Professional Documents
Culture Documents
فرق وتاريخ
تأليف الستاذ
إحسان إلهي ظهير
رئيس تحرير مجلة ترجمان الحديث لهور باكستان
عن الطبعة التي أصدرتها دار ترجمان السنة مع التصويب لبعض الخطاء
الطبعة الولى
1404هـ 1984م
ثلثون ألف
أعده للنشر عبر شبكة النترنت شباب أهل السنة في منتدى أنا المسلم
1
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل رب العالمين ،الرحمن الرحيم ،مالك يوم الدين ،والصلة والسلم على
أشرف النبياء وخاتم المرسلين وعلى أهل بيته أمهات المؤمنين وآله الغر الميامين
وأصحابه البررة المقربين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
فإنني بدأت في جمع الكتب عن السماعيلية وللسماعيلية بعد ما فرغت من كتابي
( البريلوية ـ عقائد وتاريخ ) واشتغلت في ترتيب وتصفيف ووضعت الخطة وخططت
الخطوط والتخطيط للكتابة عنهم وبوبت البواب ورتبت الفصول وجاوزت النصف من
العمل حتى وصلتني الدعوة من الخوة المخلصين الغيورين لدين ال وحملته لزيارة
أمريكا وإلقاء الخطب والمحاضرات في عديد من ولياتها في مراكز الطلب
ومجامعهم وأنديتهم ومحافلهم أندية الطهارة ومحافل التقوى في تلك البلد الكافرة
المنحطة في حضيض النجاسة والرذالة كالبساتين الوردية والشجار الوارفة الظل
واليانعة الثمار في صحراء عطشانة حامية فيحاء والتي هي كمنارة النور في ليلة
ظلماء مطيرة حالكة سوداء .
الخوة العرب المسلمون الذين ذهبوا إلى تلك البقاع لطلب العلم بدءوا يعلمونهم العلم ،
علم الخلق وعلم الداب وعلم الحضارة والثقافة وعلم الروح علم القرآن وتعاليم
الرسول الكريم صلوات ال وسلمه عليه وإنني بعد ما رأيت وبعد ما شاهدت رأيت
التحمس لدين ال والعمل به والغيرة لحملته أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم
وأسلف هذه المة وشاهدت العفاف والعفة والطهارة والتقوى والمحافظة على
الصلوات والخضوع والخشوع فيها التشوق والستماع إلى الحاديث الدينية والكلمات
العلمية والمحاضرات السلمية وبصرت أنديتهم ومحافلهم .أيقنت أن ال سيعلى كلمته
ويرفع رايته ويظهر دينه على الديان كلها ،وينشر صيت نبيه واسمه وذكره في تلك
البلد النائية عن بلد المسلمين المترامية الطراف بهذا الجيل الميمون المبارك وتيقنت
أنهم هم الذين قال فيهم وفي أنديتهم الشاعر العربي القديم
وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعل
وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم مجالس قد يشفي بأحلمها الجهل
2
فلبيت دعوتهم وسافرت إليهم وشاركت مؤتمرهم وحاضرت في وسائل عديدة مختلفة
والكلم ذو شجون وألوان والحديث ذو جوانب وأطراف وكان من بينه حول اختلف
المة وسبب الخلف ومنشئه ومبناه وحول الفرق التي حدثت ونشأت بين المسلمين
وتشتت وتفرقت وذهب بعضها بعيداً في التفرق والختلف كما قرب البعض منها ومن
بين الفرق التي ذهبت إلى الشأو البعيد واختلفت مع المة اختلفاً جذريًا وفي الصول
والساس الشيعة فكثر الكلم وكثرت السئلة ثم الجوبة عليها وكانت كتبي الثلثة عن
هذه النحلة في متناول الكثيرين من الطلب والمستمعين والحاضرين في تلك المجالس
ولذلك كان البحث جدياً والسئلة في صميم الموضوع .والرحى كانت تدور على عقائد
القوم ومعتقداتهم التي كشفت النقاب عنها وعن تاريخ هذه الطائفة ومنشئها والتطورات
التي طرأت عليها والفرق التي تفرعت عنها واقتناع الخوة بما ذكرته في كتبي من
عقائد القوم والكتفاء بها والحتياج الشديد إلى معرفة تاريخ القوم ومنشئهم والتغيرات
التي وقعت حتى جعلتهم يبعدون كل هذا البعد عن الجماعة والمة وكان ينتهي الكلم
والجلسات على مطالبات وضع الكتاب فورياً في ذلك الخصوص ليكمل البحث ويتم
الموضوع ومادام يكتب الكتاب عن التاريخ والتطورات والمنشأ فلزم أن يشمل الفرق
التي انبثقت من التشيع فرجعت من تلك البلد وأنا مقتنع بقضاء ما طلبوا ومصمم على
ما أظهروا الحتياج إليه فلم أصل إلى بلدي في السادس والعشرين من سبتمبر إل وقد
اشتغلت في هذه الموضوع مؤجلً كتابتي في السماعيلية مع شدة حرصي على إكمالها
وإتمامها .ولكن ما شاء ال كان وما لم يشأ لم يكن ولكل شيء أجل .
فصرفت فيه جدي وجهدي ولم أعمل شيئاً في هذه المدة كلها ليلها ونهارها إل
البحث والتنقيب والترتيب و التسويد والتبييض في هذا .
اللهم إل الخطب والمحاضرات في المدن المختلفة في باكستان المجاورة للهور
والبعيدة عنها والتي هي لزمتني ولحقتني كل حين وكل آن وكل ظرف وكل مكان ول
ولم ولعلي لن أستطيع التخلص عنها رغم تهربي وفراري في الونة الخيرة لكثرة
ملحقتها لي وتسلطها علي ومطاردتها إياي ولزومها لي ،ولكثرة العناء والسفار
والمشقة وقلة الراحة والطمأنينة والسكون القلبي والذهني والفكري في سبيلها .فأحمد
ال على إنعامه علي بأني استطعت حسب مقدوري وطاقتي وقدر استطاعتي وبضاعتي
أن أكمل البحث في هذا ولعله يستفيد منه القارئ ويستمتع به الناظر ويسر به الباحث
ويفرح به المؤرخ لنه قلما كتب عن الشيعة والتشيع بالترتيب التاريخي والتسلسل
الزمني بتنقية المطالب والمباحث من الغراض والهداف المشبوهة وبتصفيتها من
القصص والساطير ومن النسيج المدسوس المدخول .
كما ندر من نبه على تطور التشيع الول وتقلب الشيعة الولى والسباب
والحوادث التي سببت هذا التغيير والتبديل .اللهم إل بعض الشارات التي ل تسمن ول
تغني من جوع .
فنحن بدأنا الكتاب ببيان بدء التشيع ونشأته وبيان الشيعة الولى .
3
ثم عقبنا ذلك الباب بالباب الثاني بيناً في السبئية ومؤسسها عبد ال بن سبأ وأفكاره
وعقائده التي أراد ترويجها بين الشيعة الولى وبيناً مع ذلك الفضائح والقبائح التي
ارتكبها هو وأنصاره وأعوانه والمخدوعون به والواقعون في حبائله وبما قاموا من
السعي بالفتنة والفساد والحداث التي حدثت بسبب مؤامراتهم ومخططاتهم .
كما بينا في الباب الثالث اندماج السبئية في صفوف الشيعة وإيقاع بعضهم في
شراكهم وفخهم في خلفة علي ومحاربة علي رضي ال عنه أفكار هؤلء ومحاولته
منع شيعته من الركون إليهم وإلى عقائدهم كما يتضمن هذا الباب وقائع حرب الجمل
وصفين خالية من الباطيل ومتضمنة الحقائق التي طالما خفيت على الكثيرين من
الناس وحتى السنة ولعله أول مرة بهذا الوضوح والتفصيل .
ثم ذكرنا في الباب الرابع تطور التشيع الول وتبديل الشيعة الولى وتسلط
السبئيين على التشيع وغلبتهم على الشيعة ومقاومة الحسن أفكارهم وعقائدهم ثم حدوث
بعض فرق الشيعة الخرى المتطرفة عنهم ثم ذكرنا وقائع شهادة الحسين بالختصار
والنتائج التي نتجت بعد هذه الشهادة وتطور التشيع من الفكر السياسي إلى الفكر الديني
وتغير الشيعة من الحزب السياسي إلى الحزب المذهبي .
وفي الباب الخامس ذكرنا ببعض الختصار وبعض التفصيل أهم فرق الشيعة
التي حدثت في مختلف اليام والعهود وزمن أولد علي بن أبي طالب العشرة منهم
ومعتقداتهم ومختصر عقائدهم .
والجدير بالذكر أننا لم نذكر فرقة منهم لم تذكر في كتب القوم وذكرت في كتب السنة
فمدارنا ومعولنا واعتمادنا لم يكن إل على كتب القوم أنفسهم كي ل يقول قائل :قيل عنا
ولم نقله ،بل عكس ذلك نقول :قلتم فقلناه .
وأما الباب السادس فخصصناه لذكر الفرقة الثني عشرية أو المامية وهي
الفرقة الموجودة حالياً في العالم السلمي بكثرة وهي التي يطلق عيها اسم الشيعة ول
يقصد عند إطلقه أحد غيرهم ثم ذكرنا في ذلك الباب وجهة نظر الشيعة تجاه إمامهم
الثاني عشر أمولود وغائب أو موهوم ومعدوم ؟
وضمن ذلك بينا عقيدتهم في المامة وشروط المام التي تلزمه مع بيان فرق
الثني عشرية التي انبثقت منها مع ادعاء كل واحدة منها كونها من الثني عشرية أو
المامية أو الجعفرية .
4
والباب الخير خصصناه لبيان الروابط العقائدية التي تربطها بالعقائد السبئية
المنقولة من اليهودية والمأخوذة منها وبهذا لقد أوشكنا على النتهاء من هذا الموضوع
حيث تكمل 1في الكتب التي ألفناها في الشيعة بهذا الكتاب ولعلنا ل نكون مخطئين ول
مبالغين عندما نقول إن هذه الكتب الربعة تغني الكثير من الناس في معرفة الشيعة
والتشيع ومن كتبهم أنفسهم ومعرفة عقائدهم وتاريخهم وفرقهم وحتى الشيعة أنفسهم
يجدون فيها ما يدعوهم إلى التفكير والتعقل والتبصر ودقة النظر لتمييز الحق من
الباطل والصواب من الخطاء .
وألفت أنظار القراء والباحثين إلى أننا حاولنا في كتابنا هذا كدأبنا في الكتب
الخرى أن ل نكرر شيئاً أوردناه في كتاب آخر وحتى عند الحتياج نبحث عن شيء
آخر مماثل لذلك الشيء الذي أوردناه فيما سبق تجنباً للتكرار وزيادة في الفائدة اللهم إل
ما ل بد منه لتشابك المواضيع وترادفها وبذلك صارت هذه الكتب خالية من التكرار
المشين ولكل قيمته .
وعلى تلك الصول والقاعدة لم نذكر ترجمة من نقلنا عنه عبارة أو اقتبسنا من
كتابه كلماً وقد ذكرنا ترجمته في الكتب الثلثة السابقة واكتفينا بذكر تعريف موجز
مناسب للمقام بالرجال اللذين لم ترد تراجمهم قبل ذلك .
1هذا حسب ظنا وإل فكشف الحقائق يحتاج كتب كثيرة ل كما كنا نتوقع سابقاً بأن المختصرين يكفيان لتعريف
القوم وبيان حقائقهم وها نحن نتبع الكتاب الول بعد الكتاب الثاني والثالث بالكتاب الرابع وعند اللحظات الخيرة
وصل إلينا كتاب جديد في اللغة الفارسية باسم ( حجت اثنا عشري ) من إيران حاول صاحبه الرد علينا في القسم
الخير الكبير من الكتاب ولكنه اختفى تحت السم المستعار وبدون الشارة والنص على شخصيته وهويته خوفاً
من الفضيحة وتهرباً من الخجل والندم لما يرى من تخاذله وعجزه عن القيام بالرد العلمي على المطالب التي
أوردناها في كتابنا ( الشيعة والسنة ) المباحث التي طرحناها أمام القاري والباحث من السنة والشيعة .
ومن الطرائف أن هذا المبرقع ببرقعه ( حقكو ـ أي القائل بالحق) تحدانا مرات عديدة وقال :إنه سيعطينا جائزة إن
خطأناه في رأيه فيما كتب وأثبتنا غلطه وعدم إصابته الصواب ثم ول يكتب على الكتاب داخله ول خارجه ل اسمه
ول رسمه ،ومن وجله وتخوفه من بطشة الحق أنه لم يستطع ذكر المطبعة التي طبعت هذا الكتاب ول الدارة
التي نشرته ول الجهة التي صدرته فهذه هي جرأة القوم وهذه هي حقيقتهم .
فهذه الحقيقة الواحدة هي التي تكفي لحقاق الحق وإزهاق الباطل ـ والتفريق بين التخاذل والثبات وبين الصدق
والكذب .
فالحاصل أننا ل ندري أيكون هذا الكتاب هو آخر كتاب في هذا الموضوع أم يجبرنا القوم على مواصلة التعقيب
والتنقيب والبحث والتفتيش للستطلع والستكشاف وكشف النقاب عن الحقائق الخرى الخافية المخفية عن أعين
الناس من السنة وحتى الشيعة أنفسهم .وإننا لنرى أيضاً في كل مرة نرجع إلى كتب القوم أنها على قسمين :الكتب
التي كتبت فقط للدعاية وكتب متضمنة للعقائد الصلية والمعتقدات الحقيقية .فالكتب الدعائية كثرت في العصور
المتأخرة وما أكثر ما استعمل مصنفوها الكذب والخداع لتغطية المور أمام المسلمين السنة فما أحوج السنة إلى
معرفة الزور والخداع من الصدق والحق فلكم فكرنا في إصدار كتاب يتضمن نقد هذه الكتب وما ورد فيها من
المكر والخداع والنفاق والتعمية بعنوان ( بين يدي الكتب ) ولكن الكتابة في المواضيع الخرى تحول بيننا وبين
ذلك .ول ندري ما في مغيبات المور وال يعلم السرار
5
وميزة هذا الكتاب أنه يشتمل مع تاريخ التشيع والشيعة وتغيير التشيع الول
وتبدل الشيعة الولى والفرق التي حدثت ونشأت بهذا السم وانقرضت أو بقيت على
مطاعن الشيعة على أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وخاصة عثمان ومعاوية
وغيرهما رضوان ال عليهم أجمعين والرد عليها رداً علمياً ومنطقياً وإنني لرجو ال
العلي القدير أن ينفع به الخلئق الحباء والباعد وأن يتقبله خالصاً لوجهه الكريم
ويجعله ذخيرة لي في الدين والدنيا وفي الحياة وبعد الممات وان يحشرني في زمرة
أصحاب نبيه العظيم وان يوفقني للدفاع عن حوزة شريعته وكرامة نبيه صلى ال عليه
وسلم وعظمة أصحابه ورفاقه وتلمذته وأزواجه أمهات المؤمنين وعن أسلف هذه
المة وعلمائها ومحسنيها وجعلنا منهم إنه سميع مجيب
وأخيراً ل يسعني إل أن أشكر جميع الخوة والحياء الذين ساندوني وساهموا
في إخراج هذه الكتاب وناصروني في مواصلة الكتاب في مثل هذه المواضيع فبارك
ال فيهم ويشكر مساعيهم وتقبل أعمالهم وجزاهم عنا وعن السلم خير الجزاء وصلى
ال على رسوله وعلى آله وصحبه وأصحابه ومن اهتدى بهديهم وسلك مسلكهم إلى يوم
الدين .
6
الباب الول
التشيع الول والشيعة الولى
إن لفظة الشيعة ل تطلق إل على اتباع الرجل وأنصاره فيقال :فلن من شيعة فلن
أي ممن يهوون هواه كما قال الزبيدي :كل قوم اجتمعوا على أمر فهم الشيعة وكل
من عاون إنساناً وتحزب له فهو شيعة له وأصله من المشايعة وهي المطاوعة
والمتابعة .
فلم يكن استعمال هذه اللفظة في العصر الول من السلم إل في معناه الصلي
والحقيقي هذا كما لم يكن استعمالها إل لحزاب سياسية وفئات متعارضة في بعض
المسائل التي تتعلق بالحكم والحكام ،وقد شاع استعمالها عند اختلف معاوية مع
علي رضي ال تعالى عنهما بعد استشهاد عثمان رضي ال عنه فكان يقال عن
أنصار رضي ال عنه الخليفة الراشد الرابع والحق بالخلفة من معاوية وغيره
وكانوا يشايعونه ويناصرونه في حروبه مع معاوية رضي ال عنه كما كان شيعة
معاوية يرون المر بالعكس للجوء قتلة عثمان بن عفان إلى معسكر علي رضي ال
عنه وتحت كنفه حسب زعمهم وما دام هؤلء كذلك لم يكونوا معتقدين بثبوت
الخلفة وأحقيتها لعلي بن أبي طالب رضي ال عنه فإن قتل القتلة ونفذ فيهم حد
السيف رجعوا إليه وإلى التسليم بخلفته والنقياد لمره كما نقله المؤرخون أن
معاوية رضي ال عنه قال لمن بعث إليه من قبل علي رضي ال عنه من عدي
بن حاتم ويزيد بن قيس الرحبي وشبيث بن ربعي وزياد بن حفصة يدعونه إلى
الجماعة والطاعة :
" أما بعد فإنكم دعوتموني إلى الجماعة والطاعة ،فأما الجماعة فمعنا هي ،
وأما الطاعة فكيف أطيع رجلً أعان على قتل عثمان وهو يزعم أنه لم يقتله ؟ ونحن
ل نرد ذلك عليه ول نتهمه به 1ولكنه آوى قتلة عثمان فيدفعهم إلينا حتى نقلتهم ثم
نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة ". 2
وقال بمثل هذه المقولة لبي الدرداء ولبي أمامة المبعوثين أيض ًا من قبل
علي رضي ال عنه :
" اذهبا إليه فقول له :فليقدنا من قتلة عثمان ثم أنا أول من بايعه من أهل الشام "
- 1انظر إلى القول العدل الذي صدر من رجل يصب عليه الشيعة ويلتهم ودفائن حقدهم وبغضهم بدعوى أنه قال
في علي كيت وكيت فانظر إليه كيف يصرح بأننا ل نتهمه بقتل عثمان بل نصدق قوله في براءته من دمه ول نقول
بما ينكره علي رضي ال عنه .
- 2البداية والنهاية ج 7ص 257ط بيروت الطبري ج 5ص ، 6الكامل ج 3ص .290
7
وقبل ذلك حينما أرسل علي رضي ال عنه جرير بن عبد ال إلى معاوية يدعوه إلى
بيعته " طلب معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أهل الشام فاستشارهم فأبوا أن
يبايعوا حتى يقتل قتلة عثمان أو أن يسلم إليهم قتلة عثمان "
وإن المؤرخين ذكروا أيضاً أن أبا الدرداء وأبا أمامة عندما رجعا إلى علي قال
له ذلك ،فقال :
1
هؤلء الذين تريان فخرج خلق كثير فقالوا :كلنا قتلة عثمان فمن شاء فليرمنا "
هذا ولسنا الن بصدد بيان أسباب الحروب التي دارت بين علي رضي ال عنه
وبين معاوية رضي ال عنه وغيره ولكننا نريد أن نبين هنا أن فئتين عظميتين من
المسلمين ـ كما عبر عنها الرسول العظيم عليه الصلة والسلم في مدحه الحسن
رضي ال عنه ـ انحاز كل واحدة منهما إلى جانب وشايعت وناصرت من رأوا الحق
معه فسميت كل طائفة من هاتين الطائفتين شيعة علي وشيعة معاوية ولم يكن
الخلف بينهما إل خلفاً سياسياً محضاً طائفة كانوا يرون علياً رضي ال عنه خليفة
صاحب حق شرعي حيث انعقدت له الخلفة بمشورة أهل الحل والعقد من المهاجرين
والنصار 2وقوم رأوا أحق الناس بها معاوية بن أبي سفيان رضي ال عنهما حيث
أنه يريد الثأر لدم المام المظلوم صهر رسول ال صلى ال عليه وسلم وخليفته
للمسلمين الذي أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم البيعة المشهورة لخذ الثأر عنه
يوم الحديبية وسميت فيما بعد هذه البيعة بيعة الرضوان حيث أنزل ال رضاه لكل
من بايع لجله . 3
وكذلك أطلقت هذه اللفظة على حزب سياسي موحد لبني علي وبني العباس بتركيب
شيعة آل محمد مقابل شيعة بني أمية ولم يكن إطلقها إل لبيان رأي سياسي في من
ل عن كتاب
تولى الحكم وفي من يحق أن يتوله وقد صرح بذلك شيعي مشهور ناق ً
الزينة للسجستاني :
ثم بعد مقتل عثمان وقيام معاوية وأتباعه في وجه علي بن أبي طالب
وإظهاره الطلب بدم عثمان واستمالته عدداً عظيماً من المسلمين إلى ذلك صار
أتباعه يعرفون بالعثمانية وصار أبتاع علي يعرفون بالعلوية مع بقاء إطلق اسم
4
الشيعة عليهم واستمر ذلك مدة ملك بني أمية ".
ونقل أيضاً من نقيب الشيعة بحلب :
8
كل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيعة وشيعة الرجل أتباعه
وأنصاره ويقال :شايعه كما يقال واله من الولي والمشايعة وكأن الشيعة لما اتبعوا
هؤلء القوم واعتقدوا فيهم ما اعتقدوا سموا بهذا السم لنهم صاروا أعواناً لهم
وأنصارا وأتباعا ،فأما من قبل حين أفضت الخلفة من بني هاشم إلى بني أمية
وتسلمها معاوية بن صخر من الحسن بن علي وتلقفها من بني أمية ومالوا إلى بني
هاشم وكان بنو علي وبنو عباس يومئذ في هذا شرع فلما انضموا إليهم واعتقدوا
أنهم أحق بالخلفة من بني أمية وبذلوا لهم النصرة والموالة والمشايعة سمو شيعة
آل محمد ولم يكن إذ ذاك بين بني علي وبني العباس افتراق في رأي ول مذهب فلما
ملك بنو العباس وتسلمها سفاحهم من بني أمية نزغ الشيطان بينهم وبين بني علي
1
فبدا منهم في حق بني علي ما بدا فنفر منهم فرقة من الشيعة "
وقد كررنا لفظ السياسة حيث نقصد من ورائها أنه لم يكن بين القوم خلف
ديني يرجع إلى الكفر والسلم كما أقر بذلك سيدنا علي رضي ال عنه حيث قال
مخاطب ًا جنده عن معاوية وعساكره .
أوصيكم عباد ال تقوى ال فإنها خير ما تواصى به العباد به وخير عواقب
المور عند ال وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة ."2
هذا وقد زاد علي رضي ال عنه المسألة وضوحاً وبياناً في كتاب له كتبه
إلى أهل المصار يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين ويبين فيه حكم من
ناضلوه وقاتلوه وموفقه منهم :
وكان بدء أمرنا التقينا والقوم من أهل الشام والظاهر أن ربنا واحد وبنينا
واحد ودعوتنا في السلم واحدة ول نستزيدهم في اليمان بال والتصديق برسوله
3
صلى ال عليه وسلم المر واحد إل ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء
".
ولجل ذلك منع أصحابه من سب أهل الشام وأنصار معاوية وشتمهم إياهم أيام
حربهم بصفين :
إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتهم أعمالهم وذكرتهم حالهم
كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان سبكم إياهم " اللهم احقن دمائنا
ودمائهم وأصلح ذات بيننا وبينهم ." 4
ويؤيد ذلك حديث شيعي مشهور رواه الكليني في صحيحه ( الكافي ) عن جعفر بن
محمد الباقر ـ المام السادس المعصوم حسب زعم الشيعة ـ أنه قال :ينادي مناد من
- 1غاية الختصار في أخبار بيوتات العلوية المحفوظة من الغبار لسيد تاج الدين بن حمزة الحسيني نقيب حلب .
- 2نهج البلغة ص 367ط بيروت .
3المصدر السابق . 448
4المصدر السابق . 323
9
السماء أول النهار إل إن علياً صلوات ال عليه وشيعته هم الفائزون قال :وينادي
مناد آخر النهار أل إن عثمان وشيعته هم الفائزون ". 1
ومن طريف ما ذكرنا أن أبا العالية وهو تابعي مشهور أدرك النبي صلى ال عليه
وسلم وهو شاب ولكنه لم يسلم إل بعد وفاة النبي صلى ال عليه وسلم في عهد أبي
بكر الصديق رضي ال عنه فإن روى عنه أبو خلدة أنه قال :قال أبو العالية :لما
كان زمان علي ومعاوية وإني لشاب القتال أحب إلى من الطعام الطيب فجهزت
بجهاز حسن حتى أتيتهم فإذا صفان ما يرى طرفاهما إذا كبر هؤلء كبر هؤلء وإذا
هلل هؤلء هلل هؤلء فراجعت نفسي فقلت :أي الفريقين أنزله كافرًا ؟ ومن
أكرهني على هذا ؟ قال :فما أمسيت حتى رجعت وتركتهم ." 2
ول ننكر أنه كان هناك أناس تأثروا بدسائس يهودية وأفكار مدسوسة
وخرجوا عن الجادة المستقيمة وأعطوا هذا الخلف صبغة دينية أمثال السبأيين
وغيرهم ممن وقعوا في حبائل اليهودية المبغضة للسلم وهم الذين كانوا يؤججون
نار الحرب كما خبت نيرانها كما سنفصل القول فيما بعد إن شاء ال ولكن عامة
الناس كانوا على منأى عنها .
فهذه هي بداية استعمال هذه اللفظة ثم اختص بكل من يوالي علياً وأولده
ويعتقد العتقادات المخصوصة والمستقاة من دسائس عبد ال بن سبأ اليهودي
وغيره من الذين أرادوا هدم عمارة السلم وكيانه وتشويه عقائده وتعليماته كما قال
ابن الثير في نهايته :
وأصل الشيعة الفرقة من الناس وتقع على الواحد والثنين والجمع والذكر
والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد وقد غلب هذا السم على كل من يزعم (؟) .أنه
يتولى علياً رضي ال عنه وأهل بيته حتى صار لهم اسماً خاص ًا فإذا قيل من
الشيعة عرف أنه منهم وفي مذهب الشيعة كذا أي عندهم وتجمع الشيعة علي شيع
وأصلها من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة ". "3
10
وأما ادعاء من يدعي بأن هذه اللفظة كانت شائعة في عهد النبي صلى ال
عليه وسلم كما كان التشيع موجوداً في عصره والشيعة موجودون في زمنه فل
ينهض به دليل ول يقوم به برهان كما قال محمد الحسين في ( أصل الشيعة
وأصولها ) .
إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل السلم ـ هو نفس صاحب الشريعة ـ يعني أن
بذرة التشيع وضعت مع بذرة السلم جنباً إلى جنب وسواء بسواء ولم يزل غارسها
يتعاهدها بالسقي والعناية حتى نمت وازدهرت في حياته 1ثم أثمرت بعد وفاته ."2
وبمثل ذلك القول قال الخر " إن التشيع ظهر في أيام نبي السلم القدس
الذي كان يغذى بأقواله عقيدة التشيع لعلي عليه السلم وأهل بيته ويمكنها في أذهان
المسلمين ويأمر بها في مواطن كثيرة ."3
ولم يظن المظفري الشيعي هذا كافياً فقال :
إن الدعوة إلى التشيع ابتدأت من اليوم الذي هتف فيه المنقذ العظم محمد
صلوات ال عليه صارخاً بكلمة ل إله إل ال في شعاب مكة وجبالها ...فكانت
الدعوة للتشيع لبي الحسن عليه السلم من صاحب الرسالة تمشي منه جنباً لجنب
مع الدعوة للشهادتين ." 4
- 1واستشهد على ذلك بروايات واهية موضوعة و مكذوبة على رسول ال صلى ال عليه وسلم ول تصح منها
ول رواية واحدة مثل ( أن علياً وشيعتهم لهم الفائزون ) وعلى ذلك قال ابن الحديد الشيعي الغالي :أن أصل
الكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة فإنهم وضعوا في بدء المر أحاديث مختلفة في فضائل أئمتهم
حملهم على وضعها عداوة خصومهم ( شرح نهج البلغة ج 1ص . ) 783
2
ومن أعجب العجائب أن رجلً كهذا يكذب بكل وقاحة ول يستحي حيث ينسب رواية باطلة موضوعة أل
وهي رواية الطير في الصحيحين ول وجود لها فيهما :
" وكذلك من عد عدداً كبيراً من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم في حياته وأطلق عليهم بأنهم كانوا
شيعة علي مثل محسن المين ومحمد حسين الزين وآل كاشف الغطاء وغيرهم فل ندري بماذا يجيبون عن أحاديث
كثيرة مروية في صحاحهم التي تحكم على ارتداد جميع أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إل الثلثة سلمان
وأبو ذر والمقداد "انظر تفصيل ذلك في كتابنا الشيعة والسنة " فهل هؤلء كانوا كفرة مع كونهم شيعة علي ثم
وكيف قبل سلمان إمارة من قبل عمر بن الخطاب رضي ال عنه ؟ " حياة القلوب للمجلسي ج 2ص . "780وكان
أحد القادة الذين أرسلهم الفاروق لفتح المدائن ( ابن كثير ج 7ص .) 67
- 3أصل الشيعة وأصولها ص . 87
- 3الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين ص . 29
-4تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري ص 9 ، 8ط قم .
11
ول يخفى ما فيه من المجازفة بالقول والغلو لن معناه أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم لم يدع إلى السلم وإلى وحدانية ال عز وجل والقرار برسالته وطاعته وإلى
التحاد والتفاق والتآلف والمحبة والمودة بل كان يدعو إلى التحزب والتفرق
والتشيع لعلي دون غيره كما أنه حسب دعوى المظفري كان يجعل علياً شريكاً له في
نبوته ورسالته مع أن كلم ال المحكم الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من
خلفه والذي أنزله الرحمن وضمن حفظه قرآنه وبيانه خال من كل هذا 1بل ويعكس
ذلك أنه مليء بالدعوة إلى طاعة ال عز وجل وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم
والعتصام بحبل ال وحده والتمسك بالقرآن والسنة والتجنب لما سواهما كما أمر
المسلمين بالتفاق والتحاد والتسمي باسم السلم والمسلمين وكذلك الحاديث
الصحيحة الثابتة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم 2ل تشتمل ول تصرح إل بهذا
كله ل غير فلقد قال ال عز وجل { :يا أيها الذين أمنوا أطيعوا ال ورسوله ول
تولوا عنه وأنتم تسمعون } وقال { أطيعوا الرسول ول تبطلوا أعمالكم } وقال { ما
أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وقال { ومن يشاقق الرسول من بعد
ما تبين له الحق ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت
مصيرا } وقال { وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لهم
الخيرة من أمرهم } وقال { فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل
يجدوا في أنفسهم حرج ًا مما قضيت } وقال جل وعل { واعتصموا بحبل ال جميعاً
ول تفرقوا واذكروا نعمة ال عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته
إخواناً } وقال { ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } وقال { إن هذه أمتكم أمة
واحدة وأنا ربكم فاتقون } وقال { ول تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم
وكانوا شيعاً } وقال { إن الدين عند ال السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إل
من بعد ما جاءهم الحق بغياً بينهم ومن يكفر بآيات ال فإن ال سريع الحساب }
وقال { ومن يبتغ غير السلم ديناً فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين } .
- 1ولعل هذا من أهم دواعي إنكار القرآن والعتقاد فيه بالتغيير والتحريف والنقصان من قبل الشيعة لنهم ل
يجدونه مؤازراً لهم ومناصرا بل كل ما فيه يخالف التشيع وعقائدهم بأصولها وفروعها ويفند مزاعمهم ويسفه
عقولهم وآراءهم وأفكارهم .فانظر لتفصيل ذلك ومعرفته كتبانا ( الشيعة والسنة ) و ( الشيعة والقرآن )
- 2والعجب كل العجب أن الشيعة الذين ينكرون الحاديث الصحاح لرسول ال صلى ال عليه وسلم الثابتة عنه
لن رواة هذه الحاديث وحملتها هم أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وكلهم ارتدوا ـ عياذا بال حسب
زعمهم ـ يثقون بروايات هؤلء ومروياتهم .
ول ندري كيف أن الشيعة يتمسكون بالروايات الموضوعة الباطلة والحاديث الواهية المكذوبة على رسول ال
صلى ال عليه وسلم ؟ لنه اختلق هذه الروايات واخترعها رجال منهم أو وضعها رواتهم والدعاة إلى أباطيلهم
وأضاليلهم .
وقلما تجد الشيعة يتمسكون بحديث صحيح أو يعتقدون بل كل بضاعتهم الموضوعات أو الساطير والقصص .
12
وأخيرا أخبر الكون ومن في الكون بأنه لم يرسل نبيه ول رسوله صلى ال
عليه وسلم خاتم النبيين إل بما أرسل به الرسل والنبياء من قبل حيث أمره أن يقول
{ قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ول بكم إن أتبع إل ما يوحى إليّ
وما أنا إل نذير مبين } وكما قال { شرع لكم من الدين ما وصى به نوح ًا والذي
أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم موسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه
كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ال يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب }
ولقد بين جل وعل سبحانه وتعالى مجملً بما أرسل الرسل من قبله حيث قال { وما
أرسلنا قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون } .
كما فصل في مواضع عديدة من القرآن بذكر كل واحد منهم برسالته وبمثل
ذلك تمام ًا وردت أحاديث رسول ال صلى ال عليه وسلم الصحيحة الثابتة .
وأما القوم فهم على خلف ما بينه الرب جل وعل وبينه رسوله العظيم عليه
الصلة والسلم حيث يزعمون أنه لم يرسل الرسول صلى ال عليه وسلم إل للدعوة
إلى التشيع والتفرق وإلى الشراك في ذات ال وصفاته وإشراكه علياً وأولده في
النبوة والرسالة والطاعة ثم يسردون لثبات ذلك روايات كلها باطلة وموضوعة
رواية ودراية رواية حيث إن الرواة الذين رووا تلك الحاديث شيعة ضالون
ووضاعون كذابون ولم ترد هذه الروايات في كتب موثوقة معتمدة ودراية حيث
تعارض القرآن ونصوصه كما تخالف العقل لن العقل يقتضي أن ل يكون الشرائع
مقصودها ومهمتها الدعوة إلى الحب لشخاص والولية لهم وبسبب هذه الولية
دخولهم في الجنة ونجاتهم من النار كما أن اليات القرآنية تنفي ذلك نفي بات ًا حيث
لم يجعل الحب وحتى حب ال كافياً للفوز والنجاح في الخرة حيث قال ال عز وجل
{ قل إن كنتم تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم } .
وما التباع إل اليمان بال والعمل الصالح حسب أوامر ال ونبيه صلى ال
عليه وسلم والجتناب عن نواهي ال ورسوله صلى ال عليه وسلم { إن الذين آمنوا
وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم النهار في جنات عدن }
وقال { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها النهار ذلك
الفوز العظيم } .
13
ولقد اضطربت أراء القوم أنفسهم في بد نشأة التشيع وتكوينه حيث قال إمام
الشيعة في الفرق النوبختي أن نشأته لم تكن إل بعد وفاة رسول ال صلى ال عليه
وسلم كما كتب " :قبض رسول ال صلى ال عليه وآله في شهر ربيع الول سنة
عشر من الهجرة وهو ابن ثلث وستين سنة وكانت نبوته عليه السلم ثلثاً
وعشرين سنة وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلب بن مرة بن
كعب بن لؤي بن غالب ،فافترقت المة ثلث فرق ( فرقة منها ) سميت الشيعة وهم
شيعة علي بن أبي طالب عليه السلم ومنهم افترقت صنوف الشيعة كلها " ،وفرقة
منهم " ادعت المرة والسلطان وهم والنصار ودعوا إلى عقد المر لسعد بن عبادة
الخزرجي " وفرقة " مالت إلي بيعة أبي بكر بن أبي قحافة وتأولت فيه أن النبي
صلى ال عليه وآله لم ينص على خليفة بعينة وأنه جعل المر إلى المة تختار
لنفسها من رضيته واعتقل قوم منهم برواية ذكروها أن رسول ال صلى ال عليه
وآله أمره في ليلته التي توفي فيها بالصلة بأصحابه فجعلوا ذلك الدليل على
استحقاقه إياه وقالوا رضيه النبي صلى ال عليه وآله لمر ديننا ورضيناه لمر
دنيانا وأوجبوا له الخلفة بذلك فاختصمت هذه الفرقة وفرقة النصار وصاروا إلى
سقيفة بني ساعدة ومعهم أبو بكر وعمر وأبوعبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة
الثقفي وقد دعت النصار إلى العقد لسعد بن عبادة الخزرجي والستحقاق للمر
والسلطان فتنازعوا هم والنصار في ذلك حتى قالوا منا أمير ومنكم أمير فاحتجت
هذه الفرقة عليهم بأن النبي عليه السلم قال :الئمة من قريش :وقال بضعهم أنه
قال :المامة ل تصلح إل في قريش :فرجعت النصار ومن تابعهم إلى أمر أبي بكر
غير نفر يسير مع سعد بن عبادة ومن اتبعه من أهل بيته فإنه لم يدخل في بيعته
حتى خرج إلى الشام مراغماً لبي بكر وعمر فقتل هناك بحوران قتله الروم وقال
آخرون :قتلته الجن فاحتجوا بالشعر المعروف وفي روايتهم أن الجن قالت :
قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة **** ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده
وهذا قول فيه بعض النظر لنه ليس في التعارف أن الجن ترمي بني آدم بالسهام
فتقتلهم فصار مع أبي بكر السواد العظم والجمهور الكثر فلبثوا معه ومع عمر
مجتمعين عليهما راضين بهما " 1
وأما ابن النديم الشيعي 2فيرى أن تكوين الشيعة لم يكن إل يوم وقعة الجمل حيث
قال :
14
ولما خالف طلحة والزبير 1علي رضي ال عنه وأبيا إل الطلب بدم عثمان وقصدهما
علي عليه السلم ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر ال تسمى من اتبعه على ذلك باسم
الشيعة ".
ومنهم من قال :اشتهر اسم الشيعة يوم صفين." 2
وبمثل ذلك القول قال ابن حمزة وأبو حاتم وغيرهما من الشيعة وهذا يؤيد ما ذهبنا
4
إليه وبمثل هذا القول قال ابن حزم في ( الفصل ) 3من المتقدمين وأحمد أمين
وغيره الكثيرون الكثيرون من المتأخرين .
ويقول شيعي معاصر :إن استقلل الصطلح الدال على التشيع إنما كان بعد
مقتل الحسين حيث إن التشيع أصبح كياناً مميزاً له طابع خاص . 5
ولجل ذلك اضطر محسن المين إلى أن يقول :
سواء كان إطلق هذا السم في حياة الرسول صلى ال عليه وسلم أو بعد
الجمل فالقول بتفضيل علي عليه السلم وموالته الذي هو معنى التشيع كان موجوداً
في عهد الرسول صلى ال عليه وسلم واستمر بعده إلى اليوم ." 6
و المظفري أن يقول :
فكان التجاهر بالتشيع أيام عثمان. 7
وهو الصحيح [ لن السماء ل توجد قبل المسميات ] ول الحزاب قبل
الخلفات فلما وجد الخلف تحزب لكل رأي حزب وتعصبوا جماعات وفرقاً فآنذاك
وجدت الجماعات ووجدت لها السماء ولم يكن هناك خلف بين المسلمين ولم
يتعصب له أشخاص قبل مقتل عثمان ذي النورين رضي ال عنه وقبل النتائج التي
نتجت من قتله وبعد تولية علي رضي ال عنه إمرة المؤمنين وخلفة المسلمين
وعندئذ نشأ الخلف فمنهم من رأى رأي علي رضي ال عنه وأنصاره ومنهم ومن
رأى رأي طلحة والزبير ثم رأي معاوية وأتباعه وهناك تحزب حزبان سياسيان
كبيران بين المسلمين شيعة علي وشيعة معاوية وكل واحد من هؤلء يرى رأيه في
تولية الحكم وتدبير المور ودينهما واحد وعقائدهم واحدة متفقة كما بيناه آنفاً .
1
-الفهرست لبن النديم ص 249
2
-روضات الجنات للخوانساري ص 88
3
-الفصل في الممل والهواء والنحل ج 4ص 79
4
-فجر السلم ص 266ط 8
5
-الصلة بين التصوف والتشيع لكامل مصطفى الشيبي ص .23
6
-أعيان الشيعة القسم الول الجزء الول ص . 13
7
-تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري ص 15
15
نعم كان هناك خلف قبل شهادة عثمان رضي ال عنه والذي جر إلى قتل
عثمان ولكنه لم يكن إل بين قادة اليهود والمخدوعين المغترين الواقعين في حبائل
الدسائس اليهودية الثيمة وبين المسلمين وإمامهم كما سيأتي بيانه في باب مستقل
كما أنه وقعت الخلفات البسيطة الطفيفة ولكنها لم تبقى إل للحظات لرجوع الفريق
الثاني إلى كتاب ال وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم امتثالً لقول ال عز وجل
{ وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر
ذلك خير وأحسن تأويل }
كالخلف الذي وقع بين النصار والمهاجرين يوم السقيفة حيث رجع النصار
عن رأيهم إلى رأي المهاجرين وبايعوا أبا بكر اتفاقا واتحادا ولم يكن هناك فريق
ثالث كما يزعمه الشيعة ولم يقدم اسم رجل ثالث للخلفة والمارة غير سعد بن
عبادة وأبي بكر وعلى ذلك لم يكن هناك خلف ول نزاع ول [ زعماء ول قادة ] لهذه
الراء والحزاب كما شهد بذلك علي رضي ال عنه حينما دخل عليه عمرو بن
الحمق وحجر بن عدي وحبة العرني والحارث العور وعبد ال بن سبأ بعد ما
افتتحت مصر وهو مغموم حزين كما رواه عبد الرحمن بن جندب عن أبيه جندب
فقالوا له :
" بين لنا ما قولك في أبي بكر وعمر ؟ فقال لهم علي عليه السلم :وهل
فزعتم لهذا ؟ وهذه مصر قد افتتحت وشيعتي بها قد قتلت ؟ أنا مخرج إليكم كتاباً
أخبركم فيه عما سألتم وأسألكم أن تحفظوا من حقي ما ضيعتم فاقرؤوه على شيعتي
وكونوا على الحق أعوانا وهذه نسخة الكتاب من عبد ال علي أمير المؤمنين إلى
من قرأ كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين :السلم عليكم فإني احمد إليكم ال الذي
ل إله إل هو .
16
أما بعد إن ال بعث محمداً صلى ال عليه وسلم وآله نذيراً للعالمين وأمين ًا
على التنزيل وشهيداً على هذه المة وأنتم يا معشر العرب يومئذ على شر دين وفي
شر دار منيخون على حجارة خشن وحيات صم وشوك مبثوث في البلد تشربون
الماء الخبيث وتأكلون الطعام الجشيب وتسفكون دماءكم وتقتلون أولدكم وتقطعون
أرحامكم وتأكلون أموالكم [ بينكم ] بالباطل سبلكم خائفة والصنام فيكم منصوبة
[ والثام بكم معصوبة ] ول يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون فمن ال عليكم
بمحمد صلى ال عليه وسلم وآله فبعثه إليكم رسولً من أنفسكم وقال فيما أنزله من
كتابه :هو الذي بعث في الميين رسولً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم
الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين وقال :لقد جاءكم رسول من
أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم وقال :ذلك فضل
ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم
وكنتم أول المؤمنين تعرفون وجهه وشيعته وعمارته فعلمكم الكتاب والحكمة
والفرائض والسنة وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم وصلح ذات البين وأن
تؤدوا المانات إلى أهلها وأن توفوا بالعهد ول تنقضوا اليمان بعد توكيدها وأمركم
أن تعاطفوا وتباروا و تباذلوا وتراحموا ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد
والتقاذف وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان وتقدم إليكم فيما أنزل
عليكم :أل تزنوا ول تربوا ول تأكلوا أموال اليتامى ظلماً وأن تؤدوا المانات إلى
أهلها ول تعثوا في الرض مفسدين ول تعتدوا إن ال ل يحب المعتدين وكل خير
يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به وكل شر يباعد من الجنة ويدني من النار
نهاكم عنه .
فلما مضى لسبيله صلى ال عليه وآله تنازع المسلمون المر بعده فوا ال ما
كان يلقى في روعي ،ول يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا المر بعد محمد صلى
ال عليه وآله عن أهل بيته ول أنهم منحوه عني من بعدي ،فما راعني إل انثيال
الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه ،فأمسكت يدي ورأيت أني أحق بمقام
رسول ال صلى ال عليه وآله في الناس ممن تولى المر من بعده فلبثت بذاك ما
شاء ال حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن السلم يدعون إلى محق دين ال
وملة محمد صلى ال عليه وآله وإبراهيم عليه السلم فخشيت إن لم أنصر السلم
وأهله أن أرى فيه ثلم ًا وهدماً يكون مصيبته أعظم علىّ من فوات ولية أموركم التي
إنما هي متاع أيام قلئل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما يتقشع
السحاب ،فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الحداث حتى زاغ
الباطل وزهق وكانت " كلمة ال هي العليا " ولو كره الكافرون .
فتولى أبو بكر تلك المور فسير وسدد وقارب واقتصد فصحبته مناصحا
وأطعته فيما أطاع ال جاهدا ." 1
- 1الغارات للثقفي ج 1ص 307– 302وورد مثل ذلك في شرح نهج البلغة لبن الحديد الشيعي والميثم
البحراني الشيعي وفي ناسخ التواريخ وفي مجمع البحار للمجلسي وغيرها ومن أراد التفصيل في ذلك فليرجع إلى
17
ومثل ذلك في ( مقالت السلميين ) للشعري :
وأول ما حدث من الختلف بين المسلمين بعد نبيهم صلى ال عليه وسلم
اختلفهم في المامة وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما قبضه ال عز وجل
ونقله إلى جنته ودار كرامته اجتمعت النصار في سقيفة بني ساعدة بمدينة الرسول
صلى ال عليه وسلم وأردوا عقد المامة لسعد بن عبادة وبلغ ذلك أبا بكر وعمر
رضوان ال عليهم [ فـ]ـقصدا نحو مجتمع النصار في رجال من المهاجرين فأعلمهم
أبو بكر أن المامة ل تكون إل في قريش واحتج بقول النبي صلى ال عليه وسلم
المامة في قريش فأذعنوا لذلك منقادين ،ورجعوا إلى الحق طائعين ،بعد أن قالت
النصار منا أمير ومنكم أمير وبعد أن جرد الحباب بن المنذر سيفه وقال أنا المحكك
وعذيقها المرجب من يبارزني بعد أن قام قيس بن سعد بنصرة أبيه سعد بن عبادة
حتى قال عمر بن الخطاب في شأنه ما قال ،ثم بايعوا أبا بكر رضوان ال عليه
واجتمعوا على إمامته واتفقوا على خلفته وانقادوا لطاعته فقاتل أهل الردة على
ارتدادهم كما قاتلهم رسول ال صلى ال عليه وسلم على كفرهم فأظهره ال عز
وجل عليهم أجمعين وأوضح ال به الحق المبين وكان الختلف بعد الرسول صلى
ال عليه وسلم في المامة ولم يحدث خلف غيره في حياة أبي بكر رضوان ال
عليه وأيام عمر إلى أن ولي عثمان بن عفان رضوان ال عليهم وأنكر قوم عليه في
آخر أيامه أفعالً كانوا فيما نقموا عليه من ذلك مخطئين ،وعن سنن المحجة
خارجين ،فصار ما أنكروه عليه اختلفاً إلى اليوم ،ثم قتل رضوان ال عليه وكانوا
في قتله مختلفين ،فأما أهل السنة والستقامة فإنهم قالوا :كان رضوان ال عليه
مصيباً في أفعاله قتله قاتلوه ظلماً وعدواناً ،وقال قائلون بخلف ذلك ،وهذا اختلف
بين الناس إلى اليوم .
ثم بويع علي بن أبي طالب رضوان ال عليه فاختلف الناس في أمره فمن بين
منكر لمامته ومن بين قاعد عنه ومن بين قائل بإمامته معتقد لخلفته ،وهذا
اختلف بين الناس إلى اليوم .
ثم حدث الختلف في أيام علي في أمر طلحة والزبير رضوان ال عليهم
وحربهما إياه وفي قتال معاوية إياه وصار علي ومعاوية إلى صفين . " 1
ومثل الخلفات الخرى كالخلف في موضع دفن الرسول وقتال مانعي الزكاة
وغيرها ،فلم تكد تظهر هذه الخلفات حتى تلشت بعد عرض المور على كتاب ال
وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم والرجوع إليهما .
18
ولكن الخلف الذي لم ينحل والنزاع الذي لم ينته كان هو ذلك الختلف الذي
شتت شمل المسلمين وفرق جمعهم وجعلهم فريقين كبيرين يرأس الول منهما علي
رضي ال عنه والثاني معاوية رضي ال عنه ،ونكرر القول بأن هذا الخلف لم يجر
واحداً منهما إلى تكوين مذهب جديد واعتناق عقائد جديدة ول إلى إنكار ما ثبت في
كتاب ال أو في سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ول النحراف عن الجادة
المستقيمة التي سلكها رسول ال صلى ال عليه وسلم ومن بعده أبو بكر وعمر
وعثمان الخلفاء الراشدون المهديون من بعد كما لم يكن هناك مباغضة للسابقين
الولين من المهاجرين والنصار والذين قضوا نحبهم قبل كما اختلقها شيعة اليوم ن
ول إثارة إلى الضغائن القبلية والمبنية على الحسب والنسب ،وخاصة لم يكن
لنصار علي رضي ال عنه ،الخلص منهم ،عقائد الشيعة اليوم ،المنطوية على
بغض السلف الصالح وعلى الخص أبو بكر وعمر وعثمان وأزواج رسول ال صلى
ال عليه وسلم أمهات المؤمنين ،والمبنية على إنكار القرآن الموجود بأيدي
الناس ،ول سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،التي أخذوها عن عبد ال بن سبأ
وتوارثوها عن اليهودية البغيضة كما سنبرهن ذلك قريباً إن شاء ال بل ،كانوا
محبين لصحاب محمد صلى ال عليه وسلم وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان
وأزواج النبي الطاهرات المطهرات ،والمقتفين آثارهم والمقتدين هداهم ،وعلى
رأسهم علي رضي ال عنه أمير المؤمنين وخليفة رسول ال المين الراشد الرابع
حيث كان يحبهم حباً جماً ويظهر موالته لهم ويعاند كل من يعارضهم ،ويعاقب كل
من يتكلم فيهم ،كما كان يحارب بكل قوة وشدة تسرب أفكار السبئية واليهودية في
أتباعه وأنصاره وشيعته ،ويطرد كل من يشك فيه بتسممه من هذه العقائد
المسمومة
فلقد ذكر الشيعة أنفسهم بأن علياً رضي ال عنه سمى أبناءه بأسماء الخلفاء
الراشدين السابقين الثلثة ،بأبي بكر وعمر وعثمان 1وابنه الحسين كذلك سمى
أبناءه بأي بكر وعمر 2وكذلك الخرون من أبناء علي وأبناء الحسين سمو أبناءهم
بأسماء هؤلء الخيار البررة تحبباً إليهم وتبرك ًا بهم . 3
- 1أعلم الورى للطبرسي ص ، 203الرشاد للمفيد ص ، 186تاريخ اليعقوبي ج 2ص ، 119مقاتل الطالبين
لبي الفرج الصبهاني ص ، 142كشف الغمة للربلي ج 2ص ، 64جلء العيون للمجلسي ص . 582
- 2أعلم الورى للطبرسي ص ، 213تاريخ اليعقوبي ج 3ص ، 228مقاتل الطالبين لبي الفرج الصبهاني ص
ص 78ص ، 119منتهى المال ج 1ص .240
- 3التنبيه والشراف للمسعودي الشيعي ص ، 263جلء العيون للمجلسي ص . 582
19
وأما القتداء والتباع فلقد ذكرنا عنه كثيراً في كتابنا ( الشيعة وأهل البيت )
ول نريد تكرار ما قلناه هناك فليرجع إلى ذلك ،ولكنا نثبت هاهنا عبارة عن ألد
أعداء السنة وأكبر السبابين اللعانين الشيعة ،عن المل باقر المجلسي الشيعي
اليراني الذي يلقب بخاتمة المحدثين ،والذي ألف أكبر مجموعة في الحديث باسم
( بحار النوار ) فهو يكتب في كتابه ( جلء العيون في حياة ومصائب أربعة عشر
معصوماً ) أن حسين بن علي بن أبي طالب صالح معاوية بن أبي سفيان على أنه
يعمل بين الناس بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم سيرة الخلفاء
الراشدين 1وأن ل يعين أحدًا بعده وأن يؤمن الناس أينما كانوا في الشام والعراق
والحجاز واليمن وأن يؤمن شيعة علي بن أبي طالب وأصحابه في أنفسهم وأموالهم
وأزواجهم وأولدهم وأخذ على هذه الشروط العهود المغلظة باليمين ." 2
فجعل الحسن بن علي ـ وهو المام الثاني عند الشيعة ـ أحد شروط الصلح مع
معاوية أن يكون متبعاً لسيرة الخلفاء الراشدين ،ولم يكن هؤلء إل أبا بكر وعمر
وعثمان وعلياً ،كما أنه لم يجعل العمل بسيرة هؤلء شرطاً من أهم الشروط إل لنه
كان يحسن فيهم الظن ويعتقد فيهم الخير ويؤمن بتقواهم وطهارتهم زيادة على
إيمانهم وإسلمهم الصحيح الخالص .
هذا ومثل هذا كثير لمن تتبع أخبار علي وأولده 3رضي ال عنهم ورحمهم
أجمعين .
ونريد أن نضيف إلى ذلك أن الخلف الذي وقع بين علي ومعاوية رضي ال
عنهما لم يؤد إلى التكفير والتفسيق فيما بينهم ول إلى المقاطعة الدائمة والمباغضة
البدية والهجران والقطيعة كما تصوره القوم في العصور المتأخرة وكما وضعت
الساطير والقصص ،بل كل واحد من الحزبين كان يعتقد بإيمان الخر وإسلمه
ويحب الصلح بينهما ويسعى إلى التوافق والتصالح ،وعلى ذلك صالح الحسن بن
علي معاوية رضي ال عنهم أجمعين وبايعه ،ولم يكن يظنه كافراً خارج ًا عن
السلم لما اتفق معه ولم يصالحه ولم يبايعه ولم يأمر ولم يأمر أخاه الحسين ول
قائد جيشه قيس بن سعد أن يبايعاه كما ثبت ذلك في كتب الشيعة وهذه هي ألفاظ
الكشي :
- 1فليلحظ لفظ الخلفاء الراشدين لن الذين أعمى ال أبصارهم ل يستحيون من تأويلت سخيفة ركيكة كلما
عرض عليهم دليل أو برهان مثبت في كتبهم وعن أعيانهم .
- 2جلء العيون للمجلسي ج 1ص 293ط طهران 1398هـ ،الفصول المهمة في معرفة أحوال الئمة ص
163ط طهران ،منتهى المال للعباس القمي ص . 314
3
-ونبذة غير يسيرة موجودة في كتابنا ( الشيعة وأهل البيت ) من أراد ذلك فليرجع إليه .
20
جبرائيل بن أحمد وأبو إسحاق حمدويه وإبراهيم ابنا نصير قالوا :حدثنا
محمد بن عبد الحميد العطار الكوفي عن يونس بن يعقوب عن فضل غلم محمد بن
راشد قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :إن معاوية كتب إلى الحسن بن
علي صلوات ال عليهما أن أقدم النصاري وقدموا الشام فأذن لهم معاوية وأعد لهم
الخطباء فقال :يا قيس قم فبايع ،فالتفت إلى الحسين عليه السلم ينظر ما يأمره
فقال يا قيس إنه إمامي ـ يعني الحسن عليه السلم ." 1
وقبل ذلك أبوه علي بن أبي طالب ـ وهو المام المعصوم الول عند الشيعة ـ
خاطب معاوية بقوله في رسالته التي أرسلها جوابا له ـ حسب زعم القوم :
" لم يمنعنا قديم عزنا وعادي طولنا على قومن أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا
وأنكحنا فعل الكفاء ." 2
وكذلك لو كان هناك مسألة الكفر والنفاق لما تزوجت رملة بنت علي بن أبي
طالب رضي ال عنه من معاوية بن مروان بن الحكم." 3
و( رملة ) بنت علي كانت أم سعيد [ بنت ] عروة بن مسعود الثقفي4وابنته
الثانية خديجة كانت متزوجة من عبد الرحمن بن عامر الموي ." 5
وكان أبوه عامر بن كريز الموي أميراً على البصرة من قبل معاوية وشريكاً
في حرب الجمل مع طلحة والزبير ضد علي "رضوان ال عليهم جميعاً " وأن
خديجة بنت علي كانت من أم ولد له كما ذكرها الطبرسي في العلم 6والمفيد في
الرشاد." 7
كما أن إحدى بناته تزوجت من عبد الملك بن مروان الخليفة الموي. 8
1
-رجال الكشي ص ، 102أيضاً منتهى المال ص ، 316و جلء العيون للمجلسي ج 1ص .395
2
-نهج البلغة تحقيق صبحي صالح ص 387 ، 386ط بيروت .
3
-نسب قريش ص ، 45جمهرة أنساب العرب ص . 87
4
-الرشاد للمفيد ص ، 186إعلم الورى للطبرسي ص . 203
5
-جمهرة أنساب العرب لبن حزم ص .68
6
-ص 203
7
-ص 186
8
-البداية والنهاية ج 9ص 69ط بيروت
21
وكما أن بنات الحسن وبنات الحسين زوجن من المويين وبنات المويين زوجن من
أبناء الهاشميين ومن أولد علي بالخص .ولقد ذكرنا هذه المصاهرات بين بني
أمية وبين بني هاشم في كتاب ( الشيعة وأهل البيت ) ومن أراد التفصيل فليرجع إلى
ذلك ولكن نذكر هاهنا واحدة من بنات الحسن وواحدة من بنات الحسين .فلقد
تزوجت سكينة بنت الحسين وحفيدة علي من حفيد عثمان بن عفان :زيد بن عمرو
بن عثمان
وزيد بن عمرو بن عثمان هذا هو الذي كانت عنده سكينة بنت الحسين فهلك عنها
فورثت عنه." 1
وكذلك نفيسة بنت زيد بن حسن بن علي تزوجت من الخليفة الموي الوليد
بن عبد الملك بن مروان ،قد ذكر هذا الزواج شيعي نسابة مشهور أيضاً في كتابه
وما أقبحه في التعبير :
" وكان لزيد بن الحسن بن علي ابنة اسمها نفيسة خرجت إلى الوليد بن عبد
الملك بن مروان فولدت له منه وماتت بمصر ....وكان زيد يفد إلى الوليد بن عبد
الملك ويقعده على سريره ويكرمه لمكان ابنته ودفع له ثلثين ألف دينار دفعة واحدة
." 2
والجدير بالذكر أن زيد بن الحسن هذا كان ممن حضر كربلء مع عمه الحسين
رضي ال عنه ،كما أن حفيدة الحسن بن علي :زينب بنت الحسن المثنى أيض ًا كان
متزوجة من الوليد بن عبد الملك الموي. 3
- 1نسب قريش للزبيري ج 4ص ، 120المعارف لبن قتيبة ص ، 94جمهرة أنساب العرب لبن حزم ج 1ص
، 86طبقات ابن سعد ج 6ص .349
- 2عمدة الطالب في أنساب أبي طالب ص ، 70طبقات ابن سعد ج 5ص . 234
- 3جمهرة أنساب العرب .
22
وأبوها الحسن بن المثنى أيضاً ممن حضر كربلء مع عمه وصهره الحسين وجرح
جرحًا شديدًا .ونلفت النظار إلى أن الستة من حفيدات الحسن من أبناء مختلفين كن
متزوجات من المويين من قادتهم وزعمائهم [ ،و هذه المصاهرات عدد منها
أصحاب النساب ] أكثر من عشرين مصاهرة [ وكلها حصلت بعد الخلف الذي ]
وقع بين علي ومعاوية وبعد حروب الجمل وصفين 1وكذلك تزوج كثير من
الهاشميين من بنات المويين ومن السرة الحاكمة بالذات كما كان بينهم الصلت
والهبات ولقاء وزيارات وخاصة بين أئمة الثني عشرية وعوائلهم حيث لم يقم واحد
منهم [ بمحاربة المويين ] ومنازعة ملكهم غير الحسين بن علي رضي ال عنهما .
وأما حروب والده العظيم علي بن أبي طالب مع معاوية فمشهورة معروفة ،كما أن
مصالحة أخيه الكبر مع معاوية أمر مشهور ل يستطيع إنكاره أحد ،وأما ما روي
عن ابن الحسين زين العابدين علي ،والراوي هو بخاري القوم الكليني [ ،حيث ]
يروي في صحيحه الذي قال فيه محدث الشيعة النوري الطبرسي " هو أحد الكتب
الربعة التي عليها تدور رحى الفرقة المامية .وكتاب الكافي بينها كالشمس بين
نجوم السماء ....وإذا تأمل فيها المنصف يستغني عن ملحظة حال آحاد رجال سند
الحاديث المودعة فيه وتورثه الوثوق ويحصل له الطمئنان بصدورها وثبوتها
وصحتها ." 2
أن علي بن الحسين قال ليزيد بن معاوية " :أنا عبد مكره ،فإن شئت فأمسك وإن
شئت فبع." 3
وكذلك كان البقية ممن أدركوا بني أمية ،وعلى منوالهم من أدركوا الدور العباسي
اللهم إل الذين حاربوا ونازعوا الملك فلم يكن حظهم حليفهم حيث حوربوا ممن
حاربوا وقتلوا ،كما لم يكن معاملة الشيعة وخاصة الثني عشرية مع أئمتهم طيبة
حيث رفضوهم وكفروهم ،فقوتلوا وحوربوا من جانب ( العداء ) وكفروا ورفضوا
من قبل ( الحياء ) بدعوى :من ادعى المامة وليس من أهلها فهو كافر.4
وعن الحسين بن المختار قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :جعلت فداك :ويوم
ترى الذين كذبوا على ال ؟ قال :كل من زعم أنه إمام وليس بإمام ،قلت وإن كان
فاطمي ًا علوياً ." 3
- 1ول ندري من أين جاء الشيعة بهذه العتقادات أن محاربة علي كفر ،والمحارب معه كافر ،فهؤلء أولده
وأهل بيته يكذبون هذه القاويل ويفندون هذه المزاعم .
- 2مستدرك الوسائل للطبرسي ج 3ص 546ط مكتبة دار الخلفة طهران 1321هـ .
- 3كتاب الروضة من الكافي ج 8ص . 235
- 4الكافي في الصول ج 1ص . 373
23
وحصيلة البحث أن التشيع الول لم يكن مدلوله العقائد المخصوصة والفكار
المدسوسة ،كما لم تكن الشيعة الولى إل حزبًا سياسياً يرى رأي علي رضي ال
عنه دون معاوية رضي ال عنه في عصر علي .وأما بعد استشهاده وتنازل الحسن
عن الخلفة فكانوا مطاوعين لمعاوية أيضاً ،مبايعين له ،كما حصل مع إمامهم
الحسن وأخيه الحسين وقائد عساكره قيس بن سعد ،ولم يكن بينهم خلف ديني ول
نزاع قبلي ول عصبية الحسب والنسب ،وكانوا يفدون على الحكام ويصلون
خلفهم ،كما كان الحسن والحسين هما ابنا علي وفاطمة وسبطا رسول ال صلى ال
عليه وسلم يفدان على معاوية .
" فلما استقرت الخلفة لمعاوية كان الحسين يتردد إليه مع أخيه الحسن فيكرمهما
ل ،ويعطيهما عطاء جزيل وقد أطلق معاوية إكرام ًا زائداً ،ويقول لهما :مرحب ًا وأه ً
لهما في يوم واحد مائتي ألف ،وقال :خذاها وأنا بن هند ،وال ل يعطيكماها أحد
قبلي ول بعدي ،فقال الحسين :وال لن تعطي أنت ل وأحد قبلك ول بعدك رجل
أفضل منا .ولما توفي الحسن كان الحسين يفد إلى معاوية في كل عام فيعطيه
ويكرمه ." 1
وكذلك ذكر المجلسي عن جعفر بن الباقر ـ المام السادس عند الشيعة ـ أنه قال
المام الحسن يوماً للمام الحسين وعبد ال بن جعفر إن هدايا معاوية ستصل في
أول يوم من الشهر القادم ولم يأت هذا اليوم إل وقد وصلت الموال من معاوية وكان
المام الحسن بن علي [ مديناً بديون كثيرة فأداها ] من ذلك المال وقسم الباقي بين
أهله وشيعته ،وأما المام الحسين فبعد أداء الديون قسم ماله إلى ثلث حصص
قسم ًا لشيعته وخاصته وقسمين لهله وعياله ،وكذلك عبد ال بن جعفر ." 2
وكذلك ذكر الكليني أن مروان بن الحكم فرض لعلي بن الحسين مالً كما فرض
لشباب المدينة الخرين :
استعمال معاوية مروان بن الحكم على المدينة وأمره أن يفرض لشباب قريش ،
ففرض لهم فقال علي بن الحسين عليهما السلم :فأتيته فقال :ما اسمك ؟ فقلت :
علي بن الحسين ،ففرض لي ." 3
وكذلك عم الحسين والخ الكبر لعلي رضي ال عنه ،عقيل بن أبي طالب كان يفد
على معاوية رضي ال عنهما ويأخذ منه الهدايا والهبات ومرة "أعطاه مائة ألف
درهم ." 4
وقد أقر بذلك ابن أبي الحديد الشيعي حيث كتب :
24
ومعاوية أول رجل في الرض وهب ألف ألف ،وابنه يزيد أول من ضاعفه ،كان
يجيز الحسن والحسين بن علي في كل عام لكل واحد منهما بألف ألف درهم وكذلك
كان يجيز عبد ال بن عباس وعبد ال بن جعفر." 1
وكذلك أبو مخنف الغالي :
وكان معاوية يبعث إليه ( أي إلى الحسين ) في كل سنة ألف ألف دينار سوى الهدايا
من كل صنف ." 2
كما كانوا يصلون خلف الحكام وأمراء معاوية ،وقد ذكر جعفر بن محمد الباقر عن
أبيه علي زين العابدين " أن الحسن والحسين كانا يصليان خلف مروان ول يعيدانها
،ويعتدان بها."3
وكان مروان أميراً آنذاك على المدينة كما أن أبان بن عثمان أمير المدينة من قبل
عبد الملك بن مروان الموي قدم إلى الصلة من قبل علي بن محمد بن علي
المشهور بمحمد بن الحنفية حيث قال له أبو هاشم بن محمد بن علي :
نحن نعلم أن المام أولى بالصلة ولول ذاك ما قدمناك فتقدم فصلى عليه." 4
كما صلى على ابن أخي علي عبد ال بن جعفر الطيار ." 5
وكما صلى أبوه على جدهم عم النبي صلى ال عليه وسلم وعم علي رضي ال عنه
ن علي عباس بن عبد المطلب :
توفي العباس في يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من رجب وقيل من رمضان سنة
ثنتين وثلثين ،عن ثمان وثمانين سنة ،وصلى عليه عثمان بن عفان ودفن بالبقيع
." 6
هذا ومثل هذا لكثير .
25
وبعد هذا العصر تطور التشيع وتغيرت الشيعة ،وتأثر وتأثروا من أفكار يهودية
ومجوسية ونصراني ،وبعقائد مدخولة مدسوسة ،نقمة على الحكام ومخدوعين
بالتزويرات اليهودية والدسائس المجوسية ،ومتأثرين من الذين تظاهروا بالسلم
تستراً على مكايدهم الخبيثة وتدابيرهم الهدامة ،ومن الختلط بالفرس والبابليين ،
ومن الموالي الكارهين للعرب ،الحاكمين عليهم والفاتحين بلدهم ،والخذين زمام
أمورهم .
والذي تولى كبر هذه العقائد والفكار كان عبد ال بن سبأ مبعوث اليهود المتستر
وراء اسم السلم ،والمؤجج نار الفتنة ،والنافخ فيها ضد أمير المؤمنين وخليفة
المسلمين المنتخب بالتفاق ،صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم وزوج ابنتيه
وابن عمته ،الجواد الكريم ،السخي ذي النورين عثمان بن عفان رضي ال عنه ،
كما سنتحدث عنه في الباب التي مفصلً وبالدلة والبراهين إن شاء ال تعالى
ول شك أن كثيرًا من أتباعه ـ أي عبد ال بن سبأ ـ السبئيين والمجوس واليهود
والمنافقين دخلوا في معسكر علي رضي ال عنه تحت ستار شيعة علي ،كما دخل
بعض منهم في معسكر معاوية رضي ال عنه ولكنهم لم يكونوا ل من شيعة ول من
شيعة معاوية ،بل هم كانوا كتلة مستقلة وفئة باغية ،لها أفكارها وعقائدها ،ولها
أغراضها وأهدافها ،وهم الذين كانوا يسعون بالفساد ويضرمون نار الحرب كلما
أراد الطرفان لصلح والتحاد بينهما ،ومنهم نشأت فتنة الخوارج الذين كفروا علياً
وعثمان ومعاوية معاً ،لنه لم يكن همهم إسقاط خلفة عثمان ول تحريض الناس
عليه ،بل كان كل ما يقصدون هو القضاء على دولة السلم وسد باب فتوحاتهم
وغزواتهم ،ولذلك عندما نجحوا بإيقاع الفتنة بين المسلمين وتأليبهم على خليفة
رسول ال الراشد الثالث وتفريق كلمة المؤمنين والتشتيت بينهم ،تألبوا على عليّ
كما تألبوا عليه وهذا مما ل ينكره إل مكابر أو مجادل بل حق وعلم وبصيرة .
ومما ل شك فيه أن الشيعة الولى المخلصين كانوا من هؤلء براء ،كما كان إمامهم
وقائدهم يتبرأ منهم ويطردهم ويقتلهم .نعم ولكن الشيعة ـ أي شيعة علي كان يغلب
عليهم التخاذل والتكاسل والجبن وعدم الستقامة والعزيمة والنجدة والجلد والمروءة
عكس ما كانوا عليه شيعة عثمان أو شيعة معاوية رضي ال عنهما ،كما كان يغلب
عليهم عدم الوفاء والخلص والمانة والصدق عكس مخالفيهم ،وعلى ذلك كان
علي رضي ال عنه يشكو منهم ويواجه الصعاب والمتاعب مع شجاعته النادرة
وجرأته المشهورة وإقدامه المعروف وتفوقه على القران ،ولجل ذلك كان يقول
لهم :
يا أشباه الرجال ول رجال ،حلوم الطفال ،وعقول ربات الحجال ،لوددت أني لم
أركم ولم أعرفكم معرفة ـ وال ـ جرت ندما وأعقبت [ سقما ] ،قاتلكم ال لقد ملتم
قلبي قيحا ،وشحنتم صدري غيضا ،وجرعتموني نغب التهام أنفاسا ،وأفسدتم علي
رأيي بالعصيان والخذلن ،حتى قالت قريش :إن ابن أبي طالب ل علم له بالحرب .
26
ل أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراسا ،وأقدم فيها مقاما مني لقد نهضت فيها وما
بلغت العشرين ،وها أنا ذا قد ذرفت على الستين ،ولكن ل رأي لمن ل يطاع."1
ويقول مقارناً بينهم وبين شيعة معاوية :
أما والذي نفسي بيده ،ليظهرن هؤلء القوم عليكم ،ليس لنهم أولى بالحق منكم
ولكن لسراعهم إلى باطل صاحبهم ،وإبطائكم عن حقي .ولقد أصبحت المم تخاف
ظلم رعاتها ،وأصبحت أخف ظلم رعيتي ،استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا ،وأسمعتكم
فلم تسمعوا ،ودعوتكم سرا وجهرا فلم تستجيبوا ،ونصحت لكم فلم تقبلوا :أشهود
كغياب وعبيد كأرباب ،أتلو عليكم الحكم فتنفرون منها ،وأعظكم بالموعظة البالغة
فتفرقون عنها ،وأحثكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتى أراكم
متفرقين أيادي سبا ،ترجعون إلى مجالسكم ،وتتخادعون عن مواعظكم ،أقومكم
غدوة وترجعون إلى عشية ،كظهر الحنين ،عجز المقوم وأعضل المقوم .
أيها القوم الشاهدة بأبدانهم ،الغائبة عنهم عقولهم المختلفة أهواءهم ،
المبتلى بهم أمراؤهم ،صاحبكم يطيع ال وأنتم تعصونه ،وصاحب أهل الشام يعصي
ال وهم يطيعونه .لوددت وال أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ
مني عشرة منكم وأعطاني رجل منهم .
يا أهل الكوفة منيت بكم بثلث واثنتين ،صم ذوو أسماع ،وبكم ذوو كلم ،
وعمى ذوو أبصار ،ل أحرار صدق عند اللقاء ول إخوان ثقة عند البلء ،تربت
أيديكم يا أشباه البل غاب عنها رعاتها ،كلما جمعت من جانب تفرقت من آخر ،
وال لكأني بكم فيما أخالكم أن لو حمس الوغى ،وحمي الضراب قد انفرجتم عن ابن
أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها ."2
وأكبر دليل على خذلن الشيعة علياً أن أخاه الحقيقي وكبير شيعته وابن أبيه
عقيل بن أبي طالب تركه والتحق بمعاوية رضي ال عنه وحارب تحت لوائه ضده
كما أقر بذلك مؤرخ شيعي كبير :
إن عقيلً فارق أخاه علياً في أيام خلفته وهرب إلى معاوية وشهد صفين
معه." 3
وأما ما فعلوه بالحسن وبعده بالحسين فهذه ودائع في التاريخ ل يمكن التستر
عليها ،ولو سردنا كل ذلك لطال بنا الكلم .
وأما عدم أمانتهم و[ عدم ] صدقهم وصفائهم فقد أقر بذلك جعفر بن الباقر
الملقب بـ[ الصادق ] حيث ذكر أمامه أحد تلمذته عبد ال بن يعفور قال :
- 1نهج البلغة ص 67
- 2عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 15ط الهند .
- 3الصول من الكافي ج 1ص . 237
27
قلت لبي عبد ال عليه السلم :إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام ل
يتولونكم ليس لهم تلك المانة ول الوفاء ول الصدق .قال :فاستوى أبو عبد ال
عليه السلم جالساً فأقبل علي كالغضبان ،ثم قال :ل دين لمن دان ال بولية إمام
ليس من ال ول عتب على من دان بولية إمام من ال ." 2
فهذا كل ما أردنا أن نثبته في هذا الباب .وأما النقاط على الحروف فسنضعها
في الباب الثاني إن شاء ال تعالى .
الباب الثاني
التشيع والسبأية
إن الشيعة الولى مع ما كان فيهم من التخاذل عن الحق والتكاسل عن
مناصرة قائدهم علي ـ رضي ال عنه ـ وجبنهم وغدرهم وخيانتهم وحبهم الدنيا وما
فيها وإيثار الحياة على الموت في سبيل الحق كما وصفهم علي ـ رضي ال عنه ـ
مخاطباً إياهم :
28
وإني وال لظن أن هؤلء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم ،
وتفرقكم عن حقكم ،وبمعصيتكم إمامكم في الحق ،وطاعتهم إمامهم في الباطل ،
وبأدائهم المانة إلى صاحبهم وخيانتكم وبصلحهم في بلدهم وفسادكم ،فلو ائتمنت
أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلقته." 1
كانوا مع ذلك كله ل يختلفون عن الخرين في العقائد والفكار كإنكار القرآن
والعتقاد بتحريفه وتغييره ،وإنكار السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلة
والسلم ،كما لم يكونوا مكفرين لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ومنكرين
فضلهم ،وبخاصة الخلفاء الراشدون الثلثة ،أبو بكر وعمر وعثمان ،وأزواج
النبي صلوات ال عليه وسلمه عليه أمهات المؤمنين ولم [ يكن لهم ] مذهباً خاصاً
غير مذهب المسلمين ،العامة ول عبادات وشعائر وطقوسا مخصوصة ،فكانوا
يصلون بصلواتهم وخلفهم ،ويحجون بحججهم وتحت إمرتهم ،كما كانوا
يصاهرونهم ،يزوجونهم ويتزوجون منهم قبل الحروب وبعدها ،وقبل الحوادث
الليمة وبعدها كما بيناه سابقاً وكما سنبينه مفصلً إن شاء ال ،إل من تأثر بالفكار
المدخولة والدسائس اليهودية والفكار غير السلمية من السبئيين المتظاهرين
بالسلم ،والمتسترين به ،وخرج بذلك عن الجادة المستقيمة ،وعن جماعة علي
وشيعته ،كالسبئيين والخوارج وغيرها من الفرق المنحرفة الضالة الباغية الذين
ليس لهم علقة ل بعلي ول بأولده ،وهو والطيبون من أولده منهم براء ،وقد
اخترعوا في الدين وباسم الدين ما لم ينزل به القرآن ولم يتكلم به رسول ال صلى
ال عليه وسلم .
29
فكان الولون على ذل ولم ينقل عن واحد منهم خلف هذا ولكنهم بعد ذلك
بزمان وخصوص ًا بعد شهادة الحسين ـ رضي ال عنه ـ تمسكوا بنفس الفكار التي
كانت تحملها السبئية وبث سمومها اليهودية والمجوسية وغيرها من الفرق الباطلة
الهدامة المعاندة للمة السلمية ،فاعتنقوها وعلى قدر الغراق والتمسك
والعتصام بهذه الفكار زادوا في الضللت والسفاهات ،وافترقوا بفرق ،فمنهم من
غالى وجازف وتجاوز جميع الحدود ،فسموا المغالين ،ومنهم من توسط ل في
الحق ولكنه في الخذ عن الباطل فسموا المتوسطين ،ومنهم من أخذ أشياء يسيرة
واغترف غرفة أو غرفتين ولم ينزل في قعرها ولم يسبح في وسطها فسموا
المعتدلين والمنصفين ،ولكن كل هؤلء يجمعهم التلمذة على اليهودية الثيمة
والتشبث بأذيال عبد ال بن سبأ ،ابن سوداء اليهودي الخبيث الماكر ،فكل أخذ
بقدره واكتفى بحظه ،اللهم إل من تبرأ منهم علناً وجهراً ومن أفكارهم ،فرفضوه
على تبرئه الكامل ،1وكانت هذه الفكار والراء التي دست بين المسلمين
وخصوصا بين الموالين لعلي 2وأولده بعد مؤامرة دبرت واحكم نسيجها من قبل
يهود اليمن باشتراك الخرين على يد عبد ال بن سبأ ،تتكون من تفريق كلمة
المسلمين وتشتيت شملهم وإيقاع الفتن وسل السيوف بينهم وإفساد الدين على
المسلمين ونشر الباحية واللحاد ،ولقصد تبديل الشريعة السماوية وتغييرها
وتعطيلها ،وعلى ذلك قال السفراييني 3بعد ذكر جميع فرق الشيعة .
