع يف سجن قندهار بتهمة التجسس وملا نزل الصليبيون إىل أرض أفغانستان أخذوه معنا إىل معتقالهتم‪ .‬إال أنه‬
‫أطلق سراحه مع دفعة من املعتقلني تسلمتهم روسيا‪ .‬وأما بشر الراوي فإليكم بعض ما تكلم به عن نفسه‪ .‬وقالت‬
‫عنه الصحف الربيطانية يف يوم األحد بتاريخ ‪ 29‬يوليو ‪ ( :2007‬يروي بشر يف لقاء مع ديفيد روز نشرته األوبزيرفر والديلي‬
‫أون صنداي‪ ،‬رحلته من ُمخرب جلهاز األمن الداخلي ‪ MI5‬إىل معتقل خليج غوانتنامو ويتهم الراوي جهاز املخابرات‬
‫الداخلية الربيطانية باخليانة‪ ،‬فيقول إن وكالة االستخبارات املركزية األمريكية سي آي إيه اعتقلته تقريبا بأمر اإلم آي‬
‫فايف‪ ،‬اليت جتاهلته وخذلته وتركته ملصريه عام ‪ ،2003‬باعتباره مواطنا عراقيا‪ .‬وحيكي الراوي عن رحلته من بريطانيا‬
‫إىل معسكر االعتقال األمريكي يف غوانتنامو حيث سيمكث إىل حني اإلفراج عنه وإعادته إىل مهجره الربيطاين‪ .‬ويقول‬
‫الراوي إنه تعرض للتعذيب خالل الرحلة بني بريطانيا واملعتقل ـ الراوي الذي كان «واسطة بني جهاز األمن الداخلي‬
‫الربيطاين و خطيب املسجد أبو قتادة [ أي أنه كان جاسوسا عليه لصاحل االستخبارات الربيطانية] الذي يقضي عقوبة‬
‫بالسجن يف بريطاين ا»ـ كشف عن هذه املعلومات لصحيفتني بريطانيتني‪ ،‬بغرض «لفت االنتباه» إىل صديقه ورفيق‬
‫املعتقل مجيل البنا‪ .‬الذي ال يزال معتقال يف غوانتنامو)‪ .‬هذا ما حكاه هو عن نفسه ‪ ,‬أال فلعنة اهلل على الظاملني‪.‬‬

‫‪ -‬علي عبد املطلب عويد حسان الطائي هكذا نشر البنتاغون امسه‪ .‬وأما ما قاله هو بنفسه قبل أن تتضح لنا‬
‫علي مع املجاهدين العرب يف مشال‬
‫ٌ‬ ‫عمالته أن امسه علي طالب‪ .‬وهو من سكان بغداد وأما أصله فمن الناصرية‪ .‬كان‬
‫ألقي القبض عليه مع من تبقى حيا من املجاهدين يف قلعة جنك يف مزار‬
‫َ‬ ‫أفغانستان‪ .‬وبعد انسحاهبم من الشمال‬
‫شريف‪ .‬وكان فيما يقصونه عنه أنه من أول اخلارجني من القلعة‪ .‬من أجل هذا كنا حنسن فيه الظن ونظنه بأنه منا‬
‫وفينا‪ .‬ولكن حصل شيء نفر الناس منه شيئا فشيئا إىل أن انكشف أمره وسقط قناعه‪.‬‬

‫وهذا األمر هو أن قيادة القوات الصليبية يف مطار قندهار‪ .‬كانت جتري يف داخل املعتقل عمليات تنقالت للمعتقلني‬
‫بشكل مستمر كل بضعة أيام‪ .‬ويف غالب تلك التنقالت يكون هو أحد املنقولني من خيمة إىل أخرى‪ .‬فكانت كثرة‬
‫تنقالته ملفتة للنظر بالنسبة لنا‪ .‬باإلضافة إىل أن اإلخوة الذين يعرفونه أنكروا تغريه كثريا ومن أحواله‪ .‬إىل أن تبني يل‬
‫فيما بعد واهلل أعلم ‪ ,‬بأنه كان ينقل لريى أكرب عدد من املعتقلني ليتعرف عليهم‪ .‬وليوصل كل ما يسمعه من كالم‬
‫األسرى‪ .‬فقد كانت التحقيقات يف أوهلا‪ .‬وأي معلومة حيصلون عليها يف ذلك الوقت تعترب مهمة للغاية‪ .‬فهم حياولون‬
‫أن يظفروا بأي شيء عن أي معتقل سواء له قيمة أم ال ؟ وقد تساعدهم تلك املعلومة يف القبض على شيخ املجاهدين‬
‫أسامة بن الدن الذي أذاق الصليبيني مرارة اهلزمية‪ .‬مث بدأت أموره تسوء أكثر فأكثر‪ ,‬ورائحته تنتشر أكثر وأكثر‪ .‬فأخذ‬
‫يتثاقل عن الصالة وينام يف وقتها‪ .‬ويف مرة من املرات نصحه أحد اإلخوة بأن يقوم ليصلي معنا يف الوقت ‪ ,‬فقال له‬
‫ليس لكم أي عالقة يب‪ .‬فأنا أصلي مىت أشاء‪ .‬مث حذر اإلخوة فيما بعد ذلك الناصح من االحتكاك به مرة أخرى ‪ ,‬فتجنبه‬
‫وجتنبه غالب املسلمون هناك‪ ,‬إال من مل يعرف حالة‪.‬‬

‫وبعد ذلك بفترة أنتشر خرب بني املعتقلني بأن عليا تنصر وخرج من امللة‪ .‬واعترف هو بنفسه بصحة هذا اخلرب‪ .‬بل‬
‫وصار حياول حتريش اجلنود على األسرى بقوله ‪ :‬هؤالء يعادونين ألين أصبحت نصرانيا إال أن هذا التنصر وتلك احليلة‬
‫مل تنفعه بشيء‪ .‬وساءت حالته أكثر‪ .‬بل أصبح يترقى يف مراتب الكفر والزندقة والعياذ باهلل إىل أن وصل به األمر‬
‫إىل أنه سب اهلل تبارك وتعاىل أمام األسرى‪ .‬وزاد على ذلك أنه أصبح يسب الصحابة وأمهات املؤمنني وعلماء السنة‪.‬‬
‫وعلى وجه اخلصوص صار يلعن معاوية بن أيب سفيان رضي اهلل عنه‪ .‬وهذا بال شك ليس مبستغرب على رجل سب‬

‫‪19‬‬
‫اهلل جل وعال‪ .‬فقد أزاح قناعة وكشف عن وجهه احلقيقي بأنه رافضي اثىن عشري‪ .‬وبَيَّن بأن هذا هو مذهبه احلقيقي‪.‬‬
‫مما يدل على انه مل يكن من املجاهدين طرفة عني‪ .‬لكنه واهلل أعلم كان عميال مدسوسا يعمل لصاحل جهة معينة‬
‫تأيت بأخبار املجاهدين العراقيني فتستر بشخصية إنسان جماهد لتسهل عليه مهمته‪ .‬وكثرة حتول وتلون دينه (ظاهرا‬
‫ألنه يف احلقيقة من غري دين) من رافضي إىل سين إىل نصراين إىل ملحد ال يدين بدين بل يسب اهلل إىل رجوعه للرفض‬
‫واملجوسية مرة أخرى ‪ ,‬يدل على أنه إنسان ليس عنده مبدأ فهو يدين ويتبع مصلحته فقط أينما كانت‪ .‬وهذه املالحظة‬
‫دفعت أحد الصليبيني ألن يقول بكل صراحة ‪ :‬نـحن نعرف أن هذا اإلنسان حقري‪.‬‬

‫لذلك كان من السهل عليه أن يصبح عينا ساهرة لألمريكان تتجسس على اإلخوة‪ .‬وإذا أراد العدو إيذاء أحد من‬
‫املعتقلني وضعوه عند ذلك اخلبيث‪ .‬فيسب أباه وأمه صباحا ومساءا ويسب دين اهلل وأمهات املؤمنني‪ .‬لكن مع كل‬
‫اخلدمات اليت كان يقدمها وال زال إىل اآلن هو وأصحابه ‪ ,‬فالصليبيون غري راضون عنهم مجيعا‪ .‬بل يف بعض األحيان‬
‫ينكلون هبم ويعاقبوهنم عقوبة شديدة‪ .‬فكانت حاله وحال غريه من اجلواسيس عربة من العرب اليت أرانا إياها ربنا تبارك‬
‫وتعاىل يف ذلك املكان بأم أعيننا‪ .‬فقد أرانا سبحانه وتعاىل أن ذلك اإلنسان جعل الدنيا أكرب مهه وكان حريصا عليها‬
‫ويقدمها على رضى اهلل‪ .‬وقد حاول إرضاء البشر بغضب اهلل‪ .‬فسخط اهلل عليه وأسخط عليه البشر وسيبوء خبسران‬
‫الدارين إن مل يرجع عن غيه ـ ومما رأيته بأم عيين وما عرفته من شأنه فأنا أظن بأنه لن يرجع ـ ومل ينل منها ما كان‬
‫حيرص عليه‪ .‬بل إن اهلل عامله خبالف قصده فغالب اإلخوة الذين كان يسعى جاهدا ضدهم خرجوا من غوانتنامو وهو‬
‫ال يزال قابعا يف ذلك املكان حبسرته على الدنيا وفواهتا عليه‪.‬‬

‫‪ -‬أبو فاطمة هو أثىن عشري عراقي يقيم يف أفغانستان‪ .‬يتكلم الفارسية بطالقة ويزعم بأنه تاجر يستورد السيارات‬
‫من اجلمهوريات الروسية ‪ ,‬مث يبيعها يف أفغانستان‪ .‬والعجيب يف شأنه أنه يشتكي يف نفس الوقت من سوء حالته‬
‫املادية‪ .‬ومل يكن له أقارب يف أفغانستان ماعدا رجال واحدا رافضيًا مثله‪ .‬وهذا يعرف من امسه فإن امسه حسن عبد‬
‫السيد‪ .‬وحسن هو ذاك اخلبيث الذي َّ‬
‫قطع املصحف ورماه يف اخلالء‪.‬‬

‫وقد كان األسرى يستغربون من تناقضات قصة أيب فاطمة‪ .‬فإنه مل يكن له أقارب يف أفغانستان لريحل إليهم‪ .‬وهو‬
‫ليس مبجاهد ليسافر إىل أفغانستان من أجل أغراض نبيلة !‪ .‬بل هو رافضي حىت النخاع يسب الصحابة وأمهات‬
‫املؤمنني جهارا هنارا ‪ ,‬كما مسعته شخصيا يفعل ذلك ‪ ,‬يف الوقت الذي يشتكي فيه رافضة أفغانستان من سوء‬
‫أوضاعهم احلياتية هناك ؟ فما الذي يدعوه لالستقرار يف أفغانستان مع تعصبه ملذهبه املجوسي ‪ ,‬مث يزعم بأنه يقيم‬
‫يف أفغانستان بصفة تاجر ‪ ,‬يف نفس الوقت الذي يهرب فيه من كثري من أهلها طلبا للمادة ؟! ‪ ,‬ويدعي كذلك بأن ظروفه‬
‫املادية منهكة ؟ باإلضافة إىل حرصه الشديد بأال يعرف أحد امسه احلقيقي مع أن األمر انتهى وانقضى فاجلميع يف‬
‫قبضة األمريكان وهم يعرفون امسه احلقيقي‪ .‬وال يوجد منا أحد يعرفه قبل سجنه بتاتا ليكتم امسه عنه مث هو يزعم‬
‫بأنه رجل تاجر فألي شيء يفعل كل هذه األمنيات فنحن مل نرَ ومل نسمع عن تاجر يفعل ما يسمى باألمنيات‪ .‬تلك‬
‫التناقضات والغموض الذي يلف قضيته جعل األسرى يتعاملون معه ومع قريبه حسن حبذر شديد‪.‬‬

‫إال أنه مل يصرب بل حن إليه عرقه ‪ ,‬عرق العمالة ‪ ,‬عرق أجداده الطوسي وبن العلقمي‪ .‬من سب خري البشر أصحاب‬
‫نبيكم صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬والتعامل مع كل عدو هلذا الدين وخدمته ملحاولة إطفاء نور اهلل‪ .‬فقد تبني لنا أن هذا‬
‫اإلنسان كان عينا ساهرة لألمريكان‪ .‬بل وصل به األمر أنه صار يصرح بذلك جهارا هنارا‪ .‬ويقول بأنه سيوصل معلومات‬
‫عنا للمحققني‪ .‬وأصبح يتوعد اإلخوة بأنه سيفعل ويفعل ‪ ,‬طبعا هو وغريه مل يتجرؤوا على مثل هذه األفاعيل واألقوال‬
‫من التجرؤ على دين اهلل تبارك وتعاىل وقذف املحصنات العفيفات وسب الصحابة وهتديد األسرى بأهنم سيمزقوهنم‬
‫ويقطعون أوصاهلم والفتك هبم‪ .‬إال بعدما نقلنا إىل غرف انفرادية يف غوانتنامو ‪ ,‬كما هو معروف من حال اجلبناء‪ .‬وأما‬
‫عندما كنا يف قندهار يف خيام مجاعية فقد كان لعنة اهلل عليه يطيل السكوت والصمت من جبنه‪.‬‬

‫مث استخدمه الصليبيون هو وأضرابه ومن على شاكلته ‪ ,‬باإليذاء النفسي لألسرى بسبهم لدينهم وللرموز املبجلة‬
‫عندهم من أمهات للمؤمنني و‪ , .....‬باإلضافة إىل حماولتهم الستدراج األسرى ليفصحوا عما يف نفوسهم ‪ ,‬بسبهم‬
‫للشيخ الفاضل أسامة بن الدن يف حماولة منهم الستفزازهم ليقول أي شيء قد ينفع أسيادهم‪.‬‬

‫واستمر هبذه املهمة‪ .‬إىل أن كشف اهلل أمر اخلبيث وانقلب سحره عليه‪ .‬فنكل اهلل به أميا تنكيل‪ .‬وعامله الكرمي‬
‫سبحانه املنتقم ألوليائه خبالف قصده‪ .‬كما سيتبني للقراء ال حقا يف قصة يا سر با سرده بإذن اهلل‪ .‬وهذه املجموعة‬

‫‪20‬‬
‫تؤدي دورا وعمال معينا يف جاسوستها وعمالتها‪ .‬وهناك نوع آخر من اجلواسيس كما سيأيت بإذن اهلل هلا دور آخر‪.‬‬

‫‪ -‬جاسم با سرده‪ .‬هكذا جاء امسه يف كشوفات أمساء األسرى اليت أفرج عنها البنتاغون‪ .‬وأما ما نعرفه نـحن وما‬
‫يعرفه عنه من يسكن معه يف أم القرى مكة‪ .‬أن امسه ياسر با سرده وكنيته أبو حممد وليس كما أعلنه البنتاغون‬
‫لكين ال اعرف ما هو قصدهم من تغيريهم المسه؟‪ .‬وال أظنها إال إهنا حيلة جديدة منهم‪ .‬ولكن ما يعنينا اآلن هو‬
‫أن ياسر با سرده رجل ميين مقيم مبكة‪ .‬كانت حياته يف فترة من الزمن سيئة للغاية‪ .‬لكنه تاب (فيما يظهر للناس)‬
‫مث توجه إىل أفغانستان ليجاهد‪ .‬وكان ضعيف الدين كما رأيته بنفسي وكما حيكيه عنه الثقات ممن خالطوه وكانوا‬
‫معه يف أثناء فترة تدريبه‪ .‬كما أنه كان يعصي أوامر املدربني‪ .‬وكان متمردا عليهم‪ .‬ويثري املشاكل باستمرار‪ .‬مث توجه مع‬
‫املجاهدين بعد ضربات ‪ 9\11‬املباركة إىل تورا بورا‪ .‬ففعل أيضا كثريا من املشاكل‪ .‬وبعد حصول االنسحاب من اجلبال‬
‫إىل باكستان‪ .‬ألقي القبض عليه مع سائر اإلخوة‪ .‬وبسبب رقة دينه بدأ يظهر عليه عالمات عدم الصرب وشدة اجلزع‬
‫واالنتكاس والضجر من االعتقال من أول حلظات البالء (نسأل اهلل العافية والسالمة)‪ .‬لذلك كان اإلخوة حيسنون إليه‬
‫ويتلطفون معه بالقول ‪ ,‬على أنه أخ هلم قد أتاه من البالء ما مل يطقه ‪ ,‬أو أنه مصاب باهنيار نفسي‪ .‬فكان اجلميع‬
‫بال استثناء يتلطفون ويتوددون إليه ويدارونه أشد املداراة ‪ ,‬لعل اهلل أن يكشف عنه تلك الصدمة وأن يزنل عليه الصرب‬
‫والسكينة‪ .‬فلم يزده ذلك الرفق والتلطف إال زيادة يف عتوه وغيه وخفته وسفهه محقه‪ .‬وتضاعفت شدة جزعه لدرجة‬
‫أنه بدأ يفعل أشياء مشينة خمجلة يستحي املرء من أن يتكلم هبا كل ذلك طلبا للخالص من األسر واخلروج من‬
‫السجن‪ .‬فتظاهر بأنه جمنون لعل العدو أن يفرج عنه بسبب جنونه‪ .‬فلم تفلح تلك اخلطة‪ .‬ونصحه اإلخوة نصيحة أخ‬
‫مشفق مداري ‪ ,‬وطلبوا منه عدم تزنيل نفسه إىل هذا املستوى فلم ي ُ ْج ِد فيه‪ .‬واستفحل أمره أكثر وأكثر فادعى بعدما‬
‫نقلنا إىل غوانتنامو بأنه أصبح على مذهب الرافضة‪ .‬حماولة منه إليهام اجلنود الصليبيني بأنه ليس على مذهب‬
‫األسرى وأنه خمالف هلم يف الدين ليطلقوا سراحه‪ .‬فلم ينفعه ذلك‪ .‬مث كانت الطامة الكربى فادعى بأنه هو عيسى‬
‫بن مرمي إليهام من حوله من األسرى وغريهم بأنه قد جن حقيقة‪ .‬ولكن ذلك ضره ضررا كبريا‪ .‬ألن يف هذا الفعل ادعاء‬
‫للنبوة‪ ,‬وهو إنسان كامل العقل ليس به علة‪ .‬وادعائه هذا ناقض من نواقض اإلميان ‪( ,‬نعوذ باهلل من اخلذالن) فكفره‬
‫طلبة العلم يف غوانتنامو بعد إقامة احلجة عليه‪.‬‬

