You are on page 1of 232

‫الشيعة والتشيع‬

‫فرق وتاريخ‬

‫تأليف الستاذ‬
‫إحسان إلهي ظهير‬
‫رئيس تحرير مجلة ترجمان الحديث لهور باكستان‬
‫عن الطبعة التي أصدرتها دار ترجمان السنة مع التصويب لبعض الخطاء‬
‫الطبعة الولى‬
‫‪1404‬هـ ‪1984‬م‬
‫ثلثون ألف‬
‫أعده للنشر عبر شبكة النترنت شباب أهل السنة في منتدى أنا المسلم‬

‫‪1‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل رب العالمين ‪ ،‬الرحمن الرحيم ‪ ،‬مالك يوم الدين ‪ ،‬والصلة والسلم على‬
‫أشرف النبياء وخاتم المرسلين وعلى أهل بيته أمهات المؤمنين وآله الغر الميامين‬
‫وأصحابه البررة المقربين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد ‪:‬‬
‫فإنني بدأت في جمع الكتب عن السماعيلية وللسماعيلية بعد ما فرغت من كتابي‬
‫( البريلوية ـ عقائد وتاريخ ) واشتغلت في ترتيب وتصفيف ووضعت الخطة وخططت‬
‫الخطوط والتخطيط للكتابة عنهم وبوبت البواب ورتبت الفصول وجاوزت النصف من‬
‫العمل حتى وصلتني الدعوة من الخوة المخلصين الغيورين لدين ال وحملته لزيارة‬
‫أمريكا وإلقاء الخطب والمحاضرات في عديد من ولياتها في مراكز الطلب‬
‫ومجامعهم وأنديتهم ومحافلهم أندية الطهارة ومحافل التقوى في تلك البلد الكافرة‬
‫المنحطة في حضيض النجاسة والرذالة كالبساتين الوردية والشجار الوارفة الظل‬
‫واليانعة الثمار في صحراء عطشانة حامية فيحاء والتي هي كمنارة النور في ليلة‬
‫ظلماء مطيرة حالكة سوداء ‪.‬‬
‫الخوة العرب المسلمون الذين ذهبوا إلى تلك البقاع لطلب العلم بدءوا يعلمونهم العلم ‪،‬‬
‫علم الخلق وعلم الداب وعلم الحضارة والثقافة وعلم الروح علم القرآن وتعاليم‬
‫الرسول الكريم صلوات ال وسلمه عليه وإنني بعد ما رأيت وبعد ما شاهدت رأيت‬
‫التحمس لدين ال والعمل به والغيرة لحملته أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وأسلف هذه المة وشاهدت العفاف والعفة والطهارة والتقوى والمحافظة على‬
‫الصلوات والخضوع والخشوع فيها التشوق والستماع إلى الحاديث الدينية والكلمات‬
‫العلمية والمحاضرات السلمية وبصرت أنديتهم ومحافلهم ‪ .‬أيقنت أن ال سيعلى كلمته‬
‫ويرفع رايته ويظهر دينه على الديان كلها ‪ ،‬وينشر صيت نبيه واسمه وذكره في تلك‬
‫البلد النائية عن بلد المسلمين المترامية الطراف بهذا الجيل الميمون المبارك وتيقنت‬
‫أنهم هم الذين قال فيهم وفي أنديتهم الشاعر العربي القديم‬
‫وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعل‬
‫وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم مجالس قد يشفي بأحلمها الجهل‬

‫‪2‬‬
‫فلبيت دعوتهم وسافرت إليهم وشاركت مؤتمرهم وحاضرت في وسائل عديدة مختلفة‬
‫والكلم ذو شجون وألوان والحديث ذو جوانب وأطراف وكان من بينه حول اختلف‬
‫المة وسبب الخلف ومنشئه ومبناه وحول الفرق التي حدثت ونشأت بين المسلمين‬
‫وتشتت وتفرقت وذهب بعضها بعيداً في التفرق والختلف كما قرب البعض منها ومن‬
‫بين الفرق التي ذهبت إلى الشأو البعيد واختلفت مع المة اختلفاً جذريًا وفي الصول‬
‫والساس الشيعة فكثر الكلم وكثرت السئلة ثم الجوبة عليها وكانت كتبي الثلثة عن‬
‫هذه النحلة في متناول الكثيرين من الطلب والمستمعين والحاضرين في تلك المجالس‬
‫ولذلك كان البحث جدياً والسئلة في صميم الموضوع ‪ .‬والرحى كانت تدور على عقائد‬
‫القوم ومعتقداتهم التي كشفت النقاب عنها وعن تاريخ هذه الطائفة ومنشئها والتطورات‬
‫التي طرأت عليها والفرق التي تفرعت عنها واقتناع الخوة بما ذكرته في كتبي من‬
‫عقائد القوم والكتفاء بها والحتياج الشديد إلى معرفة تاريخ القوم ومنشئهم والتغيرات‬
‫التي وقعت حتى جعلتهم يبعدون كل هذا البعد عن الجماعة والمة وكان ينتهي الكلم‬
‫والجلسات على مطالبات وضع الكتاب فورياً في ذلك الخصوص ليكمل البحث ويتم‬
‫الموضوع ومادام يكتب الكتاب عن التاريخ والتطورات والمنشأ فلزم أن يشمل الفرق‬
‫التي انبثقت من التشيع فرجعت من تلك البلد وأنا مقتنع بقضاء ما طلبوا ومصمم على‬
‫ما أظهروا الحتياج إليه فلم أصل إلى بلدي في السادس والعشرين من سبتمبر إل وقد‬
‫اشتغلت في هذه الموضوع مؤجلً كتابتي في السماعيلية مع شدة حرصي على إكمالها‬
‫وإتمامها ‪ .‬ولكن ما شاء ال كان وما لم يشأ لم يكن ولكل شيء أجل ‪.‬‬
‫فصرفت فيه جدي وجهدي ولم أعمل شيئاً في هذه المدة كلها ليلها ونهارها إل‬
‫البحث والتنقيب والترتيب و التسويد والتبييض في هذا ‪.‬‬
‫اللهم إل الخطب والمحاضرات في المدن المختلفة في باكستان المجاورة للهور‬
‫والبعيدة عنها والتي هي لزمتني ولحقتني كل حين وكل آن وكل ظرف وكل مكان ول‬
‫ولم ولعلي لن أستطيع التخلص عنها رغم تهربي وفراري في الونة الخيرة لكثرة‬
‫ملحقتها لي وتسلطها علي ومطاردتها إياي ولزومها لي ‪ ،‬ولكثرة العناء والسفار‬
‫والمشقة وقلة الراحة والطمأنينة والسكون القلبي والذهني والفكري في سبيلها ‪ .‬فأحمد‬
‫ال على إنعامه علي بأني استطعت حسب مقدوري وطاقتي وقدر استطاعتي وبضاعتي‬
‫أن أكمل البحث في هذا ولعله يستفيد منه القارئ ويستمتع به الناظر ويسر به الباحث‬
‫ويفرح به المؤرخ لنه قلما كتب عن الشيعة والتشيع بالترتيب التاريخي والتسلسل‬
‫الزمني بتنقية المطالب والمباحث من الغراض والهداف المشبوهة وبتصفيتها من‬
‫القصص والساطير ومن النسيج المدسوس المدخول ‪.‬‬
‫كما ندر من نبه على تطور التشيع الول وتقلب الشيعة الولى والسباب‬
‫والحوادث التي سببت هذا التغيير والتبديل ‪ .‬اللهم إل بعض الشارات التي ل تسمن ول‬
‫تغني من جوع ‪.‬‬
‫فنحن بدأنا الكتاب ببيان بدء التشيع ونشأته وبيان الشيعة الولى ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ثم عقبنا ذلك الباب بالباب الثاني بيناً في السبئية ومؤسسها عبد ال بن سبأ وأفكاره‬
‫وعقائده التي أراد ترويجها بين الشيعة الولى وبيناً مع ذلك الفضائح والقبائح التي‬
‫ارتكبها هو وأنصاره وأعوانه والمخدوعون به والواقعون في حبائله وبما قاموا من‬
‫السعي بالفتنة والفساد والحداث التي حدثت بسبب مؤامراتهم ومخططاتهم ‪.‬‬
‫كما بينا في الباب الثالث اندماج السبئية في صفوف الشيعة وإيقاع بعضهم في‬
‫شراكهم وفخهم في خلفة علي ومحاربة علي رضي ال عنه أفكار هؤلء ومحاولته‬
‫منع شيعته من الركون إليهم وإلى عقائدهم كما يتضمن هذا الباب وقائع حرب الجمل‬
‫وصفين خالية من الباطيل ومتضمنة الحقائق التي طالما خفيت على الكثيرين من‬
‫الناس وحتى السنة ولعله أول مرة بهذا الوضوح والتفصيل ‪.‬‬
‫ثم ذكرنا في الباب الرابع تطور التشيع الول وتبديل الشيعة الولى وتسلط‬
‫السبئيين على التشيع وغلبتهم على الشيعة ومقاومة الحسن أفكارهم وعقائدهم ثم حدوث‬
‫بعض فرق الشيعة الخرى المتطرفة عنهم ثم ذكرنا وقائع شهادة الحسين بالختصار‬
‫والنتائج التي نتجت بعد هذه الشهادة وتطور التشيع من الفكر السياسي إلى الفكر الديني‬
‫وتغير الشيعة من الحزب السياسي إلى الحزب المذهبي ‪.‬‬
‫وفي الباب الخامس ذكرنا ببعض الختصار وبعض التفصيل أهم فرق الشيعة‬
‫التي حدثت في مختلف اليام والعهود وزمن أولد علي بن أبي طالب العشرة منهم‬
‫ومعتقداتهم ومختصر عقائدهم ‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أننا لم نذكر فرقة منهم لم تذكر في كتب القوم وذكرت في كتب السنة‬
‫فمدارنا ومعولنا واعتمادنا لم يكن إل على كتب القوم أنفسهم كي ل يقول قائل ‪ :‬قيل عنا‬
‫ولم نقله ‪ ،‬بل عكس ذلك نقول ‪ :‬قلتم فقلناه ‪.‬‬
‫وأما الباب السادس فخصصناه لذكر الفرقة الثني عشرية أو المامية وهي‬
‫الفرقة الموجودة حالياً في العالم السلمي بكثرة وهي التي يطلق عيها اسم الشيعة ول‬
‫يقصد عند إطلقه أحد غيرهم ثم ذكرنا في ذلك الباب وجهة نظر الشيعة تجاه إمامهم‬
‫الثاني عشر أمولود وغائب أو موهوم ومعدوم ؟‬
‫وضمن ذلك بينا عقيدتهم في المامة وشروط المام التي تلزمه مع بيان فرق‬
‫الثني عشرية التي انبثقت منها مع ادعاء كل واحدة منها كونها من الثني عشرية أو‬
‫المامية أو الجعفرية ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫والباب الخير خصصناه لبيان الروابط العقائدية التي تربطها بالعقائد السبئية‬
‫المنقولة من اليهودية والمأخوذة منها وبهذا لقد أوشكنا على النتهاء من هذا الموضوع‬
‫حيث تكمل‪ 1‬في الكتب التي ألفناها في الشيعة بهذا الكتاب ولعلنا ل نكون مخطئين ول‬
‫مبالغين عندما نقول إن هذه الكتب الربعة تغني الكثير من الناس في معرفة الشيعة‬
‫والتشيع ومن كتبهم أنفسهم ومعرفة عقائدهم وتاريخهم وفرقهم وحتى الشيعة أنفسهم‬
‫يجدون فيها ما يدعوهم إلى التفكير والتعقل والتبصر ودقة النظر لتمييز الحق من‬
‫الباطل والصواب من الخطاء ‪.‬‬
‫وألفت أنظار القراء والباحثين إلى أننا حاولنا في كتابنا هذا كدأبنا في الكتب‬
‫الخرى أن ل نكرر شيئاً أوردناه في كتاب آخر وحتى عند الحتياج نبحث عن شيء‬
‫آخر مماثل لذلك الشيء الذي أوردناه فيما سبق تجنباً للتكرار وزيادة في الفائدة اللهم إل‬
‫ما ل بد منه لتشابك المواضيع وترادفها وبذلك صارت هذه الكتب خالية من التكرار‬
‫المشين ولكل قيمته ‪.‬‬
‫وعلى تلك الصول والقاعدة لم نذكر ترجمة من نقلنا عنه عبارة أو اقتبسنا من‬
‫كتابه كلماً وقد ذكرنا ترجمته في الكتب الثلثة السابقة واكتفينا بذكر تعريف موجز‬
‫مناسب للمقام بالرجال اللذين لم ترد تراجمهم قبل ذلك ‪.‬‬

‫‪ 1‬هذا حسب ظنا وإل فكشف الحقائق يحتاج كتب كثيرة ل كما كنا نتوقع سابقاً بأن المختصرين يكفيان لتعريف‬
‫القوم وبيان حقائقهم وها نحن نتبع الكتاب الول بعد الكتاب الثاني والثالث بالكتاب الرابع وعند اللحظات الخيرة‬
‫وصل إلينا كتاب جديد في اللغة الفارسية باسم ( حجت اثنا عشري ) من إيران حاول صاحبه الرد علينا في القسم‬
‫الخير الكبير من الكتاب ولكنه اختفى تحت السم المستعار وبدون الشارة والنص على شخصيته وهويته خوفاً‬
‫من الفضيحة وتهرباً من الخجل والندم لما يرى من تخاذله وعجزه عن القيام بالرد العلمي على المطالب التي‬
‫أوردناها في كتابنا ( الشيعة والسنة ) المباحث التي طرحناها أمام القاري والباحث من السنة والشيعة ‪.‬‬
‫ومن الطرائف أن هذا المبرقع ببرقعه ( حقكو ـ أي القائل بالحق) تحدانا مرات عديدة وقال ‪ :‬إنه سيعطينا جائزة إن‬
‫خطأناه في رأيه فيما كتب وأثبتنا غلطه وعدم إصابته الصواب ثم ول يكتب على الكتاب داخله ول خارجه ل اسمه‬
‫ول رسمه ‪ ،‬ومن وجله وتخوفه من بطشة الحق أنه لم يستطع ذكر المطبعة التي طبعت هذا الكتاب ول الدارة‬
‫التي نشرته ول الجهة التي صدرته فهذه هي جرأة القوم وهذه هي حقيقتهم ‪.‬‬
‫فهذه الحقيقة الواحدة هي التي تكفي لحقاق الحق وإزهاق الباطل ـ والتفريق بين التخاذل والثبات وبين الصدق‬
‫والكذب ‪.‬‬
‫فالحاصل أننا ل ندري أيكون هذا الكتاب هو آخر كتاب في هذا الموضوع أم يجبرنا القوم على مواصلة التعقيب‬
‫والتنقيب والبحث والتفتيش للستطلع والستكشاف وكشف النقاب عن الحقائق الخرى الخافية المخفية عن أعين‬
‫الناس من السنة وحتى الشيعة أنفسهم ‪ .‬وإننا لنرى أيضاً في كل مرة نرجع إلى كتب القوم أنها على قسمين ‪ :‬الكتب‬
‫التي كتبت فقط للدعاية وكتب متضمنة للعقائد الصلية والمعتقدات الحقيقية ‪ .‬فالكتب الدعائية كثرت في العصور‬
‫المتأخرة وما أكثر ما استعمل مصنفوها الكذب والخداع لتغطية المور أمام المسلمين السنة فما أحوج السنة إلى‬
‫معرفة الزور والخداع من الصدق والحق فلكم فكرنا في إصدار كتاب يتضمن نقد هذه الكتب وما ورد فيها من‬
‫المكر والخداع والنفاق والتعمية بعنوان ( بين يدي الكتب ) ولكن الكتابة في المواضيع الخرى تحول بيننا وبين‬
‫ذلك ‪ .‬ول ندري ما في مغيبات المور وال يعلم السرار‬

‫‪5‬‬
‫وميزة هذا الكتاب أنه يشتمل مع تاريخ التشيع والشيعة وتغيير التشيع الول‬
‫وتبدل الشيعة الولى والفرق التي حدثت ونشأت بهذا السم وانقرضت أو بقيت على‬
‫مطاعن الشيعة على أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وخاصة عثمان ومعاوية‬
‫وغيرهما رضوان ال عليهم أجمعين والرد عليها رداً علمياً ومنطقياً وإنني لرجو ال‬
‫العلي القدير أن ينفع به الخلئق الحباء والباعد وأن يتقبله خالصاً لوجهه الكريم‬
‫ويجعله ذخيرة لي في الدين والدنيا وفي الحياة وبعد الممات وان يحشرني في زمرة‬
‫أصحاب نبيه العظيم وان يوفقني للدفاع عن حوزة شريعته وكرامة نبيه صلى ال عليه‬
‫وسلم وعظمة أصحابه ورفاقه وتلمذته وأزواجه أمهات المؤمنين وعن أسلف هذه‬
‫المة وعلمائها ومحسنيها وجعلنا منهم إنه سميع مجيب‬
‫وأخيراً ل يسعني إل أن أشكر جميع الخوة والحياء الذين ساندوني وساهموا‬
‫في إخراج هذه الكتاب وناصروني في مواصلة الكتاب في مثل هذه المواضيع فبارك‬
‫ال فيهم ويشكر مساعيهم وتقبل أعمالهم وجزاهم عنا وعن السلم خير الجزاء وصلى‬
‫ال على رسوله وعلى آله وصحبه وأصحابه ومن اهتدى بهديهم وسلك مسلكهم إلى يوم‬
‫الدين ‪.‬‬

‫إحسان إلهي ظهير‬


‫‪ 30‬محرم المحرم ‪1404‬هـ ‪.‬‬
‫‪ 6‬نوفمبر ‪1983‬م‬

‫‪6‬‬
‫الباب الول‬
‫التشيع الول والشيعة الولى‬
‫إن لفظة الشيعة ل تطلق إل على اتباع الرجل وأنصاره فيقال ‪ :‬فلن من شيعة فلن‬
‫أي ممن يهوون هواه كما قال الزبيدي ‪ :‬كل قوم اجتمعوا على أمر فهم الشيعة وكل‬
‫من عاون إنساناً وتحزب له فهو شيعة له وأصله من المشايعة وهي المطاوعة‬
‫والمتابعة ‪.‬‬
‫فلم يكن استعمال هذه اللفظة في العصر الول من السلم إل في معناه الصلي‬
‫والحقيقي هذا كما لم يكن استعمالها إل لحزاب سياسية وفئات متعارضة في بعض‬
‫المسائل التي تتعلق بالحكم والحكام ‪ ،‬وقد شاع استعمالها عند اختلف معاوية مع‬
‫علي رضي ال تعالى عنهما بعد استشهاد عثمان رضي ال عنه فكان يقال عن‬
‫أنصار رضي ال عنه الخليفة الراشد الرابع والحق بالخلفة من معاوية وغيره‬
‫وكانوا يشايعونه ويناصرونه في حروبه مع معاوية رضي ال عنه كما كان شيعة‬
‫معاوية يرون المر بالعكس للجوء قتلة عثمان بن عفان إلى معسكر علي رضي ال‬
‫عنه وتحت كنفه حسب زعمهم وما دام هؤلء كذلك لم يكونوا معتقدين بثبوت‬
‫الخلفة وأحقيتها لعلي بن أبي طالب رضي ال عنه فإن قتل القتلة ونفذ فيهم حد‬
‫السيف رجعوا إليه وإلى التسليم بخلفته والنقياد لمره كما نقله المؤرخون أن‬
‫معاوية رضي ال عنه قال لمن بعث إليه من قبل علي رضي ال عنه من عدي‬
‫بن حاتم ويزيد بن قيس الرحبي وشبيث بن ربعي وزياد بن حفصة يدعونه إلى‬
‫الجماعة والطاعة ‪:‬‬
‫" أما بعد فإنكم دعوتموني إلى الجماعة والطاعة ‪ ،‬فأما الجماعة فمعنا هي ‪،‬‬
‫وأما الطاعة فكيف أطيع رجلً أعان على قتل عثمان وهو يزعم أنه لم يقتله ؟ ونحن‬
‫ل نرد ذلك عليه ول نتهمه به‪ 1‬ولكنه آوى قتلة عثمان فيدفعهم إلينا حتى نقلتهم ثم‬
‫نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة "‪. 2‬‬
‫وقال بمثل هذه المقولة لبي الدرداء ولبي أمامة المبعوثين أيض ًا من قبل‬
‫علي رضي ال عنه ‪:‬‬
‫" اذهبا إليه فقول له ‪ :‬فليقدنا من قتلة عثمان ثم أنا أول من بايعه من أهل الشام "‬
‫‪ - 1‬انظر إلى القول العدل الذي صدر من رجل يصب عليه الشيعة ويلتهم ودفائن حقدهم وبغضهم بدعوى أنه قال‬
‫في علي كيت وكيت فانظر إليه كيف يصرح بأننا ل نتهمه بقتل عثمان بل نصدق قوله في براءته من دمه ول نقول‬
‫بما ينكره علي رضي ال عنه ‪.‬‬
‫‪ - 2‬البداية والنهاية ج ‪7‬ص ‪ 257‬ط بيروت الطبري ج ‪ 5‬ص ‪ ، 6‬الكامل ج ‪ 3‬ص ‪.290‬‬

‫‪7‬‬
‫وقبل ذلك حينما أرسل علي رضي ال عنه جرير بن عبد ال إلى معاوية يدعوه إلى‬
‫بيعته " طلب معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أهل الشام فاستشارهم فأبوا أن‬
‫يبايعوا حتى يقتل قتلة عثمان أو أن يسلم إليهم قتلة عثمان "‬
‫وإن المؤرخين ذكروا أيضاً أن أبا الدرداء وأبا أمامة عندما رجعا إلى علي قال‬
‫له ذلك ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫هؤلء الذين تريان فخرج خلق كثير فقالوا ‪ :‬كلنا قتلة عثمان فمن شاء فليرمنا "‬
‫هذا ولسنا الن بصدد بيان أسباب الحروب التي دارت بين علي رضي ال عنه‬
‫وبين معاوية رضي ال عنه وغيره ولكننا نريد أن نبين هنا أن فئتين عظميتين من‬
‫المسلمين ـ كما عبر عنها الرسول العظيم عليه الصلة والسلم في مدحه الحسن‬
‫رضي ال عنه ـ انحاز كل واحدة منهما إلى جانب وشايعت وناصرت من رأوا الحق‬
‫معه فسميت كل طائفة من هاتين الطائفتين شيعة علي وشيعة معاوية ولم يكن‬
‫الخلف بينهما إل خلفاً سياسياً محضاً طائفة كانوا يرون علياً رضي ال عنه خليفة‬
‫صاحب حق شرعي حيث انعقدت له الخلفة بمشورة أهل الحل والعقد من المهاجرين‬
‫والنصار‪ 2‬وقوم رأوا أحق الناس بها معاوية بن أبي سفيان رضي ال عنهما حيث‬
‫أنه يريد الثأر لدم المام المظلوم صهر رسول ال صلى ال عليه وسلم وخليفته‬
‫للمسلمين الذي أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم البيعة المشهورة لخذ الثأر عنه‬
‫يوم الحديبية وسميت فيما بعد هذه البيعة بيعة الرضوان حيث أنزل ال رضاه لكل‬
‫من بايع لجله ‪. 3‬‬
‫وكذلك أطلقت هذه اللفظة على حزب سياسي موحد لبني علي وبني العباس بتركيب‬
‫شيعة آل محمد مقابل شيعة بني أمية ولم يكن إطلقها إل لبيان رأي سياسي في من‬
‫ل عن كتاب‬
‫تولى الحكم وفي من يحق أن يتوله وقد صرح بذلك شيعي مشهور ناق ً‬
‫الزينة للسجستاني ‪:‬‬
‫ثم بعد مقتل عثمان وقيام معاوية وأتباعه في وجه علي بن أبي طالب‬
‫وإظهاره الطلب بدم عثمان واستمالته عدداً عظيماً من المسلمين إلى ذلك صار‬
‫أتباعه يعرفون بالعثمانية وصار أبتاع علي يعرفون بالعلوية مع بقاء إطلق اسم‬
‫‪4‬‬
‫الشيعة عليهم واستمر ذلك مدة ملك بني أمية "‪.‬‬
‫ونقل أيضاً من نقيب الشيعة بحلب ‪:‬‬

‫‪ -1‬البداية والنهاية ج ‪7‬ص ‪ 259 -253‬ط بيروت‬


‫‪ - 2‬كما استشهد علي رضي ال عنه على أحقيتها له إنما الشورى للمهاجرين والنصار فإن اجتمعوا على رجل‬
‫وسموه إماماً كان ذلك ل رضى فإن خرج منهم بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أتى قاتلوه على اتباعه‬
‫غير سبيل المؤمنين ووله ال ما تولى( نهج البلغة ص ‪)367‬‬
‫‪ -3‬بقوله جل وعل { لقد رضي ال عن المؤمنين إذا يبايعونك تحت الشجرة ""‪.‬‬
‫‪ - 4‬أعيان الشيعة لمحسن المين ‪ /‬الجزء الول القسم الول ص ‪. 12‬‬

‫‪8‬‬
‫كل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيعة وشيعة الرجل أتباعه‬
‫وأنصاره ويقال ‪ :‬شايعه كما يقال واله من الولي والمشايعة وكأن الشيعة لما اتبعوا‬
‫هؤلء القوم واعتقدوا فيهم ما اعتقدوا سموا بهذا السم لنهم صاروا أعواناً لهم‬
‫وأنصارا وأتباعا ‪ ،‬فأما من قبل حين أفضت الخلفة من بني هاشم إلى بني أمية‬
‫وتسلمها معاوية بن صخر من الحسن بن علي وتلقفها من بني أمية ومالوا إلى بني‬
‫هاشم وكان بنو علي وبنو عباس يومئذ في هذا شرع فلما انضموا إليهم واعتقدوا‬
‫أنهم أحق بالخلفة من بني أمية وبذلوا لهم النصرة والموالة والمشايعة سمو شيعة‬
‫آل محمد ولم يكن إذ ذاك بين بني علي وبني العباس افتراق في رأي ول مذهب فلما‬
‫ملك بنو العباس وتسلمها سفاحهم من بني أمية نزغ الشيطان بينهم وبين بني علي‬
‫‪1‬‬
‫فبدا منهم في حق بني علي ما بدا فنفر منهم فرقة من الشيعة "‬
‫وقد كررنا لفظ السياسة حيث نقصد من ورائها أنه لم يكن بين القوم خلف‬
‫ديني يرجع إلى الكفر والسلم كما أقر بذلك سيدنا علي رضي ال عنه حيث قال‬
‫مخاطب ًا جنده عن معاوية وعساكره ‪.‬‬
‫أوصيكم عباد ال تقوى ال فإنها خير ما تواصى به العباد به وخير عواقب‬
‫المور عند ال وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة ‪."2‬‬
‫هذا وقد زاد علي رضي ال عنه المسألة وضوحاً وبياناً في كتاب له كتبه‬
‫إلى أهل المصار يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين ويبين فيه حكم من‬
‫ناضلوه وقاتلوه وموفقه منهم ‪:‬‬
‫وكان بدء أمرنا التقينا والقوم من أهل الشام والظاهر أن ربنا واحد وبنينا‬
‫واحد ودعوتنا في السلم واحدة ول نستزيدهم في اليمان بال والتصديق برسوله‬
‫‪3‬‬
‫صلى ال عليه وسلم المر واحد إل ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء‬
‫"‪.‬‬
‫ولجل ذلك منع أصحابه من سب أهل الشام وأنصار معاوية وشتمهم إياهم أيام‬
‫حربهم بصفين ‪:‬‬
‫إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتهم أعمالهم وذكرتهم حالهم‬
‫كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان سبكم إياهم " اللهم احقن دمائنا‬
‫ودمائهم وأصلح ذات بيننا وبينهم ‪." 4‬‬
‫ويؤيد ذلك حديث شيعي مشهور رواه الكليني في صحيحه ( الكافي ) عن جعفر بن‬
‫محمد الباقر ـ المام السادس المعصوم حسب زعم الشيعة ـ أنه قال ‪ :‬ينادي مناد من‬
‫‪ - 1‬غاية الختصار في أخبار بيوتات العلوية المحفوظة من الغبار لسيد تاج الدين بن حمزة الحسيني نقيب حلب ‪.‬‬
‫‪ - 2‬نهج البلغة ص ‪ 367‬ط بيروت ‪.‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق ‪. 448‬‬
‫‪ 4‬المصدر السابق ‪. 323‬‬

‫‪9‬‬
‫السماء أول النهار إل إن علياً صلوات ال عليه وشيعته هم الفائزون قال ‪ :‬وينادي‬
‫مناد آخر النهار أل إن عثمان وشيعته هم الفائزون "‪. 1‬‬
‫ومن طريف ما ذكرنا أن أبا العالية وهو تابعي مشهور أدرك النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم وهو شاب ولكنه لم يسلم إل بعد وفاة النبي صلى ال عليه وسلم في عهد أبي‬
‫بكر الصديق رضي ال عنه فإن روى عنه أبو خلدة أنه قال ‪ :‬قال أبو العالية ‪ :‬لما‬
‫كان زمان علي ومعاوية وإني لشاب القتال أحب إلى من الطعام الطيب فجهزت‬
‫بجهاز حسن حتى أتيتهم فإذا صفان ما يرى طرفاهما إذا كبر هؤلء كبر هؤلء وإذا‬
‫هلل هؤلء هلل هؤلء فراجعت نفسي فقلت ‪ :‬أي الفريقين أنزله كافرًا ؟ ومن‬
‫أكرهني على هذا ؟ قال ‪ :‬فما أمسيت حتى رجعت وتركتهم ‪." 2‬‬
‫ول ننكر أنه كان هناك أناس تأثروا بدسائس يهودية وأفكار مدسوسة‬
‫وخرجوا عن الجادة المستقيمة وأعطوا هذا الخلف صبغة دينية أمثال السبأيين‬
‫وغيرهم ممن وقعوا في حبائل اليهودية المبغضة للسلم وهم الذين كانوا يؤججون‬
‫نار الحرب كما خبت نيرانها كما سنفصل القول فيما بعد إن شاء ال ولكن عامة‬
‫الناس كانوا على منأى عنها ‪.‬‬
‫فهذه هي بداية استعمال هذه اللفظة ثم اختص بكل من يوالي علياً وأولده‬
‫ويعتقد العتقادات المخصوصة والمستقاة من دسائس عبد ال بن سبأ اليهودي‬
‫وغيره من الذين أرادوا هدم عمارة السلم وكيانه وتشويه عقائده وتعليماته كما قال‬
‫ابن الثير في نهايته ‪:‬‬
‫وأصل الشيعة الفرقة من الناس وتقع على الواحد والثنين والجمع والذكر‬
‫والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد وقد غلب هذا السم على كل من يزعم (؟) ‪ .‬أنه‬
‫يتولى علياً رضي ال عنه وأهل بيته حتى صار لهم اسماً خاص ًا فإذا قيل من‬
‫الشيعة عرف أنه منهم وفي مذهب الشيعة كذا أي عندهم وتجمع الشيعة علي شيع‬
‫وأصلها من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة "‪. "3‬‬

‫‪ 1‬الكافي في الفروع ج ‪ 8‬ص ‪. 209‬‬


‫‪ 2‬سير أعلم النبلء للمام الذهبي ج ‪ 4‬ص ‪ 210‬طبقات ابن سعد ج ‪ 7‬ص ‪. 114‬‬
‫‪ - 3‬النهاية لبن الثير ج ‪ 2‬ص ‪. 244‬‬

‫‪10‬‬
‫وأما ادعاء من يدعي بأن هذه اللفظة كانت شائعة في عهد النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم كما كان التشيع موجوداً في عصره والشيعة موجودون في زمنه فل‬
‫ينهض به دليل ول يقوم به برهان كما قال محمد الحسين في ( أصل الشيعة‬
‫وأصولها ) ‪.‬‬
‫إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل السلم ـ هو نفس صاحب الشريعة ـ يعني أن‬
‫بذرة التشيع وضعت مع بذرة السلم جنباً إلى جنب وسواء بسواء ولم يزل غارسها‬
‫يتعاهدها بالسقي والعناية حتى نمت وازدهرت في حياته ‪ 1‬ثم أثمرت بعد وفاته ‪."2‬‬
‫وبمثل ذلك القول قال الخر " إن التشيع ظهر في أيام نبي السلم القدس‬
‫الذي كان يغذى بأقواله عقيدة التشيع لعلي عليه السلم وأهل بيته ويمكنها في أذهان‬
‫المسلمين ويأمر بها في مواطن كثيرة ‪."3‬‬
‫ولم يظن المظفري الشيعي هذا كافياً فقال ‪:‬‬
‫إن الدعوة إلى التشيع ابتدأت من اليوم الذي هتف فيه المنقذ العظم محمد‬
‫صلوات ال عليه صارخاً بكلمة ل إله إل ال في شعاب مكة وجبالها ‪ ...‬فكانت‬
‫الدعوة للتشيع لبي الحسن عليه السلم من صاحب الرسالة تمشي منه جنباً لجنب‬
‫مع الدعوة للشهادتين ‪." 4‬‬

‫‪ - 1‬واستشهد على ذلك بروايات واهية موضوعة و مكذوبة على رسول ال صلى ال عليه وسلم ول تصح منها‬
‫ول رواية واحدة مثل ( أن علياً وشيعتهم لهم الفائزون ) وعلى ذلك قال ابن الحديد الشيعي الغالي ‪ :‬أن أصل‬
‫الكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة فإنهم وضعوا في بدء المر أحاديث مختلفة في فضائل أئمتهم‬
‫حملهم على وضعها عداوة خصومهم ( شرح نهج البلغة ج ‪1‬ص ‪. ) 783‬‬
‫‪2‬‬
‫ومن أعجب العجائب أن رجلً كهذا يكذب بكل وقاحة ول يستحي حيث ينسب رواية باطلة موضوعة أل‬
‫وهي رواية الطير في الصحيحين ول وجود لها فيهما ‪:‬‬
‫" وكذلك من عد عدداً كبيراً من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم في حياته وأطلق عليهم بأنهم كانوا‬
‫شيعة علي مثل محسن المين ومحمد حسين الزين وآل كاشف الغطاء وغيرهم فل ندري بماذا يجيبون عن أحاديث‬
‫كثيرة مروية في صحاحهم التي تحكم على ارتداد جميع أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إل الثلثة سلمان‬
‫وأبو ذر والمقداد "انظر تفصيل ذلك في كتابنا الشيعة والسنة " فهل هؤلء كانوا كفرة مع كونهم شيعة علي ثم‬
‫وكيف قبل سلمان إمارة من قبل عمر بن الخطاب رضي ال عنه ؟ " حياة القلوب للمجلسي ج ‪2‬ص ‪ . "780‬وكان‬
‫أحد القادة الذين أرسلهم الفاروق لفتح المدائن ( ابن كثير ج ‪7‬ص ‪.) 67‬‬
‫‪ - 3‬أصل الشيعة وأصولها ص ‪. 87‬‬
‫‪ - 3‬الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين ص ‪. 29‬‬
‫‪ -4‬تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري ص ‪ 9 ، 8‬ط قم ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ول يخفى ما فيه من المجازفة بالقول والغلو لن معناه أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم لم يدع إلى السلم وإلى وحدانية ال عز وجل والقرار برسالته وطاعته وإلى‬
‫التحاد والتفاق والتآلف والمحبة والمودة بل كان يدعو إلى التحزب والتفرق‬
‫والتشيع لعلي دون غيره كما أنه حسب دعوى المظفري كان يجعل علياً شريكاً له في‬
‫نبوته ورسالته مع أن كلم ال المحكم الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من‬
‫خلفه والذي أنزله الرحمن وضمن حفظه قرآنه وبيانه خال من كل هذا ‪ 1‬بل ويعكس‬
‫ذلك أنه مليء بالدعوة إلى طاعة ال عز وجل وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫والعتصام بحبل ال وحده والتمسك بالقرآن والسنة والتجنب لما سواهما كما أمر‬
‫المسلمين بالتفاق والتحاد والتسمي باسم السلم والمسلمين وكذلك الحاديث‬
‫الصحيحة الثابتة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ 2‬ل تشتمل ول تصرح إل بهذا‬
‫كله ل غير فلقد قال ال عز وجل ‪ { :‬يا أيها الذين أمنوا أطيعوا ال ورسوله ول‬
‫تولوا عنه وأنتم تسمعون } وقال { أطيعوا الرسول ول تبطلوا أعمالكم } وقال { ما‬
‫أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وقال { ومن يشاقق الرسول من بعد‬
‫ما تبين له الحق ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت‬
‫مصيرا } وقال { وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لهم‬
‫الخيرة من أمرهم } وقال { فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل‬
‫يجدوا في أنفسهم حرج ًا مما قضيت } وقال جل وعل { واعتصموا بحبل ال جميعاً‬
‫ول تفرقوا واذكروا نعمة ال عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته‬
‫إخواناً } وقال { ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } وقال { إن هذه أمتكم أمة‬
‫واحدة وأنا ربكم فاتقون } وقال { ول تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم‬
‫وكانوا شيعاً } وقال { إن الدين عند ال السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إل‬
‫من بعد ما جاءهم الحق بغياً بينهم ومن يكفر بآيات ال فإن ال سريع الحساب }‬
‫وقال { ومن يبتغ غير السلم ديناً فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين } ‪.‬‬

‫‪ - 1‬ولعل هذا من أهم دواعي إنكار القرآن والعتقاد فيه بالتغيير والتحريف والنقصان من قبل الشيعة لنهم ل‬
‫يجدونه مؤازراً لهم ومناصرا بل كل ما فيه يخالف التشيع وعقائدهم بأصولها وفروعها ويفند مزاعمهم ويسفه‬
‫عقولهم وآراءهم وأفكارهم ‪ .‬فانظر لتفصيل ذلك ومعرفته كتبانا ( الشيعة والسنة ) و ( الشيعة والقرآن )‬
‫‪ - 2‬والعجب كل العجب أن الشيعة الذين ينكرون الحاديث الصحاح لرسول ال صلى ال عليه وسلم الثابتة عنه‬
‫لن رواة هذه الحاديث وحملتها هم أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وكلهم ارتدوا ـ عياذا بال حسب‬
‫زعمهم ـ يثقون بروايات هؤلء ومروياتهم ‪.‬‬
‫ول ندري كيف أن الشيعة يتمسكون بالروايات الموضوعة الباطلة والحاديث الواهية المكذوبة على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ؟ لنه اختلق هذه الروايات واخترعها رجال منهم أو وضعها رواتهم والدعاة إلى أباطيلهم‬
‫وأضاليلهم ‪.‬‬
‫وقلما تجد الشيعة يتمسكون بحديث صحيح أو يعتقدون بل كل بضاعتهم الموضوعات أو الساطير والقصص ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وأخيرا أخبر الكون ومن في الكون بأنه لم يرسل نبيه ول رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم خاتم النبيين إل بما أرسل به الرسل والنبياء من قبل حيث أمره أن يقول‬
‫{ قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ول بكم إن أتبع إل ما يوحى إليّ‬
‫وما أنا إل نذير مبين } وكما قال { شرع لكم من الدين ما وصى به نوح ًا والذي‬
‫أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم موسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه‬
‫كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ال يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب }‬
‫ولقد بين جل وعل سبحانه وتعالى مجملً بما أرسل الرسل من قبله حيث قال { وما‬
‫أرسلنا قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون } ‪.‬‬
‫كما فصل في مواضع عديدة من القرآن بذكر كل واحد منهم برسالته وبمثل‬
‫ذلك تمام ًا وردت أحاديث رسول ال صلى ال عليه وسلم الصحيحة الثابتة ‪.‬‬
‫وأما القوم فهم على خلف ما بينه الرب جل وعل وبينه رسوله العظيم عليه‬
‫الصلة والسلم حيث يزعمون أنه لم يرسل الرسول صلى ال عليه وسلم إل للدعوة‬
‫إلى التشيع والتفرق وإلى الشراك في ذات ال وصفاته وإشراكه علياً وأولده في‬
‫النبوة والرسالة والطاعة ثم يسردون لثبات ذلك روايات كلها باطلة وموضوعة‬
‫رواية ودراية رواية حيث إن الرواة الذين رووا تلك الحاديث شيعة ضالون‬
‫ووضاعون كذابون ولم ترد هذه الروايات في كتب موثوقة معتمدة ودراية حيث‬
‫تعارض القرآن ونصوصه كما تخالف العقل لن العقل يقتضي أن ل يكون الشرائع‬
‫مقصودها ومهمتها الدعوة إلى الحب لشخاص والولية لهم وبسبب هذه الولية‬
‫دخولهم في الجنة ونجاتهم من النار كما أن اليات القرآنية تنفي ذلك نفي بات ًا حيث‬
‫لم يجعل الحب وحتى حب ال كافياً للفوز والنجاح في الخرة حيث قال ال عز وجل‬
‫{ قل إن كنتم تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم } ‪.‬‬
‫وما التباع إل اليمان بال والعمل الصالح حسب أوامر ال ونبيه صلى ال‬
‫عليه وسلم والجتناب عن نواهي ال ورسوله صلى ال عليه وسلم { إن الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم النهار في جنات عدن }‬
‫وقال { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها النهار ذلك‬
‫الفوز العظيم } ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ولقد اضطربت أراء القوم أنفسهم في بد نشأة التشيع وتكوينه حيث قال إمام‬
‫الشيعة في الفرق النوبختي أن نشأته لم تكن إل بعد وفاة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم كما كتب‪ " :‬قبض رسول ال صلى ال عليه وآله في شهر ربيع الول سنة‬
‫عشر من الهجرة وهو ابن ثلث وستين سنة وكانت نبوته عليه السلم ثلثاً‬
‫وعشرين سنة وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلب بن مرة بن‬
‫كعب بن لؤي بن غالب ‪ ،‬فافترقت المة ثلث فرق ( فرقة منها ) سميت الشيعة وهم‬
‫شيعة علي بن أبي طالب عليه السلم ومنهم افترقت صنوف الشيعة كلها ‪ " ،‬وفرقة‬
‫منهم " ادعت المرة والسلطان وهم والنصار ودعوا إلى عقد المر لسعد بن عبادة‬
‫الخزرجي " وفرقة " مالت إلي بيعة أبي بكر بن أبي قحافة وتأولت فيه أن النبي‬
‫صلى ال عليه وآله لم ينص على خليفة بعينة وأنه جعل المر إلى المة تختار‬
‫لنفسها من رضيته واعتقل قوم منهم برواية ذكروها أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله أمره في ليلته التي توفي فيها بالصلة بأصحابه فجعلوا ذلك الدليل على‬
‫استحقاقه إياه وقالوا رضيه النبي صلى ال عليه وآله لمر ديننا ورضيناه لمر‬
‫دنيانا وأوجبوا له الخلفة بذلك فاختصمت هذه الفرقة وفرقة النصار وصاروا إلى‬
‫سقيفة بني ساعدة ومعهم أبو بكر وعمر وأبوعبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة‬
‫الثقفي وقد دعت النصار إلى العقد لسعد بن عبادة الخزرجي والستحقاق للمر‬
‫والسلطان فتنازعوا هم والنصار في ذلك حتى قالوا منا أمير ومنكم أمير فاحتجت‬
‫هذه الفرقة عليهم بأن النبي عليه السلم قال ‪ :‬الئمة من قريش ‪ :‬وقال بضعهم أنه‬
‫قال ‪ :‬المامة ل تصلح إل في قريش ‪ :‬فرجعت النصار ومن تابعهم إلى أمر أبي بكر‬
‫غير نفر يسير مع سعد بن عبادة ومن اتبعه من أهل بيته فإنه لم يدخل في بيعته‬
‫حتى خرج إلى الشام مراغماً لبي بكر وعمر فقتل هناك بحوران قتله الروم وقال‬
‫آخرون ‪ :‬قتلته الجن فاحتجوا بالشعر المعروف وفي روايتهم أن الجن قالت ‪:‬‬
‫قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة **** ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده‬
‫وهذا قول فيه بعض النظر لنه ليس في التعارف أن الجن ترمي بني آدم بالسهام‬
‫فتقتلهم فصار مع أبي بكر السواد العظم والجمهور الكثر فلبثوا معه ومع عمر‬
‫مجتمعين عليهما راضين بهما ‪" 1‬‬
‫وأما ابن النديم الشيعي ‪ 2‬فيرى أن تكوين الشيعة لم يكن إل يوم وقعة الجمل حيث‬
‫قال ‪:‬‬

‫‪ - 1‬فرق الشيعة النوبختي ص ‪. 24-23‬‬


‫‪ - 2‬هو ابن الفرج محمد بن إسحاق النديم الكاتب الفاضل الخير الماهر المتبحر الشيعي المامي مصنف كتاب‬
‫الفهرست المولود سنة ‪297‬هـ المتوفى سنة ‪385‬هـ " الكنى واللقاب للقمي ج ‪1‬ص ‪"426-425‬‬

‫‪14‬‬
‫ولما خالف طلحة والزبير‪ 1‬علي رضي ال عنه وأبيا إل الطلب بدم عثمان وقصدهما‬
‫علي عليه السلم ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر ال تسمى من اتبعه على ذلك باسم‬
‫الشيعة "‪.‬‬
‫ومنهم من قال ‪ :‬اشتهر اسم الشيعة يوم صفين‪." 2‬‬
‫وبمثل ذلك القول قال ابن حمزة وأبو حاتم وغيرهما من الشيعة وهذا يؤيد ما ذهبنا‬
‫‪4‬‬
‫إليه وبمثل هذا القول قال ابن حزم في ( الفصل ) ‪ 3‬من المتقدمين وأحمد أمين‬
‫وغيره الكثيرون الكثيرون من المتأخرين ‪.‬‬
‫ويقول شيعي معاصر ‪ :‬إن استقلل الصطلح الدال على التشيع إنما كان بعد‬
‫مقتل الحسين حيث إن التشيع أصبح كياناً مميزاً له طابع خاص ‪. 5‬‬
‫ولجل ذلك اضطر محسن المين إلى أن يقول ‪:‬‬
‫سواء كان إطلق هذا السم في حياة الرسول صلى ال عليه وسلم أو بعد‬
‫الجمل فالقول بتفضيل علي عليه السلم وموالته الذي هو معنى التشيع كان موجوداً‬
‫في عهد الرسول صلى ال عليه وسلم واستمر بعده إلى اليوم ‪." 6‬‬
‫و المظفري أن يقول ‪:‬‬
‫فكان التجاهر بالتشيع أيام عثمان‪. 7‬‬
‫وهو الصحيح [ لن السماء ل توجد قبل المسميات ] ول الحزاب قبل‬
‫الخلفات فلما وجد الخلف تحزب لكل رأي حزب وتعصبوا جماعات وفرقاً فآنذاك‬
‫وجدت الجماعات ووجدت لها السماء ولم يكن هناك خلف بين المسلمين ولم‬
‫يتعصب له أشخاص قبل مقتل عثمان ذي النورين رضي ال عنه وقبل النتائج التي‬
‫نتجت من قتله وبعد تولية علي رضي ال عنه إمرة المؤمنين وخلفة المسلمين‬
‫وعندئذ نشأ الخلف فمنهم من رأى رأي علي رضي ال عنه وأنصاره ومنهم ومن‬
‫رأى رأي طلحة والزبير ثم رأي معاوية وأتباعه وهناك تحزب حزبان سياسيان‬
‫كبيران بين المسلمين شيعة علي وشيعة معاوية وكل واحد من هؤلء يرى رأيه في‬
‫تولية الحكم وتدبير المور ودينهما واحد وعقائدهم واحدة متفقة كما بيناه آنفاً ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الفهرست لبن النديم ص ‪249‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬روضات الجنات للخوانساري ص ‪88‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الفصل في الممل والهواء والنحل ج ‪4‬ص ‪79‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬فجر السلم ص ‪ 266‬ط ‪8‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬الصلة بين التصوف والتشيع لكامل مصطفى الشيبي ص ‪.23‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬أعيان الشيعة القسم الول الجزء الول ص ‪. 13‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري ص ‪15‬‬

‫‪15‬‬
‫نعم كان هناك خلف قبل شهادة عثمان رضي ال عنه والذي جر إلى قتل‬
‫عثمان ولكنه لم يكن إل بين قادة اليهود والمخدوعين المغترين الواقعين في حبائل‬
‫الدسائس اليهودية الثيمة وبين المسلمين وإمامهم كما سيأتي بيانه في باب مستقل‬
‫كما أنه وقعت الخلفات البسيطة الطفيفة ولكنها لم تبقى إل للحظات لرجوع الفريق‬
‫الثاني إلى كتاب ال وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم امتثالً لقول ال عز وجل‬
‫{ وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر‬
‫ذلك خير وأحسن تأويل }‬
‫كالخلف الذي وقع بين النصار والمهاجرين يوم السقيفة حيث رجع النصار‬
‫عن رأيهم إلى رأي المهاجرين وبايعوا أبا بكر اتفاقا واتحادا ولم يكن هناك فريق‬
‫ثالث كما يزعمه الشيعة ولم يقدم اسم رجل ثالث للخلفة والمارة غير سعد بن‬
‫عبادة وأبي بكر وعلى ذلك لم يكن هناك خلف ول نزاع ول [ زعماء ول قادة ] لهذه‬
‫الراء والحزاب كما شهد بذلك علي رضي ال عنه حينما دخل عليه عمرو بن‬
‫الحمق وحجر بن عدي وحبة العرني والحارث العور وعبد ال بن سبأ بعد ما‬
‫افتتحت مصر وهو مغموم حزين كما رواه عبد الرحمن بن جندب عن أبيه جندب‬
‫فقالوا له ‪:‬‬
‫" بين لنا ما قولك في أبي بكر وعمر ؟ فقال لهم علي عليه السلم ‪ :‬وهل‬
‫فزعتم لهذا ؟ وهذه مصر قد افتتحت وشيعتي بها قد قتلت ؟ أنا مخرج إليكم كتاباً‬
‫أخبركم فيه عما سألتم وأسألكم أن تحفظوا من حقي ما ضيعتم فاقرؤوه على شيعتي‬
‫وكونوا على الحق أعوانا وهذه نسخة الكتاب من عبد ال علي أمير المؤمنين إلى‬
‫من قرأ كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين ‪ :‬السلم عليكم فإني احمد إليكم ال الذي‬
‫ل إله إل هو ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫أما بعد إن ال بعث محمداً صلى ال عليه وسلم وآله نذيراً للعالمين وأمين ًا‬
‫على التنزيل وشهيداً على هذه المة وأنتم يا معشر العرب يومئذ على شر دين وفي‬
‫شر دار منيخون على حجارة خشن وحيات صم وشوك مبثوث في البلد تشربون‬
‫الماء الخبيث وتأكلون الطعام الجشيب وتسفكون دماءكم وتقتلون أولدكم وتقطعون‬
‫أرحامكم وتأكلون أموالكم [ بينكم ] بالباطل سبلكم خائفة والصنام فيكم منصوبة‬
‫[ والثام بكم معصوبة ] ول يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون فمن ال عليكم‬
‫بمحمد صلى ال عليه وسلم وآله فبعثه إليكم رسولً من أنفسكم وقال فيما أنزله من‬
‫كتابه ‪ :‬هو الذي بعث في الميين رسولً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم‬
‫الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين وقال ‪ :‬لقد جاءكم رسول من‬
‫أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم وقال ‪:‬ذلك فضل‬
‫ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم‬
‫وكنتم أول المؤمنين تعرفون وجهه وشيعته وعمارته فعلمكم الكتاب والحكمة‬
‫والفرائض والسنة وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم وصلح ذات البين وأن‬
‫تؤدوا المانات إلى أهلها وأن توفوا بالعهد ول تنقضوا اليمان بعد توكيدها وأمركم‬
‫أن تعاطفوا وتباروا و تباذلوا وتراحموا ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد‬
‫والتقاذف وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان وتقدم إليكم فيما أنزل‬
‫عليكم ‪ :‬أل تزنوا ول تربوا ول تأكلوا أموال اليتامى ظلماً وأن تؤدوا المانات إلى‬
‫أهلها ول تعثوا في الرض مفسدين ول تعتدوا إن ال ل يحب المعتدين وكل خير‬
‫يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به وكل شر يباعد من الجنة ويدني من النار‬
‫نهاكم عنه ‪.‬‬
‫فلما مضى لسبيله صلى ال عليه وآله تنازع المسلمون المر بعده فوا ال ما‬
‫كان يلقى في روعي ‪ ،‬ول يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا المر بعد محمد صلى‬
‫ال عليه وآله عن أهل بيته ول أنهم منحوه عني من بعدي ‪ ،‬فما راعني إل انثيال‬
‫الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه ‪ ،‬فأمسكت يدي ورأيت أني أحق بمقام‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله في الناس ممن تولى المر من بعده فلبثت بذاك ما‬
‫شاء ال حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن السلم يدعون إلى محق دين ال‬
‫وملة محمد صلى ال عليه وآله وإبراهيم عليه السلم فخشيت إن لم أنصر السلم‬
‫وأهله أن أرى فيه ثلم ًا وهدماً يكون مصيبته أعظم علىّ من فوات ولية أموركم التي‬
‫إنما هي متاع أيام قلئل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما يتقشع‬
‫السحاب ‪ ،‬فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الحداث حتى زاغ‬
‫الباطل وزهق وكانت " كلمة ال هي العليا " ولو كره الكافرون ‪.‬‬
‫فتولى أبو بكر تلك المور فسير وسدد وقارب واقتصد فصحبته مناصحا‬
‫وأطعته فيما أطاع ال جاهدا ‪." 1‬‬

‫‪ - 1‬الغارات للثقفي ج ‪1‬ص ‪ 307– 302‬وورد مثل ذلك في شرح نهج البلغة لبن الحديد الشيعي والميثم‬
‫البحراني الشيعي وفي ناسخ التواريخ وفي مجمع البحار للمجلسي وغيرها ومن أراد التفصيل في ذلك فليرجع إلى‬

‫‪17‬‬
‫ومثل ذلك في ( مقالت السلميين ) للشعري ‪:‬‬
‫وأول ما حدث من الختلف بين المسلمين بعد نبيهم صلى ال عليه وسلم‬
‫اختلفهم في المامة وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما قبضه ال عز وجل‬
‫ونقله إلى جنته ودار كرامته اجتمعت النصار في سقيفة بني ساعدة بمدينة الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم وأردوا عقد المامة لسعد بن عبادة وبلغ ذلك أبا بكر وعمر‬
‫رضوان ال عليهم [ فـ]ـقصدا نحو مجتمع النصار في رجال من المهاجرين فأعلمهم‬
‫أبو بكر أن المامة ل تكون إل في قريش واحتج بقول النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫المامة في قريش فأذعنوا لذلك منقادين ‪ ،‬ورجعوا إلى الحق طائعين ‪ ،‬بعد أن قالت‬
‫النصار منا أمير ومنكم أمير وبعد أن جرد الحباب بن المنذر سيفه وقال أنا المحكك‬
‫وعذيقها المرجب من يبارزني بعد أن قام قيس بن سعد بنصرة أبيه سعد بن عبادة‬
‫حتى قال عمر بن الخطاب في شأنه ما قال ‪ ،‬ثم بايعوا أبا بكر رضوان ال عليه‬
‫واجتمعوا على إمامته واتفقوا على خلفته وانقادوا لطاعته فقاتل أهل الردة على‬
‫ارتدادهم كما قاتلهم رسول ال صلى ال عليه وسلم على كفرهم فأظهره ال عز‬
‫وجل عليهم أجمعين وأوضح ال به الحق المبين وكان الختلف بعد الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم في المامة ولم يحدث خلف غيره في حياة أبي بكر رضوان ال‬
‫عليه وأيام عمر إلى أن ولي عثمان بن عفان رضوان ال عليهم وأنكر قوم عليه في‬
‫آخر أيامه أفعالً كانوا فيما نقموا عليه من ذلك مخطئين ‪ ،‬وعن سنن المحجة‬
‫خارجين ‪ ،‬فصار ما أنكروه عليه اختلفاً إلى اليوم ‪ ،‬ثم قتل رضوان ال عليه وكانوا‬
‫في قتله مختلفين ‪ ،‬فأما أهل السنة والستقامة فإنهم قالوا ‪ :‬كان رضوان ال عليه‬
‫مصيباً في أفعاله قتله قاتلوه ظلماً وعدواناً ‪ ،‬وقال قائلون بخلف ذلك ‪ ،‬وهذا اختلف‬
‫بين الناس إلى اليوم ‪.‬‬
‫ثم بويع علي بن أبي طالب رضوان ال عليه فاختلف الناس في أمره فمن بين‬
‫منكر لمامته ومن بين قاعد عنه ومن بين قائل بإمامته معتقد لخلفته ‪ ،‬وهذا‬
‫اختلف بين الناس إلى اليوم ‪.‬‬
‫ثم حدث الختلف في أيام علي في أمر طلحة والزبير رضوان ال عليهم‬
‫وحربهما إياه وفي قتال معاوية إياه وصار علي ومعاوية إلى صفين ‪. " 1‬‬
‫ومثل الخلفات الخرى كالخلف في موضع دفن الرسول وقتال مانعي الزكاة‬
‫وغيرها ‪ ،‬فلم تكد تظهر هذه الخلفات حتى تلشت بعد عرض المور على كتاب ال‬
‫وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم والرجوع إليهما ‪.‬‬

‫كتابنا ( الشيعة وأهل البيت ) ‪.‬‬


‫‪ 1‬ـ مقالت السلميين للشعري ج ‪1‬ص ‪. 39‬‬

‫‪18‬‬
‫ولكن الخلف الذي لم ينحل والنزاع الذي لم ينته كان هو ذلك الختلف الذي‬
‫شتت شمل المسلمين وفرق جمعهم وجعلهم فريقين كبيرين يرأس الول منهما علي‬
‫رضي ال عنه والثاني معاوية رضي ال عنه ‪ ،‬ونكرر القول بأن هذا الخلف لم يجر‬
‫واحداً منهما إلى تكوين مذهب جديد واعتناق عقائد جديدة ول إلى إنكار ما ثبت في‬
‫كتاب ال أو في سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ول النحراف عن الجادة‬
‫المستقيمة التي سلكها رسول ال صلى ال عليه وسلم ومن بعده أبو بكر وعمر‬
‫وعثمان الخلفاء الراشدون المهديون من بعد كما لم يكن هناك مباغضة للسابقين‬
‫الولين من المهاجرين والنصار والذين قضوا نحبهم قبل كما اختلقها شيعة اليوم ن‬
‫ول إثارة إلى الضغائن القبلية والمبنية على الحسب والنسب ‪ ،‬وخاصة لم يكن‬
‫لنصار علي رضي ال عنه ‪ ،‬الخلص منهم ‪ ،‬عقائد الشيعة اليوم ‪ ،‬المنطوية على‬
‫بغض السلف الصالح وعلى الخص أبو بكر وعمر وعثمان وأزواج رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أمهات المؤمنين ‪ ،‬والمبنية على إنكار القرآن الموجود بأيدي‬
‫الناس ‪ ،‬ول سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬التي أخذوها عن عبد ال بن سبأ‬
‫وتوارثوها عن اليهودية البغيضة كما سنبرهن ذلك قريباً إن شاء ال بل ‪ ،‬كانوا‬
‫محبين لصحاب محمد صلى ال عليه وسلم وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان‬
‫وأزواج النبي الطاهرات المطهرات ‪ ،‬والمقتفين آثارهم والمقتدين هداهم ‪ ،‬وعلى‬
‫رأسهم علي رضي ال عنه أمير المؤمنين وخليفة رسول ال المين الراشد الرابع‬
‫حيث كان يحبهم حباً جماً ويظهر موالته لهم ويعاند كل من يعارضهم ‪ ،‬ويعاقب كل‬
‫من يتكلم فيهم ‪ ،‬كما كان يحارب بكل قوة وشدة تسرب أفكار السبئية واليهودية في‬
‫أتباعه وأنصاره وشيعته ‪ ،‬ويطرد كل من يشك فيه بتسممه من هذه العقائد‬
‫المسمومة‬
‫فلقد ذكر الشيعة أنفسهم بأن علياً رضي ال عنه سمى أبناءه بأسماء الخلفاء‬
‫الراشدين السابقين الثلثة ‪ ،‬بأبي بكر وعمر وعثمان‪ 1‬وابنه الحسين كذلك سمى‬
‫أبناءه بأي بكر وعمر‪ 2‬وكذلك الخرون من أبناء علي وأبناء الحسين سمو أبناءهم‬
‫بأسماء هؤلء الخيار البررة تحبباً إليهم وتبرك ًا بهم ‪. 3‬‬

‫‪ - 1‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪ ، 203‬الرشاد للمفيد ص ‪ ، 186‬تاريخ اليعقوبي ج ‪2‬ص ‪ ، 119‬مقاتل الطالبين‬
‫لبي الفرج الصبهاني ص ‪ ، 142‬كشف الغمة للربلي ج ‪2‬ص ‪ ، 64‬جلء العيون للمجلسي ص ‪. 582‬‬
‫‪ - 2‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪ ، 213‬تاريخ اليعقوبي ج ‪3‬ص ‪ ، 228‬مقاتل الطالبين لبي الفرج الصبهاني ص‬
‫ص ‪78‬ص ‪ ، 119‬منتهى المال ج ‪1‬ص ‪.240‬‬
‫‪ - 3‬التنبيه والشراف للمسعودي الشيعي ص ‪ ، 263‬جلء العيون للمجلسي ص ‪. 582‬‬

‫‪19‬‬
‫وأما القتداء والتباع فلقد ذكرنا عنه كثيراً في كتابنا ( الشيعة وأهل البيت )‬
‫ول نريد تكرار ما قلناه هناك فليرجع إلى ذلك ‪ ،‬ولكنا نثبت هاهنا عبارة عن ألد‬
‫أعداء السنة وأكبر السبابين اللعانين الشيعة ‪ ،‬عن المل باقر المجلسي الشيعي‬
‫اليراني الذي يلقب بخاتمة المحدثين ‪ ،‬والذي ألف أكبر مجموعة في الحديث باسم‬
‫( بحار النوار ) فهو يكتب في كتابه ( جلء العيون في حياة ومصائب أربعة عشر‬
‫معصوماً ) أن حسين بن علي بن أبي طالب صالح معاوية بن أبي سفيان على أنه‬
‫يعمل بين الناس بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم سيرة الخلفاء‬
‫الراشدين ‪ 1‬وأن ل يعين أحدًا بعده وأن يؤمن الناس أينما كانوا في الشام والعراق‬
‫والحجاز واليمن وأن يؤمن شيعة علي بن أبي طالب وأصحابه في أنفسهم وأموالهم‬
‫وأزواجهم وأولدهم وأخذ على هذه الشروط العهود المغلظة باليمين ‪." 2‬‬
‫فجعل الحسن بن علي ـ وهو المام الثاني عند الشيعة ـ أحد شروط الصلح مع‬
‫معاوية أن يكون متبعاً لسيرة الخلفاء الراشدين ‪ ،‬ولم يكن هؤلء إل أبا بكر وعمر‬
‫وعثمان وعلياً ‪ ،‬كما أنه لم يجعل العمل بسيرة هؤلء شرطاً من أهم الشروط إل لنه‬
‫كان يحسن فيهم الظن ويعتقد فيهم الخير ويؤمن بتقواهم وطهارتهم زيادة على‬
‫إيمانهم وإسلمهم الصحيح الخالص ‪.‬‬
‫هذا ومثل هذا كثير لمن تتبع أخبار علي وأولده‪ 3‬رضي ال عنهم ورحمهم‬
‫أجمعين ‪.‬‬
‫ونريد أن نضيف إلى ذلك أن الخلف الذي وقع بين علي ومعاوية رضي ال‬
‫عنهما لم يؤد إلى التكفير والتفسيق فيما بينهم ول إلى المقاطعة الدائمة والمباغضة‬
‫البدية والهجران والقطيعة كما تصوره القوم في العصور المتأخرة وكما وضعت‬
‫الساطير والقصص ‪ ،‬بل كل واحد من الحزبين كان يعتقد بإيمان الخر وإسلمه‬
‫ويحب الصلح بينهما ويسعى إلى التوافق والتصالح ‪ ،‬وعلى ذلك صالح الحسن بن‬
‫علي معاوية رضي ال عنهم أجمعين وبايعه ‪ ،‬ولم يكن يظنه كافراً خارج ًا عن‬
‫السلم لما اتفق معه ولم يصالحه ولم يبايعه ولم يأمر ولم يأمر أخاه الحسين ول‬
‫قائد جيشه قيس بن سعد أن يبايعاه كما ثبت ذلك في كتب الشيعة وهذه هي ألفاظ‬
‫الكشي ‪:‬‬

‫‪ - 1‬فليلحظ لفظ الخلفاء الراشدين لن الذين أعمى ال أبصارهم ل يستحيون من تأويلت سخيفة ركيكة كلما‬
‫عرض عليهم دليل أو برهان مثبت في كتبهم وعن أعيانهم ‪.‬‬
‫‪ - 2‬جلء العيون للمجلسي ج ‪ 1‬ص ‪ 293‬ط طهران ‪1398‬هـ ‪ ،‬الفصول المهمة في معرفة أحوال الئمة ص‬
‫‪ 163‬ط طهران ‪ ،‬منتهى المال للعباس القمي ص ‪. 314‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ونبذة غير يسيرة موجودة في كتابنا ( الشيعة وأهل البيت ) من أراد ذلك فليرجع إليه ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫جبرائيل بن أحمد وأبو إسحاق حمدويه وإبراهيم ابنا نصير قالوا ‪ :‬حدثنا‬
‫محمد بن عبد الحميد العطار الكوفي عن يونس بن يعقوب عن فضل غلم محمد بن‬
‫راشد قال ‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول ‪ :‬إن معاوية كتب إلى الحسن بن‬
‫علي صلوات ال عليهما أن أقدم النصاري وقدموا الشام فأذن لهم معاوية وأعد لهم‬
‫الخطباء فقال ‪ :‬يا قيس قم فبايع ‪ ،‬فالتفت إلى الحسين عليه السلم ينظر ما يأمره‬
‫فقال يا قيس إنه إمامي ـ يعني الحسن عليه السلم ‪." 1‬‬
‫وقبل ذلك أبوه علي بن أبي طالب ـ وهو المام المعصوم الول عند الشيعة ـ‬
‫خاطب معاوية بقوله في رسالته التي أرسلها جوابا له ـ حسب زعم القوم ‪:‬‬
‫" لم يمنعنا قديم عزنا وعادي طولنا على قومن أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا‬
‫وأنكحنا فعل الكفاء ‪." 2‬‬
‫وكذلك لو كان هناك مسألة الكفر والنفاق لما تزوجت رملة بنت علي بن أبي‬
‫طالب رضي ال عنه من معاوية بن مروان بن الحكم‪." 3‬‬
‫و( رملة ) بنت علي كانت أم سعيد [ بنت ] عروة بن مسعود الثقفي‪4‬وابنته‬
‫الثانية خديجة كانت متزوجة من عبد الرحمن بن عامر الموي ‪." 5‬‬
‫وكان أبوه عامر بن كريز الموي أميراً على البصرة من قبل معاوية وشريكاً‬
‫في حرب الجمل مع طلحة والزبير ضد علي "رضوان ال عليهم جميعاً " وأن‬
‫خديجة بنت علي كانت من أم ولد له كما ذكرها الطبرسي في العلم‪ 6‬والمفيد في‬
‫الرشاد‪." 7‬‬
‫كما أن إحدى بناته تزوجت من عبد الملك بن مروان الخليفة الموي‪. 8‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬رجال الكشي ص ‪ ، 102‬أيضاً منتهى المال ص ‪ ، 316‬و جلء العيون للمجلسي ج ‪1‬ص ‪.395‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬نهج البلغة تحقيق صبحي صالح ص ‪ 387 ، 386‬ط بيروت ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬نسب قريش ص ‪ ، 45‬جمهرة أنساب العرب ص ‪. 87‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬الرشاد للمفيد ص ‪ ، 186‬إعلم الورى للطبرسي ص ‪. 203‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬جمهرة أنساب العرب لبن حزم ص ‪.68‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬ص ‪203‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬ص ‪186‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬البداية والنهاية ج ‪9‬ص ‪ 69‬ط بيروت‬

‫‪21‬‬
‫وكما أن بنات الحسن وبنات الحسين زوجن من المويين وبنات المويين زوجن من‬
‫أبناء الهاشميين ومن أولد علي بالخص ‪ .‬ولقد ذكرنا هذه المصاهرات بين بني‬
‫أمية وبين بني هاشم في كتاب ( الشيعة وأهل البيت ) ومن أراد التفصيل فليرجع إلى‬
‫ذلك ولكن نذكر هاهنا واحدة من بنات الحسن وواحدة من بنات الحسين ‪ .‬فلقد‬
‫تزوجت سكينة بنت الحسين وحفيدة علي من حفيد عثمان بن عفان ‪ :‬زيد بن عمرو‬
‫بن عثمان‬
‫وزيد بن عمرو بن عثمان هذا هو الذي كانت عنده سكينة بنت الحسين فهلك عنها‬
‫فورثت عنه‪." 1‬‬
‫وكذلك نفيسة بنت زيد بن حسن بن علي تزوجت من الخليفة الموي الوليد‬
‫بن عبد الملك بن مروان ‪ ،‬قد ذكر هذا الزواج شيعي نسابة مشهور أيضاً في كتابه‬
‫وما أقبحه في التعبير ‪:‬‬
‫" وكان لزيد بن الحسن بن علي ابنة اسمها نفيسة خرجت إلى الوليد بن عبد‬
‫الملك بن مروان فولدت له منه وماتت بمصر ‪ ....‬وكان زيد يفد إلى الوليد بن عبد‬
‫الملك ويقعده على سريره ويكرمه لمكان ابنته ودفع له ثلثين ألف دينار دفعة واحدة‬
‫‪." 2‬‬
‫والجدير بالذكر أن زيد بن الحسن هذا كان ممن حضر كربلء مع عمه الحسين‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬كما أن حفيدة الحسن بن علي ‪ :‬زينب بنت الحسن المثنى أيض ًا كان‬
‫متزوجة من الوليد بن عبد الملك الموي‪. 3‬‬

‫‪ - 1‬نسب قريش للزبيري ج ‪4‬ص ‪ ، 120‬المعارف لبن قتيبة ص ‪ ، 94‬جمهرة أنساب العرب لبن حزم ج ‪1‬ص‬
‫‪ ، 86‬طبقات ابن سعد ج ‪6‬ص ‪.349‬‬
‫‪ - 2‬عمدة الطالب في أنساب أبي طالب ص ‪ ، 70‬طبقات ابن سعد ج ‪5‬ص ‪. 234‬‬
‫‪ - 3‬جمهرة أنساب العرب ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫وأبوها الحسن بن المثنى أيضاً ممن حضر كربلء مع عمه وصهره الحسين وجرح‬
‫جرحًا شديدًا ‪ .‬ونلفت النظار إلى أن الستة من حفيدات الحسن من أبناء مختلفين كن‬
‫متزوجات من المويين من قادتهم وزعمائهم ‪ [ ،‬و هذه المصاهرات عدد منها‬
‫أصحاب النساب ] أكثر من عشرين مصاهرة [ وكلها حصلت بعد الخلف الذي ]‬
‫وقع بين علي ومعاوية وبعد حروب الجمل وصفين‪ 1‬وكذلك تزوج كثير من‬
‫الهاشميين من بنات المويين ومن السرة الحاكمة بالذات كما كان بينهم الصلت‬
‫والهبات ولقاء وزيارات وخاصة بين أئمة الثني عشرية وعوائلهم حيث لم يقم واحد‬
‫منهم [ بمحاربة المويين ] ومنازعة ملكهم غير الحسين بن علي رضي ال عنهما ‪.‬‬
‫وأما حروب والده العظيم علي بن أبي طالب مع معاوية فمشهورة معروفة ‪ ،‬كما أن‬
‫مصالحة أخيه الكبر مع معاوية أمر مشهور ل يستطيع إنكاره أحد ‪ ،‬وأما ما روي‬
‫عن ابن الحسين زين العابدين علي ‪ ،‬والراوي هو بخاري القوم الكليني ‪ [ ،‬حيث ]‬
‫يروي في صحيحه الذي قال فيه محدث الشيعة النوري الطبرسي " هو أحد الكتب‬
‫الربعة التي عليها تدور رحى الفرقة المامية ‪ .‬وكتاب الكافي بينها كالشمس بين‬
‫نجوم السماء ‪ ....‬وإذا تأمل فيها المنصف يستغني عن ملحظة حال آحاد رجال سند‬
‫الحاديث المودعة فيه وتورثه الوثوق ويحصل له الطمئنان بصدورها وثبوتها‬
‫وصحتها ‪." 2‬‬
‫أن علي بن الحسين قال ليزيد بن معاوية ‪ " :‬أنا عبد مكره ‪ ،‬فإن شئت فأمسك وإن‬
‫شئت فبع‪." 3‬‬
‫وكذلك كان البقية ممن أدركوا بني أمية ‪ ،‬وعلى منوالهم من أدركوا الدور العباسي‬
‫اللهم إل الذين حاربوا ونازعوا الملك فلم يكن حظهم حليفهم حيث حوربوا ممن‬
‫حاربوا وقتلوا ‪ ،‬كما لم يكن معاملة الشيعة وخاصة الثني عشرية مع أئمتهم طيبة‬
‫حيث رفضوهم وكفروهم ‪ ،‬فقوتلوا وحوربوا من جانب ( العداء ) وكفروا ورفضوا‬
‫من قبل ( الحياء ) بدعوى ‪ :‬من ادعى المامة وليس من أهلها فهو كافر‪.4‬‬
‫وعن الحسين بن المختار قال ‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم ‪ :‬جعلت فداك ‪ :‬ويوم‬
‫ترى الذين كذبوا على ال ؟ قال ‪ :‬كل من زعم أنه إمام وليس بإمام ‪ ،‬قلت وإن كان‬
‫فاطمي ًا علوياً ‪." 3‬‬

‫‪ - 1‬ول ندري من أين جاء الشيعة بهذه العتقادات أن محاربة علي كفر ‪ ،‬والمحارب معه كافر ‪ ،‬فهؤلء أولده‬
‫وأهل بيته يكذبون هذه القاويل ويفندون هذه المزاعم ‪.‬‬
‫‪ - 2‬مستدرك الوسائل للطبرسي ج ‪3‬ص ‪ 546‬ط مكتبة دار الخلفة طهران ‪1321‬هـ ‪.‬‬
‫‪ - 3‬كتاب الروضة من الكافي ج ‪ 8‬ص ‪. 235‬‬
‫‪ - 4‬الكافي في الصول ج ‪ 1‬ص ‪. 373‬‬

‫‪23‬‬
‫وحصيلة البحث أن التشيع الول لم يكن مدلوله العقائد المخصوصة والفكار‬
‫المدسوسة ‪ ،‬كما لم تكن الشيعة الولى إل حزبًا سياسياً يرى رأي علي رضي ال‬
‫عنه دون معاوية رضي ال عنه في عصر علي ‪ .‬وأما بعد استشهاده وتنازل الحسن‬
‫عن الخلفة فكانوا مطاوعين لمعاوية أيضاً ‪ ،‬مبايعين له ‪ ،‬كما حصل مع إمامهم‬
‫الحسن وأخيه الحسين وقائد عساكره قيس بن سعد ‪ ،‬ولم يكن بينهم خلف ديني ول‬
‫نزاع قبلي ول عصبية الحسب والنسب ‪ ،‬وكانوا يفدون على الحكام ويصلون‬
‫خلفهم ‪ ،‬كما كان الحسن والحسين هما ابنا علي وفاطمة وسبطا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يفدان على معاوية ‪.‬‬
‫" فلما استقرت الخلفة لمعاوية كان الحسين يتردد إليه مع أخيه الحسن فيكرمهما‬
‫ل ‪ ،‬ويعطيهما عطاء جزيل وقد أطلق‬ ‫معاوية إكرام ًا زائداً ‪ ،‬ويقول لهما ‪ :‬مرحب ًا وأه ً‬
‫لهما في يوم واحد مائتي ألف ‪ ،‬وقال ‪ :‬خذاها وأنا بن هند ‪ ،‬وال ل يعطيكماها أحد‬
‫قبلي ول بعدي ‪ ،‬فقال الحسين ‪ :‬وال لن تعطي أنت ل وأحد قبلك ول بعدك رجل‬
‫أفضل منا ‪ .‬ولما توفي الحسن كان الحسين يفد إلى معاوية في كل عام فيعطيه‬
‫ويكرمه ‪." 1‬‬
‫وكذلك ذكر المجلسي عن جعفر بن الباقر ـ المام السادس عند الشيعة ـ أنه قال‬
‫المام الحسن يوماً للمام الحسين وعبد ال بن جعفر إن هدايا معاوية ستصل في‬
‫أول يوم من الشهر القادم ولم يأت هذا اليوم إل وقد وصلت الموال من معاوية وكان‬
‫المام الحسن بن علي [ مديناً بديون كثيرة فأداها ] من ذلك المال وقسم الباقي بين‬
‫أهله وشيعته ‪ ،‬وأما المام الحسين فبعد أداء الديون قسم ماله إلى ثلث حصص‬
‫قسم ًا لشيعته وخاصته وقسمين لهله وعياله ‪ ،‬وكذلك عبد ال بن جعفر ‪." 2‬‬
‫وكذلك ذكر الكليني أن مروان بن الحكم فرض لعلي بن الحسين مالً كما فرض‬
‫لشباب المدينة الخرين ‪:‬‬
‫استعمال معاوية مروان بن الحكم على المدينة وأمره أن يفرض لشباب قريش ‪،‬‬
‫ففرض لهم فقال علي بن الحسين عليهما السلم ‪ :‬فأتيته فقال ‪ :‬ما اسمك ؟ فقلت ‪:‬‬
‫علي بن الحسين ‪ ،‬ففرض لي ‪." 3‬‬
‫وكذلك عم الحسين والخ الكبر لعلي رضي ال عنه ‪ ،‬عقيل بن أبي طالب كان يفد‬
‫على معاوية رضي ال عنهما ويأخذ منه الهدايا والهبات ومرة "أعطاه مائة ألف‬
‫درهم ‪." 4‬‬
‫وقد أقر بذلك ابن أبي الحديد الشيعي حيث كتب ‪:‬‬

‫‪ - 1‬البداية والنهاية ج ‪8‬ص ‪ 151 ،150‬ط بيروت‬


‫‪ - 2‬جلء العيون للمجلسي ص ‪.376‬‬
‫‪ - 3‬الكافي في الفروع ‪ ،‬كتاب العقيقة باب السماء والكنى ج ‪ 6‬ص ‪. 19‬‬
‫‪ - 4‬المالي للطوسي ج ‪ 2‬ص ‪334‬ط النجف‬

‫‪24‬‬
‫ومعاوية أول رجل في الرض وهب ألف ألف ‪ ،‬وابنه يزيد أول من ضاعفه ‪ ،‬كان‬
‫يجيز الحسن والحسين بن علي في كل عام لكل واحد منهما بألف ألف درهم وكذلك‬
‫كان يجيز عبد ال بن عباس وعبد ال بن جعفر‪." 1‬‬
‫وكذلك أبو مخنف الغالي ‪:‬‬
‫وكان معاوية يبعث إليه ( أي إلى الحسين ) في كل سنة ألف ألف دينار سوى الهدايا‬
‫من كل صنف ‪." 2‬‬
‫كما كانوا يصلون خلف الحكام وأمراء معاوية ‪ ،‬وقد ذكر جعفر بن محمد الباقر عن‬
‫أبيه علي زين العابدين " أن الحسن والحسين كانا يصليان خلف مروان ول يعيدانها‬
‫‪ ،‬ويعتدان بها‪."3‬‬
‫وكان مروان أميراً آنذاك على المدينة كما أن أبان بن عثمان أمير المدينة من قبل‬
‫عبد الملك بن مروان الموي قدم إلى الصلة من قبل علي بن محمد بن علي‬
‫المشهور بمحمد بن الحنفية حيث قال له أبو هاشم بن محمد بن علي ‪:‬‬
‫نحن نعلم أن المام أولى بالصلة ولول ذاك ما قدمناك فتقدم فصلى عليه‪." 4‬‬
‫كما صلى على ابن أخي علي عبد ال بن جعفر الطيار ‪." 5‬‬
‫وكما صلى أبوه على جدهم عم النبي صلى ال عليه وسلم وعم علي رضي ال عنه‬
‫ن علي عباس بن عبد المطلب ‪:‬‬
‫توفي العباس في يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من رجب وقيل من رمضان سنة‬
‫ثنتين وثلثين ‪ ،‬عن ثمان وثمانين سنة ‪ ،‬وصلى عليه عثمان بن عفان ودفن بالبقيع‬
‫‪." 6‬‬
‫هذا ومثل هذا لكثير ‪.‬‬

‫‪ - 1‬شرح ابن أبي الحديد ج ‪ 2‬ص ‪.823‬‬


‫‪ - 2‬مقاتل أبي مخنف ص ‪.7‬‬
‫‪ - 3‬البداية والنهاية ج ‪8‬ص ‪ 258‬ط بيروت‬
‫‪ - 4‬طبقات ابن سعد ج ‪ 5‬ص ‪. 86‬‬
‫‪ - 5‬الستيعاب لبن عبد البر ج ‪ 2‬ص ‪ ، 267‬الصابة لبن حجر ج ‪ 2‬ص ‪ ، 281‬أسد الغابة لبن الثير ج ‪3‬‬
‫ص ‪. 135‬‬
‫‪ - 6‬البداية والنهاية ج ‪7‬ص ‪ ، 162‬الستيعاب ج ‪ 3‬ص ‪. 100‬‬

‫‪25‬‬
‫وبعد هذا العصر تطور التشيع وتغيرت الشيعة ‪ ،‬وتأثر وتأثروا من أفكار يهودية‬
‫ومجوسية ونصراني ‪ ،‬وبعقائد مدخولة مدسوسة ‪ ،‬نقمة على الحكام ومخدوعين‬
‫بالتزويرات اليهودية والدسائس المجوسية ‪ ،‬ومتأثرين من الذين تظاهروا بالسلم‬
‫تستراً على مكايدهم الخبيثة وتدابيرهم الهدامة ‪ ،‬ومن الختلط بالفرس والبابليين ‪،‬‬
‫ومن الموالي الكارهين للعرب ‪ ،‬الحاكمين عليهم والفاتحين بلدهم ‪ ،‬والخذين زمام‬
‫أمورهم ‪.‬‬
‫والذي تولى كبر هذه العقائد والفكار كان عبد ال بن سبأ مبعوث اليهود المتستر‬
‫وراء اسم السلم ‪ ،‬والمؤجج نار الفتنة ‪ ،‬والنافخ فيها ضد أمير المؤمنين وخليفة‬
‫المسلمين المنتخب بالتفاق ‪ ،‬صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم وزوج ابنتيه‬
‫وابن عمته ‪ ،‬الجواد الكريم ‪ ،‬السخي ذي النورين عثمان بن عفان رضي ال عنه ‪،‬‬
‫كما سنتحدث عنه في الباب التي مفصلً وبالدلة والبراهين إن شاء ال تعالى‬
‫ول شك أن كثيرًا من أتباعه ـ أي عبد ال بن سبأ ـ السبئيين والمجوس واليهود‬
‫والمنافقين دخلوا في معسكر علي رضي ال عنه تحت ستار شيعة علي ‪ ،‬كما دخل‬
‫بعض منهم في معسكر معاوية رضي ال عنه ولكنهم لم يكونوا ل من شيعة ول من‬
‫شيعة معاوية ‪ ،‬بل هم كانوا كتلة مستقلة وفئة باغية ‪ ،‬لها أفكارها وعقائدها ‪ ،‬ولها‬
‫أغراضها وأهدافها ‪ ،‬وهم الذين كانوا يسعون بالفساد ويضرمون نار الحرب كلما‬
‫أراد الطرفان لصلح والتحاد بينهما ‪ ،‬ومنهم نشأت فتنة الخوارج الذين كفروا علياً‬
‫وعثمان ومعاوية معاً ‪ ،‬لنه لم يكن همهم إسقاط خلفة عثمان ول تحريض الناس‬
‫عليه ‪ ،‬بل كان كل ما يقصدون هو القضاء على دولة السلم وسد باب فتوحاتهم‬
‫وغزواتهم ‪ ،‬ولذلك عندما نجحوا بإيقاع الفتنة بين المسلمين وتأليبهم على خليفة‬
‫رسول ال الراشد الثالث وتفريق كلمة المؤمنين والتشتيت بينهم ‪ ،‬تألبوا على عليّ‬
‫كما تألبوا عليه وهذا مما ل ينكره إل مكابر أو مجادل بل حق وعلم وبصيرة ‪.‬‬
‫ومما ل شك فيه أن الشيعة الولى المخلصين كانوا من هؤلء براء ‪ ،‬كما كان إمامهم‬
‫وقائدهم يتبرأ منهم ويطردهم ويقتلهم ‪ .‬نعم ولكن الشيعة ـ أي شيعة علي كان يغلب‬
‫عليهم التخاذل والتكاسل والجبن وعدم الستقامة والعزيمة والنجدة والجلد والمروءة‬
‫عكس ما كانوا عليه شيعة عثمان أو شيعة معاوية رضي ال عنهما ‪ ،‬كما كان يغلب‬
‫عليهم عدم الوفاء والخلص والمانة والصدق عكس مخالفيهم ‪ ،‬وعلى ذلك كان‬
‫علي رضي ال عنه يشكو منهم ويواجه الصعاب والمتاعب مع شجاعته النادرة‬
‫وجرأته المشهورة وإقدامه المعروف وتفوقه على القران ‪ ،‬ولجل ذلك كان يقول‬
‫لهم ‪:‬‬
‫يا أشباه الرجال ول رجال ‪ ،‬حلوم الطفال ‪ ،‬وعقول ربات الحجال ‪ ،‬لوددت أني لم‬
‫أركم ولم أعرفكم معرفة ـ وال ـ جرت ندما وأعقبت [ سقما ] ‪ ،‬قاتلكم ال لقد ملتم‬
‫قلبي قيحا ‪ ،‬وشحنتم صدري غيضا ‪ ،‬وجرعتموني نغب التهام أنفاسا ‪ ،‬وأفسدتم علي‬
‫رأيي بالعصيان والخذلن ‪ ،‬حتى قالت قريش ‪ :‬إن ابن أبي طالب ل علم له بالحرب ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ل أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراسا ‪ ،‬وأقدم فيها مقاما مني لقد نهضت فيها وما‬
‫بلغت العشرين ‪ ،‬وها أنا ذا قد ذرفت على الستين ‪ ،‬ولكن ل رأي لمن ل يطاع‪."1‬‬
‫ويقول مقارناً بينهم وبين شيعة معاوية ‪:‬‬
‫أما والذي نفسي بيده ‪ ،‬ليظهرن هؤلء القوم عليكم ‪ ،‬ليس لنهم أولى بالحق منكم‬
‫ولكن لسراعهم إلى باطل صاحبهم ‪ ،‬وإبطائكم عن حقي ‪ .‬ولقد أصبحت المم تخاف‬
‫ظلم رعاتها ‪ ،‬وأصبحت أخف ظلم رعيتي ‪ ،‬استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا ‪ ،‬وأسمعتكم‬
‫فلم تسمعوا ‪ ،‬ودعوتكم سرا وجهرا فلم تستجيبوا ‪ ،‬ونصحت لكم فلم تقبلوا ‪ :‬أشهود‬
‫كغياب وعبيد كأرباب ‪ ،‬أتلو عليكم الحكم فتنفرون منها ‪ ،‬وأعظكم بالموعظة البالغة‬
‫فتفرقون عنها ‪ ،‬وأحثكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتى أراكم‬
‫متفرقين أيادي سبا ‪ ،‬ترجعون إلى مجالسكم ‪ ،‬وتتخادعون عن مواعظكم ‪ ،‬أقومكم‬
‫غدوة وترجعون إلى عشية ‪ ،‬كظهر الحنين ‪ ،‬عجز المقوم وأعضل المقوم ‪.‬‬
‫أيها القوم الشاهدة بأبدانهم ‪ ،‬الغائبة عنهم عقولهم المختلفة أهواءهم ‪،‬‬
‫المبتلى بهم أمراؤهم ‪ ،‬صاحبكم يطيع ال وأنتم تعصونه ‪ ،‬وصاحب أهل الشام يعصي‬
‫ال وهم يطيعونه ‪ .‬لوددت وال أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ‬
‫مني عشرة منكم وأعطاني رجل منهم ‪.‬‬
‫يا أهل الكوفة منيت بكم بثلث واثنتين ‪ ،‬صم ذوو أسماع ‪ ،‬وبكم ذوو كلم ‪،‬‬
‫وعمى ذوو أبصار ‪ ،‬ل أحرار صدق عند اللقاء ول إخوان ثقة عند البلء ‪ ،‬تربت‬
‫أيديكم يا أشباه البل غاب عنها رعاتها ‪ ،‬كلما جمعت من جانب تفرقت من آخر ‪،‬‬
‫وال لكأني بكم فيما أخالكم أن لو حمس الوغى ‪ ،‬وحمي الضراب قد انفرجتم عن ابن‬
‫أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها ‪."2‬‬
‫وأكبر دليل على خذلن الشيعة علياً أن أخاه الحقيقي وكبير شيعته وابن أبيه‬
‫عقيل بن أبي طالب تركه والتحق بمعاوية رضي ال عنه وحارب تحت لوائه ضده‬
‫كما أقر بذلك مؤرخ شيعي كبير ‪:‬‬
‫إن عقيلً فارق أخاه علياً في أيام خلفته وهرب إلى معاوية وشهد صفين‬
‫معه‪." 3‬‬
‫وأما ما فعلوه بالحسن وبعده بالحسين فهذه ودائع في التاريخ ل يمكن التستر‬
‫عليها ‪ ،‬ولو سردنا كل ذلك لطال بنا الكلم ‪.‬‬
‫وأما عدم أمانتهم و[ عدم ] صدقهم وصفائهم فقد أقر بذلك جعفر بن الباقر‬
‫الملقب بـ[ الصادق ] حيث ذكر أمامه أحد تلمذته عبد ال بن يعفور قال ‪:‬‬
‫‪ - 1‬نهج البلغة ص ‪67‬‬
‫‪ - 2‬عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص ‪ 15‬ط الهند ‪.‬‬
‫‪ - 3‬الصول من الكافي ج ‪ 1‬ص ‪. 237‬‬

‫‪27‬‬
‫قلت لبي عبد ال عليه السلم ‪ :‬إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام ل‬
‫يتولونكم ليس لهم تلك المانة ول الوفاء ول الصدق ‪ .‬قال ‪ :‬فاستوى أبو عبد ال‬
‫عليه السلم جالساً فأقبل علي كالغضبان ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ل دين لمن دان ال بولية إمام‬
‫ليس من ال ول عتب على من دان بولية إمام من ال ‪." 2‬‬
‫فهذا كل ما أردنا أن نثبته في هذا الباب ‪ .‬وأما النقاط على الحروف فسنضعها‬
‫في الباب الثاني إن شاء ال تعالى ‪.‬‬

‫الباب الثاني‬
‫التشيع والسبأية‬
‫إن الشيعة الولى مع ما كان فيهم من التخاذل عن الحق والتكاسل عن‬
‫مناصرة قائدهم علي ـ رضي ال عنه ـ وجبنهم وغدرهم وخيانتهم وحبهم الدنيا وما‬
‫فيها وإيثار الحياة على الموت في سبيل الحق كما وصفهم علي ـ رضي ال عنه ـ‬
‫مخاطباً إياهم ‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫وإني وال لظن أن هؤلء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم ‪،‬‬
‫وتفرقكم عن حقكم ‪ ،‬وبمعصيتكم إمامكم في الحق ‪ ،‬وطاعتهم إمامهم في الباطل ‪،‬‬
‫وبأدائهم المانة إلى صاحبهم وخيانتكم وبصلحهم في بلدهم وفسادكم ‪ ،‬فلو ائتمنت‬
‫أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلقته‪." 1‬‬
‫كانوا مع ذلك كله ل يختلفون عن الخرين في العقائد والفكار كإنكار القرآن‬
‫والعتقاد بتحريفه وتغييره ‪ ،‬وإنكار السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلة‬
‫والسلم ‪ ،‬كما لم يكونوا مكفرين لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ومنكرين‬
‫فضلهم ‪ ،‬وبخاصة الخلفاء الراشدون الثلثة ‪ ،‬أبو بكر وعمر وعثمان ‪ ،‬وأزواج‬
‫النبي صلوات ال عليه وسلمه عليه أمهات المؤمنين ولم [ يكن لهم ] مذهباً خاصاً‬
‫غير مذهب المسلمين ‪ ،‬العامة ول عبادات وشعائر وطقوسا مخصوصة ‪ ،‬فكانوا‬
‫يصلون بصلواتهم وخلفهم ‪ ،‬ويحجون بحججهم وتحت إمرتهم ‪ ،‬كما كانوا‬
‫يصاهرونهم ‪ ،‬يزوجونهم ويتزوجون منهم قبل الحروب وبعدها ‪ ،‬وقبل الحوادث‬
‫الليمة وبعدها كما بيناه سابقاً وكما سنبينه مفصلً إن شاء ال ‪ ،‬إل من تأثر بالفكار‬
‫المدخولة والدسائس اليهودية والفكار غير السلمية من السبئيين المتظاهرين‬
‫بالسلم ‪ ،‬والمتسترين به ‪ ،‬وخرج بذلك عن الجادة المستقيمة ‪ ،‬وعن جماعة علي‬
‫وشيعته ‪ ،‬كالسبئيين والخوارج وغيرها من الفرق المنحرفة الضالة الباغية الذين‬
‫ليس لهم علقة ل بعلي ول بأولده ‪ ،‬وهو والطيبون من أولده منهم براء ‪ ،‬وقد‬
‫اخترعوا في الدين وباسم الدين ما لم ينزل به القرآن ولم يتكلم به رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪ - 1‬نهج البلغة ص ‪ 67‬ط بيروت ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫فكان الولون على ذل ولم ينقل عن واحد منهم خلف هذا ولكنهم بعد ذلك‬
‫بزمان وخصوص ًا بعد شهادة الحسين ـ رضي ال عنه ـ تمسكوا بنفس الفكار التي‬
‫كانت تحملها السبئية وبث سمومها اليهودية والمجوسية وغيرها من الفرق الباطلة‬
‫الهدامة المعاندة للمة السلمية ‪ ،‬فاعتنقوها وعلى قدر الغراق والتمسك‬
‫والعتصام بهذه الفكار زادوا في الضللت والسفاهات ‪ ،‬وافترقوا بفرق ‪ ،‬فمنهم من‬
‫غالى وجازف وتجاوز جميع الحدود ‪ ،‬فسموا المغالين ‪ ،‬ومنهم من توسط ل في‬
‫الحق ولكنه في الخذ عن الباطل فسموا المتوسطين ‪ ،‬ومنهم من أخذ أشياء يسيرة‬
‫واغترف غرفة أو غرفتين ولم ينزل في قعرها ولم يسبح في وسطها فسموا‬
‫المعتدلين والمنصفين ‪ ،‬ولكن كل هؤلء يجمعهم التلمذة على اليهودية الثيمة‬
‫والتشبث بأذيال عبد ال بن سبأ ‪ ،‬ابن سوداء اليهودي الخبيث الماكر ‪ ،‬فكل أخذ‬
‫بقدره واكتفى بحظه ‪ ،‬اللهم إل من تبرأ منهم علناً وجهراً ومن أفكارهم ‪ ،‬فرفضوه‬
‫على تبرئه الكامل ‪ ،1‬وكانت هذه الفكار والراء التي دست بين المسلمين‬
‫وخصوصا بين الموالين لعلي‪ 2‬وأولده بعد مؤامرة دبرت واحكم نسيجها من قبل‬
‫يهود اليمن باشتراك الخرين على يد عبد ال بن سبأ ‪ ،‬تتكون من تفريق كلمة‬
‫المسلمين وتشتيت شملهم وإيقاع الفتن وسل السيوف بينهم وإفساد الدين على‬
‫المسلمين ونشر الباحية واللحاد ‪ ،‬ولقصد تبديل الشريعة السماوية وتغييرها‬
‫وتعطيلها ‪ ،‬وعلى ذلك قال السفراييني ‪ 3‬بعد ذكر جميع فرق الشيعة ‪.‬‬
‫وأعلم أن جميع من ذكرناهم من فرق المامية متفقون على تكفير الصحابة‬
‫ويدعون أن القرآن قد غير عما كان ووقع فيه الزيادة والنقصان من قبل الصحابة‬
‫ويزعمون أنه ل اعتماد على القرآن الول ول على شيء من الخبار المروية عن‬
‫المصطفى صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ويزعمون أنه قد كان في القرآن النص على إمامة‬
‫علي فأسقطه الصحابة عنه ‪ .‬ويزعمون أنه ل اعتماد على الشريعة التي في أيدي‬
‫المسلمين ‪ ،‬وينتظرون إماماً يسمونه المهدي يخرج ويعلمهم الشريعة وليسوا في‬
‫الحال على شيء من الدين ‪ ،‬وليس مقصودهم من هذا الكلم تحقيق الكلم في‬
‫المامة ‪ ،‬ولكن مقصودهم إسقاط كلمة تكليف الشريعة عن أنفسهم ‪ ،‬حتى يتوسعوا‬
‫في استحلل المحرمات الشريعة ‪ ،‬ويعتذر عند العوام بما يعدونه من تحريف‬
‫الشريعة ‪ ،‬وتغيير القرآن من عند الصحابة ‪ ،‬ول مزيد على هذا النوع من الكفر ‪ ،‬إذ‬
‫ل بقاء فيه على شيء من الدين‪." 4‬‬

‫‪ - 1‬كأتباع زيد بن علي بن الحسين المنصفون منهم ‪ ،‬ولو أن بعضاً منهم يدعي اتباعه بنهج نفيس المنهج ويسلك‬
‫نفس المسلك كما سيأتي بيانه مفصلً إن شاء ال ‪.‬‬
‫‪ - 2‬لنهم استعملوا اسم علي وأهل بيته ـ كذباً وزوراً ـ لتستر على نواياهم الخفية ومقاصدهم الخبيثة ‪ ،‬ولذلك اغتر‬
‫بهم قوم يدعون موالة علي وأهل بيته ـ رضوان ال عليهم أجمعين ‪.‬‬
‫‪ - 3‬هو أبو المظفر شاهنور بن طاهر بن محمد السفراييني الشافعي المفسر ‪ ،‬إمام بارع ‪ ،‬صنف التفسير الكبير‬
‫وصنف في الصول وسافر في طلب العلم وحصل الكثير ‪ ،‬ارتبطه نظام الملك بطوس ‪ ،‬فأقام بها سنين ودرس بها‬
‫العلوم وأفاد الكثير ‪ ،‬واستفاد الناس منه ‪ ،‬وله مؤلفات عديدة منها كتاب التبصير توفي سنة ‪471‬هـ ‪.‬‬
‫‪ - 4‬التبصير في الدين للسفراييني ص ‪ 43‬ط بغداد ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫هذا وبما أننا ذكرنا ونريد أن نذكر ونثبت أن تطور التشيع الول وتغيير‬
‫الشيعة الولى لم يكن إل لدخال الفكار اليهودية والمجوسية ‪ ،‬والمتمثلة في عبدال‬
‫بن سبأ أو السبئية واعتناق الشيعة لها واعتقادها ‪ ،‬فل بد لنا أن نذكر عبد ال بن‬
‫سبأ وجماعته السبئيين ومساعيهم لنشر الفتنة والفساد وبث سموم المعتقدات غير‬
‫السلمية في نفوس الضعفاء والجهلة من الناس لن الكلم إل على الكلم حولهم‬
‫وحولها أي السبئيين وأفكارهم ‪.‬‬
‫عبد ال بن سبا والسبئية‬
‫إن عبد ال بن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء ‪ .‬أمه سوداء " وقد كان عبد‬
‫ال بن سبأ هذا يهودياً في قلبه حفيظة على الدين الجديد الذي أزال ما كان اليهود‬
‫يتمتعون به من الهيمنة والسلطان على عرب المدينة والحجاز عامة ‪ ،‬فأسلم في أيام‬
‫عثمان ‪ ،‬ثم تنقل في بلد الحجاز ‪ ،‬ثم ذهب إلى البصرة ‪ ،‬ثم إلى الكوفة ‪ ،‬ثم إلى‬
‫الشام ‪ ،‬وهو يحاول في كل بلد ينزل بها أن يضل ضعاف الحلم ‪ ،‬ولكنه لم يستطع‬
‫السبيل إلى ذلك ‪ ،‬فأتى مصر فأقام بين أهلها ‪ ،‬وما فتئ يلفتهم‪ /‬عن أصول دينهم ‪،‬‬
‫ويزيد لهم بما يزخرفه من القول حتى وجد مرتعاً خصيب ًا ‪ ،‬وكان مما قاله لهم ‪ :‬إني‬
‫لعجب كيف تصدقون أن عيسى بن مريم يرجع إلى هذه الدنيا وتكذبون أن محمداً‬
‫يرجع إليها ؟ ‪ .‬وما زال بهم حتى انقادوا إلى القول بالرجعة وقبلوا ذلك منه ‪ ،‬فكان‬
‫هو أول من وضع لهل هذه الملة القول بالرجعة وقبلوا ذلك منه ‪ ،‬إنه قد كان لكل‬
‫نبي وصي ‪ ،‬وأن علي بن أبي طالب هو وصي محمد صلى ال عليه وسلم ! وليس‬
‫في الناس من هو أظلم ممن احتجر وصية رسول ال ولم يجزها ‪ ،‬بل هو يتعدى ذلك‬
‫فيثب على الوصي ويقتسره على حقه ‪ ،‬وإن عثمان قد أخذ حق على وظلمة ‪،‬‬
‫فانهضوا في هذا المر ‪ ،‬وليكن سبيلكم إلى إعادة الحق لهله الطعن على أمرائكم‬
‫وإظهار المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬فإنكم تستميلون بذلك قلوب الناس ‪،‬‬
‫واتخذ لهذه الدعوة وأنصار بثهم في المصار ‪ ،‬وما زال يكاتبهم ويكاتبونه حتى نفذ‬
‫قضاء ال ‪ ،‬وكان الضحية الولى لهذه المؤامرة ذلك الخليفة الذي قتل مظلوم ًا ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وبين يديه كتاب ال واعتدى على منزله وحرمه ‪ ،‬وكان قضاء ال قدراً مقدورا "‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مقالت السلميين للشعري ج ‪ 1‬ص ‪ 50‬الهامش ط مصر ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ولقد ذكره أقدم المؤرخين الطبري عنه بقوله ‪ ":‬كان عبد ال بن سبأ يهودياً‬
‫من أهل صنعاء أمه سوداء فأسلم زمان عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول‬
‫ضللتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام فلم يقدر على ما يريد عند أحد‬
‫من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول لعجب ممن‬
‫يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمد يرجع وقد قال ال عز وجل { إن الذي‬
‫فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } فمحمد أحق بالرجوع من عيسى قال فقبل ذلك‬
‫عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها ثم قال لهم بعد ذلك أنه كان ألف نبي ولكل نبي‬
‫وصي وكان علي وصي محمد ثم قال محمد خاتم النبياء وعلى خاتم الوصياء ثم‬
‫قال بعد ذلك من أظلم ممن لم يجز وصية رسول ال صلى ال عليه وسلم ووثب على‬
‫وصي رسول ال صلى ال عليه وسلم وتناول أمر المة ثم قال لهم بعد ذلك إن‬
‫عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول ال صلى ال عليه وسلم فانهضوا في هذا‬
‫المر فحركوه وابدءوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا المر فبث دعاته وكاتب من كان استفسد‬
‫في المصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم وأظهروا المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر وجعلوا يكتبون إلى المصار بكتب يضعونها في عيوب ولتهم‬
‫ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون‬
‫فيقرأه أولئك في أمصارهم وهؤلء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا‬
‫الرض إذاعة يريدون غير ما يظهرون ويسرون غير ما يبدون فيقول أهل كل مصر‬
‫إنا لفي عافية مما فيه الناس وجامعه محمد وطلحة من هذا المكان قالوا فأتوا عثمان‬
‫فقالوا يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا قال ل وال ما جاءني إل‬
‫السلمة قالوا فإنا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم قال فانتم شركائي وشهود‬
‫المؤمنين فأشيروا علي قالوا نشير عليك أن تبعث رجا ًل ممن تثق بهم إلى المصار‬
‫حتى يرجعوا إليك بأخبارهم فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة وأرسل أسامة‬
‫بن زيد إلى البصرة وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر وأرسل عبد ال بن عمر إلى‬
‫الشام وفرق رجالً سواهم فرجعوا جميعاً قبل عمار فقالوا أيها الناس ما أنكرنا شيئاً‬
‫ول أنكره أعلم المسلمين ول عوامهم وقالوا جميعاً المر أم المسلمين إل أن‬
‫أمرائهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم واستبطأ الناس عمارًا حتى ظنوا أنه قد‬
‫اغتيل فلم يفجأهم إل كتاب من عبد ال بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عمار قد‬
‫استماله قوم مصر وقد انقطعوا إليه منهم عبد ال بن السوداء وخالد بن ملجم و‬
‫سودان بن حمران وكنانة بن بشر ‪." 1‬‬
‫وبمثل ذلك قال ابن كثير وابن الثير‪. 2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الطبري ج ‪ 5‬ص ‪. 99-98‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬البداية والنهاية ج ‪ 7‬ص ‪ 167‬ط بيروت‬

‫‪32‬‬
‫وقال ابن خلدون في تاريخه عنه ‪:‬‬
‫" إن عبد ال بن سبأ يعرف بابن السوداء كان يهودياً فهاجر أيام عثمان فلم‬
‫يحسن إسلمه ‪ ،‬فأخرج من البصرة فلحق بالكوفة ثم بالشام وأخرجوه فلحق‬
‫بمصر ‪ ،‬وكان يكثر الطعن على عثمان ويدعو في السر إلى أهل البيت ‪ ....‬وكان‬
‫يحرض الناس على القيام في ذلك والطعن على المراء فاستمال الناس بذلك في‬
‫المصار وكاتب به بعضهم بعض ًا ‪ ،‬وكان معه خالد بن ملجم وسودان بن حمران‬
‫وكنانة بن بشر ‪ ،‬فثبطوا عمارًا عن المسير إلى المدينة ‪ ( ،‬وكان مما أنكروه على‬
‫عثمان ) إخراج أبي ذر من الشام ومن المدينة إلى الربذة ‪ ،‬وكان الذي دعا إلى ذلك‬
‫شدة الورع من أبي ذر وحمله الناس على شدائد المور والزهد في الدنيا ‪ ،‬وأنه ل‬
‫ينبغي لحد أن يكون عنده أكثر من قوت يومه ‪ ،‬ويأخذ بالظاهر في ذم الدخار بكنز‬
‫الذهب والفضة ‪ ،‬وكان بن سبأ يأتيه فيغريه بمعاوية ويعيب قوله ‪ :‬المال مال ال ‪،‬‬
‫ويوهم أن في ذلك احتجانه للمال وصرفه على المسلمين حتى عاتب أبو ذر معاوية ‪،‬‬
‫فاستعتب له وقال ‪ :‬سأقول ‪ :‬مال المسلمين ‪ ،‬واتى ابن سبأ إلى أبي الدرداء وعبادة‬
‫بن الصامت بمثل ذلك ‪ ،‬فدفعوه ‪ ،‬وجاء به عبادة إلى معاوية وقال ‪ :‬هذا الذي بعث‬
‫عليك أبا ذر ‪." 1‬‬
‫وقد ذكره الحافظ ابن حجر عن [ ابن ] عساكر في تاريخه ‪:‬‬
‫" كان أصله من اليمن ‪ ،‬وكان يهودياً فأظهر السلم وطاف بلد المسلمين‬
‫ليلفتهم عن طاعة الئمة ويدخل بينهم الشر ‪ ،‬ودخل دمشق لذلك ‪." 2‬‬
‫ومثل ذلك قال السفراييني ‪:‬‬
‫" إن ابن سوداء كان رجلً يهودياً ن وكان قد تستر بالسلم ‪ ،‬أراد أن يفسد‬
‫الدين على المسلمين ‪." 3‬‬
‫وأما سعيه للفتنة والفساد فلقد ورد طرف من أخباره فيما ذكرناه وكما ذكره‬
‫الطبري مفصلً في تاريخه أنه كان يوماً في البصرة ويوماً في الكوفة ويوماً في‬
‫مصر كما ذكر عن حكيم بن جبلة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬تاريخ ابن خلدون ج ‪ 2‬ص ‪ 139‬تحت عنوان بدا النتقاص على عثمان ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬لسان الميزان ج ‪ 3‬ص ‪. 289‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬التبصير في الدين لبي المظفر السفراييني ‪ :‬ص ‪. 109‬‬

‫‪33‬‬
‫لما مضى من إمارة ابن عامر ثلث سنين بلغه أنه في عبد القيس رجلً نازلً‬
‫على حكيم بن جبلة وكان حكيم بن جبلة رجلً لصاً إذا قفل الجيش خنس عنهم ‪،‬‬
‫فسعى في أرض فارس يغير على أهل الذمة ويتنكر لهم ويفسد في الرض ويصيب‬
‫ما شاء ن ثم يرجع فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان ‪ ،‬فكتب إلى عبد ال بن‬
‫عامر أن احبسه ومن كان مثله فل يخرجن من البصرة حتى تأنسوا منه رشدا ‪،‬‬
‫فحبسه فكان ل يستطيع أن يخرج منها ‪ ،‬فلما قدم ابن السوداء نزل عليه واجتمع‬
‫إليه نفر فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرح فقبلوا منه واستعظموه ‪ ،‬وأرسل إليه‬
‫ابن عامر فسأله من أنت ؟ ‪ .‬فأخبر أنه رجل من أهل الكتاب رغب في السلم ورغب‬
‫في جوارك ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما يبلغني ذلك ‪ ،‬فاخرج عني فخرج حتى أتى الكوفة فأخرج منها‬
‫فاستقر بمصر وجعل يكاتبهم ويكاتبونه ويختلف الرجال بينهم ‪." 1‬‬
‫ثم كان في مصر ‪ ،‬ومن مصر جاء مع قتلة عثمان إلى المدينة ‪.‬‬
‫خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء ‪ ،‬المقلل يقول ستمائة‬
‫والمكثر يقول ألف على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر الليثي‬
‫وسودان بن حمران السكوني وقتيرة بن فلن السكوني وعلى القوم جميعاً الغافقي‬
‫بن حرب العكي ‪ ،‬ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب وإنما خرجوا‬
‫ومعهم ابن سوداء‪." 2‬‬
‫ولقد كتب أحمد أمين المصري عنه ‪:‬‬
‫" إن ابن السوداء أتى إلى أبي الدرداء وعبادة بن الصامت فلم يسمعا قوله‬
‫وأخذه عبادة إلى معاوية وقال له ‪ :‬هذا وال الذي بعث عليك أبا ذر ‪ ،‬ونحن نعلم أن‬
‫ابن السوداء هذا لقب به عبد ال بن سبأ ‪ ،‬وكان يهودياً من صنعاء أظهر السلم في‬
‫عهد عثمان وأنه حاول أن يفسد على المسلمين دينهم ‪ ،‬وبث في البلد عقائد كثيرة‬
‫‪ :‬في الحجاز والبصرة ‪ -‬والكوفة والشام ومصر ‪ ،‬فمن المحتمل القريب أن يكون‬
‫قد تلقى هذه الفكرة من مزدكية العراق أو اليمن ‪." 3‬‬
‫وكتب أيضاً ‪:‬‬
‫" وهو الذي حرك أبا ذر الغفاري لدعوة الشتراكية وهو الذي كان من أكبر‬
‫من ألب على عثمان في المصار ‪ ....‬والذي يؤخذ من تاريخه أنه وضع تعاليم لهدم‬
‫السلم وألف جمعية سرية لبث تعاليمه واتخذ السلم ستارًا يستر به نواياه ‪ ،‬نزل‬
‫البصرة بعد أن أسلم ونشر فيها دعوته ‪ ،‬فطرده واليها ‪ ،‬ثم أتى الكوفة فاخرج‬
‫منها ‪ ،‬ثم جاء مصر فالتف حوله أناس من أهلها "‪. 4‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬الطبري ج ‪ 5‬ص ‪90‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الطبري ج ‪ 5‬ص ‪. 104 ، 103‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬فجر السلم ص ‪. 111 ، 110‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬نفس المصدر ص ‪. 269‬‬