وأعلم أن جميع من ذكرناهم من فرق المامية متفقون على تكفير الصحابة
ويدعون أن القرآن قد غير عما كان ووقع فيه الزيادة والنقصان من قبل الصحابة
ويزعمون أنه ل اعتماد على القرآن الول ول على شيء من الخبار المروية عن
المصطفى صلى ال عليه وسلم ،ويزعمون أنه قد كان في القرآن النص على إمامة
علي فأسقطه الصحابة عنه .ويزعمون أنه ل اعتماد على الشريعة التي في أيدي
المسلمين ،وينتظرون إماماً يسمونه المهدي يخرج ويعلمهم الشريعة وليسوا في
الحال على شيء من الدين ،وليس مقصودهم من هذا الكلم تحقيق الكلم في
المامة ،ولكن مقصودهم إسقاط كلمة تكليف الشريعة عن أنفسهم ،حتى يتوسعوا
في استحلل المحرمات الشريعة ،ويعتذر عند العوام بما يعدونه من تحريف
الشريعة ،وتغيير القرآن من عند الصحابة ،ول مزيد على هذا النوع من الكفر ،إذ
ل بقاء فيه على شيء من الدين." 4
- 1كأتباع زيد بن علي بن الحسين المنصفون منهم ،ولو أن بعضاً منهم يدعي اتباعه بنهج نفيس المنهج ويسلك
نفس المسلك كما سيأتي بيانه مفصلً إن شاء ال .
- 2لنهم استعملوا اسم علي وأهل بيته ـ كذباً وزوراً ـ لتستر على نواياهم الخفية ومقاصدهم الخبيثة ،ولذلك اغتر
بهم قوم يدعون موالة علي وأهل بيته ـ رضوان ال عليهم أجمعين .
- 3هو أبو المظفر شاهنور بن طاهر بن محمد السفراييني الشافعي المفسر ،إمام بارع ،صنف التفسير الكبير
وصنف في الصول وسافر في طلب العلم وحصل الكثير ،ارتبطه نظام الملك بطوس ،فأقام بها سنين ودرس بها
العلوم وأفاد الكثير ،واستفاد الناس منه ،وله مؤلفات عديدة منها كتاب التبصير توفي سنة 471هـ .
- 4التبصير في الدين للسفراييني ص 43ط بغداد .
30
هذا وبما أننا ذكرنا ونريد أن نذكر ونثبت أن تطور التشيع الول وتغيير
الشيعة الولى لم يكن إل لدخال الفكار اليهودية والمجوسية ،والمتمثلة في عبدال
بن سبأ أو السبئية واعتناق الشيعة لها واعتقادها ،فل بد لنا أن نذكر عبد ال بن
سبأ وجماعته السبئيين ومساعيهم لنشر الفتنة والفساد وبث سموم المعتقدات غير
السلمية في نفوس الضعفاء والجهلة من الناس لن الكلم إل على الكلم حولهم
وحولها أي السبئيين وأفكارهم .
عبد ال بن سبا والسبئية
إن عبد ال بن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء .أمه سوداء " وقد كان عبد
ال بن سبأ هذا يهودياً في قلبه حفيظة على الدين الجديد الذي أزال ما كان اليهود
يتمتعون به من الهيمنة والسلطان على عرب المدينة والحجاز عامة ،فأسلم في أيام
عثمان ،ثم تنقل في بلد الحجاز ،ثم ذهب إلى البصرة ،ثم إلى الكوفة ،ثم إلى
الشام ،وهو يحاول في كل بلد ينزل بها أن يضل ضعاف الحلم ،ولكنه لم يستطع
السبيل إلى ذلك ،فأتى مصر فأقام بين أهلها ،وما فتئ يلفتهم /عن أصول دينهم ،
ويزيد لهم بما يزخرفه من القول حتى وجد مرتعاً خصيب ًا ،وكان مما قاله لهم :إني
لعجب كيف تصدقون أن عيسى بن مريم يرجع إلى هذه الدنيا وتكذبون أن محمداً
يرجع إليها ؟ .وما زال بهم حتى انقادوا إلى القول بالرجعة وقبلوا ذلك منه ،فكان
هو أول من وضع لهل هذه الملة القول بالرجعة وقبلوا ذلك منه ،إنه قد كان لكل
نبي وصي ،وأن علي بن أبي طالب هو وصي محمد صلى ال عليه وسلم ! وليس
في الناس من هو أظلم ممن احتجر وصية رسول ال ولم يجزها ،بل هو يتعدى ذلك
فيثب على الوصي ويقتسره على حقه ،وإن عثمان قد أخذ حق على وظلمة ،
فانهضوا في هذا المر ،وليكن سبيلكم إلى إعادة الحق لهله الطعن على أمرائكم
وإظهار المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فإنكم تستميلون بذلك قلوب الناس ،
واتخذ لهذه الدعوة وأنصار بثهم في المصار ،وما زال يكاتبهم ويكاتبونه حتى نفذ
قضاء ال ،وكان الضحية الولى لهذه المؤامرة ذلك الخليفة الذي قتل مظلوم ًا ،
1
وبين يديه كتاب ال واعتدى على منزله وحرمه ،وكان قضاء ال قدراً مقدورا ".
1
-مقالت السلميين للشعري ج 1ص 50الهامش ط مصر .
31
ولقد ذكره أقدم المؤرخين الطبري عنه بقوله ":كان عبد ال بن سبأ يهودياً
من أهل صنعاء أمه سوداء فأسلم زمان عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول
ضللتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام فلم يقدر على ما يريد عند أحد
من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول لعجب ممن
يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمد يرجع وقد قال ال عز وجل { إن الذي
فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } فمحمد أحق بالرجوع من عيسى قال فقبل ذلك
عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها ثم قال لهم بعد ذلك أنه كان ألف نبي ولكل نبي
وصي وكان علي وصي محمد ثم قال محمد خاتم النبياء وعلى خاتم الوصياء ثم
قال بعد ذلك من أظلم ممن لم يجز وصية رسول ال صلى ال عليه وسلم ووثب على
وصي رسول ال صلى ال عليه وسلم وتناول أمر المة ثم قال لهم بعد ذلك إن
عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول ال صلى ال عليه وسلم فانهضوا في هذا
المر فحركوه وابدءوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا المر بالمعروف والنهي عن
المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا المر فبث دعاته وكاتب من كان استفسد
في المصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم وأظهروا المر بالمعروف
والنهي عن المنكر وجعلوا يكتبون إلى المصار بكتب يضعونها في عيوب ولتهم
ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون
فيقرأه أولئك في أمصارهم وهؤلء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا
الرض إذاعة يريدون غير ما يظهرون ويسرون غير ما يبدون فيقول أهل كل مصر
إنا لفي عافية مما فيه الناس وجامعه محمد وطلحة من هذا المكان قالوا فأتوا عثمان
فقالوا يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا قال ل وال ما جاءني إل
السلمة قالوا فإنا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم قال فانتم شركائي وشهود
المؤمنين فأشيروا علي قالوا نشير عليك أن تبعث رجا ًل ممن تثق بهم إلى المصار
حتى يرجعوا إليك بأخبارهم فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة وأرسل أسامة
بن زيد إلى البصرة وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر وأرسل عبد ال بن عمر إلى
الشام وفرق رجالً سواهم فرجعوا جميعاً قبل عمار فقالوا أيها الناس ما أنكرنا شيئاً
ول أنكره أعلم المسلمين ول عوامهم وقالوا جميعاً المر أم المسلمين إل أن
أمرائهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم واستبطأ الناس عمارًا حتى ظنوا أنه قد
اغتيل فلم يفجأهم إل كتاب من عبد ال بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عمار قد
استماله قوم مصر وقد انقطعوا إليه منهم عبد ال بن السوداء وخالد بن ملجم و
سودان بن حمران وكنانة بن بشر ." 1
وبمثل ذلك قال ابن كثير وابن الثير. 2
1
-الطبري ج 5ص . 99-98
2
-البداية والنهاية ج 7ص 167ط بيروت
32
وقال ابن خلدون في تاريخه عنه :
" إن عبد ال بن سبأ يعرف بابن السوداء كان يهودياً فهاجر أيام عثمان فلم
يحسن إسلمه ،فأخرج من البصرة فلحق بالكوفة ثم بالشام وأخرجوه فلحق
بمصر ،وكان يكثر الطعن على عثمان ويدعو في السر إلى أهل البيت ....وكان
يحرض الناس على القيام في ذلك والطعن على المراء فاستمال الناس بذلك في
المصار وكاتب به بعضهم بعض ًا ،وكان معه خالد بن ملجم وسودان بن حمران
وكنانة بن بشر ،فثبطوا عمارًا عن المسير إلى المدينة ( ،وكان مما أنكروه على
عثمان ) إخراج أبي ذر من الشام ومن المدينة إلى الربذة ،وكان الذي دعا إلى ذلك
شدة الورع من أبي ذر وحمله الناس على شدائد المور والزهد في الدنيا ،وأنه ل
ينبغي لحد أن يكون عنده أكثر من قوت يومه ،ويأخذ بالظاهر في ذم الدخار بكنز
الذهب والفضة ،وكان بن سبأ يأتيه فيغريه بمعاوية ويعيب قوله :المال مال ال ،
ويوهم أن في ذلك احتجانه للمال وصرفه على المسلمين حتى عاتب أبو ذر معاوية ،
فاستعتب له وقال :سأقول :مال المسلمين ،واتى ابن سبأ إلى أبي الدرداء وعبادة
بن الصامت بمثل ذلك ،فدفعوه ،وجاء به عبادة إلى معاوية وقال :هذا الذي بعث
عليك أبا ذر ." 1
وقد ذكره الحافظ ابن حجر عن [ ابن ] عساكر في تاريخه :
" كان أصله من اليمن ،وكان يهودياً فأظهر السلم وطاف بلد المسلمين
ليلفتهم عن طاعة الئمة ويدخل بينهم الشر ،ودخل دمشق لذلك ." 2
ومثل ذلك قال السفراييني :
" إن ابن سوداء كان رجلً يهودياً ن وكان قد تستر بالسلم ،أراد أن يفسد
الدين على المسلمين ." 3
وأما سعيه للفتنة والفساد فلقد ورد طرف من أخباره فيما ذكرناه وكما ذكره
الطبري مفصلً في تاريخه أنه كان يوماً في البصرة ويوماً في الكوفة ويوماً في
مصر كما ذكر عن حكيم بن جبلة .
1
-تاريخ ابن خلدون ج 2ص 139تحت عنوان بدا النتقاص على عثمان .
2
-لسان الميزان ج 3ص . 289
3
-التبصير في الدين لبي المظفر السفراييني :ص . 109
33
لما مضى من إمارة ابن عامر ثلث سنين بلغه أنه في عبد القيس رجلً نازلً
على حكيم بن جبلة وكان حكيم بن جبلة رجلً لصاً إذا قفل الجيش خنس عنهم ،
فسعى في أرض فارس يغير على أهل الذمة ويتنكر لهم ويفسد في الرض ويصيب
ما شاء ن ثم يرجع فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان ،فكتب إلى عبد ال بن
عامر أن احبسه ومن كان مثله فل يخرجن من البصرة حتى تأنسوا منه رشدا ،
فحبسه فكان ل يستطيع أن يخرج منها ،فلما قدم ابن السوداء نزل عليه واجتمع
إليه نفر فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرح فقبلوا منه واستعظموه ،وأرسل إليه
ابن عامر فسأله من أنت ؟ .فأخبر أنه رجل من أهل الكتاب رغب في السلم ورغب
في جوارك ،فقال :ما يبلغني ذلك ،فاخرج عني فخرج حتى أتى الكوفة فأخرج منها
فاستقر بمصر وجعل يكاتبهم ويكاتبونه ويختلف الرجال بينهم ." 1
ثم كان في مصر ،ومن مصر جاء مع قتلة عثمان إلى المدينة .
خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء ،المقلل يقول ستمائة
والمكثر يقول ألف على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر الليثي
وسودان بن حمران السكوني وقتيرة بن فلن السكوني وعلى القوم جميعاً الغافقي
بن حرب العكي ،ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب وإنما خرجوا
ومعهم ابن سوداء." 2
ولقد كتب أحمد أمين المصري عنه :
" إن ابن السوداء أتى إلى أبي الدرداء وعبادة بن الصامت فلم يسمعا قوله
وأخذه عبادة إلى معاوية وقال له :هذا وال الذي بعث عليك أبا ذر ،ونحن نعلم أن
ابن السوداء هذا لقب به عبد ال بن سبأ ،وكان يهودياً من صنعاء أظهر السلم في
عهد عثمان وأنه حاول أن يفسد على المسلمين دينهم ،وبث في البلد عقائد كثيرة
:في الحجاز والبصرة -والكوفة والشام ومصر ،فمن المحتمل القريب أن يكون
قد تلقى هذه الفكرة من مزدكية العراق أو اليمن ." 3
وكتب أيضاً :
" وهو الذي حرك أبا ذر الغفاري لدعوة الشتراكية وهو الذي كان من أكبر
من ألب على عثمان في المصار ....والذي يؤخذ من تاريخه أنه وضع تعاليم لهدم
السلم وألف جمعية سرية لبث تعاليمه واتخذ السلم ستارًا يستر به نواياه ،نزل
البصرة بعد أن أسلم ونشر فيها دعوته ،فطرده واليها ،ثم أتى الكوفة فاخرج
منها ،ثم جاء مصر فالتف حوله أناس من أهلها ". 4
1
-الطبري ج 5ص 90
2
-الطبري ج 5ص . 104 ، 103
3
-فجر السلم ص . 111 ، 110
4
-نفس المصدر ص . 269
34
وقبل أن نستطرد في السباب التي جعلوها وسيلة لتفريق كلمة المسلمين
وتشتيت شملهم وتمزيق كلمتهم والتآمر على أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ،
صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم وصهره ذي النورين عثمان بن عفان ـ
رضي ال عنه ـ نريد أن نذكر العقائد اليهودية التي نفث سمومها هذا الخبيث ،
الملعون على لسان علي ـ رضي ال عنه ـ وأتقنها القوم ،وفرعت عليه الفروع ،
وعليها وبها افترقت فرقهم وذهب كل فريق منهم إلى ما يهوونه ويشتهونه .
الفكار اليهودية المدسوسة
ولقد أخبرنا عن أفكار ابن السوداء هذا ،والتي حملها من اليهود المبغضين
لرسول ال صلى ال عليه وسلم الصادق المين وأمته أشد البغض وما جاء به عن
ال تبارك وتعالى ،الناقمين عليه وعليهم ،والمكايدين والماكرين له ولهم ،من أول
يوم دخلوا يثرب وحولوها إلى المدينة ،وقضوا على يهود قيقناع وبني النضير
وبني المصطلق ويهود خيبر وغيرهم ،يخبرنا عن كل ذلك أقدم مؤرخ شيعي ،وأول
من كتب في الفرق من القوم أل وهو النوبختي أبو محمد الحسن بن موسى من
أعلم الشيعة في القرن الثالث للهجرة فقال :
" السبئية :أصحاب عبد ال بن سبأ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر
وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم ،وقال :إن علياً ـ عليه السلم ـ أمره بذلك ،
فأخذه علي فسأله عن قوله هذا ،فأقربه ،فأمر بقتله ،فصاح الناس إليه :يا أمير
المؤمنين أتقتل رجلً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى وليتك والبراءة من أعدائك ؟ .
فصيره إلى المدائن.
وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي ـ عليه السلم ـ أن عبد ال بن
سبأ كان يهودياً فأسلم وولى علياً ـ عليه السلم ـ وكان يقول وهو علي يهوديته في
يوشع بن نون بعد موسى ـ عليه السلم ـ بهذه المقالة ،فقال بعد إسلمه في علي ـ
عليه السلم ـ بمثل ذلك ،وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي ـ عليه السلم
ـ وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه ،فمن هناك قال من خالف الشيعة إن
أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ،ولما بلغ عبد ال بن سبأ نعى علي بالمدائن قال
للذي نعاه :كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلً
لعلمنا أنه لم يقتل ،ول يموت حتى يملك الرض." 1
ويذكر أبو عمرو بن عبد العزيز الكشي من علماء القرن الرابع للشيعة في
أقدم كتاب شيعي في الرجال عديدا من الروايات عن عبد ال بن سبأ وعقائده
وأفكاره نثبت بعضاً منها هاهنا :
1
-فرق الشيعة للنوبختي ص 42 ، 41ط المطبعة الحيدرية نجف بتعليق آل بحر العلوم ط 1959م .
35
" حدثني محمد بن قولويه .قال :حدثني سعد بن عبد ال .قال حدثنا يعقوب بن
يزيد ومحمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب الزدي عن أبان بن
عثمان قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :لعن ال عبد ال بن سبأ إنه
ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلم ،وكان وال أمير المؤمنين عليه
السلم عبداً ل طائع ًا ،الويل لمن كذب علينا ،وأن قوماً يقولون فينا ما ل نقوله في
أنفسنا ،نبرأ إلى ال منهم ،نبرأ إلى ال منهم ".
وبهذا السناد عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن
عيسى عن أبيه والحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي
حمزة الثمالي قال :قال علي بن الحسين ـ صلوات ال عليهما :لعن ال من كذب
علينا إني ذكرت عبد ال بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي ،لقد ادعى أمراً عظيماً
ماله لعنه ال ،كان علي ـ عليه السلم ـ وال عبداً صالحاً أخا رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،ما نال الكرامة من ال إل بطاعته ل ولرسوله صلى ال عليه وآله ،
وما نال رسول ال صلى ال عليه وآله الكرامة من ال إل بطاعته ل .
وبهذا السناد :عن محمد بن خالد الطيالسي عن ابن أبي نجران عن عبد ال
[ بن سنان ] قال :قال أبو عبد ال ـ عليه السلم ـ إنا أهل بيت صديقون ل نخلوا
من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ،كان رسول ال صلى
ال عليه وآله أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها وكان مسيلمة يكذب عليه ،
وكان أمير المؤمنين عليه السلم أصدق من برأ ال بعد رسول ال وكان الذي يكذب
عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على ال الكذب عبد ال بن سبأ .
وذكر بعض أهل العلم أن عبد ال بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً ـ عليه
السلم ـ وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون ( وصي موسى بالغلو )
فقال في إسلمه بعد وفاة رسول ال صلى ال عليه وآله في علي ـ عليه السلم ـ
مثل ذلك ،وكان أول من أشهر بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه
وكاشف مخاليفه وكفرهم فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل التشيع والرفض
مأخوذ من اليهودية ." 1
وقال الحلي الشيعي الحسن بن علي في كتابه الرجالي المشهور :
" عبد ال بن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو ،كان يدعي النبوة وأن علياً ـ
عليه السلم ـ هو ال ،فاستتابه عليه السلم ثلثة أيام فلم يرجع ،فأحرقه في النار
في جملة سبعين رجلً ادعوا فيه ذلك ."2
1
-رجال الكشي ص . 101 ، 100
2
-كتاب الرجال للحلي ص 469ط طهران ط 1383هـ .
36
ومثل ذلك القول قام إمام متأخري الشيعة في الرجال المامقاني كتابه تنقيح
المقال " 1
وذكر مؤرخ شيعي إيراني في تاريخه بالفارسية :
إن عبد ال بن سبأ توجه إلى مصر حينما علم أن مخالفيه ( أي عثمان بن
عفان ) كثيرون هناك ،فتظاهر بالعلم والتقوى ،حتى افتتن الناس به ،وبعد
رسوخه فيهم بدا يروج مذهبه ومسلكه ،وإن لكل نبي وصياً وخليفة ،فوصى رسول
ال وخليفته ليس إل علياً ،المتحلي بالعلم والفتوى ،والمتزين بالكرم والشجاعة ،
والمتصف بالمانة والتقى ،وقال :إن المة ظلمت علي ًا ،وغصبت حقه ،حق
الخلفة والولية ،ويلزم الن على الجميع مناصرته ومعاضدته وخلع طاعة عثمان
2
وبيعته ،فتأثر كثير من المصريين بأقواله وآرائه ،وخرجوا على الخليفة عثمان
".
ومثل ذلك قال الرجالي الشيعي السترا آبادي :
إن عبد ال بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين "ع" هو ال
تعالى ،فبلغ أمير المؤمنين ذلك فدعاه وسأله ،فأقر ،وقال :نعم أنت هو .فقال له
أمير المؤمنين قد سخر منك الشيطان ،فارجع عن هذا وتب ثكلتك أمك ،فأبى ،
فحبسه ثلثة أيام ،فلم يتب ،فأحرقه بالنار." 3
ولكن ابن أبي الحديد الشيعي الغالي المعتزلي شارح النهج يخالف ذلك بأن
علياً أحرقه فإنه يرى أن القول بتأليه علي لم يظهره عبد ال بن سبأ إل بعد وفاة
علي ـ رضي ال عنه ـ فأظهره واتبعه قوم فسموا السبئية ." 4
ويؤيده في ذلك من السنة عبد القادر البغدادي ولكنه يضيف إلى ذلك أن علياً
لم يحرقه خوفاً من شماتة أهل الشام حيث يذكر ابن سبأ والسبئية :
السبئية أتباع عبد ال بن سبأ الذي غل في علي ـ رضي ال عنه ـ وزعم أن
كان نبي ًا ،ثم غل فيه حتى زعم أنه إله ،ودعا إلى ذلك قوماً من غواة الكوفة ،
ورفع خبرهم إلى علي ـ رضي ال عنه ـ فأمر بإحراق قوم منهم في حفرتين ،حتى
قال بعض الشعراء في ذلك :
إذا لم ترم بي في الحفرتين لترم بي الحوادث حيث شاءت
1
-ج 2ص 184ط إيران .
2
-تاريخ شيعي :روضة الصفا في اللغة الفارسية [ ج 2ص ] 292ط طهران .
3
-منهج المقال ص . 203
4
-شرج نهج البلغة :ج 2ص . 309
37
ثم إن علياً ـ رضي ال عنه ـ خاف من إحراق الباقين منهم شماتة أهل الشام ،
وخاف اختلف أصحابه عليه ،فنفى ابن سبأ إلى سباط المدائن ،فلما قتل علي ـ
رضي ال عنه ـ زعم ابن سبأ أن المقتول لم يكن علي ًا ،وإنما كان شيطانا تصور
للناس في صورة علي ،وأن علياً صعد إلى السماء كما صعد إليها عيسى بن مريم ـ
عليه السلم ـ وقال :كما كذبت اليهود والنصارى في دعواها قتل عيسى كذلك كذبت
النواصب والخوارج في دعواها قتل علي ،وإنما رأت اليهود والنصارى شخصاً
مصلوب ًا شبهوه بعيسى ،كذلك القائلون بقتل علي رأوا قتيل يشبه علياً فظنوا أنه
علي ،وعلي قد صعد إلى السماء ،وأنه سينزل إلى الدنيا وينتقم من أعدائه وزعم
بعض السبئية أن علياً في السحاب وأن الردع صوته والبرق صوته ،ومن سمع من
هؤلء صوت الرعد قال :عليك السلم يا أمير المؤمنين .
وقد روى عن عامر بن شراحيل الشعبي أن ابن سبأ قيل له :إن علياً قد
قتل ،فقال :إن جئتمونا بدماغه في صرة لم نصدق بموته ،ل يموت حتى ينزل من
السماء ويملك الرض بحذافيرها .
وهذه الطائفة تزعم أن المهدي المنتظر إنما هو علي دون غيره ،وفي هذه
الطائفة قال إسحاق بن سويد العدوي قصيدة بريء فيها من الخوارج والروافض
والقدرية منها هذه البيات :
من الغزال منهم وابن باب برئت من الخوارج لست منهم
وأعلم أن ذاك من الصواب ولـكـنـي أحب بكل قلبـي
به أرجو غدًا حسن الثواب رسول ال والصديق حـبــا
وقد ذكر الشعبي أن عبد ال بن السوداء وكان يعين السبئية على قولها ،وكان ابن
السوداء في الصل يهودياً من أهل الحيرة فأظهر السلم ،وأراد أن يكون له عند
أهل الكوفة سوق ورياسة ،فذكر لهم أنه وجد في التوارة أن لكل نبي وصياً ،وأن
علياً ـ رضي ال عنه ـ وصي محمد صلى ال عليه وسلم وأنه خير الوصياء كما أن
محمداً خير النبياء ،فلما سمع ذلك منه شيعة علي قالوا لعلي :إنه مجيبك ،فرفع
علي قدره ،وأجلسه تحت درجة منبره .ثم بلغه فيه فهم بقتله ،فنهاه ابن عباس
عن ذلك وقال له :إن قتلته اختلف عليك أصحابك ،وأنت عازم على العود إلى قتال
أهل الشام ،وتحتاج إلى مداراة أصحابك ،فلما خشي من قتله ومن قتل ابن سبأ
الفتنة التي خافها ابن عباس نفاهما إلى المدائن فافتتن بهما الرعاع بعد قتل علي ـ
رضي ال عنه ـ وقال لهم ابن السوداء :وال لينبعن لعلي في مسجد الكوفة عينان
تفيض إحداهما عسلً والخرى سمن ًا ،ويغترف منهما شيعته .
38
وقال المحققون من أهل السنة :إن ابن السوداء كان على هوى دين اليهود ،
وأراد أن يفسد على المسلمين دينهم بتأويلته في علي وأولده لكي يعتقدوا فيه ما
اعتقدت النصارى في عيسى ـ عليه السلم ـ فانتسب إلى الرافضة السبئية حين
وجدهم أعرق أهل الهواء في الكفر ودلس ضللته في تأويلته ." 1
2
". وذكر هذه وعقائده وجماعته من الشيعة كل من سعد القمي المتوفى 301هـ
والطوسي شيخ الطائفة 3والتستري في قاموس الرجال 4وعباس القمي في
تحفة الحباب 5والخوانساري في روضات الجنات 6و الصبهاني في ناسخ
التواريخ وصاحب روضة الصفا في تاريخه." 7
كما ذكر عقائده علماء من السنة كالبغدادي في الفرق بين الفرق كما مر آنف ًا .
8
والرازي في اعتقادات فرق وبمثل هذا قال السفراييني في كتابه التبصير
المسلمين والمشركين 9وابن حزم في الفصل وغيرهم .
وقال الشهرستاني تحت عنوان السبئية :
السبئية أصحاب عبد ال بن سبأ الذي قال لعلي ـ عليه السلم :أنت أنت يعني
أنت الله ،فنفاه إلى المدائن ،وزعموا أنه كان يهودياً فأسلم ،وكان في اليهودية
يقول في يوشع بن نون وصي موسى مثل ما قال في علي ـ عليه السلم ـ وهو أول
من أظهر بالفرض بإمامة علي ،ومنه انشعبت أصناف الغلة ،وزعموا أن علياً حي
لم يقتل وفيه الجزء اللهي ،ول يجوز أن يستولى عليه ،وهو الذي يجيء في
السحاب والرعد صوته والبرق سوطه ،وإنه سينزل بعد ذلك إلى الرض فيمل
الرض عدلً كما ملئت جورا ،وإنما أظهر ابن سبأ هذه المقالة بعد انتقال علي ـ
عليه السلم ـ ." 10
وقال ابن عساكر في تاريخه عن جابر قال :
لما بويع علي ـ رضي ال عنه ـ خطب الناس فقام إليه عبد ال بن سبأ فقال
له :أنت دابة الرض ،فقال له :اتق ال ،فقال له :أنت الملك ،فقال اتق ال ،
39
فقال له :أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق ،فأمر بقتله ،فاجتمعت الرافضة فقالت :
دعه وانفه إلى سابط المدائن." 1
وذكر اللوسي نقلً عن ابن الحكيم الدهلوي :
السبئية :وهم عبارة عن الذين يسبون الصحابة ،إل قليلً منهم كسلمان
الفارسي وأبي ذر و المقداد وعمار بن ياسر ـ رضي ال عنهم ـ وينسبونهم ـ
وحاشاهم ـ إلى الكفر والنفاق ،و يتبرأون منهم ،ومنهم من يزعم والعياذ بال
تعالى ارتداد جميع من حضر غدير خم يوم قال عليه الصلة والسلم ":من كنت
موله فعلي موله " .الحديث ،ولم يف بمقتضاه من بيعة المير كرم ال وجهه بعد
وفاته عليه الصلة والسلم ،بل بايع غيره ،وهذه الفرقة حدثت في عهد المير
رضي ال تعالى عنه بإغراء عبد ال بن سبأ اليهودي الصنعاني." 2
وأخيراً ننقل ما كتبه أحمد أمين عنه وعن جماعته :
انتشرت الجماعة السرية في آخر عهد عثمان تدعو إلى خلعه وتولية غيره ،
ومن هذه الجمعيات من كانت تدعو إلى علي ،ومن أشهر الدعاة له عبد ال بن سبأ
ـ وكان من يهود اليمن فأسلم ـ فقد تنقل في البصرة والكوفة والشام ومصر يقول :
إنه كان لكل نبي وصي ،وعلي وصي محمد ،فمن أظلم ممن لم يجز وصية رسول
ال ( صلى ال عليه وسلم ) ووثب على وصيه ،وكان من أكبر الذين ألبوا على
عثمان حتى قتل." 3
" وأنه وضع تعاليم لهدم السلم ،وألف جمعية سرية لبث تعاليمه ،واتخذا
السلم ستاراً يستر به نياته ،نزل البصرة بعد أن أسلم ونشر فيها دعوته فطرده
واليها ،ثم أتى الكوفة فأخرج منها ،ثم جاء مصر فالتف حوله ناس من أهلها ،
وأشهر تعاليمه :الوصاية والرجعة .فأما الوصاية فقد أبناها قبل ،وكان قوله فيها
أساس تأليب أهل مصر على عثمان ،بدعوى أن عثمان أخذ الخلفة من علي بغير
حق ،وأيد رأيه بما نسب إلى عثمان من مثالب ،وأما الرجعة فقد بدأ قوله بأن
محمداً يرجع ،وكان مما قاله :العجب ممن يصدق أن عيسى يرجع ،ويكذب أن
محمداً يرجع ،ثم نراه تحول ـ ول ندري لي سبب ـ إلى القول بأن علياً يرجع .وقال
ابن حزم :إن ابن سبأ قال ـ لما قتل علي ـ لو أتيتموني بدماغه ألف مرة ما صدقناه
موته ،ول يموت حتى يمل الرض عدلً كما ملئت جوراً ،وفكرة الرجعة هذه أخذها
ابن سبأ من اليهودية ،فعندهم أن النبي الياس ( عليه السلم ) صعد إلى السماء ،
40
وسيعود فيعيد الدين والقانون ،ووجدت الفكرة في النصرانية أيضاً في عصورها
الولى ." 4
فهذا هو عبد ال بن سبأ وهذه دعوته وأفكاره وعقائده ،وهذه هي الفكار
التي حملها من اليهودية والمجوسية وغيرها بخطة مدبرة ومؤامرة محكمة من قبل
أعداء ال وأعداء رسوله صلى ال عليه وسلم والسلم وأعداء المة وقادتها
وأبطالها لبث سمومها بين المسلمين باسم السلم .وسوف نرى ونحقق كيف
اعتنق الشيعة هذه الفكار وتمسكوا بهذه العقائد ،وكيف تطور التشيع الول وتغيرت
الشيعة الولى وتسربت فيهم نفس الفكار التي كان يرد عليها ويعارضها علي ـ
رضي ال عنه ـ وكيف توغل في الشيعة من كان يطاردهم ويتبرأ منهم ويؤدبهم
ويقتلهم علي ،ويلعنهم أبناءه وأولده .
وقبل أن نضع النقاط على الحروف نريد أن نذكر أن بعض الرجال من مواليد
القرن الرابع عشر من الهجرة ـ وأخص الشيعة منهم ـ أنكروا وجود هذا اليهودي
الماكر ،ولكن إنكارهم ل يستند إلى دليل وبرهان ،وإنكارهم هذا ليس إل كإنكار
الشمس وهي طالعة ،لنه لم يذكر ابن السوداء هذا واحد ول اثنان من المخاصمين
والمعاندين ،بل ذكر كل من ألف في الفرق والرجال ،في التاريخ وفي السير كما
أثبتناه من أئمة الشيعة في الفرق والرجال والتاريخ والنقد غير السنة ومن رجال
السنة ،وقد بحثنا هذه القضية بتحليل منطقي وواقعي وبغربلة الدعاوى التي أطلقت
في هذا المضمار في كتاب " :الشيعة وأهل البيت " ولكن نقولها هاهنا كلمة قصيرة
أل وهي :هل يوجد واحد قبل القرن الرابع عشر وحتى من الشيعة من أنكر وجود
هذا الرجل ؟
ثم وماذا عن الكتب التي تتحدث عن هذا الرجل من كتب الفرق والملل
والرجال والتاريخ وهي متفقة لفظاً ومعنى تقريباً في ذكره وأوصافه ونعوته وعقائده
وأفكاره ؟
ثم ولماذا الخوف من الفضيحة والعار ؟ وإن كان هناك عار فلماذا التستر .
وهل ل يجر هذا النكار إلى أن ينكر شخص وجود علي ومعاوية ووقوع
الحوادث إن كان هناك مجرد إنكار ؟ .وما أعدله ما قاله عالم شيعي معاصر قريب ـ
مع تعصبه ـ وهو يذكر الغلو وتاريخه ،فيقول :إنه بعد تولية أمير المؤمنين على
منصب الخلفة ظهر في أيامه قوم وأرادوا إخراجها من قالب " الموالة والتمسك "
إلى قالب التأليه لعلي ( ع ) " ولما بلغه عنهم ذلك أنكره أشد النكار .وحرق بالنار
جماعة ممن غل فيه ".
4
-نفس المصدر ص .270-269
41
والظاهر أن عبد ال بن سبأ لم يكن ( وقتئذ ) على هذه المقالة الغالية ول
شمله الحراق ،وهذا ما يراه ابن أبي الحديد بقوله :استترت هذه المقالة سنة أو
نحوها ثم ظهر عبد ال بن سبأ بعد وفاة علي أمير المؤمنين ( ع ) فأظهرها واتبعه
قوم فسموا السبئية .
ويوافقه الشهرستاني بقوله :وإنما أظهر ابن سبأ هذه المقالة بعد انتقال علي
عليه السلم " ولكن السترا بادي يخالفهما بما رواه من أن عبد ال بن سبأ كان
يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين ( ع ) هو ال تعالى .فبلغ أمير المؤمنين :قد
سخر منك الشيطان ،فارجع عن هذا وتب ثكلتك أمك .فأبى فحبسه ثلثة أيام ،فلم
يتب ،فأحرقه بالنار " ول يبعد أن يكون الرجح ما قاله ابن أبي الحديد من أن ابن
سبأ لم يشمله الحراق وأنه أظهر تلك المقالة بعد وفاة أمير المؤمنين ( ع ) .
ووافقه الشهرستاني على ذلك وأن قال قلبه " :إن ابن سبأ قال لعلي ـ عليه السلم
أنت ،أنت ،يعني أنت الله ،فنفاه إلى المدائن " ول ينافي هذا القول قوله الخر إذ
من المحتمل قريباً أن يكون ابن سبأ قد قال لعلي ( أنت ،أنت ) لكنه قد أخفاه في
حياة علي ( ع ) أيام منفاه وبعدها إلى أن توفي علي ( ع ) فأظهره بعد ذلك بسنة أو
بأقل .
وعلى كل حال فإن الرجل ـ أي ابن سبأ ـ كان في عالم الوجود وأظهر الغلو .
وإن شك بضعهم في وجوده وجعله شخصاً خيالي ًا شخصته الغراض الشخصية ،أما
نحن بحسب الستقراء الخير فل نشك بوجوده وغلوه .....نعم غل ابن سبأ في
دينه وتسربت بدعته هذه إلى أفكار جماعة غير قليلة ،قد سميت باسمه .وأخذت
بعد ذلك بالتطور السريع حتى تجاوزت عن القول بإلهية فرد من المخلوقين إلى
1
القول بإلهية اثنين أو ثلثة أو أربعة أو خمسة أو أكثر من أهل البيت عليهم السلم .
وقد أقر بوجوده من أعلم الشيعة المتأخرين المظفري في كتابه تاريخ الشيعة . 2
وكذلك كبير القوم السيد محسن المين في موسوعته .3
وغيرهم الكثيرون ،الكثيرون .
فهذا هو عبد ال بن سبأ ،وهذه العقائد التي حملها إلى المسلمين وإلى
الشيعة بالذات بتعبير صحيح ودقيق ،لنهم هم كانوا الحقل الصالح لبذر هذه
البذور ،ومنهم [ من ] كان يتوقع أن يجد آذانا صاغية وقلوباً واعية ،وباسم
قائدهم كان يتوقع إثارة الضغائن والحقاد .
- 1الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين :ص 212ـ 213ط دار الثار ـ بيروت الطبعة الثانية 1979م
- 2انظر تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري ص 10ط .قم .
- 3انظر أعيان الشيعة وخاصة الجزء الول من القسم الول .
42
وفعلً استطاع جذب الكثير منهم إليه وإلى معتقداته خصوص ًا بعد ما كان
مظفراً منصوراً في إتاحة حكم المام المظلوم عثمان بن عفان له اختلق قصص
باطلة وأساطير كاذبة 1وتكوينه جمعية سرية تعتقد في علي ـ رضي ال عنه ـ
وصابة النبي صلى ال عليه وسلم ووراثته ،وإيجاد رجال يقدسونه ويؤلهونه
ويصفونه بأوصاف ونعوت هي ل خاصة ،فدخل هؤلء كلهم تحت رايته في شيعة
علي ـ رضي ال عنه ـ واندمجوا معهم ،وبدأوا ينفثون السموم إلى رفاقهم
ومصاحبيهم ومجالسيهم ،فتأثر من تأثر وكتم من كتم وظهر من ظهر ،فنكل المام
علي بن أبي طالب ـ رضي ال عنه ـ بمن اكتشف وأظهر عقيدته الصلية الخافية
وعذبهم أشد العذاب ،وطرد بعضاً منهم وقتل البعض الخرين سيفاً وحرقاً ،وأعلن
في مل من الناس أنه ليس إل عبد ال طائع ًا ،وأن من يكتشف أنه من السبئيين
يعمل به ما عمل بالمحرقين ،ومن وجده متأثراً منهم وعلم أنه يفضله على الشيخين
أو يتكلم فيهم فيجلده حد المفتري كما روى زيد بن وهب أن سويد بن غفلة .
دخل على علي في إمارته فقال :إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر يرون
أنك تضمر لهما مثل ذلك منهم ،عبد ال بن سبأ ،وكان عبد ال بن سبأ أول من
أظهر ذلك ،فقال علي :مالي ولهذا الخبيث السود ،ثم قال :معاذ ال أن أضمر
لهما إل الحسن الجميل ،ثم أرسل إلى عبد ال بن سبأ فسيره إلى المدائن ،وقال :
ل يساكنني في بلدة أبدا ،ثم نهض إلى المنبر حتى اجتمع الناس ،فذكر القصة في
ثنائه عليهما بطوله وفي آخره :ول يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إل جلدته حد
المفتري." 2
وذكر الهمداني المعتزلي المتوفى 415هـ هذه الرواية أيض ًا ولكن فيها من
الفوائد ما ليست في غيرها ،فنريد أن نثبتها هاهنا ،فإنه يقول :وكان ابن سبأ هذا
يقول لصحابه :إن أمير المؤمنين قال لي :إنه يدخل دمشق ويهدم مسجدهم
حجراً ،حجراً ،ويظهر على أهل الرض ويكشف أسرارا ويعرفهم أنه ربهم ،وليس
لهذا كأبي بكر وعمر وعثمان .
- 1نخصص لهذه القصص الباطلة والساطير الموضوعة باباً مستقلً في هذا الكتاب لما لها من علقة وثيقة
بشيعة اليوم ،وأنهم لم يأخذوا هذه التهم إل من عبد ال بن سبأ ،كما أخذوا العقائد منه وسنبين هذا كله مفصلً إن
شاء ال بالبراهين والدلة .
- 2لسان الميزان لبن حجر العسقلني ج 3ص 290ط بيروت .
43
ولقد أتى أمير المؤمنين ـ رضي ال عنه ـ سويد بن غفلة ،وكان من خاصته
وكبار أصحابه ،فقال له :يا أمير المؤمنين ،مررت بنفر من الشيعة يتناولون أبا
بكر وعمر بغير الذي هما من المة له أهل ،ويرون أنك تضمر لهما على مثل ما
أعلنوا ،فقال :أعوذ بال أعوذ بال مرتين ،أن أضمر لهما إل الذي أتمنى المضي
عليه ،لعن ال من أضمر لهما إل الحسن الجميل ،أخوا رسول ال صلى ال عليه
وسلم وصاحباه ووزيراه ـ رحمة ال عليهما ـ ثم نهض دامع العينين يبكي ،قابضاً
على لحيته ،وهي بيضاء ،حتى اجتمع الناس .ثم قام فتشهد بخطبة موجزة بليغة ،
ثم قال :ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمين بما أنا عليه متنزه ،
ومما قالوا برئ ،وعلى ما قالوا معاقب ،أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ،ل
يحبهما إل مؤمن تقي ،ول يبغضهما إل فاجر رديء ،صحبا رسول ال صلى ال
عليه وسلم على الصدق والوفاء يأمران وينهيان ،ويقضيان ويعاقبان فما يجاوزان
فيما يصنعان رأي رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وكان ل يرى مثل رأيهما رأياً ،
ول يحب كحبهما أحداً ،مضى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو عنهما راض ،
ومضيا والمؤمنين عنهما راضون ،أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم أبا بكر على
صلة المؤمنين فصلى بهم تلك اليام في حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما
قبض ال نبيه عليه السلم واختار له ما عنده ،مضى مفقودا صلى ال عليه وسلم ،
وله المؤمنين ذلك ،وفوضوا إليه الزكاة لنهما مقرونتان ،ثم أعطوه البيعة طائعين
غير مكرهين ،أنا أول من سن له ذلك من بني عبد المطلب وهو لذلك كاره ،يود لو
أن بعضنا كفاه ،فكان وال خير من بقي رأفة ،وأرحمه رحمة ،وأيبسه ورع ًا ،
وأقدمه سلماً وإسلما ،شبهه رسول ال صلى ال عليه وسلم بميكائيل رأفة ورحمة
،وبإبراهيم عفواً ووقارا ،فسار فينا سيرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،حتى
قبضه ال على ذلك ،ثم ولى المر بعده عمر ،واستأمر في ذلك المسلمين ،فمنهم
من رضي منهم ومنهم من كره ،فلم يفارق الدنيا حتى رضي به من كان كرهه ،
وأقام المر على منهاج النبي صلى ال عليه وسلم ،يتبع أثرهما كاتباع الفصيل أثر
أمه ،وكان وال رفيقاً رحيماً لضعفاء المسلمين ،وبالمؤمنين عوناً وناصراً على
الظالمين ،ل تأخذه في ال لومة لئم ،ضرب ال بالحق على لسانه ،وجعل الصدق
من شانه ،حتى إن كنا لنظن أن ملك ًا ينطق على لسانه ،أعز ال بإسلمه السلم
وجعل هجرته للدين قواماً ،ألقى ال له في قلوب المؤمنين المحبة وفي قلوب
المشركين المنافقين الرهبة ،شبهه رسول ال صلى ال عليه وسلم بجبريل فظاً
غليظ ًا على العداء ،وبنوح حنقاً مغتاضاً على الكفار ،والضراء على طاعة ال آثر
عنده من السراء على معصية ال فمن لكم بمثلهما ـ رحمة ال عليهما ـ ورزقنا
المضي على سبيلهما ،فإنه ل يبلغ مبلغهما إل بالحب لهما ن واتباع آثارهما ،فمن
أحبني فليحبهما ن ومن لم يحبهما فقد أبغضني وأنا منه بريء ،ولو كنت تقدمت
إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا اشد العقوبة ،فمن أوتيت به بعد هذا اليوم فإن
عليه ما على المفتري ،أل وخير هذه المة بعد نبيها أبو بكر وعمر ،ثم ال أعلم
44
بالخير أين هو ،أقول قولي هذا وأستغفر ال لي ولكم ." 1
وأورد هذه الخطبة كثير من الشيعة والسنة ،ويؤيد ذلك ما ذكره النوبختي
الشيعي من همه البطش بمن يتكلم في أبي بكر وعمر كما مر .
فكتم السبئيون أمرهم وبدأوا يعملون في السر والخفاء وتقنعوا بقناع التقية " 2
وهكذا حاول واستطاع علي ـ رضي ال عنه ـ الحفاظ على شيعته ،وحال
بينهم وبين العقائد اليهودية المجوسية ولكنه لم يكد يقضي عليه ويستشهد بيد ابن
ملجم المرادي الخارجي حتى ظهرت السبئية بكل قوة ،وعبد ال بن سبأ بكل
صراحة ،حتى قال لمن نعاه بشهادته :
كذبت عدو ال لو جئتنا ـ وال ـ بدماغه في صرة فأقمت على قتله سبعين
عدلً ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل وأنه ل يموت حتى يسوق العرب
بعصاه ويملك الرض ،ثم مضوا من يومهم حتى أناخوا بباب علي ،فاستأذنوه عليه
استئذان الواثق بحياته الطامع في الوصول إليه ،فقال لهم من حضره من أهله
وأصحابه وولده :سبحان ال ،ما علمتم أن أمير المؤمنين قد استشهد ؟ قالوا :إنا
نعلم أنه لم يقتل ول يموت حتى يسوق العرب بسيفه وسوطه كما قادهم بحجته
وبرهانه ،وإنه ليسمع النجوى ويعرف تحت الدثار الثقيل ويلمع في ظلم كما يلمع
السيف الصقيل الحسام." 3
وادعت هذه الفئة الخبيثة وهذه الفرقة المارقة عن الدين وعلى رأسهم عبد
ال بن سبأ أن علي بن أبي طالب ـ رضي ال عنه ـ هو الذي لقنهم هذه التعاليم ،
وهم لم يتلقوا هذه الفكار إل منه كما أشار إلى ذلك الكثيرون من المؤرخين وأئمة
الرجال والفرق .ويؤيد ذلك ما ذكره النوبختي أن عبد ال بن سبأ كان يقول في حياة
علي ـ رضي ال عنه ـ أن علياً هو الذي أمره باللعن والطعن على أبي بكر وعمر ـ
رضي ال عنهما.4
فانخدع به كثير من الشيعة ومالوا إليه وإلى أقواله والعقائد التي اخترعها
واختلقها ،وبذلك تطور التشيع الول وتغيرت الشيعة الولى ،فصار التشيع مذهباً
ديني ًا بعد أن كان سياسياً محض ًا ،وصارت الشيعة حزب ًا دينيا بعد أن كانوا حزباً
سياسياً خالص ًا .
ولقد قال بهذا القول المستشرق اللماني "ولهوزن" أيض ًا حيث يذكر الشيعة
الولى بأنهم تمكنوا أولً في العراق .
- 1تثبيت دلئل النبوة للهمذاني ج 2ص 548 – 546ط بيروت .
- 2ولعل عقيدة التقية أيضاً انتقلت إلى الشيعة من هؤلء الناس لنهم أول من استعملها خوفاً من عقوبة علي ـ
رضي ال عنه ـ ومطاردته .
- 3المقالت والفرق لسعد بن عبد ال الشيعي القمي ،تثبت دلئل النبوة ج 2ص . 549
- 4فرق الشيعة للنوبختي ص .44
45
ولم يكونوا في الصل فرقة دينية ،بل تعبيراً عن الرأي السياسي في هذا
القليم كله .فكان جميع سكان العراق ،خصوصاً أهل الكوفة ،خصوصاً القبائل
ورؤساء القبائل ،ول يلحظ بينهم إل درجات في التشيع .لقد كان علي في نظرهم
رمزًا لسيادة بلدهم المفقود .ومن هنا نشأ تمجيد شخصه وآل بيته ،تمجيداً لم يرتح
له أثناء حياته ،على أنه ما لبث أن تكونت في أحضان مذهب سري عبادة حقيقية
لشخصه ." 1
وهذا هو القول الحق لن علياً ـ رضي ال عنه ـ لم ينقل في الصحيح عنه أنه
كان يعد نفسه أو أهل بيته مختلفين عن أبي بكر وعمر وعثمان ،بل كان يفضلهم
عليه وعلى أولده ،وكان ينتهج منهجهم ويسلك سبيلهم ،وكان يعد خلفته امتداداً
لخلفتهم كما ذكر ذلك في خطبته المشهورة المنقولة عنه أنه قال مخاطباً معاوية في
كتاب له إليه :
إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ،
فلم يكن للشاهد أن يختار والغائب أن يرد ،وإنما الشورى للمهاجرين والنصار ،
فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك ل رضى ،فإن خرج عن أمرهم خارج
بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه ،فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل
المؤمنين ووله ال ما تولى .
ولعمري ،يا معاوية ،لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان
،ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إل أن تتجنى فتجن ما بدا لك .والسلم ." 2
وعلى ذلك قال ولهوزن :
كان القدماء من أنصار علي يعدونه في مرتبة مساوية لسائر الخلفاء
الراشدين .فكان يسلك مع أبي بكر وعمر وكذلك مع عثمان ـ طالما كان عادلً في
خلفته ـ في سلك واحد ،وكان يوضع في مقابل المويين المغتصبين للخلفة بوصفه
استمراراً للخلفة الشرعية .وحقه في الخلفة ناشئ عن أنه كان من أفاضل
الصحابة وأنهم وضعوه في القمة وتلقى البيعة من أهل المدينة ،ولم ينشأ هذا الحق
ـ أو على القل لم ينشأ مباشرة ـ عن كونه من آل بيت الرسول ."3
وهذه الحقيقة الثابتة الناصعة ل ينكرها إل لجاهل أو المتجاهل المكابر المعاند .
1
-الخوارج والشيعة ص .. 113
2
-نهج البلغة ص . 367– 366
3
-الخوارج والشيعة ص 171
46
ثم ولم يجد التشيع هذا والسبئيون طريق ًا للتقدم أمامهم إل لضعف الحسين بن
علي ـ رضي ال عنه ـ في لم المور وجمعها أو السيطرة الكاملة على جماعة أبيه ،
والمؤامرات الكامنة وراء الستار من قبل اليهودية وانظمام المجوسية ،إليها
لندحارها أمام زحف السلم والجيوش السلمية الظافرة المنصورة ،وتكالب
الموالي الفرس ضد العرب المسلمين الهازمين قوتهم وشوكتهم ،والمدمرين
حضارتهم ،وأيضاً تكاتف المنتفعين الخرين ومن أبناء المم المدحورة الخرى
الذين كانوا يتحينون الفرص المواتية للنتفاضة ضد الفاتحين والحكام الباعثين
البعوث ،والمرسلين العساكر ،والمجندين الجنود للقضاء على بقيتهم الباقية وعلى
الوثنيات والشركيات ،وظلم الظلمة وغلبة الطغاة المستبدين .
فلم يجد الحسن ـ رضي ال عنه وعن أبيه ـ قوة كافية لردع هؤلء والحيلولة
بينهم وبين تسرب أفكارهم إلى شيعته وشيعة أبيه المخلصين ،خصوصا بعدما
تسرب في قلوب شيعته الوهن والضعف ،وازداد جبنهم وتخاذلهم ،فكثر الكذب
باسم أهل البيت ،وفشت العقائد المدسوسة كما أقر بذلك الشيعي المشهور السيد
محسن المين في موسوعته نقلً عن واحد من أئمته أنه قال :
" قال السيد علي خان في كتاب الدرجات الرفيعة في طبقات المامية من
الشيعة :روى عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ـ عليهما السلم ـ أنه قال لبعض
أصحابه :يا فلن ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا وما لقي شيعتنا
ومحبونا من الناس أن رسول ال (ص) قبض وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس ،
فمالت علينا قريش حتى أخرجت قريش المر عن معدنه واحتجت على النصار
بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت فنكثت بيعتنا ونصبت
الحرب لنا ولم يزل صاحب المر في صعود كؤود حتى قتل ،فبويع الحسن ابنه
وعوهد ثم غدر به وأسلم ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه وانتهب
عسكره وعوجلت خلخل أمهات أولده ،فوادع معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته
وهم وقليل حق قليل ،ثم بايع الحسين أهل العراق عشرون ألفاً غدروا به وخرجوا
عليه وبيعته في أعناقهم فقتلوه ن ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام ونقصى
ونمتهن ونحرم ،نقتل ونخاف ول نأمن على دمائنا ودماء أولياءنا ،ووجد الكذابون
الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء في كل
بلدة ،فحدثوهم بالحاديث الموضوعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله
ليبغضونا إلى الناس."1
47
فكذب الكذابون ووضعوا أقوا ًل وروايات مختلقة ومخترعة لترويج باطلهم
ونشر ضللتهم ،وعليّ وأولده الطيبون منها براء ،وعلى رأس الوضاعين
الدجالين والسعاة السبئيون وقائدهم عبد ال بن سبأ ،فنجح ونجحوا أيما نجاح حيث
استطاعوا وبعد مدة طويلة وحوادث عديدة أن يفتنوا كثيراً من الناس وأن يخدعوهم
ويخرجوهم عن السلم الصحيح الصريح ،عن دين ال إلى المذهب الجنبي الغريب
،أن يخرجوهم عن العقائد السلمية الساذجة البسيطة ،الخالية من شوائب الشرك
والوثنية ،وعن وحدانية ال عز وجل ،وعن الحرية والجهاد والديمقراطية! والعدل
وعن كرامة النسان بعدم التفريق بينه وبين الخر في الحسب والنسب والجاه
والحكومة والرئاسة ،نعم أخرجهم عن هذا كله وألزمهم العقائد الفلسفية الكلمية
المعقدة المأخوذة عن التفلسف اليهودي والوثنية المجوسية والغوامض المسيحية ،
وإلى الشراك بال والعبودية والستغلل والتفرقة بين بني آدم بالحسب والنسب
والجاه والحكم والرئاسة ،وأن شخصاً أفضل لنه ولد في بيئة فلنية ،وليس له
شرف سواه ،وأن فلناً أرذل لنه لم يولد في تلك السرة الرستقراطية ولو حاز
جميع أوصاف الشرف والمكرمة وغير ذلك من السخافات والترهات ،فصار
السبئيون أصلً لكل فرقة خرجت عن الشيعة ،وصارت أفكار ابن السوداء عقائد
لجميع تلك الفرق ،فافترقوا حسب اختلفهم بالخذ عنهم وعنها ،فمن أخذها
بحذافيرها سمي بذلك ومن أخذ بعضها وترك بعضاً منها سمي بأولئك ،ومن أخذ
الكثر وترك القليل سمي بهذا السم ،وهكذا ولكنها ول واحدة منها سلكت مسلكاً
غير مسلكهم ،ول انتهجت غير منهجهم ،ول مشت غير ممشاهم ،وسوف ترى كل
ذلك بعينيك وتشاهدها بنفسك بكتب موثوقة معتمدة وبالدلة والبراهين كما سنبينه
في باب الفرق في الباب المستقل من هذا الكتاب حول فرق الشيعة .
48
وعلى ذلك قال الحكيم الدهلوي عند بحثه عن فرق الشيعة وبعد ذكر الصحابة
.وهذه الفرقة هم رؤساء الروافض وأسلفهم ومسلمو الثبوت عندهم فإنهم وضعوا
بناء دينهم وأيمانهم في تلك الطبقة على رواية هؤلء الفساق المنافقين
ومنقولتهم ،فلذا كثرت روايات هذه الفرقة عن المير ـ كرم ال تعالى وجهه ـ
بواسطة هؤلء الرجال .وقد ذكر المؤرخون سبب دخول أولئك المنافقين في هذا
الباب ،وقالوا إنهم قبل وقوع التحكيم كانوا مغلوبين لكثرة الشيعة الولى في عسكر
المير وتغلبهم ولما وقع التحكيم وحصل اليأس من انتظام أمور الخلفة وكادت المدة
المعينة للخلفة تتم وتنقرض وتخلفها نوبة العضوض رجع الشيعة الولى من دومة
الجندل التي كانت محل التحكيم إلى أوطانهم لحصول اليأس من نصرة الدين
وشرعوا بتأييده بترويج أحكام الشريعة والرشاد ورواية الحاديث وتفسير القرآن
المجيد كما أن المير ـ كرم ال تعالى وجهه ـ دخل الكوفة واشتغل بمثل هذه المور ،
ولم يبق في ركاب المير إذ ذاك من الشيعة الولى إل القليل ممن كانت له دار في
الكوفة فلما رأت هاتيك الفرقة الضالة المجال في إظهار ضللتهم أظهروا ما كانوا
يخفونه من إساءة الدب في حق المير وسب أصحابه وأتباعه الحياء منهم
والموات ،ومع هذا كان لهم طمع في المناصب أيضاً لن العراق وخراسان وفارس
والبلد الخر الواقعة في تلك الطراف كانت باقية بعد في تصرف المير وحكومته ،
والمير ـ كرم ال تعالى وجهه ـ عاملهم كما عاملوه كما وقع ذلك لموسى عليه
السلم مع اليهود ولنبينا محمد عليه الصلة والسلم مع المنافقين."1
وقد أقر بذلك النوبختي حيث كتب :
" فلما قتل علي ـ عليه السلم افترقت [ الناس ] التي تثبت على إمامته
فصاروا فرقاً ثلثا :فرقة منهم قالت إن علي ًا لم يقتل ولم يمت ول يقتل ول يموت
حتى يسوق العرب بعصاه ويمل الرض عدلً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجورًا ،وهي
أول فرقة قالت في السلم بالوقف بعد النبي صلى ال عليه وآله من هذه المة ،
وأول من قال بالغلو ،وهذه الفرقة تسمى السبئية أصحاب عبد ال بن سبأ ،وكان
ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال :إن علياً
ـ عليه السلم ـ أمره بذلك ،فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به ،فأمر بقتله
فصاح الناس إليه يا أمير المؤمنين أتقتل رجلً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى
وليتك والبراءة من أعدائك فصيره إلى المدائن ،وحكى جماعة من أهل العلم من
أصحاب علي ـ عليه السلم ـ أن عبد ال بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً ـ
عليه السلم ـ وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه
السلم بهذه المقالة ،فقال في إسلمه بعد وفاة النبي صلى ال عليه وآله في علي ـ
عليه السلم ـ بمثل ذلك ،وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي ـ عليه السلم
ـ وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه ،فمن هناك قال من خالف الشيعة أن
أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ولما بلغ عبد ال بن سبأ نعي علي بالمدائن قال
1
-مختصر التحفة الثني عشرية ص . 58 -56
49
للذي نعاه :كذبت ،لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلً
لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ،ول يموت حتى يملك الرض." 2
ومثل ذلك ذكره الكشي وغيره ممن تقدم ذكرهم .
وقصداً أعدنا هذه العبارة لما لها من علقة مباشرة بالموضوع ،ولما لها أهمية
كبيرة في فهم التشيع والشيعة ،ولنعيد إلى ذهن القارئ ما لعله قد غاب عنه .
فكان هذا أول حدث عقائدي في التشيع وتغيير جذري غير منهج الشيعة في
الفكر والرأي عبر القرون ،ومن هنا بدأت تتزعم اليهودية وتترأس أفكار التشيع
والشيعة كما أقر بذلك النوبختي وبعده الكشي وقبله سعد القمي وغيرهم الكثيرون ،
الكثيرون ،وإليه ذهب كل من حقق ودقق وغربل التاريخ من المسلمين وغير
المسلمين من المؤرخين والرجاليين وأصحاب المقالت في الفرق والعقائد من السنة
والشيعة والمستشرقين من اليهود والنصارى وغيرهم فيقول ولهوزن وهو يذكر
السبئية :
ومنشأ السبئية يرجع إلى زمان علي والحسن وتنسب إلى عبد ال بن سبأ .
وكما يتضح من اسمه الغريب ،فإنه أيضاً يمنياً ،والواقع أنه من العاصمة صنعاء .
ويقال أيضاً أنه كان يهودي ًا .وهذا يقود إلى القول بأصل يهودي لفرقة السبئية .
والمسلمون يطلقون ( اليهودي ) على ما ليس في الواقع كذلك .بيد أنه يلوح أن
مذهب الشيعة ،الذي ينسب إلى عبد ال بن سبأ أنه مؤسسه ،إنما يرجع إلى اليهود
أقرب من أن يرجع إلى اليرانيين ." 3
وسوف نتكلم عن السبئية وعقائدها التي سلحهم بها اليهود وغيرهم في باب
آخر حيث نضطر إلى إعادة القول عن السبئية هناك ،وقبل أن نأتي إلى آخر القول
نريد أن نذكر هاهنا أن جماعة من الشيعة الولى ل زالوا على عقائدهم الصلية
والتي ليس بينهما وبين عقائد المسلمين الولين أي فرق إلى أن حصلت التغييرات
الخرى وعلى رأس هؤلء كان أولد علي ـ رضي ال عنه ـ من الحسن والحسين
ومحمد وأبي بكر وعمر وعثمان والعباس وغيرهم من أبناء عليّ وبقية الهاشميين
.من أبناء العباس وعقيل وجعفر وطالب وغيرهم من أبناء عمومة الحسنين وأبناء
أعمام أبيهم .
2
-فرق الشيعة للنوبختي ص .44-43
3
-الخوارج والشيعة ص . 171-170
50
وهذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الباب ،ومن ثم ننتقل إلى باب آخر .و هو
يشتمل على التهم الباطلة واليرادات الواهية والمطاعن المختلفة التي اخترعها
السبئيون للقضاء على دولة السلم وأميرها خليفة المسلمين عثمان بن عفان ـ
رضي ال عنه ـ لنه خلف بعد الشيعة الولى خلف تبنوا هذه الفكار وتركوا سبيل
عليّ وأهل بيته ،فسلطوا ألسنتهم وأقلمهم تبعاً لسلفهم غير الصالح على ذلك المام
المظلوم الذي قتل ظلماً وبغياً وجوراً ،كما أن له علقة بالموضوع حيث إن قتلته أو
من ساعد قاتليه على قتله هم الذين أيدوا السبئية ،ومنهم تكونت وبآرائهم اعتنقوا
وبأفكارهم تضللوا وانحرفوا عن جادة الحق والهدى ،والضغائن ،وثبت التفرقة
والنشقاق ،وتثير اللم وتقشر الجراحات وتحيي الوجاع ،وبهذا نمشي أيضاً مع
مجرى التاريخ وثمراته ونتائجه وبال التوفيق ونسأله العدل في القول ،والصابة
في الحق ،وهو لي القبول .
51
الباب الثالث
الشيعة ومطاعنهم على ذي النورين رضي الله
عنه
والسبأية وفتنهم أيامه
قبل أن نتكلم في هذا الموضوع نريد أن نكشف الحجاب عن بعض الحقائق
الواقعة التي طالما خفيت على كثير من الناس وحتى على الخاصة منهم .ومنها أن
الشيعة عامة جعلوا الكذب شعار لهم وأصبغوا عليه صبغة دينية باسم التقية حيث
قالوا :
ل إيمان لمن ل تقية له."1
ونسبوا هذه الرواية إلى محمد الباقر زوراً وبهتان ًا .
حتى اشتكى منهم ومن أكاذيبهم الكثيرة والجريئة ،عليُ وأهل بيته الذين
يعدونهم أئمة لهم ،اشتكوا منهم كثيرا لهذا ،فقد ذكر الكشي كبيرهم في الرجال عن
ابن سنان :
قال أبو عبد ال (ع) إنا أهل بيت صادقون ل نخلو من كذاب يكذب علينا ،
فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس .كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أصدق
البرية لهجة وكان مسيلمة يكذب عليه ،وكان أمير المؤمنين (ع) أصدق من برأ ال
من بعد رسول ال وكان الذي يكذب عليه عبدال بن سبأ لعنه ال ،وكان أبو عبد
ال الحسين بن علي (ع) قد ابتلي بالمختار .ثم ذكر أبو عبد ال الحارث الشامي
ي بن الحسين (ع) ،ثم ذكر المغيرة بن سعيد
وبنان ،فقال :كانا يكذبان على عل ّ
وبزيغا والسري وأبا الخطاب ومعمراً وبشار الشعري وحمزة اليزيدي وصائد
النهدي فقال :لعنهم ال ،إنا ل نخلو من كذاب يكذب علينا ،كفانا ال مؤنة كل
كذاب وأذاقهم ال حر الحديد ." 2
52
ثانياً :أن أكثر الرواة الذين ذكروا تلك التهم والمطاعن التي جرت إلى قتل
عثمان أمير المؤمنين ،وفتح باب الفتنة بين المسلمين هم من الشيعة ،وقد كبروا
الصغير وفخموا الحقير ونفخوا في الكير ،وعنهم نقل المؤرخون كل ما هب ودب
بدون تنقية وتحقيق وبدون نقد وتدقيق ،ولم يميزوا الصدق من التلفيق والباطل من
الحق والغث من السمين ،وأدرج المؤرخون والنقلة منهم كل ما اخترعوها
واختلقوها دعاية لباطلهم وتأييداً لمذهبهم وتصديقاً لهدافهم وأغراضهم .
ثالثاً :ولم ينقلوا هذه الوقائع عمن شاهدوها ،بل كان سمع ًا ،على سمع
وكذباً على كذب ،وباطلً على باطل .وكثيرا ما يروي الراوي الحادثة والواقعة
وبينه وبينها بعد عشرات السنين كما سنبين .
رابعاً :الرواة مع كذبهم ودجلهم وكونهم دعاة إلى مذهبهم هم طرف في تلك
الوقائع والحوادث حيث يتبعون تلك الشلة والطائفة التي نفخت في الرماد وسعرت
نار الفتنة ،فهم على شاكلتهم يعملون نفس العمل ويسعون بنفس الفساد بالقلم
واللسان ،الذي سعى به أسلفهم بالجسد والروح .فعلى ذلك يجب التحرز على كل
منصف يريد أن يعرف الحقائق عن قبول رواياتهم ومروياتهم ،مغمضا العينين ،
معرضا عن الشكوك والشبهات .فيحتاط في كل رواية لتؤيده رواية أخرى من
الثقات المعتمدين غير المنحازين الى طرف في الموضوع.
ولذلك ليلفت الى ماتفرد به أبومخنف والواقدي والكلبيان للستنباط والستنتاج
والحكم .
ومن سوء الحظ أن هؤلء هم العمدة للرواية عن هذه الوقائع والوقيعة في
أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وسادة هذه المة وقادتها ،وهم خلف لسلفهم
الذين كانوا قادة البغاة والطغاة وعملء اليهودية العالمية التي كانوا يعتقدونها ،
وحاملين نفس الفكار التي كانوا مسومين بها ،سالكين نفس السلوب الذي عرف
في الزمن الخير بأسلوب "جوئبلز" :
أكثر الكذب قدر ما تستطيع حتى تظنه صدقاً بدون خجل ول وجل ول حياء ،
فما أكثر ما كذبوا وما أشنعه ،وما أجراءهم على ذلك .ونحن تعودنا أن ل نتكلم إل
مستندين إلى الحقائق [ متثبتين ] بالدلة الناصعة والبراهين القاطعة ،ول نتفوه
بالظن والتخمين [ بل ] بالوثائق الموثوقة والمصادر المعتمدة .وهاهي الوثائق :
أبو مخنف :فقد ذكره محسن المين في كتابه ( أعيان الشيعة ) تحت عنوان
مؤلفي الشيعة في السير والتاريخ والمغازي ،فيقول :
53
أبو مخنف لوط بن يحيى الزدي الغامدي .قال النجاشي :من أصحاب
الخبار بالكوفة ووجههم وصنف كتباً كثيرة منها :فتوح الشام ،العراق ،خراسان ،
الجمل ،صفين ،النهر ،الغارات ،مقتل الحسين (ع) وغيرها ،وقال ابن النديم في
الفهرست :قرأت بخط أحمد بن الحارث الخزاز قالت العلماء :أبو مخنف بأمر
العراق وأخبارها وفتوحها يزيد على غيره ،والمدائني بأمر خراسان والهند وفارس
والواقدي بالحجاز والسيرة .وقد اشتركوا في فتوح الشام واثنان من الثلثة شيعة :
أبو مخنف ،والواقدي ." 1
ولقد ذكره النجاشي كما عرفت في مصنفي الشيعة ،وزاد على كتبه التي
ذكرها المحسن :كتاب السقيفة ،وكتاب الشورى ،وكتاب قتل عثمان ،وكتاب
الحكمين ،ومقتل أمير المؤمنين ،وقتل الحسين ،ومقتل الحسين حجر بن عدي ،
وأخبار المختار ،وأخبار الزيات ،وأخبار محمد بن أبي بكر ،ومقتل محمد ـ وغيره
من الكتب ـ كما ذكر أنه شيخ أصحاب الخبار بالكوفة ووجههم ،وكان يسكن إلى ما
يرويه ،روى عن جعفر بن محمد عليهما السلم ." 1
وذكر الطوسي أن أباه كان من أصحاب عليّ كما ذكره في رجاله وقد ذكره
الحلي في الثقات ،أبوه كان من أصحاب الباقر وهو من أصحاب جعفر."2
وقد ذكره القمي في كتابه فقال :
لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الزدي شيخ أصحاب الخبار
الكوفة ووجههم كما جش ،وتوفي سنة 157هـ يروى عن الصادق (ع) ويروى
عنه هشام بن الكلبي وجده مخنف بن سليم صحابي شهد الجمل في أصحاب علي
(ع) حاملً راية الزد ،فاستشهد في تلك الوقعة سنة
36هـ ،وكان أبو مخنف من أعاظم مؤرخي الشيعة ومع اشتهار تشيعه اعتمد عليه
علماء السنة في النقل عنه كالطبري وابن الثير وغيرهما ،وليعلم أن لبي مخنف
كتباً كثيرة في التاريخ والسير ،منها كتاب مقتل الحسين (ع) الذي نقل منه أعاظم
العلماء المتقدمين ،واعتمدوا عليه." 3
هذا ما صرح به علماء الشيعة بتشيعه وتنبئ أسماء كتبه عن مغالته
وإغراقه في التشيع كما عددناها من النجاشي .
وأما السنة فقد قالوا فيه كما نقل عنهم المام ابن حجر العسقلني :
لوط بن يحيى أبو مخنف :إخباري تالف ،ل يوثق به ،تركه أبو حاتم وغيره .
1
-أعيان الشيعة الجزء الول من القسم الثاني ص . 127
1
-فهرست أسماء مصنفي الشيعة للنجاشي ص 225 -224ط قم .
2
-انظر رجال الحلي ص . 282
3
-الكنى واللقاب ج 1ص . 149-148
54
وقال الدارقطني :ضعيف .وقال يحيى بن معين :ليس بثقة .وقال مرة :
ليس بشيء .
وقال ابن عدي ،شيعي محترق صاحب أخبارهم ـ قلت :روى عن الصعقي
بن زهير وجابر الجعفي و مجالد .روى عن ابن المدائني وعبدالرحمن بن مغراء ،
ومات قبل السبعين ومائة ـ وقال أبو عبيد الجري :سألت أبا حاتم عنه فنفض يده ،
وقال :أحد يسأل عن هذا ؟ .وذكره العقيلي في الضعفاء ."1
ومثل ذلك ذكر الذهبي في ميزانه. 2
كما ذكره الذهبي في ( المنتقى ) من منهاج السنة عن شيخ السلم ابن تيمية
تحت المعروفين بالكذب وعقب ذكره بقول الشهب بن عبد العزيز القيسي أنه قال :
سئل مالك رضي ال عنه عن الرافضة ؟ فقال :ل تكلمهم ول ترو عنهم ،
فإنهم يكذبون ،وعن حرملة بن يحي أنه قال :سمعت الشافعي رضي ال عنه ـ
يقول :لم أر أحد أشهد بالزور من الرافضة ،وعن مؤمل بن إهاب الربعي أنه قال :
سمعت يزيد بن هارون يقول :يكتب عن كل مبتدع ـ إذا لم يكن داعية ـ إل
الرافضة ،فإنهم يكذبون ،وعن محمد بن سعيد الصفهاني أنه قال :سمعت شريك
بن عبد ال النخعي يقول :أحمل العلم عن كل من لقيته إل الرافضة ،فإنهم يضعون
الحديث ويتخذونه حديثاً .وعن أبي معاوية أنه قال :سمعت العمش يقول :أدركت
الناس وما يسمونهم إل الكذابين ( يعني الروافض ) ثم قال نقلً عن شيخ السلم :
ومن تأمل كتب الجرح والتعديل رأي المعروف عن مصنفيها بالكذب في
الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف .والرافضة يقرون بالكذب حيث يقولون
بالتقية."3
فتلك هي آراء أئمة الجرح والتعديل ومهرة الفن في نقد الرجال في أبي مخنف
،وهذه هي أقوال الئمة والحفاظ والمحدثين في العتماد عليهم .
وخلصة ما ذكرنا أن أبا مخنف متفق على تشيعه عند الطرفين ،الشيعة
والسنة ،غير معتمد وموثوق فيه .وأما قول القمي :ومع اشتهار تشيعه اعتمد
عليه علماء النقل من السنة كالطبري ،فليس إل كذب عادة قومه وذويه ،لنه من
المعروف عند كل من قرأ الطبري ونظر فيه بأنه لم يشترط إدراج كل ما صح عنده
في تاريخه ولم يلتزم صحة ما نقل .وقد صرح في مقدمة كتابه حيث قال :
فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه
أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ول معنى في الحقيقة
1
-لسان الميزان ج 4ص . 493 – 492
2
-انظر لذلك ميزان العتدال للذهبي ج 2ص . 360
3
-المنتقى من منهاج العتدال للذهبي ص 23 ، 22 ، 21ط المطبعة السلفية القاهرة .
55
فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا ،وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا ،وإنما
أدينا ذلك على نحو ما أدى علينا." 1
وأما ابن الثير فإنه صرح أيضاً في مقدمة كتابه أنه ناقل عن الطبري ومعتمد
عليه في نقله كما يقول :
إني قد جمعت في كتابي هذا ما لم يجتمع في كتاب واحد ،ومن تأمله علم
صحة ذلك فابتدأت بالتاريخ الكبير الذي صنفه المام أبو جعفر الطبري إذ هو الكتاب
المعول عند الكافة عليه ،والمرجوع عند الختلف إليه ،فأخذت ما فيه من جميع
تراجمه لم أخل بترجمة واحدة منها ."2
فهذه هي حقيقة أبي مخنف والعتماد عليه من الطبري وابن الثير .
وأما الواقدي فلقد قال فيه الحسن الشيعي :
ومحمد بن عمر الواقدي ،قال ابن النديم :كان يتشيع ،حسن المذهب ،يلزم
التقية ،وهو الذي روى أن علياً عليه السلم كان من معجزات النبي (ص) كالعصا
لموسى (ص) وإحياء الموتى لعيسى بن مريم عليه السلم وغير ذلك من الخبار .
عالماً بالمغازي والسير والفتوح والخبار خلف 600قمطر كتباً كل حمل رجلين
وقبل ذلك بيع له كتب بألفي دينار ،وكان له غلمان مملوكان يكتبان الليل والنهار
له التاريخ الكبير ،المغازي ،المبعث ،أخبار مكة ،فتوح الشام ،فتوح العراق ،
الجمل ،مقتل الحسين عليه السلم ،السيرة ،إلى غير ذلك من الكتب الكثيرة في
السير والتاريخ ." 3
وذكره القمي :
1
-تاريخ المم والملوك للطبري ج 1ص 5مقدمة الكتاب ط بيروت .
2
-الكامل لبن الثير ج 4ص 5مقدمة .
3
-أعيان الشيعة القسم الول الجزء الول ص . 128
56
أبو عبد ال محمد بن عمر بن واقد المدني :كان إماماً عالماً ،له التصانيف
والمغازي وفتوح المصار ،وله كتاب الردة وغير ذلك ،كان من أقدم مؤرخي
السلم .وكتاب مغازيه له مقدمة وشروح باللغة النجليزية يروى عنه كتابه محمد
بن سعد وجماعة من العيان ...وكان الواقدي مع ما ذكرناه من سعة علمه وكثرة
حفظه ل يحفظ القرآن ،ثم روى عن المأمون أنه قال للواقدي :أريد أن تصلي
الجمعة غدا بالناس قال :فامتنع ،قال :ل بد من ذلك ،فقال :ل وال يا أمير
المؤمنين ما أحفظ سورة الجمعة حتى يبلغ النصف منها ،فإذا حفظه ابتدأ بالنصف
الثاني ،فإذا حفظ النصف الثاني نسى الول فاتعب المأمون وتعس ،فقال لعلي بن
صالح :يا علي احفظه أنت ،فذكر أنه مثل المأمون لم يقدر على أن يحفظه ،فقال
المأمون :اذهب فصل بهم واقرأ أي سورة شئت ،وروى عن غسان قال :صليت
1
خلف الواقدي صلة الجمعة فقرأ :إن هذا لفي الصحف الولى صحف " عيسى "
وموسى ..كان يتشيع حسن المذهب يلزم التقية ،وهو الذي روى أن علياً (ع) كان
من معجزات النبي صلى ال عليه وآله وسلم كالعصا لموسى وإحياء الموتى لعيسى
بن مريم (ع) وغير ذلك من الخبار ." 2
وقد ذكره الخوانساري في كتابه 3ولقبه بالمام العلم .
هذا ما أقر به الشيعة بأنه شيعي سيء الذاكرة ،غير ضابط لم يكن القرآن يستقر في
ذاكرته وقلبه .
