Professional Documents
Culture Documents
( الحلقة الولى)
*في رمضان 787هـ حدث في القاهرة أمر غريب ،ولدت إمرأة طفلة لها رأسان كاملن على صدر واحد ويدين
ومن تحت السرة تنقسم إلى شكل نصفين في كل نصف ساقان كاملتان ،وماتت ..ولم تعش ..ولو عاشت لشهد
العصر المملوكي نموذجاً للتوأم السيامي قبل أن يعرف العالم أين تقع سيام..
* والحوليات التاريخية كانت تسجل الغريب من أحداث الشارع الشعبي ،كأنما كان المؤرخون يشترطون على
الفرد العادي أن يأتي بالشيء المستغرب حتى يستحق شرف التسجيل مع كبا&;ر رجالت العصر ..وإن لم
يكن بمقدور الشخص العادي أن يفرض نفسه على صفحات التاريخ فإن غرائب الطبيعة أرغمت المؤرخين على
أن يحولوا بصرهم عن السلطان وحاشيته ويلتفوا حولهم يسجلون أخبار ثورات الطبيعة من سيول وأمطار
وعواصف وأوبئة وظواهر بل تفسير ..ونلتقط بعضها مما حدث في رمضان.
* في 24رمضان 707هـ ذكر المؤرخ ابن كثير أن مطراً قوياً شديداً وقع بالشام في أيامه وذكر أن الناس كانوا
مشتاقين للمطر منذ مدة ،فاستبشروا بذلك خيراً ورخصت السعار،ولم يتمكن الناس من الخروج للصلة من
كثرة المطر ..
*ونفس الحال تقريباً حدث في القاهرة في أيام المقريزي وسجله في أحداث رمضان 838هـ في سلطنة الشرف
برسباي حيث وقع مطر غزير ودلفت المياة إلى سقف البيوت وسالت المياة من جبل المقطم سيلً عظيماً وظل
الماء في الصحراء عدة أيام "،ويقول المقريزي "وهذا مما يندر وقوعه بأرض مصر" وصدق في هذا..
ومن المطر إلى العاصفة الشديدة التي هبت على القاهرة ليلة الجمعة 5رمضان 770هـ تلك العاصفة التي
أسقطت الزروع والنخيل وأعالي البيوت في القاهرة وأغرقت عدداً من السفن ،وتسبب عنها موت جماعة من
الناس تحت البيوت التي تهدمت ..يقول المقريزي "وكان أمرًا مهولً عامة تلك الليلة".
*وكل ذلك مفهوم ويحدث ولكن غير المفهوم هو تلك الواقعة الغريبة التي يذكرها المقريزي في حوادث
رمضان 807هـ يقول "وفي هذا الشهر ظهر في بر الجيزةعلى شاطئ النيل وفي النيل وفي مزارع القليوبية
شبه نيران كأنها مشاعل وفتايل سرج تقد ،ونار تشتعل فكان يرى من ذلك عدد كبير جداً مدة ليالٍ متوالية ،ثم
اختفى!!. " ..
أي كانت هناك نار تظهر غامضة على شكل مشاعل ومصابيح موقدة ولهيب مشتعل وفي أعداد كبيرة لمدة ليالٍ
متتابعة ثم اختفى كل ذلك ..ولو حدث ذلك في عصرنا لكتبت عنه وكالت النباء ،ولتحدث عن ذلك المغرمون
باخبار الطباق الطائرة وأهل الكواكب الخرى ..ويظل هذا الخبر الذي حدث في رمضان 807هـ أحد الخبار
الغامضة التي رآها وسجلتها الحوليات التاريخية مثل الجرام السماوية التي كانت تمر على مرأى العين وربما
كان منها مذنب هالي ،وكانوا يطلقون عليها لفظ النجوم أو الكواكب ،ولعل المغرمين بأخبار الطباق الطائرة
يعتقدون أنها ل تختلف عن الطباق الخرى التي رصدتها كتب السابقين ..علم ذلك عند ال وحده.
*وفي يوم الثنين 27رمضان 738هـ وفي سلطنة الناصر محمد بن قلوون حدثت سلسلة من الغرائب كان
اجتماعها معاً سلسلة من الغرابة في حد ذاته ..
يقول المقريزي " أنه في ذلك اليوم هبت ريح سوداء معتمة بناحية الغربية ــ وسط الدلتا ــ وأظلم الجو
وسقطت دور كثيرة ثم سقط من السماء قطع سوداء طعمها مر جاءت به الريح من نحو البحر حتى ملت تلك
القطع الطرقات ،وكان بعضها يزن قدر بيضة النعامة وبعضها أقل من ذلك ،وكان الزرع قد قارب الحصاد فلما
وقعت تلك القطع الغامضة على الزرع أهلكته وأهلكت معه أغنام ًا كثيرة ،بل وأسقطت شجرة جميز ضخمة
سقطت في نصفها احدى تلك القطع فشطرتها نصفين ،كما لو كانت منشاراً ،وسقطت إحدى تلك القطع على
ظهر بقرة فشقتها نصفين ،واتلفت تلك "القنابل المجهولة" زروع ثمانية وعشرين بلداً فجمع الفلحون
زرعها وجاءوا به للسلطان الناصر محمد فأمر والي الغربية أن يكشف تلك النواحي وما حدث فيها ويسقط
عنها الخراج .
*وجاء الخبر من قوص بأن السماء إحمرت في شهر رمضان هذا حتى ظهرت النجوم متلونة فكانت تحمر
ساعة وتسود ساعة وتبيض ساعة إلى ان طلع الفجر فجاء مطر لم يعهد مثله في تلك البلد ،وجاء الخبر أيضاً
بأن أسوان شهدت ريحاً هائلة هدمت عامة البيوت وكثيراً من النخل وهبت ريح أخرى في نواحي قنا فأسقطت
ألفين وخمسمائة نخلة مثمرة ،وقدم بذلك محضر بيد القاضي فيها .
*وجاء الخبر من منفلوط بأن الفئران تكاثرت فيها فحصدت الزرع حصداً وأتلفت جرون الغلل بحيث كان يذهب
ربع الجرن في ليلة واحدة ،فصار الناس يبيتون بالمشاعل طول الليل .وهم يقتلون الفئران ثم يتولى أمر
النهار طائفة أخرىوهم ليفترون عن قتله ،ثم يحمل ما قتل منه في الشباك كل يوم نحو مائة حمل وشوهد منه
عجب وهو أن جمعاً عظيما من فئران بيض خرجوا حتى ملوا الرض فخرج مقابلهم فئران سود واصطفوا
صفين في أرض مساحتها فدانان ثم تصايحوا وحمل بعضهم على بعض واقتتلوا ساعة وانكسرت الفئران
السود وتبعتهم البيض يقتلونهم حتى مزقوهم في تلك الراضي ،وكان ذلك بمحضر عالم كبير من الناس ،فكتب
بذلك إلى السلطان والمراء فنقص خراج السلطان بناحية منفلوط ستين ألف أردب فول بسبب الفئران ..هذا ما
يذكره المقريزي ..وهو إن كان يبالغ فيما يقول فهي غريبة ،وإن كان صادقاً فذلك أغرب . !! ..
**********************
أول :
موائد الرحمن يقيمها وزير الخليفة المقتدر بال العباسى
سنة 306هـ أصدر الخليفة المقتدر بال مرسوماً بتعيين حامد بن العباس وزيراً ،وكان حامد مشهوراً بالثراء
وبالكرم ..وكان يتفنن في النفاق في رمضان ،حتى أنه كان يقيم ولئم للناس في داره ويجعلها عامة لكل من أراد
الدخول ،وكان عدد الموائد يبلغ أحياناً أربعين مائدة ،وقد غضب على القائمين على الموائد حين رأى قشراً في
مخلفات الطعام فظن أن ضيوفه يأكلون البقول دون اللحوم ،وهدأ غضبه حين تأكد أن الضيوف عنده يأكلون
أطيب الطعام ويحملون الفائض إلى بيوتهم .
وحدث وهو يتفقد الكلين في تلك الموائد الرمضانية أن وقفت له امرأة وشكت له الفقر ،فكتب لها ورقة بمائتي
دينار ،فلما ذهبت للصراف لتصرفها استنكر الصراف كلمة دينار وذهب للوزير وعرض عليه الورقة ،فضحك
الوزير وقال وال ما كان في نفسي إل أن أعطيها مائتي درهم ولكن شاء ال أن كتبت دينار مكان درهم ،فأعطها
المكتوب كما هو.
وفي اليوم التالي كان عند الفطار يتفقد الضيوف على عادته فوقف له رجلً وشكا له أنه زوج تلك المرأة وأنها
أصبحت تتغطرس عليه وتطلب منه الطلق بعد أن أعطاها الوزير مائتي دينار ،وطلب الزوج من الوزير أن
يجعلها تكف عنه ،فضحك الوزير وأمر له بمائتي دينار وقال له :قد صار لك الن مثل مالها فلن تتغطرس عليك
ولن تطالبك بالطلق.
كثيراً ما كان رمضان ينجح في إلنة القلوب المتحجرة للحكام الظلمة وما كان أقسى قلوب المماليك والعسكر
عموما عندما يحكمون ..ولكن رمضان كان ينجح أحيانا فى أن يدفع بعض المماليك إلى عمل الخير بالفراج عن
المساجين والبر بالمساكين ويأتي المؤرخون فيبتهجون بذلك العطف السامي والكرم النادر ويسارعون بتسجيله
في الحوليات التاريخية ،مع بقية الحداث الخرى التي تعطينا فكرة عن الواقع الحقيقي الذي جعل ذلك الحاكم
الظالم يفعل الخير .
* المير الكبير برقوق قبيل أن يعلن نفسه سلطاناً ــ أمر بالفراج عن المساجين بسجن الديلم وسجن الرحبة ــ
وكان من بين المساجين من هو محبوس على ديون فسددها عنهم ،وكان ذلك في رمضان 874هـ ،وبعدها أعلن
نفسه سلطاناً يوم الربعاء 19رمضان 874هـ إذن كان السبب هو تهيئة الجو له ليتقبله الناس سلطانًا وينهي حكم
أسرة قلوون .
ولقى السلطان برقوق عنتًا من إختلف المراء عليه فعاد في رمضان التالي 785هـ يسدد ديون المسجونين في
سجن القضاء ويوفي عنهم ديونهم على يد المير جركس الخليل ،وبذلك أفرج عنهم.
*وحدثت محنة للمير شيخ وهو أمير فى دمشق على الشام التابع وقتها للدولة المملوكية ــ وكان ذلك قبل أن
يصير المير شيخ سلطانًا للدولة المملوكية .لذا بعد أن جاءه الفرج خرج من منزله بدار السعادة ماشياً إلى جامع
ف بل حذاء متواضع لربه تعالى حتى دخل الجامع وتصدق باقراص محشوة بالسكر فأطعم بني أمية وهو حا ٍ
الفقراء والقراء ــ أي الطلبة ــ وسدد ديون المحبوسين المعسرين عن السداد وذلك في ليلة 21رمضان 811هـ .
