You are on page 1of 168

‫الفوائد‬

‫للمام الليل شس الدين أب عبد ال ممد بن أب بكر بن أيوب‬


‫الزرعي‬
‫العروف بابن القيّم‬

‫تقيق‬

‫ماهر منصور عبد الرزاق كمال علي المل‬


‫مدرّس الديث الساعد‬ ‫مدرّس الديث وعلومه‬
‫جامعة الزهر‬
‫قال الشيخ المام‪ ,‬مي السنّة قامع البدعة‪ ,‬أبو عبد ال الشهي بابن القيّم الوزيّة رحه ال ورضي عنه ‪:‬‬

‫******************‬

‫[‪ ]1‬قاعدة جليلة‬


‫النتفاع بالقرآن وشروطه‬

‫اذا أردت النتفاع بالقرآن فاجع قلبك عند تلوته وساعه‪ ,‬وألف سعك‪, ,‬احضر حضور من ياطبه به من تكلّم به سبحانه‬
‫منه اليه‪ ,‬فانّه خطاب منه لك‪ ,‬على لسان رسوله‪ ,‬قال تعال‪ {:‬انّ ف ذلك لذكرى لن كان له قلب أو ألقى السمع وهو‬
‫شهيد}‪ .‬سورة ق ‪.37‬‬

‫وذلك أن تام التأثي لّا كان موقوفا على مؤثر مقتض‪ ,‬ومل قابل‪ ,‬وشرط لصول الثر‪ ,‬وانتقاء الانع الذي ينع منه‪,‬‬
‫تضمّنت الية بيان ذلك كلّه بأوجز لفظ وأبينه‪ ,‬وادلّه على الراد‪.‬‬

‫فقوله تعال‪ {:‬انّ ف ذلك لذكرى} اشارة ال ما تقدّم من أوّل السورة ال ها هنا وهذا هة الؤثّر‪.‬‬

‫وقوله‪ {:‬لن كان له قلب} فهذا هو الل القابل‪ ,‬والراد به القلب اليّ الذي يعقل عن ال‪ ,‬كما قال تعال‪ {:‬ان هو ال ذكر‬
‫وقرآن مبي‪.‬لينذر من كان حيّا} يس ‪ . 70-69‬أي حي القلب‪.‬‬

‫وقوله‪{ :‬أو ألقى السمع} أي وجّه سعه وأصغى حاسّة سعه ال ما يقال له‪ ,‬وهذا شرط التأثّر بالكلم‪.‬‬
‫وقوله‪{ :‬وهو شهيد} أي شاهد القلب حاضر غي غائب‪.‬‬

‫قال ابن قتيبة‪ " :‬استمع كتاب ال وهو شاهد القلب والفهم‪ ,‬ليس بغافل ول ساه"‪ .‬وهو اشارة ال الانع من حصول التأثي‪,‬‬
‫وهو سهو القلب‪ ,‬وغيبته عن تعقّل ما يقال له‪ ,‬والنظر فيه وتأمّله‪ .‬فاذا حصل الؤث وهو القرآن‪ ,‬والحل القابل وهو القلب‬
‫الي‪ ,‬ووخد الشرط وهو الصغاء‪ ,‬وانتقى الانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معن الطاب‪ ,‬وانصرافه عنه ال شئ آخر‪,‬‬
‫حصل الثر وهو النتفاع والتذكّر‪.‬‬

‫فان قيل‪ :‬اذا كان التأثي انا يتم بجموع هذه‪ ,‬فما وجه دخول أداة "أو" ف قوله "أو ألقى السمع"‪ ,‬والوضع موضع واو‬
‫المع ل موضع "أو" الت هي لحد الشيئي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫قيل‪ :‬هذا سؤال جيّد والواب عنه أن يقال‪ :‬خرج الكلم ب"أو" باعتبار حال الخاطب الدعو‬
‫‪ ,‬فان من الناس من يكون حي القلب واعيه‪ ,‬تام الفطرة‪ ,‬فاذا فكّر بقلبه‪ ,‬وجال بفكره‪ ,‬دلّه قلبه وعقله على صحّة القرآن‪,‬‬
‫وأنه الق‪ ,‬وشهد قلبه با أخب به القرآن‪ ,‬فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة‪ ,‬وهذا وصف الذين قيل فيهم‪:‬‬
‫ويرى الذين أؤتوا العلم الذي أنزل اليك من ربك هو الق} سبأ ‪ .6‬وقال ف حقّهم‪ {:‬ال نور السموات والرض مثل نوره‬
‫كمشكاة فيها مصباح الصباح ف زجاجة الزجاجة كأنا كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زستونة ل شرقيّة ول غربيّة‪,‬‬
‫يكاد زيتها يضئ ولو ل تسسه نار نور على نور يهدي ال لنوره من يشاء ويضرب ال المثال للناس وال بكلّ شئ‬
‫عليم}النور ‪.35‬‬

‫فهذا نور الفطرة على نور الوحي‪ ,‬وهذا حال صاحب القلب اليّ الواعي‪.‬‬

‫قال ابن القيّم‪ :‬وقد ذكرنا ما تضمّنت هذه الية من السرار والعب ف كتاب "اجتماع اليوش السلمية لغزو العطّلة‬
‫والهميّة" ص ‪ .8-7‬فصاحب القلب يمع بي قلبه وبب معان القرآن‪ ,‬فيجدها كأنا قد كتب فيه‪ ,‬فهو يقرؤها عن ظهر‬
‫قلب‪ .‬ومن الناس من ل يكون تام الستعداد‪ ,‬واعي القلب‪ ,‬كامل الياة‪ ,‬فيحتاج ال شاهد ييّز له بي الق والباطن‪ ,‬ول تبلغ‬
‫حياة قلبه ونوره وذكاء فطرته مبلغ صاحب القلب الواعي الي‪ ,‬فطريق حصول هدايته أن يفرغ سعه للكلم‪ ,‬وقلبه لتأمّله‪,‬‬
‫والتفكر فيه‪ ,‬وتعقل معانيه‪ ,‬فيعلم حينئذ أنه الق‪.‬‬
‫فالول‪ :‬حال من رأى بعينه ما دعى اليه وأخب به‪ .‬والثان‪ :‬من علم صدق الخب وتيقّنه‪ ,‬وقال يكفين خبه‪ ,‬فهو ف مقام‬
‫اليان‪ ,‬والوّل من مقام الحسان‪ .‬وهذا قد وصل ال علم اليقي‪ ,‬وترق قلبه منه ال منلة عي اليقي‪ ,‬وذاك معه التصديق‬
‫الازم الذي خرج به من الكفر ودخل به ف السلم‪.‬‬

‫فعي اليقي نوعان‪ :‬نوع ف الدنيا‪ ,‬ونوع ف الخرة‪ ,‬فالاصل ف الدنيا نسبته ال القلب كنسبة الشاهد ال العي‪ .‬وما‬
‫أخبت به الرسل من الغيب يعاين ف الخرة بالبصار‪ ,‬وف الدنيا بالبصائر‪ ,‬فهو عي اليقي ف الرتبتي‪.‬‬

‫[‪ ]2‬سورة (ق) جامعة لصول اليان‬

‫وقد جعت هذه السورة من أصول اليان ما يكفى ويشفى‪ ,‬ويغن عن كلم أهل الكلم‪ ,‬ومعقول أهل العقول‪ ,‬فانا‬
‫تضمّنت تقرير البدأ والعاد والتوحيد والنبوّة واليان باللئكة‪ ,‬وانقسام الناس ال هالك شقي‪ ,‬وفائز سعيد‪ ,‬وأوصاف هؤلء‬
‫وهؤلء‪ .‬وتضمّنت اثبات صفات الكمال ل‪ ,‬وتنيهه عما يضاد كماله من النقائص والعيوب‪ .‬وذكر فيها القيامتان الكب‬
‫والصغرى‪ ,‬والعالي‪ :‬الكب‪ ,‬وهو عال الخرة‪ ,‬والصغر وهو عال الدنيا‪ .‬وذكر فيها خلق النسان ووفاته واعادته‪ ,‬واحاطته‬
‫سبحان به من كل وجه‪ ,‬حت علم بوساوس نفسه‪ ,‬واقامة الفظة عليه‪ ,‬يصون عليه كل لفظة يتكلم با‪ ,‬وأنه يوافيه يوم‬
‫القيامة‪ ,‬ومعه سائق يسوقه اليه‪ ,‬وشاهد يشهد عليه‪ ,‬فاذا أحضره الشاهد قال‪{ :‬هذا ما لديّ عتيد}‪,‬ق ‪ .23‬أي هذا الذي‬

‫‪3‬‬
‫أمرت باحضاره قد أحضرته‪ ,‬فيقال عند احضاره‪ {:‬ألقيا ف جهنّم كلّ كفّار عنيد}‪ ,‬ق ‪ .24‬كما يضر الان ال حضرة‬
‫السلطان فيقال‪ :‬هذا فلن قد أحضرته‪ ,‬فيقول‪ :‬اذهبوا به ال السجن وعاقبوه با يستحقّه‪.‬‬

‫وتأمّل كيف دلّت السورة صريا على أن ال سبحانه وتعال يعيد هذا السد بعينه الذي أطاع وعصى‪ ,‬فينعمه ويعذّبه‪ ,‬كما‬
‫ينعم الروح الت آمنت بعينها‪ ,‬ويعذّب الت كفرت بعينها‪ ,‬ل أنه سبحانه يلق روحا أخرى غي هذه فينعمها ويعذبا كما قال‬
‫من ل يعرف العاد الذي أخبت به الرسل‪ ,‬حيث زعم أن ال سبحانه يلق بدنا غي هذا البدن من كل وجه‪ ,‬عليه يقع النعيم‬
‫والعذاب‪ ,‬والروح عندهم عرض من أعراض البدن‪ ,‬فيخلق روحا غي هذه الروح‪ ,‬وبدنا غي هذا البدن وهذا غي ما اتفقت‬
‫عليه الرسل ودلك عليه القرآن والسنّة وسائر كتب ال تعال ‪.‬‬
‫وهذا ف القيقة انكار للمعاد وموافقة لقول من أنكره من الكذبي‪ ,‬فانم ل ينكروا قدرة ال على خلق أجسام غي هذه‬
‫الجسام يعذبا وينعمها‪ ,‬كيف وهم يشهدون النوع النسان يلق شيئا بعد شئ! فكل وقت يلق ال سبحانه أرواحا‬
‫وأجساما غي الجسام الت فنيت‪ ,‬فكيف يتعجّبون من شئ يشاهدونه عيانا؟ وانّما تعجّبوا بعودتم بأعيانم بعد أن مزّقهم البلى‬
‫وصاروا عظاما ورفاتا‪ ,‬فتعجّبوا أن يكونوا هم بأعيانم مبعوثي للجزاء‪ ,‬لذا قالوا ‪ {:‬أئذا متنا وكنّا ترابا أئنّا لبعوثون}‬
‫الصافت ‪ .16‬وقالوا‪{ :‬ذلك رجع بعيد} ق ‪.3‬‬

‫ولو كان الزاء انا هو لجسام غي هذه‪ ,‬ل يكن ذلك بعثا ول رجعا‪ ,‬بل يكون ابتداء‪ ,‬ول يكن لقوله‪ {:‬قد علمنا من‬
‫تنقص الرض منهم}‪,‬ق ‪ .4‬كبي معن‪ .‬فانه سبحانه جعل هذا جوابا لسؤال مقدّر‪ ,‬وهو‪ :‬انّه ييز تلك الجزاء الت اختلطت‬
‫بالرض واستحالت ال العناصر بيث ل تتميّز‪ ,‬فأخب سبحانه بأنه قد علم ما تنقصه الرض من لومهم وعظامهم وأشعارهم‪,‬‬
‫وأنه كما هو عال بتلك الجزاء‪ ,‬فهو قادر على تصيلها وجعها بعد تفرّقها وتأليفها خلقا جديدا‪ ,‬وهو سبحانه يقرر العاد‬
‫بذكر كمال علمه‪ ,‬وكمال قدرته‪ ,‬وكمال حكمته‪ ,‬فان شبه النكرين له كلها تعود ال ثلثة أنواع‪:‬‬
‫(أحدها)‪ :‬اختلط أجزائهم بأجزاء الرض على وجه ل يتميّز ول يصل معه تيز شخص عن شخص آخر‪.‬‬
‫(الثان)‪ :‬أن القدرة ل تتعلّق بذلك‪.‬‬
‫(الثالث)‪ :‬أن ذلك أمر ل فائدة فيه‪ ,‬أو أن الكمة اقتضت دوام هذا النوع النسان شيئا بعد شئ‪ ,‬هكذا أبدأ‪ ,‬كلما مات‬
‫جيل خلفه جيل آخر‪ .‬فأمّا أن ييت النوع النسان كله ث يييه فل حكمة ف ذلك‪.‬‬

‫[‪ ]3‬براهي العاد ف القرآن مبنيّة على أصول ثلث‬

‫(أحدها) تقرير كمال علم الرب سبحانه كما قال ف جواب من قال‪ {:‬من يي العظام وهي رميم‪.‬قل يييها الذي أنشأها‬
‫أوّل مرة وهوبكل خلق عليم}يس ‪ .79-78‬وقال‪ {:‬وإن الساعة لتية فاصفح الصفح الميل‪.‬انّ ربك هو اللّق‬
‫العليم‪}.‬الجر ‪ .86-85‬وقال‪{:‬قد علمنا ما تنقص الرض منهم}ق ‪.4‬‬

‫‪4‬‬
‫(والثان) تقرير كمال قدرته كقوله‪ {:‬أوليس الذي خلق السموات والرض بقادر على أن يلق مثلهم} يس ‪ .81‬وقوله‪{:‬‬
‫بلى قادرين على أن نسوّي بنانه} القيامة ‪ .4‬وقوله‪ {:‬ذلك بأن ال هو الق وأنّه ييي الوتى وأنّه على كل شئ قدير}الج‬
‫‪.6‬‬

‫ويمع سبحانه بي المرين كما ف قوله‪ {:‬أوليس الذي خلق السموات والرض بقادر على أن يلق مثلهم بلى وهو اللّق‬
‫العليم}يس ‪.81‬‬

‫الثالث‪ :‬كمال حكمته كقوله‪ {:‬وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما لعبي}الدخان ‪ .38‬وقوله‪ {:‬وما خلقنا السماء‬
‫والرض وما بينهما باطل}ص ‪ .27‬وقوله‪ {:‬أيسب النسان أن يترك سدى} القيامة ‪ .36‬وقوله‪ {:‬أفحسبتم أنا خلقناكم‬
‫عبثا وأنكم الينا ترجعون‪ .‬فتعال ال اللك الق}الؤمنون ‪ .116-115‬وقوله‪ {:‬أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن‬
‫نعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالات سواء مياهم وماتم ساء ما يكمون}الاثية ‪.21‬‬

‫ولذا كان الصواب أن العاد معلوم بالعقل مع الشرع‪ ,‬وأن كمال الرب تعال وكمال أسائه وصفاته تقتضيه وتوجبه‪ ,‬وأنه‬
‫منّه عمّا يقوله منكروه كما ينه كماله عن سائر العيوب والنواقص‪.‬‬

‫ث أخب سبحانه أن النكرين لذلك لّا كذبوا بالق اختلط عليهم أمرهم {فهم ف أمر مريج} ق ‪ .5‬متلط ل يصلون منه‬
‫على شئ‪.‬‬

‫ث دعاهم ال النظر ف العال العلوي وبنائه وارتفاعه واستوائه وحسنه والتئامه‪ ,‬ث ال العال السفلي وهو الرض‪ ,‬وكيف‬
‫بسطها وهيّأها بالبسط لا يراد منها وثبّتها بالبال وأودع فيها النافع وأنبت فيها من كل صنف حسن من أصناف النبات على‬
‫اختلف أشكاله وألوانه ومقاديره ومنافعه وصفاته‪ ,‬وأن ذلك تبصرة اذا تأمّلها العبد النيب وتبصّر با تذكر ما دلت عليه ما‬
‫أخبت به الرسل من التوحيد والعاد‪ ,‬فالناظر فيها يتبصّر أول‪ ,‬ث يتذكر ثانيا‪ ,‬وأن هذا ليصل ال لعبد منيب ال ال بقلبه‬
‫وجوارحه‪.‬‬

‫ث دعاهم ال التفكّر ف مادة أرزاقهم وأقواتم وملبسهم ومركبهم وجناتم وهو الاء الذي أنزله من السماء وبارك فيه‪ ,‬حت‬
‫أنبتت به جنّات متلفة الثمار والفواكه‪ ,‬ما بي أبيض وأسود وأحر وأصفر وحلو وحامض‪ ,‬وبي ذلك مع اختلف منافعها‬
‫وتنوّع أجناسها‪ ,‬وأنبتت به البوب كلها على تنوعها واختلف منافعها وصفاتا وأشكالا ومقاديرها‪ .‬ث أفرد النخل لا فيه من‬
‫موضع العبة والدللة الت ل تفى على التأمل‪ { :‬فأحيا به الرض بعد موتا} البقر ‪ ,164‬ث قال‪ {:‬كذلك الروج} ق‬
‫‪ .11‬أي مثل هذا الخراج من الرض الفواكه والثمار والقوات والبوب‪ :‬خروجكم من الرض بعد ما غيّبتم فيها‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وقد ذكرنا هذا القياس وأمثاله من القاييس الواقعة ف القرآن ف كتابنا "العال" أنظر أعلم الوقعي عن رب العالي‪ .‬بيّنا ما‬
‫فيها من السرار والعب‪.‬‬

‫ث انتقل سبحانه ال تقرير النبوّة بأحسن تقرير‪ ,‬وأوجز لفظ‪ ,‬وأبعده عن كل شبهة وشك‪ ,‬فأخب أنه أرسل ال قوم نوح‬
‫وعاد وثود وقوم لوط وقوم فرعون رسل فكذّبوهم‪ ,‬فأهلكهم بأنواع اللك‪ ,‬وصدق فيهم وعيده الذي أوعدتم به رسله ان‬
‫ل يؤمنوا‪ ,‬وذا تقرير لنبوّة من أخب بذلك عنهم‪ ,‬من غي أن يتعلّم من معلّم ول قرأه ف كتاب‪ ,‬بل أخب به اخبارا مفصّل‬
‫مطابقا لا عند أهل الكتاب‪.‬‬