وأما ما ذكره أئمة الرجال وجهابذة الجرح والتعديل من السنة فإليك بيانه ،قال ابن
حبان :كان يروي عن الثقات مقلوباً وعن الثبات معضلت ...وكان أحمد بن حنبل
يكذبه .....وكان يقول المديني :الواقدي يضع الحديث ." 4
وقال الذهبي :مجمع على تركه ،وقال النسائي :كان يضع الحديث."5
وأما ابن حجر فجمع أقوال العلماء فيه ،فذكر أن البخاري قال :الواقدي
مدني سكن بغداد ،متروك الحديث ،تركه أحمد وابن المبارك وابن نمير وإسماعيل
بن زكريا ،وقال معاوية بن صالح :قال لي أحمد بن حنبل :
الواقدي كذاب .
- 1ول ندري كيف يعتقد القوم فيه المانة في التاريخ والخبار ونقل الحوادث والوقائع وهو الذي ل يستطيع
ضبط سورة قصيرة من القرآن ،فهل مثل هذا يعتمد عليه أن يضبط الوقائع والحوادث بالتاريخ والتفصيل ؟ .أولم
يكن يستطيع حفظ القرآن لنه لم يكن من القوم الذين يعتقدون فيه ؟ كما أثبتنا عقيدتهم في القرآن في كتابنا ( الشيعة
والسنة ) ومن أراد معرفة ذلك فليراجع
- 2الكنى واللقاب ج 3ص . 232 ، 231 ، 230
- 3روضات الجنات ج 7ص . 268
- 4كتاب المجروحين لبن حبان ج 2ص 284ط دكن .
- 5المغني للذهبي ج 2ص . 619
57
وقال لي يحيى بن معين :ضعيف .وقال مرة ليس بشيء ...قال ابن المديني
:الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي ،وأرضاه في الحديث ...قال الشافعي
كتب الواقدي كلها كذب .
وقال النسائي في ( الضعفاء ) :الكذابون المعروفون بالكذب على رسول ال
صلى ال عليه وسلم أربعة :الواقدي في المدينة ،ومقاتل في الكوفة ،ومحمد بن
سعيد المصلوب بالشام ،وذكر الرابع ،وقال ابن عدي :أحاديثه غير موثوقة .
قال ابن المديني :عندي عشرون ألف حديث ما لها أصل ،وإبراهيم بن يحيى
كذاب وهو عندي احسن حالً من الواقدي .
وقال أبو داود :ل أكتب حديثه ول أحدث عنه ،ما اشك أنه كان يفتعل الحديث
.....وقال بندار :ما رأيت أكذب منه .
وقال إسحاق بن راهويه :هو عندي ممن يضع .وحكى ابن العربي عن
الشافعي قال :كان بالمدينة سبعة رجال يضعون السانيد أحدهم الواقدي ،وقال أبو
زرعة وأبو بشر الدولبي والعقيلي :متروك الحديث .
وقال أبو حاتم الرازي :وجدنا حديثه عن المدنيين عن شيوخ مجهولين
مناكير .....وحكى ابن الجوزي عن أبي حاتم أنه قال :كان يضع .ولقد حدث بعد
ذلك ابن حجر قصة تنبئ عن جرأته على الكذب والدجل :
......حدثنا عمرو الناقد قال :قلت للواقدي :تحفظ عن الثوري عن ابن خيثم
عن عبد الرحمن بن نبهان عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أبي في لعن
ي ،فأمله علي بالمسند ،فقال
زوارات القبور ،فقال :حدثنا سفيان ،فقلت أمله عل ّ
نا عبد الرحمن بن ثوبان فقلت :الحمد ل الذي أوقعك ،أنت تعرف أنساب الجن
ومثل هذا يخفى عليك ؟ قال الساجي :والحديث حديث قبيصة ما رواه عن سفيان
غيره ،وقال النووي :الواقدي ضعيف باتفاقهم ،وقال الذهبي في الميزان :استقر
الجماع على وهن الواقدي ،وتعقبه بعض مشايخنا بما ل يلقي كلمه .
وقال الدارقطني :الضعف يتبين على حديثه ،وقال الجوزجاني :لم يكن
مقنع ًا ." 1
فهذا هو الواقدي ،وهذا هو شأنه عند العلماء العلم من السنة ،وهذا مع
تشيعه باعتراف الشيعة أنفسهم بأنه شيعي وليس شيعياً فحسب ،بل من الذين
يلزمون التقية أي الكذب بتعبير صحيح .
- 1تهذيب التهذيب للمام ابن حجر العسقلني ج 9ص 363إلى 368ملخصاً ومختصراً ومثله ذكر الذهبي في
ميزان العتدال ج 3ص . 110
58
وأما محمد بن السائب وابنه هشام فلقد ذكرهما محسن المين في طبقات المؤرخين
من الشيعة ."1
كما ذكرهما ابن النديم الشيعي في فهرسته .
وكما ذكر النجاشي هشام بن محمد بقوله :
هشام بن محمد بن السائب بن بشير بن زيد بن عمرو بن الحارث بن عبد
الحارث بن عزى بن امرئ القيس عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف
بن كنانة بن عوف بن زيد اللت وقيده بن ثور بن كلب بن وبرة المنذر :الناسب
العالم باليام ،المشهور بالفضل والعلم ،وكان يختص بمذهبنا ،وله الحديث
المشهور ،وقال :اعتللت علة عظيمة نسيت علمي ،فجلست إلى جعفر بن محمد
عليه السلم فسقاني العلم في كأس فعاد إليّ علمي ،وكان أبو عبد ال عليه السلم
يقربه ويدينه ويبسطه ،وله كتب كثيرة منها :كتاب مثالب ثقيف ،كتاب مثالب بني
أمية ،كتب مقتل عثمان ،كتاب مقتل أمير المؤمنين ،كتاب حجر بن عدي ،كتاب
الحكمين ،كتاب مقتل الحسين عليه السلم ،كتاب أخبار محمد بن الحنفية
وغيرها."2
وكما ذكره أباه ابن داود الحلي في القسم الول من رجاله ،وذكر أنه من
أصحاب الباقر ."3
وذكر ابنه هشام و ذكر أنه كان يقربه جعفر ويدنيه."4
وعد شيخ الطائفة الطوسي محمد بن السائب في رجاله من أصحاب
الصادق."5
وأيضاً من أصحاب الباقر ."6
وكان غالياً في التشيع ،أخباره في الغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الغراق."7
ولقد ذكرهما عالم الشيعة في الرجال العباس القمي بقوله :
1
-أعيان الشيعة ج 1ص .128-127
2
-رجال النجاشي ص . 306 ، 305
3
-رجال ابن داود الحلي ص . 312
4
-أيضاً ص . 369-368
5
-رجال الطوسي ص 289
6
-أيضاً ص .136
7
-أعيان الشيعة ج 1ص . 59
59
الكلبي النسابة ،ويقال له ابن الكلبي أيضاً أبو المنذر هشام بن أبي النضر
محمد بن السائب بن بشر الكلبي الكوفي ،كان من أعلم الناس بعلم النساب ،وقد
أخذ بعض النساب عن أبيه أبي النضر محمد بن السائب الذي كان من أصحاب
الباقر والصادق عليهم السلم ،وأخذ أبو النصر نسب قريش عن أبي صالح عن
عقيل بن أبي طالب ،قال ابن قتيبة :وكان جده بشر وبنوه السائب وعبيد الرحمن
شهدوا الجمل وصفين مع علي بن أبي طالب عليه السلم ،وقتل السائب مع مصعب
بن الزبير ،وشهد محمد بن السائب الكلبي الجماجم مع ابن الشعث ،وكان نساباً
عالماً بالتفسير ،وتوفي بالكوفة وعن السمعاني أنه قال في ترجمة محمد بن السائب
أنه صاحب التفسير ،وكان من أهل الكوفة قائل بالرجعة ،وانه هشام ذا نسب عال
وفي التشيع غال ،وفي ( الرجال الكبير ) :هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر
الناسب العالم ،المشهور بالفضل والعلم ،العارف باليام ،كان مختصاً بمذهبنا ،
قال اعتللت علة عظيمة نسيت علمي ،فجئت إلى جعفر بن محمد (ع) فسقاني العلم
في كأس ،فعاد إليّ علمي ،وكان أبو عبد ال (ع) يقربه ويدنيه وينشطه ،قلت :
حكى المعاني وغيره ،عن قوة حفظه أنه حفظ القرآن في ثلثة أيام ،وأنا أقول :ل
بدع في ذلك ،فإن من سقاه الصادق (ع) العلم في كأس يحفظ القرآن بأقل من ثلثة
أيام ،توفي سنة 206أو ." 1 204
وأنا أظن بأنه يكفي هذا لبيان حقيقة أحوال هشام وأبيه محمد حيث أنهما من
أسرة شيعية بحتة من قديم الزمن .
1
-الكنى واللقاب ج 3ص . 96 – 95 – 94
60
وأما ما قاله السنة فنقل عن معمر بن سليمان عن أبيه أنه قال :كان بالكوفة
كذابان أحدهما الكلبي ،وقال ليث بن أبي سليم كان بالكوفة كذابان أحدهما الكلبي ،
والخر السدي .وقال الدوري عن يحيى بن معين :ليس بشيء ،وقال معاوية بن
صالح عن يحيى :ضعيف وقال أبو موسى :ما سمعت يحيى ول عبد الرحمن
يحدثان عن سفيان عنه بشيء ،وقال البخاري تركه يحيى وابن مهدي وقال الدوري
عن يحيى بن يعلى المحاربي قال :قيل لزائدة :ثلثة ل تروي عنهم ابن أبي ليلى
وجابر الجعفي ،والكلبي ،قال أما ابن أبي ليلى فلست أذكره وأما جابر فكان وال
كذابا يؤمن بالرجعة ،وأما الكلبي وكنت أختلف إليه فسمعته يقول مرضت مرضة
فنسيت ما كنت أحفظ فأتيت آل محمد فتفلوا في فيّ فحفظت ما كنت نسيت فتركته ،
وقال الصمعي عن أبي عوانة :سمعت الكلبي يتكلم بشيء من تكلم به كفر فسألته
عنه فجحده ،وقال عبد الواحد بن غياث عن ابن مهدي :جلس إلينا أبو جزء على
باب أبي عمرو بن العلء ،فقال أشهد أن الكلبي كافر قال فحدثت بذلك يزيد بن زريع
فقال سمعته يقول :أشهد أنه كافر قال فماذا زعم ؟ قال سمعته يقول :كان جبريل
يوحي إلى النبي صلى ال عليه وآله وسلم فقام النبي لحاجته وجلس علي فأوحى
إلى علي ،فقال يزيد :أنا لم أسمعه يقول هذا ولكني رأيته يضرب صدره ويقول أنا
سبئي أنا سبئي .قال العقيلي هم صنف من الرافضة أصحاب عبد ال بن سبأ ،وقال
ابن فضيل عن مغيرة عن إبراهيم أنه قال لمحمد بن السائب :ما دمت على هذا
الرأي ل تقربنا وكان مرجئ ًا وقال زيد بن الحباب سمعت الثوري يقول :عجباً لما
يروى عن الكلبي ،قال ابن أبي حاتم :فقلت لبي :إن الثوري روى عنه ،فقال :
كان ل يقصد الرواية عنه ويحكي حكايته تعجباً فيعلقه من حضره ويجعلونه رواية ،
وقال علي بن مسهر عن أبي جناب الكلبي حلف أبو صالح :أني لم أقرأ على الكلبي
من التفسير شيئ ًا ،وقال أبو عاصم :زعم لي سفيان الثوري قال :قال الكلبي :ما
حدثت عن أبي صالح عن ابن عباس فهو كذب فل ترووه ،وقال الصمعي عن قرة
بن خالد :كانوا يرون أن الكلبي يزخرف يعني يكذب ،وقال يزيد بن هارون ،كبر
الكلبي وغلب عليه النسيان ،وقال أبو حاتم :الناس مجمعون على ترك حديثه هو
ذاهب الحديث ل يشتغل به ،وقال النسائي :ليس بثقة ول يكتب حديثه ،وقال ابن
عدي ،له غير ما ذكرت أحاديث صالحة وخالصة عن أبي صالح وهو معروف
بالتفسير وليس لحد أطول من تفسيره وحدث عنه ثقات من الناس ورضوه في
التفسير وأما في الحديث ففيه مناكير ولشهرته فيما بين الضعفاء يكتب حديثه وقال
ابن أبي حاتم :كتب البخاري في موضع آخر محمد بن بشر سمع وعمرو بن عبد
ال الحضرمي وعنه محمد بن إسحاق قال ابن أبي حاتم :هو الكلبي ،قال محمد بن
عبدال الحضرمي مات :بالكوفة سنة ست وأربعين ومائة .قلت :ساق ابن سعد
نسبه إلى كلب بن وبرة قال :وكان شهد جده بشر وبنوه السائب الجماجم مع ابن
الشعث وكان عالماً بالتفسير وأنساب العرب وأحاديثهم توفي بالكوفة سنة ست
وأربعين أخبرني بذلك ابنه هشام ،قالوا :ليس ذاك ،في روايته ضعيف جداً ،وقال
علي بن الجنيد والحاكم أبو أحمد والدارقطني :متروك وقال الجوزجاني :كذاب
61
ساقط ،وقال ابن حبان ،وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الغراق في
وصفه روى عن أبي صالح التفسير وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس ل يحل
الحتجاج به ،وقال الساجي :متروك الحديث وكان ضعيفاً حداً لفرطه في التشيع ،
وقد اتفق ثقات أهل النقل على ذمه وترك الرواية عنه في الحكام والفروع ،قال
الحاكم أبو عبد ال :روى عن أبي صالح أحاديث موضوعة ." 1
فهذا هو الرجل وهذا هو مقامه وشأنه ،وهذه هي أقوال العلماء فيه ،وهذا
هو وضعه من التشيع والكذب إلى حد الكفر .
وأما ابنه هشام فهو ،يروي عنه وهو مثله ،رافضي متروك كما ذكره
الذهبي وغيره."2
وأما الكلبي هذا فلقد صنف كتاباً في مثالب الصحابة كما ذكره ابن المطهر
الحلي في كتابه منهاج الكرامة." 3
وقال المام ابن تيمية فيه وأيضاً نقل كلم الئمة العلم في كتابه :
هشام الكلبي :وهو من أكذب الناس وهو شيعي يروي عن أبيه وعن أبي
مخنف لوط بن يحيى ،وكلهما متروك كذاب ،وقال المام أحمد :ما ظننت أن أحداً
يحدث عنه ،إنما هو صاحب سمر ونسب ،وقال الدارقطني :هو متروك ،وقال
ابن عدي :هشام الكلبي الغالب عليه السمار ،ول أعرف له في المسند شيئاً وأبوه
أيضاً كذاب ساقط ،وقال زائدة والليث وسليمان التميمي :هو كذاب ،وقال يحيى :
ليس بشيء كذاب ساقط ،وقال ابن حبان :وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج
إلى الغراق في وصفه ." 4
1
-تهذيب التهذيب لبن حجر ص .180181-179-178
2
-انظر لذلك ميزان العتدال ص . 305 ، 304
3
-ص 58الملحق بكتاب منهاج السنة لبن تيمية .
4
-منهاج السنة ج 3ص . 19
62
فهؤلء الربعة هم العمدة للمؤرخين في سرد الروايات والحكايات
والخزعبلت عن الحوادث والكوارث التي وقعت أيام عثمان رضي ال عنه
والحروب التي حلت بين علي وبين المطالبين بثأر عثمان وقصاصه إلى شهادة
الحسين وما ترتب عليها من المور والنتائج ،فصبغوها بصبغة خاصة واستغلوها
لنشر السبئية وعقائدهم من مدخل التاريخ بعدما خدعوا كثيراً من الناس باسم العقائد
ل جديداً للطعن والتشنيع في أصحاب محمد صلى ال وحب أهل البيت ،ففتحوا مدخ ً
عليه وسلم ،في الخيار البررة ،ولدخال السذج الغفلة من الناس في دينهم الذي لم
يأت به إل عبد ال بن سبأ وأنصاره وأشياعه ،ولم يؤسس قواعده وأصوله ولم
يكون أسسه وضوابطه إل هم ومن والهم .ولذلك قدمنا الكلم في هؤلء الناس قبل
ذكر الوقائع والمطاعن لكي يعرف قيمة الروايات بقدر الرواة ،ويعلم أن كل واقعة
وحادثة يتفرد بروايتها هؤلء السبئيون والشيعة ل يعتمد عليها ول يكون لها اعتبار
وبعد بيان هذه المور الهامة نقول :إن السبئيين خططوا خطة ودبروا
مؤامرة للتفريق بين المسلمين وتمزيق كلمتهم وتشتيت شملهم وهدم كيان السلم
والقضاء على الخلفة السلمية .
فأولً :بنشر العقائد اليهودية والمدخولة الجنبية بين المسلمين ،ثم بنشر
الكاذيب والراجيف عن الحكام وولة المور .فنعيد عبارة ابن جرير الطبري ،التي
ذكرناها في مبحث السبئية لتبيين الحقائق عن المطاعن التي اخترعوها على خليفة
رسول ال صلى ال عليه وسلم الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي ال عنه ،وأن
عثمان هو عثمان المعروف بالكريم الحليم ،الجواد السخي ،الشريف الحيي ،ابن
بنت عمة رسول ال صلى ال عليه وسلم وزوج ابنتيه ،والممدوح من قبل النبي
صلى ال عليه وسلم وأهل بيته وعلي وأولده." 1
وليعرف كيف حكيت ضده المؤامرات وكيف أحكم نسيجها وكيف أثيرت ضده
الفتن ومن كان وراءها .فيقول الطبري :
1
-انظر لتفصيل ذلك كتابنا ( الشيعة وأهل البيت ) .
63
كان عبد ال بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء أمة سوداء فأسلم زمان عثمان ثم
تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضللتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام
فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم
فقال لهم فيما يقول :لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمد يرجع وقد
قال ال عز وجل { :إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } فمحمد أحق
بالرجوع من عيسى ،قال :فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها ثم قال
لهم بعد ذلك :إن كان ألف نبي ولكل نبي وصي وكان علي وصي محمد ،ثم قال :
محمد خاتم النبياء ،وعلى خاتم الوصياء ،ثم قال بعد ذلك :من أظلم ممن لم يجز
وصية رسول ال صلى ال عليه وسلم ووثب على وصي رسول ال صلى ال عليه
وسلم وتناول أمر المة ثم قال لهم بعد ذلك :إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي
رسول ال صلى ال عليه وسلم فانهضوا في هذا المر فحركوه وابدءوا بالطعن على
أمرائكم وأظهروا المر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى
هذا المر ،فبث دعاته وكانت من كان استفسد في المصار وكاتبوه ودعوا في السر
إلى ما عليه رأيهم وأظهروا المر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلوا يكتبون إلى
المصار بكتب يضعونها في عيوب ولتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك ،ويكتب أهل
كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون فيقرأه أولئك في أمصارهم وهؤلء في
أمصارهم حتى تنالوا بذلك المدينة وأوسعوا الرض إذاعة وهم يريدون غير ما
يظهرون ويسرون غير ما يبدون ،فيقول أهل كل مصر :إنا لفي عافية مما ابتلي به
هؤلء إل أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع المصار فقالوا إنا لفي عافية مما
فيه الناس وجامعه محمد وطلحة من هذا المكان قالوا فأتوا عثمان فقالوا :يا أمير
المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا ؟ قال :ل وال ما جاءني إل السلمة ،قالوا
:فإنا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا ،إليهم :قال فأنتم شركائي وشهود المؤمنين
فأشيروا علي ،قالوا نشير عليك أن تبعث رجالً ممن تثق بهم إلى المصار حتى
يرجعوا إليك بأخبارهم ،فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة وأرسل أسامة بن
زيد إلى البصرة وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر وأرسل عبد ال بن عمر إلى الشام
وفرق رجال سواهم فرجعوا جميعاً قبل عمار فقالوا :أيها الناس ما أنكرنا شيئاً ول
أنكره أعلم المسلمين ول عوامهم ،وقالوا جميعاً :المر أمر المسلمين إل أن
أمرائهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم ،واستبطأ الناس عمار حتى ظنوا أنه قد
اغتيل فلم يفجأهم إل كتاب من عبد ال بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عماراً قد
استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه منهم عبد ال بن السوداء وخالد بن ملجم
وسودان بن حمران وكنانة بن بشر."1
وإتماماً للفائدة نذكر ما ذكره الطبري من رد فعل عثمان رضي ال عنه على
ذلك :
1
-الطبري ج 5ص . 99 ، 98
64
ثم كتب عثمان إلى أهل المصار أما بعد فأتى آخذ العمال بموافاتي في كل
موسم وقد سلطت المة منذ وليت على المر بالمعروف والنهي عن المنكر فل يرفع
علي شيء ول على أحد من عمالي إل أعطيته وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إل
متروك لهم وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواماً يشتمون وآخرون يضربون فيا من
ضرب سرًا وشتم سراً من ادعى شيئاً من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان
مني أو من عمالي أو تصدقوا فإن ال يجزي المتصدقين ،فلما قريء في المصار
أبكى الناس ودعوا لعثمان وقالوا :إن المة لتمخض بشر وبعث إلى عمال المصار
فقدموا عليه ،عبدال بن عمار ومعاوية و عبد ال بن سعد وأدخل معهم في
المشورة سعيداً وعمراً فقال :ويحكم ما هذه الشكاية وما هذه الذاعة ؟ إني وال
لخائف أن تكونوا مصدوق ًا عليكم وما يعصب هذا البي فقالوا :ألم تبعث ألم نرجع
إليك الخبر عن القوم ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيء ؟ ل وال ما صدقوا ول
بروا ول نعلم لهذا المر أصلً وما كنت لتأخذ به أحدًا فيقيمك على شيء وما هي إل
إذاعة ل يحل الخذ بها ول النتهاء إليها ،قال :فأشيروا علي ؟ فقال سعيد بن
العاص :هذا أمر مصنوع يصنع في السر فيلقى به غير ذي المعرفة فيخبر به
فيتحدث به في مجالسهم قال :فما دواء ذلك ؟ قال :طلب هؤلء القوم ثم قتل هؤلء
الذين يخرج هذا من عندهم ،وقال عبد ال بن سعد :خذ من الناس الذي عليهم إذا
أعطيتهم الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم ،قال معاوية :قد وليتني فوليت قوماً ل
يأتيك عنهم إل الخير والرجلن أعلم بناحيتيهما قال :فالرأي ؟ قال :حسن الدب
قال :فما ترى يا عمر وقال أرى أنك قد لنت لهم وتراخيت عنهم وزدتهم على ما
كان يصنع عمر فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشد في موضع الشدة وتلين في
موضع اللين إن الشدة تنبغي لمن ل يألوا الناس شرا واللين لمن يخلف الناس
بالنصح وقد فرشتهما جميعاً اللين ،وقام عثمان فحمد ال وأثنى عليه وقال :كل ما
ي قد سمعت ولكل أمر باب يؤتى منه إن هذا المر الذي على هذه المة أشرتم به عل ّ
كائن وأن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة إل في حدود ال
تعالى ذكره التي ل يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها فإن سده شيء فرفق فذاك
وال ليفتحن وليست لحد على حجة حق وقد علم ال أني لم آل الناس خيراً ول
نفسي و وال إن رحى الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها كفكفوا
الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا بهم وإذا تعوطيت حقوق ال فل تدهنوا فيها."2
وأما اليرادات التي أوردوها عليه والمطاعن التي اخترعوها لتمزيق دولة
السلم ،فهي التي ذكرها واحداً بعد واحد وردها عثمان ذو النورين في خطبته التي
ذكرها جميع المؤرخين أنه حمد ال وأثنى عليه ،ثم قال :
2
-الطبري ج 5ص . 100 ، 99
65
إن هؤلء ذكروا أموراً قد علموا منها مثل الذي علمتم إل أنهم زعموا أنهم
يذاكرونيها ليوجبوها علىّ عند من ل يعلم وقالوا :أتم الصلة في السفر وكانت ل
تتم ،أل وإني قدمت بلداً فيه أهلي فأتممت لهذين المرين ،أو كذلك قالوا :اللهم نعم
،وقالوا ؟ وحميت حمى ؟ وإني وال ما حميت حمى قبلي وال ما حموا شيئاً لحد
ما حموا إل ما غلب عليه أهل المدينة ثم لم يمنعوا من رعيه أحداً واقتصروا
لصدقات المسلمين يحمونها لئل يكون بين من يليها وبين أحد تنازع ما منعوا ول
نحّوا منها أحد إل من ساق درهماً ومالي من بعير غير راحلتين ومالي ناغية ول
راغية وأني قد وليت وإني أكثر العرب بعيرًا وشاء فما اليوم شاة ول بعير غير
بعيرين لحجي ،أكذلك ؟ قالوا :اللهم نعم ،وقالوا كان القرآن كتباً فتركها إل واحدًا ،
أل وإن القرآن واحد جاء من عند واحد وإنما أنا في ذلك تابع لهؤلء ،أكذلك ؟ قالوا
:نعم ،وسألوه أن يقتلهم ،وقالوا أني رددت الحكم وقد سيره رسول ال صلى ال
عليه وسلم والحكم مكي سيره رسول ال صلى ال عليه وسلم سيره ورسول ال
صلى ال عليه وسلم رده أكذلك ؟ قالوا :اللهم نعم ،وقالوا :استعملت الحداث ولم
أستعمل إل مجتمع ًا محتملً مرضياً وهؤلء أهل عملهم فسلوهم عنه وهؤلء أهل بلده
ولقد ولي من قبلي أحدث منهم وقيل في ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم أشد
مما قيل لي في استعماله أسامة ،أكذلك ؟ قالوا :اللهم نعم ،يعيبون للناس ما ل
يفسرون ،وقالوا :أني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء ال عليه وأني إنما نفلته
خمس ما أفاء ال عليه من الخمس فكان مائة ألف وقد أنفذ مثل ذلك أبو بكر وعمر
"رضي ال عنهما" فزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم وليس ذاك لهم ،
أكذلك ؟ قالوا نعم ،وقالوا :أني أحب أهل بيتي وأعطهم فأما حبي فإنه لم يمل معهم
على جور بل أحمل الحقوق عليهم وأما إعطاؤهم فإني ما أعطيهم من مالي ول
أستحل أموال المسلمين لنفسي ول لحد من الناس ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة
والرغيبة من صلب مالي أزمان رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر
رضي ال عنهما وأنا يومئذ شحيح حريص أفحين أتيت على ما قالوا ،وإني وال ما
حملت على مصر من المصار فضلً فيجوز ذلك لمن قاله ،وإني وال ما حملت على
مصر من المصار فضلً فيجوز ذلك لمن قاله ،ولقد رددته عليهم وما قدم علىّ إل
الخماس ول يحل لي منها شيء فولى المسلمين وضعها في أهلها دوني ول يتلف
من مال ال بفلس فما فوقه وما أتبلغ منه ما آكل إل من مالي ،وقالوا :أعطيت
الرض رجالً وإن هذه الرضين شاركهم فيها المهاجرون والنصار أيام افتتحت فمن
أقام بمكان من هذه الفتوح فهو أسوة أهله ومن رجع إلى أهله لم يذهب ذلك ما حوى
ال فنظرت في الذي يصيبهم مما أفاء ال عليهم فبعته لهم بأمرهم من رجال أهل
عقار ببلد العرب فنقلت إليهم نصيبهم فهو في أيديهم دوني .وكان عثمان قد قسم
ماله وأرشه في بني أمية وجعل ولده كبعض من يعطى فبدأ ببني أبي العاص فأعطى
آل الحكم رجالهم عشرة آلف فأخذوا مائة ألف وأعطى بني عثمان مثل ذلك وقسم
في بني العاص وفي بني العيص وفي بني حرب ،ولنت حاشية عثمان لولئك
الطوائف ،وأبى المسلمون إل قتلهم وأبى إل تركهم ،فذهبوا ورجعوا إلى بلدهم
66
على أن يغزوهم مع الحُجاج كالحجاج ،فتكاتبوا وقالوا موعدكم ضواحي المدينة في
شوال ." 1
1
-نفس المصدر السابق ص . 103 ، 102
67
ولما كان شوال سنة 35هـ خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء ،
المقلل يقول ستمائة والمكثر يقول ألف ،على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوي
وكنانة بن بشر والليثي وسودان بن حمران السكوني وقتيرة بن فلن السكوني
وعلى القوم جميعاً الغافقي بن حرب العكي ،ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم
إلى الحرب وإنما خرجوا كالحجاج ومعهم ابن السوداء وخرج أهل الكوفة في أربع
رفاق ،وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي والشتر النخعي وزياد بن النضر
الحارثي وعبد ال بن الصم أحد بني عامر بن صعصعة وعددهم كعدد أهل مصر
وعليهم جميع ًا عمرو بن الصم ،وخرج أهل البصرة في أربع رفاق وعلى الرفاق
حكيم بن جبلة العبدي وزريح بن عباد العبدي وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة
القيسي وابن المحرش بن عبد عمر والحنفي وعددهم كعدد أهل مصر وأميرهم
جميعاً حرقوص بن زهير السعدي سوى من تلحق بهم من الناس ،فأما أهل مصر
فإنهم كانوا يشتهون علياً ،وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طلحة ،وأما أهل
الكوفة فإنهما كانوا يشتهون الزبير ،فخرجوا وهم على الخروج جميع وفي الناس
شتى ل يشك في كل فرقة إل أن الفلج ،معها وأن أمرها سيتم دون الخرين ،
فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلث تقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا
خشب ،وناس من أهل الكوفة فنزلوا العوص ،وجاءهم ناس من أهل مصر
وتركوا عامتهم بذي المرؤة ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر
وعبد ال بن الصم وقال :ل تعجلوا ول تعجلونا حتى ندخل لكم المدينة ونرتاد فإنه
بلغنا أنهم قد عسكروا لنا فوا ال إن كان أهل المدينة قد خافونا واستحلوا قتالنا ولم
يعلموا علمنا فهم إذا علموا علمنا أشد وإن أمرنا هذا لباطل ،وإن لم يستحلوا قتالنا
ووجدنا الذي بلغنا باطلً لنرجعن إليكم بالخبر قالوا اذهبا فدخل الرجلن فلقيا أزواج
النبي صلى ال عليه وسلم وعلياً وطلحة و الزبير وقال :إنما نأتم هذا البيت
ونستعفي هذا الوالي من بعض عمالنا ما جئنا إل لذلك بالدخول ،واستأذناهم للناس
بالدخول ،فكلهم أبى ونهى وقال بيضُ ما يفرخن ،فرجعا إليهم فاجتمع من أهل
مصر نفر فأتوا علياً ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة ومن أهل الكوفة نفر فأتوا
الزبير وقال كل فريق منهم إن بايعوا صاحبنا وإل كدناهم وفرقنا جماعتهم ،ثم كررنا
حتى نبغتهم فأتى المصريون علياً وهو عسكر عند أحجار الزيت عليه حلة أفواف
معتم بشقيقة حمراء يمانية متقلد السيف ليس عليه قميص وقد سرح الحسن إلى
ي عند أحجار الزيت ، عثمان فيمن اجتمع إليه ،فالحسن جالس عند عثمان وعل ّ
فسلم عليه المصريون وعرضوا له ،فصاح بهم واطردهم وقال :لقد علم الصالحون
أن جيش ذي المرؤة وذي خشب ملعونون على لسان محمد صلى ال عليه وسلم
فارجعوا ل صحبكم ال قالوا :نعم فانصرفوا من عنده على ذلك وأتى البصريون
طلحة وهو في جماعة أخرى إلى جنب عليّ وقد أرسل ابنيه إلى عثمان فسلم
البصريون عليه وعرّضوا له فصاح بهم واطّردهم وقال لقد علم المؤمنون أن جيش
ذي المروة وذي خُشب والعوص ملعونون على لسان محمد صلى ال عليه وسلم،
وأتى الكوفيون الزبير وهو في جماعة أخرى وقد سرّح ابنه عبد ال إلى عثمان
68
فسلموا عليه وعرضوا له فصاحبهم واطردهم وقال لقد علم المسلمون أن جيش ذي
المروة وذي خشب والعوص ملعونون على لسان محمد صلى ال عليه وسلم،
فخرج القوم وأروهم إنهم يرجعون فانفشّوا عن ذي خشب والعوص حتى انتهوا
إلى عساكرهم وهي ثلث مراحل كي يفترق أهل المدينة ثم يكرا راجعين ،فافترق أهل
المدينة لخروجهم فلما بلغ القوم عساكرهم كّروا بهم فبغتوهم فلم يفجأ أهل المدينة
إل والتكبير في نواحي المدينة فنزلوا في مواضع عساكرهم وأحاطوا بعثمان ،وقالوا
ف يده فهو آمنٌ ،وصلى عثمان بالناس أيامًا ولزم الناس بيوتهم ولم يمنعوا من ك ّ
أحدًا من كلم فأتاهم الناس فكلموهم وفيهم عليّ فقال ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم
عن رأيكم ،قالوا أخذنا مع بريد كتابًا بقتلنا ،وأتاهم طلحة فقال البصريون ،مثل ذلك
وأتاهم الزبير فقال الكوفيون مثل ذلك وقال الكوفيون والبصريون فنحن ننصر
إخواننا ونمنعهم جميعًا كأنما كانوا على ميعاد فقال لهم عليّ :كيف علمتم يا أهل
الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا هذا
وال أمرٌ أبرم بالمدينة ،قالوا فضعوه على ما شئتم ل حاجة لنا في هذا الرجل
ليعتزلنا" "1
فحاصروا بيته محاصرة شديدة وجاء على ""2أهل بيته وطلحة والزبير مع أبنائهم
للدفاع عنه فقال مخاطبًا إياهم:
يا أهل المدينة إني أستودعكم ال وأسأله أن يحسن عليكم الخلفة من بعدي .إني
وال ل أدخل على أحد بعد يومي هذا حتى يقضي ال فيّ قضاه ولدعن هؤلء وراء
ل في دين ال أودنا حتى يكون ال عز بابي غير معطيهم شيئًا يتخذونه عليكم دخ ً
وجل الصانع في ذلك ما أحب .وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم فرجعوا إل
الحسن ومحمد بن طلحة وابن الزبير وأشباهًا لهم ،فجعلوا بالباب عن أمر آبائهم
وثاب إليهم ناس كثير ولزم عثمان الدار"."3
69
حُصر عثمان اثنين وعشرين يومًا ثم أحرقوا الباب وفي الدار أناس كثير فيهم عبد
ال بن الزبير ومروان فقالوا ائذن لنا ،فقال إن رسول ال صلى ال عليه وسلم عهد
إليّ عهدًا فأنا صابرٌ عليه وإن القوم لم يحرقوا باب الدار إل وهم يطلبون ما هو
أعظم منه فأحرّج على رجل يستقتل ويقاتل وخرج الناس كلهم ودعا بالمصحف يقرأ
فيه والحسن عنده فقال أن أباك الن لفي أمر عظيم فأقسمت عليك لما خرجت وأمر
عثمان أبا كرب رجلً من همدان وآخر من النصار أن يقوما على باب بيت المال
وليس فيه إل غرارتان من ورق فلما أطفئت النار بعدما ناوشهم ابن الزبير ومروان
وتوعّد محمد بن أبي بكر ابن الزبير ومروان فلما دخل على عثمان هربا ودخلوا
عليه فمنهم من يجؤه بنعل سيفه وآخر يلكزه وجاءه رجل بمشاقص معه فوجأه في
ترقوته فسال الدم على المصحف وهم في ذلك يهابون في قتله وكان كبيرًا وغُشي
عليه ودخل آخرون فلما رأوه مغشيًا عليه جرّوا برجله فصاحت نائلة وبناته وجاء
التّجيبي مُخترطًا سيفه ليضعه في بطنه فوقّته نائلة فقطع يدها واتّكأ بالسيف عليه
في صدره وقتل عثمان رضي ال عنه قبل غروب الشمس ونادى منادٍ ما يحلّ دمه
ويحرج ماله فانتهبوا كل شيء ثم تبادروا بيت المال فألقى الرجلن المفاتيح ونجوا
وقالوا الهرب هذا ما طلب القوم .وذكر محمد بن عمران عبد الرحمن بن عبد العزيز
حدّثه عن عبد الرحمن بن محمد أن محمد بن أبي بكر تسوّر على عثمان من دار
عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب وسُودان بن حمران وعمرو بن الحمق
فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ المصحف في سورة البقرة فتقدّمهم محمد
بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال قد أخزاك ال يا نَعثَلُ فقال عثمان لست بنعثل
ولكني عبد ال وأمير المؤمنين قال محمد ما أغنى عنك معاوية وفلن وفلن وفلن
فقال عثمان يا ابن أخي دع عنك لحيتي فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه
فقال محمد لو رآك أبي تعمل هذه العمال أنكرها عليك وما أريد بك أشد من قبضي
على لحيتك قال عثمان أستنصر ال عليك وأستعين به ثم طعن جبينه بمشقص في
يده ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أذن عثمان فضت
حتى دخلت في حلقه ثم عله بالسيف حتى قتله فقال عبد الرحمن سمعت أبا عون
يقول ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدّم رأسه بعمود حديد فخرّ لجبينه فضربه
سودان بن حمران المرادي بعدما خرّ لجبينه فقتله .قال محمد بن عمر حدثني عبد
الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث قال الذي قتله كنانة بن بشر بن
عتاب التّجيبي وكانت امرأة منظور بن سيّار الفزاري تقول خرجنا إلى الحج وما
ل يتغنّى تحت الليل:
علمنا لعثمان بقتل حتى إذا كنا بالعرج سمعنا رج ً
قتيلُ التّجيبي الذي جاء من ِمصْر أل إن خير الناس بعد ثلثة
قال وأما عمر بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه ر َمقَ فطعنه تسع
طعنات قال عمرو فأما ثلث منهن فإني طعنتهن إياه ل وأما ستّ فإني طعنتهن إياه
لما كان في صدري عليه"."1
-1الطبري :ج 5ص 132-131
70
فهذه هي القصة ،اختصرناها من تاريخ الطبري ومروج الذهب للمسعودي الشيعي
بدون تغيير لفظ وتحريفه .وهكذا فاز السبئيون في تفريق كلمة المسلمين وإيقاع
الخلف والشقاق بينهم الذي ل ينتهي إلى يوم القيامة كما تنبأ عن ذلك عثمان رضي
ال عنه مخاطبًا الشتر وغيره:
فوال إن قتلتموني ل تتحابون بعدي أبدًا ول تصلون جميعًا بعدي أبدًا ول تقاتلون
بعدي جميعًا أبدًا"."1
فهذا هو الذي حصل .ولقد أطلنا النقل في هذا الخصوص لما أن له علقة مباشرة
بهذا الموضوع وهي المطاعن التي استغلها السبئيون لقلب نظام الحكم .فهي كما
تلي ،بلسان أحد أخلفهم .فيقول ابن المطهّر الحلي:
وأما عثمان فإنه ولّى أمور المسلمين من ل يصلح للولية ،حتى ظهر من بعضهم
الفسوق ومن بعضهم الخيانة ،وقسم الوليات بين أقاربه ،وعوتب على ذلك مرارًا
فلم يرجع .واستعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وصلّى بالناس وهو
سكران ،واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة ،فظهر منه ما أدى إلى أن أخرجه
أهل الكوفة منها .وولّى عبد ال بن أبي سرح مصر حتى تظلّم منه أهلها ،وكاتبه أن
يستمر على وليته سرّا ،خلف ما كتب إليه جهرًا ،وأمره بقتل محمد بن أبي بكر.
وولّى معاوية الشام ،فأحدث من الفتن ما أحدث .وولى عبد ال بن عامر العراق،
ففعل من المناكير ما فعل .وولى مروان أمره ،وألقى إليه مقاليد أموره ،ودفع إليه
خاتمه ،فحدث من ذلك قتل عثمان ،وحدث الفتنة بين المة ما حدث .وكان يؤثر أهله
بالموال الكثيرة من بيت مال المسلمين ،حتى إنه دفع إلى أربعة نفر من قريش
زوّجهم بناته أربعمائة ألف دينار ،ودفع إلى مروان ألف ألف دينار .وكان ابن مسعود
يطعن عليه ويكفّره ،ولما حكم ضربه حتى مات .وضرب عمّارًا حتى صار[به] فتق،
وقد قال النبي صلى ال عليه وآله :عمار جلدة بين عيني ،تقتله الفئة الباغية ،ل
أنالهم ال شفاعتي يوم القيامة؛ وكان عمار يطعن عليه.
وطرد رسول ال صلى ال عليه وآله الحكم بن أبي العاص عم عثمان عن المدينة،
ومعه مروان ،فلم يزل طريدًا هو وابنه في زمن النبي صلى ال عليه وآله .وأبي بكر
وعمر ،فلما ولي عثمان آواه ورده إلى المدينة ،وجعل مروان كاتبه ،وصاحب
خرِ ُيوَادّونَ مَنْ
جدُ َقوْمًا يُ ْؤ ِمنُونَ بِالِّ وَا ْل َي ْومِ ال ِ
تدبيره؛ مع أن ال تعالى قال{ :ل تَ ِ
حَادّ الَّ َو َرسُولَهُ} [سورة المجادلة ]22 :الية.
1
-تاريخ الطبري :ج 5ص 118
71
ونفى أبا ذرّ إلى ربذة ،وضربه ضربًا وجيعًا ،مع أن النبي صلى ال عليه وآله قال
في حقه :ما أقلت الغبراء ول أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ،
وقال صلى ال عليه وآله :إن ال أوحى إليّ أنه يحب أربعة من أصحابي ،وأمرني
بهم ،قيل له :من هم يا رسول ال؟ قال :علي عليه السلم سيدهم ،وسلمان ،ومقداد،
وأبو ذر.
وضيّع حدود ال فلم يحد عبيد ال بن عمر حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين
عليه السلم بعد إسلمه ،وكان أمير المؤمنين عليه السلم يطلب عبيد ال لقامة
القصاص عليه ،فلحق بمعاوية .وأراد أن يعطل حد الضرب في الوليد بن عقبة ،حتى
حدّه أمير المؤمنين عليه السلم وقال :ل يبطل حد ال وأنا حاضر .وزاد الذان يوم
الجمعة وهو بدعة ،وصار سنة الن .وخالفه المسلمون كلهم حتى قتل""1فهذه هي
تركة السبئيين تلقفها الشيعة منهم وتوارثها آباء آبائهم قبل ،وهذه أحد الدلة بأن
شيعة اليوم لم يكوّنوا مذهبهم ولم يؤسسوا قواعده وأركانه إل على السس التي
وضعها السبئية ،وليس لهم علقة بالشيعة الولى ،شيعة عليّ وأولده ،ل من قريب
ول من بعيد وكما سنبينه قريبًا إن شاء ال في موضعه.
فاليرادات هذه التي اخترعها واختلق بعضها السبئيون ردّ عليها ذو النورين في
حينها كما ذكرناه آنفًا من الطبري وغيره ،ولم يكن لبعض منها وجود آنذاك ،وقد
تصدى للرد على جميع هذه الكاذيب والباطيل أعيان هذه المة وأسلفها ،وأئمة
السنة وأعلمها ،مثل شيخ السلم ابن تيمية حيث ذكر واحدًا واحدًا منها ثم ردّ
عليها بالصول الثابتة والبراهين الساطعة .وكذلك تلميذه الذهبي حيث لخص كتابه،
والقاضي أبو بكر بن العربي وغيرهم من العلء والمتكلمين والفقهاء .وفي شبه
القارة الهندية الباكستانية انبرى لها الكثيرون وعلى رأسهم الحكيم الدهلوي وليّ ال
صاحب (حجة ال البالغة) و(قرة العينين في تفضيل الشيخين) و(إزالة الخفاء عن
خلفة الخلفاء) وابنه عبد العزيز الدهلوي الذي لخص كتابه اللوسي الصغير وغيره
الكثيرون الكثيرون ،ولكن القوم تعوّدوا على الكذب والصرار عليه ،ويكثرون كيما
ينطلي على السذج والمغفلين من الناس.
ولكن لننا بدأنا في البحث عن السبئية وأفكارهم والفرق التي تفرعت من الشيعة
وتاريخها وتبنيها أفكارهم دون أفكار الشيعة الولى أردنا ذكر هذه المطاعن ،وعلوة
على ذلك نبتغي من الرد عليها بأسلوبنا الخاص وذكرنا الستشهادات من كتب القوم
ابتغاء مرضاة ال للدفاع عن حمى السلم والذود عن أصحاب محمد صلى ال عليه
وسلم ،الذين نحبهم لحب نبينا إياهم ولحبهم إياه ،ونرجو ال القبول والتوفيق.
فأول إيراد أوردوه على سيدنا عثمان رضي ال عنه أنهم قالوا :إنه آثر القربى،
وذكر أيضًا المؤرخ الشيعي المشهور اليعقوبي حيث قال:
1
-منهاج الكرامة الملحق بمنهاج السنة ص .67-66
72
"ونقم الناس على عثمان بعد وليته بست سنين وتكلم فيه من تكلم وقالوا :آثر
القربى"."1
فلننظر ما حقيقة هذا اليراد وهذا الطعن؟ هل حقيقة قسم الولية بين أقاربه أم هذه
من أكاذيب السبئية التي اخترعوها لتأليب الناس على عثمان ،وتبنتها الشيعة وحتى
اليوم لتأييد السبئيين في خروجهم وبغيهم وإظهارًا للولء لهم والوفاء بهم .فها هو
ذا المؤرخ الشيعي المشهور اليعقوبي بذكر عمال عثمان على الوليات ،فيقول:
"وكان لعثمان على اليمن يعلى بن أمية التميمي ،وعلى مكة عبد ال بن عمرو
الحضرمي ،وعلى همذان جرير بن عبد ال البجلي ،وعلى الطائف القاسم بن ربيعة
الثقفي ،وعلى الكوفة أبو موسى الشعري ،وعلى البصرة عبد ال بن عامر الكريز،
وعلى مصر عبد ال بن سعد بن أبي السرح ،وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان بن
حرب". "2
وقد ذكر الطبري وابن الثير أسماء بقية العمال الذين كانوا على الوليات وعلى
المناصب العليا فذكر الطبري وابن الثير:
وعلى حمص عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ،وعلى قنسرين حبيب ابن مسلمة،
وعلى الردن أبو العور السلمي ،وعلى فلسطين علقمة بن حكم الكنعاني ،وعلى
البحر عبد ال بن قيس الفزاري ،وعلى القضاء (الشام) أبو الدرداء ،وعلى الخراج
جابر بن فلن المزني ،وعلى حربها القعقاع بن عمرو ،وعلى قرقيسياء جرير بن
عبد ال البجلي ،وعلى آذربيجان الشعث بن قيس الكندي ،وعلى حلوان عتيبة بن
النهاس ،وعلى ماه مالك بن حبيب ،وعلى الري سعيد بن قيس ،وعلى أصبهان
السائب بن القرع ،وعلى ما سبذان حبيش ،وعلى بيت المال عقبة بن عامر ،وعلى
القضاء زيد بن ثابت"."3
ونائبه في الحج سنة كان عبد الرحمن بن عوف ،وفي السنة الخيرة كان عبد ال
بن عباس كما ذكر اليعقوبي في تاريخه"."4
ومثل هذا ذكر كل من ابن سعد في طبقاته وابن كثير وابن الثير في تاريخهما وابن
عبد البر في الستيعاب وغيرهم في غيرها.
ويظهر من هذا الفهرست بداهة ولول وهلة كذب السبئيين المعلنين لسبئيتهم
والمفتخرين بها وكذب المتخلفين والوارثين في أفكارهم ومطاعنهم والمتسترين
المتخفين تحت اسم التشيع خوفًا من افتضاح ما هو مفضوح.
- 1تاريخ اليعقوبي :ج 2ص 174-173
- 2تاريخ اليعقوبي :ج 2ص .176
- 3تاريخ الطبري :ج 5ص ،149-148ابن الثير ج 3ص ،95وورد بعض هذه السماء في البداية والنهاية
ص 322
- 4ج 2ص 176
73
فهذه هي الوليات وهؤلء هم العمال ،وهذه هي المناصب وهؤلء هم الحائزون
عليها بثبت التاريخ وبشهادة القوم أنفسهم.
فالمناصب العليا في الدولة كانت هي:
أولً :القضاء ،ولم يكن يتولها أحد من أقاربه ،بل كان يتولها زيد بن ثابت
النصاري رضي ال عنه.
ثانيًا :وبيت المال كان عليه عقبة بن عامر.
ثالثًا :وعلى إمارة الحج عبد ال بن عباس.
رابعًا :وعلى الخراج جابر بن فلن المزني وسماك النصاري.
خامسًا :وعلى الحرب القعقاع بن عمرو.
سادسًا :وقد ذكر بعض المؤرخين أن رئيس الشرطة في أيامه عبد ال بن قنفذ من
بني تيم"."1
فهذه هي المناصب الستة العليا في الدولة لم يكن واحد منها من بني أمية أو أقارب
عثمان رضي ال عنه وعن باقي الصحابة أجمعين.
سابعًا :وأما عمال الوليات وولتها فلم يكن مع كثرتهم إل الثلثة من بني أمية،
وواحد من هؤلء الثلثة لم يولّه عثمان على وليته ،بل كان قد ولّى من قبل أبي بكر
ثم أثبته على تلك الولية عمر مع كثرة عزله العمال والولة أل وهو معاوية بن أبي
سفيان رضي ال عنهما كما ذكر مؤرخ شيعي معاوية من عمال عمر". "2
ولم يكن أبو بكر ولّه على تلك الولية إل نائبًا لخيه يزيد بن أبي سفيان رضي ال
عنهما رسول ال صلى ال عليه وسلم على تيماء ""3كما استعمل أباهم ،أبا سفيان
رضي ال عنه على نجران "."4
ولم يبق إل الثنان :عبد ال بن سعد بن أبي سرح ،وعبد ال بن عامر بن كريز.
والجدير بالذكر أن عبد ال بن سعد بن أبي سرح أيضًا ليس من بني أمية ،بل هو
من بني عامر ولكن المرضعة التي أرضعت عثمان رضي ال عنه كان أم عبد ال
هذا ،فهذه حقيقة القرابة كلها.
74
ثم فهل كان تولية عبد ال بن عامر بن كريز وأضف إليه عبد ال بن سعد من بين
العمال الكثيرين فيها مأخذًا ومطعنًا في سيدنا عثمان بن عفان رضي ال عنه؟.
فهل من المحرّم شرعًا أن يولى الخليفة والمير أحدًا من أقاربه يستأهله فقط لنه
من أقاربه أو قبيلته وعشيرته .فهل ورد بذلك الكتاب أم السنة ،وهل صرح بذلك أحد
من الصحابة وأهل البيت وحتى عليّ وأولده؟.
وهل هذا من المطاعن؟.
ي بن أبي طالب رضي ال عنه – أحق وأولى حيث فإن كان هذا طعنًا فوقوعه في عل ّ
1
ولّى أيام خلفته فثم بن عباس على مكة وعبد ال بن عباس على اليمن " "وولّى
عبد ال بن عباس على البصرة وولّى ربيبه محمد بن أبي بكر على مصر". "2
وولّى صهره وابن أخته جعد بن الهبيرة على خراسان ،كما كان على عساكره محمد
بن الحنفية""3
وقد ناب عنه في الحج سنة 36هـ عبد ال بن عباس ،وسنة 37هـ فثم بن العباس،
وسنة 38هـ عبيد ال بن العباس "."4
ثم من أين لقوم أن يعترضوا على عثمان لتوليته أقاربه وهو لم يولّ كما أثبتناه –
وهم لم يجعلوا عليّا رضي ال عنه وصى رسول ال إل لقرابته منه ،ولم يجعلوا
المامة في أولده إل لنهم من أولده.
وعـار عليـك إذا فعلـت عظيـم
ثم ولول أن يطول بنا الحديث لثبتنا أن عمل عثمان رضي ال عنه كان أقرب لسنة
رسول ال صلى ال عليه وسلم ممن جاء بعده ،ولم يعترض على عمله وعماله أحد
من أصحاب رسول ال ول عليّ والهاشميون الخرون غيره ،ول أهل المصار
والوليات الذين أمّر عيهم هؤلء العمال كما هو ثابت في التاريخ.
فهذا كل ما يدندن حوله القوم من السبئيين إلى شيعة عصرنا الحاضر .وهذه هي
الحقيقة وهذه هي الحقائق ،وهذه هي التهمة الكبيرة والمطعن الكبر الذي استعمله
السبئيون قديمًا ،ويستعمله الشيعة حديثًا.
وأخيرًا ننقل هاهنا ما ذكره الذهبي في (المنتقى) جوابًا على هؤلء:
1
-تاريخ اليعقوبي الشيعي :ج 2ص 179
2
-مروج الذهب.
3
-انظر لذلك مروج الذهب للمسعودي الشيعي ج 2ص ،351ومنهاج السنة لبن تيمية والعواصم من القواصم
4
-تاريخ اليعقوبي :ص 213
75
إنّ نوّاب عليّ قد خانوه وعصوه أكثر مما خان عمال عثمان له وعصوه وذهب
بعضهم إلى معاوية .وقد ولّى علي رضي ال عنه زياد بن أبي سفيان أبا عبيد ال
بن زياد قاتل الحسين وولّى الشتر ،وولى محمد بن أبي بكر ،ومعاويةُ خيرٌ من
هؤلء كلهم .ومن العجب أن الشيعة ينكرون على عثمان ما يدعون أن عليّا كان أبلغ
فيه من عثمان ،فيقولون إن عثمان ولى أقاربه من بني أمية وعليّ ولّى أقاربه من
قبل أبيه وأمه كعبد ال وعبيد ال ابني عمه العباس و ُقثَم بن العباس وثُمامة ابن
العباس .وولى على مصر ربيبه محمد بن أبي بكر الذي رباه في حجره وولد أخته أم
هانئ ثم إن المامية تدّعي أن عليّا نص على أولده في الخلفة ...ومن المعلوم أنه
إن كان تولية الولد أقرب إلى النكار من تولية بني العم ...وإذا ادّعي لعلي العصمة
ونحوها مما يقطع عنه ألسنة الطاعنين كان ما ُيدّعى لعثمان من الجتهاد الذي يقطع
ألسنة الطاعنين أقرب إلى المعقول والمنقول .وأما عثمان فله أسوة في استعمال بني
أمية بالنبي صلى ال عليه وسلم فقد استعمل عتّاب بن أسيد الموي على مكة ،وأبا
سفيان على نجران ،واستعمل خالد بن سعيد بن العاص ،حتى إنه استعمل الوليد بن
عقبة...
فيقول عثمان" :أنا لم أستعمل إل من استعمله النبي صلى ال عليه وسلم ومن
جنسهم ومن قبيلتهم ،وكذلك أبو بكر وعمر بعده ،فقد ولّى أبو بكر يزيد بن أبي
سفيان بن حرب في فتوح الشام ،وأقرّه عمر ،ثم ولّى عمى بعده ،أخاه معاوية .وهذا
النقل عن النبي صلى ال عليه وسلم في استعمال هؤلء ثابت مشهور عنه ،بل
متواتر عند أهل العلم ،فكان الحتجاج على جواز الستعمال من بني أمية بالنص
الثابت عن النبي صلى ال عليه وسلم أظه َر عند كل عاقل من عوى كون الخلفة في
واحد معين من بني هاشم بالنص ،لن هذا كذب باتفاق أهل العلم بالنقل ،وذاك صدق
باتفاق أهل العلم بالنقل .وأما بنو هاشم فلم يستعمل النبي صلى ال عليه وسلم منهم
إل عليّا على اليمن وجعفر على غزوة مؤتة مع موله زيد وابن رواحة". "1
وأما توليته الوليد بن عقبة على الكوفة فليس فيه شيء ،لن الوليد كان من أعيان
قريش:
وكان من رجال قريش ظرفًا وحلمًا وشجاعة وأدبًا ،وكان شاعرًا شريفًا ""2ثم
رسول ال صلى ال عليه وسلم نفسه أمّره على صدقات بني المصطلق:
أسلم يوم الفتح وبعثه رسول ال صلى ال عليه وسلم على صدقات بني
المصطلق"."3
وأما سعيد بن العاص فنثبت هاهنا ما ذكره الخطيب محب الدين على هامش (المنتقى
من منهاج السنة):
1
-المنتقى للذهبي :ص 383-382
2
-تهذيب التهذيب :ج 11ص .143
3
-تهذيب التهذيب :ج 11ص ،142وكتاب المحبر :ص 126
76
"كان سعيد بن العاص في الذروة العليا من فصحاء قريش ،وندبه عثمان عند كتابة
القرآن فأقيمت عربية القرآن على لسانه ،لنه كان أشبههم لهجة برسول ال صلى
ال عليه وسلم وبلغ من صدق إيمانه أن قال له عمر يومًا أنا لم أقتل أباك ،وإنما
قتلت خالي العاص بن هشام فقال له سعيد :ولو قتلته لكنتَ على الحق وكان على
الباطل .وسعيد بن العاص هو فاتح طبرستان وغزا جرجان وكان في عسكره حذيفة
وغيره من كبار الصحابة .وحسبه شرفًا ما رواه عبد ال بن عمر بن الخطاب أن
امرأة جاءت إلى النبي صلى ال عليه وسلم ببردة فقال :إني نذرت أن أعطي هذه
البردة لكرم العرب ،فقال لها صلى ال عليه وسلم :أعطيها لهذا الغلم .وهو واقف.
" "1فإن لم تكن إقامة القرآن على لسان سعيد بن العاص مفخرة عند الرافضة
فشهادة النبي صلى ال عليه وسلم له بأنه أكرم العرب من أعظم مفاخر الدنيا
والدين ،إل أن له عيبًا وهو أنه أحد الذين أخرجوا إيران من المجوسية إلى السلم
بتسجيل التاريخ له أنه فاتح طبرستان وقائد كبار الصحابة في غزو جرجان.
وأحاديثه في صحيح مسلم وسنن النسائي وجامع الترمذي .ولكن الرافضة ل تعبأ
بصحيح مسلم ول بجميع دواوين السنة المحمدية مادامت مكتفية بأكاذيب كتابهم
الذي يسمونه الكافي .ومن مفاخر سعيد بن العاص التي يموت الرافضة بسببها كمدًا
وحنقًا ما أخرجه الطبراني من طريق محمد بن قانع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن
جده قال :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم عاد سعيد بن العاص ،فرأيته يكمده
بخرقة .وأراد بعضهم أن يصرف هذه المنقبة إلى جد سعيد بن العاص – وهو أيضًا
يسمى سعيد بن العاص – لكن ذلك ل يمكن أن يكون إل في مكة قبل الهجرة وجد
سعيد بن العاص مشرك ،فإن صحّ أن النبي صلى ال عليه وسلم فعل ذلك بجد سعيد
بن العاص الموي وهو مشرك فيكون ذلك من باب المودة في القربى لنهما من بني
عبد المناف ،وسبّ الرافضة للمويين من بني عبد المناف في جاهليتهم وإسلمهم
ينافي ما كان يحتج إليه النبي صلى ال عليه وسلم من أسباب المودة في القربى
التي تقدم الكلم عليها لمناسبة ما كان النبي صلى ال عليه وسلم يبادل به أبا سفيان
في الجاهلية من أسباب هذه المودة العائلية .وعلى ذكر حديث البردة التي نذرت
إحدى الصحابيات أن تعطيها لكرم العرب فأمرها النبي صلى ال عليه وسلم أن
تعطيها لسعيد بن العاص وكان غلمًا بعد ،فإن هذا الحديث من أعلم النبوة ،وقد
اكتشف النبي صلى ال عليه وسلم بنور الوحي اللهي أن سعيدًا سيكون أكرم
العرب ،روى ابن أبي خيثمة من طريق يحيى بن سعيد قال :قدم محمد بن عقيل بن
أبي طالب على أبيه فقال له :من أشرف الناس؟ قال :أنا وابن أمي ،وحسبك بسعيد
بن العاص وقال معاوية :كريم قريش سعيد بن العاص .وكان مشهورًا بالكرم والبر،
حتى كان إذا سأله السائل وليس عنده ما يعطيه كتب له بما يريد أن يعطيه مسطورًا،
فلما مات كان عليه ثمانون ألف دينار فوفاها عنه ولده عمرو الشدق ....وهذا هو
الموي الذي يعير الرافضيّ أمير المؤمنين عثمان بأنه وله الكوفة ،مات سعيد بن
- 1وكان هذا الغلم هو سعيد بن العاص المجاهد الفاتح الذي يعير الرافضي أمير المؤمنين عثمان بأنه وله
الكوفة
77
العاص في قصره بالعقيق سنة "1"53ونضيف إلى ذلك أنه كان يهدي عليّا رضي
ال عنه وكان يقبل منه كما ذكره ابن سعد في طبقاته:
إن سعيد بن العاص قدم المدينة وافدًا إلى عثمان ،فبعث إلى وجوه المهاجرين
والنصار بصلت ،وإلى علي بن أبي طالب فقبل منه""2فإن كان كما يذكره السبئيون
والشيعة فكيف يقبل منه صلت وهدايا؟ .وأكثر من ذلك أن سعيد بن أبي العاص هذا:
"خطب أم كلثوم بنت علي من فاطمة التي كانت زوجة عمر بن الخطاب فأجابت إلى
ذلك"."3
فارجع البصر هل ترى من فطور ،ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئًا
وهو حسير.
فانظر إلى شهامة عمال عثمان وكرم البيت الموي كما يذكره الذهبي وغيره:
"خطب سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي بعد عمر ،وبعث لها بمائة ألف ،فدخل
عليها أخوها الحسين وقال :ل تزوجيه ،فقال الحسن :أنا أزوّجه واتعدوا لذلك،
فحضروا فقال سعيد :وأين أبو عبد ال؟ فقال الحسن :سأكفيك ،قال :فلعل أبا عبد ال
كره هذا ،قال :نعم ،قال :ل أدخل في شيء يكرهه ورجع ولم يأخذ من المال
شيئًا"."4
وأما عبد ال بن عامر عامل عثمان على العراق فيكفيه شرفًا أنه:
أتى به النبي صلى ال عليه وسلم وهو صغير ،فقال :يشبهنا وجعل يتفل عليه
ويعوذه ،وجعل عبد ال يبتلع ريق رسول ال صلى ال عليه وسلم إنه المستقى،
فكان ل يعالج أرضًا إل ظهر له الماء ...فكان كما قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم ""5
وزاد ابن سعد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال:
"هذا ابننا وهو أشبهكم بنا""6
لن جدته كانت عمة رسول ال صلى ال عليه وسلم وهي أم حكيم بنت عبد المطلب
بن هاشم ""7
78
وكان سخيّا شجاعًا ،وصولً لقرابته ولقومه ،محببًا فيهم ،رحيمًا "."1
ووله بلد فارس وكان عمره خمسًا وعشرين سنة ،فافتتح خراسان كلها وأطراف
فارس وسجستان وكرمان وزابلستان ""2
كما أرسل العساكر إلى كل من قومس ونسّا وابرشهر وجام وطوس واسفرائين
وسرخس ومرو وبوشنج وزرنج""3وهو الذي قتل كسرى في وليته "."4
وأرسل العساكر إلى الكاريان والفيشجان وناشب وبهراة وبيهق وطخارستان
5
وجوزجان والفاريان والطالقان وبلخ وخوارزم وبادغيس وأصبهان وحلوان " " .
وافتتحت هذه البلدان كلها تحت إشرافه وبأيدي عساكره ""6وهو أول من اتخذ
الحياض بعرفة ،وأجرى إليه العين وسقى الناس الماء ،فذاك جار إلى اليوم ""7
وعلى ذلك قال شيخ السلم:
"إن عبد ال بن عامر له من الحسنات والمحبة في قلوب الناس ما ل ينكر""8
وأنى للشيعة من أولهم إلى أخرهم أن يكون لهم وال مثله في الجهاد والغزوات وفي
الفتوحات وتقديم الهبات والصلت والبر بالناس وعمل الخيرات.
وأما مروان الذي طالما كثر الكلم حوله فتفصل فيه القول بعض التفصيل لنه هو
كان محور المطاعن ومركز التجريح ،ول زال من قبل السبئية ومن فرق الشيعة
كلها.
1
-طبقات ابن سعد ج 5ص ،32الستيعاب لبن عبد البر :ج 2ص ،352كتاب نسب قريش ص 149
2
-أسد الغابة :ج 3ص ،119طبقات ابن سعد :ج 5ص .33
3
-كتاب البلدان لليعقوبي الشيعي :ص 40وما بعد.
4
-الستيعاب لبن عبد البر :ج 2ص 52
5
-تاريخ خليفة ابن خياط :ج 1ص .158 ،140
6
-تاريخ خليفة ابن خياط :ج 1ص .158 ،140
7
-طبقات ابن سعد :ج 5ص ،34أسد الغابة :ج 3ص ،191البداية :ج 8ص .88
79
فإن أكثر ما روي عنه من المطاعن والتهم من قبيل شتمه وسبابه لعليّ ،وأخذه
خمس أفريقيا ،ونفى والده وطرده هو معه ،وكتابته الكتاب المزعوم لقتل محمد بن
أبي بكر وغيرها من الروايات لم ترو إل من طريق الواقدي ومحمد بن السائب
الكلبي وابنه هشام أو أبي مخنف لوط بن يحيى ،وقد ذكرنا أحوال جميع هؤلء
الرواة بأنهم من بقايا السبئيين ومن الشيعة مع النقطاع في رواياتهم ومروياتهم
لنهم يروون ممن لم يسمعوا عنه ولم يلتقوا به ،وعلى ذلك ل يلتفت إلى ما ورد
بطرقهم وتفردوا بنقلها مثل الطبري وابن سعد فإنهم لم يروا إل من الواقدي .وأما
البلذري في (أنساب الشراف) فلم يروا إل من هشام الكلبي وابن مخنف .وأما
البقية من المؤرخين فلم يأخذوا إل من هؤلء .ولجل ذلك قال القاضي أبو بكر بن
العربي وابن حجر الهيتمي وابن تيمية والذهبي وغيرهم:
إن أكثر الخبار في ذلك مختلقة ولم يصح منه شيء ""1وبذلك صرح علماء الحديث
تحت ذكر الروايات الموضوعة أن أكثر ما ورد في هذه الروايات من ذم معاوية
وعمرو بن العاص وبني أمية وكذلك من ذم الوليد ومروان بن الحكم فهي موضوعة
مكذوبة اختلقها الكذابون الدجالون من الشيعة الذين جعلوا دينهم الكذب ،وجعلوا
الكذب من أقدس المقدسات عندهم ". "2
كما صرح بذلك المل علي القاري في كتابه (الموضوعات)" "3وانظر أيضًا السرار
المرفوعة في الخبار الموضوعة " "4والمنار المنيف في الصحيح والسقيم لبن
القيم وغيرهم.
هذا قسم من المطاعن .وأما القسم الخر فردّ عليه المؤرخون أنفسهم ،كما ردّوا
على الكتب المزوّرة التي نسبت إلى مروان بأنه هو الذي كتبها وختم عليها عثمان
لن الختم كان عنده فقالوا إن هذا كب على الصحابة:
"إنما كتبت مزورة عليهم كما كتبوا من جهة علي وطلحة والزبير كتبًا مزوّرة
عليهم"."5
وذكر ابن خلدون:
فانصرفوا قليلً ثم رجعوا وقد لبسوا بكتاب مدلس يزعمون أنهم لقوه في يد حامله
إلى عامل مصر بأن يقتلهم ،وحلف عثمان على ذلك ،فقالوا مكنّا من مروان فإنه
كاتبك فحلف مروان فقال :ليس في الحكم أكثر من هذا""6
- 1انظر العواصم من القواصم ص ،100الصواعق المحرقة ص ،68منهاج السنة :ج 3ص ،196المنتقى:
ص ،395التحفة الثنا عشرية :ص .311ط .الهند.
- 2انظر لذلك كتابنا (الشيعة والسنة) .
- 3ص . 106
- 4ص .377ط .بيروت
- 5البداية والنهاية :ج 7ص .175
- 6مقدمة ابن خلدون الفصل الثلثون في ولية العهد :ص .215
80
وقبل ذلك قد أعلن باختلق هذه الكتب علي بن أبي طالب رضي ال عنه دراية
وفراسة منه كما نقلنا كلمه في بداية المر بأنه قال:
"كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم
طويتم نحونا ،هذا وال أمر أبرم بالمدينة ،قالوا :فضعوه على ما شئتم ل حاجة لنا
في هذا الرجل ،ليعتزلنا"."1
هذا من ناحية الرواية .وأما دراية فهل يعقل أن شخصًا كهذا يكون كاتبًا لسيدنا
عثمان بن عفان رضي ال عنه ول يعترض عليه أحد من كبار الصحابة بما فيهم
علي بن أبي طالب حامل راية رسول ال يوم خيبر ،وسعد بن أبي وقاص أحد
العشرة المبشرة وفاتح إيران ،والزبير ابن عمة رسول ال صلى ال عليه وسلم
وحواريه ،وطلحة الذي وقى رسول ال صلى ال عليه وسلم من سهام مشركي مكة
وصار له كالترس ،وغيرهم من أعيان الصحابة وأكابرهم؟ ول يصدر هذا الكلم الذي
يخترعونه ويختلقونه من أعيان الصحابة وأكابرهم.
ثم وهل يمكن أن يشفع له الحسن والحسين رضي ال عنهما إلى أبيهما أن يطلق
سراحه يوم كان أسيرًا عنده؟ كما ذكره الشيعة أنفسهم ،قالوا:
"أخذ مروان بن الحكم أسيرًا فاستشفع له الحسن والحسين عليهما السلم إلى أمير
المؤمنين عيه السلم فكلم فيه فخلّى سبيله""2
وهؤلء الثلثة أي علي وابناه الحسن والحسين معصومون عند الشيعة حسب
زعمهم ،وعند السبئيين كان عليّ هو هو – أي ال – فالله يقبل الشفاعة ويطلق
السراح لشخص يكون متصفًا بتلك الوصاف التي وصفه بها القوم كذبًا ومينًا؟.
وأكثر من ذلك .نعم أكثر من ذلك قد ذكر كبير القوم المجلسي حديثًا في كتابه عن
موسى بن جعفر عن جعفر أنه قال:
"كان الحسن والحسين يصليان خلف مروان بن الحكم فقالوا :لحدهما (أي لموسى
أو جعفر) :ما كان أبوك يصلي إذا رجع إلى البيت؟ فقال :وال ل ،ما كان يزيد على
صلة"."3
ومثل ذلك ذكره ابن كثير في تاريخه"."4
كما ذكر المام البخاري في تاريخه عن شرحبيل بن سعد قال:
1
-الطبري :ج 5ص 105
2
-نهج البلغة :ص 123في خطبة له عليه السلم علم فيه الصلة على النبي.
3
-بحار النوار لمجلسي :ج 10ص 139
4
-ج 8ص 258
81
"رأيت الحسن والحسين يصليان خلف مروان"."1
هل بعد هذا شك لشاك بأن هذه التهم كانت كلها باطلة ومختلقة ،ل صحة لها على
الطلق ،ولو كان فيها شيء من الصحة لما كانت معاملة علي وأهل بيته له مثل ما
ذكر في كتب الشيعة أنفسهم.
هذا ولقد ذكر المؤرخون كثيرًا من الوقائع التي تنبئ وتثبت صراحة عكس ما ذكره
السبئيون وما يعيده الشيعة في مختلف الدوار .ومنها ما ذكروه أن علي بن الحسين
الملقب بزين العابدين – وهو المام المعصوم الرابع عند القوم – استقرض من
مروان ستة آلف دينار ومائة ألف درهم ،فلما حضرته الوفاة أوصى ابنه عبد الملك
أن ل يسترجع من علي بن الحسين شيئًا مما كان أقرضه ". "2
ثم إن ابنة علي رضي ال عنه أل وهي رملة زوّجت من ابن مروان هذا ،كما ذكر
هذا الزواج عديد من النسابين:
"كان رملة بنت علي عند أبي الهياج – الهاشمي – واسمه عبد ال بن سفيان بن
أبي الحارث بن عبد المطلب ولدت له وقد انقرض ولد سفيان بن الحارث ،ثم خلف
عليها معاوية بن مروان بن الحكم"."3
وكذلك زينب بنت الحسن المثنى كانت متزوجة من حفيد مروان وليد بن عبد الملك،
وكانت زينب هذه نجيبة الطرفين حيث أنها حسنية من قبل أب وحسينية من قبل الم،
فإن أمها كانت فاطمة بنت الحسين بن علي.
ولقد ذكر هذا الزواج أيضًا عديد من أصحاب النساب:
"وكانت زينب بنت الحسن بن الحسن بن علي عند الوليد بن عبد الملك بن مروان
وهو خليفة"."4
وكذلك تزوج الوليد بن عبد الملك هاشمية علوية أخرى نجيبة الطرفين .أل وهي
نفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب سبط الرسول ،وأم نفيسة كانت
لبابة بنت عبد ال بن عباس بن عبد المطلب .وقد ذكر هذا الزواج نسابة شيعي
مشهور كما ذكرنا من قبل:
"وكان لزيد ابنة أمها نفيسة خرجت إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان ،فولدت
منه"."5
82
وهناك مصاهرات أخرى ذكرها أصحاب النساب.
فهذه هي شهادات التاريخ وشهادات الشيعة أنفسهم بأن الفاطميات والعلويات
تزوجن من أبناء مروان وأحفاده ،فإن كان مروان كما يصفه الواصفون ،وكما يكذب
عليه الكذابون فكيف كان هذا؟ وما الجواب عنه؟.
والجواب يعلمه المنصفون لول وهلة أنه لم يكن هناك شيء إل ما اختلقه السبئيون
أبناء اليهود ومن سلك مسلكهم ،وإل فهل يعقل من أولد عليّ رضي ال عنه بأنهم
يزوّجون بناتهم من أبناء مروان وأحفاده إن كان مروان كما قيل عنه وكما يقال؟.
وأما اتهام السبئيين ومن خلفهم بأن عثمان كان يؤثر أهله بالموال الكثيرة من بيت
المال فل يثبت في ذلك شيء لن عثمان ر ّد على السبئيين يوم ذاك كما نقلنا مقدمًا
أنه قال:
"وأما إعطاءهم فإني أعطيهم من مالي ول أستحل أموال المسلمين لنفسي ول لحد
من الناس ،ولقد كنت أعطي العطية الثمينة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول ال
صلى ال عليه وسلم أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي وفني عمري وودعت الذي
لي في أهلي"."1
وقد أقر المخالفون لعثمان حينما قال لهم:
"وإني قد ولّيت وإني أكثر العرب شاة وبعيرًا ومالً ،فمالي اليوم شاة ول بعير غير
البعيرين لحجي ،أكذلك؟ قالوا :اللهم نعم". "2
ثم كل ما ورد بعد هذا ليس إل من اختلق السبئية الذين تعودوا على تكرار الكذب
والصرار عليه ليورثوا الضغائن والحقاد ضد رحماء رسول ال وأصهاره وضد
رفاق رسول ال وتلمذته وأحبائه.
والجدير بالذكر أن رواة هذه الشياء هم نفس الرواة الذين ينقلون الكاذيب في
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يفخمونها ويكبرونها ،بل ويختلقونها
ويخترعونها من الواقدي الرافضي ،ولوط بن يحيى أبي مخنف الشيعي ،ل عن واحد
من الثقات ومن رواة السنة ،ولقد قدمنا الكلم في هؤلء في بداية البحث ،فل التفات
إلى رواياتهم الكاذبة الموضوعة ول اعتبار بها.
فلم يأت عثمان بمنكر .ل في أول المر ول في آخره ،ول جاء الصحابة بمنكر ،وكل
ما سمعت من خبر باطل إياك أن تلتفت إليه.
- 5عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب بجمال الدين بن عنبة الشيعي :ص 70تحت أولد زيد بن الحسن،
طبقات ابن سعد :ج 5ص 34
- 1الطبري :ج 5ص 103
- 2أيضًا ،ومثل ذلك في البداية والنهاية لبن كثير :ص .169
83
ومثل ذلك قال أمير المؤمنين في الحديث المام البخاري عن الحسن بن علي أنه
قال:
"عمل أمير المؤمنين عثمان ثنتي عشرة سنة ل ينكرون من إمارته شيئًا حتى جاء
فسقة فداهن وال في أمره أهل المدينة". "1
وبذلك شهد محمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وعبد ال بن عمر أنه لم يكن هناك
شيء ،بل كان ما كان هو مؤامرة دبّرها عبد ال بن سبأ بمؤامرة خالد بن ملجم
وسودان بن حمران وكنانة بن بشر وغيرهم "."2
وجمعوا حولهم قومًا لحقاد اعتقدوها ممن طلب أمرًا فلم يصل إليه ،وحسد حساد
أظهر داؤها ،وحمله على ذلك قلة دين وضعف يقين ،وإيثار العاجلة على الجلة
"."3
"والجدير بالذكر أن سودان بن حمران وخالد بن ملجم كانا من الذين نظر إليهم عمر
بن الخطاب في إمرته فأعرض عنهم ثم أعرض ثم عرض حتى قيل :مالك ولهؤلء؟
فقال :إني عنهم لمتردد ،وما مرّ بي قوم من العرب أكره إلي منهم". "4
وأما ضربه ابن مسعود وعمارًا ونفيه أبا ذر إلى الربذة فلم يثبت شيء منه ،كلها
أباطيل وأكاذيب ،اللهم إل أنه اختلف مع ابن مسعود على حمله الناس على مصحف
واحد حيث إن ابن مسعود كان يعارضه ،والمة قاطبة وعلى رأسهم أصحاب رسول
ال كانوا مع عثمان ،ول زال مصحفه هو متداو ًل بين الناس .فلم ينقل عن الثقات
أنه ضرب ابن مسعود حتى مات ،ولم يذكره السبئيون فيما ذكروا من تهمهم على
عثمان.
وأما قضية عمار فقد كان كل ما فيه كما ذكره المؤرخون أنه كان بينه وبين عباس
بن عتبة بن أبي لهب خلف فأدبهما عثمان بالضرب ولم يكن بينهم شيء ،ولجل
ذلك أرسل أمير المؤمنين عثمان عمارًا فيمن أرسل لستخبار أحوال المسلمين
واكتشاف أمورهم كما مرّ ذلك مقدمًا"."5
نعم استغل السبئيون وجوده في مصر والتفوا حوله وأثاروا حفيظته ليستميلوه
إليهم ،فلما وصل المدينة عاتبه عثمان على ممالته السبئيين وقال له:
"يا أبا اليقظان قذفت ابن أبي لهب قذفك ...وغضبت على أن أخذت لك بحقك وله
- 1التاريخ الصغير للمام البخاري :ص 32تحت ذكر من مات في خلفة عثمان.