*وتسلطن المير شيخ تحت لقب المؤيد شيخ ،وكانت لديه نزعة خير تظهر أحياناً خصوصاً في رمضان،وكانت
خزانة شمايل من أسوأ السجون المملوكية ،وقد تم هدمها ولكن أقيم بعدها سجن ضيق قاسى فيه المساجين غماً
وكرباً بسبب ضيق مساحته وكثرة عددهم فاختار لهم قصر الحجازية ليكون سجناً واستأجره من صاحبه بعشرة
الف درهم لمدة سنتين وأعده ليكون سجناً .ثم أهمل الموضوع ،وكان ذلك في رمضان سنة 820هـ .
* أما السلطان الشرف برسباي فقد أصابه المرض الذي مات فيه،وأثناء هذا المرض في رمضان 841هـ أصدر
السلطان قراراً بالفراج عن جميع المساجين وأمر بغلق السجون كلها وأل يسجن أحدُ ،فأغلقت السجون ولكن
ترتب على ذلك كما يقول المقريزي "انتشار اللصوص والمجرمين والمفسدين في البلد ،وامتنع من عليه أموال
أن يسددها لصحابها لن السلطان اطلق المحبوسين الذين كانت عليهم ديون ،ومنع أن يحبس أحد بسبب ما عليه
من دين.
*وفي يوم الخميس 22رمضان 875هـ أصدر المير الكبير يشبك ــ الرجل الثاني في عهد السلطان قايتباي ــ
قراراً باطلق سراح الفلحين المحبوسين بسبب ما عليهم من ديون واطلق سراح من صودرت أمواله ودخل
السجن ،وبذلك القرار تم الفراج عن مائة وسبعين مسجونًا ،ودفع المير يشبك ما عليهم من ديون للدولة ,
والسبب في ذلك الكرم المفاجئ الذي انتاب المير يشبك المشهور بقسوته وظلمه ،أنه كان على وشك السفر في
حملة عسكرية لتأديب شاه سوار الثائر على الدولة المملوكية في العراق ،وقد قصد المير يشبك أن يتقرب إلى ال
تعالى بهذا البر في رمضان حتى يمن ال عليه بالنصر ،وحدث أن لقي ذلك المير حتفه في تلك الحملة!!..
*وأصاب الفقراء والمساكين خير كثير في رمضان من نوبات الكرم التي كانت تصيب المماليك ،فالمير بيدرا
مرض حتى أوشك على الموت وقيل أنه شرب السم ثم عوفي في رمضان سنة 691هـ فتصدق بصدقات جمة
ورد أملكاً كان قد اغتصبها من أصحابها،وأطلق كثيراً من المسجونين في سجونه وجمع الناس في 10رمضان
بجامع بني أمية في دمشق وعمل حفلً لختم القرآن وزع فيه الصدقات!!.
*وفي الشام أيضًا كان المير هو (شيخ) الذي ارتبط بالشوام فترة طويلة وحدث أن جاء غلء ضخم في رمضان
808هـ في سلطنة فرج بن برقوق حين كان شيخ نائباً للسلطان في دمشق ،فقام المير شيخ بجمع الفقراء
وتفريقهم على الغنياء ليقوموا باطعامهم ،واختص نفسه بعدد كبير منهم يقوم على اطعامهم بنفسه ،وحدثت
مأساة في بعض الليالي إذ تكاثر الفقراء لخذ الطعام فمات في الزحام أربعة عشرشخصاً !!..ولك أن تتخيل عدد
الفقراء وقتها ..
*وتولى شيخ السلطنة في القاهرة ولم يشهد صلة الجمعة في أول رمضان 819هـ بسبب مرضه ،وحتى يشفيه
ال تعالى فأنه فرق مبلغاً من المال في الخانقاه التي أنشأها ــ وهي الخانقاه المؤيدية ــ وجهز عدة أبقار فذبحت في
مواضع متعددة ،وفرق لحمها ،وكانت تلك عادة للظاهر برقوق من قبل !! .
*وأثناء توليه السلطنة زار المؤيد شيخ الشام الذي عاش فيه أميراً سنين طويلة وتصادف أن كان ذلك يوم الجمعة
25رمضان 820هـ فزار بيت المقدس وفرق في أهله مالً جزيلً وصلى الجمعة وجلس بالمسجد ،وقرأ الفقهاء
صحيح البخاري ـ كتابهم المقدس ـ بين يديه ،وقام المداحون بعدهم ينشدون ،فانتشى السلطان وأنعم عليهم
بالموال ،ثم ذهب الى مدينة الخليل حيث زار مشهد أو ضريح ابراهيم الخليل وتصدق هناك ..مع أن المعروف
أن ذلك الضريح مزور ،أقيم للسترزاق .
وبويع المير ططر سلطاناً للدولة المملوكية ،وكان وقتها في دمشق وذلك في يوم الثنين 17رمضان 824هـ .
واستبشارًا بتوليه السلطة وتقرباً للناس وقبل ان يرتحل الى القاهرة عاصمة الدولة المملوكية أصدر السلطان
الجديد (الظاهر ططر ) قرارات للتخفيف عن أهل الشام ،منها أن المحتسب كان يجمع لوالي دمشق 1500ديناراً
يجمعها من الناس ظلماً فأمر ططر بإعطاء الوالي ضيعة في نظير أن يستغني عن ذلك المال الذي يجمعه له
المحتسب ،وأذاع بياناً في دمشق يقول فيه :إن طلب منكم المحتسب يا أهل دمشق شيئاً فارجموه ..ونقش هذه
الحادثة على حجر في المسجد الموي ..وأثناء عودته لمصر وفي طريقه للقدس عرف أن والي القدس يأخذ
ضريبة سنوية من الفلحين قدرها أربعة آلف دينار زيادة عما هو مقرر فأمر بتعويض الوالي عن هذه الضريبة
وأبطلها ،ونقش ذلك على حجر بالمسجد القصى ..وفعل كل ذلك الخير في رمضان 824هـ .
وحدث ما أراده السلطان إذ استبشر الناس بوليته خيراً. !!..
وأخيرا ..
ول تزال نوبات الخير تؤثر أحيانا فى الحكام المستبدين خلل شهر رمضان ..حتى لو كان أولئك المستبدون من
العسكر..وانظر الى ما يفعلونه أحيانا فى شهر رمضان بدءا من الفوازير إلى اطعام الناس لحوم الحمير ..
هذه حادثة ل أستطيع تصديقها أو تكذيبها ،ولم تحدث فى رمضان ،ولكنها أقرب ما تكون الى رمضان بما فيها
من شفافية وصوم .
الحادثة رواها ابن الجوزى فى تاريخه ( المنتظم ج 151 : 11ـ ) فى احداث عام . 230
وبطلتها زوجة كانت تعيش فى قرية فى منطقة خوارزم أواسط آسيا مما يطلق عليه اليوم افغانستان ،قتل التراك
زوجها وعانت من الجوع فرأت نفسها فى منام حيث قابلت زوجها وأطعمها فى المنام ،واستيقظت ،وظلت
بعدها تعيش دون جوع ،ودون أن تأكل ،ودون أن تضطر للخراج من بول وغيره .واشتهر أمرها فى المنطقة
وامتحنوا أمرها فتيقنوا من صدقها ..ننقل الرواية كما هى ..ونطلب رأى الصائمين ..
يقول ابن الجوزى ( :ثم دخلت سنة ثلثين ومائتين ... ...وظهر في هذه السنة في بعض قرى خوارزم عجب من
امرأة رأت منامًا فكانت ل تأكل ول تشرب ،وقد ذكر قصتها أبو عبد ال الحاكم في تاريخ نيسابور .
أخبرنا زاهر بن طاهر قال :أخبرنا أبو بكر البيهقي أخبرنا الحاكم أبو عبد ال محمد بن عبد ال النيسابوري قال:
سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول :سمعت أبا العباس عيسى بن محمد المروزي يقول:
وردت في سنة ثمان وثلثين مدينة من مدائن خوارزم تدعى هزارسف فأخبرت أن بها امرأة من نساء الشهداء
رأت رؤيا :كأنها أطعمت في منامها شيئًا فهي ل تأكل ول تشرب منذ عهد عبد ال بن طاهر والي خراسان ـ
وكان قد توفي قبل ذلك بثماني سنين ـ فمررت بها وحدثتني حديثها فلم أستعص عليها لحداثة سني ،ثم إني عدت
إلى خوارزم في آخر سنة اثنين وخمسين ومائتين فرأيتها باقية ،ووجدت حديثها شائعًا مستفيضًا ،فطلبتها
فوجدتها غائبة على عدة فراسخ ،فمضيت في أثرها ،فأدركتها بين قريتين تمشي مشية قوية ،وإذا هي امرأة
نصف جيدة القامة حسنة البنية ظاهرة الدم متوردة الخدين ،فسايرتني وأنا راكب وعرضت عليها الركوب فلم
تركب .
وحضر مجلسي أقوام فسألتهم عنها فأحسنوا القول فيها ،وقالوا :أمرها عندنا ظاهر فليس فينا من يختلف فيها .
وذكر لي بعضهم أنهم لم يعثروا منها على كذب ول حيلة في التلبيس ،وأنه قد كان من يلي خوارزم من العمال
يحضرونها ويوكلون بها من يراعيها فل يرونها تأكل شيئًا ول تشرب ول يجدون لها أثر غائط ول بول ،
فيبرونها ويكسونها .
فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها سألتها عن اسمها فقالت :رحمة بنت إبراهيم ،وذكرت أنه كان لها زوج
نجار فقير يأتيه رزقه يومًا بيوم ،وأنها ولدت منه عدة أولد ،وأن ملك الترك عبر على النهر إليهم ،وقتل من
المسلمين خلقًا كثيرًا .قالت :ووضع زوجي بين يدي قتيلً فأدركني الجزع ،وجاء الجيران يساعدونني على
البكاء ،وجاء الطفال يطلبون الخبز وليس عندي شيء ،فصليت وتضرعت إلى ال تعالى أسأله الصبر وأن
يجبر بهم ،فذهب بي النوم في سجودي ،فرأيت في منامي كأني في أرض خشناء ذات حجارة وشوك وأنا أهيم
فيها وألزم خبري أطلب زوجي ،فناداني رجل :إلى أين أيتها الحرة ؟ قلت :أطلب زوجي .قال :خذي ذات اليمين
.فأخذت ذات اليمين ،فوقفت على أرض سهلة طيبة الثرى ظاهرة العشب ،فإذا قصور وأبنية ل أحسن وصفها ،
وإذا أنهار تجري على وجه الرض من غير أخاديد ،وانتهيت إلى قوم جلوس حلقًا حلقًا ،عليهم ثياب خضر ،قد
علهم النور ،فإذا هم القوم الذين قتلوا في المعركة ،يأكلون على موائد بين أيديهم ،فجعلت أتخللهم وأتصفح
وجوههم أبغي زوجي ،لكنه بصرني فناداني :يا رحمة يا رحمة ،فتحققت الصوت ،فإذا أنا به في مثل حالة من
رأيت من الشهداء ،وجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه .فقال لصحابه :إن هذه
البائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون لي أن أناولها شيئًا تأكله؟ فأذنوا له ،فناولني كسرة خبز ،وأنا أعلم حينئذ أنه
خبز ولكن ل أدري كأي خبز هو! أشد بياضًا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن،
فأكلته فلما استقر في معدتي قال :اذهبي فقد كفاك ال مؤونة الطعام والشراب ما بقيت في الدنيا .
