You are on page 1of 19

‫‪ ..

‬غرائب حدثت فى رمضان‬


‫( رمضان بين سطور التاريخ (‪1‬‬
‫بقلم‪ :‬احمد صبحي منصور‬

‫تاريخ النشر‪31 -08 -2008 :‬‬

‫( الحلقة الولى)‬

‫غرائب وقعت في رمضان !!‬

‫*في رمضان ‪787‬هـ حدث في القاهرة أمر غريب‪ ،‬ولدت إمرأة طفلة لها رأسان كاملن على صدر واحد ويدين‬
‫ومن تحت السرة تنقسم إلى شكل نصفين في كل نصف ساقان كاملتان‪ ،‬وماتت ‪ ..‬ولم تعش ‪ ..‬ولو عاشت لشهد‬
‫العصر المملوكي نموذجاً للتوأم السيامي قبل أن يعرف العالم أين تقع سيام‪..‬‬

‫* والحوليات التاريخية كانت تسجل الغريب من أحداث الشارع الشعبي ‪،‬كأنما كان المؤرخون يشترطون على‬
‫الفرد العادي أن يأتي بالشيء المستغرب حتى يستحق شرف التسجيل مع كبا&;ر رجالت العصر ‪ ..‬وإن لم‬
‫يكن بمقدور الشخص العادي أن يفرض نفسه على صفحات التاريخ فإن غرائب الطبيعة أرغمت المؤرخين على‬
‫أن يحولوا بصرهم عن السلطان وحاشيته ويلتفوا حولهم يسجلون أخبار ثورات الطبيعة من سيول وأمطار‬
‫وعواصف وأوبئة وظواهر بل تفسير ‪ ..‬ونلتقط بعضها مما حدث في رمضان‪.‬‬
‫* في ‪24‬رمضان ‪707‬هـ ذكر المؤرخ ابن كثير أن مطراً قوياً شديداً وقع بالشام في أيامه وذكر أن الناس كانوا‬
‫مشتاقين للمطر منذ مدة ‪ ،‬فاستبشروا بذلك خيراً ورخصت السعار‪،‬ولم يتمكن الناس من الخروج للصلة من‬
‫كثرة المطر ‪..‬‬

‫*ونفس الحال تقريباً حدث في القاهرة في أيام المقريزي وسجله في أحداث رمضان ‪838‬هـ في سلطنة الشرف‬
‫برسباي حيث وقع مطر غزير ودلفت المياة إلى سقف البيوت وسالت المياة من جبل المقطم سيلً عظيماً وظل‬
‫الماء في الصحراء عدة أيام ‪ "،‬ويقول المقريزي "وهذا مما يندر وقوعه بأرض مصر" وصدق في هذا‪..‬‬
‫ومن المطر إلى العاصفة الشديدة التي هبت على القاهرة ليلة الجمعة ‪5‬رمضان ‪770‬هـ تلك العاصفة التي‬
‫أسقطت الزروع والنخيل وأعالي البيوت في القاهرة وأغرقت عدداً من السفن ‪ ،‬وتسبب عنها موت جماعة من‬
‫الناس تحت البيوت التي تهدمت‪ ..‬يقول المقريزي "وكان أمرًا مهولً عامة تلك الليلة"‪.‬‬

‫*وكل ذلك مفهوم ويحدث ولكن غير المفهوم هو تلك الواقعة الغريبة التي يذكرها المقريزي في حوادث‬
‫رمضان ‪807‬هـ يقول "وفي هذا الشهر ظهر في بر الجيزةعلى شاطئ النيل وفي النيل وفي مزارع القليوبية‬
‫شبه نيران كأنها مشاعل وفتايل سرج تقد ‪ ،‬ونار تشتعل فكان يرى من ذلك عدد كبير جداً مدة ليالٍ متوالية ‪ ،‬ثم‬
‫اختفى‪!!. " ..‬‬
‫أي كانت هناك نار تظهر غامضة على شكل مشاعل ومصابيح موقدة ولهيب مشتعل وفي أعداد كبيرة لمدة ليالٍ‬
‫متتابعة ثم اختفى كل ذلك ‪ ..‬ولو حدث ذلك في عصرنا لكتبت عنه وكالت النباء ‪ ،‬ولتحدث عن ذلك المغرمون‬
‫باخبار الطباق الطائرة وأهل الكواكب الخرى ‪ ..‬ويظل هذا الخبر الذي حدث في رمضان ‪807‬هـ أحد الخبار‬
‫الغامضة التي رآها وسجلتها الحوليات التاريخية مثل الجرام السماوية التي كانت تمر على مرأى العين وربما‬
‫كان منها مذنب هالي ‪ ،‬وكانوا يطلقون عليها لفظ النجوم أو الكواكب ‪ ،‬ولعل المغرمين بأخبار الطباق الطائرة‬
‫يعتقدون أنها ل تختلف عن الطباق الخرى التي رصدتها كتب السابقين ‪ ..‬علم ذلك عند ال وحده‪.‬‬

‫*وفي يوم الثنين ‪ 27‬رمضان ‪738‬هـ وفي سلطنة الناصر محمد بن قلوون حدثت سلسلة من الغرائب كان‬
‫اجتماعها معاً سلسلة من الغرابة في حد ذاته ‪..‬‬
‫يقول المقريزي " أنه في ذلك اليوم هبت ريح سوداء معتمة بناحية الغربية ــ وسط الدلتا ــ وأظلم الجو‬
‫وسقطت دور كثيرة ثم سقط من السماء قطع سوداء طعمها مر جاءت به الريح من نحو البحر حتى ملت تلك‬
‫القطع الطرقات ‪ ،‬وكان بعضها يزن قدر بيضة النعامة وبعضها أقل من ذلك ‪ ،‬وكان الزرع قد قارب الحصاد فلما‬
‫وقعت تلك القطع الغامضة على الزرع أهلكته وأهلكت معه أغنام ًا كثيرة ‪ ،‬بل وأسقطت شجرة جميز ضخمة‬
‫سقطت في نصفها احدى تلك القطع فشطرتها نصفين ‪ ،‬كما لو كانت منشاراً ‪ ،‬وسقطت إحدى تلك القطع على‬
‫ظهر بقرة فشقتها نصفين ‪ ،‬واتلفت تلك "القنابل المجهولة" زروع ثمانية وعشرين بلداً فجمع الفلحون‬
‫زرعها وجاءوا به للسلطان الناصر محمد فأمر والي الغربية أن يكشف تلك النواحي وما حدث فيها ويسقط‬
‫عنها الخراج ‪.‬‬

‫*وجاء الخبر من قوص بأن السماء إحمرت في شهر رمضان هذا حتى ظهرت النجوم متلونة فكانت تحمر‬
‫ساعة وتسود ساعة وتبيض ساعة إلى ان طلع الفجر فجاء مطر لم يعهد مثله في تلك البلد‪ ،‬وجاء الخبر أيضاً‬
‫بأن أسوان شهدت ريحاً هائلة هدمت عامة البيوت وكثيراً من النخل وهبت ريح أخرى في نواحي قنا فأسقطت‬
‫ألفين وخمسمائة نخلة مثمرة‪ ،‬وقدم بذلك محضر بيد القاضي فيها ‪.‬‬

‫*وجاء الخبر من منفلوط بأن الفئران تكاثرت فيها فحصدت الزرع حصداً وأتلفت جرون الغلل بحيث كان يذهب‬
‫ربع الجرن في ليلة واحدة ‪ ،‬فصار الناس يبيتون بالمشاعل طول الليل ‪ .‬وهم يقتلون الفئران ثم يتولى أمر‬
‫النهار طائفة أخرىوهم ليفترون عن قتله‪ ،‬ثم يحمل ما قتل منه في الشباك كل يوم نحو مائة حمل وشوهد منه‬
‫عجب وهو أن جمعاً عظيما من فئران بيض خرجوا حتى ملوا الرض فخرج مقابلهم فئران سود واصطفوا‬
‫صفين في أرض مساحتها فدانان ثم تصايحوا وحمل بعضهم على بعض واقتتلوا ساعة وانكسرت الفئران‬
‫السود وتبعتهم البيض يقتلونهم حتى مزقوهم في تلك الراضي ‪،‬وكان ذلك بمحضر عالم كبير من الناس ‪ ،‬فكتب‬
‫بذلك إلى السلطان والمراء فنقص خراج السلطان بناحية منفلوط ستين ألف أردب فول بسبب الفئران ‪ ..‬هذا ما‬
‫يذكره المقريزي‪ ..‬وهو إن كان يبالغ فيما يقول فهي غريبة ‪ ،‬وإن كان صادقاً فذلك أغرب ‪. !! ..‬‬
‫**********************‬

‫هذه المقالة تمت قرائتها ‪ 1646‬مرة‬

‫بعض أعمال للخير فى رمضان ‪ ..‬زمان ‪!!..‬‬


‫رمضان بين سطور التاريخ (‪) 2‬‬
‫بقلم‪ :‬احمد صبحي منصور‬
‫تاريخ النشر‪02 -09 -2008 :‬‬

‫أول ‪:‬‬
‫موائد الرحمن يقيمها وزير الخليفة المقتدر بال العباسى‬

‫سنة ‪ 306‬هـ أصدر الخليفة المقتدر بال مرسوماً بتعيين حامد بن العباس وزيراً ‪ ،‬وكان حامد مشهوراً بالثراء‬
‫وبالكرم ‪ ..‬وكان يتفنن في النفاق في رمضان‪ ،‬حتى أنه كان يقيم ولئم للناس في داره ويجعلها عامة لكل من أراد‬
‫الدخول‪ ،‬وكان عدد الموائد يبلغ أحياناً أربعين مائدة ‪ ،‬وقد غضب على القائمين على الموائد حين رأى قشراً في‬
‫مخلفات الطعام فظن أن ضيوفه يأكلون البقول دون اللحوم‪ ،‬وهدأ غضبه حين تأكد أن الضيوف عنده يأكلون‬
‫أطيب الطعام ويحملون الفائض إلى بيوتهم ‪.‬‬
‫وحدث وهو يتفقد الكلين في تلك الموائد الرمضانية أن وقفت له امرأة وشكت له الفقر‪ ،‬فكتب لها ورقة بمائتي‬
‫دينار ‪ ،‬فلما ذهبت للصراف لتصرفها استنكر الصراف كلمة دينار وذهب للوزير وعرض عليه الورقة‪ ،‬فضحك‬
‫الوزير وقال وال ما كان في نفسي إل أن أعطيها مائتي درهم ولكن شاء ال أن كتبت دينار مكان درهم‪ ،‬فأعطها‬
‫المكتوب كما هو‪.‬‬
‫وفي اليوم التالي كان عند الفطار يتفقد الضيوف على عادته فوقف له رجلً وشكا له أنه زوج تلك المرأة وأنها‬
‫أصبحت تتغطرس عليه وتطلب منه الطلق بعد أن أعطاها الوزير مائتي دينار‪ ،‬وطلب الزوج من الوزير أن‬
‫يجعلها تكف عنه‪ ،‬فضحك الوزير وأمر له بمائتي دينار وقال له ‪ :‬قد صار لك الن مثل مالها فلن تتغطرس عليك‬
‫ولن تطالبك بالطلق‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬فى العصر المملوكى ‪:‬‬

‫كثيراً ما كان رمضان ينجح في إلنة القلوب المتحجرة للحكام الظلمة وما كان أقسى قلوب المماليك والعسكر‬
‫عموما عندما يحكمون ‪..‬ولكن رمضان كان ينجح أحيانا فى أن يدفع بعض المماليك إلى عمل الخير بالفراج عن‬
‫المساجين والبر بالمساكين ويأتي المؤرخون فيبتهجون بذلك العطف السامي والكرم النادر ويسارعون بتسجيله‬
‫في الحوليات التاريخية ‪ ،‬مع بقية الحداث الخرى التي تعطينا فكرة عن الواقع الحقيقي الذي جعل ذلك الحاكم‬
‫الظالم يفعل الخير ‪.‬‬
‫* المير الكبير برقوق قبيل أن يعلن نفسه سلطاناً ــ أمر بالفراج عن المساجين بسجن الديلم وسجن الرحبة ــ‬
‫وكان من بين المساجين من هو محبوس على ديون فسددها عنهم ‪،‬وكان ذلك في رمضان ‪874‬هـ ‪ ،‬وبعدها أعلن‬
‫نفسه سلطاناً يوم الربعاء ‪19‬رمضان ‪874‬هـ إذن كان السبب هو تهيئة الجو له ليتقبله الناس سلطانًا وينهي حكم‬
‫أسرة قلوون ‪.‬‬
‫ولقى السلطان برقوق عنتًا من إختلف المراء عليه فعاد في رمضان التالي ‪785‬هـ يسدد ديون المسجونين في‬
‫سجن القضاء ويوفي عنهم ديونهم على يد المير جركس الخليل‪ ،‬وبذلك أفرج عنهم‪.‬‬

‫*وحدثت محنة للمير شيخ وهو أمير فى دمشق على الشام التابع وقتها للدولة المملوكية ــ وكان ذلك قبل أن‬
‫يصير المير شيخ سلطانًا للدولة المملوكية‪ .‬لذا بعد أن جاءه الفرج خرج من منزله بدار السعادة ماشياً إلى جامع‬
‫ف بل حذاء متواضع لربه تعالى حتى دخل الجامع وتصدق باقراص محشوة بالسكر فأطعم‬ ‫بني أمية وهو حا ٍ‬
‫الفقراء والقراء ــ أي الطلبة ــ وسدد ديون المحبوسين المعسرين عن السداد وذلك في ليلة ‪21‬رمضان ‪811‬هـ ‪.‬‬

‫*وتسلطن المير شيخ تحت لقب المؤيد شيخ ‪،‬وكانت لديه نزعة خير تظهر أحياناً خصوصاً في رمضان‪،‬وكانت‬
‫خزانة شمايل من أسوأ السجون المملوكية ‪ ،‬وقد تم هدمها ولكن أقيم بعدها سجن ضيق قاسى فيه المساجين غماً‬
‫وكرباً بسبب ضيق مساحته وكثرة عددهم فاختار لهم قصر الحجازية ليكون سجناً واستأجره من صاحبه بعشرة‬
‫الف درهم لمدة سنتين وأعده ليكون سجناً ‪ .‬ثم أهمل الموضوع ‪ ،‬وكان ذلك في رمضان سنة ‪820‬هـ ‪.‬‬

‫* أما السلطان الشرف برسباي فقد أصابه المرض الذي مات فيه‪،‬وأثناء هذا المرض في رمضان ‪841‬هـ أصدر‬
‫السلطان قراراً بالفراج عن جميع المساجين وأمر بغلق السجون كلها وأل يسجن أحدُ ‪ ،‬فأغلقت السجون ولكن‬
‫ترتب على ذلك كما يقول المقريزي "انتشار اللصوص والمجرمين والمفسدين في البلد ‪ ،‬وامتنع من عليه أموال‬
‫أن يسددها لصحابها لن السلطان اطلق المحبوسين الذين كانت عليهم ديون‪ ،‬ومنع أن يحبس أحد بسبب ما عليه‬
‫من دين‪.‬‬