‫‪34‬‬
‫وقبل أن نستطرد في السباب التي جعلوها وسيلة لتفريق كلمة المسلمين‬
‫وتشتيت شملهم وتمزيق كلمتهم والتآمر على أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ‪،‬‬
‫صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم وصهره ذي النورين عثمان بن عفان ـ‬
‫رضي ال عنه ـ نريد أن نذكر العقائد اليهودية التي نفث سمومها هذا الخبيث ‪،‬‬
‫الملعون على لسان علي ـ رضي ال عنه ـ وأتقنها القوم ‪ ،‬وفرعت عليه الفروع ‪،‬‬
‫وعليها وبها افترقت فرقهم وذهب كل فريق منهم إلى ما يهوونه ويشتهونه ‪.‬‬
‫الفكار اليهودية المدسوسة‬
‫ولقد أخبرنا عن أفكار ابن السوداء هذا ‪ ،‬والتي حملها من اليهود المبغضين‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم الصادق المين وأمته أشد البغض وما جاء به عن‬
‫ال تبارك وتعالى ‪ ،‬الناقمين عليه وعليهم ‪ ،‬والمكايدين والماكرين له ولهم ‪ ،‬من أول‬
‫يوم دخلوا يثرب وحولوها إلى المدينة ‪ ،‬وقضوا على يهود قيقناع وبني النضير‬
‫وبني المصطلق ويهود خيبر وغيرهم ‪ ،‬يخبرنا عن كل ذلك أقدم مؤرخ شيعي ‪ ،‬وأول‬
‫من كتب في الفرق من القوم أل وهو النوبختي أبو محمد الحسن بن موسى من‬
‫أعلم الشيعة في القرن الثالث للهجرة فقال ‪:‬‬
‫" السبئية ‪ :‬أصحاب عبد ال بن سبأ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر‬
‫وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم ‪ ،‬وقال ‪ :‬إن علياً ـ عليه السلم ـ أمره بذلك ‪،‬‬
‫فأخذه علي فسأله عن قوله هذا ‪ ،‬فأقربه ‪ ،‬فأمر بقتله ‪ ،‬فصاح الناس إليه ‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين أتقتل رجلً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى وليتك والبراءة من أعدائك ؟ ‪.‬‬
‫فصيره إلى المدائن‪.‬‬
‫وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي ـ عليه السلم ـ أن عبد ال بن‬
‫سبأ كان يهودياً فأسلم وولى علياً ـ عليه السلم ـ وكان يقول وهو علي يهوديته في‬
‫يوشع بن نون بعد موسى ـ عليه السلم ـ بهذه المقالة ‪ ،‬فقال بعد إسلمه في علي ـ‬
‫عليه السلم ـ بمثل ذلك ‪ ،‬وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي ـ عليه السلم‬
‫ـ وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه ‪ ،‬فمن هناك قال من خالف الشيعة إن‬
‫أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ‪ ،‬ولما بلغ عبد ال بن سبأ نعى علي بالمدائن قال‬
‫للذي نعاه ‪ :‬كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلً‬
‫لعلمنا أنه لم يقتل ‪ ،‬ول يموت حتى يملك الرض‪." 1‬‬
‫ويذكر أبو عمرو بن عبد العزيز الكشي من علماء القرن الرابع للشيعة في‬
‫أقدم كتاب شيعي في الرجال عديدا من الروايات عن عبد ال بن سبأ وعقائده‬
‫وأفكاره نثبت بعضاً منها هاهنا ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪ 42 ، 41‬ط المطبعة الحيدرية نجف بتعليق آل بحر العلوم ط ‪1959‬م ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫" حدثني محمد بن قولويه ‪ .‬قال ‪ :‬حدثني سعد بن عبد ال ‪ .‬قال حدثنا يعقوب بن‬
‫يزيد ومحمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب الزدي عن أبان بن‬
‫عثمان قال ‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول ‪ :‬لعن ال عبد ال بن سبأ إنه‬
‫ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلم ‪ ،‬وكان وال أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم عبداً ل طائع ًا ‪ ،‬الويل لمن كذب علينا ‪ ،‬وأن قوماً يقولون فينا ما ل نقوله في‬
‫أنفسنا ‪ ،‬نبرأ إلى ال منهم ‪ ،‬نبرأ إلى ال منهم "‪.‬‬
‫وبهذا السناد عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن‬
‫عيسى عن أبيه والحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي‬
‫حمزة الثمالي قال ‪ :‬قال علي بن الحسين ـ صلوات ال عليهما ‪ :‬لعن ال من كذب‬
‫علينا إني ذكرت عبد ال بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي ‪ ،‬لقد ادعى أمراً عظيماً‬
‫ماله لعنه ال ‪ ،‬كان علي ـ عليه السلم ـ وال عبداً صالحاً أخا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ما نال الكرامة من ال إل بطاعته ل ولرسوله صلى ال عليه وآله ‪،‬‬
‫وما نال رسول ال صلى ال عليه وآله الكرامة من ال إل بطاعته ل ‪.‬‬
‫وبهذا السناد ‪ :‬عن محمد بن خالد الطيالسي عن ابن أبي نجران عن عبد ال‬
‫[ بن سنان ] قال ‪ :‬قال أبو عبد ال ـ عليه السلم ـ إنا أهل بيت صديقون ل نخلوا‬
‫من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ‪ ،‬كان رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها وكان مسيلمة يكذب عليه ‪،‬‬
‫وكان أمير المؤمنين عليه السلم أصدق من برأ ال بعد رسول ال وكان الذي يكذب‬
‫عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على ال الكذب عبد ال بن سبأ ‪.‬‬
‫وذكر بعض أهل العلم أن عبد ال بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً ـ عليه‬
‫السلم ـ وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون ( وصي موسى بالغلو )‬
‫فقال في إسلمه بعد وفاة رسول ال صلى ال عليه وآله في علي ـ عليه السلم ـ‬
‫مثل ذلك ‪ ،‬وكان أول من أشهر بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه‬
‫وكاشف مخاليفه وكفرهم فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل التشيع والرفض‬
‫مأخوذ من اليهودية ‪." 1‬‬
‫وقال الحلي الشيعي الحسن بن علي في كتابه الرجالي المشهور ‪:‬‬
‫" عبد ال بن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو ‪ ،‬كان يدعي النبوة وأن علياً ـ‬
‫عليه السلم ـ هو ال ‪ ،‬فاستتابه عليه السلم ثلثة أيام فلم يرجع ‪ ،‬فأحرقه في النار‬
‫في جملة سبعين رجلً ادعوا فيه ذلك ‪."2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬رجال الكشي ص ‪. 101 ، 100‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬كتاب الرجال للحلي ص ‪ 469‬ط طهران ط ‪1383‬هـ ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ومثل ذلك القول قام إمام متأخري الشيعة في الرجال المامقاني كتابه تنقيح‬
‫المقال ‪" 1‬‬
‫وذكر مؤرخ شيعي إيراني في تاريخه بالفارسية ‪:‬‬
‫إن عبد ال بن سبأ توجه إلى مصر حينما علم أن مخالفيه ( أي عثمان بن‬
‫عفان ) كثيرون هناك ‪ ،‬فتظاهر بالعلم والتقوى ‪ ،‬حتى افتتن الناس به ‪ ،‬وبعد‬
‫رسوخه فيهم بدا يروج مذهبه ومسلكه ‪ ،‬وإن لكل نبي وصياً وخليفة ‪ ،‬فوصى رسول‬
‫ال وخليفته ليس إل علياً ‪ ،‬المتحلي بالعلم والفتوى ‪ ،‬والمتزين بالكرم والشجاعة ‪،‬‬
‫والمتصف بالمانة والتقى ‪ ،‬وقال ‪ :‬إن المة ظلمت علي ًا ‪ ،‬وغصبت حقه ‪ ،‬حق‬
‫الخلفة والولية ‪ ،‬ويلزم الن على الجميع مناصرته ومعاضدته وخلع طاعة عثمان‬
‫‪2‬‬
‫وبيعته ‪ ،‬فتأثر كثير من المصريين بأقواله وآرائه ‪ ،‬وخرجوا على الخليفة عثمان‬
‫"‪.‬‬
‫ومثل ذلك قال الرجالي الشيعي السترا آبادي ‪:‬‬
‫إن عبد ال بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين "ع" هو ال‬
‫تعالى ‪ ،‬فبلغ أمير المؤمنين ذلك فدعاه وسأله ‪ ،‬فأقر ‪ ،‬وقال ‪ :‬نعم أنت هو ‪ .‬فقال له‬
‫أمير المؤمنين قد سخر منك الشيطان ‪ ،‬فارجع عن هذا وتب ثكلتك أمك ‪ ،‬فأبى ‪،‬‬
‫فحبسه ثلثة أيام ‪ ،‬فلم يتب ‪ ،‬فأحرقه بالنار‪." 3‬‬
‫ولكن ابن أبي الحديد الشيعي الغالي المعتزلي شارح النهج يخالف ذلك بأن‬
‫علياً أحرقه فإنه يرى أن القول بتأليه علي لم يظهره عبد ال بن سبأ إل بعد وفاة‬
‫علي ـ رضي ال عنه ـ فأظهره واتبعه قوم فسموا السبئية ‪." 4‬‬
‫ويؤيده في ذلك من السنة عبد القادر البغدادي ولكنه يضيف إلى ذلك أن علياً‬
‫لم يحرقه خوفاً من شماتة أهل الشام حيث يذكر ابن سبأ والسبئية ‪:‬‬
‫السبئية أتباع عبد ال بن سبأ الذي غل في علي ـ رضي ال عنه ـ وزعم أن‬
‫كان نبي ًا ‪ ،‬ثم غل فيه حتى زعم أنه إله ‪ ،‬ودعا إلى ذلك قوماً من غواة الكوفة ‪،‬‬
‫ورفع خبرهم إلى علي ـ رضي ال عنه ـ فأمر بإحراق قوم منهم في حفرتين ‪ ،‬حتى‬
‫قال بعض الشعراء في ذلك ‪:‬‬
‫إذا لم ترم بي في الحفرتين‬ ‫لترم بي الحوادث حيث شاءت‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ج ‪ 2‬ص ‪ 184‬ط إيران ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬تاريخ شيعي ‪ :‬روضة الصفا في اللغة الفارسية [ ج ‪2‬ص ‪ ] 292‬ط طهران ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬منهج المقال ص ‪. 203‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬شرج نهج البلغة ‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪. 309‬‬

‫‪37‬‬
‫ثم إن علياً ـ رضي ال عنه ـ خاف من إحراق الباقين منهم شماتة أهل الشام ‪،‬‬
‫وخاف اختلف أصحابه عليه ‪ ،‬فنفى ابن سبأ إلى سباط المدائن ‪ ،‬فلما قتل علي ـ‬
‫رضي ال عنه ـ زعم ابن سبأ أن المقتول لم يكن علي ًا ‪ ،‬وإنما كان شيطانا تصور‬
‫للناس في صورة علي ‪ ،‬وأن علياً صعد إلى السماء كما صعد إليها عيسى بن مريم ـ‬
‫عليه السلم ـ وقال ‪ :‬كما كذبت اليهود والنصارى في دعواها قتل عيسى كذلك كذبت‬
‫النواصب والخوارج في دعواها قتل علي ‪ ،‬وإنما رأت اليهود والنصارى شخصاً‬
‫مصلوب ًا شبهوه بعيسى ‪ ،‬كذلك القائلون بقتل علي رأوا قتيل يشبه علياً فظنوا أنه‬
‫علي ‪ ،‬وعلي قد صعد إلى السماء ‪ ،‬وأنه سينزل إلى الدنيا وينتقم من أعدائه وزعم‬
‫بعض السبئية أن علياً في السحاب وأن الردع صوته والبرق صوته ‪ ،‬ومن سمع من‬
‫هؤلء صوت الرعد قال ‪ :‬عليك السلم يا أمير المؤمنين ‪.‬‬
‫وقد روى عن عامر بن شراحيل الشعبي أن ابن سبأ قيل له ‪ :‬إن علياً قد‬
‫قتل ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن جئتمونا بدماغه في صرة لم نصدق بموته ‪ ،‬ل يموت حتى ينزل من‬
‫السماء ويملك الرض بحذافيرها ‪.‬‬
‫وهذه الطائفة تزعم أن المهدي المنتظر إنما هو علي دون غيره ‪ ،‬وفي هذه‬
‫الطائفة قال إسحاق بن سويد العدوي قصيدة بريء فيها من الخوارج والروافض‬
‫والقدرية منها هذه البيات ‪:‬‬
‫من الغزال منهم وابن باب‬ ‫برئت من الخوارج لست منهم‬
‫وأعلم أن ذاك من الصواب‬ ‫ولـكـنـي أحب بكل قلبـي‬
‫به أرجو غدًا حسن الثواب‬ ‫رسول ال والصديق حـبــا‬
‫وقد ذكر الشعبي أن عبد ال بن السوداء وكان يعين السبئية على قولها ‪ ،‬وكان ابن‬
‫السوداء في الصل يهودياً من أهل الحيرة فأظهر السلم ‪ ،‬وأراد أن يكون له عند‬
‫أهل الكوفة سوق ورياسة ‪ ،‬فذكر لهم أنه وجد في التوارة أن لكل نبي وصياً ‪ ،‬وأن‬
‫علياً ـ رضي ال عنه ـ وصي محمد صلى ال عليه وسلم وأنه خير الوصياء كما أن‬
‫محمداً خير النبياء ‪ ،‬فلما سمع ذلك منه شيعة علي قالوا لعلي ‪ :‬إنه مجيبك ‪ ،‬فرفع‬
‫علي قدره ‪ ،‬وأجلسه تحت درجة منبره ‪ .‬ثم بلغه فيه فهم بقتله ‪ ،‬فنهاه ابن عباس‬
‫عن ذلك وقال له ‪ :‬إن قتلته اختلف عليك أصحابك ‪ ،‬وأنت عازم على العود إلى قتال‬
‫أهل الشام ‪ ،‬وتحتاج إلى مداراة أصحابك ‪ ،‬فلما خشي من قتله ومن قتل ابن سبأ‬
‫الفتنة التي خافها ابن عباس نفاهما إلى المدائن فافتتن بهما الرعاع بعد قتل علي ـ‬
‫رضي ال عنه ـ وقال لهم ابن السوداء ‪ :‬وال لينبعن لعلي في مسجد الكوفة عينان‬
‫تفيض إحداهما عسلً والخرى سمن ًا ‪ ،‬ويغترف منهما شيعته ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫وقال المحققون من أهل السنة ‪ :‬إن ابن السوداء كان على هوى دين اليهود ‪،‬‬
‫وأراد أن يفسد على المسلمين دينهم بتأويلته في علي وأولده لكي يعتقدوا فيه ما‬
‫اعتقدت النصارى في عيسى ـ عليه السلم ـ فانتسب إلى الرافضة السبئية حين‬
‫وجدهم أعرق أهل الهواء في الكفر ودلس ضللته في تأويلته ‪." 1‬‬
‫‪2‬‬
‫"‪.‬‬ ‫وذكر هذه وعقائده وجماعته من الشيعة كل من سعد القمي المتوفى ‪301‬هـ‬
‫والطوسي شيخ الطائفة ‪ 3‬والتستري في قاموس الرجال‪ 4‬وعباس القمي في‬
‫تحفة الحباب ‪ 5‬والخوانساري في روضات الجنات ‪ 6‬و الصبهاني في ناسخ‬
‫التواريخ وصاحب روضة الصفا في تاريخه‪." 7‬‬
‫كما ذكر عقائده علماء من السنة كالبغدادي في الفرق بين الفرق كما مر آنف ًا ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫والرازي في اعتقادات فرق‬ ‫وبمثل هذا قال السفراييني في كتابه التبصير‬
‫المسلمين والمشركين‪ 9‬وابن حزم في الفصل وغيرهم ‪.‬‬
‫وقال الشهرستاني تحت عنوان السبئية ‪:‬‬
‫السبئية أصحاب عبد ال بن سبأ الذي قال لعلي ـ عليه السلم ‪ :‬أنت أنت يعني‬
‫أنت الله ‪ ،‬فنفاه إلى المدائن ‪ ،‬وزعموا أنه كان يهودياً فأسلم ‪ ،‬وكان في اليهودية‬
‫يقول في يوشع بن نون وصي موسى مثل ما قال في علي ـ عليه السلم ـ وهو أول‬
‫من أظهر بالفرض بإمامة علي ‪ ،‬ومنه انشعبت أصناف الغلة ‪ ،‬وزعموا أن علياً حي‬
‫لم يقتل وفيه الجزء اللهي ‪ ،‬ول يجوز أن يستولى عليه ‪ ،‬وهو الذي يجيء في‬
‫السحاب والرعد صوته والبرق سوطه ‪ ،‬وإنه سينزل بعد ذلك إلى الرض فيمل‬
‫الرض عدلً كما ملئت جورا ‪ ،‬وإنما أظهر ابن سبأ هذه المقالة بعد انتقال علي ـ‬
‫عليه السلم ـ ‪." 10‬‬
‫وقال ابن عساكر في تاريخه عن جابر قال ‪:‬‬
‫لما بويع علي ـ رضي ال عنه ـ خطب الناس فقام إليه عبد ال بن سبأ فقال‬
‫له ‪ :‬أنت دابة الرض ‪ ،‬فقال له ‪ :‬اتق ال ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أنت الملك ‪ ،‬فقال اتق ال ‪،‬‬

‫‪ - 1‬الفرق بين الفرق ص ‪ 233‬ـ ‪ 235‬ط مصر ‪.‬‬


‫‪ - 2‬المقالت والفرق لسعد بن عبد ال الشيعي القمي ‪ :‬ص ‪ 21‬ط طهران ‪1963‬م ‪.‬‬
‫‪ - 3‬رجال الطوسي ص ‪ 51‬ط نجف ‪ 1961‬م ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ج ‪ 5‬ص ‪. 463‬‬
‫‪- 5‬ص ‪184‬‬
‫‪ - 6‬روضات الجنات‬
‫‪ - 7‬ج ‪ 3‬ص ‪ 393‬ط إيران ‪.‬‬
‫‪ - 8‬ص ‪109 ، 108‬‬
‫‪ - 9‬ص ‪ 57‬ط دار الكتب العلمية‬

‫‪39‬‬
‫فقال له ‪ :‬أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق ‪ ،‬فأمر بقتله ‪ ،‬فاجتمعت الرافضة فقالت ‪:‬‬
‫دعه وانفه إلى سابط المدائن‪." 1‬‬
‫وذكر اللوسي نقلً عن ابن الحكيم الدهلوي ‪:‬‬
‫السبئية ‪ :‬وهم عبارة عن الذين يسبون الصحابة ‪ ،‬إل قليلً منهم كسلمان‬
‫الفارسي وأبي ذر و المقداد وعمار بن ياسر ـ رضي ال عنهم ـ وينسبونهم ـ‬
‫وحاشاهم ـ إلى الكفر والنفاق ‪ ،‬و يتبرأون منهم ‪ ،‬ومنهم من يزعم والعياذ بال‬
‫تعالى ارتداد جميع من حضر غدير خم يوم قال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬من كنت‬
‫موله فعلي موله "‪ .‬الحديث ‪ ،‬ولم يف بمقتضاه من بيعة المير كرم ال وجهه بعد‬
‫وفاته عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بل بايع غيره ‪ ،‬وهذه الفرقة حدثت في عهد المير‬
‫رضي ال تعالى عنه بإغراء عبد ال بن سبأ اليهودي الصنعاني‪." 2‬‬
‫وأخيراً ننقل ما كتبه أحمد أمين عنه وعن جماعته ‪:‬‬
‫انتشرت الجماعة السرية في آخر عهد عثمان تدعو إلى خلعه وتولية غيره ‪،‬‬
‫ومن هذه الجمعيات من كانت تدعو إلى علي ‪ ،‬ومن أشهر الدعاة له عبد ال بن سبأ‬
‫ـ وكان من يهود اليمن فأسلم ـ فقد تنقل في البصرة والكوفة والشام ومصر يقول ‪:‬‬
‫إنه كان لكل نبي وصي ‪ ،‬وعلي وصي محمد ‪ ،‬فمن أظلم ممن لم يجز وصية رسول‬
‫ال ( صلى ال عليه وسلم ) ووثب على وصيه ‪ ،‬وكان من أكبر الذين ألبوا على‬
‫عثمان حتى قتل‪." 3‬‬
‫" وأنه وضع تعاليم لهدم السلم ‪ ،‬وألف جمعية سرية لبث تعاليمه ‪ ،‬واتخذا‬
‫السلم ستاراً يستر به نياته ‪ ،‬نزل البصرة بعد أن أسلم ونشر فيها دعوته فطرده‬
‫واليها ‪ ،‬ثم أتى الكوفة فأخرج منها ‪ ،‬ثم جاء مصر فالتف حوله ناس من أهلها ‪،‬‬
‫وأشهر تعاليمه ‪ :‬الوصاية والرجعة ‪ .‬فأما الوصاية فقد أبناها قبل ‪ ،‬وكان قوله فيها‬
‫أساس تأليب أهل مصر على عثمان ‪ ،‬بدعوى أن عثمان أخذ الخلفة من علي بغير‬
‫حق ‪ ،‬وأيد رأيه بما نسب إلى عثمان من مثالب ‪ ،‬وأما الرجعة فقد بدأ قوله بأن‬
‫محمداً يرجع ‪ ،‬وكان مما قاله ‪ :‬العجب ممن يصدق أن عيسى يرجع ‪ ،‬ويكذب أن‬
‫محمداً يرجع ‪ ،‬ثم نراه تحول ـ ول ندري لي سبب ـ إلى القول بأن علياً يرجع ‪ .‬وقال‬
‫ابن حزم ‪ :‬إن ابن سبأ قال ـ لما قتل علي ـ لو أتيتموني بدماغه ألف مرة ما صدقناه‬
‫موته ‪ ،‬ول يموت حتى يمل الرض عدلً كما ملئت جوراً ‪ ،‬وفكرة الرجعة هذه أخذها‬
‫ابن سبأ من اليهودية ‪ ،‬فعندهم أن النبي الياس ( عليه السلم ) صعد إلى السماء ‪،‬‬

‫‪ - 10‬الملل والنحل ج ‪ 2‬ص ‪ : 11‬بهامش الفصل ‪.‬‬


‫‪ - 1‬تهذيب تاريخ ابن عساكر ج ‪ 7‬ص ‪. 430‬‬
‫‪ - 2‬مختصر التحفة الثني عشرية ص ‪ 6-5‬ط مصر ‪1383‬م‬
‫‪ - 3‬فجر السلم ‪. 35 4‬‬

‫‪40‬‬
‫وسيعود فيعيد الدين والقانون ‪ ،‬ووجدت الفكرة في النصرانية أيضاً في عصورها‬
‫الولى ‪." 4‬‬
‫فهذا هو عبد ال بن سبأ وهذه دعوته وأفكاره وعقائده ‪ ،‬وهذه هي الفكار‬
‫التي حملها من اليهودية والمجوسية وغيرها بخطة مدبرة ومؤامرة محكمة من قبل‬
‫أعداء ال وأعداء رسوله صلى ال عليه وسلم والسلم وأعداء المة وقادتها‬
‫وأبطالها لبث سمومها بين المسلمين باسم السلم ‪ .‬وسوف نرى ونحقق كيف‬
‫اعتنق الشيعة هذه الفكار وتمسكوا بهذه العقائد ‪ ،‬وكيف تطور التشيع الول وتغيرت‬
‫الشيعة الولى وتسربت فيهم نفس الفكار التي كان يرد عليها ويعارضها علي ـ‬
‫رضي ال عنه ـ وكيف توغل في الشيعة من كان يطاردهم ويتبرأ منهم ويؤدبهم‬
‫ويقتلهم علي ‪ ،‬ويلعنهم أبناءه وأولده ‪.‬‬
‫وقبل أن نضع النقاط على الحروف نريد أن نذكر أن بعض الرجال من مواليد‬
‫القرن الرابع عشر من الهجرة ـ وأخص الشيعة منهم ـ أنكروا وجود هذا اليهودي‬
‫الماكر ‪ ،‬ولكن إنكارهم ل يستند إلى دليل وبرهان ‪ ،‬وإنكارهم هذا ليس إل كإنكار‬
‫الشمس وهي طالعة ‪ ،‬لنه لم يذكر ابن السوداء هذا واحد ول اثنان من المخاصمين‬
‫والمعاندين ‪ ،‬بل ذكر كل من ألف في الفرق والرجال ‪ ،‬في التاريخ وفي السير كما‬
‫أثبتناه من أئمة الشيعة في الفرق والرجال والتاريخ والنقد غير السنة ومن رجال‬
‫السنة ‪ ،‬وقد بحثنا هذه القضية بتحليل منطقي وواقعي وبغربلة الدعاوى التي أطلقت‬
‫في هذا المضمار في كتاب ‪" :‬الشيعة وأهل البيت " ولكن نقولها هاهنا كلمة قصيرة‬
‫أل وهي ‪ :‬هل يوجد واحد قبل القرن الرابع عشر وحتى من الشيعة من أنكر وجود‬
‫هذا الرجل ؟‬
‫ثم وماذا عن الكتب التي تتحدث عن هذا الرجل من كتب الفرق والملل‬
‫والرجال والتاريخ وهي متفقة لفظاً ومعنى تقريباً في ذكره وأوصافه ونعوته وعقائده‬
‫وأفكاره ؟‬
‫ثم ولماذا الخوف من الفضيحة والعار ؟ وإن كان هناك عار فلماذا التستر ‪.‬‬
‫وهل ل يجر هذا النكار إلى أن ينكر شخص وجود علي ومعاوية ووقوع‬
‫الحوادث إن كان هناك مجرد إنكار ؟ ‪ .‬وما أعدله ما قاله عالم شيعي معاصر قريب ـ‬
‫مع تعصبه ـ وهو يذكر الغلو وتاريخه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إنه بعد تولية أمير المؤمنين على‬
‫منصب الخلفة ظهر في أيامه قوم وأرادوا إخراجها من قالب " الموالة والتمسك "‬
‫إلى قالب التأليه لعلي ( ع ) " ولما بلغه عنهم ذلك أنكره أشد النكار ‪ .‬وحرق بالنار‬
‫جماعة ممن غل فيه "‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬نفس المصدر ص ‪.270-269‬‬

‫‪41‬‬
‫والظاهر أن عبد ال بن سبأ لم يكن ( وقتئذ ) على هذه المقالة الغالية ول‬
‫شمله الحراق ‪ ،‬وهذا ما يراه ابن أبي الحديد بقوله ‪ :‬استترت هذه المقالة سنة أو‬
‫نحوها ثم ظهر عبد ال بن سبأ بعد وفاة علي أمير المؤمنين ( ع ) فأظهرها واتبعه‬
‫قوم فسموا السبئية ‪.‬‬
‫ويوافقه الشهرستاني بقوله ‪ :‬وإنما أظهر ابن سبأ هذه المقالة بعد انتقال علي‬
‫عليه السلم " ولكن السترا بادي يخالفهما بما رواه من أن عبد ال بن سبأ كان‬
‫يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين ( ع ) هو ال تعالى ‪ .‬فبلغ أمير المؤمنين ‪ :‬قد‬
‫سخر منك الشيطان ‪ ،‬فارجع عن هذا وتب ثكلتك أمك ‪ .‬فأبى فحبسه ثلثة أيام ‪ ،‬فلم‬
‫يتب ‪ ،‬فأحرقه بالنار " ول يبعد أن يكون الرجح ما قاله ابن أبي الحديد من أن ابن‬
‫سبأ لم يشمله الحراق وأنه أظهر تلك المقالة بعد وفاة أمير المؤمنين ( ع ) ‪.‬‬
‫ووافقه الشهرستاني على ذلك وأن قال قلبه ‪ " :‬إن ابن سبأ قال لعلي ـ عليه السلم‬
‫أنت ‪ ،‬أنت ‪ ،‬يعني أنت الله ‪ ،‬فنفاه إلى المدائن " ول ينافي هذا القول قوله الخر إذ‬
‫من المحتمل قريباً أن يكون ابن سبأ قد قال لعلي ( أنت ‪ ،‬أنت ) لكنه قد أخفاه في‬
‫حياة علي ( ع ) أيام منفاه وبعدها إلى أن توفي علي ( ع ) فأظهره بعد ذلك بسنة أو‬
‫بأقل ‪.‬‬
‫وعلى كل حال فإن الرجل ـ أي ابن سبأ ـ كان في عالم الوجود وأظهر الغلو ‪.‬‬
‫وإن شك بضعهم في وجوده وجعله شخصاً خيالي ًا شخصته الغراض الشخصية ‪ ،‬أما‬
‫نحن بحسب الستقراء الخير فل نشك بوجوده وغلوه ‪ .....‬نعم غل ابن سبأ في‬
‫دينه وتسربت بدعته هذه إلى أفكار جماعة غير قليلة ‪ ،‬قد سميت باسمه ‪ .‬وأخذت‬
‫بعد ذلك بالتطور السريع حتى تجاوزت عن القول بإلهية فرد من المخلوقين إلى‬
‫‪1‬‬
‫القول بإلهية اثنين أو ثلثة أو أربعة أو خمسة أو أكثر من أهل البيت عليهم السلم ‪.‬‬
‫وقد أقر بوجوده من أعلم الشيعة المتأخرين المظفري في كتابه تاريخ الشيعة ‪. 2‬‬
‫وكذلك كبير القوم السيد محسن المين في موسوعته ‪.3‬‬
‫وغيرهم الكثيرون ‪ ،‬الكثيرون ‪.‬‬
‫فهذا هو عبد ال بن سبأ ‪ ،‬وهذه العقائد التي حملها إلى المسلمين وإلى‬
‫الشيعة بالذات بتعبير صحيح ودقيق ‪ ،‬لنهم هم كانوا الحقل الصالح لبذر هذه‬
‫البذور ‪ ،‬ومنهم [ من ] كان يتوقع أن يجد آذانا صاغية وقلوباً واعية ‪ ،‬وباسم‬
‫قائدهم كان يتوقع إثارة الضغائن والحقاد ‪.‬‬

‫‪ - 1‬الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين ‪ :‬ص ‪ 212‬ـ ‪ 213‬ط دار الثار ـ بيروت الطبعة الثانية ‪1979‬م‬
‫‪ - 2‬انظر تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري ص ‪ 10‬ط ‪ .‬قم ‪.‬‬
‫‪ - 3‬انظر أعيان الشيعة وخاصة الجزء الول من القسم الول ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫وفعلً استطاع جذب الكثير منهم إليه وإلى معتقداته خصوص ًا بعد ما كان‬
‫مظفراً منصوراً في إتاحة حكم المام المظلوم عثمان بن عفان له اختلق قصص‬
‫باطلة وأساطير كاذبة‪ 1‬وتكوينه جمعية سرية تعتقد في علي ـ رضي ال عنه ـ‬
‫وصابة النبي صلى ال عليه وسلم ووراثته ‪ ،‬وإيجاد رجال يقدسونه ويؤلهونه‬
‫ويصفونه بأوصاف ونعوت هي ل خاصة ‪ ،‬فدخل هؤلء كلهم تحت رايته في شيعة‬
‫علي ـ رضي ال عنه ـ واندمجوا معهم ‪ ،‬وبدأوا ينفثون السموم إلى رفاقهم‬
‫ومصاحبيهم ومجالسيهم ‪ ،‬فتأثر من تأثر وكتم من كتم وظهر من ظهر ‪ ،‬فنكل المام‬
‫علي بن أبي طالب ـ رضي ال عنه ـ بمن اكتشف وأظهر عقيدته الصلية الخافية‬
‫وعذبهم أشد العذاب ‪ ،‬وطرد بعضاً منهم وقتل البعض الخرين سيفاً وحرقاً ‪ ،‬وأعلن‬
‫في مل من الناس أنه ليس إل عبد ال طائع ًا ‪ ،‬وأن من يكتشف أنه من السبئيين‬
‫يعمل به ما عمل بالمحرقين ‪ ،‬ومن وجده متأثراً منهم وعلم أنه يفضله على الشيخين‬
‫أو يتكلم فيهم فيجلده حد المفتري كما روى زيد بن وهب أن سويد بن غفلة ‪.‬‬
‫دخل على علي في إمارته فقال ‪ :‬إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر يرون‬
‫أنك تضمر لهما مثل ذلك منهم ‪ ،‬عبد ال بن سبأ ‪ ،‬وكان عبد ال بن سبأ أول من‬
‫أظهر ذلك ‪ ،‬فقال علي ‪ :‬مالي ولهذا الخبيث السود ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬معاذ ال أن أضمر‬
‫لهما إل الحسن الجميل ‪ ،‬ثم أرسل إلى عبد ال بن سبأ فسيره إلى المدائن ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫ل يساكنني في بلدة أبدا ‪ ،‬ثم نهض إلى المنبر حتى اجتمع الناس ‪ ،‬فذكر القصة في‬
‫ثنائه عليهما بطوله وفي آخره ‪ :‬ول يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إل جلدته حد‬
‫المفتري‪." 2‬‬
‫وذكر الهمداني المعتزلي المتوفى ‪415‬هـ هذه الرواية أيض ًا ولكن فيها من‬
‫الفوائد ما ليست في غيرها ‪ ،‬فنريد أن نثبتها هاهنا ‪ ،‬فإنه يقول ‪ :‬وكان ابن سبأ هذا‬
‫يقول لصحابه ‪ :‬إن أمير المؤمنين قال لي ‪ :‬إنه يدخل دمشق ويهدم مسجدهم‬
‫حجراً ‪ ،‬حجراً ‪ ،‬ويظهر على أهل الرض ويكشف أسرارا ويعرفهم أنه ربهم ‪ ،‬وليس‬
‫لهذا كأبي بكر وعمر وعثمان ‪.‬‬

‫‪ - 1‬نخصص لهذه القصص الباطلة والساطير الموضوعة باباً مستقلً في هذا الكتاب لما لها من علقة وثيقة‬
‫بشيعة اليوم ‪ ،‬وأنهم لم يأخذوا هذه التهم إل من عبد ال بن سبأ ‪ ،‬كما أخذوا العقائد منه وسنبين هذا كله مفصلً إن‬
‫شاء ال بالبراهين والدلة ‪.‬‬
‫‪ - 2‬لسان الميزان لبن حجر العسقلني ج ‪ 3‬ص ‪ 290‬ط بيروت ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ولقد أتى أمير المؤمنين ـ رضي ال عنه ـ سويد بن غفلة ‪ ،‬وكان من خاصته‬
‫وكبار أصحابه ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬مررت بنفر من الشيعة يتناولون أبا‬
‫بكر وعمر بغير الذي هما من المة له أهل ‪ ،‬ويرون أنك تضمر لهما على مثل ما‬
‫أعلنوا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أعوذ بال أعوذ بال مرتين ‪ ،‬أن أضمر لهما إل الذي أتمنى المضي‬
‫عليه ‪ ،‬لعن ال من أضمر لهما إل الحسن الجميل ‪ ،‬أخوا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وصاحباه ووزيراه ـ رحمة ال عليهما ـ ثم نهض دامع العينين يبكي ‪ ،‬قابضاً‬
‫على لحيته ‪ ،‬وهي بيضاء ‪ ،‬حتى اجتمع الناس ‪ .‬ثم قام فتشهد بخطبة موجزة بليغة ‪،‬‬
‫ثم قال ‪ :‬ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمين بما أنا عليه متنزه ‪،‬‬
‫ومما قالوا برئ ‪ ،‬وعلى ما قالوا معاقب ‪ ،‬أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ‪ ،‬ل‬
‫يحبهما إل مؤمن تقي ‪ ،‬ول يبغضهما إل فاجر رديء ‪ ،‬صحبا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم على الصدق والوفاء يأمران وينهيان ‪ ،‬ويقضيان ويعاقبان فما يجاوزان‬
‫فيما يصنعان رأي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكان ل يرى مثل رأيهما رأياً ‪،‬‬
‫ول يحب كحبهما أحداً ‪ ،‬مضى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو عنهما راض ‪،‬‬
‫ومضيا والمؤمنين عنهما راضون ‪ ،‬أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم أبا بكر على‬
‫صلة المؤمنين فصلى بهم تلك اليام في حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما‬
‫قبض ال نبيه عليه السلم واختار له ما عنده ‪ ،‬مضى مفقودا صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وله المؤمنين ذلك ‪ ،‬وفوضوا إليه الزكاة لنهما مقرونتان ‪ ،‬ثم أعطوه البيعة طائعين‬
‫غير مكرهين ‪ ،‬أنا أول من سن له ذلك من بني عبد المطلب وهو لذلك كاره ‪ ،‬يود لو‬
‫أن بعضنا كفاه ‪ ،‬فكان وال خير من بقي رأفة ‪ ،‬وأرحمه رحمة ‪ ،‬وأيبسه ورع ًا ‪،‬‬
‫وأقدمه سلماً وإسلما ‪ ،‬شبهه رسول ال صلى ال عليه وسلم بميكائيل رأفة ورحمة‬
‫‪ ،‬وبإبراهيم عفواً ووقارا ‪ ،‬فسار فينا سيرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حتى‬
‫قبضه ال على ذلك ‪ ،‬ثم ولى المر بعده عمر ‪ ،‬واستأمر في ذلك المسلمين ‪ ،‬فمنهم‬
‫من رضي منهم ومنهم من كره ‪ ،‬فلم يفارق الدنيا حتى رضي به من كان كرهه ‪،‬‬
‫وأقام المر على منهاج النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يتبع أثرهما كاتباع الفصيل أثر‬
‫أمه ‪ ،‬وكان وال رفيقاً رحيماً لضعفاء المسلمين ‪ ،‬وبالمؤمنين عوناً وناصراً على‬
‫الظالمين ‪ ،‬ل تأخذه في ال لومة لئم ‪ ،‬ضرب ال بالحق على لسانه ‪ ،‬وجعل الصدق‬
‫من شانه ‪ ،‬حتى إن كنا لنظن أن ملك ًا ينطق على لسانه ‪ ،‬أعز ال بإسلمه السلم‬
‫وجعل هجرته للدين قواماً ‪ ،‬ألقى ال له في قلوب المؤمنين المحبة وفي قلوب‬
‫المشركين المنافقين الرهبة ‪ ،‬شبهه رسول ال صلى ال عليه وسلم بجبريل فظاً‬
‫غليظ ًا على العداء ‪ ،‬وبنوح حنقاً مغتاضاً على الكفار ‪ ،‬والضراء على طاعة ال آثر‬
‫عنده من السراء على معصية ال فمن لكم بمثلهما ـ رحمة ال عليهما ـ ورزقنا‬
‫المضي على سبيلهما ‪ ،‬فإنه ل يبلغ مبلغهما إل بالحب لهما ن واتباع آثارهما ‪ ،‬فمن‬
‫أحبني فليحبهما ن ومن لم يحبهما فقد أبغضني وأنا منه بريء ‪ ،‬ولو كنت تقدمت‬
‫إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا اشد العقوبة ‪ ،‬فمن أوتيت به بعد هذا اليوم فإن‬
‫عليه ما على المفتري ‪ ،‬أل وخير هذه المة بعد نبيها أبو بكر وعمر ‪ ،‬ثم ال أعلم‬

‫‪44‬‬
‫بالخير أين هو ‪ ،‬أقول قولي هذا وأستغفر ال لي ولكم ‪." 1‬‬
‫وأورد هذه الخطبة كثير من الشيعة والسنة ‪ ،‬ويؤيد ذلك ما ذكره النوبختي‬
‫الشيعي من همه البطش بمن يتكلم في أبي بكر وعمر كما مر ‪.‬‬
‫فكتم السبئيون أمرهم وبدأوا يعملون في السر والخفاء وتقنعوا بقناع التقية ‪" 2‬‬
‫وهكذا حاول واستطاع علي ـ رضي ال عنه ـ الحفاظ على شيعته ‪ ،‬وحال‬
‫بينهم وبين العقائد اليهودية المجوسية ولكنه لم يكد يقضي عليه ويستشهد بيد ابن‬
‫ملجم المرادي الخارجي حتى ظهرت السبئية بكل قوة ‪ ،‬وعبد ال بن سبأ بكل‬
‫صراحة ‪ ،‬حتى قال لمن نعاه بشهادته ‪:‬‬
‫كذبت عدو ال لو جئتنا ـ وال ـ بدماغه في صرة فأقمت على قتله سبعين‬
‫عدلً ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل وأنه ل يموت حتى يسوق العرب‬
‫بعصاه ويملك الرض ‪ ،‬ثم مضوا من يومهم حتى أناخوا بباب علي ‪ ،‬فاستأذنوه عليه‬
‫استئذان الواثق بحياته الطامع في الوصول إليه ‪ ،‬فقال لهم من حضره من أهله‬
‫وأصحابه وولده ‪ :‬سبحان ال ‪ ،‬ما علمتم أن أمير المؤمنين قد استشهد ؟ قالوا ‪ :‬إنا‬
‫نعلم أنه لم يقتل ول يموت حتى يسوق العرب بسيفه وسوطه كما قادهم بحجته‬
‫وبرهانه ‪ ،‬وإنه ليسمع النجوى ويعرف تحت الدثار الثقيل ويلمع في ظلم كما يلمع‬
‫السيف الصقيل الحسام‪." 3‬‬
‫وادعت هذه الفئة الخبيثة وهذه الفرقة المارقة عن الدين وعلى رأسهم عبد‬
‫ال بن سبأ أن علي بن أبي طالب ـ رضي ال عنه ـ هو الذي لقنهم هذه التعاليم ‪،‬‬
‫وهم لم يتلقوا هذه الفكار إل منه كما أشار إلى ذلك الكثيرون من المؤرخين وأئمة‬
‫الرجال والفرق ‪ .‬ويؤيد ذلك ما ذكره النوبختي أن عبد ال بن سبأ كان يقول في حياة‬
‫علي ـ رضي ال عنه ـ أن علياً هو الذي أمره باللعن والطعن على أبي بكر وعمر ـ‬
‫رضي ال عنهما‪.4‬‬
‫فانخدع به كثير من الشيعة ومالوا إليه وإلى أقواله والعقائد التي اخترعها‬
‫واختلقها ‪ ،‬وبذلك تطور التشيع الول وتغيرت الشيعة الولى ‪ ،‬فصار التشيع مذهباً‬
‫ديني ًا بعد أن كان سياسياً محض ًا ‪ ،‬وصارت الشيعة حزب ًا دينيا بعد أن كانوا حزباً‬
‫سياسياً خالص ًا ‪.‬‬
‫ولقد قال بهذا القول المستشرق اللماني "ولهوزن" أيض ًا حيث يذكر الشيعة‬
‫الولى بأنهم تمكنوا أولً في العراق ‪.‬‬
‫‪ - 1‬تثبيت دلئل النبوة للهمذاني ج ‪ 2‬ص ‪ 548 – 546‬ط بيروت ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ولعل عقيدة التقية أيضاً انتقلت إلى الشيعة من هؤلء الناس لنهم أول من استعملها خوفاً من عقوبة علي ـ‬
‫رضي ال عنه ـ ومطاردته ‪.‬‬
‫‪ - 3‬المقالت والفرق لسعد بن عبد ال الشيعي القمي ‪ ،‬تثبت دلئل النبوة ج ‪ 2‬ص ‪. 549‬‬
‫‪ - 4‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪.44‬‬

‫‪45‬‬
‫ولم يكونوا في الصل فرقة دينية ‪ ،‬بل تعبيراً عن الرأي السياسي في هذا‬
‫القليم كله ‪ .‬فكان جميع سكان العراق ‪ ،‬خصوصاً أهل الكوفة ‪ ،‬خصوصاً القبائل‬
‫ورؤساء القبائل ‪ ،‬ول يلحظ بينهم إل درجات في التشيع ‪ .‬لقد كان علي في نظرهم‬
‫رمزًا لسيادة بلدهم المفقود ‪ .‬ومن هنا نشأ تمجيد شخصه وآل بيته ‪ ،‬تمجيداً لم يرتح‬
‫له أثناء حياته ‪ ،‬على أنه ما لبث أن تكونت في أحضان مذهب سري عبادة حقيقية‬
‫لشخصه ‪." 1‬‬
‫وهذا هو القول الحق لن علياً ـ رضي ال عنه ـ لم ينقل في الصحيح عنه أنه‬
‫كان يعد نفسه أو أهل بيته مختلفين عن أبي بكر وعمر وعثمان ‪ ،‬بل كان يفضلهم‬
‫عليه وعلى أولده ‪ ،‬وكان ينتهج منهجهم ويسلك سبيلهم ‪ ،‬وكان يعد خلفته امتداداً‬
‫لخلفتهم كما ذكر ذلك في خطبته المشهورة المنقولة عنه أنه قال مخاطباً معاوية في‬
‫كتاب له إليه ‪:‬‬
‫إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ‪،‬‬
‫فلم يكن للشاهد أن يختار والغائب أن يرد ‪ ،‬وإنما الشورى للمهاجرين والنصار ‪،‬‬
‫فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك ل رضى ‪ ،‬فإن خرج عن أمرهم خارج‬
‫بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه ‪ ،‬فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل‬
‫المؤمنين ووله ال ما تولى ‪.‬‬
‫ولعمري ‪ ،‬يا معاوية ‪ ،‬لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان‬
‫‪ ،‬ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إل أن تتجنى فتجن ما بدا لك ‪ .‬والسلم ‪." 2‬‬
‫وعلى ذلك قال ولهوزن ‪:‬‬
‫كان القدماء من أنصار علي يعدونه في مرتبة مساوية لسائر الخلفاء‬
‫الراشدين ‪ .‬فكان يسلك مع أبي بكر وعمر وكذلك مع عثمان ـ طالما كان عادلً في‬
‫خلفته ـ في سلك واحد ‪ ،‬وكان يوضع في مقابل المويين المغتصبين للخلفة بوصفه‬
‫استمراراً للخلفة الشرعية ‪ .‬وحقه في الخلفة ناشئ عن أنه كان من أفاضل‬
‫الصحابة وأنهم وضعوه في القمة وتلقى البيعة من أهل المدينة ‪ ،‬ولم ينشأ هذا الحق‬
‫ـ أو على القل لم ينشأ مباشرة ـ عن كونه من آل بيت الرسول ‪."3‬‬
‫وهذه الحقيقة الثابتة الناصعة ل ينكرها إل لجاهل أو المتجاهل المكابر المعاند ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الخوارج والشيعة ص ‪.. 113‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬نهج البلغة ص ‪. 367– 366‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الخوارج والشيعة ص ‪171‬‬

‫‪46‬‬
‫ثم ولم يجد التشيع هذا والسبئيون طريق ًا للتقدم أمامهم إل لضعف الحسين بن‬
‫علي ـ رضي ال عنه ـ في لم المور وجمعها أو السيطرة الكاملة على جماعة أبيه ‪،‬‬
‫والمؤامرات الكامنة وراء الستار من قبل اليهودية وانظمام المجوسية ‪ ،‬إليها‬
‫لندحارها أمام زحف السلم والجيوش السلمية الظافرة المنصورة ‪ ،‬وتكالب‬
‫الموالي الفرس ضد العرب المسلمين الهازمين قوتهم وشوكتهم ‪ ،‬والمدمرين‬
‫حضارتهم ‪ ،‬وأيضاً تكاتف المنتفعين الخرين ومن أبناء المم المدحورة الخرى‬
‫الذين كانوا يتحينون الفرص المواتية للنتفاضة ضد الفاتحين والحكام الباعثين‬
‫البعوث ‪ ،‬والمرسلين العساكر ‪ ،‬والمجندين الجنود للقضاء على بقيتهم الباقية وعلى‬
‫الوثنيات والشركيات ‪ ،‬وظلم الظلمة وغلبة الطغاة المستبدين ‪.‬‬
‫فلم يجد الحسن ـ رضي ال عنه وعن أبيه ـ قوة كافية لردع هؤلء والحيلولة‬
‫بينهم وبين تسرب أفكارهم إلى شيعته وشيعة أبيه المخلصين ‪ ،‬خصوصا بعدما‬
‫تسرب في قلوب شيعته الوهن والضعف ‪ ،‬وازداد جبنهم وتخاذلهم ‪ ،‬فكثر الكذب‬
‫باسم أهل البيت ‪ ،‬وفشت العقائد المدسوسة كما أقر بذلك الشيعي المشهور السيد‬
‫محسن المين في موسوعته نقلً عن واحد من أئمته أنه قال ‪:‬‬
‫" قال السيد علي خان في كتاب الدرجات الرفيعة في طبقات المامية من‬
‫الشيعة ‪ :‬روى عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ـ عليهما السلم ـ أنه قال لبعض‬
‫أصحابه ‪ :‬يا فلن ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا وما لقي شيعتنا‬
‫ومحبونا من الناس أن رسول ال (ص) قبض وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس ‪،‬‬
‫فمالت علينا قريش حتى أخرجت قريش المر عن معدنه واحتجت على النصار‬
‫بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت فنكثت بيعتنا ونصبت‬
‫الحرب لنا ولم يزل صاحب المر في صعود كؤود حتى قتل ‪ ،‬فبويع الحسن ابنه‬
‫وعوهد ثم غدر به وأسلم ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه وانتهب‬
‫عسكره وعوجلت خلخل أمهات أولده ‪ ،‬فوادع معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته‬
‫وهم وقليل حق قليل ‪ ،‬ثم بايع الحسين أهل العراق عشرون ألفاً غدروا به وخرجوا‬
‫عليه وبيعته في أعناقهم فقتلوه ن ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام ونقصى‬
‫ونمتهن ونحرم ‪ ،‬نقتل ونخاف ول نأمن على دمائنا ودماء أولياءنا ‪ ،‬ووجد الكذابون‬
‫الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء في كل‬
‫بلدة ‪ ،‬فحدثوهم بالحاديث الموضوعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله‬
‫ليبغضونا إلى الناس‪."1‬‬

‫‪ -1‬أعيان الشيعة ج ‪ 1‬ص ‪. 34‬‬

‫‪47‬‬
‫فكذب الكذابون ووضعوا أقوا ًل وروايات مختلقة ومخترعة لترويج باطلهم‬
‫ونشر ضللتهم ‪ ،‬وعليّ وأولده الطيبون منها براء ‪ ،‬وعلى رأس الوضاعين‬
‫الدجالين والسعاة السبئيون وقائدهم عبد ال بن سبأ ‪ ،‬فنجح ونجحوا أيما نجاح حيث‬
‫استطاعوا وبعد مدة طويلة وحوادث عديدة أن يفتنوا كثيراً من الناس وأن يخدعوهم‬
‫ويخرجوهم عن السلم الصحيح الصريح ‪ ،‬عن دين ال إلى المذهب الجنبي الغريب‬
‫‪ ،‬أن يخرجوهم عن العقائد السلمية الساذجة البسيطة ‪ ،‬الخالية من شوائب الشرك‬
‫والوثنية ‪ ،‬وعن وحدانية ال عز وجل ‪ ،‬وعن الحرية والجهاد والديمقراطية! والعدل‬
‫وعن كرامة النسان بعدم التفريق بينه وبين الخر في الحسب والنسب والجاه‬
‫والحكومة والرئاسة ‪ ،‬نعم أخرجهم عن هذا كله وألزمهم العقائد الفلسفية الكلمية‬
‫المعقدة المأخوذة عن التفلسف اليهودي والوثنية المجوسية والغوامض المسيحية ‪،‬‬
‫وإلى الشراك بال والعبودية والستغلل والتفرقة بين بني آدم بالحسب والنسب‬
‫والجاه والحكم والرئاسة ‪ ،‬وأن شخصاً أفضل لنه ولد في بيئة فلنية ‪ ،‬وليس له‬
‫شرف سواه ‪ ،‬وأن فلناً أرذل لنه لم يولد في تلك السرة الرستقراطية ولو حاز‬
‫جميع أوصاف الشرف والمكرمة وغير ذلك من السخافات والترهات ‪ ،‬فصار‬
‫السبئيون أصلً لكل فرقة خرجت عن الشيعة ‪ ،‬وصارت أفكار ابن السوداء عقائد‬
‫لجميع تلك الفرق ‪ ،‬فافترقوا حسب اختلفهم بالخذ عنهم وعنها ‪ ،‬فمن أخذها‬
‫بحذافيرها سمي بذلك ومن أخذ بعضها وترك بعضاً منها سمي بأولئك ‪ ،‬ومن أخذ‬
‫الكثر وترك القليل سمي بهذا السم ‪ ،‬وهكذا ولكنها ول واحدة منها سلكت مسلكاً‬
‫غير مسلكهم ‪ ،‬ول انتهجت غير منهجهم ‪ ،‬ول مشت غير ممشاهم ‪ ،‬وسوف ترى كل‬
‫ذلك بعينيك وتشاهدها بنفسك بكتب موثوقة معتمدة وبالدلة والبراهين كما سنبينه‬
‫في باب الفرق في الباب المستقل من هذا الكتاب حول فرق الشيعة ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫وعلى ذلك قال الحكيم الدهلوي عند بحثه عن فرق الشيعة وبعد ذكر الصحابة‬
‫‪ .‬وهذه الفرقة هم رؤساء الروافض وأسلفهم ومسلمو الثبوت عندهم فإنهم وضعوا‬
‫بناء دينهم وأيمانهم في تلك الطبقة على رواية هؤلء الفساق المنافقين‬
‫ومنقولتهم ‪ ،‬فلذا كثرت روايات هذه الفرقة عن المير ـ كرم ال تعالى وجهه ـ‬
‫بواسطة هؤلء الرجال ‪ .‬وقد ذكر المؤرخون سبب دخول أولئك المنافقين في هذا‬
‫الباب ‪ ،‬وقالوا إنهم قبل وقوع التحكيم كانوا مغلوبين لكثرة الشيعة الولى في عسكر‬
‫المير وتغلبهم ولما وقع التحكيم وحصل اليأس من انتظام أمور الخلفة وكادت المدة‬
‫المعينة للخلفة تتم وتنقرض وتخلفها نوبة العضوض رجع الشيعة الولى من دومة‬
‫الجندل التي كانت محل التحكيم إلى أوطانهم لحصول اليأس من نصرة الدين‬
‫وشرعوا بتأييده بترويج أحكام الشريعة والرشاد ورواية الحاديث وتفسير القرآن‬
‫المجيد كما أن المير ـ كرم ال تعالى وجهه ـ دخل الكوفة واشتغل بمثل هذه المور ‪،‬‬
‫ولم يبق في ركاب المير إذ ذاك من الشيعة الولى إل القليل ممن كانت له دار في‬
‫الكوفة فلما رأت هاتيك الفرقة الضالة المجال في إظهار ضللتهم أظهروا ما كانوا‬
‫يخفونه من إساءة الدب في حق المير وسب أصحابه وأتباعه الحياء منهم‬
‫والموات ‪ ،‬ومع هذا كان لهم طمع في المناصب أيضاً لن العراق وخراسان وفارس‬
‫والبلد الخر الواقعة في تلك الطراف كانت باقية بعد في تصرف المير وحكومته ‪،‬‬
‫والمير ـ كرم ال تعالى وجهه ـ عاملهم كما عاملوه كما وقع ذلك لموسى عليه‬
‫السلم مع اليهود ولنبينا محمد عليه الصلة والسلم مع المنافقين‪."1‬‬
‫وقد أقر بذلك النوبختي حيث كتب ‪:‬‬
‫" فلما قتل علي ـ عليه السلم افترقت [ الناس ] التي تثبت على إمامته‬
‫فصاروا فرقاً ثلثا ‪ :‬فرقة منهم قالت إن علي ًا لم يقتل ولم يمت ول يقتل ول يموت‬
‫حتى يسوق العرب بعصاه ويمل الرض عدلً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجورًا ‪ ،‬وهي‬
‫أول فرقة قالت في السلم بالوقف بعد النبي صلى ال عليه وآله من هذه المة ‪،‬‬
‫وأول من قال بالغلو ‪ ،‬وهذه الفرقة تسمى السبئية أصحاب عبد ال بن سبأ ‪ ،‬وكان‬
‫ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال ‪ :‬إن علياً‬
‫ـ عليه السلم ـ أمره بذلك ‪ ،‬فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به ‪ ،‬فأمر بقتله‬
‫فصاح الناس إليه يا أمير المؤمنين أتقتل رجلً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى‬
‫وليتك والبراءة من أعدائك فصيره إلى المدائن ‪ ،‬وحكى جماعة من أهل العلم من‬
‫أصحاب علي ـ عليه السلم ـ أن عبد ال بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً ـ‬
‫عليه السلم ـ وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه‬
‫السلم بهذه المقالة ‪ ،‬فقال في إسلمه بعد وفاة النبي صلى ال عليه وآله في علي ـ‬
‫عليه السلم ـ بمثل ذلك ‪ ،‬وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي ـ عليه السلم‬
‫ـ وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه ‪ ،‬فمن هناك قال من خالف الشيعة أن‬
‫أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ولما بلغ عبد ال بن سبأ نعي علي بالمدائن قال‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬مختصر التحفة الثني عشرية ص ‪. 58 -56‬‬

‫‪49‬‬
‫للذي نعاه ‪ :‬كذبت ‪ ،‬لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلً‬
‫لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ‪ ،‬ول يموت حتى يملك الرض‪." 2‬‬
‫ومثل ذلك ذكره الكشي وغيره ممن تقدم ذكرهم ‪.‬‬
‫وقصداً أعدنا هذه العبارة لما لها من علقة مباشرة بالموضوع ‪ ،‬ولما لها أهمية‬
‫كبيرة في فهم التشيع والشيعة ‪ ،‬ولنعيد إلى ذهن القارئ ما لعله قد غاب عنه ‪.‬‬
‫فكان هذا أول حدث عقائدي في التشيع وتغيير جذري غير منهج الشيعة في‬
‫الفكر والرأي عبر القرون ‪ ،‬ومن هنا بدأت تتزعم اليهودية وتترأس أفكار التشيع‬
‫والشيعة كما أقر بذلك النوبختي وبعده الكشي وقبله سعد القمي وغيرهم الكثيرون ‪،‬‬
‫الكثيرون ‪ ،‬وإليه ذهب كل من حقق ودقق وغربل التاريخ من المسلمين وغير‬
‫المسلمين من المؤرخين والرجاليين وأصحاب المقالت في الفرق والعقائد من السنة‬
‫والشيعة والمستشرقين من اليهود والنصارى وغيرهم فيقول ولهوزن وهو يذكر‬
‫السبئية ‪:‬‬
‫ومنشأ السبئية يرجع إلى زمان علي والحسن وتنسب إلى عبد ال بن سبأ ‪.‬‬
‫وكما يتضح من اسمه الغريب ‪ ،‬فإنه أيضاً يمنياً ‪ ،‬والواقع أنه من العاصمة صنعاء ‪.‬‬
‫ويقال أيضاً أنه كان يهودي ًا ‪ .‬وهذا يقود إلى القول بأصل يهودي لفرقة السبئية ‪.‬‬
‫والمسلمون يطلقون ( اليهودي ) على ما ليس في الواقع كذلك ‪ .‬بيد أنه يلوح أن‬
‫مذهب الشيعة ‪ ،‬الذي ينسب إلى عبد ال بن سبأ أنه مؤسسه ‪ ،‬إنما يرجع إلى اليهود‬
‫أقرب من أن يرجع إلى اليرانيين ‪." 3‬‬
‫وسوف نتكلم عن السبئية وعقائدها التي سلحهم بها اليهود وغيرهم في باب‬
‫آخر حيث نضطر إلى إعادة القول عن السبئية هناك ‪ ،‬وقبل أن نأتي إلى آخر القول‬
‫نريد أن نذكر هاهنا أن جماعة من الشيعة الولى ل زالوا على عقائدهم الصلية‬
‫والتي ليس بينهما وبين عقائد المسلمين الولين أي فرق إلى أن حصلت التغييرات‬
‫الخرى وعلى رأس هؤلء كان أولد علي ـ رضي ال عنه ـ من الحسن والحسين‬
‫ومحمد وأبي بكر وعمر وعثمان والعباس وغيرهم من أبناء عليّ وبقية الهاشميين‬
‫‪.‬من أبناء العباس وعقيل وجعفر وطالب وغيرهم من أبناء عمومة الحسنين وأبناء‬
‫أعمام أبيهم ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪.44-43‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الخوارج والشيعة ص ‪. 171-170‬‬

‫‪50‬‬
‫وهذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الباب ‪ ،‬ومن ثم ننتقل إلى باب آخر ‪ .‬و هو‬
‫يشتمل على التهم الباطلة واليرادات الواهية والمطاعن المختلفة التي اخترعها‬
‫السبئيون للقضاء على دولة السلم وأميرها خليفة المسلمين عثمان بن عفان ـ‬
‫رضي ال عنه ـ لنه خلف بعد الشيعة الولى خلف تبنوا هذه الفكار وتركوا سبيل‬
‫عليّ وأهل بيته ‪ ،‬فسلطوا ألسنتهم وأقلمهم تبعاً لسلفهم غير الصالح على ذلك المام‬
‫المظلوم الذي قتل ظلماً وبغياً وجوراً ‪ ،‬كما أن له علقة بالموضوع حيث إن قتلته أو‬
‫من ساعد قاتليه على قتله هم الذين أيدوا السبئية ‪ ،‬ومنهم تكونت وبآرائهم اعتنقوا‬
‫وبأفكارهم تضللوا وانحرفوا عن جادة الحق والهدى ‪ ،‬والضغائن ‪ ،‬وثبت التفرقة‬
‫والنشقاق ‪ ،‬وتثير اللم وتقشر الجراحات وتحيي الوجاع ‪ ،‬وبهذا نمشي أيضاً مع‬
‫مجرى التاريخ وثمراته ونتائجه وبال التوفيق ونسأله العدل في القول ‪ ،‬والصابة‬
‫في الحق ‪ ،‬وهو لي القبول ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫الباب الثالث‬
‫الشيعة ومطاعنهم على ذي النورين رضي الله‬
‫عنه‬
‫والسبأية وفتنهم أيامه‬
‫قبل أن نتكلم في هذا الموضوع نريد أن نكشف الحجاب عن بعض الحقائق‬
‫الواقعة التي طالما خفيت على كثير من الناس وحتى على الخاصة منهم ‪ .‬ومنها أن‬
‫الشيعة عامة جعلوا الكذب شعار لهم وأصبغوا عليه صبغة دينية باسم التقية حيث‬
‫قالوا ‪:‬‬
‫ل إيمان لمن ل تقية له‪."1‬‬
‫ونسبوا هذه الرواية إلى محمد الباقر زوراً وبهتان ًا ‪.‬‬
‫حتى اشتكى منهم ومن أكاذيبهم الكثيرة والجريئة ‪ ،‬عليُ وأهل بيته الذين‬
‫يعدونهم أئمة لهم ‪ ،‬اشتكوا منهم كثيرا لهذا ‪ ،‬فقد ذكر الكشي كبيرهم في الرجال عن‬
‫ابن سنان ‪:‬‬
‫قال أبو عبد ال (ع) إنا أهل بيت صادقون ل نخلو من كذاب يكذب علينا ‪،‬‬
‫فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ‪ .‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أصدق‬
‫البرية لهجة وكان مسيلمة يكذب عليه ‪ ،‬وكان أمير المؤمنين (ع) أصدق من برأ ال‬
‫من بعد رسول ال وكان الذي يكذب عليه عبدال بن سبأ لعنه ال ‪ ،‬وكان أبو عبد‬
‫ال الحسين بن علي (ع) قد ابتلي بالمختار ‪ .‬ثم ذكر أبو عبد ال الحارث الشامي‬
‫ي بن الحسين (ع) ‪ ،‬ثم ذكر المغيرة بن سعيد‬
‫وبنان ‪ ،‬فقال ‪ :‬كانا يكذبان على عل ّ‬
‫وبزيغا والسري وأبا الخطاب ومعمراً وبشار الشعري وحمزة اليزيدي وصائد‬
‫النهدي فقال ‪ :‬لعنهم ال ‪ ،‬إنا ل نخلو من كذاب يكذب علينا ‪ ،‬كفانا ال مؤنة كل‬
‫كذاب وأذاقهم ال حر الحديد ‪." 2‬‬

‫‪ - 1‬الكافي في الصول باب التقية ج ‪ 2‬ص ‪ 19‬ط إيران ‪.‬‬


‫‪ - 2‬رجال الكشي ص ‪. 258 ، 257‬‬

‫‪52‬‬
‫ثانياً ‪ :‬أن أكثر الرواة الذين ذكروا تلك التهم والمطاعن التي جرت إلى قتل‬
‫عثمان أمير المؤمنين ‪ ،‬وفتح باب الفتنة بين المسلمين هم من الشيعة ‪ ،‬وقد كبروا‬
‫الصغير وفخموا الحقير ونفخوا في الكير ‪ ،‬وعنهم نقل المؤرخون كل ما هب ودب‬
‫بدون تنقية وتحقيق وبدون نقد وتدقيق ‪ ،‬ولم يميزوا الصدق من التلفيق والباطل من‬
‫الحق والغث من السمين ‪ ،‬وأدرج المؤرخون والنقلة منهم كل ما اخترعوها‬
‫واختلقوها دعاية لباطلهم وتأييداً لمذهبهم وتصديقاً لهدافهم وأغراضهم ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬ولم ينقلوا هذه الوقائع عمن شاهدوها ‪ ،‬بل كان سمع ًا ‪ ،‬على سمع‬
‫وكذباً على كذب ‪ ،‬وباطلً على باطل ‪ .‬وكثيرا ما يروي الراوي الحادثة والواقعة‬
‫وبينه وبينها بعد عشرات السنين كما سنبين ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬الرواة مع كذبهم ودجلهم وكونهم دعاة إلى مذهبهم هم طرف في تلك‬
‫الوقائع والحوادث حيث يتبعون تلك الشلة والطائفة التي نفخت في الرماد وسعرت‬
‫نار الفتنة ‪ ،‬فهم على شاكلتهم يعملون نفس العمل ويسعون بنفس الفساد بالقلم‬
‫واللسان ‪ ،‬الذي سعى به أسلفهم بالجسد والروح ‪ .‬فعلى ذلك يجب التحرز على كل‬
‫منصف يريد أن يعرف الحقائق عن قبول رواياتهم ومروياتهم‪ ،‬مغمضا العينين ‪،‬‬
‫معرضا عن الشكوك والشبهات‪ .‬فيحتاط في كل رواية لتؤيده رواية أخرى من‬
‫الثقات المعتمدين غير المنحازين الى طرف في الموضوع‪.‬‬
‫ولذلك ليلفت الى ماتفرد به أبومخنف والواقدي والكلبيان للستنباط والستنتاج‬
‫والحكم ‪.‬‬
‫ومن سوء الحظ أن هؤلء هم العمدة للرواية عن هذه الوقائع والوقيعة في‬
‫أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وسادة هذه المة وقادتها ‪ ،‬وهم خلف لسلفهم‬
‫الذين كانوا قادة البغاة والطغاة وعملء اليهودية العالمية التي كانوا يعتقدونها ‪،‬‬
‫وحاملين نفس الفكار التي كانوا مسومين بها ‪ ،‬سالكين نفس السلوب الذي عرف‬
‫في الزمن الخير بأسلوب "جوئبلز" ‪:‬‬
‫أكثر الكذب قدر ما تستطيع حتى تظنه صدقاً بدون خجل ول وجل ول حياء ‪،‬‬
‫فما أكثر ما كذبوا وما أشنعه ‪ ،‬وما أجراءهم على ذلك ‪ .‬ونحن تعودنا أن ل نتكلم إل‬
‫مستندين إلى الحقائق [ متثبتين ] بالدلة الناصعة والبراهين القاطعة ‪ ،‬ول نتفوه‬
‫بالظن والتخمين [ بل ] بالوثائق الموثوقة والمصادر المعتمدة ‪ .‬وهاهي الوثائق ‪:‬‬
‫أبو مخنف ‪ :‬فقد ذكره محسن المين في كتابه ( أعيان الشيعة ) تحت عنوان‬
‫مؤلفي الشيعة في السير والتاريخ والمغازي ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫أبو مخنف لوط بن يحيى الزدي الغامدي ‪ .‬قال النجاشي ‪ :‬من أصحاب‬
‫الخبار بالكوفة ووجههم وصنف كتباً كثيرة منها ‪ :‬فتوح الشام ‪ ،‬العراق ‪ ،‬خراسان ‪،‬‬
‫الجمل ‪ ،‬صفين ‪ ،‬النهر ‪ ،‬الغارات ‪ ،‬مقتل الحسين (ع) وغيرها ‪ ،‬وقال ابن النديم في‬
‫الفهرست ‪ :‬قرأت بخط أحمد بن الحارث الخزاز قالت العلماء ‪ :‬أبو مخنف بأمر‬
‫العراق وأخبارها وفتوحها يزيد على غيره ‪ ،‬والمدائني بأمر خراسان والهند وفارس‬
‫والواقدي بالحجاز والسيرة ‪ .‬وقد اشتركوا في فتوح الشام واثنان من الثلثة شيعة ‪:‬‬
‫أبو مخنف ‪ ،‬والواقدي ‪." 1‬‬
‫ولقد ذكره النجاشي كما عرفت في مصنفي الشيعة ‪ ،‬وزاد على كتبه التي‬
‫ذكرها المحسن ‪ :‬كتاب السقيفة ‪ ،‬وكتاب الشورى ‪ ،‬وكتاب قتل عثمان ‪ ،‬وكتاب‬
‫الحكمين ‪ ،‬ومقتل أمير المؤمنين ‪ ،‬وقتل الحسين ‪ ،‬ومقتل الحسين حجر بن عدي ‪،‬‬
‫وأخبار المختار ‪ ،‬وأخبار الزيات ‪ ،‬وأخبار محمد بن أبي بكر ‪ ،‬ومقتل محمد ـ وغيره‬
‫من الكتب ـ كما ذكر أنه شيخ أصحاب الخبار بالكوفة ووجههم ‪ ،‬وكان يسكن إلى ما‬
‫يرويه ‪ ،‬روى عن جعفر بن محمد عليهما السلم ‪." 1‬‬
‫وذكر الطوسي أن أباه كان من أصحاب عليّ كما ذكره في رجاله وقد ذكره‬
‫الحلي في الثقات ‪ ،‬أبوه كان من أصحاب الباقر وهو من أصحاب جعفر‪."2‬‬
‫وقد ذكره القمي في كتابه فقال ‪:‬‬
‫لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الزدي شيخ أصحاب الخبار‬
‫الكوفة ووجههم كما جش ‪ ،‬وتوفي سنة ‪ 157‬هـ يروى عن الصادق (ع) ويروى‬
‫عنه هشام بن الكلبي وجده مخنف بن سليم صحابي شهد الجمل في أصحاب علي‬
‫(ع) حاملً راية الزد ‪ ،‬فاستشهد في تلك الوقعة سنة‬
‫‪ 36‬هـ ‪ ،‬وكان أبو مخنف من أعاظم مؤرخي الشيعة ومع اشتهار تشيعه اعتمد عليه‬
‫علماء السنة في النقل عنه كالطبري وابن الثير وغيرهما ‪ ،‬وليعلم أن لبي مخنف‬
‫كتباً كثيرة في التاريخ والسير ‪ ،‬منها كتاب مقتل الحسين (ع) الذي نقل منه أعاظم‬
‫العلماء المتقدمين ‪ ،‬واعتمدوا عليه‪." 3‬‬
‫هذا ما صرح به علماء الشيعة بتشيعه وتنبئ أسماء كتبه عن مغالته‬
‫وإغراقه في التشيع كما عددناها من النجاشي ‪.‬‬
‫وأما السنة فقد قالوا فيه كما نقل عنهم المام ابن حجر العسقلني ‪:‬‬
‫لوط بن يحيى أبو مخنف ‪ :‬إخباري تالف ‪ ،‬ل يوثق به ‪ ،‬تركه أبو حاتم وغيره ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أعيان الشيعة الجزء الول من القسم الثاني ص ‪. 127‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬فهرست أسماء مصنفي الشيعة للنجاشي ص ‪ 225 -224‬ط قم ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬انظر رجال الحلي ص ‪. 282‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الكنى واللقاب ج ‪ 1‬ص ‪. 149-148‬‬

‫‪54‬‬
‫وقال الدارقطني ‪ :‬ضعيف ‪ .‬وقال يحيى بن معين ‪ :‬ليس بثقة ‪ .‬وقال مرة ‪:‬‬
‫ليس بشيء ‪.‬‬
‫وقال ابن عدي ‪ ،‬شيعي محترق صاحب أخبارهم ـ قلت ‪ :‬روى عن الصعقي‬
‫بن زهير وجابر الجعفي و مجالد ‪ .‬روى عن ابن المدائني وعبدالرحمن بن مغراء ‪،‬‬
‫ومات قبل السبعين ومائة ـ وقال أبو عبيد الجري ‪ :‬سألت أبا حاتم عنه فنفض يده ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬أحد يسأل عن هذا ؟ ‪ .‬وذكره العقيلي في الضعفاء ‪."1‬‬
‫ومثل ذلك ذكر الذهبي في ميزانه‪. 2‬‬
‫كما ذكره الذهبي في ( المنتقى ) من منهاج السنة عن شيخ السلم ابن تيمية‬
‫تحت المعروفين بالكذب وعقب ذكره بقول الشهب بن عبد العزيز القيسي أنه قال ‪:‬‬
‫سئل مالك رضي ال عنه عن الرافضة ؟ فقال ‪ :‬ل تكلمهم ول ترو عنهم ‪،‬‬
‫فإنهم يكذبون ‪ ،‬وعن حرملة بن يحي أنه قال ‪ :‬سمعت الشافعي رضي ال عنه ـ‬
‫يقول ‪ :‬لم أر أحد أشهد بالزور من الرافضة ‪ ،‬وعن مؤمل بن إهاب الربعي أنه قال ‪:‬‬
‫سمعت يزيد بن هارون يقول ‪ :‬يكتب عن كل مبتدع ـ إذا لم يكن داعية ـ إل‬
‫الرافضة ‪ ،‬فإنهم يكذبون ‪ ،‬وعن محمد بن سعيد الصفهاني أنه قال ‪ :‬سمعت شريك‬
‫بن عبد ال النخعي يقول ‪ :‬أحمل العلم عن كل من لقيته إل الرافضة ‪ ،‬فإنهم يضعون‬
‫الحديث ويتخذونه حديثاً ‪ .‬وعن أبي معاوية أنه قال ‪ :‬سمعت العمش يقول ‪ :‬أدركت‬
‫الناس وما يسمونهم إل الكذابين ( يعني الروافض ) ثم قال نقلً عن شيخ السلم ‪:‬‬
‫ومن تأمل كتب الجرح والتعديل رأي المعروف عن مصنفيها بالكذب في‬
‫الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف ‪ .‬والرافضة يقرون بالكذب حيث يقولون‬
‫بالتقية‪."3‬‬
‫فتلك هي آراء أئمة الجرح والتعديل ومهرة الفن في نقد الرجال في أبي مخنف‬
‫‪ ،‬وهذه هي أقوال الئمة والحفاظ والمحدثين في العتماد عليهم ‪.‬‬
‫وخلصة ما ذكرنا أن أبا مخنف متفق على تشيعه عند الطرفين ‪ ،‬الشيعة‬
‫والسنة ‪ ،‬غير معتمد وموثوق فيه ‪ .‬وأما قول القمي ‪ :‬ومع اشتهار تشيعه اعتمد‬
‫عليه علماء النقل من السنة كالطبري ‪ ،‬فليس إل كذب عادة قومه وذويه ‪ ،‬لنه من‬
‫المعروف عند كل من قرأ الطبري ونظر فيه بأنه لم يشترط إدراج كل ما صح عنده‬
‫في تاريخه ولم يلتزم صحة ما نقل ‪ .‬وقد صرح في مقدمة كتابه حيث قال ‪:‬‬
‫فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه‬
‫أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ول معنى في الحقيقة‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬لسان الميزان ج ‪ 4‬ص ‪. 493 – 492‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬انظر لذلك ميزان العتدال للذهبي ج ‪ 2‬ص ‪. 360‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المنتقى من منهاج العتدال للذهبي ص ‪ 23 ، 22 ، 21‬ط المطبعة السلفية القاهرة ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا ‪ ،‬وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا ‪ ،‬وإنما‬
‫أدينا ذلك على نحو ما أدى علينا‪." 1‬‬
‫وأما ابن الثير فإنه صرح أيضاً في مقدمة كتابه أنه ناقل عن الطبري ومعتمد‬
‫عليه في نقله كما يقول ‪:‬‬
‫إني قد جمعت في كتابي هذا ما لم يجتمع في كتاب واحد ‪ ،‬ومن تأمله علم‬
‫صحة ذلك فابتدأت بالتاريخ الكبير الذي صنفه المام أبو جعفر الطبري إذ هو الكتاب‬
‫المعول عند الكافة عليه ‪ ،‬والمرجوع عند الختلف إليه ‪ ،‬فأخذت ما فيه من جميع‬
‫تراجمه لم أخل بترجمة واحدة منها ‪."2‬‬
‫فهذه هي حقيقة أبي مخنف والعتماد عليه من الطبري وابن الثير ‪.‬‬
‫وأما الواقدي فلقد قال فيه الحسن الشيعي ‪:‬‬
‫ومحمد بن عمر الواقدي ‪ ،‬قال ابن النديم ‪ :‬كان يتشيع ‪ ،‬حسن المذهب ‪ ،‬يلزم‬
‫التقية ‪ ،‬وهو الذي روى أن علياً عليه السلم كان من معجزات النبي (ص) كالعصا‬
‫لموسى (ص) وإحياء الموتى لعيسى بن مريم عليه السلم وغير ذلك من الخبار ‪.‬‬
‫عالماً بالمغازي والسير والفتوح والخبار خلف ‪ 600‬قمطر كتباً كل حمل رجلين‬
‫وقبل ذلك بيع له كتب بألفي دينار ‪ ،‬وكان له غلمان مملوكان يكتبان الليل والنهار‬
‫له التاريخ الكبير ‪ ،‬المغازي ‪ ،‬المبعث ‪ ،‬أخبار مكة ‪ ،‬فتوح الشام ‪ ،‬فتوح العراق ‪،‬‬
‫الجمل ‪ ،‬مقتل الحسين عليه السلم ‪ ،‬السيرة ‪ ،‬إلى غير ذلك من الكتب الكثيرة في‬
‫السير والتاريخ ‪." 3‬‬
‫وذكره القمي ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬تاريخ المم والملوك للطبري ج ‪ 1‬ص ‪ 5‬مقدمة الكتاب ط بيروت ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الكامل لبن الثير ج ‪ 4‬ص ‪ 5‬مقدمة ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أعيان الشيعة القسم الول الجزء الول ص ‪. 128‬‬

‫‪56‬‬
‫أبو عبد ال محمد بن عمر بن واقد المدني ‪ :‬كان إماماً عالماً ‪ ،‬له التصانيف‬
‫والمغازي وفتوح المصار ‪ ،‬وله كتاب الردة وغير ذلك ‪ ،‬كان من أقدم مؤرخي‬
‫السلم ‪ .‬وكتاب مغازيه له مقدمة وشروح باللغة النجليزية يروى عنه كتابه محمد‬
‫بن سعد وجماعة من العيان ‪ ...‬وكان الواقدي مع ما ذكرناه من سعة علمه وكثرة‬
‫حفظه ل يحفظ القرآن ‪ ،‬ثم روى عن المأمون أنه قال للواقدي ‪ :‬أريد أن تصلي‬
‫الجمعة غدا بالناس قال ‪ :‬فامتنع ‪ ،‬قال ‪ :‬ل بد من ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل وال يا أمير‬
‫المؤمنين ما أحفظ سورة الجمعة حتى يبلغ النصف منها ‪ ،‬فإذا حفظه ابتدأ بالنصف‬
‫الثاني ‪ ،‬فإذا حفظ النصف الثاني نسى الول فاتعب المأمون وتعس ‪ ،‬فقال لعلي بن‬
‫صالح ‪ :‬يا علي احفظه أنت ‪ ،‬فذكر أنه مثل المأمون لم يقدر على أن يحفظه ‪ ،‬فقال‬
‫المأمون ‪ :‬اذهب فصل بهم واقرأ أي سورة شئت ‪ ،‬وروى عن غسان قال ‪ :‬صليت‬
‫‪1‬‬
‫خلف الواقدي صلة الجمعة فقرأ ‪ :‬إن هذا لفي الصحف الولى صحف " عيسى "‬
‫وموسى ‪..‬كان يتشيع حسن المذهب يلزم التقية ‪ ،‬وهو الذي روى أن علياً (ع) كان‬
‫من معجزات النبي صلى ال عليه وآله وسلم كالعصا لموسى وإحياء الموتى لعيسى‬
‫بن مريم (ع) وغير ذلك من الخبار ‪." 2‬‬
‫وقد ذكره الخوانساري في كتابه‪ 3‬ولقبه بالمام العلم ‪.‬‬
‫هذا ما أقر به الشيعة بأنه شيعي سيء الذاكرة ‪ ،‬غير ضابط لم يكن القرآن يستقر في‬
‫ذاكرته وقلبه ‪.‬‬
‫وأما ما ذكره أئمة الرجال وجهابذة الجرح والتعديل من السنة فإليك بيانه ‪ ،‬قال ابن‬
‫حبان ‪ :‬كان يروي عن الثقات مقلوباً وعن الثبات معضلت ‪ ...‬وكان أحمد بن حنبل‬
‫يكذبه ‪ .....‬وكان يقول المديني ‪ :‬الواقدي يضع الحديث ‪." 4‬‬
‫وقال الذهبي ‪ :‬مجمع على تركه ‪ ،‬وقال النسائي ‪ :‬كان يضع الحديث‪."5‬‬
‫وأما ابن حجر فجمع أقوال العلماء فيه ‪ ،‬فذكر أن البخاري قال ‪ :‬الواقدي‬
‫مدني سكن بغداد ‪ ،‬متروك الحديث ‪ ،‬تركه أحمد وابن المبارك وابن نمير وإسماعيل‬
‫بن زكريا ‪ ،‬وقال معاوية بن صالح ‪ :‬قال لي أحمد بن حنبل ‪:‬‬
‫الواقدي كذاب ‪.‬‬

‫‪ - 1‬ول ندري كيف يعتقد القوم فيه المانة في التاريخ والخبار ونقل الحوادث والوقائع وهو الذي ل يستطيع‬
‫ضبط سورة قصيرة من القرآن ‪ ،‬فهل مثل هذا يعتمد عليه أن يضبط الوقائع والحوادث بالتاريخ والتفصيل ؟‪ .‬أولم‬
‫يكن يستطيع حفظ القرآن لنه لم يكن من القوم الذين يعتقدون فيه ؟ كما أثبتنا عقيدتهم في القرآن في كتابنا ( الشيعة‬
‫والسنة ) ومن أراد معرفة ذلك فليراجع‬
‫‪ - 2‬الكنى واللقاب ج ‪ 3‬ص ‪. 232 ، 231 ، 230‬‬
‫‪ - 3‬روضات الجنات ج ‪ 7‬ص ‪. 268‬‬
‫‪ - 4‬كتاب المجروحين لبن حبان ج ‪ 2‬ص ‪ 284‬ط دكن ‪.‬‬
‫‪ - 5‬المغني للذهبي ج ‪ 2‬ص ‪. 619‬‬

‫‪57‬‬
‫وقال لي يحيى بن معين ‪ :‬ضعيف ‪ .‬وقال مرة ليس بشيء ‪ ...‬قال ابن المديني‬
‫‪ :‬الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي ‪ ،‬وأرضاه في الحديث ‪ ...‬قال الشافعي‬
‫كتب الواقدي كلها كذب ‪.‬‬
‫وقال النسائي في ( الضعفاء ) ‪ :‬الكذابون المعروفون بالكذب على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أربعة ‪ :‬الواقدي في المدينة ‪ ،‬ومقاتل في الكوفة ‪ ،‬ومحمد بن‬
‫سعيد المصلوب بالشام ‪ ،‬وذكر الرابع ‪ ،‬وقال ابن عدي ‪ :‬أحاديثه غير موثوقة ‪.‬‬
‫قال ابن المديني ‪ :‬عندي عشرون ألف حديث ما لها أصل ‪ ،‬وإبراهيم بن يحيى‬
‫كذاب وهو عندي احسن حالً من الواقدي ‪.‬‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬ل أكتب حديثه ول أحدث عنه ‪ ،‬ما اشك أنه كان يفتعل الحديث‬
‫‪ .....‬وقال بندار ‪ :‬ما رأيت أكذب منه ‪.‬‬
‫وقال إسحاق بن راهويه ‪ :‬هو عندي ممن يضع ‪ .‬وحكى ابن العربي عن‬
‫الشافعي قال ‪ :‬كان بالمدينة سبعة رجال يضعون السانيد أحدهم الواقدي ‪ ،‬وقال أبو‬
‫زرعة وأبو بشر الدولبي والعقيلي ‪ :‬متروك الحديث ‪.‬‬
‫وقال أبو حاتم الرازي ‪ :‬وجدنا حديثه عن المدنيين عن شيوخ مجهولين‬
‫مناكير ‪ .....‬وحكى ابن الجوزي عن أبي حاتم أنه قال ‪ :‬كان يضع ‪ .‬ولقد حدث بعد‬
‫ذلك ابن حجر قصة تنبئ عن جرأته على الكذب والدجل ‪:‬‬
‫‪......‬حدثنا عمرو الناقد قال ‪ :‬قلت للواقدي ‪ :‬تحفظ عن الثوري عن ابن خيثم‬
‫عن عبد الرحمن بن نبهان عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أبي في لعن‬
‫ي ‪ ،‬فأمله علي بالمسند ‪ ،‬فقال‬
‫زوارات القبور ‪ ،‬فقال ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬فقلت أمله عل ّ‬
‫نا عبد الرحمن بن ثوبان فقلت ‪ :‬الحمد ل الذي أوقعك ‪ ،‬أنت تعرف أنساب الجن‬
‫ومثل هذا يخفى عليك ؟ قال الساجي ‪ :‬والحديث حديث قبيصة ما رواه عن سفيان‬
‫غيره ‪ ،‬وقال النووي ‪ :‬الواقدي ضعيف باتفاقهم ‪ ،‬وقال الذهبي في الميزان ‪ :‬استقر‬
‫الجماع على وهن الواقدي ‪ ،‬وتعقبه بعض مشايخنا بما ل يلقي كلمه ‪.‬‬
‫وقال الدارقطني ‪ :‬الضعف يتبين على حديثه ‪ ،‬وقال الجوزجاني ‪ :‬لم يكن‬
‫مقنع ًا ‪." 1‬‬
‫فهذا هو الواقدي ‪ ،‬وهذا هو شأنه عند العلماء العلم من السنة ‪ ،‬وهذا مع‬
‫تشيعه باعتراف الشيعة أنفسهم بأنه شيعي وليس شيعياً فحسب ‪ ،‬بل من الذين‬
‫يلزمون التقية أي الكذب بتعبير صحيح ‪.‬‬

‫‪ - 1‬تهذيب التهذيب للمام ابن حجر العسقلني ج ‪ 9‬ص ‪ 363‬إلى ‪ 368‬ملخصاً ومختصراً ومثله ذكر الذهبي في‬
‫ميزان العتدال ج ‪ 3‬ص ‪. 110‬‬

‫‪58‬‬
‫وأما محمد بن السائب وابنه هشام فلقد ذكرهما محسن المين في طبقات المؤرخين‬
‫من الشيعة ‪."1‬‬
‫كما ذكرهما ابن النديم الشيعي في فهرسته ‪.‬‬
‫وكما ذكر النجاشي هشام بن محمد بقوله ‪:‬‬
‫هشام بن محمد بن السائب بن بشير بن زيد بن عمرو بن الحارث بن عبد‬
‫الحارث بن عزى بن امرئ القيس عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف‬
‫بن كنانة بن عوف بن زيد اللت وقيده بن ثور بن كلب بن وبرة المنذر ‪ :‬الناسب‬
‫العالم باليام ‪ ،‬المشهور بالفضل والعلم ‪ ،‬وكان يختص بمذهبنا ‪ ،‬وله الحديث‬
‫المشهور ‪ ،‬وقال ‪ :‬اعتللت علة عظيمة نسيت علمي ‪ ،‬فجلست إلى جعفر بن محمد‬
‫عليه السلم فسقاني العلم في كأس فعاد إليّ علمي ‪ ،‬وكان أبو عبد ال عليه السلم‬
‫يقربه ويدينه ويبسطه ‪ ،‬وله كتب كثيرة منها ‪ :‬كتاب مثالب ثقيف ‪ ،‬كتاب مثالب بني‬
‫أمية ‪ ،‬كتب مقتل عثمان ‪ ،‬كتاب مقتل أمير المؤمنين ‪ ،‬كتاب حجر بن عدي ‪ ،‬كتاب‬
‫الحكمين ‪ ،‬كتاب مقتل الحسين عليه السلم ‪ ،‬كتاب أخبار محمد بن الحنفية‬
‫وغيرها‪."2‬‬
‫وكما ذكره أباه ابن داود الحلي في القسم الول من رجاله ‪ ،‬وذكر أنه من‬
‫أصحاب الباقر ‪."3‬‬
‫وذكر ابنه هشام و ذكر أنه كان يقربه جعفر ويدنيه‪."4‬‬
‫وعد شيخ الطائفة الطوسي محمد بن السائب في رجاله من أصحاب‬
‫الصادق‪."5‬‬
‫وأيضاً من أصحاب الباقر ‪."6‬‬
‫وكان غالياً في التشيع ‪ ،‬أخباره في الغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الغراق‪."7‬‬
‫ولقد ذكرهما عالم الشيعة في الرجال العباس القمي بقوله ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أعيان الشيعة ج ‪ 1‬ص ‪.128-127‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬رجال النجاشي ص ‪. 306 ، 305‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬رجال ابن داود الحلي ص ‪. 312‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬أيضاً ص ‪. 369-368‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬رجال الطوسي ص ‪289‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬أيضاً ص ‪.136‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬أعيان الشيعة ج ‪ 1‬ص ‪. 59‬‬

‫‪59‬‬
‫الكلبي النسابة ‪ ،‬ويقال له ابن الكلبي أيضاً أبو المنذر هشام بن أبي النضر‬
‫محمد بن السائب بن بشر الكلبي الكوفي ‪ ،‬كان من أعلم الناس بعلم النساب ‪ ،‬وقد‬
‫أخذ بعض النساب عن أبيه أبي النضر محمد بن السائب الذي كان من أصحاب‬
‫الباقر والصادق عليهم السلم ‪ ،‬وأخذ أبو النصر نسب قريش عن أبي صالح عن‬
‫عقيل بن أبي طالب ‪ ،‬قال ابن قتيبة ‪ :‬وكان جده بشر وبنوه السائب وعبيد الرحمن‬
‫شهدوا الجمل وصفين مع علي بن أبي طالب عليه السلم ‪ ،‬وقتل السائب مع مصعب‬
‫بن الزبير ‪ ،‬وشهد محمد بن السائب الكلبي الجماجم مع ابن الشعث ‪ ،‬وكان نساباً‬
‫عالماً بالتفسير ‪ ،‬وتوفي بالكوفة وعن السمعاني أنه قال في ترجمة محمد بن السائب‬
‫أنه صاحب التفسير ‪ ،‬وكان من أهل الكوفة قائل بالرجعة ‪ ،‬وانه هشام ذا نسب عال‬
‫وفي التشيع غال ‪ ،‬وفي ( الرجال الكبير ) ‪ :‬هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر‬
‫الناسب العالم ‪ ،‬المشهور بالفضل والعلم ‪ ،‬العارف باليام ‪ ،‬كان مختصاً بمذهبنا ‪،‬‬
‫قال اعتللت علة عظيمة نسيت علمي ‪ ،‬فجئت إلى جعفر بن محمد (ع) فسقاني العلم‬
‫في كأس ‪ ،‬فعاد إليّ علمي ‪ ،‬وكان أبو عبد ال (ع) يقربه ويدنيه وينشطه ‪ ،‬قلت ‪:‬‬
‫حكى المعاني وغيره ‪ ،‬عن قوة حفظه أنه حفظ القرآن في ثلثة أيام ‪ ،‬وأنا أقول ‪ :‬ل‬
‫بدع في ذلك ‪ ،‬فإن من سقاه الصادق (ع) العلم في كأس يحفظ القرآن بأقل من ثلثة‬
‫أيام ‪ ،‬توفي سنة ‪ 206‬أو ‪." 1 204‬‬
‫وأنا أظن بأنه يكفي هذا لبيان حقيقة أحوال هشام وأبيه محمد حيث أنهما من‬
‫أسرة شيعية بحتة من قديم الزمن ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الكنى واللقاب ج ‪ 3‬ص ‪. 96 – 95 – 94‬‬

‫‪60‬‬
‫وأما ما قاله السنة فنقل عن معمر بن سليمان عن أبيه أنه قال ‪ :‬كان بالكوفة‬
‫كذابان أحدهما الكلبي ‪ ،‬وقال ليث بن أبي سليم كان بالكوفة كذابان أحدهما الكلبي ‪،‬‬
‫والخر السدي ‪ .‬وقال الدوري عن يحيى بن معين ‪ :‬ليس بشيء ‪ ،‬وقال معاوية بن‬
‫صالح عن يحيى ‪ :‬ضعيف وقال أبو موسى ‪ :‬ما سمعت يحيى ول عبد الرحمن‬
‫يحدثان عن سفيان عنه بشيء ‪ ،‬وقال البخاري تركه يحيى وابن مهدي وقال الدوري‬
‫عن يحيى بن يعلى المحاربي قال ‪ :‬قيل لزائدة ‪ :‬ثلثة ل تروي عنهم ابن أبي ليلى‬
‫وجابر الجعفي ‪ ،‬والكلبي ‪ ،‬قال أما ابن أبي ليلى فلست أذكره وأما جابر فكان وال‬
‫كذابا يؤمن بالرجعة ‪ ،‬وأما الكلبي وكنت أختلف إليه فسمعته يقول مرضت مرضة‬
‫فنسيت ما كنت أحفظ فأتيت آل محمد فتفلوا في فيّ فحفظت ما كنت نسيت فتركته ‪،‬‬
‫وقال الصمعي عن أبي عوانة ‪ :‬سمعت الكلبي يتكلم بشيء من تكلم به كفر فسألته‬
‫عنه فجحده ‪ ،‬وقال عبد الواحد بن غياث عن ابن مهدي ‪ :‬جلس إلينا أبو جزء على‬
‫باب أبي عمرو بن العلء ‪ ،‬فقال أشهد أن الكلبي كافر قال فحدثت بذلك يزيد بن زريع‬
‫فقال سمعته يقول ‪ :‬أشهد أنه كافر قال فماذا زعم ؟ قال سمعته يقول ‪ :‬كان جبريل‬
‫يوحي إلى النبي صلى ال عليه وآله وسلم فقام النبي لحاجته وجلس علي فأوحى‬
‫إلى علي ‪ ،‬فقال يزيد ‪ :‬أنا لم أسمعه يقول هذا ولكني رأيته يضرب صدره ويقول أنا‬
‫سبئي أنا سبئي ‪ .‬قال العقيلي هم صنف من الرافضة أصحاب عبد ال بن سبأ ‪ ،‬وقال‬
‫ابن فضيل عن مغيرة عن إبراهيم أنه قال لمحمد بن السائب ‪ :‬ما دمت على هذا‬
‫الرأي ل تقربنا وكان مرجئ ًا وقال زيد بن الحباب سمعت الثوري يقول ‪ :‬عجباً لما‬
‫يروى عن الكلبي ‪ ،‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬فقلت لبي ‪ :‬إن الثوري روى عنه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫كان ل يقصد الرواية عنه ويحكي حكايته تعجباً فيعلقه من حضره ويجعلونه رواية ‪،‬‬
‫وقال علي بن مسهر عن أبي جناب الكلبي حلف أبو صالح ‪ :‬أني لم أقرأ على الكلبي‬
‫من التفسير شيئ ًا ‪ ،‬وقال أبو عاصم ‪ :‬زعم لي سفيان الثوري قال ‪ :‬قال الكلبي ‪ :‬ما‬
‫حدثت عن أبي صالح عن ابن عباس فهو كذب فل ترووه ‪ ،‬وقال الصمعي عن قرة‬
‫بن خالد ‪ :‬كانوا يرون أن الكلبي يزخرف يعني يكذب ‪ ،‬وقال يزيد بن هارون ‪ ،‬كبر‬
‫الكلبي وغلب عليه النسيان ‪ ،‬وقال أبو حاتم ‪ :‬الناس مجمعون على ترك حديثه هو‬
‫ذاهب الحديث ل يشتغل به ‪ ،‬وقال النسائي ‪ :‬ليس بثقة ول يكتب حديثه ‪ ،‬وقال ابن‬
‫عدي ‪ ،‬له غير ما ذكرت أحاديث صالحة وخالصة عن أبي صالح وهو معروف‬
‫بالتفسير وليس لحد أطول من تفسيره وحدث عنه ثقات من الناس ورضوه في‬
‫التفسير وأما في الحديث ففيه مناكير ولشهرته فيما بين الضعفاء يكتب حديثه وقال‬
‫ابن أبي حاتم ‪ :‬كتب البخاري في موضع آخر محمد بن بشر سمع وعمرو بن عبد‬
‫ال الحضرمي وعنه محمد بن إسحاق قال ابن أبي حاتم ‪ :‬هو الكلبي ‪ ،‬قال محمد بن‬
‫عبدال الحضرمي مات ‪ :‬بالكوفة سنة ست وأربعين ومائة ‪ .‬قلت ‪ :‬ساق ابن سعد‬
‫نسبه إلى كلب بن وبرة قال ‪ :‬وكان شهد جده بشر وبنوه السائب الجماجم مع ابن‬
‫الشعث وكان عالماً بالتفسير وأنساب العرب وأحاديثهم توفي بالكوفة سنة ست‬
‫وأربعين أخبرني بذلك ابنه هشام ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ليس ذاك ‪ ،‬في روايته ضعيف جداً ‪ ،‬وقال‬
‫علي بن الجنيد والحاكم أبو أحمد والدارقطني ‪ :‬متروك وقال الجوزجاني ‪ :‬كذاب‬

‫‪61‬‬
‫ساقط ‪ ،‬وقال ابن حبان ‪ ،‬وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الغراق في‬
‫وصفه روى عن أبي صالح التفسير وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس ل يحل‬
‫الحتجاج به ‪ ،‬وقال الساجي ‪ :‬متروك الحديث وكان ضعيفاً حداً لفرطه في التشيع ‪،‬‬
‫وقد اتفق ثقات أهل النقل على ذمه وترك الرواية عنه في الحكام والفروع ‪ ،‬قال‬
‫الحاكم أبو عبد ال ‪ :‬روى عن أبي صالح أحاديث موضوعة ‪." 1‬‬
‫فهذا هو الرجل وهذا هو مقامه وشأنه ‪ ،‬وهذه هي أقوال العلماء فيه ‪ ،‬وهذا‬
‫هو وضعه من التشيع والكذب إلى حد الكفر ‪.‬‬
‫وأما ابنه هشام فهو ‪ ،‬يروي عنه وهو مثله ‪ ،‬رافضي متروك كما ذكره‬
‫الذهبي وغيره‪."2‬‬
‫وأما الكلبي هذا فلقد صنف كتاباً في مثالب الصحابة كما ذكره ابن المطهر‬
‫الحلي في كتابه منهاج الكرامة‪." 3‬‬
‫وقال المام ابن تيمية فيه وأيضاً نقل كلم الئمة العلم في كتابه ‪:‬‬
‫هشام الكلبي ‪ :‬وهو من أكذب الناس وهو شيعي يروي عن أبيه وعن أبي‬
‫مخنف لوط بن يحيى ‪ ،‬وكلهما متروك كذاب ‪ ،‬وقال المام أحمد ‪ :‬ما ظننت أن أحداً‬
‫يحدث عنه ‪ ،‬إنما هو صاحب سمر ونسب ‪ ،‬وقال الدارقطني ‪ :‬هو متروك ‪ ،‬وقال‬
‫ابن عدي ‪ :‬هشام الكلبي الغالب عليه السمار ‪ ،‬ول أعرف له في المسند شيئاً وأبوه‬
‫أيضاً كذاب ساقط ‪ ،‬وقال زائدة والليث وسليمان التميمي ‪ :‬هو كذاب ‪ ،‬وقال يحيى ‪:‬‬
‫ليس بشيء كذاب ساقط ‪ ،‬وقال ابن حبان ‪ :‬وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج‬
‫إلى الغراق في وصفه ‪." 4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬تهذيب التهذيب لبن حجر ص ‪.180181-179-178‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬انظر لذلك ميزان العتدال ص ‪. 305 ، 304‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ص ‪ 58‬الملحق بكتاب منهاج السنة لبن تيمية ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬منهاج السنة ج ‪ 3‬ص ‪. 19‬‬

‫‪62‬‬
‫فهؤلء الربعة هم العمدة للمؤرخين في سرد الروايات والحكايات‬
‫والخزعبلت عن الحوادث والكوارث التي وقعت أيام عثمان رضي ال عنه‬
‫والحروب التي حلت بين علي وبين المطالبين بثأر عثمان وقصاصه إلى شهادة‬
‫الحسين وما ترتب عليها من المور والنتائج ‪ ،‬فصبغوها بصبغة خاصة واستغلوها‬
‫لنشر السبئية وعقائدهم من مدخل التاريخ بعدما خدعوا كثيراً من الناس باسم العقائد‬
‫ل جديداً للطعن والتشنيع في أصحاب محمد صلى ال‬ ‫وحب أهل البيت ‪ ،‬ففتحوا مدخ ً‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬في الخيار البررة ‪ ،‬ولدخال السذج الغفلة من الناس في دينهم الذي لم‬
‫يأت به إل عبد ال بن سبأ وأنصاره وأشياعه ‪ ،‬ولم يؤسس قواعده وأصوله ولم‬
‫يكون أسسه وضوابطه إل هم ومن والهم ‪ .‬ولذلك قدمنا الكلم في هؤلء الناس قبل‬
‫ذكر الوقائع والمطاعن لكي يعرف قيمة الروايات بقدر الرواة ‪ ،‬ويعلم أن كل واقعة‬
‫وحادثة يتفرد بروايتها هؤلء السبئيون والشيعة ل يعتمد عليها ول يكون لها اعتبار‬
‫وبعد بيان هذه المور الهامة نقول ‪ :‬إن السبئيين خططوا خطة ودبروا‬
‫مؤامرة للتفريق بين المسلمين وتمزيق كلمتهم وتشتيت شملهم وهدم كيان السلم‬
‫والقضاء على الخلفة السلمية ‪.‬‬
‫فأولً ‪ :‬بنشر العقائد اليهودية والمدخولة الجنبية بين المسلمين ‪ ،‬ثم بنشر‬
‫الكاذيب والراجيف عن الحكام وولة المور ‪ .‬فنعيد عبارة ابن جرير الطبري ‪ ،‬التي‬
‫ذكرناها في مبحث السبئية لتبيين الحقائق عن المطاعن التي اخترعوها على خليفة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي ال عنه ‪ ،‬وأن‬
‫عثمان هو عثمان المعروف بالكريم الحليم ‪ ،‬الجواد السخي ‪ ،‬الشريف الحيي ‪ ،‬ابن‬
‫بنت عمة رسول ال صلى ال عليه وسلم وزوج ابنتيه ‪ ،‬والممدوح من قبل النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وأهل بيته وعلي وأولده‪." 1‬‬
‫وليعرف كيف حكيت ضده المؤامرات وكيف أحكم نسيجها وكيف أثيرت ضده‬
‫الفتن ومن كان وراءها ‪ .‬فيقول الطبري ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬انظر لتفصيل ذلك كتابنا ( الشيعة وأهل البيت ) ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫كان عبد ال بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء أمة سوداء فأسلم زمان عثمان ثم‬
‫تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضللتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام‬
‫فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم‬
‫فقال لهم فيما يقول ‪ :‬لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمد يرجع وقد‬
‫قال ال عز وجل ‪ { :‬إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } فمحمد أحق‬
‫بالرجوع من عيسى ‪ ،‬قال ‪ :‬فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها ثم قال‬
‫لهم بعد ذلك ‪ :‬إن كان ألف نبي ولكل نبي وصي وكان علي وصي محمد ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫محمد خاتم النبياء ‪ ،‬وعلى خاتم الوصياء ‪ ،‬ثم قال بعد ذلك ‪ :‬من أظلم ممن لم يجز‬
‫وصية رسول ال صلى ال عليه وسلم ووثب على وصي رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وتناول أمر المة ثم قال لهم بعد ذلك ‪ :‬إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فانهضوا في هذا المر فحركوه وابدءوا بالطعن على‬
‫أمرائكم وأظهروا المر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى‬
‫هذا المر ‪ ،‬فبث دعاته وكانت من كان استفسد في المصار وكاتبوه ودعوا في السر‬
‫إلى ما عليه رأيهم وأظهروا المر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلوا يكتبون إلى‬
‫المصار بكتب يضعونها في عيوب ولتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك ‪ ،‬ويكتب أهل‬
‫كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون فيقرأه أولئك في أمصارهم وهؤلء في‬
‫أمصارهم حتى تنالوا بذلك المدينة وأوسعوا الرض إذاعة وهم يريدون غير ما‬
‫يظهرون ويسرون غير ما يبدون ‪ ،‬فيقول أهل كل مصر ‪ :‬إنا لفي عافية مما ابتلي به‬
‫هؤلء إل أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع المصار فقالوا إنا لفي عافية مما‬
‫فيه الناس وجامعه محمد وطلحة من هذا المكان قالوا فأتوا عثمان فقالوا ‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا ؟ قال ‪ :‬ل وال ما جاءني إل السلمة ‪ ،‬قالوا‬
‫‪ :‬فإنا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا ‪ ،‬إليهم ‪ :‬قال فأنتم شركائي وشهود المؤمنين‬
‫فأشيروا علي ‪ ،‬قالوا نشير عليك أن تبعث رجالً ممن تثق بهم إلى المصار حتى‬
‫يرجعوا إليك بأخبارهم ‪ ،‬فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة وأرسل أسامة بن‬
‫زيد إلى البصرة وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر وأرسل عبد ال بن عمر إلى الشام‬
‫وفرق رجال سواهم فرجعوا جميعاً قبل عمار فقالوا ‪ :‬أيها الناس ما أنكرنا شيئاً ول‬
‫أنكره أعلم المسلمين ول عوامهم ‪ ،‬وقالوا جميعاً ‪ :‬المر أمر المسلمين إل أن‬
‫أمرائهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم ‪ ،‬واستبطأ الناس عمار حتى ظنوا أنه قد‬
‫اغتيل فلم يفجأهم إل كتاب من عبد ال بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عماراً قد‬
‫استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه منهم عبد ال بن السوداء وخالد بن ملجم‬
‫وسودان بن حمران وكنانة بن بشر‪."1‬‬
‫وإتماماً للفائدة نذكر ما ذكره الطبري من رد فعل عثمان رضي ال عنه على‬
‫ذلك ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الطبري ج ‪ 5‬ص ‪. 99 ، 98‬‬

‫‪64‬‬
‫ثم كتب عثمان إلى أهل المصار أما بعد فأتى آخذ العمال بموافاتي في كل‬
‫موسم وقد سلطت المة منذ وليت على المر بالمعروف والنهي عن المنكر فل يرفع‬
‫علي شيء ول على أحد من عمالي إل أعطيته وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إل‬
‫متروك لهم وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواماً يشتمون وآخرون يضربون فيا من‬
‫ضرب سرًا وشتم سراً من ادعى شيئاً من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان‬
‫مني أو من عمالي أو تصدقوا فإن ال يجزي المتصدقين ‪ ،‬فلما قريء في المصار‬
‫أبكى الناس ودعوا لعثمان وقالوا ‪ :‬إن المة لتمخض بشر وبعث إلى عمال المصار‬
‫فقدموا عليه ‪ ،‬عبدال بن عمار ومعاوية و عبد ال بن سعد وأدخل معهم في‬
‫المشورة سعيداً وعمراً فقال ‪ :‬ويحكم ما هذه الشكاية وما هذه الذاعة ؟ إني وال‬
‫لخائف أن تكونوا مصدوق ًا عليكم وما يعصب هذا البي فقالوا ‪ :‬ألم تبعث ألم نرجع‬
‫إليك الخبر عن القوم ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيء ؟ ل وال ما صدقوا ول‬
‫بروا ول نعلم لهذا المر أصلً وما كنت لتأخذ به أحدًا فيقيمك على شيء وما هي إل‬
‫إذاعة ل يحل الخذ بها ول النتهاء إليها ‪ ،‬قال ‪ :‬فأشيروا علي ؟ فقال سعيد بن‬
‫العاص ‪ :‬هذا أمر مصنوع يصنع في السر فيلقى به غير ذي المعرفة فيخبر به‬
‫فيتحدث به في مجالسهم قال ‪ :‬فما دواء ذلك ؟ قال ‪ :‬طلب هؤلء القوم ثم قتل هؤلء‬
‫الذين يخرج هذا من عندهم ‪ ،‬وقال عبد ال بن سعد ‪ :‬خذ من الناس الذي عليهم إذا‬
‫أعطيتهم الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم ‪ ،‬قال معاوية ‪ :‬قد وليتني فوليت قوماً ل‬
‫يأتيك عنهم إل الخير والرجلن أعلم بناحيتيهما قال ‪ :‬فالرأي ؟ قال ‪ :‬حسن الدب‬
‫قال ‪ :‬فما ترى يا عمر وقال أرى أنك قد لنت لهم وتراخيت عنهم وزدتهم على ما‬
‫كان يصنع عمر فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشد في موضع الشدة وتلين في‬
‫موضع اللين إن الشدة تنبغي لمن ل يألوا الناس شرا واللين لمن يخلف الناس‬
‫بالنصح وقد فرشتهما جميعاً اللين ‪ ،‬وقام عثمان فحمد ال وأثنى عليه وقال ‪ :‬كل ما‬
‫ي قد سمعت ولكل أمر باب يؤتى منه إن هذا المر الذي على هذه المة‬ ‫أشرتم به عل ّ‬
‫كائن وأن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة إل في حدود ال‬
‫تعالى ذكره التي ل يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها فإن سده شيء فرفق فذاك‬
‫وال ليفتحن وليست لحد على حجة حق وقد علم ال أني لم آل الناس خيراً ول‬
‫نفسي و وال إن رحى الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها كفكفوا‬
‫الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا بهم وإذا تعوطيت حقوق ال فل تدهنوا فيها‪."2‬‬
‫وأما اليرادات التي أوردوها عليه والمطاعن التي اخترعوها لتمزيق دولة‬
‫السلم ‪ ،‬فهي التي ذكرها واحداً بعد واحد وردها عثمان ذو النورين في خطبته التي‬
‫ذكرها جميع المؤرخين أنه حمد ال وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬الطبري ج ‪ 5‬ص ‪. 100 ، 99‬‬

‫‪65‬‬
‫إن هؤلء ذكروا أموراً قد علموا منها مثل الذي علمتم إل أنهم زعموا أنهم‬
‫يذاكرونيها ليوجبوها علىّ عند من ل يعلم وقالوا ‪ :‬أتم الصلة في السفر وكانت ل‬
‫تتم ‪ ،‬أل وإني قدمت بلداً فيه أهلي فأتممت لهذين المرين ‪ ،‬أو كذلك قالوا ‪ :‬اللهم نعم‬
‫‪ ،‬وقالوا ؟ وحميت حمى ؟ وإني وال ما حميت حمى قبلي وال ما حموا شيئاً لحد‬
‫ما حموا إل ما غلب عليه أهل المدينة ثم لم يمنعوا من رعيه أحداً واقتصروا‬
‫لصدقات المسلمين يحمونها لئل يكون بين من يليها وبين أحد تنازع ما منعوا ول‬
‫نحّوا منها أحد إل من ساق درهماً ومالي من بعير غير راحلتين ومالي ناغية ول‬
‫راغية وأني قد وليت وإني أكثر العرب بعيرًا وشاء فما اليوم شاة ول بعير غير‬
‫بعيرين لحجي ‪ ،‬أكذلك ؟ قالوا ‪ :‬اللهم نعم ‪ ،‬وقالوا كان القرآن كتباً فتركها إل واحدًا ‪،‬‬
‫أل وإن القرآن واحد جاء من عند واحد وإنما أنا في ذلك تابع لهؤلء ‪ ،‬أكذلك ؟ قالوا‬
‫‪ :‬نعم ‪ ،‬وسألوه أن يقتلهم ‪ ،‬وقالوا أني رددت الحكم وقد سيره رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم والحكم مكي سيره رسول ال صلى ال عليه وسلم سيره ورسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم رده أكذلك ؟ قالوا ‪ :‬اللهم نعم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬استعملت الحداث ولم‬
‫أستعمل إل مجتمع ًا محتملً مرضياً وهؤلء أهل عملهم فسلوهم عنه وهؤلء أهل بلده‬
‫ولقد ولي من قبلي أحدث منهم وقيل في ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم أشد‬
‫مما قيل لي في استعماله أسامة ‪ ،‬أكذلك ؟ قالوا ‪ :‬اللهم نعم ‪ ،‬يعيبون للناس ما ل‬
‫يفسرون ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬أني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء ال عليه وأني إنما نفلته‬
‫خمس ما أفاء ال عليه من الخمس فكان مائة ألف وقد أنفذ مثل ذلك أبو بكر وعمر‬
‫"رضي ال عنهما" فزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم وليس ذاك لهم ‪،‬‬
‫أكذلك ؟ قالوا نعم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬أني أحب أهل بيتي وأعطهم فأما حبي فإنه لم يمل معهم‬
‫على جور بل أحمل الحقوق عليهم وأما إعطاؤهم فإني ما أعطيهم من مالي ول‬
‫أستحل أموال المسلمين لنفسي ول لحد من الناس ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة‬
‫والرغيبة من صلب مالي أزمان رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر‬
‫رضي ال عنهما وأنا يومئذ شحيح حريص أفحين أتيت على ما قالوا ‪ ،‬وإني وال ما‬
‫حملت على مصر من المصار فضلً فيجوز ذلك لمن قاله ‪ ،‬وإني وال ما حملت على‬
‫مصر من المصار فضلً فيجوز ذلك لمن قاله ‪ ،‬ولقد رددته عليهم وما قدم علىّ إل‬
‫الخماس ول يحل لي منها شيء فولى المسلمين وضعها في أهلها دوني ول يتلف‬
‫من مال ال بفلس فما فوقه وما أتبلغ منه ما آكل إل من مالي ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬أعطيت‬
‫الرض رجالً وإن هذه الرضين شاركهم فيها المهاجرون والنصار أيام افتتحت فمن‬
‫أقام بمكان من هذه الفتوح فهو أسوة أهله ومن رجع إلى أهله لم يذهب ذلك ما حوى‬
‫ال فنظرت في الذي يصيبهم مما أفاء ال عليهم فبعته لهم بأمرهم من رجال أهل‬
‫عقار ببلد العرب فنقلت إليهم نصيبهم فهو في أيديهم دوني ‪ .‬وكان عثمان قد قسم‬
‫ماله وأرشه في بني أمية وجعل ولده كبعض من يعطى فبدأ ببني أبي العاص فأعطى‬
‫آل الحكم رجالهم عشرة آلف فأخذوا مائة ألف وأعطى بني عثمان مثل ذلك وقسم‬
‫في بني العاص وفي بني العيص وفي بني حرب ‪ ،‬ولنت حاشية عثمان لولئك‬
‫الطوائف ‪ ،‬وأبى المسلمون إل قتلهم وأبى إل تركهم ‪ ،‬فذهبوا ورجعوا إلى بلدهم‬