فانتبهت من نومي وأنا شبعى ريًا ل أحتاج إلى طعام وشراب ،وما ذقته منذ ذلك اليوم إلى يومي هذا ،ول شيئًا
مما يأكله الناس .
قال أبو العباس :وكنا نأكل فتتنحى وتأخذ على أنفها تزعم أنها تتأذى برائحة الطعام ،فسألتها :هل تتغذى بشيء
غير الخبز أو تشرب شيئًا غير الماء فقالت :ل .فسألتها :هل يخرج منها ريح قالت :ل أو أذى ؟ قالت :ل .قلت:
فالحيض ؟ أظنها قالت :انقطع بانقطاع الطعم .قلت :فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال؟ قالت :ل .قلت:
فتنامين ؟ قالت :نعم أطيب نوم .قلت :فما ترين في منامك ؟ قالت :ما ترون .قلت :فهل يدركك اللغوب والعياء
إذا مشيت قالت :نعم .
وذكرت لي أن بطنها لصقة بظهرها ،فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها لصقة بظهرها ،وإذا هي قد
اتخذت كيسًا فضمنته قطنًا وشدته على بطنها ليستقيم ظهرها إذا مشيت .فأجرينا ذكرها لبي العباس أحمد بن
محمد بن طلحة بن طاهر والي خوارزم فأنكر ،وأشخصها إليه ،ووكل أمه بها ،فبقيت عنده نحوًا من شهرين
في بيت فلم يروها تأكل ول تشرب ول رأوا لها أثر من يأكل ويشرب ،فكثر تعجبه ،وقال :ل تنكر ل قدرة .
وبرّها وصرفها ،فلم يأت عليها إل القليل حتى ماتت رحمها ال .
وكانت ل تأكل شيئًا مما يأكله الناس البتة ،وإذا قرب الطعام تنحت ووضعت يدها على أنفها تزعم أنها تتأذى
برائحته . ) .
انتهى..
ما رايكم ؟ دام فضلكم ؟ وتقبل ال جل وعل صومكم ؟
*في يوم الخميس 17رمضان قدم مصر الشيخ يوسف الكيماوى في سلطنة الناصر محمد بن قلوون سنة
730هـ ،وسبقته شهرته لمصر وللسلطان ..
في ذلك الوقت كانت الكيمياء تعني المقدرة على تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب عن طريق الكرامات أو القوة
النفسية ،أي كانت طريقة للتحايل على الناس ،ولكنها كانت تتمتع بتصديق الناس لنها ارتبطت بالكرامات في
عصر كان يعتقد في الكرامات وأساطير المعجزات والخوارق التي يدعيها محترفو المشيخة ،وكان منهم صاحبنا
الشيخ يوسف الكيماوي الذي اكتسب لقبه من حرفته الكيمياء.
*يقول المقريزي عن هذا الرجل أنه كان نصرانياً من الكرك ــ الردن ــ فأسلم ،ثم مضى إلى صفد ،وقابل
أميرها بهادر وأظهر له التقوى ،فاعتقد فيه المير بهادر وصدق دعاويه ،وأنفق عليه أمواله على أمل أن يقلب
له المعادن ذهبا حقيقيا ،فلما يأس منه بعد مدة عرف حقيقته فأدخله السجن وبعدها أطلقه .وخرج يوسف الكيماوى
إلى دمشق وعرض على أميرها بضاعته ،ولكن المير تنكز نائب السلطان في الشام وواليه على دمشق كان لديه
علم بذلك الدجال فأمر بشنقه فصاح يوسف قائلً " أنا جيت للسلطان حتى أمل خزائنه ذهباً وفضة" .وعنئذٍ خاف
المير تنكز أن يشنقه فيتهمه أعدائه بأنه أضاع على السلطان فرصة كان يمكن أن تنجح ،لذا اضطر إلى إرساله
إلى السلطان في القاهرة مع البريد ومعه بعض الثقات من أتباعه ورسالة فيها التحذير للسلطان من ألعيب ذلك
الرجل ودهائه .
* ولما وصل الشيخ يوسف للسلطان الناصر محمد استمع إليه وأصغى إليه ،وفى ذلك الوقت كان الناصر محمد
واقعًا تحت تأثير التصوف ورجاله بعد أن انقلب على صديقه السابق المام ابن تيمية وسجنه ،وبعد أن اصطلح
مع الصوفية وأنشأ لهم خانقاه سعيد السعداء ،وأعطى أذنه لشياخ الصوفية يلقون فيها بأساطير الكرامات ،ومن
ل أن ينخدع السلطان بأقاويل الشيخ يوسف الكيماوى ويعرض عن تحذيرات المير تنكز نائبه في هنا كان سه ً
الشام.
وسرعان ما أخذ الشيخ يوسف وضعه كما يحلو له عند السلطان الناصر محمد فأنزله السلطان عند المير بكتمر
الساقى ،وأجرى عليه الموال والرواتب ،وأقام عنده الخدم يتولون أمره ،وألبسه التشريفة ،وأحضر له كل ما
يريد لكى يباشر مهمته في تحضير الذهب من المعادن الرخيصة ،وانتظر السلطان النتيجة .
*وفى الموعد المحدد حضر يوسف بين يدى السلطان الناصر محمد ،ليعرض عليه ما توصل إليه ،وكان في
المجلس أعيان الدولة ومنهم ناظر الجيش وتاج الدين إسحاق وابن هلل الدولة والمير بكتمر الساقى وعدد من
المراء والشيخ ابراهيم الصائغ كبير الصاغة وعدد من الصاغة .فأوقدت النار على بوتقة قد ملئت بالنحاس
والقصدير والفضة حتى ذاب الجميع فألقى عليه الشيخ يوسف شيئًا من صنعته وأوقدوا عليها النار ساعة ،ثم
أفرغوا ما فيها فإذا سبيكة ذهب أجود ما يكون زنتها ألف مثقال ،فأعجب السلطان ذلك كثيراً وأنعم على الشيخ
يوسف بهذه السبيكة ،وألبسه التشريفة للمرة الثانية وأركبه فرساً مسرجاً بالحرير وبالغ في إكرامه وحقق له ما
يريد .
*واتصل بيوسف الكيماوى الخدم وقدموا له أشياء كثيرة فاستخف عقولهم حتى ملكها وأكل أموالهم ،ثم سبك
يوسف للسلطان سبيكة ثانية من الذهب فكاد يطير به فرحاً وصار يستحضره بالليل ويحادثه فيزداد محبة فيه فأذن
له أن يركب الخيول السلطانية ويمضي حيث شاء بالقاهرة ،فركب وأقبل على اللهو ،واتى إليه عدة من الناس
يعطونه أموالهم ليعلمهم صناعة الكيمياء أو تحويل المعادن إلى ذهب ،وعاش أجمل أيامه ،ثم سأل السلطان أن
يأذن له بالعودة إلى موطنه بالردن لحضار نبات هناك فأركبه السلطان خيل البريد وأرسل معه المير طقطاي
مقدم البريدية وكتب إلى نائب غزة ونائب الكرك بخدمته وقضاء جميع حوائجه من ديوان الخاص (أى ديوان
السلطان) فمضى يوسف إلى الردن واختفى وانقطع خبره .
بحث السلطان عنه حتى وجدوه وقد ظهر للسلطان كذبه فأودعه في السجن..
*وفي رمضان( أيضاً ) في العام التالي سنة 731هـ هرب يوسف الكيماوي من السجن ،فنودى عليه بالقاهرة
ومصر ،وصدرت الوامر على البريد لولة القاليم بالقبض عليه.
*وفي شهر ذي الحجة 731هـ قبض عليه في مدينة أخميم بالصعيد ،وحمل مقيداً في الحديد إلى قلعة الجبل ،
فوصلها في 24ذي الحجة وسأله السلطان عن المال فقال إنه ضاع منه ،فسأله السلطان عن الكيمياء فقال :كل ما
كنت أفعله إنما هو خفة يد !!..
فعوقب بالضرب الشديد ،ثم اعتقل بخزانة شمائل ومات ليلة الحد 25ذي الحجة ،وطيف بجثته بالقاهرة يوم
الحد!!..
وما أغنى عنه ماله وما كسب ...
تنويه مع العتذار :بعد تركى جامعة الزهرسنة 1987وغلق كل ابواب الرزق فى وجهى عانيت اشد سنوات
الضنك والفقر الشديد فيا بين 1995 – 1989فالتفت الى موهبتى فى كتابة السيناريو لتعيش منها كمورد رزق
وامل يبدد الكآبة والحباط من حولى ،فعكفت على اتمام مشروع " تحويل التراث السلمى الى دراما "وكان قد
اكتمل لدى العلم بكل دقائق تاريخ المسلمين وتفصيلته الدينية والعقيدية والعقلية واللغوية والحضارية.
بدأت ببحث التاريخ المجهول للشخصيات عير المعروفة فى تاريخ المسلمين كنوع من أنواع التحدى لمهنتى
كباحث تاريخى ومفكر اسلمى ،ثم قمت بتحويل تلك البحاث الى قصص تاريخية بدأتها بالشخصيات النسائية ،
وكنت امل الفجوات التاريخية بابداعى الدبى والفنى أى باختراع أحداث وشخصيات مستعينا بفهمى لحداث
العصر التاريخى وشخصياته وثقافته وعقلياته وعاداته فى الملبس والحديث والتصرفات الجتماعية .ونشرت هذه
السلسلة من القصص التراثية تحت عنوان " نساء بين سطور التاريخ " نشرتها مجلة "حواء" ثم مجلة " سطور "
واتسعت الحلقات التالية المنشورة فى "سطور" لتشمل قصصا عن الشخصيات التاريخية المغمورة من الرجال
من المستوى الثانى والثالث فى الهمية .وقمت بعدها بتحويل العديد من تلك القصص التاريخية الى سيناريوهات
كاملة تحت اسم " مشروع تحويل التراث السلمى الى دراما "..
والى الن لم أجد من ينتجه ليخرج للنور.
من أوراقى فى مشروع تحويل التراث الى دراما ذلك الملخص التاريخى عن الشيخ يوسف الكيماوى الذى خدع
السلطان المملوكى الناصر محمد ..
واعداد ملخص تاريخى هى المرحلة الولى (البحثية ) ثم كانت المرحلة الثانية وهى تحويل الحداث التاريخية
الى قصة ،ثم المرحلة الخيرة تحويلها الى سيناريو.
أقول هذا حتى ل يسطو بعضهم على هذه القصة التاريخية ويحولها الى سيناريو .فلم يكن سهل البحث بين سطور
التاريخ المملوكى و مخطوطاته للعثور على هذه الحكاية الواقعية.
ولذا فاننى احتفظ بحقى فى تحويلها الى عمل درامى.