‫ول يرد على هذا ال سؤال البهت والكابرة على جحد الضروريات‪ ,‬بأنه ل يكن شئ من ذلك‪ ,‬أو أن حوادث الدهر‬
‫ونكباته أصابتهم كما أصابت غيهم‪ ,‬وصاحب هذا السؤال يعلممن نفسه أنه باهت مباهت جاحد لا شهد به العيان‪ ,‬وتناقلته‬
‫القرون قرنا بعد قرن‪ ,‬فانكاره بنلة انكار وجود الشهورين من اللوك والعلماء والبلد النائية‪.‬‬

‫ث عاد سبحانه ال اقرار العاد بقوله‪ { :‬أفعيينا باللق الوّل} ق ‪ ,15‬يقال لكل من عجز عن شئ‪ :‬عيي به فلن بذا المر‪,‬‬
‫قال الشاعر‬
‫عيوا بأمرهم‪ ,‬كما‬
‫عيت ببيضتها المامة‬

‫ومنه قوله تعال‪ {:‬ول يع َي بلقهن}الحقاف ‪ .33‬قال ابن عبّاس ‪ :‬يريد أفعجزنا‪ ,‬وكذلك قال مقاتل‪.‬‬

‫قلت‪ :‬هذا تفسي بلزم اللفظة‪ ,‬وحقيقتها أعم من ذلك‪ ,‬فان العرب تقول‪ :‬أعيان أن أعرف كذا وعييت به اذا ل تتد لوجهه‬
‫ول تقدر على معرفته وتصيله فتقول‪ :‬أعيان دواؤك اذا ل تتد له‪ ,‬ول تقف عليه‪ .‬ولزم هذا العن العجز عنه‪ .‬والبيت الذي‬
‫استشهدوا به شاهد لذا العن‪ ,‬فان المامة ل تعجز عن بيضتها‪ ,‬ولكن أعياها اذا أرادت أن تبيض أين ترمي بالبيضة‪ ,‬فهي‬
‫تدور وتول حت ترمي با‪ ,‬فاذا باضت أعياها أين تفظها وتودعها حت ل تنال‪ ,‬فهي تنقلها من مكان ال مكان وتار أين‬
‫تعل مقرّها‪ ,‬كما هو حال من وعى بأمره فلم يدر من أين يقصد له ومن أين يأتيه‪ ,‬وليس الراد بالعياء ف هذه الية التعب‪,‬‬
‫كما يظنّه من ل يعرف تفسي القرآن‪ ,‬بل هذا العن هو الذي نفاه سبحانه عن نفسه ف آخر السورة بقوله‪{ :‬وما مسّنا من‬
‫لغوب} ق ‪.38‬‬

‫ث أخب سبحانه أنّهم‪ {:‬ف لبس من خلق جديد} ق ‪ .15‬أي أنم التبس عليهم اعادة اللق خلقا جديدا‪ ,‬ث نبههم على ما‬
‫هو أعظم آيات قدرته وشواهد ربوبيّته وأدلة العاد وهو خلق النسان‪ ,‬فانه من أعظم الدلة على التوحيد والعاد‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وأي دليل أوضح من تركيب الصورة الدميّة بأعضائها وقواها وصفاتا‪ ,‬وما فيها من اللحم والعظم والعروق والعصاب‬
‫والرباطات والنافذ واللت والعلوم والرادات والصناعات‪ ,‬كل ذلك من نطفة ماء‪.‬‬

‫فلو أنصف العبد لكتفى بفكره ف نفسه‪ ,‬واستدل بوجوده على جيع ما أخبت به الرسل عن ال وأسائه وصفاته‪.‬‬

‫ث أخب سبحانه عن احاطة علمه به‪ ,‬حت علم ما توسوس به نفسه‪ ,‬ث أخب عن قربه اليه بالعلم والحاطة وأن ذلك أدن اليه‬
‫من العرق الذي داخل بدنه‪ ,‬فهو أقرب اليه بالقدرة عليه والعلم به من ذلك العرق‪.‬‬

‫وقال شيخنا وهو شيخ السلم بن تيمية‪ :‬الراد بقول "نن" ونن أقرب اليه من حبل الوريد ‪,‬أي ملئكتنا‪ ,‬كما قال‪{ :‬فاذا‬
‫قرأناه فاتبع قرآنه}القيامة ‪ .18‬أي اذا قرأه عليك رسولنا جبيل‪ .‬قال‪ :‬ويدل عليه قوله‪{ :‬اذ يتلقّى التلقّيان} ق ‪ .17‬فقيد‬
‫القرب الذكور بتلقّي اللكي‪ ,‬فل حجة ف الية للول ول معطّل‪.‬‬

‫ث أخب سبحانه أن على شاله ويينه ملكي يكتبان أعماله وأقواله‪ ,‬ونبه باحصاء القوال وكتابتها على كتابة العمال‪ ,‬الت‬
‫هي أقل وقوعا‪ ,‬وأعظم أثرا من القوال‪ ,‬وهي غايات القوال ونايتها‪.‬‬

‫[‪ ]4‬القيامة قيامتان‪ :‬صغرى وكبى‬

‫ث أخب عن القيامة الصغرى‪ ,‬وهي سكرة الوت‪ ,‬وأنا تيء بالق‪ ,‬وهو لقاؤه سبحانه وتعال‪ ,‬والقدوم عليه‪ ,‬وعرض الروح‬
‫عليه‪ ,‬والثواب والعقاب الذي تعجل لا قبل القيامة الكبى‪.‬‬

‫ث ذكر القيامة الكبى بقوله‪{ :‬ونفخ ف الصور ذلك يوم الوعيد} ق ‪ .20‬ث أخب عن أخبار اللق ف هذا اليوم‪ ,‬وأن كل‬
‫أحد يأت ال سبحانه وتعال ذلك اليوم ومعه سائق يسوقه‪ ,‬وشهيد يشهد عليه‪ ,‬وهذا غي جوارحه‪ ,‬وغي شهادة الرض الت‬
‫كان عليها له وعليه‪ ,‬وغي شهادة رسوله والؤمني‪.‬‬

‫فان ال سبحانه وتعال يستشهد على العباد الفظة والنبياء والمكنة الت عملوا عليها الي والشر‪ ,‬واللود الت عصوه با‪,‬‬
‫ول يكم بينهم بجرّد علمه‪ ,‬وهو أعدل العادلي وأحكم الاكمي‪.‬‬

‫ولذا أخب نبيه أنه يكم بي الناس با سعه من اقرارهم‪ ,‬وشهادة البيّنة‪ ,‬ل بجرّد علمه من غي بيّنة ول اقرار؟ ث أخب‬
‫سبحانه أن النسان ف غفلة من هذا الشأن الذي هو حقيق بأن ل يغفل عنه‪ ,‬وأن ل يزال على ذكره وباله‪ ,‬وقال‪ {:‬ف غفلة‬

‫‪7‬‬
‫من هذا}ق ‪ ,22‬ول يقل عنه‪ ,‬كما قال‪ {:‬وانم لفي شك منه مريب}هود ‪ ,22‬ول يقل ف شك فيه‪ ,‬وجاء هذا ف الصدر‬
‫وان ل يئ ف الفعل فل يقال غفلت منه ول شككت منه كأن غفلته وشكه ابتداء منه‪ ,‬فهو مبدأ غفلته وشكّه‪ ,‬وهذا أبلغ من‬
‫أن يقال ف غفلة عنه وشك فيه‪ ,‬فانه جعل ما ينبغي أن يكون مبدأ التذكرة واليقي ومنشأها مبدأ للغفلة والشك‪ .‬ث أخب أن‬
‫غطاء الغفلة والذهول يكشف عن ذلك اليوم كما يكشف غطاء النوم عن القلب فيستيقظ‪ ,‬وعن العي فتنفتح‪ .‬فنسبة كشف‬
‫هذا الغطاء عن العبد عند العاينة كنسبة كشف غطاء النوم عنه عند النتباه‪.‬‬

‫ث أخب سبحانه أن قرينه‪ ,‬وهو الذي قرن به ف الدنيا من اللئكة‪ ,‬يكتب عمله‪ .‬وقوله يقول لّا يضره‪ :‬هذا الذي كنت‬
‫وكّلتن به ف الدنيا قد أحضرته وأتيتك به‪ ,‬هذا قول ماهد‪.‬‬

‫وقال ابن قتيبة‪ :‬العن‪ :‬هذا ما كتبته عليه وأحصيته من قوله وعمله حاضر عندي‪ .‬والتحقيق أن الية تتضمّن المرين‪ ,‬أي هذا‬
‫الشخص الذي وكلت به وهذا عمله الذي أحصيت عليه‪ .‬فحينئذ قال‪ {:‬ألقيا ف جهنّم}ق ‪ ,24‬وهذا اما أن يكون خطابا‬
‫للسائق والشهيد‪ ,‬أو خطابا للملك الوكل بعذابه وان كان واحدا‪ .‬وهو مذهب معروف من مذاهب العرب ف خطابا‪ ,‬أو‬
‫تكون اللف منقلبة عن نون التأكيد الفيفة‪ ,‬ث أجرى الوصل مرى الوقف‪.‬‬

‫ث ذكر صفات هذا اللقى فذكر له ست صفات‪:‬‬

‫(أحدها) أنه كفار لنعم ال وحقوقه‪ ,‬كفار بدينه وتوحيده وأسائه وصفاته‪ ,‬كفّار برسله وملئكته‪ ,‬كفار بكتبه ولقائه‪.‬‬
‫(الثانية) أنه معاند للحق يدفعه جحدا وعنادا‪.‬‬
‫(الثالثة) أنه مناع للخي‪ ,‬وهذا يعم منعه للخي الذي هو احسان ال نفسه من الطاعات والقرب ال ال والي الذي هو احسان‬
‫ال الناس‪ ,‬فليس فيه خي لنفسه‪ ,‬ول لبن جنسه كما هو حال أكثر اللق‪.‬‬
‫(الرابعة) أنه مع منعه للخي معتد على الناس‪ ,‬ظلوم غشوم معتد عليهم بيده ولسانه‪.‬‬
‫(الامسة) أنه مريب‪ ,‬أي صاحب ريب وشك‪ ,‬ومع هذا فهو آت لكل ريبة‪ ,‬يقال‪ :‬فلن مريب‪ ,‬اذا كان صاحب ريبة‪.‬‬
‫(السادسة) أنه مع ذلك مشرك بال‪ ,‬قد اتّخذ مع ال الا آخر يعبده‪ ,‬ويبه‪ ,‬ويغضب له‪ ,‬ويرضى له‪ ,‬ويلف باسه‪ ,‬وينذر له‪,‬‬
‫ويوال فيه‪ ,‬ويعادي فيه‪ ,‬فيختصم هو وقرينه من الشيطان‪ ,‬وييل المر عليه‪ ,‬وأنه هو الذي أطغاه وأضله‪ .‬فيقول قرينه‪ :‬ل يكن‬
‫ل قوّة أن أضلّه وأطغيه‪ ,‬ولكن كان ف ضلل بعيد‪ ,‬واختاره لنفسه‪ ,‬وآثره على الق‪ ,‬كما قال ابليس لهل النار‪{ :‬وما كان‬
‫ل عليكم من سلطان ال أن دعوتكم فاستجبتم ل} ابراهيم ‪.22‬‬

‫وعلى هذا‪ ,‬فالقرين هنا هو شيطانه‪ ,‬يتصمان عند ال‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬بل قرينه ها هنا هو اللك‪ ,‬فيدعي عليه أنه زاد عليه‬
‫فيما كتبه عليه وطغى‪ ,‬وأنه ل يفعل ذلك كله‪ ,‬وأنه أعجله بالكتابة عن التوبة‪ ,‬ول يهله حت يتوب‪ ,‬فيقول اللك‪ :‬ما زدت ف‬
‫الكتابة على ما عمل ول أعجلته عن التوبة‪{ :‬ولكن كان ف ضلل بعيد} ق ‪ .27‬فيقول الرب تعال‪ {:‬ل تتصموا لدي}ق‬
‫‪ .28‬وقد أخب سبحانه عن اختصام الكفار والشياطي بي يديه ف سورت [الصافّات] ‪ ,38-27‬و [العراف]‪.39-37‬‬

‫‪8‬‬
‫وأخب عن اختصام الناس بي يديه ف سورة [الزمر]‪ .60-56‬وأخب عن اختصام أهل النار فيها ف سورة [الشعراء] ‪-96‬‬
‫‪ ,104‬وسورة [ص] ‪.65-59‬‬

‫ث أخب سبحانه أنه ل يبدّل القول لديه‪ ,‬فقيل‪ :‬الراد بذلك قوله‪ {:‬لملنّ جهنّم من النّة والناس أجعي}هود ‪.119‬‬
‫ووعده لهل اليان بالنة‪ ,‬وأن هذا ل يبدل ول يلف‪ .‬قال ابن عبّاس‪ :‬يريد ما لوعدي خلف لهل طاعت ول أهل معصيت‪.‬‬
‫قال ماهد‪ :‬قد قضيت ما أنا قاض‪ .‬وهذا أصح القولي ف الية‪.‬‬

‫وفيها قول آخر‪ :‬ان العن ما يغيّر القول عندي بالكذب والتلبيس كما يغيّر عند اللوك والكّام‪ .‬فيكون الراد بالقول قول‬
‫الختصمي‪ ,‬وهو اختيار الفراء وابن قتيبة‪ ,‬قال الفراء‪ :‬العن مايكذب عندي لعلمي بالغيب‪ .‬وقال ابن قتيبة‪ :‬أي ما يرف‬
‫القول عندي ول يزاد فيه ول ينقص منه‪ .‬قال‪ :‬لنه قال القول عندي‪ ,‬ول يقل قول‪ ,‬وهذا كما قال ل يكذب عندي‪ .‬فعلى‬
‫القول الوّل يكون قوله‪ {:‬وما أنا بظلّم للعبيد} ق ‪ ,29‬من تام قوله‪{ :‬ما يُبدّل القول لديّ} ق ‪ .29‬ف العن‪ ,‬أي ما قلته‬
‫ووعدت به ل بد من فعله‪ .‬ومع هذا فهو عدل ل ظلم فيه ول جور‪ .‬وعلى الثان يكون قد وصف نفسه بأمرين‪.‬‬

‫أحدها‪ :‬أن كمال علمه واطلعه ينع من تبديل القول بي يديه وترويج الباطل عليه‪.‬‬
‫والثان‪ :‬أن كمال عدله وغناه ينع من ظلمه لعبيده‪.‬‬

‫ث خبّر عن سعة جهنّم وأنا كلّما ألقى فيها فوج‪{ :‬وتقول هل من مزيد}ق ‪ .30‬وأخطأ من قال ان ذلك للنفي‪ ,‬أي ليس‬
‫من مزيد‪ ,‬والديث الصحيح ير ّد هذا التأويل‪ .‬الديث‪ :‬عن أنس رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلّم‪" :‬يلقى ف النار‬
‫وتقول هل من مزيد‪ ,‬حت يضع قدمه فتقول‪:‬قط قط" البخاري ‪ 460\8‬رقم ‪ 4848,4849‬وكذلك ف صحيح مسلم‪.‬‬
‫وعن أب هريرة يرفعه‪ ",‬يقال لهنّم هل امتلت؟ وتقول هل من مزيد؟ فيضع الرب تبارك وتعال قدمه عليها فتقول‪ :‬قط قط"‪.‬‬

‫[‪ ]5‬الصفات الربع لهل النّة‬

‫ث أخب عن تقريب النة من التقي‪ ,‬وأن أهلها اتصفوا بذه الصفات الربع‪:‬‬

‫(الول) أن يكون اوّابا‪ ,‬أي رجّاعا ال ال من معصيته ال طاعته‪ ,‬ومن الغفلة عنه ال ذكره‪.‬‬
‫قال عبيد بن عمي‪ :‬الوّاب الذي يتذطر ذنوبه ث يستغفر منها‪.‬وقال ماهد‪ :‬هو الذي اذا ذكر ذنبه ف الفاء استغفر منه‪ .‬زقال‬
‫سعيد بن السيّب‪ :‬هو الذي يذنب ث يتوب ث يذنب ث يتوب‪.‬‬

‫(الثانية) قال ابن عبّاس‪ :‬أن يكون حفيظا لا ائتمنه ال عليه وافترضه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬حافظ لا استودعه ال من حقّه ونعمته‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ولا كانت النفس لا قوّتان‪ :‬قوة الطلب وقوة المساك‪ ,‬كان الواب مستعمل لقوة الطلب ف رجوعه ال ال ومرضاته‬
‫وطاعته‪ .‬والفيظ مستعمل لقوة الفظ ف المساك عن معاصيه ونواهيه‪.‬‬
‫فالفيظ المسك نفسه عما حرم عليه‪ ,‬والوّاب القبل على ال بطاعته‪.‬‬

‫(الثالثة) قوله‪ {:‬من خشي الرحن بالغيب ق ‪ ,33‬يتضمن القرار بوجوده وربوبيته وقدرته وعلمه واطلعه على تفاصيل‬
‫أحوال العبد‪ .‬ويتضمن القرار برسله وكتبه وأمره ونيه‪ .‬ويتضمن القرار بوعده ووعيده ولقائه‪ ,‬فل تصح خشية الرحن‬
‫بالغيب ال بعد هذا كله‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬قوله {وجاء بقلب منيب}ق ‪ .33‬قال ابن عباس‪ :‬راجع عن معاصي ال‪ ,‬مقبل على طاعة ال‪ .‬وحقيقة النابة عكوف‬
‫القلب على طاعة ال ومبته والقبال عليه‪ .‬ث ذكر سبحانه جزاء من قامت به هذه الوصاف بقوله‪ {:‬ادخلوها بسلم ذلك‬
‫يوم اللود‪ .‬لم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد}ق ‪34‬و ‪.35‬‬

‫ث خوّفهم بأنه يصيبهم من اللك ما أصاب من قبلهم وأنم كانوا أشد منهم بطشا ول يدفع عنهم اللك شدّة بطشهم‪,‬‬
‫وأنم عند اللك تقلّبوا وطافوا ف البلد‪ ,‬وهل يدون ميصا ومنجى من عذاب ال؟‪.‬‬

‫قال قتادة‪ :‬حاص أعداء ال فوجدوا أمر ال لم مدركا‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬طوّفوا وفتشوا فلم يروا ميصا عن الوت‪ .‬وحقيقة‬
‫ذلك أنم طلبوا الهرب من الوت فلم يدوه‪.‬‬

‫ث أخب سبحانه أن ف هذا الذي ذكر‪ {:‬لذكرى لن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}ق ‪.37‬‬

‫ث أخب أنه خلق السموات والرض وما بينهما ف ستّة أيّام ول يسه تعب ول اعياء‪ ,‬وتكذيبا لعدائه اليهود‪ ,‬حيث قالوا انه‬
‫استراح ف اليوم السابع‪.‬‬