‫‪66‬‬
‫على أن يغزوهم مع الحُجاج كالحجاج ‪ ،‬فتكاتبوا وقالوا موعدكم ضواحي المدينة في‬
‫شوال ‪." 1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نفس المصدر السابق ص ‪. 103 ، 102‬‬

‫‪67‬‬
‫ولما كان شوال سنة ‪35‬هـ خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء ‪،‬‬
‫المقلل يقول ستمائة والمكثر يقول ألف ‪ ،‬على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوي‬
‫وكنانة بن بشر والليثي وسودان بن حمران السكوني وقتيرة بن فلن السكوني‬
‫وعلى القوم جميعاً الغافقي بن حرب العكي ‪ ،‬ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم‬
‫إلى الحرب وإنما خرجوا كالحجاج ومعهم ابن السوداء وخرج أهل الكوفة في أربع‬
‫رفاق ‪ ،‬وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي والشتر النخعي وزياد بن النضر‬
‫الحارثي وعبد ال بن الصم أحد بني عامر بن صعصعة وعددهم كعدد أهل مصر‬
‫وعليهم جميع ًا عمرو بن الصم ‪ ،‬وخرج أهل البصرة في أربع رفاق وعلى الرفاق‬
‫حكيم بن جبلة العبدي وزريح بن عباد العبدي وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة‬
‫القيسي وابن المحرش بن عبد عمر والحنفي وعددهم كعدد أهل مصر وأميرهم‬
‫جميعاً حرقوص بن زهير السعدي سوى من تلحق بهم من الناس ‪ ،‬فأما أهل مصر‬
‫فإنهم كانوا يشتهون علياً ‪ ،‬وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طلحة ‪ ،‬وأما أهل‬
‫الكوفة فإنهما كانوا يشتهون الزبير ‪ ،‬فخرجوا وهم على الخروج جميع وفي الناس‬
‫شتى ل يشك في كل فرقة إل أن الفلج ‪ ،‬معها وأن أمرها سيتم دون الخرين ‪،‬‬
‫فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلث تقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا‬
‫خشب ‪ ،‬وناس من أهل الكوفة فنزلوا العوص ‪ ،‬وجاءهم ناس من أهل مصر‬
‫وتركوا عامتهم بذي المرؤة ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر‬
‫وعبد ال بن الصم وقال ‪ :‬ل تعجلوا ول تعجلونا حتى ندخل لكم المدينة ونرتاد فإنه‬
‫بلغنا أنهم قد عسكروا لنا فوا ال إن كان أهل المدينة قد خافونا واستحلوا قتالنا ولم‬
‫يعلموا علمنا فهم إذا علموا علمنا أشد وإن أمرنا هذا لباطل ‪ ،‬وإن لم يستحلوا قتالنا‬
‫ووجدنا الذي بلغنا باطلً لنرجعن إليكم بالخبر قالوا اذهبا فدخل الرجلن فلقيا أزواج‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم وعلياً وطلحة و الزبير وقال ‪ :‬إنما نأتم هذا البيت‬
‫ونستعفي هذا الوالي من بعض عمالنا ما جئنا إل لذلك بالدخول ‪ ،‬واستأذناهم للناس‬
‫بالدخول ‪ ،‬فكلهم أبى ونهى وقال بيضُ ما يفرخن ‪ ،‬فرجعا إليهم فاجتمع من أهل‬
‫مصر نفر فأتوا علياً ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة ومن أهل الكوفة نفر فأتوا‬
‫الزبير وقال كل فريق منهم إن بايعوا صاحبنا وإل كدناهم وفرقنا جماعتهم ‪ ،‬ثم كررنا‬
‫حتى نبغتهم فأتى المصريون علياً وهو عسكر عند أحجار الزيت عليه حلة أفواف‬
‫معتم بشقيقة حمراء يمانية متقلد السيف ليس عليه قميص وقد سرح الحسن إلى‬
‫ي عند أحجار الزيت ‪،‬‬ ‫عثمان فيمن اجتمع إليه ‪ ،‬فالحسن جالس عند عثمان وعل ّ‬
‫فسلم عليه المصريون وعرضوا له ‪ ،‬فصاح بهم واطردهم وقال ‪ :‬لقد علم الصالحون‬
‫أن جيش ذي المرؤة وذي خشب ملعونون على لسان محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫فارجعوا ل صحبكم ال قالوا ‪ :‬نعم فانصرفوا من عنده على ذلك وأتى البصريون‬
‫طلحة وهو في جماعة أخرى إلى جنب عليّ وقد أرسل ابنيه إلى عثمان فسلم‬
‫البصريون عليه وعرّضوا له فصاح بهم واطّردهم وقال لقد علم المؤمنون أن جيش‬
‫ذي المروة وذي خُشب والعوص ملعونون على لسان محمد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وأتى الكوفيون الزبير وهو في جماعة أخرى وقد سرّح ابنه عبد ال إلى عثمان‬

‫‪68‬‬
‫فسلموا عليه وعرضوا له فصاحبهم واطردهم وقال لقد علم المسلمون أن جيش ذي‬
‫المروة وذي خشب والعوص ملعونون على لسان محمد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫فخرج القوم وأروهم إنهم يرجعون فانفشّوا عن ذي خشب والعوص حتى انتهوا‬
‫إلى عساكرهم وهي ثلث مراحل كي يفترق أهل المدينة ثم يكرا راجعين‪ ،‬فافترق أهل‬
‫المدينة لخروجهم فلما بلغ القوم عساكرهم كّروا بهم فبغتوهم فلم يفجأ أهل المدينة‬
‫إل والتكبير في نواحي المدينة فنزلوا في مواضع عساكرهم وأحاطوا بعثمان‪ ،‬وقالوا‬
‫ف يده فهو آمنٌ‪ ،‬وصلى عثمان بالناس أيامًا ولزم الناس بيوتهم ولم يمنعوا‬ ‫من ك ّ‬
‫أحدًا من كلم فأتاهم الناس فكلموهم وفيهم عليّ فقال ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم‬
‫عن رأيكم‪ ،‬قالوا أخذنا مع بريد كتابًا بقتلنا‪ ،‬وأتاهم طلحة فقال البصريون‪ ،‬مثل ذلك‬
‫وأتاهم الزبير فقال الكوفيون مثل ذلك وقال الكوفيون والبصريون فنحن ننصر‬
‫إخواننا ونمنعهم جميعًا كأنما كانوا على ميعاد فقال لهم عليّ‪ :‬كيف علمتم يا أهل‬
‫الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا هذا‬
‫وال أمرٌ أبرم بالمدينة‪ ،‬قالوا فضعوه على ما شئتم ل حاجة لنا في هذا الرجل‬
‫ليعتزلنا" ‪"1‬‬
‫فحاصروا بيته محاصرة شديدة وجاء على "‪"2‬أهل بيته وطلحة والزبير مع أبنائهم‬
‫للدفاع عنه فقال مخاطبًا إياهم‪:‬‬
‫يا أهل المدينة إني أستودعكم ال وأسأله أن يحسن عليكم الخلفة من بعدي‪ .‬إني‬
‫وال ل أدخل على أحد بعد يومي هذا حتى يقضي ال فيّ قضاه ولدعن هؤلء وراء‬
‫ل في دين ال أودنا حتى يكون ال عز‬ ‫بابي غير معطيهم شيئًا يتخذونه عليكم دخ ً‬
‫وجل الصانع في ذلك ما أحب‪ .‬وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم فرجعوا إل‬
‫الحسن ومحمد بن طلحة وابن الزبير وأشباهًا لهم‪ ،‬فجعلوا بالباب عن أمر آبائهم‬
‫وثاب إليهم ناس كثير ولزم عثمان الدار"‪."3‬‬

‫‪ - 1‬الطبري ج ‪ :5‬ص ‪.105-103‬‬


‫‪ - 2‬ولقد أثبتنا كل هذا من كتب القوم أنفسهم في كتابنا (الشيعة وأهل البيت) من أراد فلينظر إلى ذلك ‪.‬‬
‫‪ - 3‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪. 126‬‬

‫‪69‬‬
‫حُصر عثمان اثنين وعشرين يومًا ثم أحرقوا الباب وفي الدار أناس كثير فيهم عبد‬
‫ال بن الزبير ومروان فقالوا ائذن لنا‪ ،‬فقال إن رسول ال صلى ال عليه وسلم عهد‬
‫إليّ عهدًا فأنا صابرٌ عليه وإن القوم لم يحرقوا باب الدار إل وهم يطلبون ما هو‬
‫أعظم منه فأحرّج على رجل يستقتل ويقاتل وخرج الناس كلهم ودعا بالمصحف يقرأ‬
‫فيه والحسن عنده فقال أن أباك الن لفي أمر عظيم فأقسمت عليك لما خرجت وأمر‬
‫عثمان أبا كرب رجلً من همدان وآخر من النصار أن يقوما على باب بيت المال‬
‫وليس فيه إل غرارتان من ورق فلما أطفئت النار بعدما ناوشهم ابن الزبير ومروان‬
‫وتوعّد محمد بن أبي بكر ابن الزبير ومروان فلما دخل على عثمان هربا ودخلوا‬
‫عليه فمنهم من يجؤه بنعل سيفه وآخر يلكزه وجاءه رجل بمشاقص معه فوجأه في‬
‫ترقوته فسال الدم على المصحف وهم في ذلك يهابون في قتله وكان كبيرًا وغُشي‬
‫عليه ودخل آخرون فلما رأوه مغشيًا عليه جرّوا برجله فصاحت نائلة وبناته وجاء‬
‫التّجيبي مُخترطًا سيفه ليضعه في بطنه فوقّته نائلة فقطع يدها واتّكأ بالسيف عليه‬
‫في صدره وقتل عثمان رضي ال عنه قبل غروب الشمس ونادى منادٍ ما يحلّ دمه‬
‫ويحرج ماله فانتهبوا كل شيء ثم تبادروا بيت المال فألقى الرجلن المفاتيح ونجوا‬
‫وقالوا الهرب هذا ما طلب القوم‪ .‬وذكر محمد بن عمران عبد الرحمن بن عبد العزيز‬
‫حدّثه عن عبد الرحمن بن محمد أن محمد بن أبي بكر تسوّر على عثمان من دار‬
‫عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب وسُودان بن حمران وعمرو بن الحمق‬
‫فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ المصحف في سورة البقرة فتقدّمهم محمد‬
‫بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال قد أخزاك ال يا نَعثَلُ فقال عثمان لست بنعثل‬
‫ولكني عبد ال وأمير المؤمنين قال محمد ما أغنى عنك معاوية وفلن وفلن وفلن‬
‫فقال عثمان يا ابن أخي دع عنك لحيتي فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه‬
‫فقال محمد لو رآك أبي تعمل هذه العمال أنكرها عليك وما أريد بك أشد من قبضي‬
‫على لحيتك قال عثمان أستنصر ال عليك وأستعين به ثم طعن جبينه بمشقص في‬
‫يده ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أذن عثمان فضت‬
‫حتى دخلت في حلقه ثم عله بالسيف حتى قتله فقال عبد الرحمن سمعت أبا عون‬
‫يقول ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدّم رأسه بعمود حديد فخرّ لجبينه فضربه‬
‫سودان بن حمران المرادي بعدما خرّ لجبينه فقتله‪ .‬قال محمد بن عمر حدثني عبد‬
‫الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث قال الذي قتله كنانة بن بشر بن‬
‫عتاب التّجيبي وكانت امرأة منظور بن سيّار الفزاري تقول خرجنا إلى الحج وما‬
‫ل يتغنّى تحت الليل‪:‬‬
‫علمنا لعثمان بقتل حتى إذا كنا بالعرج سمعنا رج ً‬
‫قتيلُ التّجيبي الذي جاء من ِمصْر‬ ‫أل إن خير الناس بعد ثلثة‬
‫قال وأما عمر بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه ر َمقَ فطعنه تسع‬
‫طعنات قال عمرو فأما ثلث منهن فإني طعنتهن إياه ل وأما ستّ فإني طعنتهن إياه‬
‫لما كان في صدري عليه"‪."1‬‬
‫‪ -1‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪132-131‬‬

‫‪70‬‬
‫فهذه هي القصة‪ ،‬اختصرناها من تاريخ الطبري ومروج الذهب للمسعودي الشيعي‬
‫بدون تغيير لفظ وتحريفه‪ .‬وهكذا فاز السبئيون في تفريق كلمة المسلمين وإيقاع‬
‫الخلف والشقاق بينهم الذي ل ينتهي إلى يوم القيامة كما تنبأ عن ذلك عثمان رضي‬
‫ال عنه مخاطبًا الشتر وغيره‪:‬‬
‫فوال إن قتلتموني ل تتحابون بعدي أبدًا ول تصلون جميعًا بعدي أبدًا ول تقاتلون‬
‫بعدي جميعًا أبدًا"‪."1‬‬
‫فهذا هو الذي حصل‪ .‬ولقد أطلنا النقل في هذا الخصوص لما أن له علقة مباشرة‬
‫بهذا الموضوع وهي المطاعن التي استغلها السبئيون لقلب نظام الحكم‪ .‬فهي كما‬
‫تلي‪ ،‬بلسان أحد أخلفهم‪ .‬فيقول ابن المطهّر الحلي‪:‬‬
‫وأما عثمان فإنه ولّى أمور المسلمين من ل يصلح للولية‪ ،‬حتى ظهر من بعضهم‬
‫الفسوق ومن بعضهم الخيانة‪ ،‬وقسم الوليات بين أقاربه‪ ،‬وعوتب على ذلك مرارًا‬
‫فلم يرجع‪ .‬واستعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وصلّى بالناس وهو‬
‫سكران‪ ،‬واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة‪ ،‬فظهر منه ما أدى إلى أن أخرجه‬
‫أهل الكوفة منها‪ .‬وولّى عبد ال بن أبي سرح مصر حتى تظلّم منه أهلها‪ ،‬وكاتبه أن‬
‫يستمر على وليته سرّا‪ ،‬خلف ما كتب إليه جهرًا‪ ،‬وأمره بقتل محمد بن أبي بكر‪.‬‬
‫وولّى معاوية الشام‪ ،‬فأحدث من الفتن ما أحدث‪ .‬وولى عبد ال بن عامر العراق‪،‬‬
‫ففعل من المناكير ما فعل‪ .‬وولى مروان أمره‪ ،‬وألقى إليه مقاليد أموره‪ ،‬ودفع إليه‬
‫خاتمه‪ ،‬فحدث من ذلك قتل عثمان‪ ،‬وحدث الفتنة بين المة ما حدث‪ .‬وكان يؤثر أهله‬
‫بالموال الكثيرة من بيت مال المسلمين‪ ،‬حتى إنه دفع إلى أربعة نفر من قريش‬
‫زوّجهم بناته أربعمائة ألف دينار‪ ،‬ودفع إلى مروان ألف ألف دينار‪ .‬وكان ابن مسعود‬
‫يطعن عليه ويكفّره‪ ،‬ولما حكم ضربه حتى مات‪ .‬وضرب عمّارًا حتى صار[به] فتق‪،‬‬
‫وقد قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬عمار جلدة بين عيني‪ ،‬تقتله الفئة الباغية‪ ،‬ل‬
‫أنالهم ال شفاعتي يوم القيامة؛ وكان عمار يطعن عليه‪.‬‬
‫وطرد رسول ال صلى ال عليه وآله الحكم بن أبي العاص عم عثمان عن المدينة‪،‬‬
‫ومعه مروان‪ ،‬فلم يزل طريدًا هو وابنه في زمن النبي صلى ال عليه وآله‪ .‬وأبي بكر‬
‫وعمر‪ ،‬فلما ولي عثمان آواه ورده إلى المدينة‪ ،‬وجعل مروان كاتبه‪ ،‬وصاحب‬
‫خرِ ُيوَادّونَ مَنْ‬
‫جدُ َقوْمًا يُ ْؤ ِمنُونَ بِالِّ وَا ْل َي ْومِ ال ِ‬
‫تدبيره؛ مع أن ال تعالى قال‪{ :‬ل تَ ِ‬
‫حَادّ الَّ َو َرسُولَهُ} [سورة المجادلة‪ ]22 :‬الية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬تاريخ الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪118‬‬

‫‪71‬‬
‫ونفى أبا ذرّ إلى ربذة‪ ،‬وضربه ضربًا وجيعًا‪ ،‬مع أن النبي صلى ال عليه وآله قال‬
‫في حقه‪ :‬ما أقلت الغبراء ول أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ‪،‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ال أوحى إليّ أنه يحب أربعة من أصحابي‪ ،‬وأمرني‬
‫بهم‪ ،‬قيل له‪ :‬من هم يا رسول ال؟ قال‪ :‬علي عليه السلم سيدهم‪ ،‬وسلمان‪ ،‬ومقداد‪،‬‬
‫وأبو ذر‪.‬‬
‫وضيّع حدود ال فلم يحد عبيد ال بن عمر حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم بعد إسلمه‪ ،‬وكان أمير المؤمنين عليه السلم يطلب عبيد ال لقامة‬
‫القصاص عليه‪ ،‬فلحق بمعاوية‪ .‬وأراد أن يعطل حد الضرب في الوليد بن عقبة‪ ،‬حتى‬
‫حدّه أمير المؤمنين عليه السلم وقال‪ :‬ل يبطل حد ال وأنا حاضر‪ .‬وزاد الذان يوم‬
‫الجمعة وهو بدعة‪ ،‬وصار سنة الن‪ .‬وخالفه المسلمون كلهم حتى قتل"‪"1‬فهذه هي‬
‫تركة السبئيين تلقفها الشيعة منهم وتوارثها آباء آبائهم قبل‪ ،‬وهذه أحد الدلة بأن‬
‫شيعة اليوم لم يكوّنوا مذهبهم ولم يؤسسوا قواعده وأركانه إل على السس التي‬
‫وضعها السبئية‪ ،‬وليس لهم علقة بالشيعة الولى‪ ،‬شيعة عليّ وأولده‪ ،‬ل من قريب‬
‫ول من بعيد وكما سنبينه قريبًا إن شاء ال في موضعه‪.‬‬
‫فاليرادات هذه التي اخترعها واختلق بعضها السبئيون ردّ عليها ذو النورين في‬
‫حينها كما ذكرناه آنفًا من الطبري وغيره‪ ،‬ولم يكن لبعض منها وجود آنذاك‪ ،‬وقد‬
‫تصدى للرد على جميع هذه الكاذيب والباطيل أعيان هذه المة وأسلفها‪ ،‬وأئمة‬
‫السنة وأعلمها‪ ،‬مثل شيخ السلم ابن تيمية حيث ذكر واحدًا واحدًا منها ثم ردّ‬
‫عليها بالصول الثابتة والبراهين الساطعة‪ .‬وكذلك تلميذه الذهبي حيث لخص كتابه‪،‬‬
‫والقاضي أبو بكر بن العربي وغيرهم من العلء والمتكلمين والفقهاء‪ .‬وفي شبه‬
‫القارة الهندية الباكستانية انبرى لها الكثيرون وعلى رأسهم الحكيم الدهلوي وليّ ال‬
‫صاحب (حجة ال البالغة) و(قرة العينين في تفضيل الشيخين) و(إزالة الخفاء عن‬
‫خلفة الخلفاء) وابنه عبد العزيز الدهلوي الذي لخص كتابه اللوسي الصغير وغيره‬
‫الكثيرون الكثيرون‪ ،‬ولكن القوم تعوّدوا على الكذب والصرار عليه‪ ،‬ويكثرون كيما‬
‫ينطلي على السذج والمغفلين من الناس‪.‬‬
‫ولكن لننا بدأنا في البحث عن السبئية وأفكارهم والفرق التي تفرعت من الشيعة‬
‫وتاريخها وتبنيها أفكارهم دون أفكار الشيعة الولى أردنا ذكر هذه المطاعن‪ ،‬وعلوة‬
‫على ذلك نبتغي من الرد عليها بأسلوبنا الخاص وذكرنا الستشهادات من كتب القوم‬
‫ابتغاء مرضاة ال للدفاع عن حمى السلم والذود عن أصحاب محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬الذين نحبهم لحب نبينا إياهم ولحبهم إياه‪ ،‬ونرجو ال القبول والتوفيق‪.‬‬
‫فأول إيراد أوردوه على سيدنا عثمان رضي ال عنه أنهم قالوا‪ :‬إنه آثر القربى‪،‬‬
‫وذكر أيضًا المؤرخ الشيعي المشهور اليعقوبي حيث قال‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬منهاج الكرامة الملحق بمنهاج السنة ص ‪.67-66‬‬

‫‪72‬‬
‫"ونقم الناس على عثمان بعد وليته بست سنين وتكلم فيه من تكلم وقالوا‪ :‬آثر‬
‫القربى"‪."1‬‬
‫فلننظر ما حقيقة هذا اليراد وهذا الطعن؟ هل حقيقة قسم الولية بين أقاربه أم هذه‬
‫من أكاذيب السبئية التي اخترعوها لتأليب الناس على عثمان‪ ،‬وتبنتها الشيعة وحتى‬
‫اليوم لتأييد السبئيين في خروجهم وبغيهم وإظهارًا للولء لهم والوفاء بهم‪ .‬فها هو‬
‫ذا المؤرخ الشيعي المشهور اليعقوبي بذكر عمال عثمان على الوليات‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫"وكان لعثمان على اليمن يعلى بن أمية التميمي‪ ،‬وعلى مكة عبد ال بن عمرو‬
‫الحضرمي‪ ،‬وعلى همذان جرير بن عبد ال البجلي‪ ،‬وعلى الطائف القاسم بن ربيعة‬
‫الثقفي‪ ،‬وعلى الكوفة أبو موسى الشعري‪ ،‬وعلى البصرة عبد ال بن عامر الكريز‪،‬‬
‫وعلى مصر عبد ال بن سعد بن أبي السرح‪ ،‬وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان بن‬
‫حرب"‪. "2‬‬
‫وقد ذكر الطبري وابن الثير أسماء بقية العمال الذين كانوا على الوليات وعلى‬
‫المناصب العليا فذكر الطبري وابن الثير‪:‬‬
‫وعلى حمص عبد الرحمن بن خالد بن الوليد‪ ،‬وعلى قنسرين حبيب ابن مسلمة‪،‬‬
‫وعلى الردن أبو العور السلمي‪ ،‬وعلى فلسطين علقمة بن حكم الكنعاني‪ ،‬وعلى‬
‫البحر عبد ال بن قيس الفزاري‪ ،‬وعلى القضاء (الشام) أبو الدرداء‪ ،‬وعلى الخراج‬
‫جابر بن فلن المزني‪ ،‬وعلى حربها القعقاع بن عمرو‪ ،‬وعلى قرقيسياء جرير بن‬
‫عبد ال البجلي‪ ،‬وعلى آذربيجان الشعث بن قيس الكندي‪ ،‬وعلى حلوان عتيبة بن‬
‫النهاس‪ ،‬وعلى ماه مالك بن حبيب‪ ،‬وعلى الري سعيد بن قيس‪ ،‬وعلى أصبهان‬
‫السائب بن القرع‪ ،‬وعلى ما سبذان حبيش‪ ،‬وعلى بيت المال عقبة بن عامر‪ ،‬وعلى‬
‫القضاء زيد بن ثابت"‪."3‬‬
‫ونائبه في الحج سنة كان عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وفي السنة الخيرة كان عبد ال‬
‫بن عباس كما ذكر اليعقوبي في تاريخه"‪."4‬‬
‫ومثل هذا ذكر كل من ابن سعد في طبقاته وابن كثير وابن الثير في تاريخهما وابن‬
‫عبد البر في الستيعاب وغيرهم في غيرها‪.‬‬
‫ويظهر من هذا الفهرست بداهة ولول وهلة كذب السبئيين المعلنين لسبئيتهم‬
‫والمفتخرين بها وكذب المتخلفين والوارثين في أفكارهم ومطاعنهم والمتسترين‬
‫المتخفين تحت اسم التشيع خوفًا من افتضاح ما هو مفضوح‪.‬‬
‫‪ - 1‬تاريخ اليعقوبي‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪174-173‬‬
‫‪ - 2‬تاريخ اليعقوبي‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.176‬‬
‫‪ - 3‬تاريخ الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،149-148‬ابن الثير ج ‪ 3‬ص ‪ ،95‬وورد بعض هذه السماء في البداية والنهاية‬
‫ص ‪322‬‬
‫‪ - 4‬ج ‪ 2‬ص ‪176‬‬

‫‪73‬‬
‫فهذه هي الوليات وهؤلء هم العمال‪ ،‬وهذه هي المناصب وهؤلء هم الحائزون‬
‫عليها بثبت التاريخ وبشهادة القوم أنفسهم‪.‬‬
‫فالمناصب العليا في الدولة كانت هي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬القضاء‪ ،‬ولم يكن يتولها أحد من أقاربه‪ ،‬بل كان يتولها زيد بن ثابت‬
‫النصاري رضي ال عنه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬وبيت المال كان عليه عقبة بن عامر‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وعلى إمارة الحج عبد ال بن عباس‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬وعلى الخراج جابر بن فلن المزني وسماك النصاري‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬وعلى الحرب القعقاع بن عمرو‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬وقد ذكر بعض المؤرخين أن رئيس الشرطة في أيامه عبد ال بن قنفذ من‬
‫بني تيم"‪."1‬‬
‫فهذه هي المناصب الستة العليا في الدولة لم يكن واحد منها من بني أمية أو أقارب‬
‫عثمان رضي ال عنه وعن باقي الصحابة أجمعين‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬وأما عمال الوليات وولتها فلم يكن مع كثرتهم إل الثلثة من بني أمية‪،‬‬
‫وواحد من هؤلء الثلثة لم يولّه عثمان على وليته‪ ،‬بل كان قد ولّى من قبل أبي بكر‬
‫ثم أثبته على تلك الولية عمر مع كثرة عزله العمال والولة أل وهو معاوية بن أبي‬
‫سفيان رضي ال عنهما كما ذكر مؤرخ شيعي معاوية من عمال عمر"‪. "2‬‬
‫ولم يكن أبو بكر ولّه على تلك الولية إل نائبًا لخيه يزيد بن أبي سفيان رضي ال‬
‫عنهما رسول ال صلى ال عليه وسلم على تيماء "‪"3‬كما استعمل أباهم‪ ،‬أبا سفيان‬
‫رضي ال عنه على نجران "‪."4‬‬
‫ولم يبق إل الثنان‪ :‬عبد ال بن سعد بن أبي سرح‪ ،‬وعبد ال بن عامر بن كريز‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن عبد ال بن سعد بن أبي سرح أيضًا ليس من بني أمية‪ ،‬بل هو‬
‫من بني عامر ولكن المرضعة التي أرضعت عثمان رضي ال عنه كان أم عبد ال‬
‫هذا‪ ،‬فهذه حقيقة القرابة كلها‪.‬‬

‫‪ - 1‬تاريخ خليفة ابن خياط‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪157‬‬


‫‪ - 2‬انظر تاريخ اليعقوبي‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪161‬‬
‫‪ - 3‬تاريخ الطبري‪ :‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،130‬البداية ج ‪ 7‬ص ‪.]24‬‬
‫‪ - 4‬تاريخ خليفة ابن خياط تحت عنوان عمال رسول ال‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،62‬نسب قريش لمصعب الزبيري‪ ،‬كتاب‬
‫المحبر لبي جعفر البغدادي‪ :‬ص ‪ 126‬تحت عنوان أمراء رسول ال‬

‫‪74‬‬
‫ثم فهل كان تولية عبد ال بن عامر بن كريز وأضف إليه عبد ال بن سعد من بين‬
‫العمال الكثيرين فيها مأخذًا ومطعنًا في سيدنا عثمان بن عفان رضي ال عنه؟‪.‬‬
‫فهل من المحرّم شرعًا أن يولى الخليفة والمير أحدًا من أقاربه يستأهله فقط لنه‬
‫من أقاربه أو قبيلته وعشيرته‪ .‬فهل ورد بذلك الكتاب أم السنة‪ ،‬وهل صرح بذلك أحد‬
‫من الصحابة وأهل البيت وحتى عليّ وأولده؟‪.‬‬
‫وهل هذا من المطاعن؟‪.‬‬
‫ي بن أبي طالب رضي ال عنه – أحق وأولى حيث‬ ‫فإن كان هذا طعنًا فوقوعه في عل ّ‬
‫‪1‬‬
‫ولّى أيام خلفته فثم بن عباس على مكة وعبد ال بن عباس على اليمن " "وولّى‬
‫عبد ال بن عباس على البصرة وولّى ربيبه محمد بن أبي بكر على مصر"‪. "2‬‬
‫وولّى صهره وابن أخته جعد بن الهبيرة على خراسان‪ ،‬كما كان على عساكره محمد‬
‫بن الحنفية"‪"3‬‬
‫وقد ناب عنه في الحج سنة ‪36‬هـ عبد ال بن عباس‪ ،‬وسنة ‪37‬هـ فثم بن العباس‪،‬‬
‫وسنة ‪38‬هـ عبيد ال بن العباس "‪."4‬‬
‫ثم من أين لقوم أن يعترضوا على عثمان لتوليته أقاربه وهو لم يولّ كما أثبتناه –‬
‫وهم لم يجعلوا عليّا رضي ال عنه وصى رسول ال إل لقرابته منه‪ ،‬ولم يجعلوا‬
‫المامة في أولده إل لنهم من أولده‪.‬‬
‫وعـار عليـك إذا فعلـت عظيـم‬
‫ثم ولول أن يطول بنا الحديث لثبتنا أن عمل عثمان رضي ال عنه كان أقرب لسنة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ممن جاء بعده‪ ،‬ولم يعترض على عمله وعماله أحد‬
‫من أصحاب رسول ال ول عليّ والهاشميون الخرون غيره‪ ،‬ول أهل المصار‬
‫والوليات الذين أمّر عيهم هؤلء العمال كما هو ثابت في التاريخ‪.‬‬
‫فهذا كل ما يدندن حوله القوم من السبئيين إلى شيعة عصرنا الحاضر‪ .‬وهذه هي‬
‫الحقيقة وهذه هي الحقائق‪ ،‬وهذه هي التهمة الكبيرة والمطعن الكبر الذي استعمله‬
‫السبئيون قديمًا‪ ،‬ويستعمله الشيعة حديثًا‪.‬‬
‫وأخيرًا ننقل هاهنا ما ذكره الذهبي في (المنتقى) جوابًا على هؤلء‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬تاريخ اليعقوبي الشيعي‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪179‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مروج الذهب‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬انظر لذلك مروج الذهب للمسعودي الشيعي ج ‪ 2‬ص ‪ ،351‬ومنهاج السنة لبن تيمية والعواصم من القواصم‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬تاريخ اليعقوبي‪ :‬ص ‪213‬‬

‫‪75‬‬
‫إنّ نوّاب عليّ قد خانوه وعصوه أكثر مما خان عمال عثمان له وعصوه وذهب‬
‫بعضهم إلى معاوية‪ .‬وقد ولّى علي رضي ال عنه زياد بن أبي سفيان أبا عبيد ال‬
‫بن زياد قاتل الحسين وولّى الشتر‪ ،‬وولى محمد بن أبي بكر‪ ،‬ومعاويةُ خيرٌ من‬
‫هؤلء كلهم‪ .‬ومن العجب أن الشيعة ينكرون على عثمان ما يدعون أن عليّا كان أبلغ‬
‫فيه من عثمان‪ ،‬فيقولون إن عثمان ولى أقاربه من بني أمية وعليّ ولّى أقاربه من‬
‫قبل أبيه وأمه كعبد ال وعبيد ال ابني عمه العباس و ُقثَم بن العباس وثُمامة ابن‬
‫العباس‪ .‬وولى على مصر ربيبه محمد بن أبي بكر الذي رباه في حجره وولد أخته أم‬
‫هانئ ثم إن المامية تدّعي أن عليّا نص على أولده في الخلفة‪ ...‬ومن المعلوم أنه‬
‫إن كان تولية الولد أقرب إلى النكار من تولية بني العم‪ ...‬وإذا ادّعي لعلي العصمة‬
‫ونحوها مما يقطع عنه ألسنة الطاعنين كان ما ُيدّعى لعثمان من الجتهاد الذي يقطع‬
‫ألسنة الطاعنين أقرب إلى المعقول والمنقول‪ .‬وأما عثمان فله أسوة في استعمال بني‬
‫أمية بالنبي صلى ال عليه وسلم فقد استعمل عتّاب بن أسيد الموي على مكة‪ ،‬وأبا‬
‫سفيان على نجران‪ ،‬واستعمل خالد بن سعيد بن العاص‪ ،‬حتى إنه استعمل الوليد بن‬
‫عقبة‪...‬‬
‫فيقول عثمان‪" :‬أنا لم أستعمل إل من استعمله النبي صلى ال عليه وسلم ومن‬
‫جنسهم ومن قبيلتهم‪ ،‬وكذلك أبو بكر وعمر بعده‪ ،‬فقد ولّى أبو بكر يزيد بن أبي‬
‫سفيان بن حرب في فتوح الشام‪ ،‬وأقرّه عمر‪ ،‬ثم ولّى عمى بعده‪ ،‬أخاه معاوية‪ .‬وهذا‬
‫النقل عن النبي صلى ال عليه وسلم في استعمال هؤلء ثابت مشهور عنه‪ ،‬بل‬
‫متواتر عند أهل العلم‪ ،‬فكان الحتجاج على جواز الستعمال من بني أمية بالنص‬
‫الثابت عن النبي صلى ال عليه وسلم أظه َر عند كل عاقل من عوى كون الخلفة في‬
‫واحد معين من بني هاشم بالنص‪ ،‬لن هذا كذب باتفاق أهل العلم بالنقل‪ ،‬وذاك صدق‬
‫باتفاق أهل العلم بالنقل‪ .‬وأما بنو هاشم فلم يستعمل النبي صلى ال عليه وسلم منهم‬
‫إل عليّا على اليمن وجعفر على غزوة مؤتة مع موله زيد وابن رواحة"‪. "1‬‬
‫وأما توليته الوليد بن عقبة على الكوفة فليس فيه شيء‪ ،‬لن الوليد كان من أعيان‬
‫قريش‪:‬‬
‫وكان من رجال قريش ظرفًا وحلمًا وشجاعة وأدبًا‪ ،‬وكان شاعرًا شريفًا "‪"2‬ثم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم نفسه أمّره على صدقات بني المصطلق‪:‬‬
‫أسلم يوم الفتح وبعثه رسول ال صلى ال عليه وسلم على صدقات بني‬
‫المصطلق"‪."3‬‬
‫وأما سعيد بن العاص فنثبت هاهنا ما ذكره الخطيب محب الدين على هامش (المنتقى‬
‫من منهاج السنة)‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬المنتقى للذهبي‪ :‬ص ‪383-382‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬تهذيب التهذيب‪ :‬ج ‪ 11‬ص ‪.143‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬تهذيب التهذيب‪ :‬ج ‪ 11‬ص ‪ ،142‬وكتاب المحبر‪ :‬ص ‪126‬‬

‫‪76‬‬
‫"كان سعيد بن العاص في الذروة العليا من فصحاء قريش‪ ،‬وندبه عثمان عند كتابة‬
‫القرآن فأقيمت عربية القرآن على لسانه‪ ،‬لنه كان أشبههم لهجة برسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وبلغ من صدق إيمانه أن قال له عمر يومًا أنا لم أقتل أباك‪ ،‬وإنما‬
‫قتلت خالي العاص بن هشام فقال له سعيد‪ :‬ولو قتلته لكنتَ على الحق وكان على‬
‫الباطل‪ .‬وسعيد بن العاص هو فاتح طبرستان وغزا جرجان وكان في عسكره حذيفة‬
‫وغيره من كبار الصحابة‪ .‬وحسبه شرفًا ما رواه عبد ال بن عمر بن الخطاب أن‬
‫امرأة جاءت إلى النبي صلى ال عليه وسلم ببردة فقال‪ :‬إني نذرت أن أعطي هذه‬
‫البردة لكرم العرب‪ ،‬فقال لها صلى ال عليه وسلم‪ :‬أعطيها لهذا الغلم‪ .‬وهو واقف‪.‬‬
‫"‪ "1‬فإن لم تكن إقامة القرآن على لسان سعيد بن العاص مفخرة عند الرافضة‬
‫فشهادة النبي صلى ال عليه وسلم له بأنه أكرم العرب من أعظم مفاخر الدنيا‬
‫والدين‪ ،‬إل أن له عيبًا وهو أنه أحد الذين أخرجوا إيران من المجوسية إلى السلم‬
‫بتسجيل التاريخ له أنه فاتح طبرستان وقائد كبار الصحابة في غزو جرجان‪.‬‬
‫وأحاديثه في صحيح مسلم وسنن النسائي وجامع الترمذي‪ .‬ولكن الرافضة ل تعبأ‬
‫بصحيح مسلم ول بجميع دواوين السنة المحمدية مادامت مكتفية بأكاذيب كتابهم‬
‫الذي يسمونه الكافي‪ .‬ومن مفاخر سعيد بن العاص التي يموت الرافضة بسببها كمدًا‬
‫وحنقًا ما أخرجه الطبراني من طريق محمد بن قانع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن‬
‫جده قال‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم عاد سعيد بن العاص‪ ،‬فرأيته يكمده‬
‫بخرقة‪ .‬وأراد بعضهم أن يصرف هذه المنقبة إلى جد سعيد بن العاص – وهو أيضًا‬
‫يسمى سعيد بن العاص – لكن ذلك ل يمكن أن يكون إل في مكة قبل الهجرة وجد‬
‫سعيد بن العاص مشرك‪ ،‬فإن صحّ أن النبي صلى ال عليه وسلم فعل ذلك بجد سعيد‬
‫بن العاص الموي وهو مشرك فيكون ذلك من باب المودة في القربى لنهما من بني‬
‫عبد المناف‪ ،‬وسبّ الرافضة للمويين من بني عبد المناف في جاهليتهم وإسلمهم‬
‫ينافي ما كان يحتج إليه النبي صلى ال عليه وسلم من أسباب المودة في القربى‬
‫التي تقدم الكلم عليها لمناسبة ما كان النبي صلى ال عليه وسلم يبادل به أبا سفيان‬
‫في الجاهلية من أسباب هذه المودة العائلية‪ .‬وعلى ذكر حديث البردة التي نذرت‬
‫إحدى الصحابيات أن تعطيها لكرم العرب فأمرها النبي صلى ال عليه وسلم أن‬
‫تعطيها لسعيد بن العاص وكان غلمًا بعد‪ ،‬فإن هذا الحديث من أعلم النبوة‪ ،‬وقد‬
‫اكتشف النبي صلى ال عليه وسلم بنور الوحي اللهي أن سعيدًا سيكون أكرم‬
‫العرب‪ ،‬روى ابن أبي خيثمة من طريق يحيى بن سعيد قال‪ :‬قدم محمد بن عقيل بن‬
‫أبي طالب على أبيه فقال له‪ :‬من أشرف الناس؟ قال‪ :‬أنا وابن أمي‪ ،‬وحسبك بسعيد‬
‫بن العاص وقال معاوية‪ :‬كريم قريش سعيد بن العاص‪ .‬وكان مشهورًا بالكرم والبر‪،‬‬
‫حتى كان إذا سأله السائل وليس عنده ما يعطيه كتب له بما يريد أن يعطيه مسطورًا‪،‬‬
‫فلما مات كان عليه ثمانون ألف دينار فوفاها عنه ولده عمرو الشدق‪ ....‬وهذا هو‬
‫الموي الذي يعير الرافضيّ أمير المؤمنين عثمان بأنه وله الكوفة‪ ،‬مات سعيد بن‬

‫‪ - 1‬وكان هذا الغلم هو سعيد بن العاص المجاهد الفاتح الذي يعير الرافضي أمير المؤمنين عثمان بأنه وله‬
‫الكوفة‬

‫‪77‬‬
‫العاص في قصره بالعقيق سنة ‪"1"53‬ونضيف إلى ذلك أنه كان يهدي عليّا رضي‬
‫ال عنه وكان يقبل منه كما ذكره ابن سعد في طبقاته‪:‬‬
‫إن سعيد بن العاص قدم المدينة وافدًا إلى عثمان‪ ،‬فبعث إلى وجوه المهاجرين‬
‫والنصار بصلت‪ ،‬وإلى علي بن أبي طالب فقبل منه"‪"2‬فإن كان كما يذكره السبئيون‬
‫والشيعة فكيف يقبل منه صلت وهدايا؟‪ .‬وأكثر من ذلك أن سعيد بن أبي العاص هذا‪:‬‬
‫"خطب أم كلثوم بنت علي من فاطمة التي كانت زوجة عمر بن الخطاب فأجابت إلى‬
‫ذلك"‪."3‬‬
‫فارجع البصر هل ترى من فطور‪ ،‬ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئًا‬
‫وهو حسير‪.‬‬
‫فانظر إلى شهامة عمال عثمان وكرم البيت الموي كما يذكره الذهبي وغيره‪:‬‬
‫"خطب سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي بعد عمر‪ ،‬وبعث لها بمائة ألف‪ ،‬فدخل‬
‫عليها أخوها الحسين وقال‪ :‬ل تزوجيه‪ ،‬فقال الحسن‪ :‬أنا أزوّجه واتعدوا لذلك‪،‬‬
‫فحضروا فقال سعيد‪ :‬وأين أبو عبد ال؟ فقال الحسن‪ :‬سأكفيك‪ ،‬قال‪ :‬فلعل أبا عبد ال‬
‫كره هذا‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ل أدخل في شيء يكرهه ورجع ولم يأخذ من المال‬
‫شيئًا"‪."4‬‬
‫وأما عبد ال بن عامر عامل عثمان على العراق فيكفيه شرفًا أنه‪:‬‬
‫أتى به النبي صلى ال عليه وسلم وهو صغير‪ ،‬فقال‪ :‬يشبهنا وجعل يتفل عليه‬
‫ويعوذه‪ ،‬وجعل عبد ال يبتلع ريق رسول ال صلى ال عليه وسلم إنه المستقى‪،‬‬
‫فكان ل يعالج أرضًا إل ظهر له الماء‪ ...‬فكان كما قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم "‪"5‬‬
‫وزاد ابن سعد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"هذا ابننا وهو أشبهكم بنا"‪"6‬‬
‫لن جدته كانت عمة رسول ال صلى ال عليه وسلم وهي أم حكيم بنت عبد المطلب‬
‫بن هاشم "‪"7‬‬

‫‪ - 1‬المنتقى من منهاج السنة للذهبي‪ :‬ص ‪ 376-375‬الهامش‬


‫‪ - 2‬طبقات ابن سعد‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪21‬‬
‫‪ - 3‬البداية والنهاية‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪86‬‬
‫‪ - 4‬سير أعلم النبلء‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪195‬‬
‫‪ - 5‬الستيعاب ج ‪ 3‬ص ‪ ،151‬الصابة ج ‪ 3‬ص ‪ ،160‬أسد الغابة‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.191‬‬
‫‪ - 6‬طبقات ابن سعد‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪.]31‬‬
‫‪ - 7‬انظر كتاب مصعب ابن الزبير‪ :‬ص ‪.149-148‬‬

‫‪78‬‬
‫وكان سخيّا شجاعًا‪ ،‬وصولً لقرابته ولقومه‪ ،‬محببًا فيهم‪ ،‬رحيمًا "‪."1‬‬
‫ووله بلد فارس وكان عمره خمسًا وعشرين سنة‪ ،‬فافتتح خراسان كلها وأطراف‬
‫فارس وسجستان وكرمان وزابلستان "‪"2‬‬
‫كما أرسل العساكر إلى كل من قومس ونسّا وابرشهر وجام وطوس واسفرائين‬
‫وسرخس ومرو وبوشنج وزرنج"‪"3‬وهو الذي قتل كسرى في وليته "‪."4‬‬
‫وأرسل العساكر إلى الكاريان والفيشجان وناشب وبهراة وبيهق وطخارستان‬
‫‪5‬‬
‫وجوزجان والفاريان والطالقان وبلخ وخوارزم وبادغيس وأصبهان وحلوان " " ‪.‬‬
‫وافتتحت هذه البلدان كلها تحت إشرافه وبأيدي عساكره "‪"6‬وهو أول من اتخذ‬
‫الحياض بعرفة‪ ،‬وأجرى إليه العين وسقى الناس الماء‪ ،‬فذاك جار إلى اليوم "‪"7‬‬
‫وعلى ذلك قال شيخ السلم‪:‬‬
‫"إن عبد ال بن عامر له من الحسنات والمحبة في قلوب الناس ما ل ينكر"‪"8‬‬
‫وأنى للشيعة من أولهم إلى أخرهم أن يكون لهم وال مثله في الجهاد والغزوات وفي‬
‫الفتوحات وتقديم الهبات والصلت والبر بالناس وعمل الخيرات‪.‬‬
‫وأما مروان الذي طالما كثر الكلم حوله فتفصل فيه القول بعض التفصيل لنه هو‬
‫كان محور المطاعن ومركز التجريح‪ ،‬ول زال من قبل السبئية ومن فرق الشيعة‬
‫كلها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬طبقات ابن سعد ج ‪ 5‬ص ‪ ،32‬الستيعاب لبن عبد البر‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،352‬كتاب نسب قريش ص ‪149‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أسد الغابة‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،119‬طبقات ابن سعد‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪.33‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬كتاب البلدان لليعقوبي الشيعي‪ :‬ص ‪ 40‬وما بعد‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬الستيعاب لبن عبد البر‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪52‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬تاريخ خليفة ابن خياط‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.158 ،140‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬تاريخ خليفة ابن خياط‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.158 ،140‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬طبقات ابن سعد‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،34‬أسد الغابة‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،191‬البداية‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪.88‬‬

‫‪ - 8‬منهاج السنة لبن تيمية‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.190-189‬‬

‫‪79‬‬
‫فإن أكثر ما روي عنه من المطاعن والتهم من قبيل شتمه وسبابه لعليّ‪ ،‬وأخذه‬
‫خمس أفريقيا‪ ،‬ونفى والده وطرده هو معه‪ ،‬وكتابته الكتاب المزعوم لقتل محمد بن‬
‫أبي بكر وغيرها من الروايات لم ترو إل من طريق الواقدي ومحمد بن السائب‬
‫الكلبي وابنه هشام أو أبي مخنف لوط بن يحيى‪ ،‬وقد ذكرنا أحوال جميع هؤلء‬
‫الرواة بأنهم من بقايا السبئيين ومن الشيعة مع النقطاع في رواياتهم ومروياتهم‬
‫لنهم يروون ممن لم يسمعوا عنه ولم يلتقوا به‪ ،‬وعلى ذلك ل يلتفت إلى ما ورد‬
‫بطرقهم وتفردوا بنقلها مثل الطبري وابن سعد فإنهم لم يروا إل من الواقدي‪ .‬وأما‬
‫البلذري في (أنساب الشراف) فلم يروا إل من هشام الكلبي وابن مخنف‪ .‬وأما‬
‫البقية من المؤرخين فلم يأخذوا إل من هؤلء‪ .‬ولجل ذلك قال القاضي أبو بكر بن‬
‫العربي وابن حجر الهيتمي وابن تيمية والذهبي وغيرهم‪:‬‬
‫إن أكثر الخبار في ذلك مختلقة ولم يصح منه شيء "‪"1‬وبذلك صرح علماء الحديث‬
‫تحت ذكر الروايات الموضوعة أن أكثر ما ورد في هذه الروايات من ذم معاوية‬
‫وعمرو بن العاص وبني أمية وكذلك من ذم الوليد ومروان بن الحكم فهي موضوعة‬
‫مكذوبة اختلقها الكذابون الدجالون من الشيعة الذين جعلوا دينهم الكذب‪ ،‬وجعلوا‬
‫الكذب من أقدس المقدسات عندهم "‪. "2‬‬
‫كما صرح بذلك المل علي القاري في كتابه (الموضوعات)"‪ "3‬وانظر أيضًا السرار‬
‫المرفوعة في الخبار الموضوعة "‪ "4‬والمنار المنيف في الصحيح والسقيم لبن‬
‫القيم وغيرهم‪.‬‬
‫هذا قسم من المطاعن‪ .‬وأما القسم الخر فردّ عليه المؤرخون أنفسهم‪ ،‬كما ردّوا‬
‫على الكتب المزوّرة التي نسبت إلى مروان بأنه هو الذي كتبها وختم عليها عثمان‬
‫لن الختم كان عنده فقالوا إن هذا كب على الصحابة‪:‬‬
‫"إنما كتبت مزورة عليهم كما كتبوا من جهة علي وطلحة والزبير كتبًا مزوّرة‬
‫عليهم"‪."5‬‬
‫وذكر ابن خلدون‪:‬‬
‫فانصرفوا قليلً ثم رجعوا وقد لبسوا بكتاب مدلس يزعمون أنهم لقوه في يد حامله‬
‫إلى عامل مصر بأن يقتلهم‪ ،‬وحلف عثمان على ذلك‪ ،‬فقالوا مكنّا من مروان فإنه‬
‫كاتبك فحلف مروان فقال‪ :‬ليس في الحكم أكثر من هذا"‪"6‬‬
‫‪ - 1‬انظر العواصم من القواصم ص ‪ ،100‬الصواعق المحرقة ص ‪ ،68‬منهاج السنة‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،196‬المنتقى‪:‬‬
‫ص ‪ ،395‬التحفة الثنا عشرية‪ :‬ص ‪ .311‬ط‪ .‬الهند‪.‬‬
‫‪ - 2‬انظر لذلك كتابنا (الشيعة والسنة) ‪.‬‬
‫‪ - 3‬ص ‪. 106‬‬
‫‪ - 4‬ص ‪ .377‬ط‪ .‬بيروت‬
‫‪ - 5‬البداية والنهاية‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪.175‬‬
‫‪ - 6‬مقدمة ابن خلدون الفصل الثلثون في ولية العهد‪ :‬ص ‪.215‬‬

‫‪80‬‬
‫وقبل ذلك قد أعلن باختلق هذه الكتب علي بن أبي طالب رضي ال عنه دراية‬
‫وفراسة منه كما نقلنا كلمه في بداية المر بأنه قال‪:‬‬
‫"كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم‬
‫طويتم نحونا‪ ،‬هذا وال أمر أبرم بالمدينة‪ ،‬قالوا‪ :‬فضعوه على ما شئتم ل حاجة لنا‬
‫في هذا الرجل‪ ،‬ليعتزلنا"‪."1‬‬
‫هذا من ناحية الرواية‪ .‬وأما دراية فهل يعقل أن شخصًا كهذا يكون كاتبًا لسيدنا‬
‫عثمان بن عفان رضي ال عنه ول يعترض عليه أحد من كبار الصحابة بما فيهم‬
‫علي بن أبي طالب حامل راية رسول ال يوم خيبر‪ ،‬وسعد بن أبي وقاص أحد‬
‫العشرة المبشرة وفاتح إيران‪ ،‬والزبير ابن عمة رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وحواريه‪ ،‬وطلحة الذي وقى رسول ال صلى ال عليه وسلم من سهام مشركي مكة‬
‫وصار له كالترس‪ ،‬وغيرهم من أعيان الصحابة وأكابرهم؟ ول يصدر هذا الكلم الذي‬
‫يخترعونه ويختلقونه من أعيان الصحابة وأكابرهم‪.‬‬
‫ثم وهل يمكن أن يشفع له الحسن والحسين رضي ال عنهما إلى أبيهما أن يطلق‬
‫سراحه يوم كان أسيرًا عنده؟ كما ذكره الشيعة أنفسهم‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫"أخذ مروان بن الحكم أسيرًا فاستشفع له الحسن والحسين عليهما السلم إلى أمير‬
‫المؤمنين عيه السلم فكلم فيه فخلّى سبيله"‪"2‬‬
‫وهؤلء الثلثة أي علي وابناه الحسن والحسين معصومون عند الشيعة حسب‬
‫زعمهم‪ ،‬وعند السبئيين كان عليّ هو هو – أي ال – فالله يقبل الشفاعة ويطلق‬
‫السراح لشخص يكون متصفًا بتلك الوصاف التي وصفه بها القوم كذبًا ومينًا؟‪.‬‬
‫وأكثر من ذلك‪ .‬نعم أكثر من ذلك قد ذكر كبير القوم المجلسي حديثًا في كتابه عن‬
‫موسى بن جعفر عن جعفر أنه قال‪:‬‬
‫"كان الحسن والحسين يصليان خلف مروان بن الحكم فقالوا‪ :‬لحدهما (أي لموسى‬
‫أو جعفر)‪ :‬ما كان أبوك يصلي إذا رجع إلى البيت؟ فقال‪ :‬وال ل‪ ،‬ما كان يزيد على‬
‫صلة"‪."3‬‬
‫ومثل ذلك ذكره ابن كثير في تاريخه"‪."4‬‬
‫كما ذكر المام البخاري في تاريخه عن شرحبيل بن سعد قال‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪105‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬نهج البلغة‪ :‬ص ‪ 123‬في خطبة له عليه السلم علم فيه الصلة على النبي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬بحار النوار لمجلسي‪ :‬ج ‪ 10‬ص ‪139‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬ج ‪ 8‬ص ‪258‬‬

‫‪81‬‬
‫"رأيت الحسن والحسين يصليان خلف مروان"‪."1‬‬
‫هل بعد هذا شك لشاك بأن هذه التهم كانت كلها باطلة ومختلقة‪ ،‬ل صحة لها على‬
‫الطلق‪ ،‬ولو كان فيها شيء من الصحة لما كانت معاملة علي وأهل بيته له مثل ما‬
‫ذكر في كتب الشيعة أنفسهم‪.‬‬
‫هذا ولقد ذكر المؤرخون كثيرًا من الوقائع التي تنبئ وتثبت صراحة عكس ما ذكره‬
‫السبئيون وما يعيده الشيعة في مختلف الدوار‪ .‬ومنها ما ذكروه أن علي بن الحسين‬
‫الملقب بزين العابدين – وهو المام المعصوم الرابع عند القوم – استقرض من‬
‫مروان ستة آلف دينار ومائة ألف درهم‪ ،‬فلما حضرته الوفاة أوصى ابنه عبد الملك‬
‫أن ل يسترجع من علي بن الحسين شيئًا مما كان أقرضه "‪. "2‬‬
‫ثم إن ابنة علي رضي ال عنه أل وهي رملة زوّجت من ابن مروان هذا‪ ،‬كما ذكر‬
‫هذا الزواج عديد من النسابين‪:‬‬
‫"كان رملة بنت علي عند أبي الهياج – الهاشمي – واسمه عبد ال بن سفيان بن‬
‫أبي الحارث بن عبد المطلب ولدت له وقد انقرض ولد سفيان بن الحارث‪ ،‬ثم خلف‬
‫عليها معاوية بن مروان بن الحكم"‪."3‬‬
‫وكذلك زينب بنت الحسن المثنى كانت متزوجة من حفيد مروان وليد بن عبد الملك‪،‬‬
‫وكانت زينب هذه نجيبة الطرفين حيث أنها حسنية من قبل أب وحسينية من قبل الم‪،‬‬
‫فإن أمها كانت فاطمة بنت الحسين بن علي‪.‬‬
‫ولقد ذكر هذا الزواج أيضًا عديد من أصحاب النساب‪:‬‬
‫"وكانت زينب بنت الحسن بن الحسن بن علي عند الوليد بن عبد الملك بن مروان‬
‫وهو خليفة"‪."4‬‬
‫وكذلك تزوج الوليد بن عبد الملك هاشمية علوية أخرى نجيبة الطرفين‪ .‬أل وهي‬
‫نفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب سبط الرسول‪ ،‬وأم نفيسة كانت‬
‫لبابة بنت عبد ال بن عباس بن عبد المطلب‪ .‬وقد ذكر هذا الزواج نسابة شيعي‬
‫مشهور كما ذكرنا من قبل‪:‬‬
‫"وكان لزيد ابنة أمها نفيسة خرجت إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان‪ ،‬فولدت‬
‫منه"‪."5‬‬

‫‪ - 1‬التاريخ الصغير للبخاري‬


‫‪ - 2‬البداية والنهاية‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪ 249‬وج ‪ 9‬ص ‪.105‬‬
‫‪ - 3‬نسب قريش لمصعب الزبيري تحت ذكر أولد علي بن أبي طالب‪ :‬ص ‪ ،45‬جمهرة أنساب العرب لبن حزم‬
‫تحت ذكر ولد مروان‪ :‬ص ‪. 87‬‬
‫‪ - 4‬نسب قريش تحت أولد الحسن المثنى‪ :‬ص ‪ ،52‬جمهرة أنساب العرب‪ :‬ص ‪108‬‬

‫‪82‬‬
‫وهناك مصاهرات أخرى ذكرها أصحاب النساب‪.‬‬
‫فهذه هي شهادات التاريخ وشهادات الشيعة أنفسهم بأن الفاطميات والعلويات‬
‫تزوجن من أبناء مروان وأحفاده‪ ،‬فإن كان مروان كما يصفه الواصفون‪ ،‬وكما يكذب‬
‫عليه الكذابون فكيف كان هذا؟ وما الجواب عنه؟‪.‬‬
‫والجواب يعلمه المنصفون لول وهلة أنه لم يكن هناك شيء إل ما اختلقه السبئيون‬
‫أبناء اليهود ومن سلك مسلكهم‪ ،‬وإل فهل يعقل من أولد عليّ رضي ال عنه بأنهم‬
‫يزوّجون بناتهم من أبناء مروان وأحفاده إن كان مروان كما قيل عنه وكما يقال؟‪.‬‬
‫وأما اتهام السبئيين ومن خلفهم بأن عثمان كان يؤثر أهله بالموال الكثيرة من بيت‬
‫المال فل يثبت في ذلك شيء لن عثمان ر ّد على السبئيين يوم ذاك كما نقلنا مقدمًا‬
‫أنه قال‪:‬‬
‫"وأما إعطاءهم فإني أعطيهم من مالي ول أستحل أموال المسلمين لنفسي ول لحد‬
‫من الناس‪ ،‬ولقد كنت أعطي العطية الثمينة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي وفني عمري وودعت الذي‬
‫لي في أهلي"‪."1‬‬
‫وقد أقر المخالفون لعثمان حينما قال لهم‪:‬‬
‫"وإني قد ولّيت وإني أكثر العرب شاة وبعيرًا ومالً‪ ،‬فمالي اليوم شاة ول بعير غير‬
‫البعيرين لحجي‪ ،‬أكذلك؟ قالوا‪ :‬اللهم نعم"‪. "2‬‬
‫ثم كل ما ورد بعد هذا ليس إل من اختلق السبئية الذين تعودوا على تكرار الكذب‬
‫والصرار عليه ليورثوا الضغائن والحقاد ضد رحماء رسول ال وأصهاره وضد‬
‫رفاق رسول ال وتلمذته وأحبائه‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن رواة هذه الشياء هم نفس الرواة الذين ينقلون الكاذيب في‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يفخمونها ويكبرونها‪ ،‬بل ويختلقونها‬
‫ويخترعونها من الواقدي الرافضي‪ ،‬ولوط بن يحيى أبي مخنف الشيعي‪ ،‬ل عن واحد‬
‫من الثقات ومن رواة السنة‪ ،‬ولقد قدمنا الكلم في هؤلء في بداية البحث‪ ،‬فل التفات‬
‫إلى رواياتهم الكاذبة الموضوعة ول اعتبار بها‪.‬‬
‫فلم يأت عثمان بمنكر‪ .‬ل في أول المر ول في آخره‪ ،‬ول جاء الصحابة بمنكر‪ ،‬وكل‬
‫ما سمعت من خبر باطل إياك أن تلتفت إليه‪.‬‬

‫‪ - 5‬عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب بجمال الدين بن عنبة الشيعي‪ :‬ص ‪ 70‬تحت أولد زيد بن الحسن‪،‬‬
‫طبقات ابن سعد‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪34‬‬
‫‪ - 1‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪103‬‬
‫‪ - 2‬أيضًا‪ ،‬ومثل ذلك في البداية والنهاية لبن كثير‪ :‬ص ‪.169‬‬

‫‪83‬‬
‫ومثل ذلك قال أمير المؤمنين في الحديث المام البخاري عن الحسن بن علي أنه‬
‫قال‪:‬‬
‫"عمل أمير المؤمنين عثمان ثنتي عشرة سنة ل ينكرون من إمارته شيئًا حتى جاء‬
‫فسقة فداهن وال في أمره أهل المدينة"‪. "1‬‬
‫وبذلك شهد محمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وعبد ال بن عمر أنه لم يكن هناك‬
‫شيء‪ ،‬بل كان ما كان هو مؤامرة دبّرها عبد ال بن سبأ بمؤامرة خالد بن ملجم‬
‫وسودان بن حمران وكنانة بن بشر وغيرهم "‪."2‬‬
‫وجمعوا حولهم قومًا لحقاد اعتقدوها ممن طلب أمرًا فلم يصل إليه‪ ،‬وحسد حساد‬
‫أظهر داؤها‪ ،‬وحمله على ذلك قلة دين وضعف يقين‪ ،‬وإيثار العاجلة على الجلة‬
‫"‪."3‬‬
‫"والجدير بالذكر أن سودان بن حمران وخالد بن ملجم كانا من الذين نظر إليهم عمر‬
‫بن الخطاب في إمرته فأعرض عنهم ثم أعرض ثم عرض حتى قيل‪ :‬مالك ولهؤلء؟‬
‫فقال‪ :‬إني عنهم لمتردد‪ ،‬وما مرّ بي قوم من العرب أكره إلي منهم"‪. "4‬‬
‫وأما ضربه ابن مسعود وعمارًا ونفيه أبا ذر إلى الربذة فلم يثبت شيء منه‪ ،‬كلها‬
‫أباطيل وأكاذيب‪ ،‬اللهم إل أنه اختلف مع ابن مسعود على حمله الناس على مصحف‬
‫واحد حيث إن ابن مسعود كان يعارضه‪ ،‬والمة قاطبة وعلى رأسهم أصحاب رسول‬
‫ال كانوا مع عثمان‪ ،‬ول زال مصحفه هو متداو ًل بين الناس‪ .‬فلم ينقل عن الثقات‬
‫أنه ضرب ابن مسعود حتى مات‪ ،‬ولم يذكره السبئيون فيما ذكروا من تهمهم على‬
‫عثمان‪.‬‬
‫وأما قضية عمار فقد كان كل ما فيه كما ذكره المؤرخون أنه كان بينه وبين عباس‬
‫بن عتبة بن أبي لهب خلف فأدبهما عثمان بالضرب ولم يكن بينهم شيء‪ ،‬ولجل‬
‫ذلك أرسل أمير المؤمنين عثمان عمارًا فيمن أرسل لستخبار أحوال المسلمين‬
‫واكتشاف أمورهم كما مرّ ذلك مقدمًا"‪."5‬‬
‫نعم استغل السبئيون وجوده في مصر والتفوا حوله وأثاروا حفيظته ليستميلوه‬
‫إليهم‪ ،‬فلما وصل المدينة عاتبه عثمان على ممالته السبئيين وقال له‪:‬‬
‫"يا أبا اليقظان قذفت ابن أبي لهب قذفك‪ ...‬وغضبت على أن أخذت لك بحقك وله‬

‫‪ - 1‬التاريخ الصغير للمام البخاري‪ :‬ص ‪ 32‬تحت ذكر من مات في خلفة عثمان‪.‬‬
‫‪ - 2‬تاريخ الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،99‬تاريخ ابن خلدون تحت ذكر بدء النتفاض على عثمان ص ‪138‬‬
‫‪ - 3‬العواصم من القواصم لبن العربي‪ :‬ص ‪111‬‬
‫‪ - 4‬انظر لذلك الطبري‪ :‬ج ‪ 4‬ص ‪.86‬‬
‫‪ - 5‬انظر تاريخ الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫بحقه‪ ،‬اللهم قد وهبت ما بيني وبين أمتي من مظلمة‪ ،‬اللهم إني متقرب إليك بإقامة‬
‫حدودك في كل أحد ول أبالي"‪."1‬‬
‫وأما أمر أبي ذر فنذكر لبيان الحقيقة عبارة من تاريخ ابن خلدون حيث يذكر مطعن‬
‫السبئيين على سيدنا عثمان لقلب حكم المسلمين ويذكر حقيقة هذا الطعن بقوله‪:‬‬
‫وكان مما أنكروه على عثمان إخراج أبي ذر من الشام ومن المدينة إلى الربذة وكان‬
‫الذي دعا إلى ذلك شدّة الورع من أبي ذر وجعل الناس على شدائد المور والزهد في‬
‫الدنيا وأنه ل ينبغي لحد أن يكون عنده أكثر من قوت يومه ويأخذ بالظاهر في ذم‬
‫الدخار بكنز الذهب والفضة وكان ابن سبأ يأتيه فيغريه بمعاوية ويعيب قوله المال‬
‫مال ال ويوهم أنّ في ذلك احتجانه للمال وصرفه على المسلمين حتى عتب أبو ذر‬
‫معاوية فاستعتب له وقال سأقول مال المسلمين‪ ،‬وأتى ابن سبأ إلى أبي الدرداء‬
‫وعبادة بن الصامت بمثل ذلك فدفعوه وجاء به عبادة إلى معاوية وقال هذا الذي بعث‬
‫عليك أبا ذر ولما كثر ذلك على معاوية شكاه إلى عثمان فاستقدمه وقال له ما لهل‬
‫الشام يشكون منك؟ فأخبره‪ ،‬فقال يا أبا ذر ل يمكن حمل الناس على الزهد وإنما عليّ‬
‫أن أقضي بينهم بحكم ال وأرغبهم في القتصاد‪ ،‬فقال أبو ذر ل نرضى من الغنياء‬
‫حتى يبذلوا المعروف ويحسنوا للجيران والخوان ويصلوا القرابة‪ ،‬فقال له كعب‬
‫الحبار من أدّى الفريضة فقد قضى ما عليه فضربه أبو ذر فشجه‪ ،‬وقال يا ابن‬
‫اليهودية ما أنت وهذا! فاستوهب عثمان من كعب شجته فوهبه‪ ،‬ثم استأذن أبو ذر‬
‫عثمان في الخروج من المدينة وقال إنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرني‬
‫بالخروج منها إذا بلغ البناء سلعًا‪ ،‬فأذن له ونزل بالربذة وبنى بها مسجدًا وأقطعه‬
‫عثمان صرمة من البل وأعطاه مملوكين وأجرى عليه رزقًا وكان يتعاهد المدينة فعدّ‬
‫أولئك الرهط خروج أبي ذر فيما ينقمونه على عثمان"‪."2‬‬
‫وقد ثبت بذلك أشياء منها‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أن أبا ذر رضي ال عنه لشدة ورعه وزهده وسذاجته انطلى عليه أكاذيب عبد‬
‫ال بن سبأ‪ ،‬وهو الذي كان يحرضه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬كان رضي ال عنه يقول بأقوال ويدعوا الناس إلى آراء لم يأخذ بها أحد من‬
‫الصحابة ولم يعمل بها أحد من حكام المسلمين وحتى عليّ لم يعمل بها في إمرته‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬كان معاملة عثمان معه معاملة الرفق والرفيق‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬شدة أبي ذر بآرائه وأفكاره‪ ،‬وضربه كعب الحبار وجرحه إياه‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬شفاعة عثمان إلى كعب الحبار لعدم القتصاص منه وطلبه العفو والسمح‪.‬‬

‫‪ - 1‬تاريخ دمشق لبن عساكر‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪429‬‬


‫‪ - 2‬ابن خلدون‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪139‬‬

‫‪85‬‬
‫سادسًا‪ :‬استيذان أبي ذر عثمان في الخروج من المدينة امتثالً بقول رسول ال‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬نزوله الربذة برضاه‪ ،‬ل نفيًا ول طردًا من عثمان‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬لم يكن الربذة خلء ول صحراء كما يصورها العداء‪ ،‬بل كان فيها عمران‬
‫حتى بني بها مسجدًا‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬إقطاع عثمان إياه صرمة من البل وإعطاؤه إياه مملوكين للخدمة‪ ،‬وإجراء‬
‫الرزاق عليه‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬لم يكن منفيّا ومطرودًا حيث كان يتعاهد المدينة‪.‬‬
‫فتــلــــك عـشـرة كــامــلــة‬
‫والجدير بالذكر أن الربذة لم تكن بعيدة من المدينة لن بنيهما ثلثة أميال فقط‪ ،‬وقال‬
‫ياقوت‪ :‬وكانت في أحسن منزل في طريق المدينة"‪."1‬‬
‫وعلى ذلك قال أبو بكر ابن العربي‪:‬‬
‫"وأما نفيه أبا ذر إلى الربذة فلم يفعل"‪."2‬‬
‫ونقل الذهبي عن الحسن البصري أنه قال‪:‬‬
‫"معاذ ال أن يكون أخرجه عثمان"‪."3‬‬
‫ومثل هذا روي عن زوجة أبي ذر أنها قالت‪:‬‬
‫"وال ما سير عثمان أبا ذر إلى ربذة"‪."4‬‬
‫وأما عدم أخذه القصاص من عبيد ال بن عمر على قتله هرمزان فالغريب أن الشيعة‬
‫يقولون بهذا القول‪ ،‬الذي يدعون موالة علي رضي ال عنه ومشايعته‪ ،‬وأنّى لهم‬
‫تلك وهم أنفسهم يذمون كل من طالب عليها قصاص عثمان ممن قتله؟‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ولقد ثبت أن الهرمزان كان واحدًا ممن دبروا اغتيال الفاروق العظم رضي‬
‫ال عنه وقتله‪ ،‬وهاهو عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي ال عنهما يذكر غداة‬
‫طعن عمر‪:‬‬

‫‪ - 1‬هوامش المنتقى‪ :‬ص ‪380‬‬


‫‪ - 2‬انظر العواصم من القواصم‪ :‬ص ‪73‬‬
‫‪ - 3‬المنتقى‪ :‬ص ‪ .396‬ط‪ .‬مصر‬
‫‪ - 4‬نفس المصدر والصفحة ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫مررت بأبي لؤلؤة عشي أمس‪ ،‬ومعه جفينة والهرمزان وهم نجيّ‪ ،‬فلما رهقتهم‬
‫ثاروا وسقط منهم خنجر له رأسان‪ ،‬نصابه في وسطه‪ ،‬فانظروا بأي شيء قتل وقد‬
‫تخلل أهل المسجد وخرج في طلبه رجل بني تميم‪ ،‬فرجع إليهم التميمي وقد كان ألظّ‬
‫بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر حتى أخذه فقتله وجاء بالخنجر الذي وصفه عبد‬
‫الرحمن"‪."1‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إن القمازبان بن الهرمزان عفى عنه وغفر له قتل أبيه‪ ،‬وهاهو النص كما‬
‫رواه أبو المنصور أنه قال‪:‬‬
‫سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه قال‪ :‬كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى‬
‫بعض‪ ،‬فمرّ فيروز بأبي ومعه خنجر له رأسان فتناوله منه وقال‪ :‬ما تصنع بهذا في‬
‫هذه البلد؟‪ .‬فقال‪ :‬ابس به‪ ،‬فرآه رجل‪ .‬فلما أصيب عمر قال‪ :‬رأيت هذا مع الهرمزان‬
‫دفعه إلى فيروز‪ ،‬فأقبل عبيد ال فقتله‪ ،‬فلما ولّى عثمان دعاني فأمكنني منه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫يا بني هذا قاتل أبيك وأنت أولى به وما في الرض أحد إل معي إل أنهم يطلبون إلي‬
‫فيه‪ ،‬فقلت لهم‪ :‬إلى قتله؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬وسبوا عبيد ال‪ ،‬فقلت‪ :‬أفلكم أن تمنعوه؟‬
‫قالوا‪ :‬ل وسبّوه‪ ،‬فتركته ل ولهم‪ ،‬فاحتملوني‪ .‬فوال ما بلغت المنزل إل على رؤوس‬
‫الرجال وأكفهم "‪."2‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن عثمان دفع ديته من ماله‪:‬‬
‫قال عثمان‪ :‬أنا وليّه وقد جعلتها دية واحتملتها في مالي "‪."3‬‬
‫أو بعد هذا مجال لقائل أن يقول‪ ،‬وطاعن أن يطعن؟‪.‬‬
‫وأما قضية الذان الثاني في الجمعة فلم يكن مما اعترضه عليه السبئيون‪ ،‬وهذا من‬
‫زيادات أسلفهم‪ ،‬وعلى ذلك نقول لهم‪ :‬هل عليّ أزال هذا الذان حينما تولّي‬
‫الخلفة؟‪.‬‬
‫والثابت أنه لم يزل طيلة خلفته‪ ،‬فلماذا سكت على هذا المنكر إن كان منكرًا؟‪ .‬ولم‬
‫الطعن على عثمان دون عليّ إن كان هذا من المطاعن؟‪.‬‬
‫وبذلك قال الذهبي‪:‬‬
‫وأما زيادات الذان الثاني يوم الجمعة فعليّ ممن وافق على ذلك في خلفته ولم يزله‬
‫وإبطال هذا كان أهون عليه من عزل معاوية وغيره من قتالهم‪ .‬فإن قيل إن الناس ل‬
‫يوافقونه على إزالة الذان قلنا‪ :‬فهذا دليل على أن الناس وافقوا عثمان على‬

‫‪ - 1‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪.42‬‬


‫‪ - 2‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪44-43‬‬
‫‪ - 3‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪41‬‬

‫‪87‬‬
‫الستحباب حتى مثل عمار وسهل بن حنيف والسابقين‪ .‬وإن اختلفوا فهي من مسائل‬
‫الجتهاد "‪."1‬‬
‫هذا ما قاله السبئية وطعنوا له على عثمان المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان‬
‫ذي النورين رضي ال عنه حتى ألّبوا الناس عليه وقتلوه خدعة ومكرًا‪ ،‬غدرًا‬
‫وطغيانًا‪ ،‬بعدما أراد علي وسبطا رسول ال الحسن والحسين وطلحة والزبير وزيد‬
‫بن ثابت وعبد ال بن عمر وأبو هريرة وعبد ال بن الزبير الدفاع عنه والمقاتلة‬
‫دونه‪ ،‬وغيرهم الكثيرون حتى جاءه زيد بن ثابت النصاري فقال له‪ :‬إن هؤلء‬
‫النصار بالباب يقولون‪ :‬إن شئت كنا أنصار ال مرتين‪ ،‬فقال له عثمان‪ :‬ل حاجة لي‬
‫في ذلك‪ ،‬كفّوا"‪."2‬‬
‫وقد ذكر ذلك ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي‪:‬‬
‫ومانعهم الحسن بن علي وعبد ال بن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان وسعيد بن‬
‫العاص وجماعة معهم من أبناء النصار‪ ،‬فزجرهم عثمان وقال‪ :‬أنتم في حل من‬
‫نصرتي فأبوا"‪."3‬‬
‫وأيضًا نهى عليّ أهل مصر وغيرهم عن قتل عثمان قبل قتله مرارًا‪ ،‬نابذهم بيده‬
‫وبلسانه وبأولده "‪ :"4‬وقد ذكر ذلك المؤرخ الشيعي المسعودي ببعض التفصيل وقد‬
‫ذكرناه من قبل‪ ،‬ونعيد عبارته في آخر الكلم لن فيه تذكرة لمن يتذكره وإن في ذلك‬
‫لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد‪:‬‬

‫‪ - 1‬المنتقى‪ :‬ص ‪399‬‬


‫‪ - 2‬أنساب الشراف للبلذري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪73‬‬
‫‪ - 3‬شرح نهج البلغة لبن أبي الحديد‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ 197‬تحت محاصرة عثمان ومنعه الماء‬
‫‪ - 4‬نفس المصدر ج ‪ 3‬ص ‪ 449‬تحت أنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫فلما بلغ عليّا أنهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن والحسين مع مواليه بالسلح إلى‬
‫بابه لنصرته‪ ،‬وأمرهم أن يمنعوه منهم‪ ،‬وبعث الزبير ابنه عبد ال‪ ،‬وبعث طلحة ابنه‬
‫محمدًا‪ ،‬وأكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداء بمن ذكرنا‪ ،‬فصدّوهم عن الدار‪،‬‬
‫فرمى من وصفنا بالسهام‪ ،‬واشتبك القوم‪ ،‬وجرح الحسن‪ ،‬وشج قنبر‪ ،‬وجرح محمد‬
‫بن طلحة‪ ،‬فخشي القوم أن يتعصب بنو هاشم وبنو أمية‪ ،‬فتركوا القوم في القتال‬
‫على الباب‪ ،‬ومضى نفر منهم إلى دار قوم من النصار فتسوروا عليها‪ ،‬وكان ممن‬
‫وصل إليه محمد بن أبي بكر ورجلن آخران‪ ،‬وعند عثمان زوجته‪ ،‬وأهلُه ومواليه‬
‫مشاغيل بالقتال‪ ،‬فأخذ محمد بن أبي بكر بلحيته‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬وال لو رآك أبوك‬
‫لساءه مكانك فتراخت يده‪ ،‬وخرج عن الدار‪ ،‬ودخل رجلن فوجداه فقتله وكان‬
‫المصحف بين يديه يقرأ فيه‪ ،‬فصعدت امرأته فصرخت وقالت‪ :‬قد قتل أمير المؤمنين‪،‬‬
‫فدخل الحسن والحسين ومن كان معهما من بني أمية‪ ،‬فوجدوه قد فاضت نفسه‬
‫رضي ال عنه‪ ،‬فبكوا‪ ،‬فبلغ ذلك عليّا وطلحة والزبير وسعدًا وغيرهم من المهاجرين‬
‫والنصار‪ ،‬فاسترجع القوم‪ ،‬ودخل عليّ الدار‪ ،‬وهو كالواله الحزين‪ ،‬وقال لبنيه‪:‬‬
‫طمَ الحسن وضرب صدر الحسين‪،‬‬ ‫كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟‪ .‬ولَ َ‬
‫‪1‬‬
‫وشتم محمد بن طلحة‪ ،‬ولعن عبد ال بن الزبير" " فهل لهم أن ينتهوا؟‪.‬‬

‫ولكن ل حياة لمن تنادي‬ ‫لقد أسمعت لو ناديت حيّا‬

‫ونختم هذا الباب على حديث رواه البخاري‪:‬‬


‫عن أنس رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم صعد أحدًا وأبو بكر وعمر‬
‫وعثمان‪ ،‬فرجف بهم فضربه برجله فقال‪ :‬اثبت أحد‪ ،‬فإنما عليك نبي وصديق‬
‫وشهيدان " صحيح البخاري "‪.‬‬
‫وعلى حديث آخر رواه البخاري ومسلم أيضًا‪:‬‬

‫‪ - 1‬مروج الذهب للمسعودي الشيعي‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.345-344‬‬

‫‪89‬‬
‫عن أبي موسى الشعري رضي ال عنه قال‪ :‬كنت مع النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫حائط من حيطان المدينة‪ ،‬فجاء رجل فاستفتح‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬افتح‬
‫له وبشّره بالجنة‪ ،‬ففتحت له فإذا أبو بكر فبشرته بما قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فحمد ال‪ ،‬ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬افتح له‬
‫وبشّره بالجنة ففتحت له فإذا عمر فأخبرته بما قال النبي صلى ال عليه وسلم فحمد‬
‫ال‪ ،‬ثم استفتح رجل فقال لي‪ :‬افتح له وبشّره بالجنة على بلوى تصيبه‪ .‬فإذا عثمان‬
‫فأخبرته بما قال النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فحمد ال‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال المستعان "متفق‬
‫عليه"‪.‬‬
‫وأخيرًا ما رواه الترمذي وابن ماجة عن مرة بن كعب قال‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم ذكر الفتن فقرّبهما‪ ،‬فمر رجل مقنع في ثوب‬
‫فقال‪ :‬هذا يومئذ على الهدى فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان‪ ،‬قال‪ :‬فأقبلت عليه‬
‫بوجهه – أي النبي صلى ال عليه وسلم – فقلت‪ :‬هذا؟‪ .‬فقال‪ :‬نعم‬
‫"رواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث صحيح"‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫فهذا هو عثمان بن عفان رضي ال عنه على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وهذا هو شأنه‪ ،‬وهذا هو ما فعله السبئيون والمخدوعون بهم‪ ،‬وهذه هي المطاعن‬
‫المزوّرة التي اخترعوها لقلب نظام الحكم السلمي الراشد "‪ "1‬ولبثّ سموم الفتنة‬
‫بين المسلمين وتزحزحهم عن العقائد السلمية الصحيحة وردّهم بالمرحلة الولى‬
‫بقتل أمير المؤمنين وخليفة المسلمين والتفريق بين الجماعة الواحدة والمة‬
‫المرحومة‪ ،‬ثم تخطوا بعد ذلك بخطوة أخرى أل وهي اليقاع بين المسلمين وإشعال‬
‫نيران الحرب بينهم وإثارة الفتن والبغضاء‪ ،‬ثم إبعادهم عن العقائد السلمية‬
‫الصحيحة وإدخالهم في العقائد اليهودية المدسوسة والفكر اللإسلمي‪ ،‬وفعلً نجحوا‬
‫في المرحلة الثانية أيضًا أل وهي إيقاع الفتن بين المسلمين والهرج والمرج حتى‬
‫ينفلتوا عن الجهاد في سبيل ال ويرجعوا لضرب بعضهم بعضًا‪ ،‬وينحصر القتال فيما‬
‫بينهم ويدور بين فئاتهم وأحزابهم بعدما كانت تدور رحاها على ثغور الكفر وبلد‬
‫الشرك والوثنيات‪ .‬وسنلخص القول في الباب القادم ما حصل فعلً بأن الرقاع‬
‫السلمية التي اتسعت في عهد عثمان امتدادًا لتساع الفاروق والصديق انحصرت‬
‫على ما كانت عليه في عهد علي رضي ال عنه‪ ،‬وبدأ علي رضي ال عنه يشكو‬
‫ويقول متأسفًا‪:‬‬
‫(أوصيكم عباد ال بتقوى ال‪ ،‬فإنها خير ما تواصى به العباد وخير عواقب المور‬
‫عند ال‪ ،‬وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة)"‪. "2‬‬
‫فبدل أن يتوجه المسلمون إلى أعداء ال وأعداء رسوله وأعداء هذه المة بدأت‬
‫سيوفهم تتفلل فيما بينهم‪ .‬وهذا ما كانت تريده اليهودية البغيضة وهذا ما حصل كما‬
‫نحن بصدد بيانه وذكره‪.‬‬

‫تطوّر التشيع الول والشيعة الولى‬


‫ودَور السبأية بعد مقتل عثمان رضي ال عنه وأيام علي رضي ال عنه‬

‫‪ - 1‬ومن المؤسف جدّا بأن كثيرًا ممن يدعون النتساب إلى السنة تأثروا من دعايات السبائية الكثيرة المكررة فلم‬
‫يفرقوا بين الحق والباطل وأطلقوا عنان أقلمهم لنقل هذه الخرافات والخزعبلت دون النظر إلى الكاذيب السبائية‬
‫وأباطيلها‪ ،‬ودون التمييز بين الغث والسمين فقالوا ما قالوا وكتبوا ما كتبوا – وما أكثرهم – وما أبعدهم عن الحق‬
‫والصواب مع انتسابهم إلى العلم والزعامة الدينية‬
‫‪ - 2‬نهج البلغة ص ‪ 367‬ط‪ .‬بيروت‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫لم يكن قصدنا من كتابة هذا الكتاب أن نسرد وقائع تاريخية حدثت‪ ،‬بل ما قصدنا هو‬
‫سرد تاريخ السبئية وما قاموا بها من شنائع واقترفوا من الجرائم والمآثم وارتكبوا‬
‫من الفضائح والوقاحات ولكنه لما كنا نحتاج لسرد تاريخ هذه الفئة الباغية التي‬
‫أسست في السلم عقائد خاصة‪ ،‬وكوّنت فرقًا مخصوصة‪ ،‬اضطررنا لسرد بعض‬
‫الحوادث التاريخية التي حدثت وللسبئية فيها دخل كبير بل لم تكن لتقع لول دسائسها‬
‫ومؤامراتها‪ ،‬وليكون لنا بتوفيق ال وتقديره وتيسيره في هذه الحوادث والوقائع‬
‫كتاب مستقل ومنزه عن الخرافات والسخافات‪ ،‬وخال من القصص والساطير‪،‬‬
‫ومجرد عن الكاذيب والباطيل التي طالما استعملها أعداء السلم وأعداء أمة محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم للنيل من أسلفها وأكابرها‪ .‬وما ذلك على ال بعزيز‪.‬‬
‫ويكون بحثنا مقتصرًا على الحوادث التي تتعلق بموضوعنا فقط‪ ،‬ونتجنب وقائع‬
‫أخرى لعدم علقتها بموضوعنا علقة مباشرة قاصدين الختصار دون الطناب‬
‫والتطويل‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫لما قتل المام المظلوم عثمان بن عفان – رضي ال عنه – بقيت المدينة خمسة أيام‬
‫ل أمير لها‪ .‬أو أميرها واحد من قتلة عثمان هو الغافقي بن حرب وحوله السبئيون‬
‫وقتلة عثمان‪ ،‬وأهواؤهم مختلفة فيمن يجعلونه خليفة بعد عثمان أمير المؤمنين‪،‬‬
‫اللهم إل السبئية منهم فإنهم لم ينادوا إل باسم عليّ – رضي ال عنه – ولم يتستروا‬
‫إل وراءه وهو منهم بريء‪ ،‬ولقد مرّ مقدّما أن عبد ال بن سبأ اليهودي الماكر‬
‫الخبيث الذي كان وراء كل هذه المؤامرات كان مع المصريين‪ ،‬فاختلفت آراء البغاة‬
‫والطغاة والوباش السفلة "‪ ،"1‬فقوم يريدون طلحة‪ ،‬وقوم يريدون الزبير‪ ،‬وقوم‬
‫يريدون عليّا‪ ،‬وكل واحد منهم يأبى وينكر لما يعرف منهم الخبث والطغيان‬
‫والشتراك في مؤامرة مدبرة لهدم كيان السلم والقضاء على الدولة السلمية‪،‬‬
‫المترامية الطراف‪ ،‬التي لم تتسع رقعتها إل في عصر عثمان الذهبي‪ ،‬والعصر الذي‬
‫يندر مثيله في تاريخ السلم في كثرة الغزوات والفتوحات‪ ،‬ثم ييئسون من هؤلء‬
‫الثلثة ويذهبون إلى سعد بن أبي وقاص فاتح إيران‪ .‬ومن ثم إلى ابن الخليفة‬
‫الفاروق العظم عبد ال بن عمر‪ ،‬فلم يكن جوابهما إل ما أجاب بهم الثلثة من‬
‫العشرة المبشّرة‪ .‬وإليك ما ذكره أقدم المؤرخين الطبري ووافقه عليه كل من ابن‬
‫كثير وابن الثير وابن خلدون وغيرهم‪:‬‬

‫‪ - 1‬ولقد سماهم بهذه السماء كل من ابن العربي وابن تيمية وغيرهم ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫حدثنا محمد بن عبد ال وطلحة بن العلم وأبو حارثة وأبو عثمان قالوا‪ :‬بقيت‬
‫المدينة بعد قتل عثمان – رضي ال عنه – خمسة أيام وأميرها الغافقي بن حرب‬
‫يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالمر‪ ،‬فل يجدونه‪ .‬يأتي المصريون عليّا فيختبئ‬
‫منهم ويلوذ بحيطان المدينة‪ ،‬فإذا لقوه باعدهم وتبرأ منهم ومن مقالتهم مرة بعد‬
‫مرة‪ ،‬ويطلب الكوفيون الزبير فل يجدونه فأرسلوا إليه حيث هو رسلً فتبرأ من‬
‫مقالتهم‪ ،‬ويطلب البصريون طلحة فإذا لقيهم باعدهم وتبرأ من مقالتهم مرة بعد مرة‬
‫وكانوا مجتمعين على قتل عثمان‪ ،‬مختلفين فيمن يهوون‪ ،‬فلما لم يجدوا ممالئًا ول‬
‫مجيبًا جمعهم الشر على أول من أجابهم وقالوا‪ :‬ل نولي أحدًا من هؤلء الثلثة‪،‬‬
‫فبعثوا إلى سعد بن أبي وقاص وقالوا‪ :‬إنك من أهل الشورى فرأينا فيك مجتمع فأقدم‬
‫نبايعك‪ ،‬فبعث إليهم أني وابن عمر خرجنا منها فل حاجة لي فيها على حال‪ ،‬وتمثل‪:‬‬

‫واخلع ثيابك منها وانج عريانا‬ ‫ل تخلطن خبيثات بطيبة‬

‫‪93‬‬
‫ثم أنهم أتوا ابن عمر عبد ال فقالوا‪ :‬أنت ابن عمر فقم بهذا المر‪ ،‬فقال‪ :‬إن لهذا‬
‫المر انتقامًا وال ل أتعرض له فالتمسوا غيري‪ ،‬فبقوا حيارى ل يدرون ما يصنعون‬
‫والمر أمرهم "‪."1‬‬
‫ولم تكن حيرتهم إل لمعرفتهم أنه لو قام قائم دون مشورتهم وبغير رأي منهم لحكّم‬
‫فيهم السيف وأخذ منهم القصاص للمام المظلوم وخليفة رسول ال وزوج ابنتيه‬
‫وابن بنت عمته‪ ،‬القائم بالحق‪ ،‬ذي الجود والحياء عثمان بن عفان – رضي ال عنه‬
‫– ولقد صرح بذلك ابن كثير في روايته التي ساقها أن القوم لما يئسوا من الجميع‬
‫وحاروا في أمرهم قالوا‪:‬‬
‫"إن نحن رجعنا إلى أمصارنا بعد قتل عثمان بغير إمرة اختلف الناس في إمرتهم ولم‬
‫نسلم"‪."2‬‬
‫ثم جاءوا إلى أهل المدينة وجمعوهم‪:‬‬

‫‪ - 1‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،155‬ابن الثير‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪ ،226‬ابن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،99‬ابن خلدون‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪151‬‬
‫‪ - 2‬البداية والنهاية‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪226‬‬

‫‪94‬‬
‫"فوجدوا سعدًا والزبير خارجين ووجدوا طلحة في حائطه‪ ،‬ووجدوا بني أمية قد‬
‫هربوا إل من لم يطق الهرب‪ ،‬وهرب الوليد وسعيد إلى مكة في أول من خرج وتبعهم‬
‫مروان وتتابع على ذلك من تتابع‪ ،‬فلما اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم أهل مصر‪:‬‬
‫أنتم أهل الشورى وأنتم تعقدون المامة وأمركم عابر على المة فانظروا رجلً‬
‫تنصبونه ونحن لكم تبع‪ ...‬فقد أجلناكم يومين فوال لئن لم تفرغوا لنقتلن غدًا عليّا‬
‫وطلحة والزبير وأناسًا كثيرًا‪ ،‬فغشي الناس عليّا فقالوا‪ :‬نبايعك فقد ترى ما نزل‬
‫بالسلم وما ابتلينا به من ذي القرب"‪"1‬فردّ عليهم علي – رضي ال عنه – بقول‪:‬‬
‫‪ -‬وقد نقل هذا القول في أقدس كتاب شيعي حسب زعم القوم أل وهو نهج البلغة ‪:-‬‬
‫"دعوني والتمسوا غيري‪ ،‬فإنا مستقبلون أمرًا له وجوه وألوان‪ ،‬ل تقوم له القلوب‬
‫ول تثبت عليه العقول‪ ،‬وإن الفاق قد أغامت‪ ،‬والمحجة قد تنكرت‪ ،‬واعلموا أني إن‬
‫أجبتكم ركبت بكم ما أعلم‪ ،‬ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب‪ ،‬وإن تركتموني‬
‫فأنا كأحدكم‪ ،‬ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم‪ ،‬وأنا لكم وزيرًا خير لكم‬
‫مني أميراً " ‪. "3،2‬‬

‫‪ - 1‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،156‬الكامل‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،99‬ابن خلدون‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.151‬‬
‫‪ - 2‬وفي هذا أكبر دليل رغم أنوف من يرى خلف ذلك أن عليّا رضي ال عنه لم يكن يعدّ نفسه إمامًا منصوبًا من‬
‫قبل ال عز وجل ول منصوصًا عليه لنه لو كان كذلك لما كان له الخيار في ردّ المامة والخلفة عندما جاءت‬
‫إليه تسعى بقول ال عز وجل‪َ { :‬ومَا كَانَ ِل ُم ْؤ ِمنٍ وَل ُم ْؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى الُّ َورَسُولُهُ َأ ْمرًا أَن َيكُونَ َلهُمُ الْخِ َيرَةُ ِمنْ‬
‫َأمْ ِرهِمْ َومَن َيعْصِ الَّ وَرَسُوَلهُ َفقَدْ ضَلّ ضَللً مّبِينًا} [الحزاب‪.]36 :‬‬
‫فهذا الكلم الصادر عن علي رضي ال عنه المنقول في أقدس كتبهم لكلم فصل وقضاء مبرم واضح صريح بيننا‬
‫وبين الذين يرون خلف هذا‪ ،‬وعلى ذلك قال ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي مع تشيعه أن هذا الكلم يدل على‪:‬‬
‫"أنه عليه السلم لم يكن منصوصًا عليه بالمامة من جهة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإن كان أولى الناس بها‬
‫وأحقهم بمنزلتها‪ ،‬لنه لو كان منصوصًا عليه بالمامة من جهة الرسول صلى ال عليه وسلم لما جاز له أن يقول‪:‬‬
‫دعوني والتمسوا غيري‪ ،‬ول أن يقول‪ :‬وأنا لكم وزيرًا خير لكم مني أميرًا‪ ،‬ول أن يقول‪ :‬ولعلي أسمعكم وأطوعكم‬
‫لمن وليتموه أمركم شرح نهج البلغة لبن أبي الحديد‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪.34-33‬‬
‫كما أن مجرد امتناعه عن قبول الخلفة لكان من الحجة القاضية عليهم‪ ،‬والنصوص في هذا المعنى كثيرة وبعضها‬
‫آتية مذكورة قريبًا‪.‬‬
‫فهل منصف ينصف وعادل يعدل؟‪ .‬وإن في ذلك لذكرى لولي البصار‬
‫‪ - 3‬نهج البلغة‪ :‬ص ‪ 136‬ط‪ .‬بيروت‬

‫‪95‬‬
‫وذكر ذلك من مؤرخين السنة الطبري في تاريخه "‪ ."1‬وابن الثير في الكامل"‪."2‬‬
‫ولكنهم أكرهوه على ذلك وأجبروه‪:‬‬
‫وأخذ الشتر بيده فبايعه وبايعه الناس – من بايعه –"‪."3‬‬
‫كما ذكر علي – رضي ال عنه – ذلك أيضًا فيما ينقله الشيعة عنه في رسالته التي‬
‫أرسلها إلى أهل مصر أو خطبة ألقاها‪:‬‬
‫حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه‪ ،‬ثم جئتموني لتبايعوني‪ ،‬فأبيت عليكم‪،‬‬
‫وأمسكت يدي فنازعتموني ودافعتموني‪ ،‬وبسطتم يدي فكففتها‪ ،‬ومددتموها فقبضتها‪،‬‬
‫ي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعضكم أو أنكم قاتليّ‪ .‬فقلتم‪ :‬بايعنا ل نجد‬
‫وازدحمتم عل ّ‬
‫غيرك‪ ،‬ول نرضى إل بك‪ ،‬بايعنا ل نفترق ول تختلف كلمتنا‪ .‬فبايعتكم ودعوت الناس‬
‫إلى بيعتي‪ ،‬فمن بايع طوعًا قبلته‪ ،‬ومن أبى لم أكرهه وتركته"‪."4‬‬
‫ومثل ذلك نقل الشريف الرضي في (نهج البلغة) تحت عنوان أمر البيعة "‪"5‬‬
‫فبايعه من بايعه ولم يبايعه من لم ير الجوّ والوقت مناسبًا‪ .‬وممن امتنع عن بيعته‬
‫من كبار الصحابة كما ذكر المؤرخين‪:‬‬
‫ي حتى يبايعك الناس‪ ،‬فقال‪ :‬أخلوه‪ .‬وجاءوا‬ ‫" ثم بايعه الناس وجاءوا بسعد فقال لعل ّ‬
‫بابن عمر فقال كذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ائتني بكفيل قال‪ :‬ل أجده‪ ،‬فقال الشتر‪ :‬دعني أقتله‪،‬‬
‫فقال‪ :‬دعني أنا كفيله‪ ،‬وبايعت النصار وتأخر منهم حسان بن ثابت‪ ،‬وكعب بن مالك‪،‬‬
‫ومسلمة بن خالد‪ ،‬وأبو سعيد الخدري‪ ،‬ومحمد بن مسلمة‪ ،‬والنعمان بن بشير‪ ،‬وزيد‬
‫بن ثابت‪ ،‬ورافع بن خديج‪ ،‬وفضالة بن عبيد‪ ،‬وكعب بن عجرة‪ ،‬وسلمة بن سلمة بن‬
‫وقش‪ .‬وتأخر من المهاجرين عبد ال بن سلم‪ ،‬وصهيب بن سنان‪ ،‬وأسامة بن زيد‪،‬‬
‫وقدامة بن مظعون‪ ،‬والمغيرة بن شعبة‪ .‬وأما النعمان بن بشير فأخذ أصابع نائلة‬
‫امرأة عثمان وقميصه الذي قتل فيه ولحق بالشام صريخًا"‪"6‬وأما طلحة فقال‪:‬‬
‫بايعت والسيف فوق رأسي "‪."7‬‬

‫‪ - 1‬ج ‪ 5‬ص ‪156‬‬


‫‪ - 2‬ج ‪ 3‬ص ‪99‬‬
‫‪ - 3‬ابن كثير‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪226‬‬
‫‪ - 4‬الغارات للثقفي الكوفي الشيعي‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ 311-310‬ط‪ .‬طهران‪ ،‬شرح النهج لبن أبي الحديد الشيعي‪ :‬ج ‪6‬‬
‫ص ‪ ،97-96‬بحار النوار للمجلسي‪ :‬ص ‪52-51‬‬
‫‪ - 5‬نهج البلغة‪ :‬ص ‪ 195‬ط‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪ - 6‬ابن خلدون‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،151‬ابن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،98‬ابن الكثير‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪.226‬‬
‫‪ - 7‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪154‬‬

‫‪96‬‬
‫وقال الزبير‪:‬‬
‫"جاءني لص من لصوص عبد القيس فبايعت واللجة في عنقي"‪"1‬وفي رواية‪" :‬جاء‬
‫القوم بطلحة فقالوا‪ :‬بايع فقال‪ :‬إني أبايع كرهًا‪ ...‬ثم جيء بالزبير فقال مثل ذلك"‪."2‬‬
‫وقال قوم‪ :‬إنما بايعا على شرط إقامة الحدود في قتلة عثمان "‪."3‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه قد بايع طلحة ولم يبايع الزبير ول سلمة بن سلمة ول أسامة بن زيد‬
‫"‪."4‬‬
‫والمدائني نقل عن الزهري‪:‬‬
‫هرب قوم من المدينة إلى الشام ولم يبايعوا عليّا "‪."5‬‬
‫فهكذا انعقدت البيعة للمام علي – رضي ال عنه – واستتر السبئيون والمخدوعون‬
‫بهم من قتلة عثمان وراء المبايعين لعليّ – رضي ال عنه – واختلفوا خلف‬
‫المشايعين له وأحاطوه من كل جانب كما ذكر الطبري أن عليّا – رضي ال عنه –‬
‫لما خطب بخطبته الولى بعد بيعته ثم أراد الذهاب إلى بيته قالت السبئية‪:‬‬

‫‪ - 1‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،154‬الكامل‪ :‬ص ‪.99‬‬


‫‪ - 2‬أيضًا‪ :‬ص ‪ ،157‬ابن خلدون‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪151‬‬
‫‪ -3‬أيضًا‪ :‬ص ‪-158‬‬
‫‪ - 4‬الكامل لبن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪98‬‬
‫‪ - 5‬البداية والنهاية‪ :‬ص ‪-226‬‬

‫‪97‬‬
‫إنما نمرّ المر إمرار الرسن‬ ‫خذها إليك واحذرًا أبا الحسن‬

‫بِ َمشْرَفيّات كغُدرانِ اللبن‬ ‫سفُن‬


‫صَوْلَ َة أقوا ٍم كأسداد ال ّ‬

‫‪98‬‬
‫حتى يُ َمرّنَ على غي ِر عَنن‬ ‫ن كالشّطَن‬
‫ك بِلَي ٍ‬
‫ونَطعُنُ المُل َ‬

‫‪99‬‬
‫فقال علي وذكر تركهم العسكر والكينونة على عدة ما ُمنّوا حين غمزوهم ورجعوا‬
‫إليهم فلم يستطيعوا أن يمتنعوا حتى‪:‬‬

‫سوف أكيسُ بعدها وأستمر‬ ‫إني عجزتُ عجزةً ل أعتذر‬

‫وأجمَعُ المرَ الشّتيت المنتشر‬ ‫أر َفعُ من ذَيليَ ما كنتُ أجُر‬

‫ح ُي ْبتَدَر‬
‫أو يترُكوني والسل ُ‬ ‫إن لم يُشاغبني العَجولُ المُن َتصِر‬

‫"واجتمع إلى علي بعدما دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة فقالوا يا علي إنا‬
‫قد اشترطنا إقامة الحدود وإن هؤلء القوم اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلوا‬
‫بأنفسهم‪ ،‬فقال لهم‪ :‬يا أخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ولكني كيف أصنع بقوم‬
‫يملكوننا ول نملكهم‪ ،‬هاهم هؤلء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم وهم‬
‫خللكم يسومونكم ما شاءوا‪ ،‬فهل ترون موضعًا لقدرة على شيء مما تريدون؟‬
‫قالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فل وال ل أرى إل رأيًا ترونه إن شاء ال‪ ،‬إن هذا المر أمر جاهلية‬
‫وإن لهؤلء القوم مادة وذلك إن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الرض من أخذ‬
‫بها أبدًا إن اليأس من هذا المر إن حرك على أمور فرقة ترى ما ترون وفرقة ترى‬
‫ما ل ترون وفرقة ل ترى هذا ول هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ‬
‫الحقوق فاهدؤوا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا‪ ،‬واشتد على قريش وحال بينهم‬
‫وبين الخروج على حالها وإنما هيجه على ذلك هرب بني أمية‪ ،‬وتفرق القوم‬
‫وبعضهم يقول‪ :‬وال لئن ازداد المر ل قدرنا على انتصار من هؤلء الشرار لتركوا‬
‫ي أمثل‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬نقضي الذي علينا ول نؤخره‪ ،‬ووال أن‬ ‫هذا إلى ما قال عل ّ‬
‫‪1‬‬
‫عليّا لمستغن برأيه وأمره عنا" "‪.‬‬
‫ولجل ذلك منعه ابن عمه عبد ال بن عباس عن أخذ البيعة‪ ،‬كما منعه ابنه الحسن‬
‫من قبل عن بقائه في المدينة والسبئيون يفعلون ما يفعلون ويعملون ما يعملون‪:‬‬
‫فقال ابن عباس‪" :‬أطعني وادخل دارك‪ ،‬والحق بمالك بينبع‪ ،‬وأغلق بابك عليك‪ ،‬فإن‬
‫العرب تجول جولة وتضطرب ول تجد غيرك‪ ،‬فإنك وال لن نهضت مع هؤلء اليوم‬
‫ليحملنك الناس دم عثمان غدًا‪ ،‬فأبى عليّ"‪. "2‬‬

‫‪ - 1‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪158‬‬


‫‪ - 2‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،160‬ابن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،101‬ابن خلدون‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.151‬‬

‫‪100‬‬
‫وأما منع الحسن إياه عن بقائه في المدينة يوم استولت السبئية فذكرها المؤرخون‬
‫"‪ "3‬أيضًا‪.‬‬

‫‪ - 3‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص‬

‫‪101‬‬
‫وبدأ السبئيون يتقوون ويجمعون حولهم الموالي والعراب إلى أن فحل أمرهم‪،‬‬
‫فأراد علي – رضي ال عنه – أن يضعف قوتهم ويكسر شوكتهم بالحيلولة بين‬
‫السبئية والعبيد والعراب والتفريق بينهم‪ ،‬فنادى في الناس‪:‬‬
‫"برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه‪ ،‬فتذامرت السبائية والعراب وقالوا‪ :‬لنا‬
‫غدًا مثلها"‪."1‬‬
‫وفي اليوم الثالث من بيعته خرج عليّ على الناس فقال‪:‬‬
‫"يا أيها الناس أخرجوا عنكم العراب‪ ،‬وقال‪ :‬يا معشر العراب الحقوا بمياهكم‪،‬‬
‫فأبت السبئية وأتاهم العراب"‪. "2‬‬
‫ولما رأى الناس وفي مقدمتهم رؤوس الصحابة وأكابرهم أن السبئية يزدادون يومًا‬
‫فيومًا في غلوائهم وطغيانهم‪ ،‬وأيديهم متلطخة بدم المام المظلوم‪ ،‬وهم زيادة على‬
‫ذلك يريدون أن يلفّوا حولهم أوباشًا من الناس والفسقة والفجرة‪ ،‬كما أنهم بدءوا‬
‫يبثون العقائد الجنبية بينهم‪ ،‬طالبوا عليّا – رضي ال عنه – أن يقتص منهم لعثمان‬
‫بأن يحكّم فيهم بالسيف‪ ،‬ولكن أمير المؤمن عليّا هاب من نفوذهم‪ ،‬وخاف من‬
‫سلطتهم‪ ،‬فماطل الصحابة وطلب منهم المهلة لزدياد نفوذ السبئية وقوتهم‪ ،‬فلقد ذكر‬
‫المؤرخون ألفاظًا عديدة منه – رضي ال عنه – تبريرًا لقصوره عن أخذ الثأر‬
‫وإقامة الحد‪ ،‬فقد ذكر الحافظ ابن كثير في تاريخه‪:‬‬

‫‪ - 1‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ .158‬ابن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪100‬‬


‫‪ - 2‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ .159‬ابن الثير‪ :‬ص ‪ ،101‬ابن خلدون‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.151‬‬

‫‪102‬‬
‫"ولما استقر أمر بيعة علي دخل عليه طلحة والزبير ورؤوس الصحابة – رضي ال‬
‫عنهم – وطلبوا منه إقامة الحد والخذ بدم عثمان‪ ،‬فاعتذر إليهم بأن هؤلء لهم مدد‬
‫وأعوان وأنه ل يمكنه ذلك يومه هذا‪ ،‬فطلب منه الزبير أن يواليه على إمرة الكوفة‬
‫ليأتي له بالجنود‪ ،‬وطلب منه طلحة أن يواليه إمرة البصرة ليأتي له منه بالجنود‬
‫ليقضي على شوكة هؤلء الخوارج وجهلة العراب الذين كانوا معهم في قتل عثمان‬
‫– رضي ال عنه – فقال لهما‪ :‬مهلً عليّ حتى أنظر في هذا المر"‪. "1‬‬
‫وعبارة الطبري‪:‬‬
‫يا عليّ إنا قد شرطنا إقامة الحدود وإن هؤلء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل‬
‫وأحلوا بأنفسهم‪ ،‬فقال لهم‪ :‬يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ولكني كيف‬
‫يملكوننا ول نملكهم‪ .‬هاهم هؤلء قد ثارت معهم عبدانكم‪ ،‬وثابت إليهم أعرابكم‪ ،‬وهم‬
‫خللكم يسومونكم ما شاءوا‪ ،‬فهل ترون موضعًا لقدرة على شيء مما تريدون"‪."2‬‬

‫‪ - 1‬البداية والنهاية لبن كثير‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪.228-227‬‬


‫‪ -2‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪-158‬‬

‫‪103‬‬
‫وأما ابن الثير فنقل عنه أنه قال‪:‬‬
‫كيف أصنع بقوم يملكوننا ول نملكهم "‪."1‬‬
‫وأما ابن خلدون فذكر أنه قال في جوابهم‪:‬‬
‫ل قدرة لي على شيء مما تريدون حتى يهدأ الناس وننظر المور فتؤخذ الحقوق"‪"2‬‬
‫‪.‬‬
‫فافترقوا عنه وأكثر بعضهم المقالة في قتلة عثمان "‪. "3‬‬
‫وهذا الذي جعل الزبير وطلحة يقنطان من اقتصاص المام المظلوم عثمان – رضي‬
‫ال عنه – ويخرجان من المدينة‪ ،‬وهناك التقيا أم المؤمنين عائشة – رضي ال‬
‫عنها – ومن طرف آخر بدأت الرسائل تتبادل بين علي ومعاوية – رضي ال عنهما‬
‫– لن عليّا عزل معاوية – رضي ال عنهما – عن الشام وأمّر عبد ال بن عباس –‬
‫رضي ال عنهما – فقال ابن عباس‪:‬‬

‫‪ - 1‬ابن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪100‬‬


‫‪ - 2‬ول أدري أي شيء جعل أمير المؤمنين عليّا رضي ال عنه أن يستعجل في إقامة الحد على ابن أمير المؤمنين‬
‫الفاروق‪ ،‬على عبيد ال الذي قتل الهرمزان مع أنه مضى على تلك الحادثة أكثر من عشر سنوات‪ ،‬وأن القضية‬
‫كانت قضية مختلف فيها من عدة وجوه كما مرّ‪ ،‬مع تأجيله وتأخيره في أخذ القصاص عن عثمان أمير المؤمنين‬
‫وإمام المسلمين وخليفة رسول ال وصهره وخال السبطين وعديله هو نفسه؟‬
‫وأين هرمزان من عثمان وأين عبيد ال بن عمر من عبد ال بن سبأ والسبئية؟‬
‫ثانيًا‪ :‬ول ندري ما الذي جعل المام عليّا رضي ال عنه وهو في ذلك الضيق من المر أن يستعجل عزل عمال‬
‫عثمان وأن يستبدل بهم عماله وأبناء عمه وأقاربه؟‬
‫ثالثًا‪ :‬كما أننا ل نعلم لي شيء استعجل عزل معاوية أمير الشام وقد عيّنه على ذلك المنصب خليفة رسول ال‬
‫الصديق‪ ،‬ثم أقرّه على ذلك شديد في أمر ال الفاروق‪ ،‬ثم الخليفة الراشد الثالث عثمان‪ .‬وفوق كل ذلك لم يرفع عنه‬
‫شكوى واحدة مع كثرة الشكاوى على العمال والحكام والولة‪ ،‬وهذا مع نصيحة ابن عمه وأقرب المقربين إليه عبد‬
‫ال بن عباس وداهية العرب المغيرة بن شعبة إياه بالعراض عن عزله وإثباته على عمله كما يرويه ابن عباس‬
‫رضي ال عنه نفسه‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين أخبرني عن شأن المغيرة ولم خل بك قال جاءني بعد مقتل عثمان بيومين فقال لي أخلني ففعلت‬
‫فقال إن النصح رخيص وأنت بقية الناس وإني لك ناصح وإني أشير عليك برد عمال عثمان عامك هذا فاكتب إليهم‬
‫بإثباتهم على أعمالهم فإذا بايعوا لك واطمأن المر لك عزلت من أحببت وأقررت من أحببت‪ ،‬فقلتُ‪ :‬وال ل أدهن‬
‫في ديني ول أعطي الدنيّ في أمري قال‪ :‬فإن كنتَ قد أبيت عليّ فانزع من شئت واترك معاوية‪ ،‬فإن لمعاوية جُرأة‬
‫وهو في أهل الشام يسمع منه ولك حجة في إثباته‪ ،‬كان عمر بن الخطاب قد وله الشام كلها‪ ،‬فقلتُ ل وال ل‬
‫أستعمل معاوية يومين أبدًا فخرج من عندي على ما أشار به ثم عاد فقال لي‪ :‬إني أشرت عليك بما أشرت به فأبيت‬
‫==‬
‫= = عليّ ثم نظرت في المر فإذا أنت مصيب ل ينبغي لك أن تأخذ أمرك بخدعة ول يكون في أمرك دُلسة‪ ،‬قال‬
‫فقال ابن عباس‪ :‬فقلت لعلي‪ :‬أما أول ما أشار به عيك فقد نصحك وأما الخر فغشك وأنا أشير عليك بأن تثبت‬
‫معاوية فإن بايع لك فعليّ أن أقلعه من منزله‪ .‬قال علي‪ :‬ل وال ل أعطيه إل السيف قال ثم تمثل بهذا البيت‪:‬‬
‫بعارٍ إذا ما غالت النفس غَولُها‬
‫ما ميتةٌ إن مُتّها غيرَ عاجِزٍ‬
‫فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين أنت رجل شجاع لست بأرَبٍ بالحرب" (الطبري)‪.‬‬
‫ل ندري هذا كله‪ ،‬ول نستطيع أن نقول شيئًا اللهم إل أنه لم يكن معصومًا‪ ،‬فلكل اجتهاد‪ ،‬وقد يخطئ وقد يصيب‪-‬‬
‫‪ - 3‬ابن خلدون‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.151‬‬