‫*وفي يوم الخميس ‪22‬رمضان ‪875‬هـ أصدر المير الكبير يشبك ــ الرجل الثاني في عهد السلطان قايتباي ــ‬
‫قراراً باطلق سراح الفلحين المحبوسين بسبب ما عليهم من ديون واطلق سراح من صودرت أمواله ودخل‬
‫السجن ‪ ،‬وبذلك القرار تم الفراج عن مائة وسبعين مسجونًا ‪ ،‬ودفع المير يشبك ما عليهم من ديون للدولة ‪,‬‬
‫والسبب في ذلك الكرم المفاجئ الذي انتاب المير يشبك المشهور بقسوته وظلمه ‪،‬أنه كان على وشك السفر في‬
‫حملة عسكرية لتأديب شاه سوار الثائر على الدولة المملوكية في العراق ‪،‬وقد قصد المير يشبك أن يتقرب إلى ال‬
‫تعالى بهذا البر في رمضان حتى يمن ال عليه بالنصر ‪ ،‬وحدث أن لقي ذلك المير حتفه في تلك الحملة‪!!..‬‬

‫*وأصاب الفقراء والمساكين خير كثير في رمضان من نوبات الكرم التي كانت تصيب المماليك ‪ ،‬فالمير بيدرا‬
‫مرض حتى أوشك على الموت وقيل أنه شرب السم ثم عوفي في رمضان سنة ‪691‬هـ فتصدق بصدقات جمة‬
‫ورد أملكاً كان قد اغتصبها من أصحابها‪،‬وأطلق كثيراً من المسجونين في سجونه وجمع الناس في ‪10‬رمضان‬
‫بجامع بني أمية في دمشق وعمل حفلً لختم القرآن وزع فيه الصدقات!!‪.‬‬

‫*وفي الشام أيضًا كان المير هو (شيخ) الذي ارتبط بالشوام فترة طويلة وحدث أن جاء غلء ضخم في رمضان‬
‫‪808‬هـ في سلطنة فرج بن برقوق حين كان شيخ نائباً للسلطان في دمشق ‪ ،‬فقام المير شيخ بجمع الفقراء‬
‫وتفريقهم على الغنياء ليقوموا باطعامهم ‪ ،‬واختص نفسه بعدد كبير منهم يقوم على اطعامهم بنفسه ‪ ،‬وحدثت‬
‫مأساة في بعض الليالي إذ تكاثر الفقراء لخذ الطعام فمات في الزحام أربعة عشرشخصاً‪ !!..‬ولك أن تتخيل عدد‬
‫الفقراء وقتها ‪..‬‬

‫*وتولى شيخ السلطنة في القاهرة ولم يشهد صلة الجمعة في أول رمضان ‪819‬هـ بسبب مرضه ‪ ،‬وحتى يشفيه‬
‫ال تعالى فأنه فرق مبلغاً من المال في الخانقاه التي أنشأها ــ وهي الخانقاه المؤيدية ــ وجهز عدة أبقار فذبحت في‬
‫مواضع متعددة‪ ،‬وفرق لحمها‪ ،‬وكانت تلك عادة للظاهر برقوق من قبل !! ‪.‬‬

‫*وأثناء توليه السلطنة زار المؤيد شيخ الشام الذي عاش فيه أميراً سنين طويلة وتصادف أن كان ذلك يوم الجمعة‬
‫‪ 25‬رمضان ‪820‬هـ فزار بيت المقدس وفرق في أهله مالً جزيلً وصلى الجمعة وجلس بالمسجد ‪ ،‬وقرأ الفقهاء‬
‫صحيح البخاري ـ كتابهم المقدس ـ بين يديه ‪ ،‬وقام المداحون بعدهم ينشدون‪ ،‬فانتشى السلطان وأنعم عليهم‬
‫بالموال ‪ ،‬ثم ذهب الى مدينة الخليل حيث زار مشهد أو ضريح ابراهيم الخليل وتصدق هناك ‪ ..‬مع أن المعروف‬
‫أن ذلك الضريح مزور ‪ ،‬أقيم للسترزاق ‪.‬‬

‫وبويع المير ططر سلطاناً للدولة المملوكية ‪ ،‬وكان وقتها في دمشق وذلك في يوم الثنين ‪17‬رمضان ‪824‬هـ ‪.‬‬
‫واستبشارًا بتوليه السلطة وتقرباً للناس وقبل ان يرتحل الى القاهرة عاصمة الدولة المملوكية أصدر السلطان‬
‫الجديد (الظاهر ططر ) قرارات للتخفيف عن أهل الشام ‪،‬منها أن المحتسب كان يجمع لوالي دمشق ‪ 1500‬ديناراً‬
‫يجمعها من الناس ظلماً فأمر ططر بإعطاء الوالي ضيعة في نظير أن يستغني عن ذلك المال الذي يجمعه له‬
‫المحتسب ‪ ،‬وأذاع بياناً في دمشق يقول فيه ‪ :‬إن طلب منكم المحتسب يا أهل دمشق شيئاً فارجموه‪ ..‬ونقش هذه‬
‫الحادثة على حجر في المسجد الموي ‪ ..‬وأثناء عودته لمصر وفي طريقه للقدس عرف أن والي القدس يأخذ‬
‫ضريبة سنوية من الفلحين قدرها أربعة آلف دينار زيادة عما هو مقرر فأمر بتعويض الوالي عن هذه الضريبة‬
‫وأبطلها ‪ ،‬ونقش ذلك على حجر بالمسجد القصى ‪ ..‬وفعل كل ذلك الخير في رمضان ‪824‬هـ ‪.‬‬
‫وحدث ما أراده السلطان إذ استبشر الناس بوليته خيراً‪. !!..‬‬
‫وأخيرا ‪..‬‬
‫ول تزال نوبات الخير تؤثر أحيانا فى الحكام المستبدين خلل شهر رمضان ‪ ..‬حتى لو كان أولئك المستبدون من‬
‫العسكر‪..‬وانظر الى ما يفعلونه أحيانا فى شهر رمضان بدءا من الفوازير إلى اطعام الناس لحوم الحمير ‪..‬‬

‫( رمضان بين سطور التاريخ (‪3‬‬


‫بقلم‪ :‬احمد صبحي منصور‬
‫تاريخ النشر‪05 -09 -2008 :‬‬

‫هذه حادثة ل أستطيع تصديقها أو تكذيبها ‪ ،‬ولم تحدث فى رمضان ‪ ،‬ولكنها أقرب ما تكون الى رمضان بما فيها‬
‫من شفافية وصوم ‪.‬‬
‫الحادثة رواها ابن الجوزى فى تاريخه ( المنتظم ج ‪ 151 : 11‬ـ ) فى احداث عام ‪. 230‬‬
‫وبطلتها زوجة كانت تعيش فى قرية فى منطقة خوارزم أواسط آسيا مما يطلق عليه اليوم افغانستان ‪ ،‬قتل التراك‬
‫زوجها وعانت من الجوع فرأت نفسها فى منام حيث قابلت زوجها وأطعمها فى المنام ‪ ،‬واستيقظت ‪ ،‬وظلت‬
‫بعدها تعيش دون جوع ‪ ،‬ودون أن تأكل ‪ ،‬ودون أن تضطر للخراج من بول وغيره ‪ .‬واشتهر أمرها فى المنطقة‬
‫وامتحنوا أمرها فتيقنوا من صدقها ‪ ..‬ننقل الرواية كما هى ‪ ..‬ونطلب رأى الصائمين ‪..‬‬
‫يقول ابن الجوزى ‪ ( :‬ثم دخلت سنة ثلثين ومائتين ‪ ... ...‬وظهر في هذه السنة في بعض قرى خوارزم عجب من‬
‫امرأة رأت منامًا فكانت ل تأكل ول تشرب ‪ ،‬وقد ذكر قصتها أبو عبد ال الحاكم في تاريخ نيسابور ‪.‬‬
‫أخبرنا زاهر بن طاهر قال‪ :‬أخبرنا أبو بكر البيهقي أخبرنا الحاكم أبو عبد ال محمد بن عبد ال النيسابوري قال‪:‬‬
‫سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول‪ :‬سمعت أبا العباس عيسى بن محمد المروزي يقول‪:‬‬
‫وردت في سنة ثمان وثلثين مدينة من مدائن خوارزم تدعى هزارسف فأخبرت أن بها امرأة من نساء الشهداء‬
‫رأت رؤيا‪ :‬كأنها أطعمت في منامها شيئًا فهي ل تأكل ول تشرب منذ عهد عبد ال بن طاهر والي خراسان ـ‬
‫وكان قد توفي قبل ذلك بثماني سنين ـ فمررت بها وحدثتني حديثها فلم أستعص عليها لحداثة سني ‪ ،‬ثم إني عدت‬
‫إلى خوارزم في آخر سنة اثنين وخمسين ومائتين فرأيتها باقية ‪ ،‬ووجدت حديثها شائعًا مستفيضًا ‪ ،‬فطلبتها‬
‫فوجدتها غائبة على عدة فراسخ ‪ ،‬فمضيت في أثرها ‪ ،‬فأدركتها بين قريتين تمشي مشية قوية ‪ ،‬وإذا هي امرأة‬
‫نصف جيدة القامة حسنة البنية ظاهرة الدم متوردة الخدين ‪ ،‬فسايرتني وأنا راكب وعرضت عليها الركوب فلم‬
‫تركب ‪.‬‬
‫وحضر مجلسي أقوام فسألتهم عنها فأحسنوا القول فيها ‪ ،‬وقالوا‪ :‬أمرها عندنا ظاهر فليس فينا من يختلف فيها ‪.‬‬
‫وذكر لي بعضهم أنهم لم يعثروا منها على كذب ول حيلة في التلبيس ‪ ،‬وأنه قد كان من يلي خوارزم من العمال‬
‫يحضرونها ويوكلون بها من يراعيها فل يرونها تأكل شيئًا ول تشرب ول يجدون لها أثر غائط ول بول ‪،‬‬
‫فيبرونها ويكسونها ‪.‬‬
‫فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها سألتها عن اسمها فقالت‪ :‬رحمة بنت إبراهيم ‪ ،‬وذكرت أنه كان لها زوج‬
‫نجار فقير يأتيه رزقه يومًا بيوم ‪ ،‬وأنها ولدت منه عدة أولد ‪ ،‬وأن ملك الترك عبر على النهر إليهم ‪ ،‬وقتل من‬
‫المسلمين خلقًا كثيرًا ‪ .‬قالت‪ :‬ووضع زوجي بين يدي قتيلً فأدركني الجزع ‪ ،‬وجاء الجيران يساعدونني على‬
‫البكاء ‪ ،‬وجاء الطفال يطلبون الخبز وليس عندي شيء‪ ،‬فصليت وتضرعت إلى ال تعالى أسأله الصبر وأن‬
‫يجبر بهم ‪ ،‬فذهب بي النوم في سجودي ‪ ،‬فرأيت في منامي كأني في أرض خشناء ذات حجارة وشوك وأنا أهيم‬
‫فيها وألزم خبري أطلب زوجي ‪ ،‬فناداني رجل‪ :‬إلى أين أيتها الحرة ؟ قلت‪ :‬أطلب زوجي‪ .‬قال‪ :‬خذي ذات اليمين‬
‫‪ .‬فأخذت ذات اليمين ‪ ،‬فوقفت على أرض سهلة طيبة الثرى ظاهرة العشب ‪ ،‬فإذا قصور وأبنية ل أحسن وصفها ‪،‬‬
‫وإذا أنهار تجري على وجه الرض من غير أخاديد ‪ ،‬وانتهيت إلى قوم جلوس حلقًا حلقًا ‪ ،‬عليهم ثياب خضر ‪ ،‬قد‬
‫علهم النور ‪ ،‬فإذا هم القوم الذين قتلوا في المعركة ‪ ،‬يأكلون على موائد بين أيديهم ‪ ،‬فجعلت أتخللهم وأتصفح‬
‫وجوههم أبغي زوجي‪ ،‬لكنه بصرني فناداني‪ :‬يا رحمة يا رحمة‪ ،‬فتحققت الصوت ‪ ،‬فإذا أنا به في مثل حالة من‬
‫رأيت من الشهداء ‪ ،‬وجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه‪ .‬فقال لصحابه‪ :‬إن هذه‬
‫البائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون لي أن أناولها شيئًا تأكله؟ فأذنوا له ‪ ،‬فناولني كسرة خبز ‪ ،‬وأنا أعلم حينئذ أنه‬
‫خبز ولكن ل أدري كأي خبز هو! أشد بياضًا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن‪،‬‬
‫فأكلته فلما استقر في معدتي قال‪ :‬اذهبي فقد كفاك ال مؤونة الطعام والشراب ما بقيت في الدنيا ‪.‬‬
‫فانتبهت من نومي وأنا شبعى ريًا ل أحتاج إلى طعام وشراب ‪ ،‬وما ذقته منذ ذلك اليوم إلى يومي هذا ‪ ،‬ول شيئًا‬
‫مما يأكله الناس ‪.‬‬
‫قال أبو العباس‪ :‬وكنا نأكل فتتنحى وتأخذ على أنفها تزعم أنها تتأذى برائحة الطعام ‪ ،‬فسألتها‪ :‬هل تتغذى بشيء‬
‫غير الخبز أو تشرب شيئًا غير الماء فقالت‪ :‬ل ‪ .‬فسألتها‪ :‬هل يخرج منها ريح قالت‪ :‬ل أو أذى ؟ قالت‪ :‬ل ‪ .‬قلت‪:‬‬
‫فالحيض ؟ أظنها قالت‪ :‬انقطع بانقطاع الطعم ‪.‬قلت‪ :‬فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال؟ قالت‪ :‬ل ‪ .‬قلت‪:‬‬
‫فتنامين ؟ قالت‪ :‬نعم أطيب نوم ‪ .‬قلت‪ :‬فما ترين في منامك ؟ قالت‪ :‬ما ترون ‪ .‬قلت‪ :‬فهل يدركك اللغوب والعياء‬
‫إذا مشيت قالت‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫وذكرت لي أن بطنها لصقة بظهرها ‪ ،‬فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها لصقة بظهرها ‪ ،‬وإذا هي قد‬
‫اتخذت كيسًا فضمنته قطنًا وشدته على بطنها ليستقيم ظهرها إذا مشيت ‪ .‬فأجرينا ذكرها لبي العباس أحمد بن‬
‫محمد بن طلحة بن طاهر والي خوارزم فأنكر ‪ ،‬وأشخصها إليه ‪ ،‬ووكل أمه بها ‪ ،‬فبقيت عنده نحوًا من شهرين‬
‫في بيت فلم يروها تأكل ول تشرب ول رأوا لها أثر من يأكل ويشرب ‪ ،‬فكثر تعجبه‪ ،‬وقال‪ :‬ل تنكر ل قدرة ‪.‬‬
‫وبرّها وصرفها ‪ ،‬فلم يأت عليها إل القليل حتى ماتت رحمها ال ‪.‬‬
‫وكانت ل تأكل شيئًا مما يأكله الناس البتة‪ ،‬وإذا قرب الطعام تنحت ووضعت يدها على أنفها تزعم أنها تتأذى‬
‫برائحته ‪. ) .‬‬
‫انتهى‪..‬‬
‫ما رايكم ؟ دام فضلكم ؟ وتقبل ال جل وعل صومكم ؟‬