- 2تاريخ الطبري :ج 5ص ،99تاريخ ابن خلدون تحت ذكر بدء النتفاض على عثمان ص 138
- 3العواصم من القواصم لبن العربي :ص 111
- 4انظر لذلك الطبري :ج 4ص .86
- 5انظر تاريخ الطبري :ج 5ص .
84
بحقه ،اللهم قد وهبت ما بيني وبين أمتي من مظلمة ،اللهم إني متقرب إليك بإقامة
حدودك في كل أحد ول أبالي"."1
وأما أمر أبي ذر فنذكر لبيان الحقيقة عبارة من تاريخ ابن خلدون حيث يذكر مطعن
السبئيين على سيدنا عثمان لقلب حكم المسلمين ويذكر حقيقة هذا الطعن بقوله:
وكان مما أنكروه على عثمان إخراج أبي ذر من الشام ومن المدينة إلى الربذة وكان
الذي دعا إلى ذلك شدّة الورع من أبي ذر وجعل الناس على شدائد المور والزهد في
الدنيا وأنه ل ينبغي لحد أن يكون عنده أكثر من قوت يومه ويأخذ بالظاهر في ذم
الدخار بكنز الذهب والفضة وكان ابن سبأ يأتيه فيغريه بمعاوية ويعيب قوله المال
مال ال ويوهم أنّ في ذلك احتجانه للمال وصرفه على المسلمين حتى عتب أبو ذر
معاوية فاستعتب له وقال سأقول مال المسلمين ،وأتى ابن سبأ إلى أبي الدرداء
وعبادة بن الصامت بمثل ذلك فدفعوه وجاء به عبادة إلى معاوية وقال هذا الذي بعث
عليك أبا ذر ولما كثر ذلك على معاوية شكاه إلى عثمان فاستقدمه وقال له ما لهل
الشام يشكون منك؟ فأخبره ،فقال يا أبا ذر ل يمكن حمل الناس على الزهد وإنما عليّ
أن أقضي بينهم بحكم ال وأرغبهم في القتصاد ،فقال أبو ذر ل نرضى من الغنياء
حتى يبذلوا المعروف ويحسنوا للجيران والخوان ويصلوا القرابة ،فقال له كعب
الحبار من أدّى الفريضة فقد قضى ما عليه فضربه أبو ذر فشجه ،وقال يا ابن
اليهودية ما أنت وهذا! فاستوهب عثمان من كعب شجته فوهبه ،ثم استأذن أبو ذر
عثمان في الخروج من المدينة وقال إنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرني
بالخروج منها إذا بلغ البناء سلعًا ،فأذن له ونزل بالربذة وبنى بها مسجدًا وأقطعه
عثمان صرمة من البل وأعطاه مملوكين وأجرى عليه رزقًا وكان يتعاهد المدينة فعدّ
أولئك الرهط خروج أبي ذر فيما ينقمونه على عثمان"."2
وقد ثبت بذلك أشياء منها:
أولً :أن أبا ذر رضي ال عنه لشدة ورعه وزهده وسذاجته انطلى عليه أكاذيب عبد
ال بن سبأ ،وهو الذي كان يحرضه.
ثانيًا :كان رضي ال عنه يقول بأقوال ويدعوا الناس إلى آراء لم يأخذ بها أحد من
الصحابة ولم يعمل بها أحد من حكام المسلمين وحتى عليّ لم يعمل بها في إمرته.
ثالثًا :كان معاملة عثمان معه معاملة الرفق والرفيق.
رابعًا :شدة أبي ذر بآرائه وأفكاره ،وضربه كعب الحبار وجرحه إياه.
خامسًا :شفاعة عثمان إلى كعب الحبار لعدم القتصاص منه وطلبه العفو والسمح.
85
سادسًا :استيذان أبي ذر عثمان في الخروج من المدينة امتثالً بقول رسول ال.
سابعًا :نزوله الربذة برضاه ،ل نفيًا ول طردًا من عثمان.
ثامنًا :لم يكن الربذة خلء ول صحراء كما يصورها العداء ،بل كان فيها عمران
حتى بني بها مسجدًا.
تاسعًا :إقطاع عثمان إياه صرمة من البل وإعطاؤه إياه مملوكين للخدمة ،وإجراء
الرزاق عليه.
عاشرًا :لم يكن منفيّا ومطرودًا حيث كان يتعاهد المدينة.
فتــلــــك عـشـرة كــامــلــة
والجدير بالذكر أن الربذة لم تكن بعيدة من المدينة لن بنيهما ثلثة أميال فقط ،وقال
ياقوت :وكانت في أحسن منزل في طريق المدينة"."1
وعلى ذلك قال أبو بكر ابن العربي:
"وأما نفيه أبا ذر إلى الربذة فلم يفعل"."2
ونقل الذهبي عن الحسن البصري أنه قال:
"معاذ ال أن يكون أخرجه عثمان"."3
ومثل هذا روي عن زوجة أبي ذر أنها قالت:
"وال ما سير عثمان أبا ذر إلى ربذة"."4
وأما عدم أخذه القصاص من عبيد ال بن عمر على قتله هرمزان فالغريب أن الشيعة
يقولون بهذا القول ،الذي يدعون موالة علي رضي ال عنه ومشايعته ،وأنّى لهم
تلك وهم أنفسهم يذمون كل من طالب عليها قصاص عثمان ممن قتله؟.
ثانيًا :ولقد ثبت أن الهرمزان كان واحدًا ممن دبروا اغتيال الفاروق العظم رضي
ال عنه وقتله ،وهاهو عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي ال عنهما يذكر غداة
طعن عمر:
86
مررت بأبي لؤلؤة عشي أمس ،ومعه جفينة والهرمزان وهم نجيّ ،فلما رهقتهم
ثاروا وسقط منهم خنجر له رأسان ،نصابه في وسطه ،فانظروا بأي شيء قتل وقد
تخلل أهل المسجد وخرج في طلبه رجل بني تميم ،فرجع إليهم التميمي وقد كان ألظّ
بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر حتى أخذه فقتله وجاء بالخنجر الذي وصفه عبد
الرحمن"."1
ثالثًا :إن القمازبان بن الهرمزان عفى عنه وغفر له قتل أبيه ،وهاهو النص كما
رواه أبو المنصور أنه قال:
سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه قال :كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى
بعض ،فمرّ فيروز بأبي ومعه خنجر له رأسان فتناوله منه وقال :ما تصنع بهذا في
هذه البلد؟ .فقال :ابس به ،فرآه رجل .فلما أصيب عمر قال :رأيت هذا مع الهرمزان
دفعه إلى فيروز ،فأقبل عبيد ال فقتله ،فلما ولّى عثمان دعاني فأمكنني منه ،ثم قال:
يا بني هذا قاتل أبيك وأنت أولى به وما في الرض أحد إل معي إل أنهم يطلبون إلي
فيه ،فقلت لهم :إلى قتله؟ قالوا :نعم ،وسبوا عبيد ال ،فقلت :أفلكم أن تمنعوه؟
قالوا :ل وسبّوه ،فتركته ل ولهم ،فاحتملوني .فوال ما بلغت المنزل إل على رؤوس
الرجال وأكفهم "."2
رابعًا :أن عثمان دفع ديته من ماله:
قال عثمان :أنا وليّه وقد جعلتها دية واحتملتها في مالي "."3
أو بعد هذا مجال لقائل أن يقول ،وطاعن أن يطعن؟.
وأما قضية الذان الثاني في الجمعة فلم يكن مما اعترضه عليه السبئيون ،وهذا من
زيادات أسلفهم ،وعلى ذلك نقول لهم :هل عليّ أزال هذا الذان حينما تولّي
الخلفة؟.
والثابت أنه لم يزل طيلة خلفته ،فلماذا سكت على هذا المنكر إن كان منكرًا؟ .ولم
الطعن على عثمان دون عليّ إن كان هذا من المطاعن؟.
وبذلك قال الذهبي:
وأما زيادات الذان الثاني يوم الجمعة فعليّ ممن وافق على ذلك في خلفته ولم يزله
وإبطال هذا كان أهون عليه من عزل معاوية وغيره من قتالهم .فإن قيل إن الناس ل
يوافقونه على إزالة الذان قلنا :فهذا دليل على أن الناس وافقوا عثمان على
87
الستحباب حتى مثل عمار وسهل بن حنيف والسابقين .وإن اختلفوا فهي من مسائل
الجتهاد "."1
هذا ما قاله السبئية وطعنوا له على عثمان المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان
ذي النورين رضي ال عنه حتى ألّبوا الناس عليه وقتلوه خدعة ومكرًا ،غدرًا
وطغيانًا ،بعدما أراد علي وسبطا رسول ال الحسن والحسين وطلحة والزبير وزيد
بن ثابت وعبد ال بن عمر وأبو هريرة وعبد ال بن الزبير الدفاع عنه والمقاتلة
دونه ،وغيرهم الكثيرون حتى جاءه زيد بن ثابت النصاري فقال له :إن هؤلء
النصار بالباب يقولون :إن شئت كنا أنصار ال مرتين ،فقال له عثمان :ل حاجة لي
في ذلك ،كفّوا"."2
وقد ذكر ذلك ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي:
ومانعهم الحسن بن علي وعبد ال بن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان وسعيد بن
العاص وجماعة معهم من أبناء النصار ،فزجرهم عثمان وقال :أنتم في حل من
نصرتي فأبوا"."3
وأيضًا نهى عليّ أهل مصر وغيرهم عن قتل عثمان قبل قتله مرارًا ،نابذهم بيده
وبلسانه وبأولده " :"4وقد ذكر ذلك المؤرخ الشيعي المسعودي ببعض التفصيل وقد
ذكرناه من قبل ،ونعيد عبارته في آخر الكلم لن فيه تذكرة لمن يتذكره وإن في ذلك
لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد:
88
فلما بلغ عليّا أنهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن والحسين مع مواليه بالسلح إلى
بابه لنصرته ،وأمرهم أن يمنعوه منهم ،وبعث الزبير ابنه عبد ال ،وبعث طلحة ابنه
محمدًا ،وأكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداء بمن ذكرنا ،فصدّوهم عن الدار،
فرمى من وصفنا بالسهام ،واشتبك القوم ،وجرح الحسن ،وشج قنبر ،وجرح محمد
بن طلحة ،فخشي القوم أن يتعصب بنو هاشم وبنو أمية ،فتركوا القوم في القتال
على الباب ،ومضى نفر منهم إلى دار قوم من النصار فتسوروا عليها ،وكان ممن
وصل إليه محمد بن أبي بكر ورجلن آخران ،وعند عثمان زوجته ،وأهلُه ومواليه
مشاغيل بالقتال ،فأخذ محمد بن أبي بكر بلحيته ،فقال :يا محمد ،وال لو رآك أبوك
لساءه مكانك فتراخت يده ،وخرج عن الدار ،ودخل رجلن فوجداه فقتله وكان
المصحف بين يديه يقرأ فيه ،فصعدت امرأته فصرخت وقالت :قد قتل أمير المؤمنين،
فدخل الحسن والحسين ومن كان معهما من بني أمية ،فوجدوه قد فاضت نفسه
رضي ال عنه ،فبكوا ،فبلغ ذلك عليّا وطلحة والزبير وسعدًا وغيرهم من المهاجرين
والنصار ،فاسترجع القوم ،ودخل عليّ الدار ،وهو كالواله الحزين ،وقال لبنيه:
طمَ الحسن وضرب صدر الحسين، كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟ .ولَ َ
1
وشتم محمد بن طلحة ،ولعن عبد ال بن الزبير" " فهل لهم أن ينتهوا؟.
89
عن أبي موسى الشعري رضي ال عنه قال :كنت مع النبي صلى ال عليه وسلم في
حائط من حيطان المدينة ،فجاء رجل فاستفتح .فقال النبي صلى ال عليه وسلم :افتح
له وبشّره بالجنة ،ففتحت له فإذا أبو بكر فبشرته بما قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،فحمد ال ،ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى ال عليه وسلم :افتح له
وبشّره بالجنة ففتحت له فإذا عمر فأخبرته بما قال النبي صلى ال عليه وسلم فحمد
ال ،ثم استفتح رجل فقال لي :افتح له وبشّره بالجنة على بلوى تصيبه .فإذا عثمان
فأخبرته بما قال النبي صلى ال عليه وسلم ،فحمد ال ،ثم قال :ال المستعان "متفق
عليه".
وأخيرًا ما رواه الترمذي وابن ماجة عن مرة بن كعب قال:
سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم ذكر الفتن فقرّبهما ،فمر رجل مقنع في ثوب
فقال :هذا يومئذ على الهدى فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان ،قال :فأقبلت عليه
بوجهه – أي النبي صلى ال عليه وسلم – فقلت :هذا؟ .فقال :نعم
"رواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي :هذا حديث صحيح".
90
فهذا هو عثمان بن عفان رضي ال عنه على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم،
وهذا هو شأنه ،وهذا هو ما فعله السبئيون والمخدوعون بهم ،وهذه هي المطاعن
المزوّرة التي اخترعوها لقلب نظام الحكم السلمي الراشد " "1ولبثّ سموم الفتنة
بين المسلمين وتزحزحهم عن العقائد السلمية الصحيحة وردّهم بالمرحلة الولى
بقتل أمير المؤمنين وخليفة المسلمين والتفريق بين الجماعة الواحدة والمة
المرحومة ،ثم تخطوا بعد ذلك بخطوة أخرى أل وهي اليقاع بين المسلمين وإشعال
نيران الحرب بينهم وإثارة الفتن والبغضاء ،ثم إبعادهم عن العقائد السلمية
الصحيحة وإدخالهم في العقائد اليهودية المدسوسة والفكر اللإسلمي ،وفعلً نجحوا
في المرحلة الثانية أيضًا أل وهي إيقاع الفتن بين المسلمين والهرج والمرج حتى
ينفلتوا عن الجهاد في سبيل ال ويرجعوا لضرب بعضهم بعضًا ،وينحصر القتال فيما
بينهم ويدور بين فئاتهم وأحزابهم بعدما كانت تدور رحاها على ثغور الكفر وبلد
الشرك والوثنيات .وسنلخص القول في الباب القادم ما حصل فعلً بأن الرقاع
السلمية التي اتسعت في عهد عثمان امتدادًا لتساع الفاروق والصديق انحصرت
على ما كانت عليه في عهد علي رضي ال عنه ،وبدأ علي رضي ال عنه يشكو
ويقول متأسفًا:
(أوصيكم عباد ال بتقوى ال ،فإنها خير ما تواصى به العباد وخير عواقب المور
عند ال ،وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة)". "2
فبدل أن يتوجه المسلمون إلى أعداء ال وأعداء رسوله وأعداء هذه المة بدأت
سيوفهم تتفلل فيما بينهم .وهذا ما كانت تريده اليهودية البغيضة وهذا ما حصل كما
نحن بصدد بيانه وذكره.
- 1ومن المؤسف جدّا بأن كثيرًا ممن يدعون النتساب إلى السنة تأثروا من دعايات السبائية الكثيرة المكررة فلم
يفرقوا بين الحق والباطل وأطلقوا عنان أقلمهم لنقل هذه الخرافات والخزعبلت دون النظر إلى الكاذيب السبائية
وأباطيلها ،ودون التمييز بين الغث والسمين فقالوا ما قالوا وكتبوا ما كتبوا – وما أكثرهم – وما أبعدهم عن الحق
والصواب مع انتسابهم إلى العلم والزعامة الدينية
- 2نهج البلغة ص 367ط .بيروت.
91
لم يكن قصدنا من كتابة هذا الكتاب أن نسرد وقائع تاريخية حدثت ،بل ما قصدنا هو
سرد تاريخ السبئية وما قاموا بها من شنائع واقترفوا من الجرائم والمآثم وارتكبوا
من الفضائح والوقاحات ولكنه لما كنا نحتاج لسرد تاريخ هذه الفئة الباغية التي
أسست في السلم عقائد خاصة ،وكوّنت فرقًا مخصوصة ،اضطررنا لسرد بعض
الحوادث التاريخية التي حدثت وللسبئية فيها دخل كبير بل لم تكن لتقع لول دسائسها
ومؤامراتها ،وليكون لنا بتوفيق ال وتقديره وتيسيره في هذه الحوادث والوقائع
كتاب مستقل ومنزه عن الخرافات والسخافات ،وخال من القصص والساطير،
ومجرد عن الكاذيب والباطيل التي طالما استعملها أعداء السلم وأعداء أمة محمد
صلى ال عليه وسلم للنيل من أسلفها وأكابرها .وما ذلك على ال بعزيز.
ويكون بحثنا مقتصرًا على الحوادث التي تتعلق بموضوعنا فقط ،ونتجنب وقائع
أخرى لعدم علقتها بموضوعنا علقة مباشرة قاصدين الختصار دون الطناب
والتطويل ،فنقول:
لما قتل المام المظلوم عثمان بن عفان – رضي ال عنه – بقيت المدينة خمسة أيام
ل أمير لها .أو أميرها واحد من قتلة عثمان هو الغافقي بن حرب وحوله السبئيون
وقتلة عثمان ،وأهواؤهم مختلفة فيمن يجعلونه خليفة بعد عثمان أمير المؤمنين،
اللهم إل السبئية منهم فإنهم لم ينادوا إل باسم عليّ – رضي ال عنه – ولم يتستروا
إل وراءه وهو منهم بريء ،ولقد مرّ مقدّما أن عبد ال بن سبأ اليهودي الماكر
الخبيث الذي كان وراء كل هذه المؤامرات كان مع المصريين ،فاختلفت آراء البغاة
والطغاة والوباش السفلة " ،"1فقوم يريدون طلحة ،وقوم يريدون الزبير ،وقوم
يريدون عليّا ،وكل واحد منهم يأبى وينكر لما يعرف منهم الخبث والطغيان
والشتراك في مؤامرة مدبرة لهدم كيان السلم والقضاء على الدولة السلمية،
المترامية الطراف ،التي لم تتسع رقعتها إل في عصر عثمان الذهبي ،والعصر الذي
يندر مثيله في تاريخ السلم في كثرة الغزوات والفتوحات ،ثم ييئسون من هؤلء
الثلثة ويذهبون إلى سعد بن أبي وقاص فاتح إيران .ومن ثم إلى ابن الخليفة
الفاروق العظم عبد ال بن عمر ،فلم يكن جوابهما إل ما أجاب بهم الثلثة من
العشرة المبشّرة .وإليك ما ذكره أقدم المؤرخين الطبري ووافقه عليه كل من ابن
كثير وابن الثير وابن خلدون وغيرهم:
- 1ولقد سماهم بهذه السماء كل من ابن العربي وابن تيمية وغيرهم .
92
حدثنا محمد بن عبد ال وطلحة بن العلم وأبو حارثة وأبو عثمان قالوا :بقيت
المدينة بعد قتل عثمان – رضي ال عنه – خمسة أيام وأميرها الغافقي بن حرب
يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالمر ،فل يجدونه .يأتي المصريون عليّا فيختبئ
منهم ويلوذ بحيطان المدينة ،فإذا لقوه باعدهم وتبرأ منهم ومن مقالتهم مرة بعد
مرة ،ويطلب الكوفيون الزبير فل يجدونه فأرسلوا إليه حيث هو رسلً فتبرأ من
مقالتهم ،ويطلب البصريون طلحة فإذا لقيهم باعدهم وتبرأ من مقالتهم مرة بعد مرة
وكانوا مجتمعين على قتل عثمان ،مختلفين فيمن يهوون ،فلما لم يجدوا ممالئًا ول
مجيبًا جمعهم الشر على أول من أجابهم وقالوا :ل نولي أحدًا من هؤلء الثلثة،
فبعثوا إلى سعد بن أبي وقاص وقالوا :إنك من أهل الشورى فرأينا فيك مجتمع فأقدم
نبايعك ،فبعث إليهم أني وابن عمر خرجنا منها فل حاجة لي فيها على حال ،وتمثل:
93
ثم أنهم أتوا ابن عمر عبد ال فقالوا :أنت ابن عمر فقم بهذا المر ،فقال :إن لهذا
المر انتقامًا وال ل أتعرض له فالتمسوا غيري ،فبقوا حيارى ل يدرون ما يصنعون
والمر أمرهم "."1
ولم تكن حيرتهم إل لمعرفتهم أنه لو قام قائم دون مشورتهم وبغير رأي منهم لحكّم
فيهم السيف وأخذ منهم القصاص للمام المظلوم وخليفة رسول ال وزوج ابنتيه
وابن بنت عمته ،القائم بالحق ،ذي الجود والحياء عثمان بن عفان – رضي ال عنه
– ولقد صرح بذلك ابن كثير في روايته التي ساقها أن القوم لما يئسوا من الجميع
وحاروا في أمرهم قالوا:
"إن نحن رجعنا إلى أمصارنا بعد قتل عثمان بغير إمرة اختلف الناس في إمرتهم ولم
نسلم"."2
ثم جاءوا إلى أهل المدينة وجمعوهم:
- 1الطبري :ج 5ص ،155ابن الثير :ج 7ص ،226ابن الثير :ج 3ص ،99ابن خلدون :ج 2ص 151
- 2البداية والنهاية :ج 7ص 226
94
"فوجدوا سعدًا والزبير خارجين ووجدوا طلحة في حائطه ،ووجدوا بني أمية قد
هربوا إل من لم يطق الهرب ،وهرب الوليد وسعيد إلى مكة في أول من خرج وتبعهم
مروان وتتابع على ذلك من تتابع ،فلما اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم أهل مصر:
أنتم أهل الشورى وأنتم تعقدون المامة وأمركم عابر على المة فانظروا رجلً
تنصبونه ونحن لكم تبع ...فقد أجلناكم يومين فوال لئن لم تفرغوا لنقتلن غدًا عليّا
وطلحة والزبير وأناسًا كثيرًا ،فغشي الناس عليّا فقالوا :نبايعك فقد ترى ما نزل
بالسلم وما ابتلينا به من ذي القرب""1فردّ عليهم علي – رضي ال عنه – بقول:
-وقد نقل هذا القول في أقدس كتاب شيعي حسب زعم القوم أل وهو نهج البلغة :-
"دعوني والتمسوا غيري ،فإنا مستقبلون أمرًا له وجوه وألوان ،ل تقوم له القلوب
ول تثبت عليه العقول ،وإن الفاق قد أغامت ،والمحجة قد تنكرت ،واعلموا أني إن
أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ،ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب ،وإن تركتموني
فأنا كأحدكم ،ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم ،وأنا لكم وزيرًا خير لكم
مني أميراً " . "3،2
- 1الطبري :ج 5ص ،156الكامل :ج 3ص ،99ابن خلدون :ج 2ص .151
- 2وفي هذا أكبر دليل رغم أنوف من يرى خلف ذلك أن عليّا رضي ال عنه لم يكن يعدّ نفسه إمامًا منصوبًا من
قبل ال عز وجل ول منصوصًا عليه لنه لو كان كذلك لما كان له الخيار في ردّ المامة والخلفة عندما جاءت
إليه تسعى بقول ال عز وجلَ { :ومَا كَانَ ِل ُم ْؤ ِمنٍ وَل ُم ْؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى الُّ َورَسُولُهُ َأ ْمرًا أَن َيكُونَ َلهُمُ الْخِ َيرَةُ ِمنْ
َأمْ ِرهِمْ َومَن َيعْصِ الَّ وَرَسُوَلهُ َفقَدْ ضَلّ ضَللً مّبِينًا} [الحزاب.]36 :
فهذا الكلم الصادر عن علي رضي ال عنه المنقول في أقدس كتبهم لكلم فصل وقضاء مبرم واضح صريح بيننا
وبين الذين يرون خلف هذا ،وعلى ذلك قال ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي مع تشيعه أن هذا الكلم يدل على:
"أنه عليه السلم لم يكن منصوصًا عليه بالمامة من جهة الرسول صلى ال عليه وسلم ،وإن كان أولى الناس بها
وأحقهم بمنزلتها ،لنه لو كان منصوصًا عليه بالمامة من جهة الرسول صلى ال عليه وسلم لما جاز له أن يقول:
دعوني والتمسوا غيري ،ول أن يقول :وأنا لكم وزيرًا خير لكم مني أميرًا ،ول أن يقول :ولعلي أسمعكم وأطوعكم
لمن وليتموه أمركم شرح نهج البلغة لبن أبي الحديد :ج 7ص .34-33
كما أن مجرد امتناعه عن قبول الخلفة لكان من الحجة القاضية عليهم ،والنصوص في هذا المعنى كثيرة وبعضها
آتية مذكورة قريبًا.
فهل منصف ينصف وعادل يعدل؟ .وإن في ذلك لذكرى لولي البصار
- 3نهج البلغة :ص 136ط .بيروت
95
وذكر ذلك من مؤرخين السنة الطبري في تاريخه " ."1وابن الثير في الكامل"."2
ولكنهم أكرهوه على ذلك وأجبروه:
وأخذ الشتر بيده فبايعه وبايعه الناس – من بايعه –"."3
كما ذكر علي – رضي ال عنه – ذلك أيضًا فيما ينقله الشيعة عنه في رسالته التي
أرسلها إلى أهل مصر أو خطبة ألقاها:
حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ،ثم جئتموني لتبايعوني ،فأبيت عليكم،
وأمسكت يدي فنازعتموني ودافعتموني ،وبسطتم يدي فكففتها ،ومددتموها فقبضتها،
ي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعضكم أو أنكم قاتليّ .فقلتم :بايعنا ل نجد
وازدحمتم عل ّ
غيرك ،ول نرضى إل بك ،بايعنا ل نفترق ول تختلف كلمتنا .فبايعتكم ودعوت الناس
إلى بيعتي ،فمن بايع طوعًا قبلته ،ومن أبى لم أكرهه وتركته"."4
ومثل ذلك نقل الشريف الرضي في (نهج البلغة) تحت عنوان أمر البيعة ""5
فبايعه من بايعه ولم يبايعه من لم ير الجوّ والوقت مناسبًا .وممن امتنع عن بيعته
من كبار الصحابة كما ذكر المؤرخين:
ي حتى يبايعك الناس ،فقال :أخلوه .وجاءوا " ثم بايعه الناس وجاءوا بسعد فقال لعل ّ
بابن عمر فقال كذلك ،فقال :ائتني بكفيل قال :ل أجده ،فقال الشتر :دعني أقتله،
فقال :دعني أنا كفيله ،وبايعت النصار وتأخر منهم حسان بن ثابت ،وكعب بن مالك،
ومسلمة بن خالد ،وأبو سعيد الخدري ،ومحمد بن مسلمة ،والنعمان بن بشير ،وزيد
بن ثابت ،ورافع بن خديج ،وفضالة بن عبيد ،وكعب بن عجرة ،وسلمة بن سلمة بن
وقش .وتأخر من المهاجرين عبد ال بن سلم ،وصهيب بن سنان ،وأسامة بن زيد،
وقدامة بن مظعون ،والمغيرة بن شعبة .وأما النعمان بن بشير فأخذ أصابع نائلة
امرأة عثمان وقميصه الذي قتل فيه ولحق بالشام صريخًا""6وأما طلحة فقال:
بايعت والسيف فوق رأسي "."7
96
وقال الزبير:
"جاءني لص من لصوص عبد القيس فبايعت واللجة في عنقي""1وفي رواية" :جاء
القوم بطلحة فقالوا :بايع فقال :إني أبايع كرهًا ...ثم جيء بالزبير فقال مثل ذلك"."2
وقال قوم :إنما بايعا على شرط إقامة الحدود في قتلة عثمان "."3
وقيل :إنه قد بايع طلحة ولم يبايع الزبير ول سلمة بن سلمة ول أسامة بن زيد
"."4
والمدائني نقل عن الزهري:
هرب قوم من المدينة إلى الشام ولم يبايعوا عليّا "."5
فهكذا انعقدت البيعة للمام علي – رضي ال عنه – واستتر السبئيون والمخدوعون
بهم من قتلة عثمان وراء المبايعين لعليّ – رضي ال عنه – واختلفوا خلف
المشايعين له وأحاطوه من كل جانب كما ذكر الطبري أن عليّا – رضي ال عنه –
لما خطب بخطبته الولى بعد بيعته ثم أراد الذهاب إلى بيته قالت السبئية:
97
إنما نمرّ المر إمرار الرسن خذها إليك واحذرًا أبا الحسن
98
حتى يُ َمرّنَ على غي ِر عَنن ن كالشّطَن
ك بِلَي ٍ
ونَطعُنُ المُل َ
99
فقال علي وذكر تركهم العسكر والكينونة على عدة ما ُمنّوا حين غمزوهم ورجعوا
إليهم فلم يستطيعوا أن يمتنعوا حتى:
ح ُي ْبتَدَر
أو يترُكوني والسل ُ إن لم يُشاغبني العَجولُ المُن َتصِر
"واجتمع إلى علي بعدما دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة فقالوا يا علي إنا
قد اشترطنا إقامة الحدود وإن هؤلء القوم اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلوا
بأنفسهم ،فقال لهم :يا أخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ولكني كيف أصنع بقوم
يملكوننا ول نملكهم ،هاهم هؤلء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم وهم
خللكم يسومونكم ما شاءوا ،فهل ترون موضعًا لقدرة على شيء مما تريدون؟
قالوا :ل ،قال :فل وال ل أرى إل رأيًا ترونه إن شاء ال ،إن هذا المر أمر جاهلية
وإن لهؤلء القوم مادة وذلك إن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الرض من أخذ
بها أبدًا إن اليأس من هذا المر إن حرك على أمور فرقة ترى ما ترون وفرقة ترى
ما ل ترون وفرقة ل ترى هذا ول هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ
الحقوق فاهدؤوا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا ،واشتد على قريش وحال بينهم
وبين الخروج على حالها وإنما هيجه على ذلك هرب بني أمية ،وتفرق القوم
وبعضهم يقول :وال لئن ازداد المر ل قدرنا على انتصار من هؤلء الشرار لتركوا
ي أمثل ،وبعضهم يقول :نقضي الذي علينا ول نؤخره ،ووال أن هذا إلى ما قال عل ّ
1
عليّا لمستغن برأيه وأمره عنا" ".
ولجل ذلك منعه ابن عمه عبد ال بن عباس عن أخذ البيعة ،كما منعه ابنه الحسن
من قبل عن بقائه في المدينة والسبئيون يفعلون ما يفعلون ويعملون ما يعملون:
فقال ابن عباس" :أطعني وادخل دارك ،والحق بمالك بينبع ،وأغلق بابك عليك ،فإن
العرب تجول جولة وتضطرب ول تجد غيرك ،فإنك وال لن نهضت مع هؤلء اليوم
ليحملنك الناس دم عثمان غدًا ،فأبى عليّ". "2
100
وأما منع الحسن إياه عن بقائه في المدينة يوم استولت السبئية فذكرها المؤرخون
" "3أيضًا.
101
وبدأ السبئيون يتقوون ويجمعون حولهم الموالي والعراب إلى أن فحل أمرهم،
فأراد علي – رضي ال عنه – أن يضعف قوتهم ويكسر شوكتهم بالحيلولة بين
السبئية والعبيد والعراب والتفريق بينهم ،فنادى في الناس:
"برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه ،فتذامرت السبائية والعراب وقالوا :لنا
غدًا مثلها"."1
وفي اليوم الثالث من بيعته خرج عليّ على الناس فقال:
"يا أيها الناس أخرجوا عنكم العراب ،وقال :يا معشر العراب الحقوا بمياهكم،
فأبت السبئية وأتاهم العراب". "2
ولما رأى الناس وفي مقدمتهم رؤوس الصحابة وأكابرهم أن السبئية يزدادون يومًا
فيومًا في غلوائهم وطغيانهم ،وأيديهم متلطخة بدم المام المظلوم ،وهم زيادة على
ذلك يريدون أن يلفّوا حولهم أوباشًا من الناس والفسقة والفجرة ،كما أنهم بدءوا
يبثون العقائد الجنبية بينهم ،طالبوا عليّا – رضي ال عنه – أن يقتص منهم لعثمان
بأن يحكّم فيهم بالسيف ،ولكن أمير المؤمن عليّا هاب من نفوذهم ،وخاف من
سلطتهم ،فماطل الصحابة وطلب منهم المهلة لزدياد نفوذ السبئية وقوتهم ،فلقد ذكر
المؤرخون ألفاظًا عديدة منه – رضي ال عنه – تبريرًا لقصوره عن أخذ الثأر
وإقامة الحد ،فقد ذكر الحافظ ابن كثير في تاريخه:
102
"ولما استقر أمر بيعة علي دخل عليه طلحة والزبير ورؤوس الصحابة – رضي ال
عنهم – وطلبوا منه إقامة الحد والخذ بدم عثمان ،فاعتذر إليهم بأن هؤلء لهم مدد
وأعوان وأنه ل يمكنه ذلك يومه هذا ،فطلب منه الزبير أن يواليه على إمرة الكوفة
ليأتي له بالجنود ،وطلب منه طلحة أن يواليه إمرة البصرة ليأتي له منه بالجنود
ليقضي على شوكة هؤلء الخوارج وجهلة العراب الذين كانوا معهم في قتل عثمان
– رضي ال عنه – فقال لهما :مهلً عليّ حتى أنظر في هذا المر". "1
وعبارة الطبري:
يا عليّ إنا قد شرطنا إقامة الحدود وإن هؤلء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل
وأحلوا بأنفسهم ،فقال لهم :يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ولكني كيف
يملكوننا ول نملكهم .هاهم هؤلء قد ثارت معهم عبدانكم ،وثابت إليهم أعرابكم ،وهم
خللكم يسومونكم ما شاءوا ،فهل ترون موضعًا لقدرة على شيء مما تريدون"."2
103
وأما ابن الثير فنقل عنه أنه قال:
كيف أصنع بقوم يملكوننا ول نملكهم "."1
وأما ابن خلدون فذكر أنه قال في جوابهم:
ل قدرة لي على شيء مما تريدون حتى يهدأ الناس وننظر المور فتؤخذ الحقوق""2
.
فافترقوا عنه وأكثر بعضهم المقالة في قتلة عثمان ". "3
وهذا الذي جعل الزبير وطلحة يقنطان من اقتصاص المام المظلوم عثمان – رضي
ال عنه – ويخرجان من المدينة ،وهناك التقيا أم المؤمنين عائشة – رضي ال
عنها – ومن طرف آخر بدأت الرسائل تتبادل بين علي ومعاوية – رضي ال عنهما
– لن عليّا عزل معاوية – رضي ال عنهما – عن الشام وأمّر عبد ال بن عباس –
رضي ال عنهما – فقال ابن عباس:
104
"ما هذا برأي ،معاوية رجل من بني أمية وهو ابن عم عثمان وهو عامل الشام
ولست آمن أن يضرب عنقي لعثمان"."1
فاعتذر إليه وأعفاه منها .وبينا هم في ذلك بدأت السبئية يشتغلون ويثيرون الفتن
والقلقل ويسعون فسادًا ،ويثيرون الحقاد والضغائن ،وينفخون في الرماد،
ي ضد كل من يطالب ويحاولون إسعار الحرب بين المسلمين ،ويحرضون شيعة عل ّ
بثأر عثمان وقصاصه ،وخاصة معاوية – رضي ال عنه – الذي بدأ يمتنع من
الخضوع لخلفة عليّ – رضي ال عنه – والتسليم بإمارته بدعوى أن بيعة علي لم
تنعقد ،لنه لم يحصل الشورى ولم يبايعه أهل الحل والعقل ،ولم ينتخبه إل رجال
معدودون من المهاجرين والنصار ومن أهل المدينة .وفوق ذلك كله قتلة عثمان
والسبئية التجئوا في معسكره واكتنفوا بكنفه.
ولقد أشرنا إلى تلك المور كلها في الباب الول بثبت من عبارات التاريخ
والمؤرخين .فبينا هم كذلك في الجواب وجواب الجواب إذ جاءه رسول معاوية –
رضي ال عنه – فقال :آمن أنا؟ قال علي – رضي ال عنه :-
"نعم إن الرسول ل يقتل ،فقال :إني تركت قومًا ل يرضون إل بالقود ،ثم بّلغ
الرسالة ،فاستأذن بالخروج ،فقال له علي :اخرج ،قال :وإني آمن؟ .قال :وأنت
آمن"."2
فاشتغل السبئية لزيادة التوتر والحدة وإخراج الحرب من الكلم إلى السيوف ،وإليك
النص ما ذكره المؤرخون:
"وصاحت السبئية :هذا الكلب رسول الكلب ،اقتلوه ،فنادى :يا لمضر ،يا لقيس
الخيل والنبل ،إني أحلف بال جل اسمه ليردنها عليكم أربعة آلف خصيّ فانظروا كم
الفحولة والركاب وتعاووا عليه ومنعته مضر وجعلوا يقولون له :اسكت ،فيقول :ل
وال ل يفلح هؤلء أبدًا فلقد أتاهم ما يوعدون ،فيقولون له :اسكت ،فيقول :لقد حل
بهم ما يحذرون انتهت وال أعمالهم وذهبت ريحهم ،فوال ما أمسوا حتى عرف
الذل فيهم"."3
وهذه العبارة وهذه اللفاظ الصادرة عن السبئية تدل وتنبئ صريحًا عما كانوا
يسعون لجله ،فبدءوا ينشرون الراجيف ويشيعون الكاذيب حتى يستل سيوف
المسلمين ما بينهم ويقع الصطدام ويحصل الحرب ويشتغلون بها ويضرب بعضهم
رقاب بعض ،وينسى هؤلء ويعرض عنهم وعن فعلتهم ،ويكثر الشقاق والختلف،
ويزداد البتعاد ويمتد بينهم الجدال والقتال .هذا كل ما كانوا يقصدونه ،وهذا كل ما
يرجونه.
- 1الطبري :ج 5ص 160
- 2انظر الكامل لبن الثير :ج 3ص 104
- 3ابن الثير :ج 3ص ،104الطبري :ج 5ص 163
105
ولما سمعوا باجتماع طلحة والزبير – رضي ال عنهما – مع أم المؤمنين عائشة –
رضي ال عنها – في مكة بدءوا يحرضون شيعة عليّ – رضي ال عنه – وعليّا
نفسه على محاربة أهل الشام ،قبل أن يعظم المر ويستفحل الخطر ،فأمر علي –
رضي ال عنه – الناس بالمسير إلى أهل الشام ،فتثاقل أهل المدينة ،كما أن ابنه
الحسن سبط رسول ال صلى ال عليه وسلم منعه عن ذلك قائلً:
"يا أبتِ دع هذا فإن فيه سفك دماء المسلمين ووقوع الختلف بينهم فلم يقبل منه
ذلك بل صمم على القتال ورتّب الجيش ،فدفع اللواء إلى محمد بن الحنفية""1
كما منعه عن ذلك زياد بن حنظلة التميمي:
وكان منقطعًا إلى علي ،فجلس إليه ساعة ثم قال له علي :يا زياد تيسّر ،فقال لي
شيء؟ .فقال :لغزو الشام ،فقال زياد :الناة والرفق أمثل ،وقال:
106
يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم ومن لم يصانع في أمور كثيرة
107
"فخرج زياد والناس ينتظرونه فقالوا :ما وراءك؟ .فقال :السيف يا قوم ،فعرفوا ما
هو فاعل"."1
ولم يخرج إلى الشام حتى جاءه خبر خروج أم المؤمنين وطلحة والزبير إلى البصرة
يطالبون بدم عثمان ،فبادر إليهم بناس من المدينة ليمنع أولئك من دخولها:
"فتثاقل عنه أكثر أهل المدينة ،واستجاب له بعضهم ،قال الشعبي :ما نهض معه في
هذا المر غير ستة نفر من البدريين ،ليس لهم سابع .وقال غيره أربعة .وذكر ابن
جرير وغيره قال :كان ممن استجاب له من كبار الصحابة أبو الهيثم بن التيهان،
وأبو قتادة النصاري ،وزياد بن حنظلة ،وخزيمة بن ثابت .قالوا :ليس بذي
الشهادتين ،ذاك مات في زمن عثمان – رضي ال عنه – وسار علي من المدينة
نحو البصرة على تعبئته المتقدم ذكرها ،غير أنه استخلف على المدينة تمام بن
عباس وعلى مكة قثم بن عباس وذلك في آخر شهر ربيع الخر سنة ست وثلثين،
وخرج علي من المدينة في نحو من تسعمائة مقاتل ،وقد لقي عبد ال بن سلم –
رضي ال عنه – عليّا وهو بالزبدة ،فأخذ بعنان فرسه وقال :يا أمير المؤمنين! ل
تخرج منها ،فوال لئن خرجت منها ل يعود إليها سلطان المسلمين أبدًا ،فسبّه بعض
الناس ،فقال علي :دعوه فنعم الرجل من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وجاء
الحسن بن علي إلى أبيه في الطريق فقال :لقد نهيتك فعصيتني تقتل غدًا بمضيعة ل
ناصر لك ،فقال له علي :إنك ل تزال تحن على حنين الجارية ،ما الذي نهيتني عنه
فعصيتك؟ فقال :ألم آمرك قبل مقتل عثمان أن تخرج منها لئل يقتل وأنت بها ،فيقول
قائل أو يتحدث متحدث؟ ألم آمرك أن ل تبايع الناس بعد قتل عثمان حتى يبعث إليك
أهل كل مصر ببيعتهم؟ وأمرتك حين خرجت هذه المرأة وهذان الرجلن أن تجلس
في بيتك حتى يصطلحوا فعصيتني في ذلك كله؟ فقال له علي :أما قولك أن أخرج قبل
مقتل عثمان فلقد أحيط بنا كما أحيط به ،وأما مبايعتي قبل مجيء بيعة المصار
فكرهت أن يضيع هذا المر ،وأما أن أجلس وقد ذهب هؤلء إلى ما ذهبوا إليه .فتريد
مني أن أكون كالضبع التي يحاط بها ،ويقال ليست هاهنا ،حتى يشق عرقوبها
فتخرج ،فإذا لم أنظر فيما يلزمني في هذا المر ويعنيني ،فمن ينظر فيه؟ .فكف عني
يا بني ،ولما انتهى إليه خبر ما صنع القوم بالبصرة من المر الذي قدمنا كتب إلى
أهل الكوفة مع محمد بن أبي بكر ،ومحمد بن جعفر ،إني قد اخترتكم على أهل
المصار ،فرغبت إليكم وفرغت لما حدث ،فكونوا لدين ال أعوانًا وأنصارًا،
وانهضوا إلينا فالصلح نريد لتعود هذه المة إخوانا ،فمضيا ،وأرسل إلى المدينة
فأخذ ما أراد من سلح ودواب"."2
108
فاجتمع الناس حول الفريقين من المدينة ومكة والكوفة والبصرة ،كما اعتزل أكثر
أصحاب النبي الموجودون ،الحياء منهم آنذاك عن الطرفين ،فنزلت أم المؤمنين مع
من كان معها بالبصرة ونزل علي – رضي ال عنهما – بذي قار ،ثم دعا علي –
رضي ال عنه – القعقاع بن عمرو وبعثه رسولً إلى طلحة والزبير بالبصرة
يدعوهما إلى اللفة والجماعة ويعظم عليهما الفرقة والختلف فذهب القعقاع إلى
البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين .فقال:
"أي أماه! ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت :أي بنيّ! الصلح بين الناس ،فسألها أن تبعث
إلى طلحة والزبير ليحضروا عندها ،فحضروا فقال القعقاع :إني سألت أم المؤمنين
ما أقدمها؟ فقالت إنما جئت للصلح بين الناس ،فقال :ونحن كذلك قال :فأخبراني ما
وجه هذا الصلح؟ وعلى أي شيء يكون؟ فوال لئن عرفناه لنصطلحن ،ولئن
أنكرناه ل نصطلحن ،قال :قتلة عثمان ،فإن هذا إن ترك كان تركًا للقرآن ،فقال:
قتلتما قتلته من أهل البصرة ،وأنتما قبل قتلهم أقرب منكم إلى الستقامة منكم اليوم،
قتلتم ستمائة رجل ،فغضب لهم ستة آلف فاعتزلوكم ،وخرجوا من بين أظهركم،
وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلف ،فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون ،وإن
قاتلتموهم فأديلوا عليكم كان الذي حذرتم وفرقتم من هذا المر أعظم مما أراكم
تدفعون وتجمعون منه – يعني أن الذي تريدونه من قتل قتلة عثمان مصلحة ،ولكنه
يترتب عليه مفسدة هي أربى منها – وكما أنكم عجزتم عن الخذ بثأر عثمان من
حرقوص بن زهير ،لقيام ستة آلف في منعه ممن يريد قتله ،فعلي أعذر في تركه
الن قتل قتلة عثمان ،وإنما أخّر قتل قتلة عثمان إلى أن يتمكن منهم ،فإن الكلمة في
جميع المصار مختلفة ،ثم أعلمهم أن خلقًا من ربيعة ومضر قد اجتمعوا لحربهم
بسبب هذا المر الذي وقع .فقالت له عائشة أم المؤمنين :فماذا تقول أنت؟ .قال:
أقول إن هذا المر الذي وقع دواؤه التسكين ،فإذا سكن اختلجوا ،فإن أنتم بايعتمونا
فعلمة خير وتباشير رحمة ،وإدراك الثأر ،وإن أبيتم إل مكابرة هذا المر واثتنافه
كانت علمة شر وذهاب هذا الملك ،فآثروا العافية ترزقوها ،وكونوا مفاتيح خير كما
كنتم أولً ،ول تعرضونا للبلء فتتعرضوا له ،فيصرعنا ال وإياكم ،وأيم ال إني
لقول قولي هذا وأدعوكم إليه ،وإني لخائف أن ل يتم حتى يأخذ ال حاجته من هذه
المة التي قل متاعها ،ونزل بها ما نزل ،فإن هذا المر الذي قد حدث أمر عظيم،
وليس كقتل الرجل الرجل ،ول النفر الرجل ،ول القبيلة القبيلة .فقالوا :قد أصبت
وأحسنت فارجع ،فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح المر ،قال :فرجع إلى علي
فأخبره فأعجبه ذلك ،وأشرف القوم على الصلح ،كره ذلك من كرهه ورضيه من
رضيه ،وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح ،ففرح هؤلء
وهؤلء ،وقام علي في الناس خطيبًا فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها ،وذكر
السلم وسعادة أهله باللفة والجماعة ،وأن ال جمعهم بعد نبيه صلى ال عليه
وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق ،ثم بعده على عمر بن الخطاب ،ثم على عثمان
ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على المة ،أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم ال
109
ن ال بها ،وأرادوا ردّ السلم على أدبارها ،وال
عليه بها ،وعلى الفضيلة التي م ّ
بالغ أمره"."1
وكان مع أم المؤمنين ثلثون ألف ،كما كان مع عليّ – رضي ال عنهما – عشرون
ألف "."1
هذا والسبئية وعلى رأسهم عبد ال بن سبأ وقتلة عثمان مترقبون كل صغيرة
وكبيرة بكل دقة وما يجري بين الفريقين من السعي إلى الصلح والصلح والوفاق
والتحاد ،وينظرون كيف تفشل خطتهم ومؤامرتهم للفتنة والفساد وإقامة الحروب
بين المسلمين إلى أن وصل المر حدّا لم يكن في تصورهم أن يصل إليه ،وخاصة
عندما قام أمير المؤمنين علي – رضي ال عنه – خطيبًا في معسكره وقال:
"أل إني مرتحل غدًا فارتحلوا ،ول يرتحلن أحد معي أعان على قتل عثمان بشيء
من أمر الناس"."2
-1ابن كثير :ج 7ص .238-237الطبري :ج 5ص ،192-191ابن خلدون :ج 2ص .162
- 1الطبري :ج 5ص -202
- 2البداية والنهاية :ج 7ص ،238الطبري :ج 5ص ،194ابن الثير :ج 3ص 120
110
فما أن سمعت السبئية بهذا القول إل وعرفوا مصيرهم .وهنا نرجع إلى ما سطر في
التاريخ ،واللفاظ لبن كثير" :فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم – أي قتلة عثمان –
جماعة كالشتر النخعي ،وشريح بن أوفى ،وعبد ال بن سبأ المعروف بابن
السوداء ،وسالم بن ثعلبة ،وغلب بن الهيثم ،وغيرهم في ألفين وخمسمائة ،وليس
فيهم صحابي ول الحمد ،فقالوا :ما هذا الرأي وعلي وال أعلم بكتاب ال ممن يطلب
قتلة عثمان ،وأقرب العمل بذلك ،وقد قال ما سمعتم ،غدًا يجمع عليكم الناس ،وإنما
يريد القوم كلهم أنتم ،فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم؟ فقال الشتر :قد عرفنا
رأي طلحة والزبير فينا ،وأما رأي علي فلم نعرفه إلى اليوم ،فإن كان قد اصطلح
معهم فإنما اصطلحوا على دمائنا ،فإن كان المر هكذا أحلقنا عليّا بعثمان ،فرضي
القوم منا بالسكوت ،فقال ابن السوداء :بئس ما رأيت ،لو قتلناه قتلنا ،فإنا يا معشر
قتلة عثمان في ألفين وخمسمائة ،وطلحة والزبير وأصحابهما في خمسة آلف ،ل
طاقة لكم بهم ،وهم إنما يريدونكم ،فقال غلب بن الهيثم :دعوهم وارجعوا بنا حتى
نتعلق ببعض البلد فنمتنع بها ،فقال ابن السوداء :بئس ما قلت ،إذًا وال يتخطفكم
الناس ،ثم قال ابن السوداء قبحه ال :يا قوم إن عيركم في خلطة لناس فإذا اتقى
الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس ول تدعوهم يجتمعون فمن أنتم معه ل يجد
بدّا من أن يمتنع ،ويشغل ال طلحة والزبير ومن معهما عما يحبون ،ويأتيهم ما
يكرهون ،فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه ،وأصبح علي مرتحلً ومر بعبد القيس فسار
ومن معه حتى نزلوا بالزاوية ،وسار منها يريد البصرة ،وسار طلحة والزبير ومن
معهما للقائه ،فاجتمعوا عند قصر عبيد ال بن زياد ،ونزل الناس كل في ناحية .وقد
سبق علي جيشه وهم يتلحقون به ،فمكثوا ثلثة أيام والرسل بينهم ،فكان ذلك
للنصف من جمادى الخرة سنة ست وثلثين ،فأشار بعض الناس على طلحة
والزبير بانتهاز الفرصة ،من قتلة عثمان ،فقال :إن عليّا أشار بتسكين هذا المر،
وقد بعثنا إليه بالمصالحة على ذلك ،وقام علي في الناس خطيبًا ،فقام إليه العور بن
نيار المنقري ،فسأله عن إقدامه على أهل البصرة ،فقال :الصلح وإطفاء الثائرة
ليجتمع الناس على الخير ،ويلتئم شمل هذه المة ،قال :فإن لم يجيبونا؟ قال:
تركناهم ما تركونا ،قال فإن لم يتركونا؟ .قال :دفعناهم عن أنفسنا ،قال فهل لهم في
هذا المر مثل الذي لنا ،قال :نعم! وقام إليه أبو سلم الدالني فقال :هل لهؤلء القوم
حجة فيما طلبوا من هذا الدم ،إن كانوا أرادوا ال في ذلك؟ قال :نعم! قال :فهل لك
من حجة فيما طلبوا من هذا الدم ،إن كانوا أرادوا ال في ذلك؟ قال :نعم! قال :فهل
لك من حجة في تأخيرك ذلك؟ قال :نعم! قال فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدًا؟ قال:
إني لرجو أن ل يقتل منا ومنهم أحد نقي قلبه ل أدخله الجنة""1
- 1ابن كثير :ج 7ص ،238الطبري :ج 5ص ،195ابن الثير :ج 3ص ،130ابن خلدون :ج 3ص -160
.161
111
فهكذا جرت المور ،وهكذا تقدم كل من الطرفين إلى الصلح وتخطى إلى الصلح
بخطوات سريعة ،وكذلك بدأ عبد ال بن سبأ وأعوانه يخططون خطوط المؤامرة
ويحكمون نسيجها وإن المؤمنين المخلصين من شيعة عثمان ومن شيعة علي كانوا
في الخفاء عما يجري وراء الستار ،وكان المتآمرون في يقظة تامة عما يجري
أمامهم مكشوفًا ظاهرًا ،فنزل الفريقان وتراسلوا ما بينهم ،فبعث عليّ إلى طلحة
والزبير يقول:
"إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا حتى ننزل فننظر في هذا
المر ،فأرسل إليه في جواب رسالته :إنا على ما فارقنا القعقاع بن عمرو من الصلح
بين الناس ،فاطمأنت النفوس وسكنت .واجتمع كل فريق بأصحاب من الجيش""1
فلم يجدوا أمرًا هو أمثل من الصلح ،ووضع الحرب حين رأوا المر أخذ في النقشاع
" ."2وبات الناس على الصلح كما قال الطبري:
"فباتوا على الصلح وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه
والنزوع عما اشتهى الذين اشتهوا وركبوا ما ركبوا ،وبات الذين أثاروا أمر عثمان
بشر ليلة باتوها قط قد أشرفوا على الهلكة وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها"."3
وقال ابن كثير:
وبات الناس بخير ليلة وبات قتلة عثمان بشر ليلة ""4
فكانت الليلة هذه حاسمة لم ينم فيها عيون اليهودية البغضاء وعيون أبنائها
الحاقدين على السلم وعلى الملة السلمية ،والمخدوعين بهم ،لم تنم ول للحظة،
وإليك ألفاظ التاريخ:
112
"وبات الناس بخير ليلة ،وبات قتلة عثمان بشر ليلة ،وباتوا يتشاورون وأجمعوا
على أن يثيروا الحرب من الغلس ،فنهضوا من قبل طلوع الفجر وهم قريب من ألفي
رجل فانصرف كل فريق إلى قراباتهم فهجموا عليهم بالسيوف ،فثارت كل طائفة إلى
قومهم يمنعوهم ،وقام الناس من منامهم إلى السلح ،فقالوا طرقتنا أهل الكوفة ليلً،
وبيّتونا وغدروا بنا ،وظنوا أن هذا عن مل من أصحاب عليّ فبلغ المر عليّا فقال:
ما للناس؟ فقالوا ،بيتنا أهل البصرة ،فثار كل فريق إلى سلحه ولبسوا للمة وركبوا
الخيول ،ول يشعر أحد منهم بما وقع المر عليه في نفس المر ،وكان أمر ال قدرًا
مقدورًا وقامت الحرب على ساق وقدم ،وتبارز الفرسان ،وجالت الشجعان ،فنشبت
الحرب ،وتواقف الفريقان وقد اجتمع مع علي عشرون ألفًا ،والتف على عائشة ومن
معها نحو من ثلثين ألفًا ،فإنا ل وإنا إليه راجعون ،والسبئية أصحاب ابن السوداء
قبحها ال ل يفترون عن القتل ،ومنادي علي ينادي :أل كفوا أل كفوا ،فل يسمع
أحد ،وجاء كعب بن سوار قاضي البصرة فقال :يا أم المؤمنين أدركي الناس لعل ال
يصلح بك بين الناس ،فجلست في هودجها فوق بعيرها وستروا الهودج بالدروع،
وجاءت فوقفت بحيث تنظر إلى الناس عند حركتهم ،فتصاولوا وتجاولوا .وقد كان
من سنتهم في هذا اليوم أنه ل يـ[جهز] على جريح ،ول يتبع مدبر ،وقد قتل مع هذا
خلق كثير جدّا"."1
وقد زاد الطبري وابن الثير في روايتهما:
ل قريبًا من عليّ يخبرهم بما يريد ،فقال علي :ما هذا؟ .قال
"وقد وضع السبئية رج ً
ذلك الرجل :ما فجئنا إل وقوم منهم بيّتونا ،فرددناهم فركبونا وثار الناس""2
- 1البداية والنهاية :ج 7ص ،240-239الطبري :ج 5ص ،203-202الكامل :ج 3ص 124-123
-2ابن الثير :ج 3ص ،124الطبري :ج 5ص .203
113
فهكذا وقعت تلك الكارثة التي ذهب ضحيتها آلف من الناس حتى جعل علي – رضي
ال عنه – يقول لبنه الحسن:
"يا بنيّ ليت أباك مات قبل هذا اليوم بعشرين عامًا ،فقال له :يا أبت قد كنت أنهاك
عن هذا .قال سعيد بن أبي عجرة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عبادة قال :قال
علي يوم الجمل :يا حسن ليت أباك مات منذ عشرين سنة ،فقال له :يا أبت قد كنت
أنهاك عن هذا ،قال :يا بنيّ إني لم أر أن المر يبلغ هذا""1
وانتهى الحرب بسقوط الجمل الذي كان عليه هودج أم المؤمنين بعدما قتل ممن أخذ
خطامه سبعون رجلً .ونسرد آخر ما في هذا من (الكامل لبن الثير):
"لما سقط الجمل أقبل محمد بن أبي بكر إليه ومعه عمار فاحتمل الهودج فنحياه
فأدخل محمد يده فيه فقالت :من هذا؟ .فقال :أخوك البر .قالت :عقق ،قال :يا أخية
هل أصابك شيء؟ قالت :ما أنت وذاك .قال :فمن إذا الضلل .قالت :بل الهداة ،وقال
لها عمار :كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يا أمه؟ .قالت :لست لك بأم .قال :بلى وإن
كرهت .قالت :فخرتم أن ظفرتم وأتيتم مثل الذي نقمتم هيهات وال لن يظفر من كان
هذا دأبه فأبرزوا هودجها فوضعوها ليس قربها أحد ،وأتاها علي فقال :كيف أنت يا
أمه؟ .قالت :بخير .قال :يغفر ال لك .قالت :ولك ،وجاء أعين بن ضبيعة بن أعين
المجاشعي حتى اطلع في الهودج فقالت :إليك لعنك ال .فقال :وال ما أرى إل
حميراء .فقالت له :هتك ال سترك وقطع يدك وأبدى عورتك فقتل بالبصرة وسلب
وقطعت يده ورمي عريانًا في خربة من خرابات الزد ،ثم أتى وجوه الناس عائشة
وفيهم القعقاع بن عمرو فسلم عليها فقالت :إني رأيت بالمس رجلين اجتلدا
وارتجزا بكذا فهل تعرف كوفيك؟ قال :نعم ذاك الذي قال :أعقُ أ ٍم نعلم ،وكذب ،إنك
لبر أم نعلما ولكن لم تطاعي .قالت :وال لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين
سنة ...فأقام علي بظاهر البصرة ثلثًا وأذن للناس في دفن موتاهم فخرجوا إليهم
فدفنوهم وطاف علي في القتلى فلما أتى علي كعب بن سور قال :أزعمتم أنه خرج
معهم السفهاء وهذا الخبر قد ترون ،وأتى على عبد الرحمن بن عتاب فقال :هذا
يعسوب القوم – يعني أنهم كانوا يطيفون به – واجتمعوا على الرصافة لصلتهم،
وم ّر على طلحة بن عبيد ال وهو صريع فقال :لهفي عليك يا أبا محمد! إنا ل وإنا
إليه راجعون ،وال لقد كنت أكره أن أرى قريشًا صرعى ،أنت وال كما قال الشاعر:
114
إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر فتى كان يدنيه الغنى من صديقه
وجعل كلما مرّ برجل فيه خير قال :زعم من زعم أنه لم يخرج إلينا إل الغوغاء وهذا
العابد المجتهد فيهم ،وصلى عليّ على القتلى من أهل البصرة والكوفة ،وصلى على
قريش من هؤلء وهؤلء ،وأمر فدفنت الطراف في قبر عظيم ،وجمع ما كان في
العسكر شيء وبعث به إلى مسجد البصرة"."2
115
"ثم جهز علي عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع وأخرج معها
كل من نجا ممن خرج معها إل من أحب المقام واختار لها أربعين امرأة من نساء
أهل البصرة المعروفات وقال :تجهز يا محمد فبلغها ،فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه
جاءها حتى وقف لها ،وحضر الناس فخرجت على الناس وودّعوها وودّعتهم،
وقالت :يا بني تعتب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة فل يعتدين أحد منكم على
أحد بشيء بلغه من ذلك ،إنه وال ما كان بيني وبين عليّ في القديم إل ما يكون بين
المرأة وأحمائها ،وإنه عندي على معتبتي من الخيار .وقال عليّ :يا أيها الناس
صدقت وال وبرّت ،ما كان بيني وبينها إل ذلك ،وإنها لزوجة نبيكم صلى ال عليه
وسلم في الدنيا والخرة .وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة 36وشيعها عليّ
أميالً وسرح بنيه معها يومًا""2
هذا آخر ما أردنا ذكره من مؤامرات السبئية ومن مخططاتها ولجل ذلك دخل
اليهودي الملعون في السلم وتستر بالكفر وتظاهر بالحب لعليّ وآل بيته ،وفعل هو
وجماعته السبئيون هذه الشناعات المنكرة التي جرّت إلى أن تتمنى أم المؤمنين
حبيبة رسول ال عائشة وأمير المؤمنين ربيب رسول ال عليّ أن كانا أمواتًا قبل
وقوع هذه الحوادث.
وقبل أن نأتي إلى خاتمة هذا الكلم في الحرب نريد أن نذكر أن عليّا – رضي ال
عنه – لم يكن يعد محاربيه كفارًا كما نقلنا الكلم عن جميع المؤرخين آنفًا ،ولقد أقرّ
بذلك الشيعة أنفسهم حيث أوردوا نفس الرواية التي أوردها أهل السنة في كتبهم:
"عن جعفر عن أبيه أن عليّا عليه السلم كان يقول لهل حربه :إنا لم نقاتلهم على
التكفير لهم ولم يقاتلونا على التكفير لنا ،ولكنا رأينا أنّا على حق ورأوا أنهم على
حق"."3
وروى الحيري الشيعي رواية أخرى عن جعفر عن أبيه محمد الباقر:
116
"إن عليًا عليه السلم لم يكن ينسب أحدًا من أهل حربه إلى الشرك ول إلى النفاق
ولكن يقول :هم إخواننا بغوا علينا" [قرب السناد للحميري الشيعي :ص 45ط.
إيران].
وهذه نفس الرواية التي رواها شيخ السلم ابن تيمية والذهبي وابن عساكر
وغيرهم عن جعفر بن محمد عن أبيه الباقر قال:
"سمع عليّ يوم الجمل ويوم صفين رجلً يغلو في القول فقال :ل تقولوا إل خيرًا،
إنما هم قوم زعموا أنا بغينا عليهم وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم"."1
وأخيرًا :فلما انتهى عليّ – رضي ال عنه – من حرب الجمل لم تمتنع السبئية عن
إظهار خبثهم وسريرتهم وما يكنّونه في صدورهم ،فلقد نقل المام ابن كثير بعد ذكر
مجموع من قتل يوم الجمل:
"وكان مجموع من قتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلف ،خمسة من هؤلء
وخمسة من هؤلء ،رحمهم ال ورضي عن الصحابة منهم ،وقد سأل بعض أصحاب
عليّ عليّا أن يقسم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير ،فأبى عليهم ،فطعن فيه
السبئية وقالوا :كيف يحل لنا دماؤهم ول تحل لنا أموالهم؟ .فبلغ ذلك عليّا فقال :أيكم
يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه؟ فسكت القوم ،ولهذا لما دخل البصرة فض في
أصحابه أموال بيت المال ،فنال كل رجل منهم خمسمائة ،وقال :لكم مثلها من الشام،
فتكلم فيه السبئية أيضًا ونالوا منه وراء وراء""2
وأما حرب صفين فلم يكن سعي السبئية فيها أقل من حرب الجمل لثارة الفتن
والقلقل والضطرابات ،ول زالوا على دأبهم هذا طيلة أيام عليّ – رضي ال عنه –
يؤذونه بآرائهم الشاذة وأفكارهم الغريبة وعقائدهم الجنبية ،وبتجميعهم المجرمين
وتحزبهم وتكتلهم وتجمعهم وإيقاع الفرقة بين المسلمين حتى لم يمتنعوا من إيقاعها
بين علي وأصحابه ،وإبعاد المخلصين عنه ،لنهم لم يكن قصدهم من إظهار الولء
ي وأولده ،بل جعلوا هذا التظاهر
لعليّ والبراءة من أصحاب رسول ال حب عل ّ
بالحب والولء سترًا على مقاصدهم الخبيثة ومطامعهم الحقيقية للنيل في السلم
والمسلمين حتى حالوا بين علي – رضي ال عنه – وبين أخلص المخلصين له
كرئيس عساكره وكبير مستشاريه وابن عمه عبد ال بن عباس لتهامهم إياه بغصب
الموال وأخذها بغير حق"."3
- 1انظر منهاج السنة لبن تيمية :ج 3ص ،61المنتقى :ص ،135تهذيب ابن عساكر :ج 1ص ،73ومثله في
السنن الكبرى :ج 8ص -173
- 2البداية والنهاية لبن كثير :ج 7ص ،244الطبري :ج 5ص .223
117
وكذلك زياد أمير فارس وغيرهم الكثيرين الكثيرين.
فهذه كانت أحوال السبئية في أيام علي – رضي ال عنه – وهذه مساعيهم غير
المحمودة .وقبل ذلك ذكرنا سعيهم بالفتنة والفساد أيام عثمان – رضي ال عنه –
مزحزحة أركان السلم والدولة السلمية ببعض اليجاز والختصار من كتب
التاريخ اعتمادًا على أصح الروايات وموقفنا من الشيعة أنفسهم أيضًا.
ونريد أن نلفت النظار أن شيعة عليّ – رضي ال عنه – العامة منهم كانوا على
جانب عن هؤلء كما يلحظ من خلل الروايات التي سردناها لذكر هذه الوقائع،
وعلى ذلك كانوا دائمًا يسعون إلى الصلح واجتناب القتال والجدال ،قدر الستطاعة
وحسب المقدور ،ولو أن قليلً منهم تأثروا بأفكار هؤلء المخبثين ،وانخدعوا
بأباطيلهم وأكاذيبهم ووقعوا في شراكهم وحبائلهم .ولذلك لم يكن شيعة عليّ الولى
يطعنون في أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم ول يسبونهم ول يشتمونهم سواء
نازعوا عليّا في خلفته أو حاربوه في مطالبة القصاص للمام المظلوم عثمان بن
عفان – رضي ال عنه – بل أكثر من ذلك كانوا يقدمون أبا بكر وعمر على عليّ –
رضي ال عنه – كما نقل شيخ السلم ابن تيمية:
"كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا عليّا أو كانوا في ذلك الزمان لم يتنازعوا في
تفضيل أبي بكر وعمر ،وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان ،وهذا مما
يعترف به علماء الشيعة الكابر من الوائل والواخر""1
ثم نقل عن واحد من الشيعة الولى شريك بن عبد ال أنه سأله سائل:
"أيها أفضل؟ .أبو بكر أم علي؟ فقال له :أبو بكر ،فقال له السائل :تقول هذا وأنت
شيعي؟ فقال له :نعم ،من لم يقل هذا فليس شيعيّا ،وال لقد رقي هذه العواد عليّ،
فقال :أل خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ،فكيف نردّ قوله وكيف نكذبه؟.
وال ما كان كذابًا"."2
ثم يقول:
"وكيف ل تقدم الشيعة الولى أبا بكر وعمر وقد تواتر عن أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب – رضي ال عنه – أنه قال :خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر،
وقد روي هذا عنه من طرق كثيرة قيل إنها تبلغ ثمانين طريقًا" [منهاج السنة لبن
تيمية :ج 1ص .]4-3
118
وكذلك كان أولد علي وأهل بيته وكانوا على نفس هذا العتقاد ،وهذه وجهة كانوا
يحملونها تجاه أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم والخلفاء الراشدين الثلثة ،وأكثر
من ذلك لم يكونوا يعتقدون محاربة معاوية وأصحابه خروجًا عن السلم وطغيانًا
وظلمًا وعدوانًا ،ولجل ذلك بايع معاوية أكبر أبناء علي سبط رسول ال – المام
المعصوم حسب زعم الشيعة – ووافقه على ذلك أبناؤه الخرون مع ما فيهم الحسين
ومحمد بن الحنفية وعبد ال بن عباس وغيرهم كما سيأتي بيانه ،وصاهروه وأسرته
وعاونوه على أمور الخير والبر ،وقبلوا منه الهدايا والصلت كما ذكرنا قريبًا ،إل
من تأثر من السبئية أو دخل في ذلك الحزب الملعون على لسان عليّ – رضي ال
عنه – وأبنائه.
ثم ولم يكن الشيعة عامة آنذاك يشتمون أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ول
الخلفاء الراشدين الثلثة ول يطعنون فيهم ول ينقصونهم ،فلقد ذكر ابن خلكان في
ترجمة يحيى بن معمر :كان شيعيّا من القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص
لغيرهم"."1
ولقد أقر بذلك شيعي معاصر حيث قال:
"إني خلل مراجعتي تب التاريخ لم أر في الفترة التي تمتد من بعد وفاة النبي حتى
نهاية خلفة الخلفاء من عمد إلى الشتم من أصحاب المام ،وإنما هناك من قيّم
الخلفاء وقيّم المام وحتى في أشد جمحات عاطفة الولء لم نجد من يشتم أحدًا ممن
تقدم المام بالخلفة ...يضاف لذلك أنه حتى في الفترة الثانية أي في عهود المويين
كان معظم الشيعة يتورعون عن شتم أحد من الصحابة أو التابعين""2
فرق الشيعة ،تاريخها وعقائدها
اجتمع شيعة علي رضي ال عنه بعد استشهاده حول ابنه الحسن رضي ال عنه،
3
وجعلوه إمامًا لهم في اليوم الثالث بعد انتقال أبيه من دار الدنيا إلى دار الخرة " ".
وأول من بايعه كان قيس بن سعد بن عبادة"."4
وعند ذاك ظهرت السبئية من جديد بكل قوة وأظهروا العقائد التي طالما أخفوها
خوفًا من بطش عليّ رضي ال عنه ،وحذرًا من يقظته ومراقبته الفكار الهدامة ومن
يريد بثها في صفوف شيعته ،ومعاقبتهم معاقبة شديدة ،ولقد ذكر مؤرخ شيعي حيث
قال:
119
إن بدعة السبئية في الغلو ظهرت على عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طاب -رضي
ال عنه -عندما مرّ بقوم يأكلون في شهر رمضان نهارًا ،فقال لهم :أسفر أنتم أم
مرضى؟ قالوا ل ول واحدة منهما ،قال :فمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة
والجزية؟ قالوا :ل .قال :فما بال الكل نهارًا في رمضان؟ فقالوا له :أنت أنت،
يومئون إلى ربوبيته .فاستتابهم واستأنى ووعّدهم فأقاموا على قولهم .فحفر لهم
حفرًا دخن عليهم فيها طمعًا في رجوعهم ،فأبوا فحرقهم وقال :أل تروني قد حفرت
لهم حفرًا:
فلم يبرح عليه السلم من مكانه حتى صاروا حممًا .ثم استترت عنهم المقالة سنة أو
نحوها ،ثم ظهر عبد ال بن سبأ وكان يهوديّا يتستر بالسلم بعد وفاة أمير المؤمنين
– رضي ال عنه – فأظهرها واتبعه قوم فسموا السبئية ،وقالوا" :إن عليّا لم
يمت"."1
وبمثل ذك القول قال أقدم من كتب عن الفرق من الشيعة النوبختي حيث قال:
فلما قتل علي عليه السلم افترقت التي ثبتت على إمامته وأنها فرض من ال عز
وجل ورسوله عليه السلم فصاروا فرقًا ثلثة ،فرقة منهم قالت:
- 1الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين الشيعي ص ،55-54ابن أبي الحديد ج 2ص 309
120
إن عليّا لم يقتل ولم يمت ول يقتل ول يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويمل الرض
عدلً وقسطًا كما ملئت ظلمًا وجورًا وهي أول فرقة قالت في السلم بالوقف بعد
النبي صلى ال عليه وسلم من هذه المة وأول من قال منها بالغلو وهذه الفرقة
تسمى (السبأية) أصحاب "عبد ال بن سبأ" وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر
وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال إن عليّا عليه السلم أمره بذلك فأخذه
عليّ فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه :يا أمير المؤمنين!
أتقتل رجلً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى وليتك والبراءة من أعدائك فصيره إلى
المدائن ،وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلم أن عبد ال بن
سبأ كان يهوديّا فأسلم ووالى عليّا عليه السلم وكان يقول وهو على يهوديته في
يوشع بن نون بعد موسى عليه السلم بهذه المقالة ،فقال في إسلمه بعد وفاة النبي
صلى ال عليه وسلم في علي عليه السلم بمثل ذلك ،وهو أول من شهر القول
بفرض ولية علي عليه السلم وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه ،؟؟
وهناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ،وقد بلغ عبد ال
بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه :كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة
وأقمت على قتله سبعين عدلً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ول يموت حتى يملك
الرض"."1
وأورد مثل هذا كل من ألمّ بتاريخ التشيع وفرقه سواء كان من الشيعة أم من السنة.
كما ذكرناه فيما قبل من مؤلفي الشيعة وكتبهم.
ولقد ذكر ظهور السبئية من جديد والمجاهرة بعقائدهم الخبيثة بعد مقتل علي رضي
ال عنه من كتب علماء السنة في الفرق من عبد القاهر البغدادي في كتابه الفرق
بين الفرق " "2والشعري في مقالت السلميين " "3والرازي في اعتقادات فرق
المسلمين والمشركين" "4والسفرائيني في التبصير ""5والشهرستاني في الملل
والنحل " "6وابن حزم الظاهري في الفصل " "7وأبو الحسن البلطي في التنبيه""8
والجرجاني في التعريفات " "9والمقريزي في الخطط.
121
فذكر كل واحد منهم أن عبد ال بن سبأ رجع بعد شهادة علي رضي ال عنه من
منفاه وأظهر عقائده في عليّ آنذاك ،فيقول السفرائيني:
"ثم إن عليّا رضي ال عنه خاف من إحراق الباقين منهم شماتة أهل الشام ،وخاف
اختلف أصحابه عليه ،فنفى ابن سبأ إلى سباط المدائن ،فلما قتل علي رضي ال
عنه زعم ابن سبأ أن المقتول لم يكن عليّا"."1
وكذلك قال الشهرستاني:
"إنما أظهر عبد ال بن سبأ بعد انتقال علي – رضي ال عنه – واجتمعت عليه
جماعته"."2
فحاربه الحسن رضي ال عنه وحارب أفكاره وعقائده دأب أبيه كما ذكر ابن أبي
الحديد الشيعي:
"ثم ظهر عبد ال بن سبأ وكان يهوديّا يتستر بالسلم بعد وفاة أمير المؤمنين عليه
السلم فأظهرها ،واتبعه قوم فسموا السبئية ،وقالوا :إن عليّا عليه السلم لم يمت،
وإنه في السماء ،والرعد صوته والبرق ضوئه؛ وإذا سمعوا صوت الرعد ،قالوا:
السلم عليك يا أمير المؤمنين! وقالوا في رسول ال صلى ال عليه وسلم أغلظ
قول ،وافتروا عليه أعظم فرية ،فقالوا كتم تسعة أعشار الوحي ،فنقض عليهم قولهم
الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية رضي ال عنه في رسالته ،التي يذكر فيها
الرجاء ،رواها عنه سليمان بن أبي شيخ ،عن الهيثم بن معاوية ،عن عبد العزيز
بن أبان ،عن عبد الواحد بن أيمن المكي ،قال :شهدت الحسن بن علي بن محمد بن
الحنفية يملي هذه الرسالة ،فذكرها وقال فيها :ومن قول هذه السبئية :هدينا لوحي
ضل عنه الناس ،وعلم خفي عنهم؛ وزعموا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كتم
تسعة أعشار الوحي؛ ولو كتم صلى ال عليه وسلم شيئًا مما أنزل ال عليه لكتم
شأن امرأة زيد ،وقوله تعالىَ { :تبْ َتغِي مَ ْرضَاتَ أَزْوَاجِكَ} ""3
122
ولكن لم يكن محاربته إياهم مثل محاربة أبيه ،فبدأ السبئية يزرعون بذور الفتنة
والفساد ويبثون سموم الخلف والشقاق والفرقة بكل حرية وانطلقة ،وخاصة بعد
أن تخاذل الشيعة عن الحسن وبعد تفرقهم عنه ودخول بعضهم في السبئية وميول
بعضهم إلى معاوية والتحاق البعض الخرين بالخوارج وغيرهم ،ولقد صوّر هذه
الحوال شيخ الشيعة المفيد والربلي الشيعي والمجلسي في كتبهم وهم يذكرون
تحرك معاوية إلى العراق:
"وسار معاوية نحو العراق ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن عليه
السلم وبعث حجر بن عدي يأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه
ثم خفوا ومعه أخلط من الناس بعضهم شيعة له ولبيه ،وبعضهم محكمة يؤثرون
قتال معاوية بكل حيلة ،وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم ،وبعضهم شكاك،
وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم ل يرجعون إلى دين ،فسار حتى أتى
حمام عمر ثم أخذ إلى دير كعب فنزل ساباط دون القنطرة وبات هناك فلما أصبح أراد
– رضي ال عنه – أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في الطاعة له ليتميز بذلك
أولياءه من أعداءه ويكون على بصيرة من لقاء معاوية وأهل الشام فأمر بهم أن
ينادى بالصلة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم فقال:
الحمد ل كلما حمده حامد وأشهد أن ل إله إل ال كلما شهد له شاهد وأشهد أن
محمدًا عبده ورسوله أرسله بالحق وائتمنه على الوحي صلى ال عليه وسلم.