‫‪104‬‬
‫"ما هذا برأي‪ ،‬معاوية رجل من بني أمية وهو ابن عم عثمان وهو عامل الشام‬
‫ولست آمن أن يضرب عنقي لعثمان"‪."1‬‬
‫فاعتذر إليه وأعفاه منها‪ .‬وبينا هم في ذلك بدأت السبئية يشتغلون ويثيرون الفتن‬
‫والقلقل ويسعون فسادًا‪ ،‬ويثيرون الحقاد والضغائن‪ ،‬وينفخون في الرماد‪،‬‬
‫ي ضد كل من يطالب‬ ‫ويحاولون إسعار الحرب بين المسلمين‪ ،‬ويحرضون شيعة عل ّ‬
‫بثأر عثمان وقصاصه‪ ،‬وخاصة معاوية – رضي ال عنه – الذي بدأ يمتنع من‬
‫الخضوع لخلفة عليّ – رضي ال عنه – والتسليم بإمارته بدعوى أن بيعة علي لم‬
‫تنعقد‪ ،‬لنه لم يحصل الشورى ولم يبايعه أهل الحل والعقل‪ ،‬ولم ينتخبه إل رجال‬
‫معدودون من المهاجرين والنصار ومن أهل المدينة‪ .‬وفوق ذلك كله قتلة عثمان‬
‫والسبئية التجئوا في معسكره واكتنفوا بكنفه‪.‬‬
‫ولقد أشرنا إلى تلك المور كلها في الباب الول بثبت من عبارات التاريخ‬
‫والمؤرخين‪ .‬فبينا هم كذلك في الجواب وجواب الجواب إذ جاءه رسول معاوية –‬
‫رضي ال عنه – فقال‪ :‬آمن أنا؟ قال علي – رضي ال عنه ‪:-‬‬
‫"نعم إن الرسول ل يقتل‪ ،‬فقال‪ :‬إني تركت قومًا ل يرضون إل بالقود‪ ،‬ثم بّلغ‬
‫الرسالة‪ ،‬فاستأذن بالخروج‪ ،‬فقال له علي‪ :‬اخرج‪ ،‬قال‪ :‬وإني آمن؟‪ .‬قال‪ :‬وأنت‬
‫آمن"‪."2‬‬
‫فاشتغل السبئية لزيادة التوتر والحدة وإخراج الحرب من الكلم إلى السيوف‪ ،‬وإليك‬
‫النص ما ذكره المؤرخون‪:‬‬
‫"وصاحت السبئية‪ :‬هذا الكلب رسول الكلب‪ ،‬اقتلوه‪ ،‬فنادى‪ :‬يا لمضر‪ ،‬يا لقيس‬
‫الخيل والنبل‪ ،‬إني أحلف بال جل اسمه ليردنها عليكم أربعة آلف خصيّ فانظروا كم‬
‫الفحولة والركاب وتعاووا عليه ومنعته مضر وجعلوا يقولون له‪ :‬اسكت‪ ،‬فيقول‪ :‬ل‬
‫وال ل يفلح هؤلء أبدًا فلقد أتاهم ما يوعدون‪ ،‬فيقولون له‪ :‬اسكت‪ ،‬فيقول‪ :‬لقد حل‬
‫بهم ما يحذرون انتهت وال أعمالهم وذهبت ريحهم‪ ،‬فوال ما أمسوا حتى عرف‬
‫الذل فيهم"‪."3‬‬
‫وهذه العبارة وهذه اللفاظ الصادرة عن السبئية تدل وتنبئ صريحًا عما كانوا‬
‫يسعون لجله‪ ،‬فبدءوا ينشرون الراجيف ويشيعون الكاذيب حتى يستل سيوف‬
‫المسلمين ما بينهم ويقع الصطدام ويحصل الحرب ويشتغلون بها ويضرب بعضهم‬
‫رقاب بعض‪ ،‬وينسى هؤلء ويعرض عنهم وعن فعلتهم‪ ،‬ويكثر الشقاق والختلف‪،‬‬
‫ويزداد البتعاد ويمتد بينهم الجدال والقتال‪ .‬هذا كل ما كانوا يقصدونه‪ ،‬وهذا كل ما‬
‫يرجونه‪.‬‬
‫‪ - 1‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪160‬‬
‫‪ - 2‬انظر الكامل لبن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪104‬‬
‫‪ - 3‬ابن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،104‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪163‬‬

‫‪105‬‬
‫ولما سمعوا باجتماع طلحة والزبير – رضي ال عنهما – مع أم المؤمنين عائشة –‬
‫رضي ال عنها – في مكة بدءوا يحرضون شيعة عليّ – رضي ال عنه – وعليّا‬
‫نفسه على محاربة أهل الشام‪ ،‬قبل أن يعظم المر ويستفحل الخطر‪ ،‬فأمر علي –‬
‫رضي ال عنه – الناس بالمسير إلى أهل الشام‪ ،‬فتثاقل أهل المدينة‪ ،‬كما أن ابنه‬
‫الحسن سبط رسول ال صلى ال عليه وسلم منعه عن ذلك قائلً‪:‬‬
‫"يا أبتِ دع هذا فإن فيه سفك دماء المسلمين ووقوع الختلف بينهم فلم يقبل منه‬
‫ذلك بل صمم على القتال ورتّب الجيش‪ ،‬فدفع اللواء إلى محمد بن الحنفية"‪"1‬‬
‫كما منعه عن ذلك زياد بن حنظلة التميمي‪:‬‬
‫وكان منقطعًا إلى علي‪ ،‬فجلس إليه ساعة ثم قال له علي‪ :‬يا زياد تيسّر‪ ،‬فقال لي‬
‫شيء؟‪ .‬فقال‪ :‬لغزو الشام‪ ،‬فقال زياد‪ :‬الناة والرفق أمثل‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ - 1‬البداية والنهاية‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،163‬ابن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.104‬‬

‫‪106‬‬
‫يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم‬ ‫ومن لم يصانع في أمور كثيرة‬

‫‪107‬‬
‫"فخرج زياد والناس ينتظرونه فقالوا‪ :‬ما وراءك؟‪ .‬فقال‪ :‬السيف يا قوم‪ ،‬فعرفوا ما‬
‫هو فاعل"‪."1‬‬
‫ولم يخرج إلى الشام حتى جاءه خبر خروج أم المؤمنين وطلحة والزبير إلى البصرة‬
‫يطالبون بدم عثمان‪ ،‬فبادر إليهم بناس من المدينة ليمنع أولئك من دخولها‪:‬‬
‫"فتثاقل عنه أكثر أهل المدينة‪ ،‬واستجاب له بعضهم‪ ،‬قال الشعبي‪ :‬ما نهض معه في‬
‫هذا المر غير ستة نفر من البدريين‪ ،‬ليس لهم سابع‪ .‬وقال غيره أربعة‪ .‬وذكر ابن‬
‫جرير وغيره قال‪ :‬كان ممن استجاب له من كبار الصحابة أبو الهيثم بن التيهان‪،‬‬
‫وأبو قتادة النصاري‪ ،‬وزياد بن حنظلة‪ ،‬وخزيمة بن ثابت‪ .‬قالوا‪ :‬ليس بذي‬
‫الشهادتين‪ ،‬ذاك مات في زمن عثمان – رضي ال عنه – وسار علي من المدينة‬
‫نحو البصرة على تعبئته المتقدم ذكرها‪ ،‬غير أنه استخلف على المدينة تمام بن‬
‫عباس وعلى مكة قثم بن عباس وذلك في آخر شهر ربيع الخر سنة ست وثلثين‪،‬‬
‫وخرج علي من المدينة في نحو من تسعمائة مقاتل‪ ،‬وقد لقي عبد ال بن سلم –‬
‫رضي ال عنه – عليّا وهو بالزبدة‪ ،‬فأخذ بعنان فرسه وقال‪ :‬يا أمير المؤمنين! ل‬
‫تخرج منها‪ ،‬فوال لئن خرجت منها ل يعود إليها سلطان المسلمين أبدًا‪ ،‬فسبّه بعض‬
‫الناس‪ ،‬فقال علي‪ :‬دعوه فنعم الرجل من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وجاء‬
‫الحسن بن علي إلى أبيه في الطريق فقال‪ :‬لقد نهيتك فعصيتني تقتل غدًا بمضيعة ل‬
‫ناصر لك‪ ،‬فقال له علي‪ :‬إنك ل تزال تحن على حنين الجارية‪ ،‬ما الذي نهيتني عنه‬
‫فعصيتك؟ فقال‪ :‬ألم آمرك قبل مقتل عثمان أن تخرج منها لئل يقتل وأنت بها‪ ،‬فيقول‬
‫قائل أو يتحدث متحدث؟ ألم آمرك أن ل تبايع الناس بعد قتل عثمان حتى يبعث إليك‬
‫أهل كل مصر ببيعتهم؟ وأمرتك حين خرجت هذه المرأة وهذان الرجلن أن تجلس‬
‫في بيتك حتى يصطلحوا فعصيتني في ذلك كله؟ فقال له علي‪ :‬أما قولك أن أخرج قبل‬
‫مقتل عثمان فلقد أحيط بنا كما أحيط به‪ ،‬وأما مبايعتي قبل مجيء بيعة المصار‬
‫فكرهت أن يضيع هذا المر‪ ،‬وأما أن أجلس وقد ذهب هؤلء إلى ما ذهبوا إليه‪ .‬فتريد‬
‫مني أن أكون كالضبع التي يحاط بها‪ ،‬ويقال ليست هاهنا‪ ،‬حتى يشق عرقوبها‬
‫فتخرج‪ ،‬فإذا لم أنظر فيما يلزمني في هذا المر ويعنيني‪ ،‬فمن ينظر فيه؟‪ .‬فكف عني‬
‫يا بني‪ ،‬ولما انتهى إليه خبر ما صنع القوم بالبصرة من المر الذي قدمنا كتب إلى‬
‫أهل الكوفة مع محمد بن أبي بكر‪ ،‬ومحمد بن جعفر‪ ،‬إني قد اخترتكم على أهل‬
‫المصار‪ ،‬فرغبت إليكم وفرغت لما حدث‪ ،‬فكونوا لدين ال أعوانًا وأنصارًا‪،‬‬
‫وانهضوا إلينا فالصلح نريد لتعود هذه المة إخوانا‪ ،‬فمضيا‪ ،‬وأرسل إلى المدينة‬
‫فأخذ ما أراد من سلح ودواب"‪."2‬‬

‫‪ - 1‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،163‬ابن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪104‬‬


‫‪ - 2‬ابن كثير ج ‪ 7‬ص ‪ ،334-333‬ابن الثير ج ‪ 2‬ص ‪ ،114-113‬الطبري ج ‪ 5‬ص ‪ ،169‬ابن خلدون ج ‪ 2‬ص‬
‫‪157‬‬

‫‪108‬‬
‫فاجتمع الناس حول الفريقين من المدينة ومكة والكوفة والبصرة‪ ،‬كما اعتزل أكثر‬
‫أصحاب النبي الموجودون‪ ،‬الحياء منهم آنذاك عن الطرفين‪ ،‬فنزلت أم المؤمنين مع‬
‫من كان معها بالبصرة ونزل علي – رضي ال عنهما – بذي قار‪ ،‬ثم دعا علي –‬
‫رضي ال عنه – القعقاع بن عمرو وبعثه رسولً إلى طلحة والزبير بالبصرة‬
‫يدعوهما إلى اللفة والجماعة ويعظم عليهما الفرقة والختلف فذهب القعقاع إلى‬
‫البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين‪ .‬فقال‪:‬‬
‫"أي أماه! ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت‪ :‬أي بنيّ! الصلح بين الناس‪ ،‬فسألها أن تبعث‬
‫إلى طلحة والزبير ليحضروا عندها‪ ،‬فحضروا فقال القعقاع‪ :‬إني سألت أم المؤمنين‬
‫ما أقدمها؟ فقالت إنما جئت للصلح بين الناس‪ ،‬فقال‪ :‬ونحن كذلك قال‪ :‬فأخبراني ما‬
‫وجه هذا الصلح؟ وعلى أي شيء يكون؟ فوال لئن عرفناه لنصطلحن‪ ،‬ولئن‬
‫أنكرناه ل نصطلحن‪ ،‬قال‪ :‬قتلة عثمان‪ ،‬فإن هذا إن ترك كان تركًا للقرآن‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫قتلتما قتلته من أهل البصرة‪ ،‬وأنتما قبل قتلهم أقرب منكم إلى الستقامة منكم اليوم‪،‬‬
‫قتلتم ستمائة رجل‪ ،‬فغضب لهم ستة آلف فاعتزلوكم‪ ،‬وخرجوا من بين أظهركم‪،‬‬
‫وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلف‪ ،‬فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون‪ ،‬وإن‬
‫قاتلتموهم فأديلوا عليكم كان الذي حذرتم وفرقتم من هذا المر أعظم مما أراكم‬
‫تدفعون وتجمعون منه – يعني أن الذي تريدونه من قتل قتلة عثمان مصلحة‪ ،‬ولكنه‬
‫يترتب عليه مفسدة هي أربى منها – وكما أنكم عجزتم عن الخذ بثأر عثمان من‬
‫حرقوص بن زهير‪ ،‬لقيام ستة آلف في منعه ممن يريد قتله‪ ،‬فعلي أعذر في تركه‬
‫الن قتل قتلة عثمان‪ ،‬وإنما أخّر قتل قتلة عثمان إلى أن يتمكن منهم‪ ،‬فإن الكلمة في‬
‫جميع المصار مختلفة‪ ،‬ثم أعلمهم أن خلقًا من ربيعة ومضر قد اجتمعوا لحربهم‬
‫بسبب هذا المر الذي وقع‪ .‬فقالت له عائشة أم المؤمنين‪ :‬فماذا تقول أنت؟‪ .‬قال‪:‬‬
‫أقول إن هذا المر الذي وقع دواؤه التسكين‪ ،‬فإذا سكن اختلجوا‪ ،‬فإن أنتم بايعتمونا‬
‫فعلمة خير وتباشير رحمة‪ ،‬وإدراك الثأر‪ ،‬وإن أبيتم إل مكابرة هذا المر واثتنافه‬
‫كانت علمة شر وذهاب هذا الملك‪ ،‬فآثروا العافية ترزقوها‪ ،‬وكونوا مفاتيح خير كما‬
‫كنتم أولً‪ ،‬ول تعرضونا للبلء فتتعرضوا له‪ ،‬فيصرعنا ال وإياكم‪ ،‬وأيم ال إني‬
‫لقول قولي هذا وأدعوكم إليه‪ ،‬وإني لخائف أن ل يتم حتى يأخذ ال حاجته من هذه‬
‫المة التي قل متاعها‪ ،‬ونزل بها ما نزل‪ ،‬فإن هذا المر الذي قد حدث أمر عظيم‪،‬‬
‫وليس كقتل الرجل الرجل‪ ،‬ول النفر الرجل‪ ،‬ول القبيلة القبيلة‪ .‬فقالوا‪ :‬قد أصبت‬
‫وأحسنت فارجع‪ ،‬فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح المر‪ ،‬قال‪ :‬فرجع إلى علي‬
‫فأخبره فأعجبه ذلك‪ ،‬وأشرف القوم على الصلح‪ ،‬كره ذلك من كرهه ورضيه من‬
‫رضيه‪ ،‬وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح‪ ،‬ففرح هؤلء‬
‫وهؤلء‪ ،‬وقام علي في الناس خطيبًا فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها‪ ،‬وذكر‬
‫السلم وسعادة أهله باللفة والجماعة‪ ،‬وأن ال جمعهم بعد نبيه صلى ال عليه‬
‫وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق‪ ،‬ثم بعده على عمر بن الخطاب‪ ،‬ثم على عثمان‬
‫ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على المة‪ ،‬أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم ال‬

‫‪109‬‬
‫ن ال بها‪ ،‬وأرادوا ردّ السلم على أدبارها‪ ،‬وال‬
‫عليه بها‪ ،‬وعلى الفضيلة التي م ّ‬
‫بالغ أمره"‪."1‬‬
‫وكان مع أم المؤمنين ثلثون ألف‪ ،‬كما كان مع عليّ – رضي ال عنهما – عشرون‬
‫ألف "‪."1‬‬
‫هذا والسبئية وعلى رأسهم عبد ال بن سبأ وقتلة عثمان مترقبون كل صغيرة‬
‫وكبيرة بكل دقة وما يجري بين الفريقين من السعي إلى الصلح والصلح والوفاق‬
‫والتحاد‪ ،‬وينظرون كيف تفشل خطتهم ومؤامرتهم للفتنة والفساد وإقامة الحروب‬
‫بين المسلمين إلى أن وصل المر حدّا لم يكن في تصورهم أن يصل إليه‪ ،‬وخاصة‬
‫عندما قام أمير المؤمنين علي – رضي ال عنه – خطيبًا في معسكره وقال‪:‬‬
‫"أل إني مرتحل غدًا فارتحلوا‪ ،‬ول يرتحلن أحد معي أعان على قتل عثمان بشيء‬
‫من أمر الناس"‪."2‬‬

‫‪ -1‬ابن كثير‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪ .238-237‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،192-191‬ابن خلدون‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.162‬‬
‫‪ - 1‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪-202‬‬
‫‪ - 2‬البداية والنهاية‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪ ،238‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،194‬ابن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪120‬‬

‫‪110‬‬
‫فما أن سمعت السبئية بهذا القول إل وعرفوا مصيرهم‪ .‬وهنا نرجع إلى ما سطر في‬
‫التاريخ‪ ،‬واللفاظ لبن كثير‪" :‬فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم – أي قتلة عثمان –‬
‫جماعة كالشتر النخعي‪ ،‬وشريح بن أوفى‪ ،‬وعبد ال بن سبأ المعروف بابن‬
‫السوداء‪ ،‬وسالم بن ثعلبة‪ ،‬وغلب بن الهيثم‪ ،‬وغيرهم في ألفين وخمسمائة‪ ،‬وليس‬
‫فيهم صحابي ول الحمد‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما هذا الرأي وعلي وال أعلم بكتاب ال ممن يطلب‬
‫قتلة عثمان‪ ،‬وأقرب العمل بذلك‪ ،‬وقد قال ما سمعتم‪ ،‬غدًا يجمع عليكم الناس‪ ،‬وإنما‬
‫يريد القوم كلهم أنتم‪ ،‬فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم؟ فقال الشتر‪ :‬قد عرفنا‬
‫رأي طلحة والزبير فينا‪ ،‬وأما رأي علي فلم نعرفه إلى اليوم‪ ،‬فإن كان قد اصطلح‬
‫معهم فإنما اصطلحوا على دمائنا‪ ،‬فإن كان المر هكذا أحلقنا عليّا بعثمان‪ ،‬فرضي‬
‫القوم منا بالسكوت‪ ،‬فقال ابن السوداء‪ :‬بئس ما رأيت‪ ،‬لو قتلناه قتلنا‪ ،‬فإنا يا معشر‬
‫قتلة عثمان في ألفين وخمسمائة‪ ،‬وطلحة والزبير وأصحابهما في خمسة آلف‪ ،‬ل‬
‫طاقة لكم بهم‪ ،‬وهم إنما يريدونكم‪ ،‬فقال غلب بن الهيثم‪ :‬دعوهم وارجعوا بنا حتى‬
‫نتعلق ببعض البلد فنمتنع بها‪ ،‬فقال ابن السوداء‪ :‬بئس ما قلت‪ ،‬إذًا وال يتخطفكم‬
‫الناس‪ ،‬ثم قال ابن السوداء قبحه ال‪ :‬يا قوم إن عيركم في خلطة لناس فإذا اتقى‬
‫الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس ول تدعوهم يجتمعون فمن أنتم معه ل يجد‬
‫بدّا من أن يمتنع‪ ،‬ويشغل ال طلحة والزبير ومن معهما عما يحبون‪ ،‬ويأتيهم ما‬
‫يكرهون‪ ،‬فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه‪ ،‬وأصبح علي مرتحلً ومر بعبد القيس فسار‬
‫ومن معه حتى نزلوا بالزاوية‪ ،‬وسار منها يريد البصرة‪ ،‬وسار طلحة والزبير ومن‬
‫معهما للقائه‪ ،‬فاجتمعوا عند قصر عبيد ال بن زياد‪ ،‬ونزل الناس كل في ناحية‪ .‬وقد‬
‫سبق علي جيشه وهم يتلحقون به‪ ،‬فمكثوا ثلثة أيام والرسل بينهم‪ ،‬فكان ذلك‬
‫للنصف من جمادى الخرة سنة ست وثلثين‪ ،‬فأشار بعض الناس على طلحة‬
‫والزبير بانتهاز الفرصة‪ ،‬من قتلة عثمان‪ ،‬فقال‪ :‬إن عليّا أشار بتسكين هذا المر‪،‬‬
‫وقد بعثنا إليه بالمصالحة على ذلك‪ ،‬وقام علي في الناس خطيبًا‪ ،‬فقام إليه العور بن‬
‫نيار المنقري‪ ،‬فسأله عن إقدامه على أهل البصرة‪ ،‬فقال‪ :‬الصلح وإطفاء الثائرة‬
‫ليجتمع الناس على الخير‪ ،‬ويلتئم شمل هذه المة‪ ،‬قال‪ :‬فإن لم يجيبونا؟ قال‪:‬‬
‫تركناهم ما تركونا‪ ،‬قال فإن لم يتركونا؟‪ .‬قال‪ :‬دفعناهم عن أنفسنا‪ ،‬قال فهل لهم في‬
‫هذا المر مثل الذي لنا‪ ،‬قال‪ :‬نعم! وقام إليه أبو سلم الدالني فقال‪ :‬هل لهؤلء القوم‬
‫حجة فيما طلبوا من هذا الدم‪ ،‬إن كانوا أرادوا ال في ذلك؟ قال‪ :‬نعم! قال‪ :‬فهل لك‬
‫من حجة فيما طلبوا من هذا الدم‪ ،‬إن كانوا أرادوا ال في ذلك؟ قال‪ :‬نعم! قال‪ :‬فهل‬
‫لك من حجة في تأخيرك ذلك؟ قال‪ :‬نعم! قال فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدًا؟ قال‪:‬‬
‫إني لرجو أن ل يقتل منا ومنهم أحد نقي قلبه ل أدخله الجنة"‪"1‬‬

‫‪ - 1‬ابن كثير‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪ ،238‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،195‬ابن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،130‬ابن خلدون‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪-160‬‬
‫‪.161‬‬

‫‪111‬‬
‫فهكذا جرت المور‪ ،‬وهكذا تقدم كل من الطرفين إلى الصلح وتخطى إلى الصلح‬
‫بخطوات سريعة‪ ،‬وكذلك بدأ عبد ال بن سبأ وأعوانه يخططون خطوط المؤامرة‬
‫ويحكمون نسيجها وإن المؤمنين المخلصين من شيعة عثمان ومن شيعة علي كانوا‬
‫في الخفاء عما يجري وراء الستار‪ ،‬وكان المتآمرون في يقظة تامة عما يجري‬
‫أمامهم مكشوفًا ظاهرًا‪ ،‬فنزل الفريقان وتراسلوا ما بينهم‪ ،‬فبعث عليّ إلى طلحة‬
‫والزبير يقول‪:‬‬
‫"إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا حتى ننزل فننظر في هذا‬
‫المر‪ ،‬فأرسل إليه في جواب رسالته‪ :‬إنا على ما فارقنا القعقاع بن عمرو من الصلح‬
‫بين الناس‪ ،‬فاطمأنت النفوس وسكنت‪ .‬واجتمع كل فريق بأصحاب من الجيش"‪"1‬‬
‫فلم يجدوا أمرًا هو أمثل من الصلح‪ ،‬ووضع الحرب حين رأوا المر أخذ في النقشاع‬
‫"‪ ."2‬وبات الناس على الصلح كما قال الطبري‪:‬‬
‫"فباتوا على الصلح وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه‬
‫والنزوع عما اشتهى الذين اشتهوا وركبوا ما ركبوا‪ ،‬وبات الذين أثاروا أمر عثمان‬
‫بشر ليلة باتوها قط قد أشرفوا على الهلكة وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها"‪."3‬‬
‫وقال ابن كثير‪:‬‬
‫وبات الناس بخير ليلة وبات قتلة عثمان بشر ليلة "‪"4‬‬
‫فكانت الليلة هذه حاسمة لم ينم فيها عيون اليهودية البغضاء وعيون أبنائها‬
‫الحاقدين على السلم وعلى الملة السلمية‪ ،‬والمخدوعين بهم‪ ،‬لم تنم ول للحظة‪،‬‬
‫وإليك ألفاظ التاريخ‪:‬‬

‫‪ - 1‬ابن كثير‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪.241‬‬


‫‪ - 2‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪203‬‬
‫‪ 3‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،202‬الكامل‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪-123‬‬
‫‪ - 4‬البداية والنهاية‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪ ،239‬ابن خلدون‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.162‬‬

‫‪112‬‬
‫"وبات الناس بخير ليلة‪ ،‬وبات قتلة عثمان بشر ليلة‪ ،‬وباتوا يتشاورون وأجمعوا‬
‫على أن يثيروا الحرب من الغلس‪ ،‬فنهضوا من قبل طلوع الفجر وهم قريب من ألفي‬
‫رجل فانصرف كل فريق إلى قراباتهم فهجموا عليهم بالسيوف‪ ،‬فثارت كل طائفة إلى‬
‫قومهم يمنعوهم‪ ،‬وقام الناس من منامهم إلى السلح‪ ،‬فقالوا طرقتنا أهل الكوفة ليلً‪،‬‬
‫وبيّتونا وغدروا بنا‪ ،‬وظنوا أن هذا عن مل من أصحاب عليّ فبلغ المر عليّا فقال‪:‬‬
‫ما للناس؟ فقالوا‪ ،‬بيتنا أهل البصرة‪ ،‬فثار كل فريق إلى سلحه ولبسوا للمة وركبوا‬
‫الخيول‪ ،‬ول يشعر أحد منهم بما وقع المر عليه في نفس المر‪ ،‬وكان أمر ال قدرًا‬
‫مقدورًا وقامت الحرب على ساق وقدم‪ ،‬وتبارز الفرسان‪ ،‬وجالت الشجعان‪ ،‬فنشبت‬
‫الحرب‪ ،‬وتواقف الفريقان وقد اجتمع مع علي عشرون ألفًا‪ ،‬والتف على عائشة ومن‬
‫معها نحو من ثلثين ألفًا‪ ،‬فإنا ل وإنا إليه راجعون‪ ،‬والسبئية أصحاب ابن السوداء‬
‫قبحها ال ل يفترون عن القتل‪ ،‬ومنادي علي ينادي‪ :‬أل كفوا أل كفوا‪ ،‬فل يسمع‬
‫أحد‪ ،‬وجاء كعب بن سوار قاضي البصرة فقال‪ :‬يا أم المؤمنين أدركي الناس لعل ال‬
‫يصلح بك بين الناس‪ ،‬فجلست في هودجها فوق بعيرها وستروا الهودج بالدروع‪،‬‬
‫وجاءت فوقفت بحيث تنظر إلى الناس عند حركتهم‪ ،‬فتصاولوا وتجاولوا‪ .‬وقد كان‬
‫من سنتهم في هذا اليوم أنه ل يـ[جهز] على جريح‪ ،‬ول يتبع مدبر‪ ،‬وقد قتل مع هذا‬
‫خلق كثير جدّا"‪."1‬‬
‫وقد زاد الطبري وابن الثير في روايتهما‪:‬‬
‫ل قريبًا من عليّ يخبرهم بما يريد‪ ،‬فقال علي‪ :‬ما هذا؟‪ .‬قال‬
‫"وقد وضع السبئية رج ً‬
‫ذلك الرجل‪ :‬ما فجئنا إل وقوم منهم بيّتونا‪ ،‬فرددناهم فركبونا وثار الناس"‪"2‬‬

‫‪ - 1‬البداية والنهاية‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪ ،240-239‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،203-202‬الكامل‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪124-123‬‬
‫‪ -2‬ابن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،124‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪.203‬‬

‫‪113‬‬
‫فهكذا وقعت تلك الكارثة التي ذهب ضحيتها آلف من الناس حتى جعل علي – رضي‬
‫ال عنه – يقول لبنه الحسن‪:‬‬
‫"يا بنيّ ليت أباك مات قبل هذا اليوم بعشرين عامًا‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبت قد كنت أنهاك‬
‫عن هذا‪ .‬قال سعيد بن أبي عجرة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عبادة قال‪ :‬قال‬
‫علي يوم الجمل‪ :‬يا حسن ليت أباك مات منذ عشرين سنة‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبت قد كنت‬
‫أنهاك عن هذا‪ ،‬قال‪ :‬يا بنيّ إني لم أر أن المر يبلغ هذا"‪"1‬‬
‫وانتهى الحرب بسقوط الجمل الذي كان عليه هودج أم المؤمنين بعدما قتل ممن أخذ‬
‫خطامه سبعون رجلً‪ .‬ونسرد آخر ما في هذا من (الكامل لبن الثير)‪:‬‬
‫"لما سقط الجمل أقبل محمد بن أبي بكر إليه ومعه عمار فاحتمل الهودج فنحياه‬
‫فأدخل محمد يده فيه فقالت‪ :‬من هذا؟‪ .‬فقال‪ :‬أخوك البر‪ .‬قالت‪ :‬عقق‪ ،‬قال‪ :‬يا أخية‬
‫هل أصابك شيء؟ قالت‪ :‬ما أنت وذاك‪ .‬قال‪ :‬فمن إذا الضلل‪ .‬قالت‪ :‬بل الهداة‪ ،‬وقال‬
‫لها عمار‪ :‬كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يا أمه؟‪ .‬قالت‪ :‬لست لك بأم‪ .‬قال‪ :‬بلى وإن‬
‫كرهت‪ .‬قالت‪ :‬فخرتم أن ظفرتم وأتيتم مثل الذي نقمتم هيهات وال لن يظفر من كان‬
‫هذا دأبه فأبرزوا هودجها فوضعوها ليس قربها أحد‪ ،‬وأتاها علي فقال‪ :‬كيف أنت يا‬
‫أمه؟‪ .‬قالت‪ :‬بخير‪ .‬قال‪ :‬يغفر ال لك‪ .‬قالت‪ :‬ولك‪ ،‬وجاء أعين بن ضبيعة بن أعين‬
‫المجاشعي حتى اطلع في الهودج فقالت‪ :‬إليك لعنك ال‪ .‬فقال‪ :‬وال ما أرى إل‬
‫حميراء‪ .‬فقالت له‪ :‬هتك ال سترك وقطع يدك وأبدى عورتك فقتل بالبصرة وسلب‬
‫وقطعت يده ورمي عريانًا في خربة من خرابات الزد‪ ،‬ثم أتى وجوه الناس عائشة‬
‫وفيهم القعقاع بن عمرو فسلم عليها فقالت‪ :‬إني رأيت بالمس رجلين اجتلدا‬
‫وارتجزا بكذا فهل تعرف كوفيك؟ قال‪ :‬نعم ذاك الذي قال‪ :‬أعقُ أ ٍم نعلم‪ ،‬وكذب‪ ،‬إنك‬
‫لبر أم نعلما ولكن لم تطاعي‪ .‬قالت‪ :‬وال لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين‬
‫سنة‪ ...‬فأقام علي بظاهر البصرة ثلثًا وأذن للناس في دفن موتاهم فخرجوا إليهم‬
‫فدفنوهم وطاف علي في القتلى فلما أتى علي كعب بن سور قال‪ :‬أزعمتم أنه خرج‬
‫معهم السفهاء وهذا الخبر قد ترون‪ ،‬وأتى على عبد الرحمن بن عتاب فقال‪ :‬هذا‬
‫يعسوب القوم – يعني أنهم كانوا يطيفون به – واجتمعوا على الرصافة لصلتهم‪،‬‬
‫وم ّر على طلحة بن عبيد ال وهو صريع فقال‪ :‬لهفي عليك يا أبا محمد! إنا ل وإنا‬
‫إليه راجعون‪ ،‬وال لقد كنت أكره أن أرى قريشًا صرعى‪ ،‬أنت وال كما قال الشاعر‪:‬‬

‫‪ - 1‬البداية والنهاية‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.240‬‬

‫‪114‬‬
‫إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر‬ ‫فتى كان يدنيه الغنى من صديقه‬

‫وجعل كلما مرّ برجل فيه خير قال‪ :‬زعم من زعم أنه لم يخرج إلينا إل الغوغاء وهذا‬
‫العابد المجتهد فيهم‪ ،‬وصلى عليّ على القتلى من أهل البصرة والكوفة‪ ،‬وصلى على‬
‫قريش من هؤلء وهؤلء‪ ،‬وأمر فدفنت الطراف في قبر عظيم‪ ،‬وجمع ما كان في‬
‫العسكر شيء وبعث به إلى مسجد البصرة"‪."2‬‬

‫‪ - 2‬ابن الثير‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪131-130‬‬

‫‪115‬‬
‫"ثم جهز علي عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع وأخرج معها‬
‫كل من نجا ممن خرج معها إل من أحب المقام واختار لها أربعين امرأة من نساء‬
‫أهل البصرة المعروفات وقال‪ :‬تجهز يا محمد فبلغها‪ ،‬فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه‬
‫جاءها حتى وقف لها‪ ،‬وحضر الناس فخرجت على الناس وودّعوها وودّعتهم‪،‬‬
‫وقالت‪ :‬يا بني تعتب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة فل يعتدين أحد منكم على‬
‫أحد بشيء بلغه من ذلك‪ ،‬إنه وال ما كان بيني وبين عليّ في القديم إل ما يكون بين‬
‫المرأة وأحمائها‪ ،‬وإنه عندي على معتبتي من الخيار‪ .‬وقال عليّ‪ :‬يا أيها الناس‬
‫صدقت وال وبرّت‪ ،‬ما كان بيني وبينها إل ذلك‪ ،‬وإنها لزوجة نبيكم صلى ال عليه‬
‫وسلم في الدنيا والخرة‪ .‬وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة ‪ 36‬وشيعها عليّ‬
‫أميالً وسرح بنيه معها يومًا"‪"2‬‬
‫هذا آخر ما أردنا ذكره من مؤامرات السبئية ومن مخططاتها ولجل ذلك دخل‬
‫اليهودي الملعون في السلم وتستر بالكفر وتظاهر بالحب لعليّ وآل بيته‪ ،‬وفعل هو‬
‫وجماعته السبئيون هذه الشناعات المنكرة التي جرّت إلى أن تتمنى أم المؤمنين‬
‫حبيبة رسول ال عائشة وأمير المؤمنين ربيب رسول ال عليّ أن كانا أمواتًا قبل‬
‫وقوع هذه الحوادث‪.‬‬
‫وقبل أن نأتي إلى خاتمة هذا الكلم في الحرب نريد أن نذكر أن عليّا – رضي ال‬
‫عنه – لم يكن يعد محاربيه كفارًا كما نقلنا الكلم عن جميع المؤرخين آنفًا‪ ،‬ولقد أقرّ‬
‫بذلك الشيعة أنفسهم حيث أوردوا نفس الرواية التي أوردها أهل السنة في كتبهم‪:‬‬
‫"عن جعفر عن أبيه أن عليّا عليه السلم كان يقول لهل حربه‪ :‬إنا لم نقاتلهم على‬
‫التكفير لهم ولم يقاتلونا على التكفير لنا‪ ،‬ولكنا رأينا أنّا على حق ورأوا أنهم على‬
‫حق"‪."3‬‬
‫وروى الحيري الشيعي رواية أخرى عن جعفر عن أبيه محمد الباقر‪:‬‬

‫‪ - 2‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،225‬تحت تجهيز علي عائشة من البصرة‪.‬‬

‫‪ - 3‬قرب السناد للحميري الشيعي‪ :‬ص ‪ 45‬ط‪ .‬إيران‬

‫‪116‬‬
‫"إن عليًا عليه السلم لم يكن ينسب أحدًا من أهل حربه إلى الشرك ول إلى النفاق‬
‫ولكن يقول‪ :‬هم إخواننا بغوا علينا" [قرب السناد للحميري الشيعي‪ :‬ص ‪ 45‬ط‪.‬‬
‫إيران]‪.‬‬
‫وهذه نفس الرواية التي رواها شيخ السلم ابن تيمية والذهبي وابن عساكر‬
‫وغيرهم عن جعفر بن محمد عن أبيه الباقر قال‪:‬‬
‫"سمع عليّ يوم الجمل ويوم صفين رجلً يغلو في القول فقال‪ :‬ل تقولوا إل خيرًا‪،‬‬
‫إنما هم قوم زعموا أنا بغينا عليهم وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم"‪."1‬‬
‫وأخيرًا‪ :‬فلما انتهى عليّ – رضي ال عنه – من حرب الجمل لم تمتنع السبئية عن‬
‫إظهار خبثهم وسريرتهم وما يكنّونه في صدورهم‪ ،‬فلقد نقل المام ابن كثير بعد ذكر‬
‫مجموع من قتل يوم الجمل‪:‬‬
‫"وكان مجموع من قتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلف‪ ،‬خمسة من هؤلء‬
‫وخمسة من هؤلء‪ ،‬رحمهم ال ورضي عن الصحابة منهم‪ ،‬وقد سأل بعض أصحاب‬
‫عليّ عليّا أن يقسم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير‪ ،‬فأبى عليهم‪ ،‬فطعن فيه‬
‫السبئية وقالوا‪ :‬كيف يحل لنا دماؤهم ول تحل لنا أموالهم؟‪ .‬فبلغ ذلك عليّا فقال‪ :‬أيكم‬
‫يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه؟ فسكت القوم‪ ،‬ولهذا لما دخل البصرة فض في‬
‫أصحابه أموال بيت المال‪ ،‬فنال كل رجل منهم خمسمائة‪ ،‬وقال‪ :‬لكم مثلها من الشام‪،‬‬
‫فتكلم فيه السبئية أيضًا ونالوا منه وراء وراء"‪"2‬‬
‫وأما حرب صفين فلم يكن سعي السبئية فيها أقل من حرب الجمل لثارة الفتن‬
‫والقلقل والضطرابات‪ ،‬ول زالوا على دأبهم هذا طيلة أيام عليّ – رضي ال عنه –‬
‫يؤذونه بآرائهم الشاذة وأفكارهم الغريبة وعقائدهم الجنبية‪ ،‬وبتجميعهم المجرمين‬
‫وتحزبهم وتكتلهم وتجمعهم وإيقاع الفرقة بين المسلمين حتى لم يمتنعوا من إيقاعها‬
‫بين علي وأصحابه‪ ،‬وإبعاد المخلصين عنه‪ ،‬لنهم لم يكن قصدهم من إظهار الولء‬
‫ي وأولده‪ ،‬بل جعلوا هذا التظاهر‬
‫لعليّ والبراءة من أصحاب رسول ال حب عل ّ‬
‫بالحب والولء سترًا على مقاصدهم الخبيثة ومطامعهم الحقيقية للنيل في السلم‬
‫والمسلمين حتى حالوا بين علي – رضي ال عنه – وبين أخلص المخلصين له‬
‫كرئيس عساكره وكبير مستشاريه وابن عمه عبد ال بن عباس لتهامهم إياه بغصب‬
‫الموال وأخذها بغير حق"‪."3‬‬

‫‪ - 1‬انظر منهاج السنة لبن تيمية‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،61‬المنتقى‪ :‬ص ‪ ،135‬تهذيب ابن عساكر‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،73‬ومثله في‬
‫السنن الكبرى‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪-173‬‬
‫‪ - 2‬البداية والنهاية لبن كثير‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪ ،244‬الطبري‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪.223‬‬

‫‪ - 3‬انظر لذلك كتب التاريخ ابن خلدون‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،184-183‬وغيره‬

‫‪117‬‬
‫وكذلك زياد أمير فارس وغيرهم الكثيرين الكثيرين‪.‬‬
‫فهذه كانت أحوال السبئية في أيام علي – رضي ال عنه – وهذه مساعيهم غير‬
‫المحمودة‪ .‬وقبل ذلك ذكرنا سعيهم بالفتنة والفساد أيام عثمان – رضي ال عنه –‬
‫مزحزحة أركان السلم والدولة السلمية ببعض اليجاز والختصار من كتب‬
‫التاريخ اعتمادًا على أصح الروايات وموقفنا من الشيعة أنفسهم أيضًا‪.‬‬
‫ونريد أن نلفت النظار أن شيعة عليّ – رضي ال عنه – العامة منهم كانوا على‬
‫جانب عن هؤلء كما يلحظ من خلل الروايات التي سردناها لذكر هذه الوقائع‪،‬‬
‫وعلى ذلك كانوا دائمًا يسعون إلى الصلح واجتناب القتال والجدال‪ ،‬قدر الستطاعة‬
‫وحسب المقدور‪ ،‬ولو أن قليلً منهم تأثروا بأفكار هؤلء المخبثين‪ ،‬وانخدعوا‬
‫بأباطيلهم وأكاذيبهم ووقعوا في شراكهم وحبائلهم‪ .‬ولذلك لم يكن شيعة عليّ الولى‬
‫يطعنون في أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم ول يسبونهم ول يشتمونهم سواء‬
‫نازعوا عليّا في خلفته أو حاربوه في مطالبة القصاص للمام المظلوم عثمان بن‬
‫عفان – رضي ال عنه – بل أكثر من ذلك كانوا يقدمون أبا بكر وعمر على عليّ –‬
‫رضي ال عنه – كما نقل شيخ السلم ابن تيمية‪:‬‬
‫"كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا عليّا أو كانوا في ذلك الزمان لم يتنازعوا في‬
‫تفضيل أبي بكر وعمر‪ ،‬وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان‪ ،‬وهذا مما‬
‫يعترف به علماء الشيعة الكابر من الوائل والواخر"‪"1‬‬
‫ثم نقل عن واحد من الشيعة الولى شريك بن عبد ال أنه سأله سائل‪:‬‬
‫"أيها أفضل؟‪ .‬أبو بكر أم علي؟ فقال له‪ :‬أبو بكر‪ ،‬فقال له السائل‪ :‬تقول هذا وأنت‬
‫شيعي؟ فقال له‪ :‬نعم‪ ،‬من لم يقل هذا فليس شيعيّا‪ ،‬وال لقد رقي هذه العواد عليّ‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أل خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر‪ ،‬فكيف نردّ قوله وكيف نكذبه؟‪.‬‬
‫وال ما كان كذابًا"‪."2‬‬
‫ثم يقول‪:‬‬
‫"وكيف ل تقدم الشيعة الولى أبا بكر وعمر وقد تواتر عن أمير المؤمنين علي بن‬
‫أبي طالب – رضي ال عنه – أنه قال‪ :‬خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر‪،‬‬
‫وقد روي هذا عنه من طرق كثيرة قيل إنها تبلغ ثمانين طريقًا" [منهاج السنة لبن‬
‫تيمية‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.]4-3‬‬

‫‪ - 1‬منهاج السنة لبن تيمية‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.4-3‬‬

‫‪ - 2‬منهاج السنة لبن تيمية‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪4-3‬‬

‫‪118‬‬
‫وكذلك كان أولد علي وأهل بيته وكانوا على نفس هذا العتقاد‪ ،‬وهذه وجهة كانوا‬
‫يحملونها تجاه أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم والخلفاء الراشدين الثلثة‪ ،‬وأكثر‬
‫من ذلك لم يكونوا يعتقدون محاربة معاوية وأصحابه خروجًا عن السلم وطغيانًا‬
‫وظلمًا وعدوانًا‪ ،‬ولجل ذلك بايع معاوية أكبر أبناء علي سبط رسول ال – المام‬
‫المعصوم حسب زعم الشيعة – ووافقه على ذلك أبناؤه الخرون مع ما فيهم الحسين‬
‫ومحمد بن الحنفية وعبد ال بن عباس وغيرهم كما سيأتي بيانه‪ ،‬وصاهروه وأسرته‬
‫وعاونوه على أمور الخير والبر‪ ،‬وقبلوا منه الهدايا والصلت كما ذكرنا قريبًا‪ ،‬إل‬
‫من تأثر من السبئية أو دخل في ذلك الحزب الملعون على لسان عليّ – رضي ال‬
‫عنه – وأبنائه‪.‬‬
‫ثم ولم يكن الشيعة عامة آنذاك يشتمون أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ول‬
‫الخلفاء الراشدين الثلثة ول يطعنون فيهم ول ينقصونهم‪ ،‬فلقد ذكر ابن خلكان في‬
‫ترجمة يحيى بن معمر‪ :‬كان شيعيّا من القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص‬
‫لغيرهم"‪."1‬‬
‫ولقد أقر بذلك شيعي معاصر حيث قال‪:‬‬
‫"إني خلل مراجعتي تب التاريخ لم أر في الفترة التي تمتد من بعد وفاة النبي حتى‬
‫نهاية خلفة الخلفاء من عمد إلى الشتم من أصحاب المام‪ ،‬وإنما هناك من قيّم‬
‫الخلفاء وقيّم المام وحتى في أشد جمحات عاطفة الولء لم نجد من يشتم أحدًا ممن‬
‫تقدم المام بالخلفة‪ ...‬يضاف لذلك أنه حتى في الفترة الثانية أي في عهود المويين‬
‫كان معظم الشيعة يتورعون عن شتم أحد من الصحابة أو التابعين"‪"2‬‬
‫فرق الشيعة‪ ،‬تاريخها وعقائدها‬
‫اجتمع شيعة علي رضي ال عنه بعد استشهاده حول ابنه الحسن رضي ال عنه‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫وجعلوه إمامًا لهم في اليوم الثالث بعد انتقال أبيه من دار الدنيا إلى دار الخرة " "‪.‬‬
‫وأول من بايعه كان قيس بن سعد بن عبادة"‪."4‬‬
‫وعند ذاك ظهرت السبئية من جديد بكل قوة وأظهروا العقائد التي طالما أخفوها‬
‫خوفًا من بطش عليّ رضي ال عنه‪ ،‬وحذرًا من يقظته ومراقبته الفكار الهدامة ومن‬
‫يريد بثها في صفوف شيعته‪ ،‬ومعاقبتهم معاقبة شديدة‪ ،‬ولقد ذكر مؤرخ شيعي حيث‬
‫قال‪:‬‬

‫‪ - 1‬وفيات العيان‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪269‬‬


‫‪ - 2‬هوية التشيع لحمد الوائلي‪ :‬ص ‪.41‬‬

‫‪ - 3‬مروج الذهب للمسعودي الشيعي ج ‪ 2‬ص ‪426‬‬


‫‪ -4‬الطبري‪ :‬ج ‪ 6‬ص ‪-91‬‬

‫‪119‬‬
‫إن بدعة السبئية في الغلو ظهرت على عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طاب ‪-‬رضي‬
‫ال عنه‪ -‬عندما مرّ بقوم يأكلون في شهر رمضان نهارًا‪ ،‬فقال لهم‪ :‬أسفر أنتم أم‬
‫مرضى؟ قالوا ل ول واحدة منهما‪ ،‬قال‪ :‬فمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة‬
‫والجزية؟ قالوا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فما بال الكل نهارًا في رمضان؟ فقالوا له‪ :‬أنت أنت‪،‬‬
‫يومئون إلى ربوبيته‪ .‬فاستتابهم واستأنى ووعّدهم فأقاموا على قولهم‪ .‬فحفر لهم‬
‫حفرًا دخن عليهم فيها طمعًا في رجوعهم‪ ،‬فأبوا فحرقهم وقال‪ :‬أل تروني قد حفرت‬
‫لهم حفرًا‪:‬‬

‫أوقدت ناري ودعوت قنبرا‬ ‫إني إذا رأيت شيئًا منكرًا‬

‫فلم يبرح عليه السلم من مكانه حتى صاروا حممًا‪ .‬ثم استترت عنهم المقالة سنة أو‬
‫نحوها‪ ،‬ثم ظهر عبد ال بن سبأ وكان يهوديّا يتستر بالسلم بعد وفاة أمير المؤمنين‬
‫– رضي ال عنه – فأظهرها واتبعه قوم فسموا السبئية‪ ،‬وقالوا‪" :‬إن عليّا لم‬
‫يمت"‪."1‬‬
‫وبمثل ذك القول قال أقدم من كتب عن الفرق من الشيعة النوبختي حيث قال‪:‬‬
‫فلما قتل علي عليه السلم افترقت التي ثبتت على إمامته وأنها فرض من ال عز‬
‫وجل ورسوله عليه السلم فصاروا فرقًا ثلثة‪ ،‬فرقة منهم قالت‪:‬‬

‫‪ - 1‬الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين الشيعي ص ‪ ،55-54‬ابن أبي الحديد ج ‪ 2‬ص ‪309‬‬

‫‪120‬‬
‫إن عليّا لم يقتل ولم يمت ول يقتل ول يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويمل الرض‬
‫عدلً وقسطًا كما ملئت ظلمًا وجورًا وهي أول فرقة قالت في السلم بالوقف بعد‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم من هذه المة وأول من قال منها بالغلو وهذه الفرقة‬
‫تسمى (السبأية) أصحاب "عبد ال بن سبأ" وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر‬
‫وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال إن عليّا عليه السلم أمره بذلك فأخذه‬
‫عليّ فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه‪ :‬يا أمير المؤمنين!‬
‫أتقتل رجلً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى وليتك والبراءة من أعدائك فصيره إلى‬
‫المدائن‪ ،‬وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلم أن عبد ال بن‬
‫سبأ كان يهوديّا فأسلم ووالى عليّا عليه السلم وكان يقول وهو على يهوديته في‬
‫يوشع بن نون بعد موسى عليه السلم بهذه المقالة‪ ،‬فقال في إسلمه بعد وفاة النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم في علي عليه السلم بمثل ذلك‪ ،‬وهو أول من شهر القول‬
‫بفرض ولية علي عليه السلم وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه‪ ،‬؟؟‬
‫وهناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية‪ ،‬وقد بلغ عبد ال‬
‫بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه‪ :‬كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة‬
‫وأقمت على قتله سبعين عدلً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ول يموت حتى يملك‬
‫الرض"‪."1‬‬
‫وأورد مثل هذا كل من ألمّ بتاريخ التشيع وفرقه سواء كان من الشيعة أم من السنة‪.‬‬
‫كما ذكرناه فيما قبل من مؤلفي الشيعة وكتبهم‪.‬‬
‫ولقد ذكر ظهور السبئية من جديد والمجاهرة بعقائدهم الخبيثة بعد مقتل علي رضي‬
‫ال عنه من كتب علماء السنة في الفرق من عبد القاهر البغدادي في كتابه الفرق‬
‫بين الفرق "‪ "2‬والشعري في مقالت السلميين "‪ "3‬والرازي في اعتقادات فرق‬
‫المسلمين والمشركين"‪ "4‬والسفرائيني في التبصير "‪"5‬والشهرستاني في الملل‬
‫والنحل "‪ "6‬وابن حزم الظاهري في الفصل "‪ "7‬وأبو الحسن البلطي في التنبيه"‪"8‬‬
‫والجرجاني في التعريفات "‪ "9‬والمقريزي في الخطط‪.‬‬

‫‪ - 1‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪ 44-43‬ط‪ .‬النجف‬


‫‪ - 2‬ص ‪ 225‬و ‪233‬‬
‫‪ - 3‬ج ‪ 1‬ص ‪85‬‬
‫‪ - 4‬ص ‪57‬‬
‫‪ - 5‬ص ‪109-108‬‬
‫‪ - 6‬ج ‪ 2‬ص ‪ 11‬الهوامش‬
‫‪ - 7‬ج ‪ 4‬ص ‪180‬‬
‫‪ - 8‬ص ‪ 25‬و ‪148‬‬
‫‪ - 9‬ص ‪79‬‬

‫‪121‬‬
‫فذكر كل واحد منهم أن عبد ال بن سبأ رجع بعد شهادة علي رضي ال عنه من‬
‫منفاه وأظهر عقائده في عليّ آنذاك‪ ،‬فيقول السفرائيني‪:‬‬
‫"ثم إن عليّا رضي ال عنه خاف من إحراق الباقين منهم شماتة أهل الشام‪ ،‬وخاف‬
‫اختلف أصحابه عليه‪ ،‬فنفى ابن سبأ إلى سباط المدائن‪ ،‬فلما قتل علي رضي ال‬
‫عنه زعم ابن سبأ أن المقتول لم يكن عليّا"‪."1‬‬
‫وكذلك قال الشهرستاني‪:‬‬
‫"إنما أظهر عبد ال بن سبأ بعد انتقال علي – رضي ال عنه – واجتمعت عليه‬
‫جماعته"‪."2‬‬
‫فحاربه الحسن رضي ال عنه وحارب أفكاره وعقائده دأب أبيه كما ذكر ابن أبي‬
‫الحديد الشيعي‪:‬‬
‫"ثم ظهر عبد ال بن سبأ وكان يهوديّا يتستر بالسلم بعد وفاة أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم فأظهرها‪ ،‬واتبعه قوم فسموا السبئية‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن عليّا عليه السلم لم يمت‪،‬‬
‫وإنه في السماء‪ ،‬والرعد صوته والبرق ضوئه؛ وإذا سمعوا صوت الرعد‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫السلم عليك يا أمير المؤمنين! وقالوا في رسول ال صلى ال عليه وسلم أغلظ‬
‫قول‪ ،‬وافتروا عليه أعظم فرية‪ ،‬فقالوا كتم تسعة أعشار الوحي‪ ،‬فنقض عليهم قولهم‬
‫الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية رضي ال عنه في رسالته‪ ،‬التي يذكر فيها‬
‫الرجاء‪ ،‬رواها عنه سليمان بن أبي شيخ‪ ،‬عن الهيثم بن معاوية‪ ،‬عن عبد العزيز‬
‫بن أبان‪ ،‬عن عبد الواحد بن أيمن المكي‪ ،‬قال‪ :‬شهدت الحسن بن علي بن محمد بن‬
‫الحنفية يملي هذه الرسالة‪ ،‬فذكرها وقال فيها‪ :‬ومن قول هذه السبئية‪ :‬هدينا لوحي‬
‫ضل عنه الناس‪ ،‬وعلم خفي عنهم؛ وزعموا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كتم‬
‫تسعة أعشار الوحي؛ ولو كتم صلى ال عليه وسلم شيئًا مما أنزل ال عليه لكتم‬
‫شأن امرأة زيد‪ ،‬وقوله تعالى‪َ { :‬تبْ َتغِي مَ ْرضَاتَ أَزْوَاجِكَ} "‪"3‬‬

‫‪ - 1‬الفرق بين الفرق ص ‪233‬‬


‫‪ - 2‬الفصل ج ‪ 2‬ص ‪ 11‬الهوامش‬
‫‪ - 3‬شرح النهج لبن أبي الحديد ج ‪ 8‬ص ‪ 120‬ط‪ .‬دار إحياء الكتب‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫ولكن لم يكن محاربته إياهم مثل محاربة أبيه‪ ،‬فبدأ السبئية يزرعون بذور الفتنة‬
‫والفساد ويبثون سموم الخلف والشقاق والفرقة بكل حرية وانطلقة‪ ،‬وخاصة بعد‬
‫أن تخاذل الشيعة عن الحسن وبعد تفرقهم عنه ودخول بعضهم في السبئية وميول‬
‫بعضهم إلى معاوية والتحاق البعض الخرين بالخوارج وغيرهم‪ ،‬ولقد صوّر هذه‬
‫الحوال شيخ الشيعة المفيد والربلي الشيعي والمجلسي في كتبهم وهم يذكرون‬
‫تحرك معاوية إلى العراق‪:‬‬
‫"وسار معاوية نحو العراق ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن عليه‬
‫السلم وبعث حجر بن عدي يأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه‬
‫ثم خفوا ومعه أخلط من الناس بعضهم شيعة له ولبيه‪ ،‬وبعضهم محكمة يؤثرون‬
‫قتال معاوية بكل حيلة‪ ،‬وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم‪ ،‬وبعضهم شكاك‪،‬‬
‫وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم ل يرجعون إلى دين‪ ،‬فسار حتى أتى‬
‫حمام عمر ثم أخذ إلى دير كعب فنزل ساباط دون القنطرة وبات هناك فلما أصبح أراد‬
‫– رضي ال عنه – أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في الطاعة له ليتميز بذلك‬
‫أولياءه من أعداءه ويكون على بصيرة من لقاء معاوية وأهل الشام فأمر بهم أن‬
‫ينادى بالصلة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم فقال‪:‬‬
‫الحمد ل كلما حمده حامد وأشهد أن ل إله إل ال كلما شهد له شاهد وأشهد أن‬
‫محمدًا عبده ورسوله أرسله بالحق وائتمنه على الوحي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫"أما بعد‪ :‬فوال إني لرجو أن أكون قد أصبحت بحمد ال ومنه وأنا أنصح خلق ال‬
‫ل على مسلم ضغينة ول مريدًا له بسوء ول غائلة‪ ،‬أل وإن‬ ‫لخلقه‪ ،‬وما أصبحت محتم ً‬
‫ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة‪ ،‬أل وإني ناظر لكم خيرًا من‬
‫نظركم لنفسكم فل تخالفوا أميّ ول تردوا علي رأيي غفر ال لي ولكم وأرشدني‬
‫وإياكم لما فيه المحبة والرضا‪ .‬قال‪ :‬فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا ما ترونه‬
‫يريد بما قال؟ قالوا‪ :‬نظنه وال يريد أن يصالح معاوية ويسلم المر إيه‪ ،‬فقالوا‪ :‬كفر‬
‫وال الرجل‪ ،‬ثم شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصله من تحته‪ ،‬ثم شد‬
‫عليه عبد الرحمن بن عبد ال بن جعال الزدي فنزع مطرفه عن عانقه‪ ،‬فبقي جالسًا‬
‫متقلدًا السيف بغير رداء‪ ،‬ثم دعا بفرسه فركبه وأحدث به طوائف من خاصته‬
‫وشيعته ومنعوا منه من أراده فقال‪ :‬ادعوا إليّ ربيعة وهمدان فدعوا فطافوا به‬
‫ودفعوا الناس عنه رضي ال عنه وسار ومعه شوب من غيرهم‪ ،‬فلما مر في مظلم‬
‫ساباط بدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجام بغلته وبيده‬
‫مغول وقال ال أكبر أشركت يا حسن! كما أشرك أبوك من قبل‪ ،‬ثم طعنه في فخذه‬
‫فشقه حتى بلغ العظم ثم اعتنقه الحسن عليه السلم وخرّا جميعًا إلى الرض‪ ،‬فوثب‬
‫إليه رجل من شيعة الحسن – رضي ال عنه – يقال له عبد ال بن خطل الطائي‬
‫فانتزع المغول من يده وخضخض به جوفه فأكب عليه آخر يقال له ظبيان بن عمارة‬
‫فقطع أنفه فهلك من ذلك‪ ،‬وأخذ آخر كان معه فقتل‪ ،‬وحمل الحسن عليه السلم على‬
‫سرير إلى المدائن فأنزل به على سعد بن مسعود الثقفي وكان عامل أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم بها فأقره الحسن عليه السلم على ذلك‪ ،‬واشتغل الحسن عليه السلم‬
‫بنفسه يعالج جرحه‪ ،‬وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع والطاعة‬
‫له في السر واستحثوه على المسير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن رضي ال عنه‬
‫إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به‪ ،‬وبلغ الحسن رضي ال عنه ذلك وورد عليه‬
‫كتاب قيس بن سعد رضي ال عنه وكان قد أنقذه مع عبيد ال بن العباس عند‬
‫مسيره من الكوفة ليلقى معاوية ويرده عن العراق وجعله أميرًا على الجماعة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫إن أصبت فالمير قيس بن سعد‪ ،‬فوصل كتاب قيس بن سعد يخبره أنهم نازلوا‬
‫معاوية بقرية يقال لها الحبوبية بإزاء مسكن وإن معاوية أرسل إلى عبيد ال بن‬
‫العباس يرغبه في المسير إليه وضمن له ألف ألف درهم يعجل له منها النصف‬
‫ويعطيه النصف الخر عند دخوله إلى الكوفة‪ ،‬فانسل عبيد ال في الليل إلى معسكر‬
‫معاوية في خاصته‪ ،‬وأصبح الناس قد فقدوا أميرهم‪ ،‬فصلى بهم قيس بن سعد رضي‬
‫ال عنه ونظر في أمورهم فازدادت بصيرة الحسن عليه السلم بخذلن القوم له‬
‫وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب والتكفير له واستحلل دمه ونهب‬
‫أمواله‪ ،‬ولم يبق معه من يأمن غوائله إل خاصته من شيعة أبيه وشيعته‪ ،‬وهم‬
‫جماعة ل تقوم لجناد الشام‪ ،‬فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلح‪ ،‬وأنفذ إليه بكتب‬
‫أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه‪ ،‬فاشترط له على نفسه في‬
‫إجابته إلى صلحه شروطًا كثيرة وعقد له عقودًا كان الوفاء بها مصالح شاملة‪ ،‬فلم‬
‫يثق به الحسن – رضي ال عنه – وعلم باحتياله بذلك واغتياله غير أنه لم يجد بدّا‬

‫‪124‬‬
‫من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه مما‬
‫وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له‪ ،‬وما انطوى‬
‫عليه كثير منهم في استحلل دمه وتسليمه إلى خصمه‪ ،‬وما كان من خذلن ابن عمه‬
‫له ومصيره إلى عدوه وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الجلة‪ .‬فتوثق‬
‫– رضي ال عنه – لنفسه من معاوية بتوكيد الحجة عليه والعذار فيما بينه وبينه‬
‫عند ال تعالى وعند كافة المسلمين واشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين – رضي‬
‫ال عنه – والعدول عن القنوت عليه في الصلة وأن يؤمن شيعته رضي ال عنهم‬
‫ول يتعرض لحد منهم بسوء‪ ،‬ويوصل إلى كل ذي حق منهم حقه فأجابه معاوية إلى‬
‫ذلك كله وعاهد عليه وحلف له بالوفاء"‪."1‬‬
‫وزاد على ذلك ابن أبي الحديد الشيعي‪:‬‬
‫لما أراد الحسن أن يرتحل إلى المدائن قام فخطب الناس فقال‪ :‬أيها الناس؛ إنكم‬
‫بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت‪ ،‬وإني وال ما أصبحت‬
‫محتملً على أحد من هذه المة ضغينة في شرق ول غرب‪ ،‬ولما تكرهون في‬
‫الجماعة واللفة والمن وصلح ذات البين خير مما تحبون في الفرقة‪ ،‬والخوف‬
‫والتباغض والعداوة‪ ،‬وإن عليّا أبي كان يقول‪ :‬ل تكرهوا إمارة معاوية؛ فإنكم لو‬
‫فارقتموه لرأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كالحنظل‪ .‬ثم نزل‪.‬‬
‫فقال الناس‪ :‬ما قال هذا القول إل وهو خالع نفسه ومسلم المر لمعاوية‪ ،‬فثاروا به‬
‫فقطعوا كلمه‪ ،‬وانتهبوا متاعه‪ ،‬وانتزعوا مطرفًا عليه‪ ،‬وأخذوا جارية كانت معه‪،‬‬
‫واختلف الناس فصارت طائفة معه؛ وأكثرهم عليه‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم أنت المستعان‪ ،‬وأمر‬
‫بالرحيل‪ ،‬فارتحل الناس‪ ،‬وأتاه رجل بفرس‪ ،‬فركبه وأطاف به بعض أصحابه‪ ،‬فمنعوا‬
‫الناس عنه وساروا‪ ،‬فقدمه سنان بن الجراح السدي إلى مظلم ساباط‪ ،‬فأقام به فلما‬
‫دنا منه تقدم إليه يكلمه‪ ،‬وطعنه في فخذه بالمعول طعنة كادت تصل إلى العظم‪ ،‬فغشي‬
‫عليه وابتدره أصحابه"‪."2‬‬

‫‪ - 1‬الرشاد للمفيد ص ‪ ،191-189‬جلء العيون للمجلسي ص ‪ 90‬وما بعد‪ ،‬كشف الغمة للربلي ج ‪ 2‬ص ‪ 65‬ط‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬ومثل ذلك في تاريخ اليعقوبي الشيعي ص ‪ ،215-214‬مروج الذهب ص ‪431‬‬
‫‪ - 2‬شرح النهج لبن أبي الحديد ج ‪ 16‬ص ‪36‬‬

‫‪125‬‬
‫ولقد صرح المؤرخون والكتّاب من الشيعة بأن الذين غصبوا الحسن وانتهبوا‬
‫مضاربه وما فيها وجرحوه كانوا من ساباط المدائن‪ ،‬وهي المحل الذي نفي إليه عبد‬
‫ال بن سبأ من قبل علي رضي ال عنه‪ ،‬وكانوا متأثرين بأفكاره وعقائده والساعين‬
‫في الفرقة والختلف‪ ،‬ومن بينهم كان فريسة السبئية المختار بن أبي عبيد الثقفي‬
‫الذي كان له شأن فيما بعد والذي أظهر نفس العقائد التي تلقنها من عبد ال بن سبأ‬
‫اليهودي الماكر الخبيث ومن السبئية الماكرة الخبيثة‪ ،‬ولقد ذكر المؤرخون أن السن‬
‫بن علي رضي ال عنه دخل المدائن ونزلها وهو جريح على علم المختار‪:‬‬
‫"فقال له المختار وهو شاب‪ :‬هل لك في الغنى والشرف؟ قال‪ :‬وما ذاك؟ قال‪ :‬تأخذ‬
‫الحسين بن علي وتقيده وتبعثه إلى معاوية‪ ،‬فقال له عمه‪ :‬قبحك ال وقبح ما جئت‬
‫به‪ ،‬أأغدر بابن بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪"1‬‬
‫ولما رأى الحسن ذلك ومعاملة السبئية من جانب‪ ،‬وتخاذل الشيعة من جانب‪ ،‬وإراقة‬
‫الدماء من ناحية أخرى رأى الصلح خيرًا‪ ،‬ولقد ذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي‪:‬‬
‫وحمل الحسن إلى مدائن وقد نزف نزفًا شديدًا‪ ،‬واشتدت به العلة‪ ،‬فافترق الناس‬
‫عنه‪ ،‬وقدم معاوية إلى العراق‪ ،‬فغلب على المر‪ ،‬والحسن عليل شديد العلة‪ ،‬فلما‬
‫رأى الحسن أن ل قوة به‪ ،‬وأن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له‪ ،‬صالح‬
‫معاوية‪ ،‬وصعد المنبر فحمد ال وأثنى عليه‪ ،‬وقال‪ :‬أيها الناس إن ال هداكم بأولنا‬
‫وحقن دماءكم بآخرنا‪ ،‬وقد سالمت معاوية‪ ،‬وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى‬
‫حين"‪."2‬‬
‫ولم يكتف الحسن بصلحه مع معاوية وتسليمه المر له‪ ،‬بل وأكثر من ذلك بايعه على‬
‫رؤوس الشهاد وبمن معه من إخوانه وقادة جيشه كما ذكر الرجالي الشيعي‬
‫المشهور‪ ،‬الكشي عن جعفر بن الباقر أنه قال‪:‬‬
‫"إن معاوية كتب إلى الحسن رضي ال عنه أن اقدم أنت والحسين وأصحاب علي‪،‬‬
‫فخرج معه قيس بن سعد بن عبادة النصاري وقدموا إلى الشام فأذن لهم معاوية‬
‫وأعد لهم الخطباء فقال‪ :‬يا حسن قم فبايع‪ ،‬ثم قال للحسين رضي ال عنه‪ :‬قم فبايع‪،‬‬
‫فقام فبايع‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا قيس قم فبايع‪ ،‬فالتفت إلى الحسين رضي ال عنه ينظر ما‬
‫يأمره فقال‪ :‬يا قيس إنه إمامي – يعني الحسن رضي ال عنه"‪"3‬‬

‫‪ - 1‬الطبري ج ‪ 6‬ص ‪ ،92‬ابن الثير ج ‪ 3‬ص ‪ ،203‬ابن كثير ج ‪ 8‬ص ‪ ،14‬واللفظ له‪.‬‬
‫‪ - 2‬تاريخ اليعقوبي ج ‪ 2‬ص ‪215‬‬
‫‪ - 3‬رجال الكشي ص ‪.102‬‬

‫‪126‬‬
‫وذكر مثل هذا شيعي متعصب المجلسي في كتابه (جلء العيون) الفارسي"‪ "1‬وثقة‬
‫محدثي الشيعة العباس القمي في تاريخه الفارسي الكبير منتهى المال"‪ "2‬وكذلك‬
‫ابن أبي الحديد الشيعي في كتابه شرح نهج البلغة"‪."3‬‬
‫وعندئذ افترق الشيعة بفرق أخرى‪:‬‬
‫"لما وادع الحسن معاوية وأخذ منه المال الذي بعث به إليه وصالح معاوية الحسن‬
‫طعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته فدخلوا في مقالة جمهور الناس وبقي سائر‬
‫أصحابه على إمامته إلى أن قتل‪ ،‬فلما تنحى عن محاربة معاوية وانتهى إلى مظلم‬
‫ساباط وثب عليه رجل من هناك يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجان دابته ثم قال‬
‫ال أكبر أشركت كما أشرك أبوك من قبل وطعنه بمعول في أصل فخذه فقطع الفخذ‬
‫إلى العظم‪ ،‬فاعتنقه الحسن وخرا جميعًا فاجتمع الناس على الجراح فوطئوه حتى‬
‫قتلوه ثم حمل الحسن على سرير فأتي به المدائن‪ ،‬فلم يزل يعالج بها في منزل سعد‬
‫بن مسعود الثقفي حتى صلحت جراحته ثم انصرف إلى المدينة فلم يزل جريحًا من‬
‫طعنته كاظمًا لغيظه متجرد طريقه على الشجا والذى من أهل دعوته حتى توفي‬
‫رضي ال عنه في آخر صفر سنة سبع وأربعين وهو ابن خمس وأربعين سنة وستة‬
‫أشهر‪ ،‬وقال بعضهم أنه ولد سنة ثلث من الهجرة من شهر رمضان وإمامته ست‬
‫سنين وخمسة أشهر"‪."4‬‬
‫ففرقة ثبتوا مع الحسن بعد هذا الصلح وبايعوا معاوية رضي ال عنه معه‪ ،‬وأطاعوا‬
‫وأخلصوا له الوفاء طيلة حياتهم من سنة إحدى وأربعين إلى سنة ستين من الهجرة‪،‬‬
‫وكان على رأس هؤلء أولد علي رضي ال عنه وأهل بيته من الحسين ومحمد بن‬
‫الحنفية وعبد ال بن العباس وأبناء عقيل وجعفر وغيرهم من الهاشميين الكبار من‬
‫أسرة النبي صلى ال عليه وسلم يعتقدون نفس العتقادات التي كان يعتقدها‬
‫المسلمون عامة من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم بدون تكفير أحد وتفسيق‬
‫أحد من المسلمين‪ ،‬متحدين متفقين‪ ،‬ناسين الخلفات التي حدثت‪ ،‬ومعرضين عن‬
‫الوقائع التي وقعت‪ ،‬متآخين متزوجين فيما بينهم كما ذكرنا ذلك مفصلً فيما سبق‪،‬‬
‫وفرقة مالت عن الحسن والحسين وقالت بإمامة محمد بن الحنفية وعرفت بعد ذلك‬
‫بالكيسانية وقويت بعدما صالح الحسن معاوية وازدادت قوتها وشوكتها وحملت‬
‫نفس الفكار التي كانت تحملها السبئية‪ ،‬وتطورت فيما بعد تطورًا سريعًا‪ ،‬وتشعبت‬
‫منها فرق شيعية كثيرة أخرى كما سنذكرها فيما بعد‪ ،‬ولقد ذكرها النوبتي الشيعي في‬
‫الفرق التي نشأت بعد قتل علي رضي ال عنه وعدها من إحدى الثلث التي كانت في‬
‫عهد الحسن‪ ،‬فإنه قال‪:‬‬

‫‪ - 1‬ج ‪ 1‬ص ‪395‬‬


‫‪ - 2‬ص ‪316‬‬
‫‪ 3‬شرح النهج ج ‪ 16‬ص ‪-38‬‬
‫‪ - 4‬النوبختي ص ‪46‬‬

‫‪127‬‬
‫"فلما قتل علي رضي ال عنه افترقت التي ثبتت على إمامته‪ ...‬فصاروا فرقًا ثلثًا‪،‬‬
‫أولً‪ :‬السبئية‪ ،‬وثانيًا‪ :‬فرقة قالت بإمامة محمد بن الحنفية لنه كان صاحب راية أبيه‬
‫يوم البصرة دون أخويه فسموا الكيسانية‪ ،‬وإنما سموا بذلك لن المختار بن أبي‬
‫عبيد الثقفي كان رئيسهم وكان يلقب كيسان وهو الذي طلب بدم الحسين بن علي‬
‫رضي ال عنهما وثأره حتى قتل من قتلته وغيرهم من قتل وادعى أن محمد بن‬
‫الحنفية أمره بذلك وأنه المام بعد أبيه‪ ،‬وإنما لقب المختار كيسان لن صاحب‬
‫شرطته المكنى بأبي عمرة كان اسمه وكان أفرط في القول والفعل والقتل من‬
‫المختار جدّا‪ ،‬وكان يقول أن محمد بن الحنفية وصي علي بن أبي طالب وأنه المام‬
‫وأن المختار قيمه وعامله‪ ،‬ويكفر من تقدم عليّا ويكفر أهل صفين والجمل‪ ،‬وكان‬
‫يزعم أن جبرائيل عليه السلم يأتي بالوحي من عند ال عز وجل فيخبره ول يراه‪،‬‬
‫وروى بعضهم أنه سمي بكيسان مولى علي بن أبي طالب عليه السلم وهو الذي‬
‫حمله على الطلب بدم الحسين بن علي عليه السلم ودله على قتلته وكان صاحب‬
‫سره ومؤامرته والغالب على أمره"‪"1‬‬
‫وبذلك صرح الشهرستاني‪:‬‬
‫ومن قالوا إن المام تثبت بالنص اختلفوا بعد علي عليه السلم فمنهم من قال‪ :‬إنما‬
‫نص على ابنه محمد بن الحنفية وهؤلء هم الكيسانية‪ ...‬وأما من لم يقل بالنص‬
‫على محمد بن الحنفية فقال بالنص على الحسن والحسين وقال‪ :‬المامة في الخوين‬
‫الحسن والحسين"‪."2‬‬
‫وبذلك القول قال القاضي النعمان "‪( "3‬الشيعي الفاطمي أو الثنا عشري على‬
‫اختلف القوال)‬
‫واختلفوا وكثر الكلم‪ ،‬فقال قوم‪:‬‬

‫‪ -1‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪ ،45-44‬ومثل ذلك ورد في رجال الكشي ص ‪.117‬‬


‫‪ - 2‬الملل والنحل ج ‪ 1‬ص ‪ 29-28‬الهوامش‬
‫‪ -3‬هو أبو حنيفة النعمان بن أبي عبد ال محمد بن منصور بن أحمد بن الحيوان التميمي المغربي‪ ،‬عاش في‬
‫النصف الول من القرن الرابع من الهجرة‪ ،‬وتوفي بالقاهرة سنة ‪634‬هـ‪ ،‬وصلى عليه المام الفاطمي المعز لدين‬
‫ال‪ ،‬وهو من العلم الثلثة من الدعاة الفاطميين‪ ،‬وهو علمهم وأسبقهم وقدوتهم‪ ،‬عاصر أربعة من الخلفاء‬
‫الفاطميين من المهدي مؤسس الدولة الفاطمية في المغرب إلى المعز لدين ال في مصر (مقدمة تأويل الدعائم ص‬
‫‪ .)13 ،12‬وينسبه الشيعة الثنا عشرية إلى طائفتهم (انظر مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي وغيره)‬

‫‪128‬‬
‫وأسقطوا الحسن والحسينا‬ ‫إنه المام بعد علي والوصي بنا‬

‫بل هو في شعب برضوى قد ثبت‬ ‫ثم غلوا فيه فقالوا‪ :‬لم يمت‬

‫"‪"1‬‬ ‫بين أسود فيه وكلوا به‬


‫يأتيه قالوا رزق من ربه‬

‫وقد ذكر الكيسانية من السنة كل من البغدادي في الفرق بين الفرق "‪ "2‬والشعري‬
‫في مقالت السلميين "‪ "3‬والملطي في التنبيه "‪ "4‬والرازي في اعتقادات فرق‬
‫المسلمين والمشركين "‪ "5‬والسفرائيني في التبصير "‪ "6‬وابن خلدون "‪ "7‬وابن‬
‫حزم في الفصل "‪ "8‬والمقريزي وغيرهم‪.‬‬

‫‪ - 1‬الرجوزة المختارة للقاضي النعمان ص ‪ 225-224‬ط‬


‫‪ - 2‬ص ‪38‬‬
‫‪ - 3‬ج ‪ 1‬ص ‪89‬‬
‫‪ - 4‬ص ‪ 29‬و ‪148‬‬
‫‪ - 5‬ص ‪62‬‬
‫‪ - 6‬ص ‪35‬‬
‫‪ - 7‬ص ‪198‬‬
‫‪ - 8‬ج ‪ 4‬ص ‪179‬‬

‫‪129‬‬
‫وفرقة تركت التشيع مطلقًا بعد صلح الحسن مع معاوية رضي ال عنه ولم يعدوا‬
‫أنفسهم من الشيعة فيما بعد‪:‬‬
‫"لما واعد الحسن معاوية وأخذ المال الذي بعث به إليه وصالح معاوية الحسن‬
‫طعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته‪ ،‬فدخلوا في مقولة جمهور الناس"‪"1‬‬
‫وأما السبئية فلقد انتشرت انتشارًا فظيعًا في هذا العصر‪ ،‬كما أقر بذلك مؤرخ شيعي‬
‫بقوله‪:‬‬
‫"فقد ظهرت هذه البدعة الضالة وسرت سريان الوباء إلى نفر من أهل العراق – ثم‬
‫ذكر أسباب انتشارها فيهم نقلً عن ابن أبي الحديد لنهم – كانوا من ركاكة البصائر‬
‫وضعفها على حال مشهور فل عجب من مثلهم أن تستخفهم المعجزات – التي رأوها‬
‫من علي – رضي ال عنه ‪ ،-‬فيعتقدوا في صاحبها أن الجوهر اللهي قد حل فيه‪.‬‬
‫وقد قيل إن جماعة من هؤلء من نسل النصارى واليهود‪ ،‬وقد كانوا سمعوا من‬
‫آبائهم وسلفهم القول بالحلول في أنبيائهم‪ ،‬فاعتقدوا فيه رضي ال عنه مثل ذلك‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون أصل هذه المقالة من قوم ملحدين أرادوا إدخال اللحاد في دين‬
‫السلم"‪."2‬‬
‫الشيعة أيام الحسين رضي ال عنه‬

‫‪ - 1‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪.46‬‬

‫‪ - 2‬الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين ص ‪105‬‬

‫‪130‬‬
‫ولما توفي الحسن رضي ال عنه واجتمع الشيعة حول أخيه الحسين رضي ال عنه‬
‫حدثت حادثة كبيرة‪ ،‬ووقعت كارثة عظيمة‪ ،‬أل وهي خروج الحسين على يزيد بن‬
‫معاوية بعد وفاة أبيه وقتله في كربلء‪ .‬ونقف برهة يسيرة قبل أن نذكر تفرق‬
‫الشيعة بعد هذه الكارثة لسرد وبيان تخاذل الشيعة وغدرهم عن الحسين‪ ،‬فلقد ذكر‬
‫اليعقوبي المؤرخ الشيعي الغالي أن يزيد بن معاوية لما تولى الخلفة بعد أبيه كتب‬
‫إلى عامله بالمدينة الوليد بن عقبة بن أبي سفيان أن يأخذ البيعة من الحسين بن‬
‫علي رضي ال عنهما ولما طلب الوليد منه ذلك‪:‬‬
‫فخرج الحسين إلى مكة‪ ،‬فأقام بها أيامًا‪ ،‬وكتب أهل العراق إليه‪ ،‬ووجهوا بالرسل‬
‫على أثر الرسل‪ ،‬فكان آخر كتاب ورد عليه منهم كتاب هانئ بن أبي هانئ‪ ،‬وسعيد‬
‫بن عبد ال الخثعمي‪:‬‬
‫"بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬للحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين‪ ،‬أما بعد‬
‫فحيّ هل‪ ،‬فإن الناس ينتظرونك‪ ،‬ل إمام لهم غيرك‪ ،‬فالعجل ثم العجل والسلم"‪."1‬‬
‫والمؤرخ الشيعي الخر المسعودي يكتب‪:‬‬
‫"ولما مات معاوية راسل أهل الكوفة "‪ "2‬إلى الحسين بن علي‪" :‬أن قد حبسنا‬
‫أنفسنا على بيعتك‪ ،‬ونحن نموت دونك‪ ،‬ولسنا نحضر جمعة ول جماعة"‪."3‬‬
‫وكتبًا أخرى‪ :‬فقد اخضرت الجنات‪ ،‬وأينعت الثمار‪ ،‬فإذا شئت فأقبل على جند لك‬
‫مجندة"‪."4‬‬

‫‪ - 1‬تاريخ اليعقوبي ج ‪ 2‬ص ‪ ،242 ،241‬ومثلُ ذلك في الرشاد للمفيد ص ‪ 203‬وكشف الغمة للربلي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪32‬‬
‫‪ -2‬نعم الكوفة التي كانت مركزًا للشيعة ومرتعًا خصبًا حتى قالوا فيها‪:‬‬
‫وأما الكوفة وسوادها فهناك شيعة علي بن أبي طالب‪ .‬وأما البصرة فعثمانية تدين بالكف‪.‬‬
‫وأما الجزيرة فحرورية مارقة‪ .‬وأما أهل الشام فليس يعرفون إل آل أبي سفيان وطاعة بني مروان‪ ....‬وأما أهل‬
‫مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر (عيون الخبار للرضا – نقلً عن الشيعة في التاريخ)‪.‬‬
‫ورووا عن جعفر أنه قال‪:‬‬
‫إن ال عرض وليتنا على أهل المصار فلم يقبلها إل أهل الكوفة (بصائر الدرجات ج ‪ 2‬الباب العاشر)‪.‬‬
‫وأيضًا ما رواه الكليني في كافيه عن عبد ال الوليد الكندي‪:‬‬
‫قال‪ :‬دخلنا على أبي عبد ال عليه السلم في زمن مروان‪ ،‬فقال‪ :‬من أنتم؟ فقلنا‪ :‬من أهل الكوفة‪ ،‬فقال‪ :‬ما بلدة من‬
‫البلدان أكثر محبًا لنا من أهل الكوفة‪ ،‬ول سيما هذه العصابة‪ ،‬إن ال جل ذكره هداكم لمر جهله الناس وأحببتمونا‬
‫وأبغضنا الناس واتبعتمونا وخالفنا الناس‪ ،‬وصدقتمونا وكذبنا الناس‪ ،‬فأحياكم ال محيانا وأماتكم مماتنا (الروضة‬
‫من الكافي)]‬
‫‪ - 3‬مروج الذهب ج ‪ 3‬ص ‪54‬‬
‫‪ - 4‬إعلم الورى للطبرسي ص ‪ 1 ،223‬الرشاد للمفيد ص ‪220‬‬

‫‪131‬‬
‫ولما تواترت الرسائل وكثرت‪ ،‬واشتد طلب الكوفيين‪:‬‬
‫وجه إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب وكتب إليهم‪ ،‬وأعلمهم أنه إثر كتابه‪ ،‬فلما‬
‫قدم مسلم الكوفة اجتمعوا إليه‪ ،‬فبايعوه وعاهدوه وعاقدوه‪ ،‬وأعطوه المواثيق على‬
‫النصرة والمشايعة والوفاء "‪."1‬‬
‫وزاد المفيد‪" :‬فبايعوه وهم يبكون‪ ،‬وتجاوز عددهم ثمانية عشر ألفًا"‪"2‬‬
‫وبعد أيام وصل إليه من مسلم بن عقيل‪:‬‬
‫"أن لك مائة أله‪ ،‬ول تتأخر"‪."3‬‬
‫فتحرك نحو الكوفة‪ ،‬فأتاه ابن العباس من بني هاشم وقائد جيوش علي رضي ال‬
‫عنه ومستشاره الخاص والرجل المجرب المحنك الذي كان يعرف شيعة زمانه حق‬
‫المعرفة فقال له – كما نقل المسعود الشيعي ‪:-‬‬
‫"يا ابن عم‪ ،‬قد بلغني أنك تريد العراق‪ ،‬وإنهم أهل غدر‪ ،‬وإنما يدعونك للحرب‪ ،‬فل‬
‫تعجل‪ ،‬وإن أبيت إل محاربة هذا الجبار وكرهت المقام بمكة فاشخص إلى اليمن‪،‬‬
‫فإنها في عزلة‪ ،‬ولك فيها أنصار وإخوان‪ ،‬فأقم بها وبث دعاتك‪ :‬واكتب إلى أهل‬
‫الكوفة وأنصارك بالعراق أن يخرجوا أميرهم‪ ،‬فإن قووا على ذلك ونفوه عنها‪ ،‬ولم‬
‫يكن بها أحد يعاديك أتيتهم‪ ،‬وما أنا لغدرهم بآمن‪ ،‬وإن لم يفعلوا أقمت بمكانك إلى أن‬
‫يأتي ال بأمره‪ ،‬فإن فيها حصونًا وشعوبًا‪ ،‬فقال الحسين‪ :‬يا ابن عم‪ ،‬إني لعلم أنك‬
‫لي ناصح وعلي شفيق‪ ،‬ولكن مسلم بن عقيل كتب إلي باجتماع أهل المصر على‬
‫بيعتي ونصرتي‪ ،‬وقد أجمعت على المسير إليهم‪ ،‬قال‪ :‬إنهم من خبرت وجربت‪ ،‬وهم‬
‫أصحاب أبيك وأخيك وقتلتك غدًا مع أميرهم – ما أصدقه وما أحنك به وأخبر بهم –‬
‫إنك لو قد خرجت فبلغ ابن زياد خروجك استنفرهم إليك‪ ،‬وكان الذين كتبوا إليك أشد‬
‫من عدوك‪ ،‬فإن عصيتني وأبيت إلى الخروج إلى الكوفة فل تخرجن نساءك وولدك‬
‫معك‪ ،‬فوال إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه"‪"4‬‬
‫هذا ما قاله عبد ال ابن عباس رضي ال عنهما‪ ،‬وله من المنزلة والمقام عند علي‬
‫رضي ال عنه ما ل يخفى على أحد حتى كتب مفيد الشيعة‪:‬‬
‫"كان أمير المؤمنين يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد ال‬
‫بن العباس"‪."5‬‬

‫‪ - 1‬تاريخ اليعقوبي ج ‪ 2‬ص ‪242‬‬


‫‪ - 2‬الرشاد ص ‪220‬‬
‫‪ - 3‬الرشاد للمفيد ص ‪220‬‬
‫‪ - 4‬مروج الذهب ج ‪ 3‬ص ‪55‬‬
‫‪ - 5‬الرشاد للمفيد ص ‪14‬‬

‫‪132‬‬
‫وهذا ما كان يحمل من الشيعة‪ ،‬وكيف ل وقد قال فيهم علي رضي ال عنه نفسه‪:‬‬
‫لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم‪ ،‬فأخذ مني عشرة منكم‬
‫وأعطاني رجلً منهم"‪."1‬‬
‫ثم أيد ابن عباس أبو بكر بن هشام في وصف الشيعة بالغدر والخيانة وعدم الخروج‬
‫إليهم كما نقله الشيعي المسعودي‪ :‬دخل أبو بكر بن الحارث بن هشام على الحسين‬
‫فقال‪ :‬يا ابن عم‪ ،‬إن الرحم يظائرني عليك‪ ،‬ول أدري كيف أنا في النصيحة لك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا أبا بكر ما أنت ممن يستغش ول يتهم‪ ،‬فقل‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬كان أبوك أقدم سابقة‪،‬‬
‫وأحسن في السلم أثرًا‪ ،‬وأشد بأسًا‪ ،‬والناس له أرجى‪ ،‬ومنه أسمع وعليه أجمع‪،‬‬
‫فسار إلى معاوية والناس مجتمعون عليه إل أهل الشام وهو أعز منه‪ ،‬فخذلوه‪،‬‬
‫وتثاقلوا عنه‪ ،‬حرصًا على الدنيا‪ ،‬وضنّا بها‪ ،‬فجرعوه الغيظ‪ ،‬وخالفوه حتى صار إلى‬
‫ما صار إليه من كرامة ال ورضوانه‪ ،‬ثم صنعوا بأخيك بعد أبيك ما صنعوا‪ ،‬وقد‬
‫شهدت ذلك كله ورأيته‪ ،‬ثم أنت تريد أن تسير إلى الذي عدوا على أبيك وأخيك تقاتل‬
‫بهم أهل الشام وأهل العراق ومن هو أعد منك وأقوى‪ ،‬والناس منه أخوف‪ ،‬وله‬
‫أرجى‪ ،‬فلو بلغهم مسيرك إليهم لستطغوا الناس بالموال‪ ،‬وهم عبيد الدنيا‪ ،‬فيقاتلك‬
‫من وعدك أن ينصرك‪ ،‬ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره‪ ،‬فاذكر ال في نفسك‪،‬‬
‫فقال الحسين‪ :‬جزاك ال خيرًا يا ابن عم‪ ،‬فقد أجهدك رأيك‪ ،‬ومهما يقض ال يكن‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إنا ل وعند ال نحتسب يا أبا عبد ال‪ ،‬ثم دخل على الحارث بن خالد بن‬
‫العاص بن هشام المخزومي والي مكة وهو يقول‪:‬‬

‫وظنين المغيب يلفي نصيحًا‬ ‫كم نرى ناصحًا فيعصى‬

‫"فقال‪ :‬وما ذاك؟ فأخبره بما قال للحسين‪ ،‬فقال‪ :‬نصحت له ورب الكعبة"‪"2‬‬

‫‪ - 1‬نهج البلغة‬
‫‪ - 2‬مروج الذهب ج ‪ 3‬ص ‪.56‬‬

‫‪133‬‬
‫ثم وننقل القصة بكاملها من الشيعة أنفسهم كي يعرف ويدرك خيانة القوم وجبنهم‪.‬‬
‫فيذكر المسعودي‪:‬‬

‫‪134‬‬
‫"واتصل خبر مجيء مسلم الكوفة بيزيد فكتب إلى عبيد ال بن زياد بتولية الكوفة؛‬
‫فخرج من البصرة مسرعًا حتى قدم الكوفة على الظهر‪ ،‬فدخلها في أهله وحشمه‬
‫وعليه عمامة سوداء قد تلثم بها‪ ،‬وهو راكب بغلة والناس يتوقعون قدوم الحسين‬
‫فجعل بن زياد يسلم على الناس فيقولون؛ وعليك السلم يا ابن رسول ال! قدمت‬
‫خير مقدم‪ ،‬حتى انتهى إلى القصر وفيه النعمان بن بشير‪ ،‬فتحصن فيه‪ ،‬ثم أشرف‬
‫عليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن رسول ال مالي وما لك؟ وما حملك على قصد بليد من بين‬
‫البلدان؟ فقال ابن زياد‪ :‬لقد طال نومك يا نعيم‪ ،‬وحسر اللثام عن فيه‪ ،‬فعرفه‪ ،‬ففتح‬
‫له‪ ،‬وتنادى الناس‪ :‬ابن مرجانة‪ ،‬وحصبوه بالحصباء‪ ،‬ففاتهم ودخل القصر‪ ،‬ولما‬
‫اتصل خبر ابن زياد بمسلم تحول إلى هانئ بن عروة المرادي‪ ،‬ووضع ابن زياد‬
‫الرصد على مسلم حتى علم بموضعه‪ ،‬فوجه محمد بن الشعث ابن قيس إلى هانئ‪،‬‬
‫فجاءه فسأله عن مسلم‪ ،‬فأنكره فأغلظ له ابن زياد القول‪ ،‬فقال هانئ‪ :‬إن لزياد أبيك‬
‫عندي بلء حسنًا‪ ،‬وأنا أحب مكافأته به‪ ،‬فهل لك في خير؟ قال ابن زياد‪ :‬وما هو؟‬
‫قال تشخص إلى أهل الشام أنت وأهل بيتك سالمين بأموالكم‪ ،‬فإنه قد جاء حق من‬
‫هو أحق من حقك وحق صاحبك‪ ،‬فقال ابن زياد‪ :‬أدنوه مني‪ ،‬فأدنوه منه‪ ،‬فضرب‬
‫وجهه بقضيب كان في يده حتى كسر أنفه وشق حاجبه‪ ،‬ونثر لحم وجنته‪ ،‬وكسر‬
‫القضيب على وجهه ورأسه‪ ،‬وضرب هانئ بيده إلى قائم سيف شرطي من تلك‬
‫الشرط‪ ،‬فجاذبه الرجل‪ ،‬ومنعه السيف‪ ،‬وصاح أصحاب هانئ بالباب‪ :‬قتل صاحبنا‪،‬‬
‫فخافهم ابن زياد‪ ،‬وأمر بحبسه في بيت إلى جانب مجلسه‪ ،‬وأخرج إليهم ابن زياد‬
‫شريحًا القاضي‪ ،‬فشهد عندهم أنه حي لم يقتل‪ ،‬فانصرفوا‪ ،‬ولما بلغ مسلمًا ما فعل‬
‫ابن زياد بهانئ‪ ،‬أمر مناديًا فنادى "يا منصور" وكانت شعارهم‪ ،‬فتنادى أهل الكوفة‬
‫بها‪ ،‬فاجتمع إليه في وقت واحد ثمانية عشر ألف رجل‪ ،‬فسار إلى ابن زياد‪ ،‬فتحصن‬
‫منه‪ ،‬فحصروه في القصر فلم يمس مسلم ومعه غير مائة رجل‪ ،‬فلما نظر إلى الناس‬
‫يتفرقون عنه سار نحو أبواب كندة‪ ،‬فما بلغ الباب إل ومعه منهم ثلثة‪ ،‬ثم خرج من‬
‫الباب فإذا ليس معه منهم أحد‪ ،‬فبقي حائرًا ل يدري أين يذهب‪ ،‬ول يجد أحدًا يدله‬
‫على الطريق فنزل عن فرسه ومشى متلددًا في أزقة الكوفة ل يدري أين يتوجه‪،‬‬
‫حتى انتهى إلى باب مولة للشعث بن قيس‪ ،‬فاستسقاها ماء فسقته‪ ،‬ثم سألته عن‬
‫حاله‪ ،‬فأعلمها بقضيته‪ ،‬فرقت له وآوته‪ ،‬وجاء ابنها فعلم بموضعه‪ ،‬فلما أصبح غدا‬
‫إلى محمد بن الشعث فأعلمه‪ ،‬فمضى ابن الشعث إلى ابن زياد فأعلمه"‪"1‬‬

‫‪ - 1‬مروج الذهب للمسعودي ج ‪ 3‬ص ‪58 ،57‬‬

‫‪135‬‬
‫فقتله وقتل هانئ بن عروة وهو يصيح‪:‬‬
‫"يا آل مراد‪ ،‬وهو شيخها وزعيمها‪ ،‬وهو يومئذ يركب في أربعة آلف دارع وثمانية‬
‫آلف راجل‪ ،‬وإذا أجابتها أحلفها من كندة وغيرها كان في ثلثين ألف دارع‪ ،‬فلم‬
‫يجد زعيمهم منهم أحدًا فشلً وخذلنًا"‪."1‬‬
‫فلما بلغ الحسين القادسية لقيه الحر بن يزيد التميمي فقال له‪ :‬أين تريد يا ابن‬
‫رسول ال؟ قال‪ :‬أريد هذا المصر‪ ،‬فعرفه بقتل مسلم وما كان من خبره‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ارجع‪ ،‬فإني لم أدع خلفي خيرًا أرجوه لك‪ ،‬فهم بالرجوع فقال له أخوة مسلم‪ :‬وال ل‬
‫نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل كلنا‪ ،‬فقال الحسين‪ :‬ل خير في الحياة بعدكم"‪."2‬‬
‫ثم قال للناس‪:‬‬
‫"أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد ال بن‬
‫يقطر وقد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم النصراف فلينصرف في غير حرج ليس معه‬
‫ذمام فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينًا وشما ًل حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه‬
‫من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه وإنما فعل ذلك لنه – رضي ال عنه – علم‬
‫أن العراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه وهم يظنون أنه يأتي بلدًا قد استقامت له طاعة‬
‫أهله‪ ،‬فكره أن يسيروا معه إل وهم يعلمون على ما يقدمون‪ ،‬فلما كان السحر أمر‬
‫أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا ثم ساروا حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها فلقيه شيخ‬
‫من بني عكرمة يقال له عمرو بن لوذان فسأله أين يريد فقال له الحسين – رضي‬
‫ال عنه – الكوفة فقال الشيخ أنشدك لما انصرفت فوال ما تقدم إل على السنة وحد‬
‫السيوف وإن هؤلء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطئوا لك الشياء‬
‫فقدمت عليهم كان ذلك رأيًا فأما على هذه الحالة التي تذكر فإني ل أرى لك أن تفعل‬
‫فقال له يا عبد اله ليس يخفى علي الرأي وإن ال تعالى ل يغلب على أمره"‪."3‬‬

‫‪ - 1‬مروج الذهب ص ‪59‬‬


‫‪ - 2‬مروج الذهب ص ‪61 ،60‬‬
‫‪ - 3‬الرشاد للمفيد ص ‪ ،223‬إعلم الورى للطبرسي ص ‪ ،232 ،231‬جلء العيون للمجلسي ج ‪ 2‬ص ‪540‬‬

‫‪136‬‬
‫ثم ارتحل إلى الكوفة فلقي في الطريق واحدًا من أهل الكوفة وأخبره عن غدرهم‬
‫وتخاذلهم وجبنهم قائلً‪:‬‬
‫"ليس لك بالكوفة ناصر ول شيعة بل نتخوف أن يكونوا عليك"‪."1‬‬
‫ولما عارضه ورفاقه جيش الكوفة ورأى منهم عكس ما كتبوا وقالت رسلهم‪،‬‬
‫وتنكروا ما كتبوا إليه قال لبعض أصحابه‪:‬‬
‫اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي‪ ،‬فأخرج خرجين مملوئين كتبًا فنشرت بين‬
‫يديه"‪."2‬‬
‫فأنكروا عليه هذه الكتب والرسائل‪ ،‬ثم سار حتى وصل كربلء‪:‬‬
‫"فلما كثرت العساكر على الحسين أيقن أنه ل محيص له فال‪ :‬اللهم احكم بيننا وبين‬
‫قوم دعونا لينصرونا ثم هم يقتلوننا‪ ،‬فلم يزل يقاتل حتى قتل رضوان ال عليه‪...‬‬
‫وكان جميع من حضر مقتل الحسين من العساكر وحاربه وتولى قتله من أهل الكوفة‬
‫خاصة‪ ،‬فلم يحضرهم شامي"‪."3‬‬
‫ثم يذكر اليعقوبي الشيعي المتحمس – كما يسميه ولهوزن – "إن أهل الكوفة لما‬
‫قتلوه‪ ،‬انتهبوا مضاربه وابتزوا حرمه‪ ،‬وحملوهن إلى الكوفة‪ ،‬فلما دخلن إليها‬
‫خرجت نساء الكوفة يصرخن ويبكين‪ ،‬فقال علي بن الحسين‪ :‬هؤلء يبكين علينا فمن‬
‫قتلنا؟‪."4".‬‬
‫وهنا نريد أن نثبت ما ذكره ولهوزن المستشرق اللماني المتعاطف على الشيعة‪:‬‬

‫‪ - 1‬الرشاد ص ‪222‬‬
‫‪ - 2‬إعلم الورى ص ‪ ،232‬الرشاد ص ‪ ،225‬جلء العيون ص ‪542-541‬‬
‫‪ - 3‬مروج الذهب ج ‪ 3‬ص ‪61‬‬
‫‪ - 4‬تاريخ اليعقوبي ج ‪ 1‬ص ‪235‬‬

‫‪137‬‬
‫ولم يكن جمهور أهل الكوفة حريصًا على مساعدة الحكومة‪ ،‬ولكنه مع ذلك لم ينضم‬
‫إلى صف أعدائها‪ .‬وحتى أولئك الذين بعثوا بالكتب إلى الحسين وأقسموا على‬
‫الخلص له تخلوا عنه في المحنة ولم يقدموا له يد المعونة‪ ،‬وقصارى ما فعلوه‬
‫أنهم راقبوا المعركة من بعيد ومصرعه الخير ثم بكوا‪ .‬وقليلون جدّا هم أولئك الذين‬
‫تجاسروا على اللحاق به ومشاركته في مصيره‪ ،‬مثل أبي ثمامة الصائدي خازن بيت‬
‫المال‪ ،‬وابن عوسجة‪ .‬وعدا هذا فإن بعض الذين شاركوه في مصرعه إما أنهم كانوا‬
‫من أولئك الذين التقطهم عرضًا في الطريق أو من أولئك الذين دفعتهم الحمية‬
‫النسانية في اللحظة الخيرة إلى النضمام إليه وإن لم يكن لهم من قبل شأن به أو‬
‫لم يكونوا من شيعته‪ .‬وقد أبرز المؤرخون هذا التعارض بين المكلفين‪ ،‬الذين لم‬
‫يعملوا شيئًا‪ ،‬وبين غير المكلفين الذين أخجلوا الولين‪ ،‬أبرزوه وعرضوه أحيانًا‬
‫عرضًا دراميّا‪ .‬ومما هو جدير بالعتبار أن النصار أيضًا‪ ،‬ل القرشيون وحدهم‪ ،‬قد‬
‫تخلوا عن الحسين‪ ،‬فلم يخرج من المدينة واحد منهم معه ولم يكن منهم بين شيعة‬
‫الكوفة إل أفراد قلئل جدّا‪ .‬والثورة التي قامت في المدينة سنة ‪63‬هـ لم تكن من أجل‬
‫آل علي‪ ،‬كما أن علي بن الحسين نفض يديه منها‪.‬‬
‫"وفي مقابل الجبناء وغير المخلصين كان أعداء الشيعة الصرحاء وهم أتباع حكومة‬
‫بني أمية وموظفوها‪ .‬ولم يكن الجدال يدور حول أمور دينية إيمانية"‪"1‬‬
‫وعلى ذلك قال البغدادي‪:‬‬
‫روافض الكوفة موصوفون بالغدر‪ ،‬والبخل‪ ،‬وقد سار المثل بهم فيهما‪ ،‬حتى قيل‪:‬‬
‫أبخل من كوفي‪ ،‬وأغدر من كوفي‪ ،‬والمشهور من غدرهم ثلثة أشياء‪:‬‬
‫"أحدهما‪ :‬أنهم بعد قتل علي رضي ال عنه بايعوا ابنه الحسن‪ ،‬فلما توجه لقتال‬
‫معاوية غدروا به في ساباط المدائن‪ ،‬فطعنه سنان الجعفي في جنبه فصرعه عن‬
‫فرسه‪ ،‬وكان ذلك أحد أسباب مصالحته معاوية‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنهم كاتبوا الحسين بن علي رضي ال عنه‪ ،‬ودعوه إلى الكوفة لينصروه‬
‫على يزيد بن معاوية فاغتر بهم‪ ،‬وخرج إليهم‪ ،‬فلما بلغ كربلء غدروا به‪ ،‬وصاروا‬
‫مع عبيد ال بن زياد يدًا واحدة عليه‪ ،‬حتى قتل الحسين وأكثر عشيرته بكربلء‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬غدرهم بزيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب بعد أن خرجوا معه على‬
‫يوسف بن عمر‪ ،‬ثم نكثوا بيعته وأسلموا عند اشتداد القتال حتى قتل وكان من أمره‬
‫ما كان"‪."2‬‬

‫‪ - 1‬الخوارج والشيعة ص ‪.134‬‬

‫‪ -‬الفرق بين الفرق ص ‪37‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪138‬‬
‫فهؤلء كانوا الشيعة‪ ،‬شيعة علي والحسن والحسين‪ ،‬وهذه هي كانت معاملتهم‬
‫لئمتهم وقادتهم‪.‬‬
‫ولقد فصلنا في ذلك القول لنه بعد هذه الحادثة حصل في التشيع تطور كبير‪ ،‬وبدأ‬
‫يتجه إلى اتجاه ديني ويصبغ بصبغة مذهبية بعد أن كان سياسيّا بحتًا‪ ،‬يرى رأي علي‬
‫وأولده مقابل معاوية وبني أمية‪ .‬وبذلك صرح ولهوزن بكل وضوح حيث يذكر مقتل‬
‫الحسين وبعده قيام المختار باسم الثأر‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫"كان التشيع في الكوفة آنذاك قد لبس ثوبًا جديدًا‪ .‬وقد عرفنا من قبل المعنى الذي‬
‫كان يدل عليه في الصل‪ .‬لقد كان تعبيرًا عن التجاه السياسي العام لمعارضة العراق‬
‫لسلطان الشام‪ .‬وفي بادئ المر كان الشراف صفّا واحدًا مع سائر الناس ويتولون‬
‫قيادتهم‪ .‬ولكن حينما أحدث الخطر تراجعوا واستلنوا لغراء الحكومة (حكومة‬
‫المويين في الشام) ثم استخدموا للقضاء على الثورات الشيعية‪ .‬وبهذا انفصلوا عن‬
‫الشيعة‪ ،‬فتحدد نطاق التشيع واتخذ شيئًا فشيئًا صورة فرقة دينية في تعارض مع‬
‫الرستقراطية ونظام العشائر‪ ،‬وأصبح بفضل استشهاد زعمائه وأوليائه ذا طابع‬
‫مثالي خيالي‪ .‬وكان أنصار سليمان بن صرد يرمون إلى الثورة على أرستقراطية‬
‫العشائر في الكوفة‪ .‬ولكن المختار كان أول من نفذ هذا الغرض وحققه عمليّا‪ .‬وإلى‬
‫هذه الحركة اجتذب الموالي أيضًا‪ .‬وهؤلء كان اجتذابهم سهلً لنهم كانوا ذوي‬
‫نزعة واضحة إلى الحكم الديني‪ ،‬ل القومي الشعوبي‪ ،‬وإن كان العرب هم الذين كانوا‬
‫يتولونه حتى ذلك الحين‪ ،‬كما كانوا – أعني الموالي – يكرهون المتعصبين لسيادة‬
‫العرب‪.‬‬
‫فلما ارتبطت الشيعة بالعناصر المضطهدة تخلت عن تربية القومية العربية وكانت‬
‫حلقة الرتباط هي السلم‪ .‬ولكنه لم يكن ذلك السلم القديم‪ ،‬بل نوعًا جديدًا من‬
‫الدين"‪."1‬‬

‫‪ -‬الخوارج والشيعة ص ‪168-167‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪139‬‬
‫وبدأ التشيع يحمل الفكار الجنبية المدسوسة‪ ،‬كما بدأ يحصل فيه التفرق الكثير‪،‬‬
‫"وصار مأوى وملجأ لكل من أراد هدم السلم لعداوة أو حقد‪ ،‬ومن كان يريد إدخال‬
‫تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية‪ ،‬ومن كان يريد استقلل بلده‬
‫والخروج على مملكته‪ ،‬كل هؤلء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستارًا يضعون وراءه‬
‫كل ما شاءت أهواؤهم‪ ،‬فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة‪ ،‬وقال الشيعة‪:‬‬
‫إن النار محرمة على كل شيعي إل قليلً‪ ،‬كما قال اليهود‪ :‬لن تمسنا النار إل أيامًا‬
‫معدودات‪ ،‬والنصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم‪ :‬إن نسبة المام إلى ال‬
‫كنسبة المسيح إليه‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن اللهوت اتحد بالناسوت في المام‪ ،‬وإن النبوة‬
‫والرسالة ل تنقطع أبدًا‪ ،‬فمن اتحد به اللهوت فهو نبي‪ ،‬وتحت التشيع ظهر القول‬
‫بتناسخ الراوح وتجسيم ال والحلو‪ ،‬ونحو ذلك من القوال التي كانت معروفة عند‬
‫البراهمة والفلسفة والمجوس من قبل السلم‪ ،‬وتستر بعض الفرس بالتشيع‬
‫وحاربوا الدولة الموية‪ ،‬وما في نفوسهم إل الكره للعرب ودولتهم‪ ،‬واسعي‬
‫لستقللهم"‪."1‬‬
‫كما نقل عن المقريزي أنه قال‪:‬‬
‫إن الفرس كانوا ذوي سعة وعلو يد على جميع المم وجللة الخطر في أنفسها‬
‫بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الحرار والسياد‪ ،‬وكانوا يعدون سائر الناس عبيدًا‬
‫لهم‪ ،‬فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب‪ ،‬وكان العرب عند الفرس أقل‬
‫المم خطرًا‪ ،‬تعاظمهم المر‪ ،‬وتضاعفت لديهم المصيبة‪ ،‬وراموا كيد السلم‬
‫بالمحاربة في أوقات شتى‪ ،‬وفي كل ذلك يظهر ال الحق‪ ...‬فرأوا أن كيده على الحيلة‬
‫أنجع‪ ،‬فأظهر قوماًَ منهم السلم واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل البيت‬
‫واستبشاع ظلم علي‪ ،‬ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن طريق‬
‫الهدى"‪."2‬‬
‫ونرجع الن إلى تفرقهم واختلفهم بعد ذكرنا إياهم وخذلنهم مناصرة زعمائهم ومن‬
‫كانوا يدعون حبهم وموالتهم‪ ،‬فبعد قتل الحسين رضي ال عنه افترقت الشيعة ثلث‬
‫فرق كما يذكر النوبختي‪:‬‬

‫الــــكـــــيســـــانية‬

‫‪ - 1‬فجر السلم لحمد أمين ص ‪277-276‬‬


‫‪ - 2‬الخطط للمقريزي – نقلً عن فجر السلم ص ‪77‬‬

‫‪140‬‬
‫فلما قتل الحسين حارت فرقة من أصحابه وقالت‪ :‬قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل‬
‫الحسين لنه إن كان الذي فعل الحسن حقّا واجبًا صوابًا من موادعته معاوية‬
‫وتسليمه له عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوتهم فما فعله‬
‫الحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم‪ .‬وكثرة‬
‫أصحاب يزيد لعنة ال عليه حتى قتل وقتل أصحابه جميعًا باطل غير واجب لن‬
‫الحسين كان أعذر في القعود عن محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن‬
‫في القعود عن محاربة معاوية‪ .‬وإن كان ما فعله الحسين حقّا واجبًا صوابًا من‬
‫مجاهدته يزيد بن معاوية حتى قتل وقتل ولده وأصحابه فقعود الحسن وتركه مجاهدة‬
‫معاوية وقتاله ومعه الكثير باطل فشكوا لذلك في إمامتهما ورجعوا فدخلوا في مقالة‬
‫العوام وبقي سائر أصحاب الحسين على القول الول بإمامته حتى مضى‪.‬‬
‫ثم افترقوا بعده ثلث فرق‪( :‬ففرقة) قالت بإمامة محمد بن الحنفية وزعمت أنه لم‬
‫يبق بعد الحسن والحسين أحد أقرب إلى أمير المؤمنين عليه السلم من محمد بن‬
‫الحنفية فهو أوى الناس بالمامة كما كان الحسين أولى بها بعد الحسن من ولد‬
‫الحسن فمحمد هو المام بعد الحسين‪.‬‬
‫"(وفرقة) قالت إن محمد بن الحنفية رحمه ال تعالى هو المام المهدي وهو وصي‬
‫علي بن أبي طالب عليه السلم ليس لحد من أهل بيته أن يخالفه ول يخرج عن‬
‫إمامته ول يشهر سيفه إل بإذنه وإنما خرج الحسن بن علي إلى معاوية محاربًا له‬
‫بإذن محمد ووادعه وصالحه بإذنه وإن الحسين إنما خرج لقتال يزيد بإذنه ولو‬
‫خرجا بغير إذنه هلكا وضل وإن من خالف محمد بن الحنفية كافر مشرك وأن محمدًا‬
‫استعمل المختار بن أبي عبيد على العراقين بعد قتل الحسين وأمره بالطلب بدم‬
‫الحسين وثأره وقتل قاتليه وطلبهم حيث كانوا وسماه كيسان لكيسه ولما عرف من‬
‫قيامه ومذهبه فيهم فهم يسمون (المختارية) ويدعون‪ :‬الكيسانية"‪"1‬‬
‫ولقد ذكرنا قبل ذلك أن الكيسانية وجدت بعد قتل علي رضي ال عنه ولكن غلب هذا‬
‫السم على المختارية‪ ،‬ومن الكيسانية تفرعت فروع كثيرة‪ ،‬وتفرقت فرق متعددة مثل‬
‫الكرابية والحربية والرزارمية والبيانية والرواندية وأبو المسلمية والهاشمية‬
‫والحارثية وغيرها الكثيرة الكثيرة "‪."2‬‬
‫ويجمع هذه الفرق كلها القول بإمامة محمد بن الحنفية والعتقاد بالعقائد التي زرع‬
‫بذورها السبئية وعبد ال بن سبأ‪ ،‬الغيبة والرجعة والتناسخ وغيرها‪ ،‬وفي ذلك قال‬
‫شاعرهم‪:‬‬