‫ومبا أن الصحابة الكرام كان قد عاصروا النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬لذلك حتس أن لكالمهم وقعا يف النفس وتشعر‬
‫بأن نورا وضياء خيرج منه‪ .‬ومن ذلك ما روي عن عثمان بن عفان أنه قال ‪ :‬ما كتم رجل سريرة إال أبداها اهلل على صفحات‬
‫وجهه ومن فلتات لسانه ‪ ,‬صدق رضي اهلل عنه‪ .‬ويا سبحان اهلل ما أصدق هذه العبارة ‪ ,‬فقد ظهر ننت ذلك الرجل‬
‫وانكشف لكل أحد‪ .‬وبدأ يظهر جلميع اإلخوة بأنه متعامل مع األمريكان ضدهم‪ .‬وبأنه أعطى معلومات عن عدد كبري‬
‫جدا من اإلخوة املعتقلني ‪ ,‬لدرجة أنه من كثرة الكالم الذي هذر به أسقط عدالته اجلاسوسية عند املحققني‪ .‬ومن شدة‬
‫غبائه بدأنا نالحظ عليه بأنه عندما يتحدث شخصان من األسرى فإنه يرخي أذنيه (ق ّبحهما اهلل) ويسكن عن احلركة‪,‬‬
‫ويدنو من الفتحة اليت بباب زنزانته لعله يلقط أي شيء من املحادثة فيوصله إىل أسياده اجلدد‪ .‬يريد بذلك أن يبني هلم‬
‫بأنه موظف جديد جمتهد و ُمجِـ ٌد يف عمله اجلديد ‪ ,‬وأنه يستحق مكافئة اخلروج من كوبا‪ .‬مث تقلبت به األحوال وزاد‬
‫ارتكاسه وانتكاسه وتوغله يف البحر الذي ال ساحل له ‪ ,‬حبر اجلاسوسية‪ .‬إىل أن صار أداة بيد األمريكان يستخدمونه‬
‫كيف شاءوا فيضعونه بوسط أي دفعة جديدة تأيت إىل املعتقل يسمع هلم ما يقولونه‪ .‬أي أنه صار كجهاز رصد‬
‫وتسجيل!!!!!‪ .‬وتردت حالته من بعد انتكاسته فأصبح يسمع الكلمة فيكذب معها آالف الكذبات أي أنه أخبث من حال‬
‫الشيطان مسترق السمع الذي يسمع كلمة واحدة فيلقيها إىل الكاهن ومعها مئة كذبة ‪ ,‬نعوذ باهلل من اخلذالن‪.‬‬

‫ومبا أنه صار مكشوفا وبدئنا حنذر منه‪ .‬لذلك كان يسمي نفسه بياسني بدال من ياسر بني من ال يعرفونه‪ .‬وهذا من باب‬
‫تغيري شخصيته على اإلخوة اجلدد‪ .‬مث ملا استفحل أمره وعظم ضرره وأَي ِ َ‬
‫ِـس اإلخوة من عودته إىل حظرية اإلسالم مرة‬
‫أخرى‪ .‬بدأ األسرى يقنتون عليه يف الصلوات اخلمس‪ .‬لذلك احترق كرته بني األسرى متاما‪ .‬فما أعظمها من عربة ‪ ,‬إنه‬
‫فعل كل ما فعل ‪ ,‬ليخرج من األسر‪ .‬ولو كان ذاك اخلروج يصحبه سخط اهلل‪ .‬ولكن َم َ‬
‫كرَ اهلل به بسبب مكره اخلبيث‪.‬‬
‫فجعل جزائه من جنس عمله ‪ ,‬وسلط عليه الصليبيني ‪ ,‬فاستغلوه أسوأ استغالل وامتهنوه أشد امتهان ‪ ,‬واحتفظوا‬
‫به كشاهد إثبات‪ .‬لذلك مل يكافئوه باخلروج من املعتقل على كل ما قدم هلم ‪ ,‬مع أن اآلخرين ممن مل يبيعوا دينهم‬
‫مثله بدؤوا باخلروج على دفعات‪.‬‬

‫فلفظ ُه اإلخوة بقوة وبشدة‪ .‬لذلك أنشأ‬‫َ‬ ‫ومبا أن عدو اهلل فضل الدنيا على اآلخرة ‪ ,‬واستبدل الذي هو أدىن بالذي هو خري‬
‫عالقات وطيدة مع املجوس علي ٍ وأيب فاطمة واملجوسي أركان العراقي وغريهم من العمالء‪ .‬إال أن أولئك العمالء ملّا مل‬

‫‪21‬‬
‫تكن صحبتهم هلل‪ .‬لذلك قد كان كل واحد منهم خياف من اآلخر وحيذره‪ .‬ويتوجس منه خيفة‪ .‬فكان كل واحد منهم‬
‫يعرف بعض األسرار عن اآلخر‪ .‬ولكنه حيتفظ هبا لوقت حيتاج إظهارها فيه‪ .‬هلذا استطاع ياسر بطريقة أو بأخرى أن‬
‫حيصل على بعض املعلومات عنهم فاحتفظ هبا‪ ,‬مما كان ذلك حبمد اهلل سببا حلصول كثري من اخلالفات فيما بينهم‪.‬‬
‫خاصة بعدما صاروا يسكنون يف آخر األمر يف غرفة واحدة يف املعسكر الرابع ( وهو معسكر مجاعي )‪ .‬وأدت تلك‬
‫اخلالفات بفضل اهلل وكرمه ‪ ,‬إىل حصول اشتباكات باأليدي فيما بينهم‪ .‬فشفى اهلل بذلك صدور قوم مؤمنني وأذهب‬
‫غيض قلوهبم‪ .‬مما دفع األمريكان ألن يفرقوا فيما بينهم‪ .‬فنقل ياسر على إثر ذلك إىل عنرب من عنابر العقوبات‪ .‬ومل‬
‫تنفعه جاسوسيته بشيء‪ .‬وأصبح حاله كحال أي أسري من أسرى غوانتنامو‪ .‬فقام أحد اإلخوة وانتهز الفرصة لينبه‬
‫ذلك اخلبيث‪ .‬وليقيم عليه احلجة ‪ ,‬لعله أن يتوب ‪ ,‬فألقى خطبة قصرية موجزة‪ .‬فتكلم فيها ونصح ووعظ مجيع‬
‫اإلخوة الذين معه يف عنربه‪ .‬وكان مضمون ما قاله ‪ :‬إخواين األفاضل اعلموا بأن اهلل جعل بعض البشر شياطني ‪,‬‬
‫ومساهم شياطني اإلنس ‪ ,‬قال تعاىل ﱫ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﱪ واعلموا أن هؤالء الشياطني حياولون غوايتكم بالوسوسة لكم بتزيني الكفر واملعاصي ‪ ,‬ويَعِدونكم بأهنم‬
‫سيعطون من يتعاون معهم عطايا جزلة وجلوءا بعد خروجه من املعتقل يف أي بلد شاء‪ .‬وما هذه إال وعود كاذبة تعقبها‬
‫خسارة الدنيا واآلخرة ‪ ,‬ول ِتَـعلموا بأن تلك الوعود كاذبة‪ .‬انظروا إىل قصة شاه إيران فقد كان أكرب عميل لألمريكان يف‬
‫الشرق األوسط (كما يسمونه يف إعالمهم الكاذب) أتدرون أن الشاه بعدما حصل عليه انقالب يف إيران أتدرون أنه مات‬
‫يف املَنْـفى‪ .‬ومل يعطى جلوءً يف أمريكا‪ .‬ذلك البلد الذي كان يعمل له وخيدمه ‪ ,‬فقد ألقوه كما يلقي الرجل الفاجر املرأة‬
‫الفاجرة بعدما يقضي معها شهوته املحرمة‪ .‬ومبا أن عدو اهلل با سرده كان يستهزأ باألخوة ألن الصليبيني قبضوا‬
‫عليهم ‪ ,‬فقد قال ذاك األخ يف كلمته‪ :‬واهلل يا إخواين إنكم أسود ‪ ,‬وال تظنوا بأن األسد ال يصيبه رعب وال خوف أو أنه ال‬
‫يأسر‪ .‬بل ال يوجد شيء ال يصيبه خوف‪ .‬أليست األسود حتبس يف األقفاص كما شاهدمت ذلك يف أعينكم؟‪ .‬واألسد خياف‬
‫ويصاب بالرعب يف بعض األحيان‪ .‬أال ترون يف األفالم الثقافية بأن الصياد يطلق بضع رصاصات على األسد لريهبه‬
‫هبا‪ .‬فيجري األسد مث يقف وينظر من بعيد لذلك الصياد وهو ميسك سالحه أمل تروا هذا؟‪ .‬ولكن مع كل هذا فاألسد‬
‫أسد وهو رمز الشجاعة‪ .‬واعلموا أن بعض العلماء يقول بتعريف الشجاعة ‪ :‬أهنا هي الصرب يف مواطن اخلوف ‪ .‬فلله‬
‫دركم يا أيها األسود‪.‬‬

‫وكان اخلاسر ياسر يسمع كل الكالم‪ .‬ولكنه مل يتلفظ بأي كلمة ويف نفس فترة اشتداد اخلالفات بني اجلواسيس‪ .‬قرر‬
‫األمريكان اإلفراج عن أيب فاطمة ‪ ,‬فيما يظهر للناس‪ .‬ولعلهم يف احلقيقة كانوا يريدون استخدامه يف مكان آخر‪ .‬ومما‬
‫يقوي هذا الظن ‪ ,‬أن الصليبيني ال يرحلون أحدا إال لبلده األصلي‪ .‬كما هو حال اإلخوة التوانسة واملصريني والطاجيكيني‬
‫وغريهم ممن يعترب وضعهم خطري للغاية يف بلداهنم‪ .‬فل َِم يرحل أبو فاطمة مع األفغانيني‪ .‬ومل يستثن أحد من قرار‬
‫ترحيل املعتقلني املفرج عنهم إىل بلداهنم يف ذلك الوقت ‪ ,‬إال ستة أشخاص أص َدرت فيهم املحكمة العسكرية قرارا‬
‫بذلك‪ .‬ومل يكن هو من ضمن الستة‪ .‬وكان ذلك الترحيل سيتم مع دفعة من األفغان قد تقرر خروجهم من املعتقل‬
‫‪ .‬فأعطاه األمريكيون املالبس اليت سيخرج هبا‪ .‬مث أتت احلافلة اليت ستنقلهم من القاعدة العسكرية إىل املطار‬
‫العسكري‪ .‬فركب هبا اجلميع ‪ ,‬وانطلقت هبم حنو إىل املطار‪ .‬ولكن حدث أمر غريب فقد سافر اجلميع ورجع أبو فاطمة‪.‬‬
‫ومل ندر ما هو سبب رجوعه يف أول األمر‪ .‬ولكن عرفنا فيما بعد من قريب أيب فاطمة حسن عبد السيد عندما حاول‬
‫أن يظهر لنا بأنه تائب‪ .‬وبأنه مسلم سين‪ .‬فأظهرنا له بأننا قبلنا توبته‪ .‬وبأنه أصبح أخا لنا (إىل أجل معلوم ‪,‬وهذه‬
‫األخُـ َّوة فيما يظهر للناس فقط)‪ .‬فسألناه عن أيب فاطمة وما حصل له مما كان سببا الهنياره وخيبة أمله‪ .‬فقال لنا ‪:‬‬
‫عندما انطلقت احلافلة إىل املطار‪ .‬يف تلك اللحظات مت استدعاء ياسر إىل التحقيق‪ .‬وأخربه املحقق بأن أبا فاطمة خرج ‪,‬‬
‫وهو اآلن يف طريقه إىل الطائرة‪ .‬وكان املحقق يريد من ذلك حثه على بذل املزيد من اخلدمات‪ .‬فقال هلم ياسر‪ :‬ال خترجوه‬
‫فهذا رجل خطري‪ .‬وأدىل ياسر بكل ما كان يدخر من معلومات ليومه األسود (بالنسبة له) دفعة واحدة‪ .‬فأخبَر املحقق‬
‫بأن حقيقة أبو فاطمة أنه مهندس دبابات‪ .‬وبأنه مرسل من قبل احلكومة اإليرانية كعميل هلم ضد طالبان‪ .‬وبأنه‬
‫استطاع فعال أن يُكَـ ِّون عالقات‪ .‬وأن يتغلغل يف صفوف الطالبان يف مزار شريف‪ .‬وأن كنيته يف أفغانستان أبو عبد اهلل‪.‬‬
‫فأرجعه األمريكان فورا من عند باب الطائرة فاهنارت نفسيته ‪ ,‬بعدما طار األفغان‪ .‬ففرح اإلخوة أميا فرح‪ .‬وهنا فقط‬
‫عرفنا امسه احلقيقي (جواد جابر) من حسن عبد السيد‪ .‬ومل نكن نعرف امسه ملدة ‪ 4‬سنوات‪ .‬ومل خيربنا حسن بكل‬
‫ذلك (أي حبقيقة األمر) إال بسبب خالف حصل بينه وبني قريبه جواد (أبو فاطمة)‪.‬‬

‫وهنا أذكر فائدة مأخوذة من قصة جواد‪ .‬وهي أن من يريد أن يرسل جاسوسا يتجسس على أمر ما ‪ ,‬فال بد أن يكون هذا‬
‫اجلاسوس عنده خربة يف األمر الذي يريد أن يتجسس عليه‪ .‬فال يصح ملن أراد أن يتجسس على اقتصاد بلد مثال أن يرسل‬
‫عسكريا ليقوم هبذه املهمة‪ .‬ومن أراد أن يتجسس على أمر عسكري فال يصح أن يرسل خبري اقتصاد ليقوم هبذه‬

‫‪22‬‬
‫املهمة‪ .‬لذلك مت اختيار أبو فاطمة بسبب خربته العسكرية لتلك املهمة‪ .‬مهمة معرفة قدرات طالبان العسكرية‪.‬‬

‫‪ -‬عبد احلكيم البخاري مواطن من مملكة آل سلول‪ .‬وهو من سكان الطائف‪ .‬يقول من يعرف تارخيه القدمي‪ :‬كان عبد‬
‫احلكيم جاسوسا قدميا للحكومة السلولية على املجاهدين منذ أيام اجلهاد األفغاين األول‪ .‬إال أنه هرب ووىل الدبر بعدما‬
‫كشف أمره‪ .‬مث ملّا نسي األمر مبرور السنني أرسل لتتبع أثر صديق التركستاين الذي أرسل لتصفية الشيخ الفاضل‬
‫أسامة بن الدن ملّا انقطع خربه يف أفغانستان‪ .‬ولكنه بعد دخوله ألفغانستان وجلوسه مع أحد كبار املجاهدين يف‬
‫لَـما رأى طريقة حديثة‪ .‬فألقي القبض عليه وحقق معه مث تبني‬ ‫ّ‬ ‫جلسة عامة‪ .‬تفرس فيه ذلك القائد بأنه جاسوس‬
‫بعد التحقيق معه بأن هذا التفرس كان يف حمله‪ .‬واعترف بأنه عميل‪ .‬مث أودع يف سجن قندهار‪ .‬إىل أن جاء الصليبيون‬
‫ونقلوه إىل معتقالهتم‪ .‬وبسبب قلة خربة غالب األسرى يف التعامل مع أولئك النوع‪ .‬وألن بعضنا ال يعرف املالبسات‬
‫الكاملة لقضيته‪ .‬لذلك كان املوقف منه غري موحد‪ .‬فاستغل هذه الفرصة‪ .‬وهذا التساهل يف التعامل معه ‪ ,‬ليعاود‬
‫مزاولة أنشطته من جديد‪ .‬بعد أن تظاهر بأنه إنسان ظلم بتلك القضية‪ .‬وقد كلف ببعض املهام اجلديدة يف املعتقل‬
‫باإلضافة إىل عمله السابق ‪.‬واملهام اجلديدة هي كالتايل‪:‬‬

‫‪1‬ـ استدراج اإلخوة صغار السن‪ .‬بتزيني املعاصي هلم ‪ ,‬وحثهم عليها ‪ ,‬ليتم ابتزازهم بعد إسقاطهم يف الفخ‪.‬‬

‫‪2‬ـ إثارة املشاكل مع اجلنود ألسباب تافهة‪ .‬حماولة منه الستفزاز األسرى واستثارهتم ليجرهم إىل مصادمات مع‬
‫اجلنود‪ ,‬ليعطي إدارة السجن مربرا لتشديد اإلجراءات على املعتقلني‪ .‬أي أنه يقوم مبهمة العميل املحرش اليت ذكرناها‬
‫يف الفصول املتقدمة‪.‬‬

‫‪3‬ـ بث اإلشاعات عن بعض اإلخوة األفاضل وحماولة تشويه صورهم‪.‬‬

‫وكان بعبد احلكيم صفتان‪:‬‬

‫‪1‬ـ قوة حافظته‪ .‬لدرجة أنه يذكر قصصا وقعت منذ عشرات السنني‪ .‬وهذه الصفة ‪ ,‬هي شرط يف كل جاسوس‪ .‬فما‬
‫قيمة جاسوس شديد النسيان‪.‬‬