‫رمضان بين سطور التاريخ (‪ ) 4‬دجال يخدع السلطان‬


‫بقلم‪ :‬احمد صبحي منصور‬
‫تاريخ النشر‪07 -09 -2008 :‬‬

‫دجال يخدع السلطان‬

‫*في يوم الخميس ‪ 17‬رمضان قدم مصر الشيخ يوسف الكيماوى في سلطنة الناصر محمد بن قلوون سنة‬
‫‪730‬هـ ‪ ،‬وسبقته شهرته لمصر وللسلطان ‪..‬‬
‫في ذلك الوقت كانت الكيمياء تعني المقدرة على تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب عن طريق الكرامات أو القوة‬
‫النفسية ‪ ،‬أي كانت طريقة للتحايل على الناس ‪ ،‬ولكنها كانت تتمتع بتصديق الناس لنها ارتبطت بالكرامات في‬
‫عصر كان يعتقد في الكرامات وأساطير المعجزات والخوارق التي يدعيها محترفو المشيخة ‪ ،‬وكان منهم صاحبنا‬
‫الشيخ يوسف الكيماوي الذي اكتسب لقبه من حرفته الكيمياء‪.‬‬

‫*يقول المقريزي عن هذا الرجل أنه كان نصرانياً من الكرك ــ الردن ــ فأسلم ‪ ،‬ثم مضى إلى صفد ‪ ،‬وقابل‬
‫أميرها بهادر وأظهر له التقوى ‪ ،‬فاعتقد فيه المير بهادر وصدق دعاويه ‪ ،‬وأنفق عليه أمواله على أمل أن يقلب‬
‫له المعادن ذهبا حقيقيا ‪ ،‬فلما يأس منه بعد مدة عرف حقيقته فأدخله السجن وبعدها أطلقه‪ .‬وخرج يوسف الكيماوى‬
‫إلى دمشق وعرض على أميرها بضاعته ‪ ،‬ولكن المير تنكز نائب السلطان في الشام وواليه على دمشق كان لديه‬
‫علم بذلك الدجال فأمر بشنقه فصاح يوسف قائلً " أنا جيت للسلطان حتى أمل خزائنه ذهباً وفضة"‪ .‬وعنئذٍ خاف‬
‫المير تنكز أن يشنقه فيتهمه أعدائه بأنه أضاع على السلطان فرصة كان يمكن أن تنجح ‪ ،‬لذا اضطر إلى إرساله‬
‫إلى السلطان في القاهرة مع البريد ومعه بعض الثقات من أتباعه ورسالة فيها التحذير للسلطان من ألعيب ذلك‬
‫الرجل ودهائه ‪.‬‬
‫* ولما وصل الشيخ يوسف للسلطان الناصر محمد استمع إليه وأصغى إليه ‪ ،‬وفى ذلك الوقت كان الناصر محمد‬
‫واقعًا تحت تأثير التصوف ورجاله بعد أن انقلب على صديقه السابق المام ابن تيمية وسجنه ‪ ،‬وبعد أن اصطلح‬
‫مع الصوفية وأنشأ لهم خانقاه سعيد السعداء ‪ ،‬وأعطى أذنه لشياخ الصوفية يلقون فيها بأساطير الكرامات ‪ ،‬ومن‬
‫ل أن ينخدع السلطان بأقاويل الشيخ يوسف الكيماوى ويعرض عن تحذيرات المير تنكز نائبه في‬ ‫هنا كان سه ً‬
‫الشام‪.‬‬
‫وسرعان ما أخذ الشيخ يوسف وضعه كما يحلو له عند السلطان الناصر محمد فأنزله السلطان عند المير بكتمر‬
‫الساقى ‪ ،‬وأجرى عليه الموال والرواتب ‪ ،‬وأقام عنده الخدم يتولون أمره ‪ ،‬وألبسه التشريفة ‪ ،‬وأحضر له كل ما‬
‫يريد لكى يباشر مهمته في تحضير الذهب من المعادن الرخيصة‪ ،‬وانتظر السلطان النتيجة ‪.‬‬
‫*وفى الموعد المحدد حضر يوسف بين يدى السلطان الناصر محمد ‪ ،‬ليعرض عليه ما توصل إليه ‪ ،‬وكان في‬
‫المجلس أعيان الدولة ومنهم ناظر الجيش وتاج الدين إسحاق وابن هلل الدولة والمير بكتمر الساقى وعدد من‬
‫المراء والشيخ ابراهيم الصائغ كبير الصاغة وعدد من الصاغة‪ .‬فأوقدت النار على بوتقة قد ملئت بالنحاس‬
‫والقصدير والفضة حتى ذاب الجميع فألقى عليه الشيخ يوسف شيئًا من صنعته وأوقدوا عليها النار ساعة ‪ ،‬ثم‬
‫أفرغوا ما فيها فإذا سبيكة ذهب أجود ما يكون زنتها ألف مثقال‪ ،‬فأعجب السلطان ذلك كثيراً وأنعم على الشيخ‬
‫يوسف بهذه السبيكة‪ ،‬وألبسه التشريفة للمرة الثانية وأركبه فرساً مسرجاً بالحرير وبالغ في إكرامه وحقق له ما‬
‫يريد ‪.‬‬

‫*واتصل بيوسف الكيماوى الخدم وقدموا له أشياء كثيرة فاستخف عقولهم حتى ملكها وأكل أموالهم ‪ ،‬ثم سبك‬
‫يوسف للسلطان سبيكة ثانية من الذهب فكاد يطير به فرحاً وصار يستحضره بالليل ويحادثه فيزداد محبة فيه فأذن‬
‫له أن يركب الخيول السلطانية ويمضي حيث شاء بالقاهرة ‪ ،‬فركب وأقبل على اللهو ‪ ،‬واتى إليه عدة من الناس‬
‫يعطونه أموالهم ليعلمهم صناعة الكيمياء أو تحويل المعادن إلى ذهب ‪ ،‬وعاش أجمل أيامه‪ ،‬ثم سأل السلطان أن‬
‫يأذن له بالعودة إلى موطنه بالردن لحضار نبات هناك فأركبه السلطان خيل البريد وأرسل معه المير طقطاي‬
‫مقدم البريدية وكتب إلى نائب غزة ونائب الكرك بخدمته وقضاء جميع حوائجه من ديوان الخاص (أى ديوان‬
‫السلطان) فمضى يوسف إلى الردن واختفى وانقطع خبره ‪.‬‬
‫بحث السلطان عنه حتى وجدوه وقد ظهر للسلطان كذبه فأودعه في السجن‪..‬‬

‫*وفي رمضان( أيضاً ) في العام التالي سنة ‪731‬هـ هرب يوسف الكيماوي من السجن ‪ ،‬فنودى عليه بالقاهرة‬
‫ومصر ‪ ،‬وصدرت الوامر على البريد لولة القاليم بالقبض عليه‪.‬‬
‫*وفي شهر ذي الحجة ‪731‬هـ قبض عليه في مدينة أخميم بالصعيد ‪ ،‬وحمل مقيداً في الحديد إلى قلعة الجبل ‪،‬‬
‫فوصلها في ‪ 24‬ذي الحجة وسأله السلطان عن المال فقال إنه ضاع منه‪ ،‬فسأله السلطان عن الكيمياء فقال‪ :‬كل ما‬
‫كنت أفعله إنما هو خفة يد ‪!!..‬‬
‫فعوقب بالضرب الشديد‪ ،‬ثم اعتقل بخزانة شمائل ومات ليلة الحد ‪ 25‬ذي الحجة‪ ،‬وطيف بجثته بالقاهرة يوم‬
‫الحد‪!!..‬‬
‫وما أغنى عنه ماله وما كسب ‪...‬‬

‫وكل عام وانتم بخير ‪..‬‬

‫تنويه مع العتذار ‪ :‬بعد تركى جامعة الزهرسنة ‪ 1987‬وغلق كل ابواب الرزق فى وجهى عانيت اشد سنوات‬
‫الضنك والفقر الشديد فيا بين ‪ 1995 – 1989‬فالتفت الى موهبتى فى كتابة السيناريو لتعيش منها كمورد رزق‬
‫وامل يبدد الكآبة والحباط من حولى ‪ ،‬فعكفت على اتمام مشروع " تحويل التراث السلمى الى دراما "وكان قد‬
‫اكتمل لدى العلم بكل دقائق تاريخ المسلمين وتفصيلته الدينية والعقيدية والعقلية واللغوية والحضارية‪.‬‬
‫بدأت ببحث التاريخ المجهول للشخصيات عير المعروفة فى تاريخ المسلمين كنوع من أنواع التحدى لمهنتى‬
‫كباحث تاريخى ومفكر اسلمى ‪ ،‬ثم قمت بتحويل تلك البحاث الى قصص تاريخية بدأتها بالشخصيات النسائية ‪،‬‬
‫وكنت امل الفجوات التاريخية بابداعى الدبى والفنى أى باختراع أحداث وشخصيات مستعينا بفهمى لحداث‬
‫العصر التاريخى وشخصياته وثقافته وعقلياته وعاداته فى الملبس والحديث والتصرفات الجتماعية‪ .‬ونشرت هذه‬
‫السلسلة من القصص التراثية تحت عنوان " نساء بين سطور التاريخ " نشرتها مجلة "حواء" ثم مجلة " سطور "‬
‫واتسعت الحلقات التالية المنشورة فى "سطور" لتشمل قصصا عن الشخصيات التاريخية المغمورة من الرجال‬
‫من المستوى الثانى والثالث فى الهمية ‪ .‬وقمت بعدها بتحويل العديد من تلك القصص التاريخية الى سيناريوهات‬
‫كاملة تحت اسم " مشروع تحويل التراث السلمى الى دراما "‪..‬‬
‫والى الن لم أجد من ينتجه ليخرج للنور‪.‬‬
‫من أوراقى فى مشروع تحويل التراث الى دراما ذلك الملخص التاريخى عن الشيخ يوسف الكيماوى الذى خدع‬
‫السلطان المملوكى الناصر محمد ‪..‬‬
‫واعداد ملخص تاريخى هى المرحلة الولى (البحثية ) ثم كانت المرحلة الثانية وهى تحويل الحداث التاريخية‬
‫الى قصة ‪ ،‬ثم المرحلة الخيرة تحويلها الى سيناريو‪.‬‬
‫أقول هذا حتى ل يسطو بعضهم على هذه القصة التاريخية ويحولها الى سيناريو‪ .‬فلم يكن سهل البحث بين سطور‬
‫التاريخ المملوكى و مخطوطاته للعثور على هذه الحكاية الواقعية‪.‬‬
‫ولذا فاننى احتفظ بحقى فى تحويلها الى عمل درامى‪.‬‬
‫اقول هذا حتى ل أجد حرجا من نشر كل قصصى التاريخية على اساس احتفاظى بكل الحقوق كمؤلف ‪..‬‬

‫أما الكتابات السلمية والقرآنية فهى مباحة مجانا للنشر لكل من أراد‬

‫( الحتكار في رمضان !!رمضان بين سطور التاريخ ( ‪5‬‬


‫بقلم‪ :‬احمد صبحي منصور‬
‫تاريخ النشر‪12 -09 -2008 :‬‬

‫لم يكن شيطان الحتكار ومصادرة أموال الناس يهدأ فى رمضان فى العصر المملوكي ‪ .‬والحتكار والمصادرة*‬
‫سياسة مستقرة ثابتة فى عصر العسكر المملوكي ‪ ،‬وكان المنتظر أن يكون لرمضان أثره فى تخفيف الظلم فى‬
‫شهر الصيام ‪ ،‬ولكن العقلية المملوكية وجدت حل يتيح لها أن تستمر فى تيار الظلم هو أقتران الظلم بعمل‬
‫الخيرات على مذهب القائل هذه نقرة وهذه نقرة ‪ ،‬إذا يصادرون الموال ويبيحون شراء المناصب والرشوة‬
‫ويحتكرون التجارة ‪ ،‬ثم تراهم من ذلك السحت يقيمون المؤسسات الدينية وينفقون على الطلبة والعلماء‬
‫ويتصدقون على الفقراء والمساكين ‪ ..‬وكأنهم لم يعرفوا أن ال تعالى ل يقبل من الصدقات إل ما كان من مال‬
‫ل َتيَ ّممُواْ‬
‫لرْضِ َو َ‬
‫جنَا َلكُم مّنَ ا َ‬
‫خرَ ْ‬
‫س ْبتُمْ َو ِممّا أَ ْ‬
‫ت مَا كَ َ‬
‫طّيبَا ِ‬
‫حلل ‪ ،‬يقول تعالى (يَا َأّيهَا اّلذِينَ آ َمنُواْ أَنفِقُو ْا مِن َ‬
‫حمِيدٌ ) ( ‪ . )"267 /2‬فال تعالى يأمرنا‬ ‫غنِيّ َ‬ ‫خذِيهِ ِإلّ أَن ُت ْغمِضُو ْا فِيهِ وَاعَْلمُواْ أَنّ الَّ َ‬ ‫ستُم بِآ ِ‬
‫ث ِمنْهُ تُنفِقُونَ وَلَ ْ‬
‫خبِي َ‬
‫الْ َ‬
‫‪ ..‬بالتصدق من الرزق الطيب الحلل ويحذرنا من النفاق من المال الخبيث التي عن طريق الظلم‬
‫‪ :‬الظلم المملوكي فى مصر والشام‬
‫وأتخذ الظلم المملوكي من سكوت الناس وخضوعهم عامل آخر ساعده على النتشار ‪ ،‬وكان يحدث أحيانا أن‬
‫يثور الناس على الظلم كما حدث فى رمضان ‪ 807‬حين كثرت المصادرات والمظالم فى الشام ودمشق وقت‬
‫اندلع الخلف بين المراء المماليك ‪ ،‬وفى ذلك الوقت فرض المير حسن نائب القدس على أهلها مال فرفضوا‬
‫دفعه‪ ،‬فتركهم حتى اجتمعوا بالمسجد القصى وأغلق عليهم البواب وألزمهم بدفع الموال ‪ ،‬فأبوا ‪ ،‬وحدثت‬
‫معركة بينهم وبينه وقتل منهم بضعة عشر رجل ‪ ،‬ولكنهم تكاثروا عليه ففر منهم ‪ ،‬فلما بلغ الخبر المير شيخ‬
‫‪.‬نائب الشام عزله وولى غيره‬
‫وأمير الشام وقتها – أو نائب الشام – المير شيخ هو الذي أصبح سلطانا فيما بعد تحت اسم المؤيد شيخ ‪ ،‬وكان‬
‫‪ .‬كثير البر والصدقات ولكنه كان أيضا على شاكلة المماليك ل يخلو من الظلم ول يرى تعارضا بين هذا وذاك‬