123
"أما بعد :فوال إني لرجو أن أكون قد أصبحت بحمد ال ومنه وأنا أنصح خلق ال
ل على مسلم ضغينة ول مريدًا له بسوء ول غائلة ،أل وإن لخلقه ،وما أصبحت محتم ً
ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ،أل وإني ناظر لكم خيرًا من
نظركم لنفسكم فل تخالفوا أميّ ول تردوا علي رأيي غفر ال لي ولكم وأرشدني
وإياكم لما فيه المحبة والرضا .قال :فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا ما ترونه
يريد بما قال؟ قالوا :نظنه وال يريد أن يصالح معاوية ويسلم المر إيه ،فقالوا :كفر
وال الرجل ،ثم شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصله من تحته ،ثم شد
عليه عبد الرحمن بن عبد ال بن جعال الزدي فنزع مطرفه عن عانقه ،فبقي جالسًا
متقلدًا السيف بغير رداء ،ثم دعا بفرسه فركبه وأحدث به طوائف من خاصته
وشيعته ومنعوا منه من أراده فقال :ادعوا إليّ ربيعة وهمدان فدعوا فطافوا به
ودفعوا الناس عنه رضي ال عنه وسار ومعه شوب من غيرهم ،فلما مر في مظلم
ساباط بدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجام بغلته وبيده
مغول وقال ال أكبر أشركت يا حسن! كما أشرك أبوك من قبل ،ثم طعنه في فخذه
فشقه حتى بلغ العظم ثم اعتنقه الحسن عليه السلم وخرّا جميعًا إلى الرض ،فوثب
إليه رجل من شيعة الحسن – رضي ال عنه – يقال له عبد ال بن خطل الطائي
فانتزع المغول من يده وخضخض به جوفه فأكب عليه آخر يقال له ظبيان بن عمارة
فقطع أنفه فهلك من ذلك ،وأخذ آخر كان معه فقتل ،وحمل الحسن عليه السلم على
سرير إلى المدائن فأنزل به على سعد بن مسعود الثقفي وكان عامل أمير المؤمنين
عليه السلم بها فأقره الحسن عليه السلم على ذلك ،واشتغل الحسن عليه السلم
بنفسه يعالج جرحه ،وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع والطاعة
له في السر واستحثوه على المسير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن رضي ال عنه
إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به ،وبلغ الحسن رضي ال عنه ذلك وورد عليه
كتاب قيس بن سعد رضي ال عنه وكان قد أنقذه مع عبيد ال بن العباس عند
مسيره من الكوفة ليلقى معاوية ويرده عن العراق وجعله أميرًا على الجماعة ،وقال:
إن أصبت فالمير قيس بن سعد ،فوصل كتاب قيس بن سعد يخبره أنهم نازلوا
معاوية بقرية يقال لها الحبوبية بإزاء مسكن وإن معاوية أرسل إلى عبيد ال بن
العباس يرغبه في المسير إليه وضمن له ألف ألف درهم يعجل له منها النصف
ويعطيه النصف الخر عند دخوله إلى الكوفة ،فانسل عبيد ال في الليل إلى معسكر
معاوية في خاصته ،وأصبح الناس قد فقدوا أميرهم ،فصلى بهم قيس بن سعد رضي
ال عنه ونظر في أمورهم فازدادت بصيرة الحسن عليه السلم بخذلن القوم له
وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب والتكفير له واستحلل دمه ونهب
أمواله ،ولم يبق معه من يأمن غوائله إل خاصته من شيعة أبيه وشيعته ،وهم
جماعة ل تقوم لجناد الشام ،فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلح ،وأنفذ إليه بكتب
أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه ،فاشترط له على نفسه في
إجابته إلى صلحه شروطًا كثيرة وعقد له عقودًا كان الوفاء بها مصالح شاملة ،فلم
يثق به الحسن – رضي ال عنه – وعلم باحتياله بذلك واغتياله غير أنه لم يجد بدّا
124
من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه مما
وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له ،وما انطوى
عليه كثير منهم في استحلل دمه وتسليمه إلى خصمه ،وما كان من خذلن ابن عمه
له ومصيره إلى عدوه وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الجلة .فتوثق
– رضي ال عنه – لنفسه من معاوية بتوكيد الحجة عليه والعذار فيما بينه وبينه
عند ال تعالى وعند كافة المسلمين واشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين – رضي
ال عنه – والعدول عن القنوت عليه في الصلة وأن يؤمن شيعته رضي ال عنهم
ول يتعرض لحد منهم بسوء ،ويوصل إلى كل ذي حق منهم حقه فأجابه معاوية إلى
ذلك كله وعاهد عليه وحلف له بالوفاء"."1
وزاد على ذلك ابن أبي الحديد الشيعي:
لما أراد الحسن أن يرتحل إلى المدائن قام فخطب الناس فقال :أيها الناس؛ إنكم
بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت ،وإني وال ما أصبحت
محتملً على أحد من هذه المة ضغينة في شرق ول غرب ،ولما تكرهون في
الجماعة واللفة والمن وصلح ذات البين خير مما تحبون في الفرقة ،والخوف
والتباغض والعداوة ،وإن عليّا أبي كان يقول :ل تكرهوا إمارة معاوية؛ فإنكم لو
فارقتموه لرأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كالحنظل .ثم نزل.
فقال الناس :ما قال هذا القول إل وهو خالع نفسه ومسلم المر لمعاوية ،فثاروا به
فقطعوا كلمه ،وانتهبوا متاعه ،وانتزعوا مطرفًا عليه ،وأخذوا جارية كانت معه،
واختلف الناس فصارت طائفة معه؛ وأكثرهم عليه ،فقال :اللهم أنت المستعان ،وأمر
بالرحيل ،فارتحل الناس ،وأتاه رجل بفرس ،فركبه وأطاف به بعض أصحابه ،فمنعوا
الناس عنه وساروا ،فقدمه سنان بن الجراح السدي إلى مظلم ساباط ،فأقام به فلما
دنا منه تقدم إليه يكلمه ،وطعنه في فخذه بالمعول طعنة كادت تصل إلى العظم ،فغشي
عليه وابتدره أصحابه"."2
- 1الرشاد للمفيد ص ،191-189جلء العيون للمجلسي ص 90وما بعد ،كشف الغمة للربلي ج 2ص 65ط.
بيروت ،ومثل ذلك في تاريخ اليعقوبي الشيعي ص ،215-214مروج الذهب ص 431
- 2شرح النهج لبن أبي الحديد ج 16ص 36
125
ولقد صرح المؤرخون والكتّاب من الشيعة بأن الذين غصبوا الحسن وانتهبوا
مضاربه وما فيها وجرحوه كانوا من ساباط المدائن ،وهي المحل الذي نفي إليه عبد
ال بن سبأ من قبل علي رضي ال عنه ،وكانوا متأثرين بأفكاره وعقائده والساعين
في الفرقة والختلف ،ومن بينهم كان فريسة السبئية المختار بن أبي عبيد الثقفي
الذي كان له شأن فيما بعد والذي أظهر نفس العقائد التي تلقنها من عبد ال بن سبأ
اليهودي الماكر الخبيث ومن السبئية الماكرة الخبيثة ،ولقد ذكر المؤرخون أن السن
بن علي رضي ال عنه دخل المدائن ونزلها وهو جريح على علم المختار:
"فقال له المختار وهو شاب :هل لك في الغنى والشرف؟ قال :وما ذاك؟ قال :تأخذ
الحسين بن علي وتقيده وتبعثه إلى معاوية ،فقال له عمه :قبحك ال وقبح ما جئت
به ،أأغدر بابن بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم""1
ولما رأى الحسن ذلك ومعاملة السبئية من جانب ،وتخاذل الشيعة من جانب ،وإراقة
الدماء من ناحية أخرى رأى الصلح خيرًا ،ولقد ذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي:
وحمل الحسن إلى مدائن وقد نزف نزفًا شديدًا ،واشتدت به العلة ،فافترق الناس
عنه ،وقدم معاوية إلى العراق ،فغلب على المر ،والحسن عليل شديد العلة ،فلما
رأى الحسن أن ل قوة به ،وأن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له ،صالح
معاوية ،وصعد المنبر فحمد ال وأثنى عليه ،وقال :أيها الناس إن ال هداكم بأولنا
وحقن دماءكم بآخرنا ،وقد سالمت معاوية ،وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى
حين"."2
ولم يكتف الحسن بصلحه مع معاوية وتسليمه المر له ،بل وأكثر من ذلك بايعه على
رؤوس الشهاد وبمن معه من إخوانه وقادة جيشه كما ذكر الرجالي الشيعي
المشهور ،الكشي عن جعفر بن الباقر أنه قال:
"إن معاوية كتب إلى الحسن رضي ال عنه أن اقدم أنت والحسين وأصحاب علي،
فخرج معه قيس بن سعد بن عبادة النصاري وقدموا إلى الشام فأذن لهم معاوية
وأعد لهم الخطباء فقال :يا حسن قم فبايع ،ثم قال للحسين رضي ال عنه :قم فبايع،
فقام فبايع ،ثم قال :يا قيس قم فبايع ،فالتفت إلى الحسين رضي ال عنه ينظر ما
يأمره فقال :يا قيس إنه إمامي – يعني الحسن رضي ال عنه""3
- 1الطبري ج 6ص ،92ابن الثير ج 3ص ،203ابن كثير ج 8ص ،14واللفظ له.
- 2تاريخ اليعقوبي ج 2ص 215
- 3رجال الكشي ص .102
126
وذكر مثل هذا شيعي متعصب المجلسي في كتابه (جلء العيون) الفارسي" "1وثقة
محدثي الشيعة العباس القمي في تاريخه الفارسي الكبير منتهى المال" "2وكذلك
ابن أبي الحديد الشيعي في كتابه شرح نهج البلغة"."3
وعندئذ افترق الشيعة بفرق أخرى:
"لما وادع الحسن معاوية وأخذ منه المال الذي بعث به إليه وصالح معاوية الحسن
طعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته فدخلوا في مقالة جمهور الناس وبقي سائر
أصحابه على إمامته إلى أن قتل ،فلما تنحى عن محاربة معاوية وانتهى إلى مظلم
ساباط وثب عليه رجل من هناك يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجان دابته ثم قال
ال أكبر أشركت كما أشرك أبوك من قبل وطعنه بمعول في أصل فخذه فقطع الفخذ
إلى العظم ،فاعتنقه الحسن وخرا جميعًا فاجتمع الناس على الجراح فوطئوه حتى
قتلوه ثم حمل الحسن على سرير فأتي به المدائن ،فلم يزل يعالج بها في منزل سعد
بن مسعود الثقفي حتى صلحت جراحته ثم انصرف إلى المدينة فلم يزل جريحًا من
طعنته كاظمًا لغيظه متجرد طريقه على الشجا والذى من أهل دعوته حتى توفي
رضي ال عنه في آخر صفر سنة سبع وأربعين وهو ابن خمس وأربعين سنة وستة
أشهر ،وقال بعضهم أنه ولد سنة ثلث من الهجرة من شهر رمضان وإمامته ست
سنين وخمسة أشهر"."4
ففرقة ثبتوا مع الحسن بعد هذا الصلح وبايعوا معاوية رضي ال عنه معه ،وأطاعوا
وأخلصوا له الوفاء طيلة حياتهم من سنة إحدى وأربعين إلى سنة ستين من الهجرة،
وكان على رأس هؤلء أولد علي رضي ال عنه وأهل بيته من الحسين ومحمد بن
الحنفية وعبد ال بن العباس وأبناء عقيل وجعفر وغيرهم من الهاشميين الكبار من
أسرة النبي صلى ال عليه وسلم يعتقدون نفس العتقادات التي كان يعتقدها
المسلمون عامة من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم بدون تكفير أحد وتفسيق
أحد من المسلمين ،متحدين متفقين ،ناسين الخلفات التي حدثت ،ومعرضين عن
الوقائع التي وقعت ،متآخين متزوجين فيما بينهم كما ذكرنا ذلك مفصلً فيما سبق،
وفرقة مالت عن الحسن والحسين وقالت بإمامة محمد بن الحنفية وعرفت بعد ذلك
بالكيسانية وقويت بعدما صالح الحسن معاوية وازدادت قوتها وشوكتها وحملت
نفس الفكار التي كانت تحملها السبئية ،وتطورت فيما بعد تطورًا سريعًا ،وتشعبت
منها فرق شيعية كثيرة أخرى كما سنذكرها فيما بعد ،ولقد ذكرها النوبتي الشيعي في
الفرق التي نشأت بعد قتل علي رضي ال عنه وعدها من إحدى الثلث التي كانت في
عهد الحسن ،فإنه قال:
127
"فلما قتل علي رضي ال عنه افترقت التي ثبتت على إمامته ...فصاروا فرقًا ثلثًا،
أولً :السبئية ،وثانيًا :فرقة قالت بإمامة محمد بن الحنفية لنه كان صاحب راية أبيه
يوم البصرة دون أخويه فسموا الكيسانية ،وإنما سموا بذلك لن المختار بن أبي
عبيد الثقفي كان رئيسهم وكان يلقب كيسان وهو الذي طلب بدم الحسين بن علي
رضي ال عنهما وثأره حتى قتل من قتلته وغيرهم من قتل وادعى أن محمد بن
الحنفية أمره بذلك وأنه المام بعد أبيه ،وإنما لقب المختار كيسان لن صاحب
شرطته المكنى بأبي عمرة كان اسمه وكان أفرط في القول والفعل والقتل من
المختار جدّا ،وكان يقول أن محمد بن الحنفية وصي علي بن أبي طالب وأنه المام
وأن المختار قيمه وعامله ،ويكفر من تقدم عليّا ويكفر أهل صفين والجمل ،وكان
يزعم أن جبرائيل عليه السلم يأتي بالوحي من عند ال عز وجل فيخبره ول يراه،
وروى بعضهم أنه سمي بكيسان مولى علي بن أبي طالب عليه السلم وهو الذي
حمله على الطلب بدم الحسين بن علي عليه السلم ودله على قتلته وكان صاحب
سره ومؤامرته والغالب على أمره""1
وبذلك صرح الشهرستاني:
ومن قالوا إن المام تثبت بالنص اختلفوا بعد علي عليه السلم فمنهم من قال :إنما
نص على ابنه محمد بن الحنفية وهؤلء هم الكيسانية ...وأما من لم يقل بالنص
على محمد بن الحنفية فقال بالنص على الحسن والحسين وقال :المامة في الخوين
الحسن والحسين"."2
وبذلك القول قال القاضي النعمان "( "3الشيعي الفاطمي أو الثنا عشري على
اختلف القوال)
واختلفوا وكثر الكلم ،فقال قوم:
128
وأسقطوا الحسن والحسينا إنه المام بعد علي والوصي بنا
بل هو في شعب برضوى قد ثبت ثم غلوا فيه فقالوا :لم يمت
وقد ذكر الكيسانية من السنة كل من البغدادي في الفرق بين الفرق " "2والشعري
في مقالت السلميين " "3والملطي في التنبيه " "4والرازي في اعتقادات فرق
المسلمين والمشركين " "5والسفرائيني في التبصير " "6وابن خلدون " "7وابن
حزم في الفصل " "8والمقريزي وغيرهم.
129
وفرقة تركت التشيع مطلقًا بعد صلح الحسن مع معاوية رضي ال عنه ولم يعدوا
أنفسهم من الشيعة فيما بعد:
"لما واعد الحسن معاوية وأخذ المال الذي بعث به إليه وصالح معاوية الحسن
طعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته ،فدخلوا في مقولة جمهور الناس""1
وأما السبئية فلقد انتشرت انتشارًا فظيعًا في هذا العصر ،كما أقر بذلك مؤرخ شيعي
بقوله:
"فقد ظهرت هذه البدعة الضالة وسرت سريان الوباء إلى نفر من أهل العراق – ثم
ذكر أسباب انتشارها فيهم نقلً عن ابن أبي الحديد لنهم – كانوا من ركاكة البصائر
وضعفها على حال مشهور فل عجب من مثلهم أن تستخفهم المعجزات – التي رأوها
من علي – رضي ال عنه ،-فيعتقدوا في صاحبها أن الجوهر اللهي قد حل فيه.
وقد قيل إن جماعة من هؤلء من نسل النصارى واليهود ،وقد كانوا سمعوا من
آبائهم وسلفهم القول بالحلول في أنبيائهم ،فاعتقدوا فيه رضي ال عنه مثل ذلك.
ويجوز أن يكون أصل هذه المقالة من قوم ملحدين أرادوا إدخال اللحاد في دين
السلم"."2
الشيعة أيام الحسين رضي ال عنه
130
ولما توفي الحسن رضي ال عنه واجتمع الشيعة حول أخيه الحسين رضي ال عنه
حدثت حادثة كبيرة ،ووقعت كارثة عظيمة ،أل وهي خروج الحسين على يزيد بن
معاوية بعد وفاة أبيه وقتله في كربلء .ونقف برهة يسيرة قبل أن نذكر تفرق
الشيعة بعد هذه الكارثة لسرد وبيان تخاذل الشيعة وغدرهم عن الحسين ،فلقد ذكر
اليعقوبي المؤرخ الشيعي الغالي أن يزيد بن معاوية لما تولى الخلفة بعد أبيه كتب
إلى عامله بالمدينة الوليد بن عقبة بن أبي سفيان أن يأخذ البيعة من الحسين بن
علي رضي ال عنهما ولما طلب الوليد منه ذلك:
فخرج الحسين إلى مكة ،فأقام بها أيامًا ،وكتب أهل العراق إليه ،ووجهوا بالرسل
على أثر الرسل ،فكان آخر كتاب ورد عليه منهم كتاب هانئ بن أبي هانئ ،وسعيد
بن عبد ال الخثعمي:
"بسم ال الرحمن الرحيم ،للحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين ،أما بعد
فحيّ هل ،فإن الناس ينتظرونك ،ل إمام لهم غيرك ،فالعجل ثم العجل والسلم"."1
والمؤرخ الشيعي الخر المسعودي يكتب:
"ولما مات معاوية راسل أهل الكوفة " "2إلى الحسين بن علي" :أن قد حبسنا
أنفسنا على بيعتك ،ونحن نموت دونك ،ولسنا نحضر جمعة ول جماعة"."3
وكتبًا أخرى :فقد اخضرت الجنات ،وأينعت الثمار ،فإذا شئت فأقبل على جند لك
مجندة"."4
- 1تاريخ اليعقوبي ج 2ص ،242 ،241ومثلُ ذلك في الرشاد للمفيد ص 203وكشف الغمة للربلي ج 2ص
32
-2نعم الكوفة التي كانت مركزًا للشيعة ومرتعًا خصبًا حتى قالوا فيها:
وأما الكوفة وسوادها فهناك شيعة علي بن أبي طالب .وأما البصرة فعثمانية تدين بالكف.
وأما الجزيرة فحرورية مارقة .وأما أهل الشام فليس يعرفون إل آل أبي سفيان وطاعة بني مروان ....وأما أهل
مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر (عيون الخبار للرضا – نقلً عن الشيعة في التاريخ).
ورووا عن جعفر أنه قال:
إن ال عرض وليتنا على أهل المصار فلم يقبلها إل أهل الكوفة (بصائر الدرجات ج 2الباب العاشر).
وأيضًا ما رواه الكليني في كافيه عن عبد ال الوليد الكندي:
قال :دخلنا على أبي عبد ال عليه السلم في زمن مروان ،فقال :من أنتم؟ فقلنا :من أهل الكوفة ،فقال :ما بلدة من
البلدان أكثر محبًا لنا من أهل الكوفة ،ول سيما هذه العصابة ،إن ال جل ذكره هداكم لمر جهله الناس وأحببتمونا
وأبغضنا الناس واتبعتمونا وخالفنا الناس ،وصدقتمونا وكذبنا الناس ،فأحياكم ال محيانا وأماتكم مماتنا (الروضة
من الكافي)]
- 3مروج الذهب ج 3ص 54
- 4إعلم الورى للطبرسي ص 1 ،223الرشاد للمفيد ص 220
131
ولما تواترت الرسائل وكثرت ،واشتد طلب الكوفيين:
وجه إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب وكتب إليهم ،وأعلمهم أنه إثر كتابه ،فلما
قدم مسلم الكوفة اجتمعوا إليه ،فبايعوه وعاهدوه وعاقدوه ،وأعطوه المواثيق على
النصرة والمشايعة والوفاء "."1
وزاد المفيد" :فبايعوه وهم يبكون ،وتجاوز عددهم ثمانية عشر ألفًا""2
وبعد أيام وصل إليه من مسلم بن عقيل:
"أن لك مائة أله ،ول تتأخر"."3
فتحرك نحو الكوفة ،فأتاه ابن العباس من بني هاشم وقائد جيوش علي رضي ال
عنه ومستشاره الخاص والرجل المجرب المحنك الذي كان يعرف شيعة زمانه حق
المعرفة فقال له – كما نقل المسعود الشيعي :-
"يا ابن عم ،قد بلغني أنك تريد العراق ،وإنهم أهل غدر ،وإنما يدعونك للحرب ،فل
تعجل ،وإن أبيت إل محاربة هذا الجبار وكرهت المقام بمكة فاشخص إلى اليمن،
فإنها في عزلة ،ولك فيها أنصار وإخوان ،فأقم بها وبث دعاتك :واكتب إلى أهل
الكوفة وأنصارك بالعراق أن يخرجوا أميرهم ،فإن قووا على ذلك ونفوه عنها ،ولم
يكن بها أحد يعاديك أتيتهم ،وما أنا لغدرهم بآمن ،وإن لم يفعلوا أقمت بمكانك إلى أن
يأتي ال بأمره ،فإن فيها حصونًا وشعوبًا ،فقال الحسين :يا ابن عم ،إني لعلم أنك
لي ناصح وعلي شفيق ،ولكن مسلم بن عقيل كتب إلي باجتماع أهل المصر على
بيعتي ونصرتي ،وقد أجمعت على المسير إليهم ،قال :إنهم من خبرت وجربت ،وهم
أصحاب أبيك وأخيك وقتلتك غدًا مع أميرهم – ما أصدقه وما أحنك به وأخبر بهم –
إنك لو قد خرجت فبلغ ابن زياد خروجك استنفرهم إليك ،وكان الذين كتبوا إليك أشد
من عدوك ،فإن عصيتني وأبيت إلى الخروج إلى الكوفة فل تخرجن نساءك وولدك
معك ،فوال إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه""4
هذا ما قاله عبد ال ابن عباس رضي ال عنهما ،وله من المنزلة والمقام عند علي
رضي ال عنه ما ل يخفى على أحد حتى كتب مفيد الشيعة:
"كان أمير المؤمنين يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد ال
بن العباس"."5
132
وهذا ما كان يحمل من الشيعة ،وكيف ل وقد قال فيهم علي رضي ال عنه نفسه:
لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم ،فأخذ مني عشرة منكم
وأعطاني رجلً منهم"."1
ثم أيد ابن عباس أبو بكر بن هشام في وصف الشيعة بالغدر والخيانة وعدم الخروج
إليهم كما نقله الشيعي المسعودي :دخل أبو بكر بن الحارث بن هشام على الحسين
فقال :يا ابن عم ،إن الرحم يظائرني عليك ،ول أدري كيف أنا في النصيحة لك ،فقال:
يا أبا بكر ما أنت ممن يستغش ول يتهم ،فقل ،فقال أبو بكر :كان أبوك أقدم سابقة،
وأحسن في السلم أثرًا ،وأشد بأسًا ،والناس له أرجى ،ومنه أسمع وعليه أجمع،
فسار إلى معاوية والناس مجتمعون عليه إل أهل الشام وهو أعز منه ،فخذلوه،
وتثاقلوا عنه ،حرصًا على الدنيا ،وضنّا بها ،فجرعوه الغيظ ،وخالفوه حتى صار إلى
ما صار إليه من كرامة ال ورضوانه ،ثم صنعوا بأخيك بعد أبيك ما صنعوا ،وقد
شهدت ذلك كله ورأيته ،ثم أنت تريد أن تسير إلى الذي عدوا على أبيك وأخيك تقاتل
بهم أهل الشام وأهل العراق ومن هو أعد منك وأقوى ،والناس منه أخوف ،وله
أرجى ،فلو بلغهم مسيرك إليهم لستطغوا الناس بالموال ،وهم عبيد الدنيا ،فيقاتلك
من وعدك أن ينصرك ،ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره ،فاذكر ال في نفسك،
فقال الحسين :جزاك ال خيرًا يا ابن عم ،فقد أجهدك رأيك ،ومهما يقض ال يكن،
فقال :إنا ل وعند ال نحتسب يا أبا عبد ال ،ثم دخل على الحارث بن خالد بن
العاص بن هشام المخزومي والي مكة وهو يقول:
"فقال :وما ذاك؟ فأخبره بما قال للحسين ،فقال :نصحت له ورب الكعبة""2
- 1نهج البلغة
- 2مروج الذهب ج 3ص .56
133
ثم وننقل القصة بكاملها من الشيعة أنفسهم كي يعرف ويدرك خيانة القوم وجبنهم.
فيذكر المسعودي:
134
"واتصل خبر مجيء مسلم الكوفة بيزيد فكتب إلى عبيد ال بن زياد بتولية الكوفة؛
فخرج من البصرة مسرعًا حتى قدم الكوفة على الظهر ،فدخلها في أهله وحشمه
وعليه عمامة سوداء قد تلثم بها ،وهو راكب بغلة والناس يتوقعون قدوم الحسين
فجعل بن زياد يسلم على الناس فيقولون؛ وعليك السلم يا ابن رسول ال! قدمت
خير مقدم ،حتى انتهى إلى القصر وفيه النعمان بن بشير ،فتحصن فيه ،ثم أشرف
عليه ،فقال :يا ابن رسول ال مالي وما لك؟ وما حملك على قصد بليد من بين
البلدان؟ فقال ابن زياد :لقد طال نومك يا نعيم ،وحسر اللثام عن فيه ،فعرفه ،ففتح
له ،وتنادى الناس :ابن مرجانة ،وحصبوه بالحصباء ،ففاتهم ودخل القصر ،ولما
اتصل خبر ابن زياد بمسلم تحول إلى هانئ بن عروة المرادي ،ووضع ابن زياد
الرصد على مسلم حتى علم بموضعه ،فوجه محمد بن الشعث ابن قيس إلى هانئ،
فجاءه فسأله عن مسلم ،فأنكره فأغلظ له ابن زياد القول ،فقال هانئ :إن لزياد أبيك
عندي بلء حسنًا ،وأنا أحب مكافأته به ،فهل لك في خير؟ قال ابن زياد :وما هو؟
قال تشخص إلى أهل الشام أنت وأهل بيتك سالمين بأموالكم ،فإنه قد جاء حق من
هو أحق من حقك وحق صاحبك ،فقال ابن زياد :أدنوه مني ،فأدنوه منه ،فضرب
وجهه بقضيب كان في يده حتى كسر أنفه وشق حاجبه ،ونثر لحم وجنته ،وكسر
القضيب على وجهه ورأسه ،وضرب هانئ بيده إلى قائم سيف شرطي من تلك
الشرط ،فجاذبه الرجل ،ومنعه السيف ،وصاح أصحاب هانئ بالباب :قتل صاحبنا،
فخافهم ابن زياد ،وأمر بحبسه في بيت إلى جانب مجلسه ،وأخرج إليهم ابن زياد
شريحًا القاضي ،فشهد عندهم أنه حي لم يقتل ،فانصرفوا ،ولما بلغ مسلمًا ما فعل
ابن زياد بهانئ ،أمر مناديًا فنادى "يا منصور" وكانت شعارهم ،فتنادى أهل الكوفة
بها ،فاجتمع إليه في وقت واحد ثمانية عشر ألف رجل ،فسار إلى ابن زياد ،فتحصن
منه ،فحصروه في القصر فلم يمس مسلم ومعه غير مائة رجل ،فلما نظر إلى الناس
يتفرقون عنه سار نحو أبواب كندة ،فما بلغ الباب إل ومعه منهم ثلثة ،ثم خرج من
الباب فإذا ليس معه منهم أحد ،فبقي حائرًا ل يدري أين يذهب ،ول يجد أحدًا يدله
على الطريق فنزل عن فرسه ومشى متلددًا في أزقة الكوفة ل يدري أين يتوجه،
حتى انتهى إلى باب مولة للشعث بن قيس ،فاستسقاها ماء فسقته ،ثم سألته عن
حاله ،فأعلمها بقضيته ،فرقت له وآوته ،وجاء ابنها فعلم بموضعه ،فلما أصبح غدا
إلى محمد بن الشعث فأعلمه ،فمضى ابن الشعث إلى ابن زياد فأعلمه""1
135
فقتله وقتل هانئ بن عروة وهو يصيح:
"يا آل مراد ،وهو شيخها وزعيمها ،وهو يومئذ يركب في أربعة آلف دارع وثمانية
آلف راجل ،وإذا أجابتها أحلفها من كندة وغيرها كان في ثلثين ألف دارع ،فلم
يجد زعيمهم منهم أحدًا فشلً وخذلنًا"."1
فلما بلغ الحسين القادسية لقيه الحر بن يزيد التميمي فقال له :أين تريد يا ابن
رسول ال؟ قال :أريد هذا المصر ،فعرفه بقتل مسلم وما كان من خبره ،ثم قال:
ارجع ،فإني لم أدع خلفي خيرًا أرجوه لك ،فهم بالرجوع فقال له أخوة مسلم :وال ل
نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل كلنا ،فقال الحسين :ل خير في الحياة بعدكم"."2
ثم قال للناس:
"أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد ال بن
يقطر وقد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم النصراف فلينصرف في غير حرج ليس معه
ذمام فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينًا وشما ًل حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه
من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه وإنما فعل ذلك لنه – رضي ال عنه – علم
أن العراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه وهم يظنون أنه يأتي بلدًا قد استقامت له طاعة
أهله ،فكره أن يسيروا معه إل وهم يعلمون على ما يقدمون ،فلما كان السحر أمر
أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا ثم ساروا حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها فلقيه شيخ
من بني عكرمة يقال له عمرو بن لوذان فسأله أين يريد فقال له الحسين – رضي
ال عنه – الكوفة فقال الشيخ أنشدك لما انصرفت فوال ما تقدم إل على السنة وحد
السيوف وإن هؤلء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطئوا لك الشياء
فقدمت عليهم كان ذلك رأيًا فأما على هذه الحالة التي تذكر فإني ل أرى لك أن تفعل
فقال له يا عبد اله ليس يخفى علي الرأي وإن ال تعالى ل يغلب على أمره"."3
136
ثم ارتحل إلى الكوفة فلقي في الطريق واحدًا من أهل الكوفة وأخبره عن غدرهم
وتخاذلهم وجبنهم قائلً:
"ليس لك بالكوفة ناصر ول شيعة بل نتخوف أن يكونوا عليك"."1
ولما عارضه ورفاقه جيش الكوفة ورأى منهم عكس ما كتبوا وقالت رسلهم،
وتنكروا ما كتبوا إليه قال لبعض أصحابه:
اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي ،فأخرج خرجين مملوئين كتبًا فنشرت بين
يديه"."2
فأنكروا عليه هذه الكتب والرسائل ،ثم سار حتى وصل كربلء:
"فلما كثرت العساكر على الحسين أيقن أنه ل محيص له فال :اللهم احكم بيننا وبين
قوم دعونا لينصرونا ثم هم يقتلوننا ،فلم يزل يقاتل حتى قتل رضوان ال عليه...
وكان جميع من حضر مقتل الحسين من العساكر وحاربه وتولى قتله من أهل الكوفة
خاصة ،فلم يحضرهم شامي"."3
ثم يذكر اليعقوبي الشيعي المتحمس – كما يسميه ولهوزن – "إن أهل الكوفة لما
قتلوه ،انتهبوا مضاربه وابتزوا حرمه ،وحملوهن إلى الكوفة ،فلما دخلن إليها
خرجت نساء الكوفة يصرخن ويبكين ،فقال علي بن الحسين :هؤلء يبكين علينا فمن
قتلنا؟."4".
وهنا نريد أن نثبت ما ذكره ولهوزن المستشرق اللماني المتعاطف على الشيعة:
- 1الرشاد ص 222
- 2إعلم الورى ص ،232الرشاد ص ،225جلء العيون ص 542-541
- 3مروج الذهب ج 3ص 61
- 4تاريخ اليعقوبي ج 1ص 235
137
ولم يكن جمهور أهل الكوفة حريصًا على مساعدة الحكومة ،ولكنه مع ذلك لم ينضم
إلى صف أعدائها .وحتى أولئك الذين بعثوا بالكتب إلى الحسين وأقسموا على
الخلص له تخلوا عنه في المحنة ولم يقدموا له يد المعونة ،وقصارى ما فعلوه
أنهم راقبوا المعركة من بعيد ومصرعه الخير ثم بكوا .وقليلون جدّا هم أولئك الذين
تجاسروا على اللحاق به ومشاركته في مصيره ،مثل أبي ثمامة الصائدي خازن بيت
المال ،وابن عوسجة .وعدا هذا فإن بعض الذين شاركوه في مصرعه إما أنهم كانوا
من أولئك الذين التقطهم عرضًا في الطريق أو من أولئك الذين دفعتهم الحمية
النسانية في اللحظة الخيرة إلى النضمام إليه وإن لم يكن لهم من قبل شأن به أو
لم يكونوا من شيعته .وقد أبرز المؤرخون هذا التعارض بين المكلفين ،الذين لم
يعملوا شيئًا ،وبين غير المكلفين الذين أخجلوا الولين ،أبرزوه وعرضوه أحيانًا
عرضًا دراميّا .ومما هو جدير بالعتبار أن النصار أيضًا ،ل القرشيون وحدهم ،قد
تخلوا عن الحسين ،فلم يخرج من المدينة واحد منهم معه ولم يكن منهم بين شيعة
الكوفة إل أفراد قلئل جدّا .والثورة التي قامت في المدينة سنة 63هـ لم تكن من أجل
آل علي ،كما أن علي بن الحسين نفض يديه منها.
"وفي مقابل الجبناء وغير المخلصين كان أعداء الشيعة الصرحاء وهم أتباع حكومة
بني أمية وموظفوها .ولم يكن الجدال يدور حول أمور دينية إيمانية""1
وعلى ذلك قال البغدادي:
روافض الكوفة موصوفون بالغدر ،والبخل ،وقد سار المثل بهم فيهما ،حتى قيل:
أبخل من كوفي ،وأغدر من كوفي ،والمشهور من غدرهم ثلثة أشياء:
"أحدهما :أنهم بعد قتل علي رضي ال عنه بايعوا ابنه الحسن ،فلما توجه لقتال
معاوية غدروا به في ساباط المدائن ،فطعنه سنان الجعفي في جنبه فصرعه عن
فرسه ،وكان ذلك أحد أسباب مصالحته معاوية.
والثاني :أنهم كاتبوا الحسين بن علي رضي ال عنه ،ودعوه إلى الكوفة لينصروه
على يزيد بن معاوية فاغتر بهم ،وخرج إليهم ،فلما بلغ كربلء غدروا به ،وصاروا
مع عبيد ال بن زياد يدًا واحدة عليه ،حتى قتل الحسين وأكثر عشيرته بكربلء.
والثالث :غدرهم بزيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب بعد أن خرجوا معه على
يوسف بن عمر ،ثم نكثوا بيعته وأسلموا عند اشتداد القتال حتى قتل وكان من أمره
ما كان"."2
138
فهؤلء كانوا الشيعة ،شيعة علي والحسن والحسين ،وهذه هي كانت معاملتهم
لئمتهم وقادتهم.
ولقد فصلنا في ذلك القول لنه بعد هذه الحادثة حصل في التشيع تطور كبير ،وبدأ
يتجه إلى اتجاه ديني ويصبغ بصبغة مذهبية بعد أن كان سياسيّا بحتًا ،يرى رأي علي
وأولده مقابل معاوية وبني أمية .وبذلك صرح ولهوزن بكل وضوح حيث يذكر مقتل
الحسين وبعده قيام المختار باسم الثأر ،فيقول:
"كان التشيع في الكوفة آنذاك قد لبس ثوبًا جديدًا .وقد عرفنا من قبل المعنى الذي
كان يدل عليه في الصل .لقد كان تعبيرًا عن التجاه السياسي العام لمعارضة العراق
لسلطان الشام .وفي بادئ المر كان الشراف صفّا واحدًا مع سائر الناس ويتولون
قيادتهم .ولكن حينما أحدث الخطر تراجعوا واستلنوا لغراء الحكومة (حكومة
المويين في الشام) ثم استخدموا للقضاء على الثورات الشيعية .وبهذا انفصلوا عن
الشيعة ،فتحدد نطاق التشيع واتخذ شيئًا فشيئًا صورة فرقة دينية في تعارض مع
الرستقراطية ونظام العشائر ،وأصبح بفضل استشهاد زعمائه وأوليائه ذا طابع
مثالي خيالي .وكان أنصار سليمان بن صرد يرمون إلى الثورة على أرستقراطية
العشائر في الكوفة .ولكن المختار كان أول من نفذ هذا الغرض وحققه عمليّا .وإلى
هذه الحركة اجتذب الموالي أيضًا .وهؤلء كان اجتذابهم سهلً لنهم كانوا ذوي
نزعة واضحة إلى الحكم الديني ،ل القومي الشعوبي ،وإن كان العرب هم الذين كانوا
يتولونه حتى ذلك الحين ،كما كانوا – أعني الموالي – يكرهون المتعصبين لسيادة
العرب.
فلما ارتبطت الشيعة بالعناصر المضطهدة تخلت عن تربية القومية العربية وكانت
حلقة الرتباط هي السلم .ولكنه لم يكن ذلك السلم القديم ،بل نوعًا جديدًا من
الدين"."1
139
وبدأ التشيع يحمل الفكار الجنبية المدسوسة ،كما بدأ يحصل فيه التفرق الكثير،
"وصار مأوى وملجأ لكل من أراد هدم السلم لعداوة أو حقد ،ومن كان يريد إدخال
تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية ،ومن كان يريد استقلل بلده
والخروج على مملكته ،كل هؤلء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستارًا يضعون وراءه
كل ما شاءت أهواؤهم ،فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة ،وقال الشيعة:
إن النار محرمة على كل شيعي إل قليلً ،كما قال اليهود :لن تمسنا النار إل أيامًا
معدودات ،والنصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم :إن نسبة المام إلى ال
كنسبة المسيح إليه ،وقالوا :إن اللهوت اتحد بالناسوت في المام ،وإن النبوة
والرسالة ل تنقطع أبدًا ،فمن اتحد به اللهوت فهو نبي ،وتحت التشيع ظهر القول
بتناسخ الراوح وتجسيم ال والحلو ،ونحو ذلك من القوال التي كانت معروفة عند
البراهمة والفلسفة والمجوس من قبل السلم ،وتستر بعض الفرس بالتشيع
وحاربوا الدولة الموية ،وما في نفوسهم إل الكره للعرب ودولتهم ،واسعي
لستقللهم"."1
كما نقل عن المقريزي أنه قال:
إن الفرس كانوا ذوي سعة وعلو يد على جميع المم وجللة الخطر في أنفسها
بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الحرار والسياد ،وكانوا يعدون سائر الناس عبيدًا
لهم ،فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب ،وكان العرب عند الفرس أقل
المم خطرًا ،تعاظمهم المر ،وتضاعفت لديهم المصيبة ،وراموا كيد السلم
بالمحاربة في أوقات شتى ،وفي كل ذلك يظهر ال الحق ...فرأوا أن كيده على الحيلة
أنجع ،فأظهر قوماًَ منهم السلم واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل البيت
واستبشاع ظلم علي ،ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن طريق
الهدى"."2
ونرجع الن إلى تفرقهم واختلفهم بعد ذكرنا إياهم وخذلنهم مناصرة زعمائهم ومن
كانوا يدعون حبهم وموالتهم ،فبعد قتل الحسين رضي ال عنه افترقت الشيعة ثلث
فرق كما يذكر النوبختي:
الــــكـــــيســـــانية
140
فلما قتل الحسين حارت فرقة من أصحابه وقالت :قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل
الحسين لنه إن كان الذي فعل الحسن حقّا واجبًا صوابًا من موادعته معاوية
وتسليمه له عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوتهم فما فعله
الحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم .وكثرة
أصحاب يزيد لعنة ال عليه حتى قتل وقتل أصحابه جميعًا باطل غير واجب لن
الحسين كان أعذر في القعود عن محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن
في القعود عن محاربة معاوية .وإن كان ما فعله الحسين حقّا واجبًا صوابًا من
مجاهدته يزيد بن معاوية حتى قتل وقتل ولده وأصحابه فقعود الحسن وتركه مجاهدة
معاوية وقتاله ومعه الكثير باطل فشكوا لذلك في إمامتهما ورجعوا فدخلوا في مقالة
العوام وبقي سائر أصحاب الحسين على القول الول بإمامته حتى مضى.
ثم افترقوا بعده ثلث فرق( :ففرقة) قالت بإمامة محمد بن الحنفية وزعمت أنه لم
يبق بعد الحسن والحسين أحد أقرب إلى أمير المؤمنين عليه السلم من محمد بن
الحنفية فهو أوى الناس بالمامة كما كان الحسين أولى بها بعد الحسن من ولد
الحسن فمحمد هو المام بعد الحسين.
"(وفرقة) قالت إن محمد بن الحنفية رحمه ال تعالى هو المام المهدي وهو وصي
علي بن أبي طالب عليه السلم ليس لحد من أهل بيته أن يخالفه ول يخرج عن
إمامته ول يشهر سيفه إل بإذنه وإنما خرج الحسن بن علي إلى معاوية محاربًا له
بإذن محمد ووادعه وصالحه بإذنه وإن الحسين إنما خرج لقتال يزيد بإذنه ولو
خرجا بغير إذنه هلكا وضل وإن من خالف محمد بن الحنفية كافر مشرك وأن محمدًا
استعمل المختار بن أبي عبيد على العراقين بعد قتل الحسين وأمره بالطلب بدم
الحسين وثأره وقتل قاتليه وطلبهم حيث كانوا وسماه كيسان لكيسه ولما عرف من
قيامه ومذهبه فيهم فهم يسمون (المختارية) ويدعون :الكيسانية""1
ولقد ذكرنا قبل ذلك أن الكيسانية وجدت بعد قتل علي رضي ال عنه ولكن غلب هذا
السم على المختارية ،ومن الكيسانية تفرعت فروع كثيرة ،وتفرقت فرق متعددة مثل
الكرابية والحربية والرزارمية والبيانية والرواندية وأبو المسلمية والهاشمية
والحارثية وغيرها الكثيرة الكثيرة "."2
ويجمع هذه الفرق كلها القول بإمامة محمد بن الحنفية والعتقاد بالعقائد التي زرع
بذورها السبئية وعبد ال بن سبأ ،الغيبة والرجعة والتناسخ وغيرها ،وفي ذلك قال
شاعرهم:
141
ولة الحق أربعة سواء أل إن الئمة من قريش
142
""1
برضوى عنده عسل وماء تغيب ل يرى فيهم زمانًا
143
وقد أجاب على هذه البيات البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق)"."1
وقال أحد الكيسانين أيضًا:
- 1انظر ص 42
144
وأهد له بمنزله السلما أل حي المقيم بشعب رضوى
145
""1
وأندية تحدثه كراما وإن له به لمقيل صدق
146
وأجابه البغدادي أيضًا بقوله:
كما قد ذاق والده الحماما وقد ذاق ابن خولة طعم موت
""1
لعاض المصطفى أبدًا وداما ولو خلد امرؤ لعلو مجد
والجدير بالذكر أن من الكيسانية انتقلت المامة إلى بني العباس لن بعض فرقها
اعتقدت انتقال المامة من أبي هاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن
العباس ،ومنه إلى ابنه إبراهيم ،ومن إبراهيم إلى أبي العباس ،ومن أبي العباس إلى
أبي جعفر المنصور المؤسس للدولة العباسية""2
147
ومن بين هذه الفرق كلها اشتهرت فرقة المختار بن أبي عبيد الثقفي لما كان له من
صولة وجولة باسم القصاص بدم الحسين رضي ال عنه ،وقد ذكر المختار هذا،
الكشي في (رجاله) عن محمد بن مسعود قال :حدثني ابن أبي علي الخزاعي قال:
[حدثني] خالد بن يزيد العمري عن الحسن بن زيد عن عمر بن علي :أن المختار
أرسل إلى علي بن الحسين – رضي ال عنه – بعشرين ألف دينار فقبلها وبنى بها
دار عقيل بن أبي طالب ودارهم التي هدمت .قال :ثم إنه بعث إليه بأربعين ألف دينار
بعدما أظهر الكلم الذي أظهره فردها ولم يقبلها ،والمختار هو الذي دعا الناس إلى
محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية وسمو الكيسانية ،وهم المختارية ،وكان
لقبه كيسان ولقب بكيسان لصاحب شرطته المكنى أبا عمرة وكان اسمه كيسان.
وقيل إنه سمي كيسان بكيسان مولى علي بن أبي طالب – رضي ال عنه – وهو
الذي حمله على الطلب بدم الحسين ودله على قتلته ،وكان صاحب سره والغالب على
أمره ،وكان ل يبلغه عن رجل من أعداء الحسين – رضي ال عنه – أنه في دار أو
موضع إل قصده وهدم الدار بأسرها وقتل كل من فيها من ذي روح ،وكل دار
بالكوفة خراب فهي مما هدمها ،وأهل الكوفة يضربون به المثل فإذا افتقر إنسان
قالوا "دخل أبو عمرة بيته" حتى قال فيه الشاعر:
""1
يغويك ويطغيك ول يعطيك كسرة إبليس بما فيه خير من أبي عمرة
148
كان المختار ينعت بأنه سحار " ،"1وأنه "الدجال""1ويوصف عادة بـ"الكذاب".
وهذا الوصف ل لنه زعم أنه مكلف من قبل ابن الحنفية ،بل لنه تبدى على أنه نبي.
حقّا إنه لم يسم نفسه بهذا السم ،ولكنه أتى أفعا ًل من شأنها أن تعطي عنه هذه
الفكرة ،فكرة أنه نبي .وكان يتكلم وكأنه جالس في الحضرة اللهية ،يعلم الغيب،
ويسجع سجع الكهان بطلقة ومهارة .ويريد أن يفرض شخصيته على الناس ،وأفلح
في هذا أيضًا وإن كان نجاحه لدى الخاصة والعقلء أقل منه لدى العامة والدهماء.
وطالما حالفه النصر اتسعت دوائر المؤمنين به .فلما مني بالهزيمة أدبرت عنه
الدنيا .وراحت الروايات تطلق سهامها على ذكراه بعد مقتله .في البدء كانت تذمه
دون أن تشوه صورته .ولكنها راحت بعد ذلك في مرحلة متأخرة تنعته بنعوت أملها
الحقد .وهذه النعوت نفسها هي التي تسود الصورة التي كونتها عنه الجيال التالية.
و "دوزي" ل يستخدم غيرها لرسم الصورة التي عملها للمختار في كتابه "مقالة
في تاريخ السلم" :فيقول عنه إنه هو الذي أمر بإطلق الحمام البيض ،وأنه كان
خارجيّا ثم زبيريّا ثم شيعيّا ،وأنه ابتدع القول بالبداء في ال كيما يبرر تقلبه هو من
مذهب إلى مذهب .ولكن ل يحق للمرء أن يجعله معرضًا للسخرية من أجل أن يفهمه
على حقيقته .ولحسن الحظ كان لنشر "تاريخ" الطبري الفضل في وضع حد لهذا
النحو من تصوير الرجل.
149
فإن كان لبد من الجابة عن السؤال :هل كان المختار نبيّا صادقًا أو متنبئًا كاذبًا؟ -
فل مناص من تعديله إلى هذه الصيغة :أكان المختار مخلصًا أم غير مخلص؟ قد يأخذ
عليه المرء أنه استعان بالتنبؤ للوصول إلى الحكم .ولكن هذا المأخذ عينه قد يؤخذ
على محمد ،وعلى المرء أن يلحظ أن السلم دين سياسي وأن أي نبي مسلم لبد
أن يسعى إلى الحكم .ولكن ما هو أشد من ذلك المأخذ خطرًا وأكبر وزنًا هو أنه تستر
وراء شبح وناطور خيالي (هو محمد بن الحنفية) لم يعرف عن أمره شيئًا ولم يشأ
أيضًا أن يعلم عن أمره شيئًا .فلم يكن ضميره نقيّا من هذه الناحية ،ولكن الظروف
في ذلك الحين لم تسمح له – بوصفه مسلمًا وشيعيّا – أن يظهر باسمه هو الخاص،
بل كان عليه أن يخلق لنفسه مركز "أمين" للمهدي المستتر ...وإن المختار اتخذ
نقطة ابتدائه من بدعة غريبة غامضة اختط بها المختار وهي "السبئية" .والسبئية
كانت قد اتخذت اتجاهًا أنشأ يسيطر على طبقات واسعة بحيث اضطرت الشيعة بوجه
عام إلى اتخاذ موقف أشد حدة بإزاء السلم السني وازداد إبراز الخلفات بين
الشيعة والسنة .والسبئية يسمون أيضًا "الكيسانية" وكان كيسان زعيمًا للموالي،
فإن كان في نفس الوقت زعيمًا للسبئية ،فيستنتج من هذا أن السبئية والموالي كانوا
شيئًا واحدًا تقريبًا " ."1واعتمادًا على هذا الستنتاج مضى البعض فزعم أن التشيع
كمذهب ديني إيراني الصل ،لن غالبية موالي الكوفة كانوا إيرانيين .قال دوزي":"2
"كانت الشيعة في حقيقتها فرقة فارسية ،وفيها يظهر أجلى ما يظهر ذلك الفارق بين
الجنس العربي ،الذي يحب الحرية ،وبين الجنس الفارسي الذي اعتاد الخضوع
كالعبيد .لقد كان مبدأ انتخاب خليفة للنبي أمرًا غير معهود ول مفهوم ،لنهم لم
يعرفوا غير مبدأ الوراثة في الحكم ،لهذا اعتقدوا أنه مادام محمد لم يترك ولدًا يرثه،
فإن عليّا هو الذي كان يجب أن يخلفه وأن الخلفة يجب أن تكون وراثية في آل
علي .ومن هنا فإن جميع الخلفاء – ما عدا عليّا – كانوا في نظرهم مغتصبين للحكم
ل تجب لهم طاعة .وقوي هذا العتقاد عندهم كراهيتهم للحكومة وللسيطرة العربية،
فكانوا في الوقت نفسه يلقون بأنظارهم النهمة إلى ثروات سادتهم .وهم قد اعتادوا
أيضًا أن يروا في ملوكهم أحفادًا منحدرين من أصلب اللهة الدنيا ،فنقلوا هذا
التوقير الوثني إلى علي وذريته .فالطاعة المطلقة "للمام" الذي من نسل علي –
كانت في نظرهم الواجب العلى ،حتى إذا ما أدى المرء هذا الواجب ،استطاع بعد
ذلك بغير لئمة ضمير أن يفسر سائر الواجبات والتكاليف تفسيرًا رمزيّا وأن
يتجاوزها ويتعداها .لقد كان "المام" عندهم هو كل شيء ،إنه ال قد صار بشرًا.
فالخضوع العمى المقرون بانتهاك الحرمات – ذلك هو الساس في مذهبهم" وعلى
نحو مشابه يتحدث أ .ملر في كتابه المذكور سابقًا ج 1ص ،327ويضيف إلى هذا
أن الفرس كانوا – تحت تأثير الفكار الهندية قبل السلم بعهد طويل – يميلون إلى
القول بأن الشاهنشاه هو تجسد لروح ال التي تنتقل في أصلب الملوك من الباء
إلى البناء.
150
أما أن آراء الشيعة كانت تلئم اليرانيين – فهذا أمر ل سبيل إلى الشك فيه ،أما كون
هذه الراء قد انبعثت من اليرانيين ،فليست تلك الملءمة دليلً عليه""1
وأما عقائدهم الباقية فإنها لمبسوطة موجودة في كتب الفرق ،ولقد ذكرنا ما فيها
الكفاية وتفي بالمطلوب .ولقد طولنا الكلم في هذه الفئة من الشيعة وهذا الرجل لنه
هو وطائفته هم تركة السبئية الحقيقية ،ومنهم أخذ بالفكار وتمسك بالراء من جاء
من الشيعة بعدهم ،وعندئذ بدأ التشيع الصلي يذوب ،والشيعة الولى ينقرضون إل
القليل القليل .وعلى رأسهم أولد علي وبنو هاشم ،وبدأت أفكار السبئية تتسرب
إليهم وتتغلب عليهم ،خصوصًا شهادة حسين رضي ال عنه جعلت الموالين لعلي
وأولده ،وحتى بعض الطالبيين أيضًا يحسون بالحرمان الكبير واليأس الكثير،
ويجدون أنفسهم تواقة إلى النتقام وخصوصًا قلب نظام الحكم القائم المتهم بقتل
الحسين وأهله في كربلء ،وبدأ بعض الجهلة والمغفلين ينقمون كل ما يتصل بالحكام
ويبغضون كل ما يرى برأيهم وحتى العقائد والمعتقدات ،فلما رأى هؤلء أن ولة
المر يعظمون أبا بكر وعمر وعثمان وبقية أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم
وأزواجه أمهات المؤمنين بدءوا يتبرؤون منهم ويتكلمون فيهم .ل لنهم يجدون
عليهم شيئًا ،بل كرهًا لكل ما يسمعونه على المنابر وفي المحاريب .وعلى ذلك نقل
الذهبي عن شيخ السلم ابن تيمية:
كان السلف متفقين على تقديم أبي بكر وعمر حتى شيعة علي رضي ال عنه .وروى
ابن بطة عن شيخه المعروف بأبي العباس بن مسروق :حدثنا محمد بن حميد حدثنا
جرير عن سفيان عن عبد ال بن زياد بن حدير قال :قدم أبو إسحاق السبيعي
الكوفة ،قال لنا شمر بن عطية :قوموا إليه ،فجلسنا إليه ،فتحدثوا .فقال أبو إسحاق:
خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما ،وقدمت الن
وهم يقولون ويقولون ،ول وال ما أدري ما يقولون ...وعن ضمرة عن سعيد بن
حسن قال :سمعت ليث بن أبي سليم يقول :أدركت الشيعة الولى وما يفضلون على
أبي بكر وعمر أحدًا .وقال أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة عن خالد بن سلمة
عن مسروق قال :حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة .ومسروق من أجلّ
تابعي الكوفة وكذلك قال طاووس ...وقد روى ذلك عن ابن مسعود .وكيف ل تقدم
الشيعة الولى أبا بكر وعمر وقد تواتر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي
ال عنه أنه قال :خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر .وقد روي هذا عنه من
طرق كثيرة قيل إنها تبلغ ثمانين طريقًا .وقد روى البخاري عنه في صحيحه من
حديث الهمدانيين – الذين هم أخص الناس بعلي حتى كان يقول:
151
لقلت لهمدان ادخلي بسلم ولو كنت بوابًا على باب جنة
فقد رواه البخاري من حديث سفيان الثوري وهو همداني ،عن منذر وهو همداني
عن محمد بن الحنفية قال :قلت لبي :يا أبت من خير الناس بعد رسول ال صلى ال
عليه وسلم؟ فقال :يا بني أو ما تعرف؟ فقلت :ل .قال :أبو بكر .فقلت :ثم من؟ قال:
عمر .وهذا يقوله لبنه بينه وبينه ،ليس هو مما يجوز أن يقوله تقية .ويرويه عن
أبيه خاصة .وقاله على المنبر .وعنه أنه كان يقول :ل أوتى بأحد يفضلني على أبي
بكر وعمر إل جلدته حد المفتري""2
- 2المنتقى للذهبي ص 361 ،360ط .القاهرة بتحقيق السيد محي الدين الخطيب.
152
"وكتب محب الدين الخطيب في الهامش هذا نص تاريخي عظيم في تحديد تطور
التشيع ،فإن أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفة وعالمها ،ولد في خلفة أمير
المؤمنين عثمان قبل شهادته بثلث سنين ،وعمّر حتى توفي سنة ،127وكان طفلً
في خلفة أمير المؤمنين علي .وهو يقول عن نفسه :رفعني أبي حتى رأيت علي بن
أبي طالب يخطب أبيض الرأس واللحية .ولو عرفنا متى فارق الكوفة ثم عاد فزارها
لتوصلنا إلى معرفة الزمن الذي كان فيه شيعة الكوفة علويين يرون ما يراه إمامهم
من تفضيل أبي بكر وعمر ،ومتى أخذوا يفارقون عليّا ويخالفونه فيما كان يؤمن به
ويعلنه على منبر الكوفة من أفضلية أخويه صاحبي رسول ال صلى ال عليه وسلم
ووزيريه وخليفتيه على أمته في أتقى وأطهر أزمانها .ومن العجيب أن الخوارج
والباضية ثبتوا على عقيدتهم الولى في أبي بكر وعمر كما كانوا عليه مع علي إلى
مدة الحكم ،والشيعة نقضوا هذه العقيدة وعصوا فيها إمامهم بعد القرن الول ،أي
في أواخر حياة أبي إسحاق السبيعي"."2
هذا وبلغ المر بعد تطور الشيعة إلى حد أنهم بدءوا ينكرون المسلمات والسس التي
عليها يقوم المذهب السلمي الحنيف والشريعة السماوية السمحاء .فقط لن الحكام
يتمسكون بها ويعتقدونها ،مثل القرآن ،الكتاب الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول
من خلفه ،وسنة رسول ال التي جعلها ال بيانًا لهذا القرآن""3
ثم وبعد شهادة الحسين رضي ال عنه كثرت الخزعبلت والخرافات في الشيعة حتى
إن المخلصين من الشراف ومن الشيعة الولى حاولوا إقامة السد في طريق هذه
السخافات ومنع الناس عن اعتناقها ولكنهم فشلوا في ذلك ،ثم اضطروا إلى التباعد
عنها وعن التشيع بعدما قنطوا ويئسوا من رجوع القوم إلى الحق وانتهائهم عن
الغي والضللت ،فهذا هو ابن الشتر إبراهيم يذكره ولهوزن ضمن تسلط المختار
على الشيعة وامتناع إبراهيم عن النضمام إليه حيث يقول:
153
فكان على المختار أن يكسب رجلً آخر في الكوفة نفسها ل يستطيع من دونه أن
يلقى رؤساء الشيعة نجاحًا ضد الشراف والوالي .هذا الرجل هو إبراهيم بن الشتر
زعيم قبلة النخع من مذحج .وكان بارعًا ماكرًا مستقل الرأي ،وكان كأبيه مخلصًا
لعلي ،وكان على اتصال بابن الحنفية .ولكنه لم يكن يؤمن بالتشيع على الصورة التي
استحال إليها في ذلك العهد .لم يشأ النضمام إلى سليمان بن صرد كما لم يرغب في
أن يعرف شيئًا عن المختار .ولم تفلح المحاولت في اكتسابه .وأخيرًا وصله كتاب
يطلب فيه ابن الحنفية نفسه منه أن يعترف بالمختار بن أبي عبيد .ولكنه تضايق من
كون ابن الحنفية يلقب نفسه في هذا الكتاب بلقب "المهدي" وهو أمر لم يعهد منه،
فحاك في صدره الشك في صحته .ولكن الذين قدموا بالكتاب ،والمختار نفسه أكدوا
صحة الكتاب ،إل اثنين لفتا نظره بتحفظهم ،وهما :عامر بن شراحيل الشعبي الراوي
الفقيه المحدث الكبير .وأبوه شراحيل .فانتحى بعامر ناحية وسأله هل يشك في أمانة
هؤلء الشهود على صحة الكتاب .فقال عامر الشعبي :معاذ ال فإنهم "سادة القراء
ومشيخة المصر وفرسان العرب ول أرى مثل هؤلء يقولون إل حقّا!"."1
فسأله ابن الشتر أن يكتب له أسماءهم وكتب محضرًا صوريّا بما وقع .فلما اطمأن
قلبه بهذا امتثل لما ورد في الكتاب ووضع نفسه في خدمة المختار بن أبي عبيد"."2
ولما تقلب المختار وبدأ يظهر ما كان يكنه من الفكار السبئية من عداوة السلف
الصالح والطعن في أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم:
"أخذوا يعتبون على المختار أنه تأمر عليهم بغير رضى منهم ول بإذن من ابن
الحنفية وأنه أظهر هو وسبئيته (ببدع ابتدعها في السلم) البراءة من أسلفهم
الصالحين"."3
"واحتل هؤلء الشراف المراكز الرئيسية في الكوفة وحصروا المختار في القصر
والمسجد وقطعوا التصال بينه وبين الخارج .وحتى يفسد عليهم تدبيرهم اقترح
عليهم أن يبعثوا من قبلهم وفدًا إلى ابن الحنفية ويرسل هو من قبله وفدًا إليه
لسؤاله في تأييد ابن الحنفية له ،ولكن لم ينجح في هذا التدبير". "4
ويقول" :كان المختار في الذروة ،وكان أيضًا أمام الهاوية .فالشيعة العرب من الجيل
القديم كانوا ل يثقون به حتى اعتزلوه جانبًا"."5
- 1الطبري 2/612
-2الخوارج والشيعة ص 148 ،147
- 3الخوارج والشيعة ص 155
- 4الخوارج والشيعة ص .156
- 5الخوارج والشيعة ص 159
154
وهذا القدر يكفي لبيان الصراع الذي حدث بين الشيعة في التطور والتغير من المنهج
الول القديم ،وبدأ الشيعة أكثرهم يعتقدون بمثل هذه الخرافات والسخافات عن
الحمامات البيض بأنها ملئكة ،وعن الكرسي المقدس والنبوءات وأخبار الغيب.
ثم حصلت التفرقة في الشيعة مرة ثانية بعد قتل المختار:
ففرقة قالت بإمامة علي بن الحسين ،وكان يكنى بأبي محمد ويكنى بأبي بكر وهي
كنيته الغالبة عليه فلم تزل مقيمة على إمامته حتى توفي بالمدينة في المحرم في أول
سنة أربع وتسعين وهو ابن خمس وخمسين سنة ،وكان مولده في سنة ثمان
وثلثين وأمه أم ولد يقال لها سلفة وكانت تسمى قبل أن تسبى جهانشاه وهي ابنة
يزدجرد بن شهريار بن كسرى ابرويز بن هرمز وكان يزدجرد آخر ملوك فارس.
(وفرقة) قالت انقطعت المامة بعد الحسين إنما كانوا ثلثة أئمة مسمين بأسمائهم
استخلفهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأوصى إليهم وجعلهم حججًا على الناس
وقومًا بعده واحدًا بعد واحد فلم يثبتوا إمامة لحد بعدهم.
(وفرقة) "قالت إن المامة صارت بعد مضي الحسين في ولد الحسن والحسين فهي
فيهم خاصة دون سائر ولد علي بن أبي طالب وهم كلهم فيها شرع سواء من قام
منهم ودعا لنفسه فهو المام المفروض الطاعة بمنزلة علي بن أبي طالب واجبة
إمامته من ال عز وجل على أهل بيته وسائر الناس كلهم فمن تخلف عنه في قيامه
ودعائه إلى نفسه من جميع الخلق فهو هالك كافر ومن ادعى منهم المامة وهو
قاعد في بيته مرخى عليه ستره فهو كافر مشرك وكل من اتبعه على ذلك وكل من
قال بإمامته"."1
وفرق أخرى كثيرة ،منها من قالت بإمامة أبناء الحسن ومن قالت بغيره.
ومنهم من ذهب إلى إثبات النبوة بعد النبي صلى ال عليه وسلم لغيره ،ومنهم من
أوجب اللهية لغير ال عز وجل كما ذكرهم ابن حزم في فصله:
فالطائفة التي أوجبت النبوة بعد النبي صلى ال عليه وسلم فرق ،فمنهم الغرابية
وقولهم أن محمدًا صلى ال عليه وسلم أشبه بعلي من الغراب بالغراب ،وأن ال عز
وجل بعث جبريل عليه السلم بالوحي إلى علي ،فغلط جبريل بمحمد ..وفرقة قالت
بنبوة علي ،وفرقة قالت بأن علي بن أبي طالب والحسن والحسين رضي ال عنهم
وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن
موسى ومحمد بن علي والحسن بن محمد والمنتظر ابن الحسن أنبياء كلهم.
وفرقة قالت بنبوة محمد بن إسماعيل بن جعفر فقط وهم طائفة من القرامطة.
155
وفرقة قالت بنبوة علي وبنيه الثلثة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية فقط .وهم
طائفة من الكيسانية وقد حام المختار حول [ ادعاء ] النبوة لنفسه وسجع أسجاعًا
وأنذر بالغيوب عن ال تعالى واتبعه على ذلك طوائف من الشيعة الملعونة وقال
بإمامة محمد بن الحنفية.
وفرقة قالت بنبوة المغيرة بن سعيد ...وقالت فرقة منهم بنبوة منصور العجلي وهو
الملقب بالكسف ،وكان يقال إنه المراد بقول ال عز وجل{ :وإن يروا كسفًا من
السماء ساقطًا }...والقسم الثاني الذين يقولون باللهية لغير ال عز وجل فأولهم قوم
من أصحاب عبد ال بن سبأ الحميري لعنه ال أتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا
مشافهة أنت هو فقال لهم ومن هو قالوا أنت ال فاستعظم المر وأمر بنار فأججت
وأحرقهم بالنار فجعلوا يقولون وهم يرمون في النار الن صح عندنا أنه ال لنه ل
يعذب بالنار إل ال وفي ذلك يقول رضي ال عنه:
156
أججت نارًا ودعوت قنبرا لما رأيت المر أمرًا منكرًا
157
يريد قنبرًا موله وهو الذي تولى طرحهم في النار نعوذ بال من أن نفتتن بمخلوق
أو يفتتن بنا مخلوق فيما جل أو دقّ فإن محنة أبي الحسن رضي ال عنه من بين
أصحابه رضي ال عنهم كمحنة عيسى صلى ال عليه وسلم بين أصحابه من الرسل
عليهم السلم وهذه الفرقة باقية إلى اليوم فاشية عظيمة العدد يسمون العليانية منهم
كان إسحاق بن محمد النخعي الحمر الكوفي وكان من متكلميهم وله في ذلك كتاب
سماه الصراط نقض عليه البهنكي والفياض لما ذكرنا ،ويقولون أن محمدًا رسول
علي ،وقالت طائفة من الشيعة يعرفون بالمحمدية أن محمدًا عليه السلم هو ال،
تعالى ال عن كفرهم ...وفرقة قالت بإلهية آدم عليه السلم والنبيين بعده نبيّا نبيّا
إلى محمد عليه السلم ثم بإلهية علي ثم بإلهية الحسن ثم الحسين ثم محمد بن
علي ثم جعفر بن محمد ووقفوا هاهنا وأعلنت الخطابية بذلك نهارًا بالكوفة في ولية
عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد ال بن العباس فخرجوا صدر النهار في
جموع عظيمة في ازرواردية محرمين ينادون بأعلى أصواتهم لبيك جعفر! لبيك
جعفر قال ابن عياش وغيره كأني أنظر إليهم يومئذ فخرج إليهم عيسى بن موسى
فقاتلوه فقتلهم واصطلمهم ،ثم زادت فرقة على ما ذكرنا فقالت بإلهية محمد بن
إسماعيل بن جعفر بن محمد وهم القرامطة وفيهم من قال بإلهية أبي سعيد الحسن
بن بهرام الجبائي وأبنائه بعده ،ومنهم من قال بإلهية أبي القاسم النجار القائم
باليمن في بلد همدان المسمى بالمنصور ،وقالت طائفة منهم بإلهية عبيد ال ثم
الولة من ولده إلى يومنا هذا ،وقالت طائفة بإلهية أبي الخطاب محمد بن أبي زينب
مولى بني أسد بالكوفة وكثر عددهم بها حتى تجاوزوا اللوف وقالوا هو إله وجعفر
بن محمد إله إل أن أبا الخطاب أكبر منه وكانوا يقولون جميع أولد الحسن أبناء ال
وأحباؤه وكانوا يقولون أنهم ل يموتون ولكنهم يرفعون إلى السماء وأشبه على
الناس بهذا الشيخ الذي ترون ،ثم قالت طائفة منهم بإلهية معمر بائع الحنطة
بالكوفة وعبدوه كان من أصحاب أبي الخطاب لعنهم ال أجمعين ،وقالت طائفة
بإلهية الحسن بن منصور حلج القطن المصلوب ببغداد بسعي الوزير ابن حامد بن
العباس رحمه ال أيام المقتدر ،وقالت طائفة بإلهية محمد بن علي ابن الشلمغاني
الكاتب المقتول ببغداد أيام الراضي وكان أمر أصحابه أن يفسق الرفع قدرًا منهم به
ليولج فيه النور كل هذه الفرق ترى الشتراك في النساء ،وقالت طائفة منهم بإلهية
شباش المغيم في وقتنا هذا حيّا بالبصرة ،وقالت طائفة منهم بإلهية أبي مسلم
السراج ثم قالت طائفة من هؤلء بإلهية المقنع العور القصار القائم بثار أبي مسلم
واسم هذا القصار هاشم وقتل لعنه ال أيام المنصور وأعلنوا بذلك فخرج المنصور
فقتلهم وأفناهم إلى لعنة ال ،وقالت الرنودية بإلهية أبي جعفر المنصور ،وقالت
طائفة منهم بإلهية عبد ال بن الخرب الكندي الكوفي وعبدوه وكان يقول بتناسخ
الرواح وفرض عليهم تسعة عشر صلة في اليوم والليلة في كل صلة خمسة عشر
ركعة إلى أن ناظره رجل من متكلمي الصفرية وأوضح له براهين الدين فأسلم وصح
إسلمه وتبرأ من كل ما كان عليه وأعلم أصحابه بذلك وأظهر التوبة فتبرأ منه جميع
أصحابه الذين كانوا يعبدونه ويقولون بإلهيته ولعنوه وفارقوه ورجعوا كلهم إلى
158
القول بإمامة عبد ال بن معاوية بن عبد ال بن جعفر بن أبي طالب وبقي عبد ال
بن الخرب على السلم وعلى مذهب الصفرية إلى أن مات وطائفته إلى اليوم تعرف
بالحزبية ومن السبابية القائلين بإلهية علي ،وطائفة تدعي النصرية وقد غلبوا في
وقتنا هذا على جند الردن والشام وعلى مدينة طبرية خاصة ومن قولهم لعن فاطمة
بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم ولعن الحسن والحسين ابني علي رضي ال
عنهم وسبهم بأقذع السب وقذفهم بكل بلية والقطع بأنها وابنيها رضي ال عنهم
ولعن مبغضيهم شياطين تصوروا في صورة النسان وقولهم في عبد الرحمن بن
ملجم المرادي قاتل علي رضي ال عنه عن علي ولعنة ال على ابن ملجم فيقول
هؤلء أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي أفضل أهل الرض وأكرمهم في الخرة لنه
خلص روح اللهوت مما كان يتشبث فيه من ظلمة الجسد وكدرة فأعجبوا لهذا
الجنون واسألوا ال العافية من بلء الدنيا والخرة فهي بيده ل بيد أحد سواه جعل
ال حظنا منها الوفى ،واعلموا أن كل من كفر هذه الكفرات الفاحشة ممن ينتمي إلى
السلم فإنما عنصرهم الشيعة والصوفية فإن من الصوفية من يقول إن من عرف
ال تعالى سقطت عنه الشرائع ،وزاد بعضهم واتصل بال تعالى ،وبلغنا أن بنيسابور
ل يكنى أبا سعيد أبا الخير هكذا معًا من الصوفية مرة يلبس
اليوم في عصرنا هذا رج ً
الصوف ومرة يلبس الحرير المحرم على الرجال ومرة يصلي في اليوم ألف ركعة
ومرة ل يصلي ل فريضة ول نافلة وهذا كفر محض ونعوذ بال من الضلل". "1
وقد ذكر هذه الفرق جلها كل من الشعري والبغدادي والملطي والسفرائيني وغيرهم
من العلم.
وجلّ هذه الفرق حدثت بعد قتل الحسين رضي ال عنه وفي أيام علي بن الحسين
الملقب بزين العابدين.
الشيعة بعد علي بن الحسين
توفي علي بن الحسين وهو على ولء كامل ووفاء تام لحكام بني أمية وخلفائه حتى
إنه تجنب مساعدة ومناصرة كل من قام ضدهم في المدينة أو في مكة ""2
وخلف علي بن الحسين أولدأً كثيرين ،منهم محمد المكنى بأبي جعغر الباقر وزيد وعمر وغيرهم ،
فاختلف الشيعة في أمر محمد بن علي وزيد بن علي ،فقوم إتبعوا محمداً ،وقوم منهم زيداً كما ذكر
المؤرخ الشيعي :
159
إن الزيـديـة قالـوا بإمامة علي ثم ابنه الحسن ثم أخيه الحسيـن ثم ابنه زين العابـدين ،ثم ابنه زيد بن علي
،وهو صاحب هذا المذهب ،وخرج بالكوفة داعياً إلى المامة ،فـُقتل وصُـلب بالكناسة .
وقال الزبدية بإمامة ابنه يحيى من بعده ،فمضى إلى خراسان وُقتل بالجوزجان بعد أن أوصى إلى محمد
بن عبدال بن حسن بن الحسن السبط .
فخرج بالحجاز فـُقتل ،وعهد إلى أخيه إبراهيم ،فقام بالبصرة ومعه عيسى بن زيد ،فوجه إليهم
المنصور عساكره ،فقتـل إبراهيم وعيسى ....وذهب آخرون من الزيدية ،إلى أن المام بعد يحيى هو
أخوه عيسى ،ونقـلوا المامة في عقبه ،وقال آخرون منهم أن المام بعد محمد بن عبدال هو أخوه
إدريس الذي فر إلى المغـرب ومات هناك ،وقام بأمره ابنه إدريس واختط مدينة فاس .
وكان عقبه ملوك المغرب ،وكان منهم الداعي الذي ملك طبرستان ،وأخوه محمد .
ثم قام بهذه الدعوة في الديلم ،الناصر الطروش منهم ،وأسلموا على يده.1
وأما النوبختي فكتب :
الزيدية ،القوياء منهم والضعفاء .
فأما الضعفاء منهم فسموا العجلية ،وهم أصحاب هارون سعيد العجلي ،وفرقة منهم يسمون البترية ،
وهم أصحاب كثير النواء والحسن بن صالح بن حي وسالم بن أبي حفصة والحكم بن عتيبة وسلمة بن
كهيل وأبي المقدام ثابت الحداد ،وهم الذين دعوا الناس إلى ولية علي عليه السلم ،ثم خلطوها بولية
أبي بكر وعمر ،فهم عند العامة أفضل هذه الصناف ،وذلك أنهم يفضلون علياً ،ويثبتون إمامة أبي
بكر ،وينتقصون عثمان وطلحة والزبير ،ويرون الخروج مع كل ولد علي عليه السلم ،يذهبون في
ذلك إلى المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ويثبتون لمن خرج من ولد علي المامة عند خروجه ،
ول يقصدون في المامة قصد رجل بعينه حتى يخرج ،كل ولد علي عندهم على السواء ،من أي بطن
كان .
وأما القوياء منهم فمنهم أصحاب ( أبي الجارود ) وأصحاب ( أبي خالد الواسطي ) وأصحاب ( فضيل
الرسان ) و"منصور بن أبي السود " .
وأما ( الزيدية ) الذين يدعون ( الحسينية ) فإنهم يقولون :من دعا إلى ال عز وجل من آل محمد ،فهو
مفترض الطاعة .وكان ( علي بن أبي طالب ) إمامًا في وقت ما دعا الناس وأظهر أمره ،ثم كان بعد "
الحسين " إماماً عند خروجه وقبل ذلك إذا كان مجانباً لمعاوية ويزيد بن معاوية حتى ُقتل ،ثم زيد بن
علي بن الحسين المقتول في الكوفة ،أمه أم ولد .ثم يحيى بن زيد بن علي المقتول بخراسان وأمه ريطة
بنت أبي هاشم عبدال بن محمد بن الحنفية ،ثم ابنه الخر عيسى بن زيد بن علي ،وأمه أم ولد ،ثم
محمد بن عبدال بن الحسن وأمه هند بنت أبي عبيدة بن عبدال بن زمعة بن السود بن المطلب بن أسد
بن العزي بن قصي ،ثم من دعا إلى طاعة ال من آل محمد صلى ال عليه وآله فهو إمام " . 2
ولقد ذكر الشهرستاني عند ذكر فرق الشيعة واختلفهم في الراء :
الزيدية ،أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي عليه السلم ،ساقوا المامة في أولد فاطمة عليها
السلم ولم يجوزوا ثبوت المامة في غيرهم ،إل أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع
سخي خرج بالمامة يكون إماماً واجب الطاعة ،سواء كان من أولد الحسن أو من أولد الحسين ،
وعن هذا قالت طائفة منهم بإمامة محمد وإبراهيم المامين ابني عبدال بن الحسن بن الحسين الذين خرجا
في أيام المنصور ،وُقتل على ذلك .
وجوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ،ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة .
وزيد بن علي لما كان مذهبه هذا المذهب ،أراد أن يحصل على الصول والفروع حتى يتحلى بالعلم ،
فتتلمذ في الصول واصل بن عطاء الغزال رأس المعتزلة ،مع اعتقاد واصل بأن جده علي بن أبي
طالب في حروبه التي جرت بينه وبين أصحاب الجمل وأصحاب الشام ،ما كان على يقين من
الصواب ،وأن أحد الفريقين منهما كان على خطأ ل بعينه .
فاقتبس منه العتزال ،وصارت أصحابه كلها معتزلة .
1الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين ص ،72، 71، 70و مثل ذلك في شيعة دار سلم فارسي لمحمد حسين الطباطبائي ط قم.ص .34
2فرق الشيعة للنوبختي ص 77إلى 80
160
وكان من مذهبه جواز إمامه المفضول مع قيام الفضل ،فقال :كان علي بن أبي طالب أفضل
الصحابة ،إل أن الخلفة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها ،وقاعدة دينية راعوها من تسكين ثائرة
الفتنة ،وتطييب قلوب العامة ،فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريبا ،وسيف أمير
المؤمنين علي عليه السلم عن دماء المشركين من قريش لم يجف بعد ،والضغائن في صدور القوم من
طلب الثأر كما هي ،فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ول تنقاد له الرقاب كل النقياد ،وكانت
المصلحة أن يكون القيام بهذا الشأن من عرفوه باللين والتودد ،والتقدم بالسن ،والسبق في السلم ،
والقرب من رسول ال صلى ال عليه وسلم .
أل ترى أنه لما أراد في مرضه الذي مات فيه تقليد المر عمر بن الخطاب رضي ال عنه ،زعق الناس
وقالوا :لقد وليت علينا فظاً غليظاً ،فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر لشدة وصلبة وغلظة له في
الدين ،وفظاظة على العداء ،حتى سكنهم أبو بكر رضي ال عنه .
وكذلك يجوز أن يكون المفضول إماماً والفضل قائم ،فيرجع إليه في الحكام ،ويحكم بحكمه في
القضايا .ولما سمعت شيعة أهل الكوفة هذه المقالة منه ،وعرفوا أنه ل يتبرأ من الشيخين ،رفضوه ،
حتى أتى قدره عليه ،فسميت رافضة .وجرت بينه وبين أخيه محمد الباقر مناظرة ل من هذا الوجه ،
بل من حيث كان يتلمذ لواصل بن عطاء ،ويقتبس العلم ممن يجوّز الخطاء على جده في قتال الناكثين
والقاسطين ،ومن يتكلم في القدر على غير ما ذهب إليه أهل البيت .ومن حيث إنه يشترط الخروج
شرطاً في كون المام إماما .حتى قال له يوماً :على قضية مذهبك والدك ليس بإمام ،لنه لم يخرج
قط ،ول تعرض للخروج .