‫‪2‬ـ شدة خفته وتسرعه‪ .‬فأقل نرفزة يتعرض هلا من قبل اإلخوة جتعله يتكلم بكل ما يعرف‪ .‬مما كان هلذه الصفة أثر‬
‫كبري يف انكشاف أمره‪ .‬لذلك بعدما واجهه اإلخوة أمام اجلميع ببعض إشاعاته اليت كان يبثها لتشويه مسعة أحد‬
‫الفضالء ‪ ,‬وعن حماوالته الستدراج بعض اإلخوة‪ .‬فرأى أن أمره قد كشف من جديد‪ .‬حاول أن يناور علينا ‪ ,‬ويظهر لنا بأنه‬
‫تائب من جديد‪ .‬إال أن اإلخوة كانوا أذكى منه ‪ ,‬فأظهروا له بأهنم قبلوا توبته ‪ ,‬بشرط أن خيربهم عن األشخاص الذين‬
‫َ‬
‫وشى هبم عند الصليبيني‪ .‬لتكتمل توبته ويساحمه اإلخوة‪ .‬فقام وأعلن أمام اجلميع يف عنرب روميو ‪ ,‬بأنه تكلم عن فالن‬
‫وفالن ‪ ,‬ولكنه حاول أن يربر جتسسه عليهم مبربرات ال تسمن وال تغين من جوع‪ .‬مث عدد بعضا من أعماله اإلجرامية بناء‬
‫على أسئلة موجهة من اإلخوة له‪ .‬فقد كان اإلخوة يسألونه وهو جييب‪ .‬مث توقف قليال ليستريح‪ .‬ولكنه انتبه خلطئه‬
‫الفادح‪ .‬لذلك عمل عمال معينا ليهرب من العنرب وجنحت خطته ‪ ,‬ولكن بعدما فضح أمره لكل أحد ‪ ,‬حبمد اهلل‪.‬‬

‫‪ -‬سعد الباكستاين إنسان جمهول اهلوية‪ .‬ال أعرف ما هو امسه احلقيقي وال بلده احلقيقي‪ .‬فأنا مل ألتقي به إال يف‬
‫املعتقل‪ .‬وهو من الدجاجلة الكبار الذين ال يشق هلم غبار‪ ,‬مل أر َ أكذب وال ألئم منه وال مساو ٍله‪ٍ .‬إال أركان العراقي ‪,‬‬
‫فإنه من نفس طبقته وله مثل درجته‪ .‬لذلك أنا ال أقبل أي رواية يرويها ال عن نفسه وال عن اآلخرين‪ .‬لقد كان حال سعد‬
‫كحال أي جاسوس فهو يتصف بصفة الكذب إال أنه يكذب الكذبة أمامك مث ينكرها يف نفس اللحظة وجيحدها بكل‬
‫وقاحة وصفاقة وجه‪ .‬بل ويظهرك أمام الناس بأنك أنت الكاذب وهو الصادق‪ .‬ومن عجيب أمره أنه يستطيع الكالم‬
‫بعدة لغات‪ .‬وهو يتكلم بلسان أهل احلجاز بطالقة بل وعنده علم بعلم قراءات القرآن وقد مسعته شخصيا يسأل عن‬
‫بعض القراءات فيصل يف اجلواب ‪ ,‬وله صوت مجيل عند قراءة القرآن ‪ ,‬لذلك كان يتعمد رفع صوته بالتالوة ليفنت الناس‬
‫فيه‪ .‬فيا سبحان اهلل ما أصدق قول ابن عباس (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) ومبا أن مجيع من كانوا يف غوانتنامو كانوا‬
‫من األسرى ‪ ,‬لذلك هم ال ميلكون من أمرهم شيئا‪ .‬وليس ألحد سلطان على أحد‪ .‬ومبا أن من األسرى اإلنسان الواعي‬
‫الفاهم الذي يعرف اجلواسيس وطرقهم يف التالعب‪ .‬وفيهم من يتصف خبالف ذلك كما هي سنة اهلل يف خلقه‪ .‬لذلك‬
‫استطاع سعد أن حيدث انشقاقا يف صفوف اإلخوة يف موقفهم جتاهه‪ .‬إىل أن كشف اهلل أمره وفضحه للجميع وله‬

‫‪23‬‬
‫احلمد ‪ ,‬وصار أمره واضحا جليا ال خيفى على أحد‪ .‬ولكنه مع تلك الفضيحة مل يترك عادته السيئة من الكذب كما‬
‫سيأيت يف سريته املشوهة بإذن اهلل‪.‬‬

‫وإليكم قصته‪:‬‬

‫كنت يف أحد العنابر فسمعت صوت سالسل قادم إىل العنرب فعرفت أن معتقال سيدخل علينا يف العنرب‪ .‬فنظرت من‬
‫فتحة بالباب فرأيت رجال غريبا مل أره من قبل ومل أطمئن لوجهه‪ .‬فسألته وهو ميشي من أنت‪ .‬فقال‪ :‬أنا أخوك سعد‬
‫املدين ‪ ,‬فسلمت عليه كما هي عادتنا هناك‪ .‬وما أن دخل غرفته حىت بدأ يتكلم معنا بكل طالقة وكأنه زميل قدمي‪.‬‬
‫وصار ينقل لنا كل األخبار أو اإلشاعات اليت يعرفها‪ .‬فكان من تلك األخبار ما يتعلق بأيب زبيدة فرج اهلل عنه‪ .‬ومنها ما‬
‫يضعف اهلمة ويصيب خبيبة أمل وإحباط ‪ ,‬فقلت إلخواين ال تلتفتوا ملثل هذه األخبار وال تناقلوها وعيشوا حياتكم‬
‫يف هذا السجن بشكل طبيعي‪.‬‬

‫وكان نقله إلينا يف وقت كانت أعمال الشغب فيه يف ذروهتا ألن الصليبيني طبقوا علينا عقوبات جديدة يأخذون هبا‬
‫املالبس ويتركون األسري املسلم بسروال قصري ال يستر عورته يف صالته‪ .‬مث بدأ أحد اإلخوة يسأل ويتقصى عن هذا‬
‫الرجل‪ .‬وهل هناك أحد يعرفه‪ .‬فأستطاع أن جيمع عنه بعض املعلومات‪ .‬فكان من تلك املعلومات‪ .‬أن سعدا موجود منذ‬
‫فترة وقد ثارت حوله بعض الشكوك‪ .‬وكانت قصته فيها نوعا من الغرابة (ألهنا قصة جاسوس) فهو رجل باكستاين‬
‫ويكين نفسه باملدين ‪ ,‬وأمه ماليزية ‪ ,‬وأما أبوه الباكستاين فقد كان يعمل سفريا ململكة آل سلول يف أحدى الدول‬
‫األفريقية ؟!‪ .‬ويقول بأنه يعمل كصحفي يف إحدى املجالت‪ .‬مع أن عمره يف تلك الفترة ما يقارب ‪22‬سنة ؟!‪ .‬وقد أجرى‬
‫لقاء صحافيا مع الشيخ بن ال دن ؟!‪ .‬وقد وُجِـ َد معه يف حقيبته عندما ألقي القبض عليه صورة العامل النووي‬
‫الباكستاين عبد القدير خان ؟!‪ .‬وأنه اعتقل بسبب توقع ٍتوقعه يف مقال له بأن بعض املجاهدين سيقوم بشن هجمات‬
‫على مواقع النصارى باملتفجرات املخفية يف األحذية ‪ ,‬فحصل ما توقعه‪ .‬لذلك ألقي القبض عليه يف إندونيسيا !‪ .‬مث‬
‫مت ترحيله إىل معتقل يف مصر فعذب فيها عذابا شديدا‪ .‬بل واعتدي على عرضه كما يقول بل ويزيد على ذلك بذكر‬
‫عدد املرات اليت انتهك فيها عرضه ؟!‪ .‬مث أعيد إىل قاعدة باغرام يف أفغانستان مث ر ُ ِّحل إىل غوانتنامو‪ .‬ويؤيد روايته تلك‬
‫‪ ,‬رجل عريب حيمل اجلنسية االسترالية‪ .‬وهو أيضا يزعم بأنه ر ُ ِّح َل معه إىل مصر ويزيد صاحبه األسترايل باإلدعاء بأنه‬
‫كان يعطى جرعات من املخدرات‪ .‬كأسلوب من أساليب املحققني ليدفعوه إىل الكالم ‪ ,‬هذا جممل ما كانا يزعمانه‪ .‬ومن‬
‫س على اإلخوة ــ وقد فعل ــ قام الصليبيون بإجراء عملية‬ ‫أجل أن يقوم سعد مبهمته على أكمل وجه وبسهولة ‪ ,‬ولِيُلَبِّ َ‬
‫نقل مستمر له من غرفة إىل غرفة شبيهة باليت تعمل لألسرى ليومهوا األسرى بأنه إنسان مبتلى وممنوع من النوم‬
‫مثلهم‪ .‬ولكن ينبغي أن يعلم بأن اإلخوة يتم نقلهم كل ‪ 30‬ـ ‪ 60‬دقيقة وأما هو فينقل كل ‪ 3‬ـ ‪ 4‬ساعات‪ .‬مما يعين أنه‬
‫ينال قسطا من الراحة خبالف اإلخوة‪ .‬مث إن اإلخوة الذين يستخدم معهم ذلك األسلوب عندما يؤخذون إىل غرف التحقيق‬
‫شقَّ العدو عليهم أكثر‪ .‬وأما هو وصاحبه فإهنما يؤخذان ليناما على األسرة لساعات طويلة‬ ‫يربطون ربطة مؤذية ليَ ُ‬
‫بعيدا عن أنظار األسرى كما اعترف سعد هبذا فيما بعد‪ .‬باإلضافة إىل أنين بعد خروجي من هناك قرأت خربا عنه يف‬
‫وكالة ‪ :‬السي أن أن وإليكم هذا اخلرب (وقال باكستاين يبلغ من العمر ‪ 28‬عاما إنه مت ّ اعتقاله يف إندونيسيا حيث سافر‬
‫بعد وفاة والده الدبلوماسي السعودي‪ .‬وقال إنه يتحدث تسع لغات وأن ّه مت ّ يف إحدى املرات التقاط صورة له مع العامل‬
‫النووي الباكستاين عبد القدير خان)‪.‬‬

‫وهذا مما يؤكد بأنه جاسوس يراد تلميعه ألمر ما كما سيأيت من اعترافاته‪ .‬تلمعه الوكالة الصليبية بواسطة تلك‬
‫املعلومات املغلوطة املنشورة عنه ‪ ,‬لينخدع به املسلمون‪ .‬ولكن ميكرون وميكر اهلل واهلل خري املاكرين‪ .‬فقد سلط‬
‫سبحانه بعض اإلخوة على ذلك الدجال ليكشفوا أمره لكل أسري‪ .‬بعدما هتك سبحانه وتعاىل سترة بِـ ِع َّدةِ رؤى‪.‬‬
‫فالرؤى من جنود اهلل ينبه هبا سبحانه أوليائه‪ .‬لذلك يروى أن سعدا رأى رؤيا فقصها جلهله على أحد املؤولني‪ .‬وكان‬
‫جممل رؤيته أنه رأى رجال يوزع على اإلخوة مصاحف‪ .‬وعندما جاء هو ليأخذ مصحفا امتنع من أن يعطيه مصحفا‪.‬‬
‫فأمره املؤول بتقوى اهلل ألنه رجل أتى أمرا عظيما ‪ ( ,‬هذا معىن الرؤيا والتأويل )‪ .‬وأيضا مسعته بنفسي يقص رؤيا على‬
‫أحد املؤولني‪ .‬وكان جمملها أنه رأى والده ‪ ,‬ورأى أنه يتشاجر ويتخاصم مع والده ويصرخ عليه‪ .‬فقلت يف نفسي ــ مع‬
‫أين ال أعرف التأويل ــ هذا إنسان عاق‪ .‬فصدق ما وقع يف نفسي ألمر أخربين عنه بعض اإلخوة فيما بعد‪.‬‬

‫مث قام أحد األسرى فنصح إخوانه باحلذر من هذا الرجل ألنه رجل كذاب‪ .‬ومما يدل على أنه كذاب دجال ‪ ,‬أنه من غري‬
‫املعقول أن تقوم دولة آل سلول بتعيني سفريا من اجلنسية الباكستانية ليتكلم بالنيابة عنهم ؟!‪ .‬فهل هناك نقص يف‬

‫‪24‬‬
‫عدد مواطين تلك اململكة؟ وهل هم إىل هذه ال جيدون من يقدم هلم تلك اخلدمة‪ .‬ويتمىن أن حيصل على هذا املنصب‬
‫كما هي عادة ُعبَّاد الدنيا ؟‪ .‬مث كيف يقوم شاب عمره ‪ 22‬سنة (يف ذلك الوقت) بعمل لقاء صحفي مع الشيخ بن الدن‬
‫ولصاحل جملة مل نسمع عن امسها ؟!‪ .‬يف نفس الوقت الذي يستميت فيه أكرب الصحافيون واإلعالميون يف العامل‬
‫إلجراء أي مقابلة مع الشيخ كسبق صحفي تارخيي!‪ .‬مث إن الشيخ مطارد دوليا ‪ ,‬فهل يأتيه مثل هذا اإلنسان املغمور‬
‫النكرة‪ .‬وجيلس معه بكل هذه السهولة‪ .‬بل ويتحدث هبذا األمر ـ أي جبلوسه مع ابن الدن ـ أمام الناس هبذه البساطة؟‪.‬‬
‫مث قال ذلك األخ‪ :‬يا إخواين هل تصدقون بأن هذا الشاب صاحب الـ(‪ )22‬عاما له عالقة تربطه بعبد القدير خان‪ .‬أتدرون أن‬
‫مثل تلك الشخصيات تعترب من أهم شخصيات الدولة ‪ ,‬لدرجة أن أمهيتها قد تعادل أو تزيد على أمهية رئيس الدولة‬
‫‪ ,‬والذي أظنه واهلل أعلم أن من أراد أن يلتقي مبثل هذا الشخصيات ال بد أن يأخذ تصرحيا من األجهزة األمنية للبلد‬
‫ليتمكن من اجللوس معه‪ .‬ولو كان ذلك الطالب وزيرا ( مث إن هذه الشخصية ال يسمح ألي أحد أن يلتقط له صورة إال‬
‫إذا كان هذا الالقط خِ فْـيَة ً جاسوس حقيقي )‪.‬‬

‫وواصل ذلك الناصح قائال‪ :‬إن أخاكم فالن عندما ألقي القبض عليه مع أيب زبيدة‪ .‬أراد املحققون ختويفه وإرعابه‬
‫واإلرجاف فيه بوضعه مع سعد يف نفس غرفته ليدفعه للكالم على إخوانه‪ .‬وقد فعل سعد ذلك فحاول إدخال الرعب‬
‫إىل قلبه بقوله‪ :‬لقد رجعت قبل فترة وجيزة من مصر وقد فعلوا يب كذا وكذا من لواط وتعذيب وحنوه ( وهذه مهمة‬
‫سعد يف كوبا اإلرجاف والتخويف )‪ .‬بل وزاد األمر بأنه أخرج لألخ الفاضل ورقة‪ .‬وقال له هذه الورقة هي عقد عمل بيين‬
‫وبني األمريكان (على اجلاسوسية) فقد تعاقدت معهم للعمل‪ .‬مع أن هذا األمر ال حيتاج لتوقيع ورقة‪ .‬ولكنه أراد أن جيس‬
‫نبض األخ بعد ختويفه من مصر هل يقبل بأن يتعامل معهم أم ال؟‪ .‬وقد عرف الناصح هذه القصة من حديث األخ‬
‫نفسه‪ .‬مث قام أخ آخر فقال يا إخواين لقد قبض على بعض الكبار من الطالبان والقاعدة ‪ ,‬كخالد الشيخ وبن الشيخ‬
‫اللييب ورمزي بن الشيبة ‪ ,‬وشخصيات كبرية يف أجهزة استخبارات الطالبان وغريهم ‪ ,‬لكنهم مل يرحلوا إىل مصر‪.‬‬
‫بل رحلوا إىل القواعد األمريكية يف املانيا الشرقية ‪ ,‬وباغرام وغريها من الدول‪ .‬مث توىل التحقيق معهم األمريكان‪ .‬فما‬
‫الداعي ألن يقوم العدو بترحيل سعدًا الذي يبلغ من العمر ‪ 22‬سنة إىل مصر بصحبة زميله‪ .‬وممارسة كل هذا التعذيب‬
‫هلم هناك‪ .‬مع أهنم ليس هلم أي سوابق جهادية بل إن صاحبه األسترايل غري ملتزم أصال وهو يشرب الدخان‪ .‬مث أين‬
‫ــ والكالم للناصح الثاين ‪ ,‬وسعد يسمع كل هذا الكالم رأيت سعدا يف با غرام وكان عند سع ٍد صحفًا وجمالت يف ذلك‬
‫املعتقل ليقرأها باستمرار وهذا شيء يستحيل حصوله ألي أحد‪ .‬بل إن عبد السالم ضعيف الذي يعترب رجال دبلوماسيا‬
‫(ألنه سفري حكومة طالبان لدى باكستان) ال يُعطى مثل هذه الصحف‪ .‬وكان حاله كحال باقي املعتقلني‪ .‬باإلضافة إىل‬
‫أنك يا سعد كان يسمح لك بتخزين الطعام يف غرفتك مع أن هذا ممنوع على مجيع املعتقلني‪ .‬فكيف يسمح مبثل هذا‬
‫لشخص ي ُ َع َّذب‪ .‬مث إنك كنت مسينا (ثقيل الوزن) عندما كنا يف با غرام مع أن اإلنسان الذي يتعرض للتعذيب القاسي‬
‫العنيف الذي مررت به بزعمك ‪ ,‬البد أن يكون حنيفا بسبب حالته النفسية‪ .‬فكيف يتعرض إنسان ملثل ذلك التعذيب‬
‫الذي تذكره‪ .‬ويستطيع أن يأكل الطعام بشراهة‪ .‬فانتبهوا يا إخواين ما هذا الرجل إال كذاب جاسوس ‪ ,‬يضخم نفسه‬
‫بتلك القصة ليستطيع الدخول بينكم‪.‬‬