‫وفي رمضان ‪ 813‬أفتتحه المماليك بمصادرة الناس في دمشق فأخذوا من الخانات والحمامات والطواحين‬
‫والحوانيت والبساتين أجرتها عن ثلثة أشهر سوى ما أخذ قبل ذلك ‪ ،‬واتهموا بعض الناس بأن لديهم ودائع‬
‫أودعها لديهم المماليك الشيخية من أتباع المير شيخ نائب الشام ‪ ،‬فأخذوا أولئك الناس وعاقبوهم بالضرب‬
‫‪ ..‬ليعترفوا بما لديهم من أموال مزعومة ‪ ،‬وفتشوا بيوتهم‬
‫وفى نفس الوقت كانت القاهرة تئن من مظالم المير بكتمر جلق الذي ألزم المحتسب ابن الدميري بأن يجمع له‬
‫ألفي دينار من الناس فى نظير أن يلزم الناس بشراء قمح بالسعر الذي يحدده ‪ ،‬وأغتصب أموال من بعض تجار‬
‫الشام بالقاهرة ‪ ،‬وأخذ من المير منقلي الستادار ألف دينار ‪..‬والمفروض بعدها أن هذا المير بكتمر جلق كان‬
‫!!‪ .‬صائما فى رمضان ويفطر على مظالم الناس ومصادرة أموالهم‬
‫!! السلطان يحتكر الفلفل فى رمضان‬
‫والسلطان الشرف برسباي الذي أقام الخانقاه الشرفية على أنها من أعمال البر والذي فتح قبرص على أنها جهاد‬
‫فى سبيل ال هو نفسه الذي عانى الناس في عهده من الحتكار وشراهته للموال ‪ .‬قال عنه المقريزي الذي عاش‬
‫عصره ( كان له فى الشح والبخل والطمع من الجبن والجور وسوء الظن ومقت الرعية وكثرة التلون وسرعة‬
‫(‪ ..‬التقلب فى المور وقلة الثبات أخبار لم نسمع بمثلها‪ .‬وشمل بلد مصر والشام فى أيامه الخراب وقلة الموال‬
‫هذا السلطان لم يمنعه شهر رمضان من مصادرة الفلفل على أمل بيعه لتجار أوروبا ‪ ،‬وكان الفلفل السود‬
‫والبهارات من أثمن الشياء ‪ ،‬وكانت تستوردها أوروبا عبر الدولة المملوكية التى تحتكر استيرادها من الهند‬
‫وأسيا ‪ .‬وقد قامت الكشوف الجغرافية وضمن أهدافها التخلص من إحتكار المسلمين لتلك التجارة بالوصول إلى‬
‫‪ ..‬الهند من طريق بعيد ‪ ،‬وبذلك أكتشفوا أمريكا ورأس الرجاء الصالح‬
‫ونعود إلى رمضان ‪ 835‬وفيه صادر السلطان الشرف برسباى فلفل التجار وأرغمهم على أن يبيعوه له بخمسين‬
‫دينارا للحمل ‪ .‬وكان السلطان قد أرغمهم من قبل على أن يشتروا منه الفلفل فى أول السنة بسبعين دينارا للحمل‬
‫وأمر بأن تحتكر متاجر السلطان استيراد الفلفل الوارد من ميناء جده وغيره‪ ،‬وأن ل يبيعه لتجار الفرنجة القادمين‬
‫للسكندرية غيره ‪ ،‬وبذلك أستخدم نفوذه فى أكل أموال التجار ‪ ،‬يقول المقريزى ( فنزل بالتجار من ذلك بلء‬
‫‪(.‬كبير‬
‫وجدير بالذكر أن رمضان فى العام بعد التالي ‪ 837‬شهد ردود فعل غاضبة على جشع السلطان ‪ ،‬فقد أرسل ملك‬
‫الفرنجة الكتيلن خطابا شديد اللهجة للسلطان برسباي لنه ألزم التجار الفرنجة بأن يشتروا منه الفلفل من خلل‬
‫‪ ..‬المتجر السلطانى ل من التجار العاديين مما سبب لهم خسارة وقد غضب برسباى من تلك الرسالة ومزقها‬
‫!!السلطان قايتباى ينصف السكافية‬
‫وفى رمضان ‪ 875‬كان السلطان فى مصر هو الشرف قايتباى المشهور بين السلطين بتدينه وكثرة تلوته‬
‫للوراد وكثرة ظلمه أيضا ‪ ..‬ولكن يبدو أن رمضان قد أفلح معه فى تراجعه عن الظلم ‪ ،‬وذلك ما حدث فى ‪14‬‬
‫رمضان ‪ ،‬يقول المؤرخ ابن الصيرفى الذى عاش هذه الفترة أن الضيق وصل بأهل القاهرة مداه بسبب عدة‬
‫عوامل ‪ ،‬فأرباب الحرف من الخياطين وصناع الجوخ وغيرهم قد جمعهم المير الكبير يشبك من مهدى الذى يعد‬
‫حملة حربية كبرى يذهب بها للعراق لتأديب شاه سوار الثائر على الدولة المملوكية هناك ‪ .‬وقد أحتاج ذلك المير‬
‫لولئك الحرفيين والصناع فى تجهيز مهمات العسكر من الكساء والملبس والخيام واللت ‪ ،‬وهو ينفق في كل‬
‫يوم ألف دينار على تلك التجهيزات ولكن ل يعطى أجورا للعمال الذين يخشون المطالبة بحقوقهم خوفا من ذلك‬
‫‪.‬المير العاتي المشهور بقسوته وظلمه‬
‫ثم يعانى التجار من ضائقة مالية بسبب أخر فقد أغلقوا حوانيتهم منذ أول رمضان ‪ 875‬حتى ‪ 14‬رمضان بسبب‬
‫انتظارهم لبيع التركة الضخمة التى خلفها المير الجمقدار والى الشام وكاتبه أبو بكر ‪ ،‬وتلك التركة الهائلة كانت‬
‫متعددة الصناف ‪ ،‬وكل من التجار يحرص على شراء ما تيسر منها ‪ ،‬ولكن البيع متوقف بسبب انشغال السلطات‬
‫‪ ..‬المملوكية بالتجهيز لحرب شاه سوار‬
‫ثم وصل الضيق الى السكافية وصناع الجلود وقد كانوا يتركزون فى حى الصليبة وبين القصرين بالقاهرة‪ ،‬وقد‬
‫احتكر الوزير ابن غريب تجارة الجلود وألزم السكافية بأن يشتروها منه بثمن مضاعف عن السنة الماضية‬
‫وأجبرهم على الدفع الفورى ‪ ،‬فأطاعه السكافية فى بين الصورين ودفعوا له ما يريد ‪ ،‬أما أسكافية الصليبة فقد‬
‫رفضوا الظلم وتجمهروا أمام القلعة فطردهم الحراس ‪ ،‬فصعدوا الى أعلى الجبال يهتفون ‪ ،‬فسمعهم السلطان‬
‫قايتباى وهو بالحوش فسأل عن خبرهم وعرف شأن الوزير معهم ‪ ،‬فأمر السلطان قايتباى بإنصافهم ‪ ،‬وكان هذا‬
‫‪.‬من نوادر الحداث فى شهر رمضان ‪875‬‬
‫‪ :‬ونصل الى سؤال الحلقة‬
‫هل اختلف لصوص رمضان هذا العام عن لصوص رمضان العصر المملوكى ؟ ل أعتقد فالعسكر هم العسكر ‪،‬‬
‫سواء كانوا مماليك أم من أبناء الشعب ‪ ،‬فالعسكر هم شر الناس حين يحكمون ‪،‬إذ يوجهون سلحهم الى الشعب‬
‫الذى من المفترض أن يدافعوا عنه ‪ ،‬ويستخدمون السلح فى حكم الشعب وقهره ‪ ،‬ول بد أن يتحكموا فى الثروة‬
‫‪.‬طالما تحكموا فى السلطة‬
‫ومن قام بثورة يولية ‪ 1952‬كانوا ضباطا من الطبقة الوسطى ‪ ،‬وكان أغلبهم ل يملك سوى مرتبه قبل الثورة ‪،‬‬
‫فلما نجحت الثورة و حكموا مصر ما لبث أن تحولت الى جيوبهم وجيوب خدمهم واتباعهم ثروة مصر خلل‬
‫نصف قرن من الزمان ‪ ،‬بدءا من مجوهرات أسرة محمد على التى كان تمل عشرات الصناديق الى ثروة مصر‬
‫العينية التى نهبوها تحت اسم التأميم و التمصير والقطاع العام ‪ ،‬ثم أعادوا نهبها تحت اسم بيع القطاع العام‬
‫والخصخصة ‪ .‬حتى ديون مصر لم تسلم من النهب‪ .‬والحتكار المملوكى ل يقاس باحتكار الحديد وغيره مما يفعله‬
‫‪ ( .‬اللصوص الذين يتحكمون الن فى وزراء مصر ( المحروسة‬
‫ومنذ أكثر من عشرين عاما كتبت مقال فى جريدة (الحرار ) فى سلسلة قال الراوى عن أحد لصوص مصر فى‬
‫العصر المملوكى ‪ ،‬وقلت فى آخر فقرة فيه‪ ( :‬إن مصر أغنى بلد فى العالم ‪ ،‬كانت ول تزال‪ .‬وهذه حقيقة يعرفها‬
‫‪ ..‬اللصوص جيدا ) ‪ .‬وتم نشر المقال ‪ ،‬ولكن بعد أن حذف ـ رئيس التحرير الستاذ وحيد غازى ـ تلك الجملة‬
‫وأختم بها هذا المقال مع سبق الصرار والترصد ‪ ( :‬إن مصر أغنى بلد فى العالم ‪ ،‬كانت ول تزال‪ .‬وهذه حقيقة‬
‫‪ (.‬يعرفها اللصوص جيدا‬
‫‪ ..‬ول تحية لّلصوص‬

‫رمضان بين سطور التاريخ (‪ ) 7‬صوم حواء فى مصر المملوكية‬


‫بقلم‪ :‬احمد صبحي منصور‬

‫تاريخ النشر‪24 -09 -2008 :‬‬


‫قبل أن نتعرض لصيام حواء فى العصر المملوكي نتوقف قليل مع قوام حواء المملوكية ‪ .‬هل ينتمي إلى فصيلة‬
‫غصن البان ‪ ،‬أم فصيلة الجميز ؟إن الصور المرسومة للعصر المملوكي على قلتها ـ تظهر فيها بعض الفتيات‬
‫النحيفات ‪ ،‬ولكن ذلك ليس مقياسا ‪ ،‬المقياس فى نوعية الكل ‪ ،‬وهذا ما نعرفه مما أورده الفقيه ابن الحاج فى‬
‫كتابه " المدخل " الذي ينتقد فيه مظاهر الحياة الجتماعية فى العصر المملوكي من وجهة نظره كفقيه ناقم‬
‫يحاول اصلح عصره من وجهة نظر فقهية صوفية ‪..‬‬
‫ونأخذ من كتابه إشارة هامة ‪ ،‬إنه ينتقد الجزارين ويقول ‪ :‬إن بعضهم كان يغش اللحم ‪ ،‬فإذا كانت الذبيحة قليلة‬
‫الشحم فإنه يجعل معها شحم غيرها لكي يرغب الناس فى شراء اللحم لكثرة الدهن فيه‪ ،‬أى أن المفهوم عند‬
‫الناس فى العصر المملوكي كان رفض اللحم الحمر ( البروتين ) ويفضل عليه الدهون واللحم البيض السمين‬
‫‪ ..‬وكان ذلك عاما فى الرجال والنساء ‪ .‬وبالتالي فإن القوام النثوي كان يميل للسمنة ‪ ..‬وذلك مجرد استنتاج ‪.‬‬
‫أما الدليل الحاسم فهو ما أورده ابن الحاج من معلومات غريبة عن حواء المملوكية تحت عنوان عجيب يقول "‬
‫فصل فيما يتعاطاه بعض النسوة من أسباب السمن "‪.‬‬
‫يقول إن بعضهن " اتخذن عادة مذمومة ‪ ،‬وهى أنها قبل النوم وبعد طعام العشاء تأخذن لباب الخبز وتجعله‬
‫ثريدا تضيف إليه أشياء أخرى ‪ ،‬ولنها ل تستطيع ابتلعه بعد شبعها فترغم نفسها على ابتلعه بالماء ‪ ..‬وربما‬
‫تعود إلى تجرع نفس الوصفة بعد النوم وقبل الفجر ‪"..‬‬
‫ويحكى ابن الحاج أن بعضهن كن يتعاطين وصفة بلدية تجعلهن أكثر سمنة ‪ ،‬وهى أكل الطين والطفلة الطينية‬
‫مع بعض أدوية من العطار ‪ ..‬حتى يقل شبعها ويكثر التهامها الطعام ويزيد وزنها وتصبح أجمل الجميلت وفق‬
‫مقياس العصر المملوكي ‪..‬‬
‫وقد أدى هذا الشحم الزائد إلى ظهور نماذج فريدة من المرأة المملوكية كان بعضهن ل تستطيع أن تتوضأ أو‬
‫تغتسل لن ذراعيها أقصر من أن تصل إلى مواضع الطهارة ‪،‬وكانت إحداهن ل تستطيع الصلة وهى قائمة‬
‫فتضطر للصلة جالسة ‪..‬‬
‫وبالتالي كان صوم رمضان فريضة ثقيلة عليهن لذلك استنكر ابن الحاج أن بعضهن ـ وبعضهم ـ كان يفطر فى‬
‫نهار رمضان جهارا‪ ..‬لن البدانة فى العصر المملوكي كانت عادة سيئة للرجل والمرأة ‪..‬‬
‫وأصبح من العادات المذمومة ـ فيما يحكيه ابن الحاج ـ أن النساء البدينات يفطرن فى شهر رمضان حتى ل‬
‫يفقدن بعض سمنهن ‪ ،‬وامتد ذلك إلى الفتيات البكار ‪ ،‬إذ كان أهلهن يرغموهن على الفطار فى نهار رمضان‬
‫" خيفة على تغير أجسامهن عن الحسن والسمنة " بتعبير ابن الحاج الذي يربط الحسن بالبدانة والسمن ‪.‬‬
‫وبعض النساء كن يحافظن على صيام رمضان ‪ ،‬ومع ذلك فلم يسلمن من انتقاد ابن الحاج ‪ ..‬فبعضهن كانت إذا‬
‫أتتها العادة الشهرية فى رمضان فإنها تصوم ول تفطر ‪ ،‬ثم ل تقضى تلك اليام التى كانت فيها حائض ‪ ،‬ويعللن‬
‫ذلك بأنهن يصعب عليهن الصوم أو قضاء الصوم فى أيام الفطار حين يأكل الناس وهن يصمن ‪.‬‬
‫وبعضهن فى أيام الدورة يفطرن ثلثة أيام فقط ‪ ،‬ويصمن المدة الباقية حتى مع استمرار الدورة ‪ ،‬بل إن ابن‬
‫الحاج ينتقد النساء اللئي يصمن مدة الحيض ويقضين المدة صياما أيضا ‪ .‬ويراهن آثمات ومنهن من يفطرن‬
‫فى تلك اليام ولكن يكتفين فى الفطار بتمرة أو أقل القليل من الطعام ‪ ،‬أى كأنها صائمة ‪ ،‬وذلك تجويع وتعذيب‬
‫ل مبرر له ‪.‬‬
‫ومن المفيد أن نذكر أن الفقه التراثي جرى على اعتبار الحيض من السباب التى توجب الفطار فى رمضان ‪،‬‬
‫ويتعين قضاؤه ‪ ..‬إل أن القرآن يحصر العذار التى تبيح الفطر فى رمضان فى شيئين فقط وهما السفر‬
‫والمرض " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " وللمريض والمسافر أن يصوم إذا استطاع‬
‫لنها مجرد رخصة ‪ ،‬وال تعالى يقول " فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم " ‪ " ..‬البقرة ‪184‬‬
‫"‪.‬‬
‫إن الوضوء شرط فى الصلة ‪ ،‬لذلك فإن الحيض يقطع الوضوء فقط ‪ ،‬ول بد من الغتسال والتطهر ‪ ..‬أما‬
‫الصيام وباقي فرائض السلم من حج وزكاة وقراءة القرآن فليست الطهارة شرطا فيها ‪ ،‬وعليه فإن على‬
‫الحائض ـ وفقا لتشريع القرآن ـ أن تصوم ‪.‬وقد نتعرض لهذا بالتفصيل فى باب التأصيل ‪.‬‬
‫ونعود إلى ابن الحاج وانتقاده لصيام حواء فى العصر المملوكي ‪ ..‬وهو يستنكر قيام بعضهن بالصوم فى‬
‫رمضان ولكنهن يتركن الصلوات الخمس بدون عذر شرعي ‪ ،‬ويقول ‪ :‬إن بعضهن اعتدن ترك الصلة ويعتقدن‬
‫أن الصلة ل تجب إل على النساء المتقدمات فى السن ‪ ،‬فإذا نصحتهن أحد بالصلة تقول ‪ :‬أعجوزا رأيتني !!‬
‫يقول ابن الحاج " فكأن الصلة ليست بواجبة على الشابة ‪"..‬‬
‫ولقد كان صوم رمضان فى العصر المملوكي ـ ول يزال ـ عادة اجتماعية مرتبطة بالسهر والمواسم الدينية‬
‫وإحياء الليالي فى الضرحة ولدى الولياء مع الطعمة المشهرة والسحور ومدفع الفطار ورؤية الهلل ‪..‬‬
‫لذلك فإن من اعتاد إهمال الصلة نراه متمسكا بعادة الصوم فى رمضان ‪ ..‬وذلك ما استنكره الفقيه ابن الحاج‬
‫على من يصوم ول يصلى ‪.‬‬
‫ول يزال بعضنا يصوم ـ كعادة اجتماعية ـ بدليل أنه ل يصلى ‪.‬‬
‫هل نحتاج للفقيه ابن الحاج فى عصرنا؟‬
‫كل عام وانتم بخير ‪..‬‬