ولما قتل زيد بن علي ،قام بالمامة بعده يحيى بن زيد ،ومضى إلى خراسان ...فزيد بن علي قتل
بكناسة الكوفة ،قتله هشام بن عبدالملك ،ويحيى بن زيد قتل في خراسان ،قتله أميرها ،ومحمد المام
قتله بالمدينة عيسى بن ماهان ،وإبراهيم المام قتل بالبصرة ،أمر بقتلهما المنصور .ولم ينتظم أمر
الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان ناصر الطروش ،فطلب مكانه ليقتل ،فاختفى واعتزل إلى بلد
الديلم ،والجبل لم يتحلوا بدين السلم بعـد ،فدعى الناس دعوة السلم على مذهب زيد بن علي ،
فدانوا بذلك ،ونشأوا عليه .
وبقيت الزيدية في تلك البلد ظاهرين ،وكان يخرج واحد بعد واحد من الئمة ،ويلي أمرهم ،وخالفوا
بني أعمامهم من الموسوية في مسائل الصول ،ومالت أكثر الزيدية بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول
،وطعنت في الصحابة طعن المامية ،وهم أصناف ثلثة :
جارودية و سليمانية و بترية ،والصالحية منهم والبترية على مذهب واحد .
الجارودية ،أصحاب أبي الجارود ،زعموا أن النبي صلى ال عليه وسلم نص على عليّ عليه السلم
بالوصف دون التسمية ،والمام بعده علي ،والناس قصروا ،لم يتعرفوا الوصف ولم يطلبوا
الموصوف ،وإنما نصبوا أبا بكر باختيارهم ،فكفروا بذلك .وقد خالف أبو الجارود في هذه المقالة ،
إمامه زيد ين علي ،فإنه لم يعتقد بهذا العتقاد .
واختلف الجارودية في التوقف والسوق ،فساق بعضهم المامة من علي إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم
إلى علي بن الحسين زين العابدين ،ثم إلى زيد بن علي ،ثم منه إلى المام محمد بن عبدال بن الحسن
بن الحسين ...والذين قالوا بإمامة محمد المام إختلفوا ،فمنهم من قال :إنه لم يُقتل وهو بعد حي ،
وسيخرج فيمل الرض عدلً ،ومنهم من أقر بموته وساق المامة إلى محمد بن القاسم بن علي بن
الحسين بن علي بن صاحب الطالقان .وقد أسر في أيام المعتصم ،وحُمل إليه ،فحبسه في داره حتى
مات .
ومنهم من قال بإمامة يحيى بن عمر صاحب الكوفة ،فخرج ودعا الناس ،واجتمع عليه خلق كثير ،
وُقتل في أيام المستعين ،وُحمل رأسه إلى محمد بن عبدال بن ظاهر ،حتى قال فيه بعض العلوية :
161
قـتلت أعـز من ركب المطايا ××× وجئـتـك استلينك في الكلم
وأما أبو الجارود ،فكان ُيسمى سرحوب .سماه بذلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر رضي ال عنه .
وسرحوب ،شيطان أعمى يسكن البحر " . 1
وقبل أن ننتهي من الكلم فيهم ،نريد أن نذكر شيعة الكوفة ،وجبنهم وتخاذلهم القديم .الكوفة التي
وضعوا فيها روايات مختلقة كثيرة عن علي رضي ال عنه أنه قال :
" كأني بك يا كوفة تمدين مد الديم العكاظي ،تعركين بالنوازل ،وتركبين بالزلزل ،وإني لعلم أنه ما
أراد بك جبار سوء إل ابتله ال بشاغل ،أو رماه بقاتل " . 3
وقال :
أنه ُيحشر من ظهورها يوم القيامة سبعون ألفاً ،وجوههم على صورة القمر .وقوله عليه السلم :هذه
مدينتنا ومحلتنا ،ومقر شيعتنا .
وقول جعفر بن محمد عليه السلم :اللهم ارم من رماها ،وعاد من عاداها .
وقوله عليه السلم :تربة تحبنا ونحبها " . 4
نذكر في هذه الكوفة ،عبارتين عن إمامي الشيعة الكبار ،فإن المسعودي روى أن زيد بن علي بن
الحسين الذي استشهد في سنة إحدى وعشرين ومائة ،أو إثنتين وعشرين ومائة :
" شاور أخاه أبا جعفر بن علي إبن الحسين بن علي ،فأشار عليه بأن ل يركن إلى أهل الكوفة ،إذ
كانوا أهل غدر ومكر ،وقال له :بها ُقتل جدك علي ،وبها ُطعن عمك الحسن ،وبها ُقتل أبوك الحسين
،وأعمالها شتمنا أهل البيت " . 5
وأما الثاني ،فهو المفيد يكتب وهو يذكر زيد بن علي :
1الملل و النحل ج 1ص 207ومابعد ،و مثل ذلك في مقالت السلميين ج 1ص 28و مابعد ،ومقدمة إبن خلدون ص ، 179الفرق بين
الفرق ص ، 29و التبصير ص ، 32الفصل ج 4ص ، 179ومقاتل الطالبيين للصفهاني الشيعي ص 127ومابعد .
2
الرجوزة المختارة للقاضي النعمان ص 214ط مونتريال – كندا .
3
شرح نهج البلغة لبن أبي الحديد ج 3ص . 197
4
أيضا ص . 198
5
مروج الذهب ج 3ص .206
162
إنه لم يكره قوم قط حد السيف إل ذلوا .فلما وصل إلى الكوفة ،إجتمع إليه أهلها ،فلم يزالوا به حتى
بايعوه على الحرب ،ثم نقضوا وأسلموه فقتل ،وصلب بينهم أربع سنين ل ينكر أحد منهم ول يعينوه بيد
6
ولسان "
2
هذا كان أمر الزيدية وهؤلء كانوا هم .
وهناك فرق أخرى افترقوا وتفرعوا إلى فرق وفروع أخرى غير الزيدية ،مثل الذين قالوا بإمامة
عبدال بن محمد بن عبدال بن حسن المثنى بن علي بن أبي طالب المقتول بها ،
" وزعموا أنه القائم وأنه المام المهدي وأنه ُقتل ،وقالوا إنه حي لم يمت مقيم بجبل يقال له العلمية ،
وهو الجبل الذي في طريق مكة ونجد ،الحاجز عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة ،وهو الجبل
الكبير ،وهو عنده مقيم فيه حتى يخرج ،لن رسول ال صلى ال عليه وآله قال :القائم المهدي إسمه
إسمي ،واسم أبيه إسم أبي .
وكان أخوه ( إبراهيم بن عبدال بن الحسن ) خرج بالبصرة ،ودعا إلى إمامة أخيه ( محمد بن عبدال )
واشتدت شوكته ،فبعث إليه المنصور بالخيل ،فـُقـتل بعد حروب كانت بينهـم .وكان ( المغيرة بن
سعد ) قال بهذا القول لما توفي أبو جعفر محمد بن علي ،وأظهر المقالة بذلك ،فبرئت منه الشيعة
أصحاب ( أبي عبدال جعفر بن محمد ) عليهما السلم ،ورفضوه ،فزعم أنهم رافضة وأنه هو الذي
سماهم بهذا السم ،ونصب أصحاب المغيرة إماماً ،وزعم أن الحسين بن علي أوصى إليه ثم أوصى
إليه علي بن الحسين ،ثم زعم أن أبا جعفر محمد بن علي عليه السلم وعلى آبائه السلم أوصى إليه ،
فهو المام إلى أن يخرج المهدي .
وأنكروا إمامة أبي عبدال جعفر بن محمد عليه السلم ،وقالوا ل إمامة في بني علي بن أبي طالب بعد
أبي جعفر محمد بن علي ،وأن المامة في ( المغيرة بن سعيد ) إلى خروج المهدي ،وهو عندهم
( محمد بن عبدال بن الحسن بن الحسن ) وهو حي لم يمت ولم يُـقـتـل ،فسموا هؤلء ( المغيرية ) ،
بإسم المغيرة بن سعيد ،مولى خالد بن عبدال القسري .ثم ترقى المر بالمغيرة ،إلى أن زعم أنه
رسول نبي ،وأن جبرئيل يأتيه بالوحي من عند ال .فأخذه خالد بن عبدال القسري فسأله عن ذلك ،
فأقر به ،ودعا خالداً إليه ،فاستتابه خالد ،فأبى أن يرجع عن قوله ،فقتله وصلبه ،وكان يدّعي أنه
يحيي الموتى ،وقال بالتناسخ ،وكذلك قول أصحابه إلى اليوم ".3
وطائفة إعتقدت المامة لمحمد الباقر بن علي زين العابدين ،وقالوا إنه هو المام بعد أبيه بنص منه . 4
وبعد وفاة محمد الباقر سنة أربعة عشرة بعد المائة ،إجتمعت الشيعة حول إبنه جعفر ،البقية الذين بقوا
على إمامته لن البعض منهم رجعوا ومالوا عن إمامته كما ذكر النوبختي :
" وأما الذين ثبتوا على إمامة علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ،ثم لعلي بن الحسين عليه
السلم ،ثم نزلوا إلى القول بإمامة أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين باقر العلم عليه السلم ،فأقاموا
على إمامته إلى أن توفى ،غير نفر يسير منهم ،فإنهم سمعوا رجلً منهم ُيقال له ( عمر بن رياح ) زعم
أنه سأل أبا جعفر عليه السلم عن مسألة ،فأجابه فيها بجواب ،ثم عاد إليه في عام آخر فسأله عن تلك
المسألة بعينها فأجابه فيها بخلف الجواب الول ،فقال لبي جعفر :هذا خلف ما أجبتني في هذه
المسألة العام الماضي ،فقال له :إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية .فشك في أمره وإمامته .
فلقي رجلً من أصحاب أبي جعفر ُيقال له ( محمد بن قيس ) فقال له :إني سألت أبا جعفر عن مسألة
فأجابني فيها بجواب ،ثم سألته عنها في عام آخر فأجابني فيها بخلف جوابه الول ،فقلت له لم فعلت
ذلك فقال فعلته للتقية ،وقد علم ال أني ما سألته عنها إل وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به ،
فل وجه لتقائه إياي وهذه حالي .فقال له محمد بن قيس :فلعله حضرك من اتقاه .فقال له :ما حضر
مجلسه في واحدة من المسألتين غيري ،ل ،ولكن جوابيه جميعاً خرجا على وجه التبكيت ،ولم يحفظ ما
أجاب به في العام الماضي فيجيب مثله .
6
الرشاد المفيد ص .269
2
ولقد اختصرنا القول في الزيدية لقصدنا اصدار كتاب مستقل إن شاء ال .
3
فرق الشيعة للنوبختي ص . 84 ، 83 ،82
4
الكافي للكليني ج 1ص .304
163
فرجع عن إمامته وقال :ل يكون إماماً من يفتي بالباطل على شيئ بوجه من الوجوه ،ول في حال من
الحوال ،ول يكون إماماً من يفتي تقية بغير ما يجب عند ال ،ول من يرخي ستره ويغلق بابه ،ول
يسع المام إل الخروج والمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فمال بسببه إلى قول البترية ،ومال معه نفر يسير". 1
فيجب أن يكون هناك خلفاً ،ويجب أن تكون مخالفة و لو على حساب القرآن و السنة ،و لو على
حساب الدين و المذهب .ولما كانت الفكار السبئية و العقائد المختلقة منهم تناوئ السلم و تعاليمه ،و
كانت تلك العقائد و الفكار المختلقة المخترعة صادرة من الذين ادعوا التشيع لعلي ،فكان الجدر و
الليق أن تـتبنى و ُيتمسك بها ،لنها تخالف معتقدات العامة وصدرت من الذين انتحلوا حب علي و
مودته .
وبدأ الشيعة يتجاهـرون ،وبدأت الشيعة تصوغ و تصنع في ضوء العـقائد السبـئية المسائل و الفتاوى في
العبادات والمعاملت ،وتشرع في العقائد و المعاملت ،وتنسبها إلى أئمة أهل بيت علي رضي ال عنه
،لتأسيس مذهب جديد و تكوين دين مستقل ،له تشريعه و فقهه ،و أصوله و أسسه ،و قواعده و
قوانينه ،منفصلة عن الدين الذي جاء به محمد صلى ال عليه وسلم وقدمه للبشر كافة ،و اعتـنقه أول ما
اعتـنق به أصحابه الخيار و رفاقه الكرام البررة ،و نقلوه عنه وتعاليمه التي أعطاها إياهم من القرآن و
إرشادات الرسول الناطق بالوحي .
1
فرق الشيعة للنوبختي ص .81 ، 80
2
الصول من الكافي ،كتاب فضل العلم ،باب اختلف الحديث ج 1ص . 68
164
وصار التشيع قائماً على أقاويل الرجال و أفعالهم سواء صدرت هذه القوال منهم أم ل ولكنها تكفي
بأنها نسبت إليهم .
وإن عارضها أو ناقضها أي هذه القوال والفعال قول و فعل ثابت عنهم قالوا :لم يكن هذا إل تقية .و
إن خالفها الكتاب المنزل من السماء قالوا :إن الكتاب حصل فيه التغيير و التبديل .و إن عارضتها السنة
الثابتة قالوا :إنها لم تنقل إل عن المرتدين -عياذًا بال -لن أصحاب الرسول كلهم ارتدوا بعده إل ثلثة
1فالقرآن مغيـّر و مبدّل ،و الحديث رواته كفرة مرتدون ،فل عبرة بهما .لن القرآن و الحديث
يناصران العامة و نحن على خلف ما يقوله العامة .
ولجل ذلك نبه أولد علي رضي ال عنه ،الطيبون منهم ،على كذب و افتراء هؤلء المنتحلين المدعين
حبهم .
كما روي عن جعفر بن الباقر – المام السادس المعصوم عند الشيعة – أنه قال " :لقد أمسينا وما أحد
أعدى لنا ممن ينتحل مودتنا ". 2
عنه أيضا أنه قال :
" إنا أهل بيت صادقون ،ل نخلوا من كذاب يكذب علينا ،فيسقط صدقنا بكذبه عند الناس ،كان رسول
ال أصدق ال لهجة و كان مسيلمة يكذب عليه ،و كان أمير المؤمنين (ع) أصدق من برأ ال من بعد
رسول ال ،و كان الذي يكذب عليه من الكذب عبدال بن سبأ لعنه ال ،و كان أبو عبدال الحسين بن
علي (ع) قد ابتلي بالمختار ،ثم ذكر أبو عبدال الحارث الشامي و البنان فقال :كانا يكذبان على علي بن
الحسين (ع) ،ثم ذكر المغيرة بن سعيد و بزيعا و السري و أبا الخطاب و معمراًُ و بشار الشعري و
حمزة اليزيدي و صائب النهدي -أي أصحابه -فقال :لعنهم ال ،إنا ل نخلوا من كذاب يكذب علينا ،
كفانا ال مؤنة كل كذاب و أذاقهم ال حر الحديد " . 3
وعن حفيده علي الرضا -المام الثامن المعصوم حسب زعمهم -أنه قال :كان بنان يكذب على علي بن
الحسين (ع) فأذاقه ال حر الحديد ،و كان المغيرة بن سعيد يكذب على إبن جعفر (ع) فأذاقه ال حر
الحديد ،و كان محمد بن بشر يكذب على إبن الحسن علي بن موسىالرضى (ع) فأذاقه ال حر الحديد ،
وكان أبو الخطاب يكذب على أبي عبدال (ع) فأذاقه ال حر الحديد ،و الذي يكذب علي ،محمد بن
الفرات . 4
وعن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال " :لعن ال بنان البيان ،وإن بنان لعنه ال كان يكذب على أبي ،
أشهد أن أبي كان عبداً صالحاً ". 5
وبدءوا يتبرءون منهم ،ويمنعون متبعيهم من الوقوع في شراكهم وحبائلهم ،كما نقل الكشي عن جعفر
أنه ذكر عنده جعفر بن واقد ونفر من أصحاب أبي الخطاب فقيل :أنه صار إليهم يتردد وقال فيهم :
وهو الذي في السماء إله ،وفي الرض إله ،قال هو المام ،فقال أبو عبدال (ع) :ل وال ل يأويني
وإياه سقف بيت أبدا ،هم شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ،وال ما صغر عظمة
ال تصغيرهم شيئاً قط ،وإن عزيراً جال في صدره ما قالت اليهود ،فمحى ال إسمه من النبوة .وال لو
أن عيسى أقـّر بما قالت فيه النصارى ،لورثه ال صمماً إلى يوم القيامة ،وال لو أقررت بما يقول فيّ
أهل الكوفة لخذتني الرض ،وما أنا إل عبد مملوك ل أقدر على ضر شيئ ول نفع شيئ .
محمد بن مسعود قال :حدثني علي بن محمد قال :حدثني محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى
عن زكريا عن ابن مسكان عن قاسم الصيرفي قال :سمعت أبا عبدال (ع) يقول " :قوم يزعمون أني
لهم إمام ،وال ما أنا لهم بإمام ،مالهم لعنهم ال كلما سترت ستراً هتكوه ،هتك ال سترهم ،أقول كذا ،
يقولون إنما يعني كذا ،أنا إمام من أطاعني ". 6
1انظر لتفصيل ذلك كتابنا ( الشيعة و السنة ) و ( الشيعة أهل البيت ) و ( الشيعة و القرآن ) .
2رجال الكشي ص 259تحت ترجمة أبي الخطاب .
3أيضا ص . 258 ، 257
4أيضا ص . 256
5رجال الكشي ص .255
6رجال الكشي ص . 255 ، 254
165
ولكن باءت الجهود المخلصة بالفشل ،وزادت الشيعة في غلوائهم وغيهم لكثرة ما وجد في ذلك الزمان
من الكذابين ومن المنتحلين مودة أهل البيت ،والمدعين موالتهم ومشايعتهم من أبي الخطاب وأبي
البصير المرادي وزرارة بن أعين وجابر الجعفي ومغيرة بن سعيد والهشامين وأبي الجارود وغيرهم .
فكثرت الراء وتشعبت ،وزادت الفرق وتفرقت ،ذهب بعضها إلى المذاهب البعيدة ،وزاد حتى على
السبئية مؤسسي بنيانها وواضعي نواتها ،وقربت البعض منها ،وأحصرت على تلقي ما لقنته السبئية
وألقته إليهم ،وقلل الخذ بعض منها وأكثر البعض ،ولقد أقر بذلك مؤرخ شيعي حيث قال :
" ولم يتمكن الصادق -في تلك الظروف القاسية التي ظهرت فيها الزيدية -على أن يناظرهم غالبًا في
شيئ من أمر المامة ،لنه كان يتكتم فيها ،ويتقي ملوك عصره ،ويحذر من وشاتهم وجواسيسهم
الكثيرة ،ومع تكتمه الشديد قد أحضره المنصور وقال له :قتلني ال إن لم أقتلك ،أتلحد في سلطاني ؟
فقال له الصادق (ع) :وال ما فعلت ول أردت ،وإن كان بلغك ،فمن كاذب " . 1
فمن الذين اختلفوا أول المر على جعفر وأخذوا عليه في حياته ،من ذكرهم النوبختي :
" وأما الفرقة الخرى من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي عليه السلم ،فنزلت إلى القول بإمامة أبي
عبدال جعفر بن محمد عليه السلم ،فلم تزل ثابتة على إمامته أيام حياته غير نفر منهم يسير ،فإنهم لما
أشار جعفر بن محمد إلى إمامة إبنه إسماعيل ،ثم مات إسماعيل في حياة أبيه ،رجعوا عن إمامة
جعفر ،وقالوا كذبنا ولم يكن إماماً ،لن المام ل يكذب ول يقول مال يكون ،وحكموا على جعفر أنه
قال :إن ال عز وجل بداله في إمامة إسماعيل ،فأنكروا "البداء " والمشيئة من ال ،وقالوا هذا باطل ل
يجوز ،ومالوا إلى مقالة ( البترية ) ومقالة سليمان بن جرير ،وهو الذي قال لصحابه بهذا السبب أن
أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين ل يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبداُ ،وهما القول بالبداء
وإجازة التقية .فأما البداء فإن أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل النبياء من رعيتها في العلم فيما
كان ويكون ،والخبار بما يكون في غد ،وقالوا لشيعتهم أنه سيكون في غد وفي غابر اليام كذا وكذا ،
فإن جاء ذلك الشيئ على ما قالوه ،قالوا لهم :ألم نعلمكم أن هذا يكون ،فنحن نعلم من قِـبَـل ال عز
وجل ما علمته النبياء ،وبيننا وبين ال عز وجل مثل تلك السباب التي علمت بها النبياء عن ال ما
علمت .وإن لم يكن ذلك الشيئ الذي قالوا إنه يكون على ما قالوا لشيعتهم ،بدا ل في ذلك بكونه .
وأما التقية ،فإنه لما كثرت على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلل والحرام وغير ذلك من صنوف أبواب
الدين ،فأجابوا فيها ،وحفظ عنهم شيعتهم جواب ما سألوهم وكتبوه ودونوه ،ولم يحفظ أئمتهم تلك
الجوبة لتقادم العهد ،وتفاوت الوقات ،لن مسائلهم لم ترد في يوم واحد ول في شهر واحد ،بل في
سنين متباعدة ،وأشهر متباينة ،وأوقات متفرقة .فوقع في أيديهم في المسألة الواحدة عدة أجوبة مختلفة
متضادة ،وفي مسائل مختلفة أجوبة متفقة .فلما وقفوا على ذلك منهم ،ردوا إليهم هذا الختلف
والتخليط في جواباتهم ،وسألوهم عنه ،وأنكروا عليهم فقالوا :من أين هذا الختلف ؟ وكيف جاز
ذلك ؟ قالت لهم أئمتهم :إنما أجبنا بهذا للتقية ،ولنا أن نجيب بما أجبنا ،وكيف شئنا ،لن ذلك إلينا ،
ونحن نعلم بما يصلحكم ومافيه بقاؤكم ،وكف عدوكم عنا وعنكم .
فمتى يظهر من هؤلء على كذب ؟ ومتى يعرف لهم حق من باطل ؟ .
فمال إلى سليمان بن جرير هذا لهذا القول ،جماعة من أصحاب أبي جعفر ،وتركوا القول بإمامة جعفر
عليه السلم ". 2
وهنا آخران من أهل البيت إدعيا المامة في حياة جعفر ،وهما عبدال بن الحسن بن الحسن بن علي ،
وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي .
3
وهو الذي كان يقول :ولدني رسول ال صلى ال عليه وآله مرتين " .
والذي قال عنه الصفهاني الشيعي :
166
" كان عبدال بن الحسن بن الحسن شيخ بني هاشم والمقدم فيهم ،وذا الكثير منهم فضلً وعلماً وكرماً"
.1
والثاني إبنه محمد بن عبدال بن الحسن الملقب بالنفس الزكية ،هو الذي كتب فيه الصفهاني الشيعي :
" وكان محمد بن عبدال الحسن ،من أفضل أهل بيته ،وأكبر أهل زمانه في زمانه في علمه بكتاب
ال ،وحفظه له ،وفقهه في الدين ،وشجاعته ،وجوده ،وبأسه ،وكل أمر يجمل بمثله ،حتى لم يشك
أحد أنه المهدي ،وشاع ذلك له في العامة ،وبايعه رجال من بني هاشم جميعاً ،من آل أبي طالب ،وآل
العباس ،وسائر بني هاشم " . 2
وقد ذكر الكليني في ( كافيه ) إدعاءهما المامة زمن جعفر ودعوتهما إياه إليهما ،حيث ذكر أن عبدال
بن الحسن دخل على جعفر بن الباقر وقال " :قد علمت جُعلت فداك أن السن لي عليك ،وأن في قومك
من هو أسن منك ،ولكن ال عز وجل قد قدم لك فضلً ليس هو لحد من قومك ،وقد جئتك معتمداً لما
أعلم من برّك ،واعلم -فديتك -إنك إذا أجبتني لم يتخلف عني أحد من أصحابك ،ولم يختلف علي إثنان
من قريش ول غيرهم .فقال له أبو عبدال عليه السلم :إنك تجد غيري أطوع لك مني ول حاجة لك
فيّ ،فوال إنك لتعلم أني أريد البادية أو أهم بها فأثقل عنها ،وأريد الحج فما أدركه إل بعد كد وتعب
ومشقة على نفسي ،فاطلب غيري وسله ذلك ول تعلمهم أنك جئتني .فقال له :إن الناس مادون أعناقهم
إليك ،وإن أجبتني لم يتخلف عني أحد ،ولك أن ل تكلف قتالً ول مكروهاً .قال :وهجم علينا ناس
فدخلوا وقطعوا كلمنا ،فقال أبي :جعلت فداك ما تقول ؟ .فقال :نلتقي إن شاء ال .فقال :أليس على
ما أحب ؟ .فقال :على ما تحب إن شاء ال من إصلحك ...فقال له أبوعبدال عليه السلم :يا ابن
عم ،إني أعيذك بال من التعرض لهذا المر الذي أمسيت فيه ،وإني لخائف عليك أن يكسبك شرا .
فجرى الكلم بينهما ،حتى أفضى إلى ما لم يكن يريد .وكان من قوله :بأي شيئ كان الحسين أحق بها
من الحسن ؟ فقال أبو عبدال عليه السلم :رحم ال الحسن ،ورحم الحسين ،وكيف ذكرت هذا ؟ قال :
لن الحسين عليه السلم ،كان ينبغي له إذا عدل أن يجعلها في السن من ولد الحسن ...فقام أبي يجر
ثوبه مغضباً ،فلحقه أبو عبدال عليه السلم ،فقال له :أخبرك أني سمعت عمك وهو خالك يذكر أنك
وبني أبيك ستـقتلون ،فإن أطعتني ورأيت أن تدفع بالتي هي أحسن فافعل ،فوال الذي ل إله إل هو عالم
الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الكبير المتعال على خلقه ،لوددت أني فديتك بولدي وبأحبهم إلي بأحب
أهل بيتي إلي ،وما يعدلك عندي شيئ ،فل ترى أني
غششتك .فخرج أبي من عنده مغضباً أسفا ...ثم أتى محمد بن عبدال بن حسن ،فأخبر أن أباه
وعمومته قتلوا -قتلهم أبو جعفر -إل حسن بن جعفر وطباطبا وعلي بن ابراهيم وسليمان بن داوود بن
حسن وعبدال بن داود ،قال :فظهر محمد بن عبدال عند ذلك ،و دعى الناس لبيعته ،قال :فكنت ثالث
ثلثة بايعوه و استوثق الناس لبيعته ،ولم يختلف عليه قرشي ول أنصاري ول عربي ،قال :و شاور
عيسى بن زيد وكان من ثقاته وكان على شرطه ،فشاوره في البعثة إلى وجوه قومه ،فقال له عيسى بن
زيد :إن دعوتهم دعاء يسيراً لم يجيبوك ،أو تغلظ عليهم ،فخلني وإياهم ،فقال له محمد :إمض إلى
من أردت منهم ،فقال :إبعث إلى رئيسهم و كبيرهم -يعني أبا عبدال جعفر بن محمد عليه السلم -
فإنك إذا أغلظت عليه علموا جميعاً أنك ستمرهم على الطريق التي أمررت عليها أبا عبدال عليه
السلم ،قال :فوال ما لبثنا أن أتى بأبي عبدال عليه السلم حتى أوقف بين يديه ،فقال له عيسى بن زيد
:أسلم تسلم ،فقال له عبدال عليه السلم :أحدثت نبوة بعد محمد صلى ال عليه و آله ؟ فقال له محمد :
ل ،ولكن بايع تأمن على نفسك ومالك وولدك ول تكلفن حرباً ،فقال له أبوعبدال عليه السلم :ما فيّ
حرب ول قتال ،ولقد تقدمت إلى أبيك وحذرته الذي حاق به ،ولكن ل ينفع حذر من قدر ،يابن أخي
عليك بالشباب ،ودع عندك الشيوخ .فقال له محمد :ما أقرب ما بيني و بينك في السن ،فقال له
أبوعبدال عليه السلم :إني لم أعازّك ولم أجيئ لتقدم عليك في الذي أنت فيه .فقال له محمد :ل وال
لبد من أن تبايع .فقال له أبوعبدال عليه السلم :ما فيّ ياابن أخي طلب و ل حرب ،وإني لريد
الخروج الى البادية فيصدني ذلك و يثقل علي حتى تكلمني في ذلك الهل غير مرة ،ول يمنعني منه إل
الضعف ،و ال والرحم أن تدبر عنّا ونشقى بك .فقال له :يا أبا عبدال قد وال مات أبو الدوانيق -
167
يعني أبا جعفر -فقال له أبو عبدال عليه السلم :وما تصنع بي و قد مات ؟ قال :أريد الحمال بك ،
قال :ما إلى ما تريد السبيل ،ل وال ما مات أبو الدوانيق إل أن يكون مات موت النوم .قال :وال
لتبايعني طائعا ً أو مكرها ول تحمد في بيعتك .فأبى عليه إباء شديداً ،و أمر به إلى الحبس .فقال له
عيسى بن زيد :أما إن طرحناه في السجن و قد خرب السجن و ليس عليه اليوم غلق ،خفنا أن يهرب
منه .فضحك أبو عبدال عليه السلم ،ثم قال :ل حول ول قوة إل بال العلي العظيم ،أوتراك
تسجنني ؟ قال :نعم والذي أكرم محمد صلى ال عليه و آله بالنبوة ،لسجننك و لشددّن عليك .فقال
عيسى بن زيد :إحبسوه في المخبأ -و ذلك دار ريطة اليوم -فقال له أبو عبدال عليه السلم :أما وال
إني سأقول ثم أصدق .فقال له عيسى بن زيد :لو تكلمت لكسرت فمك .فقال له أبوعبدال عليه السلم :
أما وال يا أكشف يا أزرق ،لكأني بك تطلب لنفسك جحراً تدخل فيه ،وما أنت في المذكورين عند اللقاء
،و إني لظنك إذا صفق خلفك ،طرت مثل الهيق النافر .فنفر عليه محمد بانتهار :إحبسه و شدد عليه
وأغلظ عليه .فقال له أبو عبدال عليه السلم :أما وال لكأني بك خارجاً من سدة أشجع إلى بطن الوادي
وقد حمل عليك فارس معلم في يده طرّادة نصفها أبيض و نصفها أسود ،على فرس كميت أقرح ،
فطعنك فلم يصنع فيك شيئاً وضربت خيشوم فرسه فطرحته ،وحمل عليك آخر خارج من زقاق آل أبي
عمار الدئليين عليه غديرتان مضفورتان ،و قد خرجتا من تحت بيضة ،كثير شعر الشاربين ،فهو وال
صاحبه ،فل رحم ال رمته .فقال له محمد :يا أبا عبدال ،حسبت فأخطأت .وقام إليه السراقي بن سلخ
الحوت ،فدفع في ظهره حتى أدخل السجن و اصطفى ما كان له من مال و ما كان لقومه ممن لم يخرج
مع محمد ". 1
هذا ما حصل في حياة جعفر بن الباقر من افتراق الشيعة وتحزبهم بأحزاب مختلفة ،و تشعبهم بفرق
متعددة .
وأما بعد وفاته سنة ثمان وأربعين ومائة ،حصل الختلف العظيم ،وافترق الشيعة إلى فرق عديدة ،
ولقد عدها الكاتب الشيعي المشهور النوبختي ،وهو الوائل من كتب في الفرق من القوم ،ست فرق
فقال :
" فلما توفي أبو عبدال جعفر بن محمد عليهما السلم ،إفترقت الشيعة بعده ست فرق ...ودفن في القبر
الذي دفن فيه أبوه وجده في البقيع ...وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمهما أسماء. 2
بنت عبدالرحمن بن أبي بكر " . 3
" الناووسية :وهي التي قالت إن جعفر بن محمد حي لم يمت ول يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس ،
وأنه هو المهدي .وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال :إن رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فل تصدقوه
،فإني صاحبكم .وإنه قال لهم :إن جاءكم من يخبركم عني أنه مرضني وغسلني وكفنني ،فل
تصدقوه ،فإني صاحبكم صاحب السيف .
وهذه الفرقة تسمى الناووسية .وُسميت بذلك لرئيس لهم من أهل البصرة يُقال له فلن بن فلن الناووس
".4
" وزعم قوم أن الذي يتبدى للناس لم يكن جعفرا ،وإنما تصور لناس في تلك الصورة .وانظم إلى هذه
الفرقة قوم من السبئية ،فزعموا جميعاً أن جعفراً كان عالماً بجميع معالم الدين من العقليات
1الصول من الكافي ،كتاب الحجة ج 1ص 358ومابعد .
2وعلى ذلك كان يقول :لقد ولدني أبو بكر مرتين ( كشف الغمة للربلي الشيعي ج 2ص )161
3فرق الشيعة للنوبختي ص 78
4أيضاً ص 88 -87
168
والشرعيات ،فإذا قيل للواحد منهم :ماتقول في القرآن أو في الرؤية أو في غير ذلك من أصول الدين أو
في فروعه ؟ يقول :أقول فيها ما كان يقوله جعفر الصادق ،يقلدونه " . 1
هذا ما حصل في حياة جعفر بن الباقر من افتراق الشيعة و تحزبهم بأحزاب مختلفة وتشعبهم في فرق
متعددة.
والفرقة الثانية :السمطية أو الشميطية :وهم القائلون إن المام بعد جعفر بن محمد إبنه محمد بن جعفر ،
وذلك لن أباه جعفر وصي له في صباه ،و كان يقول :إنه يشبه أبي محمد الباقر و جدي رسول ال ،
فجعل هؤلء المامة في محمد بن جعفر وولده من بعده .
2
وهذه الفرقة تسمى السمطية و تنسب إلى يحيى بن أبي السميط أو أبي الشميط " .
والجدير بالذكر أن محمد بن جعفر هذا خرج أيام المأمون ،و دعا الناس إلى نفسه :و بايع له أهل
المدينة بإمرة المؤمنين " . 3
فحصلت بينه و بين جيوش المأمون بقيادة هارون بن المسيب معارك عديدة .
ثم وجه إليه هارون خيل فحاصرته في موضعه ،لنه كان موضعا حصينا ل يوصل إليه ،فلما بقوا في
الموضع ثلثا ونفد زادهم وماؤهم ،جعل أصحابه يتفرقون ويتسللون يمينا وشمال ،فلما رأى ذلك لبس
بردا ونعل ،و صار إلى مضرب هارون فدخل إليه و سأله المان لصحابه ،ففعل هارون ذلك " . 4
وذكر المفيد بأنه كان يرى رأى الـزيديـة في الخروج بالسيف ،و لذلك اتبعه كثير من الـزيديـة
الجارودية . 5
والفرقة الثالثة :الفطحية :فلقد ذكرها الكشى تحت عنوان الفطحية بقوله :
" هم القائلون بإمامة عبدال بن جعفر بن محمد ،و سموا بذلك لنه قيل أنه كان أفطح الرأس ،وقال
بعضهم :كان أفطح الرجلين ،وقال بعضهم :إنهم نسبوا إلى رئيس من أهل الكوفة يقال له :عبدال بن
فطيح ،والذين قالوا بإمامته عامة مشائخ العصابة وفقهائها ،مالوا إلى هذه المقالة فدخلت عليهم الشبهة
لما روى عنهم عليهم السلم أنهم قالوا :المامة في الكبر من ولد المام إذا مضى إمام ...ثم إن عبدال
مات بعد أبيه بسبعين يوما ،فرجع الباقون إل شاذا منهم عن القول بإمامته إلى القول بإمامة أبي الحسن
(ع) ورجعوا إلى الخبر الذي روى :إن المامة ل يكون في الخوين بعد الحسن و الحسين (ع) ". 6
1الفرق بين الفرق ص ، 61مقالت السلميين ج 1ص ، 97إعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص ،53الملل والنحل للشهرستاني ج
2ص 3،2الحور العين ص ،162التبصير للسفرائيني ص ،40الفصل في الملل والهواء والنحل لبن حزم ج 4ص
،180الخطط للمقريزي ج 4ص .174
2أنظر فرق الشيعة ص ،98مقالت السلميين ج 1ص ، 99الفرق بين الفرق ص ، 62 ،61إعتقادات للرازي ص ، 54التبصير ص ، 41
الحور العين ص ،163الملل لبن حزم ج 2ص .3
3مقاتل للصفهاني ص ، 357الرشاد ص ، 286تاريخ بغداد ج 2ص . 114
4مقاتل ص ، 540الرشاد ص .286
5الرشاد للمفيد ص .286
6رجال الكشى ص 219
7فرق الشيعة للنوبختي ص .99
169
لما تبينوا ضعف دعواه وقوة أمر أبي الحسن (ع) ،ودللة حقه وبراهين إمامته .وأقام نفر يسير منهم
على أمرهم ،ودانوا بإمامة عبدال بن جعفر ،الطائفة الملقبة بالفطحية " .1
وقد ذكرهم الربلي أيضاً في كشف الغمة. 2
وُيسمون العمارية أيضاً كما ذكره الشعري في ( مقالت السلميين ) نسبة إلى رئيس لهم يُعرف
بعمار.3
والجدير بالذكر أن الشيعة يروون روايات عن أئمتهم المعصومين حسب زعمهم بأن المامة في أكبر
البناء كما روى الكليني :
4
" عن أبي عبدال عليه السلم أنه قال :إن المر في الكبير ما لم تكن به عاهة " .
وبذلك استدل على إمامته " واحتج بأنه أكبر الخوة الباقين ،فاتبعه جماعة من أصحاب أبي عبدال
عليه السلم " . 5
ثم ومع هذا كيف يعدلون عنه ولم يكن به عاهة ؟
6
اللهم إل أنهم يذكرون أنه كان يخالف أباه في العقائد .
ونريد أن نلفت النظار ،إلى أن ابن جعفر الخر وهومحمد أيضاً ،كان منكِـراً لمامة أبيه جعفر
ومخالفًا لفكاره وآرائه ،كما ذكره الطوسي والمفيد . 7
والفرقة الرابعة :الذين قالوا بإمامة موسى بن جعفر ،وأنكروا إمامة عبدال ،وخطؤوه في فعله وجلوسه
مجلس أبيه ،وادعائه المامة . 8
فسنذكر تفاصيل واختلفات هؤلء فيما بعد ،تحت أيام موسى الملقب بالكاظم .
السـماعـيلـيـة
ل نذكرهم من وأما الفرقة الخامسة والسادسة التي حدثت ونشأت من بين الشيعة ،فهي السماعيلية .فأو ً
الشيعة أنفسهم ،فيقول النوبختي :
"وفرقة زعمت أن المام بعد جعفر بن محمد إبنه إسماعيل بن جعفر ،وأنكرت موت إسماعيل في حياة
أبيه ،وقالوا :كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس لنه خاف فغيبه عنهم ،وزعموا أن
إسماعيل ل يموت حتى يملك الرض يقوم بأمر الناس ،وأنه هو القائم ،لن أباه أشار إليه بالمامة من
بعده ،وقلدهم ذلك له ،وأخبرهم أنه صاحبه ،والمام ل يقول إل الحق .فلما ظهر موته ،علمنا أنه قد
صدق ،وأنه القائم ،وأنه لم يمت .وهذه الفرقة هي السماعيلية الخالصة " . 9
ثم لهم فرق كثيرة ،نذكر بعضها بالختصار .فذكر المفيد تحت عنوان :أولد أبي عبدال وعددهم
وأسماؤهم وطرف أخبارهم :
" وكان إسماعيل أكبر الخوة ،وكان أبو عبدال عليه السلم شديد المحبة له والشفاق عليه ،وكان قوم
من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه والخليفة له من بعده ،إذ كان أكبر إخوته سناً ،ولميل أبيه إليه ،
وإكرامه له .فمات في حياة أبيه عليه السلم بالعريض ،و حُمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة
حتى دفن بالبقيع .
170
وروي أن أبا عبدال عليه السلم جزع عليه جزعًا شديداً ،وحزن عليه حزناً عظيماً ،وتقدم سريره بغير
حذاء ول رداء ،وأمر بوضع سريره على الرض قبل دفنه مراراً كثيرة ،وكان يكشف وجهه وينظر
إليه ،يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانين خلفته له من بعده ،وإزالة الشبهة عنهم في حياته .
ولما مات إسماعيل ( رحمه ال ) ،إنصرف عن القول بإمامته من بعد أبيه من كان يظن ذلك فيعتقده
من أصحاب أبيه ،وأقام على حياته شرذمة لم تكن من خاصة أبيه ،ول من الرواة عنه ،وكانوا من
الباعد والطراف .
فلما مات الصادق عليه السلم انتقل فريق منهم إلى القول بإمامة موسى بن جعفر عليه السلم ،وافترق
الباقون فريقين ،فريق منهم رجعوا عن حياة إسماعيل وقالوا بإمامة إبنه محمد بن إسماعيل ،لظنهم أن
المامة كانت في أبيه ،وأن البن أحق بمقام المامة من الخ .
وفريق ثبتوا على حياة إسماعيل ،وهم اليوم شذاذ ل يُعرف منهم أحد يومى إليه .وهذان الفريقان
يسميان بالسماعيلية .والمعروف منهم الن من يزعم أن المامة بعد إسماعيل في ولده وولد ولده إلى
آخر الزمان ". 1
وذكر مثل ذلك في كتب الشيعة الخرى مثل ( شرح إبن أبي الحديد ) و ( أعيان الشيعة ) و(الشيعة في
التاريخ ) .
ولقد ذكر السماعيلية من السنة ،كل من الشعري والبغدادي والسفرائيني والرازي والشهرستاني
وغيرهم من المتقدمين ،كما ذكرهم كثير من المتأخرين السنة ،ولكن نذكر ما ذكره ابن خلدون ،فيقول
:
" فأما السماعيلية فقالوا بإمامة إسماعيل المام بالنص من أبيه جعفر ،وفائدة النص عليه عندهم وإن
كان قد مات قبل أبيه ،إنما هو بقاء المامة في عقبه ،كقصة هارون مع موسى صلوات ال عليهما ،
قالوا :ثم انتقلت المامة من إسماعيل إلى إبنه محمد المكتوم ،وهو أول الئمة المستورين ،لن المام
عندهم قد ل يكون له شوكة فيستتر ،وتكون دعاته ظاهرين إقامة للحجة على الخلق ،وإذا كانت له
شوكة ،ظهر وأظهر دعوته ،قالوا :وبعد محمد المكتوم إبنه جعفر الصادق وبعده إبنه محمد الحبيب ،
وهو آخر المستورين ،وبعده إبنه عبدال المهدي الذي أظهر دعوته أبو عبدال الشيعي في كتامة ،وتتابع
الناس على دعوته ،ثم أخرجه من معتقله بسجلماسة ،وملك القيروان والمغرب ،وملك بنوه من بعد
مصر ،كما هو معروف في أخبارهم .ويسمى هؤلء نسبة إلى القول بإمامة إسماعيل ،ويسمون أيضاً
بالباطنية ،نسبة إلى قولهم بالمام الباطن ،أي المستور .ويسمون أيضاً الملحدة ،لما في ضمن مقالتهم
من اللحاد .ولهم مقالت قديمة ،ومقالت جديدة دعا إليها الحسن بن محمد الصباح في آخر المائة
الخامسة ،وملك حصوناً بالشام والعراق ،ولم تزل دعوته فيها إلى أن توزعها الهلك بين ملوك الترك
بمصر ،وملوك التتر في العراق ". 2
" السماعيلية قالوا :إن المام بعد جعفر إسماعيل نصاً عليه باتفاق من أولده ،إل أنهم اختلفوا في
موته في حال حياة أبيه ،فمنهم من قال :لم يمت إل أنه أظهر موته تقية من خلفاء بني العباس ،وعقد
محضراً وأشهد عليه عامل المنصور بالمدينة .
ومنهم من قال :الموت صحيح ،والنص ل يرجع القهقري ،والفائدة في النص بقاء المامة في أولد
المنصوص عليه دون غيره ،فالمام بعد إسماعيل محمد بن إسماعيل ،وهؤلء يقال لهم :المباركية .ثم
منهم من وقف على محمد بن إسماعيل ،وقال برجعته بعد غيبته .ومنهم من ساق المامة في
المستورين منهم ،ثم في الظاهرين القائمين من بعدهم " . 3
ثم ساق أدلتهم لثباتهم إمامة إسماعيل بن جعفر بقوله :
1الرشاد للمفيد ص .285،284
2مقدمة إبن خلدون ص 201
3الملل والنحل للشهرستاني ج 2ص 5
171
"إسماعيل بن جعفر وهو إبنه الكبر المنصوص في بدء المر ،وقالوا :لم يتزوج الصادق على أمه
بواحدة من النساء ،ول اشترى جارية ،كسنة رسول ال في حق خديجة ،وكسنة علي في حق فاطمة .
وذكرنا اختلفهم في موته في حال حياة أبيه ،فمنهم من قال :إنه مات ،وإنما فائد النص عليه ،انتقال
المامة منه إلى أولده خاصة ،كما نص موسى إلى هارون عليهما السلم ،ثم مات هارون في حال
حياة أخيه ،وإنما فائدة النص انتقال المامة منه إلى أولده ،فإن النص ل يرجع القهقري ،والقول بالبدأ
محال ،ول ينص المام على واحد من ولده إل بعد السماع من آبائه ،والتعيين ل يجوز على البهام
والجهالة .
ومنهم من قال :إنه لم يمت ،لكن أظهر موته تقية عليه ،حتى ل يقصد بالقتل .ولهذا القول دللت :
منها أن محمد كان صغيراً ،وهو أخوه لمه ،مضى إلى السرير الذي كان إسماعيل نائماً عليه ،ورفع
الملءة ،فأبصره وهو قد فتح عينه ،وعاد إلى أبيه مفزعاً وقال :عاش أخي ،عاش أخي .قال والده :
إن أولد الرسول كذا يكون حالهم في الخرة .قالوا :وما السبب في الشهاد على موته ؟ .
وعن هذا لما رفع إلى المنصور أن إسماعيل بن جعفر رؤي بالبصرة على مقعد فدعى فبرئ بإذن ال ،
بعث المنصور إلى الصادق أن إسماعيل في الحياء ،وأنه رؤي بالبصرة ،أنفذ السجل إليه وعليه شهادة
عامله بالمدينة .
قالوا :وبعد إسماعيل ،محمد بن إسماعيل السابع التام ،وإنما تم دور السبعة به .ثم ابتدى منه بالئمة
المستورين الذين كانوا يسيرون في البلد ،ويظهرون الدعاة جهراً ،قالوا :ولن تخلوا الرض قط من
إمام حيّ ،إما ظاهر مكشوف ،وإما باطن مستور .فإذا كان المام ظاهراً ،يجوز أن يكون حجته
مستورة ،وإذا كان المام مستوراً فلبد أن يكون حجته ودعاته ظاهرين ،وقالوا :إنما الئمة تدور
أحكامهم على سبعة كأيام السبوع والسموات السبع والكواكب السبع .والنقباء تدور أحكامهم على أثنى
عشر ،قالوا :وعن هذا وقعت الشبهة للمامية القطعية حيث قرروا عدد النقباء للئمة ،ثم بعد الئمة
المستورين كان ظاهر المهدي والقائم بأمر ال و أولدهم نصًا بعد نص على إمام بعد إمام .ومذهبهم أن
من مات ولم يعرف إمام زمانه ،مات ميتة جاهلية ،وكذلك من مات ولم يكن في عنقه بيعة إمام ،مات
ميتة جاهلية ...وأشهر ألقابهم الباطنية ،وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنا ،ولكل
تنزيلً تأويل .
ولهم ألقاب غير هذا من القرامطة والمزدكية والملحدة .
وهم يقولون :نحن إسماعيلية لنا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا السم ..ثم أصحاب الدعوة الجديدة تنكبوا
هذه الطريقة ،حين أظهر الحسن بن الصباح دعوته وقصر عن اللزامات كلمته واستظهر بالرجال
وتحصن بالقلع .وكان بدؤ صعوده إلى قلعة الموت في شعبان سنة ثلث وثمانين وأربعمائة ،وذلك
بعد أن هاجر إلى بلد إمامه ،وتلقى منه كيفية الدعوة لبناء زمانه .فعاد ودعا الناس أول دعوة إلى
تعيين إمام صادق قائم في كل زمان ،وتمييز الفرقة الناجية من سائر الفرق بهذه النكتة ،وهو أن لهم
إماماً وليس لغيرهم إمام " . 1
الـقـرامـطـة
وتفرعت على السماعيلية فرق عديدة ،والمشهور منها :
القرامطة المنسوبون إلى حمدان الشعث المعروف بقرمط لقصر قامته ورجليه وتقارب خطوه ،في سنة
أربع وستين ومائتين 264هـ .وكان ظهوره بسواد الكوفة ،فاشتهر مذهبه بالعراق ،وقام ببلد الشام
صاحب الحال ،والمدثرالمطوق .وقام أبو سعيد الجنابي بالبحرين ،وعظمت دولته ودولة بنيـه ،حتى
أوقعـوا بعـساكر الخلفاء العـباسيين ،وغزوا بغـداد والشام ومصر والحجاز ،وانتشرت دعاتهم بأقطار
الرض .
172
فدخل جماعة من الناس في دعوتهم ،ومالوا إلى قـولهم الذي سموه علم الباطن ،وهو تأويل شرائع
السلم ،وصرفها عن ظواهرها إلى أمور زعموها من عند أنفسهم ،فضلوا وأضلوا عالمًا كثيرا .
وقيل غير ذلك في تاريخ ظهور حمدان هذا في تسمية بقرمط ،يقول الوطواط " ظهر في أيام خلفة
المعتمد سنة 278هـ من سواد الكوفة ،رجل أحمر العينين يسمى كرميته ،فاستـثـقـلوا هذه اللفظة ،
فخـفـفوها وقالوا قرمط .ثم ذكر أنواع تعاليمه وبدعـه الفاسدة ،وذكر أن المـعـز الفاطمي وقائده
جوهـر ،قـد حاربا الـقرامطة حروباً دامية سنة 362هـ " .
ويقول إبن خلكان " :والقرامطة نسبتهم إلى رجل من سواد الكوفة ،يقال له قِـرمط بكسر القاف ،ولهم
مذهب مذموم ،وكانوا قـد ظهروا في سنة 281هـ في خلفة المعـتضد ،وقيل كان ظهورهم في سنة
278هـ " .
ويرى أبو الفداء " أن ظهورهم كان في هذه السنة أي سنة 278هـ في سواد الكوفة ،و أن الرجل الذي
دعاهم إلى مذهبه كان شيخاً و قد تمرض بقرية من سواد الكوفة ،فحمله رجل من أهل القرية يقال له
كرميته لحمرة عينيه و هو بالنبطية إسم لحمرة العين .فلما تعافى الشيخ المذكور سمي بإسم ذلك الرجل
الذي آواه ومرضه .ثم ُخفـف فقالوا قِـرمط .ودعا قوماً من أهل البادية ممن ليس لهم دين ول عقل إلى
دينه ،فأجابوه " .
وليهمنا أكان الرجل الذي دعا القرامطة هو نفس الرجل المسمى بقرمط أو غيره ،و لكنه سمي بإسم
قرمط ،و إنما يهمنا أن نعرف تاريخ ظهورهم في أي سنة كان ،لنعرف أكان في زمن الئمة من أهل
البيت أم ل .و قد رأيت إختلف الروايات في تحديد زمان ظهورهم .والرجح أنه كان في سنة 278هـ
،أي بعد انقضاء زمن الئمة الميامين ،وفي أثناء الغـيبة الصغرى للمام الثاني عشر " . 1
ولكل واحدة منها عقائد و آراء متفقة في بعضها ومختلفة في البعض الخرى منها ،ولنا فيهم في جميع
فرقهم و عقائدهم ،آرائهم و أفكارهم و السس التي قامت عليها معتقادتهم ،و في تاريخهم و في بداية
أمرهم ،كلم مستقل طويل ناقشنا فيه آراء المستشرقين و الكتاب المصريين و السماعيليين ،السوريين
منهم و الهنديين ،و فندنا بعض الراء التي ابتنوها عن هؤلء القوم و أثبتنا أخطاءهم الفاحشة ،
التاريخية منها والعقائدية .كما أوردنا في بحثنا ذاك معلومات جديدة حقيقية عن معتقدات القوم الصلية
من كتبهم العـتيقة القديمة ،المخطوطة منها و المطبوعة .و أثبتنا فيه جهالت كثيرة للسماء الكبيرة و
1
الشيعة في التاريخ ص . 234 -231
2
مقالت السلميين ج 1ص 98
173
للشخاص المشهورة المعروفة ،و حتى من يتربع على زعامة السماعيلية ويدعي أنه من أكابرها ،و
هذا في كتاب مستقل . 1
ولجل ذلك تجنبنا إطالة القول في كتابنا هذا عنهم و عن عقائدهم ،و اكتفينا بنقل القوال و سرد
العبارات عمن كتب في الفرق من الشيعة و السنة ،كيل نخرج عن أصل الموضوع و ل يطول بنا
الحديث .
الــدروز
ومن الفرق التي تفرعت وخرجت من السماعيلية ومنها أخذت أفكارها وعقائدها طائفة الدروز .
وكانت نشأتها أيام الحاكم بأمر ال الفاطمي الذي تولى ملك مصر بعد وفاة أبيه سنة 386هـ وكان عمره
آنذاك أحد عشر عاماً ،واستقل به سنة 390هـ بعد قتل أحد الوصياء عليه . 2
فاستغل صغر عمره وطموحه وشذوذه في المأكل والمشرب والسكن والقيام والهالة المقدسة التي كانت
تحيطه بعض دعاة السماعيلية الملحدة مرسلوا الفرس والمجوس ،فأحاطوا به ،وزيّـنوا له فكرة
ألوهيته وربوبيته .وكان من أبرزهم حمزة بن علي أحمد الزوزني ،ومحمد بن إسماعيل الدرزي ،
والحسن بن حيدرة الفرغاني ،وغيـرهم المشهور بالخرم أو الجدع . 3
فذهبوا شأوًا بعيداً في النحراف والنحلل .
ويقول المؤرخون :إن بداية الدعوة إلى ألوهية الحاكم كانت سنة 408هـ . 4
ومن أهم عقائدهم ،ألوهية الحاكم كما ورد في مصحف الدروز ميثاق للدرزيين أن يقولوا :
" آمنت بال ،ربي الحاكم ،العلي العلى ،رب المشرقين ،ورب المغربين ،وإله الصلين والفرعين ،
منشئ الناطق والساس ،مظهر الصورة الكاملة بنوره ،الذي على العرش استوى ،وهو بالفق العلى
،ثم دنا فتدلى ،وآمنت به ،وهو رب الرجعى ،وله الولى والخرة ،وهو الظاهر والباطن .
وآمنت بأولى العزم من الرسل ،ذوي مشارق التجلي المبارك حولها وبحاملي العرش الثمانية ،وبجميع
الحدود ،وأؤمن عاملً قائماً بكل أمر ومنع ينزل من لدن مولنا الحاكم ،وقد سلمت نفسي وذاتي وذواتي
،ظاهراً وباطناً ،علماً وعملً ،وأن أجاهد في سبيل مولنا سراً وجهراً بنفسي ومالي وولدي وما ملكت
يميني ،قولً وعملً ،وأشهدت على هذا القرار جميع ما خلق بمشارقي ومات بمغاربي .
وقد التزمت وأوجبت على هذا نفسي وروحي بصحة من عقلي وعقيدتي ،وإني أقـّر بهذا غير مكره أو
منافق ،وإنني أشهد مولي الحق الحاكم ،من هو في السماء إله وفي الرض إله ،وأشهد مولي هادي
المستجيبين ،المنتقم من المشركين المرتدين ،حمزة بن علي بن أحمد ،من به أشرقت الشمس الزلية ،
ونطقت فيه وله سحب الفضل :أنني قد برئت وخرجت من جميع الديان والمذاهب والمقالت
والعتقادات قديمها وحديثها ،وآمنت بما أمر به مولنا الحاكم الذي ل أشرك في عبادته أحداً في جميع
أدواري ". 5
1وسيصدر هذا الكتاب عما قريب إن شاء ال بعد صدور هذا الكتاب ،و كنا ننوي اصداره قبل هذا حيث كنا قد جمعنا كل شئ عن السماعيلية و
لكننا تأخرنا بعدما سمعنا بوجود بعض المخطوطات الخرى التي لم نحصل عليها حتى الن ،فأردنا أن ل ينقصنا شئ من ذلك ،ويكون البحث
ل شاملً و جامعًا مانعاً قدر الستطاعة و ما ذلك على ال بعزيز .
كام ً
وإننا لنرى بأن هذا الكتاب سيثير ضجة كبرى في الوساط العلمية العالمية حيث اكتشفنا فيه بعض الحقائق المستورة التي لم يهتد إليها من اشتهر
وعرف في العالم بتخصصه من المستشرقين و المصريين ،و حتى من السماعيلية أنفسهم ،كما كشفنا فيه النقاب عن بعض البديهيات التي خفيت
على هؤلء الفئة من الناس فهناك وفيه الملتقى إن شاء ال في التفصيل .
2أنظر سمط النجوم العوالي ج 2ص .414
3أنظر طائفة الدروز لمحمد كامل حسين ص .75
4أضواء على العقيدة الدرزية لحمد فوزان ،طائفة الدروز لمحمد كامل حسين .
5مصحف الدروز :عرف العهد والميثاق ص . 108، 107
174
كلما مات إنسان إنتقلت روحه لمولود جديد . 1
كما أن من أهم عقائدهم الغيبة والرجعة ،ويقولون بأن الحاكم بأمر ال غاب عن البصار ،وسيرجع في
آخر الزمان وسيحل عند الركن اليماني من الكعبة .
وغيره من العقائد المشتركة بينهم وبين الشيعة .
ولقد ذكرهم شيخ السلم إبن تيمية ،هؤلء والنصيـرية ،في جواب سائل سأله :
" الدرزية هم أتباع هشتكين الدرزي ،وكان من موالي الحاكم ،أرسله إلى أهل وادي تيم ال بن ثعلبة ،
فدعاهم إلى إلهية الحاكم .ويسمونه البـاري ،العلم ،ويحلفون به .وهم من السماعيلية القائلين بأن
محمد بن إسماعيل نسخ شريعة محمد بن عبدال .وهم أعظم كفراً من الغالية .يقولون بقدم العالم ،
وإنكار المعاد ،وإنكار واجبات السلم ومحرماته .وهم من القرامطة الباطنية الذين هم أكفر من اليهود
والنصارى ومشركي العرب .وغايتهم أن يكونوا فلسفة على مذهب أرسطو وأمثاله ،أو مجوسا.
وقولهم مركب من قول الفلسفة والمجوس ،ويظهرون التشيع نفاقاً .وال أعلم " .
فهذه هي الفرق التي افترقت وحدثت ونشأت بعد موت جعفر بن الباقر ،وتفرقت آراؤهم ،واختلفت
أقوالهم مع اتفاقهم على توارث الفكار السبئية .
ثم الذين قالوا بإمامة موسى بن جعفر أيضاً تفرقوا إلى فرق عديدة في حياته وبعد مماته .كما ذكر
النوبختي الشيعي :
" ثم إن جماعة من المؤتمين بموسى بن جعفر لم يختلفوا في أمره ،فثبتوا على إمامته إلى حبسه في
المرة الثانية ،ثم اختلفوا في أمره ،فشكوا في إمامته عند حبسه في المرة الثانية التي مات فيها في حبس
3
الرشيد ،فصاروا خمس فرق "
وذلك في سنة ثلث و ثمانين ومائة .
175
أن موسى بن جعفر لم يمت ،وأنه حي ول يموت حتى يملك شرق الرض وغربها ويملها كلها عد ً
ل
كما ملئت جوراً ،وأنه القائم المهدي .وزعموا أنه خرج من الحبس ،ولم يره أحد نهاراً ولم يعلم به .
وأن السلطان وأصحابه إدعوا موته وموّهوا على الناس وكذبوا ،وأنه غاب عن الناس واختفى .ورووا
في ذلك روايات عن أبيه جعفر بن محمد عليهما السلم أنه قال " :هو القائم المخبأ ،فإن يدهده رأسه
عليكم من جبل فل تصدقوا ،فإنه القائم " . 1
وسُميت هذه الفرقة بالموسوية لنتظارها موسى بن جعفر" . 2
كما تـُسمى المـفضلية :لنهم نسبوا إلى رئيس لهم ُيقال له المفـضل بن عمر ،وكان ذا قدر فيهم. 3
وُيقال لهم الممطورة :لنهم لما أظهروا هذه المقالة ،قال لهم قوم :وال ما أنتم إل كلب ممطورة ،
يعني أنهم من الكلب المبتلة بالمطر ،من غاية ركاكة هذه المقالة . 4
ولن الناس يطردونهم ويتحرزون منهم . 5
1أيضاً ص .101
2الفرق بين الفرق ص . 63
3مقالت السلميين للشعري ج 1ص .101
4إعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص . 54
5التبصيرص . 41
6ج 4ص .179
7فرق الشيعة ص . 101
8أيضاً ص .102
9أيضاً ص .104 ،103
176
2
ومثل ذلك ذكر الرازي في اعتقادات فرق المسلمين والمشركين . 1والشعري في مقالت السلميين
والملطي في التنبـيه 3والسفرائيني في التبـصير 4والبغدادي في الفرق بين الفرق 5والمفيـد في الرشاد
6والشهرستاني في الملل والنحـل . 7
وكانت هناك فرقة أخرى سادسة وهي :البشريـة ،ذكرها النوبختي بقوله :
( البشرية ) أصحاب محمد بن بشير مولى بني أسد من أهل الكوفة ،قالت :
" إن موسى بن جعفر لم يمت ولم يحبس ،وإنه حي غائب ،وإنه القائم المهدي ،في وقت غيبته
استخلف على المر محمد بن بشير ،وجعله وصيـه ،وأعطاه خاتمه ،وعلمه جميع ما يحتاج إليه رعيته
،وفوّض إليه أموره ،وأقامه مقام نفسه .فمحمد بن بشير المام بعده ،وأن محمد بن بشير لما توفي
أوصى إلى ابنه سميع بن محمد بن بشير فهو المام ،ومن أوصى إليه ( سميع ) فهو المام المفترض
الطاعة على المة إلى وقت خروج موسى وظهوره ،فما يلزم الناس من حقوقه في أموالهم وغير ذلك
مما يتقربون به إلى ال عز وجلّ ،فالفرض عليهم أداؤه إلى هؤلء إلى قيام القائم .وزعموا أن علي بن
موسى ،ومن ادعى المامة من ولد موسى بعده فغير طيب الولده ،ونفوهم عن أنسابهم ،وكفروهم
في دعواهم المامة ،وكـفروا القائلـين بإمامتهم ،واستحلوا دماءهم وأموالهم ،وزعموا أن الفرض من
ال عليهم ،إقامة الصلوات الخمس ،وصوم شهر رمضان .وأنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض .
وقالوا بإباحة المحارم من الفروج والغلمان .واعتلوا في ذلك بقول ال عـز وجل " أو يزوجهم ذكراناً
وإناثـاً ( )50 -42وقالوا بالتناسخ ،وأن الئمة عندهم واحد ،إنما هم منتقلون من بدن إلى بدن .
والمساواة بينهم واجبة في كل ما ملكوه من مال ،وكل شيئ أوصى به رجل منهم في سبيل ال فهو
لسميع بن محمد وأوصيائه من بعده ". 8
ولقد ذكر محمد بن بشير هذا ،الكشي في رجاله ،بقوله :
" أن محمد بشير لما مضى أبو الحسن (ع ) ووقف عليه الواقفة ،جاء محمد بن بشير -وكان صاحب
شعبذة ومخارق معروفًا بذلك – فادعى أنه يقول بالوقف على موسى بن جعفر(ع) هو كان ظاهراً بين
الخلق يرونه جميعاً ،يتراءى لهل النور بالنور ،ولهل الكدرة في مثل خلقهم بالنسانية والبشرية
اللحمانية .ثم حجب الخلق جميعاً عن إدراكه ،وهو قائم فيهم موجود كما كان ،غير أنهم محجوبون عن
إدراكه كالذي كانوا يدركونه .
وكان محمد بن بشير هذا من أهل الكوفة ،من موالي بني أسد وله أصحاب ،قالوا :أن موسى بن
جعفر لم يمت ولم يُحبس ،وأنه غاب واستتر ،وهو القائم المهدي ،وأنه في وقت غيبته استخلف على
المة محمد بن بشير ،وجعله وصيه ،وأعطاه خاتمه ،وعلمه جميع ما تحتاج إليه رعيته في أمر دينهم
ودنياهم ،وفوض إليه جميع أمره وأقامه مقام نفسه ،فمحمد بن بشيرالمام بعده ...وكفروا القائلين
بإمامتهم واستحلوا دماءهم وأموالهم ....وزعموا أن كل من انتسب إلي محمد فهم ثبوت وطروق ،وأن
محمداً هو رب حل في كل من انتسب إليه ،وأنه لم يلد ولم يولد ،وأنه محتجب في هذه الحجب .
وزعمت هذه الفرقة والمخسمة والعلياوية وأصحاب أبي الخطاب ،أن كل من انتسب إلى أنه من آل
محمد فهو مبطل في نسبته ،مفتر على ال كاذب .وأنهم الذين قال ال تعالى فيهم أنهم يهود ونصارى
شرٌ مِ ّمنْ َخلَقَ } "
حبّاؤُهُ قُلْ َفلِمَ يُ َع ّذبُكُمْ بِ ُذنُوبِكُمْ بَلْ َأ ْنتُمْ َب َ
حنُ َأ ْبنَاءُ الِّ َوأَ ِفي قوله { :وَقَا َلتِ ا ْليَهُودُ وَال ّنصَارَى نَ ْ
محمد " في مذهب الخطابية ،و" علي " في مذهب العلياوية فهم ممن خلق .
هؤلء كاذبون فيما ادعوا ،إذ كان محمد عندهم وعلي هو رب ل يلد ول يولد ول يُستولد ،تعالى ال
عما يصفون وعما يقولون علوًا كبيرا .
1ص .54
2ج 1ص . 88
3ص .38
4ص .42
5ص .63
6ص .302
7ج 2ص . 4،3الهامش
8فرق الشيعة ص .105،104
177
وكان سبب مقتل محمد بن بشير لعنه ال لنه كان معه شعبذة ومخاريق ،فكان يظهر الواقفة أنه ممن
وقف على علي بن موسى (ع) ،وكان يقول في موسى بالربوبية ،ويدعي لنفسه أنه نبي .وكان عنده
صورة قد عملها وأقامها شخصاً كأنه صورة أبي الحسن (ع) من ثياب حرير ،وقد طلها بالدوية ،
وعالجها بحيل عملها فيها ،حتى صارت شبه صورة إنسان .وكان يطويها ،فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها
فأقامها .فكان يقول لصحابه :إن أبا الحسن (ع) عندي ،فإن أحببتم أن تروه وتعلموا أني نبي ،فهلموا
أعرضه عليكم .وكان يدخلهم البيت والصورة المطوية معه ،فيقول لهم :هل ترون في البيت مقيماً أو
ترون غيري وغيركم ؟ فيقول :فاخرجوا ،فيخرجون من البيت ،فيصير هو وراء الستر بينه وبينهم ،ثم
يقدم تلك الصورة ،ثم يرفع تلك الستر بينهم وبينه ،فينظرون إلى صورة قائمة وشخص كأنه شخص
أبي الحسن ،ل ينكرون منه شيئاً ،و يقف هو معه بالقرب فيريهم من طريق الشعبذة أنه يكلمه ويناجيه
ويدنو منه كأنه يساره ،ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون ،ويسبل الستر بينه وبينهم فل يرون شيئا.
وكانت معه أشياء عجيبة من صنوف الشعبذة ما لم يروا مثلها ،فهلكوا بها .
فكانت هذه حاله مدة ،حتى ُرفع خبره إلى بعض الخلفاء -أحسبه هارون أو غيره ممن كان بعده من
الخلفاء -أنه زنديق ،فأخذه وأراد ضرب عنقه ،فقال له :يا أمير المؤمنين ،استبقني ،فإني أتخذ لك
أشياء يرغب الملوك فيها ،فأطلقه ،فكان أول ما اتخذ له الدوالي ،فإنه عمد إلى الدوالي فسواها وعلقها
وجعل الزيبق بين تلك اللواح ،فكانت الدوالي تمتلئ من الماء وتملي اللواح ،وينقلب الزيبق من تلك
اللواح فيتسع الدوالي لذلك ،فكانت تعمل من غير مستعمل لها ،وتصب الماء في البستان ،فأعجبه ذلك
مع أشياء عملها ،يضاهي ال بها في خلقه الجنة ،فقواه وجعل له مرتبة .ثم إنه يوماً من اليام ،
إنكسرت بعض تلك اللواح ،فخرج منها الزيبق ،فتعطلت فاستراب أمره ،وظهر عليه التـعطيل
والباحات ".1
هذا وقد إدعى المامة في عهده آخران من بني عمومته ،أحدهما حسين بن علي بن الحسن بن الحسن
المثنى بن الحسن بن علي .وأمه زينب بنت عبدال بن الحسن بن الحسن بن علي .فلقد إدعى المامة
أيام أبي موسى الهادي العباسي حفيد أبي جعفر المنصور . 2
وبايعه على إمامته يحيى وسليمان وإدريس بنو عبدال بن الحسن بن الحسن ،وعبدال الحسن الفطس ،
وإبراهيم بن إسماعيل الطباطبا ،وعمر بن الحسن بن علي بن الحسن بن الحسين ،وعبدال بن إسحاق
بن إبراهيم بن الحسن الثاني المثنى ،وعبدال بن جعفر بن محمد ،وعبدال بن جعفر بن الباقر ،وعبدال
3
وعمر إبنا إسحاق بن الحسن بن علي زين العابدين ،وغيرهم
حتى قال الصفهاني :
" ولم يتخلف عنه أحد من الطالبـيين إل الحسن بن جعفر بن حسن المثنى فإنه استعفاه ولم يكرهه .
وموسى بن جعفر بن محمد -المام السابع المزعوم عند الشيعة -قال عنيزة القصباني :
" رأيت موسى بن جعفر بعد عتمة ،وقد جاء إلى الحسين صاحب فخ ،فانكب عليه شبه الركوع ،وقال
:أحب أن تجعلني في سعة و حل من تخلفي معك ،فأطرق الحسين طويلً ل يجيبه ،ثم رفع رأسه إليه ،
فقال :أنت في سعة " . 4
178
والثاني الذي ادعى المامة أيامه ،يحيى بن عبدال بن الحسن المثنى .و قد ذكره الكليني أيضاً حيث قال
:
" كتب إلى موسى بن جعفر يدعوه :خبرني من ورد عليّ من أعوان ال على دينه ونشر طاعته بما
كان من تحننك مع خذلنك ..وقد احتجبتها واحتجبها أبوك من قبلك ،وقديماً ادعيتم ماليس لكم ،و
بسطتم أعمالكم إلى ما لم يؤتكم ال ،فاستهويتم و أضللتم ،وأنا محذرك ماحذرك ال من نفسه .فكتب
إليه أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلم :من موسى بن جعفر ...ذكرت أني ثبطت الناس عنك
لرغبتي عما في يديك ...و أحذرك معصية الخليفة 1و أحثك على بره و طاعته ،و أن تطلب لنفسك
أماناً قبل أن تأخذك الظفار ويلزمك الخناق من كل مكان ،فتروّح إلى النفس من كل مكان و ل تجده ،
حتى يمن ال عليك بمنه وفضله ورقة الخليفة أبقاه ال ،فيؤمّنك ويرحمك ،و يحفظ فيك أرحام رسول
ال ،و السلم على من اتبع الهدى ". 2
فهذه هي الفرق الشيعية أيام موسى و بعده ،وهذه هي عقائدهم وأفكارهم المثبتة من كتب الشيعة و السنة
أيضاً ،و الذي قيل :
" حمله الرشيد من المدينة و قد قدم إليها منصرفاً من العمرة .ثم شخص هارون للحج و حمله معه ،ثم
انصرف على طريق البصرة ،فحبسه عند السندي بن شاهك ،فتوفي في حبسه بغداد لخمس ليال بقين
3
من رجب سنة ثلث و ثمانين ومائة وهو ابن خمس أو أربع و خمسين سنة ،و دفن في مقابر قريش "
.
وحصل الختلف في الشيعة الذين اجتمعوا حول علي بن موسى الرضا ختن المأمون على ابنته بعد
وفاته .
ففرقة قالت بأن المام بعده أخوه أحمد بن موسى بن جعفر:
" أوصى إليه و إلى الرضا عليه السلم و أجازوها في أخوين .فهي المؤلفة ،فقطعوا على إمامة علي
بن موسى .
وفرقة منهم تسمى المحدثة ،كانوا من أهل الرجاء و أصحاب الحديث ،فدخلوا في القوم بإمامة موسى
بن جعفر ،وبعده بإمامة علي بن موسى ،و صاروا شيعة رغبة في الدنيا و تصنعاً ،فلما توفي علي بن
موسى عليه السلم رجعوا إلى ما كانوا عليه .
وفرقة كانت من الزيدية القوياء منهم و البصراء ،فدخلوا في إمامة علي بن موسى عليه السلم عندما
أظهر المأمون فضله و عقد بيعته تصنعًا للدنيا و استكانوا الناس بذلك دهراً ،فلما توفي علي بن موسى
4
عليه السلم رجعوا إلى قومهم من الزيدية "
1أنظر إلى الصدق كيف يتطلع وحتى من الكذابين ،إمام معصوم للشيعة يمنع الناس عن معصية الخليفة العباسي و الخروج عليه ،فهل هناك شك
بأنه لم يكن أولد علي يدعون في أنفسهم ما ينسب إليهم هؤلء القوم .
2الصول من الكافي ج 1ص . 367
3فرق الشيعة ص . 106 -105
4أيضاً ص 107
5أيضاً ص 106
179
ومحمد بن جعفر عم علي الرضا .
وإبراهيم بن موسى بن جعفر أخو علي الرضا .
و حسين بن الحسن بن علي بن علي زيد العابدين و غيرهم .
وقد ذكرهم جميعاً و دعوتهم الناس إليهم و خروجهم على المأمون و تسلطهم على بعض المدن والمناطق
و معاركهم مع عساكر العباسيين من الشيعة ،الصفهاني في مقاتل الطالبيين ،1و المسعودي في كتابه
مروج الذهب .ولقد نقل عنه خروج هؤلء العلويين وادعاءهم المامة بإيجاز و اختصار ،فيقول :
وفي سنة تسعة و تسعين ومائة خرج أبو السرايا السرى بن منصور الشيباني بالعراق ،و اشتد أمره ،و
معه محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي إبن أبي طالب ،و هو إبن
طباطبا ووثب بالمدينة محمد بن سليمان بن داود إبن الحسن بن الحسن بن علي رحمهم ال ،ووثب
بالبصرة علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي عليهم السلم ،وزيد بن موسى
بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ،فغلبوا على البصرة .
وفي هذه السنة مات إبن طباطبا الذين كان يدعوا إليه أبو السرايا ،و أقام أبو السرايا مكانه محمد بن
محمد بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي .
وظهر في هذه السنة باليمن -وهي سنة تسع و تسعين و مائة -إبراهيم إبن موسى بن جعفر بن محمد
بن علي بن الحسن بن علي ،و ظهر في أيام المأمون بمكة و نواحي الحجاز محمد بن جعفر بن محمد
بن علي بن الحسين رحمهم ال ،و ذلك في سنة مائتين ،و دعا لنفسه ،و إليه دعت السبطية من فرق
الشيعة ،و قالت بإمامته .و قد افترقوا فرقاً :فمنهم من غل و منهم من قصر و سلك طريق المامية .
وقد ذكرنا في كتاب " المقالت في أصول الديانات " وفي كتاب " أخبار الزمان " من المم الماضية
والجيال الخالية والممالك الدائرة ،في الفن الثلثين من أخبار خلفاء بني العباس ومن ظهر في أيامهم
من الطالبيين ،و قيل :إن محمد بن جعفر هذا دعا في بدء أمره و عنفوان شبابه إلى محمد بن إبراهيم
بن طباطبا صاحب أبي السرايا ،فلما مات إبن طباطبا ،وهو محمد بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن دعا
لنفسه ،وتسمى بأمير المؤمنين ،وليس في آل محمد ممن ظهر لقامة الحق ممن سلف وخلف قبله وبعده
من تسمى بأمير المؤمنين غير محمد بن جعفر هذا ،وكان يُسمى بالديباجة ،لحسنه وبهائه ...وظهر
في أيام المأمون أيضاً بالمدينة ،الحسين بن الحسن إبن علي بن علي بن الحسين بن علي ،وهو
المعروف بإبن الفطس .وقيل :أنه دعا في بدء أمره إلى إبن طباطبا ،فلما مات إبن طباطبا ،دعا إلى
نفسه والقول بإمامته ،وسار إلى مكة ،فأتى الناس وهم بمنى ،وعلى الحجاج داود بن عيسى بن موسى
الهاشمي ،فهرب داود ،ومضى الناس إلى عرفة ،ودفعوا إلى مزدلفة بغير إنسان عليهم من ولد العباس
.وقد كان إبن الفطس وافى الموقف بالليل .ثم صار إلى المزدلفة والناس بغير إمام فصلى بالناس ،ثم
مضى إلى منى ،فنحر ودخل مكة ،وجرد البيت مما عليه من الكسوة إل القباطي البيض فقط . 2
والجدير بالذكر أن علي بن موسى هو الذي جعل المأمون العباسي فيه ولية العهد بعده .