‫ولكن لألسف كانت ردة فعل بعض الشباب ـ وليس الكل ـ أهنم قالوا للمتكلم ْين نريد بينة أكثر وضوحا‪ .‬فأجابا بأننا‬
‫يف مثل هذا املكان ال نستطيع أن نأيت بقرائن أكثر من هذه‪ .‬ألن من أراد أن يقبض على اجلاسوس متلبسا يف مثل املكان‬
‫الذي حنن فيه ‪ ,‬معناه أنه ال بد أن يذهب إىل غرفة التحقيق وجيلس مع العميل ومن َجنَّ َدهُ ليسمع ما يقوالن لبعضهما‬
‫وهذا مستحيل احلصول‪ .‬ولكن أتدرون ماذا كانت ردة فعله هو نفسه‪ .‬لقد أنكر هذه التهمة يف أول األمر ‪ ,‬قائال أسأل‬
‫حرِّم علي اجلنة إن كان هذا الكالم صحيحا‪ .‬مث قذف أمه بالزنا إن كان هذا الكالم صحيحا وكان هذا بسمع‬ ‫اهلل أن ي ُ َ‬
‫جمموعة من األسرى (أقول هذا لتعرفوا مدى كذب اجلواسيس ‪ ,‬فال تأخذكم هبم رأفة وال حتسنوا هبم ظنا) إال أن اهلل‬
‫الذي أنطق كل شيء أنطقه فتراجع عن ذلك اإلنكار بسبب أمر حصل له ال أستطيع ذكره اآلن‪ .‬لكي ال أضر بإخواين‬
‫األسرى‪ .‬فنطق الدجال باحلقيقة أمام عدد كبري من األسرى واعترف بأن كل قصته كذب يف كذب‪ .‬وبأنه قام بالتبليغ عن‬
‫بعض األشخاص يف اندونيسيا‪ .‬وبأن له مهمة معينة يف غوانتنامو وهي اإلرجاف باألسرى‪ .‬وتلميع شخصية صاحبه‬
‫الذي يزعم أنه عذب معه يف مصر‪ .‬بتصديقه فيما كان يقول ‪ ,‬ألن لصاحبه مهمة سيقوم هبا يف مكان آخر بعد‬
‫غوانتنامو‪ .‬هذا ما قاله سعد عن نفسه وعن صاحبه‪ .‬ومن املضحك يف اعترافاته أنه قال هل رأيتم فالن عندما كان‬
‫يضرب عن الطعام أحتسبون أنه ال يأكل كل تلك الفترة بل كان يؤتى له بطعام ليأكله عندما يذهب إىل التحقيق‬
‫وأنتم ال تشعرون‪ .‬ومما يدل على صحة كالمه ‪ ,‬أنه قال بعد اعترافه لألسرى « بعد قليل سينقل فالن إىل عنربنا هذا ‪,‬‬
‫لذلك أطلب منكم بأنكم ال ختربوه مبا قلته لكم ألنه رجل له نفوذ ويستطيع أن يضرين» ( مع العلم أن مثل هذه األمور‬
‫ال يعرفها ال املعتقل وال اجلندي الذي يف العنرب‪ .‬بل إن أمر النقل يأيت من إدارة السجن ومن قسم التحقيق ‪ ,‬بشكل‬

‫‪25‬‬
‫مفاجئ للجميع ‪ ,‬ألسباب تتعلق بالتحقيق)‪ .‬وفعال مل ميض ذلك اليوم حىت دخل صاحبه علينا يف العنرب‪ .‬ولكن لألسف‬
‫عندما جاء صاحبه حصل خطأ بسيطا فأفسد عملية املواجهة له باالعترافات‪ .‬فحصل قيل وقال وارتفع اللغط يف‬
‫العنرب ‪ ,‬فأفلت مما أعد له‪ .‬ولكن اخلبيث ال يطهر‪ .‬فبعد كل تلك االعترافات اليت تلفظ هبا املجرم‪ .‬وأمام كل ذلك احلشد‬
‫من اإلخوة ‪ ,‬رجع وأنكر كل كلمة نطق هبا ‪ ,‬وكأنه مل يقل شيئا‪ .‬هذا جممل قصة الرجلني وخالصتها‪.‬‬

‫وقبل الشروع بذكر قصة عبدالرحيم وأركانا اجلاسوسان املاجنان‪ .‬أعتذر لكم من ذكر بعض األمور اليت يستحي ويعف‬
‫اللسان من ذكرها‪ .‬ولكن ما محلين على ذلك ‪ ,‬إال إرادة التبيني لألخ القارئ بأن أمثال هؤالء اجلواسيس ال يعرفون املراجل‬
‫وال املروءة وال احلياء ‪ ,‬وأهنم قد يفعلون كل شيء من غري حد ‪ ,‬يف سبيل جتنيد أي إنسان‪ .‬فاقتضى التنويه‪.‬‬

‫‪ -‬عبدالرحيم عبد الرزاق جانكو‪ .‬كردي سوري يقيم يف اإلمارات يف إمارة عجمان ‪ ,‬ويدرس اللغة العربية يف جامعة‬
‫اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية فرع رأس اخليمة‪ .‬والده رجل كبري يف السن وهو إنسان ملتزم وقد أوذي قدميا من قبل‬
‫املخابرات السورية‪ .‬وكان لعبدالرحيم عالقة وطيدة مع رجلني عميلني للحكومة لألمريكية يدرسان يف نفس اجلامعة‬
‫أحدمها قامسي وهو حفيد حاكم رأس اخليمة يف ذلك الوقت صقر القامسي‪ .‬وأما اآلخر فهو رجل ميين يقيم يف‬
‫اإلمارات جبواز أفريقي‪ .‬وهذان الرجالن قاما باستدراجه فهيئا له أجواء العهر والفساد‪ .‬من سكر وزىن ولواط (يفعل ‪,‬‬
‫ويفعل به) وغري ذلك من الفواحش واملنكرات ‪ ,‬وقاما بتسجيل كل ذلك بأشرطة فيديو‪ .‬مث استدعي إىل أحد فنادق رأس‬
‫اخليمة ‪ ,‬وعند دخوله لغرفة من غرف الفندق وجد بانتظاره رجال أمريكيا يتحدث اللغة العربية‪ .‬فعرض األمريكي عليه‬
‫أن يعمل معهم كجاسوس ‪ ,‬فرفض عبدالرحيم يف أول األمر‪ .‬إال أن ذلك األمريكي قال له‪ :‬أريد أن أعرض عليك هذا‬
‫الفلم ‪ ,‬فعرض عليه ما قام به من األفعال املشينة السابق ذكرها‪ .‬مث هدده بأنه إذا امتنع من العمل معهم ‪ ,‬فإن هذه‬
‫ض على والده ‪ ,‬وبأهنا ستنشر يف كل مكان‪ .‬فوافق عبدالرحيم على التجسس واختار خزي الدنيا اآلخرة‬ ‫ست ُْعرَ ُ‬
‫املشاهد َ‬
‫وفضيحتهما على فضيحة الدنيا فقط‪ .‬وكان أجر هذه املهمة مثن خبس دوالرات معدودة مع إقامة دائمة يف مكان ال‬
‫يعرفه فيه أحد بعد انتهاء مهمته‪ .‬وال خيفى على أحد أن هذه الوعود الكاذبة جمرد كالم وحرب خيط على ورق‪ ,‬والدليل‬
‫على ذلك أن عاقبته السيئة ال ختفى على أحد‪ .‬فهو إىل اآلن يقبع يف سجون أسياده من غري جلوء كما أ ُ ِّم َل ‪ ,‬ومل يعط‬
‫حفنة الدوالرات اليت كان موعودا هبا‪.‬‬

‫جنَّد من أصل طيب له تارخيه‬ ‫وهنا أنبه إىل أن أئمة الكفر عندما حياولون جتنيد رجل ما فهم حيرصون أن يكون هذا امل ُ َ‬
‫اإلسالمي (إن وجد هذا) كأن يكون والده جماهدا معروفا‪ .‬أو من أسرة معروفة بالتصدق على املسلمني‪ .‬أو أن تكون‬
‫أسرته معروفة بالعلم ونـحو ذلك‪ .‬وإن مل يوجد جمند هبذه املواصفات فإن اجلاسوس سيقوم بادعاء ذلك‪ .‬كما فعل‬
‫سعد سابق الذكر فإنه كان حياول إظهار نفسه بطالب العلم ويزعم بأن أباه كان من ُعلْـيَ ِة القوم‪ .‬وبأنه أديب إسالمي‬
‫معروف‪ .‬وكما كان يفعل أركان عندما كان يزعم بأن خاله الشيخ عبد اهلل عزام‪ .‬إىل أن فضحه اهلل بواسطة أحد‬
‫املعتقلني ممن هو قريب للشيخ عبد اهلل حقيقة فنفى صلة أركان بالشيخ عبداهلل عزام‪ .‬وقصدهم من هذا الفعل أن‬
‫يتمكن اجلاسوس من التغلغل إىل أعلى اهلرم اجلهادي بسهولة وبسرعة بسبب مكانة قريبه بني املسلمني‪.‬‬

‫وبعدما وافق عبدالرحيم فقبل العرض وسقط يف الفتنة‪ .‬قام الصلييب بترتيب عملية سفره ودخوله إىل أفغانستان‬
‫بطريقة ذكية تصرف األنظار عنه‪ .‬فال يشك فيه أي أحد ألن موظفي السفارة هم الذين سيساعدونه على السفر‬
‫وهم ال يشعرون‪ .‬فأمر ذلك العميل اجلديد عبدالرحيم أن يذهب إىل سفارة طالبان يف اإلمارات ويُخربهم على بأنه يريد‬
‫الذهاب للجهاد يف سبيل اهلل يف أفغانستان‪ .‬ولكن ال يستطيع السفر بواسطة جوازه السوري لئال يلحقه ضرر من‬
‫ِب منه‬
‫املخابرات السورية ؟!‪ .‬هكذا أومهوا من يعملون يف السفارة ‪ ,‬وفعال ذهب إىل السفارة وأخربهم بذلك اخلرب‪ .‬فطُـل َ‬
‫يف السفارة أن يذهب إىل شرطة ديب ليسلم نفسه على أنه أفغاين دخل إىل اإلمارات بصورة غري مشروعة‪ .‬وهو اآلن يريد‬
‫الرجوع إىل بلده ‪ ,‬بعد هذا ستقوم الشرطة يف ديب بإخطار السفارة خبرب وموضوع هذا املواطن األفغاين (اجلاسوس) مث‬
‫تقوم السفارة بإصدار وثائق السفر األفغانية له ليسافر إىل أفغانستان‪ .‬وفعال عمل عدو اهلل كما طلب منه ‪ ,‬وجنحت‬
‫خطتهم‪ .‬والسفارة ال تعلم عن ذلك املكر شيئا ‪ ,‬فسافر عدو اهلل إىل أفغانستان ‪ ,‬بترتيب من السفارة‪.‬‬

‫مث وصل بطريقة أو بأخرى عند املجاهدين العرب ــ ولكين ال أذكر بالضبط بناء على ماذا مسح له بالدخول بني‬
‫املجاهدين هل هو بتزكية من أحد املخدوعني فيه؟ أم ألمر آخر ‪ ,‬فاهلل أعلم ألين نسيت ـ وقال لإلخوة املسئولني هناك‬
‫بأنه قادم للجهاد‪ .‬ولن يرجع إىل تلك الديار مرة أخرى فقد قرر البقاء بني املجاهدين لألبد‪ .‬وأما اخلرب الذي وصل ألهله‬
‫م جتاه أسد الشيشان خطاب ‪ ,‬هكذا ظن أهله‪.‬‬ ‫املساكني املخدوعني فيه‪ .‬هو أن ابنهم خرج للغزو يف سبيل اهلل فيَ َّم َ‬

‫‪26‬‬
‫إىل أن خرج ذلك االبن اخلائب اخلاسر ‪ ,‬وهو يبكي على شاشة قناة أبو ظيب الفضائية يف سنة ‪2000‬م ويعترف ويعلن‬
‫يف ذلك اللقاء الذي أجري معه يف قندهار عندما حاولت القناة تغطية اخلرب ألن له صلة باإلمارات ــ بأنه عميل أمريكي‬
‫جند يف اإلمارات مث أرسل إىل أفغانستان وذكر كل ما قصصته لكم بالضبط‪ .‬وكان من ذلك التخطيط الذي رمسه‬
‫له الصلييب لريبطه مبسئوله داخل أفغانستان ‪ ,‬أنه قال له إذا ذهبت إىل أفغانستان ودخلت مع املجاهدين العرب‪.‬‬
‫ستجدهم يستخدمون أمساء مستعارة ‪ ,‬ولكن مبا أنك إنسان جديد وغشيم ولن يعتب عليك أحد فأنت ستسأهلم‬
‫عن أمسائهم احلقيقية‪ .‬ألنك أخ جديد ال تعرف مثل هذه اإلجراءات األمنية‪ .‬ولكن سيقوم لك من بني أولئك الناس‪.‬‬
‫رجل فيشن عليك هجوما عارما (غري طبيعي) ويوخبك بشدة‪ .‬فإذا رأيت ذلك فاعلم أن هذا املهاجم هو صاحبك !!!‪ .‬وهو‬
‫الذي ستعطيه كل ما تستطيع مجعه من معلومات‪ .‬ويضاف إىل هذه العالمة عالمات أخرى سيعطيك إياها فترد أنت‬
‫عليه بكذا وكذا لتتأكدان من بعضكما‪.‬‬

‫وفعال هذا ما حدث بالضبط‪ .‬فقد سأل العميل اجلديد ف َعنَّفَـه العميل القدمي وزجره على هذا الفعل‪ .‬وكان هذا‬
‫التعنيف أمام كل احلضور‪ ,‬لدرجة أن بعض من كان حاضرا لذلك املوقف‪ .‬قالوا‪ :‬لقد صدمنا من ردة فعل إسالم‬
‫على ذلك األخ اجلديد‪ .‬وقالوا ‪ :‬مل يكن األمر يقتضي تعنيفه هبذه الطريقة !!‪ .‬فتم هبذا التعنيف اللقاء بني الرئيس‬
‫واملرؤوس ‪ ,‬والشيطان واملارد ‪ ,‬فلعنة اهلل على الكاذبني الظاملني املخادعني‪ .‬فالتقى عبدالرحيم عبدالرزاق اجلنكو برئيسه‬
‫الشيطان اإلنسي املجوسي اإلثىن عشري الدعي النذل املتستر بلباس املجاهد السين الذي يتحرق لنصرة دينه ‪ :‬أركان‬
‫كنّى بإسالم العراقي ‪ ,‬ويكىن أيضا باخلطيب ‪ ,‬ذلك اجلاسوس الذي إن مكنين منه ريب ‪,‬‬ ‫حممد قافل الكرمي ‪ ،‬العراقي امل ُ َ‬
‫لن أرض حىت أ ُ َحرِِّقَـه بالنار بعد قتله ‪.‬‬

‫ص ِد َم كل من عرف بأنه جاسوس للصليبيني‪:‬‬


‫ذلك الرجل الذي ُ‬

‫(‪)1‬ألنه كان عليه لعنة اهلل واملالئكة والناس أمجعني‪.‬‬

‫(‪ )2‬جاسوس حمنكا يظهر خالف ما يبطن فقد كان يبطن اجلاسوسية والرفض والعهر واملجون والفسق والبغض لدين‬
‫اهلل تبارك وتعاىل كما سيظهر لألخ القارئ الكرمي‪ .‬وأما ما يظهره فإنه يظهر التقوى والورع والغرية على حمارم اهلل‬
‫لدرجة ان عدو اهلل كان إذا وجد اإلخوة املجاهدين ينشدون يف أوقات راحتهم فإنه يظهر هلم غضبه وانزعاجه ويقول‬
‫هلم‪ :‬أتنشدون واملسلمون يقتلون يف كل مكان‪ .‬مث ينصرف عدو اهلل وقد أظهر عدم ارتياحه هلذا الصنيع‪ .‬وقد كان‬
‫الطاغية أركان يظهر للمجاهدين إشفاقه وخوفه عليهم‪ .‬يف الوقت الذي يقوم فيه بتبليغ الصليبيني عن أخبارهم‪.‬‬
‫فإذا حترك املجاهدون بسياراهتم من جبهة إىل جبهة وضاق املكان يف السيارة بالباقني ‪ ,‬فإن عدو اهلل يتشبث حبافة‬
‫السيارة (البيك أب) وهي متشي مظهرا هلم بأنه يضحي بنفسه من أجل إخوانه‪ .‬يفعل كل هذا تغريرا باملسلمني‪.‬‬

‫(‪)1‬ويقال واهلل أعلم بأنه كان يف نفس الوقت عميال للموساد اليهودي‪.‬‬

‫(‪ )2‬ذهب بعض أهل العلم كاإلمام حممد بن عبد الوهاب إىل جواز لعن املعني إذا كان رئسا يف الكفر‪.‬‬