‫هذه المقالة تمت قرائتها ‪ 698‬مرة‬

‫(التعليقات (‪3‬‬
‫‪[27244] 25-09-2008 -‬‬ ‫تعليق بواسطة رضا عبد الرحمن على‬
‫يبدو أن العصر المملوكي ترك بعض بصماته على المصريين في ثقافة الغذاء‬
‫أعتقد ان العصر المملوكي قد ترك بعض البصمات على سلوكيات المصريين وثقافتهم الغذائية من‬
‫ناحية ‪ ،‬ويتمثل هذا في انتشار عربات لبيع سندوتشات (السمين) ولقد رأيتها بعيني في بعض الحياء‬
‫الشعبية ‪ ،‬وهذه العربات تشبة عربة الفول المدمس ‪ ،‬ولكن نوعية الطعام تختلف فيباع فيها‬
‫سندوتشات عبارة عن بقايا الذبيحة من دهون وشغت وكل ما له علقة بالسمنة يوضع كل هذا في‬
‫إناء معدني على النار مع قليل من الزيت ويصنع منه سندوتشات السمين ‪ ،‬وحين ينادي أصاب هذه‬
‫العربات حين دخلوهم إحدى الحارات او الشوارع في الماكن الشعبية ينادي قائل (عربية السمين‬
‫‪ .‬وصلت) أو (بتاع السمين وصل) ‪ ،‬وأعتقد أن هذه إحدى بصمات العصر المملوكي‬

‫ومن ناحية أخرى ترك العصر المملوكي بصمة ل تقل أهمية عن سابقتها ‪ ،‬ولكنها تخص الثقافة‬
‫الغذائية والتدين الصوفي معاً ‪ ،‬حيث ارتبط التصوف بإقامة الولئم والذبائح على النصب ‪ ،‬واليوم‬
‫أشاهد الليالي التي تقوم في الساس على الكل ومليء البطون اول ‪ ،‬حتى يتسنى للرجال القيام‬
‫بالمجهود العضلي الرهيب فيما يسمونه الذكر حسب مفهومهم ‪ ،‬وهو ل علقة له بالذكر من قريب أو‬
‫بعيد ‪ ،‬والمهم أن هذه الولئم وهذه الليالي التي تقام على شرف أحد المشايخ يقوم بدعوة مريديه للكل‬
‫والشرب ومليء البطون حتى يدعون له بطول العمر والصحة والعافية ‪ ،‬ونظرة عابرة على الرجال‬
‫الذين ألحظ اهتمامهم بمتابعة تلك الليالي والهتمام بها على الدوام جميعهم يعانون من مرض السمنة‬
‫‪ ،‬والكرش ‪ ،‬إل من رحم ربي ‪ ،‬وكان مريضا بمرض النحافة ‪ ،‬ول يمكن أن يصاب بالسمنة مهما‬
‫اكل أو شرب ‪ ،‬فهذه كانت رؤية من واقع المجتمع المصري الذي يعج بالسلوكيات الخاطئة دينيا‬
‫‪ ..‬وصحيا‬

‫وال جل وعل هو المستعان‬

‫رضا عبد الرحمن على‬

‫‪[27311] 27-09-2008 -‬‬ ‫تعليق بواسطة محمود دويكات‬


‫حتى عهد قريب‬
‫كان الرجال يفضلون النساء الممتلئات ( ولكن ليس لتلك الدرجة الموصوفة في المقال) و نساء مصر مشهورات‬
‫بأنهن جميلت كالدمى ‪ ..‬و أما قضية الحيض و الصيام فأعتقد أن المسألة تتبع ما يناظرها إن اعتبرت المرأة ما‬
‫يحصل لها كمرض يمنعها من الصيام فيكون طارئا عارضا و تقضي بعده خاصة إن جعلها تحس بالتعب أو‬
‫الرهاق‪ ..‬الخ هذا إن كانت عندها القدرة على الصيام أصل ‪ ..‬أما إن لم تكن تقدر فلها أن تفتدي‪ .. .‬و هذا‬
‫‪.‬أيضا كله يتبع لمقدار تقوى النسان‬

‫و ال أعلم‬

‫‪[27316] 27-09-2008 -‬‬ ‫تعليق بواسطة سنان السمان‬


‫بل حتى هذا العهد استاذ محمود‬
‫حتى هذا العهد ل يزال ارث العصر المملوكي في جينات الرجال المصريين ‪ ،‬فمقاييس الجمال‬
‫عندهم تبدأ بامتلء المرأه ‪ ،‬فصلحية المرأه وإثارتها للذكر المصري تعتمد اول على حجم الليتان‬
‫وإمتلء الرداف وتناغم حركتها أثناء المسير ‪ ،‬والتناسب بين إثارة الذكر وحجم الرداف تناسب‬
‫طردي ‪ ،‬وأذواق الذكورهذه تجدها مركّزه في الرياف خاصة ‪ ،‬فهي حاله اجتماعيه عامه ‪ ،‬وإن دل‬
‫هذا على شيء فإنما يدل على جهل وقصور في المناحي الجماليه والصحيه للنساء ‪ ،‬كما ل تنسى ان‬
‫كيلوبترا كانت سمينه ممتلة الرداف ‪ ،‬كما كانت البدانه من ميزات الجمال في العصر الفرعوني ‪،‬‬
‫كما ل تنسى ان دول إفريقيا الخرى تعاني من ايضا من نفس المشكله وتدهور الذوق الجمالي‬
‫للذكور ‪ ،‬خاصة في اثيوبيا فهي متقدمه على مصر في هذا المجال ‪ ،‬فإذا كانت الخلفيه الثقافيه للمرأة‬
‫الثيوبيه ترخيص أقل من راكبين ‪ ،‬فليس لها حظ بقلوب الذكور أو زواج مبكر ‪ ،‬عادات ومقاييس‬
‫‪.‬غريبه ‪ ،‬وكل ذوق وانتم بخير‬

‫مضان بين سطور التاريخ (‪) 8‬تجارة العملة‬


‫بقلم‪ :‬احمد صبحي منصور‬
‫تاريخ النشر‪27 -09 -2008 :‬‬

‫تجارة العملة فى رمضان المملوكي ( ‪)8‬‬


‫لم تختلف النقود المملوكية عن غيرها من حيث التقسيم المعهود ‪ :‬الدنانير الذهب ‪ ،‬والدراهم الفضة والفلوس*‬
‫النحاس ‪ .‬إل أن النقود المملوكية تختلف عن غيرها فى أنها شهدت متغيرات شتى فى العيار والوزن والحجم‬
‫خصوصا في الدينار الذهبي الذي هو قاعدة النقد ‪ ،‬بالضافة إلى تعويم الدينار وخضوعه للعرض والطلب ‪،‬‬
‫والخطر من ذلك هو فوضى النقد التي أحدثها جشع المماليك ورغبتهم في الربح على حساب ثبات سعر العملة ثم‬
‫دخول المزيفين أو الزغلية إلى ميدان سك النقود ‪ ،‬ومع أن السلطات المملوكية كانت تقف بالمرصاد لولئك‬
‫‪ .‬الزغلية وتقطع أيديهم أحيانا – إل أن بعض المماليك كان يشارك في عملية التزييف ابتغاء الربح‬

‫ولم يلحق التغيير فى الوزن والعيار والحجم الدينار الذهبي المملوكي وحده وإنما تعدى ذلك إلى الدرهم الفضى‬
‫الذي لم يعد يدل على النقود الفضية الخالصة وإنما وصل به التغيير إلى أنه أصبح مدلول هلميا بين الفضة‬
‫والنحاس ‪ ،‬ولحقته شتى السماء حسب اسم الذي يصدره أو حسب مكان السك أو حسب طبيعة الدرهم وحالته‬
‫وقيمته ‪ .‬وأصبح ذلك التغير سمة أساسية فى الدراهم التى ظهرت فى الدولة المملوكية البرجية ‪ ،‬حيث التضخم‬
‫والغلء وجشع المماليك والضطرابات القتصادية والمجاعات والوبئة ‪ .‬وقد ضرب السلطان برقوق " الذى‬
‫أسس دولة المماليك البرجية" الدراهم الظاهرية سنة ‪ 789‬كما ضرب المير نوروز دراهم نوروزيه في دمشق‬
‫سنة ‪ 815‬وضرب السلطان شيخ الدراهم المؤيدية سنة ‪ 818‬وضرب منها أجزاء أهمها النصف المؤيدي ‪ ،‬ثم ما‬
‫لبث أن أصبح الدرهم المؤيدي نصف مؤيدي سنة ‪ ، 825‬وكانت قيمة الدرهم المؤيدى ‪ 18‬درهما من الفلوس ‪،‬‬
‫وأصبح النصف المؤيدى يساوى تسعة من الدراهم الفلوس ‪ ،‬إذ أصبح هناك خلط بين الدرهم الفضة والدرهم‬
‫الفلوس ‪ ،‬وتتغير قيمة أحدهما بالنسبة للخر تبعا لضطراب العملة واضطراب الحياة القتصادية فى ذلك الوقت‬
‫‪ .‬لذا أصبح من الضروري على كل من يبيع شيئا أن يحمل ميزانا لوزن النقود عند بيع العملت ‪ ،‬وأصبح من‬
‫‪ ..‬اللفاظ المعهودة أن يقال أن ( فلنا وزن كذا ) أى دفع كذا ‪ ..‬أي لجأوا للميزان حيث انعدمت الثقة فى العملة‬
‫والمؤسف أن تجارة العملة فى الدراهم الفضية شهدت نوعا من التناقص بسبب غلبة الدراهم النحاسية عليها حتى‬
‫أصبحت الدراهم الفضة في معرض المزايدات بينما امتلت السواق بالدنانير والفلوس النحاسية أو الدراهم‬
‫‪ .‬النحاسية‬
‫وفي الوقت الذي عانى فيه الدينار المملوكي من التغير فى الوزن والعيار والحجم مع عدم الدقة فى الصنع فان‬
‫الدينار الفرنتي كان أفضل منه فى جميع الحالت وكان سيد العملت الجنبية فى السواق المملوكية ‪ ،‬والدينار‬
‫الفرنتي هو تلك العملة الذهبية التى قرر مجلس شيوخ البندقية إصدارها فى ‪ 31‬أكتوبر سنة ‪ 1284‬أي فى عهد‬
‫بينما عرفت فى الدولة المملوكية بأسماء شتى (‪ )Ducat‬السلطان قلوون ‪ ،‬وانتشرت فى أوروبا باسم الدوكات‬
‫منها ‪ :‬البندقي ‪ ،‬الدنانير المشخصة لما عليها من صور ‪ ،‬والفرنتى وهو أشهر أسمائها ‪ .‬ويشير المقريزي فى‬
‫تاريخه السلوك إلى انه منذ سنه ‪ 800‬هـ كثر تداول الدينار الفرنتى وأصبح هو الدينار المطلوب فى التعامل ‪،‬‬
‫مما ترتب عليه أن تسربت كميات من الذهب من الدولة المملوكية إلى البندقية لتسك منها تلك العملة الفرنتية ‪.‬‬
‫وكان من الطبيعى أن تفوز الدنانير البندقية فى السواق المملوكية بما فيها من دقة الصنع والوزن الثابت (‪3.45‬‬
‫جراما ) والعيار المرتفع ‪ ،‬وذلك فى مقابل دينار مملوكى هزيل ليس له عيار ثابت أو قطر محدد ‪ ،‬ثم هو دائم‬
‫التغير فى الوزن ‪ ،‬لذا كان من السهل على التجار فى سوق العملة استلم الدينار الفرنتى بالعدد دون حاجة إلى‬
‫وزن ‪ ،‬أما الدنانير المملوكية فكان لبد من وزنها ثم قد يضطر أحدهم إلى إضافة قطع ذهبية أخرى لعلج النقص‬
‫‪ .‬فيها‬
‫وكان من المعتاد أن تسك النقود النحاسية ( الفلوس ) لتقوم مقام ( الفكة) الصغيرة فى نفقات البيوت وشراء‬
‫الخضروات وغير ذلك ‪ ،‬وكان الدرهم يساوى ‪ 24‬فلسا فى بداية الدولة المملوكية ‪ .‬ثم ضرب السلطان كتبغا‬
‫فلوسا خفيفة الوزن ‪ ،‬وزنة الفلس الواحد يساوى وزن الدرهم الفضى ‪ ،‬والرطل من هذه الفلوس يساوى قيمة‬
‫الدرهمين من الفضة ‪ ،‬وبدأت بذلك حكاية الوزن فى العملت ‪ .‬ولم يتقبل الباعة فكرة الوزن مما جعل الدولة‬
‫تضرب بعضهم لترغمهم على قبول تلك الفكرة ‪ ،‬ثم ضرب السلطان الناصر محمد فلوسا جديدة وقد حلت محل‬
‫‪ .‬الفلوس الخفيفة التي أصدرها كتبغا التي تم جمعها من السوق‬
‫ولما جاءت الدولة البرجية أنتشر الفساد فى سك الفلوس النحاسية أسوة بمنظومة الفساد الذى استشرى فى كل‬
‫شىء ‪ ،‬وعهد السلطان برقوق أول سلطان برجى إلى محمود الستادار ضرب الفلوس فخلط النحاس بالحديد‬
‫والرصاص ليحصل على المزيد من الربح ‪ ،‬وتكاثرت تلك الفلوس وسيطرت على السواق وطردت العملت‬
‫الجيدة ‪ ،‬وكانت الدولة تستورد النحاس من أوروبا لتسكة عملت فلوسا ‪ ،‬بل وكانت ترغم الناس على بيع ما‬
‫بأيديهم من العملت النحاسية السابقة والتى تحتوى على النسبة الكبر من النحاس ‪ ،‬وتشتريها منهم بسعر رخيص‬
‫‪ ،‬ثم تدخلها دار السك فتخرج عملة جديدة أقل قيمة ولكن أعلى سعرا ويستفيد السلطان والستادار من ذلك الفرق‬
‫بينما يخسر الناس‬