‫ث أمر نبيه بالتأسي به سبحانه وتعال ف الصب على ما يقول أعداؤه فيه‪ ,‬كما أنه سبحانه صب على قول اليهود انه استراح‪:‬‬
‫"ول أحد أصب على أذى يسمعه منه"‪.‬جزء من حديث أخرجه البخاري ف الدب ‪ 10/527‬رقم ‪ ,6099‬ومسلم ف صفات‬
‫النافقي ‪4/2160‬رقم ‪ ,51‬وأحد ف السند ‪ 401,405 ,4/395‬جيعا من حديث اب موسى الشعري‪.‬‬

‫ث أمره با يستعي به على الصب وهو التسبيح بمد ربه قبل طلوع الشمس وقبل غروبا وبالليل وأدبار السجود‪ .‬فقيل هو‬
‫الوتر‪ .‬وقيل‪ :‬الركعتان بعد الغرب‪ .‬والول قول ابن عباس‪ ,‬والثان قول عمر وعلي وأبو هريرة والسن بن علي واحدى‬
‫الروايتي عن ابن عباس‪ .‬وعن ابن عباس رواية ثالثة أن التسبيح باللسان أدبار الصلوات الكتوبات‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ث ختم السورة بذكر العاد‪ ,‬ونداء النادي برجوع الرواح ال أجسادها للحشر‪ .‬وأخب أن هذا النداء من مكان قريب يسمعه‬
‫كل أحد‪ {:‬يوم يسمعون الصيحة بالق} ق ‪ ,42‬بالبعث ولقاء ال‪ {:‬يوم تشقق الرض عنهم} كما تشقق عن النبات‪,‬‬
‫فيخرجون‪{ :‬سراعا} من غي مهلة ول بطء‪ :‬ذلك حشر يسي عليه سبحانه‪.‬‬

‫ث أخب سبحانه وتعال أنه عال با يقول أعداؤه‪ ,‬وذلك يتضمّن مازاته لم بقولم اذا ل يف عليه‪ ,‬وهو سبحانه يذكر علمه‬
‫وقدرته لتحقيق الزاء‪.‬‬

‫ث أخبه أنه ليس بسلط عليهم ول قهّار ول يبعث ليجبهم على السلم ويكرههم عليه‪ ,‬وأمره أن يذكر بكلمه من ياف‬
‫وعيده فهو الذي ينتفع بالتذكي‪ ,‬وأما من ل يؤمن بلقائه ول ياف وعيده ول يرجو ثوابه‪ ,‬فل ينتفع بالتذكي‪.‬‬

‫[‪ ]6‬فائدة‬
‫فضيلة لهل بدر‬

‫قول النب صلى ال عليه وسلم لعمر‪ ":‬وما يدريك أن ال اطّلع على أهل بدر فقال‪ :‬اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"‬
‫البخاري ف الغازي باب غزوة الفتح ‪ ,)4274( 592\7‬ومسلم ف باب فضائل الصحابة باب من فضل أهل بدر ‪\4‬‬
‫‪ ,1941‬أبو داود‪ ,‬والترمذي وأحد من حديث المام علي‪ ,‬وومن حديث أبو هريرة ‪,‬الدرامي ف الرقاق باب أهل بدر ‪\2‬‬
‫‪ 404‬رقم ‪ ,2761‬وأحد ف السند ‪ ,.109\2‬أشكل على كثي من الناس معناه‪ ,‬فان ظاهره اباحة مل العمال لم‬
‫وتييهم فيما شاؤوا منها‪ ,‬وذلك متنع‪ .‬ليس الراد من قوله "اعملوا" الستقبال‪ ,‬وانا هو للماضي‪ ,‬وتقديره‪ :‬أي عمل كان‬
‫لكم فقد غفرته‪ :‬قال‪ :‬ويدل على ذلك شيئان‪:‬‬

‫(أحدها)‪ :‬أنه لو كان للمستقبل كان جوابه قوله‪ :‬فسأغفر لكم‪.‬‬

‫(والثان)‪ :‬أنه كان يكون اطلقا ف الذنوب ول وجه لذلك‪.‬‬


‫وحقيقة هذا الواب ان قد غفرت لكم بذه الغزوة ما سلف من ذنوبكم‪ ,‬لكنه ضعيف من وجهي‪:‬‬

‫(أحدها) أن لفظ "اعملوا" يأباه‪ ,‬فانه للستقبال دون الاضي‪ .‬وقوله" قد غفرت لكم" ل يوجد أن يكون "اعملوا " مثله‪ :‬فان‬
‫قوله‪ ":‬قد غفرت" تقيق لوقوع الغفرة ف الستقبل كقوله‪{ :‬أتى أمر ال} النحل ‪ ,1‬و{جاء ربّك}الفجر ‪ .22‬ونظائره‪.‬‬

‫(ثانيهما) أن الديث نفسه يردّه‪ ,‬فان سببه قصّة حاطب وتسسه على النب صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وذلك ذنب وقع بعد غزوة‬
‫بدر ل قبلها‪ ,‬وهو سبب الديث‪ ,‬فهو مراد منه قطعا‪ ,‬فالذي نظن ف ذلك‪ ,‬وال أعلم أن هذا خطاب لقوم قد علم ال‬
‫سبحانه وتعال أنّهم ل يفارقون دينهم‪ ,‬بل يوتون على السلم‪ ,‬وأنم قد يقارفون بعض ما يقارفه غيهم من الذنوب‪ ,‬ولكن‬

‫‪11‬‬
‫ل يتركهم سبحانه مصريّن عليها‪ ,‬بل يوفّقهم لتوبة نصوح واستغفار وحسنات تحو اثر ذلك‪ .‬ويكون تصيصهم بذا دون‬
‫غيهم لن قد تقق ذلك فيهم‪ ,‬وأنم مغفور لم‪ .‬ول ينع ذلك كون الغفرة حصلت بأسباب تقوم بم‪ ,‬كما ل يقتضي ذلك‬
‫أن يعطّلوا الفرائض وثوقا بالغفرة‪ ,‬فلو كانت قد حصلت بدون الستمرار على القيام بالوامر لا احتجوا بعد ذلك ال صلة‬
‫ول صيام ول حج ول زكاة ول جهاد‪ ,‬وهذا مال‪.‬‬

‫ومن أوجب الواجبات التوبة بعد ذلك‪ ,‬فضمان الغفرة ل يتوجّب تعطيل أسباب الغفرة‪ ,‬ونظي هذا قوله ف حديث آخر‪:‬‬
‫"أذنب عبد ذنبا فقال‪ :‬أى رب أذذنبت ذنبا فاغفر ل‪ ,‬فغفر له‪ ,‬ث مكث ما شاء ال أن يكث ث أذنب ذنبا آخر فقال‪ ,‬رب‬
‫أصبت ذنبا فاغفر ل فغفر له‪ ,‬ث مكث ما شاء ال أن يكث ث أذنب ذنبا آخر فقال‪ :‬رب أصبت ذنبا فاغفر ل‪ ,‬فقال ال‪:‬‬
‫علم عبدي أن له ربا يغفر الذنوب ويأخذ به‪ ,‬قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء" البخاري باب التوحيد ‪ 474\13‬رقم‬
‫‪ ,7507‬ومسلم ف التوبة باب قبول التوبة من الذنوب ‪ 2112\3‬رقم ‪ 29‬وأحد ف السند‪, ,‬أبو يعلى‪,‬من حديث ابو‬
‫هريرة‪ .‬فليس ف هذا اطلق واذن منه سبحانه له ف الحرّمات والرائم‪ ,‬وانا يدل على أنه يغفر له ما دام كذلك اذا أذنب‬
‫تاب‪.‬‬

‫واختصاص هذا العبد بذا لنه قد علم أنه ل يصر على ذنب‪ ,‬وأنه كلما أذنب تاب‪ ,‬حكم يعم كل من كانت حالته حاله‪,‬‬
‫لكن ذلك العبد مقطوع له بذلك كما هو مقطوع لهل بدر‪.‬‬

‫وكذلك من بشّره رسول ال صلى ال عليه وسلم بالنة أو أخبه بأنه مغفور له‪ ,‬ل يفهم منه ول غيه من الصحابة اطلق‬
‫الذنوب والعاصي له ومسامته بترك الواجبات‪ ,‬بل كانوا هؤلء أشد اجتهادا وحذرا وخوفا بعد البشارة منهم قبلها‪ ,‬كالعشرة‬
‫الشهود لم بالنة‪.‬‬

‫وقد كان الصديّق شديد الذر والخافة‪ ,‬وطذلك عمر‪ ,‬فانم علموا أنم البشارة الطلقة مقيّدة بقيود الستمرار عليها ال‬
‫الوت‪ ,‬ومقيّدة بانتفاء موانعها‪ ,‬ول يفهم أحد منهم من ذلك الطلق‪ ,‬الذن فيما شاؤوا من العمال‪.‬‬

‫[‪ ]7‬فائدة‬
‫نظرة صائبة ف تفسي قوله تعال‪:‬‬
‫{هو الذي جعل لكم الرض ذلول فامشوا ف مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور}اللك ‪51‬‬

‫‪12‬‬
‫أخب سبحانه أنه جعل الرض ذلول منقادة للوطئ عليها وحفرها وشقّها والبناء عليها‪ ,‬ول يعلها مستصعبة متنعة على من‬
‫أراد ذلك منها‪ .‬وأخب سبحانه أنه جعلها مهادا وبساطا وفراشا وكفاتا (بطنها لمواتكم وظهرها لحيائكم من قول الشعب)‪.‬‬
‫وأخب أنه دحاها (أخرج منها الاء) وطجاها وأخرج منها ماءها ومرعاها‪ ,‬وثبّتها بالبال‪ ,‬ونج فيها الفجاج (الطريق الواسع‬
‫بي البلي) والطرق‪ ,‬وأجرى فيها النار والعيون‪ ,‬وبارك فيها وقدّر فيها أقواتا‪,‬ومن بركتها أن اليوانات كلها وأقواتا‬
‫وأرزاقها ترج منها‪ .‬ومن بركتها أنا تمل الذى على ظهرها وترج لك من بطنها أحسن الشياء وأنفعها‪ ,‬فتوارى منه كل‬
‫قبيح وترج له كل مليح‪ .‬ومن بركتها أنا تستر قبائح العبد وفضلت بدنه وتواريها وتضمّه وتؤويه‪ ,‬وترج له طعامه وشرابه‪,‬‬
‫فهي أحل شئ للذى وأعوده بالنفع‪ ,‬فل كان من التراب خيا منه ول أبعد عن الذى منه وأقرب من الي‪.‬‬

‫والقصود أنه سبحانه جعل لنا الرض كالمل الذلول الذي كيفما يقاد ينقاد‪ .‬وحسن التعبي بناكبها عن طرقها وفجاجا لا‬
‫تقدّم من وصفها بكونا ذلول‪ ,‬فالاشي عليها يطأ على مناكبها وهو أعلى شئ فيها‪ ,‬ولذا فسرت الناكب بالبال كمناكب‬
‫النسان وهي أعاليه‪.‬‬

‫قالوا‪:‬وذلك تنبيه على أن الشى ف سهولا أيسر‪.‬‬

‫وقالت طائفة‪ :‬بل الناكب الوانب والنواحي‪ ,‬ومنه مناكب النسان لوانبه‪ ,‬والذي يظهر أن الراد بالنكب العال‪ .‬وهذا‬
‫الوجه الذي يشي عليه اليوان هو العال من الرض دون الوجه القابل له‪ ,‬فان سطح الكرة أعلها‪ ,‬والش انا يقع ف‬
‫سطحها‪ ,‬وحسن التعبي عنه بالناكب لا تقدّم من وصفها بأنا ذلول‪.‬‬

‫ث أمرهم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه فيها‪ ,‬فذلّلها لم ووطّأها‪ ,‬وفتق فيها السبل والطرق التب يشون فيها‪ ,‬وأودعها‬
‫رزقهم فذكر تيئة السكن للنتفاع والتقليب فيها بالجئ والذهاب‪ ,‬والكل ما أودع فيه للساكن‪ .‬ث نبّه بقوله‪ {:‬واليه‬
‫النشور} اللك ‪ ,15‬على أنّا ف هذا السكن غي مستوطني ول مقيمي بل دخلناه عابري سبيل فل يسن أن نتخذه وطنا‬
‫ومستقرّا‪ ,‬وانا دخلناه لنتزوّد منه ال دار القرار‪ ,‬فهو منل عبور ل مستقر حبور (سرور)‪ ,‬ومعب ومر‪ ,‬ول وطن مستقر‪.‬‬

‫فتضمّنت الية الدللة على ربوبيّته ووحدانيّته‪ ,‬وقدرته وحكمه ولطفه‪ ,‬والتذكي بنعمه واحسانه‪ ,‬والتحذير من الركون ال‬
‫الدنيا‪ ,‬واتاذها وطنا ومستقرا‪ ,‬بل نسرع فيها السي ال داره وجنّته‪.‬‬

‫فلله ما ف ضمن هذه الية من معرفته وتوحيده‪ ,‬والتذكي بنعمته‪ ,‬والث على السي اليه‪ ,‬والستعداد للقائه‪ ,‬والقدوم عليه‪,‬‬
‫والعلم بأنه سبحانه يطوي هذه الدار كأنا ل تكن‪ ,‬وأنه يي أهلها بعدما أماتم واليه النشور‪.‬‬

‫[‪ ]8‬فائدة‬
‫نظرة ال سورة الفاتة‬

‫‪13‬‬
‫للنسان قوتان‪ :‬قوة علمية نظرية‪ ,‬وقوة عملية ادارية‪ .‬وسعادته التامة موقوفة على استكمال قوتيه العلمية والدارية‪.‬‬
‫واستكمال القوة العلمية انا يكون بعرفة فاطره وبارئه ومعرفة أسائه وصفاته ومعرفة الطريق الت توصل اليه ومعرفة آفاتا‬
‫ومعرفة نفسه ومعرفة عيوبا‪.‬‬

‫فبهذه العارف المسة يصل كمال قوته العلمية‪ .‬وأعلم الناس أعرفهم با وأفقههم فيها‪ .‬واستكمال القوة العملية الدارية ل‬
‫يصل ال براعات حقوقه سبحانه على العبد‪ ,‬والقيام با اخلصا وصدقا ونصحا واحسانا ومتابعة وشهودا لنّته عليه‪ ,‬وتقصيه‬
‫هو ف أداء حقّه‪ .‬فهو مستحي من مواجهته بتلك الدمة لعلمه أنا دون ما يستحقّه عليه ودون ذلك‪.‬‬

‫وأنه ل سبيل له ال استكمال هاتي القوتي ال بعونته‪ .‬فهو يهديه ال الصراط الستقيم الذي هجى اليه أولياءه وخاصّت‪,‬‬
‫وأن ينّبه الروج عن ذلك الصراط‪ ,,‬اما بفساد ف قوته العلمية فيقع ف الضلل‪ ,‬واما بفساد ف قوّته العملية فيوجب له‬
‫الغضب‪.‬‬

‫فكمال النسان وسعادته ل تتم ال بجموع هذه المور‪ ,‬وقد تضمنّتها سورة الفاتة وانتظمتها كمال انتظام‪ .‬فان قوله‬
‫تعال‪ {:‬المد ل رب العالي‪ .‬الرحن الرحيم‪ .‬مالك يوم الدين}الفاتة ‪ ,4-2‬يتضمّن الصل الوّل وهو معرفة الرب تعال‬
‫ومعرفة أسائه وصفاته وأفعاله‪.‬‬

‫والساء الذكورة ف هذه السورة هي أصول الساء السن‪ ,‬وهي اسم ( ال والرب والرحن)‪.‬‬

‫فاسم (ال) متضمّن لصفات اللوهيّة‪ ,‬واسم (الرب) متضمّن لصفات الربوبية‪ ,‬واسم (الرحن) متضمن لضفات الحسان‬
‫والود والب‪ .‬ومعان أسائه تدور على هذا‪.‬‬

‫وقوله‪ {:‬إيّاك نعبد و إيّاك نستعي} الفاتة ‪ ,5‬يتضمّن معرفة الطريق الوصلة اليه‪ ,‬وأنا ليست ال عبادته وحده با يبّه‬
‫ويرضاه‪ ,‬واستعانته على عبادته‪.‬‬

‫وقوله‪ {:‬اهدنا الصراط الستقيم}الفاتة ‪ ,6‬يتضمّن بيان أن العبد ل سبيل له ال سعادته ال باستقامه على الصراط الستقيم‪,‬‬
‫وأنه ل سبيل له ال الستقامة على الصراط ال بدايته‪ .‬وقوله‪ {:‬غي الغضوب عليهم ول الضالّي} الفاتة ‪ ,7‬يتضمّن بيان‬
‫طرف النراف عن الصراط الستقيم‪ ,‬وأن النراف ال أحد الطرفي انراف ال الضلل الذي هو فساد العلم والعتقاد‪,‬‬
‫والنراف ال الطرف الخر انراف ال الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫فأوّل السورة رحة وأوسطها هداية وآخرها نعمة‪ .‬وحظ العبد من النعمة على قدر حظّه من الداية‪ ,‬وحظّه منها على قدر‬
‫حظّه من الرحة‪ ,‬فعاد المر كلّه ال نعمته ورحته‪.‬‬

‫والنعمة والرحة من لوازم ربوبيّته‪ ,‬فل يكون ال رحيما منعما وذلك من موجبات ألوهيّته‪ ,‬فهو الله الق‪ ,‬وان جحده‬
‫الاحدون وعدل به الشركون‪.‬‬

‫فمن تقّق بعان الفاتة علما ومعرفة وعمل وحال فقد فاز من كماله بأوفر نصيب‪ ,‬وصارت عبوديّته عبوديّة الاصّة الذين‬
‫ارتفعت درجتهم عن عوام التعبّدين ‪ ,‬وال الستعان‪.‬‬

‫[‪ ]9‬فائدة‬
‫لعرفته تعال طريقان‬

‫الرب يدعو عباده ف القرآن ال معرفته من طريقي‪:‬‬


‫أحدها ‪ :‬النظر ف مفعولته‪.‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬التفكي ف آياته وتدبّرها‪ ,‬فتلك آياته الشهودة وهذه آياته السموعة العقولة‪.‬‬