اقول هذا حتى ل أجد حرجا من نشر كل قصصى التاريخية على اساس احتفاظى بكل الحقوق كمؤلف ..
أما الكتابات السلمية والقرآنية فهى مباحة مجانا للنشر لكل من أراد
لم يكن شيطان الحتكار ومصادرة أموال الناس يهدأ فى رمضان فى العصر المملوكي .والحتكار والمصادرة*
سياسة مستقرة ثابتة فى عصر العسكر المملوكي ،وكان المنتظر أن يكون لرمضان أثره فى تخفيف الظلم فى
شهر الصيام ،ولكن العقلية المملوكية وجدت حل يتيح لها أن تستمر فى تيار الظلم هو أقتران الظلم بعمل
الخيرات على مذهب القائل هذه نقرة وهذه نقرة ،إذا يصادرون الموال ويبيحون شراء المناصب والرشوة
ويحتكرون التجارة ،ثم تراهم من ذلك السحت يقيمون المؤسسات الدينية وينفقون على الطلبة والعلماء
ويتصدقون على الفقراء والمساكين ..وكأنهم لم يعرفوا أن ال تعالى ل يقبل من الصدقات إل ما كان من مال
ل َتيَ ّممُواْ
لرْضِ َو َ
جنَا َلكُم مّنَ ا َ
خرَ ْ
س ْبتُمْ َو ِممّا أَ ْ
ت مَا كَ َ
طّيبَا ِ
حلل ،يقول تعالى (يَا َأّيهَا اّلذِينَ آ َمنُواْ أَنفِقُو ْا مِن َ
حمِيدٌ ) ( . )"267 /2فال تعالى يأمرنا غنِيّ َ خذِيهِ ِإلّ أَن ُت ْغمِضُو ْا فِيهِ وَاعَْلمُواْ أَنّ الَّ َ ستُم بِآ ِ
ث ِمنْهُ تُنفِقُونَ وَلَ ْ
خبِي َ
الْ َ
..بالتصدق من الرزق الطيب الحلل ويحذرنا من النفاق من المال الخبيث التي عن طريق الظلم
:الظلم المملوكي فى مصر والشام
وأتخذ الظلم المملوكي من سكوت الناس وخضوعهم عامل آخر ساعده على النتشار ،وكان يحدث أحيانا أن
يثور الناس على الظلم كما حدث فى رمضان 807حين كثرت المصادرات والمظالم فى الشام ودمشق وقت
اندلع الخلف بين المراء المماليك ،وفى ذلك الوقت فرض المير حسن نائب القدس على أهلها مال فرفضوا
دفعه ،فتركهم حتى اجتمعوا بالمسجد القصى وأغلق عليهم البواب وألزمهم بدفع الموال ،فأبوا ،وحدثت
معركة بينهم وبينه وقتل منهم بضعة عشر رجل ،ولكنهم تكاثروا عليه ففر منهم ،فلما بلغ الخبر المير شيخ
.نائب الشام عزله وولى غيره
وأمير الشام وقتها – أو نائب الشام – المير شيخ هو الذي أصبح سلطانا فيما بعد تحت اسم المؤيد شيخ ،وكان
.كثير البر والصدقات ولكنه كان أيضا على شاكلة المماليك ل يخلو من الظلم ول يرى تعارضا بين هذا وذاك
وفي رمضان 813أفتتحه المماليك بمصادرة الناس في دمشق فأخذوا من الخانات والحمامات والطواحين
والحوانيت والبساتين أجرتها عن ثلثة أشهر سوى ما أخذ قبل ذلك ،واتهموا بعض الناس بأن لديهم ودائع
أودعها لديهم المماليك الشيخية من أتباع المير شيخ نائب الشام ،فأخذوا أولئك الناس وعاقبوهم بالضرب
..ليعترفوا بما لديهم من أموال مزعومة ،وفتشوا بيوتهم
وفى نفس الوقت كانت القاهرة تئن من مظالم المير بكتمر جلق الذي ألزم المحتسب ابن الدميري بأن يجمع له
ألفي دينار من الناس فى نظير أن يلزم الناس بشراء قمح بالسعر الذي يحدده ،وأغتصب أموال من بعض تجار
الشام بالقاهرة ،وأخذ من المير منقلي الستادار ألف دينار ..والمفروض بعدها أن هذا المير بكتمر جلق كان
!! .صائما فى رمضان ويفطر على مظالم الناس ومصادرة أموالهم
!! السلطان يحتكر الفلفل فى رمضان
والسلطان الشرف برسباي الذي أقام الخانقاه الشرفية على أنها من أعمال البر والذي فتح قبرص على أنها جهاد
فى سبيل ال هو نفسه الذي عانى الناس في عهده من الحتكار وشراهته للموال .قال عنه المقريزي الذي عاش
عصره ( كان له فى الشح والبخل والطمع من الجبن والجور وسوء الظن ومقت الرعية وكثرة التلون وسرعة
( ..التقلب فى المور وقلة الثبات أخبار لم نسمع بمثلها .وشمل بلد مصر والشام فى أيامه الخراب وقلة الموال
هذا السلطان لم يمنعه شهر رمضان من مصادرة الفلفل على أمل بيعه لتجار أوروبا ،وكان الفلفل السود
والبهارات من أثمن الشياء ،وكانت تستوردها أوروبا عبر الدولة المملوكية التى تحتكر استيرادها من الهند
وأسيا .وقد قامت الكشوف الجغرافية وضمن أهدافها التخلص من إحتكار المسلمين لتلك التجارة بالوصول إلى
..الهند من طريق بعيد ،وبذلك أكتشفوا أمريكا ورأس الرجاء الصالح
ونعود إلى رمضان 835وفيه صادر السلطان الشرف برسباى فلفل التجار وأرغمهم على أن يبيعوه له بخمسين
دينارا للحمل .وكان السلطان قد أرغمهم من قبل على أن يشتروا منه الفلفل فى أول السنة بسبعين دينارا للحمل
وأمر بأن تحتكر متاجر السلطان استيراد الفلفل الوارد من ميناء جده وغيره ،وأن ل يبيعه لتجار الفرنجة القادمين
للسكندرية غيره ،وبذلك أستخدم نفوذه فى أكل أموال التجار ،يقول المقريزى ( فنزل بالتجار من ذلك بلء
(.كبير
وجدير بالذكر أن رمضان فى العام بعد التالي 837شهد ردود فعل غاضبة على جشع السلطان ،فقد أرسل ملك
الفرنجة الكتيلن خطابا شديد اللهجة للسلطان برسباي لنه ألزم التجار الفرنجة بأن يشتروا منه الفلفل من خلل
..المتجر السلطانى ل من التجار العاديين مما سبب لهم خسارة وقد غضب برسباى من تلك الرسالة ومزقها
!!السلطان قايتباى ينصف السكافية
وفى رمضان 875كان السلطان فى مصر هو الشرف قايتباى المشهور بين السلطين بتدينه وكثرة تلوته
للوراد وكثرة ظلمه أيضا ..ولكن يبدو أن رمضان قد أفلح معه فى تراجعه عن الظلم ،وذلك ما حدث فى 14
رمضان ،يقول المؤرخ ابن الصيرفى الذى عاش هذه الفترة أن الضيق وصل بأهل القاهرة مداه بسبب عدة
عوامل ،فأرباب الحرف من الخياطين وصناع الجوخ وغيرهم قد جمعهم المير الكبير يشبك من مهدى الذى يعد
حملة حربية كبرى يذهب بها للعراق لتأديب شاه سوار الثائر على الدولة المملوكية هناك .وقد أحتاج ذلك المير
لولئك الحرفيين والصناع فى تجهيز مهمات العسكر من الكساء والملبس والخيام واللت ،وهو ينفق في كل
يوم ألف دينار على تلك التجهيزات ولكن ل يعطى أجورا للعمال الذين يخشون المطالبة بحقوقهم خوفا من ذلك
.المير العاتي المشهور بقسوته وظلمه
ثم يعانى التجار من ضائقة مالية بسبب أخر فقد أغلقوا حوانيتهم منذ أول رمضان 875حتى 14رمضان بسبب
انتظارهم لبيع التركة الضخمة التى خلفها المير الجمقدار والى الشام وكاتبه أبو بكر ،وتلك التركة الهائلة كانت
متعددة الصناف ،وكل من التجار يحرص على شراء ما تيسر منها ،ولكن البيع متوقف بسبب انشغال السلطات
..المملوكية بالتجهيز لحرب شاه سوار
ثم وصل الضيق الى السكافية وصناع الجلود وقد كانوا يتركزون فى حى الصليبة وبين القصرين بالقاهرة ،وقد
احتكر الوزير ابن غريب تجارة الجلود وألزم السكافية بأن يشتروها منه بثمن مضاعف عن السنة الماضية
وأجبرهم على الدفع الفورى ،فأطاعه السكافية فى بين الصورين ودفعوا له ما يريد ،أما أسكافية الصليبة فقد
رفضوا الظلم وتجمهروا أمام القلعة فطردهم الحراس ،فصعدوا الى أعلى الجبال يهتفون ،فسمعهم السلطان
قايتباى وهو بالحوش فسأل عن خبرهم وعرف شأن الوزير معهم ،فأمر السلطان قايتباى بإنصافهم ،وكان هذا
.من نوادر الحداث فى شهر رمضان 875
:ونصل الى سؤال الحلقة
هل اختلف لصوص رمضان هذا العام عن لصوص رمضان العصر المملوكى ؟ ل أعتقد فالعسكر هم العسكر ،
سواء كانوا مماليك أم من أبناء الشعب ،فالعسكر هم شر الناس حين يحكمون ،إذ يوجهون سلحهم الى الشعب
الذى من المفترض أن يدافعوا عنه ،ويستخدمون السلح فى حكم الشعب وقهره ،ول بد أن يتحكموا فى الثروة
.طالما تحكموا فى السلطة
ومن قام بثورة يولية 1952كانوا ضباطا من الطبقة الوسطى ،وكان أغلبهم ل يملك سوى مرتبه قبل الثورة ،
فلما نجحت الثورة و حكموا مصر ما لبث أن تحولت الى جيوبهم وجيوب خدمهم واتباعهم ثروة مصر خلل
نصف قرن من الزمان ،بدءا من مجوهرات أسرة محمد على التى كان تمل عشرات الصناديق الى ثروة مصر
العينية التى نهبوها تحت اسم التأميم و التمصير والقطاع العام ،ثم أعادوا نهبها تحت اسم بيع القطاع العام
والخصخصة .حتى ديون مصر لم تسلم من النهب .والحتكار المملوكى ل يقاس باحتكار الحديد وغيره مما يفعله
( .اللصوص الذين يتحكمون الن فى وزراء مصر ( المحروسة
ومنذ أكثر من عشرين عاما كتبت مقال فى جريدة (الحرار ) فى سلسلة قال الراوى عن أحد لصوص مصر فى
العصر المملوكى ،وقلت فى آخر فقرة فيه ( :إن مصر أغنى بلد فى العالم ،كانت ول تزال .وهذه حقيقة يعرفها
..اللصوص جيدا ) .وتم نشر المقال ،ولكن بعد أن حذف ـ رئيس التحرير الستاذ وحيد غازى ـ تلك الجملة
وأختم بها هذا المقال مع سبق الصرار والترصد ( :إن مصر أغنى بلد فى العالم ،كانت ول تزال .وهذه حقيقة
(.يعرفها اللصوص جيدا
..ول تحية لّلصوص
(التعليقات (3
[27244] 25-09-2008 - تعليق بواسطة رضا عبد الرحمن على
يبدو أن العصر المملوكي ترك بعض بصماته على المصريين في ثقافة الغذاء
أعتقد ان العصر المملوكي قد ترك بعض البصمات على سلوكيات المصريين وثقافتهم الغذائية من
ناحية ،ويتمثل هذا في انتشار عربات لبيع سندوتشات (السمين) ولقد رأيتها بعيني في بعض الحياء
الشعبية ،وهذه العربات تشبة عربة الفول المدمس ،ولكن نوعية الطعام تختلف فيباع فيها
سندوتشات عبارة عن بقايا الذبيحة من دهون وشغت وكل ما له علقة بالسمنة يوضع كل هذا في
إناء معدني على النار مع قليل من الزيت ويصنع منه سندوتشات السمين ،وحين ينادي أصاب هذه