‫‪ ..‬كان ذلك هو حال العملة المملوكية‬


‫فهل كان لرمضان تأثيرة اليجابى على مسئولى الدولة بحيث يجعلهم يرجعون للحق والعدل ؟ والجواب بالنفى ‪.‬‬
‫فالمماليك كانت لهم فلسفتهم الخاصة فى أستمرار الظلم مع بناء المؤسسات الدينية التي ل تزال شامخة حتى الن‬
‫وهم يرون أن ذلك يكفر عنهم مظالمهم ‪ ..‬ومن هنا فقد أستمرت سياستهم النقدية فى رمضان أسوة بغيرة من‬
‫‪ ..‬الشهر ‪ .‬ونأخذ على ذلك بعض المثلة‬

‫يذكر المقريزي أنه في يوم الربعاء ‪ 6‬رمضان ‪ 811‬صدر النداء بالقاهرة أل يتعامل أحد بالذهب وهددوا من يبيع‬
‫بالذهب ‪ ،‬وأستدعى المير جمال الدين جميع التجار وكتب عليهم تعهدات بذلك فنزل بالناس ضرر عظيم – على‬
‫حد قول المقريزي –لن النقد الرابح هو الذهب وبه كان يتعامل جميع الناس ‪ ،‬وصدر النداء أيضا بمنع‬
‫المصنوعات الذهبية والمصوغات فأستمر الحال على ذلك أياما ‪ ،‬ثم نودى فى ‪ 21‬رمضان بأن يتعامل الناس‬
‫على أن يكون كل مثقال بمائة وعشرين درهما وأن يكون الدينار المشخص ( البندقى ) بمأئة درهم ‪ ،‬وترتب على‬
‫ذلك أن أحتفظ الناس بالذهب فأرتفعت السعار إرتفاعا كبيرا‬

‫فالدولة المملوكية كانت تعانى من نقص فى الذهب بسبب إحتكار السلطين لتجارة التوابل لنفسهم ‪ ،‬وتلك قصة‬
‫أخرى – مما أدى إلى ظهور نظام المقايضة فى التجارة بين المماليك والبندقية ‪ ،‬ولتعويض هذا النقص فى الذهب‬
‫– فى الداخل كانت تلك المحاولة التى حكاها المقريزي ‪ .‬وقد تكرر ذلك يوم الخميس ‪ 15‬رمضان ‪ 829‬فى عصر‬
‫السلطان برسباي أثناء زيادة الصراع الحربى مع القراصنة الفرنجة ‪ ،‬إذ نودي بمنع الناس من التعامل بالدنانير‬
‫الفرنتية ول بد من إحضارها إلى دار الضرب حتى يعاد سبكها وتهدد من يخالف ذلك ‪ ،‬يقول المقريزي إن‬
‫‪ .‬الناس لم يأبهوا لهذا النداء لقلة ثبات الولة على قرارتهم ‪ ،‬وكثرة القرارات‬

‫ونتعرف على أسعار العملت في رمضان المملوكي في سنوات مختلفة ‪ :‬ففي رمضان سنة ‪ ( 803‬فى بداية‬
‫الدولة البرجية ) يحكى المقريزي أن أحوال الناس توقفت بسبب الذهب حيث بلغ سعر الدينار البندقى الفرنتى‬
‫‪ 39‬درهما من الفلوس فى السعر الرسمى عند الصيارفة بينما هو عند الناس ‪ 38‬درهما فتناقص حتى وصل ‪35‬‬
‫‪ .‬درهما ‪ ،‬أى أن الدولة كانت تجمع دنانير البندقية بأعلى سعر‬
‫وإذا وصلنا إلى رمضان ‪ 806‬وجدنا سعر الدينار الفرنتى قد وصل إلى ‪ 70‬درهما ‪ ،‬ثم إذا قفزنا إلى ‪ 9‬رمضان‬
‫سنة ‪ 819‬فى سلطنة المؤيد شيخ وجدنا الدينار الفرنتى قد وصل إلى ‪ 230‬درهما ‪ ،‬وصدر النداء بعدم الزيادة‬
‫فى سعره بعد أن أكتسح الدينار البندقى إمامه الدرهم المؤيدي الذي أصدره السلطان ‪ ،‬وهدد السلطان من يعصى‬
‫هذا النداء ‪ ،‬ويقول المقريزى انه كثر الغبن من انحطاط النقود وتغيرها مع ثبات السعر ‪ ،‬أى التضخم ‪ ،‬فالعملة‬
‫‪ ..‬الجنبية يزداد سعرها كل يوم والسعار تتضاعف والعملت المحلية تتناقص قيمتها‬
‫وكان الحال فى الفلوس النحاسية أسوأ وهى العملة السائدة فى ذلك العصر ‪ ،‬ففى رمضان ‪ 807‬تنازع المماليك‬
‫فى دمشق فكثرت بها مصادرة الموال وغلت السعار بسبب كثرة التغيير فى النقود النحاسية التى كثرت وصغر‬
‫حجمها ‪ ،‬وتأخذ الدولة الفلوس القديمة بأرخص السعار ويعاد ضربها مزيفة بأغلى السعار ‪ ،‬وفى ذلك الوقت بلغ‬
‫‪ .‬سعر الدينار البندقى ‪ 70‬درهما‬
‫وفى رمضان ‪ 811‬كان المير شيخ واليا على الشام فأصدر فلوسا كل ‪ 6‬منها بثمن درهم وترتب عليها كما يقول‬
‫‪ ...‬المقريزى أن شمل الضرر أهل مصر والشام‬
‫وفى ‪ 28‬رمضان ‪ 826‬جمع السلطان برسباى التجار والصيارفة بسبب الفلوس النحاس فقد صدر سعر جديد‬
‫للفلوس النحاسية كان منخفضا عن قيمة النحاس الموجود بها فجمعها التجار من أيدي الناس وصهروها وصنعوا‬
‫منها الوانى النحاسية وفصلوا منها بقية المعادن كل منها على حدة وأستعملوها فيما تصلح له ‪ ،‬وبعضهم صدرها‬
‫إلى الحجاز واليمن والمغرب ‪ ..‬وبلغ سعر القنطار من تلك الفلوس ‪ 800‬درهما ‪ ،‬وربحوا منها كثيرا ‪ ،‬لذلك‬
‫عزف الناس عن التعامل بها وفضلوا بيعها للتجار الذين يجمعونها بأعلى من سعرها الرسمى الذى حددته الدولة ‪.‬‬
‫وترتب على ذلك أن توقفت أحوال الناس ‪ ،‬فلما أجتمع السلطان بالتجار والصيارفة أستقر الرأي على أن تكون‬
‫الفلوس المنقاة بتسعة دراهم الرطل بدل من سبعة ‪ .‬وصدر النداء بعدم التعامل بغير ذلك ‪ ،‬ومن صدر شيئا منها‬
‫!!!‪ ...‬للخارج عوقب‬
‫‪ ..‬وأخيرا‬
‫هل تغير الحال فى مصر المعاصرة عن مصر المملوكية؟‬
‫‪ .‬أترك لكم الجابة‬
‫‪.‬وكل عام وانتم بخير‬

‫رمضان بين سطور التاريخ (‪ )9‬حفل ليلة القدر فى الحرم المكى عام ‪ 479‬هـ‬
‫بقلم‪ :‬احمد صبحي منصور‬
‫تاريخ النشر‪29 -09 -2008 :‬‬

‫ليلة القدر" وختم القرآن الكريم في الحرم الشريف بمكة سنة ‪ 479‬هـ"‬

‫شهد ابن جبير الحفل المقام في الحرم بمكة بمناسبة ختم القرآن الكريم وسجل ذلك فى رحلته ( رحلة ابن‬
‫‪ .‬جبير ) في أحداث سنة ‪ 479‬هـ‬
‫"كانت ليلة جمعة "‪27‬رمضان‬
‫ويعبر ابن حبير عن تأثره بحضور تلك الليلة في الحرم فيقول "كانت الليلة الغراء والختمة الزهراء ‪،‬والهيبة‬
‫الموقرة الكهلء والحالة التي تمكن عند ال في القبول والرجاء‪ ,‬وأي حالة توازي شهود ختم القرآن ليلة سبع‬
‫وتجاه البيت العظيم‪ ,‬وإنها لنعمة تتضاءل لها النعم تضاؤل سائر ;‪ &e‬وعشرين من رمضان خلف المقام الكريم‬
‫‪" .‬البقاع للحرم‬
‫وقد بدأ الستعداد لهذه الليلة قبل ذلك بيومين أو ثلثة‪ ,‬فأقيمت إزاء حطيم أمام الشافعية خشب عظام بائنة‬
‫الرتفاع موصول بين كل ثلث منها بأذرع من العواد الوثيقة فاتصل منها صف كاد يمسك نصف الحرم عرضاً‬
‫ووصلت بالحطيم الول ثم عرضت بينها ألواح طوال مدت على الذرع المذكورة ‪ ,‬وعلت طبقة منها طبقة‬
‫أخرى حتى استكملت ثلث طبقات فكانت الطبقة العليا منها خشبا مستطيلة مغروزة كلها مسامير محددة‬
‫الطراف لصقا بعضها ببعض كظهر السهم ‪ ,‬نصب عليها الشمع والطبقتان تحتها ألواح مثقوبة ثقبا متصل‬
‫‪ .‬وضعت فيها زجاجات المصابيح ذوات النابيب المنبعثة من أسافلها‬
‫وتدلت من جوانب اللواح والخشب ومن جميع الذرع المذكورة قناديل كبار وصغاروتخللها أشباه الطباق‬
‫المبسوطة من الصفر‪ ,‬قد انتظم كل طبق منها ثلث سلسل تقلها في الهواء وخرقت كلها ثقبا ووضعت فيها‬
‫الزجاجات ذوات النابيب من أسفل تلك الطباق الصفرية‪ ,‬ل يزيد منها أنبوب عن الخر في الحجم ‪ ,‬وأوقدت‬
‫‪ .‬فيها المصابيح فجاءت كأنها موائد ذات أرجل كثيرة تشتعل نوراً‬
‫ووصلت تلك بالحطيم الثاني الذي يقابل الركن الجنوبي من قبة زمزم خشب على الضفة الولى المذكورة سابقاً‬
‫‪ .‬واتصلت إلى الركن الجنوبي وأوقد المشعل الذي في رأس القبة وصففت شباكها شمعاً مما يقابل البيت المكرم‬
‫وحف المقام الكريم بمحراب من العواد المشرجية المخرمة محفوفة العلى بمسامير حديدة الطراف بنفس‬
‫الكيفية وقد علها الشمع‪ ,‬نصب على يمين المقام ويساره شمع كبير الجرم في أتوار "شمع دانات" تناسابها‬
‫كبراً‪ ,‬وصفت تلك التوار "الشمعدانات" على الكراسي التي يصرفها السدنة مطالع عند اليقاد‪ ,‬وجلل جدار‬
‫الحجر المكرم كله شمعاً في أتوار من الصفر فجاءت دائرة نور ساطع واحدقت بالحرم المشاعيل وأوقد جميع‬
‫‪ .‬ما ذكر‬
‫وبعد ذلك الوصف التفصيلي للتجهيزات التي تمت في الحرم بدأ ابن جبير يتحدث عن وقائع الحتفال بليلة القدر‬
‫‪ .‬وختم القرآن‬
‫وقد تجمع صبيان مكة وأحدقوا بشرفات الحرم وقد وضعت بيد كل واحد منهم كرة من الخرق المشبعة وقوداً‬
‫فوضعوها متقدة في رؤوس الشرفات وأخذت كل طائفة منهم ناحية من نواحيها الربع ‪ ,‬وأخذت كل طائفة من‬
‫الصبيان تتبارى مع الخرى في سرعة إيقادها فيخيل للناظر أن النار تثب من شرفة إلى شرفة لخفاء أشخاص‬
‫الصبيان وراء الضوء وفي أثناء عملهم يرفعون أصوات قائلين ‪":‬يا رب يا رب" على لسان واحد فيرتج الحرم‬
‫!! لصواتهم‬
‫فلما تكامل إيقاد الجميع يغشى البصار شعاع تلك النوار فل تقع لمحة طرف إل على نور تشغل حاسة‬
‫البصرعند استمالة النظرة فيتوهم المتوهم – لهول ما يعانيه من ذلك – إن تلك الليلة المباركة نزهت لشرفها‬
‫!! عن لباس الظلماء فزينت بمصابيح السماء‬
‫وتقدم قاضي الحرم فصلّى فريضة العشاء الخيرة ثم قام وابتدأ بسورة القدر وكان أئمة الحرم في الليلة قبلها‬
‫قد انتهوا في القراءة إليها‪ ،‬وسكت أئمة الحرم عن القراءة في تلك الليلة تعظيما لختمة المقام وحضروا‬
‫‪ .‬متبركين بمشاهدتها‬
‫وكان المقام المطهر قد أخرجوه ووضع في محله الكريم مصلى مستور بقبته التي يصلي الناس خلفها ‪ ,‬فختم‬
‫‪ .‬القاضي بتسليمتين ‪ ,‬وقام خطيباً مستقبل المقام والبيت العتيق‬
‫فلم يتمكن من سماع الخطبة أحد بسبب الزدحام وضوضاء العوام ‪ ( .‬فلما فرغ من خطبته عاد الئمة لقامة‬
‫التراويح وانفض الجميع ونفوسهم قد استطارت خشوعاً وأعينهم قد سالت دموعا‪ ,‬وشعر الجميع بالقبول من‬
‫‪ . ( ..‬ال وأن تلك الليلة هىّ ليلة القدر‬

‫رمضان بين سطور التاريخ(‪)10‬مجاعة فى مصر فى رمضان سنة ‪595‬هـ‬


‫بقلم‪ :‬احمد صبحي منصور‬
‫تاريخ النشر‪30 -09 -2008 :‬‬

‫!!مجاعة فى رمضان سنة ‪595‬هـ في مصر اليوبية‬

‫‪ .‬هذه مقالة تبعث على التألم لنها تصف تاريخاً وقع‪ ،‬ولكن في التألم عبرة وعظة ‪ .‬ولذا نكتب التاريخ‬
‫في هذه السنة يئس الناس من زيادة النيل فارتفعت السعار وانتشر القحط فهرب الفلحون للمدن ‪ ،‬وهرب‬
‫كثيرون إلى الشام والمغرب والحجاز واليمن وتفرقوا في البلد ‪ ،‬ودخل القاهرة كثيرون اشتد بهم الجوع حتى إذا‬
‫جاء رمضان سنة ‪595‬هـ كانت المجاعة على أشدها والمآسي التي تحدث بسببها ليصدقها عقل‪،‬ولول أن فيلسوفاً‬
‫ك الوقت وقص ما شاهده وهو معروف بصدقه واتزانه ــ لول ذلك ــ ما;‪&aacutute‬حكيماً كان في القاهرة في ذ‬
‫‪ ..‬صدق القارئ ما كان يحدث في رمضان ‪595‬هـ وما بعده‬
‫تصادف أن كان في القاهرة الفيلسوف الطبيب ‪ /‬عبد اللطيف البغدادي وشهد تلك المجاعة ‪،‬فكتب عنها وعن*‬
‫مشاهداته في مصر كتابه القيم "الفادة والعتبار في المور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر" وكما‬
‫يدل العنوان فقد استقى الحوادث مما رأى ومما سمع فكان كتابه وثيقة حية تنبض بالصدق المر والواقعية‬
‫‪..‬المفجعة‬
‫يقول " واشتد بالفقراء الجوع حتى أكلوا الميتات والجيف والكلب والبعر والرواث ‪،‬ثم تعدوا ذلك إلى أن أكلوا*‬
‫صغار بني آدم فكثيرا ما يعثر عليهم ومعهم صغار مشويون أو مطبوخون فيأمر صاحب الشرطة بإحراق الفاعل‬
‫لذلك والكل ‪ ،‬ورأيت صغيرًا مشوياً في قفة وقد أحضر إلى دار الوالي ومعه رجل وإمرأة زعم الناس أنهما أبواه‬
‫"‪ ..‬فأمر بإحراقهما‬