" وأمر المأمون الحسن بن سهل والفضل بن سهل وزيريه أن يعرضا ذلك عليه ،فامتنع منه ،فلم يزال
به حتى أجاب ،ورجعا إلى المأمون فعرفاه إجابته .فسر بذلك وجلس للخاصة في يوم خميس ،وخرج
الفضل بن سهل فأعلم برأي المأمون في علي بن موسى عليه السلم ،وأنه قد وله عهده ،وسماه الرضا
.وأمرهم بلبس الخضرة ،والعود لبيعته في الخميس الخر ،على أن يأخذوا رزق سنة .فلما كان
اليوم ،ركب الناس على طبقاتهم من القواد والحجاب والقضاة وغيرهم في الخضرة .وجلس المأمون
ووضع للرضا عليه السلم وسادتين عظيمتين ،حتى لحق بمجلسه وفرشه وأجلس الرضا (ع) عليهما
في الخضرة وعليه عمامة وسيف ،ثم أمر إبنه العباس بن المأمون أن يبايع له أول الناس ...فبايعه
الناس ووضعت البذر ،وقام الخطباء والشعراء ،فجعلوا يذكرون فضل الرضا عليه السلم ،وما كان
عليه من أمره ..ثم قال المأمون للرضا عليه السلم :إخطب الناس وتكلم فيهم ،فحمد ال وأثنى عليه
180
وقال :إن لنا عليكم حقاً برسول ال ،ولكم علينا حقا به ،فإذا أنتم أديتم إلينا ذلك ،وجب علينا الحق لكم
.ولم يُذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس .
وأمر المأمون ،فضربت له الدراهم ،وطبع عليها إسم الرضا عليه السلم ،وزوج إسحاق بن موسى بن
جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد ،وأمره فحج بالناس ،وخطب للرضا عليه السلم في كل بلد
بولية العهد ". 1
ولكنه مات قبل أن ينال الخلفة في حياة المأمون .
" ولما توفي الرضا عليه السلم ،كتم المأمون موته يوماً وليلة ،ثم أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق
عليه السلم وجماعة من آل أبي طالب الذين كانوا عنده ،فلما حضروه ،نعاه إليهم وبكى ،وأظهر حزناً
شديداً وتوجعاً ،وأراهم إياه صحيح الجسد ،قال :يعـزعليّ يا أخي أن أراك في هذه الحال ،قد كنت
أؤمل أن أقدم قبلك ،فأبى ال إل ما أراد .ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه ،وخرج مع جنازته يحملها
حتى انتهى إلى الموضع الذي هو مدفون الن فدفنه .والموضع دار حميد بن قحطبة ،في قرية يُـقال لها
سناباد ،على قربة من نوقان بأرض طوس ،وفيها قبر هارون الرشيد وقبر أبي الحسن عليه السلم بين
يديه في قبلته .
ومضى الرضا علي بن موسى عليهما السلم ،ولم يترك ولداً نعلمه إل المام من بعده أبا جعفر محمد
بن علي عليهما السلم ،وكانت سنه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهرا ". 2
وكان ذلك في صفر سنة ثلث ومائتين ،وله يومئذ خمسة وخمسون سنة ،وأمه أم ولد يُـقال لها أم البنين
.
181
النبي صلى ال عليه وآله بإجماع المة ،ولن اللهام إنما هو أن يلحقك عند الخاطر والفكر معرفة بشيئ
قد كانت تقدمت معرفتك به من المور النافعة فذكرته ،وذلك ل يعلم به الحكام وشرائع الدين على كثرة
إختلفها وعللها قبل أن يوقف بالسمع منها على شيئ ،لن أصح الناس فكراً وأوضحه خاطراً وعقلً
وأحضره توفيقاً ،لو فكر وهو ل يسمع بأن الظهر أربع والمغرب ثلث ،والغداة ركعتان ،مااستخرج
ذلك بفكره ،ول عرفه بنظره ،ول استدل عليه بكمال عقله ،ول أدرك ذلك بحضور توفيقه ،ول لحقه
علم ذلك من جهة التوفيق أبداً .ول يعقل أن يعلم إل بالتوقيف والتعليم ،فقد بطل أن يعلم شيئاً من ذلك
باللهام والتوفيق .
لكن نقول :أنه علم ذلك عند البلوغ من كتب أبيه ،وما ورثه من العلم فيها ،وما رسم له من الصول
والفروع .
وبعض هذه الفرقة تجيز القياس في الحكام للمام ،خاصة على الصول التي في يديه ،لنه معصوم
من الخطأ والزلل ،فل يخطئ في القياس ،وإنما صاروا إلى هذه المقالة لضيق المر عليهم في علم
المام وكيفية تعليمه ،إذ هو ليس ببالغ عندهم .
وقال بعضهم :المام يكون غير بالغ ولو قلت سنه ،لنه حجة ال ،فقد يجوز أن يعلم وإن كان صبياً ،
ويجوز عليه السباب التي ذكرت من اللهام والنكت والرؤيا والملك المحدث ورفع المنار والعمود
وعرض العمال ،كل ذلك جائز عليه وفيه ،كما جاز ذلك عن سلفه من حجج ال الماضين .واعتلوا في
ذلك بيحيى بن زكريا ،وأن ال آتــاه الحكم صبيا ،وبأسباب عيسى بن مريم ،وبحكم الصبي بين يوسف
بن يعقوب وامرأة الملك ،وبعلم سليمان بن داود حكماً من غير تعليم ،وغير ذلك ،فإنه قد كان في
حجج ال ممن كان غير بالغ عند الناس " . 1
وولد محمد بن علي هذا سنة خمس وتسعين ومائة بالمدينة ،وقبض ببغداد سنة عشرين ومائتين ،وله
يومئذ خمس وعشرون سنة ،وأمه أم ولد ،يُـقال لها سميكة ،وكانت نوبـية . 2
وكان متزوجاً من إبنة المأمون أم الفضل .
3
" فكانت إحدى الختين تحت محمد بن علي بن موسى والخرى تحت أبيه علي بن موسى "
وفي أيامه إدعى المامة واحد من الحسينيين ،وهو محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي زين
العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب . 4
" وانقاد إليه وإلى إمامته خلق كثير من الناس ،ثم حمله عبدال بن طاهر إلى المعتصم ،فحبسه في أزج
اتخذه في بستان بسر من رأى .
وقد ُتنوزع في محمد بن القاسم ،فمن قائل يقول :أنه قـتـل بالسم ،ومنهم من يقول :أن أناساً من شيعته
من الطالقان أتوا ذلك البستان ،فتأتوا للخدمة فيه من غرس وزراعة ،واتخذوا سللم من الحبال واللبود
والطالقانية ،ونقبوا الزج ،وأخرجوه فذهبوا به ،فلم يُعرف له خبر إلى هذه الغاية .
وقد انقاد إلى إمامته خلق كثير من الزيدية إلى هذا الوقت – وهو سنة إثنتين وثلثين وثلثمائة – ومنهم
ل كما مُلئت جورا،خلق كثير يزعمون أن محمدًا لم يمت ،وأنه حي يُرزق ،وأنه يخرج فيملؤها عد ً
5
وأنه مهدي هذه المة .وأكثر هؤلء بناحية الكوفة وجبال طبرستان والديلم وكثير من كور خراسان " .
182
ولما مات محمد بن علي ،خلف إبنيه علياً وموسى ،وكان الكبر منهما ل يتجاوز الثامنة من عمره
حسب قول الشيعة .وكانا من الصغر بمكان حتى " أوصى أبوهما على تركته من الضياع والموال
2
والنفقات والرقيق إلى عبدال بن المساور إلى أن يـبلغا 1الحلم "
فاختلف الشيعة في أمرهما ،فقوم قالوا بإمامة علي بن محمد ،وقوم ذهبوا إلى إمامة أخيه موسى بن
3
محمد
النـصـيـريـة
وفي حياة علي بن محمد الهادي المكنى بأبي الحسن ،ظهرت من الشيعة فرق أخرى ،قالت :
بنبوة رجل ُيـقـال له محمد بن نصير النميري ،وكان يدعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري عليه
السلم ،وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية ،ويقول بالباحة للمحارم ،
ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضًا في أدبارهم ،ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل ،وأنه إحدى
الشهوات والطيبات ،وأن ال عز وجل لم يحرم شيئاً من ذلك .وكان يقوي أسباب هذا النميري محمد بن
موسى بن الحسن بن الفرات .فلما توفي قيل له في علته وقد اعتقل لسانه :لمن هذا المر من بعدك ؟
فقال :لحمد .
فلم يدروا من هو .
فافترقوا ثلث فرق .
فرقة قالت :أنه ( أحمد ) إبنـه ،وفرقة قالت :هو أحمد بن موسى بن الحسن بن الفرات ،وفرقة قالت :
أحمد بن أبي الحسين محمد بن محمد بن بشير بن زيد .
فتفرقوا ،فل يرجعون إلى شيئ .
4
وادعى هؤلء النبوة عن أبي محمد فسمت النميرية أو النصيرية .
ولـقد ذكر الشهرستاني النصيرية في ملله ،وذكر مذهبهم أنهم يقولون :
" إن ال قد ظهر بصورة أشخاص ،ولما لم يكن بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم أفضل من علي
عليه السلم وبعده أولده المخصوصون هم خير البريّة ،فظهر الحق بصورتهم ،ونطق بلسانهم ،وأخذ
بأيديهم ،فعن هذا أطلقنا اسم اللهية عليهم ،وإنما أثبتنا هذا الختصاص لعلي دون غيره ،لنه كان
مخصوصًا بتأييد من عند ال تعالى مما يتعلق بباطن السرار .قال النبي صلى ال عليه وسلم ،أنا
أحكم بالظاهر وال يتولى السرائر .وعن هذا كان قتال المشركين إلى النبي صلى ال عليه وسلم وقتال
المنافقين إلى علي .وعن هذا شبهه بعيسى ابن مريم ،وقال :ولول أن يقول الناس فيك ما قالوا في
عيسى بن مريم وإل لقلت فيك مقالً .وربما أثبتوا له شركة في الرسالة .إذ قال :فيكم من يقاتل على
تأويله كما قاتلت على تنزيله أل وهو خاصف النعل ،فعلم التأويل وقتال المنافقين ومكالمة الجن ،وقلع
باب خيبر ل بقوة جسدانية من أدل الدليل على أن فيه جزء آلهياً وقوة ربانية .أو أن يكون هو الذي ظهر
الله بصورته ،وخلق بيده ،وأمر بلسانه .وعن هذا قالوا كان هو موجود قبل خلق السموات والرض
.قال كنا أظلة على يمين العرش ،فسبحنا فسبحت الملئكة بتسبيحنا ،فتلك الظلل وتلك الصور العرية
عن الظلل هي حقيقة وهي مشرقة بنور الرب تعالى إشراقاً ل ينفصل عنها ،سواء كانت في هذا العالم
أو في ذلك العالم .وعن هذا قال أنا أحمد ،الضوء من الضوء .يعني ل فرق بين النورين ،إل أن
أحدهما أسبق والثاني ل حق به .قال له وهذا يدل على نوع شركة .
فالنصيرية أميل إلى تقرير الجزء اللهي .
5
والسحاقية أميل إلى تقرير الشركة في النبوة .
1ول ندري كيف يعتمد على صبي في أمور الدين من لم يعتمد عليه أبوه – وهو إمام معصوم عند الشيعة – في أمر دنياه .
2الكافي ج 1ص . 325
3أنظر فـرق الشيعة ص . 113
4فـرق الشيـعة للنـوبختي ص . 116 ، 115
5الملل والنحل للشهرستاني ج 2ص . 26 -25
183
وذكر الرازي أن هذه الطائفة موجودة في حلب ونواحي الشام إلى يومنا هذا.1
ونحن نقول :إنها موجودة حتى اليوم في سوريا وتركيا ،و يُعرفون بالعلويين .
وأما النصيرية فيقولون :إن محمد بن النصير النميري لم يدّع ِ النبوة ،بل إنه كان باباً للمام الحادي
عشر الحسن العسكري . 2
ويقولون :أنه كان ينافسه رجل اسمه أبو يعقوب اسحاق بن محمد النخعي ،فادعى هو الثاني هو الباب
للحسن العسكري .
فالحاصل أن هؤلء الذين يقولون ويصرحون بألوهية علي ،وكان رسول ال هو رسوله هو .كما
يقولون :
إن عليـّا أرسل جابر بن يزيد الجعفي في قضاء غرض له ،فلما أن وصل إلى الوضع المقصود ،رأى
علي بن أبي طالب جالساً على كرسي من نور ،والسيد محمد ( يعني سيدنا محمدا ) عن يمينه ،والسيد
سلمان ( يعني الصحابي الجليل سلمان الفارسي ) عن شماله ،ثم التفت جابر إلى ورائه فرآه هكذا .ثم
التفت عن يمينه فرآه هكذا .ثم نظر إلى السماء فرآه في السماء والملئكة حوله يسبحون بحمده
ويسجدون له ". 3
وقد دوّنوا لهم قرآناً مستقلً ،ومنها هذه اليات :
184
فاستولى على الكوفة وما حولها ،ولما قتل أيام المستعين العباسي ،رثاه كثير من الشعراء حتى قال
الصفهاني :
" وما بلغني أن أحداً ممن قتل في الدولة العباسية من آل أبي طالب رثي بأكثر مما رثي به يحيى ،ول
قيل فيه الشعر بأكثر مما قيل فيه ". 1
ووافق على ذلك إبن الثير في تاريخه الكامل. 2
وكذلك ادعى المامة حسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن المثنى .
3
ظهر في بلد طهرستان ،وغلب عليهما وعلى جرجان بعد حروب كثيرة وقتال شديد .
4
وكذلك حسين بن محمد بن حمزة بن عبيد ال بن الحسين بن علي سنة إحدى وخمسين ومائتين .
ولما توفي أبو الحسن بن علي الهادي ،افترقت الشيعة إلى فرق عديدة .
" ففرقة قالت بإمامة إبنه محمد ،وقد كان توفي في حياة أبيه بسرّ من رأى ،وزعموا أنه حي لم يمت ،
و اعتلوا في ذلك بأن أباه أشار إليه و أعلمهم أنه المام من بعده ،و المام ل يجوز عليه الكذب ،ول
يجوز البداء فيه ،فهو وإن كانت ظهرت وفاته لم يمت في الحقيقة ،و لكن أباه خاف عليه فغيـّبه ،وهو
5
القائم المهدي .و قالوا فيه بمثل مقالة أصحاب إسماعيل بن جعفر "
والجدير بالذكر أن محمداً هذا وهو المكنى بأبي جعفر كان وصي أبيه والخليفة بعده حسب تصريحات
الشيعة ،و لكنه مات قبل أن تصل إليه المامة و خلفة أبيه ،فشك القوم في أمره و إمامة أبيه ،فقال
أبوه علي الهادي المكنى بأبي الحسن :
" بدا ل في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلم مالم يكن يعرف له ،كما بدا في موسى بعد مضي
اسماعيل ماكشف عن حاله ،و هو كما حدثتك نفسك و إن كره المبطلون ،و أبو محمد إبني الخلف من
6
بعدي ،عنده علم ما يحتاج إليه و معه آلة المامة "
وفرقة قالت بإمامة جعفر بن علي -وهو الملقب بجعفر الكذاب عند الشيعة -وقالوا :
" أوصى إليه أبوه بعد مضي محمد ،و أوجب إمامته و أظهر أمره ،و أنكروا إمامة محمد أخيه ،و
قالوا :إنما فعل ذلك أبوه اتفاقا عليه ودفاعا عنه ،وكان المام في الحقيقة جعفر بن علي " .7
وفرقة قالت بإمامة الحسن العسكري إبن علي ،و كان يكنى بأبي محمد .8
وقال المفيد :
" وكان المام بعد أبي جعفر عليه السلم إبنه أبو الحسن علي بن محمد (ع) لجتماع خصال المامة فيه
و تكامل فضله ،و إنه ل وارث لمقام أبيه سواه ،وثبوت النص عليه بالمامة والشارة إليه من أبيه
بالخلفة " . 9
185
و توفي يوم الجمعة سنة ستين و مائتين ،و كان مولده بالمدينة في شهر ربيع الول من سنة اثنتي و
ثلثين و مائتين ،و دفن في داره بسرّ من رأى ،في البيت الذي دفن فيه أبوه ،و أمه أم ولد يقال لها
حديثة . 10
وعمره يومئذ ثماني وعشرون سنة .
وقال النوبختي :
يقال :لمه أصفان ،وقيل :سليل ،وقيل غير ذلك .
وصلى عليه أبو عيسى بن المتوكل .وكانت في سني أمامته بقية ملك المعتز أشهرا ،ثم ملك المهتدي
أحد عشر شهراً وثمانية و عشرين يوماً ،ثم ملك أحمد المعتمد على ال بن جعفر المتوكل عشرين سنة
وأحد عشر شهراً " . 2
وفي أيامه ادعى كثير من العلويين المامة ،منهم علي بن زيد بن الحسين العلوي . 3
وكذلك الكثيرون الذين ذكرهم الصفهاني في مقاتل الطالبيين والمسعودي في مروج الذهب ،وأما من
السنة فذكرهم جميع المؤرخين .
مات الحسن العسكري بدون خلف ول عقب كما نص على ذلك النوبختي " :توفى ولم يُر له أثر ،ولم
يُعرف له ولد ظاهر ،فاقتسم ميراثه أخوه جعفر وأمه ". 4
فأوجد موته خلفاً شديداً في شيعته ،لن التشيّع بعد تطوره يوجب على مدعي المامة أن يكون بعده
عقب ،وكذلك أن يكون عليه نص من الذي قبله ،وهو الذي يقوم بتجهيزه وتكفينه ،فكيف وهنا ل يُرى
له أثر ،فالتجؤوا لتأويل ذلك إلى سخافات عديدة .كل قوم حسب أهوائهم ومزاعمهم يهوون .
10أيضاً ص .335
2أعلم الورى ص .367
3مقاتل الطالبيين ص ، 675مروج الذهب ج 3ص . 94
4الشيعة للنوبختي ص . 119 ، 118
186
وممن قوى إمامة جعفر وأمال الناس إليه ،علي بن الطاهر الخراز ،وكان متكلمًا محجاجاً ،وأعانته
على ذلك أخت الفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني .
وأما الفرقة الخامسة :فإنها رجعت إلى القول بإمامة محمد بن علي أخي الحسن المتوفى في حياة أبيه ،
وأما الحسن وجعفر فإنهما ادعيا ما لم يكن لهما ،لن جعفر فيه خصال مذمومة وهو بها مشهور .ظاهر
الفسق وغير صائن نفسه ،معلن بالمعاصي .ومثل هذا ل يصلح للشهادة على درهم ،فكيف يصلح لمقام
النبي صلى ال عليه وآله ؟
وأما الحسن فلقد توفى ول عقب له .
187
وقالت الفرقة التاسعة :
أن حسن بن علي قد صحت وفاة أبيه وجده وسائر آبائه عليه السلم .فكما صحت وفاتهم بالخبر الذي ل
يكذب مثله ،كذلك صح أنه ل إمام بعد الحسن ....والرض اليوم بل حجة إل أن يشاء ال ،فيبعث القائم
من آل محمد صلى ال عليه وآله ،فيحيي الرض بعد موتها ،كما بعث محمد صلى ال عليه وآله حين
فترة من الرسل .
فهذه هي الفرق المشهورة للشيعة ،ذكرناها من كتب القوم أنفسهم ،مع سرد الروايات والعبارات من كتب
السنة أيضًا تأييداً وتوثيقاً ،ل أصلً واستدللً .
غير أن هنالك فرقاً شيعية أخرى ،ذكرها أصحاب الفرق من السنة من البيانية والجناحية والرزامية
والمقنعية والحلمانية والخلجية والزافرة وغيرهم ،لم نذكرها لنقراضها ،ولعدم ورود ذكرها في كتب
الشيعة ،وكي ل يقول قائل :
يعلم ال أن هذه السماء كلها لم نسمع بها ولم نرها في كتب الشيعة ،وما هي إل مختلقة ل يُقصد من
ذكرها غير التشنيع والتهجين .وهي أسماء بل مسميات ،ولم يذكرها أحد من المؤرخين ،ول نقلها من
188
كتب في الملل والشيعة كالشيخ أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من أهل القرن الرابع في كتاب الفرق
والمقالت المتكفل بذكر فرق الشيعة وغيره . 2
وبقيت هناك فرق أخرى ،أل وهي :
الثنا عشر أو الجعفرية المامة ،فإنها ذكرت ضمن الربع عشرة فرقة التي افترقت بعد موت الحسن
العسكري ،ولكن لما لها من أهمية ،وإن هذا السرد الطويل لم يكن إل لجلها ،لنه عند إطلق لفظ
الشيعة ل يتبادر إلى الذهن الن إل هذه الفرقة .فنخصص لها باباً مستقلً في تاريخها وعقائدها وعلقتها
بالسبئية ،وتوارثها جميع الفكار الموجودة في الفرق البائدة من الغلة والمتطرفين .كما سنذكر الفرق
التي تفرقت منها ،وهي موجودة حتى الن .
ونلفت ههنا أنظار القرآء والباحثين إلى أمر هام يجب النتباه إليه ،وهو ان كل فرقة من فرق الشيعة التي
ذكرناها في هذا الباب سيجد القارئ من مطالعة موجز المعتقدات والعقائد التي حملها أؤلئك ،أن كل
واحدة منها أخذ حظاً وافراً من السبئية أبناء اليهود ،واغترفت غرفاً كثيرة من الديان الباطلة الخرى
من النصرانية والمجوسية والفكار المدسوسة من الهندوس والبابليين والعاشوريين والكلدانيين
وغيرهم ،كما أن الشيعة بعد تطور التشيّع الول في جميع أدوارهم وعصورهم ،التزموا بقول الرجعة
والغيبة والولية والبراءة والوصاية والتوارث ،كما أرسخها مؤسس القوم عبدال بن سبأ وشلته الماكرة .
الباب السابع
إننا ذكرنا السبئية وقائدها عبدال بن سبأ فيما مضى بالتفصيل .ونضطر إلى أن نعيد ذكر السبئية والفكار التي
حملوها والعقائد التي روّجوها بين الناس ،وعارضها عليّ وأولده الطيّبون منهم رضوان ال عليهم ،وردوّها
عليها ،وقاوموها بكل عنف وشدة .ولكنها تسرّبت فيما بعد بين الذين يزعمون أنهم شيعتهم والموالون لهم بإسم
حب أهل البيت ،وأهل البيت منهم براء .
نضطر إلى إعادتها ،لوضع النقاط على الحروف ،ولثبات أن الشيعة وخصوصاً الثني عشرية منهم الذين
يعدّون أنفسهم معتدلين ،وقد يخدع بهم الكثيرون من المغفلين من الناس ،ليسوا إل ورثة أولئك القوم الذين ضلوّا
وأضلوّا ،ول يوجد في أيديهم إل تركتهم التي تركوها للفرقة والختلف بين المسلمين ،ولبعاد بعض الناس
عن العقائد الصحيحة التي نزلت من السماء ،وجاء بها جبرئيل ،وبلـّغها رسول ال صلى ال عليه وسلم ،
وكلم ال القرآن ،وسنة رسول ال الثابتة ،خالية من ذكرها وتذكرتها .
ونحاول في هذا الباب أيضاً أن ل نكون إل منصفين ،ول نلزم القوم مال يلتزمون به ،ول ننسب إليهم ما ل
يثبتونه في كتبهم أنفسهم ،كما تعوّدنا ذلك بفضل ال ،وكما لحظ القارئ في هذا الكتاب وفي غيره .
وتجنباً لسرد العبارات التي سقناها من قبل ،نلخص ما كان يقوم به من المخططات ويروّجه عبدال بن سبأ ،
وما كانت تنشره السبئية من عقائد وآراء ،ثم نقارن تلك العقائد والراء بأفكار الشيعة الثني عشرية الموجودين
حالياً وعقائدهم ،وهل هي موجودة فيهم أم ل؟ ..فنقول :
أولً :قيام السبئية بتكوين جمعيات سريّـة يهودية بإسم السلم ،تحت راية عبدال بن سبأ .
ثانياً :إظهار الحب والولء والمشايعة والموالة لعلي وأولده ،والنظمام إلى شيعتهم .
2أعيان الشيعة للسيد محسن أمين القسم الول الجزء الول ص . 24
189
ثالثاً :الحقد والبغض لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،والبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ،خلفاء
نبي ال في أمته ،الثلثة الراشدين المهديين ،والطعن فيهم وتفسيقهم وتكفيرهم .
رابعاً :تأليب الناس وتحريضهم على عثمان ،وإتهامه بتهم باطلة ،ليقاع الفرقة بين المة الواحدة والشقاق في
المسلمين ،والتشنيع على العمال ،وتشويه سمعة الحكام ،وخصوصاً الذين قادوا المعارك الحاسمة وفازوا فيها
.
خامساً :ترويج العقائد اليهودية والنصرانية والمجوسية بين المسلمين ،التي ل تمت إلى السلم بصلة ل قريبة
ول بعيدة .والكتاب المنزل من السماء على محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم خال ٍ منها ،وكذلك تعليمات
الرسول الناطق بالوحي نزيهة وبريئة من التلوث بها ،مثل قولهم بالوصاية والولية والعصمة والرجعة وعدم
الموت وملك الرض والحلول والتحاد وتأليه الخلق وإتصافهم بصفات ال ،وجريان النبوة بعد محمد صلى ال
عليه وسلم ،و نزول الوحي .
فهذه هي الفكار السبئية التي اقتبسناها من عبارات الشيعة وأئمتهم حول عبدال بن سبأ ،والعقائد التي دعوا إليها
وروجوها بين المسلمين ،والعبارات والنصوص التي سردناها في الباب الثاني ،حيث ذكرنا عبدال بن سبأ
والسبئية بالتفصيل .
وهذه هي خلصة أقوالهم التي قالوها والعمال التي قاموا بها .
والثاني :أي إظهار الحب والولء والموالة لعلي وأولده ،فهذا هو الذي جعله الشيعة شعاراً لهم وما أكثر ما
قالوه في هذا وتقوّلوا به على عليّ وأولده – كذباً وزوراً – حتى جعلوا الدين كله موالة لعلي وأولده ،دون
اليمان بالقرآن والسنة ،بل ودون اليمان بال ورسوله والمتثال بأوامرهما ،والتجنب عن النواهي ،وبدون
العمل الصالح والسعي إلى المكارم والفضائل والحسنات .
فلقد قالوا فيما قالوا ،وما أكثره وما أشنعه ،عن أبي جعفر أنه قال :
" هل الدين إل الحب " . 1
فالحب هو الدين ،ل الصلة ول الزكاة ول الحج ول الصوم ،ول غير ذلك من العبادات التي أمر ال بإتيانها
وأدائها ،ول المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ول التجنب للبغي والفحشاء ،ول التقيد بالقيود في المعاملت
،ول المراعاة التي أمُـر بها النسان للتعايش مع ذويه وعشيرته وجيرانه ومجتمعه ،ول الحقوق ول الفرائض ،
ول الواجبات ول المحرمات ،فإن الدين هو الحب وحده .
وهواليمان أيضًا كما نقلوه عن أبي جعفر محمد الباقر ،المام الرابع المزعوم :
" حبنـا إيمان ،وبغضنا كفـر " . 2
ل اليمان بال ول بالرسل ول بسيد النبياء وخاتم المرسلين ،ول بالكتاب المنزل عليه ،ول بالتعاليم التي منحها
لصحابه وتلميذه ،لنه ما أرسل الرسل ،وما نزلت الكتب ،ولم يأت النبياء إل للدعوة إلى عليّ وأولده ،
وحبهم والموالة لهم .
ولقد ذكر المفسر الشيعي الكبير البحراني ،في مقدمة تفسيره الكبير عن واحد من أصحاب عليّ ،حبة العوفي ،
أنه قال :
" قال أمير المؤمنين عليه السلم :إن ال عز وجل عرض وليتي على أهل السموات وعلى أهل الرض ،أقرّ
بها من أق ّر بها ،وأنكرها من أنكرها ،أنكرها يونس ،فحبسه في بطن الحوت حتى أق ّر بها " . 3
1كتاب الروضة من الكافي الكليني ،باب وصية النبي لمير المؤمنين ج 8ص 80ط .طهران .
2الصول من الكافي ج 1ص . 188
3بصائر الدرجات ج 2ص 10ط .إيران نقلً عن تفسير البرهان ،مقدمة ص . 25
190
وذكر عن ( البصائر) عن محمد بن مسلم ،أنه قال :
" سمعت أبا جعفر عليه السلم يقول :إن ال أخذ ميثاق النبيين على ولية عليّ ،وأخذ عهد النبيين على ولية
عليّ " . 1
وليس هذا فحسب ،بل وأكثر من ذلك ،كما قال :
" وفي كنز الفوائد نقلً من خط الشيخ الطوسي من كتاب مسائل البلدان ،عن جابر الجعفي عن رجل من
أصحاب أمير المؤمنين عليه السلم ،قال :دخل سلمان على علي ّ ،فسأله عن نفسه ؟ فقال :يا سليمان ،أنا
الذي دعيت المم كلها إلى طاعتي ،فكفرت فعذبت في النار ،وأنا خازنها عليهم ،حقاً أقول يا سلمان إنه ل
يعرفني أحد حق معرفتي إل كان معي ،أخذ ال على الناس الميثاق لي فصدق من صدق ،وكذب من كذب .
قال سلمان :لقد وجدتك يا أمير المؤمنين في التوراة كذلك ،وفي النجيل كذلك ،بأبي أنت وأمي يا قتيل كوفة !
أنت حجة ال الذي تاب به على آدم ،وبك أنجى يوسف من الجب ،وأنت قصة أيوب ،وسبب تغير نعمة ال
عليه .فقال أمير المؤمنين :أتدري ما قصة أيوب ؟ .قال :ال أعلم وأنت يا أمير المؤمنين .قال :لما كان عند
النبعاث للمنطق ،شك أيوب في ملكي ،فقال :هذا خطب جليل ،وأمر جسيم .فقال ال :يا أيوب ،أتشك في
صورة أقمته أنا ؟ إني ابتليت آدم بالبلء ،فوهبته له ،وصفحت عنه بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين ،فأنت تقول
خطب جليل وأمر جسيم ،فوا عزتي و جللي لذيقنك من عذابي أو تتوب إليّ بالطاعة لمير المؤمنين .ثم
أدركته السعادة بي .يعني أنه تاب وأذعن بالطاعة لعلي عليه السلم " . 2
191
" قلت لبي جعفر عليه السلم :أخبرني عن قول ال تبارك وتعالى :نزل به الروح المين على قلبك لتكون من
المنذرين بلسان عربي مبين ،قال :هي الولية لمير المؤمنين عليه السلم " . 1
وكذلك سُـئـل أبو جعفر عن قول ال عز وجل :ولو أنهم أقاموا التوراة والنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ،قال :
الولية " .2
وابنه جعفر قال :
3
" ولية أمير المؤمنين عليه السلم ،إن هذا لفي الصحف الولى صحف إبراهيم وموسى " .
وروى الكليني عن الصومالي :
" عن أبي جعفر عليه السلم قال :أوحى ال إلى نبيّـه صلى ال عليه وآله :فاستمسك بالذي أوحينا إليك إنك
على صراط مستقيم ،قال :إنك على ولية عليّ ،وعليّ هو الصراط المستقيم ". 4
وإن لم يأت العبد بولية عليّ ،لم يسأله عن شيء ،وأمر به إلى النار .
وعلى ذلك قال البحراني ،مفسر الشيعة :
5
" إن ال لم يبعث نبياً قط إل بعد ما أقرّ بالولية لهل البيت ،وإن بعثة النبياء كانت لذلك أيضاً " .
وإن هذه الموالة هي سبب دخول الجنة والنجاة من النار ،ل العمال ول الحسنات .فمن والى علياً وأولده فهم
من أهل الجنة ،وغيره يدخل النار ولو صام وصلى .كما نقلوا عن جعفر أنه قال :
6
" سواء على من خالف لنا أهل البيت ل يبالى صلى أو صام ،أو زني أو سرق .إنه في النار ،إنه في النار "
.
وكذبوا على رسول ال أنه قال لعليّ رضي ال عنه :
7
" من أحبك كان مع النبيين في درجتهم يوم القيامة ،ومن مات يبغضك فل يبالي مات يهودياً أو نصرانياً " .
وكذلك روى صدوقهم – وهو كذوبهم :
" قال رسول ال (ص) :يا علي إن ال تعالى قد غفر لك ولهلك ولشيعتك ومحبي شيعتك ومحبّي محبّي
شيعتك ،فأبشر" . 8
وذكر العياشي في تفسيره عن أبي عبدال جعفر أنه قال :
9
" المؤمنون بعليّ هم الخالدون في الجنة وإن كانوا في أعمالهم مسيئة " .
حب عليّ حسنة ل تضر معها سيئة 10وبغضه معصية ل تنفع معها حسنة .
11
192
وقال َ { :وُأزِْل َفتِ الْ َجنّةُ ِللْمُ ّتقِينَ (َ )90و ُبرّ َزتِ الْجَحِيمُ ِللْغَاوِينَ(. 1 } )91
ن اللّغْوِ مُ ْع ِرضُونَ ( )3وَالّذِينَ ُهمْ لتِهِمْ خَاشِعُونَ ( )2وَالّذِينَ هُمْ عَ ِ صَ وقال { :قَدْ أَ ْفلَحَ الْمُؤْ ِمنُونَ ( )1الّذِينَ هُمْ فِي َ
علَى َأزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا َملَكَتْ َأيْمَانُهُمْ َفِإنّهُمْ غَ ْيرُ َملُومِينَ ( )6فَ َم ِ
ن علُونَ ( )4وَالّذِينَ ُهمْ ِل ُفرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (ِ )5إلّ َ لِلزّكَاةِ فَا ِ
صلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (
ابْتَغَى َورَاءَ َذِلكَ َفأُو َل ِئكَ هُمُ الْعَادُونَ ( )7وَالّذِينَ هُمْ لَِمَانَاتِهِمْ َوعَهْ ِدهِمْ رَاعُونَ ( )8وَالّذِينَ هُمْ عَلَى َ
)9أُوَلئِكَ ُهمُ الْوَا ِرثُونَ ( )10الّذِينَ َي ِرثُونَ ا ْل ِفرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . 2
شرّا َيرَهُ (. 3 } )8 وقال { :فَ َمنْ يَعْمَلْ ِم ْثقَالَ َذرّةٍ َ
خيْرًا َيرَهُ ( )7وَ َمنْ يَعْمَلْ ِم ْثقَالَ َذرّةٍ َ
جرِمِينَ ( )41مَا
عنِ الْمُ ْ
جنّاتٍ َي َتسَا َءلُونَ (َ )40
س َبتْ رَهِينَةٌ (ِ )38إلّ َأصْحَابَ ا ْليَمِينِ( )39فِي َ وقال ُ { :كلّ َنفْسٍ بِمَا َك َ
س َقرَ ( )42قَالُوا لَمْ َنكُ ِمنَ الْ ُمصَلّينَ (َ )43ولَمْ َنكُ نُطْعِمُ الْ ِمسْكِينَ ( )44وَ ُكنّا نَخُوضُ مَعَ الْخَا ِئضِينَ ( )45وَ ُكنّا سلَكَكُمْ فِي َ
َ
6
شفَاعَ ُة الشّا ِفعِينَ (. } )48 حتّى َأتَانَا ا ْل َيقِينُ ( )47فَمَا َت ْنفَعُهُمْ َ
نُكَ ّذبُ ِبيَوْمِ الدّينِ (َ )46
نعم الشريعة التي لم تفرق بين شخص وشخص لحسبه ونسبه ،فلم تفرق بين أبي لهب بأنه يدخل الجنة لنه عم
النبي صلى ال عليه وسلم ،ولم تقتصر على البيان بأنه من أهل النار ،بل قرن ذكره باللعن في الكتاب الذي
يبقى أبد الدهر .حيث قال :
طبِ ()4صلَى نَارًا ذَاتَ لَ َهبٍ ( )3وَا ْم َرَأتُهُ حَمّالَةَ الْحَ َ
س َي ْ
سبَ (َ )2 { َت ّبتْ يَدَا َأبِي لَ َهبٍ َو َتبّ ( )1مَا َأ ْ
غنَى عَنْهُ مَالُهُ َومَا َك َ
سدٍ (. 7 } )5 حبْلٌ ِمنْ َم َفِي جِيدِهَا َ
ولم تفرق تلك الشريعة السمحاء بين بلل وغيره لنه حبشي وغير عربي وقرشي ومكي ،جاء إلى مكة وهو
مملوك لغيره ،بل بُشـّر بالجنة بلسان الناطق بالوحي ،لن أعماله أهلته لذلك .
وهم الذين كانوا يرون اليمان بال وبالرسول وبالكتاب الذي نزل عليه ،والعمال الصالحة حسب أوامر
الرسول صلى ال عليه وسلم سبباً لدخول الجنة .كانوا يقومون ليلً ،ويصومون نهارا ،و يرفعون رايات
الجهاد ،وينزل عليهم النصر من فوق السماء ،ويؤيدهم ملئكة الرب وجنود الرحمان .وهم الذين كانوا يرون
الجنة تحت ظلل السيوف لحقاق الحق وإبطال الباطل ،ولظهار دين ال كله .وهم الذين كانوا يقهرون
سلطين المم وملوكها وجبابرة الرض وطغاتها ،وهم الذين اندحرت أمامهم فلول اليهودية وجيوش النصرانية
وعساكر المجوسية ،وهم الذين أريد بهم وبأخلفهم أن يبعدوا عن هذه الشريعة الحية المحيية للموات ،والباعثة
فيهم الرواح .
أرادوا إماتة هذه المة المقدامة ،لردهم عن دينهم ،وإبعادهم عن تعاليم السلم الحقيقية ،عن اليمان والعمل
والجد والجهاد .
فقالوا :
ل يحتاج لدخول الجنة ،وإرضاء الرب إلى كل هذه المشقة والعناء ،بل يكفي لها حب أشخاص و الولية لهم .
ففازوا في مقاصدهم الخبيثة بعض الفوز ،وانطلت مكايدهم على بعض السذج الغفلة من الناس ،والمغرورين
والمخدوعين بأسماء أشخاص لم يكونوا إل عباداً ل المتقين ،العاملين المؤمنين .
193
فبدل أن يكون أمام أعينهم أن أول ما يُسأل العبد عنه الصلة ،كي ل يصلوا ويجتهدوا في التقرب إلى ال
بالركوع والسجود والقيام إليه ،قالوا :
1
قال أبو الحسن عليه السلم – المام الثامن عندهم – " أول ما يُسأل عنه العبد ،حبنا أهل البيت " .
وعلى ذلك جعلت الولية أهم من الصلة والزكاة ،ومن كل شيء ذكرناه آنفا ،وكما ورد في الكافي للكليني ،
عن أبي جعفر أنه قال :
" بُـني السلم على خمس ،على الصلة والزكاة والصوم والحج والولية ،ولم يناد بشيء كما نودي بالولية "
.2
بل وهي المقصود ،كما كذبوا على النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال :
" أتاني جبريل عليه السلم وقال :يا محمد ربك يقرئك السلم ،ويقول :فرضت الصلة ووضعتها عن
المريض ،وفرضت الصوم ووضعته عن المريض والمسافر ،وفرضت الحج ووضعته عن المقل المدقع ،
وفرضت الزكاة ووضعتها عن من ل يملك النصاب ،وجعلت حب عليّ بن أبي طالب عليه السلم ليس فيه
رخصة " . 3
ولذلك جعلوها مدار الكفر واليمان ،كما هو ظاهر من هذه الروايات ،وكما بيّـناه آنفا.
وأما من قال من الشيعة المعاصرين ، 4بأن العتقاد بالولية ليس بالضروري ،وأنه بعدم العتقاد بها ل يخرج
عن كونه مسلماً ،ليس إل خداعاً وتزويراً .ول يتفوّه بمثل هذه الكلمات إل في كتب الدعاية ،وليقاع السذج من
المسلمين في شراكهم وحبائلهم .وإل فهم ل يعتقدون بمثل هذه العتقادات كما ذكر وصرح به أئمة الشيعة .
ولقد ذكر السيد البحراني عن عديد من أئمة الشيعة ،بأن هذه العقيدة اليهودية التي أوجدها وأنشأها عبدال بن
سبأ اليهودي لتعطيل الشريعة ،وإبعاد المسلمين عنها ،هي مدار اليمان ،وهي مدار النجاة ،والمنكر بها ل يُعد
مؤمناً .
ونذكر ههنا ،عن إمامهم وشيخهم المفيد ،أنه ذكر في كتاب المسائل :
" اتفـقت المامية على أن من ينكر إمامة إمام ،وجحد ما أوجبه ال تعالى له من فرض طاعته ،فهو كافر ضال
مستحق الخلود في النار ...وقال :ل يجوز لحد من أهل اليمان ،أن يغسّـل مخالفاً للحق في الولء ،ول
يصلي عليه " . 5
ونقل مثل ذلك عن بابويه القمي شيخ الطائفة الطوسي ،والمل باقر المجلسي ،والسيد شريف المرتضى ،
وغيرهم من الكثيرين مثله .
وأما البغض والحسد لصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ،فيهم والعيب عليهم وشتمهم ،فصار من لوازم مذهب
الشيعة ،وقلما يوجد كتاب من كتبهم إل وهو مليء بالطعن والتعريض بهم .بل ولقد خصص أبواب مستقلة
لتكفير وتفسيق أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ،ول يذكرهم أحد من القوم إل ويسبق ذكرهم بالشتيمة ويلحق
بالسباب .
ولقد مثلنا لهذا في كتابنا ( الشيعة والسنة ) في الباب الول منه .كما فصلنا القول في هذا الخصوص في كتابنا (
الشيعة وأهل البيت ) في الباب الثاني منه ،ول نريد أن نعيد ما ذكرناه هناك تجنباً للطالة .فليرجع القارئ في
معرفة ذلك إلى هذين الكتابين .
ونقتصر على ما كتبه إمام شيعة اليوم السيد الخميني في كتابه ( كشف السرار ) .
ل سياسياً – والسياسة تتطلب بعض الملينة والمهادنة والمراعاة للخرين – يذكر بكل وهو مع كونه رج ً
صراحة ووضوح :
أن أبا بكر وعمر وعثمان ،لم يكونوا خلفاء رسول ال صلى ال عليه وسلم ،بل وأكثر من ذلك أنهم غيروا
أحكام ال ،وحللوا حرام ال ،وظلموا أولد الرسول ،وجهلوا قوانين الرب وأحكام الدين . 6
1عيون أخبار الرضا ج 2ص ، 65أيضاً البرهان ،مقدمة ص . 22
2الكافي في الصول ،باب دعائم السلم ج 2ص . 18
3البرهان ،مقدمة ص . 22
4أل وهو الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه ( أصل الشيعة وفروعها ) ص 104 ،103الطبعة التا سعة بيروت 1960م ،وكذلك
السيد محسن المين في كتابه ( أعيان الشيعة ) ج 1ص . 69
5البرهان ،مقدمة ص . 20
6ملخص ما قاله السيد الخميني في كتابه ( كشف السرار ) ص 110وما بعد ط فارسي .
194
وبعد ذلك يذكر عقيدته ،عقيدة الشيعة في المامة ،فيقول تحت عنوان :لماذا لم يذكر إسم المام في القرآن
صريحاً :
" ولقد ظهر مما ذكر ،أن المامة أصل من الصول المسلمة السلمية بحكم العقل والقرآن .وأن ال قد ذكر
هذا الصل المسلم في عديد من مواضع القرآن .فيمكن أن يسأل سائل :مادام هذا ،فلماذا لم يذكر إسم المام في
القرآن ،لكي ل تقع خلفات وحروب حوله كما وقعت ؟
فالجواب على ذلك بوجوه ،وقبل حل هذا الشكال ،نريد أن نقول جهراً :إن كل الخلفات التي حلت بين
المسلمين في جميع أمورهم وشئونهم ،لم تقع بينهم إل من أثر السقيفة .ولو لم يكن ذلك اليوم ،لم يكن بين
المسلمين خلف في القوانين السماوية .فنقول :لو ذكر إسم المام في القرآن فرضاً ،لم يكن يرفع النزاع بين
المسلمين ،لن الذين لم يدخلوا السلم إل طمعاً في الرئاسة ،وتجمعوا وتحزبوا لنيلها ،لم يكونوا مقتنعين
بنصوص القرآن وآياته .ولم يكونوا منتهين عن أطماعهم وأغراضهم .بل كان من الممكن أن يزدادوا في
مكرهم ،ويصلوا إلى هدم أساس السلم .لن الطامعين في الرئاسة والطالبين لها لو رأوا مقصودهم ل يحصل
بإسم السلم ،لشكلوا آنذاك حزباً معارضاً للسلم ومخالفه .وآنذاك لم يكن لعلي بن أبي طالب أن يسكت ،
فكان من نتيجة ذلك أن يحصل النزاع والخلف الذي يقـلع جذرة السلم ،ويقطع دابره .وعلى ذلك كان ذكر
إسم علي بن أبي طالب في القرآن خلف مصلحة أصل المامة .
وأيضاً لو كان إسم المام مذكوراً في القرآن ،لم يكن مستبعداً من الذين لم تكن علقتهم بالسلم و القرآن غير
الدنيا والرئاسة ،الذين جعلوا القرآن وسيلة لجراء نياتهم الفاسدة ،لم يكن مستبعداً منهم أن يحذفوا تلك اليات
من القرآن ،ويحرفـّوا كتاب ال ،ويبعدوه عن أنظار الناس إلى البد .
وأيضاً لو لم يحدث من هذا شيء على الفرض والتقدير ،لم يكن من غير المتوقع من ذلك الحزب الطامع
الحريص على الرئاسة ،أن يختلقوا حديثاً كاذباً على رسول ال أنه قال قبيل وفاته إن ال خلع عليّ بن أبي طالب
من منصب المامة ،وجعل المر شورى بينكم .
ول ينبغي لحد أن يقول :لو ورد ذكر ذلك المام في القرآن ،لما استطاع الشيخان أن يخالفاه ،ولو خالفاه
فرضاً ،لم يقبله المسلمون ،وقاموا ضدهما .فنحن نقول :إنه ل ينبغي القول بهذا ،لننا نعرف أنهما خالفا
صريح القرآن جهراً وعلناً والناس لم يردوا عليهما ،بل قبلوا مخالفتهما للقرآن " . 1
ثم مثل بأمثلة كثيرة حسب زعمه لثبات مخالفة أبي بكر وعمر رضي ال عنهما القرآن بعنوان ( مخالفة أبي
بكر النصوص القرآنية ) و ( مخالفة عمر قرآن الرب ) " . 2
195
وهناك كثير وكثير من هذا القبيل .
هذه هي عقيدة القوم في أبي بكر وعمر وعثمان ،وفي أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم رضي ال عنهم
ورضوا عنه .قد ذكرناها من رجل سياسي بارز ،يُعد نائب المام الغائب عند الشيعة ،ومصلح المة عند
بعض السنة ،طبق ما توارثه من السبئية وعبد ال بن سبأ ،وعليها يُـقاس عقيدة الخرين من القوم الذين لم
يُمارسوا السياسة ،ولم يستلموا الزعامة الدينية ،ولم يتسلطوا على البلد التي يسكنها كثير من السنيين الذين
يحتاجون إلى المداهنة والمراعاة .
وأما الطعن في عثمان ذي النورين رضي ال عنه ،واللعن عليه وعلى أعماله ،فإنها أمور ل تحتاج إلى
البيان ،وخصوصًا بعد ما ذكرناه في الباب الول والثاني من المثالب والمطاعن المنقولة من كتب القوم أنفسهم ،
بذكر الصفحات والمجلدات .
ومن أراد الستزادة ،فليرجع إليهما ،وإلى كتابنا ( الشيعة والسنة ) و( الشيعة وأهل البيت ) .
والجدير بالذكر ،أن كتب الشيعة الثني عشرية ،ل يخلو كتاب من كتبهم سواء كان في التفسير أو الحديث أو
التاريخ أو السيرة أو الرجال أو الكلم أو العقائد أو غير ذلك ،من نفس المطاعن التي كان يرددها السبئيـون ضد
عثمان رضي ال عنه وحكـومته وعماله ،ل فرق بين هؤلء وأولئـك ،إل الضافات والزيادات التي اختارها
شيعة اليوم ،ولم تكن معروفة أيام السبئية .
وأما الوصاية والغَـيْـبة والرجعة التي نادى بها عبدال بن سبأ وشلته ،وكذلك العقائد الخرى المنافية للسلم ،
والجنبية على المسلمين ،والمرّوجة من قبل اليهـودية والمجوسيـة ،من اتصاف الـخـلق بأخلق الخالق ،وتأليه
العباد ،والحلول ،والتحاد ،والتناسخ ،وجريان النبوة بعد محمد صلى ال عليه وسلم ،ونزول الوحي على
أحد ،وإتيان الكتاب وغيرها من المور ،هي عين تلك العقائد التي انتقـلت إلى شيعة اليوم ،وإلى الشيعة الثني
عشرية خاصة .
وعلى ذلك قال كبير الشيعة في الرجال ،المامقاني في كتابه ( تنقـيح المقال ) :
" إن ما كان يُعد يومئذ غلواً ،صار يُـعد الن من ضروريات المذهب " . 1
وصحيح ما قاله الماقماني ،فإنه لم يكن يُعرف هذه المور في التشيع الول لدى الشيعة الولى ،فإن القوم
أخذوها من السبئية ،وجعلوها عقائد لهم و معتقدات ،وملئوا بها كتبهم ورسائلهم ،فقالوا :إن عليًا رضي ال
عنه كان وصي رسول ال صلى ال عليه وسلم ،واختلقوا لذلك روايات موضوعة كثيرة ،منها ما رواه الكليني
في كافيه عن جعفر أنه قال :
" كان حيث طلقت آمنة بنت وهب ،وأخذها المخاض بالنبي صلى ال عليه وآله ،حضرتها فاطمة بنت أسد ،
امرأة أبي طالب فلم تزل معها حتى وضعت ،فقالت أحداهما للخرى :هل ترين ما أرى ؟ .قالت :هذا النور
الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب .فبينما هما كذلك ،إذ دخل عليهما أبو طالب فقال لهما :مالكما ،من
أي شيء تعجبان ؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي رأت ،فقال لها أبو طالب :أل أبشرك ؟ فقالت :بلى ،فقال :أما
إنك ستلدين غلمًا يكون وصي هذا المولود " . 2
وأيضاً ما اختلقوه ،بأنه لما نزل قوله تعالى :وأنذر عشيرتك القربين :
" دعاهم رسول ال ( ص ) فأكلوا ولم يبين لهم في الطعام إل أثر أصابعهم ،وكانوا نحواً من أربعين رجلً ،
وشربوا شنة من قدح ،كفاهم جميعاً وزاد عنهم .فلما فرغوا ،قال لهم في آخر كلمه :إني وال ما أعلم شاباً
من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ،فآيكم يؤازرني على أمري هذا ،على أن يكون أخي ووصي
وخليفتي فيكم ؟ فسكتوا جميعاً ،فقام عليّ (ع) وقال :أنا يا رسول ال أؤآزرك عليه ،فأخذ رسول ال ( ص)
196
برقبته وقال :إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ،فاسمعوا له وأطيعوا .فقاموا يضحكون ويقولون لبي طالب
:قد أمرك أن تسمع لبنك وتطيع " . 1
ثم قالوا بنفس ما قاله عبدال بن سبأ ،وبألفاظه كذباً على أبي جعفر محمد الباقر أنه قال :
" وأيم ال ،لقد نزل الروح والملئكة بالمر في ليلة القدر على آدم .وأيم ال ،ما مات آدم إل وله وصي ،وكل
من جاء بعد آدم من النبياء قد أتاه المر فيه ووضع له وصياً من بعده .وأيم ال ،إن كان النبي ليؤمر فما يأتيه
من المر في تلك الليلة من آدم إلى محمد صلى ال عليه وآله أن أوصي إلى فلن " . 2
وعن جعفر أنه قال :
" أوصى موسى عليه السلم إلى يوشع بن نون ،وأوصى يوشع بن نون إلى ولده هارون ...فلم تزل الوصية
في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد صلى ال عليه وآله .
فلما بعث ال عز وجل محمدًا صلى ال عليه وآله ،أسلم له العقب من المستحفظين ،وكذبه بنو إسرائيل ،ودعا
إلى ال عز وجل ،وجاهد في سبيله .ثم أنزل ال عز وجل ذكره عليه أن أعلن فضل وصيك ،فقال :رب ،إن
العرب قوم جفاة ،لم يكن فيهم كتاب ،ولم يُبعث إليهم نبي ،ول يعرفون فضل نبوات النبياء عليهم السلم ول
شرفهم ،ول يُؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي .فقال ال جل ذكره :ول تحزن عليهم ،وقل سلم
فسوف تعلمون .فذكر من فضل وصيه ذكراً ،فوقع النفاق في قلوبهم ،فعلم رسول ال صلى ال عليه وآله ذلك
ما يقولون ،فقال ال جل ذكره :يا محمد ،ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ،فإنهم ل يكذبونك ،ولكنك
الظالمين بآيات ال يجحدون ،ولكنهم يجحدون بغير حجة لهم .
وكان رسول ال صلى ال عليه وآله يتألفهم ،ويستعين ببعضهم على بعض ،ول يزال يخرج لهم شيئاً في فضل
وصيه ،حتى نزلت هذه السورة ،فاحتج عليهم حين علم بموته ،ونعت إليه نفسه ،فقال ال جل ذكره َ { :فإِذَا
صبْ (َ )7وِإلَى َر ّبكَ فَارْ َغبْ } يقول :إذا فرغت فانصب علمك ،وأعلن وصيك ،فأعلمهم فضله علنية ، غتَ فَانْ ََف َر ْ
فقال صلى ال عليه وآله :
من كنت موله فعلي موله ،اللهم وال من واله ،وعاد من عاداه – ثلث مرات – ثم قال :لبعثـن رجلً يحب
ال ويحبه ال ورسوله ،ليس بفرار يعرّض بمن رجع ،ويجبـّن أصحابه ويجبّـنونه .وقال صلى ال عليه وآله :
ي سيد المؤمنين .وقال :عليّ عمود الدين .وقال :هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف على الحق بعدي . عل ّ
3
وقال :الحق مع عليّ أينما مال " .
1الرشاد المفيد ص ، 11أعلم الورى للطبرسي ص ،162الصافي ج 2ص ،227تفسير القمي جزء 2ص ،124نور الثقلين ج 4ص ، 67
منهج الصادقين ج 6ص ،487أعيان الشيعة الجزء الول ص .209
2كتاب الحجة ج 1ص 250ط .إيران .
3كتاب الحجة من الكافي ج 1ص .294 ،293
4أيضاً ،باب إن الئمة لم يفعلوا شيئًا ول يفعلون إل بعهد من ال ج 1ص .. 280
197
" لما قضى محمد نبوته ،واستكمل أيامه ،أوحى ال تعالى إليه أن يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك ،
فاجعل العلم الذي عندك واليمان والسم الكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي
طالب ،فإني لن أقطع العلم واليمان والسم الكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك ،كما لم
أقطعها من ذريات النبياء " . 1
هذا عين ما قاله عبدال بن سبأ والسبئية :أن يوشع بن نون وصي موسى ،وعلي وصي رسول ال .وإن إمامة
علي لفرض من ال عز وجل. 2
الغـيــــبـة
وأما القول بالغيبة والرجعة ،فلقد تلقفه الشيعة من السبئية منذ تطور الشيعة وانقراض الشيعة الولى ،فلقد قالوا
في كل من زعموا إمامته من علي رضي ال عنه إلى الغائب الموهوم الذي لم يولد .
ولقد ذكرنا فيما مر من أقوالهم في واحد واحد من أئمتهم ونقتصر هاهنا على ما يقوله الشيعة الثنا عشرية في
غائبهم الموهوم ،فيقولون :إنه ولد للحسن العسكري ولد ،على اختلف مقولتهم في ذلك كما سبق ذكره في
الباب السابق ،ثم يقولون :أنه غاب عن العين ،وله غيبتان :الغيبة الصغرى ،والغيبة الكبرى .
كما كذبوا على جعفر أنه قال :
" للقائم غيبتان ،إحداهما قصيرة ،والخرى طويلة .الغيبة الولى ل يعلم بمكانه فيها إل خاصة شيعته ،
والخرى ل يعلم بمكانه فيها إل خاصة مواليه " . 3
وعنه أيضاً أنه قال :
" لصاحب هذا المر غيبتان ،إحداهما يرجع منها إلى أهله ،والخرى يقال :هلك ،في أي واد سلك ؟ قلت :
كيف نصنع إذا كان كذلك ؟ قال :إذا ادعاها مدع ،فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله " . 4
5
وعن أبيه مثله
" أما غيبته الصغرى منهما ،فهي التي كانت فيها سفراؤه موجودين ،وأبوابه معروفين .ل تختلف المامية
القائلون بإمامة الحسن بن علي ،فهم منهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ،ومحمد بن علي بن بلل ،وأبو
عمر وعثمان بن سعيد السمان ،وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان ،وعمر الهوازي ،وأحمد بن إسحاق ،وأبو
محمد الوجناني ،وإبراهيم بن مهزيار ،ومحمد بن إبراهيم في جماعة أخرى ربما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم
في الرواية عنهم .
وكانت مدة هذه الغيبة ،أربعاً وسبعين سنة .وكان أبو عمر وعثمان بن سعيد العمري باباً لبيه وجده من قبل ،
وثقة لهما .ثم تولى الباقية من قبله ،وظهرت المعجزات على يده .
ولما مضى لسبيله ،قام ابنه محمد مقامه رحمهما ال بنصه عليه .ومضى على منهاج أبيه في آخر جمادى
الخرة من سنة أربع أو خمس وثلثمائة .
وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت ،بنص أبي جعفر محمد بن عثمان عليه وأقامه مقام
نفسه ،ومات في شعبان سنة ست وعشرين وثلثمائة .
وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمد العمري بنص أبي القاسم عليه ،وتوفي لنصف من شعبان سنة ثمان
وعشرين وثلثمائة .
198
فروي عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب أنه قال :كنت بمدينة السلم في السنة التي توفي فيها علي بن
محمد السمري ،فحضرته قبل وفاته بأيام ،فخرج وأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته :بسم ال الرحمن الرحيم ،يا
علي بن محمد السمري ،أعظم ال أجر إخوانك فيك ،فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ،فاجمع أمرك ،ول
توص لحد يقوم مقامك بعد وفاتك ،فقد وقعت الغيبة التامة ،فل ظهور إل بعد أن يأذن ال تعالى ذكره ،وذلك
بعد طول المد وقسوة القلوب وامتلء الرض جوراً ،وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ،أل فمن يدعي
المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة ،فهو كذاب مفتر ،ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم .
قال :فانتسخنا هذا التوقيع ،وخرجنا من عنده .فلما كان اليوم السادس ،عدنا وهو بنفسه ،فقيل له :من وصيك
؟ .قال :ل أمر هو بالغه ،فقضى .
فهذا آخر كلم سُمع منه .
1
ثم حصلت الغيبة الطولى التي نحن في أزمانها ،والفرج يكون في آخرها بمشيئة ال تعالى " .
وأما أين يستقر غائبهم ،وماذا يعمل .فيقولون إنه مستقر في سرداب سامراء ،كما يروي القطب الراوندي " أن
العباسيين بعثوا عسكراً ،فلما دخلوا الدار ،سمعوا من السرداب قراءة القرآن ،فاجتمعوا على بابه وحفظوه حتى
ل يصعد ول يخرج ،وأميرهم قائم حتى يصل العسكر كلهم ،فخرج من السكة على باب السرداب ومر عليهم ،
فلما غاب ،قال المير :إنزلوا عليه ،فقالوا :أليس هو قد مر عليك ؟ فقال :ما رأيت ،وقال :ولمَ تركتموه ؟
قالوا :إنا حسبنا أنك تراه " . 2
أو برضوى – الجبل الذي يقولون فيه أنه غاب فيه محمد بن الحنفية ،كما نقلنا عن السيد الحميري شاعر الشيعة
أنه قال :
5
تغيب ل يرى فيهم زماناً *** برضوى عنده عسل وماء .
وأما الجزائري ،فقد ذكر قصة طويلة غريبة عجيبة ،أنه يذكر الجزر التي مسيرة مدتها سنة :
" ل يوجد في أهل تلك الخطط والضياع غير المؤمن الشيعي الموحد ،القائل بالبراءة والولية ..سلطينهم أولد
9
إمامهم ،يحكمون بالعدل وبه يأمرون ،ولو جمع أهل الدنيا لكانوا أكثر منها على اختلف الديان والمذاهب "
.
1أعلم الورى للطبرسي ص . 445
2كتاب الخرائج للرواني نقلً عن كشف الستار عن وجه الغائب عن البصار للنوري الطبرسي ص 211ط .طهران ،الفصول المهمة ص 293
ط منشورات العلمي طهران .
3الكافي في الصول ،كتاب الحجة ج 1ص ، 328الفصول المهمة ص . 292
4كشف الستار ص . 215
5فجر السلم لحمد أمين ص . 273
6كشف الستار ص . 215
7النوار النعمانية للجزائري ج 2ص . 65
8بحار النوار للمجلسي ج 13باب جزيرة الخضراء .
9أنظر النوار النعمانية لمحدّث الشيعة الجزائري ،باب نور في ولدة عليه السلم ج 2ص 58وما بعد .
199
وكذلك يقولون :إنه في جابـلقاء ،أو في جابلساء ،وغيرها من الخرافات .
200
متوجه إلى بغداد ،وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلء ،فاصحبني .فأصعد معه ،وأحضر الطباء ،
فقالوا كما قال أولئك ،فضاق صدره .فقال له السعيد :إن الشرع قد فسح لك في الصلة في هذه الثياب ،وعليك
الجتهاد في الحتراس ،ول تغرر بنفسك ،فال تعالى قد نهى عن ذلك ،ورسوله .فقال له والدي :إذا كان
المر على ذلك ،وقد وصلت إلى بغداد ،فأتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى ،على مشرفة السلم
.ثم أنحدر إلى أهلي ،فحسن ذلك .
فترك ثيابه ونفـقته عند السعيد رضي الدين وتوجه .قال :فلما دخلت المشهد ،وزرت الئمة عليهم السلم
ونزلت السرداب ،واستغثت بال تعالى وبالمام عليه السلم ،وقضيت بعض الوقت في السرداب ،وبت في
المشهد إلى الخميس ،ثم مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً ،وملئت إبريقا كان معي ،وصعدت أريد
المشهد .
فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور ،وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم .فحسبتهم
منهم ،فالتقينا .فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط ،وكل واحد منهم متقلد بسيف ،وشيخاً بيده رمح والخر
متقلد بسيف ،وعليه فرجية ملونة فوق السيف ،وهو متحنك بعذبته .
فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ،ووضع كعب في الرض ،ووقف الشابان عن يسار الطريق ،وبقي
صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ،ثم سلموا عليه ،فردّ عليهم السلم .
فقال له صاحب الفرجية :أنت غداً تروح إلى أهلك ؟ فقال :نعم ،فقال له :تقدم حتى أبصر ما يوجعك .قال :
فكرهت ملمستهم وقلت في نفسي :أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة وأنا قد خرجت من الماء
وقميصي مبلول .ثم إني بعد ذلك تقدمت إليه فلزمني بيده ومدني إليه ،وجعل يلمس جانبي من كتفي ،إلى أن
أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني ،ثم استوى في سرجه كما كان .
فقال لي الشيخ :أفلحت يا إسماعيل .فعجبت من معرفته بإسمي ،فقلت :أفلحنا وأفلحتم إن شاء ال .قال :فقال
لي الشيخ :هذا هو المام .فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلت فخذه .
ثم أنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه ،فقال :ارجع ،فقلت :ل أفارقك أبداً .فقال :المصلحة رجوعك .فأعدت
عليه مثل القول الول .فقال الشيخ :يا إسماعيل ،ما تستحي يقول لك المام مرتين إرجع وتخالفه ؟ فجبهني
بهذا القول ،فوقـفت .فتقدم خطوات والتفت إلي وقال :إذا وصلت بغداد ،فل بد أن يطلبك أبو جعـفر ،يعني
الخليفة المستنصر رحمه ال ،فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئًا فل تأخذه ،وقل لولدنا الرضى ليكتب لك إلى
علي بن عوض ،فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد .
ثم سار وأصحابه معه .
فلم أزل قائماً أبصرهم ،إلى أن غابوا عني ،وحصل عندي أسف لمفارقته .فقعدت إلى الرض ساعة ،ومشيت
إلى المشهد .فاجتمع القوم حولي ،وقالوا :نرى وجهك متغير ،أوجعك شيء؟ قلت :ل .قالوا :أخاصمك
أحد ؟ .قلت :ل ،ليس عندي مما تقولون خبر ،لكن أسألكم ،هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم ؟ .فقالوا :
هم من الشرفاء أرباب الغنم .
فقلت :ل ،بل هو المام عليه السلم .فقالوا :المام هو الشيخ أو صاحب الفرجية ؟ فقلت :هو صاحب
الفرجية .فقالوا :أريته المرض الذي فيك ؟ فقلت :هو قبضه بيده وأوجعني ،ثم كشف رجلي فلم أر لذلك
المرض أثراً ،فداخلني الشك من الدهش ،فأخرجت رجلي الخرى فلم أرَ شيئاً " . 1
كما حكى ،أن أبا عطوة ،كان به أدرة ،وكان زيدي المذهب ،وكان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب المامية ،
ويقول :ل أصدقكم ول أقول بمذهبكم حتى يجيء صاحبكم -يعني المهدي -فيبرئني من هذا المرض ،وتكرر
هذا القول منه ،فبينا نحن مجتمعون عند وقت عشاء الخرة ،إذا أبونا يصيح و يستغيث بنا ،فأتيناه سراعاً ،
فقال :ألحقوا صاحبكم ،فالساعة خرج من عندي .فخرجنا ،فلم نرَ أحداً ،فعدنا إليه ،وسألناه ،فقال :أنه دخل
إليّ شخص ،وقال :يا عـطوة ،فقلت :من أنت ؟ فقال :أنا صحب بنيك ،قد جئت لبـرئك مما بك .ثم مد يده
فعصر قروتي ومشى ،ومددت يدي فلم أر لها أثراً .قال لي ولده :وبقي مثل الغزال ليس به قلبه .
واشتهرت هذه القصة ،وسألت عنها غير ابنه ،فأخبر عنها ،فأق ّر بها .والخبار عنه عليه السلم في هذا الباب
كثيرة .وأنه رآه جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز وغيرها ،فخلصهم ،وأوصلهم إلى حث أرادوا " . 2
1كشف الغمة للربلي ج 3ص ،285 ،284 ،283منتهى المال للعباس القمي ص . 1244
2كشف الغمة للربلي ج 3ص . 287
201
فهذا هو غائبهم ،وهذه هي الساطير والقصص التي يحكونها عنه غيـبـته .
الـرجــعـــة
وأما الرجـعة ،فقال بها الشيعة الثني عشرية طبق ما قاله عبدال بن سبأ .بفرق أنه قال في علي رضي ال عنه
،وهؤلء قالوا في معدومهم .
والجدير بالذكر ،أن هذه العقيدة من العقائد التي فشت وانتشرت في جميع فرق الشيعة في مختلف العصور غير
الشيعة الولى ،كما ذكرناها في البواب السابقة .
ثم لم يكتف الشيعة الثنا عشرية بالقول إن معدومهم الغائب هو الذي سيرجع ،بل قالوا أكثر من ذلك ،وهو أنه
يرجع ويرجع الخرون من الشيعة وأئمتهم وأعدائهم حسب زعمهم .وهناك روايات وأكاذيب ل ُتعد ول ُتحصى
في هذا المعنى .
وقد صنفت في هذا الخصوص كتب مستقـلة عديدة .فنختار من الساطير المضحكة والقصص المبكية أخباراً
قليلة ،لوضع النقاط على الحروف ،ولتمييز الحقائق عن أن القـوم ماذا يقـولون ،وماذا يعتـقدون .وإلى أي حد
ينقمون قوم رسول ال وقبيلته ،أصحابه وأزواجه ،أمته وشريعته التي جاء بها من ال عز وجل ،والقرآن الذي
نزل عليه ،والمر الذي أعطاه متبعيه والمؤمنين به .
عقيدة الشيعة التي توارثها من اليهودية وعملء عبدال بن سبأ وطائفته ،وتناقلوها جيلً بعد جيل .والتي قال
عنها كبيرهم وخاتمة محدثيهم المل باقر المجلسي صاحب ( بحار النوار ) بعد سرد الخبار الكثيرة عن
الرجعـة :
" اعلم يا أخي ،أني ل أظنك ترتاب بعد ما مهدّت وأوضحت لك بالقول في الرجعة التي أجمعت عليها الشيعة
في جميع العصار ،واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار ...وكيف يشك مؤمن بأحقية الئمة الطهار فيما
تواترت عنهم من مائتي حديث صريح رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء العلم في أزيد من
خمسين من مؤلفاتهم " . 1
202
فلقد كذب الشيعة على الحسن بن علي رضي ال عنهما .أنه لما صالح معاوية ،دخل عليه الناس ،فلمه
بعضهم على بيعته ،فقال :
"ويحكم ،ما تدرون ما علمت ،وال الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت ،أل تعلمون
أني إمامكم ،ومفترض الطاعة عليكم ،وأحد سيدي شباب أهل الجنة ،بنص رسول ال عليّ ؟
قالوا :بلى ،قال :أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وقتل الغلم وأقام الجدار كان ذلك سخطاً لموسى ،إذ
خفى عليه وجه الحكمة في ذلك ،وكان عند ال تعالى ذكره حكمه وصواباً ؟ أما علمتم أنه ما ما منا أحد إل ويقع
في عنقه بيعة لطاغية زمانه إل القائم الذي يصلي روح ال عيسى بن مريم خلفه ،فإن ال عز وجل يخفي
ولدته ،ويغيب شخصه لئل يكون لحد عنقـه بيعة إذا خرج ذلك التاسع من ولد أخي الحسين بن سيدة الماء ،
يطيل ال عمره في غيبته ،ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ،ذلك ليعلم أن ال على كل شيء
قدير " . 1
ومثل ذلك ما رووه عن جعفر أنه قال :
" من أقرّ بجميع الئمة وجحد المهدي ،كان كمن أقرّ بجميع النبياء وجحد محمد صلى ال عليه وآله وسلم نبوته
.فقيل له :يا ابن رسول ال ،فمن المهدي من ولدك ؟ قال :الخامس ولد السابع يغيب عنكم شخصه ول يحل
لكم تسميته " . 2
مـنـزلـتـه وشأنـه
ومتى يـرجـع ؟
203
" أتيت أمير المؤمنين عليه السلم ،فوجدته متفكرًا ينكت في الرض ،فقلت :يا أمير المؤمنين ،مالي أراك
متفكراً تنكت الرض ،أرغبة منك فيها ؟ فقال :ل وال ما رغبت فيها ول في الدنيا يوماً قط ،ولكني فكرت في
ل وقسطاً ،كما مُـلئت
مولود يكون من ظهري ،الحادي عشر من ولدي ،هو المهدي الذي يمل الرض عد ً
جوراً وظلما ،تكون له غيبة وحيرة ،يضل فيها أقوام ،ويهتدي فيها آخرون ،فقلت :يا أمير المؤمنين ،وكم
تكون له الحيرة والغيبة ؟ قال :ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين .قلت :وإن هذا لكائن ؟ فقال :نعم كما أنه
مخلوق وأنى بهذا المر يا أصبغ أولئك خيار هذه المة مع خيار أبرار هذه العترة " . 1
وهكذا كان الشيعة يعللون بالماني بخروج قائمهم ورجوع مهديهم ،كما أقرّ بذلك إمامهم السابع موسى بن جعفر
.كما رواه الكليني في ( كافيه ) والنعماني 7في ( غيبته ) كي ل يرجع الشيعة عن تشيّـعهم ،فهذا هو النص :
" عن يقطين ،أنه قال لبنه علي بن يقطين :
ما بالنا قيل لنا فكان ،وقيل لكم فلم يكن -يعني أمر بني العباس -؟ فقال له علي :إن الذي قيل لكم ولنا من
مخرج واحد ،غير أن أمركم حضر ( وقته ) فأعطيتم محضه فكان كما ما قيل لكم ،وإن أمرنا لم يحضر ،
فعللنا بالماني .ولو قيل لنا أن هذا المر ل يكون إل إلى مائتي سنة أو ثلثمائة سنة ،لقست القلوب ،ولرجع
الناس عن السلم .ولكن قالوا :ما أسرعه وما أقربه ،تألفاً لقلوب الناس وتقريباً للفرج " . 8
ولقد نقل الجزائري عن المجلسي ،أنه كان يرى وقت خروجه أيام الدولة الصفوية ،مستدلً من الحاديث الثلثة
،فهذه هي عبارته :
1الصول من الكافي ،كتاب الحجة ج 1ص . 338
2الصول من الكافي ج 1ص . 368
3كتاب الغيبة للنعماني ص 292ط .طهران .
4الرشاد للمفيد ص .260
5أيضاً .
6كتاب الغيبة للنعماني ص .295،294
" 7هو أبو عبدال محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني ،وقد كان من كبار محدّثي المامية في أوائل القرن الرابع .وإنه من تلمذة ثقة
السلم محمد بن إسحاق بن يعقوب الكليني ،كان مؤلفاً جيد النظر ،حسن الستنباط ،وافر السهم في معرفة الرجال وأحاديثهم .ومن أهم مؤلفاته
كتاب الغيبة .قال فيه النجاشي :
النعماني شيخ من أصحابنا ،عظيم القدر ،شريف المنزلة ،صحيح العقيدة ،كثير الحديث " ( مقدمة كتاب الغيبة ص ) 12 ،11
8الكافي للكليني كتاب الحجة ،باب كراهية التوقيت ج 1ص ، 369كتاب الغيبة للنعماني -296، 295واللفظ له .
204
" إعلم أنه قد وردت أخبار مجملة ،وقد نقلها الصحاب على إجمالها ولم يتعرضوا لبيان معناها ،وذلك أنها
أخبار متشابهة ،يجب علينا الذعان لها من باب التسليم .ولما انتهت النوبة إلى شيخنا المحقق رئيس المحدثين
وخاتمة المجتهدين المولى المجلسي صاحب كتاب بحار النوار أدام ال أيام إفاداته ،وأجزل في الخرة مثوباته
وسعادته ،توجه إلى إيضاحها وتفسيرها ،وطبق بعضها على وقت تعيين ظهور الدولة الصفوية أعلى ال منار
بنيانها ،وشيّد رفيع أركانها .وطبق البعض الخر على تعيين وقت ظهور مولنا صاحب الزمان عليه ألف
سلم ،فلننقل تلك الخبار على وجهها ،ثم نذكر ما أفاده سلمه ال تعالى من البيان واليضاح .
ل المحدّث محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة بسنده إلى أبي خالد
الحديث الول :ما رواه الشيخ الج ّ
الكابلي عن الباقر عليه السلم أنه قال :كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق ،يطلبون الحق فل يعطونه ،فإذا رأوا
ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم ،فيُعطون ما سألوا فل يـقبلونه حتى يقوموا ،ول يدفعونها إل إلى
صاحبكم ،قتلهم شهداء .
قال أدام ال أيامه ،أنه ل يخفى على أهل البصائر أنه لم يخرج من المشرق سوى أرباب السلسلة الصفوية ،
وهو الشاه إسماعيل أعلى ال مقامه في دار المقامة .وقوله عليه السلم ،ل يدفعونها إل إلى صاحبكم :المراد
به القائم عليه السلم .فيكون في هذا الحديث إشارة إلى اتصال دولة الصفوية بدولة المهدي عليه السلم ،فهم
الذين يسلمون الملك له عند نزوله بل نزاع وجدال .
الحديث الثاني :ما رواه النعماني أيضاً في ذلك الكتاب بإسناد معتبر إلى الصادق عليه السلم ،قال :بينا أمير
المؤمنين عليه السلم يحدّث في الوقائع التي تجري بعده إلى ظهور المهدي عليه السلم ،فقال له الحسين عليه
السلم :يا أمير المؤمنين ،في أي وقت يطّهر ال الرض من الظالمين ؟ فقال عليه السلم :ل يكون هذا حتى
تراق دماء كثيرة على الرض بل حق .ثم إنه عليه السلم فصل أحوال بني أمية وبني العباس في حديث طويل
إختصره الراوي ،فقال أمير المؤمنين عليه السلم :إذا قام القائم بخراسان ،وغلب على أرض كوفان وملطان ،
وتعدى جزيرة بني كاوان ،وقام منها قائم بجيلن ،وأجابته البر والديلم ،وظهرت لولدي رايات الترك
متفرقات في القطار والحرمات ،وكانوا بين هنات وهنات ،إذا خربت البصرة ،وقام أميرالمرة ،فحكى عليه
السلم حكاية طويلة ،ثم قال :إذا جهزت اللوف ،وصفت الصفوف ،وقتل الكبش الخروف ،هناك يقوم الخر
،ويثور الثائر ،ويهلك الكافر .ثم يقوم القائم المأمول ،والمام المجهول له الشرق والفضل ،وهو من ولدك يا
حسين ل إبن مثله ،يظهر بين الركنين في ذر يسير يظهر على الثقلين ول يترك في الرض الدنين ،طوبى
لمن أدرك زمانه ولحق أوانه وشهد أيامه .
قال ضاعف ال أيام سعادته :جزيرة بني كاوان جزيرة حول البصرة ،وأهل البر جماعة في قرب أسترآباد ،
والديلم هم أهل قزوين وماوالها ،والحرمات المكنة الشريفة ،قوله هنات وهنات أي حروب عظيمة ووقائع
كثيرة في وقت خراب البصرة ،والمراد بالقائم المأمول هو المهدي عليه السلم ،والمراد بالركنين ،ركنا الكعبة
،وهو الركن والحطيم ،الذي هو محل خروجه عليه السلم .وقوله ذر يسير المراد به الجماعة القليلة ،وهم
شهداء بدر .وقوله يظهر على الثقلين ،يعني به أنه عليه السلم ،يغلب على الجن والنس ،سميا به لنهما
يثقلن الرض بالستقرار فوقها ،أو لنهما أشرف المخلوقات السفلية ،والعرب تسمى الشريف ثقلً لحلمه
ورزانته .وقيل إنما سميا به ،لنهما قد ثقل بالتكليف ،فهما ثقلن بمعنى مثقلن .وقوله الدنين جمع أدنى ،
وهم أراذل الناس وأدناهم .والمراد بهم الظالمون الكافرون .
ثم قال سلمه ال تعالى :الظاهر أن المراد بأهل الخروج من خراسان هم أمراء الترك ،مثل جنكيزخان ،
وهولكوخان .
والمراد بالخارج من جيلن هو الشاه المؤيد الشاه إسماعيل ،ومن ثم أضافه عليه السلم إلى نفسه وسماه ولده .