‫وبالفعل قام العميل اجلديد بتوصيل بعض املعلومات إىل الشيطان اإلنسي أركان‪ .‬الذي قام بدوره بتوصيلها إىل أسياده‬
‫األمريكان حبسب اعترافاهتما‪ .‬ولكن مبا أن حبل الكذب قصري‪ .‬فقد بدا لعبد الرحيم الذهاب إىل السفارة األمريكية يف‬
‫باكستان ‪ ,‬لذلك جاء عبدالرحيم إىل أحد املسئولني وطلب منه السماح له بالذهاب إىل باكستان‪ .‬فقال له األمري ‪ :‬ملاذا‬
‫تريد الذهاب إىل باكستان‪ .‬فقال عدو اهلل‪ :‬أريد االتصال على أهلي يف اإلمارات ألطلب منهم أن يبحثوا يل عن زوجة‪ .‬فقال‬
‫له األمري‪ :‬اهلواتف توجد هنا يف أفغانستان ‪ ,‬مث قال‪ :‬أمل ختربين قب ُل بأنك ال تريد الرجوع إىل بلدك مرة أخرى؟! فشك األمري‬
‫فح ِّول للتحقيق ‪ ,‬وهنا كانت املفاجأة فقد اعترف على نفسه ‪ ,‬وعلى‬ ‫يف أمره ‪ ,‬فطلب من اإلخوة حتويله إىل التحقيق‪ُ .‬‬
‫صاحبه أركان (إسالم العراقي) بأهنما جاسوسان وبأن أركان هو مسئوله‪ .‬وأهنما كانا يقومان بنفس األعمال املشينة‬
‫اليت سبق ذكرها مما كان ميارسه العميل عبدالرحيم يف اإلمارات (اللواط) ‪ ,‬فألقي القبض على أركان ومتت مواجهته‬
‫باالعترافات لكنه أنكرها كلها‪ .‬وأصر على إنكاره ‪ ,‬وملّا مل جيد اإلخوة أي دليل عليه ومبا أن األصل أنه برئ فقد أطلقوا‬
‫سراحه لعدم األدلة‪ .‬مع تقدمي اعتذار له عن هذا األمر الذي حصل‪ .‬وبينوا له أن ما قاموا به هو واجبهم الشرعي جتاه‬
‫كل من تقوم شبهة يف حقه‪ .‬ولكنه شوهد بعد إطالق سراحه مباشرة يف السوق وهو يشرب الدخان‪ .‬فاستغرب اإلخوة‬
‫منه هذا التصرف فاستدعي مرة أخرى‪ .‬فاعترف بصحة كل ما سبق مباشرة ( أنطقه اهلل الذي أنطق كل شيء) وهنا‬

‫‪27‬‬
‫كانت الصدمة الكربى لكل من مسع اخلرب ممن يعرفه‪ .‬بل إن بعض من مسع اخلرب ممن رجع إىل دياره صعق من هول‬
‫الصدمة‪.‬‬

‫وبعد انتهاء إجراءات التحقيق معهما‪ .‬سلم العميالن إىل حكومة طالبان‪ .‬فأودعا يف سجن قندهار التابع للطلبة‪.‬‬
‫فمكثا فيه إىل أن احتل الصليبيون أرض أفغانستان فقاموا بالتحفظ على عبدالرحيم‪ .‬إىل أن مت نقله إىل املعتقالت‬
‫األمريكية‪ .‬وأما أركان فقد ف ّر من السجن مبجرد انسحاب طالبان من قندهار‪ .‬وقبل خضوعه للسيطرة األمريكية‪.‬‬
‫وذهب إىل كابل ‪ ,‬فكشف عن وجهه القبيح بكل صراحة ‪ ,‬وصار يعمل يف سجن كابل كمترجم وحمقق لقوات حتالف‬
‫الشمال فإنه يستطيع أن يتكلم باللغة الفارسية والبشتونية ‪ ,‬واإلجنليزية باإلضافة للعربية‪ .‬وصار يتهكم مبن يف‬
‫سجن كابل من املأسورين العرب‪ .‬ومبا أنه كان حيسن الظن بأوليائه الصليبيني ‪ ,‬لذلك كان يقول لإلخوة املعتقلني إذا‬
‫ذهبتم عند األمريكان فقولوا هلم ‪ :‬إن صاحبكم ـ يقصد نفسه ـ ينتظركم لتأتوه‪ .‬وما درى أهنم يعدون له ما مل‬
‫خيطر على قلبه ‪ ,‬فقد تسلمه الصليبيون من املرتدين األفغان بعد فراغهم منه‪ .‬وقام الصليبيون بدورهم بنقله إىل‬
‫معتقالهتم‪ .‬فأودع يف السجن كباقي املعتقلني‪ .‬ولو كان له قلب العترب هبذه املوعظة وتاب‪ .‬ولكن يبدوا واهلل أعلم‬
‫بأن اهلل ختم على قلبه ومسعه وبصره غشاوة فهو ال يعي شيئا‪ .‬ونستفيد من هذا احلدث أن اجلاسوس ال يستطيع‬
‫التوبة إذ لو كان يستطيع فعل ذلك لتاب ذلك اإلنسان‪ .‬ألنه ظهر له عيانا أن عمالته لن تنفعه بشيء وأن وعود من‬
‫َجنـَّدوه كلها كاذبة‪ .‬وأنه كالذي جيري خلف سراب ‪ ,‬وأن حال أي معتقل يف معتقله خري منه بآالف املرات‪ .‬وما حصل أنه‬
‫ف لنا خسته وخبثه وزاد يف طغيانه أكثر فأكثر‪ .‬فقد أعلن بصراحة تامة بأنه رافض أثىن عشري وبدأ جيهر بسب‬ ‫َك َ‬
‫ش َ‬
‫الصحابة ‪ ,‬وعلماء السنة كاإلمام حممد بن عبد الوهاب وشيخ اإلسالم بن تيمية‪ .‬مما يؤكد بأنه مل يكن سوى جمرد‬
‫جاسوس رافضي كان حياول التستر بصورة املجاهد ليتمكن من طعن املجاهدين من أهل السنة واجلماعة‪ .‬ومل يقتصر‬
‫على هذا احلد بل قام أركان بقيادة اجلواسيس الذين التفوا حوله ليهاجم هبم األسرى‪ .‬فانطبق عليه وعليهم هبذا‬
‫الفعل قول املثل «جمنونة تقود عمياء»‪ .‬وسار هبم إىل اهلاوية‪ .‬وحرضهم على التجسس وعلى كل رذيلة ونقيصة‬
‫ودنية‪ .‬ولكنه ملّا حصل اخلالف والشقاق فيما بينهم فانفضوا عنه ‪ ,‬وتطور خالفهم إىل أن وصل إىل حد االشتباكات‬
‫باأليدي ‪ ,‬حاول أن يدافع عن نفسه ليكسر عزلته ‪ ,‬فأظهر لنا بأنه إنسان مظلوم ‪ ,‬ظلمه عبدالرحيم فافترى عليه يف‬
‫تلك القضية ‪ ,‬وبأنه مل حيقق مع اإلخوة يف كابل ‪ ,‬وأن من يسب اإلخوة هو فالن وفالن من الروافض‪ .‬ومل يكن هو‪ .‬ومل‬
‫يكن العجب يف موقفه هذا‪ .‬بل العجب يكمن يف أن ينطلي هذا الكالم على من ليس عنده علم مبثل هذه األالعيب‬
‫من اإلخوة بل وتطور األمر إىل أن البعض بدأ يتساهل يف التعامل معه‪ .‬لدرجة أن بعض من يهامجونه كلما مر بالقرب‬
‫منهم‪ .‬ملّا مسعوا بعض تلبيسه بدؤوا يقولون خالص حنن لن نتعرض له بأي شيء‪.‬‬

‫ويف يوم من األيام كان أحد اإلخوة يف غرفته يف أول العنرب‪ .‬فأحس حبركة غريبة يف خارج العنرب‪ ,‬من إغالق للنوافذ لكي ال‬
‫يُرى من الداخل إىل العنرب مِن خلفه‪ .‬وعندما أمعن يف النظر ‪ ,‬فإذا بذلك الداخل من اخللف هو أركان‪ .‬فقال له‪ :‬يا عدو‬
‫اهلل تب وليس لك توبة‪ .‬انظر كيف يدخلونك إىل العنرب من خلفه كما يفعل مع النساء‪ .‬ولكنه مل يتكلم ومل يرد‪.‬‬
‫فدخل وقام بالتلبس على بعض البسطاء ممن ليس عنده خربة يف مثل هذه األمور‪ .‬فخرج ذلك األخ إىل مكان التشميس‬
‫يف آخر العنرب فإذا بعدو اهلل يكلمه وحياول التلبيس عليه كباقي اإلخوة‪ .‬ولكن حصل ما مل يتوقعه أركان ‪ ,‬ومتىن لو أنه‬
‫مل يكلمه ‪ ,‬وإليكم ما دار بني اخلصمني‪:‬‬

‫عندما خرج األخ طلب منه أركان (إسالم العراقي) أن يعطيه فرصة ليتكلم ‪ ,‬فقال له ‪ :‬قل فبدأ مبواله احلزين بأنه‬
‫مظلوم‪ .‬وأن األمر ليس كما تظنون ‪ ....‬إخل حىت انتهى من خزعبالته‪ .‬فقال له األخ الفاضل رادعا له وألمثاله «ما‬
‫معناه» ‪ ,‬يا هذا ال تظن بأننا دراويش ال نفهم شيئا‪ .‬وال تظـن بأنـك تـتـكـلـم مع طفل صغري ينطلي علي هذا‬
‫الكالم ‪,‬أذهب وأحبث عن مراهق عمره ‪16‬عــاما كي تقول له هذا الكالم فينطلي عليه !!‪ .‬أنت جاسوس وقد اعترفت‬
‫على نفسك بتحقيقات أفغانستان بأنك جاسوس‪ .‬وأنت تعرف ــ ألن ثقافة أركان العامة عالية ــ أن االعتراف يعترب‬
‫سيد األدلة سواء يف الشريعة اإلسالمية أو يف القوانني الوضعية ‪ ,‬فلن ينفعك اإلنكار اآلن‪ .‬ويضاف إىل ذلك أيضا‬
‫شهادة الشهود عليك ‪ ,‬فقد قمت أنت بالتحقيق شخصيا مع أكثر من أخ يف كابل بشهادهتم‪ .‬هذا فضال عن الذين‬
‫قمت بالترمجة هلم ‪ ,‬وكل هذا يعترب من مواالة ‪ ,‬وال خيفى عليك أن كل احلدود يف الشريعة اإلسالمية تثبت بشهادة‬
‫شاهدين اثنني ‪ ,‬ما عدا حد الزنا فيجب فيه ‪ 4‬شهود‪ .‬فمىت ما شهد رجالن على إنسان بأنه قتل فالنا ومتت شروط‬
‫الشهادة فتثبت اجلرمية يف حق املشهود عليه ويقتص منه‪ .‬وحنن قبلنا شهادة الشهود فيك من أنك قمت بالتحقيق‬
‫مع البعض وبالترمجة للبعض اآلخر‪ .‬فأراد أركان أن يتلون ويتبدل على حسب الظروف‪ .‬لذلك قال ‪ :‬أنا اآلن تائب‪ .‬فقال‬
‫له األخ ‪ :‬يا أركان أنت وأمثالك كياسر وعبدالرحيم وسعد وغريهم ال تستطيعوا أن تتوبوا‪ .‬ولو أردمت فعل ذلك فرضا‬

‫‪28‬‬
‫فلن يسمح لكم األمريكان بذلك ‪ ,‬وهذا الطريق الذي مشيتم به طريق اجلاسوسية ‪-‬ال يستطيع سالكه الرجوع منه‪.‬‬
‫مث قال له وكيف تصف نفسك بالتائب‪ .‬أمل تنظر إىل سريتك السيئة يف السجن؟‪ .‬أمل تكن أنت من كان حيرض زمالئه‬
‫على السب والتنقص للصحابة وعلماء السنة؟‪ .‬ولو كنت غري راض عن هذا الفعل لن يستطيع من كان حولك التجرؤ‬
‫عليه‪ .‬والدليل على أن من كان حولك كانوا يأمترون بأمرك وينتهون بنهيك‪ .‬أنك عندما أمرهتم مبقاطعة عبدالرحيم‬
‫مقاطعة تامة ‪ ,‬بعد ما مت جتميعكم مبكان واحد ‪ ,‬حىت يكتب لك إقرارا بأنك مل متارس معه تلك الفعلة املشينة‪.‬‬
‫ت الذي كفر ومل يزد على قوله ‪ :‬فقط اطلب من الشباب أن يعطوين‬ ‫فقطاعه مجيعكم حىت فعل لك ما تريد‪َ .‬فبُ ِه َ‬
‫فرصة للتوبة ‪ .‬فقال له األخ لن أطلب من أي أحد أي شيء‪.‬‬

‫وهناك نقطة أود أن أضيفها للتدليل على جاسوسيته‪ .‬وأنا اآلن نسيت هل ذكرها له ذلك األخ للجاسوس أركان يف‬
‫لَـم يُخفي مذهبه احلقيقي مذهب الرفض ويظهر للمجاهدين بأنه سين‬‫ْ‬ ‫نقاشه معه أم ال ؟ أنه لو مل يكن جاسوس‬
‫فهذه أكرب عالمة تدل على أنه جاسوس متخفي بصورة أخرى‪.‬‬

‫ولكن عدو اهلل مل ييئس ومل يفتر من التلبيس على اإلخوة‪ .‬بل استمر بنفس اخلطى‪ .‬وعلى نفس الوترية ‪ ,‬فزاد تساهل‬
‫ثُـلـ َّ ٍة قليلة من املعتقلني معه‪ .‬وهذا التساهل مل يكن فقط خبصوص أركان بل يشمل سعدا وغريه‪ .‬فلما رأى أحد‬
‫ستَطري حقيقة‪ .‬وأنه حياول التلبيس وإعادة الكَـرَّةِ من جديد‪ .‬قام ذلك األخ‬ ‫اإلخوة أن شر ذلك اخلبيث وزمالئه بدأ ي َ ْ‬
‫فاستشار إخوانه واستخار‪ ,‬و فكـَّر وق َّدر أكثر من مرة ‪ ,‬بسبب خطورة ما سيقدم عليه من عمل يف ذلك املكان‪ .‬إىل أن‬
‫اطمئن قلبه ملا سيفعله ‪ ,‬للحاجة املاسة إليه يف ذلك املكان‪ .‬مث توكل على اهلل بإعداد خطبة حيذر فيها اإلخوة من خطر‬
‫املنافقني ‪ ,‬وقرر أن يسميها بـ رقية املنافقني وشفاء صدور املؤمنني فاستغرب بعضنا من اختياره هلذا االسم ‪ ,‬فقال ‪:‬‬
‫أال ترون أن املمسوس إذا قُـرِأ عليه القرآن يصرع ويتضح حاله لكل راءٍ بأنه شخص ممسوس‪ .‬قلنا ‪ :‬بلى ‪ ,‬فقال ‪ :‬أيضا‬
‫هذه اخلطبة ستوضح وتبني حال املنافقني ليتعروا أمامكم‪ .‬وصدق واهلل لقد نفع اهلل بتلك اخلطبة نفعا َج ّما واستفاد‬
‫منها كل من مسعها يف عنربه‪ .‬وأقام اهلل هبا احلجة على أئمة الكفر أركان العراقي ‪ ,‬وعبداحلكيم البخاري ‪ ,‬وغريهم‬
‫ممن مسعها من اجلواسيس وكان عدو اهلل أركان متمالكا لنفسه طوال فترة مساعة للخطبة يوميا وملدة ‪ 4‬أيام ‪ ,‬حىت‬
‫كان اليوم األخري فكان كقاصمة الظهر بالنسبة له‪ .‬ملّا مسع اإلخوة يكربون بصوت عال من شدة الفرح هبذه اخلطبة‬
‫فارتفعت عقريته بالصياح والسب واللعن‪ .‬مث أبلغ اجلنود عن ذلك األخ ‪ ,‬إال أن األخ تنبه لذلك قبل جميء اجلنود إليه فقام‬
‫بإخفاء األوراق واستبدهلا بأخرى ليس فيها شيء يفرح به عدو اهلل ‪ ,‬فرد اهلل كيد الكافر يف حنره مرة أخرى‪.‬‬

‫ويف هناية هذا الكتاب الصغري سأختم لكم بشيء من خطبته‪ .‬مما استطعت أن أحتفظ به عند خروجي‪ .‬وسأضيف‬
‫عليها بعض اإلضافات مما أحفظ معناه منها‪ .‬وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫رقية املنافقني وشفاء صدور املؤمنني‬
‫إخواين الكرام‬

‫ملا اصطفى اهلل النيب صلى اهلل عليه وسلم للرسالة ‪ ,‬وبدأ صلوات ريب وسالمه عليه يدعو إىل دين اإلسالم يف ذلك‬
‫الوقت مل يكن يتبعه عليه السالم إال من آمن به حقا فدخل اإلميان إىل قلبه واستحكم فيه ‪ ,‬فيصرب مع النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم على كل أنواع العذاب وال يرده ذلك عن دينه‪ .‬كما حصل لبالل وعمار وغريهم من ضعفاء املسلمني‪.‬‬
‫وعندما اشتد البالء على املؤمنني ومل يزدد رؤوس الكفر صناديد قريش إال كفرا وعتوا ‪ ,‬واستطار شرهم وبدؤوا ميكرون‬
‫بالنيب صلى اهلل عليه وسلم حيث أرادوا قتله أو حبسه أو تقييده‪ .‬أذن اهلل له باهلجرة إىل املدينة ‪ ,‬فهاجر هو ومن‬
‫معه من املؤمنني والتقوا مبن بايعوا النيب صلى اهلل عليه وسلم من األنصار‪ .‬يف تلك الفترة مل يكن ظهر النفاق بعد‬
‫ألن املهاجرين رمحهم اهلل ذاقوا أشد أنواع العذاب يف مكة وبعضهم ترك ماله وأهله كل ذلك بسبب إمياهنم‪ .‬وكلكم‬
‫يعرف ما رُوِ َى عن سعيد بن املسيب ‪ ,‬قال ‪ :‬أقبل صهيب مهاجرا إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش‬
‫فزنل عن راحلته وانتثل ما يف كنانته‪ .‬مث قال ‪ :‬يا معشر قريش لقد علمتم أين من أرماكم رجال ‪ ,‬وأمي اهلل ال تصلون إيل‬
‫حىت أرمي كل سهم معي يف كنانيت‪ .‬مث أضرب بسيفي ما بقي يف يدي منه شيء ‪ ,‬مث افعلوا ما شئتم ‪ ,‬وإن شئتم‬
‫دللتكم على مايل مبكة وخليتم سبيلي‪ .‬قالوا ‪ :‬نعم ‪ ,‬فلما قدم على النيب صلى اهلل عليه وسلم املدينة‪ .‬قال ربح‬
‫البيع أبا حيىي ‪ ,‬ربح البيع أبا حيىي ‪ .‬ونزل قوله تعاىل ﱫ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﱪ رواه احلاكم بعدة طرق وقال صحيح على شرط مسلم‪.‬‬