‫‪ - 1‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪.48-47‬‬


‫‪- 2‬انظر لمعرفة ذلك فرق الشيعة للنوبختي ص ‪ 48‬وما بعد ومقالت السلميين ص ‪ 89‬والفرق بين الفرق ص‬
‫‪ 38‬وما بعد‪ ،‬والحور العين ص ‪ 157‬وما بعد‪ ،‬والملل والنحل للشهرستاني ج ‪ 1‬ص ‪ ،‬والتبصير للسفرائيني‪،‬‬
‫مقدمة ابن خلدون ص ‪ 199‬وما بعد ط‪ .‬مصر‬

‫‪141‬‬
‫ولة الحق أربعة سواء‬ ‫أل إن الئمة من قريش‬

‫هم السباط ليس بهم خفاء‬ ‫علي والثلثة من بنيه‬

‫وسبط غيبته كربلء‬ ‫فسبط سبط إيمان وبر‬

‫يقود الخيل يقدمها اللواء‬ ‫وسبط ل يذق الموت حتى‬

‫‪142‬‬
‫"‪"1‬‬
‫برضوى عنده عسل وماء‬ ‫تغيب ل يرى فيهم زمانًا‬

‫‪ - 1‬الفرق بين الفرق ص ‪41‬‬

‫‪143‬‬
‫وقد أجاب على هذه البيات البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق)"‪."1‬‬
‫وقال أحد الكيسانين أيضًا‪:‬‬

‫‪ - 1‬انظر ص ‪42‬‬

‫‪144‬‬
‫وأهد له بمنزله السلما‬ ‫أل حي المقيم بشعب رضوى‬

‫وسموك الخليفة والماما‬ ‫أضر بمعشر والوك منا‬

‫مقامك عنهم سبعين عاما‬ ‫وعادوا فيك أهل الرض طرا‬

‫تراجعه الملئكة الكلما‬ ‫لقد أمسى بجانب شعب رضوى‬

‫ل وارث له أرض عظاما‬ ‫وما ذاق ابن خولة طعم موت‬

‫‪145‬‬
‫"‪"1‬‬
‫وأندية تحدثه كراما‬ ‫وإن له به لمقيل صدق‬

‫‪ - 1‬فرق الشيعة ص ‪51‬‬

‫‪146‬‬
‫وأجابه البغدادي أيضًا بقوله‪:‬‬

‫لمن وارى التراب له عظاما‬ ‫لقد أفنيت عمرك بانتظار‬

‫تراجعه الملئكة الكلما‬ ‫فليس بشعب رضوى من إمام‬

‫وأشربة يعل بها الطعاما‬ ‫ول من عنده عسل وماء‬

‫كما قد ذاق والده الحماما‬ ‫وقد ذاق ابن خولة طعم موت‬

‫"‪"1‬‬
‫لعاض المصطفى أبدًا وداما‬ ‫ولو خلد امرؤ لعلو مجد‬

‫والجدير بالذكر أن من الكيسانية انتقلت المامة إلى بني العباس لن بعض فرقها‬
‫اعتقدت انتقال المامة من أبي هاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن‬
‫العباس‪ ،‬ومنه إلى ابنه إبراهيم‪ ،‬ومن إبراهيم إلى أبي العباس‪ ،‬ومن أبي العباس إلى‬
‫أبي جعفر المنصور المؤسس للدولة العباسية"‪"2‬‬

‫‪ - 1‬الفرق بين الفرق ص ‪43‬‬


‫‪ - 2‬انظر فرق الشيعة ص ‪ ،69‬مقدمة ابن خلدون ص ‪.199‬‬

‫‪147‬‬
‫ومن بين هذه الفرق كلها اشتهرت فرقة المختار بن أبي عبيد الثقفي لما كان له من‬
‫صولة وجولة باسم القصاص بدم الحسين رضي ال عنه‪ ،‬وقد ذكر المختار هذا‪،‬‬
‫الكشي في (رجاله) عن محمد بن مسعود قال‪ :‬حدثني ابن أبي علي الخزاعي قال‪:‬‬
‫[حدثني] خالد بن يزيد العمري عن الحسن بن زيد عن عمر بن علي‪ :‬أن المختار‬
‫أرسل إلى علي بن الحسين – رضي ال عنه – بعشرين ألف دينار فقبلها وبنى بها‬
‫دار عقيل بن أبي طالب ودارهم التي هدمت‪ .‬قال‪ :‬ثم إنه بعث إليه بأربعين ألف دينار‬
‫بعدما أظهر الكلم الذي أظهره فردها ولم يقبلها‪ ،‬والمختار هو الذي دعا الناس إلى‬
‫محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية وسمو الكيسانية‪ ،‬وهم المختارية‪ ،‬وكان‬
‫لقبه كيسان ولقب بكيسان لصاحب شرطته المكنى أبا عمرة وكان اسمه كيسان‪.‬‬
‫وقيل إنه سمي كيسان بكيسان مولى علي بن أبي طالب – رضي ال عنه – وهو‬
‫الذي حمله على الطلب بدم الحسين ودله على قتلته‪ ،‬وكان صاحب سره والغالب على‬
‫أمره‪ ،‬وكان ل يبلغه عن رجل من أعداء الحسين – رضي ال عنه – أنه في دار أو‬
‫موضع إل قصده وهدم الدار بأسرها وقتل كل من فيها من ذي روح‪ ،‬وكل دار‬
‫بالكوفة خراب فهي مما هدمها‪ ،‬وأهل الكوفة يضربون به المثل فإذا افتقر إنسان‬
‫قالوا "دخل أبو عمرة بيته" حتى قال فيه الشاعر‪:‬‬
‫"‪"1‬‬
‫يغويك ويطغيك ول يعطيك كسرة‬ ‫إبليس بما فيه خير من أبي عمرة‬

‫كما ذكره النوبختي الذي نقلنا عنه آنفًا‪:‬‬


‫ولقد ذكره ولهوزن أيضًا بالتفصيل‪ ،‬ولعل الحديث عنه أطول حديث في كتابه نقطع‬
‫منه هذا الجزء لتصوير الرجل وتحليله الذي حلل به شخصيته‪:‬‬

‫‪ - 1‬رجال الكشي ص ‪117‬‬

‫‪148‬‬
‫كان المختار ينعت بأنه سحار "‪ ،"1‬وأنه "الدجال"‪"1‬ويوصف عادة بـ"الكذاب"‪.‬‬
‫وهذا الوصف ل لنه زعم أنه مكلف من قبل ابن الحنفية‪ ،‬بل لنه تبدى على أنه نبي‪.‬‬
‫حقّا إنه لم يسم نفسه بهذا السم‪ ،‬ولكنه أتى أفعا ًل من شأنها أن تعطي عنه هذه‬
‫الفكرة‪ ،‬فكرة أنه نبي‪ .‬وكان يتكلم وكأنه جالس في الحضرة اللهية‪ ،‬يعلم الغيب‪،‬‬
‫ويسجع سجع الكهان بطلقة ومهارة‪ .‬ويريد أن يفرض شخصيته على الناس‪ ،‬وأفلح‬
‫في هذا أيضًا وإن كان نجاحه لدى الخاصة والعقلء أقل منه لدى العامة والدهماء‪.‬‬
‫وطالما حالفه النصر اتسعت دوائر المؤمنين به‪ .‬فلما مني بالهزيمة أدبرت عنه‬
‫الدنيا‪ .‬وراحت الروايات تطلق سهامها على ذكراه بعد مقتله‪ .‬في البدء كانت تذمه‬
‫دون أن تشوه صورته‪ .‬ولكنها راحت بعد ذلك في مرحلة متأخرة تنعته بنعوت أملها‬
‫الحقد‪ .‬وهذه النعوت نفسها هي التي تسود الصورة التي كونتها عنه الجيال التالية‪.‬‬
‫و "دوزي" ل يستخدم غيرها لرسم الصورة التي عملها للمختار في كتابه "مقالة‬
‫في تاريخ السلم"‪ :‬فيقول عنه إنه هو الذي أمر بإطلق الحمام البيض‪ ،‬وأنه كان‬
‫خارجيّا ثم زبيريّا ثم شيعيّا‪ ،‬وأنه ابتدع القول بالبداء في ال كيما يبرر تقلبه هو من‬
‫مذهب إلى مذهب‪ .‬ولكن ل يحق للمرء أن يجعله معرضًا للسخرية من أجل أن يفهمه‬
‫على حقيقته‪ .‬ولحسن الحظ كان لنشر "تاريخ" الطبري الفضل في وضع حد لهذا‬
‫النحو من تصوير الرجل‪.‬‬

‫‪ - 1‬الطبري ج ‪ 2‬ص ‪ 730‬س ‪ ،13‬ص ‪ 686‬س ‪7‬‬

‫‪149‬‬
‫فإن كان لبد من الجابة عن السؤال‪ :‬هل كان المختار نبيّا صادقًا أو متنبئًا كاذبًا؟ ‪-‬‬
‫فل مناص من تعديله إلى هذه الصيغة‪ :‬أكان المختار مخلصًا أم غير مخلص؟ قد يأخذ‬
‫عليه المرء أنه استعان بالتنبؤ للوصول إلى الحكم‪ .‬ولكن هذا المأخذ عينه قد يؤخذ‬
‫على محمد‪ ،‬وعلى المرء أن يلحظ أن السلم دين سياسي وأن أي نبي مسلم لبد‬
‫أن يسعى إلى الحكم‪ .‬ولكن ما هو أشد من ذلك المأخذ خطرًا وأكبر وزنًا هو أنه تستر‬
‫وراء شبح وناطور خيالي (هو محمد بن الحنفية) لم يعرف عن أمره شيئًا ولم يشأ‬
‫أيضًا أن يعلم عن أمره شيئًا‪ .‬فلم يكن ضميره نقيّا من هذه الناحية‪ ،‬ولكن الظروف‬
‫في ذلك الحين لم تسمح له – بوصفه مسلمًا وشيعيّا – أن يظهر باسمه هو الخاص‪،‬‬
‫بل كان عليه أن يخلق لنفسه مركز "أمين" للمهدي المستتر‪ ...‬وإن المختار اتخذ‬
‫نقطة ابتدائه من بدعة غريبة غامضة اختط بها المختار وهي "السبئية"‪ .‬والسبئية‬
‫كانت قد اتخذت اتجاهًا أنشأ يسيطر على طبقات واسعة بحيث اضطرت الشيعة بوجه‬
‫عام إلى اتخاذ موقف أشد حدة بإزاء السلم السني وازداد إبراز الخلفات بين‬
‫الشيعة والسنة‪ .‬والسبئية يسمون أيضًا "الكيسانية" وكان كيسان زعيمًا للموالي‪،‬‬
‫فإن كان في نفس الوقت زعيمًا للسبئية‪ ،‬فيستنتج من هذا أن السبئية والموالي كانوا‬
‫شيئًا واحدًا تقريبًا "‪ ."1‬واعتمادًا على هذا الستنتاج مضى البعض فزعم أن التشيع‬
‫كمذهب ديني إيراني الصل‪ ،‬لن غالبية موالي الكوفة كانوا إيرانيين‪ .‬قال دوزي"‪:"2‬‬
‫"كانت الشيعة في حقيقتها فرقة فارسية‪ ،‬وفيها يظهر أجلى ما يظهر ذلك الفارق بين‬
‫الجنس العربي‪ ،‬الذي يحب الحرية‪ ،‬وبين الجنس الفارسي الذي اعتاد الخضوع‬
‫كالعبيد‪ .‬لقد كان مبدأ انتخاب خليفة للنبي أمرًا غير معهود ول مفهوم‪ ،‬لنهم لم‬
‫يعرفوا غير مبدأ الوراثة في الحكم‪ ،‬لهذا اعتقدوا أنه مادام محمد لم يترك ولدًا يرثه‪،‬‬
‫فإن عليّا هو الذي كان يجب أن يخلفه وأن الخلفة يجب أن تكون وراثية في آل‬
‫علي‪ .‬ومن هنا فإن جميع الخلفاء – ما عدا عليّا – كانوا في نظرهم مغتصبين للحكم‬
‫ل تجب لهم طاعة‪ .‬وقوي هذا العتقاد عندهم كراهيتهم للحكومة وللسيطرة العربية‪،‬‬
‫فكانوا في الوقت نفسه يلقون بأنظارهم النهمة إلى ثروات سادتهم‪ .‬وهم قد اعتادوا‬
‫أيضًا أن يروا في ملوكهم أحفادًا منحدرين من أصلب اللهة الدنيا‪ ،‬فنقلوا هذا‬
‫التوقير الوثني إلى علي وذريته‪ .‬فالطاعة المطلقة "للمام" الذي من نسل علي –‬
‫كانت في نظرهم الواجب العلى‪ ،‬حتى إذا ما أدى المرء هذا الواجب‪ ،‬استطاع بعد‬
‫ذلك بغير لئمة ضمير أن يفسر سائر الواجبات والتكاليف تفسيرًا رمزيّا وأن‬
‫يتجاوزها ويتعداها‪ .‬لقد كان "المام" عندهم هو كل شيء‪ ،‬إنه ال قد صار بشرًا‪.‬‬
‫فالخضوع العمى المقرون بانتهاك الحرمات – ذلك هو الساس في مذهبهم" وعلى‬
‫نحو مشابه يتحدث أ‪ .‬ملر في كتابه المذكور سابقًا ج ‪ 1‬ص ‪ ،327‬ويضيف إلى هذا‬
‫أن الفرس كانوا – تحت تأثير الفكار الهندية قبل السلم بعهد طويل – يميلون إلى‬
‫القول بأن الشاهنشاه هو تجسد لروح ال التي تنتقل في أصلب الملوك من الباء‬
‫إلى البناء‪.‬‬

‫‪ - 1‬ص ‪ 623‬س ‪ ،14‬ص ‪ 651‬س ‪2‬‬


‫‪ - 2‬في كتابه المذكور آنفًا‪ ،‬ص ‪ 220‬وما يليها‬

‫‪150‬‬
‫أما أن آراء الشيعة كانت تلئم اليرانيين – فهذا أمر ل سبيل إلى الشك فيه‪ ،‬أما كون‬
‫هذه الراء قد انبعثت من اليرانيين‪ ،‬فليست تلك الملءمة دليلً عليه"‪"1‬‬
‫وأما عقائدهم الباقية فإنها لمبسوطة موجودة في كتب الفرق‪ ،‬ولقد ذكرنا ما فيها‬
‫الكفاية وتفي بالمطلوب‪ .‬ولقد طولنا الكلم في هذه الفئة من الشيعة وهذا الرجل لنه‬
‫هو وطائفته هم تركة السبئية الحقيقية‪ ،‬ومنهم أخذ بالفكار وتمسك بالراء من جاء‬
‫من الشيعة بعدهم‪ ،‬وعندئذ بدأ التشيع الصلي يذوب‪ ،‬والشيعة الولى ينقرضون إل‬
‫القليل القليل‪ .‬وعلى رأسهم أولد علي وبنو هاشم‪ ،‬وبدأت أفكار السبئية تتسرب‬
‫إليهم وتتغلب عليهم‪ ،‬خصوصًا شهادة حسين رضي ال عنه جعلت الموالين لعلي‬
‫وأولده‪ ،‬وحتى بعض الطالبيين أيضًا يحسون بالحرمان الكبير واليأس الكثير‪،‬‬
‫ويجدون أنفسهم تواقة إلى النتقام وخصوصًا قلب نظام الحكم القائم المتهم بقتل‬
‫الحسين وأهله في كربلء‪ ،‬وبدأ بعض الجهلة والمغفلين ينقمون كل ما يتصل بالحكام‬
‫ويبغضون كل ما يرى برأيهم وحتى العقائد والمعتقدات‪ ،‬فلما رأى هؤلء أن ولة‬
‫المر يعظمون أبا بكر وعمر وعثمان وبقية أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وأزواجه أمهات المؤمنين بدءوا يتبرؤون منهم ويتكلمون فيهم‪ .‬ل لنهم يجدون‬
‫عليهم شيئًا‪ ،‬بل كرهًا لكل ما يسمعونه على المنابر وفي المحاريب‪ .‬وعلى ذلك نقل‬
‫الذهبي عن شيخ السلم ابن تيمية‪:‬‬
‫كان السلف متفقين على تقديم أبي بكر وعمر حتى شيعة علي رضي ال عنه‪ .‬وروى‬
‫ابن بطة عن شيخه المعروف بأبي العباس بن مسروق‪ :‬حدثنا محمد بن حميد حدثنا‬
‫جرير عن سفيان عن عبد ال بن زياد بن حدير قال‪ :‬قدم أبو إسحاق السبيعي‬
‫الكوفة‪ ،‬قال لنا شمر بن عطية‪ :‬قوموا إليه‪ ،‬فجلسنا إليه‪ ،‬فتحدثوا‪ .‬فقال أبو إسحاق‪:‬‬
‫خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما‪ ،‬وقدمت الن‬
‫وهم يقولون ويقولون‪ ،‬ول وال ما أدري ما يقولون‪ ...‬وعن ضمرة عن سعيد بن‬
‫حسن قال‪ :‬سمعت ليث بن أبي سليم يقول‪ :‬أدركت الشيعة الولى وما يفضلون على‬
‫أبي بكر وعمر أحدًا‪ .‬وقال أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة عن خالد بن سلمة‬
‫عن مسروق قال‪ :‬حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة‪ .‬ومسروق من أجلّ‬
‫تابعي الكوفة وكذلك قال طاووس‪ ...‬وقد روى ذلك عن ابن مسعود‪ .‬وكيف ل تقدم‬
‫الشيعة الولى أبا بكر وعمر وقد تواتر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‬
‫ال عنه أنه قال‪ :‬خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر‪ .‬وقد روي هذا عنه من‬
‫طرق كثيرة قيل إنها تبلغ ثمانين طريقًا‪ .‬وقد روى البخاري عنه في صحيحه من‬
‫حديث الهمدانيين – الذين هم أخص الناس بعلي حتى كان يقول‪:‬‬

‫‪ - 1‬الخوارج والشيعة ص ‪ 165‬إلى ‪.169‬‬

‫‪151‬‬
‫لقلت لهمدان ادخلي بسلم‬ ‫ولو كنت بوابًا على باب جنة‬

‫فقد رواه البخاري من حديث سفيان الثوري وهو همداني‪ ،‬عن منذر وهو همداني‬
‫عن محمد بن الحنفية قال‪ :‬قلت لبي‪ :‬يا أبت من خير الناس بعد رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم؟ فقال‪ :‬يا بني أو ما تعرف؟ فقلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬أبو بكر‪ .‬فقلت‪ :‬ثم من؟ قال‪:‬‬
‫عمر‪ .‬وهذا يقوله لبنه بينه وبينه‪ ،‬ليس هو مما يجوز أن يقوله تقية‪ .‬ويرويه عن‬
‫أبيه خاصة‪ .‬وقاله على المنبر‪ .‬وعنه أنه كان يقول‪ :‬ل أوتى بأحد يفضلني على أبي‬
‫بكر وعمر إل جلدته حد المفتري"‪"2‬‬

‫‪ - 2‬المنتقى للذهبي ص ‪ 361 ،360‬ط‪ .‬القاهرة بتحقيق السيد محي الدين الخطيب‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫"وكتب محب الدين الخطيب في الهامش هذا نص تاريخي عظيم في تحديد تطور‬
‫التشيع‪ ،‬فإن أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفة وعالمها‪ ،‬ولد في خلفة أمير‬
‫المؤمنين عثمان قبل شهادته بثلث سنين‪ ،‬وعمّر حتى توفي سنة ‪ ،127‬وكان طفلً‬
‫في خلفة أمير المؤمنين علي‪ .‬وهو يقول عن نفسه‪ :‬رفعني أبي حتى رأيت علي بن‬
‫أبي طالب يخطب أبيض الرأس واللحية‪ .‬ولو عرفنا متى فارق الكوفة ثم عاد فزارها‬
‫لتوصلنا إلى معرفة الزمن الذي كان فيه شيعة الكوفة علويين يرون ما يراه إمامهم‬
‫من تفضيل أبي بكر وعمر‪ ،‬ومتى أخذوا يفارقون عليّا ويخالفونه فيما كان يؤمن به‬
‫ويعلنه على منبر الكوفة من أفضلية أخويه صاحبي رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ووزيريه وخليفتيه على أمته في أتقى وأطهر أزمانها‪ .‬ومن العجيب أن الخوارج‬
‫والباضية ثبتوا على عقيدتهم الولى في أبي بكر وعمر كما كانوا عليه مع علي إلى‬
‫مدة الحكم‪ ،‬والشيعة نقضوا هذه العقيدة وعصوا فيها إمامهم بعد القرن الول‪ ،‬أي‬
‫في أواخر حياة أبي إسحاق السبيعي"‪."2‬‬
‫هذا وبلغ المر بعد تطور الشيعة إلى حد أنهم بدءوا ينكرون المسلمات والسس التي‬
‫عليها يقوم المذهب السلمي الحنيف والشريعة السماوية السمحاء‪ .‬فقط لن الحكام‬
‫يتمسكون بها ويعتقدونها‪ ،‬مثل القرآن‪ ،‬الكتاب الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول‬
‫من خلفه‪ ،‬وسنة رسول ال التي جعلها ال بيانًا لهذا القرآن"‪"3‬‬
‫ثم وبعد شهادة الحسين رضي ال عنه كثرت الخزعبلت والخرافات في الشيعة حتى‬
‫إن المخلصين من الشراف ومن الشيعة الولى حاولوا إقامة السد في طريق هذه‬
‫السخافات ومنع الناس عن اعتناقها ولكنهم فشلوا في ذلك‪ ،‬ثم اضطروا إلى التباعد‬
‫عنها وعن التشيع بعدما قنطوا ويئسوا من رجوع القوم إلى الحق وانتهائهم عن‬
‫الغي والضللت‪ ،‬فهذا هو ابن الشتر إبراهيم يذكره ولهوزن ضمن تسلط المختار‬
‫على الشيعة وامتناع إبراهيم عن النضمام إليه حيث يقول‪:‬‬

‫‪ -2‬المنتقى للذهبي الهامش ص ‪361 ،360‬‬


‫‪ - 3‬ولقد فصلنا القول في هذا في كتابنا (الشيعة والقرآن) و(الشيعة والسنة) من أراد معرفة ذلك فليرجع إليهما‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫فكان على المختار أن يكسب رجلً آخر في الكوفة نفسها ل يستطيع من دونه أن‬
‫يلقى رؤساء الشيعة نجاحًا ضد الشراف والوالي‪ .‬هذا الرجل هو إبراهيم بن الشتر‬
‫زعيم قبلة النخع من مذحج‪ .‬وكان بارعًا ماكرًا مستقل الرأي‪ ،‬وكان كأبيه مخلصًا‬
‫لعلي‪ ،‬وكان على اتصال بابن الحنفية‪ .‬ولكنه لم يكن يؤمن بالتشيع على الصورة التي‬
‫استحال إليها في ذلك العهد‪ .‬لم يشأ النضمام إلى سليمان بن صرد كما لم يرغب في‬
‫أن يعرف شيئًا عن المختار‪ .‬ولم تفلح المحاولت في اكتسابه‪ .‬وأخيرًا وصله كتاب‬
‫يطلب فيه ابن الحنفية نفسه منه أن يعترف بالمختار بن أبي عبيد‪ .‬ولكنه تضايق من‬
‫كون ابن الحنفية يلقب نفسه في هذا الكتاب بلقب "المهدي" وهو أمر لم يعهد منه‪،‬‬
‫فحاك في صدره الشك في صحته‪ .‬ولكن الذين قدموا بالكتاب‪ ،‬والمختار نفسه أكدوا‬
‫صحة الكتاب‪ ،‬إل اثنين لفتا نظره بتحفظهم‪ ،‬وهما‪ :‬عامر بن شراحيل الشعبي الراوي‬
‫الفقيه المحدث الكبير‪ .‬وأبوه شراحيل‪ .‬فانتحى بعامر ناحية وسأله هل يشك في أمانة‬
‫هؤلء الشهود على صحة الكتاب‪ .‬فقال عامر الشعبي‪ :‬معاذ ال فإنهم "سادة القراء‬
‫ومشيخة المصر وفرسان العرب ول أرى مثل هؤلء يقولون إل حقّا!"‪."1‬‬
‫فسأله ابن الشتر أن يكتب له أسماءهم وكتب محضرًا صوريّا بما وقع‪ .‬فلما اطمأن‬
‫قلبه بهذا امتثل لما ورد في الكتاب ووضع نفسه في خدمة المختار بن أبي عبيد"‪."2‬‬
‫ولما تقلب المختار وبدأ يظهر ما كان يكنه من الفكار السبئية من عداوة السلف‬
‫الصالح والطعن في أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"أخذوا يعتبون على المختار أنه تأمر عليهم بغير رضى منهم ول بإذن من ابن‬
‫الحنفية وأنه أظهر هو وسبئيته (ببدع ابتدعها في السلم) البراءة من أسلفهم‬
‫الصالحين"‪."3‬‬
‫"واحتل هؤلء الشراف المراكز الرئيسية في الكوفة وحصروا المختار في القصر‬
‫والمسجد وقطعوا التصال بينه وبين الخارج‪ .‬وحتى يفسد عليهم تدبيرهم اقترح‬
‫عليهم أن يبعثوا من قبلهم وفدًا إلى ابن الحنفية ويرسل هو من قبله وفدًا إليه‬
‫لسؤاله في تأييد ابن الحنفية له‪ ،‬ولكن لم ينجح في هذا التدبير"‪. "4‬‬
‫ويقول‪" :‬كان المختار في الذروة‪ ،‬وكان أيضًا أمام الهاوية‪ .‬فالشيعة العرب من الجيل‬
‫القديم كانوا ل يثقون به حتى اعتزلوه جانبًا"‪."5‬‬

‫‪ - 1‬الطبري ‪2/612‬‬
‫‪ -2‬الخوارج والشيعة ص ‪148 ،147‬‬
‫‪ - 3‬الخوارج والشيعة ص ‪155‬‬
‫‪ - 4‬الخوارج والشيعة ص ‪.156‬‬
‫‪ - 5‬الخوارج والشيعة ص ‪159‬‬

‫‪154‬‬
‫وهذا القدر يكفي لبيان الصراع الذي حدث بين الشيعة في التطور والتغير من المنهج‬
‫الول القديم‪ ،‬وبدأ الشيعة أكثرهم يعتقدون بمثل هذه الخرافات والسخافات عن‬
‫الحمامات البيض بأنها ملئكة‪ ،‬وعن الكرسي المقدس والنبوءات وأخبار الغيب‪.‬‬
‫ثم حصلت التفرقة في الشيعة مرة ثانية بعد قتل المختار‪:‬‬
‫ففرقة قالت بإمامة علي بن الحسين‪ ،‬وكان يكنى بأبي محمد ويكنى بأبي بكر وهي‬
‫كنيته الغالبة عليه فلم تزل مقيمة على إمامته حتى توفي بالمدينة في المحرم في أول‬
‫سنة أربع وتسعين وهو ابن خمس وخمسين سنة‪ ،‬وكان مولده في سنة ثمان‬
‫وثلثين وأمه أم ولد يقال لها سلفة وكانت تسمى قبل أن تسبى جهانشاه وهي ابنة‬
‫يزدجرد بن شهريار بن كسرى ابرويز بن هرمز وكان يزدجرد آخر ملوك فارس‪.‬‬
‫(وفرقة) قالت انقطعت المامة بعد الحسين إنما كانوا ثلثة أئمة مسمين بأسمائهم‬
‫استخلفهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأوصى إليهم وجعلهم حججًا على الناس‬
‫وقومًا بعده واحدًا بعد واحد فلم يثبتوا إمامة لحد بعدهم‪.‬‬
‫(وفرقة) "قالت إن المامة صارت بعد مضي الحسين في ولد الحسن والحسين فهي‬
‫فيهم خاصة دون سائر ولد علي بن أبي طالب وهم كلهم فيها شرع سواء من قام‬
‫منهم ودعا لنفسه فهو المام المفروض الطاعة بمنزلة علي بن أبي طالب واجبة‬
‫إمامته من ال عز وجل على أهل بيته وسائر الناس كلهم فمن تخلف عنه في قيامه‬
‫ودعائه إلى نفسه من جميع الخلق فهو هالك كافر ومن ادعى منهم المامة وهو‬
‫قاعد في بيته مرخى عليه ستره فهو كافر مشرك وكل من اتبعه على ذلك وكل من‬
‫قال بإمامته"‪."1‬‬
‫وفرق أخرى كثيرة‪ ،‬منها من قالت بإمامة أبناء الحسن ومن قالت بغيره‪.‬‬
‫ومنهم من ذهب إلى إثبات النبوة بعد النبي صلى ال عليه وسلم لغيره‪ ،‬ومنهم من‬
‫أوجب اللهية لغير ال عز وجل كما ذكرهم ابن حزم في فصله‪:‬‬
‫فالطائفة التي أوجبت النبوة بعد النبي صلى ال عليه وسلم فرق‪ ،‬فمنهم الغرابية‬
‫وقولهم أن محمدًا صلى ال عليه وسلم أشبه بعلي من الغراب بالغراب‪ ،‬وأن ال عز‬
‫وجل بعث جبريل عليه السلم بالوحي إلى علي‪ ،‬فغلط جبريل بمحمد‪ ..‬وفرقة قالت‬
‫بنبوة علي‪ ،‬وفرقة قالت بأن علي بن أبي طالب والحسن والحسين رضي ال عنهم‬
‫وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن‬
‫موسى ومحمد بن علي والحسن بن محمد والمنتظر ابن الحسن أنبياء كلهم‪.‬‬
‫وفرقة قالت بنبوة محمد بن إسماعيل بن جعفر فقط وهم طائفة من القرامطة‪.‬‬

‫‪ - 1‬فرق الشيعة للنوبختي الشيعي ص ‪74‬‬

‫‪155‬‬
‫وفرقة قالت بنبوة علي وبنيه الثلثة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية فقط‪ .‬وهم‬
‫طائفة من الكيسانية وقد حام المختار حول [ ادعاء ] النبوة لنفسه وسجع أسجاعًا‬
‫وأنذر بالغيوب عن ال تعالى واتبعه على ذلك طوائف من الشيعة الملعونة وقال‬
‫بإمامة محمد بن الحنفية‪.‬‬
‫وفرقة قالت بنبوة المغيرة بن سعيد‪ ...‬وقالت فرقة منهم بنبوة منصور العجلي وهو‬
‫الملقب بالكسف‪ ،‬وكان يقال إنه المراد بقول ال عز وجل‪{ :‬وإن يروا كسفًا من‬
‫السماء ساقطًا‪ }...‬والقسم الثاني الذين يقولون باللهية لغير ال عز وجل فأولهم قوم‬
‫من أصحاب عبد ال بن سبأ الحميري لعنه ال أتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا‬
‫مشافهة أنت هو فقال لهم ومن هو قالوا أنت ال فاستعظم المر وأمر بنار فأججت‬
‫وأحرقهم بالنار فجعلوا يقولون وهم يرمون في النار الن صح عندنا أنه ال لنه ل‬
‫يعذب بالنار إل ال وفي ذلك يقول رضي ال عنه‪:‬‬

‫‪156‬‬
‫أججت نارًا ودعوت قنبرا‬ ‫لما رأيت المر أمرًا منكرًا‬

‫‪157‬‬
‫يريد قنبرًا موله وهو الذي تولى طرحهم في النار نعوذ بال من أن نفتتن بمخلوق‬
‫أو يفتتن بنا مخلوق فيما جل أو دقّ فإن محنة أبي الحسن رضي ال عنه من بين‬
‫أصحابه رضي ال عنهم كمحنة عيسى صلى ال عليه وسلم بين أصحابه من الرسل‬
‫عليهم السلم وهذه الفرقة باقية إلى اليوم فاشية عظيمة العدد يسمون العليانية منهم‬
‫كان إسحاق بن محمد النخعي الحمر الكوفي وكان من متكلميهم وله في ذلك كتاب‬
‫سماه الصراط نقض عليه البهنكي والفياض لما ذكرنا‪ ،‬ويقولون أن محمدًا رسول‬
‫علي‪ ،‬وقالت طائفة من الشيعة يعرفون بالمحمدية أن محمدًا عليه السلم هو ال‪،‬‬
‫تعالى ال عن كفرهم‪ ...‬وفرقة قالت بإلهية آدم عليه السلم والنبيين بعده نبيّا نبيّا‬
‫إلى محمد عليه السلم ثم بإلهية علي ثم بإلهية الحسن ثم الحسين ثم محمد بن‬
‫علي ثم جعفر بن محمد ووقفوا هاهنا وأعلنت الخطابية بذلك نهارًا بالكوفة في ولية‬
‫عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد ال بن العباس فخرجوا صدر النهار في‬
‫جموع عظيمة في ازرواردية محرمين ينادون بأعلى أصواتهم لبيك جعفر! لبيك‬
‫جعفر قال ابن عياش وغيره كأني أنظر إليهم يومئذ فخرج إليهم عيسى بن موسى‬
‫فقاتلوه فقتلهم واصطلمهم‪ ،‬ثم زادت فرقة على ما ذكرنا فقالت بإلهية محمد بن‬
‫إسماعيل بن جعفر بن محمد وهم القرامطة وفيهم من قال بإلهية أبي سعيد الحسن‬
‫بن بهرام الجبائي وأبنائه بعده‪ ،‬ومنهم من قال بإلهية أبي القاسم النجار القائم‬
‫باليمن في بلد همدان المسمى بالمنصور‪ ،‬وقالت طائفة منهم بإلهية عبيد ال ثم‬
‫الولة من ولده إلى يومنا هذا‪ ،‬وقالت طائفة بإلهية أبي الخطاب محمد بن أبي زينب‬
‫مولى بني أسد بالكوفة وكثر عددهم بها حتى تجاوزوا اللوف وقالوا هو إله وجعفر‬
‫بن محمد إله إل أن أبا الخطاب أكبر منه وكانوا يقولون جميع أولد الحسن أبناء ال‬
‫وأحباؤه وكانوا يقولون أنهم ل يموتون ولكنهم يرفعون إلى السماء وأشبه على‬
‫الناس بهذا الشيخ الذي ترون‪ ،‬ثم قالت طائفة منهم بإلهية معمر بائع الحنطة‬
‫بالكوفة وعبدوه كان من أصحاب أبي الخطاب لعنهم ال أجمعين‪ ،‬وقالت طائفة‬
‫بإلهية الحسن بن منصور حلج القطن المصلوب ببغداد بسعي الوزير ابن حامد بن‬
‫العباس رحمه ال أيام المقتدر‪ ،‬وقالت طائفة بإلهية محمد بن علي ابن الشلمغاني‬
‫الكاتب المقتول ببغداد أيام الراضي وكان أمر أصحابه أن يفسق الرفع قدرًا منهم به‬
‫ليولج فيه النور كل هذه الفرق ترى الشتراك في النساء‪ ،‬وقالت طائفة منهم بإلهية‬
‫شباش المغيم في وقتنا هذا حيّا بالبصرة‪ ،‬وقالت طائفة منهم بإلهية أبي مسلم‬
‫السراج ثم قالت طائفة من هؤلء بإلهية المقنع العور القصار القائم بثار أبي مسلم‬
‫واسم هذا القصار هاشم وقتل لعنه ال أيام المنصور وأعلنوا بذلك فخرج المنصور‬
‫فقتلهم وأفناهم إلى لعنة ال‪ ،‬وقالت الرنودية بإلهية أبي جعفر المنصور‪ ،‬وقالت‬
‫طائفة منهم بإلهية عبد ال بن الخرب الكندي الكوفي وعبدوه وكان يقول بتناسخ‬
‫الرواح وفرض عليهم تسعة عشر صلة في اليوم والليلة في كل صلة خمسة عشر‬
‫ركعة إلى أن ناظره رجل من متكلمي الصفرية وأوضح له براهين الدين فأسلم وصح‬
‫إسلمه وتبرأ من كل ما كان عليه وأعلم أصحابه بذلك وأظهر التوبة فتبرأ منه جميع‬
‫أصحابه الذين كانوا يعبدونه ويقولون بإلهيته ولعنوه وفارقوه ورجعوا كلهم إلى‬

‫‪158‬‬
‫القول بإمامة عبد ال بن معاوية بن عبد ال بن جعفر بن أبي طالب وبقي عبد ال‬
‫بن الخرب على السلم وعلى مذهب الصفرية إلى أن مات وطائفته إلى اليوم تعرف‬
‫بالحزبية ومن السبابية القائلين بإلهية علي‪ ،‬وطائفة تدعي النصرية وقد غلبوا في‬
‫وقتنا هذا على جند الردن والشام وعلى مدينة طبرية خاصة ومن قولهم لعن فاطمة‬
‫بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم ولعن الحسن والحسين ابني علي رضي ال‬
‫عنهم وسبهم بأقذع السب وقذفهم بكل بلية والقطع بأنها وابنيها رضي ال عنهم‬
‫ولعن مبغضيهم شياطين تصوروا في صورة النسان وقولهم في عبد الرحمن بن‬
‫ملجم المرادي قاتل علي رضي ال عنه عن علي ولعنة ال على ابن ملجم فيقول‬
‫هؤلء أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي أفضل أهل الرض وأكرمهم في الخرة لنه‬
‫خلص روح اللهوت مما كان يتشبث فيه من ظلمة الجسد وكدرة فأعجبوا لهذا‬
‫الجنون واسألوا ال العافية من بلء الدنيا والخرة فهي بيده ل بيد أحد سواه جعل‬
‫ال حظنا منها الوفى‪ ،‬واعلموا أن كل من كفر هذه الكفرات الفاحشة ممن ينتمي إلى‬
‫السلم فإنما عنصرهم الشيعة والصوفية فإن من الصوفية من يقول إن من عرف‬
‫ال تعالى سقطت عنه الشرائع‪ ،‬وزاد بعضهم واتصل بال تعالى‪ ،‬وبلغنا أن بنيسابور‬
‫ل يكنى أبا سعيد أبا الخير هكذا معًا من الصوفية مرة يلبس‬
‫اليوم في عصرنا هذا رج ً‬
‫الصوف ومرة يلبس الحرير المحرم على الرجال ومرة يصلي في اليوم ألف ركعة‬
‫ومرة ل يصلي ل فريضة ول نافلة وهذا كفر محض ونعوذ بال من الضلل"‪. "1‬‬
‫وقد ذكر هذه الفرق جلها كل من الشعري والبغدادي والملطي والسفرائيني وغيرهم‬
‫من العلم‪.‬‬
‫وجلّ هذه الفرق حدثت بعد قتل الحسين رضي ال عنه وفي أيام علي بن الحسين‬
‫الملقب بزين العابدين‪.‬‬
‫الشيعة بعد علي بن الحسين‬
‫توفي علي بن الحسين وهو على ولء كامل ووفاء تام لحكام بني أمية وخلفائه حتى‬
‫إنه تجنب مساعدة ومناصرة كل من قام ضدهم في المدينة أو في مكة "‪"2‬‬

‫وخلف علي بن الحسين أولدأً كثيرين ‪ ،‬منهم محمد المكنى بأبي جعغر الباقر وزيد وعمر وغيرهم ‪،‬‬
‫فاختلف الشيعة في أمر محمد بن علي وزيد بن علي ‪ ،‬فقوم إتبعوا محمداً ‪ ،‬وقوم منهم زيداً كما ذكر‬
‫المؤرخ الشيعي ‪:‬‬

‫‪ - 1‬الفصل في الملل والهواء والنحل لبن حزم ص ‪ 183‬وما بعد‪.‬‬


‫‪ - 2‬انظر لذلك كتب التاريخ للشيعة والسنة ‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫إن الزيـديـة قالـوا بإمامة علي ثم ابنه الحسن ثم أخيه الحسيـن ثم ابنه زين العابـدين ‪ ،‬ثم ابنه زيد بن علي‬
‫‪ ،‬وهو صاحب هذا المذهب ‪ ،‬وخرج بالكوفة داعياً إلى المامة ‪ ،‬فـُقتل وصُـلب بالكناسة ‪.‬‬
‫وقال الزبدية بإمامة ابنه يحيى من بعده ‪ ،‬فمضى إلى خراسان وُقتل بالجوزجان بعد أن أوصى إلى محمد‬
‫بن عبدال بن حسن بن الحسن السبط ‪.‬‬
‫فخرج بالحجاز فـُقتل ‪ ،‬وعهد إلى أخيه إبراهيم ‪ ،‬فقام بالبصرة ومعه عيسى بن زيد ‪ ،‬فوجه إليهم‬
‫المنصور عساكره ‪ ،‬فقتـل إبراهيم وعيسى ‪ ....‬وذهب آخرون من الزيدية ‪ ،‬إلى أن المام بعد يحيى هو‬
‫أخوه عيسى ‪ ،‬ونقـلوا المامة في عقبه ‪ ،‬وقال آخرون منهم أن المام بعد محمد بن عبدال هو أخوه‬
‫إدريس الذي فر إلى المغـرب ومات هناك ‪ ،‬وقام بأمره ابنه إدريس واختط مدينة فاس ‪.‬‬
‫وكان عقبه ملوك المغرب ‪ ،‬وكان منهم الداعي الذي ملك طبرستان ‪ ،‬وأخوه محمد ‪.‬‬
‫ثم قام بهذه الدعوة في الديلم ‪ ،‬الناصر الطروش منهم ‪ ،‬وأسلموا على يده‪.1‬‬
‫وأما النوبختي فكتب ‪:‬‬
‫الزيدية ‪ ،‬القوياء منهم والضعفاء ‪.‬‬
‫فأما الضعفاء منهم فسموا العجلية ‪ ،‬وهم أصحاب هارون سعيد العجلي ‪ ،‬وفرقة منهم يسمون البترية ‪،‬‬
‫وهم أصحاب كثير النواء والحسن بن صالح بن حي وسالم بن أبي حفصة والحكم بن عتيبة وسلمة بن‬
‫كهيل وأبي المقدام ثابت الحداد ‪ ،‬وهم الذين دعوا الناس إلى ولية علي عليه السلم ‪ ،‬ثم خلطوها بولية‬
‫أبي بكر وعمر ‪ ،‬فهم عند العامة أفضل هذه الصناف ‪ ،‬وذلك أنهم يفضلون علياً ‪ ،‬ويثبتون إمامة أبي‬
‫بكر ‪ ،‬وينتقصون عثمان وطلحة والزبير ‪ ،‬ويرون الخروج مع كل ولد علي عليه السلم ‪ ،‬يذهبون في‬
‫ذلك إلى المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬ويثبتون لمن خرج من ولد علي المامة عند خروجه ‪،‬‬
‫ول يقصدون في المامة قصد رجل بعينه حتى يخرج ‪ ،‬كل ولد علي عندهم على السواء ‪ ،‬من أي بطن‬
‫كان ‪.‬‬
‫وأما القوياء منهم فمنهم أصحاب ( أبي الجارود ) وأصحاب ( أبي خالد الواسطي ) وأصحاب ( فضيل‬
‫الرسان ) و"منصور بن أبي السود " ‪.‬‬
‫وأما ( الزيدية ) الذين يدعون ( الحسينية ) فإنهم يقولون ‪ :‬من دعا إلى ال عز وجل من آل محمد ‪ ،‬فهو‬
‫مفترض الطاعة ‪ .‬وكان ( علي بن أبي طالب ) إمامًا في وقت ما دعا الناس وأظهر أمره ‪ ،‬ثم كان بعد "‬
‫الحسين " إماماً عند خروجه وقبل ذلك إذا كان مجانباً لمعاوية ويزيد بن معاوية حتى ُقتل ‪ ،‬ثم زيد بن‬
‫علي بن الحسين المقتول في الكوفة ‪ ،‬أمه أم ولد ‪ .‬ثم يحيى بن زيد بن علي المقتول بخراسان وأمه ريطة‬
‫بنت أبي هاشم عبدال بن محمد بن الحنفية ‪ ،‬ثم ابنه الخر عيسى بن زيد بن علي ‪ ،‬وأمه أم ولد ‪ ،‬ثم‬
‫محمد بن عبدال بن الحسن وأمه هند بنت أبي عبيدة بن عبدال بن زمعة بن السود بن المطلب بن أسد‬
‫بن العزي بن قصي ‪ ،‬ثم من دعا إلى طاعة ال من آل محمد صلى ال عليه وآله فهو إمام " ‪. 2‬‬

‫ولقد ذكر الشهرستاني عند ذكر فرق الشيعة واختلفهم في الراء ‪:‬‬
‫الزيدية ‪ ،‬أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي عليه السلم ‪ ،‬ساقوا المامة في أولد فاطمة عليها‬
‫السلم ولم يجوزوا ثبوت المامة في غيرهم ‪ ،‬إل أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع‬
‫سخي خرج بالمامة يكون إماماً واجب الطاعة ‪ ،‬سواء كان من أولد الحسن أو من أولد الحسين ‪،‬‬
‫وعن هذا قالت طائفة منهم بإمامة محمد وإبراهيم المامين ابني عبدال بن الحسن بن الحسين الذين خرجا‬
‫في أيام المنصور ‪ ،‬وُقتل على ذلك ‪.‬‬
‫وجوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ‪ ،‬ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة ‪.‬‬
‫وزيد بن علي لما كان مذهبه هذا المذهب ‪ ،‬أراد أن يحصل على الصول والفروع حتى يتحلى بالعلم ‪،‬‬
‫فتتلمذ في الصول واصل بن عطاء الغزال رأس المعتزلة ‪ ،‬مع اعتقاد واصل بأن جده علي بن أبي‬
‫طالب في حروبه التي جرت بينه وبين أصحاب الجمل وأصحاب الشام ‪ ،‬ما كان على يقين من‬
‫الصواب ‪ ،‬وأن أحد الفريقين منهما كان على خطأ ل بعينه ‪.‬‬
‫فاقتبس منه العتزال ‪ ،‬وصارت أصحابه كلها معتزلة ‪.‬‬

‫‪ 1‬الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين ص ‪ ،72، 71، 70‬و مثل ذلك في شيعة دار سلم فارسي لمحمد حسين الطباطبائي ط قم‪.‬ص ‪.34‬‬
‫‪ 2‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪ 77‬إلى ‪80‬‬

‫‪160‬‬
‫وكان من مذهبه جواز إمامه المفضول مع قيام الفضل ‪ ،‬فقال ‪ :‬كان علي بن أبي طالب أفضل‬
‫الصحابة ‪ ،‬إل أن الخلفة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها ‪ ،‬وقاعدة دينية راعوها من تسكين ثائرة‬
‫الفتنة ‪ ،‬وتطييب قلوب العامة ‪ ،‬فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريبا ‪ ،‬وسيف أمير‬
‫المؤمنين علي عليه السلم عن دماء المشركين من قريش لم يجف بعد ‪ ،‬والضغائن في صدور القوم من‬
‫طلب الثأر كما هي ‪ ،‬فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ول تنقاد له الرقاب كل النقياد ‪ ،‬وكانت‬
‫المصلحة أن يكون القيام بهذا الشأن من عرفوه باللين والتودد ‪ ،‬والتقدم بالسن ‪ ،‬والسبق في السلم ‪،‬‬
‫والقرب من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫أل ترى أنه لما أراد في مرضه الذي مات فيه تقليد المر عمر بن الخطاب رضي ال عنه ‪ ،‬زعق الناس‬
‫وقالوا ‪ :‬لقد وليت علينا فظاً غليظاً ‪ ،‬فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر لشدة وصلبة وغلظة له في‬
‫الدين ‪ ،‬وفظاظة على العداء ‪ ،‬حتى سكنهم أبو بكر رضي ال عنه ‪.‬‬
‫وكذلك يجوز أن يكون المفضول إماماً والفضل قائم ‪ ،‬فيرجع إليه في الحكام ‪ ،‬ويحكم بحكمه في‬
‫القضايا ‪ .‬ولما سمعت شيعة أهل الكوفة هذه المقالة منه ‪ ،‬وعرفوا أنه ل يتبرأ من الشيخين ‪ ،‬رفضوه ‪،‬‬
‫حتى أتى قدره عليه ‪ ،‬فسميت رافضة ‪ .‬وجرت بينه وبين أخيه محمد الباقر مناظرة ل من هذا الوجه ‪،‬‬
‫بل من حيث كان يتلمذ لواصل بن عطاء ‪ ،‬ويقتبس العلم ممن يجوّز الخطاء على جده في قتال الناكثين‬
‫والقاسطين ‪ ،‬ومن يتكلم في القدر على غير ما ذهب إليه أهل البيت ‪ .‬ومن حيث إنه يشترط الخروج‬
‫شرطاً في كون المام إماما ‪ .‬حتى قال له يوماً ‪ :‬على قضية مذهبك والدك ليس بإمام ‪ ،‬لنه لم يخرج‬
‫قط ‪ ،‬ول تعرض للخروج ‪.‬‬

‫ولما قتل زيد بن علي ‪ ،‬قام بالمامة بعده يحيى بن زيد ‪ ،‬ومضى إلى خراسان ‪ ...‬فزيد بن علي قتل‬
‫بكناسة الكوفة ‪ ،‬قتله هشام بن عبدالملك ‪ ،‬ويحيى بن زيد قتل في خراسان ‪ ،‬قتله أميرها ‪ ،‬ومحمد المام‬
‫قتله بالمدينة عيسى بن ماهان ‪ ،‬وإبراهيم المام قتل بالبصرة ‪ ،‬أمر بقتلهما المنصور ‪ .‬ولم ينتظم أمر‬
‫الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان ناصر الطروش ‪ ،‬فطلب مكانه ليقتل ‪ ،‬فاختفى واعتزل إلى بلد‬
‫الديلم ‪ ،‬والجبل لم يتحلوا بدين السلم بعـد ‪ ،‬فدعى الناس دعوة السلم على مذهب زيد بن علي ‪،‬‬
‫فدانوا بذلك ‪ ،‬ونشأوا عليه ‪.‬‬
‫وبقيت الزيدية في تلك البلد ظاهرين ‪ ،‬وكان يخرج واحد بعد واحد من الئمة ‪ ،‬ويلي أمرهم ‪ ،‬وخالفوا‬
‫بني أعمامهم من الموسوية في مسائل الصول ‪ ،‬ومالت أكثر الزيدية بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول‬
‫‪ ،‬وطعنت في الصحابة طعن المامية ‪ ،‬وهم أصناف ثلثة ‪:‬‬
‫جارودية و سليمانية و بترية ‪ ،‬والصالحية منهم والبترية على مذهب واحد ‪.‬‬

‫الجارودية ‪ ،‬أصحاب أبي الجارود ‪ ،‬زعموا أن النبي صلى ال عليه وسلم نص على عليّ عليه السلم‬
‫بالوصف دون التسمية ‪ ،‬والمام بعده علي ‪ ،‬والناس قصروا ‪ ،‬لم يتعرفوا الوصف ولم يطلبوا‬
‫الموصوف ‪ ،‬وإنما نصبوا أبا بكر باختيارهم ‪ ،‬فكفروا بذلك ‪ .‬وقد خالف أبو الجارود في هذه المقالة ‪،‬‬
‫إمامه زيد ين علي ‪ ،‬فإنه لم يعتقد بهذا العتقاد ‪.‬‬

‫واختلف الجارودية في التوقف والسوق ‪ ،‬فساق بعضهم المامة من علي إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم‬
‫إلى علي بن الحسين زين العابدين ‪ ،‬ثم إلى زيد بن علي ‪ ،‬ثم منه إلى المام محمد بن عبدال بن الحسن‬
‫بن الحسين ‪ ...‬والذين قالوا بإمامة محمد المام إختلفوا ‪ ،‬فمنهم من قال ‪ :‬إنه لم يُقتل وهو بعد حي ‪،‬‬
‫وسيخرج فيمل الرض عدلً ‪ ،‬ومنهم من أقر بموته وساق المامة إلى محمد بن القاسم بن علي بن‬
‫الحسين بن علي بن صاحب الطالقان ‪ .‬وقد أسر في أيام المعتصم ‪ ،‬وحُمل إليه ‪ ،‬فحبسه في داره حتى‬
‫مات ‪.‬‬
‫ومنهم من قال بإمامة يحيى بن عمر صاحب الكوفة ‪ ،‬فخرج ودعا الناس ‪ ،‬واجتمع عليه خلق كثير ‪،‬‬
‫وُقتل في أيام المستعين ‪ ،‬وُحمل رأسه إلى محمد بن عبدال بن ظاهر ‪ ،‬حتى قال فيه بعض العلوية ‪:‬‬

‫‪161‬‬
‫قـتلت أعـز من ركب المطايا ××× وجئـتـك استلينك في الكلم‬

‫وعـــزّ عـليّ أن ألـقــــاك إل ××× وفـيـمـا بـيـنـنا حـد الحـسام‬

‫وهو يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين زيد بن علي ‪.‬‬

‫وأما أبو الجارود ‪ ،‬فكان ُيسمى سرحوب ‪ .‬سماه بذلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر رضي ال عنه ‪.‬‬
‫وسرحوب ‪ ،‬شيطان أعمى يسكن البحر " ‪. 1‬‬

‫وذكر القاضي النعمان الزيدية في أرجوزته بقوله ‪:‬‬


‫وقالت الطائفة الزيدية ××× مقالة لم تـكُ بالمرضية‬
‫بأن كل قائم يقوم من ××× نسل الحسين بن علي والحسن‬
‫بسيفه يدعو إلى التقدم ××× فهو المام دون من لم يقـم‬
‫منهم ومن كل إمرئ في وقته ××× مستتراً قد انزوى في بيته‬
‫واتبعوا زيداً على ما رتبوا ××× من الدعاوي ‪ ،‬وإليه نسبوا‬
‫حتى إذا ُقــتـل قامـوا بعـده ××× مع الحسين ‪ ،‬حين قام وحده‬
‫واتبعوا يحيى بن زيد إذ بدا××× ثم تــولـوا بعـده محـمـدا‬
‫أعني ابن عبدال من نسل حسن ××× وكلهم ظل قتيلً مرتهن‬
‫فهؤلء عندهم أئمة ××× ومن يقوم بعدهم للمة‬
‫‪2‬‬
‫وكل من سواهم الرعية ××× كسائر المة بالسوية ‪.‬‬

‫وقبل أن ننتهي من الكلم فيهم ‪ ،‬نريد أن نذكر شيعة الكوفة ‪ ،‬وجبنهم وتخاذلهم القديم ‪ .‬الكوفة التي‬
‫وضعوا فيها روايات مختلقة كثيرة عن علي رضي ال عنه أنه قال ‪:‬‬
‫" كأني بك يا كوفة تمدين مد الديم العكاظي ‪ ،‬تعركين بالنوازل ‪ ،‬وتركبين بالزلزل ‪ ،‬وإني لعلم أنه ما‬
‫أراد بك جبار سوء إل ابتله ال بشاغل ‪ ،‬أو رماه بقاتل " ‪. 3‬‬
‫وقال ‪:‬‬
‫أنه ُيحشر من ظهورها يوم القيامة سبعون ألفاً ‪ ،‬وجوههم على صورة القمر ‪ .‬وقوله عليه السلم ‪ :‬هذه‬
‫مدينتنا ومحلتنا ‪ ،‬ومقر شيعتنا ‪.‬‬
‫وقول جعفر بن محمد عليه السلم ‪ :‬اللهم ارم من رماها ‪ ،‬وعاد من عاداها ‪.‬‬
‫وقوله عليه السلم ‪ :‬تربة تحبنا ونحبها " ‪. 4‬‬

‫نذكر في هذه الكوفة ‪ ،‬عبارتين عن إمامي الشيعة الكبار ‪ ،‬فإن المسعودي روى أن زيد بن علي بن‬
‫الحسين الذي استشهد في سنة إحدى وعشرين ومائة ‪ ،‬أو إثنتين وعشرين ومائة ‪:‬‬
‫" شاور أخاه أبا جعفر بن علي إبن الحسين بن علي ‪ ،‬فأشار عليه بأن ل يركن إلى أهل الكوفة ‪ ،‬إذ‬
‫كانوا أهل غدر ومكر ‪ ،‬وقال له ‪ :‬بها ُقتل جدك علي ‪ ،‬وبها ُطعن عمك الحسن ‪ ،‬وبها ُقتل أبوك الحسين‬
‫‪ ،‬وأعمالها شتمنا أهل البيت " ‪. 5‬‬
‫وأما الثاني ‪ ،‬فهو المفيد يكتب وهو يذكر زيد بن علي ‪:‬‬

‫‪ 1‬الملل و النحل ج ‪ 1‬ص ‪ 207‬ومابعد ‪ ،‬و مثل ذلك في مقالت السلميين ج ‪ 1‬ص ‪ 28‬و مابعد ‪ ،‬ومقدمة إبن خلدون ص ‪ ، 179‬الفرق بين‬
‫الفرق ص ‪ ، 29‬و التبصير ص ‪ ، 32‬الفصل ج ‪ 4‬ص ‪ ، 179‬ومقاتل الطالبيين للصفهاني الشيعي ص ‪ 127‬ومابعد ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الرجوزة المختارة للقاضي النعمان ص ‪ 214‬ط مونتريال – كندا ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫شرح نهج البلغة لبن أبي الحديد ج ‪ 3‬ص ‪. 197‬‬
‫‪4‬‬
‫أيضا ص ‪. 198‬‬
‫‪5‬‬
‫مروج الذهب ج ‪ 3‬ص ‪.206‬‬

‫‪162‬‬
‫إنه لم يكره قوم قط حد السيف إل ذلوا ‪ .‬فلما وصل إلى الكوفة ‪ ،‬إجتمع إليه أهلها ‪ ،‬فلم يزالوا به حتى‬
‫بايعوه على الحرب ‪ ،‬ثم نقضوا وأسلموه فقتل ‪ ،‬وصلب بينهم أربع سنين ل ينكر أحد منهم ول يعينوه بيد‬
‫‪6‬‬
‫ولسان "‬
‫‪2‬‬
‫هذا كان أمر الزيدية وهؤلء كانوا هم ‪.‬‬

‫وهناك فرق أخرى افترقوا وتفرعوا إلى فرق وفروع أخرى غير الزيدية ‪ ،‬مثل الذين قالوا بإمامة‬
‫عبدال بن محمد بن عبدال بن حسن المثنى بن علي بن أبي طالب المقتول بها ‪،‬‬
‫" وزعموا أنه القائم وأنه المام المهدي وأنه ُقتل ‪ ،‬وقالوا إنه حي لم يمت مقيم بجبل يقال له العلمية ‪،‬‬
‫وهو الجبل الذي في طريق مكة ونجد ‪ ،‬الحاجز عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة ‪ ،‬وهو الجبل‬
‫الكبير ‪ ،‬وهو عنده مقيم فيه حتى يخرج ‪ ،‬لن رسول ال صلى ال عليه وآله قال ‪ :‬القائم المهدي إسمه‬
‫إسمي ‪ ،‬واسم أبيه إسم أبي ‪.‬‬
‫وكان أخوه ( إبراهيم بن عبدال بن الحسن ) خرج بالبصرة ‪ ،‬ودعا إلى إمامة أخيه ( محمد بن عبدال )‬
‫واشتدت شوكته ‪ ،‬فبعث إليه المنصور بالخيل ‪ ،‬فـُقـتل بعد حروب كانت بينهـم ‪ .‬وكان ( المغيرة بن‬
‫سعد ) قال بهذا القول لما توفي أبو جعفر محمد بن علي ‪ ،‬وأظهر المقالة بذلك ‪ ،‬فبرئت منه الشيعة‬
‫أصحاب ( أبي عبدال جعفر بن محمد ) عليهما السلم ‪ ،‬ورفضوه ‪ ،‬فزعم أنهم رافضة وأنه هو الذي‬
‫سماهم بهذا السم ‪ ،‬ونصب أصحاب المغيرة إماماً ‪ ،‬وزعم أن الحسين بن علي أوصى إليه ثم أوصى‬
‫إليه علي بن الحسين ‪ ،‬ثم زعم أن أبا جعفر محمد بن علي عليه السلم وعلى آبائه السلم أوصى إليه ‪،‬‬
‫فهو المام إلى أن يخرج المهدي ‪.‬‬
‫وأنكروا إمامة أبي عبدال جعفر بن محمد عليه السلم ‪ ،‬وقالوا ل إمامة في بني علي بن أبي طالب بعد‬
‫أبي جعفر محمد بن علي ‪ ،‬وأن المامة في ( المغيرة بن سعيد ) إلى خروج المهدي ‪ ،‬وهو عندهم‬
‫( محمد بن عبدال بن الحسن بن الحسن ) وهو حي لم يمت ولم يُـقـتـل ‪ ،‬فسموا هؤلء ( المغيرية ) ‪،‬‬
‫بإسم المغيرة بن سعيد ‪ ،‬مولى خالد بن عبدال القسري ‪ .‬ثم ترقى المر بالمغيرة ‪ ،‬إلى أن زعم أنه‬
‫رسول نبي ‪ ،‬وأن جبرئيل يأتيه بالوحي من عند ال ‪ .‬فأخذه خالد بن عبدال القسري فسأله عن ذلك ‪،‬‬
‫فأقر به ‪ ،‬ودعا خالداً إليه ‪ ،‬فاستتابه خالد ‪ ،‬فأبى أن يرجع عن قوله ‪ ،‬فقتله وصلبه ‪ ،‬وكان يدّعي أنه‬
‫يحيي الموتى‪ ،‬وقال بالتناسخ ‪ ،‬وكذلك قول أصحابه إلى اليوم "‪.3‬‬

‫وطائفة إعتقدت المامة لمحمد الباقر بن علي زين العابدين ‪ ،‬وقالوا إنه هو المام بعد أبيه بنص منه ‪. 4‬‬
‫وبعد وفاة محمد الباقر سنة أربعة عشرة بعد المائة ‪ ،‬إجتمعت الشيعة حول إبنه جعفر ‪ ،‬البقية الذين بقوا‬
‫على إمامته لن البعض منهم رجعوا ومالوا عن إمامته كما ذكر النوبختي ‪:‬‬
‫" وأما الذين ثبتوا على إمامة علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ‪ ،‬ثم لعلي بن الحسين عليه‬
‫السلم ‪ ،‬ثم نزلوا إلى القول بإمامة أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين باقر العلم عليه السلم ‪ ،‬فأقاموا‬
‫على إمامته إلى أن توفى ‪ ،‬غير نفر يسير منهم ‪ ،‬فإنهم سمعوا رجلً منهم ُيقال له ( عمر بن رياح ) زعم‬
‫أنه سأل أبا جعفر عليه السلم عن مسألة ‪ ،‬فأجابه فيها بجواب ‪ ،‬ثم عاد إليه في عام آخر فسأله عن تلك‬
‫المسألة بعينها فأجابه فيها بخلف الجواب الول ‪ ،‬فقال لبي جعفر ‪ :‬هذا خلف ما أجبتني في هذه‬
‫المسألة العام الماضي ‪ ،‬فقال له ‪ :‬إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية ‪ .‬فشك في أمره وإمامته ‪.‬‬
‫فلقي رجلً من أصحاب أبي جعفر ُيقال له ( محمد بن قيس ) فقال له ‪ :‬إني سألت أبا جعفر عن مسألة‬
‫فأجابني فيها بجواب ‪ ،‬ثم سألته عنها في عام آخر فأجابني فيها بخلف جوابه الول ‪ ،‬فقلت له لم فعلت‬
‫ذلك فقال فعلته للتقية ‪ ،‬وقد علم ال أني ما سألته عنها إل وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به ‪،‬‬
‫فل وجه لتقائه إياي وهذه حالي ‪ .‬فقال له محمد بن قيس ‪ :‬فلعله حضرك من اتقاه ‪ .‬فقال له ‪ :‬ما حضر‬
‫مجلسه في واحدة من المسألتين غيري ‪ ،‬ل ‪ ،‬ولكن جوابيه جميعاً خرجا على وجه التبكيت ‪ ،‬ولم يحفظ ما‬
‫أجاب به في العام الماضي فيجيب مثله ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫الرشاد المفيد ص ‪.269‬‬
‫‪2‬‬
‫ولقد اختصرنا القول في الزيدية لقصدنا اصدار كتاب مستقل إن شاء ال ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫فرق الشيعة للنوبختي ص ‪. 84 ، 83 ،82‬‬
‫‪4‬‬
‫الكافي للكليني ج ‪ 1‬ص ‪.304‬‬

‫‪163‬‬
‫فرجع عن إمامته وقال ‪ :‬ل يكون إماماً من يفتي بالباطل على شيئ بوجه من الوجوه ‪ ،‬ول في حال من‬
‫الحوال ‪ ،‬ول يكون إماماً من يفتي تقية بغير ما يجب عند ال ‪ ،‬ول من يرخي ستره ويغلق بابه ‪ ،‬ول‬
‫يسع المام إل الخروج والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪.‬‬
‫فمال بسببه إلى قول البترية ‪ ،‬ومال معه نفر يسير"‪. 1‬‬

‫الشيعة أيـام جعـفـر بن الباقـر‬


‫وفي أيامه كمل التطور في التشيع والتغير الجذري والتبدل التام الذي شمل عامة الشيعة ‪ ،‬و الذي كان‬
‫بدؤه بعد مقتل الحسين رضي ال عنه و على أيدي السبئية ‪ ،‬فإنهم استطاعوا بعد ستين سنة من قتله وبعد‬
‫تسعين سنة من نشأتهم ‪ ،‬فصل طائفة من الناس عن المسلمين في معظم المعتقدات و جل العقائد ‪ .‬الطائفة‬
‫الكاملة التي تنسب إلى التشيع لعلي و أولده رضي ال عنهم بجميع فرقها و طوائفها مع اختلف القادة و‬
‫الزعماء و اتجاهاتهم و مطامعهم ‪ ،‬أغراضهم و أهدافهم ‪ ،‬من حيث استغلوا النقمة المتوارثة و الغضب‬
‫الشديد المتنقل من الباء إلى البناء من المحن و اللم و الوجاع نتيجة معارضة الحكام و مخالفة ولة‬
‫المور ‪ ،‬و المقاتلة ضدهم والخروج عليهم و التشريد و التـقتيل ‪ ،‬زيادة على ذلك الدسائس والمؤامرات‬
‫التي تدبر و يحكم نسيجها من وراء الستار و التسميم الذهني و الفكري ‪ ،‬و الختلط مع الشعوب‬
‫الجنبية بأفكارها و آرائها ‪ ،‬المقهورة و المهزومة و المتغلب عليها و على بلدها وأمورها ‪ ،‬والموتورة‬
‫على الولة و عساكرها الغازية المنصورة و جيوشها المظفرة المتغلبة ‪ ،‬ثم و اجتماع الفرس و الموالي‬
‫من البابليين و العاشوريين و الكلدانيين و غيرهم من أصحاب الحضارات القديمة و الثقافات الراقية ‪-‬‬
‫حسب زعمهم ‪ -‬واحتياجهم إلى منظمة ثائرة على الحكم و الحكام ‪ ،‬و الناقمة على كل ما صدر منهم أو‬
‫يصدر من الراء و الفكار وحتى العقائد و المعتقدات ‪.‬‬
‫هذه الشياء كلها جعلت التشيع يتقلب في قالب جديد ‪ ،‬والشيعة تكون كتلة مختلفة عن الحكام و الخذين‬
‫في زمام المور ‪ ،‬إختلفا كامل في جميع ما يذهبون إليه و يعتقدون به ‪ ،‬وتشهد على ذلك رواية مروية‬
‫عن جعفر أنه قال ‪ :‬إن كل حكم يخالف العامة يؤخذ به و يترك ما يوافقهم ‪ .‬فسأله سائل ‪ :‬جعلت فداك ‪،‬‬
‫أرأيت إن كان فقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنة ‪ ،‬و وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة و الخر‬
‫مخالفاً لهم ‪ ،‬بأي الخبرين يؤخذ ؟‬
‫قال ‪ :‬ماخالف العامة ففيه الرشاد ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬جعلت فداك ‪ ،‬فإن وافقهما الخبران جميعاً ؟‬
‫‪2‬‬
‫قال ‪ :‬ينظر إلى ما هم إليه أميل ‪ ،‬حكامهم و قضاتهم ‪ ،‬فيترك ويؤخذ بالخر" ‪.‬‬

‫فيجب أن يكون هناك خلفاً ‪ ،‬ويجب أن تكون مخالفة و لو على حساب القرآن و السنة ‪ ،‬و لو على‬
‫حساب الدين و المذهب ‪ .‬ولما كانت الفكار السبئية و العقائد المختلقة منهم تناوئ السلم و تعاليمه ‪ ،‬و‬
‫كانت تلك العقائد و الفكار المختلقة المخترعة صادرة من الذين ادعوا التشيع لعلي ‪ ،‬فكان الجدر و‬
‫الليق أن تـتبنى و ُيتمسك بها ‪ ،‬لنها تخالف معتقدات العامة وصدرت من الذين انتحلوا حب علي و‬
‫مودته ‪.‬‬
‫وبدأ الشيعة يتجاهـرون ‪ ،‬وبدأت الشيعة تصوغ و تصنع في ضوء العـقائد السبـئية المسائل و الفتاوى في‬
‫العبادات والمعاملت ‪ ،‬وتشرع في العقائد و المعاملت ‪ ،‬وتنسبها إلى أئمة أهل بيت علي رضي ال عنه‬
‫‪ ،‬لتأسيس مذهب جديد و تكوين دين مستقل ‪ ،‬له تشريعه و فقهه ‪ ،‬و أصوله و أسسه ‪ ،‬و قواعده و‬
‫قوانينه ‪ ،‬منفصلة عن الدين الذي جاء به محمد صلى ال عليه وسلم وقدمه للبشر كافة ‪ ،‬و اعتـنقه أول ما‬
‫اعتـنق به أصحابه الخيار و رفاقه الكرام البررة ‪ ،‬و نقلوه عنه وتعاليمه التي أعطاها إياهم من القرآن و‬
‫إرشادات الرسول الناطق بالوحي ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فرق الشيعة للنوبختي ص ‪.81 ، 80‬‬
‫‪2‬‬
‫الصول من الكافي ‪ ،‬كتاب فضل العلم ‪ ،‬باب اختلف الحديث ج ‪ 1‬ص ‪. 68‬‬

‫‪164‬‬
‫وصار التشيع قائماً على أقاويل الرجال و أفعالهم سواء صدرت هذه القوال منهم أم ل ولكنها تكفي‬
‫بأنها نسبت إليهم ‪.‬‬
‫وإن عارضها أو ناقضها أي هذه القوال والفعال قول و فعل ثابت عنهم قالوا ‪ :‬لم يكن هذا إل تقية ‪ .‬و‬
‫إن خالفها الكتاب المنزل من السماء قالوا ‪ :‬إن الكتاب حصل فيه التغيير و التبديل ‪ .‬و إن عارضتها السنة‬
‫الثابتة قالوا ‪:‬إنها لم تنقل إل عن المرتدين ‪ -‬عياذًا بال ‪ -‬لن أصحاب الرسول كلهم ارتدوا بعده إل ثلثة‬
‫‪ 1‬فالقرآن مغيـّر و مبدّل ‪ ،‬و الحديث رواته كفرة مرتدون ‪ ،‬فل عبرة بهما ‪ .‬لن القرآن و الحديث‬
‫يناصران العامة و نحن على خلف ما يقوله العامة ‪.‬‬
‫ولجل ذلك نبه أولد علي رضي ال عنه ‪ ،‬الطيبون منهم ‪ ،‬على كذب و افتراء هؤلء المنتحلين المدعين‬
‫حبهم ‪.‬‬
‫كما روي عن جعفر بن الباقر – المام السادس المعصوم عند الشيعة – أنه قال ‪ " :‬لقد أمسينا وما أحد‬
‫أعدى لنا ممن ينتحل مودتنا "‪. 2‬‬
‫عنه أيضا أنه قال ‪:‬‬
‫" إنا أهل بيت صادقون ‪ ،‬ل نخلوا من كذاب يكذب علينا ‪ ،‬فيسقط صدقنا بكذبه عند الناس ‪ ،‬كان رسول‬
‫ال أصدق ال لهجة و كان مسيلمة يكذب عليه ‪ ،‬و كان أمير المؤمنين (ع) أصدق من برأ ال من بعد‬
‫رسول ال ‪ ،‬و كان الذي يكذب عليه من الكذب عبدال بن سبأ لعنه ال ‪ ،‬و كان أبو عبدال الحسين بن‬
‫علي (ع) قد ابتلي بالمختار ‪ ،‬ثم ذكر أبو عبدال الحارث الشامي و البنان فقال‪ :‬كانا يكذبان على علي بن‬
‫الحسين (ع) ‪ ،‬ثم ذكر المغيرة بن سعيد و بزيعا و السري و أبا الخطاب و معمراًُ و بشار الشعري و‬
‫حمزة اليزيدي و صائب النهدي ‪ -‬أي أصحابه ‪ -‬فقال ‪ :‬لعنهم ال ‪ ،‬إنا ل نخلوا من كذاب يكذب علينا ‪،‬‬
‫كفانا ال مؤنة كل كذاب و أذاقهم ال حر الحديد " ‪. 3‬‬
‫وعن حفيده علي الرضا ‪ -‬المام الثامن المعصوم حسب زعمهم ‪ -‬أنه قال ‪ :‬كان بنان يكذب على علي بن‬
‫الحسين (ع) فأذاقه ال حر الحديد ‪ ،‬و كان المغيرة بن سعيد يكذب على إبن جعفر (ع) فأذاقه ال حر‬
‫الحديد ‪ ،‬و كان محمد بن بشر يكذب على إبن الحسن علي بن موسىالرضى (ع) فأذاقه ال حر الحديد ‪،‬‬
‫وكان أبو الخطاب يكذب على أبي عبدال (ع) فأذاقه ال حر الحديد ‪ ،‬و الذي يكذب علي ‪ ،‬محمد بن‬
‫الفرات ‪. 4‬‬
‫وعن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال ‪ " :‬لعن ال بنان البيان ‪ ،‬وإن بنان لعنه ال كان يكذب على أبي ‪،‬‬
‫أشهد أن أبي كان عبداً صالحاً "‪. 5‬‬
‫وبدءوا يتبرءون منهم ‪ ،‬ويمنعون متبعيهم من الوقوع في شراكهم وحبائلهم ‪ ،‬كما نقل الكشي عن جعفر‬
‫أنه ذكر عنده جعفر بن واقد ونفر من أصحاب أبي الخطاب فقيل ‪ :‬أنه صار إليهم يتردد وقال فيهم ‪:‬‬
‫وهو الذي في السماء إله ‪ ،‬وفي الرض إله ‪ ،‬قال هو المام ‪ ،‬فقال أبو عبدال (ع) ‪ :‬ل وال ل يأويني‬
‫وإياه سقف بيت أبدا ‪ ،‬هم شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ‪ ،‬وال ما صغر عظمة‬
‫ال تصغيرهم شيئاً قط ‪ ،‬وإن عزيراً جال في صدره ما قالت اليهود ‪ ،‬فمحى ال إسمه من النبوة ‪ .‬وال لو‬
‫أن عيسى أقـّر بما قالت فيه النصارى ‪ ،‬لورثه ال صمماً إلى يوم القيامة ‪ ،‬وال لو أقررت بما يقول فيّ‬
‫أهل الكوفة لخذتني الرض ‪ ،‬وما أنا إل عبد مملوك ل أقدر على ضر شيئ ول نفع شيئ ‪.‬‬
‫محمد بن مسعود قال ‪ :‬حدثني علي بن محمد قال ‪ :‬حدثني محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى‬
‫عن زكريا عن ابن مسكان عن قاسم الصيرفي قال ‪ :‬سمعت أبا عبدال (ع) يقول ‪ " :‬قوم يزعمون أني‬
‫لهم إمام ‪ ،‬وال ما أنا لهم بإمام ‪ ،‬مالهم لعنهم ال كلما سترت ستراً هتكوه ‪ ،‬هتك ال سترهم ‪ ،‬أقول كذا ‪،‬‬
‫يقولون إنما يعني كذا ‪ ،‬أنا إمام من أطاعني "‪. 6‬‬

‫‪ 1‬انظر لتفصيل ذلك كتابنا ( الشيعة و السنة ) و ( الشيعة أهل البيت ) و ( الشيعة و القرآن ) ‪.‬‬
‫‪ 2‬رجال الكشي ص ‪ 259‬تحت ترجمة أبي الخطاب ‪.‬‬
‫‪ 3‬أيضا ص ‪. 258 ، 257‬‬
‫‪ 4‬أيضا ص ‪. 256‬‬
‫‪ 5‬رجال الكشي ص ‪.255‬‬
‫‪ 6‬رجال الكشي ص ‪. 255 ، 254‬‬

‫‪165‬‬
‫ولكن باءت الجهود المخلصة بالفشل ‪ ،‬وزادت الشيعة في غلوائهم وغيهم لكثرة ما وجد في ذلك الزمان‬
‫من الكذابين ومن المنتحلين مودة أهل البيت ‪ ،‬والمدعين موالتهم ومشايعتهم من أبي الخطاب وأبي‬
‫البصير المرادي وزرارة بن أعين وجابر الجعفي ومغيرة بن سعيد والهشامين وأبي الجارود وغيرهم ‪.‬‬
‫فكثرت الراء وتشعبت ‪ ،‬وزادت الفرق وتفرقت ‪ ،‬ذهب بعضها إلى المذاهب البعيدة ‪ ،‬وزاد حتى على‬
‫السبئية مؤسسي بنيانها وواضعي نواتها ‪ ،‬وقربت البعض منها ‪ ،‬وأحصرت على تلقي ما لقنته السبئية‬
‫وألقته إليهم ‪ ،‬وقلل الخذ بعض منها وأكثر البعض ‪ ،‬ولقد أقر بذلك مؤرخ شيعي حيث قال ‪:‬‬
‫" ولم يتمكن الصادق ‪ -‬في تلك الظروف القاسية التي ظهرت فيها الزيدية ‪ -‬على أن يناظرهم غالبًا في‬
‫شيئ من أمر المامة ‪ ،‬لنه كان يتكتم فيها ‪ ،‬ويتقي ملوك عصره ‪ ،‬ويحذر من وشاتهم وجواسيسهم‬
‫الكثيرة ‪ ،‬ومع تكتمه الشديد قد أحضره المنصور وقال له ‪ :‬قتلني ال إن لم أقتلك ‪ ،‬أتلحد في سلطاني ؟‬
‫فقال له الصادق (ع) ‪ :‬وال ما فعلت ول أردت ‪ ،‬وإن كان بلغك ‪ ،‬فمن كاذب " ‪. 1‬‬

‫فمن الذين اختلفوا أول المر على جعفر وأخذوا عليه في حياته ‪ ،‬من ذكرهم النوبختي ‪:‬‬
‫" وأما الفرقة الخرى من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي عليه السلم ‪ ،‬فنزلت إلى القول بإمامة أبي‬
‫عبدال جعفر بن محمد عليه السلم ‪ ،‬فلم تزل ثابتة على إمامته أيام حياته غير نفر منهم يسير ‪ ،‬فإنهم لما‬
‫أشار جعفر بن محمد إلى إمامة إبنه إسماعيل ‪ ،‬ثم مات إسماعيل في حياة أبيه ‪ ،‬رجعوا عن إمامة‬
‫جعفر ‪ ،‬وقالوا كذبنا ولم يكن إماماً ‪ ،‬لن المام ل يكذب ول يقول مال يكون ‪ ،‬وحكموا على جعفر أنه‬
‫قال ‪ :‬إن ال عز وجل بداله في إمامة إسماعيل ‪ ،‬فأنكروا "البداء " والمشيئة من ال ‪ ،‬وقالوا هذا باطل ل‬
‫يجوز ‪ ،‬ومالوا إلى مقالة ( البترية ) ومقالة سليمان بن جرير ‪ ،‬وهو الذي قال لصحابه بهذا السبب أن‬
‫أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين ل يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبداُ ‪ ،‬وهما القول بالبداء‬
‫وإجازة التقية ‪ .‬فأما البداء فإن أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل النبياء من رعيتها في العلم فيما‬
‫كان ويكون ‪ ،‬والخبار بما يكون في غد ‪ ،‬وقالوا لشيعتهم أنه سيكون في غد وفي غابر اليام كذا وكذا ‪،‬‬
‫فإن جاء ذلك الشيئ على ما قالوه ‪ ،‬قالوا لهم ‪ :‬ألم نعلمكم أن هذا يكون ‪ ،‬فنحن نعلم من قِـبَـل ال عز‬
‫وجل ما علمته النبياء ‪ ،‬وبيننا وبين ال عز وجل مثل تلك السباب التي علمت بها النبياء عن ال ما‬
‫علمت ‪ .‬وإن لم يكن ذلك الشيئ الذي قالوا إنه يكون على ما قالوا لشيعتهم ‪ ،‬بدا ل في ذلك بكونه ‪.‬‬
‫وأما التقية ‪ ،‬فإنه لما كثرت على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلل والحرام وغير ذلك من صنوف أبواب‬
‫الدين ‪ ،‬فأجابوا فيها ‪ ،‬وحفظ عنهم شيعتهم جواب ما سألوهم وكتبوه ودونوه ‪ ،‬ولم يحفظ أئمتهم تلك‬
‫الجوبة لتقادم العهد ‪ ،‬وتفاوت الوقات ‪ ،‬لن مسائلهم لم ترد في يوم واحد ول في شهر واحد ‪ ،‬بل في‬
‫سنين متباعدة ‪ ،‬وأشهر متباينة ‪ ،‬وأوقات متفرقة ‪ .‬فوقع في أيديهم في المسألة الواحدة عدة أجوبة مختلفة‬
‫متضادة ‪ ،‬وفي مسائل مختلفة أجوبة متفقة ‪ .‬فلما وقفوا على ذلك منهم ‪ ،‬ردوا إليهم هذا الختلف‬
‫والتخليط في جواباتهم ‪ ،‬وسألوهم عنه ‪ ،‬وأنكروا عليهم فقالوا ‪ :‬من أين هذا الختلف ؟ وكيف جاز‬
‫ذلك ؟ قالت لهم أئمتهم ‪ :‬إنما أجبنا بهذا للتقية ‪ ،‬ولنا أن نجيب بما أجبنا ‪ ،‬وكيف شئنا ‪ ،‬لن ذلك إلينا ‪،‬‬
‫ونحن نعلم بما يصلحكم ومافيه بقاؤكم ‪ ،‬وكف عدوكم عنا وعنكم ‪.‬‬

‫فمتى يظهر من هؤلء على كذب ؟ ومتى يعرف لهم حق من باطل ؟ ‪.‬‬

‫فمال إلى سليمان بن جرير هذا لهذا القول ‪ ،‬جماعة من أصحاب أبي جعفر ‪ ،‬وتركوا القول بإمامة جعفر‬
‫عليه السلم "‪. 2‬‬
‫وهنا آخران من أهل البيت إدعيا المامة في حياة جعفر ‪ ،‬وهما عبدال بن الحسن بن الحسن بن علي ‪،‬‬
‫وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وهو الذي كان يقول ‪ :‬ولدني رسول ال صلى ال عليه وآله مرتين " ‪.‬‬
‫والذي قال عنه الصفهاني الشيعي ‪:‬‬

‫‪ 1‬الشيعة في االتاريخ ص ‪. 108 ، 107‬‬


‫‪ 2‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪84‬إلى ‪.87‬‬
‫‪ 3‬مقاتل الطالبيين للصفهاني ص ‪.181‬‬

‫‪166‬‬
‫" كان عبدال بن الحسن بن الحسن شيخ بني هاشم والمقدم فيهم ‪ ،‬وذا الكثير منهم فضلً وعلماً وكرماً"‬
‫‪.1‬‬
‫والثاني إبنه محمد بن عبدال بن الحسن الملقب بالنفس الزكية ‪ ،‬هو الذي كتب فيه الصفهاني الشيعي ‪:‬‬
‫" وكان محمد بن عبدال الحسن ‪ ،‬من أفضل أهل بيته ‪ ،‬وأكبر أهل زمانه في زمانه في علمه بكتاب‬
‫ال ‪ ،‬وحفظه له ‪ ،‬وفقهه في الدين ‪ ،‬وشجاعته ‪ ،‬وجوده ‪ ،‬وبأسه ‪ ،‬وكل أمر يجمل بمثله ‪ ،‬حتى لم يشك‬
‫أحد أنه المهدي ‪ ،‬وشاع ذلك له في العامة ‪ ،‬وبايعه رجال من بني هاشم جميعاً ‪ ،‬من آل أبي طالب ‪ ،‬وآل‬
‫العباس ‪ ،‬وسائر بني هاشم " ‪. 2‬‬
‫وقد ذكر الكليني في ( كافيه ) إدعاءهما المامة زمن جعفر ودعوتهما إياه إليهما ‪ ،‬حيث ذكر أن عبدال‬
‫بن الحسن دخل على جعفر بن الباقر وقال ‪ " :‬قد علمت جُعلت فداك أن السن لي عليك ‪ ،‬وأن في قومك‬
‫من هو أسن منك ‪ ،‬ولكن ال عز وجل قد قدم لك فضلً ليس هو لحد من قومك ‪ ،‬وقد جئتك معتمداً لما‬
‫أعلم من برّك ‪ ،‬واعلم ‪ -‬فديتك ‪ -‬إنك إذا أجبتني لم يتخلف عني أحد من أصحابك ‪ ،‬ولم يختلف علي إثنان‬
‫من قريش ول غيرهم ‪ .‬فقال له أبو عبدال عليه السلم ‪ :‬إنك تجد غيري أطوع لك مني ول حاجة لك‬
‫فيّ ‪ ،‬فوال إنك لتعلم أني أريد البادية أو أهم بها فأثقل عنها ‪ ،‬وأريد الحج فما أدركه إل بعد كد وتعب‬
‫ومشقة على نفسي ‪ ،‬فاطلب غيري وسله ذلك ول تعلمهم أنك جئتني ‪ .‬فقال له ‪ :‬إن الناس مادون أعناقهم‬
‫إليك ‪ ،‬وإن أجبتني لم يتخلف عني أحد ‪ ،‬ولك أن ل تكلف قتالً ول مكروهاً ‪ .‬قال ‪ :‬وهجم علينا ناس‬
‫فدخلوا وقطعوا كلمنا ‪ ،‬فقال أبي ‪ :‬جعلت فداك ما تقول ؟ ‪ .‬فقال ‪ :‬نلتقي إن شاء ال ‪ .‬فقال ‪ :‬أليس على‬
‫ما أحب ؟ ‪ .‬فقال ‪ :‬على ما تحب إن شاء ال من إصلحك ‪ ...‬فقال له أبوعبدال عليه السلم ‪ :‬يا ابن‬
‫عم ‪ ،‬إني أعيذك بال من التعرض لهذا المر الذي أمسيت فيه ‪ ،‬وإني لخائف عليك أن يكسبك شرا ‪.‬‬
‫فجرى الكلم بينهما ‪ ،‬حتى أفضى إلى ما لم يكن يريد ‪ .‬وكان من قوله ‪ :‬بأي شيئ كان الحسين أحق بها‬
‫من الحسن ؟ فقال أبو عبدال عليه السلم ‪ :‬رحم ال الحسن ‪ ،‬ورحم الحسين ‪ ،‬وكيف ذكرت هذا ؟ قال ‪:‬‬
‫لن الحسين عليه السلم ‪ ،‬كان ينبغي له إذا عدل أن يجعلها في السن من ولد الحسن ‪ ...‬فقام أبي يجر‬
‫ثوبه مغضباً ‪ ،‬فلحقه أبو عبدال عليه السلم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أخبرك أني سمعت عمك وهو خالك يذكر أنك‬
‫وبني أبيك ستـقتلون ‪ ،‬فإن أطعتني ورأيت أن تدفع بالتي هي أحسن فافعل ‪ ،‬فوال الذي ل إله إل هو عالم‬
‫الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الكبير المتعال على خلقه ‪ ،‬لوددت أني فديتك بولدي وبأحبهم إلي بأحب‬
‫أهل بيتي إلي ‪ ،‬وما يعدلك عندي شيئ ‪ ،‬فل ترى أني‬
‫غششتك ‪ .‬فخرج أبي من عنده مغضباً أسفا ‪ ...‬ثم أتى محمد بن عبدال بن حسن ‪ ،‬فأخبر أن أباه‬
‫وعمومته قتلوا ‪ -‬قتلهم أبو جعفر‪ -‬إل حسن بن جعفر وطباطبا وعلي بن ابراهيم وسليمان بن داوود بن‬
‫حسن وعبدال بن داود ‪ ،‬قال ‪ :‬فظهر محمد بن عبدال عند ذلك ‪ ،‬و دعى الناس لبيعته ‪ ،‬قال ‪ :‬فكنت ثالث‬
‫ثلثة بايعوه و استوثق الناس لبيعته ‪ ،‬ولم يختلف عليه قرشي ول أنصاري ول عربي ‪ ،‬قال ‪ :‬و شاور‬
‫عيسى بن زيد وكان من ثقاته وكان على شرطه ‪ ،‬فشاوره في البعثة إلى وجوه قومه ‪ ،‬فقال له عيسى بن‬
‫زيد ‪ :‬إن دعوتهم دعاء يسيراً لم يجيبوك ‪ ،‬أو تغلظ عليهم ‪ ،‬فخلني وإياهم ‪ ،‬فقال له محمد ‪ :‬إمض إلى‬
‫من أردت منهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬إبعث إلى رئيسهم و كبيرهم ‪ -‬يعني أبا عبدال جعفر بن محمد عليه السلم ‪-‬‬
‫فإنك إذا أغلظت عليه علموا جميعاً أنك ستمرهم على الطريق التي أمررت عليها أبا عبدال عليه‬
‫السلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فوال ما لبثنا أن أتى بأبي عبدال عليه السلم حتى أوقف بين يديه ‪ ،‬فقال له عيسى بن زيد‬
‫‪ :‬أسلم تسلم ‪ ،‬فقال له عبدال عليه السلم ‪ :‬أحدثت نبوة بعد محمد صلى ال عليه و آله ؟ فقال له محمد ‪:‬‬
‫ل ‪ ،‬ولكن بايع تأمن على نفسك ومالك وولدك ول تكلفن حرباً ‪ ،‬فقال له أبوعبدال عليه السلم ‪ :‬ما فيّ‬
‫حرب ول قتال ‪ ،‬ولقد تقدمت إلى أبيك وحذرته الذي حاق به ‪ ،‬ولكن ل ينفع حذر من قدر ‪ ،‬يابن أخي‬
‫عليك بالشباب ‪ ،‬ودع عندك الشيوخ ‪ .‬فقال له محمد ‪ :‬ما أقرب ما بيني و بينك في السن ‪ ،‬فقال له‬
‫أبوعبدال عليه السلم ‪ :‬إني لم أعازّك ولم أجيئ لتقدم عليك في الذي أنت فيه ‪ .‬فقال له محمد ‪ :‬ل وال‬
‫لبد من أن تبايع ‪ .‬فقال له أبوعبدال عليه السلم ‪ :‬ما فيّ ياابن أخي طلب و ل حرب ‪ ،‬وإني لريد‬
‫الخروج الى البادية فيصدني ذلك و يثقل علي حتى تكلمني في ذلك الهل غير مرة ‪ ،‬ول يمنعني منه إل‬
‫الضعف ‪ ،‬و ال والرحم أن تدبر عنّا ونشقى بك ‪ .‬فقال له ‪ :‬يا أبا عبدال قد وال مات أبو الدوانيق ‪-‬‬

‫‪ 1‬الغاني لبي فرج الصفهاني ج ‪ 1‬ص ‪ ،205‬مقاتل ص ‪.180‬‬


‫‪ 2‬مقاتل ص ‪.233‬‬

‫‪167‬‬
‫يعني أبا جعفر ‪ -‬فقال له أبو عبدال عليه السلم ‪ :‬وما تصنع بي و قد مات ؟ قال ‪ :‬أريد الحمال بك ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬ما إلى ما تريد السبيل ‪ ،‬ل وال ما مات أبو الدوانيق إل أن يكون مات موت النوم ‪ .‬قال ‪ :‬وال‬
‫لتبايعني طائعا ً أو مكرها ول تحمد في بيعتك ‪ .‬فأبى عليه إباء شديداً ‪ ،‬و أمر به إلى الحبس ‪ .‬فقال له‬
‫عيسى بن زيد ‪ :‬أما إن طرحناه في السجن و قد خرب السجن و ليس عليه اليوم غلق ‪ ،‬خفنا أن يهرب‬
‫منه ‪ .‬فضحك أبو عبدال عليه السلم ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ل حول ول قوة إل بال العلي العظيم ‪ ،‬أوتراك‬
‫تسجنني ؟ قال ‪ :‬نعم والذي أكرم محمد صلى ال عليه و آله بالنبوة ‪ ،‬لسجننك و لشددّن عليك ‪ .‬فقال‬
‫عيسى بن زيد ‪ :‬إحبسوه في المخبأ ‪ -‬و ذلك دار ريطة اليوم ‪ -‬فقال له أبو عبدال عليه السلم ‪ :‬أما وال‬
‫إني سأقول ثم أصدق ‪ .‬فقال له عيسى بن زيد ‪ :‬لو تكلمت لكسرت فمك ‪ .‬فقال له أبوعبدال عليه السلم ‪:‬‬
‫أما وال يا أكشف يا أزرق ‪ ،‬لكأني بك تطلب لنفسك جحراً تدخل فيه ‪ ،‬وما أنت في المذكورين عند اللقاء‬
‫‪ ،‬و إني لظنك إذا صفق خلفك ‪ ،‬طرت مثل الهيق النافر ‪ .‬فنفر عليه محمد بانتهار ‪ :‬إحبسه و شدد عليه‬
‫وأغلظ عليه ‪ .‬فقال له أبو عبدال عليه السلم ‪ :‬أما وال لكأني بك خارجاً من سدة أشجع إلى بطن الوادي‬
‫وقد حمل عليك فارس معلم في يده طرّادة نصفها أبيض و نصفها أسود ‪ ،‬على فرس كميت أقرح ‪،‬‬
‫فطعنك فلم يصنع فيك شيئاً وضربت خيشوم فرسه فطرحته ‪ ،‬وحمل عليك آخر خارج من زقاق آل أبي‬
‫عمار الدئليين عليه غديرتان مضفورتان ‪ ،‬و قد خرجتا من تحت بيضة ‪ ،‬كثير شعر الشاربين ‪ ،‬فهو وال‬
‫صاحبه ‪ ،‬فل رحم ال رمته ‪ .‬فقال له محمد ‪ :‬يا أبا عبدال ‪ ،‬حسبت فأخطأت ‪ .‬وقام إليه السراقي بن سلخ‬
‫الحوت ‪ ،‬فدفع في ظهره حتى أدخل السجن و اصطفى ما كان له من مال و ما كان لقومه ممن لم يخرج‬
‫مع محمد "‪. 1‬‬

‫هذا ما حصل في حياة جعفر بن الباقر من افتراق الشيعة وتحزبهم بأحزاب مختلفة ‪ ،‬و تشعبهم بفرق‬
‫متعددة ‪.‬‬

‫الشيعـة بعد وفاة جـعـفـر‬

‫وأما بعد وفاته سنة ثمان وأربعين ومائة ‪ ،‬حصل الختلف العظيم‪ ،‬وافترق الشيعة إلى فرق عديدة ‪،‬‬
‫ولقد عدها الكاتب الشيعي المشهور النوبختي ‪ ،‬وهو الوائل من كتب في الفرق من القوم ‪ ،‬ست فرق‬
‫فقال ‪:‬‬
‫" فلما توفي أبو عبدال جعفر بن محمد عليهما السلم ‪ ،‬إفترقت الشيعة بعده ست فرق ‪ ...‬ودفن في القبر‬
‫الذي دفن فيه أبوه وجده في البقيع ‪ ...‬وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمهما أسماء‪. 2‬‬
‫بنت عبدالرحمن بن أبي بكر " ‪. 3‬‬

‫والفرق الستة التي عدّها ‪ ،‬الولى منها ‪:‬‬

‫" الناووسية ‪ :‬وهي التي قالت إن جعفر بن محمد حي لم يمت ول يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس ‪،‬‬
‫وأنه هو المهدي ‪ .‬وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال ‪ :‬إن رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فل تصدقوه‬
‫‪ ،‬فإني صاحبكم ‪ .‬وإنه قال لهم ‪ :‬إن جاءكم من يخبركم عني أنه مرضني وغسلني وكفنني ‪ ،‬فل‬
‫تصدقوه ‪ ،‬فإني صاحبكم صاحب السيف ‪.‬‬
‫وهذه الفرقة تسمى الناووسية ‪ .‬وُسميت بذلك لرئيس لهم من أهل البصرة يُقال له فلن بن فلن الناووس‬
‫"‪.4‬‬
‫" وزعم قوم أن الذي يتبدى للناس لم يكن جعفرا‪ ،‬وإنما تصور لناس في تلك الصورة ‪ .‬وانظم إلى هذه‬
‫الفرقة قوم من السبئية ‪ ،‬فزعموا جميعاً أن جعفراً كان عالماً بجميع معالم الدين من العقليات‬
‫‪ 1‬الصول من الكافي ‪ ،‬كتاب الحجة ج ‪ 1‬ص ‪ 358‬ومابعد ‪.‬‬
‫‪ 2‬وعلى ذلك كان يقول ‪ :‬لقد ولدني أبو بكر مرتين ( كشف الغمة للربلي الشيعي ج ‪2‬ص ‪)161‬‬
‫‪ 3‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪78‬‬
‫‪ 4‬أيضاً ص ‪88 -87‬‬

‫‪168‬‬
‫والشرعيات ‪ ،‬فإذا قيل للواحد منهم ‪ :‬ماتقول في القرآن أو في الرؤية أو في غير ذلك من أصول الدين أو‬
‫في فروعه ؟ يقول ‪ :‬أقول فيها ما كان يقوله جعفر الصادق ‪ ،‬يقلدونه " ‪. 1‬‬

‫هذا ما حصل في حياة جعفر بن الباقر من افتراق الشيعة و تحزبهم بأحزاب مختلفة وتشعبهم في فرق‬
‫متعددة‪.‬‬

‫والفرقة الثانية ‪ :‬السمطية أو الشميطية ‪ :‬وهم القائلون إن المام بعد جعفر بن محمد إبنه محمد بن جعفر ‪،‬‬
‫وذلك لن أباه جعفر وصي له في صباه ‪ ،‬و كان يقول ‪ :‬إنه يشبه أبي محمد الباقر و جدي رسول ال ‪،‬‬
‫فجعل هؤلء المامة في محمد بن جعفر وولده من بعده ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وهذه الفرقة تسمى السمطية و تنسب إلى يحيى بن أبي السميط أو أبي الشميط " ‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن محمد بن جعفر هذا خرج أيام المأمون ‪ ،‬و دعا الناس إلى نفسه ‪ :‬و بايع له أهل‬
‫المدينة بإمرة المؤمنين " ‪. 3‬‬
‫فحصلت بينه و بين جيوش المأمون بقيادة هارون بن المسيب معارك عديدة ‪.‬‬
‫ثم وجه إليه هارون خيل فحاصرته في موضعه ‪ ،‬لنه كان موضعا حصينا ل يوصل إليه ‪ ،‬فلما بقوا في‬
‫الموضع ثلثا ونفد زادهم وماؤهم ‪ ،‬جعل أصحابه يتفرقون ويتسللون يمينا وشمال ‪ ،‬فلما رأى ذلك لبس‬
‫بردا ونعل ‪ ،‬و صار إلى مضرب هارون فدخل إليه و سأله المان لصحابه ‪ ،‬ففعل هارون ذلك " ‪. 4‬‬
‫وذكر المفيد بأنه كان يرى رأى الـزيديـة في الخروج بالسيف ‪ ،‬و لذلك اتبعه كثير من الـزيديـة‬
‫الجارودية ‪. 5‬‬

‫والفرقة الثالثة ‪ :‬الفطحية ‪ :‬فلقد ذكرها الكشى تحت عنوان الفطحية بقوله ‪:‬‬
‫" هم القائلون بإمامة عبدال بن جعفر بن محمد ‪ ،‬و سموا بذلك لنه قيل أنه كان أفطح الرأس ‪ ،‬وقال‬
‫بعضهم ‪ :‬كان أفطح الرجلين ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬إنهم نسبوا إلى رئيس من أهل الكوفة يقال له ‪ :‬عبدال بن‬
‫فطيح ‪ ،‬والذين قالوا بإمامته عامة مشائخ العصابة وفقهائها ‪ ،‬مالوا إلى هذه المقالة فدخلت عليهم الشبهة‬
‫لما روى عنهم عليهم السلم أنهم قالوا ‪ :‬المامة في الكبر من ولد المام إذا مضى إمام ‪ ...‬ثم إن عبدال‬
‫مات بعد أبيه بسبعين يوما‪ ،‬فرجع الباقون إل شاذا منهم عن القول بإمامته إلى القول بإمامة أبي الحسن‬
‫(ع) ورجعوا إلى الخبر الذي روى ‪ :‬إن المامة ل يكون في الخوين بعد الحسن و الحسين (ع) "‪. 6‬‬

‫وذكر مثل هذا النوبختي الشيعي وزاد ‪:‬‬


‫" ومال إلى هذه الفرقة جل مشائخ الشيعة وفقهائها ‪ ،‬و لم يشكوا في أن المامة في محمد بن جعفر وفي‬
‫ولده من بعده ‪ ،‬فمات عبدال ولم يخلف ذكرا "‪. 7‬‬

‫وأما المفيد فقال ‪:‬‬


‫" وكان عبدال بن جعفر أكبر إخوته بعد إسماعيل ‪ ،‬ولم تكن منزلته عند أبيه كمنزلة غيره من ولده في‬
‫الكرام ‪ ،‬وكان متهما بالخلف على أبيه في العتقاد ‪ ،‬ويقال أنه كان يخالط الحشوية ‪ ،‬ويميل إلى مذهب‬
‫المرجئة ‪ .‬وادعى بعد أبيه المامة ‪ ،‬واحتج بأنه أكبر إخوته الباقين ‪ ،‬فاتبعه على قوله جماعة من‬
‫أصحاب أبي عبدال عليه السلم ‪ .‬ثم رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة أخيه موسى عليه السلم ‪،‬‬

‫‪ 1‬الفرق بين الفرق ص ‪ ، 61‬مقالت السلميين ج ‪1‬ص ‪ ، 97‬إعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص ‪ ،53‬الملل والنحل للشهرستاني ج‬
‫‪2‬ص ‪ 3،2‬الحور العين ص ‪ ،162‬التبصير للسفرائيني ص ‪ ،40‬الفصل في الملل والهواء والنحل لبن حزم ج ‪4‬ص‬
‫‪ ،180‬الخطط للمقريزي ج ‪4‬ص ‪.174‬‬
‫‪ 2‬أنظر فرق الشيعة ص ‪ ،98‬مقالت السلميين ج ‪ 1‬ص ‪ ، 99‬الفرق بين الفرق ص ‪ ، 62 ،61‬إعتقادات للرازي ص ‪ ، 54‬التبصير ص ‪، 41‬‬
‫الحور العين ص ‪ ،163‬الملل لبن حزم ج ‪ 2‬ص ‪.3‬‬
‫‪ 3‬مقاتل للصفهاني ص ‪ ، 357‬الرشاد ص ‪ ، 286‬تاريخ بغداد ج ‪ 2‬ص ‪. 114‬‬
‫‪ 4‬مقاتل ص ‪ ، 540‬الرشاد ص ‪.286‬‬
‫‪ 5‬الرشاد للمفيد ص ‪.286‬‬
‫‪ 6‬رجال الكشى ص ‪219‬‬
‫‪ 7‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪.99‬‬

‫‪169‬‬
‫لما تبينوا ضعف دعواه وقوة أمر أبي الحسن (ع) ‪ ،‬ودللة حقه وبراهين إمامته ‪ .‬وأقام نفر يسير منهم‬
‫على أمرهم ‪ ،‬ودانوا بإمامة عبدال بن جعفر ‪ ،‬الطائفة الملقبة بالفطحية " ‪.1‬‬
‫وقد ذكرهم الربلي أيضاً في كشف الغمة‪. 2‬‬
‫وُيسمون العمارية أيضاً كما ذكره الشعري في ( مقالت السلميين ) نسبة إلى رئيس لهم يُعرف‬
‫بعمار‪.3‬‬
‫والجدير بالذكر أن الشيعة يروون روايات عن أئمتهم المعصومين حسب زعمهم بأن المامة في أكبر‬
‫البناء كما روى الكليني ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫" عن أبي عبدال عليه السلم أنه قال ‪ :‬إن المر في الكبير ما لم تكن به عاهة " ‪.‬‬
‫وبذلك استدل على إمامته " واحتج بأنه أكبر الخوة الباقين ‪ ،‬فاتبعه جماعة من أصحاب أبي عبدال‬
‫عليه السلم " ‪. 5‬‬
‫ثم ومع هذا كيف يعدلون عنه ولم يكن به عاهة ؟‬
‫‪6‬‬
‫اللهم إل أنهم يذكرون أنه كان يخالف أباه في العقائد ‪.‬‬
‫ونريد أن نلفت النظار ‪ ،‬إلى أن ابن جعفر الخر وهومحمد أيضاً ‪ ،‬كان منكِـراً لمامة أبيه جعفر‬
‫ومخالفًا لفكاره وآرائه ‪ ،‬كما ذكره الطوسي والمفيد ‪. 7‬‬

‫والفرقة الرابعة ‪ :‬الذين قالوا بإمامة موسى بن جعفر‪ ،‬وأنكروا إمامة عبدال ‪ ،‬وخطؤوه في فعله وجلوسه‬
‫مجلس أبيه ‪ ،‬وادعائه المامة ‪. 8‬‬
‫فسنذكر تفاصيل واختلفات هؤلء فيما بعد ‪ ،‬تحت أيام موسى الملقب بالكاظم ‪.‬‬

‫السـماعـيلـيـة‬
‫ل نذكرهم من‬ ‫وأما الفرقة الخامسة والسادسة التي حدثت ونشأت من بين الشيعة ‪ ،‬فهي السماعيلية ‪ .‬فأو ً‬
‫الشيعة أنفسهم ‪ ،‬فيقول النوبختي ‪:‬‬
‫"وفرقة زعمت أن المام بعد جعفر بن محمد إبنه إسماعيل بن جعفر ‪ ،‬وأنكرت موت إسماعيل في حياة‬
‫أبيه ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس لنه خاف فغيبه عنهم ‪ ،‬وزعموا أن‬
‫إسماعيل ل يموت حتى يملك الرض يقوم بأمر الناس ‪ ،‬وأنه هو القائم ‪ ،‬لن أباه أشار إليه بالمامة من‬
‫بعده ‪ ،‬وقلدهم ذلك له ‪ ،‬وأخبرهم أنه صاحبه ‪ ،‬والمام ل يقول إل الحق ‪ .‬فلما ظهر موته ‪ ،‬علمنا أنه قد‬
‫صدق ‪ ،‬وأنه القائم ‪ ،‬وأنه لم يمت ‪ .‬وهذه الفرقة هي السماعيلية الخالصة " ‪. 9‬‬
‫ثم لهم فرق كثيرة ‪ ،‬نذكر بعضها بالختصار ‪ .‬فذكر المفيد تحت عنوان ‪ :‬أولد أبي عبدال وعددهم‬
‫وأسماؤهم وطرف أخبارهم ‪:‬‬
‫" وكان إسماعيل أكبر الخوة ‪ ،‬وكان أبو عبدال عليه السلم شديد المحبة له والشفاق عليه ‪ ،‬وكان قوم‬
‫من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه والخليفة له من بعده ‪ ،‬إذ كان أكبر إخوته سناً ‪ ،‬ولميل أبيه إليه ‪،‬‬
‫وإكرامه له ‪ .‬فمات في حياة أبيه عليه السلم بالعريض ‪ ،‬و حُمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة‬
‫حتى دفن بالبقيع ‪.‬‬

‫‪ 1‬الرشاد ص ‪.286 ،285‬‬


‫‪ 2‬ج ‪ 2‬ص ‪. 393‬‬
‫‪ 3‬ج ‪1‬ص ‪. 99‬‬
‫‪ 4‬كتاب الحجة من الكافي في الصول ج ‪1‬ص ‪. 357‬‬
‫‪ 5‬الرشاد للمفيد ص ‪. 285‬‬
‫‪ 6‬كشف الغمة للربلي ج ‪2‬ص ‪.393‬‬
‫‪ 7‬أظر أعلم الورى ص ‪ ،291‬الرشاد للمفيد ص ‪.286‬‬
‫‪ 8‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪.100‬‬
‫‪ 9‬أيضاً ص ‪. 89،88‬‬

‫‪170‬‬
‫وروي أن أبا عبدال عليه السلم جزع عليه جزعًا شديداً ‪ ،‬وحزن عليه حزناً عظيماً ‪ ،‬وتقدم سريره بغير‬
‫حذاء ول رداء ‪ ،‬وأمر بوضع سريره على الرض قبل دفنه مراراً كثيرة ‪ ،‬وكان يكشف وجهه وينظر‬
‫إليه ‪ ،‬يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانين خلفته له من بعده ‪ ،‬وإزالة الشبهة عنهم في حياته ‪.‬‬
‫ولما مات إسماعيل ( رحمه ال ) ‪ ،‬إنصرف عن القول بإمامته من بعد أبيه من كان يظن ذلك فيعتقده‬
‫من أصحاب أبيه ‪ ،‬وأقام على حياته شرذمة لم تكن من خاصة أبيه ‪ ،‬ول من الرواة عنه ‪ ،‬وكانوا من‬
‫الباعد والطراف ‪.‬‬
‫فلما مات الصادق عليه السلم انتقل فريق منهم إلى القول بإمامة موسى بن جعفر عليه السلم ‪ ،‬وافترق‬
‫الباقون فريقين ‪ ،‬فريق منهم رجعوا عن حياة إسماعيل وقالوا بإمامة إبنه محمد بن إسماعيل ‪ ،‬لظنهم أن‬
‫المامة كانت في أبيه ‪ ،‬وأن البن أحق بمقام المامة من الخ ‪.‬‬
‫وفريق ثبتوا على حياة إسماعيل ‪ ،‬وهم اليوم شذاذ ل يُعرف منهم أحد يومى إليه ‪ .‬وهذان الفريقان‬
‫يسميان بالسماعيلية ‪ .‬والمعروف منهم الن من يزعم أن المامة بعد إسماعيل في ولده وولد ولده إلى‬
‫آخر الزمان "‪. 1‬‬

‫وذكر مثل ذلك في كتب الشيعة الخرى مثل ( شرح إبن أبي الحديد ) و ( أعيان الشيعة ) و(الشيعة في‬
‫التاريخ ) ‪.‬‬

‫ولقد ذكر السماعيلية من السنة ‪ ،‬كل من الشعري والبغدادي والسفرائيني والرازي والشهرستاني‬
‫وغيرهم من المتقدمين ‪ ،‬كما ذكرهم كثير من المتأخرين السنة ‪ ،‬ولكن نذكر ما ذكره ابن خلدون ‪ ،‬فيقول‬
‫‪:‬‬
‫" فأما السماعيلية فقالوا بإمامة إسماعيل المام بالنص من أبيه جعفر ‪ ،‬وفائدة النص عليه عندهم وإن‬
‫كان قد مات قبل أبيه ‪ ،‬إنما هو بقاء المامة في عقبه ‪ ،‬كقصة هارون مع موسى صلوات ال عليهما ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬ثم انتقلت المامة من إسماعيل إلى إبنه محمد المكتوم ‪ ،‬وهو أول الئمة المستورين ‪ ،‬لن المام‬
‫عندهم قد ل يكون له شوكة فيستتر ‪ ،‬وتكون دعاته ظاهرين إقامة للحجة على الخلق ‪ ،‬وإذا كانت له‬
‫شوكة ‪ ،‬ظهر وأظهر دعوته ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وبعد محمد المكتوم إبنه جعفر الصادق وبعده إبنه محمد الحبيب ‪،‬‬
‫وهو آخر المستورين ‪ ،‬وبعده إبنه عبدال المهدي الذي أظهر دعوته أبو عبدال الشيعي في كتامة ‪ ،‬وتتابع‬
‫الناس على دعوته ‪ ،‬ثم أخرجه من معتقله بسجلماسة ‪ ،‬وملك القيروان والمغرب ‪ ،‬وملك بنوه من بعد‬
‫مصر ‪ ،‬كما هو معروف في أخبارهم ‪ .‬ويسمى هؤلء نسبة إلى القول بإمامة إسماعيل ‪ ،‬ويسمون أيضاً‬
‫بالباطنية ‪ ،‬نسبة إلى قولهم بالمام الباطن ‪ ،‬أي المستور ‪ .‬ويسمون أيضاً الملحدة ‪ ،‬لما في ضمن مقالتهم‬
‫من اللحاد ‪ .‬ولهم مقالت قديمة ‪ ،‬ومقالت جديدة دعا إليها الحسن بن محمد الصباح في آخر المائة‬
‫الخامسة ‪ ،‬وملك حصوناً بالشام والعراق ‪ ،‬ولم تزل دعوته فيها إلى أن توزعها الهلك بين ملوك الترك‬
‫بمصر ‪ ،‬وملوك التتر في العراق "‪. 2‬‬