‫فالنوع الوّل كقوله‪ {:‬انّ ف خلق السموات والرض واختلف الليل والنهار والفلك الت تري ف البحر با ينفع الناس وما‬
‫أنزل ال من السماء من ماء فأحيا به الرض بعد موتا وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريف الرياح والسحاب السخّر بي السماء‬
‫والرض ليات لقوم يعقلون} البقرة ‪.164‬‬
‫وقوله‪ {:‬ان ف خلق السموات والرض واختلف الليل والنهار ليات لول اللباب} آل عمران ‪ ,190‬وهو كثي ف‬
‫القرآن‪.‬‬
‫والثان كقوله‪ {:‬أفل يتدبّرون القرآن} النساء ‪.82‬‬
‫وقوله‪ {:‬أفلم يدّبّروا القول}الؤمنون ‪.68‬‬
‫وقوله‪ {:‬كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدّبّروا آياته} ص ‪ ,29‬وهو كثي ف القرآن‪.‬‬

‫فأمّا الفعولت فانا دالّة على الفعال‪ ,‬والفعال دالّة على الصفات‪.‬‬
‫فان الفعول يدل على فاعل فعله‪ ,‬وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه لستحالة صدور الفعل الختياري من معدوم‬
‫أو موجود ل قدرة له ول حياة ول علم ول ارادة‪.‬‬

‫ث ما ف الفعولت من التخصيصات التنوّعة دالّة على ارادة الفاعل‪ ,‬وأن فعله ليس بالطبع بيث يكون واحدا غي متكرر‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وما فيها من الصال والكم والغايات الحمودة دال على حكمته تعال‪.‬‬
‫وما فيها من النفع والحسان والي دال على رحته‪.‬‬
‫وما فيها من البطش والنتقام والعقوبة دال على غضبه‪.‬‬
‫وما فيها من الكرام والتقريب والعناية دال على مبّته‪.‬‬
‫وما فيها من الهانة والبعاد والذلن دال على بغضه ومقته‪.‬‬
‫وما فيها من ابتداء الشئ ف غاية النقص والضعف ث سوقه ال تامه ونايته دال على وقوع العاد‪.‬‬
‫وما فيها من أحوال النبات واليوان وتصرف الياه دليل على امكان العاد‪.‬‬
‫وما فيها من ظهور آثار الرحة والنعمة على خلقه دليل على صحّة النبوّات‪.‬‬
‫وما فيها من الكمالت الت لو عدمتها كانت ناقصة دليل على أن معطي تلك الكمالت أحق با‪.‬‬

‫فمفعولته أدل شيء على صفاته وصدق ما أخبت به الرسل عنه‪ ,‬فالصنوعات شاهدة تصدق اليات السموعات‪ ,‬منبّهة على‬
‫الستدل باليات الصنوعات‪ .‬قال تعال‪ {:‬سنريهم آياتنا ف الفاق وف أنفسهم حت يتبيّن لم أنّها الق}فصّلت ‪ .53‬أي أن‬
‫القرآن حق فأخب أنّه ل بد أن يريهم من آياته الشهودة ما يبيّن لم أن آياته التلوّة حق‪ .‬ث أخب بكفاية شهادته على صحة‬
‫خبه با أقام من الدلئل والباهي على صدق رسوله‪.‬‬

‫فآياته شاهدة بصدقه‪ ,‬وهو شاهد بصدق رسوله بآياته‪ ,‬فهو الشاهد والشهود له‪ ,‬وهو الدليل والدلول عليه‪ .‬فهو الدليل‬
‫بنفسه على نفسه كما قال بعض العارفي‪ :‬كيف أطلب الدليل على ما هو دليل ل على كل شيء؟ فأي دليل طلبته عليه‬
‫فوجوده أظهر منه‪.‬‬

‫ولذا قال الرسل لقومهم‪ {:‬أف ال شك} ابراهيم ‪ ,10‬فهو أعرف من كل معروف‪ ,‬وأبي من كل دليل‪.‬‬

‫فالشياء عُرفت به ف القيقة وان كان عُرف با ف النظر والستدلل بأحكامه وأفعاله عليه‪.‬‬

‫[‪ ]10‬فائدة‬
‫كيف يفعل من أصابه هم أو غم‬

‫ف السند وصحيح أب حات من حديث عبدال بن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ما أصاب عبدا هم‬
‫ول حزن‪ ,‬فقال اللهم ‪ :‬ان عبدك‪ ,‬وابن عبدك‪ ,‬ابن أمتك‪ ,‬ناصيت بيدك‪ ,‬ماضى فّ حكمك‪ ,‬عدل فّ قضاؤك‪ ,‬أسألك بكل‬
‫اسم هم لك سّت به نفسك‪ ,‬أو أنزلته ف كتابك أو علّمته أحدا من خلقك‪ ,‬أن تعل القرآن ربيع قلب‪ ,‬ونور صدري‪ ,‬وجلء‬
‫حزن‪ ,‬وذهاب هّي وغمّي‪ ,‬ال أذهب ال هّه وغمّه‪ ,‬وأبدله مكانه فرحا"‪ ..‬قالوا يارسول ال أفل نتعلّمهن؟ قال‪" :‬بلى‪,‬‬
‫ينبغيلمن سعهن أن يتعلّمهن"‪.‬و صححه اللبان ف الكلم ص ‪.81‬‬

‫‪16‬‬
‫فتضمّن هذا الديث العظيم أمورا من العرفة والتوحيد والعبوديّة‪ .‬منها أن الداعي به صدّر سؤاله بقوله‪" :‬ان عبدك ابن عبدك‬
‫ابن أمتك"‪ ,‬وهذا يتناول من فوقه من آبائه وأمهاته ال أبويه آدم وحوّاء‪ ,‬وف ذلك تلّق (تودد وتلطّف) له واستخذاء بي يديه‬
‫واعترافه بأنه ملوكه وآبائه ماليكه وان العبد ليس له باب غي باب سيّده وفضله واحسانه‪ ,‬وأن سيّده ان أهله وتلّى عنه‬
‫هلك‪ ,‬ول يؤوه أحد ول يعطف عليه‪ ,‬بل يضيع أعظم ضيعة‪ .‬وتت هذا العتراف‪ :‬أن ل غن عنك طرفة عي‪ ,‬وليس ل أن‬
‫أعوذ به وألوذ به غي سيّدي الذي أنا عبده‪ ,‬وف ضمن ذلك العتراف بأنه مربوب مدبّر مأمور منهي‪ ,‬انا يتصرّف بكم‬
‫العبوديّة ل بكم الختيار لنفسه‪.‬‬

‫فليس هذا ف شأن العبد بل شأن اللوك والحرار‪.‬‬

‫وأمّا العبيد فتصرّفهم على مض العبوديّة فهؤلء عبيد الطاعة الضافون اليه سبحانه ف قوله‪ {:‬انّ عبادي ليس لك عليهم‬
‫سلطان} الجر ‪ ,42‬وقوله‪ {:‬وعباد الرحن الذين يشون على الرض هونا} الفرقان ‪ ,63‬ومن عداهم عبيد القهر والربوبية‪,‬‬
‫فاضافتهم اليه كاضافة سائر البيوت ال ملكه‪ ,‬واضافة أولئك كاضافة البيت الرام اليه‪ ,‬واضافة ناقته اليه وداره الت هي النة‬
‫اليه‪ ,‬واضافة عبودية رسوله اليه بقول‪ { :‬وأنّه لّا قام عبد ال يدعوه}‪ .‬الن ‪.19‬‬

‫[‪ ]11‬من معان العبوديّة‬

‫وف التحقيق بعن قوله "ان عبدك" التزام عبوديته من الذل والضوع والنابة‪ ,‬وامتثال أمر سيّده‪ ,‬واجتناب نيه‪ ,‬ودوام‬
‫الفتقار اليه‪ ,‬واللجوء اليه‪ ,‬والستعانة به‪ ,‬والتوكّل عليه‪ ,‬وعياذ العبد به‪ ,‬ولياذه به‪ ,‬أن ل يتعلّق قلبه ال بغيه مبّة وخوفا‬
‫ورجاء‪.‬‬

‫وفيه أيضا أن عبد من جيع الوجوه‪ :‬صغيا وكبيا‪ ,‬حيّا وميّتا‪ ,‬مطيعا وعاصيا‪ ,‬معاف ومبتلى القلب واللسان والوارح‪.‬‬

‫وفيه أيضا أن مال ونفسي ملك لك‪ ,‬فان العبد وما يتلك لسيّده‪.‬‬

‫وفيه أيضا انك أنت الذي مننت عليّ بكلّ ما أما فيه من نعمة فذلك كلّه من انعامك على عبدك‪.‬‬

‫وفيه أيضا ان ل أتصرّف فيما خوّلتن من مال ونفسي ال بأمرك‪ ,‬كما ل يتصرّف العبد ال باذن سيّده‪ ,‬وان ل أملك لنفسي‬
‫نقعا ول ضرّا ول موتا ول حياة ول نشورا‪ .‬فان صحّ له شهود ذلك فقد قال ل ان عبدك حقيقة‪.‬‬

‫ث قال" ناصيت بيدك"‪ ,‬أي أنت التصرّف ف تصرّف كيف تشاء‪ ,‬لست أنا التصرّف ف نفسي‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وكيف يكون له ف تصرّف من نفسه بيد ربه وسيده وناصيته بيده وقلبه بي أصبعي من أصابعه‪ ,‬وموته وحياته وسعادته‬
‫وشقاؤه وعافيته وبلؤه كله اليه سبحانه‪ ,‬ليس ال العبد منه شيء‪ ,‬بل هو ف تصرّف سيّده أضعف من ملوك ضعيف حقي‪,‬‬
‫ناصيته بيد سلطان قاهر‪ ,‬مالك له تت تصرّفه وقهره بل المر فوق ذلك‪.‬‬

‫ومت شهد العبد أن ناصيته ونواصي العباد كلها بيد ال وحده يصرفهم كيف يشاء‪ ,‬ل يفهم بعد ذلك‪ ,‬ول يرجهم‪ ,‬ول‬
‫ينلم منلة الالكي بل منلة عبيد مقهورين مربزبي‪ ,‬التصرّف فيهم سواهو والدبّر لم غيهم‪ ,‬فمن شهد نفسه بذا الشهد‪,‬‬
‫صار فقره وضرورته ال ربا وصفا لزما له‪ ,‬ومت شهد الناس كذلك ل يفتقر اليهم‪ ,‬ول يعلّقلأمله ورجاءه بم‪ ,‬فاستقام‬
‫توحيده‪ ,‬وتوكّله وعبوديته‪ .‬ولذا قال هود لقومه‪ {:‬ان توكّلت على ال رب وربّكم ما من دابّة ال هو آخذ بناصيتها ان رب‬
‫على صراط مستقيم} هود ‪.56‬‬

‫وقوله ‪":‬ماض فّ حكمك‪ ,‬عدل فّ قضاؤك" تضمّن هذا الكلم أمرين‪:‬أحدها‪ :‬مضاء حكمه ف عبده‪.‬‬
‫ثانيهم‪ :‬يتضمّن حكمه وعدله وهو سبحانه له اللك وله المد‪ ,‬وهذا معن قول نبيّه هود‪ {:‬ما من دابّة ال هو آخذ‬
‫بناصيتها}‪ ,‬ث قال‪{ :‬ان رب على صراط مستقيم} أي مع كونه قاهرا مالكا متصرّفا ف عباده‪ ,‬نواصيهم بيده فهو على صراط‬
‫مستقيم‪.‬‬

‫وهو العدل الذي يتصرّف به فيهم فهو على صراط مستقيم ف قوله وفعله وقضائه وقدره ونيه وثوابه وعقابه‪.‬‬

‫فخبه كله صدق‪ ,‬وقضاؤه كلّه عدل‪ ,‬وأمره كله مصلحة‪ ,‬والذي نى عنه كله مفسدة‪ ,‬وثوابه لن يستحق الثواب بفضله‪,‬‬
‫ورحته وعقابه لن يستحق له العقاب بعله وحكمته‪.‬‬

‫[‪ ]12‬القضاء والكم والفرق بينهما‬

‫وفرق بي الكم ولبقضاء‪ ,‬وجعل الضاء للحكم‪ ,‬والعدل للقضاء‪ ,‬فان حكمه سبحانه يتناول حكمه الدين الشرعي‪,‬‬
‫وحكمه الكون القدري‪.‬‬

‫والنوعان نافذان ف العبد ماضيان فيه‪ ,‬وهو مقهور تت الكممي‪ ,‬قد مضيا فيه‪ ,‬ونفذا فيه‪ ,‬شاء أم أب‪ ,‬لكن الكم‬
‫الكون ل يكنه مالفته‪ ,‬أما الدين الشرعي فقد يالفه‪.‬‬

‫ولا كان القضاء هو التام والكمال‪ ,‬وذلك انا يكون بعد مضيه ونفوذه‪ ,‬قال‪ ":‬عدل ف قضاؤك" أي الكم الذي أكملته‬
‫وأتمته ونفّذته ف عبدك عدل منك فيه‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫أما الكم فهو يكم به سبحانه وقد يشاء تنفيذه وقد ل ينفذه‪ ,‬فان كان حكما دينيا فهو ماض ف العبد‪ ,‬وان كان كونيا‬
‫فان نفذه سبحانه مض فيه‪ ,‬وان ل ينفّذه اندفع عنه‪ ,‬فهو سبحانه يقضي ما يقضي به‪ .‬وغيه قد يقضي بقضاء ويقدّر أمرا ل‬
‫يستطيع تنفيذه‪ .‬وهو سبحانه يقضي ويضي فله القضاء والمضاء‪.‬‬

‫وقوله‪ ":‬عدل ف قضاؤك" يتضمن جيع أقضيته ف عبده من كل الوجوه‪ ,‬من صحة وسقم‪ ,‬وغن وفقر‪ ,‬ولذّة وأل‪ ,‬وحياة‬
‫وموت‪ ,‬وعقوبة وتاوز وغي ذلك‪ .‬قال تعال‪{ :‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الشورى ‪ ,30‬وقال‪ {:‬وان‬
‫تصبهم سيئة با قدمت أيديهم فانّ النسان كفور} الشورى ‪.48‬‬
‫فكل ما يضي على العبد فهو عدل فيه‪.‬‬

‫فان قيل‪ :‬فالعصية عندكم بقضائه وقدره! فما وجه العدل ف قضائها؟ فان العدل ف العقوبة عليها غي ظاهر‪ .‬قيل‪ :‬هذا سؤال‬
‫له شأن‪ ,‬ومن أجله زعمت طائفة أن العدل هو القدور‪ ,‬والظلم متنع لذاته‪ .‬قالوا‪ :‬لن الظلم هو التصرّف ف ملك الغي وال له‬
‫كل شيء‪ .‬فل يكون تصرّفه ف عبده ال عدل‪.‬‬

‫وقالت طائفة ‪ :‬بل العدل أنه ليعاقب على ما قضاه وقدره‪ ,‬فلمّا حسن منه العقوبة على الذنب عُلم أنّه ليس بقائه وره‪,‬‬
‫فيكون العدل هو جزاؤه على الذنب بالعقوبة والذم اما ف الدنيا واما ف الخرة‪ .‬وصعب على هؤلء المع بي العدل والقدر‪,‬‬
‫فزعموا أن من أثبت القدر ل يكنه أن يقول بالعدل‪ ,‬ومن قال بالعدل ل يكنه أن يقول بالقدر‪ .‬كما صعب عليهم المع بي‬
‫التوحيد واثبات الصفات‪ ,‬فزعموا أنم ل يكنهم اثبات التوحيد ال بانكار الصفات‪ ,‬فصار توحيدهم تعطيل وعدلم تكذيبا‬
‫بالقدر‪.‬‬

‫وأما أهل السنة فهم مثبتون للمرين‪ ,‬والظلم عندهم هو وضع الشيء ف غي موضعه كتعذيب الطيع ومن ل ذنب له‪ ,‬وهذا‬
‫قد نزّه ال نفسه عنه ف غي موضع من كتابه كقوله تعال ف سورة يونس الية ‪ {:44‬ان ال ل يظلم شيئا ولكن الناس‬
‫أنفسهم يظلمون}‪ ,.‬وهو سبحانه وان ضلّ من شاء‪ ,‬وقضى بالعصية وألغى من شاء‪ ,‬فذلك مض العدل فيه‪ ,‬لنه وضع‬
‫الضلل والذلن ف موضعه اللئق به‪,‬وكيفلومن أسائه السن العدل‪ ,.‬الذي كل أفعاله وأحكامه سداد وصواب وحق‪,‬‬
‫وهو سبحانه قد أوضح السبل‪ ,‬وأرسل الرسل‪ ,‬وأنزل الكتاب‪ ,‬وأزاح العلل‪ ,‬ومكّن من أسباب الداية والطاعة بالساع‬
‫والبصار والعقول‪ ,‬وهذا عدله‪ ,‬ووفّق من يشاء بزيد عناية‪ ,‬وأراد من نفسه أن يعينه ويوفّقه‪ ,‬فهذا فضله‪ ,‬وخذل من ليس‬
‫بأهل لتوفيقه وفضله‪ ,‬وخلى بينه وبي نفسه‪ ,‬ول يرد سبحانه من نفسه أن يوفّقه‪ ,‬فقطع عنه فضله‪ ,‬ول يرمه عدله‪ .‬وهذا‬
‫نوعان‪:‬‬

‫(أحدها) ما يكون جزاء منه للعبد على اعراضه عنه‪ ,‬وايثاره عدوه ف الطاعة‪ ,‬والوافقة عليه‪ ,‬وتناسي ذكره وشكره‪ ,‬فهو أهل‬
‫أن يذله ويتخلى عنه‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫(ثانيهما) أن ل يشاء له ذلك ابتداء لا يعلم منه أنه ل يعرف قدر نعمة الداية‪ ,‬ول يشكره عليه‪,‬ول يثن عليه با‪,‬ول يبه‪ ,‬فل‬
‫يشاؤها له لعدم صلحية مله‪.‬‬

‫قال تعال‪ {:‬وكذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلء منّ ال عليهم من بيننا أليس ال أعلم بالشاكرين} النعام ‪,53‬‬
‫وقال‪ {:‬ولو علم ال فيهم خيا لسعهم ولو أسعهم } النفال ‪.22‬‬
‫فاذا قضى بذه النفوس بالضلل والعصية‪ ,‬كان ذلك مض العدل‪ ,‬كما قضى على اليّة بأن تقتل وعلى العقرب وعلى‬
‫الكلب العقور‪ ,‬وكان ذلك عدل فيه‪ ,‬وان كان ملوقا على هذه الصفة‪ .‬وقد استوفينا الكلم ف هذا ف كتابنا القضاء والقدر‪,‬‬
‫اسه "شفاء العليل ف مسائل القضاء والقدر والكمة والتعليل‪.‬‬