العربات حين دخلوهم إحدى الحارات او الشوارع في الماكن الشعبية ينادي قائل (عربية السمين
.وصلت) أو (بتاع السمين وصل) ،وأعتقد أن هذه إحدى بصمات العصر المملوكي
ومن ناحية أخرى ترك العصر المملوكي بصمة ل تقل أهمية عن سابقتها ،ولكنها تخص الثقافة
الغذائية والتدين الصوفي معاً ،حيث ارتبط التصوف بإقامة الولئم والذبائح على النصب ،واليوم
أشاهد الليالي التي تقوم في الساس على الكل ومليء البطون اول ،حتى يتسنى للرجال القيام
بالمجهود العضلي الرهيب فيما يسمونه الذكر حسب مفهومهم ،وهو ل علقة له بالذكر من قريب أو
بعيد ،والمهم أن هذه الولئم وهذه الليالي التي تقام على شرف أحد المشايخ يقوم بدعوة مريديه للكل
والشرب ومليء البطون حتى يدعون له بطول العمر والصحة والعافية ،ونظرة عابرة على الرجال
الذين ألحظ اهتمامهم بمتابعة تلك الليالي والهتمام بها على الدوام جميعهم يعانون من مرض السمنة
،والكرش ،إل من رحم ربي ،وكان مريضا بمرض النحافة ،ول يمكن أن يصاب بالسمنة مهما
اكل أو شرب ،فهذه كانت رؤية من واقع المجتمع المصري الذي يعج بالسلوكيات الخاطئة دينيا
..وصحيا
و ال أعلم
ولم يلحق التغيير فى الوزن والعيار والحجم الدينار الذهبي المملوكي وحده وإنما تعدى ذلك إلى الدرهم الفضى
الذي لم يعد يدل على النقود الفضية الخالصة وإنما وصل به التغيير إلى أنه أصبح مدلول هلميا بين الفضة
والنحاس ،ولحقته شتى السماء حسب اسم الذي يصدره أو حسب مكان السك أو حسب طبيعة الدرهم وحالته
وقيمته .وأصبح ذلك التغير سمة أساسية فى الدراهم التى ظهرت فى الدولة المملوكية البرجية ،حيث التضخم
والغلء وجشع المماليك والضطرابات القتصادية والمجاعات والوبئة .وقد ضرب السلطان برقوق " الذى
أسس دولة المماليك البرجية" الدراهم الظاهرية سنة 789كما ضرب المير نوروز دراهم نوروزيه في دمشق
سنة 815وضرب السلطان شيخ الدراهم المؤيدية سنة 818وضرب منها أجزاء أهمها النصف المؤيدي ،ثم ما
لبث أن أصبح الدرهم المؤيدي نصف مؤيدي سنة ، 825وكانت قيمة الدرهم المؤيدى 18درهما من الفلوس ،
وأصبح النصف المؤيدى يساوى تسعة من الدراهم الفلوس ،إذ أصبح هناك خلط بين الدرهم الفضة والدرهم
الفلوس ،وتتغير قيمة أحدهما بالنسبة للخر تبعا لضطراب العملة واضطراب الحياة القتصادية فى ذلك الوقت
.لذا أصبح من الضروري على كل من يبيع شيئا أن يحمل ميزانا لوزن النقود عند بيع العملت ،وأصبح من
..اللفاظ المعهودة أن يقال أن ( فلنا وزن كذا ) أى دفع كذا ..أي لجأوا للميزان حيث انعدمت الثقة فى العملة
والمؤسف أن تجارة العملة فى الدراهم الفضية شهدت نوعا من التناقص بسبب غلبة الدراهم النحاسية عليها حتى
أصبحت الدراهم الفضة في معرض المزايدات بينما امتلت السواق بالدنانير والفلوس النحاسية أو الدراهم
.النحاسية
وفي الوقت الذي عانى فيه الدينار المملوكي من التغير فى الوزن والعيار والحجم مع عدم الدقة فى الصنع فان
الدينار الفرنتي كان أفضل منه فى جميع الحالت وكان سيد العملت الجنبية فى السواق المملوكية ،والدينار
الفرنتي هو تلك العملة الذهبية التى قرر مجلس شيوخ البندقية إصدارها فى 31أكتوبر سنة 1284أي فى عهد
بينما عرفت فى الدولة المملوكية بأسماء شتى ( )Ducatالسلطان قلوون ،وانتشرت فى أوروبا باسم الدوكات
منها :البندقي ،الدنانير المشخصة لما عليها من صور ،والفرنتى وهو أشهر أسمائها .ويشير المقريزي فى
تاريخه السلوك إلى انه منذ سنه 800هـ كثر تداول الدينار الفرنتى وأصبح هو الدينار المطلوب فى التعامل ،
مما ترتب عليه أن تسربت كميات من الذهب من الدولة المملوكية إلى البندقية لتسك منها تلك العملة الفرنتية .
وكان من الطبيعى أن تفوز الدنانير البندقية فى السواق المملوكية بما فيها من دقة الصنع والوزن الثابت (3.45
جراما ) والعيار المرتفع ،وذلك فى مقابل دينار مملوكى هزيل ليس له عيار ثابت أو قطر محدد ،ثم هو دائم
التغير فى الوزن ،لذا كان من السهل على التجار فى سوق العملة استلم الدينار الفرنتى بالعدد دون حاجة إلى
وزن ،أما الدنانير المملوكية فكان لبد من وزنها ثم قد يضطر أحدهم إلى إضافة قطع ذهبية أخرى لعلج النقص
.فيها
وكان من المعتاد أن تسك النقود النحاسية ( الفلوس ) لتقوم مقام ( الفكة) الصغيرة فى نفقات البيوت وشراء
الخضروات وغير ذلك ،وكان الدرهم يساوى 24فلسا فى بداية الدولة المملوكية .ثم ضرب السلطان كتبغا
فلوسا خفيفة الوزن ،وزنة الفلس الواحد يساوى وزن الدرهم الفضى ،والرطل من هذه الفلوس يساوى قيمة
الدرهمين من الفضة ،وبدأت بذلك حكاية الوزن فى العملت .ولم يتقبل الباعة فكرة الوزن مما جعل الدولة
تضرب بعضهم لترغمهم على قبول تلك الفكرة ،ثم ضرب السلطان الناصر محمد فلوسا جديدة وقد حلت محل
.الفلوس الخفيفة التي أصدرها كتبغا التي تم جمعها من السوق
ولما جاءت الدولة البرجية أنتشر الفساد فى سك الفلوس النحاسية أسوة بمنظومة الفساد الذى استشرى فى كل
شىء ،وعهد السلطان برقوق أول سلطان برجى إلى محمود الستادار ضرب الفلوس فخلط النحاس بالحديد
والرصاص ليحصل على المزيد من الربح ،وتكاثرت تلك الفلوس وسيطرت على السواق وطردت العملت
الجيدة ،وكانت الدولة تستورد النحاس من أوروبا لتسكة عملت فلوسا ،بل وكانت ترغم الناس على بيع ما
بأيديهم من العملت النحاسية السابقة والتى تحتوى على النسبة الكبر من النحاس ،وتشتريها منهم بسعر رخيص
،ثم تدخلها دار السك فتخرج عملة جديدة أقل قيمة ولكن أعلى سعرا ويستفيد السلطان والستادار من ذلك الفرق
بينما يخسر الناس
يذكر المقريزي أنه في يوم الربعاء 6رمضان 811صدر النداء بالقاهرة أل يتعامل أحد بالذهب وهددوا من يبيع
بالذهب ،وأستدعى المير جمال الدين جميع التجار وكتب عليهم تعهدات بذلك فنزل بالناس ضرر عظيم – على
حد قول المقريزي –لن النقد الرابح هو الذهب وبه كان يتعامل جميع الناس ،وصدر النداء أيضا بمنع
المصنوعات الذهبية والمصوغات فأستمر الحال على ذلك أياما ،ثم نودى فى 21رمضان بأن يتعامل الناس
على أن يكون كل مثقال بمائة وعشرين درهما وأن يكون الدينار المشخص ( البندقى ) بمأئة درهم ،وترتب على
ذلك أن أحتفظ الناس بالذهب فأرتفعت السعار إرتفاعا كبيرا
فالدولة المملوكية كانت تعانى من نقص فى الذهب بسبب إحتكار السلطين لتجارة التوابل لنفسهم ،وتلك قصة
أخرى – مما أدى إلى ظهور نظام المقايضة فى التجارة بين المماليك والبندقية ،ولتعويض هذا النقص فى الذهب
– فى الداخل كانت تلك المحاولة التى حكاها المقريزي .وقد تكرر ذلك يوم الخميس 15رمضان 829فى عصر
السلطان برسباي أثناء زيادة الصراع الحربى مع القراصنة الفرنجة ،إذ نودي بمنع الناس من التعامل بالدنانير
الفرنتية ول بد من إحضارها إلى دار الضرب حتى يعاد سبكها وتهدد من يخالف ذلك ،يقول المقريزي إن
.الناس لم يأبهوا لهذا النداء لقلة ثبات الولة على قرارتهم ،وكثرة القرارات
ونتعرف على أسعار العملت في رمضان المملوكي في سنوات مختلفة :ففي رمضان سنة ( 803فى بداية
الدولة البرجية ) يحكى المقريزي أن أحوال الناس توقفت بسبب الذهب حيث بلغ سعر الدينار البندقى الفرنتى
39درهما من الفلوس فى السعر الرسمى عند الصيارفة بينما هو عند الناس 38درهما فتناقص حتى وصل 35
.درهما ،أى أن الدولة كانت تجمع دنانير البندقية بأعلى سعر
وإذا وصلنا إلى رمضان 806وجدنا سعر الدينار الفرنتى قد وصل إلى 70درهما ،ثم إذا قفزنا إلى 9رمضان
سنة 819فى سلطنة المؤيد شيخ وجدنا الدينار الفرنتى قد وصل إلى 230درهما ،وصدر النداء بعدم الزيادة
فى سعره بعد أن أكتسح الدينار البندقى إمامه الدرهم المؤيدي الذي أصدره السلطان ،وهدد السلطان من يعصى
هذا النداء ،ويقول المقريزى انه كثر الغبن من انحطاط النقود وتغيرها مع ثبات السعر ،أى التضخم ،فالعملة
..الجنبية يزداد سعرها كل يوم والسعار تتضاعف والعملت المحلية تتناقص قيمتها
وكان الحال فى الفلوس النحاسية أسوأ وهى العملة السائدة فى ذلك العصر ،ففى رمضان 807تنازع المماليك
فى دمشق فكثرت بها مصادرة الموال وغلت السعار بسبب كثرة التغيير فى النقود النحاسية التى كثرت وصغر
حجمها ،وتأخذ الدولة الفلوس القديمة بأرخص السعار ويعاد ضربها مزيفة بأغلى السعار ،وفى ذلك الوقت بلغ
.سعر الدينار البندقى 70درهما
وفى رمضان 811كان المير شيخ واليا على الشام فأصدر فلوسا كل 6منها بثمن درهم وترتب عليها كما يقول
...المقريزى أن شمل الضرر أهل مصر والشام
وفى 28رمضان 826جمع السلطان برسباى التجار والصيارفة بسبب الفلوس النحاس فقد صدر سعر جديد
للفلوس النحاسية كان منخفضا عن قيمة النحاس الموجود بها فجمعها التجار من أيدي الناس وصهروها وصنعوا
منها الوانى النحاسية وفصلوا منها بقية المعادن كل منها على حدة وأستعملوها فيما تصلح له ،وبعضهم صدرها
إلى الحجاز واليمن والمغرب ..وبلغ سعر القنطار من تلك الفلوس 800درهما ،وربحوا منها كثيرا ،لذلك
عزف الناس عن التعامل بها وفضلوا بيعها للتجار الذين يجمعونها بأعلى من سعرها الرسمى الذى حددته الدولة .