‫ثم يأخذ عبد اللطيف البغدادي في وصف مشاهداته المروعة فيقول " ووجد في رمضان وبمصر رجل وقد*‬
‫جردت عظامه عن اللحم فأكل وبقى قفصاً كما يفعل الطباخون بالغنم‪ ..‬ولقد رأيت إمراة يسحبها الرعاع في‬
‫السوق ظفروا معها بصغير مشوي تأكل منه ‪،‬وأهل السوق ذاهلون عنها ومقبلون على شئونهم وليس فيهم من‬
‫يعجب لذلك أو ينكره ‪ ،‬فعاد تعجبي منهم أشد وما ذلك إل لكثرة تكرره على إحساسهم حتى صار في حكم المألوف‬
‫الذي ل يستحق أن يتعجب منه‪ ،‬ورأيت قبل ذلك بيومين صبياً نحو الرهاق مشويًا وقد أخذ به شابان أقرَا بقتله‬
‫‪ .." .‬وشيّه وأكل ْ بعضه‬

‫ويحكي عبد اللطيف البغدادي أقاصيص مزعجة في هذا السياق وكلها تدور حول فقراء جوعى من رجال ونساء*‬
‫وقد انتشروا في شوارع القاهرة يخطفون الصغار ويأكلونهم ‪ ،‬وقد أصابهم الجوع بالسعاروالجنون‪ ،‬وأنه إذا‬
‫‪..!! .‬عوقب أحدهم بالحرق ما لبث أن يأكله الخرون‬
‫ويقول تلك العبارة المؤلمة " ثم فشا فيهم أكل بعضهم بعضاً حتى تفانى أكثرهم ‪ ،‬ودخل في ذلك جماعة من‬
‫‪".‬المياسير والمساتير‪ ،‬منهم من يفعله احتياجًا ومنه من يفعله استطابة‬
‫ثم يحكي عن الحيل التي كان يخترعها بعضهم لليقاع بالناس وأكلهم ‪ ..‬ويقول أن الوالي حكي له أن إمراة دعيت‬
‫إلى وليمة فوجدت لحمًا كثيرًا فاسترابت في المر وسألت بنتاً صغيرة من المنزل سراً عن ذلك اللحم فقالت‪:‬إنها‬
‫فلنة السمينة دخلت لتزورنا فذبحها أبي وها هي معلقة‪ ..‬فهربت السيدة إلى الوالي فهجم على المنزل ولكن هرب‬
‫صاحب البيت ‪ .‬ويروي من الغرائب أن إحدى النسوة الثرياء كانت حاملً وكان جيرانها من الصعاليك فكانت‬
‫تشم عندهم رائحة طبيخ فاشتهت منه كما هي عادة الحبالى فأكلت منه وأحبته وعرفت منهم أنه لحم آدمي فأدمنته‬
‫وصاروا يتصيدون لها وغلبها السعار ‪ ،‬واكتشف أمرها في النهاية فحبست وأرجئ قتلها احتراماً لزوجها الغائب‬
‫‪..‬حتى تضع حملها‬

‫ويقول عبد اللطيف البغدادي أنه يحكي ما يشاهده دون قصد‪ ،‬وأن ما رآه أكثر مما يحكيه وأنه كثيراً ما كان يفر*‬
‫‪.‬مما يرى من بشاعته‬
‫ويقول إن المضبوطات في بيت الوالي كانت تشتمل على كوارع ورءوس آدمية وأطراف مطبوخة في القمح‬
‫!! وغيره‪ ،‬ويقول وكثيرًا ما يدعي بعضهم أنه يأكل ولده او زوجه أو حفيده ولئن يأكله هو خير من أن يأكله غيره‬
‫‪.‬‬
‫ويقول ومما شاع أيضا نبش القبور وأكل الموتى وبيع لحمهم‪ ،‬وهذه البلية وجدت في جميع بلد مصر من أسوان‬
‫‪ .‬وقوص والفيوم والمحلة والسكندرية ودمياط وسائر النواحي‬
‫وتحدث عن قطع الطريق وقتل المسافرين وعن موت الفقراء في الطرقات والجثث العائمة في النيل ‪ ،‬وخلو‬
‫القرى والمدن من السكان ‪ ،‬وتحدث عن بيع الولد والبنات بدراهم معدودة ‪،‬حتى تباع الفتاة الحسناء بدراهم ‪،‬‬
‫ويقول أنهم عرضوا عليه فتاتين مراهقتين بدينار واحد ‪ ،‬وأنه رأى فتاتين إحداهما بكر يُنادى عليهما باحدى عشر‬
‫درهمًا ‪ ،‬وقد سألته إمرأة ان يشتري إبنتها وكانت جميلة دون البلوغ بخمسة دراهم فقال لهم إن ذلك حرام فقالت‬
‫له‪ :‬خذها هدية ‪ !!.‬ويقول إن كثيرًا من النساء والولدان أصحاب الجمال كانوا يترامون على الميسورين ليشتروهم‬
‫‪..‬أو يبيعوهم ‪ ..‬ووصل بعضهم إلى إيران‬
‫وفي هذه المحنة برز بعض الفجرة الغنياء اشتروا الحرار الجوعى واسترقوا النساء الحرائر بأقل الثمان‬
‫‪..‬ويحكي البغدادي أن بعضهم كان يفتخر بأنه اشترى خمسين بكرًا أو سبعين‬

‫ومن الطبيعي أن القارئ قد يغضب إذا قرأ هذا التاريخ الذي وقع بأرض مصر ‪ ،‬ولكن لبد من معرفته لنتأكد*‬
‫إلى أي حد كنا في حاجة للتحكم في الفيضان حتى ل يأتى الجفاف وتحدث المجاعات التي كانت تتكرر في دورات‬
‫‪..!! .‬متتابعة في تاريخ مصر القديم والوسيط‬
‫ولكن ـ وآه من لكن هذه ـ فبعد بناء السد العالى واختفاء دورة المجاعات والوبئة التى كانت تحدث بسبب جفاف‬
‫او طغيان الفيضان ‪ ،‬فان العسكر الذى استبد بمصر طيلة اكثر من نصف قرن قد وصل بها الن فى رمضان‬
‫‪ 1429‬الى حافة المجاعة ‪ ،‬فالخبار تاتى بالقتتال حول رغيف الخبز وشهداء الكفاح من أجل الحصول على‬
‫رغيف من الخبز ل يخلو من المسامير و الحشرات الميتة ‪ ..‬هذا فى الوقت الذى يلعب فيه أبناء المترفين بالمليين‬
‫‪ ..‬ينفقونها فى المخدرات والمجون‬
‫سبَنّ الَّ غَافِلً‬
‫حَ‬‫ل تَ ْ‬
‫نحن هنا أمام كارثة يصنعها عن عمد واصرار حكام خانوا المانة ‪ ،‬ونسوا قوله جل وعل ( َو َ‬
‫لبْصَارُ ) ( ابراهيم ‪42‬‬ ‫ص فِيهِ ا َ‬
‫شخَ ُ‬
‫عمّا َي ْعمَلُ الظّاِلمُونَ ِإّنمَا يُؤَخّرُهُمْ ِليَوْ ٍم تَ ْ‬
‫‪َ (.‬‬
‫‪ ..‬اللهم جنّب مصر الكارثة القادمة ‪ ..‬فيكفى ما عانته فى تاريخها القديم والمتوسط‬

‫رمضان بين سطور التاريخ (‪)11‬أوبئة حدثت في رمضان!!‬


‫بقلم‪ :‬احمد صبحي منصور‬

‫تاريخ النشر‪03 -10 -2008 :‬‬


‫كانت الوبئة والمجاعات من المعالم الساس في تاريخ العصور الوسطى والقديمة‪ .‬وإن كان العصر الحديث‬
‫قد تمكن من القضاء على معظم الوبئة وحصر المجاعات في أضيق حدود فإن علينا أن نسترجع ذكريات‬
‫التاريخ المؤلمة لنرى ما أنعم ال علينا من نعمة التقدم ولنكون أحرص على استمرار تلك الحرب المقدسة ضد‬
‫الجوع والمرض لتكون الكرة الرضية في المستقبل القريب وطناً للرخاء والشفاء‪..‬‬
‫* وكانت المجاعة تحدث في مصر على فترات دورية مرتبطة بجفاف النيل الذي لم يستطع أجدادنا السيطرة‬
‫عليه‪،‬وبعد المجاعة يأتي الوباء غالبًا بعد أن تمتلئ الرض بالجثث والعفن‪ ،‬وقد يأتي الوباء منفرداً وله هو‬
‫الخر دورته الخاصة إذ ينتشر سريعًا ثم يهدأ وينكشف بعد أن يكون قد أباد مئات اللوف ‪ ،‬خصوصًا من‬
‫الطفال الذين لم تكن لديهم حصانة من قبل ‪..‬‬

‫ولم يكن رمضان بعيداً عن الوبئة والمجاعات ‪ ،‬إذ كان له فيهما نصيب مثل باقي الشهر ‪..‬‬

‫وقد أدرك المقريزي وهو طفل تلك المجاعة التي حدثت قبل شهر رمضان سنة ‪776‬هـ واستمرت إلى آخر‬
‫شوال‪ ،‬وجاء بعدها وباء أهلك الكثيرين ممن نجوا من المجاعة‪ ,‬يقول المقريزي " إبتدأ الوباء في نصف جمادى‬
‫الخرة وكثر موت الفقراء والمساكين بالجوع فكنت أسمع الفقير يصرخ بأعلى صوته ‪:‬ل لبابة ــ أي كسرة خبز‬
‫ــ قدر شحمة أذني أشمها وخذوها " ‪ .!!..‬فل يزال كذلك حتى يموت ‪!!..‬‬

‫* ويتحدث المقريزي عن الكساد الذي ساد بسبب هذه المجاعة‪ " :‬هذا وقد توقفت أحوال الناس من قلة المكاسب‬
‫لشدة الغلء وعدم وجود ما يقتات به ‪ ،‬وشح الغنياء وقلة رحمتهم ‪ ،‬ومع ذلك لم يزدد اجر العمال من البنائين‬
‫والفعلة والحمالين ونحوهم من أرباب الصنائع بل استقرت على ما كانت عليه قبل الغلء‪ ،‬فمن كان يكتسب في‬
‫اليوم درهماً يقوم بحاله ويفضل له منه شيئ صار الدرهم ل يجدي شيئاً‪ ،‬فمات ومات أمثاله من الجراء‬
‫والعمال والصناعين ‪ "..‬أى دفع الفقراء والعمال و الحرفيون الثمن جوعا وموتا ‪!!..‬‬

‫* ثم يتحدث المقريزي عن الغلء فيقول " وفي شهرى رجب وشعبان اشتد الغلء فبلغ الردب القمح مائة‬
‫وخمسة وعشرون درهما ًوالردب الشعير تسعين درهماً والردب الفول ثمانين درهماً والبطة الدقيق زنة‬
‫خمسين رطلً بأربعة وثلثين درهماً ‪ ،‬وشنع الموت في الفقراء من شدة البرد والجوع والعرى وهم يستغيثون‬
‫فل يغاثون‪ ،‬وأكل الناس خبز الفول والنخالة عجزاً عن خبز القمح‪ ،‬وبلغ الخبز السود كل رطل ونصف‬
‫بدرهم‪ ،‬وكثر خطف الفقراء له ما قدروا عليه من أيدي الناس ‪ ..!!..".‬والمصريون يتقاتلون اليوم ليس فى سبيل‬
‫ال جل وعل ولكن فى سبيل الخبز ‪ ..‬فهل تقترب مصر اليوم من هذه الحالة ‪ .‬نرجو من ال تعالى السلمة ‪!!..‬‬

‫* ويقول المقريزي أن المساجين كانوا أشد الناس جوعاً ‪ ،‬وقد حدث أن أقيم بالسجن حائط من طين فأكله‬
‫المساجين من شدة جوعهم!! وقد أصبحت الدواب نادرة لموتها بالجوع ‪.‬‬
‫* وفي يوم ‪ 24‬شعبان قررت السلطات المملوكية أن تفرق الفقراء على المراء والميسورين ليطعموهم فجمعوا‬
‫الفقراء وفرقوهم عليهم ‪ ،‬كل حسب حاجته ‪ ،‬ثم نودي بالقاهرة بأل يتصدق أحد على حرفوش ( الحرافيش هم‬
‫العوام )‪ ،‬وإن أى حرفوش تسول شيئاً فجزاؤه الصلب ‪.‬‬
‫وبذلك التزم كل واحد بمن معه من الفقراء [الحرافيش] فخفت الصراعات التي كانت تحدث في الشوراع ‪ ،‬إل‬
‫أن الوباء انتشر وزداد عدد الموتى خصوصاً في شهر رمضان مع نفاذ القوات حتى بلغ الموتى في القاهرة‬
‫يومياً حوالي ‪ . 500‬ولم يعد بوسع أحد أن يدفن كل هذا العدد فشوهدت الكلب تأكل الجثث ‪ ،‬وهنا تدخلت‬
‫السلطات المملوكية فأعلنت أن من أتى بميت أعطوه درهما فأتاهم الناس بالموتى ‪ ،‬فقامت السلطات بتغسيلهم‬
‫وتكفينهم ودفنهم ‪ ،‬فلما أفنى الوباء الفقراء بدأ عمله في الغنياء فازداد سعر الدوية ‪ ،‬وفي نفس الوقت أصبحت‬
‫الفراريج نادرة حتى كان السلطان يبعث في طلبها من القاليم‪ ..‬وهكذا كان الفقير قبل موته يتمنى ان يشم كسرة‬
‫خبز‪ ،‬أما الغني فقد كان يعاني في مرضه ل من الجوع بل من غلء سعر الدواء ‪.‬‬