‫وأما األنصار فقد بايعوا النيب صلى اهلل عليه وسلم باختيارهم على أن حيفظوه مما حيفظون منه أوالدهم ونسائهم‬
‫فلم يكن هناك أي داع أو دافع يدفعهم للنفاق‪ .‬ولكن ملا اشتد اإلسالم وقو َي نبتت نابتة النفاق اخلبيثة ‪ ,‬وبدأت‬
‫ظاهرته تظهر ‪ ,‬فأظهر بعض الناس اإلسالم وأبطنوا الكفر من أجل حفظ دمائهم وأمواهلم‪ .‬وكانت هذه املشكلة‬
‫أعين مشكلة ظهور النفاق من أشد املشاكل اليت واجهت النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬ألن املجتمع اإلسالمي يف‬
‫املدينة كان يف مراحله األوىل‪ .‬ومرض النفاق من أشد األمراض اليت تنخر يف املجتمعات‪ .‬وذلك ألن املنافقني قبحهم اهلل‬
‫يتحركون خبفاء كما تتحرك الثعابني لتلدغ وتبث مسومها مث تنسل برفق شديد إىل جحرها‪ .‬فالتحرز منهم صعب‬
‫جدا ‪ ,‬وهم يتحينون الفرص لالنقضاض على املسلمني‪ .‬وهم كذلك كانوا يفشون سر النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫واملؤمنني إىل الكفار‪ .‬ليستأصلوا شأفة املؤمنني قال تعاىل ﱫ ﯲ ﯳ ﯴ ﱪ قال أهل العلم ‪ :‬أي ألهنم يفشون‬
‫سرك إىل الكفار‪.‬‬

‫فكان النفاق داء عضاال واجه النيب صلى اهلل عليه وسلم يف املدينة‪ .‬ولكن النيب صلى اهلل عليه وسلم استطاع أن‬
‫يتغلب على هذه املشكلة العويصة حبكمته وتأييد اهلل له بالوحي‪ .‬ومبا أن املنافقني كانوا يتحينون الفرص باملؤمنني‬
‫لذلك ملا مات النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬وكان الصحابة كالشياة يف الليلة املطرية املظلمة يف األرض املسبعة‪.‬‬
‫جنم النفاق ‪ ,‬وحاولت حية النفاق أن خترج رأسها من جحرها العفن لتعيث يف األرض الفساد‪ .‬لكن الصديق الباذل‬
‫نفسه وماله لنصرة نبيكم ودينكم ‪,‬قمع املنافقني أشد القمع‪ .‬ونكل هبم أشد التنكيل‪ .‬فشرد هبم من خلفهم من‬ ‫َ‬
‫أمثاهلم ‪ ,‬فلله دره ‪ ,‬مث هلل دره ‪ ,‬مث هلل دره‪ .‬فهذا الصنف من الناس ال ينفع معهم إال هذا النوع من القمع والتنكيل‪.‬‬
‫قال اإلمام حممد بن عبدالوهاب رمحه اهلل رمحة واسعة ونور اهلل له ضرحيه ‪ :‬وملا حصلت الردة ‪ ,‬جاء الفجاءة إىل أيب‬
‫بكر الصديق فقال له ‪ :‬يا خليفة رسول اهلل جهزين بالسالح ألقاتل من ارتد مِن العرب‪ .‬فلما جهزه بالسالح قطع طريق‬
‫فحرَّقَـ ُه بالنار ‪ ,‬وكذلك أمرَ خال َد‬
‫املسلمني‪ .‬فأرسل إليه أبو بكر من يقاتله ‪ ,‬فظفروا به فأتوا إبه ىل أيب بكر الصديق َ‬
‫حرِّق من ارتد من العرب بالنار‪ .‬فكان خالد جيعل رؤوسهم أثايف القدور (أي وأثايف القدور ‪:‬هي احلجارة اليت‬ ‫بن الوليد أن ي ُ َ‬

‫‪30‬‬
‫يوضع عليها القدر عند الطبخ)‪.‬‬

‫إن هذا الصنف من الناس حاول أن خيادع اهلل‪ .‬وكذب مرارا وتكرار على رسوله الكرمي املؤيد بالوحي‪ .‬لذلك مل ينجع فيهم‬
‫إال مثل هذا العالج الشايف من كل وسوسة‪ .‬فإهنم ال ينفع معهم إحسان الظن واملعاملة بالرفق واللني والسهولة‪.‬‬
‫فكيف ت ُعامل الثعابني معاملة لطيفة وهي تتربص الدوائر باملسلمني ومىت ما حصلت هلا فرصة لالنقضاض‬
‫انقضت ‪.‬‬

‫إخواين الكرام قد يتساءل بعضكم فيقول ‪ :‬ما الذي مينع املنافقني من اإلميان وهم يرون النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ميشي بني أظهرهم وهم يسمعون القرآن يتلى عليهم‪ .‬وفيه ت َو ُعد للمنافقني بأشد أنواع العذاب ‪ .‬فاعلم رمحك اهلل‬
‫أن املنافق من خبث سريرته ‪ ,‬فإنه ال حيب التوبة‪ .‬وال حيب أن يسمع الوعد والوعيد بل وجيعل أصابعه يف أذنيه عند مساع‬
‫احلجج اليت يف القرآن من شدة خوفه من ميله إىل اإلميان عند مساعها‪ .‬وترك ما هو عليه من الكفر ‪ ,‬قال تعاىل ﱫﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﱪ‪ .‬فاملطر هو‬
‫القرآن ‪ ,‬والظلمات ْ‬
‫ذكر ُ الكفر يف القرآن ‪ ,‬والرعد هو الوعيد ‪ ,‬والربق هو احلجج اليت ذكرها اهلل يف القرآن ‪ .‬ويقول تعاىل ﱫ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﱪ يعين تعاىل أهنم إذا أنزلت سورة فيها‬
‫ذكرهم‪ ,‬وقرأها النيب صلى اهلل عليه وسلم عليهم ‪ ,‬نظر بعضهم إىل بعض يريدون اهلرب قائلني‪ .‬هل يراكم من أحد‬
‫إذا قمتم ‪ ,‬فإن مل يرهم أحد قاموا وإال ثبتوا‪.‬‬

‫وقال تعاىل ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﱪ‪ .‬واهلل عز وجل بني‬


‫مثل املنافقني يف القرآن فقال ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﱪ أي أنارت ما حوله فأبصر واستدفأ‬
‫وأمن مما خيافه ﱫ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﱪ أي أن اهلل أطفأ نورهم وتركهم يف ظلمات ال يبصرون ما‬
‫حوهلم متحريين عن الطريق خائفني‪ .‬فكذلك هؤالء أمنوا بإظهار كلمة اإلميان فإذا ماتوا جاءهم اخلوف والعذاب‪ .‬ومبا‬
‫أنه كان رأس الكفر أركان يسمع كل هذا الكالم ‪ ,‬قال األخ معقبا بعد هذا الكالم‪ :‬فيا أيها املنافق متتع برِدَّتك ونفاقك‬
‫قليال ‪ ,‬إنك من أصحاب النار إن مل تتب‪ .‬مث واصل قائال ‪ :‬إخواين الكرام إن النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يكن يعرف كل‬
‫املنافقني بأعياهنم‪ .‬بل كان يعرف أوصافهم‪ .‬وبتلك األوصاف يتبني له املنافق من غريه‪ .‬وهذا على قول من أقوال العلماء‬
‫يف هذه املسألة واستدلوا على ذلك بقوله تعاىل ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﱪ أي عرفناك إياهم ﱫ ﭔ ﭕﱪ أي‬
‫بعالمتهم ‪ ,‬مث قال تعاىل ﱫ ﭗ ﱪ الواو هنا لقسم حمذوف وجواب القسم ﱫ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﱪ واملعىن ‪ :‬أي واهلل‬
‫لتعرفنهم إذا تكلموا عندك مبا فيه هتجني أمر املؤمنني‪.‬‬

‫ومبا أن مرض النفاق مرض خطري جدا جدا‪ .‬وألن النيب صلى اهلل عليه وسلم سيموت والوحي سينقطع‪ .‬لذلك قد بني‬
‫اهلل أوصاف املنافقني يف القرآن بتفصيل شديد ‪ ,‬حىت فضحهم فضحا ‪ ,‬لتكون تلك الصفات دليال للمؤمنني على‬
‫املنافقني يف كل زمان ومكان ليتحرزوا منهم‪ .‬ونـحن إن شاء اهلل سنذكر بقدر اإلمكان ـ ألن املعتقل مل يكن فيه كتب‬
‫وال مراجع ـ بعض صفاهتم املذكورة يف القرآن‪ .‬لينكشف أمرهم لكل خمدوع هبم‪ .‬فإهنم كثريا ما يكذبون على‬
‫الشباب الصغار يف السن أو السذج أو الذين ليس عندهم علم هبذه املسألة‪ .‬فيَدخلون عليهم من باب العاطفة‬
‫واملسكنة‪ .‬إىل أن يصبح ذلك املسكني ضحية هلم ‪ ,‬فيسيء الظن باملسلمني ‪ ,‬وحيسن الظن بذلك املنافق املارق من‬
‫الدين‪ .‬وال خيفى عليكم أن مثل هذه األمور ال ينبغي ألحد أن يتكلم هبا مبثل هذا ـ أي بالعاطفة ـ ال سيما يف مثل هذه‬
‫الظروف اليت منر هبا‪ .‬ألن اخلطر حميط بنا إحاطة السوار للمعصم‪ .‬وأنتم تعلمون أن كل ما حيصل للمسلمني من‬
‫أذى يف هذا الزمان من تدبري املنافقني الصغار والكبار‪ .‬وما هذا السجن الذي أنتم فيه اآلن إال بقدر من اهلل أوال مث بسبب‬
‫مكر املنافقني‪.‬‬

‫إخواين الكرام ال ينبغي لنا أن خنتلف يف املنافقني‪ .‬بل جيب أن تكون كلمتنا فيهم واحدة وموقفنا منهم واحد ‪ .‬عن سعد‬
‫بن معاذ قال خطب رسول اهلل صلى اهلل عليهم وسلم الناس فقال‪ :‬من يل مبن يؤذيين ‪ ,‬وجيمع يف بيته من يؤذيين‪ .‬فقال‬
‫سعد بن معاذ ‪ :‬إن كـان من األوس قتلناه ‪ ,‬وإن كـان من إخــواننا اخلزرج أمرتنا فأطعناك‪ .‬فقـام سعد بن عبادة فقـال‪:‬‬
‫ما بك يا ابن معاذ طاعة اهلل ورسوله ‪ ,‬ولقد عرفت ما هو منك‪ .‬فقام أسيد بن حضري فقال‪ :‬إنك يا ابن عبادة منافق وحتب‬
‫املنافقني‪ .‬فقام حممد بن مسلمة فقال ‪ :‬اسكتوا يا أيها الناس فإن فينا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو يأمرنا‬
‫فننفذ أمره‪ .‬فأنزل اهلل سبحانه ﱫﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﱪ أي ما شأنكم صرمت يف املنافقني‬
‫فرقتني واهلل ردهم إىل الكفر مبا كسبوا‪ .‬ﱫﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﱪ أي أتريدون‬

‫‪31‬‬
‫أن تعدوهم من مجلة املهتدين‪ .‬ومن يضلل اهلل فلن جتد له طريقا إىل احلق ‪ .‬فيا أيها األخ الفاضل دع عنك إلتماس‬
‫املحاج ِة عنهم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫األعذار هلم وانقد إىل احلق ‪ ,‬واترك عنك‬

‫إخواين الكرام وجيب علينا أن نعامل املنافقني بغلظة بقدر اإلمكان ‪ ,‬ألن اهلل يقول ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﱪ يعين باالنتهار واملقت ‪ ,‬وال ينبغي ألحد أن يقول أنا ال أريد أن أجعل يل أعداء‪ .‬ومن قال هذا‬
‫فقد أخطأ ملخالفته للنص‪ ,‬وال تكن كما قال املنافقون عندما أمر اهلل املسلمني بعدم مواالة الكافرين ‪ ,‬فوالوهم‬
‫وقالوا معتذرين ﱫﭴ ﭵ ﭶ ﭷﱪ يدور هبا الدهر علينا ‪ ,‬من جدب أو غلبة عدو ‪ ,‬وال يتم أمر حممد فال ميريونا‬
‫‪ ,‬فقال تعاىل عنهم ﱫﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﱪ أي بنصر نبيه بإظهار دينه ﱫ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﱪ هبتك ستر املنافقني‬
‫وافتضاحهم ﱫ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﱪ من الشك ومواالة الكفار ﱫ ﮈﱪ‪ .‬فاحذروا من هذه اآلية ‪ ,‬وخافوا‬
‫منها حىت ال تكون هناك مشاهبة بينكم وبني من يتملص من النصوص ‪ ,‬ومن كان خياف من املنافقني الظاهرين‪ ,‬فأقل‬
‫شيء يفعله أن ال يوادهم وال حيتك هبم مطلقا ‪ ,‬وأن يدع األعذار الباردة‪ .‬روى ابن حبان عن ابن عباس قال ‪ :‬كان رفاعة‬
‫بن التابوت وسعيد بن احلارث قد اظهرا اإلسالم ونافقا‪ .‬وكان رجل من املسلمني يوادمها ‪ ,‬فأنزل اهلل تعاىل ﱫﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ ﱪ أي بترك مواالهتم ﱫ ﰔ ﰕ‬
‫ﰖﱪ ‪ ,‬وهذا نص يف املسألة فال خيار لك يف األمر ‪.‬‬

‫وقبل أن نشرع بذكر تلك الصفات نضيف هذه اإلضافة‪ .‬وهي أن املنافق خلساسته ‪ ,‬وحقارته ‪ ,‬ودناءته ‪ ,‬وخبثه ‪ ,‬وعدم‬
‫مروءته ‪ ,‬وشدة خطره على األمة ‪ ,‬جعل اهلل عز وجل عقابه أشد عقاب وأقواه ‪ ,‬لعله أن يزنجر فريجع عن هذا النفاق ‪,‬‬
‫فقال تعاىل ﱫﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﱪ والدرك أي املكان ‪ ,‬وقال تعاىل ﱫﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﱪ أي كما اجتمعوا يف الدنيا على الكفر واالستهزاء ‪ ,‬وقال تعاىل عن املنافقني‬
‫ﱫﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﱪ أي استبدلوها ﱫ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﱪ أي ما رحبوا فيها ‪ ,‬بل‬
‫خسروا ملصريهم إىل النار املؤبدة عليهم ‪ ,‬وما كانوا مهتدين فيما فعلوا ‪ ,‬وقال تعاىل ﱫﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﱪ أي يفرحون بإضالهلم الناس ‪ ,‬وحيبون أن يقال عنهم أهنم يتمسكون باحلق ﱫ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﱪ أي يف مكان ينجون فيه من العذاب يف اآلخرة بل هم يف مكان يعذبون فيه ﱫﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﱪ أي مؤمل‪ .‬ذهب بعض أهل العلم أن املراد باآلية املنافقني ‪ ,‬وقال تعاىل ﱫﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﱪ أي ارتدوا‬
‫إضاللُـهم‬ ‫بالنفاق على أدبارهم ﱫ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ } أي زَي َّ َن ﱫ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﱪ أي ْ‬
‫ﱫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﱪ أي املعاونة على عداوة النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬وتثبيط الناس عن اجلهاد معه ‪ ,‬قالوا ذلك سرا فأظهره اهلل تعاىل ﱫﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﱪ حاهلم ﱫ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﱪ أي ظهورهم مبقامع من حديد‪.‬‬

‫إخواين الكرام تلك عقوبتهم يف اآلخرة‪ .‬وأما عقوبتهم يف الدنيا ‪ ,‬فإن اهلل يقول عنهم ‪ :‬ﱫﯫﯬ ﯭ ﯮ ﱪ‬
‫أي مطرودين من الرمحة أينما وجدوا ﱫ ﯯ ﯰ ﯱ ﱪ أي هذا هو احلكم فيهم ‪ ,‬وهو على جهة األمر به ‪,‬‬
‫وال تقبل هلم توبة إذا ظهر عليهم ﱫ ﯳ ﯴ ﱪ أي سن اهلل ذلك ﱫﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺﱪ من األمم املاضية‬
‫يف منافقيهم املرجفني للمؤمنني ﱫ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﱪ طبعا هذا بالنسبة إلظهار توبتهم لنا ‪ ,‬وأما توبتهم‬
‫فيما بينهم وبني اهلل فال نتدخل فيها ‪ ,‬وهي موكولة إىل اهلل تبارك وتعاىل يفعل فيهم ما يشاء‪ .‬وكيف تقبل توبتهم ‪,‬‬
‫وغاية ما يظهرون لنا ما كانوا يظهرونه يف السابق ويبطنون خالفه‪ .‬وهذا القول ‪..‬أي القول بعدم قبول توبة املنافق ‪..‬هو‬
‫قول شيخ اإلسالم ابن تيميه رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫(رقية املنافقني وشفاء صدر املؤمنني)‬