وترتب على ذلك أن توقفت أحوال الناس ،فلما أجتمع السلطان بالتجار والصيارفة أستقر الرأي على أن تكون
الفلوس المنقاة بتسعة دراهم الرطل بدل من سبعة .وصدر النداء بعدم التعامل بغير ذلك ،ومن صدر شيئا منها
!!! ...للخارج عوقب
..وأخيرا
هل تغير الحال فى مصر المعاصرة عن مصر المملوكية؟
.أترك لكم الجابة
.وكل عام وانتم بخير
رمضان بين سطور التاريخ ( )9حفل ليلة القدر فى الحرم المكى عام 479هـ
بقلم :احمد صبحي منصور
تاريخ النشر29 -09 -2008 :
ليلة القدر" وختم القرآن الكريم في الحرم الشريف بمكة سنة 479هـ"
شهد ابن جبير الحفل المقام في الحرم بمكة بمناسبة ختم القرآن الكريم وسجل ذلك فى رحلته ( رحلة ابن
.جبير ) في أحداث سنة 479هـ
"كانت ليلة جمعة "27رمضان
ويعبر ابن حبير عن تأثره بحضور تلك الليلة في الحرم فيقول "كانت الليلة الغراء والختمة الزهراء ،والهيبة
الموقرة الكهلء والحالة التي تمكن عند ال في القبول والرجاء ,وأي حالة توازي شهود ختم القرآن ليلة سبع
وتجاه البيت العظيم ,وإنها لنعمة تتضاءل لها النعم تضاؤل سائر ; &eوعشرين من رمضان خلف المقام الكريم
" .البقاع للحرم
وقد بدأ الستعداد لهذه الليلة قبل ذلك بيومين أو ثلثة ,فأقيمت إزاء حطيم أمام الشافعية خشب عظام بائنة
الرتفاع موصول بين كل ثلث منها بأذرع من العواد الوثيقة فاتصل منها صف كاد يمسك نصف الحرم عرضاً
ووصلت بالحطيم الول ثم عرضت بينها ألواح طوال مدت على الذرع المذكورة ,وعلت طبقة منها طبقة
أخرى حتى استكملت ثلث طبقات فكانت الطبقة العليا منها خشبا مستطيلة مغروزة كلها مسامير محددة
الطراف لصقا بعضها ببعض كظهر السهم ,نصب عليها الشمع والطبقتان تحتها ألواح مثقوبة ثقبا متصل
.وضعت فيها زجاجات المصابيح ذوات النابيب المنبعثة من أسافلها
وتدلت من جوانب اللواح والخشب ومن جميع الذرع المذكورة قناديل كبار وصغاروتخللها أشباه الطباق
المبسوطة من الصفر ,قد انتظم كل طبق منها ثلث سلسل تقلها في الهواء وخرقت كلها ثقبا ووضعت فيها
الزجاجات ذوات النابيب من أسفل تلك الطباق الصفرية ,ل يزيد منها أنبوب عن الخر في الحجم ,وأوقدت
.فيها المصابيح فجاءت كأنها موائد ذات أرجل كثيرة تشتعل نوراً
ووصلت تلك بالحطيم الثاني الذي يقابل الركن الجنوبي من قبة زمزم خشب على الضفة الولى المذكورة سابقاً
.واتصلت إلى الركن الجنوبي وأوقد المشعل الذي في رأس القبة وصففت شباكها شمعاً مما يقابل البيت المكرم
وحف المقام الكريم بمحراب من العواد المشرجية المخرمة محفوفة العلى بمسامير حديدة الطراف بنفس
الكيفية وقد علها الشمع ,نصب على يمين المقام ويساره شمع كبير الجرم في أتوار "شمع دانات" تناسابها
كبراً ,وصفت تلك التوار "الشمعدانات" على الكراسي التي يصرفها السدنة مطالع عند اليقاد ,وجلل جدار
الحجر المكرم كله شمعاً في أتوار من الصفر فجاءت دائرة نور ساطع واحدقت بالحرم المشاعيل وأوقد جميع
.ما ذكر
وبعد ذلك الوصف التفصيلي للتجهيزات التي تمت في الحرم بدأ ابن جبير يتحدث عن وقائع الحتفال بليلة القدر
.وختم القرآن
وقد تجمع صبيان مكة وأحدقوا بشرفات الحرم وقد وضعت بيد كل واحد منهم كرة من الخرق المشبعة وقوداً
فوضعوها متقدة في رؤوس الشرفات وأخذت كل طائفة منهم ناحية من نواحيها الربع ,وأخذت كل طائفة من
الصبيان تتبارى مع الخرى في سرعة إيقادها فيخيل للناظر أن النار تثب من شرفة إلى شرفة لخفاء أشخاص
الصبيان وراء الضوء وفي أثناء عملهم يرفعون أصوات قائلين ":يا رب يا رب" على لسان واحد فيرتج الحرم
!! لصواتهم
فلما تكامل إيقاد الجميع يغشى البصار شعاع تلك النوار فل تقع لمحة طرف إل على نور تشغل حاسة
البصرعند استمالة النظرة فيتوهم المتوهم – لهول ما يعانيه من ذلك – إن تلك الليلة المباركة نزهت لشرفها
!! عن لباس الظلماء فزينت بمصابيح السماء
وتقدم قاضي الحرم فصلّى فريضة العشاء الخيرة ثم قام وابتدأ بسورة القدر وكان أئمة الحرم في الليلة قبلها
قد انتهوا في القراءة إليها ،وسكت أئمة الحرم عن القراءة في تلك الليلة تعظيما لختمة المقام وحضروا
.متبركين بمشاهدتها
وكان المقام المطهر قد أخرجوه ووضع في محله الكريم مصلى مستور بقبته التي يصلي الناس خلفها ,فختم
.القاضي بتسليمتين ,وقام خطيباً مستقبل المقام والبيت العتيق
فلم يتمكن من سماع الخطبة أحد بسبب الزدحام وضوضاء العوام ( .فلما فرغ من خطبته عاد الئمة لقامة
التراويح وانفض الجميع ونفوسهم قد استطارت خشوعاً وأعينهم قد سالت دموعا ,وشعر الجميع بالقبول من
. ( ..ال وأن تلك الليلة هىّ ليلة القدر
.هذه مقالة تبعث على التألم لنها تصف تاريخاً وقع ،ولكن في التألم عبرة وعظة .ولذا نكتب التاريخ
في هذه السنة يئس الناس من زيادة النيل فارتفعت السعار وانتشر القحط فهرب الفلحون للمدن ،وهرب
كثيرون إلى الشام والمغرب والحجاز واليمن وتفرقوا في البلد ،ودخل القاهرة كثيرون اشتد بهم الجوع حتى إذا
جاء رمضان سنة 595هـ كانت المجاعة على أشدها والمآسي التي تحدث بسببها ليصدقها عقل،ولول أن فيلسوفاً
ك الوقت وقص ما شاهده وهو معروف بصدقه واتزانه ــ لول ذلك ــ ما;&aacututeحكيماً كان في القاهرة في ذ
..صدق القارئ ما كان يحدث في رمضان 595هـ وما بعده
تصادف أن كان في القاهرة الفيلسوف الطبيب /عبد اللطيف البغدادي وشهد تلك المجاعة ،فكتب عنها وعن*
مشاهداته في مصر كتابه القيم "الفادة والعتبار في المور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر" وكما
يدل العنوان فقد استقى الحوادث مما رأى ومما سمع فكان كتابه وثيقة حية تنبض بالصدق المر والواقعية
..المفجعة
يقول " واشتد بالفقراء الجوع حتى أكلوا الميتات والجيف والكلب والبعر والرواث ،ثم تعدوا ذلك إلى أن أكلوا*
صغار بني آدم فكثيرا ما يعثر عليهم ومعهم صغار مشويون أو مطبوخون فيأمر صاحب الشرطة بإحراق الفاعل
لذلك والكل ،ورأيت صغيرًا مشوياً في قفة وقد أحضر إلى دار الوالي ومعه رجل وإمرأة زعم الناس أنهما أبواه
" ..فأمر بإحراقهما
ثم يأخذ عبد اللطيف البغدادي في وصف مشاهداته المروعة فيقول " ووجد في رمضان وبمصر رجل وقد*
جردت عظامه عن اللحم فأكل وبقى قفصاً كما يفعل الطباخون بالغنم ..ولقد رأيت إمراة يسحبها الرعاع في
السوق ظفروا معها بصغير مشوي تأكل منه ،وأهل السوق ذاهلون عنها ومقبلون على شئونهم وليس فيهم من
يعجب لذلك أو ينكره ،فعاد تعجبي منهم أشد وما ذلك إل لكثرة تكرره على إحساسهم حتى صار في حكم المألوف
الذي ل يستحق أن يتعجب منه ،ورأيت قبل ذلك بيومين صبياً نحو الرهاق مشويًا وقد أخذ به شابان أقرَا بقتله
.." .وشيّه وأكل ْ بعضه
ويحكي عبد اللطيف البغدادي أقاصيص مزعجة في هذا السياق وكلها تدور حول فقراء جوعى من رجال ونساء*
وقد انتشروا في شوارع القاهرة يخطفون الصغار ويأكلونهم ،وقد أصابهم الجوع بالسعاروالجنون ،وأنه إذا
..!! .عوقب أحدهم بالحرق ما لبث أن يأكله الخرون
ويقول تلك العبارة المؤلمة " ثم فشا فيهم أكل بعضهم بعضاً حتى تفانى أكثرهم ،ودخل في ذلك جماعة من
".المياسير والمساتير ،منهم من يفعله احتياجًا ومنه من يفعله استطابة
ثم يحكي عن الحيل التي كان يخترعها بعضهم لليقاع بالناس وأكلهم ..ويقول أن الوالي حكي له أن إمراة دعيت
إلى وليمة فوجدت لحمًا كثيرًا فاسترابت في المر وسألت بنتاً صغيرة من المنزل سراً عن ذلك اللحم فقالت:إنها
فلنة السمينة دخلت لتزورنا فذبحها أبي وها هي معلقة ..فهربت السيدة إلى الوالي فهجم على المنزل ولكن هرب
صاحب البيت .ويروي من الغرائب أن إحدى النسوة الثرياء كانت حاملً وكان جيرانها من الصعاليك فكانت
تشم عندهم رائحة طبيخ فاشتهت منه كما هي عادة الحبالى فأكلت منه وأحبته وعرفت منهم أنه لحم آدمي فأدمنته
وصاروا يتصيدون لها وغلبها السعار ،واكتشف أمرها في النهاية فحبست وأرجئ قتلها احتراماً لزوجها الغائب
..حتى تضع حملها
ويقول عبد اللطيف البغدادي أنه يحكي ما يشاهده دون قصد ،وأن ما رآه أكثر مما يحكيه وأنه كثيراً ما كان يفر*
.مما يرى من بشاعته
ويقول إن المضبوطات في بيت الوالي كانت تشتمل على كوارع ورءوس آدمية وأطراف مطبوخة في القمح
!! وغيره ،ويقول وكثيرًا ما يدعي بعضهم أنه يأكل ولده او زوجه أو حفيده ولئن يأكله هو خير من أن يأكله غيره
.