‫والقصود أن قوله صلى ال عليه وسلم‪ ":‬ماض فّ حكمك‪ ,‬عدل فّ قضاؤك"‪ ,‬رد على الطائفتي‪ ,‬القدريّة الذين ينكرون‬
‫عموم أقضية ال ف عبده‪ ,‬ويرجون أفعال العباد عن كونا بقضائه وقدره‪ ,‬ويردون القضاء ال المر والنهي‪ .‬وعلى البيّة‬
‫الذين يقولون‪ :‬كل مقدور عدل‪ ,‬فل يبقى لقوله" عدل فّ قضاؤك" فائدة‪ ,‬فان العدل عندهم كل ما يكن فعله والظلم هو‬
‫الحال لذاته‪ ,‬فكأنه قال‪ :‬ماض ونافذ فّ قضاؤك‪ .‬وهذا هو الول بعينه‪.‬‬

‫وقوله "أسألك بكل اسم" ال آخره‪ ,‬توسل اليه بأسائه كلها ما علم العبد منها وما ل يعلم‪ .‬وهذه أحب الوسائل اليه‪ ,‬فانا‬
‫وسيلة بصفاته وأفعاله الت هي مدلول أسائه‪.‬‬

‫وقوله‪" :‬أن تعل القرآن ربيع قلب ونور صدري" الربيع ‪ :‬الطر الذي ييي به الرض‪ .‬شبّه القرآن به لياة القلوب به‪.‬‬
‫وكذلك شبهه ال بالطر‪ ,‬وجع بي الاء الذي تصل به الياة‪ ,‬والنور الذي تصل به النارة والشراق‪ ,‬كما جع بينهما‬
‫سبحانه ف قوله‪ {:‬أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا وما يوقدون عليه ف النار وابتغاء‬
‫حلية‪}...‬الرعد ‪ ,17‬وقوله‪ {:‬مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلمّا أضاءت ما حوله ذهب ال بنورهم} البقرة ‪ ,17‬ث قال‪{:‬‬
‫أو كصيّب من السماء} البقرة ‪ ,19‬وف قوله ‪ {:‬ال نور السموات والرض‪ }....‬النور ‪ ,35‬ث قال‪ {:‬أل ترى أن ال يزي‬
‫سحابا ث يؤلّف بينه ث يعله ركاما فترى الودق يرج من خلله وينّله من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من‬
‫يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالبصار} النور ‪ ,43‬فتضمّن الدعاء أن ييي قلبه بربيع القرآن وأن ينوّر به‬
‫صدره فتجتمع له الياة والنور‪ .‬قال تعال‪ { :‬أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يشي به بي الناس كمن مثله ف‬
‫الظلمات ليس بارج منها} النعام ‪.122‬‬

‫ولا كان الصدر أوسع من القلب‪ ,‬كان النور الاصل له يسري منه ال القلب‪ ,‬لنه قد حصل لا هو أوسع منه‪ .‬ولا كانت‬
‫حياة البدن والوارح‪ ,‬كلها بياة القلب‪ ,‬تسري الياة منه ال الصدر‪ ,‬ث ال الوارح سأل الياة له بالربيع الذي هو مادّتا‪.‬‬
‫ولا كان الزن والم والغم يضاد حيا ة القلب واستنارته‪ ,‬سأل أن يكون ذهابا بالقرآن‪ ,‬فانا أحرى أل تعود‪ ,‬وأما أنا ذهبت‬

‫‪20‬‬
‫بغي القرآن من صحةأو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد‪ ,‬فانا تعود بذهاب ذلك‪ .‬والكروه الوارد على القلب ان كان من أمر‬
‫ماض أحدث الزن‪ ,‬وان كان من مستقبل أحدث الم‪ ,‬وان كان من أمر حاضر أحدث الغم‪ ,‬وال أعلم‪.‬‬

‫[‪ ]13‬فائدة‬
‫أنزه الوجودات وأشرفها عرش الرحن جلّ جلله‬

‫أنزه الوجودات وأظهرها وأنورها وأشرفها وأعلها ذاتا وقدرا وأوسعها عرش الرحن جلّ جلله‪ .‬ولذلك صلح لستوائه‬
‫عليه‪ .‬وكل ما كان أقرب ال العرش كان أنور وأنزه وأشرف ما بعد عنه‪ .‬ولذا كانت جنّة الفردوس أعلى النان وأشرفها‬
‫وانورها وأجلّها لقربا من عرش الرحن الذي هو سقفها‪ ,‬وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق‪ .‬ولذا كان أسفل سافلي شرّ‬
‫المكنة وأضيقها وأبعدها من كل خي‪.‬‬

‫وخلق ال القلوب وجعلها مل لعرفته ومبّته وارادته‪ ,‬فهي عرش الثل العلى الذي هو معرفته ومبّته وارادته‪ .‬قال ال‬
‫تعال‪ {:‬للذين ل يؤمنون بالخرة مثل السوء ول الثل العلى وهو العزيز الكيم} النحل ‪ ,60‬وقال تعال"{ وهو الذي يبدأ‬
‫اللق ث يعيده وهو أهون عليه وله الثل العلى ف السموات والرض وهو العزيز الكيم} الروم ‪ ,27‬وقال تعال‪ {:‬ليس‬
‫كمثله شيء} الشورى ‪ .11‬فهذا من الثل العلى وهو مستو على قلب الؤمن فو عرشه وان ل يكن أطهر الشياء وأنزهها‬
‫وأطيبها وأبعدها من كل دنس ل يصلح لستواء الثل العلى عليه معرفة ومبة وارادة‪ ,‬فاستوى عليه مثل الدنيا السفل ومبتها‬
‫ومعرفتها وارادتا والتعلّق با‪ ,‬فضاق وأظلم وبعد من كماله وفلحه حت تعود القلوب على قلبي‪ :‬قلب هو عرش الرحن‬
‫ففيه النور والياة والفرح والبهجة وذخائر الي‪ ,‬وقلب هو عرش الرحن‪ ,‬فهناك الضيق والظلمة والوت والزن والغم والم‪,‬‬
‫فهو حزين على ما مضى‪ ,‬مهموم با يستقبل‪ ,‬مغموم ف الال‪.‬‬

‫وقد روى الترمذي وغيه عن النب صلّى ال عليه وسلّم أنه قال‪ ":‬اذا دخل النور القلب‪ ,‬انفسح وانشرح" قالوا فما علمة‬
‫ذلك يا رسول ال؟ قال‪ ":‬النابة ال دار اللود‪ ,‬والتجاف عن دار الغرور‪ ,‬والستعداد للموت قبل نزوله" أخرجه ابن جرير ف‬
‫التفسي ‪ ,20\8‬والبغوي ف شرح السنة ‪ ,72\6‬وأبو نعيم‪ ,‬والبيهقي ف الساء والصفات ص ‪ ,156‬وضعّفه اللبان ف‬
‫السلسلة الضعيفة بقم ‪.965‬‬

‫والنور الذي يدخل القلب انا هو من آثار الثل العلى فلذلك ينفسح وينشرح‪ ,‬واذا ل يكن فيه معرفة ال ومبّته‪ ,‬فحظّه‬
‫الظلمة والضيق‪.‬‬

‫[‪ ]14‬فائدة‬
‫عظمته سبحانه وتعال‬

‫‪21‬‬
‫تأمّل خطاب القرآن تد ملكا له اللك كله‪ ,‬وله المد كله أزمّة المور كلها بيده‪ ,‬ومصدرها منه‪ ,‬ومردّها اليه‪ ,‬مستويا‬
‫على سرير ملكه‪ ,‬ل تفى عليه خافية ف أقطار ملكته‪ ,‬عالا با ف نفوس عبيده‪ ,‬مطّلعا على أسرارهم وعل نيتهم‪ ,‬منفردا‬
‫بتدبي الملكة‪ ,‬يسمع ويرى‪ ,‬ينع ويعطي‪ ,‬ويثيب ويعاقب‪ ,‬ويكرم ويهي‪ ,‬يلق ويرزق‪ ,‬وييت وييي‪ ,‬ويقدر ويقضي ويدبّر‪.‬‬

‫المور نازلة من عندها دقيقها وجليلها‪ ,‬وصاعدة اليه ل تتحرّك ذرّة ال باذنه‪ ,‬ول تسقط ورقة ال بعلمه‪ .‬فتأمّل كيف تده‬
‫يثن على نفسه‪ ,‬ويجّد نفسه‪ ,‬ويمد نفسه‪ ,‬وينصح عباده‪ ,‬ويدلّهم على ما فيه سعادتم وفلحهم‪ ,‬ويرغّبهم فيه‪ ,‬ويذّرهم ما‬
‫فيه هلمهم‪ ,‬ويتعرّف اليهم بأسائه وصفاته‪ ,‬ويتحبب اليهم بنعمه وآلئه‪ ,‬فيذكّرهم بنعمه عليهم‪ ,‬ويأمرهم با يستوجبون به‬
‫تامها‪ ,‬ويذّرهم من نقمه ويذكّرهم با أعد لم من الكرامة ان أطاعوه‪ ,‬وما أعد لم من العقوبة ان عصوه‪ ,‬ويبهم بصنعه ف‬
‫أوليائه وأعدائه‪ ,‬وكيف كابت عاقبة هؤلء‪ ,‬ويثن على أوليائه بصال أعماله‪ ,‬وأحسن أعمالم‪ ,‬ويذم أعدائه بسيّء أعمالم‪,‬‬
‫وقبيح صفاتم‪ .‬ويضرب المثال‪ ,‬وينوّع الدلّة والباهي‪ ,‬وييب عن شبه أعدائه أحسن الجوبة‪ ,‬ويصدق الصادق‪ ,‬ويكذب‬
‫الكاذب‪ ,‬ويقول الق‪ ,‬ويهدي السبيل‪ ,‬ويدعو ال دار السلم‪ ,‬ويذكر أوصافها وصفاتا وحسنها ونعيمها‪ ,‬ويذّر من دار‬
‫البوار‪ ,‬ويذكر عذابا وقبحها وآلمها‪ ,‬ويذكر عباده فقرهم اليه وشدّة حاجتهم اليه من كل وجه‪ ,‬وأنم ل غن لم عنه طرفة‬
‫عي‪ ,‬ويذكر غناه عنهم وعن جيع الوجودات‪ ,‬وأنه الغن بنفسه عن كل ما سواه‪ ,‬وكل ما سواه فقي اليه بنفسه‪ ,‬وأنه ل ينال‬
‫أحد ذرّة من الي فما فوقها ال بفضله ورحته‪ ,‬ول ذرّة من الشر فما فوقها ال بعدله وحكمته‪ .‬ويشهد من خطابه عتابه‬
‫لحبابه ألطف عباد‪ ,‬وأنه مع ذلك مقيل عثراتم وغافر زلتم ومقيم أعذارهم‪ ,‬ومصلح فاسدهم والدافع عنهم‪ ,‬والحامي‬
‫عنهم‪ ,‬والناصر لم‪ ,‬والكفيل بصالهم‪ ,‬والنجي لم من كل كرب‪ ,‬والوف لم بوعده‪ ,‬وأنه وليّهم الذي ل ول لم سواه‬
‫فهو مولهم الق‪ ,‬ونصيهم على عدوهم‪ ,‬فنعم الول ونعم النصي‪.‬‬

‫فاذا شهدت القلوب من القرآن ملكا عظيما رحيما جوادا جيل هذا شأنه فكيف ل تبّه‪ ,‬وتنافس ف القرب منه‪ ,‬وتنفق‬
‫أنفاسها ف التودد اليه‪ ,‬ويكون أحب اليها من كل ما سواه‪ ,‬ورضاه آثر عندها من رضا كل ما سواه؟ وكيف ل تلهج بذكره‪,‬‬
‫ويصي الب والشوق اليه والنس به غذاؤها وقوتا ودواؤها‪ ,‬بيث ان فقدت ذلك فسدت وهلكت‪ ,‬ول تنتفع بياتا؟‪.‬‬

‫[‪ ]15‬فائدة‬
‫ل بد من قبول الحل لا يوضع فيه أن يفرغ من ضدّه‬

‫قبول الحل لا يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضدّه‪ .‬وهذا كما أنه ف الذوات والعيان فكذلك هو والعتقادات والرادات‪.‬‬
‫فاذا كان القلب متلئا بالباطل اعتقادا ومبّة‪ ,‬ل يبق فيه لعتقاد الق ومبّته موضع‪ ,‬كما أن اللسان اذا اشتغل بالتكلم با ل‬
‫ينفع‪ ,,‬ل يتمكن صاحبه من النطق با ينفعه‪ ,‬ال اذا فرغ لسانه من النطق بالباطل‪ .‬وكذلك الوارح اذا اشتغلت بغيالطاعة ل‬
‫يكن شغلها بالطاعة ال اذا فرغها من ضدها فكذلك القلب الشغول بحبّة غي ال وارادته‪ ,‬والشوق اليه‪ ,‬ل يكن شغله بحبة‬
‫ال وارادته وحبه والشوق ال لقائه ال بتفريغه من تعلّقه بغيه‪ .‬ول حركة اللسان بذكره‪ ,‬والوارح بدمته ال اذا فرغها من‬

‫‪22‬‬
‫ذكر غيه وخدمته‪ .‬فاذا امتلء القلب بالشغل بالخلوق‪ ,‬والعلوم الت ل تنفع‪ ,‬ل يبق فيها موضع للشغل بال ومعرفة أسائه‬
‫وصفاته وأحكامه‪.‬‬

‫وسر ذلك‪ :‬أن اصغاء القلب كاصغاء الذن‪ ,‬فاذا صغى ال غي حديث ال‪ ,‬ل يبق فيه اصغاء‪ ,‬ول فهم لديثه‪ ,‬كما اذا مال‬
‫ال غي مبّة ال‪ ,‬ل يبق فيه ميل ال مبّته‪ .‬فاذا نطق القلب بغي ذكره‪ ,‬ل يبق فيه مل للنطق بذكره كاللسان‪.‬‬

‫ولذا ف الصحيح عن النب أنه قال‪ ":‬لن يتلئ جوف أحدكم قيحا حت يريه خي له من أن يتلئ شعرا"‪ .‬أخرجه البخاري‬
‫ف الدب ‪ ,)6155( 564\10‬ومسلم ف الشعر ‪ ,‬وأبو داود‪ ,‬والترمذي‪ ,‬وجيعا من حديث ابو هريرة‪.‬‬
‫فبيّن أ‪ ،‬الوف يتلئ بالشعر فكذلك يتلئ بالشبه والشكوك واليالت والتقديرات الت ل وجود لا‪ ,‬والعلوم الت ل تنفع‪,‬‬
‫والفكّهات والضحكات والكايات ونوها‪ .‬واذا امتلء القلب بذلك جاءته حقائق القرآن والعلم الذي به كماله وسعادته فلم‬
‫تد فيه فراغا لا ول قبول‪ ,‬فتعدته وجاوزته ال مل سواه‪ ,‬كما اذا بذلت النصيحة لقلب ملن من ضدها ل منفذ لا فيه فانه‬
‫ل يقبلها‪ ,‬ول تلج فيه‪ ,‬لكن تر متازة ل مستوطنة‪ ,‬ولذلك قيل‪:‬‬
‫فجنابنا حل لكل منّه‬ ‫نزّه فؤادك عن سوانا تلقنا‬
‫من حلّ ذا الطلسم فاز بكنه‬ ‫والصب طلسم لكن وصالنا‬
‫وبال التوفيق‪.‬‬

‫[‪ ]16‬فائدة‬
‫الكلم قي ألاكم التكائر‬
‫أخلصت هذه السورة للوعد والوعيد والتهديد‪ ,‬وكفى با موعظة لن عقلها‪ .‬فقوله تعال‪ {:‬ألاكم } أي شغلكم على وجه‬
‫ل تعذرون فيه فان اللتهاء عن الشيء هو الشتغال عنه‪ .‬فان كان بقصد فهو مل التكليف‪ ,‬وان كان بغي قصد كقوله صلى‬
‫ال عليه وسلّم ف الميصة‪ ":‬انا ألتن آنفا عن صلت" البخاري ف الصلة ‪ ,575\1‬ومسلم ‪ 391\1‬وأبوداود‪ .‬كان‬
‫صاحبه معذورا وهو نوع من النسيان‪ .‬وف الديث " فلها صلى ال عليه وسلم عن الصب" أي ذهل عنه‪ ,‬جزء من حديث‪,‬‬
‫البخاري كتاب الدب ‪ 591\10‬رقم ‪ ,6191‬ومسلم ف الداب ‪ 1692\3‬رقم ‪ ,29‬والبيهقي‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬لا بالشيء‪ ,‬أي اشتغل به‪ .‬ولا عنه‪ :‬اذا انصرف عنه‪ .‬واللهو للقلب واللعب للجوارح‪ ,‬ولذا يمع بينهما‪ .‬ولذا كان‬
‫قوله‪ {:‬ألاكم التكاثر} أبلغ ف الذم من شغلكم‪ .‬فان العامل قد يستعمل جوارحه با يعمل وقلبه غي له به‪ .‬فاللهو هو ذهول‬
‫واعراض‪ .‬والتكاثر تفعل من الكثرة اي مكاثرة بعضكم لبعض وأعرض عن ذكر التكاثر به ارادة لطلقه وعمومه أن كل ما‬
‫يكاثر به العبد غيه سوى طاعة ال ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل ف هذا التكاثر‪ .‬فالتكاثر ف كل شيء من‬
‫جاه أو مال أو رئاسة أو نسوة أو حديث أو علم‪ ,‬ول سيّما اذا ل يتج اليه‪ .‬والتكاثر ف الكتب والتصانيف وكثرة السائل‬
‫وتفريعها وتوليدها‪ .‬والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيه‪ ,‬وهذا مذموم ال فيما يقرّب ال ال‪ ,‬فالتكاثر فيه‬
‫منافسة للخيات ومسابقة اليها‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫وف صحيح مسلم من حديث عبدال بن الشخي أنه‪ :‬انتهى ال النب صلى ال عليه وسلم وهو يقرأ {ألاكم التكاثر} قال‪:‬‬
‫"يقول ابن آدم‪ :‬مال مال‪ ,‬وهل لك من مالك ال ما تصدّقت به فأمضيت‪ ,‬أو أكلت فأفنيت‪ ,‬أو لبست فأبليت‪ .‬الزهد‬
‫والرقائق ‪2273\4‬رقم ‪ ,3‬كما أخرجه الترمذي‪ ,‬والنسائي وأحد‪.‬‬