والمراد بأمير المرة ،إما ذلك السلطان المذكور أو غيره من السلطين الصفوية .وقوله وقتل الكبش
الخروف ،الظاهر أنه إشارة إلى المرحوم صفي الدين ميرزا ،فإن أباه وهو المرحوم الشاه عباس الول قد قتله
.وقوله يقوم الخر ،المراد به المرحوم الشاه صفي ،فإنه أخذ دمه ،وأول من قتله هو الذي باشر قتل أبيه
صفي ميرزا .وقوله عليه السلم ثم يقوم القائم المأمول إشارة أيضاً إلى اتصال الدولة الصفوية بالدولة المهدوية
على صاحبها السلم .
205
ل محمد بن مسعود العياشي ،وهو من ثقات المحدّثين في كتاب التفسير عن أبي الحديث الثالث :رواه الشيخ الج ّ
لبيد المخزومي عن الباقر عليه السلم ،بعدما ذكر ملك شقاوة بني العباس ،قال :يا أبا لبيد ،إن حروف القرآن
المقطعة لعلماً جماً ،إن ال تعالى أنزل ألم ذلك الكتاب ،فقام محمد صلى ال عليه وآله حتى ظهر نوره ،وثبتت
كلمته ،وولد يوم ولد وقد مضى من اللف السابع مائة سنة وثلث سنين .ثم قال :وتبيانه في كتاب ال في
الحروف المقطعة إذا عددتها من غير تكرار ،وليس من الحروف المقطعة حرف ينقضي إل وقيام قائم من بني
هاشم عند انقضائه .
ثم قال :اللف واحد ،واللم ثلثون ،والميم أربعون ،والصاد تسعون ،فذلك مائه وواحد وستون .ثم كان
بدء خروج الحسين بن علي عليه السلم ألم ال ،فلما بلغت مدته ،قام قائم ولد العباس عند المص .ويقوم قائمنا
عند انقضائها بالر .فافهم ذلك ،وعه واكتمه .
قال ذلك المحقق أيده ال تعالى :قوله عليه السلم من اللف السابع المراد به من ابتداء خلق أبينا آدم عليه السلم
.ثم قال أيده ال تعالى :إن هذا الحديث في غاية الشكال ،وقد ذكرنا له وجوهًا في كتاب بحار النوار ،
ولنذكرهنا وجهاً واحداً ،ولكنه مبني عل تمهيد مقدمة ،وهي أن المعلوم من كتب الحساب المعتبرة ،أن حساب
أبجد له اصطلحات مختلفة ،ومناط حساب هذا الحديث على اصطلح أهل المغرب ،وقد كان شائعاً بين
العرب في العصار السابقة ،وهو هذا صعفض قرست ثخذ ضغش .فالصاد عندهم ستون ،والضاد تسعون ،
والسين ثلثمأة ،والظاء ثمانمأة ،والغين تسعمأة ،الشين ألف .وباقي الحروف على موافقة المشهور .
إذا عرفت هذه المقدمة ،فاعلم أن تاريخ ولدة نبينا صلى ال عليه وآله ،يظهر من جميع فواتح السور ،ولكن
باسقاط الحروف المكررة ،مثلً ألم و الر و حم ،وغيرها من المكررات ،ل يُؤخذ منه الحساب إل واحد .
وكذلك الحروف المبسوطة مثل ألف را ،ل يُحسب منه إل ثلثة ،وكذا لم را ونحو ذلك ،وحينئذ فألف لم ميم
،ألف لم ميم ،صاد ألف لم ،را ألف لم ،ميم را ،كاف ها يا عين صاد ،طا ها ،طا سين ،يا سين ،صاد
حا ميم ،عين سين قاف قاف نون .
إذا عددت حروفها تكون مئة وثلثاً من وقت خلق أبينا آدم عليه السلم إلى وقت ولدة النبي صلى ال عليه وآله
يكون على وفق هذا الحديث ستة آلف سنة ومئة وثلثون ( ثلث سنين ظ ) والول من كل ألف سنة تاريخ ،
وأول كل سابع من آلف مائة وثلث يكون قد مضت .وعدد هذه الحروف أيضاً يكون مأة وثلثة على ما عرفت
،فيكون ألم الذي في أول سورة البقرة ،إشارة إلى مبعث نبينا صلى ال عليه وآله ،وقوله عليه السلم وليس
حرف ينقضي إل وقيام قائم من بني هاشم عند انقضائه واضح على هذا .
وذلك أول دولة بني هاشم ابتداؤها من عبدالمطلب .ومن ظهور دولة عبدالمطلب إلى ظهور دولة نبينا صلى
ال عليه وآله إحدى وسبعين سنة تقريباً عدد ألم بحساب أبجد على ترتيب القرآن بعد ألم البقرة وألم آل عمران ،
وهو إشارة إلى خروج الحسين عليه السلم .فإنه من ابتداء رواج دولة النبي صلى ال عليه وآله إلى وقت
خروج الحسين عليه السلم إحدى وسبعون سنة تقريباً .وأيضاً بحسب ترتيب سور القرآن ،ألمص ،وهو إشارة
إلى خروج بني العباس ،فإنهم من بني هاشم أيضاً ،وإن كانوا غير محقين في أمر الخروج .
وبحساب أبجد على طريق المغاربة مئة وواحد وثلثون ،ومن أول بعثة النبي صلى ال عليه وآله إلى وقت
ظهور دولتهم مئة وواحد وثلثون ،وإن كان إلى زمان بيعتهم أكثر .
ويحتمل أن يكون ابتداء هذا التاريخ من وقت نزول سورة العراف فيكون مطابقاً لوقت بيعتهم وعلى حساب
ألمص على طريق المغاربة .يبني الحديث المروي في كتاب معاني الخبار وسنذكره إن شاء ال تعالى .
وأما كون قيام القائم عليه السلم مبنياً على حساب ألر ،فالذي يخطر بخاطري أن الرقد وقع في القرآن في
خمسة مواضع ،وينبغي لبيانه كما تعرض لبيان ألم ومجموعة ألف ومئة وخمس وخمسون سنة تقريباً ،من سنة
تحرير هذه الرسالة ،وهو سنة ألف وثمان وسبعون من الهجرة ،فيكون قد بقى من وقت خروجه عليه السلم
( سبعة وسبعون ظ ) خمس وستون سنة لما كان مبدأ هذه التواريخ من أوائل البعثة ،هذا محصل كلمه سلمه
ال تعالى " . 1
وقد مضى خمس وستون سنة وسبع وسبعون سنة وأكثرعلى ذلك الوقت ،ولم يأن لقائمهم أن يرجع ،وليس
لمعدوم أن يوجد .
1
النوار النعمانية لنعمت ال الجزائري ص 76إلى . 80
206
وما أحسن ما قاله قائل :
207
فيأمر ال عز وجل بنور فيصير عموداً من الرض إلى السماء ،يستضيئ به كل مؤمن على وجه الرض ،
ويدخل عليه نور في جوف بيته ،فتفرح نفوس المؤمنين بذلك وهو ل يعلمون بظهور قائمنا .ثم يصبحون وقوفاً
ل بعدة أصحاب رسول ال صلى ال عليه وآله ،يوم بدر " . 1 بين يديه .وهم ثلثمائة وثلثة عشر رج ً
ويقول وهومسند ظهره إلى الكعبة :
" يا معشر الخلئق ،أل من أراد أن ينظر إلى آدم وشيث ،فهاأنا ذا آدم وشيث ،أل من أراد أن ينظر إلى
إبراهيم وولده إسماعيل ،فهاأنا ذا إبراهيم وإسماعيل .أل من أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون ،فها أنا ذا
عيسى وشمعون .أل من أراد أن ينظر إلى محمد وأمير المؤمنين ،فها أنا ذا محمد وأمير المؤمنين .ومن أراد
أن ينظر إلى الحسن والحسين فها أنا ذا الحسن والحسين .أل من أراد أن ينظر إلى الئمة من ولد الحسين ،فها
أنا ذا الئمة .
أجيبوا مسألتي ،فإني أنبئكم بما نبئتم به أو لم تنبئوا به ،ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني .
ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها ال لدم وشيث ،فتقول أمة آدم وشيث :هذه وال الصحف حقاً ،ولقد رأينا ما لم
نعلمه فيها وما كان أسقط منها وبدّل وحرّف .ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم حقا ،ثم يقرأ التوراة
والنجيل والزبور ،فيقول أهل التوراة والنجيل والزبور :هذه وال التوراة الجامعة والنجيل الكامل ،وإنها
أضعاف ما ترى فيها .ثم يتلو القرآن ،فيقول المسلمون :هذا وال القرآن وما حرف وما بدل " . 2
ويكون في صورة شاب مؤنق ،إبن إثنتين وثلثين سنة .كما كذبوا عن جعفر أنه قال :
" لو قد قام القائم لنكره الناس ،لنه يرجع إليهم شاباً مؤنقاً ل يثبت عليه إل من قد أخذ ال ميثاقه في الذر الول
،وفي رواية :القائم يعمر عمر الخليل عشرين ومائة سنة يدري به – ثم يغيب غيبة في الدهر ،ويظهر في
صورة شاب مؤنق إبن ثلثين سنة " . 3
فيبايعه أول من يبايعه جبرئيل كما روى الطوسي وغيره :
" أن جبرائيل يأتيه ،ويسأله ويقول له :
إلى أي شيئ تدعو ؟ فيخبره القائم .فيقول جبرئيل :فأنا أول من يبايع ،ثم يقول له :مد كفك .فيمسح على يديه
". 4
وذكر البحراني :أن جبرئيل ينزل على الميزاب في صورة طائر أبيض ،حتى يكون أول من خلق ال جبرئيل .
.5
ول جبرئيل وحده ،بل الملئكة الخرون أيضًا كما روى الجزائري عن جعفر أنه قال :
" إن القائم يسند ظهره إلى الحرم ،ويمد يده فترى بيضاء من غير سوء ،فيقول :هذه يد ال ...ويكون أول
من يقبل يده جبرئيل ،ثم يبايعه الملئكة ،ثم نجباء الجن ،ثم نقباء المؤمنين " . 7
ويُؤيد هذا ،ما ذكره المفيد والطبرسي وابن الفتال والبحراني والنعماني وغيرهم كذباً على محمد الباقر أنه
قال :
208
" كأني بالقائم على نجف الكوفة ،قد سار إليه من مكة في خمسة آلف من الملئكة ،جبرئيل عن يمينه ،ميكئيل
1
عن شماله ،والمؤمنون بين يديه ،وهو يفرق الجنود في البلد "
ول خمسة آلف فقط ،بل ينحط عليه ثلثة عشر ألف ملك وثلثمائة وثلثة عشر ملكاً ،قلت :كل هؤلء
الملئكة ؟ قال :نعم ،الذين كانوا مع نوح في السفينة ،والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقى في النار ،والذين
كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل ،والذين كانوا مع عيسى حين رفعه ال إليه ،وأربعة آلف ملك
كانوا مع النبي صلى ال عليه وآله مسومين ،وألف مردفين ،وثلثمائة وثلثة عشر ملئكة بدريين ..وأربعة
آلف هبطوا يريدون القتال مع الحسين (ع) فلم يُؤذن لهم في القتال ..و كل هؤلء في الرض ،ينتظرون قيام
2
القائم عليه السلم إلى وقت خروجه عليه صلوات ال والسلم"
" وأن أربعة اللف الذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين فلم يُؤذن لهم ،بقوا عند قبره شعثاً غبراً إلى يوم
القيامة ،ورئيسهم ملك يُـقال له منصور .فل يزوره زائر إل استقبلوه ،ول يودعه مودع إل شيّعوه ،ول
مريض إل عادوه ،ول يموت ميت إل صلوا عليه " . 5
ومن أكاذيب الشيعة الشنيعة ،والكره الذي توارثوه عن اليهودية والمجوسية الذين دُمرت شوكتهم ،وقضى على
سلطانهم وملكهم من قبل مسلمي العرب ،وعلى أيدي قادتهم من قريش .ومن شدة نقمتهم وحسدهم وحقدهم ،
قالوا :
إن القائم يبدأ أول ما يبدأ بقتل قريش وصلبهم ،الحياء منهم والموات ،ويضع في العرب السيف ،فقالوا :
" عن أبي جعفر عليه السلم أنه قال :
لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج ،لحب أكثرهم أل يروه مما يقتل من الناس ،أما أنه ل يبدأ إل بقريش ،
فل يأخذ منها إل السيف ،ول يعطيها إل السيف ،حتى يقول كثير من الناس :هذا ليس من آل محمد ،ولو كان
من آل محمد لرحم " . 6
كتاب الغيبة 1الرشاد المفيد ص ،362أعلم الورى للطبرسي ص ، 460روضة الواعظين للفتال ص ، 264البرهان للبحراني ج 2ص ، 82
للنعماني ص . 334
2كامل الزيارات لبن قولويه ص . 120
3ص . 310،109
4أنظر كتاب الغيبة للنعماني ص . 309
5أيضاً ص . 311
6أيضاً ص . 233
7الرشاد للمفيد ص ، 364أعلم الورى للطبرسي ص ، 461زمثله في كتاب الغيبة للنعماني ص . 235
8كتاب الغيبة للنعماني ص . 235
209
" إذا خرج القائم ،لم يكن بينه وبين قريش إل السيف ،ما يأخذ منها إل السيف ،وما يستعجلون بخروج القائم ؟
...وما هو إل السيف ،والموت تحت ظل السيوف " . 9
فانظر الحقد والوتر على العرب عامة و على قريش خاصة .وهل هناك شك بعد ذلك في يهودية القوم
ومجوسيتهم ؟ أو تأسيس اليهودية وتكوين العنصر اليراني عقائدهم ومعتقداتهم ؟
ول يكتفي بقتل الحياء منهم ،ول يروي عطشه دم هذا القدر من الناس ،بل يبدأ بالموات -حسب
أساطيرهم وأباطيلهم -فيحييهم ثم يقتلهم ،كما ذكروا أنه في عصره يحيي يزيد بن معاوية وأصحابه
4
فيُـقـتلون حذو القذة بالقذة .
وليس هذا فحسب ،بل جازفوا في القول ،حتى قالوا :
" لو قام قائمنا ،رد بالحميراء ( أي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي ال عنهما ) حتى يجلدها
الحد ،وينتقم لبنة محمد صلى ال عليه وآله ". 5
وأكثر من ذلك ،بلغوا في اللؤم والخبث والحقد لحاملي رايات السلم ،ومعلني كلمته ،ومبلغي رسالته ،
ومدمري حضارة اليهود وشوكة المجوسية ،إلى حد لم يتصوره العقل ،ولم ترض به النسانية ،فقالوا :
" إن القائم قال :أل أنبئك بالخبر .أنه إذا فقد الصبي ،وتحرك المغربي ،وسار العماني ،وبويع السفياني ،
يأذن ال لي فأخرج بين الصفا والمروة في ثلثمائة وثلثة عشر رجلً سواء .فأجيئ إلى الكوفة ،وأهدم
مسجدها وأبنيه على بنائه الول ،وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة ،و أحج بالناس حجة السلم .وأجيئ
إلى يثرب ،وأهدم الحجرة ،وأخرج من بها وهما طريان ،فآمر بهما تجاه البقيع ،وآمر بالخشبتين يصلبان
عليهما ،فتورق من تحتها ،فيفـتتن الناس بهما أشد من الفتنة الولى ،فينادي مناد من السماء :أبيدي ،ويا
أرض خذي .فيومئذ ل يبقى على وجه الرض إل مؤمن قد خلص قـلبه اليمان .قلت :يا سيدي ما يكون
6
بعد ذلك ؟ قال :الكرة الكرة الرجعـة "
وذكر هذا الجزائري بالتفصيل و الصراحة حيث قال " :إن المفضل بن عمر روى عن جعفر أنه قال :
إن بقاع الرض تفاخرت ،ففخرت الكعبة على بقعة كربلء ،فأوحى ال عز و جل إليها أن اسكتي يا كعبة
وما تفخري على كربلء ،فإنها البقعة المباركة التي قال فيها لموسى عليه السلم إني أنا ال ،و هي موضع
المسيح و أمه وقت ولدته ،و إنها الدالية التي غسل بها رأس الحسين بن علي عليهما السلم ،و هي التي
عرج منها محمد صلى ال عليه و آله .و قال له المفضل :يا سيدي ،يسير المهدي إلى أين ؟ قال :إلى
مدينة جدي رسول ال صلى ال عليه و آله و سلم ،فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب ،يظهر فيه سرور
المسلمين و خزي الكافرين .فقال المفضل :ياسيدي ماهو ذاك ؟ قال :يرد إلى قبر جده فيقول يامعشر
210
الخلئق هذا قبر جدي ،فيقولون نعم يا مهدي آل محمد ،فيقول و من معه في القبر ،فيقولون صاحباه
( مصاحباه ) وضجيعاه أبوبكر و عمر ،فيقول عليه السلم ،وهو أعلم الخلق من أبو بكر و عمر ،و كيف
دفنا من بين الخلق مع جدي رسول ال صلى ال عليه و آله و سلم ،و عسى أن يكون المدفون غيرهما ،
فيقول الناس يا مهدي آل محمد ،ما هاهنا غيرهما ،و إنهما دفنا معه لنهما خليفتاه و آباء زوجتيه ،فيقول
هل يعرفهما أحد ؟ فيقولون نعم نحن نعرفهم بالوصف ،ثم يقول هل يشك أحد في دفنهما هنا ؟ فيقولون ل ،
فيأمر بعد ثلثة أيام و يحفر قبرهما و يخرجهما ،فيخرجان طريين كصورتهما في الدنيا ،فيكشف عنهما
أكفانهما ،ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة ،فيصلبهما عليها ،فتتحرك الشجرة وتورق و ترفع
ويطول فرعها .فيقول المرتابون من أهل وليتهما هذه وال الشرف حقاً ،و لقد فزنا بمحبتهما و وليتهما .
فينشر خبرهما فكل من بقلبه حبة خردل من محبتهما يحضر المدينة ،فيفتنون بهما ،فينادي مناد المهدي
عليه السلم هذان صاحبا رسول ال صلى ال عليه و آله فمن أحبهما فليكن في معزل ،و من أبغضهما يكن
في معزل .فيتجزأ الخلق جزئين ،موال و معاد .فيعرض على أوليائهما البراءة منهما .فيقولون يا مهدي
ما كنا نبرأ منهما وما كنا نعلم أن لهما عند ال هذه الفضيلة ،فكيف نبرأ منهما و قد رأينا منهما ما رأينا في
هذا الوقت من نضارتهما و غضاضتهما و حياة الشجرة بهما ,بل وال نبرأ منك و ممن آمن بك و ممن ل
يؤمن بهما و ممن صلبهما و أخرجهما و فعل ما فعل بهما .فيأمر المهدي عليه السلم ريحًا فتجعلهم كأعجاز
نخل خاوية ،ثم يأمر بإنزالهما فينزلن ،فيحييهما بإذن ال ،و يأمر الخلئق بالجتماع ،ثم يقص عليهم
قصص فعالهم في كل كور و دور ،حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم ،و جمع النار لبراهيم ،و طرح
يوسف في الجب ،و حبس يونس في بطن الحوت ،و قتل يحيى ،و صلب عيسى ،و عذاب جرجيس و
دانيال ،و ضرب سلمان الفارسي ،و إشعال النار على باب أمير المؤمنين و فاطمة و الحسين عليهما السلم
و إرادة إحراقهم بها ،و ضرب الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء بسوط و رفس بطنها و إسقاطها محسنا ،و
سم الحسن ،و قتل الحسين عليه السلم ،و ذبح أطفاله و بني عمه ،و سبي ذراري رسول ال صلى ال
عليه و آله و إراقة دماء آل محمد ،و كل دم مؤمن و كل فرج نكح حراماً و كل رباء أُكل و كل خبث و
فاحشة و ظلم منذ عهد آدم إلى قيام قائمنا .كل ذلك يعدده عليهما و يلزمهما إياه و يعترفان به ،ثم يأمر بهما
فيقتص منهما في ذلك الوقت مظالم من حضر ،ثم يصلبهما على الشجرة ،و يأمر ناراً تخرج من الرض
تحرقهما و الشجرة ،ثم يأمر ريحًا فتنسفهما في اليـّم نسفاً .
قال المفضل :يا سيدي هذا آخر عذابهما ؟ قال :هيهات يا مفضل ،وال ليردّن ،وليحضرّن السيد الكبر
محمد رسول ال صلى ال عليه و آله و سلم و الصديق العظم أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين
و الئمة عليهم السلم و كل من محض اليمان محضاً و كل من محض الكفـر محضاً ،و ليقتصن منهما
بجميع المظالم ،ثم يأمر بهما فيقتلن في كل يوم و ليلة ألف قتلة و يردان إلى أشد العذاب . 1 " .
ظلـمـه وقـوتـه
211
يدعـو إلى أمـر جديد وكتـاب جديـد
ومن عقائد الشيعة الثني عشرية ،أن إمامهم الموهوم وغائبهم المعدوم ،سيدعو الناس إلى كتاب جديد وأمر
جديد .وقد نقلوا فيه روايات عديدة ،منها ما رواها النعماني عن أبي جعفر – المام الخامس المعصوم عند
الشيعة -أنه قال :
1
" يقوم القائم بأمر جديد ،على العرب شديد ،ليس شأنه إل السيف ،ول يستتيب أحدا " .
وعنه أن سُـئل :أيسير بسيرة محمد صلى ال عليه وسلم ؟
قال :هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته ،قلت :جعلت فداك لم َ ؟
قال :إن رسول ال صلى ال عليه وآله سار في امته بالمن ،كان يتألف الناس .والقائم يسير بالقتل ،بذاك
أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ول يستتيب أحدا " . 2
وري أيضاً عنه أنه قال :
" فوال لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام ،يبايع الناس بأمر جديد شديد ،وكتاب جديد ،وسلطان جديد من
السماء " . 3
ومثل ذلك روى المجلسي في بحار النوار . 4
ورروا أيضاً عن أبي عبدال أنه سُـئل :
" كيف سيرته ؟ فقال :يصنع كما صنع رسول ال صلى ال عليه وآله ،يهدم ما كان قبله ،كما هدم رسول
ال صلى ال عليه وآله أمر الجاهلية ،ويستأنف السلم من جديد " . 5
وهذه الروايات واضحة في معناها ،تنبئ بما دست اليهودية الثيمة من الدسائس الخبيثة بين الذين الذين
ينتسبون للسلم .وتوضح معنى هذه الرويات رواية أخرى التي أوردها النعماني والمجلسي وغيرهما عن
أبي جعفر أنه قال :
" لو قد خرج القائم من آل محمد عليهم السلم ،لنصره ال بالملئكة المسومين والمردفين والمنزلين
والكروبيين .ويكون جبرئيل أمامه ،وميكائيل عن يمينه ،وإسرافيل عن يساره ،والرعب يسير مسيرة شهر
أمامه وخلفه وعن يمينه وشماله ،والملئكة المقربون حذاه ،وأول من يتبعه محمد صلى ال عليه وآله وسلم
-وفي رواية يتبعه وفي أخرى يبايعه -وعليّ الثاني ومعه سيف مخترط ،يفتح ال له الروم و الديلم
والسند والهند وكابل شاه والخرز .
يا أبا حمزة ،ل يقوم القائم عليه السلم إل على خوف شديد وزلزل وفتنة وبلء يصيب الناس وطاعون قبل
ذلك ،وسيف قاطع بين العرب ،واختلف شديد بين الناس ،وتشتت في دينهم ،وتغير من حالهم .حتى
يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساءاً من عظم ما يرى من كَلـَب الناس ،وأكل بعضهم بعضا .وخروجه إذا
خرج عند الياس والقنوط .
فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره .والويل كل الويل لمن خافه وخالف أمره وكان من أعدائه ،ثم قال :
يقوم بأمر جديد ،وسنة جديدة ،وقضاء جديد على العرب شديد ،ليس شأنه إل القتل ول يستتيب أحداً ،ول
تأخذه في ال لومة لئم " . 6
فهذه هي حقيقة المر ،وهذا هو أصل الشيعة الثني عشرية ،الذين يدعون بأنهم من الشيعة المعتدلين ،
وينفون انتسابهم إلى عبدال بن سبأ اليهودي وكونهم من أصل مجوسي إيراني ،الناقمين على السلم ،
والباغين على المة السلمية ،والطاعنين على أسلفهم وأعيانها ،والشاتمين قوادها وسادتها .
وقد بيـّناها من كتبهم أنفسهم ،وبعبارتهم هم .
212
ثم إن الشيعة الثني عشرية ،ل يعتقدون برجعة القائم فحسب ،بل وأكثر من ذلك ،يعتقدون بأن أئمتهم
يرجعون أيضًا إلى الدنيا مثل رجوع قائمهم ،ويبقون ،ويملكون ،وينتقمون من العداء ويقتلونهم .
كما روى المجلسي عن جعفر أنه قال :
" أول من تنشق الرض عنه ،ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي .وإن الرجعة ليس بعامة وهي خاصة .ل
يرجع إل من محض اليمان محضاً ،أو محض الكفر محضاً ". 1
ورووا عن أبيه الباقر أنه قال :
" إن أول من يرجع إلى الدنيا لجاركم الحسين بن علي عليه السلم ،فيملك حتى يقع حاجباه على عينيه من
الكبر ". 2
ول الحسين وحده فحسب ،بل يرجع معه سبعون رجلً من أصحابه الذين قتلوا معه . 3
وفي رواية أن الحسين يرجع إلى الدنيا مع خمسة وسبعين ألفاً من الرجال ،ويملك الدنيا كلها بعد وفاة
المهدي عليه السلم ،ثلث مائة وتسع سنين . 4
ويرجع معه يزيد بن معاوية وأصحابه ،ليأخذ الحسين وأصحابه ثأرهم منهم . 5
ويساعد الحسين وأصحابه في أخذ ثأرهم وانتقامهم من يزيد وعساكره سبعون نبياً ورسول ،ويكون أحدهم
إسماعيل .كما حكى الجزائري حكاية باطلة بقوله :
" وفي الخبار الكثيرة عن بريد العجلي أنه سأل الصادق عليه السلم عن قول ال تعالى في إسماعيل أنه
كان صادق الوعد ،ما المراد بإسماعيل هذا ؟ أهو إبن إبراهيم ؟ فقال عليه السلم :
" ل ،بل هو إسماعيل بن حزقيل ،بعثه ال إلى جماعة ،فكذبوه وسلخوا جلده ووجهه ورأسه .فبعث ال
عليهم ملك العذاب ،وهو سطاطائيل .فأتى إلى إسماعيل وقال :إن ال أرسلني إليك بما تأمر في عذابهم ،
ي فاطلبهافقال إسماعيل عليه السلم :ل حاجة لي في عذابهم .فأوحى ال سبحانه إليه :إن كان لك حاجة إل ّ
.فقال :يا رب ،إنك أخذت علينا معاشر النبياء أن نوحّدك ،ونقـر بنبوة محمد صلى ال عليه وآله ،
وبإمامة الئمة عليهم السلم ،وأخبرت الخلئق بما يفعل الظالمون بولده الحسين ،ووعدت الحسين عليه
السلم بالرجوع إلى الدنيا ليأخذ ثأره وينتقم من ظالميه .،فحاجتي إليك يا رب أن ترجعني في زمانه ،
لجل آخذ ثأري وقتل من قتلني .فقبل ال حاجته ،وجعله من الذين يرجعون في زمان الحسين عليه السلم .
وفي رواية أخرى ،أن الحسين عليه السلم ،يرجع إلى الدنيا مع خمسة وسبعين ألفاً من الرجال " . 6
وقالوا :
7
إن الئمـة الثني عشرية ،كلهم يرجعون إلى الدنيا في زمن القائم ،مع جماعتهم .
ول يرجع الحسين وأصحابه ومعاوية ويزيد وأصحابه وسبعون نبياً ممن مضوا في سالف الزمان وحدهم ،
بل ويرجع رسول ال صلوات ال وسلمه عليه وعلى عليّ أيضاً ،كما روى المجلسي عن بكير بن أعين ،
أنه قال :
8
" قال لي من ل أشك فيه ،يعني أبا جعفر (ع) أن رسول ال (ص) وعليًا سيرجعان " .
213
ورووا عن جعفر أنه قال :
" قال رسول ال (ص) :لقد سرى بي ربي عز وجل ،فأوحى إليّ من وراء حجاب ما أوحى ،وكلمني بما
كلم به ،وكان مما كلمني به ..يا محمد ،عليّ آخر من أقبض روحه من الئمة " . 1
وليس هذا فحسب ،بل وأكثر من ذلك وأدهى وأمر ،أنهم يروون عن جعفر أنه قال :
ل إل ردهم جميعاً إلى الدنيا ،حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب عليه " لم يبعث ال نبياً ول رسو ً
السلم " . 2
وعنه أيضاً ،أنه قال :
" ل يبعث ال نبياً ول رسولً إل رُد إلى الدنيا من آدم فهلم جرا ،حتى يقاتل بين يدي علي بن أبي طالب
عليه السلم " . 3
مع من فيهم سيد النبياء وإمام المرسلين .
كما روى الجزائري عن الباقر أنه قال :
" إن علياً رضي ال عنه ،خطب خطبة ذات يوم ،فحمد ال فيها ،وقال فيها ما قال ،ومنه :
وقد أخذ ال الميثاق مني ومن نبيه ،لينصرن كل منا صاحبه .فأما أنا فقد نصرت النبي صلى ال عليه وآله
بالجهاد معه ،وفتلت أعداءه .وأما نصرته لي وكذا نصرة النبياء عليهم السلم ،فلم تحصل بعد ،لنه
ماتوا قبل إمامتي ،وبعد هذا سينصرونني في زمان رجعتي ،ويكون لي ملك ما بين المشرق والمغرب ،
ويخرج ال لنصرتي النبياء من آدم إلى محمد ،يجاهدون معي ،ويقتلون بسيوفهم الكفار الحياء ،والكفار
الموات ،الذين يحييهم ال تعالى .وأعجب ،وكيف ل أعجب من أموات يحييهم ال تعالى ،يرفعون
أصواتهم بالتلبية فوجاً فوجا لبيك يا داعي ال ،ويتخللون أسواق الكوفة وطرقها ،حتى يقتلون الكافرين
والجبارين والظالمين من الولين والخرين .حتى يحصل لنا ما وعدنا ال تعالى " . 4
ول هذا فحسب ،بل عمموا الرجعة ،حيث قالوا :
5
" ليس أحد من المؤمنين قـتل إل سيرجع حتى يموت ،ول أحد من المؤمنين مات إل سيرجع حتى يقـتل " .
وروى الطبرسي والمفيد :
" إذا آن قيام القائم ،مطر الناس في جمادى الخرة وعشرة أيام من رجب ،مطرأً لم ير الناس مثله .
فينبت ال به لحوم المؤمنين في أبدانهم في قبورهم .فكأني أنظر إليهم من قبل جهينة ،ينفضون رؤسهم من
التراب " . 6
وروى المفيد أيضاً :
" يخرج إلى القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلً ،خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهدون
بالحق وبه يعدلون " . 7
دابــّـة الرض
ويعتقد الشيعة الثنا عشرية أن دابة الرض التي تخرج قبل قيام الساعة تكلمهم ،يكون عليًا رضي ال عنه
.كما رووا عن جعفر أنه قال :
" أتى رسول ال (ص) إلى أمير المؤمنين (ع) وهو نائم في المسجد ،وقد جمع رملً ووضع رأسه عليه ،
فحـركه برجله ،ثم قال :قم يا دابة ال .فقال رجل من أصحابه :يا رسول ال أيسمي بعضنا بعضا بهذا
السم ؟ .فقال :ل وال ما هو إل له خاصة ،و هو الدابة التي ذكر ال في كتابه َ } :وإِذَا َوقَ َع ا ْلقَوْلُ عَ َليْهِمْ
ن النّاسَ كَانُوا بِآيَا ِتنَا لَ يُو ِقنُونَ { ثم قال :يا علي ،إذا كان آخر الزمان
خرَجْنَا لَهُمْ دَابّةً ِمنَ ا َلْ ْرضِ تُ َكلّمُهُمْ َأ ّ
أَ ْ
8
أخرجك ال في أحسن صورة ،و معك ميسم تسم به أعداءك " .
1بحار النوار للمجلسي ج 13ص . 217
2نور الثقـلين ج 1ص ، 359بحار النوار ج 13ص . 210
3العياشي ج 1ص 281تحت قول ال [ لتؤمنن به ولتنصرنه ] ،البرهان ج 1ص ، 295بحار النوار ص . 217
4النوار النعمانية ج 2ص . 99
5بحار النوار للمجلسي ج 13ص . 210
6أعلم الورى ص ، 462الرشاد للمفيد ص ، 363بحار النوار ج 13ص . 223
7الرشاد للمفيد ص ، 365أعلم الورى للطبرسي ص . 464
8بحار النوار للمجلسي ج 13ص .213
214
ثم إن علياً ليست له رجعة واحدة ،بل له رجعات كثيرة كما ذكرنا أنه قال في إحدى خطبه :
" إن لي رجعة بعد رجعة ،وحياة بعد حياة .أنا صاحب الرجعات وصاحب الجولت " . 1
هذا ،ومثل هذا فإنه لكثير .
ومن غرائب العتقادات التي يعتقدها القوم ،أنهم يقولون :
إن بعد قائمهم ،اثني عشر مهدياً آخر .كما رووا عن جعفر عن أبائه عن علي ،أنه قال :
" قال رسول ال (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته :يا أبا الحسن ،أحضر صحيفة ودواة .فأملى رسول
ال وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع .فقال :يا علي ،إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ،ومن بعدهم إثنا
عشر مهدياً .فأنت أول الثني عشر إماماً ...وساق الحديث إلى أن قال :وليسلمها الحسن ( يعني المام
العسكري عليه السلم ) إلى إبنه محمد المستحفظ من آل محمد صلى ال عليه وعليهم ،فذلك إثنا عشر إماماً
.ثم يكون من بعده إثناعشر مهدياً .فإذا حضرته الوفاة ،فليسلمها إلى إبنه أول المهديين .له ثلثة أسامي :
إسم كاسمي ،وإسم أبي وهو عبدال ،والسم الثالث المهدي ،وهو أول المؤمنين " . 2
وروى الطوسي :أنهم أحد عشر ،كما حكى عن أبى حمزة عن جعفر أنه قال :
" يا أبا حمزة ،إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً " . 3
وإلى ذلك ،تشير رواية النعماني ،حيث يحكي عن أبي جعفر أنه قال :
" وال ليملكن رجل منا أهل البيت ثلثمائة وثلث عشرة سنة ويزداد تسعا .قال :قلت له :ومتى يكون
ذلك ؟ قال :بعد موت القائم عليه السلم .قلت له :وكم يقوم القائم عليه السلم في عالمه حتى يموت ؟ .
فقال :تسع عشرة سنة ،من يوم قيامه إلى يوم موته " . 4
ويؤيد ذلك أيضاً ،دعاء شيعي يدعونه للمهدي ،فيقولون في آخره :
" اللهم صل ِ على ولة عهده والئمة من بعده ،وبلغهم آمالهم ،وزد في آجالهم ،وأعز نصرهم ،وتمم لهم
ما أسندت إليهم من أمرك لهم ،وثبت دعاتهم ،واجعلنا لهم أعوانا ،وعلى دينك أنصارا ". 5
وأخيراً نأتي برواية أوردها محدث القوم نعمت ال الجزائري عن جعفر أنه قال :
" إن الشيطان لما قال :رب أنظرني إلى يوم يُبعثون .قال :إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ،
فيخرج الشيطان مع جميع عساكره وتوابعه من يوم خلق آدم إلى يوم الوقت المعلوم ،وهو آخر يوم رجعة
يرجعها أمير المؤمنين عليه السلم .فقال الراوي :كم لمير المؤمنين عليه السلم من رجعة ؟ فقال :إن له
رجعات و رجعات ،وما من إمام في عصر من العصار ،إل ويرجع معه المؤمنون في زمانه ،والكافرون
فيه ،حتى يستولي أولئك المؤمنون على أولئك الكافرين فينتقمون منهم ،فإذا جاء الوقت المعلوم ،ظهر أمير
المؤمنين عليه السلم مع أصحابه ،وظهر الشيطان مع أصحابه ،فيتلقى العسكران على شط الفرات في
مكان اسمه الروحا قريب الكوفة ،فتـقع بينهم حرب لم يقع في دنيا من أولها وآخرها ،وكأني أرى أصحاب
أمير المؤمنين عليه السلم قد رجعوا منهزمين ،حتى تقع أرجلهم في الفرات ،فعند ذلك يرسل ال سحابة
مملوءة من الملئكة ،يتقدمها النبي صلى ال عليه وآله ،وبيده حربة من نور .فإذا نظر الشيطان أدبر
فاراً ،فيقول له أصحابه :إلى أين تفـر ولك الظفر عليهم ؟ فيقول :إني أرى مال ترون ،إني أخاف من
عقاب رب العالمين .فيصل النبي صلى ال عليه وآله ،ويضربه ضربة بالحربة بين كتفيه فيهلك بتلك
الضربة هو وجميع عساكره .فعند ذلك يـُعبد ال على الخلص ،ويرتفع الكفـر والشرك .ويملك أمير
المؤمنين عليه السلم الدنيا أربعين ألف سنة ،ويُـولد لكل واحد من شيعته ألف ولد من صلبه في كل سنة ولد
.وعند ذلك يظهر البستانان عند مسجد الكوفة الذي قال ال تعالى مد هامّـتان ،وفيهما من التساع مال يعلمه
إل ال تعالى" . 6
215
وهذا آخر ما أردنا ذكره من خرافات القوم ومعتقداتهم ،إنتخبناها من الكثير الكثير .ولهم كتب مستقلة في
هذا الباب .
وكي ل يطول بنا الحديث ،نذكر فقط رواية واحدة تشتمل على خطبة علي رضي ال عنه حسب زعم
القوم ،وفيها كل ما يعتقده القوم من الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف ال ،تعالى ال عما يقولون
علوًا كبيرا .
يذكر الجزائري هذه الخطبة في كتابه المشهور رواية عن محمد الباقر أنه قال :
" إن أمير المؤمنين عليه السلم ،خطب خطبة ذات يوم فحمد ال ،وأثنى عليه بالوحدانية .وقال :إن ال
سبحانه تكلم بكلمة ،فصارت نوراً ،فخلق منه نور النبي ونوري ونور الئمة .وتلكم بكلمة أخرى ،
فصارت روحاً ،فأسكنها في ذلك النور .وذلك النور مع تلك الروح ،ركبها في أبداننا معاشر الئمة .فنحن
الروح المصطفاة ،ونحن الكلمات التامات ،ونحن حجة ال الكاملة على الخلق .فنحن نوراً أخضر ،حيث
ل شمس ول قمر ول ليل ول نهار ول مخلوق ول مخلوقات .
وكنا نسبح ال ونقدسه قبل خلق الخلق .فأخذ ال لنا العهد من أرواح النبياء على اليمان بنا ،وعلى نصرتنا
ق النّ ِبيّينَ لَمَا آ َتيْتُكُمْ ِمنْ ِكتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمّ جَاءَكُمْ َرسُولٌ ُمصَدّقٌ لِمَا .وهذا معنى قوله سبحانه { َوإِذْ أَخَذَ الُّ مِيثَا َ
صرُنّهُ } فقال عليه السلم :يعني اليمان بمحمد صلى ال عليه وآله ،ونصرة وصيّـه . مَعَكُمْ لَتُؤْ ِم ُننّ بِهِ َولَ َت ْن ُ
وهذه النصرة قد صارت قريبة .وقد أخذ ال الميثاق مني ومن نبيه لينصرن كل منا صاحبه ،فأما أنا فقد
نصرت النبي صلى ال عليه وآله بالجهاد معه وقتلت أعداءه .وأما نصرته لي وكذا نصرة النبياء عليهم
السلم فلم تحصل بعد ،لنهم ماتوا قبل إمامتي ،وبعد هذا سينصرونني في زمان رجعتي ،ويكون لي ملك
ما بين المشرق والمغرب ،ويخرج ال لنصرتي النبياء من آدم إلى محمد ،يجاهدون معي ،ويقتلون
بسيوفهم الكفار الحياء ،والكفار الموات الذين يحييهم ال تعالى .وأعجب وكيف ل أعجب من أموات
يحييهم ال تعالى ،يرفعون أصواتهم بالتلبية فوجًا لبيك لبيك يا داعي ال .ويتخللون أسواق الكوفة
وطرقها ،حتى يقتلون الكافرين الجبارين والظالمين من الولين والخرين .حتى يحصل لنا ما وعدنا ال .
خلَفَ الّذِينَ ِمنْ ستَ ْ
خلِ َفنّهُمْ فِي ا َلْ ْرضِ كَمَا ا ْ ثم تلى هذه الية َ { :وعَدَ الُّ الّذِينَ آ َمنُوا ِمنْكُمْ َوعَ ِملُوا الصّالِحَاتِ َليَ ْ
ستَ ْ
ش ْيئًا } .
شرِكُونَ بِي َ َق ْبلِهِمْ َولَيُمَ ّك َننّ لَهُمْ دِينَهُمُ الّذِي ارْ َتضَى لَهُمْ َولَ ُيبَ ّدَلنّهُمْ ِمنْ بَ ْعدِ خَ ْوفِهِمْ أَ ْمنًا يَ ْعبُدُو َننِي لَ ُي ْ
قال عليه السلم :يعني يعبدونني ول يتقون من أحد ،لن لي رجعة بعد رجعة ،وحياة بعد حياة .أنا
صاحب الرجعات ،وصاحب الصولت ،وصاحب النتقامات ،وصاحب الدولة العجيبة .أنا حصن
الحديد ،وأنا عبدال وأخو رسوله ،وأنا أمين ال على علمه ،وصندوق سرّه وحجابه وصراطه وميزانه
وكلمته .أنا أسماء ال الحسنى وأمثاله العليا وآياته الكبرى .أنا صاحب الجنة والنار ،أسكن أهل الجنة في
ي مرجع هذا الخلق في القيامة ،وعليّ جنتهم ،وأهل النار في نارهم ،وأنا الذي أزوّج أهل الجنة .وإل ّ
حسابهم .
وأنا المؤذن على العراف ،وأنا الذي أظهر آخر الزمان في عين الشمس ،وأنا دابة الرض التي ذكرها
ال في الكتاب أظهر آخر الزمان ،ومعي عصا موسى وخاتم سليمان أضعه في وجه المؤمن والكافر ،
فتنقش فيه هذا مؤمن حقا ،وهذا كافر حقا .
وأنا أمير المؤمنين وإمام المتقين ولسان المتكلمين وخاتم أوصياء النبيين ووارثهم وخليفة ال على العالمين .
وأنا الذي علمني ال علم البليا والمنايا وعلم القضاء بين الناس .وأنا الذي سخـّر لي الرعد والبرق
والسحاب والظلمة والنور والرياح والجبال والبحار والشمس والقمر والنجوم .أيها الناس ،اسألوني عن كل
شيء " . 1
فهذه الرواية ،ومثل هذه الرواية وإنها لكثيرة جداً موجودة منتشرة في كتب القوم ،يضاهئون قول الذين
كفروا من قبل ،قاتلهم ال أنى يؤفكون .
1
النوار النعمانية لنعمت ال الجزائري ج 2ص . 100 ، 99
216
فهذه العقائد التي تتبناها الشيعة الثنا عشرية وتعتقدها ،ويعتقدها الماميون والجعفريون الذين يُعدون من
الشيعة المعتدلة .وهي عين تلك العقائد التي وضع بذروها عبدال بن سبأ ،ونشرتها السبئية وروجتها بين
الفئات الشيعية المختلفة .ولول خوف الطالة ،لكثرنا الروايات التي وردت في كتبهم المعتبرة المعتمدة
الموثوقة لديهم .ولكننا نرى أن ما ذكر فيه الكفاية لمن أراد أن يتثبت ويتحقق .وكذلك لمن أراد أن يتبصّر
ويهتدي .وال يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
ونختم الكلم في هذا الموضوع ،بنقل آراء بعض المستشرقين في علقة الشيعة بالسبئية ،أو بتعبير صحيح
بالعقائد الجنبية المدسوسة بين المسلمين ،يهودية كانت أم إيرانية ،التي ل تمت إلى السلم بصلة ل قريبة
ول بعيدة .
ويذكر هذه الراء ،مستشرق ألماني متعاطف على الشيعة ،ولهوزن فيقول :
" أما أن آراء الشيعة كانت تلئم اليرانيين ،فهذا أمر ل سبيل إلى الشك فيه ،أما كون هذه الراء قد انبعثت
من اليرانيين ،فليست تلك الملءمة دليلً عليه .بل الروايات التاريخية تقول بعكس ذلك .إذ تقول أن
ن قائماً أولً في الدوائر العربية ،ثم انتقل بعد ذلك منها إلى الموالي ،وجمع بين
التشيّـع الواضح الصريح كا ً
هؤلء وبين تلك الدوائر ،وأولئك الذين كانوا يتواثبون حول الكرسي المقدس يذكرون أنهم " السبئية
" ( ص 703س ، 17ص 704س ) 11ولم يكونوا من الموالي ،بل من العرب ،إذ كانوا من عشائر :
نهد وخارف وثور وشاكر وشبام .وهؤلء السبئية كانوا على علقات سيئة بعشائرهم ،نتيجة لمذهبهم
الغريب ،خصوصًا شبام بالنسبة إلى قبيلة همدان .بينما كانوا على علقات وثيقة جداً بالمختار ،ومن أجله
خاضوا النار ،ووشوا بقبائلهم .
ونجد حديثاً عن بطانة من الشيعة العرب ،كانت تجتمع في منزلي امرأتين بارزتين .وتذكر أسماء بعض
أفراد هذه البطانة ،ومنهم إبن نوف الهمداني ،الذي كان ينافس موله وأستاذه ( المختار ) في التنبؤ .لقد
كان يصنع وحيًا لدى الكرسي المقدس ،وكان أحد عمومة العشى ممن تأثر لهذا الوحي .وكان أول سادن
217
للكرسي ،هو موسى بن أبي موسى الشعري ،ثم تله حوشب البرسمي .والبيئة هنا كلها يمنية .ويقال أن
المختار قد أظهر الكرسي على أنه كرسي علي بن أبي طالب .ولكن ثمة روايات أخرى تقول بعكس ذلك ،
وهذه الروايات الثانية أقرب إلى التصديق .وعلى كل حال ،فقد كان الكرسي في حوزة اليمنييـن ،وأصله
إنما يبحث لديهم .ولم يكن اختراعاً أبدعه الهوى ،بل مثله مثل الحجر السود كان قطعة وثنية ،وفي
الصل كرسي ال ثم كرسي علي ،لنهم ألهوا علياً .وكراسي ال الخالية هذه نجدها كثيراً ،وإن لم تكن عادة
من الخشب .
ومنشأ السبئية ،يرجع إلى زمان علي والحسن ،وتنسب إلى عبدال بن سبأ .وكما يتضح من اسمه الغريب ،
فإنه كان أيضًا يمنياً .
1
والواقع أنه من العاصمة صنعاء .ويُـقال أنه كان يهودياً .وهذا يقود بالقول بأصل يهودية الفرقة السبئية " .
ثم يقول :
" يلوح أن مذهب الشيعة الذي يُنسب إلى عبدال بن سبأ أنه مؤسسه ،إنما يرجع إلى اليهود أقرب من أن
يرجع إلى اليرانيين .والدليل على هذا ما سأحاول هنا إيراده بطريقة عارضة ،دون أن أعير المسألة من
الهمية أكبر مما تستحق .
كان القدماء من أنصار علي ،يعدونه في مرتبة مساوية لسائر الخلفاء الراشدين في خلفته -في سلك واحد -
وكان يوضع في مقابل المويين المغتصبين للخلفة بوصفه استمراراً للخلفة الشرعية ،وحقه في الخلفة
ناشئ عن أنه كان من أفاضل الصحابة ،وأنهم وضعوه في القمة ،وتلقى البيعة من أهل المدينة .ولم ينشأ
هذا الحق -أو على القل لم ينشأ مباشرة -عن كونه من آل بيت الرسول ،ومع ذلك فيبدو أن آل البيت
أنفسهم قد ادعوا حق ميراث الخلفة عن رسول ال منذ البداية .وبعد وفاة علي ،كانت المعارضة ضد
المويين تنظر إلى أبناء عليّ على أنهم المطالبون الشرعيون للخلفة .
ولكن المسألة هنا كانت مقصورة على دعوى الخلفة ،ول بد أن نميز بين هذا وبين دعوى النبوة .وزعم
أن النبوة لم تنته بمحمد ،بل استمرت في علي وبنيه ،كان هذا الزعم هو الخطوة الخيرة .
إن الفكرة القائلة بأن النبي ملك يمثل سلطان ال على الرض قد انتقلت من اليهودية إلى السلم .ولكن
السلم السني يقول إن محمداً خاتم النبيين ،وبعد وفاته حلت محله الشريعة ،وهي أثر مجرد غير
مشخص ،ومعوض عنه أقل قيمة بكثير جداً .فكان ذلك نقصاً ملموساً ،فمن هنا تبدأ نظريات الشيعة .
وكان المبدأ الساسي الذي بدأ منه مذهبهم هو :
أن النبوة ،وهي المعوض الشخصي الحي للسلطة اللهية ،تنتسب بالضرورة إلى الخلفة ،وتستمر تحيا
فيها .وقبل محمد وجدت سلسلة طويلة متصلة من النبياء الذين يتلو بعضهم بعضاً ،على نحو ما يقول
اليهود ( ،سلسلة دقيقة من النبياء ) .
وكما يذكر في أصحاح 18من سفر " ثنية الشتراع " من أنه لم يخل الزمان أبداً من نبي يخلف موسى ومن
نوعه .وهذه السلسلة ل تقف عند محمد .ولكل نبي خليفته إلى جانبه يعيش أثناء حياته ( وهذا الزميل الثاني
هو أيضاً فكرة يهودية ) فكما كان لموسى خليفة هو يوشع ،كذلك لمحمد خليفة هو عليّ ،به يستمر المر .
على أن كلمة " نبي " لم تطلق على عليّ وبنيه -بل أطلق عليهم أسماء " الوصي " أو " المهدي " أو "
المام " عامة -ولكن إن لم يطلق عليهم السم ،فإن الحقيقة الفعلية كانت مقصودة بوصفهم عارفين بالغيوب
وتجسيدات للخلفة عن ال " . 2
218
يوجد في الوقت الواحد غير نبي واحد ،ويتتابعون حتى يبلغوا ألف نبي .وتبعاً لهذا فإن النبياء جميعًا بما
يُبـعث في كل منهم من روح ال ،والحق أن النبي الصادق الحق واحد يعود أبداً من جديد .
وبهذا المعنى قالوا أن محمداً يُبعث في عليّ وآل عليّ .
ويبنون ذلك على الية 85من السورة ، 28والية 8من السورة . 82
وهذا يُذكـّر كثيراً بالفكرة ( المحتمل جدًا أنها ) يهودية ،وإن كانت من البدع اليهودية ،التي وردت في
المواعظ المنحولة على كليمانس " ،"pscudoclementinenفروح ال تتحد في آدم مع شخص إنسان
يظهر بصفة النبي الصادق في صور متعددة ،وقد قدر له السيادة على الملكوت الدائم .راجع :
( . ).p.283''Gieselers KG.) 4. Aufl ,1 ,1
ولكن المتأخرين قد فهموا -فيما يبدو " -الرجعة " على نحو آخر ،فقد تصوروها على نحو ديالكتيكي .
فقالوا بفترة " غيبة " دورية للمام الصادق ،ثم سموها -في مقابل ذلك -ظهوره من جديد " رجعة " .
والمعنى الصيل للرجعة يظهر جلياً من مرادفتها لتناسخ الرواح .والسيد الحميري يؤمن أيضاً برجعته
نفسه ،ومن أجل ذلك كانوا يسخرون منه ،ويشنعون عليه ( " الغاني " ج 7ص . ) 8كما يتضح أيضاً
من كون كثيّر كان يعد جميع أبناء الحسن الحسين أنبياء صغاراً ،لنه كان يؤمن بالرجعة ( الغاني
1
، ) 8/34وكذلك من كون محمد كان ينظر إليه على أنه يرجع ،خصوصاً في ورثة دمه ( آله ) ونبوته "
.
ثم نقـل ما قاله أبو حمزة الخارجي في خطبة له على المنبر بالمدينة المنوّرة عن الشيعـة نقلً عن ( الغاني )
أنه قال :
" شيعة ظاهرت بكتاب ال ،وأعلنت الفرية على ال ،ل يرجعون إلى نظر نافذ في القرآن ،ول عقـل بالغ
في الفقه ،ول تفتيش عن حقيقة الصواب .قد قلدوا أمرهم أهواءهم ،وجعلوا دينهم عصبية لحزب لزموه
وأطاعوه في جميع ما يـقوله لهم ،غياً كان أو رشداً ،أو ضللة أو هدى .
ينتظرون الدول في رجعة الموتى ،ويُؤمنون بالبعث قبل الساعة ،ويدّعون علم الغيب لمخلوق ل يعلم أحدهم
ما في داخل بيته ،بل ل يعلم ما ينطوي عليه ثوبه أو يحويه جسمه .ينقمون المعاصي على أهلها ،ويعملون
إذا ظهروا بها ،ول يعرفون المخرج منها .جفاة في الدين ،قليلة عقولهم ،قد قلدوا أهل البيت من العرب
دينهم ،وزعموا أن موالتهم لهم تغنيهم عن العمال الصالحة ،وتنجيهم من عقاب العمال السيئة " . 2
وبمثل ذلك القول ،قال هشام بن عبدالملك الموي في كتاب له إلى يوسف بن عمر :
" إن عبادة الشيعة ل ،كانت عبادة لبني النسان ،والنتيجة لذلك قيصرية بابوية معاً .كانوا يعترضون على
إمامة السلطة القائمة ،ولكن إمامتهم الشرعية القائمة على دم الرسول ( ذرية آل البيت ) لم تكن أفضل
منها ،إذ كانت تفضي إلى إهدار القانون ،وكسر الشريعة .فالمام عندهم كان فوق النصوص الحرفية .
وكان يعلم الغيب ،فمن اتبعه وأطاعه ،سقطت عنه التكاليف ،وخل من المسؤولية " . 3
ول بأس بنقل ما كتبه أحمد أمين في كتابه ( فجر السلم ) عن الشيعة ،ولو أننا ذكرنا منه جزء فيما مر ،
فإنه قال :
" والحق أن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم السلم لعداوة أو حقد .ومن كان يريد إدخال
تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتيه وهندية .ومن كان يريد استقلل بلده والخروج على مملكته
.كل هؤلء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستاراً يضعون وراءه كل ما شاءت أهواءهم .فاليهودية ظهرت في
التشيع بالقول في الرجعة .وقال الشيعة :إن النار محرمة على الشيعي إل قليلً ،كما قال اليهود :لن تمسنا
النار إل أياماً معدودات .
والنصرانية ظهرت في التشيع ،في قول بعضهم :إن نسبة المام إلى ال كنسبة المسيح إليه .وقالوا إن
اللهوت اتحد بالناسوت في المام .وإن النبوة والرسالة ل تنقطع أبداً ،فمن اتحد به اللهوت فهو نبي .
1
أيضاً . 174 ، 173
2
الخوارج والشيعة ص . 175
3
أيضاً ص 175نقلً عن الطبري ج 2ص . 882
219
وتحت التشيع ،ظهر القول بتناسخ الرواح وتجسيم ال والحلول ،ونحو ذلك من القوال التي كانت
معروفة عند البراهمة والفلسفة والمجوس من قبل السلم .
وتستر بعض الفرس بالتشيّع ،وحاربوا الدولة الموية ،وما في نفوسهم إل الكره للعرب ودولتهم ،والسعي
لستقللهم .قال المقريزي :
" واعلم إن السبب في خروج أكثر الطوائف عن ديانة السلم ،أن الفرس كانت سعة الملك وعلو اليد على
جميع المم ،وجللة الخطر في أنفسها ،بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الحرار والسياد ،وكانوا يعدون
سائر الناس عبيداً لهم .فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب ،وكان العرب عند الفرس أقل من
المم خطراً ،تعاظمهم المر ،وتضاعفت لديهم المصيبة ،وراموا كيد السلم بالمحاربة في أوقات شتى ،
وفي كل ذلك يظهر ال الحق ..فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع فاظهر قوم منهم لسلم ،واستمالوا أهل
التشيع بإظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم عليّ ،ثم سلكوا بهم مسالك شتى أخرجوهم عن طريق الهدى
.
وقد ذهب الستاذ " ولهو سن " Wellhausinإلى أن العقيدة الشيعية نبعت من اليهودية أكثر مما نبعت
من الفارسية ،مستدلً بأن مؤسسها عبدال بن سبأ وهو يهودي .ويميل الستاذ " دوزي " Dozyإلى "
أن أساسها فارسي ،فالعرب تدين بالحرية ،والفرس يدينون بالمَلِك ،وبالوراثة في بيت المالك ،ول يعرفون
معنى لنتخاب الخليفة ،وقد مات محمد ولم يترك ولداً ،فأولى الناس بعده إبن عمه علي بن أبي طالب .
فمن أخذ الخلفة منه كأبي بكر وعمر وعثمان والمويين ،فقد اغتصبها من مستحقها .
وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها معنى إلهي ،فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي ّ وذريته
وقالوا :إن طاعة المام أول واجب ،وإن طاعته إطاعة ال " .
والذي أرى -كما يدلنا التاريخ -أن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس السلم ،ولكن معنى ساذج ،وهو أن
علياً أولى من غيره من وجهتين ،كفايته الشخصية ،وقرابته للنبي ،والعرب من قديم تفخر بالرياسة وبيت
الرياسة ،وهذا الحزب -كما رأينا -وُجد من بعد وفاة النبي صلى ال عليه وسلم ،ونما بمرور الزمان
وبالمطاعن في عثمان ،ولكن هذا التشيّع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الخرى في السلم من يهودية
ونصرانية ومجوسية .وأن كل قوم من هؤلء ،كانوا يصبغون التشيّع بصيغة دينهم .فاليهود تصبغ الشيعة
يهودية ،و النصارى نصرانية ،وهكذا .
1
وإذ كاد أكبر عنصر دخل في السلم هو عنصر الفارسي كان أكبر الثر في التشيع إنما هو الفرس " .
وهذا آخر ما أردنا إثباته في كتابنا هذا ،وال يهدينا إلى سبيل الرشاد ،ويوفقنا لما يحبه ويرضاه من خدمة
دينه ،ورفع كلمته والدفاع عن شريعته وحملة شريعته محمد وأصحابه وأهل بيته أجمعين ،و صلى ال
على نبينا محمد خاتم النبياء وسيد المرسلين ،وعلى آله الطيبين ،وأصحابه الطاهرين ،ومن تبعهم بإحسان
إلى يوم الدين .
220
-4إحقاق الحق للشوستري ط :إيران .
-5الخبار الطوال للدينوري ط :بغداد .
-6أدوار علم الفقه لل كاشف الغطاء .ط :بيروت 1399هـ .
-7الرجوزة المختارة للقاضي النعمان .ط :مونتريال .كندا 1970م .
-8الرشاد للمفيد ط :إيران .
-9أساس الصول لدلدار علي .ط :الهند .
-10الستبصار للطوسي .ط :طهران طبعة ثالثة 1390هـ .
-11أسرار الشهادة للدربندي .ط :إيران .
-12الشعثيات للشعث الكوفي .ط :إيران .
-13أصل الشيعة وأصولها لل كاشف الغطاء .ط :بيروت .
-14أصول العقيدة لمهدي الصدر .ط :بيروت .
-15أصول الفقه لمحمد رضا المظفر .ط :القطيف ،السعودية .
-16العتقادات لبن بابويه .ط :طهران .
-17أعلم الورى للطبرسي .ط :دار الكتب السلمية ،طبعة ثالثة ،إيران .
-18أعيان الشيعة لمحسن المين .ط :بيروت .
-19الغاني للصفهاني .ط :بيروت ،لبنان .
-20المالي لبن بابويه القمي .ط :بيروت .
-21المالي للطوسي .ط :قم ،إيران .
-22أمالي المرتضى .ط :بيروت 1387هـ .
-23المام الصادق والمذاهب الربعة لسد حيدر .ط :بيروت .
-24أمل المل .
-25أمير المؤمنين لمحمد جواد الشري .
-26النتصار للمرتضى .ط :نجف 1391 ،هـ .
-27أنساب بيوتات قاين .ط :طهران ،إيران .
-28النوار النعمانية للجزائري .ط :تبريز .
-29اليقان المحلي .
-30اليقاظ من الهجعة للحر العاملي .ط :قـم ،إيران 1381هـ .
-31الباكورة السليمانية .ط :بيروت .
-32بحار النوار للمجلسي .ط :قديم ،إيران .
-33بشارة المصطفى لبي جعفر .ط :نجف .
-34تاريخ المامية لعبدال فياض .ط :بيروت ،لبنان .
-35تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري .ط :قـم ،إيران .
-36تاريخ ما بعد الظهور لمحمد الصدر .ط :بيروت .
-37تاريخ طرازمذهب مظفري .ط :إيران .
-38تاريخ العلويين للطويل .ط :إيران .
-39تاريخ اليعقوبي .ط :بيروت 1379هـ .
-40تأسيس الشيعة للعلوم السلمية للسيد حسن الصدر .ط :بيروت .
-41تبصرة المعلمين لبن المطهر الحلي .مجمع الذخائر السلمية ،إيران .
-42تتمة المنتهى للعباس القمي .ط :إيران .
-43تحف العقول عن آل الرسول للمراني ط :نجف 1380هـ .
-44تحفة الحباب .ط :إيران .
-45تفسير البرهان للبحراني .ط :قـم ،إيران .
-46تفسير البصائر لرستكار .ط :إيران .
-47تفسير العياشي .ط :إيران .
221
-48تفسير العسكري .ط :الهند ،القديم .
-49تفسير فرات الكوفي .ط :قـم ،إيران .
-50تفسير القمـي .ط :نجف 1386هـ .
-51تفسير الصافي للفيض الكاشاني .ط :كبير إيران .
-52تفسير الكاشف للمغنية .ط :بيروت .
-53تفسير مجمع البيان للطبرسي .ط :بيروت .
-54تفسير منهج الصادقين لفتح ال الكاشاني .ط :طهران ،إيران .
-55تفسير الميزان للطباطبائي .ط :بيروت .
-56تفسير نور الثـقـلين للحويزي .ط :قـم ،إيران .
-57تلخيص الشافي للطوسي .ط :إيران .
-58التنبيه والشراف للمسعودي .ط :إيران .
-59جامع الرواة للردبيلي الحائري .ط :قـم ،إيران 1403هـ .
-60جامع السعادات للتراقي .ط :بيروت .
-61الجامع في الرجال للزنجاني .ط :قـم ،إيران .
-62جلء العيون للمجلسي .ط :طهران ،إيران .
-63حجة إثنا عشري لحقكوفارسي .ط :إيران .
-64حديقة الشيعة للمقدسي الردبيلي .ط :طهران ،إيران .
-65حق اليقين للمجلسي .ط :طهران .
-66حق اليقين في معرفة أصول الدين لعبدال الشبر .ط :إيران .
-67حلية المتـقـين للمجلسي .ط :طهران .
-68حملة حيدري للمرزة بازل .ط :إيران .
-69حياة القلوب للمجلسي .ط :طهران ،إيران .
-70الخلصة للحلي .
-71دائرة المعارف الشيعية لحسن المين .الطبعة الثانية 1393بيروت .
-72دعوة الحق وقول الصدق للصافي .ط :بيروت .
-73دلئل الصدق للمظفر .
-74ذخائر العـقـبي .ط :بيروت .
-75ذرائع البيان للنجفي .ط :إيران .
-76رجال الكشي .ط :كربلء .
-77رجال الطوسي .ط :نجف 1380 ،هـ
-78رجال النجاشي .ط :قـم ،إيران .
-79رجال أبي داود .
-80الرسائل للخميني .ط :قـم ،إيران 1385هـ .
-81روضة الواعظين للفـتال النيسابوري .ط :قـم ،إيران .
-82روضة الصفا فارسي .ط :إيران .
-83روضات الجنات للخوانساري .ط :قـم ،إيران .
-84رياحين الشريعة للمحلني .ط :إيران .
-85رياض العلماء .
-86الشافي للشريف المرتضى .ط :إيران .
-87شرائع السلم للحلي .ط :إيران .
-88شرح نهج البلغة لبن أبي الحديد .ط :بيروت .
-89شرح نهج البلغة لبن الميثم .ط :إيران .
-90شرح نهج البلغة للدنبلي .ط :إيران .
-91شرح نهج البلغة لعلي النـقي .ط :إيران .
222
-92شرح نهج البلغة للكاشاني .ط :إيران .
-93الشيعة في عقائدهم وأحكامهم للقزويني .ط :الكويت .
-94الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين .ط :الطبعة الثانية ،بيروت 1399 ،هـ .
-95الشيعة في الميزان للمغنية .ط :بيروت .
-96شيعة در إسلم للطباطبائي .ط :إيران .
-97الشيعة بين الحقائق والوهام لمحسن المين .ط :الطبعة الثالثة ،بيروت 1397هـ .
-98الصافي للقزويني في شرح أصول الكافي .
-99الصراط المستقيم للنباتي .ط :الطبعة الولى 1384هـ إيران .
-100الصحيفة الكاملة لزين العابدين .ط :بيروت .
-101الصلح الحسن لل ياسين .ط :إيران .
-102الصلة بين التصوّف والشيعة .ط :بغداد .
-103الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف لبن طاؤس .ط :قـم ،إيران 1400هـ .
-104طرائق الحقائق للحاج معصوم علي .ط :إيران .
-105عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب .
-106عمدة الشريعة في المامية لمحمد باقر الشريعتي .ط :قـم ،إيران .
-107علل الشرائع لبن بابويه القمي .ط :بيروت ،لبنان .
-108علل الشرائع للصدوق .ط :بيروت .
-109علم أصول الفقه للمغنية .ط :بيروت .
-110عين الحياة للمحلي .ط :إيران .
-111عيون أخبار الرضا لبن بابويه القمي .ط :طهران ،إيران .
-112عيون الخبار وفنون الثار للقرشي .ط :بيروت .
-113عيون أخبار الرضا لبن بابويه القمي .ط :طهران ،إيران .
-114الغارات للثقـفي .ط :إيران .
-115فرق الشيعة للنوبختي .ط :كربلء .
-116الفصول المهمة للحر العاملي .ط :قـم ،إيران .
-117الفصول المهمة لمعرفة الئمة لبن الصباغ .ط :إيران .
-118فضائل أمير المؤمنين لمحمد حسن المظفر .
-119فقه القرآن للراوندي .ط :قـم ،إيران 1399هـ .
-120فقه الشيعة للقزويني .ط :إيران .
-121الفكر الشيعي والنزاعات الصوفية للشيبي .ط :بغداد 1386هـ .
-122الفهرست للنجاشي .ط :نجف .
-123الفهرست لبن النديم .ط :بيروت ،لبنان .
-124فهرست لبي القاسم البراهيمي .ط :إيران .
-125الفوائد الرضوية للقمي .ط :إيران .
-126الفوائد الرضزية للسترآبادي .ط :إيران .
-127قرب السناد للحميري القمي .ط :طهران ،إيران .
-128قصص النبياء للراوندي .إيران .
-129قصص النبياء للجزائري .ط :بيروت .
-130الكافي للكليني .ط :إيران .
-131كامل الزيارات لبن قلوية .ط :إيران .
-132كتاب سليم بن قيس العامري .ط :بيروت 1400هـ .
-133كتاب الخصال لبن بابويه القمي .ط :طهران ،إيران 1389هـ .
-134كتاب الغيبة للطوسي .ط :إيران .
-135كتاب الغيبة للنعماني .ط :إيران .
223
كتاب كمال الدين والنعمة لبن بابويه .ط :طهران طبعة ثانية 1395هـ . -136
كتاب الخرائج والجرائح للراوندي .ط :إيران . -137
كتاب المناقيب لبن شهر آشوب .ط :قـم ،إيران . -138
كتاب الخلف للطوسي .ط :قـم ،إيران . -139
كتاب الرجال للحلي .ط :نجف 1381هـ . -140
كتاب الشيعة والسنة في الميزان لمؤلف مجهول .ط :بيروت ،لبنان . -141
كتاب البلدان لليعقوبي .ط :مصر . -142
كشف الغمة للردبيلي .ط :بيروت . -143
كتاب صفين لبن مزاحم .ط :بيروت . -144
كشف السرار عن وجه الغائب عن البصار للنوري الطبرسي .ط :قـم 1400هـ . -145
كتاب الزهد للهوازي .ط :إيران 1402هـ . -146
لغت نامه دهخدا .ط :إيران . -147
متشابه القرآن ومختلفه لبن شهر آشوب .ط :قـم ،إيران . -148
مجالس المؤمنين للشوستري .ط :إيران . -149
المجالس السنية لبن شهر آشوب .ط :إيران . -150
مجمع البيان للطبرسي .ط :بيروت ،لبنان . -151
المحاسن للبرقي .ط :قـم ،إيران ،الطبعة الثانية . -152
مدارج نهج البلغة لكاشف الغطاء .ط :بيروت . -153
مرآة العقول للمجلسي .ط :قديم .إيران . -154
مروج الذهب للمسعودي .ط :بيروت . -155
المراجعات لشرف الدين الموسوي . -156
مستدرك الوسائل للنوري المجلسي .ط :مكتبة دار الخلفة ،طهران . -157
مصائب النواصب للشوستري ،إيران . -158
مشجر الولياء لنوربخش ،باكستان . -159
مشارق أنوار اليقين للبرسي .ط :بيروت 1978م . -160
مصحف الدروز . -161
معالم الصول لجمال الدين .ط :إيران . -162
معراج السعادة للنراقي .ط :إيران . -163
معالم العلماء . -164
معاشر الصول . -165
معجم المؤلفين للكحالة .ط :بيروت . -166
مع الشيعة المامية للمغنية .ط :بيروت . -167
مفاتيح الجنان .ط :إيران . -168
المقالت والفرق لسعد بن عبدال القمي .ط :طهران 1963م . -169
مقاتل الطالبين للصفهاني .ط :بيروت . -170
مقتل أبي مخنف .ط :بيروت . -171
من ل يحضره الفقيه لبن بابويه القمي .ط :طهران . -172
منار الهدى لعلي البحراني . -173
منتهى المال لعباس القمي .ط :طهران ،إيران . -174
منهاج الكرامة للحلي .أوفست باكستان 1396هـ . -175
ناسخ التواريخ للميرزه تقي خان .ط :قديم ،إيران . -176
النجم الثاقب للنوري الطبرسي .ط :نجف . -177
نهاية الدراية . -178
نقد الرجال للتفـرشي .ط :إيران . -179
224
نقد الرجال .ط :إيران . -180
نهج البلغة بتحقيق صبحي صالح .ط :بيروت . -181
نهج البلغة بتحقيق محمد عـبده .ط :مصر . -182
هوية التشيع لحمد الوائلي .ط :بيروت . -183
وسائل الشيعة للحر العاملي .ط :بيروت . -184
225
الشيعة والسنـة للمؤلف .باكستان . -221
الشيعة وأهل البيت للمؤلف . -222
الصحاح للجوهري . -223
الصواعق المحرقة لبن حجر المكي . -224
الطبقات لبن سعد . -225
طائفة الدروز لمحمد كامل حسين . -226
العواصم من القواصم . -227
الفصل بين الملل والنحل لبن حزم . -228
فتاوى شيخ السلم لبن تيمية . -229
فجر السلم لحمد أمين . -230
فتوح البلدان للبلذري . -231
القاموس للفيروز آبادي . -232
كتاب الكنى والسماء للدولبي . -233
كتاب الجرح والتعديل للرازي . -234
كتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي . -235
كتاب المجروحين لبن حبان . -236
الكامل لبن الثيـر . -237
كتاب المحبر للبغدادي . -238
لسان الميزان لبن حـجـر. -239
لسان العرب لبن المنظور الفريقي. -240
ميزان العتدال للذهبي . -241
مقدمـة إبن خلدون . -242
منهاج السنة لبن تيمية . -243
مقالت السلميين للشعري . -244
الملل والنحل للشهرستاني . -245
موسوعة إصطلحات العلوم السلمية للتهانوي .ط :بيروت . -246
مختصر التحفة الثني عشرية لللوسي . -247
معجم مقاييس اللغة . -248
المخصص لبن سيده . -249
النهاية لبن الثيـر . -250
النجوم الزاهرة للتغـري البردي . -251
نسب قريش لمصعب الزبيري . -252
وفيات العيان لبن خلكان . -253
كـتـب المستــشرقـين
فهـرست الكـتـــاب
226
المقدمـة .
•الشيعة الولى مع تخاذلهم لم يكونوا مختلفين مع الخرين في العقائد ،المؤامرات والدسائس لتطوير
التشيّـع وتبديل الشيعة الولى .
•عبدال بن سبـأ والسبئـيـة.
•ما قاله الطبري وابن خلدون وابن حجر والسفرائيني عن عبدال إبن سبأ .
•سعي إبن سبأ بالفتـنة والفساد .
227
•الفكار اليهودية المدسوسة .
•ما ذكره النوبختي والكشي والحلي والمامقاني والميرزا والستر آبادي وابن أبي الحديد عن السبئيـة .
•ما قاله المحققون من أهل السنة عن السبئيـة .
•بعض المتأخرين من الشيعة أنكروا وجود إبن سبأ .
•الرد على من أنكر من الشيعة أنفسهم .
•شهادة المستشرق ( ولهوزن ) بأن الشيعة لم تكن فرقـة دينية في الصل .
•إعلن عليّ بأنه ل يفضل نفسه على الخلفاء الراشدين – وإعلن برآءته عن قتل عثمان .
•وضع الشيعة الحاديث الموضوعة المكذوبة .
•إنخداع بعض الشيعة من السبئية واعتناقهم عقائدهم .
البـاب الثاـث :الشيعـة ومـطاعـنهم على ذي النورين ،والسبئيـة وفتـنتهم أيامـه .
228
•إدعاء ضرب إبن مسعود ،وقضية عمار ،ونفي أبي ذر .
•عدم القصاص من إبن عمـر.
•قضية الذان الثاني في الجمعـة .
•دفاع عليّ عن عثمـان .
•مـقـام عثمـان وشـأنه .
البـاب الــرابع :تطور التشيـّع الول .والشيعة الولى ،ودور السبئية بعد مقتـل عثمان
ي
وأيــام عل ّ
•إجتماع الشيعة بعد عليّ حول الحسن – بدعـة السبئية في الغـلو .
•إفتراق الشيعة بعد عليّ .
•مجاهـرة إبن سبأ بأفكاره بعد مقتـل عليّ .
•محاربة الحسن لبن سبأ وأفكاره .
•فتـن السبئية أيام الحسن .
•خذلن الشيعة للحسن .
•إمارة معاوية ونصيحة عليّ .
•شيعة ساباط المدائن – جرحهم للحسن – صلح الحسن مع معاوية .
229
•إفتراق الشيعة .
•الكيـســـانـيـة .
•الشيعة أيام الحسين .
•مكاتبة الكوفيين الحسين .
•خروج الحسين إلى الكـوفـة .
•خبر مسلم بن عـقـيل .
•الكـوفــيـــون .
•الكوفيـون هم الذين قتـلوا الحسين .
•عدد شيـعـة الكوفـة .
•تطـور التشـيّـع .
•الفرس .
•الكيسـانيـة .
•المخـتـار الثـقـفي .
•تغير الشيعة الولى .
•المختـار الثـقـفي وحروبـه .
•إفتراق الشيعة بعد مقتـل الحسين .
•الغـرابـيــــة
•المعتـقدون بألوهـية العـباد .
•الشيعة بعد علي بن الحسين – الزيدية .
•الجـاروديــة.
•معـتقدات الزيـديـة .
•الشيعة أيام جعفر بن الباقـر .
•التطور التام والتغيير الجذري .
•إفتراق الشيعة أيام الجعفـر .
•مدعي المامة من أهل البيت في حياة جعفر.
•الشيعة بعد وفاة الجعفر .
•الناووسية السمطيـة .
•الفتحـــية .
•السماعيلـــــــية .
•موقف السماعيلية وأدلتهم .
•القرامطــــة .
•الغاخانيــة والبهرة .
•الـــدروز .
•عقائد الـــدروز .
•كلم إبن تيمية في الـدروز .
•فرق الشيعة أيام موسى الكاظم .
•مدعو المامة في عهد موسى الكاظم من أهل البيت .
•الشيعة أيام عليّ بن موسى .
•إفتراق الشيعة أيام علي بن موسى .
230
•الشيعة أيام محمد بن عليّ .
•إفتراق الشيعة أيام محمد بن عليّ .
•مدعي المامة من أهل البيت أيام محمد بن عليّ .
•الشيعة أيام عليّ بن محمد – النصيرية .
•عقـائـد النصيريـة .
•مدعي المامة أيام محمد بن عليّ من أهل البيت – الشيعة أيام الحسن العسكري .
•إفتراق الشيعة أيام الحسن العسكري .
•الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري .
•إفتراق الشيعة أربعة عشر فرقـة .
231
•كتابه كشف السرار .
•الوصـايـــة – روايـات باطلة -الغـيبة .
•الغيـبة الكبرى والغيـبة الصغرى – سفراء الغائـب .
•تواقيع المـام
•أين المـام .
•ماذا يعمل المـام .
•حكايات وخرافات ..الـرجعـة .
•من يكـون المهــدي .
•منـزلـته وشأنـه .
•متى يرجـع المهـــدي .
•أضاليـل وأباطيـل .
•كيف يرجـع المهـدي وأين يرجـع .
•يرجـع عند البيت – أول من يبايعه جبرئيل والملئكة .
•ماذا يعمل بعد رجعته .
•يحيي الموات ويقتل أصحاب النبي .
•ظلمه وقسوته – يدعو إلى أمر جديد وكتاب جديد .
•رجعـة الئمة مع رجعة القـائم .
•رجعة الحسن ويزيد وأنصارهما .
•ويرجع عليّ والنبي أيضاً .
•دابـة الرض .
•بعد القـائم سيخرج إثنا عشر مهدياً .
•خرافـة الجزائري .
•الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف ال .
•رأي المستشرق دوزي في علقة الشيعة بالسبئيـة .
•رأي المستشرق مـلر – والمستشرق ولهوزن .
•تأليه أهل البيت .
•رأي أبو حمزة الخارجي .
•قول هشام بن عبدالملك .
•كلمة أحمد أميـن .
232