‫وأما بالنسبة لصفاهتم فمن أظهر عالماهتم أهنم يطعنون بعرض النيب صلى اهلل عليه وسلم ويقذفون أهله رضي‬
‫اهلل عنهم كما فعل كبريهم عبداهلل بن أيب بن سلول ‪ .‬قال تعاىل ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔﱪ أي أسوء الكذب على عائشة‬
‫صبَ ِة ﱫ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﱪ يأجركم اهلل به‪.‬‬ ‫أم املؤمنني بقذفها ﱫ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙﱪ أيها املؤمنني غري ال ُع ْ‬
‫ويظهر براءة عائشة ومن جاء معها منه ‪ ,‬وهو صفوان فإهنا قالت كما روى البخاري ومسلم ( كنت مع النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم يف غزوه بعد ما أنزل احلجاب ‪ ,‬ففرغ منها ورجع ودنا من املدينة وآذن بالرحيل ليلة ‪ ,‬فمشيت وقضيت‬

‫‪32‬‬
‫شأين ‪ ,‬وأقبلت إىل الرحل فإذا عِقدي انقطع – القالدة – فرجعت التمسه ‪ ,‬ومحلوا هودجي – هو ما يركب فيه – على‬
‫بعريي حيسبونين فيه وكانت النساء خفافا‪ .‬إمنا يأكلن ال ُعلْـقَة من الطعام – أي القليل – ووجدت عقدي وجئت بعد‬
‫ما ساروا فجلست يف املزنل الذي كنت فيه‪ .‬وظننت أن القوم سيفقدونين فريجعون إيل ‪ ,‬فغلبتين عيناي فنمت ‪ ,‬وكان‬
‫صفوان َعرَّس من وراء اجليش – أي نزل من آخر الليل لالستراحة – فادََّلَج ـ أي سار منه ـ فأصبح يف مزنله فرأى سواد‬
‫إنسان نائما – أي شخصه – فعرفين حني رآين وكان يراين قبل احلجاب ‪ ,‬فاستيقظت باسترجاعه حني عرفين – أي‬
‫ت وجهي جبلبايب‪ ,‬أي غطيته باملالءة ‪ ,‬واهلل ما كلمين بكلمة وال مسعت منه‬ ‫قوله ‪ :‬إنا هلل وإنا إليه لراجعون ـ فخَ َّم ْر ُ‬
‫كلمة غري استرجاعه حني أناخ راحلته ووطئ على يدها‪ .‬فركبتها فانطلق يقود يب الراحلة حىت أتينا اجليش بعد ما‬
‫نزلوا موغرين يف حنر الظهرية – من أوغر أي واقفني يف مكان وغر من شدة احلر – فهلك من هلك‪ .‬وكان الذي توىل كربه‬
‫منهم عبداهلل بن أيب بن سلول ‪ ,‬اهـ كالمها‪.‬‬

‫وأما املنافقني اآلخرين فقد كانوا ينظمون الشعر الذي يُتَ َغزَّ ُل به يف نساء املسلمني مث ينحلونه إىل املشركني‪ .‬وهم‬
‫كذلك يف هذا الزمان دائمي الطعن بأعراض املسلمني ‪ ,‬ويرموهنم بالفواحش ‪ ,‬سواء املؤمنني أنفسهم أو نسائهم‪.‬‬
‫ومن عالمات املنافقني أهنم ينتقصون من قدر النيب صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه رضوان اهلل عليهم أمجعني ‪.‬‬
‫قال تعاىل ﱫﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﱪ أي يعيبك فيها ‪ ,‬وقال تعاىل ﱫﯛ ﯜ ﯝ ﯞﱪ أي يعيبه وينقل‬
‫حديثه ﱫﯟ ﱪ إذا هنو عن ذالك لئال يبلغه ﱫ ﯠ ﯡﱪ أي يسمع كل قيل ويقبله‪ .‬فإذا حلفنا له أننا مل نقل‬
‫صدقنا‪ .‬وقال تعاىل ﱫﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﱪ أي أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم ﱫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰﱪ وروى بعض أهل العلم عن ابن عباس أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ :‬اغزوا تغنموا بنات بين األصفر ‪.‬‬
‫فقال أناس من املنافقني انه يفتنكم بالنساء‪.‬‬

‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رجل يف غزوه تبوك يف جملس يومًا‪ :‬ما رأينا مثل قراؤنا هؤالء ‪ ,‬وال أرغب بطونا ‪,‬‬
‫وال أكذب ألسنة ‪ ,‬وال أجنب عند اللقاء منهم‪ .‬فقال له رجل كذبت‪ ,‬ولكنك منافق ‪ ,‬ألخربن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ .‬فبلغ ذلك رسول اهلل فزنل القرآن ‪ .‬إن هذا هو دأب املنافقني ملز النيب صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه من قدمي‬
‫الزمان‪.‬‬

‫ومن عالماهتم انه تسوءهم عافية النيب صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه ‪ ,‬قال جابر بن عبداهلل ‪ :‬جعل املنافقني الذين‬
‫ختلفوا باملدينة خيربون عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أخبار السوء ‪ ,‬ويقولون إن حممدا وأصحابه قد جهدوا‬
‫يف سفرهم وهلكوا فيلغهم تكذيب حديثهم وعافية النيب وأصحابه فساءهم ذلك فأنزل تعاىل ﱫﭴ ﭵ‬
‫ﭶﱪ كنصر وغنيمة ﱫ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﱪ أي شده ﱫ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄﱪ أي قد أخذنا أمرنا باحلزم حني ختلفنا من قبل هذه املصيبة‪ .‬ويتولوا وهم فرحون مبا أصابك‪ .‬وهذا‬
‫هو حال املنافقني املعاصرين مع املؤمنني ‪ ,‬إن أصاهبم خري يصغرونه وي ُ َه ِّونونه ‪ ,‬وإن أصابتهم مصيبة يفرحون هبا‬
‫ش َمتون بالصاحلني‪.‬‬‫وي َ ْ‬

‫ومن عالماهتم أهنم يسارعون يف الكفر إذا عرض عليهم ‪ ,‬وسنحت هلم الفرصة يف ذلك ‪ ,‬قال تعاىل ﱫﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﱪ علوها وما تلبثوا هبا إال يسريا فال يغرنكم يا مساكني مقولتهم لكم بعد أن ُ ِ‬
‫ظهرَ عليهم لقد تُـ ْبنا ‪.‬‬
‫ظهر عليهم أعداء اهلل ‪ ,‬وصدق اهلل كلما‬‫آآلن وقد نافقوا من قبل ‪,‬وكشف أمرهم ‪ ,‬وكانوا من املارقني ‪ ,‬هال كان قبل أن ي ُ َ‬
‫طلب منهم ذلك الكفر عادوا له إذا مسحت هلم األحوال والظروف وقد شاهدنا هذا بأم أعينا‪.‬‬

‫ومن أبرز عالمات املنافقني املتقدمني واملعاصرين ‪ ,‬واليت ميارسوهنا مبهارة عالية جدا جدا ‪ ,‬وتعترب هذه العالمة من أهم‬
‫ش ُّد من مرواغة‬‫مواصفات املنافق‪ .‬ومىت ختلى عنها فإنه يصبح صيدا سهال للمسلمني ‪ ,‬ولكنه يراوغ هبا مراوغة أ َ َ‬
‫ضيِّقَ عليهم ‪ ,‬وما أعنفها من صفة ‪ ,‬فإن هذه الصفة ال ترضاها النساء‬ ‫صنون به إذا ُ‬
‫َح َّ‬
‫الثعالب ‪ ,‬وهي درعهم الذي يت َ‬
‫فضال عن الرجال‪ .‬وهي مالزمة هلم أينما نزلوا وحلوا ‪ ,‬تلك الصفة هي صفه الكذب‪ .‬قال تعاىل ﱫﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﱪ أي ائذن يل يف التخلف – وهو اجلد ابن قيس ‪ ,‬قال له النيب صلى اهلل عليه وسلم « هل لك يف جالد‬
‫رأيت نساء بين األصفر أن ال أصرب عنهن فأفنت قال تعاىل ﱫﭪ ﭫ‬ ‫ُ‬ ‫بين األصفر « فقال ‪ :‬إين مغرم بالنساء ‪ ,‬وأخشى إن‬
‫ﭬ ﭭ ﱪ ويف قراءه سقط ﱫﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﱪ ال حميص هلم عنها‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫وقال تعاىل ﱫﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﱪ أي أهنم مؤمنون‪ .‬قال تعاىل ﱫ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﱪ أي‬
‫خيافون أن تفعلوا هبم كاملشركني ﱫﭯ ﭰ ﭱ ﱪ يلجئون إليه ﱫ ﭲ ﭳﱪ أي سراديب ﱫ ﭴ ﭵ ﱪ‬
‫أي موضعا يدخلونه ﱫﭶ ﭷ ﭸ ﭹﱪ أي يسرعون يف دخوله‪ .‬واالنصراف عنكم‪ .‬إسراعا ال يرده شيئ كالفرس‬
‫اجلموح‪ .‬فهم يا أيها اإلخوة يكذبون عليكم من شدة خوفهم منكم‪ ,‬وبني تعاىل كذهبم أيضا فقال ﱫﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﱪ أي رجعتم إليهم من تبوك إهنم معذورون يف التخلف ﱫ ﭸ ﭹﱪ بترك املعاتبة‬
‫ﱫﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿﱪ أي قذر خلبث باطنهم ﱫﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﱪ وقال تعاىل‬
‫وتقدس ﱫﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱪ أي ما أردنا ببناء مسجد الضرار إال الفعلة احلسنة‪ .‬من الرفق باملسكني يف‬
‫املطر واحلر ‪ ,‬والتوسعة على املسلمني ﱫﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﱪ يف ذلك‪ .‬وقال تعاىل ﱫﭟ ﭠﱪأي يقول‬
‫املنافقون إذا جاءوك ‪ :‬أمرنا طاعة لك ﱫ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﱪ أي إذا خرجوا من عندك أضمرت طائفة‬
‫منهم ﱫ ﭨ ﭩ ﭪﱪ لك يف حضورك من الطاعة أي أهنم اضمروا العصيان‪ .‬وقال تعاىل ﱫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﱪ‪ .‬وقال تعاىل ﱫﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﱪ أي رؤسائهم يف‬
‫التحقيق وغريه أو عن طريق أجهزة االتصال السرية ﱫ ﯥ ﯦ ﯧﱪ أي على دينكم‪.‬‬

‫وقال تعاىل يف سوره التوبة ﱫﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﱪ وقال تعاىل ﱫﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﱪ أي‬


‫صينَة يُخشى عليها ‪ .‬قال تعاىل ﱫ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﱪ من القتال‪ .‬ويستأنس مبا روى عن ابن عباس‬ ‫غري َح ِ‬
‫بسند ضعيف‪ :‬أن عبد اهلل بن أيب وأصحابه خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬فقال عبداهلل بن أيب ‪ :‬انظروا كيف أرد عنكم هؤالء السفهاء‪ .‬فذهب فأخذ بيد أيب بكر فقال‪ :‬مرحبا بالصديق‬
‫سيد بين ت َ ْيم‪ .‬وشيخ اإلسالم وثاين رسول هلل يف الغار ‪ .‬الباذل نفسه وماله لرسول اهلل ‪ ,‬مث اخذ بيد عمر فقال ‪ :‬مرحبا‬
‫بسيد بين عدي بن كعب الفاروق القوي يف دين اهلل الباذل نفسه وماله لرسول اهلل ‪ ,‬مث اخذ بيد علي فقال ‪ :‬مرحبا‬
‫بان عم رسول اهلل سيد بين هاشم ماخال رسول اهلل ‪ ,‬مث افترقوا ‪ ,‬فقال عبداهلل ألصحابه كيف رأيتموين فعلت ؟ فإذا‬
‫رأيتموهم ‪ ,‬فافعلوا كما فعلت ‪ ,‬فأثنوا عليه خريا‪ .‬فإذا كان املنافقون حياولون أن يكذبوا على رسول اهلل ‪ ,‬وعلى أئمة‬
‫املوحدين أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬فال تطمع أيها املوحد بأن يصدقوا معك ‪ ,‬فأحذرهم كل احلذر ‪,‬‬
‫ضح لك ربك ‪ ,‬فال تلومن إال نفسك ‪ ,‬واحلر تكفيه‬ ‫وال تقع يف شراكهم ‪ ,‬فإن وقعت بعد هذا البيان والتوضيح الذي وَ َّ‬
‫اإلشارة ‪َ .‬فتَنَبَّه ‪.‬‬

‫إخواين الكرام ‪ ,‬ومن عالمات املنافقني أهنم حياولون خمادعه اهلل واملؤمنني ‪ ,‬وكسلهم عن العبادة ‪ ,‬فإن قام إليها املنافق ‪,‬‬
‫فهو مراءٍ فيها ‪ ,‬قال تعاىل ﱫﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﱪ ‪ ,‬وقال تعاىل ﱫ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﱪ ‪ ,‬وقال تعاىل ﱫﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯬ ﯭﯮﯯﯰﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﱪ النفقة ‪ ,‬ألهنم يعدوهنا َم ْغرَما ‪.‬‬

‫إخواين الكرام أال ترون أهنم جيبنون عن السياحة (يقصد اجلهاد ‪ ,‬ومل يقلها مراعاة لظروف املكان) ويكسلون عنها ‪.‬‬
‫وإن خرجوا إليها فلهم أغراضهم يف ذلك غري أغراض املسلمني‪ .‬أمل تسمعوا أن بعضهم كان يقاتل وجيعل نفسه يف‬
‫مواطن صعبة جدا ‪ .‬ويعرض نفسه للخطر واملوت ‪ .‬أحتسبون أنه يفعل ذلك لطلب الثواب من اهلل ‪ .‬ال بل يفعله مراءاة‬
‫للناس حىت يثقوا به‪ .‬وليَ ْغ ُفلوا عنه ‪ ,‬فيتحرك بكل حرية ‪ ,‬فيطعن املسلمني يف ظهورهم طعنة قاتلة ‪ ,‬إن قلوهبم‬
‫مملوءة حقدا وغيضا على املسلمني‪ .‬ولكن هيهات إن ربك لَـبِـاملرصاد ‪ ,‬وال حييق املكر السيء إال بأهله‪ ,‬وا عجبا‬
‫للمنافقني ما أألمهم ‪ ,‬واعجبا للمنافقني ما أصربهم على النار ‪ ,‬أمل يعلم املنافقون أنه من يُحادد اهلل ورسوله فأن له‬
‫نار جهنم خالد فيها ‪ .‬ذلك اخلزي العظيم‪.‬‬

‫وبعضهم من شدة مراءاته للناس‪ ,‬تراه يصلي وهو البس للنظارات الشمسية‪ ,‬مث يصور بالكامريات صورة وهو قائم‪،‬‬
‫الص َور ِ على املسلمني املساكني ‪ ,‬لينخدعوا بذلك املنافق امللحد‬
‫ُّ‬ ‫وثانية وهو راكع ‪ ,‬وثالثة وهو ساجد ‪ ,‬مث ت ُ َوزَّع تلك‬
‫ويظنوا أنه يتلوا آيات ربه آناء الليل والنهار ‪ ,‬ساجدا وقائما حيذر اآلخرة ويرجوا رمحة ربه‪.‬‬

‫ومن عالمات املنافقني امل َ ْش ُي بالنميمة بإلقاء العداوة بني املؤمنني وختذيلهم‪ .‬قال تعاىل ﱫﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠﱪ أي فسادا بتخذيل املؤمنني ﱫ ﯡ ﯢ ﱪ أي أسرعوا بينكم باملشي بالنميمة ﱫ ﯣ‬

‫‪34‬‬
‫ﯤﱪ أي يطلبون لكم الفتنة بإلقاء العداوة ﱫ ﯥ ﯦ ﯧﱪ أي يسمع ما يقول املنافق مساع َقَـبول ﱫ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﱪ وصدق اهلل‪ .‬ألـم أقل لكـم قبل فتره من الزمن ‪ ,‬أن من فوائد هذا السجن أننا رأينـ القرآن‬
‫يتكلم ‪.‬‬