‫وكان الوباء ينتقل من بلد إلى آخر ‪ ،‬وفي موسم الحج كان يجد الفرصة للنتشار‪ .‬وفي رمضان سنة ‪837‬هـ‬
‫تناقص الوباء بمكة بعد ان أخذ دورته‪ ،‬وفي رمضان ‪839‬هـ ظهر الوباء بمدينة تعز في بلد اليمن وشمل سائر‬
‫نواحيها ‪ .‬وفي سنة ‪841‬هـ بدأ الوباء في الصعيد ودمشق وحلب في شهر رجب فأظهر أهلها التوبة على حد‬
‫قول المقريزي ــ وأغلقوا حانات الخمر ومنعوا البغايا من الوقوف بالشوارع ( وكان البغاء حرفة مصرحا بها‬
‫فى معظم فترات العصر المملوكى للزنا والشذوذ‪ ،‬وكانت الدولة تجبى منه الضرائب ) ‪ ،‬فتناقص الموت وخف‬
‫الوباء حتى كاد يرتفع ‪ ،‬يقول المقريزي " وجعلوا شكر النعمة أن فتحوا الخمارات وأوقفوا البغايا والحداث‬
‫(أى الصبيان )للفساد ‪ ،‬وضربوا عليهم الضرائب فأصبحوا وقد مات من الناس ثمانمائة انسان ‪ ،‬واستمر الوباء‬
‫في ازدياد في شعبان ووصل القاهرة في رمضان‪.‬‬
‫* وفي يوم الثلثاء أول رمضان وصل عدد الموتى بالقاهرة ‪18‬فرداً ثم تزايد العدد حتى فشا الطاعون في‬
‫القاهرة ومصر خصوصاً في الطفال والعبيد والجواري ‪ ،‬ووصل إلى أطراف مصر في الواحات بينما تضاءل‬
‫في الصعيد‪.‬‬

‫هذا الغضب اللهى سببه الفساد العقيدى و السلوكى من الظلم الى انتشار الفواحش مع رفع راية اللتزام‬
‫بتطبيق الشريعة ( السنية وحكم قضاة الشرع الشريف ) على حد قولهم فقد كان من العادة أن يقام حفل لختم‬
‫البخاري في القلعة ‪ ،‬ويحضره السلطان وكبار العلماء والقضاة ‪ ،‬وفي هذا العام كان الحديث مع السلطان حول‬
‫الوباء الذي يصرع الناس وكيفية الخلص منه وقال العلماء ان السبب في الطاعون هو انتشار الزنا وخروج‬
‫المراة متبرجة فأمر السلطان برسباي بمنع خروج النساء جميعهن من بيوتهن ومن خرجت فعقوبتها القتل ‪.‬‬
‫فامتنعت النساء من الخروج ‪ ،‬وتتبع والي القاهرة من تخرج منهن وكان يضربهن ‪ ،‬فلم تعد إمرأة تخرج من‬
‫بيتها ‪ ,‬فثرتب على ذلك تعطل أحوال النساء الرامل والعاملت والساعيات في الرزق ‪ ،‬وتعطل البيع والشراء‬
‫وكسدت الحوال فاضطرت الدولة في ‪27‬رمضان للسماح بخروج الجواري للسواق لقضاء الحوائج ولكن ل‬
‫يتنقبن‪،‬وأن تخرج العجائز لقضاء مصالحهن ‪ ،‬وسمح للنساء بالخروج إلى الحمامات ولكن ليقمن بها إلى الليل‪،‬‬
‫يقول المقريزي فكان في ذلك نوع من الفرج‪.‬‬

‫* وجدير بالذكر أن رمضان كان دافعا في حد ذاته للتقليل من خروج المراة المملوكية للشارع بدون أزمة‬
‫الوباء الذي حدث ‪841‬هـ ‪ ،‬ففي ‪28‬رمضان سنة ‪825‬هـ نودى بالقاهرة بمنع النساء من الخروج إلى الترب‬
‫والمقابر في أيام العيد وهددن بالعقوبة إن خرجن‪ ،‬فامتنعت نساء كثيرة من الخروج ‪ ،‬وفي رمضان ‪835‬هـ كان‬
‫دولت فجا والي القاهرة مشهورا بعنفه وقسوته وكان يكثر من الخروج بفرسانه للتفتيش على الشوارع وأمر‬
‫الناس بكنس الشوارع ورشها بالماء ويعاقب من ليفعل ‪ ،‬وهو الذي منع النساء من الخروج للترب والمقابر في‬
‫أيام الجمعة‪..‬‬

‫ونعود إلى تاريخ الوبئة في رمضان ‪* ،‬ونذكر الوباء الذي حدث في رمضان سنة ‪843‬هـ في الطائف وعامة‬
‫بلد الحجاز‪،‬وهلك فيه من قبائل ثقيف وغيرهم عالم ل يحصيه إل خالقهم بحيث صارت أنعامهم هملً وأخذها‬
‫من ظفر بها ‪ ،‬وامتد الوباء إلى نخلة وهي على مسيرة يوم من مكة‪.‬‬
‫* وفي رمضان ‪ 841‬انتشر الطاعون في العراق ‪ ،‬وفي نفس الوقت انتشر الجراد الكثير بالقاهرة وضواحيها ‪.‬‬
‫وبعض الوبئة كان يصيب المواشي ‪ ،‬ففي رمضان ‪691‬هـ كثر موت الجمال في الشام حتى حمل المراء‬
‫المسافرون أثقالهم على الخيل وذلك في سلطنة الشرف خليل ‪.‬‬
‫وبعدها بحوالي قرن أى فى رمضان ‪794‬هـ وقع وباء فى البقر حتى بيعت البقرة في مصر بعشرين درهماً بعد‬
‫ما كانت بخمسمائة درهم ‪ ،‬ثم ازداد انتشار الموت فيها فأصبحت البقرة تباع بخمس دراهم‪ ،‬وترك الناس أكل‬
‫البقر استقذاراً له وعم الوباء في البقر في مصر كلها وأفنى الجزء الكبر منها ‪.‬‬

‫* وفي أول رمضان{ يوم الربعاء} سنة ‪873‬هـ الموافق ‪ 15‬مارس ‪ 1468‬م كانت بداية الطاعون في مصر‬
‫والشام ومات فيه ابن صغير للسلطان قايتباي ‪ ،‬وانتشر المرض في هذا الشهر وما بعده ووصل سائر المدن‬
‫والقرى المصرية‪.‬‬

‫وقد تحدث بعض المراض الموسمية فيزداد غلء الدوية * كما حدث في رمضان سنة ‪807‬هـ وفيه كانت‬
‫أسعار الدوية كالتي ‪:‬‬
‫بذر الرجلة من ‪ 60‬إلى ‪ 80‬درهماً القدح ‪ ،‬وقنطار الشيرخشك من ‪ 30 : 1400‬ألف درهم‪ ،‬قتطارالترنجبين من‬
‫‪ 15 : 400‬ألف درهم وهو دواء ملين وينفع مع السعال والصفراء ‪ ،‬ووصف طبيب دواء لمريض فبلغ ثمن‬
‫الدواء ‪ 120‬درهماً ‪...‬‬

‫وأخيرا ‪ * !!..‬واليوم فان الوباء الساس والمرض المتوطن فى نفس المناطق هو نفس ما توارثناه من‬
‫العصرين المملوكى و العباسى ‪،‬أى الفساد والستبداد ‪ .‬وبينما ينعم الغرب بالديمقراطية وحقوق النسان فان‬
‫النسان العربى والمسلم ل يزال يعانى من الظلم والقهر والتضييق فى الرزق ‪ .‬صحيح أن التقدم العلمى‬
‫المستورد من الغرب و المساعدات التى تأتى من الغرب قد أفلحت فى الحد من خطورة الوبئة والمراض‬
‫المتوطنة ولكن أخطر المراض المتوطنة وأخطر الوبئة ل تزال تلتهم الناس ‪ ،‬ليس بالموت السريع المريح‬
‫ولكن بالموت البطىء المؤلم المخيف ‪.‬مرض الستبداد والفساد هو المسئول عن خسارة المسلمين للدنيا والخرة‬
‫معا ‪.‬‬
‫على هامش الستبداد والفساد نشأت تلك الديان الرضية للمسلمين لتشرع الخنوع للحاكم ولتنشر ثقافة العبيد ‪،‬‬
‫وبها يعانون العذاب المؤقت فى الدنيا والعذاب الخالد فى الخرة ‪..‬فهل بعد ذلك خسران ؟ ‪.‬‬
‫*فى الدنيا يعانى المصريون العرب والمسلمون من التلوث البيئى والتلوث الخلقى والتلوث العقيدى ‪..‬وقد‬
‫يتجمع كل ذلك فى مولد أحد الولياء وحول ضريحه المقدس ‪..‬‬
‫ظهَرَ الْفَسَادُ فِي ا ْلبَرّ وَا ْلبَحْ ِر ِبمَا‬
‫ونضع كلمة ( الفساد ) مكان كلمة التلوث ‪ ،‬ونقرأ قوله تعالى يصف عصرنا ‪َ ( :‬‬
‫جعُونَ ) ( الروم ‪) 41‬‬
‫عمِلُوا َلعَّلهُ ْم يَرْ ِ‬
‫سبَتْ َأيْدِي النّاسِ ِلُيذِي َقهُم َبعْضَ اّلذِي َ‬
‫كَ َ‬
‫جعُونَ ) ونسأل أنفسنا ‪ :‬هل هناك أمل فى أن نرجع لكتاب ال جل وعل نحتكم اليه‬ ‫ونتدبر قوله تعالى (َلعَّلهُ ْم يَ ْر ِ‬
‫فيما وجدنا عليه آباءنا من أديان أرضية وثقافات عباسية ومملوكية وعثمانية ؟‬
‫لعل ‪ ..‬وعسى ‪!!..‬‬

‫هذه المقالة تمت قرائتها ‪ 701‬مرة‬

‫(التعليقات (‪4‬‬
‫‪[27676] 04-10-2008 -‬‬ ‫تعليق بواسطة سنان السمان‬
‫حقيقه لن تروق للبعض ‪....‬لم ينتهي رمضان بعد‬
‫انها الحقيقه وإن تحفظ عليها البعض فرمضان لم ينتهي بعد ‪ ،‬نحن في الثلث الول منه ‪ ،‬نعرف هذه‬
‫الحقيقه لو قمنا بتقويم التقويم السلمي الشاذ وغير المقوم منذ المعركه الفاصله بين الرشد والغي ‪،‬‬
‫وانتصار الغي وما حمل معه من نتائج كارثيه على ديننا وحياتنا ‪ ،‬وكان منه اعوجاج تقويمنا‬
‫السلمي وشذوذه عن كل تقاويم اهل الرض ول زال ‪ ،‬ان عدة الشهور عند ال اثني عشر شهرا ‪،‬‬
‫ولهذا جاءت كلمة شهر في القرآن اثنتي عشرة مره ‪ ،‬ولنعرف ان السنة عند ال ‪ 365‬يوما جاءت‬
‫كلمة يوم في التنزيل ‪ 365‬مرة ‪ ،‬ولتقويم تقومينا المائل ل بد للعادّين ان يسلموا لقول ال ان الشمس‬
‫والقمر بحسبان تعني انهم بعدهم لليام والشهور ل بد ان يقرنوا الشمس والقمرفي حسابهم ‪ ،‬وال فلن‬
‫تكون تكون حساباتهم صحيحه بالعتماد على القمر دون الشمس ‪ ،‬فالقمر يكون لتحديد بداية الشهر‬
‫والشمس ل بد من اعتمادها لتثبيت اوقات الشهور بفصولها ‪ ،‬وال ما معنى ان تكون هناك اشهر حرم‬
‫اذا لم يكن لها فصل معلوما من العام تتكاثر فيه الحيوانات والطيور وتحتاج فيه للبقاء لرعاية‬
‫صغارها ‪ ،‬وهذا ل يكون ال في الربيع ‪ ،‬وما معنى ان الحج اشهر معلومات ( اي معلومات‬
‫بميقاتها ) ونراها تدورعلى جميع فصول العام ‪ ،‬وما معنى ان يقول ال سبحانه في آية الصيام يريد‬
‫ال بكم اليسر ول يريد بكم العسر غير ان جعل شهرالصوم في وقت تعتدل فيه حرارة النهار‬
‫ويتساوى طول النهاروالليل في نصف الكرة الشمالي والجنوبي للرض فيصوم الناس في جميع‬
‫بلدانهم نهارا متساويا في عدد ساعاته تقريبا ‪ ،‬وهذا ل يكون ال بداية الخريف ‪ ،‬انه العدل اللهي‬
‫الذي اضعناه باعوجاج تقويمنا ‪ ،‬لقد كان يسرا ما بعده يسر ‪ ،‬كان الناس يلحظون تقارب تساوي‬
‫طول الليل والنهار فيراقبوا بزوغ هللهم ليبدأ عد ايام الصوم ‪ ،‬وبعد انتهاء رمضان تبدأ اشهر الحج‬
‫الثلث التاليه ‪ ،‬وما ان يلحظوا ان العشب بدأ ينبت من الرض حتى عرفوا انه محرم بداية الشهر‬
‫الحرم ( فصل الربيع ويجب ان تكون في فصل الربيع وال ل معنى ان تكون حرم ) ‪ ،‬حتى اذا جمد‬
‫الحب فى السنابل عرفو انه قد انتهت الشهر الحرم وحل جمادى الولى ‪ ،‬ويساعدهم على ذلك‬
‫مراقبة الهله لتحديد بداية الشهور‪ ،‬وكان هناك العادين وظيفتهم اضافة شهر النسيء كل ‪ 32‬شهرا‬
‫لمنع انحراف الشهر عن فصولها ‪ ،‬هذا النسيء الذي قال ال فيه ( انما النسيء زيادة في الكفر ) اي‬
‫سوء استخدام شهر النسيء واضافته في غيروقته الصحيح هو زياده في الكفر ‪ ،‬ولم يكن العتراض‬
‫‪ .‬على شهر النسيء ذاته ‪ ،‬ومن هنا وهذا القول لي ان إلغاء شهر النسيء هو الكفر ذاته‬

‫‪[27684] 04-10-2008 -‬‬ ‫تعليق بواسطة محمّد البرقاوي‬


‫الستاذ سنان السمان‬
‫‪.‬السلم عليكم‬

‫حسب وجهة نظري الخاصة فإن كلم الستاذ سنان السمان قابل للنقاش و رجائي للستاذ سنان‬
‫السمان أن يكتب كلمه في مقالة تفصيلية أكثر وضوحا‪ .‬حسب علمي فالتقويم الذي اعتمده عمر بن‬
‫الخطاب باحتساب السنوات إبتداء من الهجرة النبوية يختلف بستين يوم عن التقويم السابق للعرب‪ .‬و‬
‫‪.‬شكرا‬

‫‪[27701] 05-10-2008 -‬‬ ‫تعليق بواسطة سنان السمان‬


‫الستاذ محمد برقاوي‬
‫السلم عليكم‬

‫عذرا استاذ برقاوي ‪.....‬فلم يسبق لي ان كتبت مقاله متكامله من قبل ‪ ،‬هذا من ناحيه‬

‫من ناحية ثانيه فإن السهاب في موضوع النسيء كان لبد ان يمس بعض المحرمات بالنسبة لدارة‬
‫الموقع على القل ‪ ،‬حيث ان عقدة المقال ستكون حول آية النسيء وتشكيل الكلمتين ‪ :‬زيادة بين‬
‫التنوين بالفتح او التنوين بالضم ‪ ،‬يضل بفتح الضاد او كسرها ‪ ،‬واعتقد ان هذا من الموضوعات‬
‫‪ .‬المحرمه في الموقع‬

You might also like