‫[‪ ]17‬تنبيه‬
‫من ل ينتفع بعينه ل ينتفع بأذنه‬

‫•من ل ينتفع بعينه ل ينتفع بأذنه‪.‬‬


‫•للعبد ستر بينه وبي ال ‪ ,‬وستر بينه وبي الناس‪ ,‬فمن هتك الستر الذي بينه وبي ال ‪ ,‬هتك الستر الذي بينه وبي الناس‪.‬‬
‫•للعبد رب هو ملقيه وبيت هو ساكنه‪ ,‬فينبغي له أن يسترضي ربّه قبل لقائه ويعمّر بيته قبل انتقاله اليه‪.‬‬
‫•اضاعة الوقت أشد من الوت‪ ,‬لن اضاعة الوقت تقطعك عن ال والدار الخرة‪ ,‬والوت يقطعك عن الدنيا وأهلها‪.‬‬
‫•الدنيا من أولا ال آخرها ل تساوي غم ساعة‪ ,‬فكيف بغم العمر‪.‬‬
‫•مبوب اليوم يعقبه الكروه غدا‪ ,‬ومكروه اليوم يعقبه الحبوب غدا‪.‬‬
‫•أعظم الربح ف الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت با هو أول با وأنفع ف معادها‪.‬‬
‫•كيف يكون عاقل من باع النّة با فيها شهوة ساعة‪.‬‬
‫•يرج العرف من الدنيا ول يقضي وطره من شيئي‪ :‬بكاؤه على نفسه‪ ,‬وثناؤه على ربّه‪.‬‬
‫•الخلوق اذا خفته استوحشت منه وهربت منه‪ ,‬والرب تعال اذا خفته أنست به وقربت اليه‪.‬‬
‫•لو نفع العلم با عمل لا ذم ال سبحانه أحبار أهل الكتاب ولو نفع العمل بل اخلص لا ذم النافقي‪.‬‬
‫•دافع الطرة‪ ,‬فان ل تفعل صارت فكرة‪ .‬فدافع الفكرة‪ ,‬فان ل نفعل صارت شهوة‪ .‬فحاربا‪ ,‬فان ل تفعل صارت عزية‬
‫وهّة‪ ,‬فان ل تدافعها صارت فعل‪ ,‬فان ل تتداركه بضدّه صار عادة فيصعب عليك النتقال عنها‪.‬‬
‫•التقوى ثلث مراتب‪:‬‬
‫احداها‪ :‬حية القلب والوارح عن الثام والحرّمات‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬حيتها عن الكروهات‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬المية عن الفضول وما ل يعن‪.‬‬

‫فالول تعطي العبد حياته‪ ,‬والثانية تفيد صحته وقوته‪ ,‬والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبجته‪.‬‬
‫يقلل ناصر الصم الحق‬ ‫غموض الق حي تذب عنه‬
‫فتقضي للمجلّ على الدقّ‬ ‫تضل عن الدقيق فهوم قوم‬
‫ل ب ول بشفيع ل من الناس‬ ‫بال أبلغ ما أسعى وأدركه‬
‫جاء الرجاء مسرعا من جانب اليأس‬ ‫اذا أيست وكاد اليأس يقطعن‬

‫‪24‬‬
‫•من خلقه ال للجنّة ل تزل هداياها تأتيه من الكاره‪ ,‬ومن خلقه ال للنار ل تزل هداياها تأتيه من الشهوات‪.‬‬
‫لا طلب آدم اللود ف النة من جانب الشجرة عوقب بالروج منها‪ .‬اقرأ اليات ‪24-19‬من سورة العراف‪.‬‬
‫ولا طلب يوسف الروج من السجن من جهة صاحب الرؤية لبث فيها بضع سني‪ .‬اقرأ يوسف آية ‪.42‬‬
‫•اذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستّة مشاهد‪:‬‬
‫الوّل‪ :‬مشهد التوحيد‪ ,‬وأن ال هو الذي قدّره وشاءه وخلقه‪ ,‬وما شاء ال كان وما ل يشأ ل يكن‪.‬‬
‫الثان‪ :‬مشهد العدل‪ ,‬وأنه ماض فيه حكمه‪ ,‬عدل فيه قضاؤه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬مشهد الرحة‪,‬وأن رحته ف هذا القدور غالبه لغضبه وانتقامه‪ ,‬ورحةه حشوه أي ظاهره بلء وباطنه رحة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬مشهد الكمة‪ ,‬وأن حكمته سبحانه اقتضت ذلك‪ ,‬ل يقدّره سدى ول قضاه عبثا‪.‬‬
‫الامس‪ :‬مشهد المد‪ ,‬وان له سبحانه المد التام على ذلك من جيع وجوهه‪.‬‬
‫السادس‪ :‬مشهد العبوديّة‪ ,‬وأنه عبد مض من كل وجه تري عليه أحكام سيّده وأقضيته بكم كونه ملكه وعبده‪ ,‬فيصرفه‬
‫تت أحكامه القدريّة كما يصرفه تت أحكامه الدينيّة‪ ,‬فهو مل لريان هذه الحكام عليه‪.‬‬

‫•قلّة التوفيق وفساد الرأي‪ ,‬وخفاء الق‪ ,‬وفساد القلب‪ ,‬وخول الذكر‪ ,‬واضاعة الوقت‪ ,‬ونفرة اللق‪ ,‬والوحشة بي العبد‬
‫وبي ربّه‪ ,‬ومنع اجابة الدعاء‪ ,‬وقسوة القلب‪ ,‬ومق البكة ف الرزق والعمر‪ ,‬وحرمان العلم‪ ,‬ولباس الذل‪ ,‬واهانة العدو‪,‬‬
‫وضيق الصدر‪ ,‬والبتلء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت‪ ,‬وطول الم والغم‪ ,‬وضنك العيشة‪,‬‬
‫وكسف البال‪ ...‬تتولّد من العصية والغفلة عن ذكر ال‪ ,‬كما يتولّد الزرع عن الاء‪ ,‬والحراق عن النار‪.‬‬
‫وأضداد هذه تتولّد عن الطاعة‪.‬‬

‫[‪ -]18‬فصل‬
‫من معان النصاف له تعال‬

‫طوب لن أنصف ربّه فأقر بالهل ف عامه‪ ,‬وألفات ف عمله‪ ,‬والعيوب ف نفسه‪ ,‬والتفريط ف حقه‪ ,‬والظلم ف معاملته‪.‬‬
‫فان آخذه بذنوبه رأى عدله‪ ,‬وان ل يؤاخذه با رأى فضله‪.‬‬

‫وان عمل حسنة رآها من منّته وصدقته عليه‪ ,‬فان قبلها فمنّة وصدقة ثانية‪ ,‬وان ردّها فلكون كثلهال يصلح أن يواجه به‪.‬‬

‫وان عمل سيّئة رآها من تلّيه عنه‪ ,‬وخذلنه له‪ ,‬وامساك عصمته عنه‪ ,‬وذلك عدله فيه‪ ,‬فيى ف ذلك فقره ال ربّه‪ ,‬وظلمه‬
‫ف نفسه‪ ,‬فان غفرها له فبمحض احسانه وجوده وكرمه‪.‬‬

‫ونكتة السألة وسرّها أنّه ل يرى ربّه ال مسنا ول يرى نفسه ال مسيئا أو مفرطا أو مقصّرافيى كل ما يسرّه من فضل ربّه‬
‫عليه واحسانه اليه وكل ما يسوؤه من ذنوبه وعدل ال فيه‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الحبّون اذا خربت منازل أحبّائهم قالوا‪ :‬سقيا لسكانا‪ .‬وكذلك الحب اذا أتت عليه العوام تت التراب ذكر حينئذ حسن‬
‫طاعته له ف الدنيا وتودده اليه وتد رحته وسقياه لن كان ساكما ف تلك الجسام البالية‪.‬‬

‫[‪ ]19‬فائدة‬
‫الغية نوعان‬

‫الغية غيتان‪ :‬غية على الشيء وغية من الشيء‪ ,‬فالغية على الحبوب حرصك عليه‪ ,‬والغية من الكروه أن يزاحك‬
‫عليه‪ .‬فالغية على الحبوب ل تتم ال بالغية من الزاحم‪ ,‬وهذه تمد حيث يكون الحبوب تقبح الشاركة ف حبه‬
‫كالخلوق‪ ,‬وأما من تسن الشاركة ف حبه كالرسول والعال بل البيب القريب سبحانه وتعال فل يتصوّر غية الزاحة‬
‫عليه بل هو حسد‪.‬‬

‫والغية الحمودة ف حقه أن يغار الحب على مبته له أن يصرفها ال غيه‪ ,‬أو يغار عليها أن يطلع عليها الغي فيفسدها عليه‪,‬‬
‫أو يغار على أعماله أن يكون فيها شيء لغي مبوبه‪ ,‬أو يغار عليها أن يشوبا ما يكره مبوبه من رياء أو اعجاب أو مبة‬
‫لشراف غيه عليها أو غيبته عن شهود منته عليها فيها‪.‬‬

‫وبالملة‪ ,‬فغيته يقيضي أن تكون أحواله وأعماله وأفعاله كلها ل‪ .‬وكذلكبغار على أوقاته أ‪ ،‬يذهب منها وقت ف غي‬
‫رضى مبوبه‪ ,‬فهذه الغية من جهة العبد وهي غية من الزاحم له العوق القاطع له عن مرضاة مبوبه‪.‬‬

‫وأما غية مبوبه عليه فهي كراهية أن ينصرف قلبه عن مبته ال مبة غيه‪ ,‬بيث يشاركه ف حبه‪ ,‬ولذا كانت غية ال أن‬
‫يأت العبد ما حرّم عليه‪ ,‬ولجل غيته سبحانه حرّم الفاحشة ما ظهر منها وما بطنِ؛ لن اللق عبيده واماؤه‪ ,‬فهو يغار على‬
‫امئه كما يغار السيد على جواريه‪ ,‬ول الثل العلى‪ .‬ويغار على عبيده أن تكون مبتهم لغيه‪ ,‬بيث تملهم تلك الحبة على‬
‫عشق الصور ونيل الفاحشة منها‪.‬‬

‫*من عشق وقار ال ف قلبه أن يعصيه‪ ,‬وقّره ال ف قلوب اللق أن يذلّوه‪.‬‬


‫*اذا علقت شروش العرفة ف أرض القلب‪ ,‬نبتت فيه شجرة الحبة‪ ,‬فاذا تكّنت وقويت أثرت *الطاعة‪ ,‬فل تزال الشجرة‪{:‬‬
‫تؤت أكلها كل حي باذن ربّها}‪.‬‬
‫*أول منازل القوم‪ {:‬اذكروا االه ذكرا كثيا‪ .‬وسبّحوه بكرة وأصيل} الحزاب ‪* .42-41‬وأوسطها {هو الذي يصلّي‬
‫عليكم وملئكته ليخرجكم من الظلمات ال النور} الحزاب ‪* .43‬وآخرها‪ {:‬تيّتهم يوم يلقونه سلم} الحزاب ‪.44‬‬
‫*أرض الفطرة رحبة قابلة لا يغرس فيها‪ ,‬فان غرست شجرة اليان والتقوى أورثت حلوة البد‪ ,‬وان غرست شجرة الهل‬
‫والوى فكل الثمر مرّ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫*ارجع ال ال واطلبه من عينك وسعك وقلبك ولسانك‪ ,‬ول تشرد عنه من هذه الربعة‪ ,‬فما رجع من رجع اليه بتوفيقه ال‬
‫منها‪ ,‬وما شرد من شرد عنه بذلنه ال منها‪ ,‬ماموفق يسمع ويبصر ويتكلّم ويبطش بوله‪ ,‬والخذول يصدر ذلك عنه بنفسه‬
‫وهواه‪.‬‬
‫*مثال تولد الطاعة ونوها وتزايدها‪ ,‬كمثل نواة غرستها‪ ,‬فصارت شجرة‪ ,‬ث أثرت فأكلت ثارها‪ ,‬وغرست نواها‪ ,‬فكلما أثر‬
‫منها شيء‪ ,‬جنيت ثره‪ ,‬وغرست نواه‪ .‬وكذلك تداعي العاصي‪ ,‬فليتدبّر اللبيب هذا الثال‪ .‬فمن ثواب السنة السنة بعدها‪,‬‬
‫ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها‪.‬‬
‫* ليس العجب من ملوك يتذلل ل ويتعبّد له ول يل خدمته مع حاجته وفقره اليه‪ ,‬انا العجب من مالك يتحبب ال ملوكه‬
‫بصنوف انعامه ويتودد اليه بأنواع احسانه مع غناه عنه‪.‬‬

‫وكفى بك فخرا أنه لك رب‬ ‫كفى بك عزّا أنك له عبد‬

‫[‪ ]20‬فوائد قيّمة‬


‫ايّاك والعاصي‬
‫•ايّاك والعاصي فانا أذلّت عز {اسجدوا} وأخرجت قطاع {أسكن}‪.‬‬
‫• يا لا من لظة أثرت حرارة القلق ألف سنة ما زال يكتب بدم الندم سطور الزن ف القصص‪ ,‬ويرسلها مع أنفاس‬
‫السف حت جاءه توقيع {فتاب عليه}‪.‬‬
‫•فرح ابليس بنول آدم من النة‪ ,‬وما علم أن هبوط الغائص ف اللجة خلف الدر صعود‪ .‬كم بي قوله لدم‪{ :‬ان جاعل‬
‫ف الرض خليفة}البقرة ‪ ,30‬وقوله لك {اذهب فمن تبعك منهم} السراء ‪.63‬‬
‫•ما جرى على آدم هو الراد من وجوده‪" ,‬لو ل تذنبوا‪ "..‬جزء من حديث أخرجه مسلم ف التوبة ‪2106\4‬رقم‬
‫‪" .2739‬والذي نفسي بيده لو ل تذنبوا لذهب ال بكم ولاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لم"‪.‬‬
‫• يا آدم ل تزع من قوله لك‪{ :‬اهبطوا بعضكم لبعض عدو} العراف ‪ ,24‬فلك ولصال ذريتك خلقتها‪.‬‬
‫•يا آدم كنت تدخل علي دخول اللوك على اللوك‪ ,‬واليوم تدخل علي دخول العبيد على اللوك‪.‬‬
‫• يا آدم ل تزع من قول لك‪ {:‬وعسى أن تكرهوا‪ }..‬البقرة ‪.216‬‬
‫• يا آدم ل اخرج اقطاعك ال غيك‪ ,‬انا نيّتك عنه لكمل عمارته لك‪ ,‬وليبعث ال العمّال نفقة ‪ {:‬تتجاف جنوبم‪}..‬‬
‫السجدة ‪.16‬‬
‫•تال ما نفعه عند معصية عز {اسجدوا} ول شرف ‪ {:‬وعلّم آدم‪ }..‬ول خصيصت ‪ {:‬لا خلقت بيدي‪}..‬ص ‪,75‬‬
‫ول فخر‪ {:‬لا نفخت فيه من روحي‪ }..‬الجر ‪ .29‬وانا انتفع بذل‪ {:‬ربنا ظلمنا أنفسنا‪ }...‬العراف ‪ ,23‬لا لبس‬
‫درع التوحيد على بدن الشكر وقع سهم العدو منه ف غي مقتل فجرحه فوضع عليه جبار النكسار فعاد كما كان فقام‬
‫الريح كأن ل يكن به قلبة‪(.‬أي علّة)‪.‬‬

‫[‪ ]21‬سلمان منا آل البيت (حديث شريف)‬

‫‪27‬‬
‫أخرجه الاكم ف الستدرك ‪ 598\3‬وسكت عنه الذهب ف تلخيصه‪ :‬سنده ضعيف‪ .‬والطبان ف العجم الكبي ‪261\6‬‬
‫فل تترك‬ ‫والبغوي ف شرح السنة ‪ .234\5‬والبيهقي ف دلئل النبوّة‪ .‬لعمرك ما النسان ال ابن دينه‬
‫التقوى اتكال على النسب‬
‫وقد وضع الشرك السيب أبا لب‬ ‫فقد رفع السلم سلمان فارس‬

‫•نائب النجاة مهيّأة للمراد‪ ,‬وأقدام الطرود موثوقة بالقيود‪.‬‬


‫هبّت عواصف القدار ف بيداء الكوان‪ ,‬قتقلب الوجود ونم الي‪ ,‬فلما ركدت الريح اذا أبو طالب غريق ف لة‬
‫اللك‪ ,‬وسلمان علىاحل السلمة‪.‬‬
‫والوليد بن الغية يقدم قومه ف التيه‪ ,‬وصهيب قد قدم بقافلة الروم‪ ,‬والنجاشي ف أرض البشة يقول‪ :‬لبيك اللهم لبيك‪,‬‬
‫وبلل ينادي‪ :‬الصلة خي من النوم‪ ,‬وأبو جهل ف رقدة الخلفة‪.‬‬
‫لا قضى ف القدم بسابقة سلمان عرض به دليل التوفيق عن طريق آبائه ف التمجس (الجوسية)‪ ,‬فأقبل يناظر أباه ف دين‬
‫الشرك‪ ,‬فلما عله بالجة ل يكن له جواب ال القيد‪ .‬وهذا جواب يتداوله أهل الباطل من يوم عرفوه‪ ,‬وبه أجاب‬
‫فرعون موسى‪{:‬لئن اتذت الا غيي} الشعراء ‪ ,29‬وبه أجاب الهمية‪ :‬المام أحد لا عرضوه على السياط‪ .‬وبه‬
‫أجاب أهل البدع شيخ السلم حي استودعوه السجن –وها نن على الثر‪ -‬فنل به ضيف {لنبلونكم} جزء من‬
‫الية ‪ 155‬سورة البقرة‪ .‬فنال باكرامه مرتبة "سلمان منا أهل البيت"‪ ,‬فسمع أن ركبا على نية السفر‪ ,‬فسرق نفسه من‬
‫أبيه ولقطع‪ ,‬فركب رحالة العزم يرجو ادراك مطلب السعادة‪ ,‬فغاص ف بر البحث ليقع بدرّة الوجود‪ ,‬فوقف نفسه‬
‫على خدمة الدلء وقوف الذلء‪ ,‬فلما أحس الرهبان بانقراض دولتهم سلموا اليه أعلم العلم على نبوة نبينا صلى ال‬
‫عليه وسلم وقالوا‪ :‬ان زمانه قد أطل‪ ,‬فاحذر أن تضل‪ ,‬فرحل مع رفقة ل يرفقوا به {وشروه بثمن بس دراهم‬
‫معدودة} يوسف ‪ ,20‬فابتاعه يهودي بالدينة‪ ,‬فلما رأى الرة تولد حرا شوقه‪ ,‬ول يعلم رب النل بوجد النازل‪ .‬فبينا‬
‫هو يكابد ساعات النتظار قدم البشي بقدوم البشي‪ ,‬وسلمان ف رأس نلة‪ ,‬وكاد القلق يلقيه لول أن الزم أمسكه كما‬
‫جرى يوم‪{:‬ان كانت لتبدي به لول أن ربطنا على قلبها} القصص ‪ ,10‬فعجل النول لتلقي ركب البشارة ولسان‬
‫حاله يقول‪:‬‬