‫ف نفاقهم يف هذه األماكن فحاولوا أن يُلقوا الفتنة بيننا‪ .‬فسمع هلم بعض املساكني‬ ‫ش َ‬‫إخواين الكرام كم من واحد ُك ِ‬
‫لذلك هم بدؤوا يُسيئون الظن ببعض الفضالء ‪ ,‬بل و ر َ َم ْو ُه ْم بالكذب من أجل ذلك املنافق ‪ ,‬فتدبروا ذلك رمحكم اهلل‪.‬‬
‫وهذه الوسوسة هي من عادة مردة شياطني اإلنس واجلن ‪ ,‬قال تعاىل ﱫﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﱪ أي َمرَدَةَ ﱫ‬
‫س ﱫ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﱪ أي املموه من الباطل ﱫ ﭷﱪ أي ليغروهم – فكونوا‬ ‫س ِو َ‬‫ﭯ ﭰ ﭱ ﱪ أي ي ُ َو ْ‬
‫على حذر منهم ــ‪ .‬مث أكمل تعاىل قوله يف اآلية السابقة وهي ﱫﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﱪ فقال تعاىل‬
‫ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﱪ أي عند أو ِّل قدومك املدينة ﱫ ﭖ ﭗ ﭘﱪ أي أجالوا الفكر يف كيدك وإبطال‬
‫دينك ﱫ ﭙ ﭚ ﭛﱪ أي النصر ﭜ ﭝ ﭞﱪ أي َعزَّ دينه ﱫ ﭟ ﭠﱪ له ‪ ,‬فابشروا يا إخواين مهما‬
‫وسيَرُد ُّ اهلل كيد‬
‫حاول املنافقون الكبار والصغار ‪ ,‬ليصدوا عن سبيل اهلل باملكر والنميمة وتقليب األمور لن يفلحوا أبدا‪َ ,‬‬
‫املنافق يف حنره ‪ ,‬وما يهلكون إال أنفسهم وما يشعرون‪ .‬واملنافق آمر باملنكر ‪ ,‬ناه عن املعروف ‪ ,‬فمىت ما رأيت الرجل يزين‬
‫املعاصي ويأمر بالكفر والتجسس على املسلمني ‪ ,‬فاعلم أن هذا هو الذي نعين ونتكلم عنه‪ .‬قال تعاىل ﱫﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﱪ أي متشاهبون يف الدين ﱫﮩ ﮪ ﮫ ﱪ أي الكفر واملعاصي ﱫﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﱪ أي اإلميان والطاعة ‪ ,‬ﱫ ﮯ ﮰ ﱪ عن اإلنفاق يف الطاعة ‪ ,‬وقال تعاىل ﱫﮑ ﮒ ﮓ ﱪ أي‬
‫للمنافقني ﱫ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﱪ بالكفر والتعويق عن اإلميان ﱫ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﱪ وليس ما حنن فيه بفساد‪.‬‬

‫تَـحيِّن ِ الفرص بالنيب صلى اهلل عليه وسلم واملؤمنني ‪ ,‬ليقضوا عليهم ‪ ,‬قال تعاىل ﱫﭑ ﭒ‬ ‫َ‬ ‫ومن عالماهتم‬
‫ﭓﱪ الدوائر ﱫ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﱪ أي ظفر وغنيمة ﱫ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﱪ يف الدين واجلهاد فأعطونا من‬
‫الغنيمة ‪ ,‬ﱫ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﱪ من الظـ َّ َفرِ عليكم ﱫ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﱪ أي أمل‬
‫مننعكم من املؤمنني أن يظفروا بكم ‪ ,‬بتخذيلهم ومراسلتكم بأخبارهم فلنا عليكم املنة ‪.‬‬

‫وقال تعاىل ﱫﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﱪ من الفتك بالنيب ليلة العقبة عند عودِهِ صلى اهلل عليه وسلم من تبوك ‪ ,‬وهم‬
‫ش ْوهُ َفرَدُّوا ﱫﭯ ﭰﱪ أي أنكروا ﱫ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬ ‫بضعة عشر رجال ‪ ,‬فضرب عمار بن ياسر وجوه الرواحل ملّا َغ َ‬
‫ش َّدةِ احتياجهم ‪ ,‬واملعىن أهنم مل ينلهم منه إال هذا ‪ ,‬وليس مما ينقم ‪ ,‬ولكن هذه‬ ‫ﭵ ﭶ ﭷﱪ بالغنائم بعد ِ‬
‫خسة املنافق ‪ ,‬حتسن إليه وتطعمه وتلبسه وتُـؤويه مث بعد هذا كله‪ ,‬يرمتي يف أحضان الكافرين ‪ ,‬فلله درك يا أبا بكر‬
‫على صنعك باملرتدين امللحدين‪.‬‬

‫وروى ابن جرير ‪ :‬أن األخنس بن شريق أقبل إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬وأظهر له اإلسالم أي أن األخنس أظهر للنيب‬
‫وح ُمر ‪ ,‬فأحرق الزرع و َعقَـرَ احل ُ ُمر ‪ ,‬فأنزل اهلل ﱫﭯ‬
‫بأنه مسلم ـ فأعجبه ذلك منه ‪ ,‬مث خرج فمر بزرع لقوم مسلمني ُ‬
‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭹﭺﭻﭼ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮄﮅﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﱪ‪.‬‬

‫أخي الكرمي احذر من املنافقني كل احلذر ‪ ,‬فإهنم مىت ما ظفروا بك ‪ ,‬فلن يفوتوا تلك الفرصة‪ .‬فإن مكنتهم من نفسك‬
‫بعد ذلك فال تلومن إال نفسك‪ .‬ومن عالماهتم مواالهتم للكفار واجللوس معهم عند استهزائهم بالشرع ‪ ,‬قال تعاىل‬
‫ص َف ُة املنافقني ﱫ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫ﱫﮮﱪ أي اخرب يا حممد ﱫ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﱪ ِ‬
‫ﯜﰀ} ل ِ َما يتومهون فيهم من القوه ﱫﯝ ﯞﱪ أي أيطلبون ﱫ ﯟ ﯠﱪ استفهام إنكار ‪ ,‬أي ال جيدون‬
‫عندهم العزة ﱫ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﱪ يف الدنيا واآلخرة ‪ ,‬وال يناهلا إال أولياءه ﱫ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﱪ أي يف القرآن‬
‫ــ وهذا النهي مذكور يف سورة األنعام آية رقم ‪ 68‬ـ ﱫ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﱪ أي‬
‫مع الكافرين واملستهزئني ﱫﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾﱪ أي إن قعدمت معهم ﱫ ﯿﱪ أي يف اإلمث ﱫ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﱪ كما اجتمعوا يف الدنيا على الكفر واالستهزاء ‪.‬‬

‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رجل يف غزوه تبوك يف جملس يوما ‪ :‬ما رأينا مثل قراؤنا هؤالء ‪ ,‬وال أرغب بطونا ‪,‬‬

‫‪35‬‬
‫وال أكذب ألسنة ‪ ,‬وال أجنب عند اللقاء منهم‪ .‬فقال له رجل ‪ :‬كذبت ولكنك منافق ‪ ,‬ألخربن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬فبلغ ذلك رسول اهلل فزنل القرآن‪ .‬قال ابن عمر ‪ :‬فأنا رأيته متعلقا بناقة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪,‬‬
‫واحلجارة تنكيه وهو يقول ‪ :‬يا رسول اهلل ﱫﮆ ﮇ ﮈﱪ ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ :‬ﱫﮉﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﱪ ‪ .‬وقال تعاىل ﱫﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﱪ‬
‫من القران ﱫﭧﱪ أي من املنافقني ﱫ ﭨ ﭩﱪ ألصحابه استهزاءً ﱫ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﱪ‪.‬‬

‫ومن عالمات املنافقني شكهم مبا وعد اهلل ورسوله ‪ ,‬وسوء الظن باهلل تبارك وتعاىل‪ .‬روى البيهقي عن عمرو املزين قال‪:‬‬
‫خط رسول اهلل اخلندق عام األحزاب فأخرج اهلل من بطن اخلندق صخرة بيضاء ُم َدوَّرَةً‪ .‬فأخذ رسول اهلل املعول فضرهبا‬
‫ضربة ‪ ,‬فصدعها وبرق منها برق أضاء مابني البَت َْي املدينة‪ .‬فكرب وكرب املسلمون ‪ ,‬مث ضرب الثانية ‪ ,‬فصدعها وبرف‬
‫منها برق أضاء مابني ال بَتَ ْيها فكرب وكرب املسلمون ‪ ,‬مث ضرهبا الثالثة ‪ ,‬فكسرها فربق منها برق أضاء مابني ال بتيها‬
‫فسئ َِل عن ذلك فقال ‪ :‬ضربت األوىل فأضاءت يل قصور احلرية ومدائن كسرى وأخربين جربيل أن‬ ‫فكرب وكرب املسلمون ‪ُ ,‬‬
‫أميت ظاهرة عليها ‪ ,‬مث ضربت الثانية ‪ ,‬فأضاءت يل قصور احلمر من أرض الروم وأخربين جربيل أن أميت ظاهرة عليها ‪ ,‬مث‬
‫ح ِّدثُكم‬
‫ضربت الثالثة فأضاءت يل قصور صنعاء ‪ ,‬وأخربين جربيل أن أميت ظاهرة عليها فقال‪ :‬املنافقون أال تعجبون ي ُ َ‬
‫وي ُ َمنِّيكم وي َ ِع ُدكم الباطل ‪ ,‬وخيربكم أنه يبصر من يثرب قصور احلرية ومدائن كسرى وأهنا تفتح لكم ‪ ,‬وأنتم إمنا حتفرون‬
‫اخلندق من ال َفرَق ِ ال تستطيعون أن تَبَرَّزوا ‪ ,‬فزنل القرآن ﱫﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩﱪ وقال تعاىل ﱫﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣﱪ‬
‫ظنوا انه ال ينصر حممدا صلى اهلل عليه وسلم واملؤمنني ‪.‬‬

‫وقال تعاىل عن املنافقني ﱫﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﱪ أي ظنا غري الظن احلق‪ .‬واملنافق أيضا خياف من الفضيحه ‪ ,‬ولكنه مع‬
‫هذا يستهزأ بالشرع وباملؤمنني ‪ ,‬قال تعاىل ﱫﭰﱪ أي خياف ﱫ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﱪ أي على املؤمنني ﱫ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﱪ أي مبا يف قلوب املنافقني من النفاق ‪ ,‬وهم مع ذلك هم يستهزئون قال تعاىل ﱫﭺ ﭻ ﭼﱪ‬
‫أمر هتديد ﱫ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﱪ أي مظهر ما حتذرون إخراجه من نفاقكم ‪ .‬وهم يستحيون من الناس‬
‫وخيافوهنم وال يستحيون من اهلل وهو حميط هبم ‪ ,‬قال تعاىل ﱫﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﱪ ولكن اهلل سيفضحهم ويكشف سوءهتم لعباده املؤمنني‬
‫قال تعاىل ﱫﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﱪ أي لن يظهر أحقادهم على النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم واملؤمنني ‪ ,‬فلربنا احلمد ‪ ,‬وله الشكر على بيانه لنا كل هذا البيان ‪.‬‬

‫ومن عالمة املنافق أنه مداهن ‪ ,‬فهو يَتَلَـ َّو ُن على حسب األوضاع واألحوال ‪ ,‬قال تعاىل ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔﱪ‬
‫أيها املؤمنون فيما بلغكم عنهم من أذى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أهنم ما أتوه ﱫﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﱪ بالطاعة ‪ .‬وقد ذكرنا فيما قبل قصه ابن سلول مع أيب بكر وعمر وعلي ‪.‬‬

‫ومن عالماهتم خوفهم من القتال ‪ ,‬قال تعاىل ﱫﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬


‫ﱪ أي ذوُوا الغىن ﱫ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﱪ أي النساء اللوايت ت َخَ لـَّفن يف‬
‫البيوت ﱫ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﱪ‪ .‬قال تعاىل ﱫﮡ ﮢ ﮣ ﮤﱪ أي ليَتأخرن عن القتال كاملنافقني ﱫ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧﱪ كقتل أو هزمية ﱫ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﱪ أي حاضرا فَـأُصاب ‪ .‬وعن حذيفة رضي‬
‫ضة أسفل‬ ‫اهلل عنه قال ‪ :‬لقد رأيتنا ليلة األحزاب ‪ ,‬وحنن صافون قعودا ‪ ,‬وأبو سفيان ومن معه من األحزاب فوقنا ‪ ,‬و ُقرَ ْي َ‬
‫منا ‪ ,‬خنافهم على ذرارينا‪ .‬وما أتت علينا ليلة أشد ظلمة وال أشد رحيا منها‪ .‬فجعل املنافقون يستأذنون النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ويقولون ‪ :‬إن بيتونا عورة وما هي بعور ‪ ,‬فما يستأذن أحدهم منهم إال أذن له ‪ ....‬احلديث‪ .‬وبني اهلل تعاىل‬
‫شدة خوف املنافقني فقال ﱫ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﱪ ل ِ َما يف قلوهبم من الرعب ‪ ,‬خيافون أن يزنل ما يبيح دمائهم‪.‬‬

‫ومن عالمات املنافقني أهنم ال يرضون بالتحاكم إىل القرآن والسنة‪ .‬كما رُوِ َى أنه ملا اختصم يهودي ومنافق ‪ ,‬فدعا املنافق‬
‫إىل كعب بن األشرف ‪ ,‬ليحكم بينهما ودعا اليهودي إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬فأتياه فقضى لليهودي‪ ,،‬فلم‬
‫يرض املنافق‪ .‬فأتيا عمر فذكر له اليهودي ذلك ‪ ,‬فقال للمنافق أكذلك ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬فقتله‪ .‬فزنل قوله تعاىل ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﱪ‪ .‬قال تعاىل ﱫ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﱪ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ومن عالماهتم خُ لف الوعد مع اهلل‪ .‬قال اهلل تعاىل ﱫ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞﮟ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﱪ وقال تعاىل ﱫ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﱪ‪.‬‬

‫ويف اخلتام نقول لكم هؤالء هم املنافقون وهذه هي صفاهتم وأخالقهم اليت استطعت أن أمجعها من القرآن‪ .‬ويوجد‬
‫غريها يف السنة ‪ ,‬ولكن الوقت واإلمكانات ال تساعد‪ .‬ويف اجلملة ال توجد صفة قبيحة ومشينة ‪ ,‬أو أمر ليس من املروءة‪،‬‬
‫إال وهو فيهم لذلك ال تستغربوا إن مسعتم عن فضائحهم األخالقية أو احنطاطهم‪ .‬فإن ذلك ال ي ُ َعد شيئا يف جنب‬
‫ما ذكرناه يف السابق من اآليات واألحاديث‪.‬‬

‫إخواين الكرام إن املنافقني خرجوا علينا وحاربونا وأرادوا أن يستأصلوا شأفتنا واستخدموا ضدنا يف هذه احلرب سالح‬
‫املكر واخلديعة واللؤم والكذب ‪ ,‬حماولة منهم يف أن خيدعونا مرة بعد مرة ‪ ,‬ولكن حبيبنا يقول ( ال يلدغ املؤمن من جحر‬
‫ِب وال خيدعين اخلب ‪ ,‬أي لست مبخادع وال خيدعين املخادع‪ .‬لذلك فنحن تصديا هلم ‪ ,‬ورفعنا‬‫مرتني ) ‪ ,‬وقال عمر ‪ :‬لست خب ٍَ‬
‫عليهم سيف احلق الذي هو القران والسنة ورفعناه عاليها فوق تلك اهلامات‪ .‬فضربناهم بسرعة وبقوة فتحطمت‬
‫كل مججمة عفنة حتمل البغض والكره لدين اهلل وسنه نبيه‪.‬‬

‫إخواين الكرام ساحموين على النقص الكبري يف هذا املوضوع فإنه ال يوجد عندنا مراجع كافية‪ .‬واسأل اهلل أن جيعل هذه‬
‫نَـي اإلنصاف إليها ‪ ,‬ووقف على أخطائي فأطلعين‬ ‫الكلمة وسيلة للفوز جبنات النعيم‪ .‬ورحم اهلل امرؤًا نظر بِـ َع ْي ْ‬
‫عليها‪.‬‬

‫وقد قال األول ‪:‬‬

‫محدت اهلل ريب إذ هـداين ‪ ..‬لِمَا أبْدَيْتُ مَعْ عجزي وضعفي‬


‫بالقبول ولو حبــرفِ‬
‫ِ‬ ‫فمن يل باخلطا فـأرد عنه ‪ ..‬ومن يل‬

‫هذا مل يكن قط يف خَـلَـدي أن أتعرض لذلك ‪ ,‬لعلمي بالعجز عن اخلوض يف هذه املسالك‪ .‬وعسى اهلل أن ينفع اهلل‬
‫ص ّما ‪ ,‬ومن كان يف هذه أعمى فهو يف اآلخرة أعمى وأضل‬
‫هبا نفعا َج ّما ويفتح هبا قلوبا غلفا ‪ ,‬وأعينا عميا ‪ ,‬وآذانا ُ‬
‫سبيال‪.‬‬

‫وجعلنا هبا مع الذين أنعم اهلل عليهم من النبيني والصديقني والشهداء‬


‫رزقنا اهلل هبا هداية إىل احلق وتوفيقا ‪َ ,‬‬
‫الصاحلني وحسن أولئك رفيقا‪.‬‬

‫وهذا ما مت مجعه وإيراده وأعان القديرعلى كتابته‪.‬‬


‫وهبذا أهني هذا الكتاب راجيا من اهلل القبول وأن جيعل ما كتبناه خالصا لوجهه الكرمي‪ .‬نافعا لعباده املسلمني‬
‫واملجاهدين وأن جيعله من الزلفى إليه ويدخر الثواب لديّه يوم النفع مال وال بنون إال من أتى اهلل بقلب سليم‪.‬‬

‫وآخر دعوانا‬
‫أن احلمد هلل رب العاملني‬
‫أخوكم أبوصاحل األنصاري‬

‫‪37‬‬
‫الفهرس‬

‫املقدمة ‪2 ............................................................................................................................................................................‬‬
‫وتلك األيام ندواهلا بني الناس ‪4 .............................................................................................................................‬‬
‫أماحياة تسرّالصديق وإما مماتا يغيض العدا ‪11 ..............................................................................................‬‬
‫هم العدوّ فاحذرهم ‪17 .................................................................................................................................................‬‬
‫رقية املنافقني وشفاء صدور املؤمنني ‪30 ............................................................................................................‬‬

‫‪38‬‬

You might also like