ويقول ومما شاع أيضا نبش القبور وأكل الموتى وبيع لحمهم ،وهذه البلية وجدت في جميع بلد مصر من أسوان
.وقوص والفيوم والمحلة والسكندرية ودمياط وسائر النواحي
وتحدث عن قطع الطريق وقتل المسافرين وعن موت الفقراء في الطرقات والجثث العائمة في النيل ،وخلو
القرى والمدن من السكان ،وتحدث عن بيع الولد والبنات بدراهم معدودة ،حتى تباع الفتاة الحسناء بدراهم ،
ويقول أنهم عرضوا عليه فتاتين مراهقتين بدينار واحد ،وأنه رأى فتاتين إحداهما بكر يُنادى عليهما باحدى عشر
درهمًا ،وقد سألته إمرأة ان يشتري إبنتها وكانت جميلة دون البلوغ بخمسة دراهم فقال لهم إن ذلك حرام فقالت
له :خذها هدية !!.ويقول إن كثيرًا من النساء والولدان أصحاب الجمال كانوا يترامون على الميسورين ليشتروهم
..أو يبيعوهم ..ووصل بعضهم إلى إيران
وفي هذه المحنة برز بعض الفجرة الغنياء اشتروا الحرار الجوعى واسترقوا النساء الحرائر بأقل الثمان
..ويحكي البغدادي أن بعضهم كان يفتخر بأنه اشترى خمسين بكرًا أو سبعين
ومن الطبيعي أن القارئ قد يغضب إذا قرأ هذا التاريخ الذي وقع بأرض مصر ،ولكن لبد من معرفته لنتأكد*
إلى أي حد كنا في حاجة للتحكم في الفيضان حتى ل يأتى الجفاف وتحدث المجاعات التي كانت تتكرر في دورات
..!! .متتابعة في تاريخ مصر القديم والوسيط
ولكن ـ وآه من لكن هذه ـ فبعد بناء السد العالى واختفاء دورة المجاعات والوبئة التى كانت تحدث بسبب جفاف
او طغيان الفيضان ،فان العسكر الذى استبد بمصر طيلة اكثر من نصف قرن قد وصل بها الن فى رمضان
1429الى حافة المجاعة ،فالخبار تاتى بالقتتال حول رغيف الخبز وشهداء الكفاح من أجل الحصول على
رغيف من الخبز ل يخلو من المسامير و الحشرات الميتة ..هذا فى الوقت الذى يلعب فيه أبناء المترفين بالمليين
..ينفقونها فى المخدرات والمجون
سبَنّ الَّ غَافِلً
حَل تَ ْ
نحن هنا أمام كارثة يصنعها عن عمد واصرار حكام خانوا المانة ،ونسوا قوله جل وعل ( َو َ
لبْصَارُ ) ( ابراهيم 42 ص فِيهِ ا َ
شخَ ُ
عمّا َي ْعمَلُ الظّاِلمُونَ ِإّنمَا يُؤَخّرُهُمْ ِليَوْ ٍم تَ ْ
َ (.
..اللهم جنّب مصر الكارثة القادمة ..فيكفى ما عانته فى تاريخها القديم والمتوسط
ولم يكن رمضان بعيداً عن الوبئة والمجاعات ،إذ كان له فيهما نصيب مثل باقي الشهر ..
وقد أدرك المقريزي وهو طفل تلك المجاعة التي حدثت قبل شهر رمضان سنة 776هـ واستمرت إلى آخر
شوال ،وجاء بعدها وباء أهلك الكثيرين ممن نجوا من المجاعة ,يقول المقريزي " إبتدأ الوباء في نصف جمادى
الخرة وكثر موت الفقراء والمساكين بالجوع فكنت أسمع الفقير يصرخ بأعلى صوته :ل لبابة ــ أي كسرة خبز
ــ قدر شحمة أذني أشمها وخذوها " .!!..فل يزال كذلك حتى يموت !!..
* ويتحدث المقريزي عن الكساد الذي ساد بسبب هذه المجاعة " :هذا وقد توقفت أحوال الناس من قلة المكاسب
لشدة الغلء وعدم وجود ما يقتات به ،وشح الغنياء وقلة رحمتهم ،ومع ذلك لم يزدد اجر العمال من البنائين
والفعلة والحمالين ونحوهم من أرباب الصنائع بل استقرت على ما كانت عليه قبل الغلء ،فمن كان يكتسب في
اليوم درهماً يقوم بحاله ويفضل له منه شيئ صار الدرهم ل يجدي شيئاً ،فمات ومات أمثاله من الجراء
والعمال والصناعين "..أى دفع الفقراء والعمال و الحرفيون الثمن جوعا وموتا !!..
* ثم يتحدث المقريزي عن الغلء فيقول " وفي شهرى رجب وشعبان اشتد الغلء فبلغ الردب القمح مائة
وخمسة وعشرون درهما ًوالردب الشعير تسعين درهماً والردب الفول ثمانين درهماً والبطة الدقيق زنة
خمسين رطلً بأربعة وثلثين درهماً ،وشنع الموت في الفقراء من شدة البرد والجوع والعرى وهم يستغيثون
فل يغاثون ،وأكل الناس خبز الفول والنخالة عجزاً عن خبز القمح ،وبلغ الخبز السود كل رطل ونصف
بدرهم ،وكثر خطف الفقراء له ما قدروا عليه من أيدي الناس ..!!..".والمصريون يتقاتلون اليوم ليس فى سبيل
ال جل وعل ولكن فى سبيل الخبز ..فهل تقترب مصر اليوم من هذه الحالة .نرجو من ال تعالى السلمة !!..
* ويقول المقريزي أن المساجين كانوا أشد الناس جوعاً ،وقد حدث أن أقيم بالسجن حائط من طين فأكله
المساجين من شدة جوعهم!! وقد أصبحت الدواب نادرة لموتها بالجوع .
* وفي يوم 24شعبان قررت السلطات المملوكية أن تفرق الفقراء على المراء والميسورين ليطعموهم فجمعوا
الفقراء وفرقوهم عليهم ،كل حسب حاجته ،ثم نودي بالقاهرة بأل يتصدق أحد على حرفوش ( الحرافيش هم
العوام ) ،وإن أى حرفوش تسول شيئاً فجزاؤه الصلب .
وبذلك التزم كل واحد بمن معه من الفقراء [الحرافيش] فخفت الصراعات التي كانت تحدث في الشوراع ،إل
أن الوباء انتشر وزداد عدد الموتى خصوصاً في شهر رمضان مع نفاذ القوات حتى بلغ الموتى في القاهرة
يومياً حوالي . 500ولم يعد بوسع أحد أن يدفن كل هذا العدد فشوهدت الكلب تأكل الجثث ،وهنا تدخلت
السلطات المملوكية فأعلنت أن من أتى بميت أعطوه درهما فأتاهم الناس بالموتى ،فقامت السلطات بتغسيلهم
وتكفينهم ودفنهم ،فلما أفنى الوباء الفقراء بدأ عمله في الغنياء فازداد سعر الدوية ،وفي نفس الوقت أصبحت
الفراريج نادرة حتى كان السلطان يبعث في طلبها من القاليم ..وهكذا كان الفقير قبل موته يتمنى ان يشم كسرة
خبز ،أما الغني فقد كان يعاني في مرضه ل من الجوع بل من غلء سعر الدواء .
وكان الوباء ينتقل من بلد إلى آخر ،وفي موسم الحج كان يجد الفرصة للنتشار .وفي رمضان سنة 837هـ
تناقص الوباء بمكة بعد ان أخذ دورته ،وفي رمضان 839هـ ظهر الوباء بمدينة تعز في بلد اليمن وشمل سائر
نواحيها .وفي سنة 841هـ بدأ الوباء في الصعيد ودمشق وحلب في شهر رجب فأظهر أهلها التوبة على حد
قول المقريزي ــ وأغلقوا حانات الخمر ومنعوا البغايا من الوقوف بالشوارع ( وكان البغاء حرفة مصرحا بها
فى معظم فترات العصر المملوكى للزنا والشذوذ ،وكانت الدولة تجبى منه الضرائب ) ،فتناقص الموت وخف
الوباء حتى كاد يرتفع ،يقول المقريزي " وجعلوا شكر النعمة أن فتحوا الخمارات وأوقفوا البغايا والحداث
(أى الصبيان )للفساد ،وضربوا عليهم الضرائب فأصبحوا وقد مات من الناس ثمانمائة انسان ،واستمر الوباء
في ازدياد في شعبان ووصل القاهرة في رمضان.
* وفي يوم الثلثاء أول رمضان وصل عدد الموتى بالقاهرة 18فرداً ثم تزايد العدد حتى فشا الطاعون في
القاهرة ومصر خصوصاً في الطفال والعبيد والجواري ،ووصل إلى أطراف مصر في الواحات بينما تضاءل
في الصعيد.