‫فقد هب من تلك الديار نسيم‬ ‫خليلي من ند قفا ب على الربا‬

‫فصاح به سيده‪ :‬مالك؟ انصرف ال شغلك‪ .‬فقال‬

‫كيف انصراف ول ف داركم شغل‬

‫ث أخذ لسان حاله يترن لو سع الطروش‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫اذا علم من آل ليلى بداليا‬ ‫خليلي ل وال ما أنا منكما‬

‫فلما لقى الرسول عارض نسخة الرهبان بكتاب الصل فوافقه‪.‬‬

‫يا ممد أنت تريد أبا طالب ونن نريد سلمان‪ ,‬أبو طالب اذا سئل عن اسه قال عبد مناف‪ ,‬واذا انتسب افتخر بالباء‪,‬‬
‫واذا ذكرت الموال عدّ البل‪ .‬وسلمان اذا سئل عن اسه قال‪ :‬عبدال‪ ,‬وعن نسبه قال‪ :‬ابن السلم‪ ,‬وعن ماله قال‪:‬‬
‫الفقر‪ ,‬وعن حانوته قال السجد‪ ,‬وعن كسبه قال الصب‪ ,‬وعن لباسه قال‪ :‬التقوى والواضع‪ ,‬وعن وساده قال السهر‪,‬‬
‫وعن فخره قال‪" :‬سلمان منا" وعن قصده قال‪ {:‬يريدون وجهه} النعام ‪ ,52‬وعن سيه قال ال النة‪ ,‬وعن دليله ف‬
‫الطريق قال‪ :‬امام اللق وهادي المة‪.‬‬

‫كفى بالنايا طيّب ذكرك حاديا‬ ‫اذا نن أدجلنا وأنت امامنا‬


‫دليل‪ ,‬كفانا نور وجهك هاديا‬ ‫وان نن أضللنا الطريق ول ند‬

‫أدجلنا = أدخلنا‪.‬‬

‫*الذنوب جراحات‪ ,‬ورب جرح وقع ف مقتل‪.‬‬


‫*لو خرج عقلك من سلطان هواك‪ ,‬عادت الدولة له‪.‬‬
‫*دخلت دار الوى مقامت بعمرك‪*.‬اذا عرضت نظرة ل تل فاعلم أنا مسعر حرب‪ ,‬فاستتر منها بجاب‪{ :‬قل‬
‫للمؤمني‪ }...‬النور ‪ ,30‬فقد سلمت من الثر‪{ :‬وكفى ال الؤمني القتال} الزاب ‪ .25‬بر الوى اذا مد أغرق‪,‬‬
‫وأخوف النافذ على السابح فتح البصر ف الاء‪.‬‬
‫ف قبه‪ ,‬أعماله تؤنسه‬ ‫ما أحد أكرم من مفرد‬
‫ليس كعبد قبه مبسه‬ ‫منعما ف القب ف روضة‬
‫على قدر فضل الرء تأت خطوبه وتعرف عند الصب فيما يصيبه‬
‫فقد قل ما يرتيه نصيبه‬ ‫ومن قل فيما يتقيه اصطباره‬
‫*كم قطع زرع قبل التمام فما ظن الزرع الستحصد‪ ,‬اشتر نفسك‪ ,‬فالسوق قائمة والثمن موجود‪ .‬ل بد من سنة الغفلة‬
‫ورقاد الوى‪ ,‬ولكن كن خفيف النوم فحراس البلد يصيحون‪ :‬دنا الصباح‪.‬‬

‫*نور العقل يضيء ف ليل الوى‪ ,‬فتلوح جادة الصواب‪ ,‬فيتلمح البصي ف ذلك النور‬

‫‪29‬‬
‫*أخرج بالعزم من هذا الفناء الضيّق الحشو بالفات ال ذلك الفناء الرحب الذي فيه "مال عي رأت"‪,‬فهناك ل يتعذّر‬
‫مطلوب ول يفقد مبوب‪.‬‬

‫*يا بائعا نفسه بوى من حبه ضن‪ ,‬ووصله أذى‪ ,‬وحسنه ال فناء‪ ,‬لقد بعت أنفس الشياء‬
‫بثمن بس‪ ,‬كأنك ل تعرف قدر السلعة ول خسة الثمن‪ ,‬حت اذا قدمت يوم التغابن تبيّن لك الغب ف عقد التبايع‪ ,‬ل اله ال‬
‫ال سلعة‪ ,‬ال مشتريها‪ ,‬وثنها النّة‪ ,‬والدلل الرسول‪ ,‬ترضى ببيعها بأذن يسي ما ل يساوي كله جناح بعوضة‪.‬‬

‫جناح بعوض عند من صرت عبده‬ ‫اذا كان شيء ل يساوي جيعه‬
‫يكون على ذي الال قدرك عنده‬ ‫ويلك جزء منه كلك ما الذي‬
‫لديه من السن وقد زال وده‬ ‫وبعت به نفسا قد استامها با‬

‫السوم= عرض السلعة للبيع‪.‬‬

‫*يا منث العزم أين أنت‪ ,‬والطريق طريق تعب فيه آدم‪ ,‬وناح لجله نوح‪ ,‬ورمى ف النار الليل‪ ,‬وأضجع للذبح اساعيل‪ ,‬وبيع‬
‫يوسف بثمن بس‪ ,‬ولبث ف السجن بضع سني‪ ,‬ونشر بالنشار زكريا‪ ,‬وذبح السيد الصور يي‪ ,‬وقاسى الضر أيوب‪ ,‬وزاد‬
‫على القدار بكاء داود‪ ,‬وسار مع الوحش عيسى‪ ,‬وعال الفقر وأنواع الذى ممد صلى ال عليه وسلم تزها أنت باللهو‬
‫واللعب‪.‬‬

‫قريب‪ ,‬ولكن دون ذلك أهوال‬ ‫فيا دارها بالزن ان مزارها‬

‫*الرب قائمة وأنت أعزل ف النظارة‪ ,‬فان حركت ركابك فللهزية‪.‬‬

‫*من ل يباشر حر الجي (نصف النهار عند اشتداد النهار) ف طلب الجد ل يقل (القيلولة) ف ظلل الشرف‪.‬‬

‫ول تدر أن للمقام أطوف‬ ‫تقول سليمى لو أقمت بأرضنا‬


‫قيل لبعض العباد‪ :‬ال كم تتعب نفسك!! فقال راحتها أريد‪.‬‬

‫*يا مكرما بلة اليان بعد حلة العافية وهو يلقهما (يبليهما) ف مالفة الالق‪ ,‬ل تنكر السلب؛ يستحق من استعمل نعمة‬
‫النعم فيما يكره أن يسلبها‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫*عرائس الوجودات قد تزينت للناظرين؛ ليبلوهم أيهم يؤثرهن على عرائس الخرة‪ ,‬فمن عرف قدر التفاوت آثر ما ينبغي‬
‫ايثاره‪.‬‬
‫أقبلت نوي‪ ,‬وقالت ل‪ :‬ال‬ ‫وحسان الكون لا أن بدت‬
‫عندما أبصرت مقصودي لدي‬ ‫فتعاميت كأن ل أرها‬

‫*كواكب هم العارفي ف بروج عزائمهم سيارة ليس فيها زحل‪.‬‬

‫*يا من انرف عن جادتم كن ف أواخر الركب ون اذا نت على الطريق‪ ,‬فالمي يراعي الساقة (ساقة اليش أي الؤخرة)‪.‬‬

‫*قيل للحسن‪ :‬سبقنا القوم على خيل دهم (أي سود) ونن على حر معقرة (مرحة)‪ ,‬فقال ان كنت على طريقهم فما أسرع‬
‫اللحاق بم‪.‬‬

‫[‪ ]22‬فائدة‬
‫الحب الصادق من وجد أنسه بال بي الناس ووجده ف الوحدة‬

‫*من فقد أنسه بي الناس ووجده ف الوحدة فهو صادق ضعيف‪ .‬ومن وجده بي الناس ووجده ف اللوة فهو معلول‪ .‬ومن‬
‫فقده بي الناس وف اللوة فهو ميت مطرود‪ .‬ومن وجده ف اللوة وف الناس فهو الحب الصادق القوي ف حاله‪ .‬ومن كان‬
‫فتحه ف اللوة ل يكن مزيده ال منها‪ .‬ومن كان فتحه بي الناس ونصحهم وارشادهم كان مزيده معهم‪ .‬زمن كان فتحه ف‬
‫وقوفه مع مراد ال حيث أقامه‪ ,‬وف أي شيء استعمله كان مزيده ف خلوته ومع الناس‪ .‬فأشرف الحوال ان ل تتار لنفسك‬
‫حالة سوى ما يتاره لك ويقيمك فيه‪ ,‬فكن مع مراده منك ول تكن مع مرادك منه‪.‬‬

‫*مصابيح القلوب الطاهرة ف أصل الفطرة منية قبل الشرائع {يكاد زيتها يضيء ولو ل تسسه نار} النور ‪.35‬‬

‫*وحد قس وما رأى الرسول‪ ,‬وكفر ابن أبّ وقد صلّى معه بالسجد‪ .‬قس بن ساعدة أحد حكماء العرب ومن خطبائهم‪ ,‬سئل‬
‫عن الرسول صلى ال عليه وسلم فقال‪ ":‬يشر أمة وحدة"‪.‬‬

‫*مع الصب ري ول ماء‪ ,‬وكم من عصشان ف اللجة‪.‬‬

‫*سبق العلم بنبوة موسى وايان آسية فسيق تابوته ال بيتها‪ ,‬فجاء طفل منفرد عن أم‪ ,‬ال امرأة خالية عن ولد‪ .‬فلله كم من‬
‫القصة من عبة‪ .‬كم ذبح فرعون ف طلب موسى من ولد‪ ,‬ولسان القدر يقول‪ :‬ل نربيه ال ف حجرك‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫كان ذو البجادين يتيما ف الصغر‪ ,‬فكفله عمه‪ ,‬فنازعته نفسه ال اتباع الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فهم بالنهوض‪ ,‬فاذا بقية‬
‫الرض مانعة فقعد ينتظر العم‪ ,‬فلما تكاملت صحته‪ ,‬نفذ الصب فناداه ضمي الوجد‪:‬‬

‫أثرها ربا وجدت طريقا‬ ‫ال كم حبسها تشكو الضيقا‬

‫فقال ياعم طال انتظاري لسلمك وما أرى منك نشاطا‪ .‬فقال وال لئن أسلمت لنتزعن كل ما أعطيتك‪ .‬فصاح لسان‬
‫الشرق‪ :‬نظرة من ممد صلى ال عليه وسلم أحب ال من الدنيا وما فيها‪.‬‬

‫تريد أم الدنيا وما ف طواياها‬ ‫ولو قيل للمجنون‪ :‬ليلى ووصلها‬


‫ألذ ال نفسي وأشفى لبلواها‬ ‫لقال‪ :‬غبار من تراب نعالا‬

‫فلما ترد للسي ال الرسول صلى ال عليه وسلم جرده عمه من الثياب‪ ,‬فناولته الم بادا‪ ,‬فقطعه لسفر الوصل نصفي‪ ,‬اتزر‬
‫بأحدها‪ ,‬وارتدى الخر‪ ,‬فلما نادى صائح الهاد قنع أن يكون ف ساقه الحباب‪ ,‬والحب ل يرى طول الطريق‪ ,‬لن القصود‬
‫بعينه‪:‬‬

‫وبلغ أكناف المى من يريدها‬ ‫أل أبلغ ال المى من يريده‬

‫فلما قضى نبه نزل الرسول صلى ال عليه وسلم يهد له لده وجعل يقول‪ ":‬اللهم ان أمسيت عنه راضيا فارض عنه" فصاح‬
‫ابن مسعود يا ليتن كنت صاحب القب‪ .‬أخرجه ابن اسحاق ‪ ,171\4‬وابن حجر ف الصابة رقم(‪.)4795‬‬

‫*فيا منث العزم أقل ما ف البقعة البيذق‪ ,‬فلما نض تفرزن‪.‬‬

‫*رأى بعض الكماء برذونا (فرس غي عرب هجي) يسقى عليه‪ ,‬فقال لو هلج (انقاد) هذا‪ ,‬لركب‪.‬‬

‫*أقدام العزم بالسلوك اندفع من بي أيديها سد القواطع‪.‬‬

‫*القواطع من بتبي با الصادق من الكاذب‪ ,‬فاذا خضتها انقلبت أعوانا لك توصلك ال القصود‪.‬‬

‫[‪ ]23‬مثل الدنيا‬

‫*الدنيا كامرأة بغي ل تثبت مع زوج‪ ,‬انا تطب الزواج ليستحسنوا عليها فل ترضى ال بالدياثة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫فاذا اللحة بلقباحة ل تفي‬ ‫ميزت بي جالا فعالا‬
‫فكأنا حلفت لنا أل تفي‬ ‫حلفت لنا ال تون عهودنا‬

‫السي ف طلبها سي ف أرض مسبعة‪ ,‬والسباحة فيها سباحة ف غدير التمساح‪ ,‬الفروح به منها هو عي الحزون عليه‪ .‬آلمها‬
‫متولدة من لذاتا‪ ,‬وأحزانا من أفراحها‪.‬‬

‫عذابا‪ ,‬فصارت ف الشيب عذابا‬ ‫مآرب كانت ف الشباب ف أهلها‬

‫*طائر الطبع يرى البة‪ ,‬وعي العقل ترى الشرك‪ ,‬غي أن عي الوى عمياء‪.‬‬

‫كما أن عي السخط تبدي الساويا‬ ‫وعي الرضا عن كل عيب كليلة‬

‫*تزخرفت الشهوات لعي الطباع‪ ,‬فغض عنها الذين يؤمنون بالغيب‪ ,‬ووقع تابعوها ف بيداء السرات‪ ,‬ف‪ { :‬أولئك على‬
‫هدى من ربم وأولئك هم الفلحون} البقرة ‪ ,5‬وهؤلء يقال لم‪ {:‬كلوا وتتعوا قليل انكم مرمون} الرسلت ‪.46‬‬

‫لا عرف الوفقون قدر الياة الدنيا وقلة القام فيها‪ ,‬أماتوا فيها الوى طلبا لياة البد‪ ,‬ولا استيقظوا من نوم الغفلة‪ ,‬استرجعوا‬
‫بالد ما انتهبه العدو منهم ف زمن البطالة‪ ,‬فلما طالت عليهم الطريق‪ ,‬تلمحوا القصد‪ ,‬فقرب عليهم البعيد‪ ,‬وكلما أمرت لم‬
‫الياة‪ ,‬حلى لم تذكر ‪{:‬هذا يومكم الذي كنتم توعدون} النبياء ‪.103‬‬

‫على كل مغب الطالع قات‬ ‫وركب سروا‪ ,‬والليل ملق رواقه‬


‫فصار سراهم ف ظهور العزائم‬ ‫حدوا عزمات ضاعت الرض بينها‬
‫على عاتق الشعري‪ ,‬وهام النعائم‬ ‫تريهم نوم الليل ما تبتغونه‬
‫رماح العطايا ف صدور الكارم‬ ‫اذا اطردت ف معرك الد قصفوا‬

‫ملق‪ :‬الود واللطف‪ ,‬الرواق‪ :‬القدمة والانب‪.‬‬

‫فصل‬

‫‪33‬‬
‫*من أعجب الشياء أ‪ ،‬تعرفه ث ل تبه‪ ,‬وأن تسمع داعيه‪ ,‬ث تتأخر عن الجابة‪ .‬وأن تعرف قدر الربح ف معاملته‪ ,‬ث تعامل‬
‫غيه‪ .‬وأن تعرف قدر غضبه‪ ,‬ث تتعرّض له‪ .‬وأن تذوق عصرة القلب عند الوض ف غي حديثه والديث عنه‪ ,‬ث ل تشتاق ال‬
‫انشراح الصدر بذكره ومناجاته‪ .‬وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيه‪ ,‬ول ترب منه ال نعيم القبال عليه‪ ,‬والنابة اليه‪.‬‬

‫*وأعجب من هذا علمك أن ل بد لك منه‪ ,‬وأنك أحوج شيء اليه‪ ,‬وأنت عنه معرض‪ ,‬وفيما يبعدك عنه راغب‪.‬‬

‫[‪ ]24‬فائدة‬

‫•ما أخذ العبد ما حرم عليه ال من جهتي‪ :‬احداها‪ :‬سوء ظنه بربه‪ ,‬وأنه لو أطاعه وآثره ل يعطه خيا منه حلل‪ ,‬والثانية‪:‬‬
‫أن يكون عالا بذلك‪ ,‬وأن من ترك ل شيئا أعاضه خيا منه (أعطاه خيا منه)‪ ,‬لكن تغلب شهوته صبه‪ ,‬وهواه عقله‪.‬‬
‫فالول من ضعف علمه‪ ,‬والثان من ضعف عقله وبصيته‪.‬‬

‫قال يي بن معاذ‪ :‬من جع ال عليه قلبه‪ ,‬وصدقت ضرورته وفاقته‪ ,‬وقوي رجاؤه‪ ,‬فل يكاد يرد دعاؤه‪.‬‬
‫(فصل)‬

‫•لا رأى التيقظون سطوة الدنيا بأهلها‪ ,‬وخداع المل لربابه‪ ,‬وتلك الشيطان قياد النفوس‪ ,‬ورأوا الدولة للنفس المارة‪,‬‬
‫لأوا ال حصن التضرّع واللتجاء‪ ,‬كما يأوي العبد الذعور ال حرم سيده‪.‬‬

‫•شهوات الدنيا ك "لعب اليال"‪ ,‬ونظر الاهل مقصور على الظاهر‪ ,‬فأما ذو العقل فيى ما وراء الستر‪.‬‬