‫وذكرهم الشهرستاني بقوله ‪:‬‬

‫" السماعيلية قالوا ‪ :‬إن المام بعد جعفر إسماعيل نصاً عليه باتفاق من أولده ‪ ،‬إل أنهم اختلفوا في‬
‫موته في حال حياة أبيه ‪ ،‬فمنهم من قال ‪ :‬لم يمت إل أنه أظهر موته تقية من خلفاء بني العباس ‪ ،‬وعقد‬
‫محضراً وأشهد عليه عامل المنصور بالمدينة ‪.‬‬
‫ومنهم من قال ‪ :‬الموت صحيح ‪ ،‬والنص ل يرجع القهقري ‪ ،‬والفائدة في النص بقاء المامة في أولد‬
‫المنصوص عليه دون غيره ‪ ،‬فالمام بعد إسماعيل محمد بن إسماعيل ‪ ،‬وهؤلء يقال لهم ‪ :‬المباركية ‪ .‬ثم‬
‫منهم من وقف على محمد بن إسماعيل ‪ ،‬وقال برجعته بعد غيبته ‪ .‬ومنهم من ساق المامة في‬
‫المستورين منهم ‪ ،‬ثم في الظاهرين القائمين من بعدهم " ‪. 3‬‬
‫ثم ساق أدلتهم لثباتهم إمامة إسماعيل بن جعفر بقوله ‪:‬‬
‫‪ 1‬الرشاد للمفيد ص ‪.285،284‬‬
‫‪ 2‬مقدمة إبن خلدون ص ‪201‬‬
‫‪ 3‬الملل والنحل للشهرستاني ج ‪ 2‬ص ‪5‬‬

‫‪171‬‬
‫"إسماعيل بن جعفر وهو إبنه الكبر المنصوص في بدء المر ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬لم يتزوج الصادق على أمه‬
‫بواحدة من النساء ‪ ،‬ول اشترى جارية ‪ ،‬كسنة رسول ال في حق خديجة ‪ ،‬وكسنة علي في حق فاطمة ‪.‬‬
‫وذكرنا اختلفهم في موته في حال حياة أبيه ‪ ،‬فمنهم من قال ‪ :‬إنه مات ‪ ،‬وإنما فائد النص عليه ‪ ،‬انتقال‬
‫المامة منه إلى أولده خاصة ‪ ،‬كما نص موسى إلى هارون عليهما السلم ‪ ،‬ثم مات هارون في حال‬
‫حياة أخيه ‪ ،‬وإنما فائدة النص انتقال المامة منه إلى أولده ‪ ،‬فإن النص ل يرجع القهقري ‪ ،‬والقول بالبدأ‬
‫محال ‪ ،‬ول ينص المام على واحد من ولده إل بعد السماع من آبائه ‪ ،‬والتعيين ل يجوز على البهام‬
‫والجهالة ‪.‬‬
‫ومنهم من قال ‪ :‬إنه لم يمت ‪ ،‬لكن أظهر موته تقية عليه ‪ ،‬حتى ل يقصد بالقتل ‪ .‬ولهذا القول دللت ‪:‬‬
‫منها أن محمد كان صغيراً ‪ ،‬وهو أخوه لمه ‪ ،‬مضى إلى السرير الذي كان إسماعيل نائماً عليه ‪ ،‬ورفع‬
‫الملءة ‪ ،‬فأبصره وهو قد فتح عينه ‪ ،‬وعاد إلى أبيه مفزعاً وقال ‪ :‬عاش أخي ‪ ،‬عاش أخي ‪ .‬قال والده ‪:‬‬
‫إن أولد الرسول كذا يكون حالهم في الخرة ‪ .‬قالوا ‪ :‬وما السبب في الشهاد على موته ؟ ‪.‬‬
‫وعن هذا لما رفع إلى المنصور أن إسماعيل بن جعفر رؤي بالبصرة على مقعد فدعى فبرئ بإذن ال ‪،‬‬
‫بعث المنصور إلى الصادق أن إسماعيل في الحياء ‪ ،‬وأنه رؤي بالبصرة ‪ ،‬أنفذ السجل إليه وعليه شهادة‬
‫عامله بالمدينة ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬وبعد إسماعيل ‪ ،‬محمد بن إسماعيل السابع التام ‪ ،‬وإنما تم دور السبعة به ‪ .‬ثم ابتدى منه بالئمة‬
‫المستورين الذين كانوا يسيرون في البلد ‪ ،‬ويظهرون الدعاة جهراً ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ولن تخلوا الرض قط من‬
‫إمام حيّ ‪ ،‬إما ظاهر مكشوف ‪ ،‬وإما باطن مستور ‪ .‬فإذا كان المام ظاهراً ‪ ،‬يجوز أن يكون حجته‬
‫مستورة ‪ ،‬وإذا كان المام مستوراً فلبد أن يكون حجته ودعاته ظاهرين ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنما الئمة تدور‬
‫أحكامهم على سبعة كأيام السبوع والسموات السبع والكواكب السبع ‪ .‬والنقباء تدور أحكامهم على أثنى‬
‫عشر ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وعن هذا وقعت الشبهة للمامية القطعية حيث قرروا عدد النقباء للئمة ‪ ،‬ثم بعد الئمة‬
‫المستورين كان ظاهر المهدي والقائم بأمر ال و أولدهم نصًا بعد نص على إمام بعد إمام ‪ .‬ومذهبهم أن‬
‫من مات ولم يعرف إمام زمانه ‪ ،‬مات ميتة جاهلية ‪ ،‬وكذلك من مات ولم يكن في عنقه بيعة إمام ‪ ،‬مات‬
‫ميتة جاهلية ‪ ...‬وأشهر ألقابهم الباطنية ‪ ،‬وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنا‪ ،‬ولكل‬
‫تنزيلً تأويل ‪.‬‬
‫ولهم ألقاب غير هذا من القرامطة والمزدكية والملحدة ‪.‬‬
‫وهم يقولون ‪ :‬نحن إسماعيلية لنا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا السم ‪ ..‬ثم أصحاب الدعوة الجديدة تنكبوا‬
‫هذه الطريقة ‪ ،‬حين أظهر الحسن بن الصباح دعوته وقصر عن اللزامات كلمته واستظهر بالرجال‬
‫وتحصن بالقلع ‪ .‬وكان بدؤ صعوده إلى قلعة الموت في شعبان سنة ثلث وثمانين وأربعمائة ‪ ،‬وذلك‬
‫بعد أن هاجر إلى بلد إمامه ‪ ،‬وتلقى منه كيفية الدعوة لبناء زمانه ‪ .‬فعاد ودعا الناس أول دعوة إلى‬
‫تعيين إمام صادق قائم في كل زمان ‪ ،‬وتمييز الفرقة الناجية من سائر الفرق بهذه النكتة ‪ ،‬وهو أن لهم‬
‫إماماً وليس لغيرهم إمام " ‪. 1‬‬

‫الـقـرامـطـة‬
‫وتفرعت على السماعيلية فرق عديدة ‪ ،‬والمشهور منها ‪:‬‬
‫القرامطة المنسوبون إلى حمدان الشعث المعروف بقرمط لقصر قامته ورجليه وتقارب خطوه ‪ ،‬في سنة‬
‫أربع وستين ومائتين ‪264‬هـ ‪ .‬وكان ظهوره بسواد الكوفة ‪ ،‬فاشتهر مذهبه بالعراق ‪ ،‬وقام ببلد الشام‬
‫صاحب الحال ‪ ،‬والمدثرالمطوق ‪ .‬وقام أبو سعيد الجنابي بالبحرين ‪ ،‬وعظمت دولته ودولة بنيـه ‪ ،‬حتى‬
‫أوقعـوا بعـساكر الخلفاء العـباسيين ‪ ،‬وغزوا بغـداد والشام ومصر والحجاز ‪ ،‬وانتشرت دعاتهم بأقطار‬
‫الرض ‪.‬‬

‫‪ 1‬الملل والنحل ج ‪ 2‬ص ‪.33،32‬‬

‫‪172‬‬
‫فدخل جماعة من الناس في دعوتهم ‪ ،‬ومالوا إلى قـولهم الذي سموه علم الباطن ‪ ،‬وهو تأويل شرائع‬
‫السلم ‪ ،‬وصرفها عن ظواهرها إلى أمور زعموها من عند أنفسهم ‪ ،‬فضلوا وأضلوا عالمًا كثيرا ‪.‬‬
‫وقيل غير ذلك في تاريخ ظهور حمدان هذا في تسمية بقرمط ‪ ،‬يقول الوطواط " ظهر في أيام خلفة‬
‫المعتمد سنة ‪278‬هـ من سواد الكوفة ‪ ،‬رجل أحمر العينين يسمى كرميته ‪ ،‬فاستـثـقـلوا هذه اللفظة ‪،‬‬
‫فخـفـفوها وقالوا قرمط ‪ .‬ثم ذكر أنواع تعاليمه وبدعـه الفاسدة ‪ ،‬وذكر أن المـعـز الفاطمي وقائده‬
‫جوهـر ‪ ،‬قـد حاربا الـقرامطة حروباً دامية سنة ‪362‬هـ " ‪.‬‬

‫ويقول إبن خلكان ‪ " :‬والقرامطة نسبتهم إلى رجل من سواد الكوفة ‪ ،‬يقال له قِـرمط بكسر القاف ‪ ،‬ولهم‬
‫مذهب مذموم ‪ ،‬وكانوا قـد ظهروا في سنة ‪281‬هـ في خلفة المعـتضد ‪ ،‬وقيل كان ظهورهم في سنة‬
‫‪278‬هـ " ‪.‬‬

‫ويرى أبو الفداء " أن ظهورهم كان في هذه السنة أي سنة ‪278‬هـ في سواد الكوفة ‪ ،‬و أن الرجل الذي‬
‫دعاهم إلى مذهبه كان شيخاً و قد تمرض بقرية من سواد الكوفة ‪ ،‬فحمله رجل من أهل القرية يقال له‬
‫كرميته لحمرة عينيه و هو بالنبطية إسم لحمرة العين ‪ .‬فلما تعافى الشيخ المذكور سمي بإسم ذلك الرجل‬
‫الذي آواه ومرضه ‪ .‬ثم ُخفـف فقالوا قِـرمط ‪ .‬ودعا قوماً من أهل البادية ممن ليس لهم دين ول عقل إلى‬
‫دينه ‪ ،‬فأجابوه " ‪.‬‬

‫وليهمنا أكان الرجل الذي دعا القرامطة هو نفس الرجل المسمى بقرمط أو غيره ‪ ،‬و لكنه سمي بإسم‬
‫قرمط ‪ ،‬و إنما يهمنا أن نعرف تاريخ ظهورهم في أي سنة كان ‪ ،‬لنعرف أكان في زمن الئمة من أهل‬
‫البيت أم ل ‪ .‬و قد رأيت إختلف الروايات في تحديد زمان ظهورهم ‪ .‬والرجح أنه كان في سنة ‪278‬هـ‬
‫‪ ،‬أي بعد انقضاء زمن الئمة الميامين ‪ ،‬وفي أثناء الغـيبة الصغرى للمام الثاني عشر " ‪. 1‬‬

‫وقد ذكرهم الشعري بقوله ‪:‬‬


‫" القرامطة يزعمون أن النبي صلى ال عليه وسلم نص على علي بن أبي طالب ‪ ،‬و أن علياً نص على‬
‫إمامة إبنه الحسن ‪ ،‬و أن الحسن بن علي نص على إمامة أخيه الحسين بن علي ‪ ،‬و أن الحسين بن علي‬
‫نص على إمامة إبنه علي بن الحسين ‪ ،‬و أن علي بن الحسين نص على إمامة إبنه محمد بن علي ‪ ،‬و‬
‫نص محمد بن علي على إمامة إبنه جعفر ‪ ،‬و نص جعفر على إمامه إبنه محمد بن إسماعيل ‪ ،‬و زعموا‬
‫أن محمد بن إسماعيل حي إلى اليوم لم يمت ‪ ،‬و ل يموت حتى يملك الرض ‪ ،‬و أنه هو المهدي الذي‬
‫تقدمت البشارة به ‪ ،‬و احتجت في ذلك بأخبار رووها عن أسلفهم ‪ ،‬يخبرون فيها أن سابع الئمة قائمهم‬
‫"‪. 2‬‬

‫كما ذكرهم الخرون ‪:‬‬


‫ومنهم المباركية و غيرها ‪ ،‬و الموجود المشهور منها فرق ثلثة ‪:‬‬
‫الغاخانية أو النزارية أتباع آغاخان ‪ ،‬و البهرة أو المستعلية و السليمانية ‪.‬‬

‫ولكل واحدة منها عقائد و آراء متفقة في بعضها ومختلفة في البعض الخرى منها ‪ ،‬ولنا فيهم في جميع‬
‫فرقهم و عقائدهم ‪ ،‬آرائهم و أفكارهم و السس التي قامت عليها معتقادتهم ‪ ،‬و في تاريخهم و في بداية‬
‫أمرهم ‪ ،‬كلم مستقل طويل ناقشنا فيه آراء المستشرقين و الكتاب المصريين و السماعيليين ‪ ،‬السوريين‬
‫منهم و الهنديين ‪ ،‬و فندنا بعض الراء التي ابتنوها عن هؤلء القوم و أثبتنا أخطاءهم الفاحشة ‪،‬‬
‫التاريخية منها والعقائدية ‪ .‬كما أوردنا في بحثنا ذاك معلومات جديدة حقيقية عن معتقدات القوم الصلية‬
‫من كتبهم العـتيقة القديمة ‪ ،‬المخطوطة منها و المطبوعة ‪ .‬و أثبتنا فيه جهالت كثيرة للسماء الكبيرة و‬

‫‪1‬‬
‫الشيعة في التاريخ ص ‪. 234 -231‬‬
‫‪2‬‬
‫مقالت السلميين ج ‪ 1‬ص ‪98‬‬

‫‪173‬‬
‫للشخاص المشهورة المعروفة ‪ ،‬و حتى من يتربع على زعامة السماعيلية ويدعي أنه من أكابرها ‪ ،‬و‬
‫هذا في كتاب مستقل ‪. 1‬‬
‫ولجل ذلك تجنبنا إطالة القول في كتابنا هذا عنهم و عن عقائدهم ‪ ،‬و اكتفينا بنقل القوال و سرد‬
‫العبارات عمن كتب في الفرق من الشيعة و السنة ‪ ،‬كيل نخرج عن أصل الموضوع و ل يطول بنا‬
‫الحديث ‪.‬‬

‫الــدروز‬

‫ومن الفرق التي تفرعت وخرجت من السماعيلية ومنها أخذت أفكارها وعقائدها طائفة الدروز ‪.‬‬
‫وكانت نشأتها أيام الحاكم بأمر ال الفاطمي الذي تولى ملك مصر بعد وفاة أبيه سنة ‪386‬هـ وكان عمره‬
‫آنذاك أحد عشر عاماً ‪ ،‬واستقل به سنة ‪390‬هـ بعد قتل أحد الوصياء عليه ‪. 2‬‬
‫فاستغل صغر عمره وطموحه وشذوذه في المأكل والمشرب والسكن والقيام والهالة المقدسة التي كانت‬
‫تحيطه بعض دعاة السماعيلية الملحدة مرسلوا الفرس والمجوس ‪ ،‬فأحاطوا به ‪ ،‬وزيّـنوا له فكرة‬
‫ألوهيته وربوبيته ‪ .‬وكان من أبرزهم حمزة بن علي أحمد الزوزني ‪ ،‬ومحمد بن إسماعيل الدرزي ‪،‬‬
‫والحسن بن حيدرة الفرغاني ‪ ،‬وغيـرهم المشهور بالخرم أو الجدع ‪. 3‬‬
‫فذهبوا شأوًا بعيداً في النحراف والنحلل ‪.‬‬

‫ويقول المؤرخون ‪ :‬إن بداية الدعوة إلى ألوهية الحاكم كانت سنة ‪408‬هـ ‪. 4‬‬

‫ومن أهم عقائدهم ‪ ،‬ألوهية الحاكم كما ورد في مصحف الدروز ميثاق للدرزيين أن يقولوا ‪:‬‬

‫" آمنت بال ‪ ،‬ربي الحاكم ‪ ،‬العلي العلى ‪ ،‬رب المشرقين ‪ ،‬ورب المغربين ‪ ،‬وإله الصلين والفرعين ‪،‬‬
‫منشئ الناطق والساس ‪ ،‬مظهر الصورة الكاملة بنوره ‪ ،‬الذي على العرش استوى ‪ ،‬وهو بالفق العلى‬
‫‪ ،‬ثم دنا فتدلى ‪ ،‬وآمنت به ‪ ،‬وهو رب الرجعى ‪ ،‬وله الولى والخرة ‪ ،‬وهو الظاهر والباطن ‪.‬‬
‫وآمنت بأولى العزم من الرسل ‪ ،‬ذوي مشارق التجلي المبارك حولها وبحاملي العرش الثمانية ‪ ،‬وبجميع‬
‫الحدود ‪ ،‬وأؤمن عاملً قائماً بكل أمر ومنع ينزل من لدن مولنا الحاكم ‪ ،‬وقد سلمت نفسي وذاتي وذواتي‬
‫‪ ،‬ظاهراً وباطناً ‪ ،‬علماً وعملً ‪ ،‬وأن أجاهد في سبيل مولنا سراً وجهراً بنفسي ومالي وولدي وما ملكت‬
‫يميني ‪ ،‬قولً وعملً ‪ ،‬وأشهدت على هذا القرار جميع ما خلق بمشارقي ومات بمغاربي ‪.‬‬
‫وقد التزمت وأوجبت على هذا نفسي وروحي بصحة من عقلي وعقيدتي ‪ ،‬وإني أقـّر بهذا غير مكره أو‬
‫منافق ‪ ،‬وإنني أشهد مولي الحق الحاكم ‪ ،‬من هو في السماء إله وفي الرض إله ‪ ،‬وأشهد مولي هادي‬
‫المستجيبين ‪ ،‬المنتقم من المشركين المرتدين ‪ ،‬حمزة بن علي بن أحمد ‪ ،‬من به أشرقت الشمس الزلية ‪،‬‬
‫ونطقت فيه وله سحب الفضل ‪ :‬أنني قد برئت وخرجت من جميع الديان والمذاهب والمقالت‬
‫والعتقادات قديمها وحديثها ‪ ،‬وآمنت بما أمر به مولنا الحاكم الذي ل أشرك في عبادته أحداً في جميع‬
‫أدواري "‪. 5‬‬

‫ومن عقائدهم ‪ :‬التناسخ والحلول ‪:‬‬

‫‪ 1‬وسيصدر هذا الكتاب عما قريب إن شاء ال بعد صدور هذا الكتاب ‪ ،‬و كنا ننوي اصداره قبل هذا حيث كنا قد جمعنا كل شئ عن السماعيلية و‬
‫لكننا تأخرنا بعدما سمعنا بوجود بعض المخطوطات الخرى التي لم نحصل عليها حتى الن ‪ ،‬فأردنا أن ل ينقصنا شئ من ذلك ‪ ،‬ويكون البحث‬
‫ل شاملً و جامعًا مانعاً قدر الستطاعة و ما ذلك على ال بعزيز ‪.‬‬
‫كام ً‬
‫وإننا لنرى بأن هذا الكتاب سيثير ضجة كبرى في الوساط العلمية العالمية حيث اكتشفنا فيه بعض الحقائق المستورة التي لم يهتد إليها من اشتهر‬
‫وعرف في العالم بتخصصه من المستشرقين و المصريين ‪ ،‬و حتى من السماعيلية أنفسهم ‪ ،‬كما كشفنا فيه النقاب عن بعض البديهيات التي خفيت‬
‫على هؤلء الفئة من الناس فهناك وفيه الملتقى إن شاء ال في التفصيل ‪.‬‬
‫‪ 2‬أنظر سمط النجوم العوالي ج ‪2‬ص ‪.414‬‬
‫‪ 3‬أنظر طائفة الدروز لمحمد كامل حسين ص ‪.75‬‬
‫‪ 4‬أضواء على العقيدة الدرزية لحمد فوزان ‪ ،‬طائفة الدروز لمحمد كامل حسين ‪.‬‬
‫‪ 5‬مصحف الدروز ‪ :‬عرف العهد والميثاق ص ‪. 108، 107‬‬

‫‪174‬‬
‫كلما مات إنسان إنتقلت روحه لمولود جديد ‪. 1‬‬

‫كما أن من أهم عقائدهم الغيبة والرجعة ‪ ،‬ويقولون بأن الحاكم بأمر ال غاب عن البصار ‪ ،‬وسيرجع في‬
‫آخر الزمان وسيحل عند الركن اليماني من الكعبة ‪.‬‬
‫وغيره من العقائد المشتركة بينهم وبين الشيعة ‪.‬‬

‫ولقد ذكرهم شيخ السلم إبن تيمية ‪ ،‬هؤلء والنصيـرية ‪ ،‬في جواب سائل سأله ‪:‬‬
‫" الدرزية هم أتباع هشتكين الدرزي ‪ ،‬وكان من موالي الحاكم ‪ ،‬أرسله إلى أهل وادي تيم ال بن ثعلبة ‪،‬‬
‫فدعاهم إلى إلهية الحاكم ‪ .‬ويسمونه البـاري ‪ ،‬العلم ‪ ،‬ويحلفون به ‪ .‬وهم من السماعيلية القائلين بأن‬
‫محمد بن إسماعيل نسخ شريعة محمد بن عبدال ‪ .‬وهم أعظم كفراً من الغالية ‪ .‬يقولون بقدم العالم ‪،‬‬
‫وإنكار المعاد ‪ ،‬وإنكار واجبات السلم ومحرماته ‪ .‬وهم من القرامطة الباطنية الذين هم أكفر من اليهود‬
‫والنصارى ومشركي العرب ‪ .‬وغايتهم أن يكونوا فلسفة على مذهب أرسطو وأمثاله ‪ ،‬أو مجوسا‪.‬‬
‫وقولهم مركب من قول الفلسفة والمجوس ‪ ،‬ويظهرون التشيع نفاقاً ‪ .‬وال أعلم " ‪.‬‬

‫فقال شيخ السلم رداً عليه ‪:‬‬


‫" كفر هؤلء مما ل يختلف فيه المسلمون ‪ ،‬بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم ‪ .‬ل هم بمنزلة أهل‬
‫الكتاب ول المشركين ‪ .‬بل هم الكفرة الضالون ‪ ،‬فل يُباح أكل طعامهم ‪ ،‬وُتسبى نساؤهم ‪ ،‬وُتؤخذ أموالهم‬
‫‪ .‬فإنهم زنادقة مرتدين ل ُتقبل توبتهم ‪ ،‬بل ُيقتلون أينما ُثقـفوا ‪ ،‬وُيلعنون كما وصفوا ‪ ،‬ول يجوز‬
‫استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ ‪ ،‬ويجب قتل علمائهم وصلحائهم ‪ ،‬لئل يضلوا غيرهم ‪ .‬وُيحرم‬
‫النوم معهم في بيوتهم ‪ ،‬ورفقتهم ‪ ،‬والمشي معهم ‪ ،‬وتشييع جنائزهم إذا علم موتها ‪ .‬ويحرم على ولة‬
‫أمور المسلمين إضاعة ما أمر ال من إقامة الحدود عليهم بأي شيئ يراه المقيم المقام عليه " ‪. 2‬‬

‫فهذه هي الفرق التي افترقت وحدثت ونشأت بعد موت جعفر بن الباقر ‪ ،‬وتفرقت آراؤهم ‪ ،‬واختلفت‬
‫أقوالهم مع اتفاقهم على توارث الفكار السبئية ‪.‬‬

‫فـرق الشيـعة أيام موسى الكاظـم‬

‫ثم الذين قالوا بإمامة موسى بن جعفر أيضاً تفرقوا إلى فرق عديدة في حياته وبعد مماته ‪ .‬كما ذكر‬
‫النوبختي الشيعي ‪:‬‬
‫" ثم إن جماعة من المؤتمين بموسى بن جعفر لم يختلفوا في أمره ‪ ،‬فثبتوا على إمامته إلى حبسه في‬
‫المرة الثانية ‪ ،‬ثم اختلفوا في أمره ‪ ،‬فشكوا في إمامته عند حبسه في المرة الثانية التي مات فيها في حبس‬
‫‪3‬‬
‫الرشيد ‪ ،‬فصاروا خمس فرق "‬
‫وذلك في سنة ثلث و ثمانين ومائة ‪.‬‬

‫فالفرقة الولى قالت ‪:‬‬


‫أنه مات في حبس السندى بن شاهك ‪ ،‬وأن يحيى بن خالد البرمكي سمّـه في رطب وعنب بعثهما إليه‬
‫فقتله ‪ .‬وأن المام بعد موسى ‪ ،‬علي بن موسى الرضا ‪ ،‬فسميت هذه الفرقة القطعـية ‪ ،‬لنها قطعت على‬
‫وفاة موسى بن جعفر وعلى إمامة عليّ إبنه بعده ‪ ،‬ولم تشك في أمرها ول ارتابت ومضت على المنهاج‬
‫الول ‪.‬‬

‫وقالت الفرقة الثانية ‪:‬‬

‫‪ 1‬الدروز والثورة السورية لكريم ثاقب ص ‪.34‬‬


‫‪ 2‬فتاوي شيخ السلم ج ‪ 35‬ص ‪.162،161‬‬
‫‪ 3‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪. 100‬‬

‫‪175‬‬
‫أن موسى بن جعفر لم يمت ‪ ،‬وأنه حي ول يموت حتى يملك شرق الرض وغربها ويملها كلها عد ً‬
‫ل‬
‫كما ملئت جوراً ‪ ،‬وأنه القائم المهدي ‪ .‬وزعموا أنه خرج من الحبس ‪ ،‬ولم يره أحد نهاراً ولم يعلم به ‪.‬‬
‫وأن السلطان وأصحابه إدعوا موته وموّهوا على الناس وكذبوا ‪ ،‬وأنه غاب عن الناس واختفى ‪ .‬ورووا‬
‫في ذلك روايات عن أبيه جعفر بن محمد عليهما السلم أنه قال ‪" :‬هو القائم المخبأ ‪ ،‬فإن يدهده رأسه‬
‫عليكم من جبل فل تصدقوا ‪ ،‬فإنه القائم " ‪. 1‬‬
‫وسُميت هذه الفرقة بالموسوية لنتظارها موسى بن جعفر" ‪. 2‬‬
‫كما تـُسمى المـفضلية ‪ :‬لنهم نسبوا إلى رئيس لهم ُيقال له المفـضل بن عمر ‪ ،‬وكان ذا قدر فيهم‪. 3‬‬
‫وُيقال لهم الممطورة ‪ :‬لنهم لما أظهروا هذه المقالة ‪ ،‬قال لهم قوم ‪ :‬وال ما أنتم إل كلب ممطورة ‪،‬‬
‫يعني أنهم من الكلب المبتلة بالمطر ‪ ،‬من غاية ركاكة هذه المقالة ‪. 4‬‬
‫ولن الناس يطردونهم ويتحرزون منهم ‪. 5‬‬

‫وقد ذكرهم إين حزم في الفصل ‪. 6‬‬

‫والفرقة الثانية قالت ‪:‬‬


‫" أنه القائم وقد مات ‪ ،‬ول تكون المامة لغيره حتى يرجع فيقوم ويظهر ‪ ،‬وزعموا أنه قد رجع بعد‬
‫موته ‪ ،‬إل أنه مختف في موضع من المواضع حي يأمر وينهى ‪ ،‬وأن أصحابه يلقونه ويرونه ‪ .‬واعتلوا‬
‫في ذلك بروايات عن أبيه أنه قال ‪ :‬سُمي القائم لنه يقوم بعد ما يموت "‪. 7‬‬

‫والفرقة الثالثة قالت ‪:‬‬


‫" أنه مات وأنه القائم ‪ ،‬وأن فيه شبهاً من عيسى بن مريم صلى ال عليه ‪ ،‬وأنه لم يرجع ولكنه يرجع في‬
‫ل كما ملئت جورا‪ ،‬وأن أباه قال ‪ :‬إن فيه شبهاً من عيسى بن مريم ‪ ،‬وأنه‬
‫وقت قيامه ‪ ،‬فيمل الرض عد ً‬
‫‪8‬‬
‫يُـقتل في يدي ولد العباس ‪ ،‬فقد قـتل " ‪.‬‬

‫والرابعة قالت ‪:‬‬


‫"ل ندري أهو حي أم ميّت ‪،‬لنا قد روينا فيه أخبارًا كثيرة تدل على أنه القائم المهدي ‪ ،‬فل يجوز‬
‫تكذيبها ‪ ،‬وقد ورد علينا من خبر وفاة أبيه وجده والماضين من آبائه عليهم السلم في معنى صحة الخبر‬
‫‪ .‬فهذا أيضاً مما ل يجوز ردّه وإنكاره لوضوحه وشهرته وتواتره من حيث ل يكذب مثله‪ ،‬ول يجوز‬
‫التواطؤ عليه ‪ ،‬والموت حق وال عز وجلّ يفعل ما يشاء ‪ ،‬فوقفنا عند ذلك على إطلق موته وعلى‬
‫القرار بحياته ‪ ،‬ونحن مقيمون على إمامته ل نتجاوزها ‪ ،‬حتى يصح لنا أمره وأمر هذا الذي نصب‬
‫نفسه مكانه وادعى المامه ‪ -‬يعنون علي بن موسى الرضا ‪ -‬فإن صحت لنا إمامته كإمامة أبيه من قبله‬
‫بالدللت والعلمات الموجبة للمامة بالقرار منه على نفسه بإمامته وموت أبيه ‪ ،‬ل بأخبار أصحابه‬
‫سلمنا له ذلك وصدقناه "‪. 9‬‬

‫‪ 1‬أيضاً ص ‪.101‬‬
‫‪ 2‬الفرق بين الفرق ص ‪. 63‬‬
‫‪ 3‬مقالت السلميين للشعري ج ‪1‬ص ‪.101‬‬
‫‪ 4‬إعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ‪. 54‬‬
‫‪ 5‬التبصيرص ‪. 41‬‬
‫‪ 6‬ج ‪ 4‬ص ‪.179‬‬
‫‪ 7‬فرق الشيعة ص ‪. 101‬‬
‫‪ 8‬أيضاً ص ‪.102‬‬
‫‪ 9‬أيضاً ص ‪.104 ،103‬‬

‫‪176‬‬
‫‪2‬‬
‫ومثل ذلك ذكر الرازي في اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ‪ . 1‬والشعري في مقالت السلميين‬
‫والملطي في التنبـيه ‪ 3‬والسفرائيني في التبـصير‪ 4‬والبغدادي في الفرق بين الفرق ‪ 5‬والمفيـد في الرشاد‬
‫‪ 6‬والشهرستاني في الملل والنحـل ‪. 7‬‬

‫وكانت هناك فرقة أخرى سادسة وهي ‪ :‬البشريـة ‪ ،‬ذكرها النوبختي بقوله ‪:‬‬
‫( البشرية ) أصحاب محمد بن بشير مولى بني أسد من أهل الكوفة ‪ ،‬قالت ‪:‬‬
‫" إن موسى بن جعفر لم يمت ولم يحبس‪ ،‬وإنه حي غائب ‪ ،‬وإنه القائم المهدي ‪ ،‬في وقت غيبته‬
‫استخلف على المر محمد بن بشير ‪ ،‬وجعله وصيـه ‪ ،‬وأعطاه خاتمه ‪ ،‬وعلمه جميع ما يحتاج إليه رعيته‬
‫‪ ،‬وفوّض إليه أموره ‪ ،‬وأقامه مقام نفسه ‪ .‬فمحمد بن بشير المام بعده ‪ ،‬وأن محمد بن بشير لما توفي‬
‫أوصى إلى ابنه سميع بن محمد بن بشير فهو المام ‪ ،‬ومن أوصى إليه ( سميع ) فهو المام المفترض‬
‫الطاعة على المة إلى وقت خروج موسى وظهوره ‪ ،‬فما يلزم الناس من حقوقه في أموالهم وغير ذلك‬
‫مما يتقربون به إلى ال عز وجلّ ‪ ،‬فالفرض عليهم أداؤه إلى هؤلء إلى قيام القائم ‪ .‬وزعموا أن علي بن‬
‫موسى ‪ ،‬ومن ادعى المامة من ولد موسى بعده فغير طيب الولده ‪ ،‬ونفوهم عن أنسابهم ‪ ،‬وكفروهم‬
‫في دعواهم المامة ‪ ،‬وكـفروا القائلـين بإمامتهم ‪ ،‬واستحلوا دماءهم وأموالهم ‪ ،‬وزعموا أن الفرض من‬
‫ال عليهم ‪ ،‬إقامة الصلوات الخمس ‪ ،‬وصوم شهر رمضان ‪ .‬وأنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض ‪.‬‬
‫وقالوا بإباحة المحارم من الفروج والغلمان ‪.‬واعتلوا في ذلك بقول ال عـز وجل " أو يزوجهم ذكراناً‬
‫وإناثـاً ( ‪ )50 -42‬وقالوا بالتناسخ ‪ ،‬وأن الئمة عندهم واحد ‪ ،‬إنما هم منتقلون من بدن إلى بدن ‪.‬‬
‫والمساواة بينهم واجبة في كل ما ملكوه من مال ‪ ،‬وكل شيئ أوصى به رجل منهم في سبيل ال فهو‬
‫لسميع بن محمد وأوصيائه من بعده "‪. 8‬‬
‫ولقد ذكر محمد بن بشير هذا ‪ ،‬الكشي في رجاله ‪ ،‬بقوله ‪:‬‬
‫" أن محمد بشير لما مضى أبو الحسن (ع ) ووقف عليه الواقفة ‪ ،‬جاء محمد بن بشير‪ -‬وكان صاحب‬
‫شعبذة ومخارق معروفًا بذلك – فادعى أنه يقول بالوقف على موسى بن جعفر(ع) هو كان ظاهراً بين‬
‫الخلق يرونه جميعاً ‪ ،‬يتراءى لهل النور بالنور ‪ ،‬ولهل الكدرة في مثل خلقهم بالنسانية والبشرية‬
‫اللحمانية ‪ .‬ثم حجب الخلق جميعاً عن إدراكه ‪ ،‬وهو قائم فيهم موجود كما كان ‪ ،‬غير أنهم محجوبون عن‬
‫إدراكه كالذي كانوا يدركونه ‪.‬‬
‫وكان محمد بن بشير هذا من أهل الكوفة ‪ ،‬من موالي بني أسد وله أصحاب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬أن موسى بن‬
‫جعفر لم يمت ولم يُحبس ‪ ،‬وأنه غاب واستتر ‪ ،‬وهو القائم المهدي ‪ ،‬وأنه في وقت غيبته استخلف على‬
‫المة محمد بن بشير ‪ ،‬وجعله وصيه ‪ ،‬وأعطاه خاتمه‪ ،‬وعلمه جميع ما تحتاج إليه رعيته في أمر دينهم‬
‫ودنياهم ‪ ،‬وفوض إليه جميع أمره وأقامه مقام نفسه ‪ ،‬فمحمد بن بشيرالمام بعده ‪ ...‬وكفروا القائلين‬
‫بإمامتهم واستحلوا دماءهم وأموالهم ‪ ....‬وزعموا أن كل من انتسب إلي محمد فهم ثبوت وطروق ‪ ،‬وأن‬
‫محمداً هو رب حل في كل من انتسب إليه ‪ ،‬وأنه لم يلد ولم يولد ‪ ،‬وأنه محتجب في هذه الحجب ‪.‬‬
‫وزعمت هذه الفرقة والمخسمة والعلياوية وأصحاب أبي الخطاب ‪ ،‬أن كل من انتسب إلى أنه من آل‬
‫محمد فهو مبطل في نسبته ‪ ،‬مفتر على ال كاذب ‪ .‬وأنهم الذين قال ال تعالى فيهم أنهم يهود ونصارى‬
‫شرٌ مِ ّمنْ َخلَقَ } "‬
‫حبّاؤُهُ قُلْ َفلِمَ يُ َع ّذبُكُمْ بِ ُذنُوبِكُمْ بَلْ َأ ْنتُمْ َب َ‬
‫حنُ َأ ْبنَاءُ الِّ َوأَ ِ‬‫في قوله ‪ { :‬وَقَا َلتِ ا ْليَهُودُ وَال ّنصَارَى نَ ْ‬
‫محمد " في مذهب الخطابية ‪ ،‬و" علي " في مذهب العلياوية فهم ممن خلق ‪.‬‬
‫هؤلء كاذبون فيما ادعوا ‪ ،‬إذ كان محمد عندهم وعلي هو رب ل يلد ول يولد ول يُستولد ‪ ،‬تعالى ال‬
‫عما يصفون وعما يقولون علوًا كبيرا ‪.‬‬

‫‪ 1‬ص ‪.54‬‬
‫‪ 2‬ج ‪ 1‬ص ‪. 88‬‬
‫‪ 3‬ص ‪.38‬‬
‫‪ 4‬ص ‪.42‬‬
‫‪ 5‬ص ‪.63‬‬
‫‪ 6‬ص ‪.302‬‬
‫‪ 7‬ج ‪ 2‬ص ‪ . 4،3‬الهامش‬
‫‪ 8‬فرق الشيعة ص ‪.105،104‬‬

‫‪177‬‬
‫وكان سبب مقتل محمد بن بشير لعنه ال لنه كان معه شعبذة ومخاريق ‪ ،‬فكان يظهر الواقفة أنه ممن‬
‫وقف على علي بن موسى (ع) ‪ ،‬وكان يقول في موسى بالربوبية ‪ ،‬ويدعي لنفسه أنه نبي ‪ .‬وكان عنده‬
‫صورة قد عملها وأقامها شخصاً كأنه صورة أبي الحسن (ع) من ثياب حرير ‪ ،‬وقد طلها بالدوية ‪،‬‬
‫وعالجها بحيل عملها فيها ‪ ،‬حتى صارت شبه صورة إنسان ‪ .‬وكان يطويها‪ ،‬فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها‬
‫فأقامها ‪ .‬فكان يقول لصحابه ‪ :‬إن أبا الحسن (ع) عندي ‪ ،‬فإن أحببتم أن تروه وتعلموا أني نبي ‪ ،‬فهلموا‬
‫أعرضه عليكم ‪ .‬وكان يدخلهم البيت والصورة المطوية معه ‪ ،‬فيقول لهم ‪ :‬هل ترون في البيت مقيماً أو‬
‫ترون غيري وغيركم ؟ فيقول ‪ :‬فاخرجوا ‪،‬فيخرجون من البيت ‪ ،‬فيصير هو وراء الستر بينه وبينهم ‪ ،‬ثم‬
‫يقدم تلك الصورة ‪ ،‬ثم يرفع تلك الستر بينهم وبينه ‪ ،‬فينظرون إلى صورة قائمة وشخص كأنه شخص‬
‫أبي الحسن ‪ ،‬ل ينكرون منه شيئاً ‪ ،‬و يقف هو معه بالقرب فيريهم من طريق الشعبذة أنه يكلمه ويناجيه‬
‫ويدنو منه كأنه يساره ‪ ،‬ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون ‪ ،‬ويسبل الستر بينه وبينهم فل يرون شيئا‪.‬‬
‫وكانت معه أشياء عجيبة من صنوف الشعبذة ما لم يروا مثلها ‪ ،‬فهلكوا بها ‪.‬‬
‫فكانت هذه حاله مدة ‪ ،‬حتى ُرفع خبره إلى بعض الخلفاء ‪ -‬أحسبه هارون أو غيره ممن كان بعده من‬
‫الخلفاء ‪ -‬أنه زنديق ‪ ،‬فأخذه وأراد ضرب عنقه ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬استبقني ‪ ،‬فإني أتخذ لك‬
‫أشياء يرغب الملوك فيها ‪ ،‬فأطلقه ‪ ،‬فكان أول ما اتخذ له الدوالي ‪ ،‬فإنه عمد إلى الدوالي فسواها وعلقها‬
‫وجعل الزيبق بين تلك اللواح ‪ ،‬فكانت الدوالي تمتلئ من الماء وتملي اللواح ‪ ،‬وينقلب الزيبق من تلك‬
‫اللواح فيتسع الدوالي لذلك ‪ ،‬فكانت تعمل من غير مستعمل لها ‪ ،‬وتصب الماء في البستان ‪ ،‬فأعجبه ذلك‬
‫مع أشياء عملها ‪ ،‬يضاهي ال بها في خلقه الجنة ‪ ،‬فقواه وجعل له مرتبة ‪ .‬ثم إنه يوماً من اليام ‪،‬‬
‫إنكسرت بعض تلك اللواح ‪ ،‬فخرج منها الزيبق ‪ ،‬فتعطلت فاستراب أمره ‪ ،‬وظهر عليه التـعطيل‬
‫والباحات "‪.1‬‬
‫هذا وقد إدعى المامة في عهده آخران من بني عمومته ‪ ،‬أحدهما حسين بن علي بن الحسن بن الحسن‬
‫المثنى بن الحسن بن علي ‪ .‬وأمه زينب بنت عبدال بن الحسن بن الحسن بن علي ‪ .‬فلقد إدعى المامة‬
‫أيام أبي موسى الهادي العباسي حفيد أبي جعفر المنصور ‪. 2‬‬
‫وبايعه على إمامته يحيى وسليمان وإدريس بنو عبدال بن الحسن بن الحسن ‪ ،‬وعبدال الحسن الفطس ‪،‬‬
‫وإبراهيم بن إسماعيل الطباطبا ‪ ،‬وعمر بن الحسن بن علي بن الحسن بن الحسين ‪ ،‬وعبدال بن إسحاق‬
‫بن إبراهيم بن الحسن الثاني المثنى ‪ ،‬وعبدال بن جعفر بن محمد ‪ ،‬وعبدال بن جعفر بن الباقر ‪ ،‬وعبدال‬
‫‪3‬‬
‫وعمر إبنا إسحاق بن الحسن بن علي زين العابدين ‪ ،‬وغيرهم‬
‫حتى قال الصفهاني ‪:‬‬
‫" ولم يتخلف عنه أحد من الطالبـيين إل الحسن بن جعفر بن حسن المثنى فإنه استعفاه ولم يكرهه ‪.‬‬
‫وموسى بن جعفر بن محمد ‪ -‬المام السابع المزعوم عند الشيعة ‪ -‬قال عنيزة القصباني ‪:‬‬
‫" رأيت موسى بن جعفر بعد عتمة ‪ ،‬وقد جاء إلى الحسين صاحب فخ ‪ ،‬فانكب عليه شبه الركوع ‪ ،‬وقال‬
‫‪ :‬أحب أن تجعلني في سعة و حل من تخلفي معك ‪ ،‬فأطرق الحسين طويلً ل يجيبه ‪ ،‬ثم رفع رأسه إليه ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬أنت في سعة " ‪. 4‬‬

‫وقد ذكر هذا الكليني في ( كافيه ) حيث قال ‪:‬‬


‫" حدثنا عبدال بن المفضل مولى عبدال بن جعفر بن أبي طالب قال ‪ :‬لما خرج الحسين بن علي المقتول‬
‫بفخ واحتوى على المدينة ‪ ،‬دعا موسى بن جعفر إلى البيعة ‪ ،‬فأتاه فقال له ‪ :‬ياابن عم ل تكلفني ما كلف‬
‫إبن عمك أبا عبدال ‪ ،‬فيخرج مني ما ل أريد ‪ ،‬كما خرج من أبي عبدال مالم يكن يريد ‪ ،‬فقال له الحسين‬
‫‪ :‬إنما عرضت عليك أمراً فإن أردته دخلت فيه ‪ ،‬وإن كرهته لم أحملك عليه وال المستعان "‪. 5‬‬

‫‪ 1‬رجال الكشي ص ‪.407،406،405‬‬


‫‪ 2‬أنظر مروج الذهب والطبري وابن كثير وغيرها من الكتب ‪.‬‬
‫‪ 3‬أنظر مقاتل الطالبيين للصفهاني الشيعي ص ‪. 456،446‬‬
‫‪ 4‬أيضاً ص ‪. 447‬‬
‫‪ 5‬الصول من الكافي ج ‪ 1‬ص ‪.366‬‬

‫‪178‬‬
‫والثاني الذي ادعى المامة أيامه ‪ ،‬يحيى بن عبدال بن الحسن المثنى ‪ .‬و قد ذكره الكليني أيضاً حيث قال‬
‫‪:‬‬
‫" كتب إلى موسى بن جعفر يدعوه ‪ :‬خبرني من ورد عليّ من أعوان ال على دينه ونشر طاعته بما‬
‫كان من تحننك مع خذلنك ‪ ..‬وقد احتجبتها واحتجبها أبوك من قبلك ‪ ،‬وقديماً ادعيتم ماليس لكم ‪ ،‬و‬
‫بسطتم أعمالكم إلى ما لم يؤتكم ال ‪ ،‬فاستهويتم و أضللتم ‪ ،‬وأنا محذرك ماحذرك ال من نفسه ‪ .‬فكتب‬
‫إليه أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلم ‪ :‬من موسى بن جعفر ‪ ...‬ذكرت أني ثبطت الناس عنك‬
‫لرغبتي عما في يديك ‪ ...‬و أحذرك معصية الخليفة ‪ 1‬و أحثك على بره و طاعته ‪ ،‬و أن تطلب لنفسك‬
‫أماناً قبل أن تأخذك الظفار ويلزمك الخناق من كل مكان ‪ ،‬فتروّح إلى النفس من كل مكان و ل تجده ‪،‬‬
‫حتى يمن ال عليك بمنه وفضله ورقة الخليفة أبقاه ال ‪ ،‬فيؤمّنك ويرحمك ‪ ،‬و يحفظ فيك أرحام رسول‬
‫ال ‪ ،‬و السلم على من اتبع الهدى "‪. 2‬‬

‫فهذه هي الفرق الشيعية أيام موسى و بعده ‪ ،‬وهذه هي عقائدهم وأفكارهم المثبتة من كتب الشيعة و السنة‬
‫أيضاً ‪ ،‬و الذي قيل ‪:‬‬
‫" حمله الرشيد من المدينة و قد قدم إليها منصرفاً من العمرة ‪ .‬ثم شخص هارون للحج و حمله معه ‪ ،‬ثم‬
‫انصرف على طريق البصرة ‪ ،‬فحبسه عند السندي بن شاهك ‪ ،‬فتوفي في حبسه بغداد لخمس ليال بقين‬
‫‪3‬‬
‫من رجب سنة ثلث و ثمانين ومائة وهو ابن خمس أو أربع و خمسين سنة ‪ ،‬و دفن في مقابر قريش "‬
‫‪.‬‬

‫الشيعة أيام علي بن موسى الملقب بالرضا‬

‫وحصل الختلف في الشيعة الذين اجتمعوا حول علي بن موسى الرضا ختن المأمون على ابنته بعد‬
‫وفاته ‪.‬‬
‫ففرقة قالت بأن المام بعده أخوه أحمد بن موسى بن جعفر‪:‬‬
‫" أوصى إليه و إلى الرضا عليه السلم و أجازوها في أخوين ‪ .‬فهي المؤلفة ‪ ،‬فقطعوا على إمامة علي‬
‫بن موسى ‪.‬‬
‫وفرقة منهم تسمى المحدثة ‪ ،‬كانوا من أهل الرجاء و أصحاب الحديث ‪ ،‬فدخلوا في القوم بإمامة موسى‬
‫بن جعفر ‪ ،‬وبعده بإمامة علي بن موسى ‪ ،‬و صاروا شيعة رغبة في الدنيا و تصنعاً ‪ ،‬فلما توفي علي بن‬
‫موسى عليه السلم رجعوا إلى ما كانوا عليه ‪.‬‬
‫وفرقة كانت من الزيدية القوياء منهم و البصراء ‪ ،‬فدخلوا في إمامة علي بن موسى عليه السلم عندما‬
‫أظهر المأمون فضله و عقد بيعته تصنعًا للدنيا و استكانوا الناس بذلك دهراً ‪ ،‬فلما توفي علي بن موسى‬
‫‪4‬‬
‫عليه السلم رجعوا إلى قومهم من الزيدية "‬

‫وفرقة أخرى قالت ‪:‬‬


‫‪5‬‬
‫إن المامة بعد علي بن موسى عليه السلم لبنه محمد بن علي عليه السلم ‪ ،‬و لم يكن لغيره ‪.‬‬
‫وكانت هناك فرق أخرى غير هذه الفرق إتبعت فريقاً من الطالبيين الذين ادعوا المامة في أيام الرضا و‬
‫دعوا الناس إليهم ‪ ،‬فمنهم محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي‬
‫بن أبي طالب ‪ ،‬و هو المعروف بإبن طباطبا ‪.‬‬
‫ومحمد بن يحيى بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي ‪.‬‬

‫‪ 1‬أنظر إلى الصدق كيف يتطلع وحتى من الكذابين ‪ ،‬إمام معصوم للشيعة يمنع الناس عن معصية الخليفة العباسي و الخروج عليه ‪ ،‬فهل هناك شك‬
‫بأنه لم يكن أولد علي يدعون في أنفسهم ما ينسب إليهم هؤلء القوم ‪.‬‬
‫‪ 2‬الصول من الكافي ج ‪ 1‬ص ‪. 367‬‬
‫‪ 3‬فرق الشيعة ص ‪. 106 -105‬‬
‫‪ 4‬أيضاً ص ‪107‬‬
‫‪ 5‬أيضاً ص ‪106‬‬

‫‪179‬‬
‫ومحمد بن جعفر عم علي الرضا ‪.‬‬
‫وإبراهيم بن موسى بن جعفر أخو علي الرضا ‪.‬‬
‫و حسين بن الحسن بن علي بن علي زيد العابدين و غيرهم ‪.‬‬
‫وقد ذكرهم جميعاً و دعوتهم الناس إليهم و خروجهم على المأمون و تسلطهم على بعض المدن والمناطق‬
‫و معاركهم مع عساكر العباسيين من الشيعة ‪ ،‬الصفهاني في مقاتل الطالبيين ‪ ،1‬و المسعودي في كتابه‬
‫مروج الذهب ‪ .‬ولقد نقل عنه خروج هؤلء العلويين وادعاءهم المامة بإيجاز و اختصار ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫وفي سنة تسعة و تسعين ومائة خرج أبو السرايا السرى بن منصور الشيباني بالعراق ‪ ،‬و اشتد أمره ‪ ،‬و‬
‫معه محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي إبن أبي طالب ‪ ،‬و هو إبن‬
‫طباطبا ووثب بالمدينة محمد بن سليمان بن داود إبن الحسن بن الحسن بن علي رحمهم ال ‪ ،‬ووثب‬
‫بالبصرة علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي عليهم السلم ‪ ،‬وزيد بن موسى‬
‫بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ‪ ،‬فغلبوا على البصرة ‪.‬‬
‫وفي هذه السنة مات إبن طباطبا الذين كان يدعوا إليه أبو السرايا ‪ ،‬و أقام أبو السرايا مكانه محمد بن‬
‫محمد بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي ‪.‬‬
‫وظهر في هذه السنة باليمن ‪ -‬وهي سنة تسع و تسعين و مائة ‪ -‬إبراهيم إبن موسى بن جعفر بن محمد‬
‫بن علي بن الحسن بن علي ‪ ،‬و ظهر في أيام المأمون بمكة و نواحي الحجاز محمد بن جعفر بن محمد‬
‫بن علي بن الحسين رحمهم ال ‪ ،‬و ذلك في سنة مائتين ‪ ،‬و دعا لنفسه ‪ ،‬و إليه دعت السبطية من فرق‬
‫الشيعة ‪ ،‬و قالت بإمامته ‪ .‬و قد افترقوا فرقاً ‪ :‬فمنهم من غل و منهم من قصر و سلك طريق المامية ‪.‬‬
‫وقد ذكرنا في كتاب " المقالت في أصول الديانات " وفي كتاب " أخبار الزمان " من المم الماضية‬
‫والجيال الخالية والممالك الدائرة ‪ ،‬في الفن الثلثين من أخبار خلفاء بني العباس ومن ظهر في أيامهم‬
‫من الطالبيين ‪ ،‬و قيل ‪ :‬إن محمد بن جعفر هذا دعا في بدء أمره و عنفوان شبابه إلى محمد بن إبراهيم‬
‫بن طباطبا صاحب أبي السرايا ‪ ،‬فلما مات إبن طباطبا ‪ ،‬وهو محمد بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن دعا‬
‫لنفسه ‪ ،‬وتسمى بأمير المؤمنين ‪ ،‬وليس في آل محمد ممن ظهر لقامة الحق ممن سلف وخلف قبله وبعده‬
‫من تسمى بأمير المؤمنين غير محمد بن جعفر هذا ‪ ،‬وكان يُسمى بالديباجة ‪ ،‬لحسنه وبهائه ‪ ...‬وظهر‬
‫في أيام المأمون أيضاً بالمدينة ‪ ،‬الحسين بن الحسن إبن علي بن علي بن الحسين بن علي ‪ ،‬وهو‬
‫المعروف بإبن الفطس ‪ .‬وقيل ‪ :‬أنه دعا في بدء أمره إلى إبن طباطبا ‪ ،‬فلما مات إبن طباطبا ‪ ،‬دعا إلى‬
‫نفسه والقول بإمامته ‪ ،‬وسار إلى مكة ‪ ،‬فأتى الناس وهم بمنى ‪ ،‬وعلى الحجاج داود بن عيسى بن موسى‬
‫الهاشمي ‪ ،‬فهرب داود ‪ ،‬ومضى الناس إلى عرفة ‪ ،‬ودفعوا إلى مزدلفة بغير إنسان عليهم من ولد العباس‬
‫‪ .‬وقد كان إبن الفطس وافى الموقف بالليل ‪ .‬ثم صار إلى المزدلفة والناس بغير إمام فصلى بالناس ‪ ،‬ثم‬
‫مضى إلى منى ‪ ،‬فنحر ودخل مكة ‪ ،‬وجرد البيت مما عليه من الكسوة إل القباطي البيض فقط ‪. 2‬‬

‫والجدير بالذكر أن علي بن موسى هو الذي جعل المأمون العباسي فيه ولية العهد بعده ‪.‬‬

‫" وأمر المأمون الحسن بن سهل والفضل بن سهل وزيريه أن يعرضا ذلك عليه ‪ ،‬فامتنع منه ‪ ،‬فلم يزال‬
‫به حتى أجاب ‪ ،‬ورجعا إلى المأمون فعرفاه إجابته ‪ .‬فسر بذلك وجلس للخاصة في يوم خميس ‪ ،‬وخرج‬
‫الفضل بن سهل فأعلم برأي المأمون في علي بن موسى عليه السلم ‪ ،‬وأنه قد وله عهده ‪ ،‬وسماه الرضا‬
‫‪ .‬وأمرهم بلبس الخضرة ‪ ،‬والعود لبيعته في الخميس الخر ‪ ،‬على أن يأخذوا رزق سنة ‪ .‬فلما كان‬
‫اليوم ‪ ،‬ركب الناس على طبقاتهم من القواد والحجاب والقضاة وغيرهم في الخضرة ‪ .‬وجلس المأمون‬
‫ووضع للرضا عليه السلم وسادتين عظيمتين ‪ ،‬حتى لحق بمجلسه وفرشه وأجلس الرضا (ع) عليهما‬
‫في الخضرة وعليه عمامة وسيف ‪ ،‬ثم أمر إبنه العباس بن المأمون أن يبايع له أول الناس ‪ ...‬فبايعه‬
‫الناس ووضعت البذر‪ ،‬وقام الخطباء والشعراء ‪ ،‬فجعلوا يذكرون فضل الرضا عليه السلم ‪ ،‬وما كان‬
‫عليه من أمره ‪ ..‬ثم قال المأمون للرضا عليه السلم ‪ :‬إخطب الناس وتكلم فيهم ‪ ،‬فحمد ال وأثنى عليه‬

‫‪ 1‬ص ‪ 513‬و ما بعد ‪.‬‬


‫‪ 2‬مروج الذهب للمسعودي ج ‪ 3‬ص ‪.440،439‬‬

‫‪180‬‬
‫وقال ‪ :‬إن لنا عليكم حقاً برسول ال ‪ ،‬ولكم علينا حقا به ‪ ،‬فإذا أنتم أديتم إلينا ذلك ‪ ،‬وجب علينا الحق لكم‬
‫‪ .‬ولم يُذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس ‪.‬‬
‫وأمر المأمون ‪ ،‬فضربت له الدراهم ‪ ،‬وطبع عليها إسم الرضا عليه السلم ‪ ،‬وزوج إسحاق بن موسى بن‬
‫جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد ‪ ،‬وأمره فحج بالناس ‪ ،‬وخطب للرضا عليه السلم في كل بلد‬
‫بولية العهد "‪. 1‬‬
‫ولكنه مات قبل أن ينال الخلفة في حياة المأمون ‪.‬‬
‫" ولما توفي الرضا عليه السلم ‪ ،‬كتم المأمون موته يوماً وليلة ‪ ،‬ثم أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق‬
‫عليه السلم وجماعة من آل أبي طالب الذين كانوا عنده ‪ ،‬فلما حضروه ‪ ،‬نعاه إليهم وبكى ‪ ،‬وأظهر حزناً‬
‫شديداً وتوجعاً ‪ ،‬وأراهم إياه صحيح الجسد ‪ ،‬قال ‪ :‬يعـزعليّ يا أخي أن أراك في هذه الحال ‪ ،‬قد كنت‬
‫أؤمل أن أقدم قبلك ‪ ،‬فأبى ال إل ما أراد ‪ .‬ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه ‪ ،‬وخرج مع جنازته يحملها‬
‫حتى انتهى إلى الموضع الذي هو مدفون الن فدفنه ‪ .‬والموضع دار حميد بن قحطبة ‪ ،‬في قرية يُـقال لها‬
‫سناباد ‪ ،‬على قربة من نوقان بأرض طوس ‪ ،‬وفيها قبر هارون الرشيد وقبر أبي الحسن عليه السلم بين‬
‫يديه في قبلته ‪.‬‬
‫ومضى الرضا علي بن موسى عليهما السلم ‪ ،‬ولم يترك ولداً نعلمه إل المام من بعده أبا جعفر محمد‬
‫بن علي عليهما السلم ‪ ،‬وكانت سنه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهرا "‪. 2‬‬
‫وكان ذلك في صفر سنة ثلث ومائتين ‪ ،‬وله يومئذ خمسة وخمسون سنة ‪ ،‬وأمه أم ولد يُـقال لها أم البنين‬
‫‪.‬‬

‫الشيعـة أيام محمد بن عـلي‬

‫الملقب بالجواد أو التـقي‬


‫ولقد حصل الختلف الشديد بين الشيعة في إمامة محمد بن علي لنه لم يكن بلغ الحلم عند وفاة أبيه ‪،‬‬
‫ولذلك اختلف الشيعة في إمامته وتفرقوا عنه كما مر ‪ ،‬وقالوا ‪:‬‬
‫" ل يجوز المام إل بالغاً ‪ ،‬ولو جاز أن يأمر ال عز وجل بطاعة غير بالغ ‪ ،‬لجاز أن يكلف ال غير‬
‫بالغ ‪ ،‬فكما ل يعقل أن يحتمل التكليف غير بالغ ‪ ،‬فكذلك ل يفهم القضاء بين الناس ودقيقه وجليله‬
‫وغامض الحكام وشرائع الدين وجميع ما أتى به النبي صلى ال عليه وآله وما تحتاج إليه المة إلى يوم‬
‫القيامة من أمر دينها ودنياها طفل غير بالغ ‪ ،‬ولو جاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجة ‪،‬‬
‫لجاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجتين وثلثاً وأربعًا راجعاً إلى الطفولية ‪ .‬حتى يجوز أن‬
‫يفهم ذلك من طفل في المهد والخرق ‪ ،‬وذلك غير معقول ول مفهوم ول متعارف ‪.‬‬
‫ثم إن الذين قالوا بإمامه أبي جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلم اختفلوا في كمية علمه لحداثة‬
‫سنه ضروباً من الختلف ‪ .‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬المام ل يكون إل عالماً ‪ ،‬وأبو جعفر غير بالغ وأبوه‬
‫قـد تـوفي ‪ ،‬فكيف علم ؟ ومن أين علم ؟ فأجابوه ‪:‬‬
‫فقال بعضهم ‪ :‬ل يجوز أن يكون علمه من قبل أبيه ‪ ،‬لن أباه حمل إلى خراسان وأبو جعفر إبن أربع‬
‫سنين وأشهر ‪ ،‬ومن كان في هذه السن فليس في حد من يستفرغ تعليم معرفة دقيق الدين وجليله ‪ ،‬ولكن‬
‫ال عز وجل علمه ذلك عند البلوغ بضروب مما يدل على جهات علم المام ‪ ،‬مثل اللهام والنكت في‬
‫القلب والنقر في الذن والرؤيا الصادقة في النوم والملك المحدث له ووجوه رفع المنار والعمود‬
‫والمصباح وعرض العمال ‪ ،‬لن ذلك كله قد صحت الخبار الصحيحة القوية السانيد فيه التي ل يجوز‬
‫دفعها ول رد مثلها ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬قبل البلوغ هو إمام ‪ ،‬على معنى أن المر له دون غيره إلى وقت البلوغ ‪ ،‬فإذا بلغ علم ‪،‬‬
‫ل من جهة اللهام والنكت و ل الملك ول لشيئ من الوجوه التي ذكرتها الفرقة ‪ ،‬لن الوحي منقطع بعد‬
‫‪ 1‬الرشاد للمفيد ص ‪ ، 311،310‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪.334‬‬
‫‪ 2‬الرشاد للمفيد ص ‪ ،304‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪ ،313‬عيون أخبار الرضا ج ‪ 2‬ص ‪ ،247‬كشف الغمة ج ‪ 3‬ص ‪ ، 72‬جلء العيون ج ‪2‬ص‬
‫‪ ، 739‬منتهى المال ص ‪.1049‬‬

‫‪181‬‬
‫النبي صلى ال عليه وآله بإجماع المة ‪ ،‬ولن اللهام إنما هو أن يلحقك عند الخاطر والفكر معرفة بشيئ‬
‫قد كانت تقدمت معرفتك به من المور النافعة فذكرته ‪ ،‬وذلك ل يعلم به الحكام وشرائع الدين على كثرة‬
‫إختلفها وعللها قبل أن يوقف بالسمع منها على شيئ ‪ ،‬لن أصح الناس فكراً وأوضحه خاطراً وعقلً‬
‫وأحضره توفيقاً ‪ ،‬لو فكر وهو ل يسمع بأن الظهر أربع والمغرب ثلث ‪ ،‬والغداة ركعتان ‪ ،‬مااستخرج‬
‫ذلك بفكره ‪ ،‬ول عرفه بنظره ‪ ،‬ول استدل عليه بكمال عقله ‪ ،‬ول أدرك ذلك بحضور توفيقه ‪ ،‬ول لحقه‬
‫علم ذلك من جهة التوفيق أبداً ‪ .‬ول يعقل أن يعلم إل بالتوقيف والتعليم ‪ ،‬فقد بطل أن يعلم شيئاً من ذلك‬
‫باللهام والتوفيق ‪.‬‬
‫لكن نقول ‪ :‬أنه علم ذلك عند البلوغ من كتب أبيه ‪ ،‬وما ورثه من العلم فيها ‪ ،‬وما رسم له من الصول‬
‫والفروع ‪.‬‬
‫وبعض هذه الفرقة تجيز القياس في الحكام للمام ‪ ،‬خاصة على الصول التي في يديه ‪ ،‬لنه معصوم‬
‫من الخطأ والزلل ‪ ،‬فل يخطئ في القياس ‪ ،‬وإنما صاروا إلى هذه المقالة لضيق المر عليهم في علم‬
‫المام وكيفية تعليمه ‪ ،‬إذ هو ليس ببالغ عندهم ‪.‬‬

‫وقال بعضهم ‪ :‬المام يكون غير بالغ ولو قلت سنه ‪ ،‬لنه حجة ال ‪ ،‬فقد يجوز أن يعلم وإن كان صبياً ‪،‬‬
‫ويجوز عليه السباب التي ذكرت من اللهام والنكت والرؤيا والملك المحدث ورفع المنار والعمود‬
‫وعرض العمال‪ ،‬كل ذلك جائز عليه وفيه ‪ ،‬كما جاز ذلك عن سلفه من حجج ال الماضين ‪ .‬واعتلوا في‬
‫ذلك بيحيى بن زكريا ‪ ،‬وأن ال آتــاه الحكم صبيا‪ ،‬وبأسباب عيسى بن مريم ‪ ،‬وبحكم الصبي بين يوسف‬
‫بن يعقوب وامرأة الملك ‪ ،‬وبعلم سليمان بن داود حكماً من غير تعليم ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬فإنه قد كان في‬
‫حجج ال ممن كان غير بالغ عند الناس " ‪. 1‬‬

‫وولد محمد بن علي هذا سنة خمس وتسعين ومائة بالمدينة ‪ ،‬وقبض ببغداد سنة عشرين ومائتين ‪ ،‬وله‬
‫يومئذ خمس وعشرون سنة ‪ ،‬وأمه أم ولد ‪ ،‬يُـقال لها سميكة ‪ ،‬وكانت نوبـية ‪. 2‬‬
‫وكان متزوجاً من إبنة المأمون أم الفضل ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫" فكانت إحدى الختين تحت محمد بن علي بن موسى والخرى تحت أبيه علي بن موسى "‬
‫وفي أيامه إدعى المامة واحد من الحسينيين ‪ ،‬وهو محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي زين‬
‫العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ‪. 4‬‬
‫" وانقاد إليه وإلى إمامته خلق كثير من الناس ‪ ،‬ثم حمله عبدال بن طاهر إلى المعتصم ‪ ،‬فحبسه في أزج‬
‫اتخذه في بستان بسر من رأى ‪.‬‬
‫وقد ُتنوزع في محمد بن القاسم ‪ ،‬فمن قائل يقول ‪ :‬أنه قـتـل بالسم ‪ ،‬ومنهم من يقول ‪ :‬أن أناساً من شيعته‬
‫من الطالقان أتوا ذلك البستان ‪ ،‬فتأتوا للخدمة فيه من غرس وزراعة ‪ ،‬واتخذوا سللم من الحبال واللبود‬
‫والطالقانية ‪ ،‬ونقبوا الزج ‪ ،‬وأخرجوه فذهبوا به ‪ ،‬فلم يُعرف له خبر إلى هذه الغاية ‪.‬‬
‫وقد انقاد إلى إمامته خلق كثير من الزيدية إلى هذا الوقت – وهو سنة إثنتين وثلثين وثلثمائة – ومنهم‬
‫ل كما مُلئت جورا‪،‬‬‫خلق كثير يزعمون أن محمدًا لم يمت ‪ ،‬وأنه حي يُرزق ‪ ،‬وأنه يخرج فيملؤها عد ً‬
‫‪5‬‬
‫وأنه مهدي هذه المة ‪ .‬وأكثر هؤلء بناحية الكوفة وجبال طبرستان والديلم وكثير من كور خراسان " ‪.‬‬

‫الشيعـة في أيام علي بن محمد‬


‫المكـنى بأبي الحسن والملقـب بالهـادي أو الـنـقي‬

‫‪ 1‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪. 112 ، 111 ، 110‬‬


‫‪ 2‬الرشاد للمفـيد ص ‪ ، 316‬أعلم الورى ص ‪ ، 345 ، 344‬مروج الذهب ج ‪ 3‬ص ‪. 464‬‬
‫‪ 3‬مروج الذهب ج ‪3‬ص ‪. 441‬‬
‫‪ 4‬مقـاتـل الطالبيين ص ‪ ، 577‬أيضاً الطبري وابن الثير وغيرهما ‪.‬‬
‫‪ 5‬مروج الذهب ج ‪ 3‬ص ‪. 465‬‬

‫‪182‬‬
‫ولما مات محمد بن علي ‪ ،‬خلف إبنيه علياً وموسى ‪ ،‬وكان الكبر منهما ل يتجاوز الثامنة من عمره‬
‫حسب قول الشيعة ‪ .‬وكانا من الصغر بمكان حتى " أوصى أبوهما على تركته من الضياع والموال‬
‫‪2‬‬
‫والنفقات والرقيق إلى عبدال بن المساور إلى أن يـبلغا ‪ 1‬الحلم "‬
‫فاختلف الشيعة في أمرهما ‪ ،‬فقوم قالوا بإمامة علي بن محمد ‪ ،‬وقوم ذهبوا إلى إمامة أخيه موسى بن‬
‫‪3‬‬
‫محمد‬

‫النـصـيـريـة‬
‫وفي حياة علي بن محمد الهادي المكنى بأبي الحسن ‪ ،‬ظهرت من الشيعة فرق أخرى ‪ ،‬قالت ‪:‬‬
‫بنبوة رجل ُيـقـال له محمد بن نصير النميري ‪ ،‬وكان يدعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري عليه‬
‫السلم ‪ ،‬وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية ‪ ،‬ويقول بالباحة للمحارم ‪،‬‬
‫ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضًا في أدبارهم ‪ ،‬ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل ‪ ،‬وأنه إحدى‬
‫الشهوات والطيبات ‪ ،‬وأن ال عز وجل لم يحرم شيئاً من ذلك ‪ .‬وكان يقوي أسباب هذا النميري محمد بن‬
‫موسى بن الحسن بن الفرات ‪ .‬فلما توفي قيل له في علته وقد اعتقل لسانه ‪ :‬لمن هذا المر من بعدك ؟‬
‫فقال ‪ :‬لحمد ‪.‬‬
‫فلم يدروا من هو ‪.‬‬
‫فافترقوا ثلث فرق ‪.‬‬
‫فرقة قالت ‪ :‬أنه ( أحمد ) إبنـه ‪ ،‬وفرقة قالت ‪ :‬هو أحمد بن موسى بن الحسن بن الفرات ‪ ،‬وفرقة قالت ‪:‬‬
‫أحمد بن أبي الحسين محمد بن محمد بن بشير بن زيد ‪.‬‬
‫فتفرقوا ‪ ،‬فل يرجعون إلى شيئ ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وادعى هؤلء النبوة عن أبي محمد فسمت النميرية أو النصيرية ‪.‬‬

‫ولـقد ذكر الشهرستاني النصيرية في ملله ‪ ،‬وذكر مذهبهم أنهم يقولون ‪:‬‬
‫" إن ال قد ظهر بصورة أشخاص ‪ ،‬ولما لم يكن بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم أفضل من علي‬
‫عليه السلم وبعده أولده المخصوصون هم خير البريّة ‪ ،‬فظهر الحق بصورتهم ‪ ،‬ونطق بلسانهم ‪ ،‬وأخذ‬
‫بأيديهم ‪ ،‬فعن هذا أطلقنا اسم اللهية عليهم ‪ ،‬وإنما أثبتنا هذا الختصاص لعلي دون غيره ‪ ،‬لنه كان‬
‫مخصوصًا بتأييد من عند ال تعالى مما يتعلق بباطن السرار ‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أنا‬
‫أحكم بالظاهر وال يتولى السرائر ‪ .‬وعن هذا كان قتال المشركين إلى النبي صلى ال عليه وسلم وقتال‬
‫المنافقين إلى علي ‪ .‬وعن هذا شبهه بعيسى ابن مريم ‪ ،‬وقال ‪ :‬ولول أن يقول الناس فيك ما قالوا في‬
‫عيسى بن مريم وإل لقلت فيك مقالً ‪ .‬وربما أثبتوا له شركة في الرسالة ‪ .‬إذ قال ‪ :‬فيكم من يقاتل على‬
‫تأويله كما قاتلت على تنزيله أل وهو خاصف النعل ‪ ،‬فعلم التأويل وقتال المنافقين ومكالمة الجن ‪ ،‬وقلع‬
‫باب خيبر ل بقوة جسدانية من أدل الدليل على أن فيه جزء آلهياً وقوة ربانية ‪ .‬أو أن يكون هو الذي ظهر‬
‫الله بصورته ‪ ،‬وخلق بيده ‪ ،‬وأمر بلسانه ‪ .‬وعن هذا قالوا كان هو موجود قبل خلق السموات والرض‬
‫‪ .‬قال كنا أظلة على يمين العرش ‪ ،‬فسبحنا فسبحت الملئكة بتسبيحنا ‪ ،‬فتلك الظلل وتلك الصور العرية‬
‫عن الظلل هي حقيقة وهي مشرقة بنور الرب تعالى إشراقاً ل ينفصل عنها ‪ ،‬سواء كانت في هذا العالم‬
‫أو في ذلك العالم ‪ .‬وعن هذا قال أنا أحمد ‪ ،‬الضوء من الضوء ‪ .‬يعني ل فرق بين النورين ‪ ،‬إل أن‬
‫أحدهما أسبق والثاني ل حق به ‪ .‬قال له وهذا يدل على نوع شركة ‪.‬‬
‫فالنصيرية أميل إلى تقرير الجزء اللهي ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫والسحاقية أميل إلى تقرير الشركة في النبوة ‪.‬‬

‫‪ 1‬ول ندري كيف يعتمد على صبي في أمور الدين من لم يعتمد عليه أبوه – وهو إمام معصوم عند الشيعة – في أمر دنياه ‪.‬‬
‫‪ 2‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪. 325‬‬
‫‪ 3‬أنظر فـرق الشيعة ص ‪. 113‬‬
‫‪ 4‬فـرق الشيـعة للنـوبختي ص ‪. 116 ، 115‬‬
‫‪ 5‬الملل والنحل للشهرستاني ج ‪ 2‬ص ‪. 26 -25‬‬

‫‪183‬‬
‫وذكر الرازي أن هذه الطائفة موجودة في حلب ونواحي الشام إلى يومنا هذا‪.1‬‬
‫ونحن نقول ‪ :‬إنها موجودة حتى اليوم في سوريا وتركيا ‪ ،‬و يُعرفون بالعلويين ‪.‬‬
‫وأما النصيرية فيقولون ‪ :‬إن محمد بن النصير النميري لم يدّع ِ النبوة ‪ ،‬بل إنه كان باباً للمام الحادي‬
‫عشر الحسن العسكري ‪. 2‬‬
‫ويقولون ‪ :‬أنه كان ينافسه رجل اسمه أبو يعقوب اسحاق بن محمد النخعي ‪ ،‬فادعى هو الثاني هو الباب‬
‫للحسن العسكري ‪.‬‬
‫فالحاصل أن هؤلء الذين يقولون ويصرحون بألوهية علي ‪ ،‬وكان رسول ال هو رسوله هو ‪ .‬كما‬
‫يقولون ‪:‬‬
‫إن عليـّا أرسل جابر بن يزيد الجعفي في قضاء غرض له ‪ ،‬فلما أن وصل إلى الوضع المقصود ‪ ،‬رأى‬
‫علي بن أبي طالب جالساً على كرسي من نور ‪ ،‬والسيد محمد ( يعني سيدنا محمدا ) عن يمينه ‪ ،‬والسيد‬
‫سلمان ( يعني الصحابي الجليل سلمان الفارسي ) عن شماله ‪ ،‬ثم التفت جابر إلى ورائه فرآه هكذا ‪ .‬ثم‬
‫التفت عن يمينه فرآه هكذا ‪ .‬ثم نظر إلى السماء فرآه في السماء والملئكة حوله يسبحون بحمده‬
‫ويسجدون له "‪. 3‬‬
‫وقد دوّنوا لهم قرآناً مستقلً ‪ ،‬ومنها هذه اليات ‪:‬‬

‫ي أيها الحجاب العظيم ‪ ،‬أشهد عل ّ‬


‫ي‬ ‫"ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ‪ ..‬أشهد عل ّ‬
‫ي يا سيدي المقداد اليمين ‪ ،‬أشهد يا عليّ أبو الدر الشمال ‪ ...‬بأن ليس إلهاً إل‬
‫أيها الباب الكريم ‪ ،‬أشهد عل ّ‬
‫عليّ بن أبي طالب الصلع المعبود ‪ ،‬ول حجاب إل السيد محمد المحمود ‪ ،‬ول باب إل السيد سلمان‬
‫الفارسي المقصود ‪ ،‬وأكبر الملئكة الخمسة اليتام ‪ ،‬ول رأي إل رأي شيخنا وسيدنا الحسين بن حمدان‬
‫الخصبي الذي شرع الديان في سائر البلدان ‪ .‬أشهد بأن الصورة المرئية التي ظهرت في البشرية هي‬
‫الغاية الكلية ‪ ،‬وهي الظاهرة بالنورانية ‪ ،‬وليس إله سواها ‪ ،‬وهي علي بن أبي طالب ‪ .‬وأنه لم يُحاط ولم‬
‫يُحصر ولم يُدرك ولم يُبصر ‪.‬‬
‫أشهد بأني نصيري الدين ‪ ،‬جندبي الرأي ‪ ،‬جنبلني الطريقة ‪ ،‬خصيبي المذهب ‪ ،‬جليّ المقال ‪ ،‬ميموني‬
‫الفقه ‪ ،‬وافـر الرجعة البيضاء والكرة الزهراء وفي كشف الغطاء وجلء العماء وإظهار ما كتم وإجلء ما‬
‫خفي ‪ ،‬وظهور علي بن أبي طالب من عين الشمس قابض على كل نفس ‪ ،‬السد من تحته ‪ ،‬وذو الفقار‬
‫بيده ‪ ،‬والملئكة خلفه ‪ ،‬والسيد سلمان بين يديه ‪ ،‬والماء ينبع من بين قدميه ‪ ،‬والسيد محمد ينادي ويقول ‪:‬‬
‫هذا مولكم علي بن أبي طالب فاعرفوه وسبحوه وعظموه وكبروه ‪ .‬هذا خالقكم ورازقكم فل تنكروه ‪.‬‬
‫إشهدوا علي يا أسيادي ‪ ،‬أن هذا ديني واعتقادي ‪ ،‬وعليه اعتمادي ‪ ،‬وبه أحيا وعليه أموت ‪ ،‬وعلي بن‬
‫أبي طالب حي ل يموت ‪ ،‬بيده القدرة والجبروت ‪ .‬إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول‬
‫علينا من ذكرهم السلم "‪. 4‬‬
‫وغير ذلك من الخرافات ‪.‬‬
‫" وتوفي علي بن محمد هذا بسرّ من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ‪ .‬وولد سنة إثنتي عشرة‬
‫ومائتين ‪ .‬وكان المتوكل قد أشخصه مع يحيى بن أكثم إلى سرّ من رأى ‪ ،‬فأقام بها وأمه "‪. 5‬‬
‫هذا ولقد ادعى في أيامه كثير من العلويين المامة ‪ ،‬وبايعهم خلق من الشيعة ومن أهل بيت علي رضي‬
‫ال عنه ‪ .‬منهم يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي زين العابدين‪. 6‬‬

‫‪ 1‬إعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص ‪.61‬‬


‫‪ 2‬تاريخ العلويين للطويل ص ‪. 202‬‬

‫‪ 3‬الباكورة السليمانية ص ‪. 87‬‬


‫‪ 4‬الباكورة السليمانة ص ‪.26‬‬
‫‪ 5‬الرشاد ص ‪ ،327‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪ ، 355‬كشف الغمـة ج ‪ 3‬ص ‪ ، 166‬جلء العيـون ج ‪ 2‬ص ‪. 754‬‬

‫‪ 6‬مقاتل الطالبيين للصفهاني ص ‪ ، 639‬مروج الذهب ج ‪ 4‬ص ‪. 63‬‬

‫‪184‬‬
‫فاستولى على الكوفة وما حولها ‪ ،‬ولما قتل أيام المستعين العباسي ‪ ،‬رثاه كثير من الشعراء حتى قال‬
‫الصفهاني ‪:‬‬
‫" وما بلغني أن أحداً ممن قتل في الدولة العباسية من آل أبي طالب رثي بأكثر مما رثي به يحيى ‪ ،‬ول‬
‫قيل فيه الشعر بأكثر مما قيل فيه "‪. 1‬‬
‫ووافق على ذلك إبن الثير في تاريخه الكامل‪. 2‬‬
‫وكذلك ادعى المامة حسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن المثنى ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ظهر في بلد طهرستان ‪ ،‬وغلب عليهما وعلى جرجان بعد حروب كثيرة وقتال شديد ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وكذلك حسين بن محمد بن حمزة بن عبيد ال بن الحسين بن علي سنة إحدى وخمسين ومائتين ‪.‬‬

‫الشيعـة في أيام الحسن بن علي العسكري‬

‫ولما توفي أبو الحسن بن علي الهادي ‪ ،‬افترقت الشيعة إلى فرق عديدة ‪.‬‬
‫" ففرقة قالت بإمامة إبنه محمد ‪ ،‬وقد كان توفي في حياة أبيه بسرّ من رأى ‪ ،‬وزعموا أنه حي لم يمت ‪،‬‬
‫و اعتلوا في ذلك بأن أباه أشار إليه و أعلمهم أنه المام من بعده ‪ ،‬و المام ل يجوز عليه الكذب ‪ ،‬ول‬
‫يجوز البداء فيه ‪ ،‬فهو وإن كانت ظهرت وفاته لم يمت في الحقيقة ‪ ،‬و لكن أباه خاف عليه فغيـّبه ‪ ،‬وهو‬
‫‪5‬‬
‫القائم المهدي ‪ .‬و قالوا فيه بمثل مقالة أصحاب إسماعيل بن جعفر "‬

‫والجدير بالذكر أن محمداً هذا وهو المكنى بأبي جعفر كان وصي أبيه والخليفة بعده حسب تصريحات‬
‫الشيعة ‪ ،‬و لكنه مات قبل أن تصل إليه المامة و خلفة أبيه ‪ ،‬فشك القوم في أمره و إمامة أبيه ‪ ،‬فقال‬
‫أبوه علي الهادي المكنى بأبي الحسن ‪:‬‬
‫" بدا ل في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلم مالم يكن يعرف له ‪ ،‬كما بدا في موسى بعد مضي‬
‫اسماعيل ماكشف عن حاله ‪ ،‬و هو كما حدثتك نفسك و إن كره المبطلون ‪ ،‬و أبو محمد إبني الخلف من‬
‫‪6‬‬
‫بعدي ‪ ،‬عنده علم ما يحتاج إليه و معه آلة المامة "‬

‫وفرقة قالت بإمامة جعفر بن علي ‪ -‬وهو الملقب بجعفر الكذاب عند الشيعة ‪ -‬وقالوا ‪:‬‬
‫" أوصى إليه أبوه بعد مضي محمد ‪ ،‬و أوجب إمامته و أظهر أمره ‪ ،‬و أنكروا إمامة محمد أخيه ‪ ،‬و‬
‫قالوا ‪ :‬إنما فعل ذلك أبوه اتفاقا عليه ودفاعا عنه ‪ ،‬وكان المام في الحقيقة جعفر بن علي " ‪.7‬‬

‫وفرقة قالت بإمامة الحسن العسكري إبن علي ‪ ،‬و كان يكنى بأبي محمد ‪.8‬‬
‫وقال المفيد ‪:‬‬
‫" وكان المام بعد أبي جعفر عليه السلم إبنه أبو الحسن علي بن محمد (ع) لجتماع خصال المامة فيه‬
‫و تكامل فضله ‪ ،‬و إنه ل وارث لمقام أبيه سواه ‪ ،‬وثبوت النص عليه بالمامة والشارة إليه من أبيه‬
‫بالخلفة " ‪. 9‬‬

‫‪ 1‬مقاتل الطالبيين ص ‪ ، 465‬وبمثل ذلك في مروج الذهب ج ‪ 4‬ص ‪. 64‬‬


‫‪ 2‬ج ‪ 5‬ص ‪. 315‬‬
‫‪ 3‬مروج الذهب ج ‪ 4‬ص ‪.68‬‬
‫‪ 4‬ايضاً ص ‪ ، 69‬ومقاتل الطالبيين للصفهاني ص ‪. 665‬‬
‫‪ 5‬فرق الشيعة ص ‪117 ، 116‬‬
‫‪ 6‬الصول من الكافي ‪ ،‬كتاب الحجة ‪ ،‬باب الشارة و النص على أبي محمد ج ‪ 1‬ص ‪. 327‬‬
‫‪ 7‬النوبختي ص ‪118 ، 117‬‬
‫‪ 8‬أيضاً ص ‪. 117‬‬
‫‪ 9‬الرشاد ص ‪.327‬‬

‫‪185‬‬
‫و توفي يوم الجمعة سنة ستين و مائتين ‪ ،‬و كان مولده بالمدينة في شهر ربيع الول من سنة اثنتي و‬
‫ثلثين و مائتين ‪ ،‬و دفن في داره بسرّ من رأى ‪ ،‬في البيت الذي دفن فيه أبوه ‪ ،‬و أمه أم ولد يقال لها‬
‫حديثة ‪. 10‬‬
‫وعمره يومئذ ثماني وعشرون سنة ‪.‬‬
‫وقال النوبختي ‪:‬‬
‫يقال ‪ :‬لمه أصفان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬سليل ‪ ،‬وقيل غير ذلك ‪.‬‬
‫وصلى عليه أبو عيسى بن المتوكل ‪ .‬وكانت في سني أمامته بقية ملك المعتز أشهرا ‪ ،‬ثم ملك المهتدي‬
‫أحد عشر شهراً وثمانية و عشرين يوماً ‪ ،‬ثم ملك أحمد المعتمد على ال بن جعفر المتوكل عشرين سنة‬
‫وأحد عشر شهراً " ‪. 2‬‬
‫وفي أيامه ادعى كثير من العلويين المامة ‪ ،‬منهم علي بن زيد بن الحسين العلوي ‪. 3‬‬
‫وكذلك الكثيرون الذين ذكرهم الصفهاني في مقاتل الطالبيين والمسعودي في مروج الذهب ‪ ،‬وأما من‬
‫السنة فذكرهم جميع المؤرخين ‪.‬‬

‫الشـيـعـة بـعـد وفـاة الحسن الـعسكري‬

‫مات الحسن العسكري بدون خلف ول عقب كما نص على ذلك النوبختي ‪ " :‬توفى ولم يُر له أثر ‪ ،‬ولم‬
‫يُعرف له ولد ظاهر ‪ ،‬فاقتسم ميراثه أخوه جعفر وأمه "‪. 4‬‬

‫فأوجد موته خلفاً شديداً في شيعته ‪ ،‬لن التشيّع بعد تطوره يوجب على مدعي المامة أن يكون بعده‬
‫عقب ‪ ،‬وكذلك أن يكون عليه نص من الذي قبله ‪ ،‬وهو الذي يقوم بتجهيزه وتكفينه ‪ ،‬فكيف وهنا ل يُرى‬
‫له أثر‪ ،‬فالتجؤوا لتأويل ذلك إلى سخافات عديدة ‪ .‬كل قوم حسب أهوائهم ومزاعمهم يهوون ‪.‬‬

‫فقال النوبختي ‪:‬‬


‫" فافترق أصحابه بعده أربع عشرة فرقة ‪.‬‬
‫ففرقة قالت ‪:‬‬
‫أن الحسن بن علي حي لم يمت ‪ ،‬وإنما هو غائب وهو القائم ‪ ،‬ول يجوز أن يموت ول ولد له ظاهر ‪،‬‬
‫لن الرض ل تخلو من إمام ‪..‬‬

‫وقالت الفرقة الثانية ‪:‬‬


‫أن الحسن بن علي مات وعاش بعد موته ‪ ،‬وهو القائم المهدي ‪ ،‬لننا روينا أن معنى القائم ‪ ،‬هو أن يقوم‬
‫بعد الموت ‪ ،‬ويقوم ول ولد له‪ ،‬لن المامة كانت تثبت لولده ‪ ،‬ول أوصى إلى أحد ‪ ،‬فل شك أنه القائم‬
‫‪..‬‬

‫وقالت الفرقة الثالثة ‪:‬‬


‫أن الحسن بن علي توفي ‪ ،‬والمام بعده أخوه جعفر وإليه أوصى الحسن ‪ ..‬فلما قيل له أن الحسن وجعفر‬
‫ما زال متهاجرين متصارمين متعادين طول زمانهما ‪ ،‬وقد وقفتم على صنائع جعفر وسوء معاشرته له‬
‫في حياته ‪ ،‬ولهم من بعد وفاته في اقتسام مواريثه ‪ .‬قالوا ‪ :‬إنما ذلك بينهما في الظاهر ‪ ،‬وأما في الباطن‬
‫فكانا متراضيين متصافيين ل خلف بينهما ‪. ..‬‬

‫‪ 10‬أيضاً ص ‪.335‬‬
‫‪ 2‬أعلم الورى ص ‪.367‬‬
‫‪ 3‬مقاتل الطالبيين ص ‪ ، 675‬مروج الذهب ج ‪ 3‬ص ‪. 94‬‬
‫‪ 4‬الشيعة للنوبختي ص ‪. 119 ، 118‬‬

‫‪186‬‬
‫وممن قوى إمامة جعفر وأمال الناس إليه ‪ ،‬علي بن الطاهر الخراز ‪ ،‬وكان متكلمًا محجاجاً ‪ ،‬وأعانته‬
‫على ذلك أخت الفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني ‪.‬‬

‫وقالت الفرقة الرابعة ‪:‬‬


‫أن المام بعد الحسن جعفر ‪ ،‬وأن المامة صارت إليه من قبل أبيه ‪ ،‬ل من قبل الحسن ‪ ،‬وأن الحسن كان‬
‫مدعياً باطلً‪،‬لن المام ل يموت حتى يوصي و يكون له خلف ‪ .‬والحسن قد توفي ول وصية له ول ولد ‪،‬‬
‫والمام ل يكون من ل خلف له ظاهر معروف مشار إليه ‪ ،‬كما ل يجوز أن تكون المامة في الخوين بعد‬
‫الحسن والحسين كما نص عليه جعفر ‪.‬‬

‫وأما الفرقة الخامسة ‪ :‬فإنها رجعت إلى القول بإمامة محمد بن علي أخي الحسن المتوفى في حياة أبيه ‪،‬‬
‫وأما الحسن وجعفر فإنهما ادعيا ما لم يكن لهما ‪ ،‬لن جعفر فيه خصال مذمومة وهو بها مشهور ‪ .‬ظاهر‬
‫الفسق وغير صائن نفسه ‪ ،‬معلن بالمعاصي ‪ .‬ومثل هذا ل يصلح للشهادة على درهم ‪ ،‬فكيف يصلح لمقام‬
‫النبي صلى ال عليه وآله ؟‬
‫وأما الحسن فلقد توفى ول عقب له ‪.‬‬

‫وقالت الفرقة السادسة ‪:‬‬


‫أن للحسن بن علي إبناً سماه محمداً ‪ ،‬وولد قبل وفاته بسنين ‪ ،‬وزعموا أنه مستور ‪ ،‬ل يُرى خائف من‬
‫جعفر ‪.‬‬

‫وقالت الفرقة السابعة ‪:‬‬


‫بل ولد بعد وفاته بثمانية أشهر ‪ ،‬وأن الذين ادعوا له ولداً في حياته كاذبون مبطلون في دعواهم ‪ ،‬لن ذلك‬
‫لو كان لم يخف غيره ‪ ،‬ولكنه مضى ولم يُعرف له ولد ‪ .‬ول يجوز أن يخفي ذلك وقد كان الحبل فيما‬
‫مضى قائمًا ظاهرًا ثابتاً عند السلطان وعند سائر الناس‪ ،‬وامتنع من قسمة ميراثه من أجل ذلك حتى بطل‬
‫ذلك عند السلطان وخفى أمره ‪ ،‬فقد ولد له إبن بعد وفاة أبيه بثمانية أشهر ‪ ،‬وقد كان أمر أن يُسمى محمداً ‪،‬‬
‫وأوصى بذلك ‪ ،‬وهو مستور ل يُرى ‪.‬‬

‫وقالت الفرقة الثامنة ‪:‬‬


‫أنه ل ولد لحسن أصلً ‪ ،‬لنا قد أمتحنا ذلك وطلبناه بكل وجه ‪ ،‬فلم نجده ‪ ،‬ولو جاز لنا أن نقول في مثل‬
‫الحسن وقد توفي ول ولد له أن له ولد ‪ ،‬لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت من غير خلف ‪ ،‬ولجاز مثل‬
‫ذلك في النبي صلى ال عليه وآله أن يُقال خلف إبنًا نبياً رسول‪ .‬وكذلك في عبدال بن جعفر بن محمد أنه‬
‫خلف إبنا‪ ،‬وأن أبا الحسن الرضا عليه السلم خلف ثلثة بنين غير أبي جعفر أحدهم المام ‪ ،‬لن مجيئ‬
‫الخبر بوفاة الحسن بل عقب كمجيئ الخبر بأن النبي صلى ال عليه وآله لم يخلف ذكراً من صلبه ‪ ،‬ول‬
‫خلف عبدال بن جعفر إبناً ‪ ،‬ول كان للرضا أربعة بنين ‪ .‬فالولد قد بطل ل محالة ‪ ،‬ولكن هناك حبل قائم‬
‫قد صح في سرية له وستلد ذكراً إماماً متى ما ولدت ‪ ،‬فإنه ل يجوز أن يمضي المام ول خلف له ‪،‬‬
‫فتبطل المامة وتخلو الرض من الحجة ‪.‬‬
‫واحتج أصحاب الولد على هؤلء فقالوا ‪ :‬أنكرتم علينا أمرًا قلتم بمثله ‪ ،‬ثم لم تقنعوا بذلك حتى أضفتم إليه‬
‫ل قائماً ‪ ،‬فإن كنتم اجتهدتم في طلب الولد فلم تجدوه فأنكرتموه لذلك ‪،‬‬ ‫ما تنكره العقول ‪ ،‬قلتم أن هناك حب ً‬
‫فقد طلبنا معرفة الحبل وتصحيحه أشد من طلبكم ‪ ،‬واجتهدنا فيه أشد من اجتهادكم ‪ ،‬فاستقصينا في ذلك‬
‫غاية الستقصاء فلم نجده ‪ ،‬فنحن في الولد أصدق منكم ‪ .‬لنه قد يجوز في العقل والعادة والتعارف ‪ ،‬أن‬
‫يكون للرجل ولد مستور ل يعرف في الظاهر ويظهر بعد ذلك ويصح نسبه ‪ ،‬والمر الذي ادعيتموه منكر‬
‫وشنيع ‪ ،‬ينكره عقل كل عاقل ‪ ،‬ويدفعه التعارف والعادة ‪ ،‬مع مافيه من كثرة الروايات الصحيحة عن‬
‫الئمة الصادقين أن الحبل ل يكون أكثر من تسعة أشهر ‪ ،‬وقد مضى للحبل الذي ادعيتموه سنون ‪ ،‬وإنكم‬
‫على قولكم بل صحة ول بيّـنة ‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫وقالت الفرقة التاسعة ‪:‬‬
‫أن حسن بن علي قد صحت وفاة أبيه وجده وسائر آبائه عليه السلم ‪ .‬فكما صحت وفاتهم بالخبر الذي ل‬
‫يكذب مثله ‪ ،‬كذلك صح أنه ل إمام بعد الحسن ‪....‬والرض اليوم بل حجة إل أن يشاء ال ‪ ،‬فيبعث القائم‬
‫من آل محمد صلى ال عليه وآله ‪ ،‬فيحيي الرض بعد موتها ‪ ،‬كما بعث محمد صلى ال عليه وآله حين‬
‫فترة من الرسل ‪.‬‬

‫وقالت الفرقة العاشرة ‪:‬‬


‫أن أبا جعفر محمد بن علي كان الميت في حياة أبيه ‪ ،‬وهو الذي كان المام بوصية من أبيه ‪ ،‬ثم أوصى‬
‫هو إلى غلم له صغير كان في خدمته يُقال له نفيس ‪ ،‬ثم بعد موته نقل هذا الغلم الوصية إلى جعفر ‪.‬‬

‫وقالت الفرقة الحادية عشرة ‪:‬‬


‫قد اشتبه علينا المر ‪ ،‬ول ندري من هو المام ‪ ،‬وأن الرض ل تخلو من حجة فنتوقف ول نقدم على شيئ‬
‫حتى يصح لنا المر ويتبين ‪.‬‬

‫وقالت الفرقة الثانية عشرة ‪:‬‬


‫ليس القول كما قال هؤلء ‪ ،‬بل ل يجوز أن تخلو الرض من حجة ‪ ،‬ولو خلت لساخت الرض ومن عليها‬
‫‪ ,.‬وأما هو خائف مستور بستر ال ل يجوز ذكر اسمه ول السؤال عن مكانه ‪ ،‬وليس علينا البحث عن‬
‫أمره ‪ ،‬بل البحث عن ذلك وطلبه حرام ‪.‬‬

‫وقالت الفرقة الثالثة عشرة ‪:‬‬


‫أن الحسن بن علي توفى ‪ ،‬وأنه كان المام بعد أبيه ‪ ،‬وأن جعفر بن علي المام بعده ‪ ،‬كما كان موسى بن‬
‫جعفر إمامًا بعد عبدال بن جعفر ‪ ،‬للخبر الذي روى أن المامة في الكبر من ولد المام إذا مضى ‪ .‬وأن‬
‫الخبر الذي روى عن الصادق عليه السلم ‪ ،‬أن المامة ل تكون في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما‬
‫السلم صحيح ل يجوز غيره ‪ ،‬وإنما ذلك إذا كان للماضي خلف من صلبه ‪ ،‬فإنه ل تخرج منه إلى أخيه ‪،‬‬
‫بل تثبت في خلفه ‪ .‬وإذا توفى ول خلف له ‪ ،‬رجعت إلى أخيه ضرورة ‪ ،‬لن هذا معنى الحديث عندهم ‪.‬‬
‫وكذلك قالوا في الحديث الذي روى أن المام ل يغسله إل إمام ‪ ،‬وأن هذا عندهم صحيح ل يجوز غيره ‪.‬‬
‫وأقروا أن جعفر بن محمد عليهما السلم غسله موسى ‪ ،‬وادعوا أن عبدال أمره بذلك ‪ ،‬لنه كان المام‬
‫بعده ‪ ،‬وإن جاز أن ل يُغسله لنه إمام صامت في حضرة عبدال ‪.‬‬
‫فهؤلء الفطحية الخلص الذين يجيزون المامة في أخوين ‪ ،‬إذا لم يكن الكبر منهما خلف ولدا ‪ .‬والمام‬
‫عندهم جعفر بن علي ‪ ،‬على هذا التأويل ضرورة ‪.‬‬

‫وأما الفرقة الرابعة عشرة فقالت ‪:‬‬


‫إن المام بعده إبنه محمد ‪ ،‬وهو المنتظر ‪ ،‬غير أنه مات ‪ ،‬وسيجئ ويقوم بالسيف ‪ ،‬وسيمل الرض‬
‫ل كما ملئت ظلماً وجورا‪. 1‬‬‫قسطاً وعد ً‬

‫فهذه هي الفرق المشهورة للشيعة ‪ ،‬ذكرناها من كتب القوم أنفسهم ‪ ،‬مع سرد الروايات والعبارات من كتب‬
‫السنة أيضًا تأييداً وتوثيقاً ‪ ،‬ل أصلً واستدللً ‪.‬‬
‫غير أن هنالك فرقاً شيعية أخرى ‪ ،‬ذكرها أصحاب الفرق من السنة من البيانية والجناحية والرزامية‬
‫والمقنعية والحلمانية والخلجية والزافرة وغيرهم ‪ ،‬لم نذكرها لنقراضها ‪ ،‬ولعدم ورود ذكرها في كتب‬
‫الشيعة ‪ ،‬وكي ل يقول قائل ‪:‬‬
‫يعلم ال أن هذه السماء كلها لم نسمع بها ولم نرها في كتب الشيعة ‪ ،‬وما هي إل مختلقة ل يُقصد من‬
‫ذكرها غير التشنيع والتهجين ‪ .‬وهي أسماء بل مسميات ‪ ،‬ولم يذكرها أحد من المؤرخين ‪ ،‬ول نقلها من‬

‫‪ 1‬ملخصاً فرق الشيعة للنوبختي ص ‪ 119‬وما بعد ‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫كتب في الملل والشيعة كالشيخ أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من أهل القرن الرابع في كتاب الفرق‬
‫والمقالت المتكفل بذكر فرق الشيعة وغيره ‪. 2‬‬
‫وبقيت هناك فرق أخرى ‪ ،‬أل وهي ‪:‬‬
‫الثنا عشر أو الجعفرية المامة ‪ ،‬فإنها ذكرت ضمن الربع عشرة فرقة التي افترقت بعد موت الحسن‬
‫العسكري ‪ ،‬ولكن لما لها من أهمية ‪ ،‬وإن هذا السرد الطويل لم يكن إل لجلها ‪ ،‬لنه عند إطلق لفظ‬
‫الشيعة ل يتبادر إلى الذهن الن إل هذه الفرقة ‪ .‬فنخصص لها باباً مستقلً في تاريخها وعقائدها وعلقتها‬
‫بالسبئية ‪ ،‬وتوارثها جميع الفكار الموجودة في الفرق البائدة من الغلة والمتطرفين ‪ .‬كما سنذكر الفرق‬
‫التي تفرقت منها ‪ ،‬وهي موجودة حتى الن ‪.‬‬
‫ونلفت ههنا أنظار القرآء والباحثين إلى أمر هام يجب النتباه إليه‪ ،‬وهو ان كل فرقة من فرق الشيعة التي‬
‫ذكرناها في هذا الباب سيجد القارئ من مطالعة موجز المعتقدات والعقائد التي حملها أؤلئك ‪ ،‬أن كل‬
‫واحدة منها أخذ حظاً وافراً من السبئية أبناء اليهود ‪ ،‬واغترفت غرفاً كثيرة من الديان الباطلة الخرى‬
‫من النصرانية والمجوسية والفكار المدسوسة من الهندوس والبابليين والعاشوريين والكلدانيين‬
‫وغيرهم ‪ ،‬كما أن الشيعة بعد تطور التشيّع الول في جميع أدوارهم وعصورهم ‪ ،‬التزموا بقول الرجعة‬
‫والغيبة والولية والبراءة والوصاية والتوارث ‪ ،‬كما أرسخها مؤسس القوم عبدال بن سبأ وشلته الماكرة ‪.‬‬

‫الباب السابع‬

‫الشيعـة الثنا عشرية والعـقـائد السبئـيـة‬

‫إننا ذكرنا السبئية وقائدها عبدال بن سبأ فيما مضى بالتفصيل ‪ .‬ونضطر إلى أن نعيد ذكر السبئية والفكار التي‬
‫حملوها والعقائد التي روّجوها بين الناس ‪ ،‬وعارضها عليّ وأولده الطيّبون منهم رضوان ال عليهم ‪ ،‬وردوّها‬
‫عليها ‪ ،‬وقاوموها بكل عنف وشدة ‪ .‬ولكنها تسرّبت فيما بعد بين الذين يزعمون أنهم شيعتهم والموالون لهم بإسم‬
‫حب أهل البيت ‪ ،‬وأهل البيت منهم براء ‪.‬‬
‫نضطر إلى إعادتها ‪ ،‬لوضع النقاط على الحروف ‪ ،‬ولثبات أن الشيعة وخصوصاً الثني عشرية منهم الذين‬
‫يعدّون أنفسهم معتدلين ‪ ،‬وقد يخدع بهم الكثيرون من المغفلين من الناس ‪ ،‬ليسوا إل ورثة أولئك القوم الذين ضلوّا‬
‫وأضلوّا ‪ ،‬ول يوجد في أيديهم إل تركتهم التي تركوها للفرقة والختلف بين المسلمين ‪ ،‬ولبعاد بعض الناس‬
‫عن العقائد الصحيحة التي نزلت من السماء ‪ ،‬وجاء بها جبرئيل ‪ ،‬وبلـّغها رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وكلم ال القرآن ‪ ،‬وسنة رسول ال الثابتة ‪ ،‬خالية من ذكرها وتذكرتها ‪.‬‬
‫ونحاول في هذا الباب أيضاً أن ل نكون إل منصفين ‪ ،‬ول نلزم القوم مال يلتزمون به ‪ ،‬ول ننسب إليهم ما ل‬
‫يثبتونه في كتبهم أنفسهم ‪ ،‬كما تعوّدنا ذلك بفضل ال ‪ ،‬وكما لحظ القارئ في هذا الكتاب وفي غيره ‪.‬‬
‫وتجنباً لسرد العبارات التي سقناها من قبل ‪ ،‬نلخص ما كان يقوم به من المخططات ويروّجه عبدال بن سبأ ‪،‬‬
‫وما كانت تنشره السبئية من عقائد وآراء ‪ ،‬ثم نقارن تلك العقائد والراء بأفكار الشيعة الثني عشرية الموجودين‬
‫حالياً وعقائدهم ‪ ،‬وهل هي موجودة فيهم أم ل؟ ‪ ..‬فنقول ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬قيام السبئية بتكوين جمعيات سريّـة يهودية بإسم السلم ‪ ،‬تحت راية عبدال بن سبأ ‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬إظهار الحب والولء والمشايعة والموالة لعلي وأولده ‪ ،‬والنظمام إلى شيعتهم ‪.‬‬

‫‪ 2‬أعيان الشيعة للسيد محسن أمين القسم الول الجزء الول ص ‪. 24‬‬

‫‪189‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬الحقد والبغض لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ‪ ،‬خلفاء‬
‫نبي ال في أمته ‪ ،‬الثلثة الراشدين المهديين ‪ ،‬والطعن فيهم وتفسيقهم وتكفيرهم ‪.‬‬

‫رابعاً ‪ :‬تأليب الناس وتحريضهم على عثمان ‪ ،‬وإتهامه بتهم باطلة ‪ ،‬ليقاع الفرقة بين المة الواحدة والشقاق في‬
‫المسلمين ‪ ،‬والتشنيع على العمال ‪ ،‬وتشويه سمعة الحكام ‪ ،‬وخصوصاً الذين قادوا المعارك الحاسمة وفازوا فيها‬
‫‪.‬‬

‫خامساً ‪ :‬ترويج العقائد اليهودية والنصرانية والمجوسية بين المسلمين ‪ ،‬التي ل تمت إلى السلم بصلة ل قريبة‬
‫ول بعيدة ‪ .‬والكتاب المنزل من السماء على محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم خال ٍ منها ‪ ،‬وكذلك تعليمات‬
‫الرسول الناطق بالوحي نزيهة وبريئة من التلوث بها ‪ ،‬مثل قولهم بالوصاية والولية والعصمة والرجعة وعدم‬
‫الموت وملك الرض والحلول والتحاد وتأليه الخلق وإتصافهم بصفات ال ‪ ،‬وجريان النبوة بعد محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬و نزول الوحي ‪.‬‬

‫فهذه هي الفكار السبئية التي اقتبسناها من عبارات الشيعة وأئمتهم حول عبدال بن سبأ ‪ ،‬والعقائد التي دعوا إليها‬
‫وروجوها بين المسلمين ‪ ،‬والعبارات والنصوص التي سردناها في الباب الثاني ‪ ،‬حيث ذكرنا عبدال بن سبأ‬
‫والسبئية بالتفصيل ‪.‬‬
‫وهذه هي خلصة أقوالهم التي قالوها والعمال التي قاموا بها ‪.‬‬

‫والن لنضع النقاط على الحروف ونقول ‪:‬‬


‫أما الول ‪ :‬أي تكوين اليهود جمعيات تحت قيادة عبدال بن سبأ للدس والفتنة ‪ ،‬فل نحتاج لثباتها إلى أي شيئ ‪،‬‬
‫بعدما أثبتناها من أئمة الشيعة في الفرق والرجال والتاريخ والنقد ‪ ،‬غير السنة ‪ ،‬وتصريحاتهم ‪ ،‬وبعد ما أطنبنا‬
‫القول فيه فيما مـرّ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬أي إظهار الحب والولء والموالة لعلي وأولده ‪ ،‬فهذا هو الذي جعله الشيعة شعاراً لهم وما أكثر ما‬
‫قالوه في هذا وتقوّلوا به على عليّ وأولده – كذباً وزوراً – حتى جعلوا الدين كله موالة لعلي وأولده ‪ ،‬دون‬
‫اليمان بالقرآن والسنة ‪ ،‬بل ودون اليمان بال ورسوله والمتثال بأوامرهما ‪ ،‬والتجنب عن النواهي ‪ ،‬وبدون‬
‫العمل الصالح والسعي إلى المكارم والفضائل والحسنات ‪.‬‬
‫فلقد قالوا فيما قالوا ‪ ،‬وما أكثره وما أشنعه ‪ ،‬عن أبي جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" هل الدين إل الحب " ‪. 1‬‬
‫فالحب هو الدين ‪ ،‬ل الصلة ول الزكاة ول الحج ول الصوم ‪ ،‬ول غير ذلك من العبادات التي أمر ال بإتيانها‬
‫وأدائها ‪ ،‬ول المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬ول التجنب للبغي والفحشاء ‪ ،‬ول التقيد بالقيود في المعاملت‬
‫‪ ،‬ول المراعاة التي أمُـر بها النسان للتعايش مع ذويه وعشيرته وجيرانه ومجتمعه ‪ ،‬ول الحقوق ول الفرائض ‪،‬‬
‫ول الواجبات ول المحرمات ‪ ،‬فإن الدين هو الحب وحده ‪.‬‬
‫وهواليمان أيضًا كما نقلوه عن أبي جعفر محمد الباقر ‪ ،‬المام الرابع المزعوم ‪:‬‬
‫" حبنـا إيمان ‪ ،‬وبغضنا كفـر " ‪. 2‬‬
‫ل اليمان بال ول بالرسل ول بسيد النبياء وخاتم المرسلين ‪ ،‬ول بالكتاب المنزل عليه‪ ،‬ول بالتعاليم التي منحها‬
‫لصحابه وتلميذه ‪ ،‬لنه ما أرسل الرسل ‪ ،‬وما نزلت الكتب ‪ ،‬ولم يأت النبياء إل للدعوة إلى عليّ وأولده ‪،‬‬
‫وحبهم والموالة لهم ‪.‬‬
‫ولقد ذكر المفسر الشيعي الكبير البحراني ‪ ،‬في مقدمة تفسيره الكبير عن واحد من أصحاب عليّ ‪ ،‬حبة العوفي ‪،‬‬
‫أنه قال ‪:‬‬
‫" قال أمير المؤمنين عليه السلم ‪ :‬إن ال عز وجل عرض وليتي على أهل السموات وعلى أهل الرض ‪ ،‬أقرّ‬
‫بها من أق ّر بها ‪ ،‬وأنكرها من أنكرها ‪ ،‬أنكرها يونس ‪ ،‬فحبسه في بطن الحوت حتى أق ّر بها " ‪. 3‬‬
‫‪ 1‬كتاب الروضة من الكافي الكليني ‪ ،‬باب وصية النبي لمير المؤمنين ج ‪ 8‬ص ‪ 80‬ط‪ .‬طهران ‪.‬‬
‫‪ 2‬الصول من الكافي ج ‪ 1‬ص ‪. 188‬‬
‫‪ 3‬بصائر الدرجات ج ‪ 2‬ص ‪10‬ط‪ .‬إيران نقلً عن تفسير البرهان ‪ ،‬مقدمة ص ‪. 25‬‬

‫‪190‬‬
‫وذكر عن ( البصائر) عن محمد بن مسلم ‪ ،‬أنه قال ‪:‬‬
‫" سمعت أبا جعفر عليه السلم يقول ‪ :‬إن ال أخذ ميثاق النبيين على ولية عليّ ‪ ،‬وأخذ عهد النبيين على ولية‬
‫عليّ " ‪. 1‬‬
‫وليس هذا فحسب‪ ،‬بل وأكثر من ذلك ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫" وفي كنز الفوائد نقلً من خط الشيخ الطوسي من كتاب مسائل البلدان ‪ ،‬عن جابر الجعفي عن رجل من‬
‫أصحاب أمير المؤمنين عليه السلم ‪ ،‬قال ‪ :‬دخل سلمان على علي ّ ‪ ،‬فسأله عن نفسه ؟ فقال ‪ :‬يا سليمان ‪ ،‬أنا‬
‫الذي دعيت المم كلها إلى طاعتي ‪ ،‬فكفرت فعذبت في النار ‪ ،‬وأنا خازنها عليهم ‪ ،‬حقاً أقول يا سلمان إنه ل‬
‫يعرفني أحد حق معرفتي إل كان معي ‪ ،‬أخذ ال على الناس الميثاق لي فصدق من صدق ‪ ،‬وكذب من كذب ‪.‬‬
‫قال سلمان ‪ :‬لقد وجدتك يا أمير المؤمنين في التوراة كذلك ‪ ،‬وفي النجيل كذلك ‪ ،‬بأبي أنت وأمي يا قتيل كوفة !‬
‫أنت حجة ال الذي تاب به على آدم ‪ ،‬وبك أنجى يوسف من الجب ‪ ،‬وأنت قصة أيوب ‪ ،‬وسبب تغير نعمة ال‬
‫عليه ‪ .‬فقال أمير المؤمنين ‪ :‬أتدري ما قصة أيوب ؟ ‪ .‬قال ‪ :‬ال أعلم وأنت يا أمير المؤمنين ‪ .‬قال ‪ :‬لما كان عند‬
‫النبعاث للمنطق ‪ ،‬شك أيوب في ملكي ‪ ،‬فقال ‪ :‬هذا خطب جليل ‪ ،‬وأمر جسيم ‪ .‬فقال ال ‪ :‬يا أيوب ‪ ،‬أتشك في‬
‫صورة أقمته أنا ؟ إني ابتليت آدم بالبلء ‪ ،‬فوهبته له ‪ ،‬وصفحت عنه بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين ‪ ،‬فأنت تقول‬
‫خطب جليل وأمر جسيم ‪ ،‬فوا عزتي و جللي لذيقنك من عذابي أو تتوب إليّ بالطاعة لمير المؤمنين ‪ .‬ثم‬
‫أدركته السعادة بي ‪ .‬يعني أنه تاب وأذعن بالطاعة لعلي عليه السلم " ‪. 2‬‬