هذا الغضب اللهى سببه الفساد العقيدى و السلوكى من الظلم الى انتشار الفواحش مع رفع راية اللتزام
بتطبيق الشريعة ( السنية وحكم قضاة الشرع الشريف ) على حد قولهم فقد كان من العادة أن يقام حفل لختم
البخاري في القلعة ،ويحضره السلطان وكبار العلماء والقضاة ،وفي هذا العام كان الحديث مع السلطان حول
الوباء الذي يصرع الناس وكيفية الخلص منه وقال العلماء ان السبب في الطاعون هو انتشار الزنا وخروج
المراة متبرجة فأمر السلطان برسباي بمنع خروج النساء جميعهن من بيوتهن ومن خرجت فعقوبتها القتل .
فامتنعت النساء من الخروج ،وتتبع والي القاهرة من تخرج منهن وكان يضربهن ،فلم تعد إمرأة تخرج من
بيتها ,فثرتب على ذلك تعطل أحوال النساء الرامل والعاملت والساعيات في الرزق ،وتعطل البيع والشراء
وكسدت الحوال فاضطرت الدولة في 27رمضان للسماح بخروج الجواري للسواق لقضاء الحوائج ولكن ل
يتنقبن،وأن تخرج العجائز لقضاء مصالحهن ،وسمح للنساء بالخروج إلى الحمامات ولكن ليقمن بها إلى الليل،
يقول المقريزي فكان في ذلك نوع من الفرج.
* وجدير بالذكر أن رمضان كان دافعا في حد ذاته للتقليل من خروج المراة المملوكية للشارع بدون أزمة
الوباء الذي حدث 841هـ ،ففي 28رمضان سنة 825هـ نودى بالقاهرة بمنع النساء من الخروج إلى الترب
والمقابر في أيام العيد وهددن بالعقوبة إن خرجن ،فامتنعت نساء كثيرة من الخروج ،وفي رمضان 835هـ كان
دولت فجا والي القاهرة مشهورا بعنفه وقسوته وكان يكثر من الخروج بفرسانه للتفتيش على الشوارع وأمر
الناس بكنس الشوارع ورشها بالماء ويعاقب من ليفعل ،وهو الذي منع النساء من الخروج للترب والمقابر في
أيام الجمعة..
ونعود إلى تاريخ الوبئة في رمضان * ،ونذكر الوباء الذي حدث في رمضان سنة 843هـ في الطائف وعامة
بلد الحجاز،وهلك فيه من قبائل ثقيف وغيرهم عالم ل يحصيه إل خالقهم بحيث صارت أنعامهم هملً وأخذها
من ظفر بها ،وامتد الوباء إلى نخلة وهي على مسيرة يوم من مكة.
* وفي رمضان 841انتشر الطاعون في العراق ،وفي نفس الوقت انتشر الجراد الكثير بالقاهرة وضواحيها .
وبعض الوبئة كان يصيب المواشي ،ففي رمضان 691هـ كثر موت الجمال في الشام حتى حمل المراء
المسافرون أثقالهم على الخيل وذلك في سلطنة الشرف خليل .
وبعدها بحوالي قرن أى فى رمضان 794هـ وقع وباء فى البقر حتى بيعت البقرة في مصر بعشرين درهماً بعد
ما كانت بخمسمائة درهم ،ثم ازداد انتشار الموت فيها فأصبحت البقرة تباع بخمس دراهم ،وترك الناس أكل
البقر استقذاراً له وعم الوباء في البقر في مصر كلها وأفنى الجزء الكبر منها .
* وفي أول رمضان{ يوم الربعاء} سنة 873هـ الموافق 15مارس 1468م كانت بداية الطاعون في مصر
والشام ومات فيه ابن صغير للسلطان قايتباي ،وانتشر المرض في هذا الشهر وما بعده ووصل سائر المدن
والقرى المصرية.
وقد تحدث بعض المراض الموسمية فيزداد غلء الدوية * كما حدث في رمضان سنة 807هـ وفيه كانت
أسعار الدوية كالتي :
بذر الرجلة من 60إلى 80درهماً القدح ،وقنطار الشيرخشك من 30 : 1400ألف درهم ،قتطارالترنجبين من
15 : 400ألف درهم وهو دواء ملين وينفع مع السعال والصفراء ،ووصف طبيب دواء لمريض فبلغ ثمن
الدواء 120درهماً ...
وأخيرا * !!..واليوم فان الوباء الساس والمرض المتوطن فى نفس المناطق هو نفس ما توارثناه من
العصرين المملوكى و العباسى ،أى الفساد والستبداد .وبينما ينعم الغرب بالديمقراطية وحقوق النسان فان
النسان العربى والمسلم ل يزال يعانى من الظلم والقهر والتضييق فى الرزق .صحيح أن التقدم العلمى
المستورد من الغرب و المساعدات التى تأتى من الغرب قد أفلحت فى الحد من خطورة الوبئة والمراض
المتوطنة ولكن أخطر المراض المتوطنة وأخطر الوبئة ل تزال تلتهم الناس ،ليس بالموت السريع المريح
ولكن بالموت البطىء المؤلم المخيف .مرض الستبداد والفساد هو المسئول عن خسارة المسلمين للدنيا والخرة
معا .
على هامش الستبداد والفساد نشأت تلك الديان الرضية للمسلمين لتشرع الخنوع للحاكم ولتنشر ثقافة العبيد ،
وبها يعانون العذاب المؤقت فى الدنيا والعذاب الخالد فى الخرة ..فهل بعد ذلك خسران ؟ .
*فى الدنيا يعانى المصريون العرب والمسلمون من التلوث البيئى والتلوث الخلقى والتلوث العقيدى ..وقد
يتجمع كل ذلك فى مولد أحد الولياء وحول ضريحه المقدس ..
ظهَرَ الْفَسَادُ فِي ا ْلبَرّ وَا ْلبَحْ ِر ِبمَا
ونضع كلمة ( الفساد ) مكان كلمة التلوث ،ونقرأ قوله تعالى يصف عصرنا َ ( :
جعُونَ ) ( الروم ) 41
عمِلُوا َلعَّلهُ ْم يَرْ ِ
سبَتْ َأيْدِي النّاسِ ِلُيذِي َقهُم َبعْضَ اّلذِي َ
كَ َ
جعُونَ ) ونسأل أنفسنا :هل هناك أمل فى أن نرجع لكتاب ال جل وعل نحتكم اليه ونتدبر قوله تعالى (َلعَّلهُ ْم يَ ْر ِ
فيما وجدنا عليه آباءنا من أديان أرضية وثقافات عباسية ومملوكية وعثمانية ؟
لعل ..وعسى !!..
(التعليقات (4
[27676] 04-10-2008 - تعليق بواسطة سنان السمان
حقيقه لن تروق للبعض ....لم ينتهي رمضان بعد
انها الحقيقه وإن تحفظ عليها البعض فرمضان لم ينتهي بعد ،نحن في الثلث الول منه ،نعرف هذه
الحقيقه لو قمنا بتقويم التقويم السلمي الشاذ وغير المقوم منذ المعركه الفاصله بين الرشد والغي ،
وانتصار الغي وما حمل معه من نتائج كارثيه على ديننا وحياتنا ،وكان منه اعوجاج تقويمنا
السلمي وشذوذه عن كل تقاويم اهل الرض ول زال ،ان عدة الشهور عند ال اثني عشر شهرا ،
ولهذا جاءت كلمة شهر في القرآن اثنتي عشرة مره ،ولنعرف ان السنة عند ال 365يوما جاءت
كلمة يوم في التنزيل 365مرة ،ولتقويم تقومينا المائل ل بد للعادّين ان يسلموا لقول ال ان الشمس
والقمر بحسبان تعني انهم بعدهم لليام والشهور ل بد ان يقرنوا الشمس والقمرفي حسابهم ،وال فلن
تكون تكون حساباتهم صحيحه بالعتماد على القمر دون الشمس ،فالقمر يكون لتحديد بداية الشهر
والشمس ل بد من اعتمادها لتثبيت اوقات الشهور بفصولها ،وال ما معنى ان تكون هناك اشهر حرم
اذا لم يكن لها فصل معلوما من العام تتكاثر فيه الحيوانات والطيور وتحتاج فيه للبقاء لرعاية
صغارها ،وهذا ل يكون ال في الربيع ،وما معنى ان الحج اشهر معلومات ( اي معلومات
بميقاتها ) ونراها تدورعلى جميع فصول العام ،وما معنى ان يقول ال سبحانه في آية الصيام يريد
ال بكم اليسر ول يريد بكم العسر غير ان جعل شهرالصوم في وقت تعتدل فيه حرارة النهار
ويتساوى طول النهاروالليل في نصف الكرة الشمالي والجنوبي للرض فيصوم الناس في جميع
بلدانهم نهارا متساويا في عدد ساعاته تقريبا ،وهذا ل يكون ال بداية الخريف ،انه العدل اللهي
الذي اضعناه باعوجاج تقويمنا ،لقد كان يسرا ما بعده يسر ،كان الناس يلحظون تقارب تساوي
طول الليل والنهار فيراقبوا بزوغ هللهم ليبدأ عد ايام الصوم ،وبعد انتهاء رمضان تبدأ اشهر الحج
الثلث التاليه ،وما ان يلحظوا ان العشب بدأ ينبت من الرض حتى عرفوا انه محرم بداية الشهر
الحرم ( فصل الربيع ويجب ان تكون في فصل الربيع وال ل معنى ان تكون حرم ) ،حتى اذا جمد
الحب فى السنابل عرفو انه قد انتهت الشهر الحرم وحل جمادى الولى ،ويساعدهم على ذلك
مراقبة الهله لتحديد بداية الشهور ،وكان هناك العادين وظيفتهم اضافة شهر النسيء كل 32شهرا
لمنع انحراف الشهر عن فصولها ،هذا النسيء الذي قال ال فيه ( انما النسيء زيادة في الكفر ) اي
سوء استخدام شهر النسيء واضافته في غيروقته الصحيح هو زياده في الكفر ،ولم يكن العتراض
.على شهر النسيء ذاته ،ومن هنا وهذا القول لي ان إلغاء شهر النسيء هو الكفر ذاته
حسب وجهة نظري الخاصة فإن كلم الستاذ سنان السمان قابل للنقاش و رجائي للستاذ سنان
السمان أن يكتب كلمه في مقالة تفصيلية أكثر وضوحا .حسب علمي فالتقويم الذي اعتمده عمر بن
الخطاب باحتساب السنوات إبتداء من الهجرة النبوية يختلف بستين يوم عن التقويم السابق للعرب .و
.شكرا
عذرا استاذ برقاوي .....فلم يسبق لي ان كتبت مقاله متكامله من قبل ،هذا من ناحيه
من ناحية ثانيه فإن السهاب في موضوع النسيء كان لبد ان يمس بعض المحرمات بالنسبة لدارة
الموقع على القل ،حيث ان عقدة المقال ستكون حول آية النسيء وتشكيل الكلمتين :زيادة بين
التنوين بالفتح او التنوين بالضم ،يضل بفتح الضاد او كسرها ،واعتقد ان هذا من الموضوعات
.المحرمه في الموقع