‫وغير هذا أيضاً ‪:‬‬


‫" ففي سرائر إبن إدريس من جامع البزنطي ‪ ،‬عن سليمان بن خالد قال ‪ :‬سمعت أبا عبدال عليه السلم يقول ‪:‬‬
‫ما من نبي ‪ ،‬ول من آدمي ول من إنسي ول جني ول ملك في السماوات والرض إل ونحن الحجج عليهم ‪ ،‬وما‬
‫خلق ال خلقاً إل وقد عرض ول يتنا عليه ‪ ،‬واحتج بنا عليه ‪ ،‬فمؤمن بنا وكافر جاحد ‪ ،‬حتى السموات والرض‬
‫"‪.3‬‬
‫وتتمة هذا الخبر في مناقب إبن شهر آشوب ‪ ،‬عن محمد بن الحنفية عن أمير المؤمنين عليه السلم قال ‪ :‬عرض‬
‫ال أمانتي على السموات السبع بالثواب والعقاب ‪ ،‬فقـلن ربنا ل تحملنا بالثواب والعقاب ‪ ،‬لكننا نحملها بل ثواب‬
‫ول عقاب ‪ .‬و إن ال عرض وليتي وأمانتي على الطيور ‪ ،‬فأول من آمن بها البزاة البيض والقنابـر ‪ ،‬وأول من‬
‫جحدها البوم والعنقاء ‪ ،‬فلعنهما ال من بين الطيور ‪ ،‬فأما البوم فل تقدر أن تطير بالنهار لبغض الطير له ‪ ،‬وأما‬
‫العنقاء فغابت في البحار ل ُترى ‪ .‬وإن ال عرض أمانتي على الرض ‪ ،‬فكل بقعة آمنت بوليتي جعلها طيّـبة‬
‫زكيـّة ‪ ،‬وجعل نباتها وثمرها حلواً عذباً ‪ ،‬وجعل ماءها زللً ‪ .‬وكل بقعة جحدت إمامتي وأنكرت ول يتي ‪،‬‬
‫جعلها سبخاً وجعل نباتها مـرّا وعلقماً ‪ ،‬وجعل ثمرها العوسج والحنطل ‪ ،‬وجعل ماءها ملحاً أجاجاً " ‪. 4‬‬
‫وأما بخاريهم الكليني ‪ ،‬فروى في صحيحه عن أبي عبدال جعفر – المام السادس عندهم – أنه قال ‪:‬‬
‫" وليتنا ولية ال التي لم يبعث نبيًا قط إل بها " ‪. 5‬‬
‫وعن أبيه أبي جعفر ‪ -‬محمد الباقر ‪ -‬أنه قال ‪:‬‬
‫" وال إن في السماء لسبعين صفاً من الملئكة ‪ ،‬لو اجتمع أهل الرض كلهم يحصون عدد كل صف منهم ما‬
‫أحصوهم ‪ ،‬وإنهم ليدينون بوليتنا " ‪. 6‬‬
‫وعنه أيضاً أنه قال ‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫" إن ال أخذ ميثاق شيعتنا بالولية لنا ‪ ،‬وهم ذرّ " ‪.‬‬
‫وأخيراً ‪ ،‬روى الكليني عن إمامه المعصوم ‪ ،‬عن أبي الحسن أنه قال ‪:‬‬
‫" ولية علي عليه السلم مكتوبة في صحف جميع النبياء " ‪. 8‬‬
‫وكما روى أيضاً عن سالم الحناط ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫‪ 1‬أيضاً ص ‪. 26‬‬
‫‪ 2‬تفسير البرهان للبحراني ‪ ،‬مقدمة ص ‪.27‬‬
‫‪ 3‬أيضاً ص ‪.26‬‬
‫‪ 4‬أيضاً ‪.‬‬
‫‪ 5‬كتاب الحجة من الكافي ج ‪ 1‬ص ‪.437‬‬
‫‪ 6‬أيضاً ص ‪.437‬‬
‫‪ 7‬أيضاً ص ‪.438‬‬
‫‪ 8‬كتاب الحجة من الكافي ج ‪ 1‬ص ‪.437‬‬

‫‪191‬‬
‫" قلت لبي جعفر عليه السلم ‪ :‬أخبرني عن قول ال تبارك وتعالى ‪ :‬نزل به الروح المين على قلبك لتكون من‬
‫المنذرين بلسان عربي مبين ‪ ،‬قال ‪ :‬هي الولية لمير المؤمنين عليه السلم " ‪. 1‬‬
‫وكذلك سُـئـل أبو جعفر عن قول ال عز وجل ‪ :‬ولو أنهم أقاموا التوراة والنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫الولية " ‪.2‬‬
‫وابنه جعفر قال ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫" ولية أمير المؤمنين عليه السلم ‪ ،‬إن هذا لفي الصحف الولى صحف إبراهيم وموسى " ‪.‬‬
‫وروى الكليني عن الصومالي ‪:‬‬
‫" عن أبي جعفر عليه السلم قال ‪ :‬أوحى ال إلى نبيّـه صلى ال عليه وآله ‪ :‬فاستمسك بالذي أوحينا إليك إنك‬
‫على صراط مستقيم ‪ ،‬قال ‪ :‬إنك على ولية عليّ ‪ ،‬وعليّ هو الصراط المستقيم "‪. 4‬‬
‫وإن لم يأت العبد بولية عليّ‪ ،‬لم يسأله عن شيء ‪ ،‬وأمر به إلى النار ‪.‬‬
‫وعلى ذلك قال البحراني ‪ ،‬مفسر الشيعة ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫" إن ال لم يبعث نبياً قط إل بعد ما أقرّ بالولية لهل البيت ‪ ،‬وإن بعثة النبياء كانت لذلك أيضاً " ‪.‬‬
‫وإن هذه الموالة هي سبب دخول الجنة والنجاة من النار ‪ ،‬ل العمال ول الحسنات ‪ .‬فمن والى علياً وأولده فهم‬
‫من أهل الجنة ‪ ،‬وغيره يدخل النار ولو صام وصلى ‪ .‬كما نقلوا عن جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫" سواء على من خالف لنا أهل البيت ل يبالى صلى أو صام ‪ ،‬أو زني أو سرق ‪ .‬إنه في النار ‪ ،‬إنه في النار "‬
‫‪.‬‬
‫وكذبوا على رسول ال أنه قال لعليّ رضي ال عنه ‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫" من أحبك كان مع النبيين في درجتهم يوم القيامة ‪ ،‬ومن مات يبغضك فل يبالي مات يهودياً أو نصرانياً " ‪.‬‬
‫وكذلك روى صدوقهم – وهو كذوبهم ‪:‬‬
‫" قال رسول ال (ص) ‪ :‬يا علي إن ال تعالى قد غفر لك ولهلك ولشيعتك ومحبي شيعتك ومحبّي محبّي‬
‫شيعتك ‪ ،‬فأبشر" ‪. 8‬‬
‫وذكر العياشي في تفسيره عن أبي عبدال جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫‪9‬‬
‫" المؤمنون بعليّ هم الخالدون في الجنة وإن كانوا في أعمالهم مسيئة " ‪.‬‬
‫حب عليّ حسنة ل تضر معها سيئة‪ 10‬وبغضه معصية ل تنفع معها حسنة ‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫وأخيراً ‪ ،‬ما كذبوه على رسول ال أنه قال ‪:‬‬


‫" سمعت ال عز وجل يقول ‪:‬‬
‫علي بن أبي طالب حجتي على خلقي ‪ ،‬ونوري في بلدي ‪ ،‬وأميني على علمي ‪ ،‬ل أدخل النار من عرفه وإن‬
‫عصاني ‪ ،‬ول أدخل الجنة من أنكره وإن أطاعني "‪.12‬‬
‫فالقضية واضحة بأن طاعة ال ليست بطاعة ‪ ،‬ومعصية ال ليست بمعصية ما دام الحب والولء لعلي وأولده‬
‫موجود ‪ .‬وهذا ما كان يقصده اليهودية البغضاء لبعاد أمة محمد صلى ال عليه وسلم عن الشريعة السماوية التي‬
‫ل تفرق بين شخص وشخص ‪ ،‬ول تجعل مدار العز والشرف إل على العمل والتقوى ‪ ،‬كما قال جل من قائل ‪:‬‬
‫عنْدَ الِّ َأ ْتقَاكُمْ } ‪. 13‬‬
‫{ ِإنّ أَ ْكرَمَكُمْ ِ‬
‫‪ 1‬أيضًا ‪ ،‬باب فيه نكت من التنزيل في الولية ج ‪ 1‬ص ‪. 312‬‬
‫‪ 2‬أيضاً ص ‪.413‬‬
‫‪ 3‬أيضاً ص ‪.418‬‬
‫‪ 4‬أيضاً ص ‪.417‬‬
‫‪ 5‬أنظر البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني ‪ ،‬مقدمة ص ‪ 339‬ط‪ .‬إيران ‪.‬‬
‫‪ 6‬أيضاً ‪ ،‬الفصل الثاني في بيان فرض ولية أهل البيت ص ‪.21‬‬
‫‪ 7‬عيون أخبار الرضا ج ‪ 2‬ص ‪ .85‬ط‪ .‬طهران ‪.‬‬
‫‪ 8‬أيضًا ج ‪ 2‬ص ‪. 47‬‬
‫‪ 9‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪. 139‬‬
‫‪ 10‬ويجب النتباه أنه لم يرو هذه الروايات إل الوضّـاعون الدجالون من الشيعة الذين ينقلون عن دجاجلة كذابين مثلهم ‪ .‬وقد وردت هذه الروايات‬
‫بطرق الشيعة الكذابين أيضاً في بعض كتب السنة الذين لم يلتزموا بإيراد الروايات الصحيحة ‪ ،‬ولم يلزموا أنفسهم تنقيد الرواة وتنقيح أحوالهم ‪ ،‬فل‬
‫يعتمد على تلك المرويات ‪ ،‬لنها منقولة ومروية من الشيعة لترويج باطلهم ونشر أباطيلهم ‪ .‬ول الحمد والمنة أن عند السنة معيارًا قويًا ومحكاً‬
‫صالحًا لتنقية هذه الروايات وتنقيحها ‪ ،‬لتمييز الحق من الباطل ‪ .‬كما عندهم أصول وضوابط وقواعد لنقـد الرجال جرحًا وتعديل‪ .‬فل تقبل الروايات‬
‫والرواة عندهم إل الصادقة عن الصدوق ‪ ،‬ول يلتفت إلى الضعفاء والوضع والوضاع ‪ ،‬وإلي الكاذيب والكذبة ‪.‬‬
‫‪ 11‬منهج الصادقين ج ‪ 8‬ص ‪. 110‬‬
‫‪ 12‬البرهان ‪ ،‬مقدمة ص ‪. 13‬‬
‫‪ 13‬سورة الحجرات الية ‪. 13‬‬

‫‪192‬‬
‫وقال ‪َ { :‬وُأزِْل َفتِ الْ َجنّةُ ِللْمُ ّتقِينَ (‪َ )90‬و ُبرّ َزتِ الْجَحِيمُ ِللْغَاوِينَ(‪. 1 } )91‬‬

‫ن اللّغْوِ مُ ْع ِرضُونَ (‪ )3‬وَالّذِينَ ُهمْ‬ ‫لتِهِمْ خَاشِعُونَ (‪ )2‬وَالّذِينَ هُمْ عَ ِ‬ ‫صَ‬ ‫وقال ‪ { :‬قَدْ أَ ْفلَحَ الْمُؤْ ِمنُونَ (‪ )1‬الّذِينَ هُمْ فِي َ‬
‫علَى َأزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا َملَكَتْ َأيْمَانُهُمْ َفِإنّهُمْ غَ ْيرُ َملُومِينَ (‪ )6‬فَ َم ِ‬
‫ن‬ ‫علُونَ (‪ )4‬وَالّذِينَ ُهمْ ِل ُفرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (‪ِ )5‬إلّ َ‬ ‫لِلزّكَاةِ فَا ِ‬
‫صلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (‬
‫ابْتَغَى َورَاءَ َذِلكَ َفأُو َل ِئكَ هُمُ الْعَادُونَ (‪ )7‬وَالّذِينَ هُمْ لَِمَانَاتِهِمْ َوعَهْ ِدهِمْ رَاعُونَ (‪ )8‬وَالّذِينَ هُمْ عَلَى َ‬
‫‪ )9‬أُوَلئِكَ ُهمُ الْوَا ِرثُونَ (‪ )10‬الّذِينَ َي ِرثُونَ ا ْل ِفرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ‪. 2‬‬
‫شرّا َيرَهُ (‪. 3 } )8‬‬ ‫وقال ‪ { :‬فَ َمنْ يَعْمَلْ ِم ْثقَالَ َذرّةٍ َ‬
‫خيْرًا َيرَهُ (‪ )7‬وَ َمنْ يَعْمَلْ ِم ْثقَالَ َذرّةٍ َ‬

‫وقال ‪َ { :‬ولَ َتزِرُ وَا ِزرَةٌ ِو ْزرَ أُ ْخرَى } ‪. 4‬‬

‫ستَغْنَى (‪ )8‬وَ َك ّذبَ‬


‫سرُهُ ِل ْل ُيسْرَى (‪َ )7‬وأَمّا َمنْ بَخِلَ وَا ْ‬
‫سنُ َي ّ‬ ‫وقال ‪َ { :‬فأَمّا َمنْ َأعْطَى وَاتّقَى (‪َ )5‬وصَدّقَ بِالْ ُ‬
‫حسْنَى (‪َ )6‬ف َ‬
‫‪5‬‬
‫عنْهُ مَالُهُ ِإذَا َترَدّى (‪. } )11‬‬ ‫سرَى (‪ )10‬وَمَا يُ ْغنِي َ‬‫سرُهُ لِلْ ُع ْ‬ ‫حسْنَى (‪َ )9‬ف َ‬
‫س ُن َي ّ‬ ‫بِالْ ُ‬

‫جرِمِينَ (‪ )41‬مَا‬
‫عنِ الْمُ ْ‬
‫جنّاتٍ َي َتسَا َءلُونَ (‪َ )40‬‬
‫س َبتْ رَهِينَةٌ (‪ِ )38‬إلّ َأصْحَابَ ا ْليَمِينِ(‪ )39‬فِي َ‬ ‫وقال ‪ُ { :‬كلّ َنفْسٍ بِمَا َك َ‬
‫س َقرَ (‪ )42‬قَالُوا لَمْ َنكُ ِمنَ الْ ُمصَلّينَ (‪َ )43‬ولَمْ َنكُ نُطْعِمُ الْ ِمسْكِينَ (‪ )44‬وَ ُكنّا نَخُوضُ مَعَ الْخَا ِئضِينَ (‪ )45‬وَ ُكنّا‬ ‫سلَكَكُمْ فِي َ‬
‫َ‬
‫‪6‬‬
‫شفَاعَ ُة الشّا ِفعِينَ (‪. } )48‬‬ ‫حتّى َأتَانَا ا ْل َيقِينُ (‪ )47‬فَمَا َت ْنفَعُهُمْ َ‬
‫نُكَ ّذبُ ِبيَوْمِ الدّينِ (‪َ )46‬‬

‫نعم الشريعة التي لم تفرق بين شخص وشخص لحسبه ونسبه ‪ ،‬فلم تفرق بين أبي لهب بأنه يدخل الجنة لنه عم‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ولم تقتصر على البيان بأنه من أهل النار ‪ ،‬بل قرن ذكره باللعن في الكتاب الذي‬
‫يبقى أبد الدهر ‪ .‬حيث قال ‪:‬‬
‫طبِ (‪)4‬‬‫صلَى نَارًا ذَاتَ لَ َهبٍ (‪ )3‬وَا ْم َرَأتُهُ حَمّالَةَ الْحَ َ‬
‫س َي ْ‬
‫سبَ (‪َ )2‬‬ ‫{ َت ّبتْ يَدَا َأبِي لَ َهبٍ َو َتبّ (‪ )1‬مَا َأ ْ‬
‫غنَى عَنْهُ مَالُهُ َومَا َك َ‬
‫سدٍ (‪. 7 } )5‬‬ ‫حبْلٌ ِمنْ َم َ‬‫فِي جِيدِهَا َ‬
‫ولم تفرق تلك الشريعة السمحاء بين بلل وغيره لنه حبشي وغير عربي وقرشي ومكي ‪ ،‬جاء إلى مكة وهو‬
‫مملوك لغيره ‪ ،‬بل بُشـّر بالجنة بلسان الناطق بالوحي ‪ ،‬لن أعماله أهلته لذلك ‪.‬‬
‫وهم الذين كانوا يرون اليمان بال وبالرسول وبالكتاب الذي نزل عليه ‪ ،‬والعمال الصالحة حسب أوامر‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم سبباً لدخول الجنة ‪ .‬كانوا يقومون ليلً ‪ ،‬ويصومون نهارا ‪ ،‬و يرفعون رايات‬
‫الجهاد ‪ ،‬وينزل عليهم النصر من فوق السماء ‪ ،‬ويؤيدهم ملئكة الرب وجنود الرحمان ‪ .‬وهم الذين كانوا يرون‬
‫الجنة تحت ظلل السيوف لحقاق الحق وإبطال الباطل ‪ ،‬ولظهار دين ال كله ‪ .‬وهم الذين كانوا يقهرون‬
‫سلطين المم وملوكها وجبابرة الرض وطغاتها ‪ ،‬وهم الذين اندحرت أمامهم فلول اليهودية وجيوش النصرانية‬
‫وعساكر المجوسية ‪ ،‬وهم الذين أريد بهم وبأخلفهم أن يبعدوا عن هذه الشريعة الحية المحيية للموات ‪ ،‬والباعثة‬
‫فيهم الرواح ‪.‬‬
‫أرادوا إماتة هذه المة المقدامة ‪ ،‬لردهم عن دينهم ‪ ،‬وإبعادهم عن تعاليم السلم الحقيقية ‪ ،‬عن اليمان والعمل‬
‫والجد والجهاد ‪.‬‬
‫فقالوا ‪:‬‬
‫ل يحتاج لدخول الجنة ‪ ،‬وإرضاء الرب إلى كل هذه المشقة والعناء ‪ ،‬بل يكفي لها حب أشخاص و الولية لهم ‪.‬‬
‫ففازوا في مقاصدهم الخبيثة بعض الفوز ‪ ،‬وانطلت مكايدهم على بعض السذج الغفلة من الناس ‪ ،‬والمغرورين‬
‫والمخدوعين بأسماء أشخاص لم يكونوا إل عباداً ل المتقين ‪ ،‬العاملين المؤمنين ‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة الشعراء آية ‪.90‬‬


‫‪ 2‬سورة المؤمنون الية ‪ 1‬إلى الية ‪. 11‬‬
‫‪ 3‬سورة الزلزلة الية ‪.8،7‬‬
‫‪ 4‬سورة النعام الية ‪. 164‬‬
‫‪ 5‬سورة الليل الية ‪. 9‬‬
‫‪ 6‬سورة المدثر الية ‪ 38‬إلى الية ‪. 48‬‬
‫‪ 7‬سورة تبت ( المسد ) ‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫فبدل أن يكون أمام أعينهم أن أول ما يُسأل العبد عنه الصلة ‪ ،‬كي ل يصلوا ويجتهدوا في التقرب إلى ال‬
‫بالركوع والسجود والقيام إليه ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫قال أبو الحسن عليه السلم – المام الثامن عندهم – " أول ما يُسأل عنه العبد ‪ ،‬حبنا أهل البيت " ‪.‬‬
‫وعلى ذلك جعلت الولية أهم من الصلة والزكاة ‪ ،‬ومن كل شيء ذكرناه آنفا ‪ ،‬وكما ورد في الكافي للكليني ‪،‬‬
‫عن أبي جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" بُـني السلم على خمس ‪ ،‬على الصلة والزكاة والصوم والحج والولية ‪ ،‬ولم يناد بشيء كما نودي بالولية "‬
‫‪.2‬‬
‫بل وهي المقصود ‪ ،‬كما كذبوا على النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫" أتاني جبريل عليه السلم وقال ‪ :‬يا محمد ربك يقرئك السلم ‪ ،‬ويقول ‪ :‬فرضت الصلة ووضعتها عن‬
‫المريض ‪ ،‬وفرضت الصوم ووضعته عن المريض والمسافر ‪ ،‬وفرضت الحج ووضعته عن المقل المدقع ‪،‬‬
‫وفرضت الزكاة ووضعتها عن من ل يملك النصاب ‪ ،‬وجعلت حب عليّ بن أبي طالب عليه السلم ليس فيه‬
‫رخصة " ‪. 3‬‬
‫ولذلك جعلوها مدار الكفر واليمان ‪ ،‬كما هو ظاهر من هذه الروايات ‪ ،‬وكما بيّـناه آنفا‪.‬‬

‫وأما من قال من الشيعة المعاصرين ‪ ، 4‬بأن العتقاد بالولية ليس بالضروري ‪ ،‬وأنه بعدم العتقاد بها ل يخرج‬
‫عن كونه مسلماً ‪ ،‬ليس إل خداعاً وتزويراً ‪ .‬ول يتفوّه بمثل هذه الكلمات إل في كتب الدعاية ‪ ،‬وليقاع السذج من‬
‫المسلمين في شراكهم وحبائلهم ‪ .‬وإل فهم ل يعتقدون بمثل هذه العتقادات كما ذكر وصرح به أئمة الشيعة ‪.‬‬
‫ولقد ذكر السيد البحراني عن عديد من أئمة الشيعة ‪ ،‬بأن هذه العقيدة اليهودية التي أوجدها وأنشأها عبدال بن‬
‫سبأ اليهودي لتعطيل الشريعة ‪ ،‬وإبعاد المسلمين عنها ‪ ،‬هي مدار اليمان ‪ ،‬وهي مدار النجاة ‪ ،‬والمنكر بها ل يُعد‬
‫مؤمناً ‪.‬‬
‫ونذكر ههنا ‪ ،‬عن إمامهم وشيخهم المفيد ‪ ،‬أنه ذكر في كتاب المسائل ‪:‬‬
‫" اتفـقت المامية على أن من ينكر إمامة إمام ‪ ،‬وجحد ما أوجبه ال تعالى له من فرض طاعته ‪ ،‬فهو كافر ضال‬
‫مستحق الخلود في النار ‪ ...‬وقال ‪ :‬ل يجوز لحد من أهل اليمان ‪ ،‬أن يغسّـل مخالفاً للحق في الولء ‪ ،‬ول‬
‫يصلي عليه " ‪. 5‬‬
‫ونقل مثل ذلك عن بابويه القمي شيخ الطائفة الطوسي ‪ ،‬والمل باقر المجلسي ‪ ،‬والسيد شريف المرتضى ‪،‬‬
‫وغيرهم من الكثيرين مثله ‪.‬‬

‫وأما البغض والحسد لصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فيهم والعيب عليهم وشتمهم ‪ ،‬فصار من لوازم مذهب‬
‫الشيعة ‪ ،‬وقلما يوجد كتاب من كتبهم إل وهو مليء بالطعن والتعريض بهم ‪ .‬بل ولقد خصص أبواب مستقلة‬
‫لتكفير وتفسيق أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ول يذكرهم أحد من القوم إل ويسبق ذكرهم بالشتيمة ويلحق‬
‫بالسباب ‪.‬‬
‫ولقد مثلنا لهذا في كتابنا ( الشيعة والسنة ) في الباب الول منه ‪ .‬كما فصلنا القول في هذا الخصوص في كتابنا (‬
‫الشيعة وأهل البيت ) في الباب الثاني منه ‪ ،‬ول نريد أن نعيد ما ذكرناه هناك تجنباً للطالة ‪ .‬فليرجع القارئ في‬
‫معرفة ذلك إلى هذين الكتابين ‪.‬‬
‫ونقتصر على ما كتبه إمام شيعة اليوم السيد الخميني في كتابه ( كشف السرار ) ‪.‬‬
‫ل سياسياً – والسياسة تتطلب بعض الملينة والمهادنة والمراعاة للخرين – يذكر بكل‬ ‫وهو مع كونه رج ً‬
‫صراحة ووضوح ‪:‬‬
‫أن أبا بكر وعمر وعثمان ‪ ،‬لم يكونوا خلفاء رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بل وأكثر من ذلك أنهم غيروا‬
‫أحكام ال ‪ ،‬وحللوا حرام ال ‪ ،‬وظلموا أولد الرسول ‪ ،‬وجهلوا قوانين الرب وأحكام الدين ‪. 6‬‬
‫‪ 1‬عيون أخبار الرضا ج ‪ 2‬ص ‪ ، 65‬أيضاً البرهان ‪ ،‬مقدمة ص ‪. 22‬‬
‫‪ 2‬الكافي في الصول ‪ ،‬باب دعائم السلم ج ‪ 2‬ص ‪. 18‬‬
‫‪ 3‬البرهان ‪ ،‬مقدمة ص ‪. 22‬‬
‫‪ 4‬أل وهو الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه ( أصل الشيعة وفروعها ) ص ‪ 104 ،103‬الطبعة التا سعة بيروت ‪1960‬م ‪ ،‬وكذلك‬
‫السيد محسن المين في كتابه ( أعيان الشيعة ) ج ‪ 1‬ص ‪. 69‬‬
‫‪ 5‬البرهان ‪ ،‬مقدمة ص ‪. 20‬‬
‫‪ 6‬ملخص ما قاله السيد الخميني في كتابه ( كشف السرار ) ص ‪ 110‬وما بعد ط فارسي ‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫وبعد ذلك يذكر عقيدته ‪ ،‬عقيدة الشيعة في المامة ‪ ،‬فيقول تحت عنوان ‪ :‬لماذا لم يذكر إسم المام في القرآن‬
‫صريحاً ‪:‬‬
‫" ولقد ظهر مما ذكر ‪ ،‬أن المامة أصل من الصول المسلمة السلمية بحكم العقل والقرآن ‪ .‬وأن ال قد ذكر‬
‫هذا الصل المسلم في عديد من مواضع القرآن ‪ .‬فيمكن أن يسأل سائل ‪ :‬مادام هذا ‪ ،‬فلماذا لم يذكر إسم المام في‬
‫القرآن ‪ ،‬لكي ل تقع خلفات وحروب حوله كما وقعت ؟‬
‫فالجواب على ذلك بوجوه ‪ ،‬وقبل حل هذا الشكال ‪ ،‬نريد أن نقول جهراً ‪ :‬إن كل الخلفات التي حلت بين‬
‫المسلمين في جميع أمورهم وشئونهم ‪ ،‬لم تقع بينهم إل من أثر السقيفة ‪ .‬ولو لم يكن ذلك اليوم ‪ ،‬لم يكن بين‬
‫المسلمين خلف في القوانين السماوية ‪ .‬فنقول ‪ :‬لو ذكر إسم المام في القرآن فرضاً ‪ ،‬لم يكن يرفع النزاع بين‬
‫المسلمين ‪،‬لن الذين لم يدخلوا السلم إل طمعاً في الرئاسة ‪ ،‬وتجمعوا وتحزبوا لنيلها ‪ ،‬لم يكونوا مقتنعين‬
‫بنصوص القرآن وآياته ‪ .‬ولم يكونوا منتهين عن أطماعهم وأغراضهم ‪ .‬بل كان من الممكن أن يزدادوا في‬
‫مكرهم ‪ ،‬ويصلوا إلى هدم أساس السلم ‪ .‬لن الطامعين في الرئاسة والطالبين لها لو رأوا مقصودهم ل يحصل‬
‫بإسم السلم ‪ ،‬لشكلوا آنذاك حزباً معارضاً للسلم ومخالفه ‪ .‬وآنذاك لم يكن لعلي بن أبي طالب أن يسكت ‪،‬‬
‫فكان من نتيجة ذلك أن يحصل النزاع والخلف الذي يقـلع جذرة السلم ‪ ،‬ويقطع دابره ‪ .‬وعلى ذلك كان ذكر‬
‫إسم علي بن أبي طالب في القرآن خلف مصلحة أصل المامة ‪.‬‬
‫وأيضاً لو كان إسم المام مذكوراً في القرآن ‪ ،‬لم يكن مستبعداً من الذين لم تكن علقتهم بالسلم و القرآن غير‬
‫الدنيا والرئاسة ‪ ،‬الذين جعلوا القرآن وسيلة لجراء نياتهم الفاسدة ‪ ،‬لم يكن مستبعداً منهم أن يحذفوا تلك اليات‬
‫من القرآن ‪ ،‬ويحرفـّوا كتاب ال ‪ ،‬ويبعدوه عن أنظار الناس إلى البد ‪.‬‬
‫وأيضاً لو لم يحدث من هذا شيء على الفرض والتقدير ‪ ،‬لم يكن من غير المتوقع من ذلك الحزب الطامع‬
‫الحريص على الرئاسة ‪ ،‬أن يختلقوا حديثاً كاذباً على رسول ال أنه قال قبيل وفاته إن ال خلع عليّ بن أبي طالب‬
‫من منصب المامة ‪ ،‬وجعل المر شورى بينكم ‪.‬‬
‫ول ينبغي لحد أن يقول ‪ :‬لو ورد ذكر ذلك المام في القرآن ‪ ،‬لما استطاع الشيخان أن يخالفاه ‪ ،‬ولو خالفاه‬
‫فرضاً ‪ ،‬لم يقبله المسلمون ‪ ،‬وقاموا ضدهما ‪ .‬فنحن نقول ‪ :‬إنه ل ينبغي القول بهذا ‪ ،‬لننا نعرف أنهما خالفا‬
‫صريح القرآن جهراً وعلناً والناس لم يردوا عليهما ‪ ،‬بل قبلوا مخالفتهما للقرآن " ‪. 1‬‬
‫ثم مثل بأمثلة كثيرة حسب زعمه لثبات مخالفة أبي بكر وعمر رضي ال عنهما القرآن بعنوان ( مخالفة أبي‬
‫بكر النصوص القرآنية ) و ( مخالفة عمر قرآن الرب ) " ‪. 2‬‬

‫وأخيراً قال بعد ذكر هذه المخالفات المزعومة ‪:‬‬


‫" ويعلم بهذا كله ‪ ،‬مخالفة أبي بكر وعمر القرآن في حضور المسلمين ولم يكن هذا المر ذا بال عندهم ‪ ،‬بل‬
‫كانوا هم معهما ‪ ،‬وفي حزبهما مناصرين مساعدين لهما في نيل المقصود ‪ .‬ويعرف بهذا كله ‪ ،‬أنه لو ورد ذكر‬
‫المام في القرآن‪ ،‬لم يكونوا تاركين للرئاسة لقول ال عز وجل ‪ ،‬ول معطين له أي اهتمام ‪ .‬وكما أن أبا بكر‬
‫الذي كان خداعه ظاهراً وزائداً ‪ ،‬استطاع أن يحرم ابنة رسول ال من إرثها الثابت بالقرآن والعقل ‪ ،‬باختلق‬
‫حديث مكذوب ‪ ،‬لم يكن مستبعداً من عمر أن يقول بأن ال أو جبريل أو الرسول أخطئوا في ذكر إسم المام في‬
‫القرآن وآياته ‪ ،‬ولذلك ل يُنظر إليه ‪ ،‬ول يُعمل به ‪ ،‬وآنذاك قام حزب السنة وتابعوه على قوله ‪ ،‬وتركوا القرآن‬
‫مهجورا ‪ .‬كما أنهم تابعوه في جميع التغييرات التي أتى بها في دين السلم ‪،‬ورجحّوا قوله على القرآن وآياته‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫وقدموه على أحاديث رسول السلم وأقواله "‬

‫‪ 1‬كشف السرار للسيد الخميني (*) ص ‪ 114،113،112‬ط‪ .‬فارسي ‪.‬‬


‫‪ 2‬أنظر ص ‪ 114‬و ‪ – 117‬كشف السرار ‪.‬‬
‫ل يكشف السرار عن هذا الرجل زعيم‬ ‫(*) والمفروض أن يُسمى هذا الكتاب كشف أسرار الخميني ‪ ،‬ل كشف السرار للسيد الخميني ‪ ،‬لنه فع ً‬
‫الشيعة ومصلح المة كما يزعمه بعض المغفلين والسذج من أهل السنة في مختلف بقاع الرض من العالم السلمي وغير السلمي ‪ .‬وأتمنى أن‬
‫يقوم بترجمة هذا الكتاب أحد من العارفين ‪ ،‬وتكون له معرفة باللغة الفارسية ‪ ،‬فينقله إلى اللغات العالمية الخرى ‪ ،‬حتى تكون أسرار السيد الخميني‬
‫مكشوفة عندهم ‪.‬‬
‫والجدير بالذكر ‪ ،‬أن هذا الكتاب ل زال يُطبع في إيران ويُوزع من قبل الحكومة اليرانية في الداخل والخارج ‪ ،‬بدون أي تغيير أو تبديل فيه ‪.‬‬
‫وواعجبا للموجدين العذار ‪ ،‬الذين يختلقونها من عند أنفسهم ‪ ،‬والكاتب المؤلف حي ل ينطق ببنت شفـة في هذا الموضوع ‪ .‬وكيف ينطق وهذه هي‬
‫العـقائد التي يبتني عليها مذهبه ومسلكه ‪ ،‬وهذه هي السس التي يقوم عليها دينه وموقـفه ‪ .‬وإن في ذلك لعبرة لولي البصار ‪.‬‬
‫‪ 3‬كشف السرار ص ‪.120،119‬‬

‫‪195‬‬
‫وهناك كثير وكثير من هذا القبيل ‪.‬‬

‫هذه هي عقيدة القوم في أبي بكر وعمر وعثمان ‪ ،‬وفي أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم رضي ال عنهم‬
‫ورضوا عنه ‪ .‬قد ذكرناها من رجل سياسي بارز ‪ ،‬يُعد نائب المام الغائب عند الشيعة ‪ ،‬ومصلح المة عند‬
‫بعض السنة ‪ ،‬طبق ما توارثه من السبئية وعبد ال بن سبأ ‪ ،‬وعليها يُـقاس عقيدة الخرين من القوم الذين لم‬
‫يُمارسوا السياسة ‪ ،‬ولم يستلموا الزعامة الدينية ‪ ،‬ولم يتسلطوا على البلد التي يسكنها كثير من السنيين الذين‬
‫يحتاجون إلى المداهنة والمراعاة ‪.‬‬

‫وأما الطعن في عثمان ذي النورين رضي ال عنه ‪ ،‬واللعن عليه وعلى أعماله ‪ ،‬فإنها أمور ل تحتاج إلى‬
‫البيان ‪ ،‬وخصوصًا بعد ما ذكرناه في الباب الول والثاني من المثالب والمطاعن المنقولة من كتب القوم أنفسهم ‪،‬‬
‫بذكر الصفحات والمجلدات ‪.‬‬
‫ومن أراد الستزادة ‪ ،‬فليرجع إليهما ‪ ،‬وإلى كتابنا ( الشيعة والسنة ) و( الشيعة وأهل البيت ) ‪.‬‬

‫والجدير بالذكر ‪ ،‬أن كتب الشيعة الثني عشرية ‪ ،‬ل يخلو كتاب من كتبهم سواء كان في التفسير أو الحديث أو‬
‫التاريخ أو السيرة أو الرجال أو الكلم أو العقائد أو غير ذلك ‪ ،‬من نفس المطاعن التي كان يرددها السبئيـون ضد‬
‫عثمان رضي ال عنه وحكـومته وعماله ‪ ،‬ل فرق بين هؤلء وأولئـك ‪ ،‬إل الضافات والزيادات التي اختارها‬
‫شيعة اليوم ‪ ،‬ولم تكن معروفة أيام السبئية ‪.‬‬

‫وأما الوصاية والغَـيْـبة والرجعة التي نادى بها عبدال بن سبأ وشلته ‪ ،‬وكذلك العقائد الخرى المنافية للسلم ‪،‬‬
‫والجنبية على المسلمين ‪ ،‬والمرّوجة من قبل اليهـودية والمجوسيـة ‪ ،‬من اتصاف الـخـلق بأخلق الخالق ‪ ،‬وتأليه‬
‫العباد ‪ ،‬والحلول ‪ ،‬والتحاد ‪ ،‬والتناسخ ‪ ،‬وجريان النبوة بعد محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ونزول الوحي على‬
‫أحد ‪ ،‬وإتيان الكتاب وغيرها من المور ‪ ،‬هي عين تلك العقائد التي انتقـلت إلى شيعة اليوم ‪ ،‬وإلى الشيعة الثني‬
‫عشرية خاصة ‪.‬‬

‫وعلى ذلك قال كبير الشيعة في الرجال ‪ ،‬المامقاني في كتابه ( تنقـيح المقال ) ‪:‬‬
‫" إن ما كان يُعد يومئذ غلواً ‪ ،‬صار يُـعد الن من ضروريات المذهب " ‪. 1‬‬

‫وصحيح ما قاله الماقماني ‪ ،‬فإنه لم يكن يُعرف هذه المور في التشيع الول لدى الشيعة الولى ‪ ،‬فإن القوم‬
‫أخذوها من السبئية ‪ ،‬وجعلوها عقائد لهم و معتقدات ‪ ،‬وملئوا بها كتبهم ورسائلهم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬إن عليًا رضي ال‬
‫عنه كان وصي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬واختلقوا لذلك روايات موضوعة كثيرة ‪ ،‬منها ما رواه الكليني‬
‫في كافيه عن جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" كان حيث طلقت آمنة بنت وهب ‪ ،‬وأخذها المخاض بالنبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬حضرتها فاطمة بنت أسد ‪،‬‬
‫امرأة أبي طالب فلم تزل معها حتى وضعت ‪ ،‬فقالت أحداهما للخرى ‪ :‬هل ترين ما أرى ؟ ‪ .‬قالت ‪ :‬هذا النور‬
‫الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب ‪ .‬فبينما هما كذلك ‪ ،‬إذ دخل عليهما أبو طالب فقال لهما ‪ :‬مالكما ‪ ،‬من‬
‫أي شيء تعجبان ؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي رأت ‪ ،‬فقال لها أبو طالب ‪ :‬أل أبشرك ؟ فقالت ‪ :‬بلى ‪ ،‬فقال ‪ :‬أما‬
‫إنك ستلدين غلمًا يكون وصي هذا المولود " ‪. 2‬‬

‫وأيضاً ما اختلقوه ‪ ،‬بأنه لما نزل قوله تعالى ‪ :‬وأنذر عشيرتك القربين ‪:‬‬
‫" دعاهم رسول ال ( ص ) فأكلوا ولم يبين لهم في الطعام إل أثر أصابعهم ‪ ،‬وكانوا نحواً من أربعين رجلً ‪،‬‬
‫وشربوا شنة من قدح ‪ ،‬كفاهم جميعاً وزاد عنهم ‪ .‬فلما فرغوا ‪ ،‬قال لهم في آخر كلمه ‪ :‬إني وال ما أعلم شاباً‬
‫من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ‪ ،‬فآيكم يؤازرني على أمري هذا ‪ ،‬على أن يكون أخي ووصي‬
‫وخليفتي فيكم ؟ فسكتوا جميعاً ‪ ،‬فقام عليّ (ع) وقال ‪ :‬أنا يا رسول ال أؤآزرك عليه ‪ ،‬فأخذ رسول ال ( ص)‬

‫‪ 1‬تنقيح المقال للمامقاني نقلً عن هامش المنتقي للذهبي ص ‪. 193‬‬


‫‪ 2‬الروضة من الكافي للكليني ج ‪ 8‬تحت عنوان إخبار أبي طالب بولدة علي ‪ ،‬وأنه وصي النبي ص ‪.302‬‬

‫‪196‬‬
‫برقبته وقال ‪ :‬إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ‪ ،‬فاسمعوا له وأطيعوا ‪ .‬فقاموا يضحكون ويقولون لبي طالب‬
‫‪ :‬قد أمرك أن تسمع لبنك وتطيع " ‪. 1‬‬

‫ثم قالوا بنفس ما قاله عبدال بن سبأ ‪ ،‬وبألفاظه كذباً على أبي جعفر محمد الباقر أنه قال ‪:‬‬
‫" وأيم ال ‪ ،‬لقد نزل الروح والملئكة بالمر في ليلة القدر على آدم ‪ .‬وأيم ال ‪ ،‬ما مات آدم إل وله وصي ‪ ،‬وكل‬
‫من جاء بعد آدم من النبياء قد أتاه المر فيه ووضع له وصياً من بعده ‪ .‬وأيم ال ‪ ،‬إن كان النبي ليؤمر فما يأتيه‬
‫من المر في تلك الليلة من آدم إلى محمد صلى ال عليه وآله أن أوصي إلى فلن " ‪. 2‬‬
‫وعن جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" أوصى موسى عليه السلم إلى يوشع بن نون ‪ ،‬وأوصى يوشع بن نون إلى ولده هارون ‪ ...‬فلم تزل الوصية‬
‫في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد صلى ال عليه وآله ‪.‬‬
‫فلما بعث ال عز وجل محمدًا صلى ال عليه وآله ‪ ،‬أسلم له العقب من المستحفظين ‪ ،‬وكذبه بنو إسرائيل ‪ ،‬ودعا‬
‫إلى ال عز وجل ‪ ،‬وجاهد في سبيله ‪ .‬ثم أنزل ال عز وجل ذكره عليه أن أعلن فضل وصيك ‪ ،‬فقال ‪ :‬رب ‪ ،‬إن‬
‫العرب قوم جفاة ‪ ،‬لم يكن فيهم كتاب ‪ ،‬ولم يُبعث إليهم نبي ‪ ،‬ول يعرفون فضل نبوات النبياء عليهم السلم ول‬
‫شرفهم ‪ ،‬ول يُؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي ‪ .‬فقال ال جل ذكره ‪ :‬ول تحزن عليهم ‪ ،‬وقل سلم‬
‫فسوف تعلمون ‪ .‬فذكر من فضل وصيه ذكراً ‪ ،‬فوقع النفاق في قلوبهم ‪ ،‬فعلم رسول ال صلى ال عليه وآله ذلك‬
‫ما يقولون ‪ ،‬فقال ال جل ذكره ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ‪ ،‬فإنهم ل يكذبونك ‪ ،‬ولكنك‬
‫الظالمين بآيات ال يجحدون ‪ ،‬ولكنهم يجحدون بغير حجة لهم ‪.‬‬
‫وكان رسول ال صلى ال عليه وآله يتألفهم ‪ ،‬ويستعين ببعضهم على بعض ‪ ،‬ول يزال يخرج لهم شيئاً في فضل‬
‫وصيه ‪ ،‬حتى نزلت هذه السورة ‪ ،‬فاحتج عليهم حين علم بموته ‪ ،‬ونعت إليه نفسه ‪ ،‬فقال ال جل ذكره ‪َ { :‬فإِذَا‬
‫صبْ (‪َ )7‬وِإلَى َر ّبكَ فَارْ َغبْ } يقول ‪ :‬إذا فرغت فانصب علمك ‪ ،‬وأعلن وصيك ‪ ،‬فأعلمهم فضله علنية ‪،‬‬ ‫غتَ فَانْ َ‬‫َف َر ْ‬
‫فقال صلى ال عليه وآله ‪:‬‬
‫من كنت موله فعلي موله ‪ ،‬اللهم وال من واله ‪ ،‬وعاد من عاداه – ثلث مرات – ثم قال ‪ :‬لبعثـن رجلً يحب‬
‫ال ويحبه ال ورسوله ‪ ،‬ليس بفرار يعرّض بمن رجع ‪ ،‬ويجبـّن أصحابه ويجبّـنونه ‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله ‪:‬‬
‫ي سيد المؤمنين ‪ .‬وقال ‪ :‬عليّ عمود الدين ‪ .‬وقال ‪ :‬هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف على الحق بعدي ‪.‬‬ ‫عل ّ‬
‫‪3‬‬
‫وقال ‪ :‬الحق مع عليّ أينما مال " ‪.‬‬

‫وعنه أيضاً أنه قال ‪:‬‬


‫" إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتاباً ‪ ،‬لم ينزل على محمد صلى ال عليه وآله كتاب مختوم إل‬
‫الوصية ‪ ،‬فقال جبرائيل عليه السلم ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك ‪ .‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله ‪ :‬أي أهل بيتي يا جبرائيل ؟ قال ‪ :‬نجيب ال منهم وذريته ‪ ،‬ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم عليه‬
‫السلم ‪ ،‬وميراثه لعلي عليه السلم وذريتك من صلبه ‪ .‬قال ‪ :‬وكان عليه خواتيـم ‪ ،‬قال ‪ :‬ففتح علي عليه السلم‬
‫الخاتم الول ومضى لما فيها ‪ .‬ثم فتح الحسن عليه السلم الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها ‪ ،‬فلما توفي‬
‫الحسن ومضى ‪ ،‬فتح الحسين عليه السلم الخاتم الثالث ‪ ،‬فوجد فيها أن قاتل ‪ ،‬فاقتل و ُتـقتل ‪ ،‬واخرج بأقوام‬
‫للشهادة ل شهادة لهم إل معك ‪ .‬قال ‪ :‬ففعل عليه السلم ‪ .‬فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين عليه السلم قبل‬
‫ذلك ‪ ،‬ففتح الخاتم الرابع ‪ ،‬فوجد فيها أن أصمت وأطرق لما حجب العلم ‪ .‬فلما توفي ومضى ‪ ،‬دفعها إلى محمد‬
‫بن علي عليه السلم ‪ ،‬ففتح الخاتم الخامس ‪ ،‬فوجد فيها أن فسّـر كتاب ال ‪ ،‬وصدّق أباك وورّث ابنك ‪ ،‬واصطنع‬
‫المة ‪ ،‬وقم بحق ال عز وجل ‪ ،‬وقل الحق في الخوف والمن ‪ ،‬ول تخش إل ال ‪ ،‬ففعل ‪ .‬ثم دفعها إلى الذي يليه‬
‫"‪.4‬‬

‫وأخيراً ما رواه عن أبي جعفر قال ‪:‬‬

‫‪ 1‬الرشاد المفيد ص ‪ ، 11‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪ ،162‬الصافي ج ‪2‬ص ‪ ،227‬تفسير القمي جزء ‪2‬ص ‪ ،124‬نور الثقلين ج ‪ 4‬ص ‪، 67‬‬
‫منهج الصادقين ج ‪ 6‬ص ‪ ،487‬أعيان الشيعة الجزء الول ص ‪.209‬‬
‫‪ 2‬كتاب الحجة ج ‪ 1‬ص ‪ 250‬ط‪ .‬إيران ‪.‬‬
‫‪ 3‬كتاب الحجة من الكافي ج ‪ 1‬ص ‪.294 ،293‬‬
‫‪ 4‬أيضاً ‪ ،‬باب إن الئمة لم يفعلوا شيئًا ول يفعلون إل بعهد من ال ج ‪ 1‬ص ‪.. 280‬‬

‫‪197‬‬
‫" لما قضى محمد نبوته ‪ ،‬واستكمل أيامه ‪ ،‬أوحى ال تعالى إليه أن يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك ‪،‬‬
‫فاجعل العلم الذي عندك واليمان والسم الكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي‬
‫طالب ‪ ،‬فإني لن أقطع العلم واليمان والسم الكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك ‪ ،‬كما لم‬
‫أقطعها من ذريات النبياء " ‪. 1‬‬

‫هذا عين ما قاله عبدال بن سبأ والسبئية ‪ :‬أن يوشع بن نون وصي موسى ‪ ،‬وعلي وصي رسول ال ‪ .‬وإن إمامة‬
‫علي لفرض من ال عز وجل‪. 2‬‬

‫الغـيــــبـة‬
‫وأما القول بالغيبة والرجعة ‪ ،‬فلقد تلقفه الشيعة من السبئية منذ تطور الشيعة وانقراض الشيعة الولى ‪ ،‬فلقد قالوا‬
‫في كل من زعموا إمامته من علي رضي ال عنه إلى الغائب الموهوم الذي لم يولد ‪.‬‬
‫ولقد ذكرنا فيما مر من أقوالهم في واحد واحد من أئمتهم ونقتصر هاهنا على ما يقوله الشيعة الثنا عشرية في‬
‫غائبهم الموهوم ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬إنه ولد للحسن العسكري ولد ‪ ،‬على اختلف مقولتهم في ذلك كما سبق ذكره في‬
‫الباب السابق ‪ ،‬ثم يقولون ‪ :‬أنه غاب عن العين ‪ ،‬وله غيبتان ‪ :‬الغيبة الصغرى ‪ ،‬والغيبة الكبرى ‪.‬‬
‫كما كذبوا على جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" للقائم غيبتان ‪ ،‬إحداهما قصيرة ‪ ،‬والخرى طويلة ‪ .‬الغيبة الولى ل يعلم بمكانه فيها إل خاصة شيعته ‪،‬‬
‫والخرى ل يعلم بمكانه فيها إل خاصة مواليه " ‪. 3‬‬
‫وعنه أيضاً أنه قال ‪:‬‬
‫" لصاحب هذا المر غيبتان ‪ ،‬إحداهما يرجع منها إلى أهله ‪ ،‬والخرى يقال ‪ :‬هلك ‪ ،‬في أي واد سلك ؟ قلت ‪:‬‬
‫كيف نصنع إذا كان كذلك ؟ قال ‪ :‬إذا ادعاها مدع ‪ ،‬فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله " ‪. 4‬‬
‫‪5‬‬
‫وعن أبيه مثله‬
‫" أما غيبته الصغرى منهما ‪ ،‬فهي التي كانت فيها سفراؤه موجودين ‪ ،‬وأبوابه معروفين ‪ .‬ل تختلف المامية‬
‫القائلون بإمامة الحسن بن علي ‪ ،‬فهم منهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ‪ ،‬ومحمد بن علي بن بلل ‪ ،‬وأبو‬
‫عمر وعثمان بن سعيد السمان ‪ ،‬وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان ‪ ،‬وعمر الهوازي ‪ ،‬وأحمد بن إسحاق ‪ ،‬وأبو‬
‫محمد الوجناني ‪ ،‬وإبراهيم بن مهزيار ‪ ،‬ومحمد بن إبراهيم في جماعة أخرى ربما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم‬
‫في الرواية عنهم ‪.‬‬
‫وكانت مدة هذه الغيبة ‪ ،‬أربعاً وسبعين سنة ‪ .‬وكان أبو عمر وعثمان بن سعيد العمري باباً لبيه وجده من قبل ‪،‬‬
‫وثقة لهما ‪ .‬ثم تولى الباقية من قبله ‪ ،‬وظهرت المعجزات على يده ‪.‬‬
‫ولما مضى لسبيله ‪ ،‬قام ابنه محمد مقامه رحمهما ال بنصه عليه‪ .‬ومضى على منهاج أبيه في آخر جمادى‬
‫الخرة من سنة أربع أو خمس وثلثمائة ‪.‬‬
‫وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت ‪ ،‬بنص أبي جعفر محمد بن عثمان عليه وأقامه مقام‬
‫نفسه ‪ ،‬ومات في شعبان سنة ست وعشرين وثلثمائة ‪.‬‬
‫وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمد العمري بنص أبي القاسم عليه ‪ ،‬وتوفي لنصف من شعبان سنة ثمان‬
‫وعشرين وثلثمائة ‪.‬‬

‫‪ 1‬أيضًا ‪ ،‬باب الشارة والنص على أمير المؤمنين ج ‪ 1‬ص ‪. 293‬‬


‫‪ 2‬أنظر لذلك رجال الكشي ص ‪ 109‬ط‪ .‬كربلء ‪ -‬العراق ‪ ،‬فرق الشيعة للنوبختي ص ‪ 44،43‬ط‪ .‬النجف – العراق ‪ ،‬تنقيح المقال للمامقاني ج ‪2‬‬
‫ص ‪143‬ط‪ .‬إيران وغيرها من الكتب ‪.‬‬
‫‪ 3‬كتاب الحجة من الكافي ص ‪ ،340‬كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني ص ‪ 170‬ط‪ .‬مطبعة الصدوق طهران ‪.‬‬
‫‪ 4‬كتاب الحجة من الكافي ص ‪.340‬‬
‫‪ 5‬كتاب الغيبة للنعماني ص ‪.173‬‬

‫‪198‬‬
‫فروي عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب أنه قال ‪ :‬كنت بمدينة السلم في السنة التي توفي فيها علي بن‬
‫محمد السمري ‪ ،‬فحضرته قبل وفاته بأيام ‪ ،‬فخرج وأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته ‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم ‪ ،‬يا‬
‫علي بن محمد السمري ‪ ،‬أعظم ال أجر إخوانك فيك ‪ ،‬فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ‪ ،‬فاجمع أمرك ‪ ،‬ول‬
‫توص لحد يقوم مقامك بعد وفاتك ‪ ،‬فقد وقعت الغيبة التامة ‪ ،‬فل ظهور إل بعد أن يأذن ال تعالى ذكره ‪ ،‬وذلك‬
‫بعد طول المد وقسوة القلوب وامتلء الرض جوراً ‪ ،‬وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ‪ ،‬أل فمن يدعي‬
‫المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة ‪ ،‬فهو كذاب مفتر ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فانتسخنا هذا التوقيع ‪ ،‬وخرجنا من عنده ‪ .‬فلما كان اليوم السادس ‪ ،‬عدنا وهو بنفسه ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬من وصيك‬
‫؟‪ .‬قال ‪ :‬ل أمر هو بالغه ‪ ،‬فقضى ‪.‬‬
‫فهذا آخر كلم سُمع منه ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ثم حصلت الغيبة الطولى التي نحن في أزمانها ‪ ،‬والفرج يكون في آخرها بمشيئة ال تعالى " ‪.‬‬
‫وأما أين يستقر غائبهم ‪ ،‬وماذا يعمل ‪ .‬فيقولون إنه مستقر في سرداب سامراء ‪ ،‬كما يروي القطب الراوندي " أن‬
‫العباسيين بعثوا عسكراً ‪ ،‬فلما دخلوا الدار ‪ ،‬سمعوا من السرداب قراءة القرآن ‪ ،‬فاجتمعوا على بابه وحفظوه حتى‬
‫ل يصعد ول يخرج ‪ ،‬وأميرهم قائم حتى يصل العسكر كلهم ‪ ،‬فخرج من السكة على باب السرداب ومر عليهم ‪،‬‬
‫فلما غاب ‪ ،‬قال المير ‪ :‬إنزلوا عليه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أليس هو قد مر عليك ؟ فقال ‪ :‬ما رأيت ‪ ،‬وقال ‪ :‬ولمَ تركتموه ؟‬
‫قالوا ‪ :‬إنا حسبنا أنك تراه " ‪. 2‬‬

‫أو بالمدينة ‪. 3‬‬


‫أو في مكـة ‪.4‬‬

‫أو برضوى – الجبل الذي يقولون فيه أنه غاب فيه محمد بن الحنفية ‪ ،‬كما نقلنا عن السيد الحميري شاعر الشيعة‬
‫أنه قال ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫تغيب ل يرى فيهم زماناً *** برضوى عنده عسل وماء ‪.‬‬

‫ويقولون ‪ :‬في ذي طوى ‪.‬‬


‫كما يذكر النوري الطبرسي ‪:‬‬
‫أن للشيعة دعاءًا مشهورًا رووه عن الئمة عليهم السلم ‪ ،‬يُعرف بدعاء الندبة ‪ ،‬أمروا بقرآءته في العياد‬
‫الربعة ‪ ،‬وفيه ما يُخاطب به إمام زمانه الحجة عليه السلم ‪:‬‬
‫ليت شعري استقرت بك النوى *** بل أي أرض تقـلك أو ثرى‬
‫أبرضوى أم بغيرها ‪ ،‬أم بذي طوى ‪. 6‬‬

‫أو في اليمن بواد يُـقال له شمروخ ‪. 7‬‬


‫أو الجزيرة الخضراء‪. 8‬‬

‫وأما الجزائري ‪ ،‬فقد ذكر قصة طويلة غريبة عجيبة ‪ ،‬أنه يذكر الجزر التي مسيرة مدتها سنة ‪:‬‬
‫" ل يوجد في أهل تلك الخطط والضياع غير المؤمن الشيعي الموحد‪ ،‬القائل بالبراءة والولية‪ ..‬سلطينهم أولد‬
‫‪9‬‬
‫إمامهم ‪ ،‬يحكمون بالعدل وبه يأمرون ‪ ،‬ولو جمع أهل الدنيا لكانوا أكثر منها على اختلف الديان والمذاهب "‬
‫‪.‬‬
‫‪ 1‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪. 445‬‬
‫‪ 2‬كتاب الخرائج للرواني نقلً عن كشف الستار عن وجه الغائب عن البصار للنوري الطبرسي ص ‪211‬ط‪ .‬طهران ‪ ،‬الفصول المهمة ص ‪293‬‬
‫ط منشورات العلمي طهران ‪.‬‬
‫‪ 3‬الكافي في الصول ‪ ،‬كتاب الحجة ج ‪ 1‬ص ‪ ، 328‬الفصول المهمة ص ‪. 292‬‬
‫‪ 4‬كشف الستار ص ‪. 215‬‬
‫‪ 5‬فجر السلم لحمد أمين ص ‪. 273‬‬
‫‪ 6‬كشف الستار ص ‪. 215‬‬
‫‪ 7‬النوار النعمانية للجزائري ج ‪ 2‬ص ‪. 65‬‬
‫‪ 8‬بحار النوار للمجلسي ج ‪ 13‬باب جزيرة الخضراء ‪.‬‬
‫‪ 9‬أنظر النوار النعمانية لمحدّث الشيعة الجزائري ‪ ،‬باب نور في ولدة عليه السلم ج ‪ 2‬ص ‪ 58‬وما بعد ‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫وكذلك يقولون ‪ :‬إنه في جابـلقاء ‪ ،‬أو في جابلساء ‪ ،‬وغيرها من الخرافات ‪.‬‬

‫وأما ماذا يعمل ‪ ،‬فيقولون ‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫" إنه يشهد الموسم ( الحج ) فيراهم ‪ ،‬ول يرونه " ‪.‬‬
‫ويروون أن خادمة إبراهيم بن عبدة ‪ ،‬قالت ‪:‬‬
‫" كنت واقفة مع إبراهيم على الصفا ‪ ،‬فجاء عليه السلم حتى وقف على إبراهيم ‪ ،‬وقبض على كتاب مناسكه ‪،‬‬
‫وحدثه بأشياء " ‪. 2‬‬
‫ويكذب آخر ‪ -‬وهو أبو عبدال الصالح ‪ -‬فيقول ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫" إنه رآه عند الحجر السود والناس يتجاذبون إليه ‪ ،‬وهو يقول ‪ :‬ما بهذا أمروا " ‪.‬‬
‫ويقول الخر ‪:‬‬
‫" شاهدت سيماء ( إسم رجل من أتباع السلطان ) آنفا بسرّ من رأى وقد كسر باب الدار ‪ ،‬فخرج عليه وبيده‬
‫طبرزين ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ما تصنع في داري ؟ فقال سيماء ‪ :‬إن جعفراً زعم أن أباك مضى ول ولد له ‪ ،‬فإن كانت‬
‫دارك فقد انصرفت عنك ‪ ،‬فخرج عن الدار " ‪. 4‬‬
‫ويحكي الخر ‪:‬‬
‫" كنت حاجاً مع رفيق لي ‪ ،‬فوافينا إلى الموقف ‪ ،‬فإذا بشاب قاعد عليه إزار ورداء ‪ ،‬وفي رجليه نعل صفراء ‪،‬‬
‫قومت الزار والرداء بمائة وخمسين ديناراً ‪ ،‬وليس عليه أثر السفر ‪ ،‬فدنا منا سائل فردناه ‪ ،‬فدنا من الشاب ‪،‬‬
‫فسأله ‪ ،‬فحمل شيئاً من الرض وناوله ‪ ،‬فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال ‪ ،‬فقام الشاب وغاب عنا ‪.‬‬
‫فدنونا من السائل ‪ ،‬فقلنا له ‪ :‬ويحك ‪ ،‬ما أعطاك ؟ فأرانا حصاة ذهب مضرسة ‪ ،‬قدرناها عشرين مثقالً ‪ ،‬فقلت‬
‫لصاحبي ‪ :‬مولنا ونحن ل ندري ‪ .‬ثم ذهبنا في طلبه ‪ ،‬فدرنا الموقف كله ‪ ،‬فلم نقدر عليه ‪ ،‬فسألنا كل من حوله‬
‫من أهل مكة والمدينة ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬شاب علوي ‪ ،‬يحج في كل سنة ماشياً " ‪. 5‬‬

‫ثم يحكون وينسبونه إلى علي الرضا أنه قال ‪:‬‬


‫" ل يُرى جسمه ‪ ،‬ول يُسمى اسمه " ‪. 6‬‬

‫كما نقلوا عن الحسن العسكري أنه قال ‪:‬‬


‫" إنكم ل ترون شخصه ‪ ،‬ول يحل لكم ذكره باسمه ‪ ،‬قيل ‪ :‬فكيف نذكره ؟ فقال ‪ :‬قولوا ‪ ،‬الحجة من آل محمد "‬
‫‪.7‬‬

‫ويقول الربلي ‪:‬‬


‫‪8‬‬
‫" إنه حي موجود ‪ ،‬يحل ويرتحل ‪ ،‬ويطوف في الرض ببيوت وخيم وخدم وحشم وإبل وخيل وغير ذلك " ‪.‬‬

‫ثم حكى قصة ‪ ،‬أن شمس الدين الهرقلي قال ‪:‬‬


‫" حكى لي والدي أنه خرج فيه ‪ -‬وهو شاب ‪ -‬على فخذه اليسر توثـة ( بثرة متقيحة ) مقدار قبضة النسان ‪،‬‬
‫وكانت في كل ربيع تشقشق ‪ ،‬ويخرج منها دم وقيح ‪ ،‬ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله ‪ ،‬وكان مقيمًا بهرقل ‪،‬‬
‫فحضر الحلة يوماً ‪ ،‬ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين على بن طاووس رحمه ال ‪ ،‬وشكا إليه ما يجده منها‬
‫‪ ،‬وقال ‪ :‬أريد أن أداويها ‪ ،‬فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذه التونة فوق العرق الكحل ‪،‬‬
‫وعلجها خطر ‪ ،‬ومتى قطعت ‪ ،‬خيف أن يُـقطع العرق فيموت ‪ .‬فقال له السعيد رضي الدين قدس روحه ‪ :‬أنا‬
‫‪ 1‬الصول من الكافي ‪ ،‬كتاب الحجة ‪ ،‬باب في الغيبة ج ‪ 1‬ص ‪. 338‬‬
‫‪ 2‬أيضًا ‪ ،‬باب في تسمية من رآه ص ‪. 331‬‬
‫‪ 3‬أيضاً ‪.‬‬
‫‪ 4‬أيضاً ‪.‬‬
‫‪ 5‬أيضاً ص ‪. 332‬‬
‫‪ 6‬أيضاً ص ‪.333‬‬
‫‪ 7‬أيضًا باب النهي عن السم ص ‪. 333، 332‬‬
‫‪ 8‬كشف الغمة للربلي ج ‪ 3‬ص ‪.283‬‬

‫‪200‬‬
‫متوجه إلى بغداد ‪ ،‬وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلء ‪ ،‬فاصحبني ‪ .‬فأصعد معه ‪ ،‬وأحضر الطباء ‪،‬‬
‫فقالوا كما قال أولئك ‪ ،‬فضاق صدره ‪ .‬فقال له السعيد ‪ :‬إن الشرع قد فسح لك في الصلة في هذه الثياب ‪ ،‬وعليك‬
‫الجتهاد في الحتراس ‪ ،‬ول تغرر بنفسك ‪ ،‬فال تعالى قد نهى عن ذلك ‪ ،‬ورسوله ‪ .‬فقال له والدي ‪ :‬إذا كان‬
‫المر على ذلك ‪ ،‬وقد وصلت إلى بغداد ‪ ،‬فأتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى ‪ ،‬على مشرفة السلم‬
‫‪ .‬ثم أنحدر إلى أهلي ‪ ،‬فحسن ذلك ‪.‬‬
‫فترك ثيابه ونفـقته عند السعيد رضي الدين وتوجه ‪ .‬قال ‪ :‬فلما دخلت المشهد ‪ ،‬وزرت الئمة عليهم السلم‬
‫ونزلت السرداب ‪ ،‬واستغثت بال تعالى وبالمام عليه السلم ‪ ،‬وقضيت بعض الوقت في السرداب ‪ ،‬وبت في‬
‫المشهد إلى الخميس ‪ ،‬ثم مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً ‪ ،‬وملئت إبريقا كان معي ‪ ،‬وصعدت أريد‬
‫المشهد ‪.‬‬
‫فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور ‪ ،‬وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم ‪ .‬فحسبتهم‬
‫منهم ‪ ،‬فالتقينا ‪ .‬فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط ‪ ،‬وكل واحد منهم متقلد بسيف ‪ ،‬وشيخاً بيده رمح والخر‬
‫متقلد بسيف ‪ ،‬وعليه فرجية ملونة فوق السيف ‪ ،‬وهو متحنك بعذبته ‪.‬‬
‫فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ‪ ،‬ووضع كعب في الرض ‪ ،‬ووقف الشابان عن يسار الطريق ‪ ،‬وبقي‬
‫صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ‪ ،‬ثم سلموا عليه ‪ ،‬فردّ عليهم السلم ‪.‬‬
‫فقال له صاحب الفرجية ‪ :‬أنت غداً تروح إلى أهلك ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬تقدم حتى أبصر ما يوجعك ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فكرهت ملمستهم وقلت في نفسي ‪ :‬أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة وأنا قد خرجت من الماء‬
‫وقميصي مبلول ‪ .‬ثم إني بعد ذلك تقدمت إليه فلزمني بيده ومدني إليه ‪ ،‬وجعل يلمس جانبي من كتفي ‪ ،‬إلى أن‬
‫أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني ‪ ،‬ثم استوى في سرجه كما كان ‪.‬‬
‫فقال لي الشيخ ‪ :‬أفلحت يا إسماعيل ‪ .‬فعجبت من معرفته بإسمي ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أفلحنا وأفلحتم إن شاء ال ‪ .‬قال ‪ :‬فقال‬
‫لي الشيخ ‪ :‬هذا هو المام ‪ .‬فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلت فخذه ‪.‬‬
‫ثم أنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ارجع ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ل أفارقك أبداً ‪ .‬فقال ‪ :‬المصلحة رجوعك ‪ .‬فأعدت‬
‫عليه مثل القول الول ‪ .‬فقال الشيخ ‪ :‬يا إسماعيل ‪ ،‬ما تستحي يقول لك المام مرتين إرجع وتخالفه ؟ فجبهني‬
‫بهذا القول ‪ ،‬فوقـفت ‪ .‬فتقدم خطوات والتفت إلي وقال ‪ :‬إذا وصلت بغداد ‪ ،‬فل بد أن يطلبك أبو جعـفر ‪ ،‬يعني‬
‫الخليفة المستنصر رحمه ال ‪ ،‬فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئًا فل تأخذه ‪ ،‬وقل لولدنا الرضى ليكتب لك إلى‬
‫علي بن عوض ‪ ،‬فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد ‪.‬‬
‫ثم سار وأصحابه معه ‪.‬‬
‫فلم أزل قائماً أبصرهم ‪ ،‬إلى أن غابوا عني ‪ ،‬وحصل عندي أسف لمفارقته ‪ .‬فقعدت إلى الرض ساعة ‪ ،‬ومشيت‬
‫إلى المشهد ‪ .‬فاجتمع القوم حولي ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬نرى وجهك متغير‪ ،‬أوجعك شيء؟ قلت ‪ :‬ل ‪ .‬قالوا ‪ :‬أخاصمك‬
‫أحد ؟ ‪ .‬قلت ‪ :‬ل‪ ،‬ليس عندي مما تقولون خبر ‪ ،‬لكن أسألكم ‪ ،‬هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم ؟ ‪ .‬فقالوا ‪:‬‬
‫هم من الشرفاء أرباب الغنم ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬ل ‪ ،‬بل هو المام عليه السلم ‪ .‬فقالوا ‪ :‬المام هو الشيخ أو صاحب الفرجية ؟ فقلت ‪ :‬هو صاحب‬
‫الفرجية ‪ .‬فقالوا ‪ :‬أريته المرض الذي فيك ؟ فقلت ‪ :‬هو قبضه بيده وأوجعني ‪ ،‬ثم كشف رجلي فلم أر لذلك‬
‫المرض أثراً ‪ ،‬فداخلني الشك من الدهش ‪ ،‬فأخرجت رجلي الخرى فلم أرَ شيئاً " ‪. 1‬‬

‫كما حكى ‪ ،‬أن أبا عطوة ‪ ،‬كان به أدرة ‪ ،‬وكان زيدي المذهب ‪ ،‬وكان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب المامية ‪،‬‬
‫ويقول ‪ :‬ل أصدقكم ول أقول بمذهبكم حتى يجيء صاحبكم ‪ -‬يعني المهدي ‪ -‬فيبرئني من هذا المرض ‪ ،‬وتكرر‬
‫هذا القول منه ‪ ،‬فبينا نحن مجتمعون عند وقت عشاء الخرة ‪ ،‬إذا أبونا يصيح و يستغيث بنا ‪ ،‬فأتيناه سراعاً ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ألحقوا صاحبكم ‪ ،‬فالساعة خرج من عندي ‪ .‬فخرجنا ‪ ،‬فلم نرَ أحداً ‪ ،‬فعدنا إليه ‪ ،‬وسألناه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنه دخل‬
‫إليّ شخص ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا عـطوة ‪ ،‬فقلت ‪ :‬من أنت ؟ فقال ‪ :‬أنا صحب بنيك ‪ ،‬قد جئت لبـرئك مما بك ‪ .‬ثم مد يده‬
‫فعصر قروتي ومشى ‪ ،‬ومددت يدي فلم أر لها أثراً ‪ .‬قال لي ولده ‪ :‬وبقي مثل الغزال ليس به قلبه ‪.‬‬
‫واشتهرت هذه القصة ‪ ،‬وسألت عنها غير ابنه ‪ ،‬فأخبر عنها ‪ ،‬فأق ّر بها ‪ .‬والخبار عنه عليه السلم في هذا الباب‬
‫كثيرة ‪ .‬وأنه رآه جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز وغيرها ‪ ،‬فخلصهم ‪ ،‬وأوصلهم إلى حث أرادوا " ‪. 2‬‬

‫‪ 1‬كشف الغمة للربلي ج ‪ 3‬ص ‪ ،285 ،284 ،283‬منتهى المال للعباس القمي ص ‪. 1244‬‬
‫‪ 2‬كشف الغمة للربلي ج ‪ 3‬ص ‪. 287‬‬

‫‪201‬‬
‫فهذا هو غائبهم ‪ ،‬وهذه هي الساطير والقصص التي يحكونها عنه غيـبـته ‪.‬‬

‫الـرجــعـــة‬

‫وأما الرجـعة ‪ ،‬فقال بها الشيعة الثني عشرية طبق ما قاله عبدال بن سبأ ‪ .‬بفرق أنه قال في علي رضي ال عنه‬
‫‪ ،‬وهؤلء قالوا في معدومهم ‪.‬‬
‫والجدير بالذكر ‪ ،‬أن هذه العقيدة من العقائد التي فشت وانتشرت في جميع فرق الشيعة في مختلف العصور غير‬
‫الشيعة الولى ‪ ،‬كما ذكرناها في البواب السابقة ‪.‬‬

‫ثم لم يكتف الشيعة الثنا عشرية بالقول إن معدومهم الغائب هو الذي سيرجع ‪ ،‬بل قالوا أكثر من ذلك ‪ ،‬وهو أنه‬
‫يرجع ويرجع الخرون من الشيعة وأئمتهم وأعدائهم حسب زعمهم ‪ .‬وهناك روايات وأكاذيب ل ُتعد ول ُتحصى‬
‫في هذا المعنى ‪.‬‬
‫وقد صنفت في هذا الخصوص كتب مستقـلة عديدة ‪ .‬فنختار من الساطير المضحكة والقصص المبكية أخباراً‬
‫قليلة ‪ ،‬لوضع النقاط على الحروف ‪ ،‬ولتمييز الحقائق عن أن القـوم ماذا يقـولون ‪ ،‬وماذا يعتـقدون ‪ .‬وإلى أي حد‬
‫ينقمون قوم رسول ال وقبيلته ‪ ،‬أصحابه وأزواجه ‪ ،‬أمته وشريعته التي جاء بها من ال عز وجل ‪ ،‬والقرآن الذي‬
‫نزل عليه ‪ ،‬والمر الذي أعطاه متبعيه والمؤمنين به ‪.‬‬
‫عقيدة الشيعة التي توارثها من اليهودية وعملء عبدال بن سبأ وطائفته ‪ ،‬وتناقلوها جيلً بعد جيل ‪ .‬والتي قال‬
‫عنها كبيرهم وخاتمة محدثيهم المل باقر المجلسي صاحب ( بحار النوار ) بعد سرد الخبار الكثيرة عن‬
‫الرجعـة ‪:‬‬
‫" اعلم يا أخي ‪ ،‬أني ل أظنك ترتاب بعد ما مهدّت وأوضحت لك بالقول في الرجعة التي أجمعت عليها الشيعة‬
‫في جميع العصار‪ ،‬واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار ‪ ...‬وكيف يشك مؤمن بأحقية الئمة الطهار فيما‬
‫تواترت عنهم من مائتي حديث صريح رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء العلم في أزيد من‬
‫خمسين من مؤلفاتهم " ‪. 1‬‬

‫فيروي القوم عن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه قال ‪:‬‬


‫ل كما‬
‫" لو لم يبق من الدنيا إل يوم واحد ‪ ،‬لطوّل ال ذلك اليوم ‪ ،‬حتى يخرج رجل من ولدي فيملها قسطاً وعد ً‬
‫مُـلئت جوراً وظلما " ‪. 2‬‬

‫وكذبوا على نبي ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أنه قال ‪:‬‬


‫القائم من ولدي ‪ ،‬اسمه اسمي ‪ ،‬وكنيته كنيتي ‪ ،‬وشمائله شمائلي ‪ ،‬وسنته سنتي ‪ .‬يقيم الناس على ملتي وشريعتي‬
‫‪ ،‬يدعوهم إلى كتاب ال ربي ‪ .‬من أطاعه أطاعني ‪ ،‬ومن عصاه عصاني ‪ ،‬ومن أنكر غيبته فقد أنكرني ‪ ،‬ومن‬
‫كذبه فقد كذبني ‪ ،‬ومن صدقه فقد صدقني ‪ .‬إلى ال أشكو المكذبين لي في أمره ‪ ،‬والجاحدين لقولي في شأنه ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫والمضلين لمتي عن طريقته‪ .‬وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون "‬

‫من يكـون الـمـهـدي ؟‬

‫‪ 1‬بحار النوار للمحلسي ج ‪ 13‬ص ‪ 225‬الطبعة الولى ‪.‬‬


‫‪ 2‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪. 427‬‬
‫‪ 3‬أيضاً ص ‪. 425‬‬

‫‪202‬‬
‫فلقد كذب الشيعة على الحسن بن علي رضي ال عنهما ‪ .‬أنه لما صالح معاوية ‪ ،‬دخل عليه الناس ‪ ،‬فلمه‬
‫بعضهم على بيعته ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"ويحكم ‪ ،‬ما تدرون ما علمت ‪ ،‬وال الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت ‪ ،‬أل تعلمون‬
‫أني إمامكم ‪ ،‬ومفترض الطاعة عليكم ‪ ،‬وأحد سيدي شباب أهل الجنة ‪ ،‬بنص رسول ال عليّ ؟‬
‫قالوا ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وقتل الغلم وأقام الجدار كان ذلك سخطاً لموسى ‪ ،‬إذ‬
‫خفى عليه وجه الحكمة في ذلك ‪ ،‬وكان عند ال تعالى ذكره حكمه وصواباً ؟ أما علمتم أنه ما ما منا أحد إل ويقع‬
‫في عنقه بيعة لطاغية زمانه إل القائم الذي يصلي روح ال عيسى بن مريم خلفه ‪ ،‬فإن ال عز وجل يخفي‬
‫ولدته ‪ ،‬ويغيب شخصه لئل يكون لحد عنقـه بيعة إذا خرج ذلك التاسع من ولد أخي الحسين بن سيدة الماء ‪،‬‬
‫يطيل ال عمره في غيبته ‪ ،‬ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ‪ ،‬ذلك ليعلم أن ال على كل شيء‬
‫قدير " ‪. 1‬‬
‫ومثل ذلك ما رووه عن جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" من أقرّ بجميع الئمة وجحد المهدي ‪ ،‬كان كمن أقرّ بجميع النبياء وجحد محمد صلى ال عليه وآله وسلم نبوته‬
‫‪ .‬فقيل له ‪ :‬يا ابن رسول ال ‪ ،‬فمن المهدي من ولدك ؟ قال ‪ :‬الخامس ولد السابع يغيب عنكم شخصه ول يحل‬
‫لكم تسميته " ‪. 2‬‬

‫مـنـزلـتـه وشأنـه‬

‫ورووا في مقامه وشأنه عن علي بن الحسين أنه قال ‪:‬‬


‫" في القائم منا سنن من ستة من النبياء عليهم السلم ‪ ،‬سنة نوح ‪ ،‬وسنة من إبراهيم ‪ ،‬وسنة من موسى ‪ ،‬وسنة‬
‫من عيسى ‪ ،‬وسنة من أيوب ‪ ،‬وسنة من محمد ‪.‬‬
‫فأما من نوح ‪ ،‬فطول في العمر ‪ ،‬وأما من إبراهيم فخفاء الولدة واعتزال الناس ‪ ،‬وأما من موسى فالخوف‬
‫والغيبة ‪ ،‬وأما من عيسى فاختلف الناس فيه ‪ ،‬وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى ‪ ،‬وأما من محمد فالخروج‬
‫بالسيف …‪.‬والقائم منا تخفى على الناس ولدته حتى يقولوا ‪ :‬لم يُولد بعد ليخرج حين يخرج وليس لحد في‬
‫عنقه بيعة ‪ ..‬ومن ثبت على موالتنا في غيبته ‪ ،‬أعطاه ال أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر "‪. 3‬‬
‫وأيضاً كما روى النعماني في ( غيبته ) أنه قال بأن مهديهم يكون مسنداً ظهره إلى بيت الحرام ويقول ‪:‬‬
‫" أنا بقية من آدم ‪ ،‬وذخيرة من نوح ‪ ،‬ومصطفى من إبراهيم ‪ ،‬وصفوة محمد " ‪. 4‬‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫" أنا بقية ال وخليفته وحجته عليكم " ‪.‬‬
‫ويكون جبرائيل بين يديه ‪. 6‬‬
‫ويقولون ‪:‬‬
‫نظر موسى بن عمران في السفر الول إلى ما يُعطى قام آل محمد من التمكين والفضل ‪ ،‬فقال ‪ :‬رب اجعلني قائم‬
‫آل محمد ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬إن ذاك من ذرية أحمد ‪ .‬ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك ‪ ،‬فقال مثله ‪ ،‬فقيل له‬
‫مثل ذلك ‪ .‬ثم نظر في السفر الثالث ‪ ،‬فرأى مثله ‪ ،‬فقال مثله ‪ ،‬فقيل مثله ‪. 7‬‬

‫ومتى يـرجـع ؟‬

‫فيروي الكليني في كافيه عن الصبغ بن نباتة ‪،‬أنه قال ‪:‬‬


‫‪ 1‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪. 427‬‬
‫‪ 2‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪. 429‬‬
‫‪ 3‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪. 428،427‬‬
‫‪ 4‬كتاب الغيبة للنعماني ‪ ،‬أيضاً بحار النوار للمجلسي ج ‪ 13‬ص ‪. 179‬‬
‫‪ 5‬الفصول المهمة ص ‪. 322‬‬
‫‪ 6‬كتاب الغيبة للطوسي ص ‪. 274‬‬
‫‪ 7‬كتاب الغيبة للنعماني ص ‪. 240‬‬

‫‪203‬‬
‫" أتيت أمير المؤمنين عليه السلم ‪ ،‬فوجدته متفكرًا ينكت في الرض ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬مالي أراك‬
‫متفكراً تنكت الرض ‪ ،‬أرغبة منك فيها ؟ فقال ‪ :‬ل وال ما رغبت فيها ول في الدنيا يوماً قط ‪ ،‬ولكني فكرت في‬
‫ل وقسطاً ‪ ،‬كما مُـلئت‬
‫مولود يكون من ظهري ‪ ،‬الحادي عشر من ولدي ‪ ،‬هو المهدي الذي يمل الرض عد ً‬
‫جوراً وظلما‪ ،‬تكون له غيبة وحيرة ‪ ،‬يضل فيها أقوام ‪ ،‬ويهتدي فيها آخرون ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬وكم‬
‫تكون له الحيرة والغيبة ؟ قال ‪ :‬ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين ‪ .‬قلت ‪ :‬وإن هذا لكائن ؟ فقال ‪ :‬نعم كما أنه‬
‫مخلوق وأنى بهذا المر يا أصبغ أولئك خيار هذه المة مع خيار أبرار هذه العترة " ‪. 1‬‬

‫وروي أيضاً عن أبي جعفر أنه قال ‪:‬‬


‫" يا ثابت ‪ ،‬إن ال تعالى قد كان وقت هذا المر في سبعيـن ‪ ،‬فلما أن قتل الحسين صلوات ال عليه ‪ ،‬إشتد‬
‫غضب ال تعالى على أهل الرض ‪ ،‬فأخره إلى أربعين ومائة ‪ ،‬فحدثناكم فأذعتم الحديث ‪ ،‬فكشفتم قناع الستر ‪،‬‬
‫ولم يجعل ال له بعد ذلك وقتاً عندنا ‪ ،‬ويمحو ال ما يشاء ويثبت ‪ ،‬وعنده أم الكتاب " ‪. 2‬‬

‫وروى ابنه جعفر أنه قال ‪:‬‬


‫‪3‬‬
‫"وقد كان لهذا المر وقت كان في سنة أربعين ومائة ‪ ،‬فحدثتم به وأذعتموه فأخـّره ال عز وجل " ‪.‬‬

‫ورووا عن أبي جعفر أنه قال ‪:‬‬


‫‪4‬‬
‫" ليس بين القائم عليه السلم وقتل النفس الزكية أكثر من خمس عشرة ليلة " ‪.‬‬
‫وذكر أيضاً رواية عن ابنه جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫" إذا هدم حائط مسجد الكوفة مما يلي دار ابن مسعود ‪ ،‬فعند ذلك زوال ملك القوم ‪ ،‬وعند زواله خروج القائم "‬
‫‪.‬‬
‫والمعروف أن النفس الزكية قتل ‪ ،‬ومضى على قتله آلف الليالي ‪ ،‬كما هدم حائط مسجد الكوفة ‪ ،‬وقد مضى‬
‫على هدمه مئات السنين ‪ ،‬ولكن لم يكن لموهوم أن يخرج ‪.‬‬

‫ورووا عن إسحاق بن عمار أنه قال ‪:‬‬


‫‪6‬‬
‫" قال لي أبو عبدال عليه السلم ‪ :‬يا أبا إسحاق ‪،‬إن هذا المر قد أخـّر مرتين " ‪.‬‬

‫وهكذا كان الشيعة يعللون بالماني بخروج قائمهم ورجوع مهديهم ‪ ،‬كما أقرّ بذلك إمامهم السابع موسى بن جعفر‬
‫‪ .‬كما رواه الكليني في ( كافيه ) والنعماني ‪ 7‬في ( غيبته ) كي ل يرجع الشيعة عن تشيّـعهم ‪ ،‬فهذا هو النص ‪:‬‬
‫" عن يقطين ‪ ،‬أنه قال لبنه علي بن يقطين ‪:‬‬
‫ما بالنا قيل لنا فكان ‪ ،‬وقيل لكم فلم يكن ‪ -‬يعني أمر بني العباس ‪ -‬؟ فقال له علي ‪ :‬إن الذي قيل لكم ولنا من‬
‫مخرج واحد ‪ ،‬غير أن أمركم حضر ( وقته ) فأعطيتم محضه فكان كما ما قيل لكم ‪ ،‬وإن أمرنا لم يحضر ‪،‬‬
‫فعللنا بالماني ‪ .‬ولو قيل لنا أن هذا المر ل يكون إل إلى مائتي سنة أو ثلثمائة سنة ‪ ،‬لقست القلوب ‪ ،‬ولرجع‬
‫الناس عن السلم ‪ .‬ولكن قالوا ‪ :‬ما أسرعه وما أقربه ‪ ،‬تألفاً لقلوب الناس وتقريباً للفرج " ‪. 8‬‬

‫ولقد نقل الجزائري عن المجلسي ‪ ،‬أنه كان يرى وقت خروجه أيام الدولة الصفوية ‪ ،‬مستدلً من الحاديث الثلثة‬
‫‪ ،‬فهذه هي عبارته ‪:‬‬
‫‪ 1‬الصول من الكافي ‪ ،‬كتاب الحجة ج ‪ 1‬ص ‪. 338‬‬
‫‪ 2‬الصول من الكافي ج ‪ 1‬ص ‪. 368‬‬
‫‪ 3‬كتاب الغيبة للنعماني ص ‪ 292‬ط ‪ .‬طهران ‪.‬‬
‫‪ 4‬الرشاد للمفيد ص ‪.260‬‬
‫‪ 5‬أيضاً ‪.‬‬
‫‪ 6‬كتاب الغيبة للنعماني ص ‪.295،294‬‬
‫‪ " 7‬هو أبو عبدال محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني ‪ ،‬وقد كان من كبار محدّثي المامية في أوائل القرن الرابع ‪ .‬وإنه من تلمذة ثقة‬
‫السلم محمد بن إسحاق بن يعقوب الكليني ‪ ،‬كان مؤلفاً جيد النظر ‪ ،‬حسن الستنباط ‪ ،‬وافر السهم في معرفة الرجال وأحاديثهم ‪ .‬ومن أهم مؤلفاته‬
‫كتاب الغيبة ‪ .‬قال فيه النجاشي ‪:‬‬
‫النعماني شيخ من أصحابنا ‪ ،‬عظيم القدر ‪ ،‬شريف المنزلة ‪ ،‬صحيح العقيدة ‪ ،‬كثير الحديث " ( مقدمة كتاب الغيبة ص ‪) 12 ،11‬‬
‫‪ 8‬الكافي للكليني كتاب الحجة ‪ ،‬باب كراهية التوقيت ج ‪ 1‬ص ‪ ، 369‬كتاب الغيبة للنعماني ‪ -296، 295‬واللفظ له ‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫" إعلم أنه قد وردت أخبار مجملة ‪ ،‬وقد نقلها الصحاب على إجمالها ولم يتعرضوا لبيان معناها ‪ ،‬وذلك أنها‬
‫أخبار متشابهة ‪ ،‬يجب علينا الذعان لها من باب التسليم ‪ .‬ولما انتهت النوبة إلى شيخنا المحقق رئيس المحدثين‬
‫وخاتمة المجتهدين المولى المجلسي صاحب كتاب بحار النوار أدام ال أيام إفاداته ‪ ،‬وأجزل في الخرة مثوباته‬
‫وسعادته ‪ ،‬توجه إلى إيضاحها وتفسيرها ‪ ،‬وطبق بعضها على وقت تعيين ظهور الدولة الصفوية أعلى ال منار‬
‫بنيانها ‪ ،‬وشيّد رفيع أركانها ‪ .‬وطبق البعض الخر على تعيين وقت ظهور مولنا صاحب الزمان عليه ألف‬
‫سلم ‪ ،‬فلننقل تلك الخبار على وجهها ‪ ،‬ثم نذكر ما أفاده سلمه ال تعالى من البيان واليضاح ‪.‬‬

‫ل المحدّث محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة بسنده إلى أبي خالد‬
‫الحديث الول ‪ :‬ما رواه الشيخ الج ّ‬
‫الكابلي عن الباقر عليه السلم أنه قال ‪ :‬كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق ‪ ،‬يطلبون الحق فل يعطونه ‪ ،‬فإذا رأوا‬
‫ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم ‪ ،‬فيُعطون ما سألوا فل يـقبلونه حتى يقوموا ‪ ،‬ول يدفعونها إل إلى‬
‫صاحبكم ‪ ،‬قتلهم شهداء ‪.‬‬
‫قال أدام ال أيامه ‪ ،‬أنه ل يخفى على أهل البصائر أنه لم يخرج من المشرق سوى أرباب السلسلة الصفوية ‪،‬‬
‫وهو الشاه إسماعيل أعلى ال مقامه في دار المقامة ‪ .‬وقوله عليه السلم ‪ ،‬ل يدفعونها إل إلى صاحبكم ‪ :‬المراد‬
‫به القائم عليه السلم ‪ .‬فيكون في هذا الحديث إشارة إلى اتصال دولة الصفوية بدولة المهدي عليه السلم ‪ ،‬فهم‬
‫الذين يسلمون الملك له عند نزوله بل نزاع وجدال ‪.‬‬

‫الحديث الثاني ‪ :‬ما رواه النعماني أيضاً في ذلك الكتاب بإسناد معتبر إلى الصادق عليه السلم ‪ ،‬قال ‪ :‬بينا أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم يحدّث في الوقائع التي تجري بعده إلى ظهور المهدي عليه السلم ‪ ،‬فقال له الحسين عليه‬
‫السلم ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬في أي وقت يطّهر ال الرض من الظالمين ؟ فقال عليه السلم ‪ :‬ل يكون هذا حتى‬
‫تراق دماء كثيرة على الرض بل حق ‪ .‬ثم إنه عليه السلم فصل أحوال بني أمية وبني العباس في حديث طويل‬
‫إختصره الراوي ‪ ،‬فقال أمير المؤمنين عليه السلم ‪ :‬إذا قام القائم بخراسان ‪ ،‬وغلب على أرض كوفان وملطان ‪،‬‬
‫وتعدى جزيرة بني كاوان ‪ ،‬وقام منها قائم بجيلن ‪ ،‬وأجابته البر والديلم ‪ ،‬وظهرت لولدي رايات الترك‬
‫متفرقات في القطار والحرمات ‪ ،‬وكانوا بين هنات وهنات ‪ ،‬إذا خربت البصرة ‪ ،‬وقام أميرالمرة ‪ ،‬فحكى عليه‬
‫السلم حكاية طويلة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إذا جهزت اللوف ‪ ،‬وصفت الصفوف ‪ ،‬وقتل الكبش الخروف ‪ ،‬هناك يقوم الخر‬
‫‪ ،‬ويثور الثائر ‪ ،‬ويهلك الكافر ‪ .‬ثم يقوم القائم المأمول ‪ ،‬والمام المجهول له الشرق والفضل ‪ ،‬وهو من ولدك يا‬
‫حسين ل إبن مثله ‪ ،‬يظهر بين الركنين في ذر يسير يظهر على الثقلين ول يترك في الرض الدنين ‪ ،‬طوبى‬
‫لمن أدرك زمانه ولحق أوانه وشهد أيامه ‪.‬‬
‫قال ضاعف ال أيام سعادته ‪ :‬جزيرة بني كاوان جزيرة حول البصرة ‪ ،‬وأهل البر جماعة في قرب أسترآباد ‪،‬‬
‫والديلم هم أهل قزوين وماوالها ‪ ،‬والحرمات المكنة الشريفة ‪ ،‬قوله هنات وهنات أي حروب عظيمة ووقائع‬
‫كثيرة في وقت خراب البصرة ‪ ،‬والمراد بالقائم المأمول هو المهدي عليه السلم ‪ ،‬والمراد بالركنين ‪ ،‬ركنا الكعبة‬
‫‪ ،‬وهو الركن والحطيم ‪ ،‬الذي هو محل خروجه عليه السلم ‪ .‬وقوله ذر يسير المراد به الجماعة القليلة ‪ ،‬وهم‬
‫شهداء بدر ‪ .‬وقوله يظهر على الثقلين ‪ ،‬يعني به أنه عليه السلم ‪ ،‬يغلب على الجن والنس ‪ ،‬سميا به لنهما‬
‫يثقلن الرض بالستقرار فوقها ‪ ،‬أو لنهما أشرف المخلوقات السفلية ‪ ،‬والعرب تسمى الشريف ثقلً لحلمه‬
‫ورزانته ‪ .‬وقيل إنما سميا به ‪ ،‬لنهما قد ثقل بالتكليف ‪ ،‬فهما ثقلن بمعنى مثقلن ‪ .‬وقوله الدنين جمع أدنى ‪،‬‬
‫وهم أراذل الناس وأدناهم ‪ .‬والمراد بهم الظالمون الكافرون ‪.‬‬
‫ثم قال سلمه ال تعالى ‪ :‬الظاهر أن المراد بأهل الخروج من خراسان هم أمراء الترك ‪ ،‬مثل جنكيزخان ‪،‬‬
‫وهولكوخان ‪.‬‬
‫والمراد بالخارج من جيلن هو الشاه المؤيد الشاه إسماعيل ‪ ،‬ومن ثم أضافه عليه السلم إلى نفسه وسماه ولده ‪.‬‬
‫والمراد بأمير المرة ‪ ،‬إما ذلك السلطان المذكور أو غيره من السلطين الصفوية ‪ .‬وقوله وقتل الكبش‬
‫الخروف ‪ ،‬الظاهر أنه إشارة إلى المرحوم صفي الدين ميرزا ‪ ،‬فإن أباه وهو المرحوم الشاه عباس الول قد قتله‬
‫‪ .‬وقوله يقوم الخر ‪ ،‬المراد به المرحوم الشاه صفي ‪ ،‬فإنه أخذ دمه ‪ ،‬وأول من قتله هو الذي باشر قتل أبيه‬
‫صفي ميرزا ‪ .‬وقوله عليه السلم ثم يقوم القائم المأمول إشارة أيضاً إلى اتصال الدولة الصفوية بالدولة المهدوية‬
‫على صاحبها السلم ‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫ل محمد بن مسعود العياشي ‪ ،‬وهو من ثقات المحدّثين في كتاب التفسير عن أبي‬ ‫الحديث الثالث ‪ :‬رواه الشيخ الج ّ‬
‫لبيد المخزومي عن الباقر عليه السلم ‪ ،‬بعدما ذكر ملك شقاوة بني العباس ‪ ،‬قال ‪ :‬يا أبا لبيد ‪ ،‬إن حروف القرآن‬
‫المقطعة لعلماً جماً ‪ ،‬إن ال تعالى أنزل ألم ذلك الكتاب ‪ ،‬فقام محمد صلى ال عليه وآله حتى ظهر نوره ‪ ،‬وثبتت‬
‫كلمته ‪ ،‬وولد يوم ولد وقد مضى من اللف السابع مائة سنة وثلث سنين ‪ .‬ثم قال ‪ :‬وتبيانه في كتاب ال في‬
‫الحروف المقطعة إذا عددتها من غير تكرار ‪ ،‬وليس من الحروف المقطعة حرف ينقضي إل وقيام قائم من بني‬
‫هاشم عند انقضائه ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬اللف واحد ‪ ،‬واللم ثلثون ‪ ،‬والميم أربعون ‪ ،‬والصاد تسعون ‪ ،‬فذلك مائه وواحد وستون ‪ .‬ثم كان‬
‫بدء خروج الحسين بن علي عليه السلم ألم ال ‪ ،‬فلما بلغت مدته ‪ ،‬قام قائم ولد العباس عند المص ‪ .‬ويقوم قائمنا‬
‫عند انقضائها بالر ‪ .‬فافهم ذلك ‪ ،‬وعه واكتمه ‪.‬‬
‫قال ذلك المحقق أيده ال تعالى ‪ :‬قوله عليه السلم من اللف السابع المراد به من ابتداء خلق أبينا آدم عليه السلم‬
‫‪ .‬ثم قال أيده ال تعالى ‪ :‬إن هذا الحديث في غاية الشكال ‪ ،‬وقد ذكرنا له وجوهًا في كتاب بحار النوار ‪،‬‬
‫ولنذكرهنا وجهاً واحداً ‪ ،‬ولكنه مبني عل تمهيد مقدمة ‪ ،‬وهي أن المعلوم من كتب الحساب المعتبرة ‪ ،‬أن حساب‬
‫أبجد له اصطلحات مختلفة ‪ ،‬ومناط حساب هذا الحديث على اصطلح أهل المغرب ‪ ،‬وقد كان شائعاً بين‬
‫العرب في العصار السابقة ‪ ،‬وهو هذا صعفض قرست ثخذ ضغش ‪ .‬فالصاد عندهم ستون ‪ ،‬والضاد تسعون ‪،‬‬
‫والسين ثلثمأة ‪ ،‬والظاء ثمانمأة ‪ ،‬والغين تسعمأة ‪ ،‬الشين ألف ‪ .‬وباقي الحروف على موافقة المشهور ‪.‬‬
‫إذا عرفت هذه المقدمة ‪ ،‬فاعلم أن تاريخ ولدة نبينا صلى ال عليه وآله ‪ ،‬يظهر من جميع فواتح السور ‪ ،‬ولكن‬
‫باسقاط الحروف المكررة ‪ ،‬مثلً ألم و الر و حم ‪ ،‬وغيرها من المكررات ‪ ،‬ل يُؤخذ منه الحساب إل واحد ‪.‬‬
‫وكذلك الحروف المبسوطة مثل ألف را ‪ ،‬ل يُحسب منه إل ثلثة ‪ ،‬وكذا لم را ونحو ذلك ‪ ،‬وحينئذ فألف لم ميم‬
‫‪ ،‬ألف لم ميم ‪ ،‬صاد ألف لم ‪ ،‬را ألف لم ‪ ،‬ميم را ‪ ،‬كاف ها يا عين صاد ‪ ،‬طا ها ‪ ،‬طا سين ‪ ،‬يا سين ‪ ،‬صاد‬
‫حا ميم ‪،‬عين سين قاف قاف نون ‪.‬‬
‫إذا عددت حروفها تكون مئة وثلثاً من وقت خلق أبينا آدم عليه السلم إلى وقت ولدة النبي صلى ال عليه وآله‬
‫يكون على وفق هذا الحديث ستة آلف سنة ومئة وثلثون ( ثلث سنين ظ ) والول من كل ألف سنة تاريخ ‪،‬‬
‫وأول كل سابع من آلف مائة وثلث يكون قد مضت ‪ .‬وعدد هذه الحروف أيضاً يكون مأة وثلثة على ما عرفت‬
‫‪ ،‬فيكون ألم الذي في أول سورة البقرة ‪ ،‬إشارة إلى مبعث نبينا صلى ال عليه وآله ‪ ،‬وقوله عليه السلم وليس‬
‫حرف ينقضي إل وقيام قائم من بني هاشم عند انقضائه واضح على هذا ‪.‬‬
‫وذلك أول دولة بني هاشم ابتداؤها من عبدالمطلب ‪ .‬ومن ظهور دولة عبدالمطلب إلى ظهور دولة نبينا صلى‬
‫ال عليه وآله إحدى وسبعين سنة تقريباً عدد ألم بحساب أبجد على ترتيب القرآن بعد ألم البقرة وألم آل عمران ‪،‬‬
‫وهو إشارة إلى خروج الحسين عليه السلم ‪ .‬فإنه من ابتداء رواج دولة النبي صلى ال عليه وآله إلى وقت‬
‫خروج الحسين عليه السلم إحدى وسبعون سنة تقريباً ‪ .‬وأيضاً بحسب ترتيب سور القرآن ‪ ،‬ألمص ‪ ،‬وهو إشارة‬
‫إلى خروج بني العباس ‪ ،‬فإنهم من بني هاشم أيضاً ‪ ،‬وإن كانوا غير محقين في أمر الخروج ‪.‬‬
‫وبحساب أبجد على طريق المغاربة مئة وواحد وثلثون ‪ ،‬ومن أول بعثة النبي صلى ال عليه وآله إلى وقت‬
‫ظهور دولتهم مئة وواحد وثلثون ‪ ،‬وإن كان إلى زمان بيعتهم أكثر ‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون ابتداء هذا التاريخ من وقت نزول سورة العراف فيكون مطابقاً لوقت بيعتهم وعلى حساب‬
‫ألمص على طريق المغاربة ‪ .‬يبني الحديث المروي في كتاب معاني الخبار وسنذكره إن شاء ال تعالى ‪.‬‬
‫وأما كون قيام القائم عليه السلم مبنياً على حساب ألر ‪ ،‬فالذي يخطر بخاطري أن الرقد وقع في القرآن في‬
‫خمسة مواضع ‪ ،‬وينبغي لبيانه كما تعرض لبيان ألم ومجموعة ألف ومئة وخمس وخمسون سنة تقريباً ‪ ،‬من سنة‬
‫تحرير هذه الرسالة ‪ ،‬وهو سنة ألف وثمان وسبعون من الهجرة ‪ ،‬فيكون قد بقى من وقت خروجه عليه السلم‬
‫( سبعة وسبعون ظ ) خمس وستون سنة لما كان مبدأ هذه التواريخ من أوائل البعثة ‪ ،‬هذا محصل كلمه سلمه‬
‫ال تعالى " ‪. 1‬‬

‫وقد مضى خمس وستون سنة وسبع وسبعون سنة وأكثرعلى ذلك الوقت ‪ ،‬ولم يأن لقائمهم أن يرجع ‪ ،‬وليس‬
‫لمعدوم أن يوجد ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫النوار النعمانية لنعمت ال الجزائري ص ‪ 76‬إلى ‪. 80‬‬

‫‪206‬‬
‫وما أحسن ما قاله قائل ‪:‬‬

‫ما آن للسرداب أن يلـد الذي *** صيرتموه بزعـمكم إنسانـا‬


‫فعـلى عـقـولكم العـفـاء فإنكم *** ثـلثـتم العـنقـاء والغـيـلنـا‬

‫كيف يرجــع ‪ ،‬وأيـن يرجـع ؟‬

‫فيعتقد القوم أن جعفراً قال ‪:‬‬


‫" ينادى بإسم القائم في يوم ستة وعشرين من شهر رمضان ‪ ،‬ويقوم في يوم عاشوراء ‪ ،‬وهو اليوم الذي قتل فيه‬
‫الحسين بن علي ( ع ) لكأني به يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام ‪ ،‬جبرئيل بين يديه ينادي‬
‫ل كما‬
‫بالبيعة له ‪ ،‬فتسير شيعته من أطراف الرض تطوي لهم طياً ‪ ،‬حتى يبايعوه ‪ ،‬فيمل ال به الرض عد ً‬
‫مُـلئت جوراً وظلماً " ‪. 1‬‬

‫ثم بيـّنوا كيف يجتمع الشيعة للقائم ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬


‫" إذا أذن المام ‪ ،‬دعا ال بإسمه العبراني ‪ 2‬فأتيحت ( فانتخب ) له صحابته الثلثمائة والثلثة عشر ‪ ،‬قزع‬
‫ل فيصبح في مكة ‪ ،‬ومنهم من يُرى يسير في‬ ‫كـقزع الخريف ‪ ،‬فهم أصحاب اللوية ‪ .‬منهم من يفقد عن فراشه لي ً‬
‫السحاب نهاراً يُعرف بإسمه وإسم أبيه وحليته ونسبه ‪ .‬قلت ‪ :‬جعلت فداك ‪ ،‬أيهم أعظم إيماناً ؟ قال ‪ :‬الذي يسير‬
‫في السحاب نهاراً ‪ ...‬وهم المفقودون ‪ ،‬وفيهم نزلت هذه الية { َأيْـنَمَا تَكُونُوا َيأْتِ بِكُمُ الُّ جَمِيعًا } " ‪. 3‬‬
‫ويروي الطوسي شيخ الطائفة ‪:‬‬
‫" ينادي منادي من السماء بإسم القائم ‪ ،‬فيسمع من بين الشرق والغرب ‪ ،‬فل يبقى راقد إل استيقظ ‪ ،‬ول قائم إل‬
‫‪4‬‬
‫قعد ‪ ،‬ول قاعد إل قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت ‪ .‬وهوصوت جبرئيل الروح المين‬
‫وزاد النعماني ‪:‬‬
‫" فل يبقى شيئ من خلق ال فيه إل سمع الصيحة ‪ ،‬فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن داره ‪ ،‬وتخرج الذراع من‬
‫خدرها ‪ ،‬ويخرج القائم مما يسمع ‪ ،‬وهو صيحة جبرئيل "‪. 5‬‬

‫وقد رووا عن المفضل بن عمر أنه قال ‪:‬‬


‫" قلت لجعفر بن الباقر ‪ :‬ففي أي بقعة يظهر المهدي ؟ قال ‪ :‬ل تراه عين وقت ظهوره إل رأته كل عين ‪ ،‬وذلك‬
‫أنه يغيب آخر يوم من سنة ست وستين ومئتين ‪ ،‬ول تراه عين أحد حتى يراه كل أحد ‪ .‬ثم يظهر في مكة ‪ ،‬ووال‬
‫يا مفضل كأني أنظر إليه داخل مكة وعليه بردة رسول ال صلى ال عليه وآله ‪ ،‬وعلى رأسه عمامته ‪ ،‬وفي‬
‫رجليه نعل رسول ال المخصوفة ‪ ،‬وفي يده عصا النبي صلى ال عليه وآله يسوق بين يديه أعنزاً عجافاً ‪ ،‬حتى‬
‫يصل بها نحو البيت حتى ل يعرفه أحد ‪ .‬قال المفضل ‪ :‬يا سيدي ‪ ،‬كيف يظهر ؟ قال ‪ :‬يظهر وحده ‪ ،‬ويأتي‬
‫البيت وحده إلى الكعبة ‪ ،‬ويجن عليه الليل ‪ ،‬وإذا نامت العيون وغسق الليل ‪ ،‬نزل جبرئيل وميكائيل والملئكة‬
‫صفوفاً ‪ ،‬فيقول له جبرئيل يا سيدي ‪ ،‬قولك مقبول ‪ ،‬وأمرك جار ‪ .‬فيمسح يده على وجهه ويقول الحمد ل الذي‬
‫صدقنا وعده وأورثنا الرض نتبوء من الجنة حيث نشاء ‪ ،‬فنعم أجر العاملين ‪ .‬ويقف بين الركن والمقام ‪،‬‬
‫ويصرخ صرخة ‪ ،‬يا معشر نقبائي وأهل خاصتي ومن خلقهم ال لظهوري على وجه الرض ‪ ،‬إيتوني طائعين ‪.‬‬
‫فترد صيحته عليهم وهم في تجايرهم وعلى فرشهم في شرق الرض وغربها ‪ .‬فيسمعونه في صيحة واحدة في‬
‫أذن كل رجل ‪ ،‬فيجيئون نحوه ‪ ،‬ول يمضي لهم إل كلمحة بصر ‪ ،‬حتى يكونوا كلهم بين يديه بين الركن والمقام ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫أعلم الورى للطبرسي ص ‪ ، 459‬ومثله في الرشاد للمفيد ص ‪. 362،361‬‬
‫‪2‬‬
‫أل تدل هذه اللفظة على معنى متوارث عن القوم الذين يتكلمون بالعبرانية ؟ ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الغيبة للنعماني ص ‪ 169‬نقلً عن كتاب تاريخ ما بعد الظهور ص ‪.373،372‬‬
‫‪4‬‬
‫الغيبة للنعماني ص ‪. 254‬‬
‫‪5‬‬
‫كتاب الغيبة للطوسي ص ‪. 274‬‬

‫‪207‬‬
‫فيأمر ال عز وجل بنور فيصير عموداً من الرض إلى السماء ‪ ،‬يستضيئ به كل مؤمن على وجه الرض ‪،‬‬
‫ويدخل عليه نور في جوف بيته ‪ ،‬فتفرح نفوس المؤمنين بذلك وهو ل يعلمون بظهور قائمنا ‪ .‬ثم يصبحون وقوفاً‬
‫ل بعدة أصحاب رسول ال صلى ال عليه وآله ‪ ،‬يوم بدر " ‪. 1‬‬ ‫بين يديه ‪ .‬وهم ثلثمائة وثلثة عشر رج ً‬
‫ويقول وهومسند ظهره إلى الكعبة ‪:‬‬
‫" يا معشر الخلئق ‪ ،‬أل من أراد أن ينظر إلى آدم وشيث ‪ ،‬فهاأنا ذا آدم وشيث ‪ ،‬أل من أراد أن ينظر إلى‬
‫إبراهيم وولده إسماعيل ‪ ،‬فهاأنا ذا إبراهيم وإسماعيل ‪ .‬أل من أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون ‪ ،‬فها أنا ذا‬
‫عيسى وشمعون ‪ .‬أل من أراد أن ينظر إلى محمد وأمير المؤمنين ‪ ،‬فها أنا ذا محمد وأمير المؤمنين ‪ .‬ومن أراد‬
‫أن ينظر إلى الحسن والحسين فها أنا ذا الحسن والحسين ‪ .‬أل من أراد أن ينظر إلى الئمة من ولد الحسين ‪ ،‬فها‬
‫أنا ذا الئمة ‪.‬‬
‫أجيبوا مسألتي ‪ ،‬فإني أنبئكم بما نبئتم به أو لم تنبئوا به ‪ ،‬ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني ‪.‬‬
‫ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها ال لدم وشيث ‪ ،‬فتقول أمة آدم وشيث ‪ :‬هذه وال الصحف حقاً ‪ ،‬ولقد رأينا ما لم‬
‫نعلمه فيها وما كان أسقط منها وبدّل وحرّف ‪ .‬ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم حقا ‪ ،‬ثم يقرأ التوراة‬
‫والنجيل والزبور ‪ ،‬فيقول أهل التوراة والنجيل والزبور ‪:‬هذه وال التوراة الجامعة والنجيل الكامل ‪ ،‬وإنها‬
‫أضعاف ما ترى فيها ‪ .‬ثم يتلو القرآن ‪ ،‬فيقول المسلمون ‪ :‬هذا وال القرآن وما حرف وما بدل " ‪. 2‬‬
‫ويكون في صورة شاب مؤنق ‪ ،‬إبن إثنتين وثلثين سنة ‪ .‬كما كذبوا عن جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" لو قد قام القائم لنكره الناس ‪ ،‬لنه يرجع إليهم شاباً مؤنقاً ل يثبت عليه إل من قد أخذ ال ميثاقه في الذر الول‬
‫‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬القائم يعمر عمر الخليل عشرين ومائة سنة يدري به – ثم يغيب غيبة في الدهر ‪ ،‬ويظهر في‬
‫صورة شاب مؤنق إبن ثلثين سنة " ‪. 3‬‬
‫فيبايعه أول من يبايعه جبرئيل كما روى الطوسي وغيره ‪:‬‬
‫" أن جبرائيل يأتيه ‪ ،‬ويسأله ويقول له ‪:‬‬
‫إلى أي شيئ تدعو ؟ فيخبره القائم ‪ .‬فيقول جبرئيل ‪ :‬فأنا أول من يبايع ‪ ،‬ثم يقول له ‪ :‬مد كفك ‪ .‬فيمسح على يديه‬
‫"‪. 4‬‬
‫وذكر البحراني ‪ :‬أن جبرئيل ينزل على الميزاب في صورة طائر أبيض ‪ ،‬حتى يكون أول من خلق ال جبرئيل ‪.‬‬
‫‪.5‬‬

‫وهذا مع قولهم ‪:‬‬


‫أتى جبرئيل (ع) إلى رسول ال (ص) ‪ ،‬فقال ‪ :‬السلم عليك يا محمد ‪،‬هذا آخر يوم أهبط فيه إلى الدنيا ‪ .‬وعن‬
‫عطاء بن يسار ‪ ،‬أن رسول ال (ص) لما حضر أتاه جبرئيل ‪ ،‬فـقال ‪ :‬يا محمد الن أصعد إلى السماء ‪ ،‬ول‬
‫أنزل إلى الرض أبداً ‪ .‬وعن أبي جعفر (ع) قال ‪ :‬لما حضرت النبي الوفاة ‪ ...‬إلى أن قال ‪ :‬فعند ذلك قال‬
‫جبرئيل ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬هذا آخر هبوطي إلى الدنيا ‪ ،‬إنما كنت أنت حاجتي فيها‪. 6 .‬‬

‫ول جبرئيل وحده ‪ ،‬بل الملئكة الخرون أيضًا كما روى الجزائري عن جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" إن القائم يسند ظهره إلى الحرم ‪ ،‬ويمد يده فترى بيضاء من غير سوء ‪ ،‬فيقول ‪ :‬هذه يد ال ‪ ...‬ويكون أول‬
‫من يقبل يده جبرئيل ‪ ،‬ثم يبايعه الملئكة ‪ ،‬ثم نجباء الجن ‪ ،‬ثم نقباء المؤمنين " ‪. 7‬‬

‫ويُؤيد هذا ‪ ،‬ما ذكره المفيد والطبرسي وابن الفتال والبحراني والنعماني وغيرهم كذباً على محمد الباقر أنه‬
‫قال ‪:‬‬

‫‪ 1‬النوار النعمانية ج ‪2‬ص ‪. 82‬‬


‫‪ 2‬النوار النعمانية ص ‪.84،83‬‬
‫‪ 3‬كتاب الغيبة للطوسي ص ‪. 189‬‬
‫‪ 4‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪ ، 461 ،460‬الرشاد للمفيد ص ‪ ، 364‬روضة الواعظين ج ‪ 2‬ص ‪ ، 265‬إكمال الدين لبن بابويه القمي وغيره ‪.‬‬
‫‪ 5‬تفسير البرهان ج ‪ 2‬ص ‪. 82‬‬
‫‪ 6‬كشف الغمة للربلي ج ‪ 1‬ص ‪ 19‬نقلً عن كتاب تاريخ مابعد الظهور ص ‪. 352‬‬
‫‪ 7‬النوار النعمانية ج ‪ 2‬ص ‪. 83‬‬

‫‪208‬‬
‫" كأني بالقائم على نجف الكوفة ‪ ،‬قد سار إليه من مكة في خمسة آلف من الملئكة ‪ ،‬جبرئيل عن يمينه ‪ ،‬ميكئيل‬
‫‪1‬‬
‫عن شماله ‪ ،‬والمؤمنون بين يديه ‪ ،‬وهو يفرق الجنود في البلد "‬
‫ول خمسة آلف فقط ‪ ،‬بل ينحط عليه ثلثة عشر ألف ملك وثلثمائة وثلثة عشر ملكاً ‪ ،‬قلت ‪ :‬كل هؤلء‬
‫الملئكة ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬الذين كانوا مع نوح في السفينة ‪ ،‬والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقى في النار ‪ ،‬والذين‬
‫كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل ‪ ،‬والذين كانوا مع عيسى حين رفعه ال إليه ‪ ،‬وأربعة آلف ملك‬
‫كانوا مع النبي صلى ال عليه وآله مسومين ‪ ،‬وألف مردفين ‪ ،‬وثلثمائة وثلثة عشر ملئكة بدريين ‪ ..‬وأربعة‬
‫آلف هبطوا يريدون القتال مع الحسين (ع) فلم يُؤذن لهم في القتال ‪ ..‬و كل هؤلء في الرض‪ ،‬ينتظرون قيام‬
‫‪2‬‬
‫القائم عليه السلم إلى وقت خروجه عليه صلوات ال والسلم"‬

‫وأورد مثل ذلك النعماني في كتاب ( الغيبة )‪. 3‬‬


‫‪4‬‬
‫وزاد على ذلك " أن الذي يحمل رايته يوم ذاك ‪ ،‬يكون جبرئيل ‪ ،‬ويكون عمودها من عمد عرش ال تعالى "‬
‫‪.‬‬

‫" وأن أربعة اللف الذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين فلم يُؤذن لهم ‪ ،‬بقوا عند قبره شعثاً غبراً إلى يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬ورئيسهم ملك يُـقال له منصور ‪ .‬فل يزوره زائر إل استقبلوه ‪ ،‬ول يودعه مودع إل شيّعوه ‪ ،‬ول‬
‫مريض إل عادوه ‪ ،‬ول يموت ميت إل صلوا عليه " ‪. 5‬‬

‫ومـاذا يـعـمل بـعـد رجـعـته ؟‬

‫ومن أكاذيب الشيعة الشنيعة ‪ ،‬والكره الذي توارثوه عن اليهودية والمجوسية الذين دُمرت شوكتهم ‪ ،‬وقضى على‬
‫سلطانهم وملكهم من قبل مسلمي العرب ‪ ،‬وعلى أيدي قادتهم من قريش ‪ .‬ومن شدة نقمتهم وحسدهم وحقدهم ‪،‬‬
‫قالوا ‪:‬‬
‫إن القائم يبدأ أول ما يبدأ بقتل قريش وصلبهم ‪ ،‬الحياء منهم والموات ‪ ،‬ويضع في العرب السيف ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫" عن أبي جعفر عليه السلم أنه قال ‪:‬‬
‫لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج ‪ ،‬لحب أكثرهم أل يروه مما يقتل من الناس ‪ ،‬أما أنه ل يبدأ إل بقريش ‪،‬‬
‫فل يأخذ منها إل السيف ‪ ،‬ول يعطيها إل السيف ‪ ،‬حتى يقول كثير من الناس ‪ :‬هذا ليس من آل محمد ‪ ،‬ولو كان‬
‫من آل محمد لرحم " ‪. 6‬‬

‫وروى المفيد والطبرسي عن جعفر أنه قال ‪:‬‬


‫" إذا قام القائم من آل محمد ‪ ،‬أقام خمسمائة من قريش ‪ ،‬فضرب أعناقهم ‪ ،‬ثم أقام خمسمائة فضرب أعنقاهم ‪،‬‬
‫ثم خمسمائة أخرى ‪ ،‬حتى يفعل ذلك ست مرات ‪ .‬قلت ‪ :‬ويبلغ عدد هؤلء هذا ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬منهم ومن مواليهم "‬
‫‪.7‬‬
‫وأيضاً أنه سيف قاطع بين العرب ‪ ،‬وعلى العرب شديد ‪ ،‬ليس شأنه إل السيف ‪ ،‬ول يستتيب أحدا ‪. 8‬‬
‫ومثل ذلك ما رووه عن جعفر أيضاً أنه قال ‪:‬‬

‫كتاب الغيبة‬ ‫‪ 1‬الرشاد المفيد ص ‪ ،362‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪ ، 460‬روضة الواعظين للفتال ص ‪ ، 264‬البرهان للبحراني ج ‪ 2‬ص ‪، 82‬‬
‫للنعماني ص ‪. 334‬‬
‫‪ 2‬كامل الزيارات لبن قولويه ص ‪. 120‬‬
‫‪ 3‬ص ‪. 310،109‬‬
‫‪ 4‬أنظر كتاب الغيبة للنعماني ص ‪. 309‬‬
‫‪ 5‬أيضاً ص ‪. 311‬‬
‫‪ 6‬أيضاً ص ‪. 233‬‬
‫‪ 7‬الرشاد للمفيد ص ‪ ، 364‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪ ، 461‬زمثله في كتاب الغيبة للنعماني ص ‪. 235‬‬
‫‪ 8‬كتاب الغيبة للنعماني ص ‪. 235‬‬

‫‪209‬‬
‫" إذا خرج القائم ‪ ،‬لم يكن بينه وبين قريش إل السيف ‪ ،‬ما يأخذ منها إل السيف ‪ ،‬وما يستعجلون بخروج القائم ؟‬
‫‪ ...‬وما هو إل السيف ‪ ،‬والموت تحت ظل السيوف " ‪. 9‬‬

‫فانظر الحقد والوتر على العرب عامة و على قريش خاصة ‪ .‬وهل هناك شك بعد ذلك في يهودية القوم‬
‫ومجوسيتهم ؟ أو تأسيس اليهودية وتكوين العنصر اليراني عقائدهم ومعتقداتهم ؟‬

‫وأخرج المجلسي في ( البحار ) عن جعفرأنه قال ‪:‬‬


‫" إن القائم يسير في العرب في الجفر الحمر ‪ ،‬قال ( أي الراوي ‪ ،‬وهو رفيد مولى ابن هبيرة ) قلت ‪ :‬جعلت‬
‫فداك ‪ ،‬وما في الجفر الحمر ؟ قال ‪ :‬فأمـرّ أصبعه على حلقه ‪ ،‬قال ‪ :‬هكذا ‪ ،‬يعني الذبح " ‪. 2‬‬
‫وروي أيضاً عنه أنه قال ‪:‬‬
‫" إنه يخرج موتوراً غضباً أسفاً ‪ ...‬يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر ‪ ،‬يقتل هوجاء ‪ .‬فأول ما يبدأ ببني‬
‫شيبة ‪ ،‬فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة ‪ ،‬وينادي مناديه ‪ :‬هؤلء سرّاق ال ‪ .‬ثم يتناول قريشاً فل يأخذ منها إل‬
‫السيف ‪ ،‬ول يعطيها إل السيف " ‪. 3‬‬

‫يحـي الموات ويـقـل أصحاب النبي‬

‫ول يكتفي بقتل الحياء منهم ‪ ،‬ول يروي عطشه دم هذا القدر من الناس ‪ ،‬بل يبدأ بالموات ‪ -‬حسب‬
‫أساطيرهم وأباطيلهم ‪ -‬فيحييهم ثم يقتلهم ‪ ،‬كما ذكروا أنه في عصره يحيي يزيد بن معاوية وأصحابه‬
‫‪4‬‬
‫فيُـقـتلون حذو القذة بالقذة ‪.‬‬
‫وليس هذا فحسب ‪ ،‬بل جازفوا في القول ‪ ،‬حتى قالوا ‪:‬‬
‫" لو قام قائمنا ‪ ،‬رد بالحميراء ( أي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي ال عنهما ) حتى يجلدها‬
‫الحد ‪ ،‬وينتقم لبنة محمد صلى ال عليه وآله "‪. 5‬‬
‫وأكثر من ذلك ‪ ،‬بلغوا في اللؤم والخبث والحقد لحاملي رايات السلم ‪ ،‬ومعلني كلمته ‪ ،‬ومبلغي رسالته ‪،‬‬
‫ومدمري حضارة اليهود وشوكة المجوسية ‪ ،‬إلى حد لم يتصوره العقل ‪ ،‬ولم ترض به النسانية ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫" إن القائم قال ‪ :‬أل أنبئك بالخبر ‪ .‬أنه إذا فقد الصبي ‪ ،‬وتحرك المغربي ‪ ،‬وسار العماني ‪ ،‬وبويع السفياني ‪،‬‬
‫يأذن ال لي فأخرج بين الصفا والمروة في ثلثمائة وثلثة عشر رجلً سواء ‪ .‬فأجيئ إلى الكوفة ‪ ،‬وأهدم‬
‫مسجدها وأبنيه على بنائه الول ‪ ،‬وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة ‪ ،‬و أحج بالناس حجة السلم ‪ .‬وأجيئ‬
‫إلى يثرب ‪ ،‬وأهدم الحجرة ‪ ،‬وأخرج من بها وهما طريان ‪ ،‬فآمر بهما تجاه البقيع ‪ ،‬وآمر بالخشبتين يصلبان‬
‫عليهما ‪ ،‬فتورق من تحتها ‪ ،‬فيفـتتن الناس بهما أشد من الفتنة الولى ‪ ،‬فينادي مناد من السماء ‪ :‬أبيدي ‪ ،‬ويا‬
‫أرض خذي ‪ .‬فيومئذ ل يبقى على وجه الرض إل مؤمن قد خلص قـلبه اليمان ‪ .‬قلت ‪ :‬يا سيدي ما يكون‬
‫‪6‬‬
‫بعد ذلك ؟ قال ‪ :‬الكرة الكرة الرجعـة "‬

‫وذكر هذا الجزائري بالتفصيل و الصراحة حيث قال ‪ " :‬إن المفضل بن عمر روى عن جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫إن بقاع الرض تفاخرت ‪ ،‬ففخرت الكعبة على بقعة كربلء ‪ ،‬فأوحى ال عز و جل إليها أن اسكتي يا كعبة‬
‫وما تفخري على كربلء ‪ ،‬فإنها البقعة المباركة التي قال فيها لموسى عليه السلم إني أنا ال ‪ ،‬و هي موضع‬
‫المسيح و أمه وقت ولدته ‪ ،‬و إنها الدالية التي غسل بها رأس الحسين بن علي عليهما السلم ‪ ،‬و هي التي‬
‫عرج منها محمد صلى ال عليه و آله ‪ .‬و قال له المفضل ‪ :‬يا سيدي ‪ ،‬يسير المهدي إلى أين ؟ قال ‪ :‬إلى‬
‫مدينة جدي رسول ال صلى ال عليه و آله و سلم ‪ ،‬فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب ‪ ،‬يظهر فيه سرور‬
‫المسلمين و خزي الكافرين ‪ .‬فقال المفضل ‪ :‬ياسيدي ماهو ذاك ؟ قال ‪ :‬يرد إلى قبر جده فيقول يامعشر‬

‫‪ 9‬كتاب الغيبة للطوسي ص ‪. 234، 233‬‬


‫‪ 2‬بحار النوار للمجلسي ج ‪ 13‬ص ‪. 181‬‬
‫‪ 3‬كتاب الغيبة للنعماني ص ‪. 308‬‬
‫‪ 4‬أنظر بحار النوار ج ‪ 13‬ص ‪ ، 219‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ ، 282‬البرهان ج ‪ 2‬ص ‪ ، 408‬الصافي ج ‪ 1‬ص ‪. 959‬‬
‫‪ 5‬تفسير الصافي ص ‪ 359‬مجلد كبير ‪.‬‬
‫‪ 6‬الربهان في تفسير القرآن ج ‪ 2‬ص ‪. 407‬‬

‫‪210‬‬
‫الخلئق هذا قبر جدي ‪ ،‬فيقولون نعم يا مهدي آل محمد ‪ ،‬فيقول و من معه في القبر ‪ ،‬فيقولون صاحباه‬
‫( مصاحباه ) وضجيعاه أبوبكر و عمر ‪ ،‬فيقول عليه السلم ‪ ،‬وهو أعلم الخلق من أبو بكر و عمر ‪ ،‬و كيف‬
‫دفنا من بين الخلق مع جدي رسول ال صلى ال عليه و آله و سلم ‪ ،‬و عسى أن يكون المدفون غيرهما ‪،‬‬
‫فيقول الناس يا مهدي آل محمد ‪ ،‬ما هاهنا غيرهما ‪ ،‬و إنهما دفنا معه لنهما خليفتاه و آباء زوجتيه ‪ ،‬فيقول‬
‫هل يعرفهما أحد ؟ فيقولون نعم نحن نعرفهم بالوصف ‪ ،‬ثم يقول هل يشك أحد في دفنهما هنا ؟ فيقولون ل ‪،‬‬
‫فيأمر بعد ثلثة أيام و يحفر قبرهما و يخرجهما ‪ ،‬فيخرجان طريين كصورتهما في الدنيا ‪ ،‬فيكشف عنهما‬
‫أكفانهما ‪ ،‬ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة ‪ ،‬فيصلبهما عليها ‪ ،‬فتتحرك الشجرة وتورق و ترفع‬
‫ويطول فرعها ‪ .‬فيقول المرتابون من أهل وليتهما هذه وال الشرف حقاً ‪ ،‬و لقد فزنا بمحبتهما و وليتهما ‪.‬‬
‫فينشر خبرهما فكل من بقلبه حبة خردل من محبتهما يحضر المدينة ‪ ،‬فيفتنون بهما ‪ ،‬فينادي مناد المهدي‬
‫عليه السلم هذان صاحبا رسول ال صلى ال عليه و آله فمن أحبهما فليكن في معزل ‪ ،‬و من أبغضهما يكن‬
‫في معزل ‪ .‬فيتجزأ الخلق جزئين ‪ ،‬موال و معاد ‪ .‬فيعرض على أوليائهما البراءة منهما ‪ .‬فيقولون يا مهدي‬
‫ما كنا نبرأ منهما وما كنا نعلم أن لهما عند ال هذه الفضيلة ‪ ،‬فكيف نبرأ منهما و قد رأينا منهما ما رأينا في‬
‫هذا الوقت من نضارتهما و غضاضتهما و حياة الشجرة بهما ‪ ,‬بل وال نبرأ منك و ممن آمن بك و ممن ل‬
‫يؤمن بهما و ممن صلبهما و أخرجهما و فعل ما فعل بهما ‪ .‬فيأمر المهدي عليه السلم ريحًا فتجعلهم كأعجاز‬
‫نخل خاوية ‪ ،‬ثم يأمر بإنزالهما فينزلن ‪ ،‬فيحييهما بإذن ال ‪ ،‬و يأمر الخلئق بالجتماع ‪ ،‬ثم يقص عليهم‬
‫قصص فعالهم في كل كور و دور ‪ ،‬حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم ‪ ،‬و جمع النار لبراهيم ‪ ،‬و طرح‬
‫يوسف في الجب ‪ ،‬و حبس يونس في بطن الحوت ‪ ،‬و قتل يحيى ‪ ،‬و صلب عيسى ‪ ،‬و عذاب جرجيس و‬
‫دانيال ‪ ،‬و ضرب سلمان الفارسي ‪ ،‬و إشعال النار على باب أمير المؤمنين و فاطمة و الحسين عليهما السلم‬
‫و إرادة إحراقهم بها ‪ ،‬و ضرب الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء بسوط و رفس بطنها و إسقاطها محسنا ‪ ،‬و‬
‫سم الحسن ‪ ،‬و قتل الحسين عليه السلم ‪ ،‬و ذبح أطفاله و بني عمه ‪ ،‬و سبي ذراري رسول ال صلى ال‬
‫عليه و آله و إراقة دماء آل محمد ‪ ،‬و كل دم مؤمن و كل فرج نكح حراماً و كل رباء أُكل و كل خبث و‬
‫فاحشة و ظلم منذ عهد آدم إلى قيام قائمنا ‪ .‬كل ذلك يعدده عليهما و يلزمهما إياه و يعترفان به ‪ ،‬ثم يأمر بهما‬
‫فيقتص منهما في ذلك الوقت مظالم من حضر ‪ ،‬ثم يصلبهما على الشجرة ‪ ،‬و يأمر ناراً تخرج من الرض‬
‫تحرقهما و الشجرة ‪ ،‬ثم يأمر ريحًا فتنسفهما في اليـّم نسفاً ‪.‬‬

‫قال المفضل ‪ :‬يا سيدي هذا آخر عذابهما ؟ قال ‪ :‬هيهات يا مفضل ‪ ،‬وال ليردّن ‪ ،‬وليحضرّن السيد الكبر‬
‫محمد رسول ال صلى ال عليه و آله و سلم و الصديق العظم أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين‬
‫و الئمة عليهم السلم و كل من محض اليمان محضاً و كل من محض الكفـر محضاً ‪ ،‬و ليقتصن منهما‬
‫بجميع المظالم ‪ ،‬ثم يأمر بهما فيقتلن في كل يوم و ليلة ألف قتلة و يردان إلى أشد العذاب ‪. 1 " .‬‬

‫ظلـمـه وقـوتـه‬

‫ومن قسوته ‪ ،‬أنهم ينقلون عنه عن جعفر أنه قال ‪:‬‬


‫" بينا رجل على رأس القائم يأمره وينهاه ‪ ،‬إذ قال ‪ :‬أديروه ‪ ،‬فيديروه إلى قدامه ‪ ،‬فيأمر بضرب عنقه ‪ ،‬فل‬
‫يبقى في الخافقين شيئ إل خافه " ‪. 2‬‬

‫أنه يقتل المولـّي ‪ ،‬ويجهز الجريح ‪.3‬‬

‫وذكروا في رواية ‪:‬‬


‫‪4‬‬
‫" بعث ال محمداً صلى ال عليه وآله رحمـة ‪ ،‬وبعث القائم نـقـمـة " ‪.‬‬

‫‪ 1‬النوار النعمانية للجزائري ج ‪ 2‬ص ‪.87 ، 86‬‬


‫‪ 2‬كتاب الغيبة للنعماني ص ‪. 239‬‬
‫‪ 3‬أيضاً ص ‪. 232‬‬
‫‪ 4‬تفسير الصافي ص ‪ 359‬مجلد كبير ‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫يدعـو إلى أمـر جديد وكتـاب جديـد‬

‫ومن عقائد الشيعة الثني عشرية ‪ ،‬أن إمامهم الموهوم وغائبهم المعدوم ‪ ،‬سيدعو الناس إلى كتاب جديد وأمر‬
‫جديد ‪ .‬وقد نقلوا فيه روايات عديدة ‪ ،‬منها ما رواها النعماني عن أبي جعفر – المام الخامس المعصوم عند‬
‫الشيعة ‪ -‬أنه قال ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫" يقوم القائم بأمر جديد ‪ ،‬على العرب شديد ‪ ،‬ليس شأنه إل السيف ‪ ،‬ول يستتيب أحدا " ‪.‬‬
‫وعنه أن سُـئل ‪ :‬أيسير بسيرة محمد صلى ال عليه وسلم ؟‬
‫قال ‪ :‬هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته ‪ ،‬قلت ‪ :‬جعلت فداك لم َ ؟‬
‫قال ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وآله سار في امته بالمن ‪ ،‬كان يتألف الناس ‪ .‬والقائم يسير بالقتل ‪ ،‬بذاك‬
‫أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ول يستتيب أحدا " ‪. 2‬‬
‫وري أيضاً عنه أنه قال ‪:‬‬
‫" فوال لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام ‪ ،‬يبايع الناس بأمر جديد شديد ‪ ،‬وكتاب جديد ‪ ،‬وسلطان جديد من‬
‫السماء " ‪. 3‬‬
‫ومثل ذلك روى المجلسي في بحار النوار ‪. 4‬‬
‫ورروا أيضاً عن أبي عبدال أنه سُـئل ‪:‬‬
‫" كيف سيرته ؟ فقال ‪ :‬يصنع كما صنع رسول ال صلى ال عليه وآله ‪ ،‬يهدم ما كان قبله ‪ ،‬كما هدم رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله أمر الجاهلية ‪ ،‬ويستأنف السلم من جديد " ‪. 5‬‬
‫وهذه الروايات واضحة في معناها ‪ ،‬تنبئ بما دست اليهودية الثيمة من الدسائس الخبيثة بين الذين الذين‬
‫ينتسبون للسلم ‪ .‬وتوضح معنى هذه الرويات رواية أخرى التي أوردها النعماني والمجلسي وغيرهما عن‬
‫أبي جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" لو قد خرج القائم من آل محمد عليهم السلم ‪ ،‬لنصره ال بالملئكة المسومين والمردفين والمنزلين‬
‫والكروبيين ‪ .‬ويكون جبرئيل أمامه ‪ ،‬وميكائيل عن يمينه ‪ ،‬وإسرافيل عن يساره ‪ ،‬والرعب يسير مسيرة شهر‬
‫أمامه وخلفه وعن يمينه وشماله ‪ ،‬والملئكة المقربون حذاه ‪ ،‬وأول من يتبعه محمد صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ -‬وفي رواية يتبعه وفي أخرى يبايعه ‪ -‬وعليّ الثاني ومعه سيف مخترط ‪ ،‬يفتح ال له الروم و الديلم‬
‫والسند والهند وكابل شاه والخرز ‪.‬‬
‫يا أبا حمزة ‪ ،‬ل يقوم القائم عليه السلم إل على خوف شديد وزلزل وفتنة وبلء يصيب الناس وطاعون قبل‬
‫ذلك ‪ ،‬وسيف قاطع بين العرب ‪ ،‬واختلف شديد بين الناس ‪ ،‬وتشتت في دينهم ‪ ،‬وتغير من حالهم ‪ .‬حتى‬
‫يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساءاً من عظم ما يرى من كَلـَب الناس ‪ ،‬وأكل بعضهم بعضا ‪ .‬وخروجه إذا‬
‫خرج عند الياس والقنوط ‪.‬‬
‫فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره ‪ .‬والويل كل الويل لمن خافه وخالف أمره وكان من أعدائه ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫يقوم بأمر جديد ‪ ،‬وسنة جديدة ‪ ،‬وقضاء جديد على العرب شديد ‪ ،‬ليس شأنه إل القتل ول يستتيب أحداً ‪ ،‬ول‬
‫تأخذه في ال لومة لئم " ‪. 6‬‬

‫فهذه هي حقيقة المر ‪ ،‬وهذا هو أصل الشيعة الثني عشرية ‪ ،‬الذين يدعون بأنهم من الشيعة المعتدلين ‪،‬‬
‫وينفون انتسابهم إلى عبدال بن سبأ اليهودي وكونهم من أصل مجوسي إيراني ‪ ،‬الناقمين على السلم ‪،‬‬
‫والباغين على المة السلمية ‪ ،‬والطاعنين على أسلفهم وأعيانها ‪ ،‬والشاتمين قوادها وسادتها ‪.‬‬
‫وقد بيـّناها من كتبهم أنفسهم ‪ ،‬وبعبارتهم هم ‪.‬‬

‫رجعـة الئمـة مع رجـعـة القائـم‬


‫‪ 1‬كتاب الغيبة للنعماني ص ‪. 233‬‬
‫‪ 2‬أيضاً ص ‪. 231‬‬
‫‪ 3‬أيضاً ‪.‬‬
‫‪ 4‬ج ‪ 13‬ص ‪ 194‬وما بعد ‪.‬‬
‫‪ 5‬بحار النوار ج ‪ 13‬ص ‪. 194‬‬
‫‪ 6‬كتاب الغيبة للنعماني ص ‪ . 235 ، 224‬ومثله في بحار النوار للمجلسي وغيره ‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫ثم إن الشيعة الثني عشرية ‪ ،‬ل يعتقدون برجعة القائم فحسب ‪ ،‬بل وأكثر من ذلك ‪ ،‬يعتقدون بأن أئمتهم‬
‫يرجعون أيضًا إلى الدنيا مثل رجوع قائمهم ‪ ،‬ويبقون ‪ ،‬ويملكون ‪ ،‬وينتقمون من العداء ويقتلونهم ‪.‬‬
‫كما روى المجلسي عن جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" أول من تنشق الرض عنه ‪ ،‬ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي ‪ .‬وإن الرجعة ليس بعامة وهي خاصة ‪ .‬ل‬
‫يرجع إل من محض اليمان محضاً ‪ ،‬أو محض الكفر محضاً "‪. 1‬‬
‫ورووا عن أبيه الباقر أنه قال ‪:‬‬
‫" إن أول من يرجع إلى الدنيا لجاركم الحسين بن علي عليه السلم ‪ ،‬فيملك حتى يقع حاجباه على عينيه من‬
‫الكبر "‪. 2‬‬
‫ول الحسين وحده فحسب ‪ ،‬بل يرجع معه سبعون رجلً من أصحابه الذين قتلوا معه ‪. 3‬‬

‫وفي رواية أن الحسين يرجع إلى الدنيا مع خمسة وسبعين ألفاً من الرجال ‪ ،‬ويملك الدنيا كلها بعد وفاة‬
‫المهدي عليه السلم ‪ ،‬ثلث مائة وتسع سنين ‪. 4‬‬
‫ويرجع معه يزيد بن معاوية وأصحابه ‪ ،‬ليأخذ الحسين وأصحابه ثأرهم منهم ‪. 5‬‬

‫ويساعد الحسين وأصحابه في أخذ ثأرهم وانتقامهم من يزيد وعساكره سبعون نبياً ورسول ‪ ،‬ويكون أحدهم‬
‫إسماعيل ‪ .‬كما حكى الجزائري حكاية باطلة بقوله ‪:‬‬
‫" وفي الخبار الكثيرة عن بريد العجلي أنه سأل الصادق عليه السلم عن قول ال تعالى في إسماعيل أنه‬
‫كان صادق الوعد ‪ ،‬ما المراد بإسماعيل هذا ؟ أهو إبن إبراهيم ؟ فقال عليه السلم ‪:‬‬
‫" ل ‪ ،‬بل هو إسماعيل بن حزقيل ‪ ،‬بعثه ال إلى جماعة ‪ ،‬فكذبوه وسلخوا جلده ووجهه ورأسه ‪ .‬فبعث ال‬
‫عليهم ملك العذاب ‪ ،‬وهو سطاطائيل ‪ .‬فأتى إلى إسماعيل وقال ‪ :‬إن ال أرسلني إليك بما تأمر في عذابهم ‪،‬‬
‫ي فاطلبها‬‫فقال إسماعيل عليه السلم ‪ :‬ل حاجة لي في عذابهم ‪ .‬فأوحى ال سبحانه إليه ‪ :‬إن كان لك حاجة إل ّ‬
‫‪ .‬فقال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إنك أخذت علينا معاشر النبياء أن نوحّدك ‪ ،‬ونقـر بنبوة محمد صلى ال عليه وآله ‪،‬‬
‫وبإمامة الئمة عليهم السلم ‪ ،‬وأخبرت الخلئق بما يفعل الظالمون بولده الحسين ‪ ،‬ووعدت الحسين عليه‬
‫السلم بالرجوع إلى الدنيا ليأخذ ثأره وينتقم من ظالميه ‪ .،‬فحاجتي إليك يا رب أن ترجعني في زمانه ‪،‬‬
‫لجل آخذ ثأري وقتل من قتلني ‪ .‬فقبل ال حاجته ‪ ،‬وجعله من الذين يرجعون في زمان الحسين عليه السلم ‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى ‪ ،‬أن الحسين عليه السلم ‪ ،‬يرجع إلى الدنيا مع خمسة وسبعين ألفاً من الرجال " ‪. 6‬‬

‫وقالوا ‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫إن الئمـة الثني عشرية ‪ ،‬كلهم يرجعون إلى الدنيا في زمن القائم ‪ ،‬مع جماعتهم ‪.‬‬

‫ويرجـع عليّ ونبيّ أيضاً‬

‫ول يرجع الحسين وأصحابه ومعاوية ويزيد وأصحابه وسبعون نبياً ممن مضوا في سالف الزمان وحدهم ‪،‬‬
‫بل ويرجع رسول ال صلوات ال وسلمه عليه وعلى عليّ أيضاً ‪ ،‬كما روى المجلسي عن بكير بن أعين ‪،‬‬
‫أنه قال ‪:‬‬
‫‪8‬‬
‫" قال لي من ل أشك فيه ‪ ،‬يعني أبا جعفر (ع) أن رسول ال (ص) وعليًا سيرجعان " ‪.‬‬

‫‪ 1‬بحار النوار للمجلسي ج ‪ 13‬ص ‪ ، 210‬الصافي ج ‪ 1‬ص ‪. 959‬‬


‫‪ 2‬بحار النوار للمجلسي ج ‪ 13‬ص ‪ ، 211‬البرهان ج ‪ 2‬ص ‪ ، 407‬الصافي ج ‪ 1‬ص ‪ ، 959‬إثبات الهداة للعاملي ج ‪ 7‬ص ‪. 102‬‬
‫‪ 3‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪. 181‬‬
‫‪ 4‬النوار النعمانية للجزائري ج ‪ 2‬ص ‪.99،98‬‬
‫‪ 5‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ ، 282‬البرهان ج ‪ 2‬ص ‪ ، 408‬الصافي ج ‪ 1‬ص ‪259‬تحت قوله تعالى ‪ [ :‬ثم رددنا لكم الكرة عليهم ]‪ ،‬بحار النوار ج‬
‫‪ 13‬ص ‪. 219‬‬
‫‪ 6‬النوار النعمانية للجزائري ج ‪ 2‬ص ‪. 98‬‬
‫‪ 7‬الصافي ج ‪ 1‬ص ‪. 347‬‬
‫‪ 8‬بحار النوار للمجلسي ج ‪ 13‬ص ‪. 210‬‬

‫‪213‬‬
‫ورووا عن جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" قال رسول ال (ص) ‪ :‬لقد سرى بي ربي عز وجل ‪ ،‬فأوحى إليّ من وراء حجاب ما أوحى ‪ ،‬وكلمني بما‬
‫كلم به ‪ ،‬وكان مما كلمني به ‪ ..‬يا محمد ‪ ،‬عليّ آخر من أقبض روحه من الئمة " ‪. 1‬‬
‫وليس هذا فحسب ‪ ،‬بل وأكثر من ذلك وأدهى وأمر ‪ ،‬أنهم يروون عن جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫ل إل ردهم جميعاً إلى الدنيا ‪ ،‬حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب عليه‬ ‫" لم يبعث ال نبياً ول رسو ً‬
‫السلم " ‪. 2‬‬
‫وعنه أيضاً ‪ ،‬أنه قال ‪:‬‬
‫" ل يبعث ال نبياً ول رسولً إل رُد إلى الدنيا من آدم فهلم جرا ‪ ،‬حتى يقاتل بين يدي علي بن أبي طالب‬
‫عليه السلم " ‪. 3‬‬
‫مع من فيهم سيد النبياء وإمام المرسلين ‪.‬‬
‫كما روى الجزائري عن الباقر أنه قال ‪:‬‬
‫" إن علياً رضي ال عنه ‪ ،‬خطب خطبة ذات يوم ‪ ،‬فحمد ال فيها ‪ ،‬وقال فيها ما قال ‪ ،‬ومنه ‪:‬‬
‫وقد أخذ ال الميثاق مني ومن نبيه ‪ ،‬لينصرن كل منا صاحبه ‪ .‬فأما أنا فقد نصرت النبي صلى ال عليه وآله‬
‫بالجهاد معه ‪ ،‬وفتلت أعداءه ‪ .‬وأما نصرته لي وكذا نصرة النبياء عليهم السلم ‪ ،‬فلم تحصل بعد ‪ ،‬لنه‬
‫ماتوا قبل إمامتي ‪ ،‬وبعد هذا سينصرونني في زمان رجعتي ‪ ،‬ويكون لي ملك ما بين المشرق والمغرب ‪،‬‬
‫ويخرج ال لنصرتي النبياء من آدم إلى محمد ‪ ،‬يجاهدون معي ‪ ،‬ويقتلون بسيوفهم الكفار الحياء ‪ ،‬والكفار‬
‫الموات ‪ ،‬الذين يحييهم ال تعالى ‪ .‬وأعجب ‪ ،‬وكيف ل أعجب من أموات يحييهم ال تعالى ‪ ،‬يرفعون‬
‫أصواتهم بالتلبية فوجاً فوجا لبيك يا داعي ال ‪ ،‬ويتخللون أسواق الكوفة وطرقها ‪ ،‬حتى يقتلون الكافرين‬
‫والجبارين والظالمين من الولين والخرين ‪ .‬حتى يحصل لنا ما وعدنا ال تعالى " ‪. 4‬‬
‫ول هذا فحسب ‪ ،‬بل عمموا الرجعة ‪ ،‬حيث قالوا ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫" ليس أحد من المؤمنين قـتل إل سيرجع حتى يموت ‪ ،‬ول أحد من المؤمنين مات إل سيرجع حتى يقـتل " ‪.‬‬
‫وروى الطبرسي والمفيد ‪:‬‬
‫" إذا آن قيام القائم ‪ ،‬مطر الناس في جمادى الخرة وعشرة أيام من رجب ‪ ،‬مطرأً لم ير الناس مثله ‪.‬‬
‫فينبت ال به لحوم المؤمنين في أبدانهم في قبورهم ‪ .‬فكأني أنظر إليهم من قبل جهينة ‪ ،‬ينفضون رؤسهم من‬
‫التراب " ‪. 6‬‬
‫وروى المفيد أيضاً ‪:‬‬
‫" يخرج إلى القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلً ‪ ،‬خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهدون‬
‫بالحق وبه يعدلون " ‪. 7‬‬

‫دابــّـة الرض‬

‫ويعتقد الشيعة الثنا عشرية أن دابة الرض التي تخرج قبل قيام الساعة تكلمهم ‪ ،‬يكون عليًا رضي ال عنه‬
‫‪ .‬كما رووا عن جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" أتى رسول ال (ص) إلى أمير المؤمنين (ع) وهو نائم في المسجد ‪ ،‬وقد جمع رملً ووضع رأسه عليه ‪،‬‬
‫فحـركه برجله ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬قم يا دابة ال ‪ .‬فقال رجل من أصحابه ‪ :‬يا رسول ال أيسمي بعضنا بعضا بهذا‬
‫السم ؟ ‪ .‬فقال ‪ :‬ل وال ما هو إل له خاصة ‪ ،‬و هو الدابة التي ذكر ال في كتابه ‪َ } :‬وإِذَا َوقَ َع ا ْلقَوْلُ عَ َليْهِمْ‬
‫ن النّاسَ كَانُوا بِآيَا ِتنَا لَ يُو ِقنُونَ { ثم قال ‪ :‬يا علي ‪ ،‬إذا كان آخر الزمان‬
‫خرَجْنَا لَهُمْ دَابّةً ِمنَ ا َلْ ْرضِ تُ َكلّمُهُمْ َأ ّ‬
‫أَ ْ‬
‫‪8‬‬
‫أخرجك ال في أحسن صورة ‪ ،‬و معك ميسم تسم به أعداءك " ‪.‬‬
‫‪ 1‬بحار النوار للمجلسي ج ‪ 13‬ص ‪. 217‬‬
‫‪ 2‬نور الثقـلين ج ‪ 1‬ص ‪ ، 359‬بحار النوار ج ‪ 13‬ص ‪. 210‬‬
‫‪ 3‬العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ 281‬تحت قول ال [ لتؤمنن به ولتنصرنه ] ‪ ،‬البرهان ج ‪ 1‬ص ‪ ، 295‬بحار النوار ص ‪. 217‬‬
‫‪ 4‬النوار النعمانية ج ‪ 2‬ص ‪. 99‬‬
‫‪ 5‬بحار النوار للمجلسي ج ‪ 13‬ص ‪. 210‬‬
‫‪ 6‬أعلم الورى ص ‪ ، 462‬الرشاد للمفيد ص ‪ ، 363‬بحار النوار ج ‪ 13‬ص ‪. 223‬‬
‫‪ 7‬الرشاد للمفيد ص ‪ ، 365‬أعلم الورى للطبرسي ص ‪. 464‬‬
‫‪ 8‬بحار النوار للمجلسي ج ‪ 13‬ص ‪.213‬‬

‫‪214‬‬
‫ثم إن علياً ليست له رجعة واحدة ‪ ،‬بل له رجعات كثيرة كما ذكرنا أنه قال في إحدى خطبه ‪:‬‬
‫" إن لي رجعة بعد رجعة ‪ ،‬وحياة بعد حياة ‪ .‬أنا صاحب الرجعات وصاحب الجولت " ‪. 1‬‬
‫هذا ‪ ،‬ومثل هذا فإنه لكثير ‪.‬‬
‫ومن غرائب العتقادات التي يعتقدها القوم ‪ ،‬أنهم يقولون ‪:‬‬
‫إن بعد قائمهم ‪ ،‬اثني عشر مهدياً آخر ‪ .‬كما رووا عن جعفر عن أبائه عن علي ‪ ،‬أنه قال ‪:‬‬
‫" قال رسول ال (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته ‪ :‬يا أبا الحسن ‪ ،‬أحضر صحيفة ودواة ‪ .‬فأملى رسول‬
‫ال وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع ‪ .‬فقال ‪ :‬يا علي ‪ ،‬إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ‪ ،‬ومن بعدهم إثنا‬
‫عشر مهدياً ‪ .‬فأنت أول الثني عشر إماماً ‪ ...‬وساق الحديث إلى أن قال ‪ :‬وليسلمها الحسن ( يعني المام‬
‫العسكري عليه السلم ) إلى إبنه محمد المستحفظ من آل محمد صلى ال عليه وعليهم ‪ ،‬فذلك إثنا عشر إماماً‬
‫‪ .‬ثم يكون من بعده إثناعشر مهدياً ‪ .‬فإذا حضرته الوفاة ‪ ،‬فليسلمها إلى إبنه أول المهديين ‪ .‬له ثلثة أسامي ‪:‬‬
‫إسم كاسمي ‪ ،‬وإسم أبي وهو عبدال ‪ ،‬والسم الثالث المهدي ‪ ،‬وهو أول المؤمنين " ‪. 2‬‬
‫وروى الطوسي ‪ :‬أنهم أحد عشر ‪ ،‬كما حكى عن أبى حمزة عن جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" يا أبا حمزة ‪ ،‬إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً " ‪. 3‬‬

‫وإلى ذلك ‪ ،‬تشير رواية النعماني ‪ ،‬حيث يحكي عن أبي جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" وال ليملكن رجل منا أهل البيت ثلثمائة وثلث عشرة سنة ويزداد تسعا‪ .‬قال ‪ :‬قلت له ‪ :‬ومتى يكون‬
‫ذلك ؟ قال ‪ :‬بعد موت القائم عليه السلم ‪ .‬قلت له ‪ :‬وكم يقوم القائم عليه السلم في عالمه حتى يموت ؟ ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬تسع عشرة سنة ‪ ،‬من يوم قيامه إلى يوم موته " ‪. 4‬‬
‫ويؤيد ذلك أيضاً ‪ ،‬دعاء شيعي يدعونه للمهدي ‪ ،‬فيقولون في آخره ‪:‬‬
‫" اللهم صل ِ على ولة عهده والئمة من بعده ‪ ،‬وبلغهم آمالهم ‪ ،‬وزد في آجالهم ‪ ،‬وأعز نصرهم ‪ ،‬وتمم لهم‬
‫ما أسندت إليهم من أمرك لهم ‪ ،‬وثبت دعاتهم ‪ ،‬واجعلنا لهم أعوانا ‪ ،‬وعلى دينك أنصارا "‪. 5‬‬
‫وأخيراً نأتي برواية أوردها محدث القوم نعمت ال الجزائري عن جعفر أنه قال ‪:‬‬
‫" إن الشيطان لما قال ‪ :‬رب أنظرني إلى يوم يُبعثون ‪ .‬قال ‪ :‬إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ‪،‬‬
‫فيخرج الشيطان مع جميع عساكره وتوابعه من يوم خلق آدم إلى يوم الوقت المعلوم ‪ ،‬وهو آخر يوم رجعة‬
‫يرجعها أمير المؤمنين عليه السلم ‪ .‬فقال الراوي ‪ :‬كم لمير المؤمنين عليه السلم من رجعة ؟ فقال ‪ :‬إن له‬
‫رجعات و رجعات ‪ ،‬وما من إمام في عصر من العصار ‪ ،‬إل ويرجع معه المؤمنون في زمانه ‪ ،‬والكافرون‬
‫فيه ‪ ،‬حتى يستولي أولئك المؤمنون على أولئك الكافرين فينتقمون منهم ‪ ،‬فإذا جاء الوقت المعلوم ‪ ،‬ظهر أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم مع أصحابه ‪ ،‬وظهر الشيطان مع أصحابه ‪ ،‬فيتلقى العسكران على شط الفرات في‬
‫مكان اسمه الروحا قريب الكوفة ‪ ،‬فتـقع بينهم حرب لم يقع في دنيا من أولها وآخرها ‪ ،‬وكأني أرى أصحاب‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم قد رجعوا منهزمين ‪ ،‬حتى تقع أرجلهم في الفرات ‪ ،‬فعند ذلك يرسل ال سحابة‬
‫مملوءة من الملئكة ‪ ،‬يتقدمها النبي صلى ال عليه وآله ‪ ،‬وبيده حربة من نور ‪ .‬فإذا نظر الشيطان أدبر‬
‫فاراً ‪ ،‬فيقول له أصحابه ‪ :‬إلى أين تفـر ولك الظفر عليهم ؟ فيقول ‪ :‬إني أرى مال ترون ‪ ،‬إني أخاف من‬
‫عقاب رب العالمين ‪ .‬فيصل النبي صلى ال عليه وآله ‪ ،‬ويضربه ضربة بالحربة بين كتفيه فيهلك بتلك‬
‫الضربة هو وجميع عساكره ‪ .‬فعند ذلك يـُعبد ال على الخلص ‪ ،‬ويرتفع الكفـر والشرك ‪ .‬ويملك أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم الدنيا أربعين ألف سنة ‪ ،‬ويُـولد لكل واحد من شيعته ألف ولد من صلبه في كل سنة ولد‬
‫‪ .‬وعند ذلك يظهر البستانان عند مسجد الكوفة الذي قال ال تعالى مد هامّـتان ‪ ،‬وفيهما من التساع مال يعلمه‬
‫إل ال تعالى" ‪. 6‬‬

‫‪ 1‬النوار النعمانية للجزائري ج ‪ 2‬ص ‪. 99‬‬


‫‪ 2‬بحار النوار ج ‪ 13‬ص ‪. 137‬‬
‫‪ 3‬كتاب الغيبة للطوسي ص ‪. 285‬‬
‫‪ 4‬كتاب الغيبة للنعماني ص ‪. 332‬‬
‫‪ 5‬مفاتيح الجنان ص ‪.542‬‬
‫‪ 6‬النوار النعمانية للجزائري ج ‪ 2‬ص ‪.102،101‬‬

‫‪215‬‬
‫وهذا آخر ما أردنا ذكره من خرافات القوم ومعتقداتهم ‪ ،‬إنتخبناها من الكثير الكثير ‪ .‬ولهم كتب مستقلة في‬
‫هذا الباب ‪.‬‬

‫وكي ل يطول بنا الحديث ‪ ،‬نذكر فقط رواية واحدة تشتمل على خطبة علي رضي ال عنه حسب زعم‬
‫القوم ‪ ،‬وفيها كل ما يعتقده القوم من الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف ال ‪ ،‬تعالى ال عما يقولون‬
‫علوًا كبيرا ‪.‬‬
‫يذكر الجزائري هذه الخطبة في كتابه المشهور رواية عن محمد الباقر أنه قال ‪:‬‬
‫" إن أمير المؤمنين عليه السلم ‪ ،‬خطب خطبة ذات يوم فحمد ال ‪ ،‬وأثنى عليه بالوحدانية ‪ .‬وقال ‪ :‬إن ال‬
‫سبحانه تكلم بكلمة ‪ ،‬فصارت نوراً ‪ ،‬فخلق منه نور النبي ونوري ونور الئمة ‪ .‬وتلكم بكلمة أخرى ‪،‬‬
‫فصارت روحاً ‪ ،‬فأسكنها في ذلك النور ‪ .‬وذلك النور مع تلك الروح ‪ ،‬ركبها في أبداننا معاشر الئمة ‪ .‬فنحن‬
‫الروح المصطفاة ‪ ،‬ونحن الكلمات التامات ‪ ،‬ونحن حجة ال الكاملة على الخلق ‪ .‬فنحن نوراً أخضر ‪ ،‬حيث‬
‫ل شمس ول قمر ول ليل ول نهار ول مخلوق ول مخلوقات ‪.‬‬
‫وكنا نسبح ال ونقدسه قبل خلق الخلق ‪ .‬فأخذ ال لنا العهد من أرواح النبياء على اليمان بنا ‪ ،‬وعلى نصرتنا‬
‫ق النّ ِبيّينَ لَمَا آ َتيْتُكُمْ ِمنْ ِكتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمّ جَاءَكُمْ َرسُولٌ ُمصَدّقٌ لِمَا‬ ‫‪ .‬وهذا معنى قوله سبحانه { َوإِذْ أَخَذَ الُّ مِيثَا َ‬
‫صرُنّهُ } فقال عليه السلم ‪ :‬يعني اليمان بمحمد صلى ال عليه وآله ‪ ،‬ونصرة وصيّـه ‪.‬‬ ‫مَعَكُمْ لَتُؤْ ِم ُننّ بِهِ َولَ َت ْن ُ‬
‫وهذه النصرة قد صارت قريبة ‪ .‬وقد أخذ ال الميثاق مني ومن نبيه لينصرن كل منا صاحبه ‪ ،‬فأما أنا فقد‬
‫نصرت النبي صلى ال عليه وآله بالجهاد معه وقتلت أعداءه ‪ .‬وأما نصرته لي وكذا نصرة النبياء عليهم‬
‫السلم فلم تحصل بعد ‪،‬لنهم ماتوا قبل إمامتي ‪ ،‬وبعد هذا سينصرونني في زمان رجعتي ‪ ،‬ويكون لي ملك‬
‫ما بين المشرق والمغرب ‪ ،‬ويخرج ال لنصرتي النبياء من آدم إلى محمد ‪ ،‬يجاهدون معي ‪ ،‬ويقتلون‬
‫بسيوفهم الكفار الحياء ‪ ،‬والكفار الموات الذين يحييهم ال تعالى ‪ .‬وأعجب وكيف ل أعجب من أموات‬
‫يحييهم ال تعالى ‪ ،‬يرفعون أصواتهم بالتلبية فوجًا لبيك لبيك يا داعي ال ‪ .‬ويتخللون أسواق الكوفة‬
‫وطرقها ‪ ،‬حتى يقتلون الكافرين الجبارين والظالمين من الولين والخرين ‪ .‬حتى يحصل لنا ما وعدنا ال ‪.‬‬
‫خلَفَ الّذِينَ ِمنْ‬ ‫ستَ ْ‬
‫خلِ َفنّهُمْ فِي ا َلْ ْرضِ كَمَا ا ْ‬ ‫ثم تلى هذه الية ‪َ { :‬وعَدَ الُّ الّذِينَ آ َمنُوا ِمنْكُمْ َوعَ ِملُوا الصّالِحَاتِ َليَ ْ‬
‫ستَ ْ‬
‫ش ْيئًا } ‪.‬‬
‫شرِكُونَ بِي َ‬ ‫َق ْبلِهِمْ َولَيُمَ ّك َننّ لَهُمْ دِينَهُمُ الّذِي ارْ َتضَى لَهُمْ َولَ ُيبَ ّدَلنّهُمْ ِمنْ بَ ْعدِ خَ ْوفِهِمْ أَ ْمنًا يَ ْعبُدُو َننِي لَ ُي ْ‬
‫قال عليه السلم ‪ :‬يعني يعبدونني ول يتقون من أحد ‪ ،‬لن لي رجعة بعد رجعة ‪ ،‬وحياة بعد حياة ‪ .‬أنا‬
‫صاحب الرجعات ‪ ،‬وصاحب الصولت ‪ ،‬وصاحب النتقامات ‪ ،‬وصاحب الدولة العجيبة ‪ .‬أنا حصن‬
‫الحديد ‪ ،‬وأنا عبدال وأخو رسوله ‪ ،‬وأنا أمين ال على علمه ‪ ،‬وصندوق سرّه وحجابه وصراطه وميزانه‬
‫وكلمته ‪ .‬أنا أسماء ال الحسنى وأمثاله العليا وآياته الكبرى ‪ .‬أنا صاحب الجنة والنار ‪ ،‬أسكن أهل الجنة في‬
‫ي مرجع هذا الخلق في القيامة ‪ ،‬وعليّ‬ ‫جنتهم ‪ ،‬وأهل النار في نارهم ‪ ،‬وأنا الذي أزوّج أهل الجنة ‪ .‬وإل ّ‬
‫حسابهم ‪.‬‬
‫وأنا المؤذن على العراف ‪ ،‬وأنا الذي أظهر آخر الزمان في عين الشمس ‪ ،‬وأنا دابة الرض التي ذكرها‬
‫ال في الكتاب أظهر آخر الزمان ‪ ،‬ومعي عصا موسى وخاتم سليمان أضعه في وجه المؤمن والكافر ‪،‬‬
‫فتنقش فيه هذا مؤمن حقا ‪ ،‬وهذا كافر حقا ‪.‬‬
‫وأنا أمير المؤمنين وإمام المتقين ولسان المتكلمين وخاتم أوصياء النبيين ووارثهم وخليفة ال على العالمين ‪.‬‬
‫وأنا الذي علمني ال علم البليا والمنايا وعلم القضاء بين الناس ‪ .‬وأنا الذي سخـّر لي الرعد والبرق‬
‫والسحاب والظلمة والنور والرياح والجبال والبحار والشمس والقمر والنجوم ‪ .‬أيها الناس ‪ ،‬اسألوني عن كل‬
‫شيء " ‪. 1‬‬

‫فهذه الرواية ‪ ،‬ومثل هذه الرواية وإنها لكثيرة جداً موجودة منتشرة في كتب القوم ‪ ،‬يضاهئون قول الذين‬
‫كفروا من قبل ‪ ،‬قاتلهم ال أنى يؤفكون ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫النوار النعمانية لنعمت ال الجزائري ج ‪ 2‬ص ‪. 100 ، 99‬‬

‫‪216‬‬
‫فهذه العقائد التي تتبناها الشيعة الثنا عشرية وتعتقدها ‪ ،‬ويعتقدها الماميون والجعفريون الذين يُعدون من‬
‫الشيعة المعتدلة ‪ .‬وهي عين تلك العقائد التي وضع بذروها عبدال بن سبأ ‪ ،‬ونشرتها السبئية وروجتها بين‬
‫الفئات الشيعية المختلفة ‪ .‬ولول خوف الطالة ‪ ،‬لكثرنا الروايات التي وردت في كتبهم المعتبرة المعتمدة‬
‫الموثوقة لديهم ‪ .‬ولكننا نرى أن ما ذكر فيه الكفاية لمن أراد أن يتثبت ويتحقق ‪ .‬وكذلك لمن أراد أن يتبصّر‬
‫ويهتدي ‪ .‬وال يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ‪.‬‬

‫ونختم الكلم في هذا الموضوع ‪ ،‬بنقل آراء بعض المستشرقين في علقة الشيعة بالسبئية ‪ ،‬أو بتعبير صحيح‬
‫بالعقائد الجنبية المدسوسة بين المسلمين ‪ ،‬يهودية كانت أم إيرانية ‪ ،‬التي ل تمت إلى السلم بصلة ل قريبة‬
‫ول بعيدة ‪.‬‬

‫فيقول المستشرق دوزي ‪:‬‬


‫" كانت الشيعة في حقيقتها فرقة فارسية ‪ ،‬وفيها يظهر أجلى ما يظهر ذلك الفارق بين الجنس العربي الذي‬
‫يحب الحرية ‪ ،‬وبين الجنس الفارسي الذي اعتاد الخضوع كالعبيد ‪.‬‬
‫لقد كان مبدأ انتخاب خليفة للنبي ‪ ،‬أمراً غير معهود ول مفهوم ‪ ،‬لنهم لم يعرفوا غير مبدأ الوراثة في‬
‫الحكم ‪ ،‬لهذا اعتقدوا أنه مادام محمد لم يترك ولداً يرثه ‪ ،‬فإن علياً هو الذي يجب أن يخلفه ‪ ،‬وأن الخلفة‬
‫يجب أن تكون وراثية في آل علي ‪.‬‬
‫ومن هذا ‪ ،‬فإن جميع الخلفاء ‪ -‬ماعدا علياً ‪ -‬كانوا في نظرهم مغتصبين للحكم ل تجب لهم طاعة ‪ .‬وقـوّى‬
‫هذا العتقاد عندهم ‪ ،‬كراهيتهم للحكومة وللسيطرة العربية ‪ ،‬فكانوا في الوقت نفسه يلقون بأنظارهم النهـمة‬
‫إلى ثروات سادتهم ‪ .‬وهم قد اعتادوا أيضاً أن يروا في ملوكهم أحفادًا منحدرين من أصلب اللهة الدنيا ‪،‬‬
‫فنقلوا هذا التوقير الوثني إلى علي وذريته ‪ .‬فالطاعة المطلقة " للمام " الذي من نسل علي ‪ ،‬كانت في‬
‫نظرهم الواجب العلى ‪ ،‬حتى إذا ما أدى المرء هذا الواجب ‪ ،‬استطاع بعد ذلك بغيرلئمة ضمير أن يُـفسر‬
‫سائر الواجبات والتكاليف تفسيرًا رمزياً ‪ ،‬وأن يتجاوزها ويتعداها ‪.‬‬
‫لقد كان " المام " عندهم هو كل شئ ‪ ،‬إنه ال قد صار بشراً ‪ .‬فالخضوع العمى المقرون بانتهاك الحرمات‬
‫‪ ،‬ذلك هو الساس في مذهبهم "‪. 1‬‬

‫وبمثل ذلك ‪ ،‬قال المستشرق ملـّر ‪ ،‬وزاد عليه ‪:‬‬


‫" أن الفرس كانوا تحت تأثير الفكار الهندية قبل السلم بعهد طويل يميلون إلى القول بأن الشاهنشاه هو‬
‫تجسيد لروح ال التي تنتـقل في أصلب الملوك إلى البناء "‪. 2‬‬

‫ويذكر هذه الراء ‪ ،‬مستشرق ألماني متعاطف على الشيعة ‪ ،‬ولهوزن فيقول ‪:‬‬
‫" أما أن آراء الشيعة كانت تلئم اليرانيين ‪ ،‬فهذا أمر ل سبيل إلى الشك فيه ‪ ،‬أما كون هذه الراء قد انبعثت‬
‫من اليرانيين ‪ ،‬فليست تلك الملءمة دليلً عليه ‪ .‬بل الروايات التاريخية تقول بعكس ذلك ‪ .‬إذ تقول أن‬
‫ن قائماً أولً في الدوائر العربية ‪ ،‬ثم انتقل بعد ذلك منها إلى الموالي ‪ ،‬وجمع بين‬
‫التشيّـع الواضح الصريح كا ً‬
‫هؤلء وبين تلك الدوائر ‪ ،‬وأولئك الذين كانوا يتواثبون حول الكرسي المقدس يذكرون أنهم " السبئية‬
‫" ( ص ‪ 703‬س ‪ ، 17‬ص ‪ 704‬س ‪ ) 11‬ولم يكونوا من الموالي ‪ ،‬بل من العرب ‪ ،‬إذ كانوا من عشائر ‪:‬‬
‫نهد وخارف وثور وشاكر وشبام ‪ .‬وهؤلء السبئية كانوا على علقات سيئة بعشائرهم ‪ ،‬نتيجة لمذهبهم‬
‫الغريب ‪ ،‬خصوصًا شبام بالنسبة إلى قبيلة همدان ‪ .‬بينما كانوا على علقات وثيقة جداً بالمختار ‪ ،‬ومن أجله‬
‫خاضوا النار ‪ ،‬ووشوا بقبائلهم ‪.‬‬
‫ونجد حديثاً عن بطانة من الشيعة العرب ‪ ،‬كانت تجتمع في منزلي امرأتين بارزتين ‪ .‬وتذكر أسماء بعض‬
‫أفراد هذه البطانة ‪ ،‬ومنهم إبن نوف الهمداني ‪ ،‬الذي كان ينافس موله وأستاذه ( المختار ) في التنبؤ ‪ .‬لقد‬
‫كان يصنع وحيًا لدى الكرسي المقدس ‪ ،‬وكان أحد عمومة العشى ممن تأثر لهذا الوحي ‪ .‬وكان أول سادن‬

‫‪ 1‬مقالة في تاريخ السلم للدوزي ص ‪ 220‬وما بعد ‪.‬‬


‫‪ 2‬كتاب ملر ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.327‬‬

‫‪217‬‬
‫للكرسي ‪ ،‬هو موسى بن أبي موسى الشعري ‪ ،‬ثم تله حوشب البرسمي ‪ .‬والبيئة هنا كلها يمنية ‪ .‬ويقال أن‬
‫المختار قد أظهر الكرسي على أنه كرسي علي بن أبي طالب ‪ .‬ولكن ثمة روايات أخرى تقول بعكس ذلك ‪،‬‬
‫وهذه الروايات الثانية أقرب إلى التصديق ‪ .‬وعلى كل حال ‪ ،‬فقد كان الكرسي في حوزة اليمنييـن ‪ ،‬وأصله‬
‫إنما يبحث لديهم ‪ .‬ولم يكن اختراعاً أبدعه الهوى ‪ ،‬بل مثله مثل الحجر السود كان قطعة وثنية ‪ ،‬وفي‬
‫الصل كرسي ال ثم كرسي علي ‪،‬لنهم ألهوا علياً ‪ .‬وكراسي ال الخالية هذه نجدها كثيراً ‪ ،‬وإن لم تكن عادة‬
‫من الخشب ‪.‬‬
‫ومنشأ السبئية ‪ ،‬يرجع إلى زمان علي والحسن ‪ ،‬وتنسب إلى عبدال بن سبأ ‪ .‬وكما يتضح من اسمه الغريب ‪،‬‬
‫فإنه كان أيضًا يمنياً ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫والواقع أنه من العاصمة صنعاء‪ .‬ويُـقال أنه كان يهودياً ‪ .‬وهذا يقود بالقول بأصل يهودية الفرقة السبئية " ‪.‬‬
‫ثم يقول ‪:‬‬
‫" يلوح أن مذهب الشيعة الذي يُنسب إلى عبدال بن سبأ أنه مؤسسه ‪ ،‬إنما يرجع إلى اليهود أقرب من أن‬
‫يرجع إلى اليرانيين ‪ .‬والدليل على هذا ما سأحاول هنا إيراده بطريقة عارضة ‪ ،‬دون أن أعير المسألة من‬
‫الهمية أكبر مما تستحق ‪.‬‬

‫كان القدماء من أنصار علي ‪ ،‬يعدونه في مرتبة مساوية لسائر الخلفاء الراشدين في خلفته ‪ -‬في سلك واحد ‪-‬‬
‫وكان يوضع في مقابل المويين المغتصبين للخلفة بوصفه استمراراً للخلفة الشرعية ‪ ،‬وحقه في الخلفة‬
‫ناشئ عن أنه كان من أفاضل الصحابة ‪ ،‬وأنهم وضعوه في القمة ‪ ،‬وتلقى البيعة من أهل المدينة ‪ .‬ولم ينشأ‬
‫هذا الحق ‪ -‬أو على القل لم ينشأ مباشرة ‪ -‬عن كونه من آل بيت الرسول ‪ ،‬ومع ذلك فيبدو أن آل البيت‬
‫أنفسهم قد ادعوا حق ميراث الخلفة عن رسول ال منذ البداية ‪ .‬وبعد وفاة علي ‪ ،‬كانت المعارضة ضد‬
‫المويين تنظر إلى أبناء عليّ على أنهم المطالبون الشرعيون للخلفة ‪.‬‬
‫ولكن المسألة هنا كانت مقصورة على دعوى الخلفة ‪ ،‬ول بد أن نميز بين هذا وبين دعوى النبوة ‪ .‬وزعم‬
‫أن النبوة لم تنته بمحمد ‪ ،‬بل استمرت في علي وبنيه ‪ ،‬كان هذا الزعم هو الخطوة الخيرة ‪.‬‬

‫إن الفكرة القائلة بأن النبي ملك يمثل سلطان ال على الرض قد انتقلت من اليهودية إلى السلم ‪ .‬ولكن‬
‫السلم السني يقول إن محمداً خاتم النبيين ‪ ،‬وبعد وفاته حلت محله الشريعة ‪ ،‬وهي أثر مجرد غير‬
‫مشخص ‪ ،‬ومعوض عنه أقل قيمة بكثير جداً ‪ .‬فكان ذلك نقصاً ملموساً ‪ ،‬فمن هنا تبدأ نظريات الشيعة ‪.‬‬
‫وكان المبدأ الساسي الذي بدأ منه مذهبهم هو ‪:‬‬
‫أن النبوة ‪ ،‬وهي المعوض الشخصي الحي للسلطة اللهية ‪ ،‬تنتسب بالضرورة إلى الخلفة ‪ ،‬وتستمر تحيا‬
‫فيها ‪ .‬وقبل محمد وجدت سلسلة طويلة متصلة من النبياء الذين يتلو بعضهم بعضاً ‪ ،‬على نحو ما يقول‬
‫اليهود ‪ ( ،‬سلسلة دقيقة من النبياء ) ‪.‬‬
‫وكما يذكر في أصحاح ‪ 18‬من سفر " ثنية الشتراع " من أنه لم يخل الزمان أبداً من نبي يخلف موسى ومن‬
‫نوعه ‪ .‬وهذه السلسلة ل تقف عند محمد ‪ .‬ولكل نبي خليفته إلى جانبه يعيش أثناء حياته ( وهذا الزميل الثاني‬
‫هو أيضاً فكرة يهودية ) فكما كان لموسى خليفة هو يوشع ‪ ،‬كذلك لمحمد خليفة هو عليّ ‪ ،‬به يستمر المر ‪.‬‬
‫على أن كلمة " نبي " لم تطلق على عليّ وبنيه ‪ -‬بل أطلق عليهم أسماء " الوصي " أو " المهدي " أو "‬
‫المام " عامة ‪ -‬ولكن إن لم يطلق عليهم السم ‪ ،‬فإن الحقيقة الفعلية كانت مقصودة بوصفهم عارفين بالغيوب‬
‫وتجسيدات للخلفة عن ال " ‪. 2‬‬

‫وأخيراً يذكر ‪:‬‬


‫" وأقيم تأليه بيت الرسول على أساس فلسفي بواسطة مذهب " الرجعة " أو ( تناسخ الرواح ) فالرواح‬
‫تنتقل بالموت من جسم إلى جسم ‪ ،‬وثمة بعث مستمر في المجرى الطبيعي للحياة الدنيا ‪ .‬و هذا في تناقض‬
‫حاد مع القول ببعث واحد عند زوال الدنيا ‪ .‬ويستفيد هذا المذهب أهمية عملية ‪ ،‬خصوصاً عن طريق رفعه‬
‫إلى روح ال التي تحل في نفوس النبياء ‪ .‬فهذه الروح تنتقل من نبي إلى نبي آخر بعد وفاة السابق ‪ ،‬ول‬

‫‪ 1‬الخوارج والشيعة لولهوزن ص ‪ 170،169‬ط‪.‬عربي ‪.‬‬


‫‪ 2‬الخوارج والشيعة لولوزن ص ‪. 172 ، 171‬‬

‫‪218‬‬
‫يوجد في الوقت الواحد غير نبي واحد ‪ ،‬ويتتابعون حتى يبلغوا ألف نبي ‪ .‬وتبعاً لهذا فإن النبياء جميعًا بما‬
‫يُبـعث في كل منهم من روح ال ‪ ،‬والحق أن النبي الصادق الحق واحد يعود أبداً من جديد ‪.‬‬
‫وبهذا المعنى قالوا أن محمداً يُبعث في عليّ وآل عليّ ‪.‬‬
‫ويبنون ذلك على الية ‪ 85‬من السورة ‪ ، 28‬والية ‪ 8‬من السورة ‪. 82‬‬
‫وهذا يُذكـّر كثيراً بالفكرة ( المحتمل جدًا أنها ) يهودية ‪ ،‬وإن كانت من البدع اليهودية ‪ ،‬التي وردت في‬
‫المواعظ المنحولة على كليمانس "‪ ،"pscudoclementinen‬فروح ال تتحد في آدم مع شخص إنسان‬
‫يظهر بصفة النبي الصادق في صور متعددة ‪ ،‬وقد قدر له السيادة على الملكوت الدائم ‪ .‬راجع ‪:‬‬
‫( ‪. ).p.283''Gieselers KG.) 4. Aufl ,1 ,1‬‬

‫ولكن المتأخرين قد فهموا ‪ -‬فيما يبدو ‪ " -‬الرجعة " على نحو آخر ‪ ،‬فقد تصوروها على نحو ديالكتيكي ‪.‬‬
‫فقالوا بفترة " غيبة " دورية للمام الصادق ‪ ،‬ثم سموها ‪ -‬في مقابل ذلك ‪ -‬ظهوره من جديد " رجعة " ‪.‬‬
‫والمعنى الصيل للرجعة يظهر جلياً من مرادفتها لتناسخ الرواح ‪ .‬والسيد الحميري يؤمن أيضاً برجعته‬
‫نفسه ‪ ،‬ومن أجل ذلك كانوا يسخرون منه ‪ ،‬ويشنعون عليه ( " الغاني " ج ‪ 7‬ص ‪ . ) 8‬كما يتضح أيضاً‬
‫من كون كثيّر كان يعد جميع أبناء الحسن الحسين أنبياء صغاراً ‪ ،‬لنه كان يؤمن بالرجعة ( الغاني‬
‫‪1‬‬
‫‪ ، ) 8/34‬وكذلك من كون محمد كان ينظر إليه على أنه يرجع ‪ ،‬خصوصاً في ورثة دمه ( آله ) ونبوته "‬
‫‪.‬‬

‫ثم نقـل ما قاله أبو حمزة الخارجي في خطبة له على المنبر بالمدينة المنوّرة عن الشيعـة نقلً عن ( الغاني )‬
‫أنه قال ‪:‬‬
‫" شيعة ظاهرت بكتاب ال ‪ ،‬وأعلنت الفرية على ال ‪ ،‬ل يرجعون إلى نظر نافذ في القرآن ‪ ،‬ول عقـل بالغ‬
‫في الفقه ‪ ،‬ول تفتيش عن حقيقة الصواب ‪ .‬قد قلدوا أمرهم أهواءهم ‪ ،‬وجعلوا دينهم عصبية لحزب لزموه‬
‫وأطاعوه في جميع ما يـقوله لهم ‪ ،‬غياً كان أو رشداً ‪ ،‬أو ضللة أو هدى ‪.‬‬
‫ينتظرون الدول في رجعة الموتى ‪ ،‬ويُؤمنون بالبعث قبل الساعة ‪ ،‬ويدّعون علم الغيب لمخلوق ل يعلم أحدهم‬
‫ما في داخل بيته ‪ ،‬بل ل يعلم ما ينطوي عليه ثوبه أو يحويه جسمه ‪ .‬ينقمون المعاصي على أهلها ‪ ،‬ويعملون‬
‫إذا ظهروا بها ‪ ،‬ول يعرفون المخرج منها ‪ .‬جفاة في الدين ‪ ،‬قليلة عقولهم ‪ ،‬قد قلدوا أهل البيت من العرب‬
‫دينهم ‪ ،‬وزعموا أن موالتهم لهم تغنيهم عن العمال الصالحة ‪ ،‬وتنجيهم من عقاب العمال السيئة " ‪. 2‬‬

‫وبمثل ذلك القول ‪ ،‬قال هشام بن عبدالملك الموي في كتاب له إلى يوسف بن عمر ‪:‬‬
‫" إن عبادة الشيعة ل ‪ ،‬كانت عبادة لبني النسان ‪ ،‬والنتيجة لذلك قيصرية بابوية معاً ‪ .‬كانوا يعترضون على‬
‫إمامة السلطة القائمة ‪ ،‬ولكن إمامتهم الشرعية القائمة على دم الرسول ( ذرية آل البيت ) لم تكن أفضل‬
‫منها ‪ ،‬إذ كانت تفضي إلى إهدار القانون ‪ ،‬وكسر الشريعة ‪ .‬فالمام عندهم كان فوق النصوص الحرفية ‪.‬‬
‫وكان يعلم الغيب ‪ ،‬فمن اتبعه وأطاعه ‪ ،‬سقطت عنه التكاليف ‪ ،‬وخل من المسؤولية " ‪. 3‬‬

‫ول بأس بنقل ما كتبه أحمد أمين في كتابه ( فجر السلم ) عن الشيعة ‪ ،‬ولو أننا ذكرنا منه جزء فيما مر ‪،‬‬
‫فإنه قال ‪:‬‬
‫" والحق أن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم السلم لعداوة أو حقد ‪ .‬ومن كان يريد إدخال‬
‫تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتيه وهندية ‪ .‬ومن كان يريد استقلل بلده والخروج على مملكته‬
‫‪.‬كل هؤلء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستاراً يضعون وراءه كل ما شاءت أهواءهم ‪ .‬فاليهودية ظهرت في‬
‫التشيع بالقول في الرجعة ‪ .‬وقال الشيعة ‪ :‬إن النار محرمة على الشيعي إل قليلً ‪ ،‬كما قال اليهود ‪ :‬لن تمسنا‬
‫النار إل أياماً معدودات ‪.‬‬
‫والنصرانية ظهرت في التشيع ‪ ،‬في قول بعضهم ‪ :‬إن نسبة المام إلى ال كنسبة المسيح إليه ‪ .‬وقالوا إن‬
‫اللهوت اتحد بالناسوت في المام ‪ .‬وإن النبوة والرسالة ل تنقطع أبداً ‪ ،‬فمن اتحد به اللهوت فهو نبي ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫أيضاً ‪. 174 ، 173‬‬
‫‪2‬‬
‫الخوارج والشيعة ص ‪. 175‬‬
‫‪3‬‬
‫أيضاً ص ‪ 175‬نقلً عن الطبري ج ‪ 2‬ص ‪. 882‬‬

‫‪219‬‬
‫وتحت التشيع ‪ ،‬ظهر القول بتناسخ الرواح وتجسيم ال والحلول ‪ ،‬ونحو ذلك من القوال التي كانت‬
‫معروفة عند البراهمة والفلسفة والمجوس من قبل السلم ‪.‬‬
‫وتستر بعض الفرس بالتشيّع ‪ ،‬وحاربوا الدولة الموية ‪ ،‬وما في نفوسهم إل الكره للعرب ودولتهم ‪ ،‬والسعي‬
‫لستقللهم ‪ .‬قال المقريزي ‪:‬‬
‫" واعلم إن السبب في خروج أكثر الطوائف عن ديانة السلم ‪ ،‬أن الفرس كانت سعة الملك وعلو اليد على‬
‫جميع المم ‪ ،‬وجللة الخطر في أنفسها ‪ ،‬بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الحرار والسياد ‪ ،‬وكانوا يعدون‬
‫سائر الناس عبيداً لهم ‪ .‬فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب ‪ ،‬وكان العرب عند الفرس أقل من‬
‫المم خطراً ‪ ،‬تعاظمهم المر ‪ ،‬وتضاعفت لديهم المصيبة ‪ ،‬وراموا كيد السلم بالمحاربة في أوقات شتى ‪،‬‬
‫وفي كل ذلك يظهر ال الحق ‪ ..‬فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع فاظهر قوم منهم لسلم ‪ ،‬واستمالوا أهل‬
‫التشيع بإظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم عليّ ‪ ،‬ثم سلكوا بهم مسالك شتى أخرجوهم عن طريق الهدى‬
‫‪.‬‬

‫وقد ذهب الستاذ " ولهو سن ‪ " Wellhausin‬إلى أن العقيدة الشيعية نبعت من اليهودية أكثر مما نبعت‬
‫من الفارسية ‪ ،‬مستدلً بأن مؤسسها عبدال بن سبأ وهو يهودي ‪ .‬ويميل الستاذ " دوزي ‪ " Dozy‬إلى "‬
‫أن أساسها فارسي ‪ ،‬فالعرب تدين بالحرية ‪ ،‬والفرس يدينون بالمَلِك ‪ ،‬وبالوراثة في بيت المالك ‪ ،‬ول يعرفون‬
‫معنى لنتخاب الخليفة ‪ ،‬وقد مات محمد ولم يترك ولداً ‪ ،‬فأولى الناس بعده إبن عمه علي بن أبي طالب ‪.‬‬
‫فمن أخذ الخلفة منه كأبي بكر وعمر وعثمان والمويين ‪ ،‬فقد اغتصبها من مستحقها ‪.‬‬
‫وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها معنى إلهي ‪ ،‬فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي ّ وذريته‬
‫وقالوا ‪ :‬إن طاعة المام أول واجب ‪ ،‬وإن طاعته إطاعة ال " ‪.‬‬
‫والذي أرى ‪ -‬كما يدلنا التاريخ ‪ -‬أن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس السلم ‪ ،‬ولكن معنى ساذج ‪ ،‬وهو أن‬
‫علياً أولى من غيره من وجهتين ‪ ،‬كفايته الشخصية ‪ ،‬وقرابته للنبي ‪ ،‬والعرب من قديم تفخر بالرياسة وبيت‬
‫الرياسة ‪ ،‬وهذا الحزب ‪ -‬كما رأينا ‪ -‬وُجد من بعد وفاة النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ونما بمرور الزمان‬
‫وبالمطاعن في عثمان ‪ ،‬ولكن هذا التشيّع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الخرى في السلم من يهودية‬
‫ونصرانية ومجوسية ‪ .‬وأن كل قوم من هؤلء ‪ ،‬كانوا يصبغون التشيّع بصيغة دينهم ‪ .‬فاليهود تصبغ الشيعة‬
‫يهودية ‪ ،‬و النصارى نصرانية ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وإذ كاد أكبر عنصر دخل في السلم هو عنصر الفارسي كان أكبر الثر في التشيع إنما هو الفرس " ‪.‬‬

‫وهذا آخر ما أردنا إثباته في كتابنا هذا ‪ ،‬وال يهدينا إلى سبيل الرشاد ‪ ،‬ويوفقنا لما يحبه ويرضاه من خدمة‬
‫دينه ‪ ،‬ورفع كلمته والدفاع عن شريعته وحملة شريعته محمد وأصحابه وأهل بيته أجمعين ‪ ،‬و صلى ال‬
‫على نبينا محمد خاتم النبياء وسيد المرسلين ‪ ،‬وعلى آله الطيبين ‪ ،‬وأصحابه الطاهرين ‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان‬
‫إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫تمت طباعة الكتاب وإعداده للنشر على شبكة النترنت‬


‫بم سا همة من ش باب منتدى أن ا ا لم سلم ‪ 8/4/1424‬هـ‬
‫ف ال لهم اغ فر ل كل من سا هم في ن شر ه وط بع ه ولو الديه وذري ته و لمن ق ال آمين‬

‫مصادر الكتاب ومـراجـعـه‬


‫‪-1‬إثبات الوصية للمسعودي ‪ .‬ط ‪ :‬نجف ‪.‬‬
‫‪-2‬أجمع الفضائح للمل كاظم ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-3‬الحتاج للطبرسي ‪ .‬ط ‪ :‬قم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬

‫‪ 1‬فجر السلم ص ‪ 276‬إلى ‪. 278‬‬

‫‪220‬‬
‫‪-4‬إحقاق الحق للشوستري ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-5‬الخبار الطوال للدينوري ط ‪ :‬بغداد ‪.‬‬
‫‪-6‬أدوار علم الفقه لل كاشف الغطاء ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪ 1399‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -7‬الرجوزة المختارة للقاضي النعمان ‪ .‬ط ‪ :‬مونتريال ‪ .‬كندا ‪1970‬م ‪.‬‬
‫‪ -8‬الرشاد للمفيد ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -9‬أساس الصول لدلدار علي ‪ .‬ط ‪ :‬الهند ‪.‬‬
‫‪ -10‬الستبصار للطوسي ‪ .‬ط ‪ :‬طهران طبعة ثالثة ‪1390‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -11‬أسرار الشهادة للدربندي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -12‬الشعثيات للشعث الكوفي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -13‬أصل الشيعة وأصولها لل كاشف الغطاء ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -14‬أصول العقيدة لمهدي الصدر ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -15‬أصول الفقه لمحمد رضا المظفر ‪ .‬ط ‪ :‬القطيف ‪ ،‬السعودية ‪.‬‬
‫‪ -16‬العتقادات لبن بابويه ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪.‬‬
‫‪ -17‬أعلم الورى للطبرسي ‪ .‬ط ‪ :‬دار الكتب السلمية ‪ ،‬طبعة ثالثة ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -18‬أعيان الشيعة لمحسن المين ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -19‬الغاني للصفهاني ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪.‬‬
‫‪ -20‬المالي لبن بابويه القمي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -21‬المالي للطوسي ‪ .‬ط ‪ :‬قم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -22‬أمالي المرتضى ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪ 1387‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -23‬المام الصادق والمذاهب الربعة لسد حيدر ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -24‬أمل المل ‪.‬‬
‫‪ -25‬أمير المؤمنين لمحمد جواد الشري ‪.‬‬
‫‪ -26‬النتصار للمرتضى ‪ .‬ط ‪ :‬نجف ‪1391 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -27‬أنساب بيوتات قاين ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -28‬النوار النعمانية للجزائري ‪ .‬ط ‪ :‬تبريز ‪.‬‬
‫‪ -29‬اليقان المحلي ‪.‬‬
‫‪ -30‬اليقاظ من الهجعة للحر العاملي ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪1381‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -31‬الباكورة السليمانية ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -32‬بحار النوار للمجلسي ‪ .‬ط ‪ :‬قديم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -33‬بشارة المصطفى لبي جعفر ‪ .‬ط ‪ :‬نجف ‪.‬‬
‫‪ -34‬تاريخ المامية لعبدال فياض ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪.‬‬
‫‪ -35‬تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -36‬تاريخ ما بعد الظهور لمحمد الصدر ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -37‬تاريخ طرازمذهب مظفري ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -38‬تاريخ العلويين للطويل ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -39‬تاريخ اليعقوبي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪1379‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -40‬تأسيس الشيعة للعلوم السلمية للسيد حسن الصدر ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -41‬تبصرة المعلمين لبن المطهر الحلي ‪ .‬مجمع الذخائر السلمية ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -42‬تتمة المنتهى للعباس القمي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-43‬تحف العقول عن آل الرسول للمراني ط ‪ :‬نجف ‪1380‬هـ ‪.‬‬
‫‪-44‬تحفة الحباب ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-45‬تفسير البرهان للبحراني ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪-46‬تفسير البصائر لرستكار ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-47‬تفسير العياشي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫‪ -48‬تفسير العسكري ‪ .‬ط ‪ :‬الهند ‪ ،‬القديم ‪.‬‬
‫‪-49‬تفسير فرات الكوفي ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪-50‬تفسير القمـي ‪ .‬ط ‪ :‬نجف ‪1386‬هـ ‪.‬‬
‫‪-51‬تفسير الصافي للفيض الكاشاني ‪ .‬ط ‪ :‬كبير إيران ‪.‬‬
‫‪-52‬تفسير الكاشف للمغنية ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪-53‬تفسير مجمع البيان للطبرسي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪-54‬تفسير منهج الصادقين لفتح ال الكاشاني ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪-55‬تفسير الميزان للطباطبائي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪-56‬تفسير نور الثـقـلين للحويزي ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪-57‬تلخيص الشافي للطوسي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-58‬التنبيه والشراف للمسعودي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-59‬جامع الرواة للردبيلي الحائري ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪1403‬هـ ‪.‬‬
‫‪-60‬جامع السعادات للتراقي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪-61‬الجامع في الرجال للزنجاني ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪-62‬جلء العيون للمجلسي ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪-63‬حجة إثنا عشري لحقكوفارسي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-64‬حديقة الشيعة للمقدسي الردبيلي ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪-65‬حق اليقين للمجلسي ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪.‬‬
‫‪-66‬حق اليقين في معرفة أصول الدين لعبدال الشبر ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-67‬حلية المتـقـين للمجلسي ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪.‬‬
‫‪-68‬حملة حيدري للمرزة بازل ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-69‬حياة القلوب للمجلسي ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪-70‬الخلصة للحلي ‪.‬‬
‫‪-71‬دائرة المعارف الشيعية لحسن المين ‪ .‬الطبعة الثانية ‪ 1393‬بيروت ‪.‬‬
‫‪-72‬دعوة الحق وقول الصدق للصافي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪-73‬دلئل الصدق للمظفر ‪.‬‬
‫‪-74‬ذخائر العـقـبي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪-75‬ذرائع البيان للنجفي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-76‬رجال الكشي ‪ .‬ط ‪ :‬كربلء ‪.‬‬
‫‪-77‬رجال الطوسي ‪ .‬ط ‪ :‬نجف ‪1380 ،‬هـ‬
‫‪-78‬رجال النجاشي ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪-79‬رجال أبي داود ‪.‬‬
‫‪-80‬الرسائل للخميني ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪1385‬هـ ‪.‬‬
‫‪-81‬روضة الواعظين للفـتال النيسابوري ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪-82‬روضة الصفا فارسي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-83‬روضات الجنات للخوانساري ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪-84‬رياحين الشريعة للمحلني ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-85‬رياض العلماء ‪.‬‬
‫‪-86‬الشافي للشريف المرتضى ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-87‬شرائع السلم للحلي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-88‬شرح نهج البلغة لبن أبي الحديد ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪-89‬شرح نهج البلغة لبن الميثم ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-90‬شرح نهج البلغة للدنبلي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-91‬شرح نهج البلغة لعلي النـقي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫‪-92‬شرح نهج البلغة للكاشاني ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-93‬الشيعة في عقائدهم وأحكامهم للقزويني ‪ .‬ط ‪ :‬الكويت ‪.‬‬
‫‪-94‬الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين ‪ .‬ط ‪ :‬الطبعة الثانية ‪ ،‬بيروت ‪1399 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪-95‬الشيعة في الميزان للمغنية ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪-96‬شيعة در إسلم للطباطبائي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪-97‬الشيعة بين الحقائق والوهام لمحسن المين ‪ .‬ط ‪ :‬الطبعة الثالثة ‪ ،‬بيروت ‪1397‬هـ ‪.‬‬
‫‪-98‬الصافي للقزويني في شرح أصول الكافي ‪.‬‬
‫‪-99‬الصراط المستقيم للنباتي ‪ .‬ط ‪ :‬الطبعة الولى ‪1384‬هـ إيران ‪.‬‬
‫‪ -100‬الصحيفة الكاملة لزين العابدين ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -101‬الصلح الحسن لل ياسين ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -102‬الصلة بين التصوّف والشيعة ‪ .‬ط ‪ :‬بغداد ‪.‬‬
‫‪ -103‬الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف لبن طاؤس ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪1400‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -104‬طرائق الحقائق للحاج معصوم علي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -105‬عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ‪.‬‬
‫‪ -106‬عمدة الشريعة في المامية لمحمد باقر الشريعتي ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -107‬علل الشرائع لبن بابويه القمي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪.‬‬
‫‪ -108‬علل الشرائع للصدوق ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -109‬علم أصول الفقه للمغنية ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -110‬عين الحياة للمحلي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -111‬عيون أخبار الرضا لبن بابويه القمي ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -112‬عيون الخبار وفنون الثار للقرشي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -113‬عيون أخبار الرضا لبن بابويه القمي ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -114‬الغارات للثقـفي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -115‬فرق الشيعة للنوبختي ‪ .‬ط ‪ :‬كربلء ‪.‬‬
‫‪ -116‬الفصول المهمة للحر العاملي ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -117‬الفصول المهمة لمعرفة الئمة لبن الصباغ ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -118‬فضائل أمير المؤمنين لمحمد حسن المظفر ‪.‬‬
‫‪ -119‬فقه القرآن للراوندي ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪1399‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -120‬فقه الشيعة للقزويني ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -121‬الفكر الشيعي والنزاعات الصوفية للشيبي ‪ .‬ط ‪ :‬بغداد ‪1386‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -122‬الفهرست للنجاشي ‪ .‬ط ‪ :‬نجف ‪.‬‬
‫‪ -123‬الفهرست لبن النديم ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪.‬‬
‫‪ -124‬فهرست لبي القاسم البراهيمي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -125‬الفوائد الرضوية للقمي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -126‬الفوائد الرضزية للسترآبادي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -127‬قرب السناد للحميري القمي ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪ ،‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -128‬قصص النبياء للراوندي ‪ .‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -129‬قصص النبياء للجزائري ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -130‬الكافي للكليني ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -131‬كامل الزيارات لبن قلوية ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -132‬كتاب سليم بن قيس العامري ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪1400‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -133‬كتاب الخصال لبن بابويه القمي ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪ ،‬إيران ‪1389‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -134‬كتاب الغيبة للطوسي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬
‫‪ -135‬كتاب الغيبة للنعماني ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫كتاب كمال الدين والنعمة لبن بابويه ‪ .‬ط ‪ :‬طهران طبعة ثانية ‪1395‬هـ ‪.‬‬ ‫‪-136‬‬
‫كتاب الخرائج والجرائح للراوندي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-137‬‬
‫كتاب المناقيب لبن شهر آشوب ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-138‬‬
‫كتاب الخلف للطوسي ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-139‬‬
‫كتاب الرجال للحلي ‪ .‬ط ‪ :‬نجف ‪1381‬هـ ‪.‬‬ ‫‪-140‬‬
‫كتاب الشيعة والسنة في الميزان لمؤلف مجهول ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪.‬‬ ‫‪-141‬‬
‫كتاب البلدان لليعقوبي ‪ .‬ط ‪ :‬مصر ‪.‬‬ ‫‪-142‬‬
‫كشف الغمة للردبيلي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-143‬‬
‫كتاب صفين لبن مزاحم ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-144‬‬
‫كشف السرار عن وجه الغائب عن البصار للنوري الطبرسي ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪1400‬هـ ‪.‬‬ ‫‪-145‬‬
‫كتاب الزهد للهوازي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪1402‬هـ ‪.‬‬ ‫‪-146‬‬
‫لغت نامه دهخدا ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-147‬‬
‫متشابه القرآن ومختلفه لبن شهر آشوب ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-148‬‬
‫مجالس المؤمنين للشوستري ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-149‬‬
‫المجالس السنية لبن شهر آشوب ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-150‬‬
‫مجمع البيان للطبرسي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪.‬‬ ‫‪-151‬‬
‫المحاسن للبرقي ‪ .‬ط ‪ :‬قـم ‪ ،‬إيران ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.‬‬ ‫‪-152‬‬
‫مدارج نهج البلغة لكاشف الغطاء ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-153‬‬
‫مرآة العقول للمجلسي ‪ .‬ط ‪ :‬قديم ‪ .‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-154‬‬
‫مروج الذهب للمسعودي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-155‬‬
‫المراجعات لشرف الدين الموسوي ‪.‬‬ ‫‪-156‬‬
‫مستدرك الوسائل للنوري المجلسي ‪ .‬ط ‪ :‬مكتبة دار الخلفة ‪ ،‬طهران ‪.‬‬ ‫‪-157‬‬
‫مصائب النواصب للشوستري ‪ ،‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-158‬‬
‫مشجر الولياء لنوربخش ‪ ،‬باكستان ‪.‬‬ ‫‪-159‬‬
‫مشارق أنوار اليقين للبرسي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪ 1978‬م ‪.‬‬ ‫‪-160‬‬
‫مصحف الدروز ‪.‬‬ ‫‪-161‬‬
‫معالم الصول لجمال الدين ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-162‬‬
‫معراج السعادة للنراقي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-163‬‬
‫معالم العلماء ‪.‬‬ ‫‪-164‬‬
‫معاشر الصول ‪.‬‬ ‫‪-165‬‬
‫معجم المؤلفين للكحالة ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-166‬‬
‫مع الشيعة المامية للمغنية ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-167‬‬
‫مفاتيح الجنان ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-168‬‬
‫المقالت والفرق لسعد بن عبدال القمي ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪1963‬م ‪.‬‬ ‫‪-169‬‬
‫مقاتل الطالبين للصفهاني ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-170‬‬
‫مقتل أبي مخنف ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-171‬‬
‫من ل يحضره الفقيه لبن بابويه القمي ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪.‬‬ ‫‪-172‬‬
‫منار الهدى لعلي البحراني ‪.‬‬ ‫‪-173‬‬
‫منتهى المال لعباس القمي ‪ .‬ط ‪ :‬طهران ‪ ،‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-174‬‬
‫منهاج الكرامة للحلي ‪ .‬أوفست باكستان ‪1396‬هـ ‪.‬‬ ‫‪-175‬‬
‫ناسخ التواريخ للميرزه تقي خان ‪ .‬ط ‪ :‬قديم ‪ ،‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-176‬‬
‫النجم الثاقب للنوري الطبرسي ‪ .‬ط ‪ :‬نجف ‪.‬‬ ‫‪-177‬‬
‫نهاية الدراية ‪.‬‬ ‫‪-178‬‬
‫نقد الرجال للتفـرشي ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-179‬‬

‫‪224‬‬
‫نقد الرجال ‪ .‬ط ‪ :‬إيران ‪.‬‬ ‫‪-180‬‬
‫نهج البلغة بتحقيق صبحي صالح ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-181‬‬
‫نهج البلغة بتحقيق محمد عـبده ‪ .‬ط ‪ :‬مصر ‪.‬‬ ‫‪-182‬‬
‫هوية التشيع لحمد الوائلي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-183‬‬
‫وسائل الشيعة للحر العاملي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-184‬‬

‫كـتـب التاريخ والـرجال والـفـرق للسنة‬

‫أساس البلغة للزمخشري المعتزلي ‪.‬‬ ‫‪-185‬‬


‫أسد الغابة لبن الثـيـر ‪.‬‬ ‫‪-186‬‬
‫إزلة الخفاء عن خلفة الخلفاء للشاه ولي ال ‪.‬‬ ‫‪-187‬‬
‫الصابة لبن حجـر ‪.‬‬ ‫‪-188‬‬
‫أصول الدين للبغدادي ‪.‬‬ ‫‪-189‬‬
‫أضواء على العقيدة الدرزية لحمد فوزان ‪.‬‬ ‫‪-190‬‬
‫إعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ‪ .‬ط ‪ :‬الزهر ‪ .‬القاهرة ‪1398 .‬هـ ‪.‬‬ ‫‪-191‬‬
‫الكمال لبن ماكول ‪.‬‬ ‫‪-192‬‬
‫النساب للسمعاني ‪.‬‬ ‫‪-193‬‬
‫أنساب الشراف للبلذري ‪.‬‬ ‫‪-194‬‬
‫البداية والنهاية لبن كثيـر ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-195‬‬
‫البابيـة للمؤلف ‪.‬‬ ‫‪-196‬‬
‫البهائيـة للمؤلف ‪.‬‬ ‫‪-197‬‬
‫التاريخ الصغير ‪.‬‬ ‫‪-198‬‬
‫تاريخ بغداد للخطيب ‪.‬‬ ‫‪-199‬‬
‫تذكرة الحفاظ للذهبي ‪.‬‬ ‫‪-200‬‬
‫تهذيب التهذيب لبن حجـر العسقلني ‪ .‬ط ‪ :‬حيدر لباد ‪ ،‬دكن ‪ ،‬الهند ‪.‬‬ ‫‪-201‬‬
‫تقريب التهذيب ‪ .‬بيروت‬ ‫‪-202‬‬
‫تاريخ إبن عساكر ‪.‬‬ ‫‪-203‬‬
‫تهذيب تاريخ إبن عساكر ‪.‬‬ ‫‪-204‬‬
‫تاريخ دمشق ‪.‬‬ ‫‪-205‬‬
‫تاريخ المم والملوك للطبري ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-206‬‬
‫تاريخ إبن خلدون ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪ 1399‬هـ ‪.‬‬ ‫‪-207‬‬
‫تاريخ الخلفاء للسيوطي ‪.‬‬ ‫‪-208‬‬
‫تاريخ خليفة بن خياط ‪.‬‬ ‫‪-209‬‬
‫التبصير في الدين للسفرائيني ‪.‬‬ ‫‪-210‬‬
‫تاج العروس للزبيدي ‪.‬‬ ‫‪-211‬‬
‫تثبيت دلئل النبوة للهمذاني ‪.‬‬ ‫‪-212‬‬
‫جمهرة أنساب العرب لبن حزم ‪.‬‬ ‫‪-213‬‬
‫الحور العين ‪.‬‬ ‫‪-214‬‬
‫خلصة تهذيب الكمال ‪.‬‬ ‫‪-215‬‬
‫الخطط للمقريزي ‪.‬‬ ‫‪-216‬‬
‫دائرة المعارف السلمية ‪ .‬أردوط ‪ .‬لهور ‪.‬‬ ‫‪-217‬‬
‫سيرة أعلم النبلء للذهبي ‪.‬‬ ‫‪-218‬‬
‫السيرة إبن هشام ‪.‬‬ ‫‪-219‬‬
‫الشيعة والقرآن للمؤلف ‪ .‬باكستان ‪.‬‬ ‫‪-220‬‬

‫‪225‬‬
‫الشيعة والسنـة للمؤلف ‪ .‬باكستان ‪.‬‬ ‫‪-221‬‬
‫الشيعة وأهل البيت للمؤلف ‪.‬‬ ‫‪-222‬‬
‫الصحاح للجوهري ‪.‬‬ ‫‪-223‬‬
‫الصواعق المحرقة لبن حجر المكي ‪.‬‬ ‫‪-224‬‬
‫الطبقات لبن سعد ‪.‬‬ ‫‪-225‬‬
‫طائفة الدروز لمحمد كامل حسين ‪.‬‬ ‫‪-226‬‬
‫العواصم من القواصم ‪.‬‬ ‫‪-227‬‬
‫الفصل بين الملل والنحل لبن حزم ‪.‬‬ ‫‪-228‬‬
‫فتاوى شيخ السلم لبن تيمية ‪.‬‬ ‫‪-229‬‬
‫فجر السلم لحمد أمين ‪.‬‬ ‫‪-230‬‬
‫فتوح البلدان للبلذري ‪.‬‬ ‫‪-231‬‬
‫القاموس للفيروز آبادي ‪.‬‬ ‫‪-232‬‬
‫كتاب الكنى والسماء للدولبي ‪.‬‬ ‫‪-233‬‬
‫كتاب الجرح والتعديل للرازي ‪.‬‬ ‫‪-234‬‬
‫كتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي ‪.‬‬ ‫‪-235‬‬
‫كتاب المجروحين لبن حبان ‪.‬‬ ‫‪-236‬‬
‫الكامل لبن الثيـر ‪.‬‬ ‫‪-237‬‬
‫كتاب المحبر للبغدادي ‪.‬‬ ‫‪-238‬‬
‫لسان الميزان لبن حـجـر‪.‬‬ ‫‪-239‬‬
‫لسان العرب لبن المنظور الفريقي‪.‬‬ ‫‪-240‬‬
‫ميزان العتدال للذهبي ‪.‬‬ ‫‪-241‬‬
‫مقدمـة إبن خلدون ‪.‬‬ ‫‪-242‬‬
‫منهاج السنة لبن تيمية ‪.‬‬ ‫‪-243‬‬
‫مقالت السلميين للشعري ‪.‬‬ ‫‪-244‬‬
‫الملل والنحل للشهرستاني ‪.‬‬ ‫‪-245‬‬
‫موسوعة إصطلحات العلوم السلمية للتهانوي ‪ .‬ط ‪ :‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪-246‬‬
‫مختصر التحفة الثني عشرية لللوسي ‪.‬‬ ‫‪-247‬‬
‫معجم مقاييس اللغة ‪.‬‬ ‫‪-248‬‬
‫المخصص لبن سيده ‪.‬‬ ‫‪-249‬‬
‫النهاية لبن الثيـر ‪.‬‬ ‫‪-250‬‬
‫النجوم الزاهرة للتغـري البردي ‪.‬‬ ‫‪-251‬‬
‫نسب قريش لمصعب الزبيري ‪.‬‬ ‫‪-252‬‬
‫وفيات العيان لبن خلكان ‪.‬‬ ‫‪-253‬‬
‫كـتـب المستــشرقـين‬

‫الخوارج والشيعة لولهوزن ‪ .‬ترجمة عربي ‪.‬‬ ‫‪-254‬‬


‫عقيدة الشيعة لدونالد سن ‪ .‬ترجمة عربي ‪.‬‬ ‫‪-255‬‬
‫العقيدة والشريعة لجولد زيهر ‪ .‬ترجمة عربي ‪.‬‬ ‫‪-256‬‬
‫مقالت في تاريخ السلم للدوزي ‪.‬‬ ‫‪-257‬‬
‫كتاب المستشرق ملـر ‪.‬‬ ‫‪-258‬‬
‫مقدمة نقطة الكاف للبراؤن ‪ .‬ط ‪ :‬فارسي ‪.‬‬ ‫‪-259‬‬

‫فهـرست الكـتـــاب‬

‫‪226‬‬
‫المقدمـة ‪.‬‬

‫الباب الول ‪ :‬التشيـّع الول والشيعة الولى‬

‫•التشيع الول والشيعة الولى ‪.‬‬


‫•الشيعة لـغة واصطلحاً ‪.‬‬
‫•شيعة عليّ وشيعـة معاوية ‪.‬‬
‫•شروط معاوية للعتراف بخلفة عليّ ‪.‬‬
‫•شيعـة آل محمد وشيعة بني معاوية ‪.‬‬
‫•العثمانية والعلويـة ‪.‬‬
‫•الخلف بين عليّ ومعاوية لم يكن خلف الكفر والسلم ‪.‬‬
‫•متى وجد التشيّع ‪ ،‬ومتى تكونت الشيعة ‪.‬‬
‫•ما قاله المظفري ‪.‬‬
‫•المجازفة بالقول والرد من الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫•تمسك القوم بالحاديث الموضوعة ‪.‬‬
‫•مخالفة العقـل والنـقـل ‪.‬‬
‫•إضطراب آراء القوم وأقوالهم ‪.‬‬
‫•الخلف قبـل مقـتل عثمان وبعد مقـتله ‪.‬‬
‫•نوعية الخلف ‪.‬‬
‫•تسمية عليّ أبناءه بأسماء الخلفاء الراشدين الثلثة ‪.‬‬
‫•صلح الحسن مع معاوية إحدى شروط الصلح ‪.‬‬
‫•مبايعة الحسن والحسين معاوية أميراً وخليفة ‪.‬‬
‫•أولد عليّ نكحوا وأنكحوا بني أميـّة ‪.‬‬
‫•رواية الكافي عن زين العابدين في حق يزيد ‪.‬‬
‫•التشيع الول لم يكن مدلوله عقائداً مخصوصة ‪.‬‬
‫•الشيعة الولى لم تكن إل حزبًا سياسياً يرى رأي عليّ دون معاوية ‪.‬‬
‫•تردد الحسن والحسين على معاوية وقبولهما الهدايا منه ‪.‬‬
‫•قبول زين العابدين الهدايا من مروان ‪.‬‬
‫•آل عليّ كانوا يصلون خلف المويين ‪.‬‬
‫•تطور التشيّـع وتغيير الشيعة ‪.‬‬
‫•محاولة اليهود والمنافقين والمجوس القضاء على السلم وعلى الخلفة السلمية – مطاعنهم على‬
‫أصحاب النبي – براءة الشيعة الولى منهم – تخـاذل الشيعة ومعاتبة عليّ إياهم ‪.‬‬

‫البـاب الثــاني ‪ :‬التشـيّـع والسـبـئـيــة‬

‫•الشيعة الولى مع تخاذلهم لم يكونوا مختلفين مع الخرين في العقائد ‪ ،‬المؤامرات والدسائس لتطوير‬
‫التشيّـع وتبديل الشيعة الولى ‪.‬‬
‫•عبدال بن سبـأ والسبئـيـة‪.‬‬
‫•ما قاله الطبري وابن خلدون وابن حجر والسفرائيني عن عبدال إبن سبأ ‪.‬‬
‫•سعي إبن سبأ بالفتـنة والفساد ‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫•الفكار اليهودية المدسوسة ‪.‬‬
‫•ما ذكره النوبختي والكشي والحلي والمامقاني والميرزا والستر آبادي وابن أبي الحديد عن السبئيـة ‪.‬‬
‫•ما قاله المحققون من أهل السنة عن السبئيـة ‪.‬‬
‫•بعض المتأخرين من الشيعة أنكروا وجود إبن سبأ ‪.‬‬
‫•الرد على من أنكر من الشيعة أنفسهم ‪.‬‬
‫•شهادة المستشرق ( ولهوزن ) بأن الشيعة لم تكن فرقـة دينية في الصل ‪.‬‬
‫•إعلن عليّ بأنه ل يفضل نفسه على الخلفاء الراشدين – وإعلن برآءته عن قتل عثمان ‪.‬‬
‫•وضع الشيعة الحاديث الموضوعة المكذوبة ‪.‬‬
‫•إنخداع بعض الشيعة من السبئية واعتناقهم عقائدهم ‪.‬‬

‫البـاب الثاـث ‪ :‬الشيعـة ومـطاعـنهم على ذي النورين ‪ ،‬والسبئيـة وفتـنتهم أيامـه ‪.‬‬

‫•دين الشيعة الكذب ‪.‬‬


‫•رواة المطاعن هم الشيعة ‪.‬‬
‫•أبو مخنف الزدي من كتب الشيعة والسنة ‪.‬‬
‫•الواقـــــدي ‪.‬‬
‫•الكذابون المعروفون بالكذب على رسول ال صلى ال عليه وسلم أربعة ‪.‬‬
‫•مخطط السبئية لتفريق وحدة المسلمين ‪.‬‬
‫•إيرادات السبئيين على ذي النورين ‪.‬‬
‫•رد عثمان عليهم ‪.‬‬
‫•خطبة ذي النورين لتفنيد مزاعمهم ‪.‬‬
‫•حوادث وفتـن ‪.‬‬
‫•محاصرة عثمان ‪.‬‬
‫•قتـل عثمان ظلماً وعدواناً ‪.‬‬
‫•إستشهاد عثمان ‪.‬‬
‫•مطاعن الشيعة على ذي النورين ‪.‬‬
‫•الرد على طعن إيثار ذي القربى ‪.‬‬
‫•تولية الوليد بن عقبة على الكوفة ‪.‬‬
‫•سعيد بن العاص ‪.‬‬
‫ي هدايا سعيد بن العاص ‪.‬‬ ‫•قبول عل ّ‬
‫•خطبة سعيد بن العاص أم كلثوم بنت عليّ ‪.‬‬
‫•عبدال بن عامر عامل عثمان على العراق ‪.‬‬
‫•مروان بن الحكم ‪.‬‬
‫•نقـلة المطاعن السبئية ‪.‬‬
‫•شفاعة الحسن والحسين لمروان بن الحكم – وصلتهما خلفه ‪.‬‬
‫•زواج إبنة عليّ من إبن مروان ‪.‬‬
‫•زواج حفيدات عليّ من أحفاد مروان ‪.‬‬
‫•الطعن بأن عثمان يُؤثر أهله بالموال ‪ ،‬والرد عليه ‪.‬‬
‫•قتـلة عثمـان ‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫•إدعاء ضرب إبن مسعود ‪ ،‬وقضية عمار ‪ ،‬ونفي أبي ذر ‪.‬‬
‫•عدم القصاص من إبن عمـر‪.‬‬
‫•قضية الذان الثاني في الجمعـة ‪.‬‬
‫•دفاع عليّ عن عثمـان ‪.‬‬
‫•مـقـام عثمـان وشـأنه ‪.‬‬

‫البـاب الــرابع ‪ :‬تطور التشيـّع الول ‪ .‬والشيعة الولى ‪ ،‬ودور السبئية بعد مقتـل عثمان‬
‫ي‬
‫وأيــام عل ّ‬

‫•المدينة بعد مقتل عثمان ‪.‬‬


‫•إمتناع الصحابة عن قبول الخلفة ‪.‬‬
‫•إمتناع عليّ عن قبول البيعة – إجباره على قبولها – إمتناع الصحابة عن البيعة ‪.‬‬
‫•إستتار قتلة عثمان وراء المبايعين لعليّ ‪.‬‬
‫•إجتماع الصحابة إلى عليّ ومطالبتهم الحد في قتلة عثمان ‪.‬‬
‫• منع إبن عباس علياً عن أخذ البيعة ‪ ،‬ومنع الحسن أباه عن البقاء في المدينة ‪.‬‬
‫•تجمعات السبئية ومطالبة الصحابة طردهم وإقامة الحد فيهم ‪.‬‬
‫•قنوط الزبير وطلحة من اقتصاص عثمان ‪ ،‬وعزل عليّ معاوية ‪.‬‬
‫•سعي السبئية بالفتنة والفساد ‪.‬‬
‫•منع الحسن أباه من الخروج إلى محاربة أهل الشام وحرب الجمل ‪.‬‬
‫•تثـاقـل أهل المدينة عن الخروج مع عليّ ‪.‬‬
‫•حرب الجمل ‪ ،‬وسعي السبئية في إشعال نارهـا ‪.‬‬
‫•محاولة الصلح ‪.‬‬
‫•سعي السبئية لنسف محاولة الصلح ‪.‬‬
‫•وقوع الكارثة – صلة عليّ على قتلى الجمل من الطرفين ‪.‬‬
‫•عليّ ل يرى مخالفيه كفاراً ‪.‬‬
‫•خبـث السبئيين ‪.‬‬
‫•حرب صـفـين ‪.‬‬
‫•الشيـعـة الولى ‪.‬‬

‫البـاب الخامس ‪ :‬فرق الشيعة وتاريخهـا وعـقائدهـا‬

‫•إجتماع الشيعة بعد عليّ حول الحسن – بدعـة السبئية في الغـلو ‪.‬‬
‫•إفتراق الشيعة بعد عليّ ‪.‬‬
‫•مجاهـرة إبن سبأ بأفكاره بعد مقتـل عليّ ‪.‬‬
‫•محاربة الحسن لبن سبأ وأفكاره ‪.‬‬
‫•فتـن السبئية أيام الحسن ‪.‬‬
‫•خذلن الشيعة للحسن ‪.‬‬
‫•إمارة معاوية ونصيحة عليّ ‪.‬‬
‫•شيعة ساباط المدائن – جرحهم للحسن – صلح الحسن مع معاوية ‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫•إفتراق الشيعة ‪.‬‬
‫•الكيـســـانـيـة ‪.‬‬
‫•الشيعة أيام الحسين ‪.‬‬
‫•مكاتبة الكوفيين الحسين ‪.‬‬
‫•خروج الحسين إلى الكـوفـة ‪.‬‬
‫•خبر مسلم بن عـقـيل ‪.‬‬
‫•الكـوفــيـــون ‪.‬‬
‫•الكوفيـون هم الذين قتـلوا الحسين ‪.‬‬
‫•عدد شيـعـة الكوفـة ‪.‬‬
‫•تطـور التشـيّـع ‪.‬‬
‫•الفرس ‪.‬‬
‫•الكيسـانيـة ‪.‬‬
‫•المخـتـار الثـقـفي ‪.‬‬
‫•تغير الشيعة الولى ‪.‬‬
‫•المختـار الثـقـفي وحروبـه ‪.‬‬
‫•إفتراق الشيعة بعد مقتـل الحسين ‪.‬‬
‫•الغـرابـيــــة‬
‫•المعتـقدون بألوهـية العـباد ‪.‬‬
‫•الشيعة بعد علي بن الحسين – الزيدية ‪.‬‬
‫•الجـاروديــة‪.‬‬
‫•معـتقدات الزيـديـة ‪.‬‬
‫•الشيعة أيام جعفر بن الباقـر ‪.‬‬
‫•التطور التام والتغيير الجذري ‪.‬‬
‫•إفتراق الشيعة أيام الجعفـر ‪.‬‬
‫•مدعي المامة من أهل البيت في حياة جعفر‪.‬‬
‫•الشيعة بعد وفاة الجعفر ‪.‬‬
‫•الناووسية السمطيـة ‪.‬‬
‫•الفتحـــية ‪.‬‬
‫•السماعيلـــــــية ‪.‬‬
‫•موقف السماعيلية وأدلتهم ‪.‬‬
‫•القرامطــــة ‪.‬‬
‫•الغاخانيــة والبهرة ‪.‬‬
‫•الـــدروز ‪.‬‬
‫•عقائد الـــدروز ‪.‬‬
‫•كلم إبن تيمية في الـدروز ‪.‬‬
‫•فرق الشيعة أيام موسى الكاظم ‪.‬‬
‫•مدعو المامة في عهد موسى الكاظم من أهل البيت ‪.‬‬
‫•الشيعة أيام عليّ بن موسى ‪.‬‬
‫•إفتراق الشيعة أيام علي بن موسى ‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫•الشيعة أيام محمد بن عليّ ‪.‬‬
‫•إفتراق الشيعة أيام محمد بن عليّ ‪.‬‬
‫•مدعي المامة من أهل البيت أيام محمد بن عليّ ‪.‬‬
‫•الشيعة أيام عليّ بن محمد – النصيرية ‪.‬‬
‫•عقـائـد النصيريـة ‪.‬‬
‫•مدعي المامة أيام محمد بن عليّ من أهل البيت – الشيعة أيام الحسن العسكري ‪.‬‬
‫•إفتراق الشيعة أيام الحسن العسكري ‪.‬‬
‫•الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري ‪.‬‬
‫•إفتراق الشيعة أربعة عشر فرقـة ‪.‬‬

‫البـــاب السـادس ‪ :‬الشيعـة الثنـا عشريــة ‪.‬‬

‫•أسماؤهم ‪ :‬الثنا عشرية – الجعفرية – الرافضة – المامية ‪.‬‬


‫•المام الثاني عشر ولد ولم يولد ‪.‬‬
‫•لماذا قالوا بولدة هذا المعدوم ‪.‬‬
‫•شروط المامـــة ‪.‬‬
‫•للمام علمـــــــات ‪.‬‬
‫•شك الشيعة في علوم أئمتهم ‪.‬‬
‫•فقدان جميع الشروط في الحسن العسكري ‪.‬‬
‫•حكايات وخرافات – قصص وأساطير ‪.‬‬
‫•لم يكن واحد منهم معصوم ‪.‬‬
‫•المام ل بايع أحداً – لماذا أوجبوا أئمتهم ‪.‬‬
‫•المامة واجبـة ‪.‬‬
‫•الرد عليهم ‪.‬‬
‫•الكاذيب ‪ ،‬الكاذيب – كلم إبن حزم ‪.‬‬
‫•إفتراق الثنا عشرية – الشيخــية ‪.‬‬
‫•عقـائدهـم ‪.‬‬
‫•النـوربخشـــية – وعقائدهـم ‪.‬‬
‫•زعيـم النوربخشـية وعقائدهـم ‪.‬‬
‫•الخــبارية والصــولية‬
‫•أهم كتب الشيعة الثني عشرية ورجالتهــم ‪.‬‬

‫البـاب السابـع ‪ :‬الشيعة الثنا عشرية والعـقــائد السبئـية ‪.‬‬

‫•العقائد السبئية ومخططات إبن سبأ ‪.‬‬


‫•هل الدين إل الحـب ‪.‬‬
‫•الوليـة ‪.‬‬
‫•القرآن والسنـة ‪.‬‬
‫•البغـض لصحاب رسول ال ‪.‬‬
‫•عقيدة السيد الخميني ‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫•كتابه كشف السرار ‪.‬‬
‫•الوصـايـــة – روايـات باطلة ‪ -‬الغـيبة ‪.‬‬
‫•الغيـبة الكبرى والغيـبة الصغرى – سفراء الغائـب ‪.‬‬
‫•تواقيع المـام‬
‫•أين المـام ‪.‬‬
‫•ماذا يعمل المـام ‪.‬‬
‫•حكايات وخرافات ‪ ..‬الـرجعـة ‪.‬‬
‫•من يكـون المهــدي ‪.‬‬
‫•منـزلـته وشأنـه ‪.‬‬
‫•متى يرجـع المهـــدي ‪.‬‬
‫•أضاليـل وأباطيـل ‪.‬‬
‫•كيف يرجـع المهـدي وأين يرجـع ‪.‬‬
‫•يرجـع عند البيت – أول من يبايعه جبرئيل والملئكة ‪.‬‬
‫•ماذا يعمل بعد رجعته ‪.‬‬
‫•يحيي الموات ويقتل أصحاب النبي ‪.‬‬
‫•ظلمه وقسوته – يدعو إلى أمر جديد وكتاب جديد ‪.‬‬
‫•رجعـة الئمة مع رجعة القـائم ‪.‬‬
‫•رجعة الحسن ويزيد وأنصارهما ‪.‬‬
‫•ويرجع عليّ والنبي أيضاً ‪.‬‬
‫•دابـة الرض ‪.‬‬
‫•بعد القـائم سيخرج إثنا عشر مهدياً ‪.‬‬
‫•خرافـة الجزائري ‪.‬‬
‫•الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف ال ‪.‬‬
‫•رأي المستشرق دوزي في علقة الشيعة بالسبئيـة ‪.‬‬
‫•رأي المستشرق مـلر – والمستشرق ولهوزن ‪.‬‬
‫•تأليه أهل البيت ‪.‬‬
‫•رأي أبو حمزة الخارجي ‪.‬‬
‫•قول هشام بن عبدالملك ‪.‬‬
‫•كلمة أحمد أميـن ‪.‬‬

‫مصادر الكتـاب ومراجـعه ‪.‬‬


‫فهـرســـت الكتـاب ‪.‬‬

‫‪232‬‬

You might also like