‫•لح لم الشتهى‪ ,‬فلما مدوا أيدي التناول بأن لبصار البصائر خيط الفخ‪ ,‬فطاروا بأجنحة الذر‪ ,‬وصوبوا ال الرحيل‬
‫الثان‪{ :‬يا ليت قومي يعلمون} يونس ‪ ,26‬تلمح القوم الود‪ ,‬ففهموا القصود‪ ,‬فأجعوا الرحيل وشروا للسي ف سواء‬
‫السبيل‪ ,‬فالناس مشتغلون بالفضلت‪ ,‬وهم ف قطع الفلوات‪ ,‬وعصافي الوى ف وثاق الشبكة ينتظرون الذبح‪.‬‬

‫•وقع ثعلبان ف شبكة‪ ,‬فقال أحدهم للخر‪ :‬أين اللتقى بعد هذا؟ فقال‪ :‬بعد يومي ف الدباغة‪.‬‬

‫•تال ما كانت اليام ال مناما‪ ,‬فاستيقظوا وقد حصلوا على الظفر‪.‬‬

‫•ما مضى من الدنيا أحلم‪ ,‬وما بقي منها أمان‪ ,‬والوقت ضائع بينهما‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫•كيف يسلم من له زوجة ل ترحه‪ ,‬وولد ل يعذره‪ ,‬وجار ل يأمنه‪ ,‬وصاحب ل ينصحه‪ ,‬وشريك ل ينصفه‪ ,‬وعدو ل ينام‬
‫عن معاداته‪ ,‬ونفس أمارة بالسوء‪ ,‬ودنيا متزيّنة‪ ,‬وهوى مرد‪ ,‬وشهوة غالبة له‪ ,‬وغضب قاهر‪ ,‬وشيطان مزين‪ ,‬وضعف‬
‫مستول عليه‪ .‬فان توله ال وجذبه اليه انقهرت له هذه كلها‪ ,‬وان تلى عنه ووكله ال نفسه اجتمعت عليه فكانت‬
‫اللكة‪.‬‬

‫•لا أعرض الناس عن تكيم الكتاب والسنة والحاكمة اليهما‪ ,‬واعتقدوا عدم الكتفاء بما‪ ,‬وعدلوا ال الراء والقياس‬
‫والستحسان وأقوال الشيوخ‪ ,‬عرض لم من ذلك فساد ف فطرهم‪ ,‬وظلمة ف قلوبم‪ ,‬وكدر ف أفهامهم‪ ,‬ومق ف‬
‫عقولم‪ .‬وعمتهم هذه هذه المور وغلبت عليهم‪ ,‬حت رب فيها الصغي‪ ,‬وهرم عليها الكبي‪ ,‬فلم يروها منكرا‪ .‬فجاءتم‬
‫دولة أخرى قامت فيها البدع مكان السنن‪ ,‬والنفس مقام العقل‪ ,‬والوى مقام الرشد‪ ,‬والضلل مقام الدى‪ ,‬والنكر مقام‬
‫العروف‪ ,‬والهل مقام العلم‪ ,‬والرياء مقام الخلص‪ ,‬والباطل مقام الخلص‪ ,‬والباطل مقام الق‪ ,‬والكذب مقام الشرك‪,‬‬
‫والداهنة مقابل النصيحة‪ ,‬والظلم مقام العدل‪ .‬فصارت الدولة والغلبة لذه المور‪ ,‬وأهلها هم الشار اليهم فاذا رأيت دولة‬
‫هذه المور قد أقبلت‪ ,‬وراياته قد نصبت‪ ,‬وجيوشها قد ركبت‪ ,‬فبطن الرض وال خي من ظهرها‪ ,‬وقلل البال خي‬
‫مكن السهول‪ ,‬ومالطة الوحش أسلم من مالطة الناس‪.‬‬

‫اقشعرّت الرض وأظلمت السماء‪ ,‬وظهر الفساد ف الب والبحر من ظلم الفجرة‪ ,‬وذهبت البكات‪ ,‬وقلّت اليات‪ ,‬وهزلت‬
‫الوحوش‪ ,‬وتكدرت الياة من فسق الظلمة‪ ,‬بكى ضوء النهار وظلمة الليل من العمال البيثة والفعال الفظيعة‪ ,‬وشكا الكرام‬
‫الكاتبون والعقبات ال ربم من كثرة الفواحش وغلبة النكرات والقبائح‪ .‬وهذا وال منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه‪,‬‬
‫ومؤذن بليل بلء قد أدلم ظلمه‪ .‬فاعزلوا عن الطريق هذا السيل بتوبة مكنة وبابا مفتوح‪ .‬وكأنكم بالباب وقد أغلق‪,‬‬
‫وبالرهن وقد غلق وبالناح وقد علق {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} الشعراء ‪.227‬‬

‫•اشتر نفسك اليوم‪ ,‬فان السوق قائمة‪ ,‬والثمن موجود‪ ,‬والبضائع رخيصة‪ ,‬وسيأت على تلك البضائع يوم ل تصل فيه ال‬
‫قليل ول كثي‪.. { :‬وذلك يوم التغابن} التغابن ‪ { ,9‬ويوم يعض الظال على يديه} الفرقان ‪.27‬‬

‫وأبصرت يوم الشر من قد تزودا‬ ‫اذا أنت ل ترحل بزاد من التقى‬


‫وأنك ل ترصد كما كان أرصدا‬ ‫ندمت على أن ل تكون كمثله‬

‫•العمل بغي اخلص ول اقتداء كالسافر يلء جرابه رمل يثقله ول ينفعه‪.‬‬
‫•اذا حلت على القلب هوه الدنيا وأثقالا‪ ,‬وتاونت بأورادها الت هي قوته وحياته‪ ,‬كنت كالسافر الذي يمل دابته فوق‬
‫طاقتها ول يوفيها علفها‪ ,‬فما أسرع ما تقف به‪.‬‬

‫حيان ل ظفران ول اخفاق‬ ‫ومشتت العزمات ينفق عمره‬

‫‪35‬‬
‫فما كل سي اليعملت وخيد‬ ‫هل السائق العجلن يلك أمره‬
‫تداس جباه تتها وخدود‬ ‫رويدا بأخفاف الطى فانا‬

‫اليعمل ‪ :‬الناقة الت تعمل كثيا‪ ,‬العذرة ‪ :‬خد البعي اذا أسرعت ف الشي‪.‬‬
‫•من تلمح حلوة العافية هانت عليه مرارة الصب‪.‬‬
‫•الغاية أول ف التقدير‪ ,‬آخر ف الوجود‪ ,‬مبدأ ف نظر العقل‪ ,‬منتهى ف منازل الوصول‪.‬‬
‫•ألفت عجز العادة‪ ,‬فلو علت بك هّتك ربا العال لحت لك أنوار العزائم‪.‬‬
‫•انا تفاوت القوم بالمم ل بالصور‪.‬‬

‫نزول هة الكساح دله ف جب العذرة‪ .‬الكساح‪ :‬داء يصيب البل‪ ,‬العذرة فناء البيت‪ ,‬وكذلك يقال للغائط‪.‬‬

‫•بينك وبي الفائزين جبل الرم‪ ,‬نزلوا بي يديه ونزلت خلفه‪ ,‬فاطو فصل منل‪ ,‬تلحق بالقوم‪.‬‬
‫•الدنيا مضمار سباق‪ ,‬وقد انعقد الغبار وخفى السابق‪ ,‬والناس ف الضمار بي فارس وراجل وأصحاب حر معقرة‪.‬‬

‫أفرس تتك أو حار‬ ‫سوف ترى اذا انلى الغبار‬

‫•ف الطبع شره‪ ,‬والمية أوفق‪.‬‬


‫•لص الرص ل يشي ال ف ظلم الوى‪.‬‬
‫•حبة الشتهى تت فخ التلف‪ ,‬فتفكر الذبح وقد هان الصب‪.‬‬
‫•قوة الطمع ف بلوغ المل توجب الجتهاد ف الطلب‪ ,‬وشدة الذر من فوت الأمول‪.‬‬
‫•البخيل فقي ل يؤجر على فقره‪.‬‬
‫•الصب على عطش الضر‪ ,‬ول الشرب من شرعة منّ‪.‬‬
‫•توع الرة‪ ,‬ول تأكل بثدييها‪.‬‬
‫•ل تسأل سوى مولك‪ ,‬فسؤال العبد غي سيده تشنيع عليه‪.‬‬
‫•غرس اللوة يثمر النس‪.‬‬
‫•استوحش ما ل يدوم معك‪ ,‬واستأنس بن ل يفارقك‪.‬‬
‫•عزلة الاهل فساد‪ ,‬وأما عزلة العال فمعها حذاؤها وسقاؤها‪.‬‬
‫•اذا اجتمع العقل واليقي ف بيت العزلة‪ ,‬واستحضر الفكر وجرت بينهم مناجاة‪:‬‬

‫شهى الينا نثره ونظامه‬ ‫أتاك حديث ل يل ساعه‬

‫‪36‬‬
‫وزال عن القلب العن ظلمه‬ ‫اذا ذكرته النفس زال عناؤها‬

‫•اذا خرجت من عدوك لفظة سفه‪ ,‬فل تلحقها بثلها تلقّحها‪ ,‬ونسل الصام نسل مذموم‪.‬‬
‫•حيتك لنفسك أثر الهل با‪ ,‬فلو عرفتها حق معرفتها أعنت الصم عليها‪.‬‬
‫•اذا اقتدحت نار النتقام من نار الغضب ابتدأت براق القادح‪.‬‬
‫•أوثق غضبك بسلسلة اللم‪ ,‬فانه كلب ان أفلت أتلف‪.‬‬
‫•من سبقت له سابقة السعادة‪ ,‬دل على الدليل قبل الطلب‪.‬‬
‫•اذا أراد القدر شخصا بذر ف أرض قلبه بذر التوفيق‪ ,‬ث سقاه باء الرغبة والرهبة‪ ,‬ث أقام عليه بأطوار الراقبة‪ ,‬واستخدم له‬
‫حارس العلم‪ ,‬فاذا الزرع قائم على سوقه‪.‬‬
‫•اذا طلع نم المة ف ظلم ليل البطالة‪ ,‬وردفه قمر العزية‪ ,‬أشرقت أرض القلب بنور ربا‪.‬‬
‫•اذا جن الليل تغالب النوم والسهر‪ ,‬فالوف والشوق ف مقدم عسكر اليقظة‪ ,‬والكسل والتوان ف كتيبة الغفلة‪ ,‬فاذا حل‬
‫العزم حل على اليمنة فانزمت جنود التفريط‪ ,‬فما يطلع الفجر ال وقد قسمت السهمان وبردت الغنيمة لهلها‪.‬‬
‫•سفر الليل ل بطيقه ال مضمر الجاعة‪ ,‬النجائب ف الول‪ ,‬وحاملت الزاد ف الخي‪.‬‬
‫•ل تسأم الوقوف على الباب ولوطردت‪ ,‬ول تقطع العتذار ولو ردت‪ ,‬فان فتح الباب للمقبولي دونك فاهجم هجوم‬
‫الكذابي وادخل دخول الطفيلية وابسط كف {وتصدّق علينا} يوسف ‪.88‬‬
‫•يا مستفتحا باب العاش بغي اقليد التقوى (أي مفتاحها)‪ ,‬كيف توسع طريق الطايا وتشكو ضيق الزرع‪.‬‬
‫•لو وقفت عند مراد التقوى ل يفتك مراد‪.‬‬
‫•العاصي سد ف باب الكسب‪ ,‬و" ان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"‪ ,‬جزء من حديث أخرجه ابن ماجه ‪1334\2‬‬
‫رقم ‪ ,4022‬وأحد ‪ ,277\5‬عن ثوبان‪.‬‬

‫ال وجدت الرض تطوي ل‬ ‫تال ما جئتكم زائرا‬


‫ال عثرت بأذيال‬ ‫ول انثن عزمي عن بابكم‬

‫•الرواح هي الشباح كالطيار ف البراج‪ ,‬وليس ما أعد للستفراخ كمن هيء للسباق‪.‬‬
‫•من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من العمل وبأي شغل يشغله‪.‬‬
‫•كن من أبناء الخرة ول تكن من أبناء الدنيا‪ ,‬فان الوليد يتبع الم‪.‬‬
‫•الدنيا ل تساوي نقل أقدامك اليها‪ ,‬فكيف تعدو خلفها؟‪.‬‬
‫•الدنيا ماز والخرة وطن‪ ,‬والوطار انا تطلب من الوطان‪ .‬الجتماع بالوان قسمان‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت‪ ,‬فهذا مضرّته أرجح من منفعته‪ ,‬وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع‬
‫الوقت‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ثانيهما‪ :‬الجتماع بم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالق والصب‪ ,‬فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها‪ ,‬ولكن فيها‬
‫ثلث آفات‪:‬‬
‫الول‪ :‬تزين بعضهم لبعض‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬الكلم واللطة أكثر من الاجة‪ .‬الثالثة‪ :‬أن يصي ذلك شهوة وعادة ينقطع با عن القصود‪.‬‬

‫وبالملة‪ ,‬فالجتماع واللطة لقاح امل للنفس المارة واما للقلب والنفس الطمئنة‪ ,‬والنتيجة مستفادة من اللقاح‪ ,‬فمن طاب‬
‫لقاحه طابت ثرته‪ ,‬وهكذا الرواح الطيّبة لقاحها من اللك‪ ,‬والبيثة لقاحها من الشيطان‪ ,‬وقد جعل ال سبحانه بكمته‬
‫الطيبات للطيبي‪ ,‬والطيبي للطيبات وعكس ذلك‪ .‬اقرأ الية ‪ 26‬من سورة النور‪.‬‬

‫[‪( ]25‬قاعدة)‬
‫السباب الشهودة والسباب الغائبة‬

‫ليس ف الوجود من المكن سبب واحد مستقل بالتأثي‪ ,‬بل ل يؤثر سبب البتة ال بانضمام سبب آخر اليه وانتفاء مانع ينع‬
‫تأثيه‪ .‬هذا ف السباب الشهودة بالعيان‪ ,‬وف السباب الغائبة و السباب العنوية كتأثي الشمس ف اليوان والنبات فانه‬
‫موقوف على أسباب أخر‪ ,‬من وجود مل قابل‪, ,‬اسباب أخر تنضم ال ذلك السبب‪ .‬وكذلك حصول الولد موقوف على عدة‬
‫أسباب غي وطء الفحل‪ ,‬وكذلك جيع السباب مع مسبباتا‪ ,‬فكل ما ياف ويرجى من الخلوقات فأعلى غاياته أن يكون‬
‫جزء سبب غي مستقل بالتأثي وحده دون توقف تأثيه على غيه ال ال الواحد القهّار‪ ,‬فل ينبغي أن يرجى ول ياف غيه‪.‬‬
‫وهذا برهان قطعي على أن تعلق الرجاء والوف بغيه باطل‪ ,‬فانه لو فرض أن ذلك سبب مستقل وحده بالتأثي لكانت سببيته‬
‫من غيه ل منه‪ ,‬فليس له من نفسه قوة يفعل با‪ ,‬فانه ل حول ول قوة ال بال فهو الذي بيده الول كله والقوة كلها‪ ,‬فالول‬
‫والقوة الت يرجى لجلهما الخلوق وياف انا ها ل وبيده ف القيقة‪ .‬فكيف ياف ويرجى من ل حول له ول قوة‪ ,‬بل‬
‫خوف الخلوق ورجاؤهىأحد أسباب الرمان ونزول الكروهةبن يرجوه ويافه‪ ,‬فانه على قدر خوفك من غي ال يسلط‬
‫عليك‪ ,‬وعلى قدر رجائك لغيه يكون الرمان‪ ,‬وهذا حال اللق أجعه‪ ,‬وان ذهب عن أكثرهم علما وحال‪ ,‬فما شاء ال‬
‫كان ول بد وما ل يشأ ل يكن ولواتفقت عليه الليقة‪.‬‬

‫[‪ ]26‬التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه‬

‫التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه‪ :‬فأما أعدائه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها‪{ :‬فاذا ركبوا ف الفلك دعوا ال ملصي له‬
‫الدين فلما نّاهم ال البّ اذا هم يشركون} العنكبوت ‪ .65‬وأما أولياؤه فينجيهم من كربات الدنيا والخرة وشدائدها‪.‬‬
‫ولذلك فزع اليه يونس‪ ,‬فنجّاه ال من تلك الظلمات ‪ ,‬اقرأ النبياء آية رقم ‪ .88-87‬وفزع اليه أتباع الرسل فنجوا به ما‬
‫عذب به الشركون ف الدنيا وما أعد لم ف الخرة‪ .‬ولا فزع اليه فرعون‪ ,‬عند معاينة اللك وادراك الغرق‪ ,‬ل ينفعه ‪ ,‬اقرأ‬
‫الية رقم ‪ 92-90‬من سورة يونس‪ ,‬لن اليان عند العاينة ل يقبل‪ .‬هذه سنة ال ف عباده‪ .‬ما دفعت شدائد الدنيا بثل‬

‫‪38‬‬
‫التوحيد‪ .‬ولذلك كان دعاء الكرب* بالتوحيد ودعوة ذي النون* الت ما دعا با مكروب ال فرّج ال كربه بالتوحيد‪ .‬فل يلقى‬
‫ف الكرب العظام ال الشرك ول ينجي منها ال التوحيد‪ ,‬فهو مفزع الليقة وملجؤها وحصنها وغياثها‪ .‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫*دعاء الكرب أخرجه البخاري ف الدعوات ‪ 149\11‬برقم ‪ ,6345‬ومسلم والترمذي وأحد‪ .‬عن ابن عباس قال‪ :‬كان‬
‫النب صلى ال عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول‪ " :‬ل اله ال ال العظيم الليم‪ ,‬ل اله ال ال رب السموات والرض ورب‬
‫العرش العظيم"‪.‬‬

‫*وهو سيدنا يونس عليه السلم والدعاء القصود هو قوله تعال {ل اله ال أنت سبحانك ان كنت من الظالي} ‪ ,‬وقد صح‬
‫ف الديث عن سعد بن أب وقّاص قال‪ :‬شهدت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ ":‬ان لعلم كلمة ل يقولا مكروب ال‬
‫فرّج ال عنه كلمة أخي يونس عليه السلم فنادى ف الظلمات‪{:‬أن ل اله ال أنت سبحانك ان كنت من الظالي}‪.‬‬

‫[‪( ]27‬فائدة)‬
‫اللذة تابعة للمحبة‬

‫اللذة تابعة للمحبة‪ ,‬تقوى بقوتا وتضعف بضعفها‪ ,‬فكلما كانت الرغبة ف الحبوب والشوق اليه أقوى كانت اللذة‬
‫بالوصول اليه أت والحبة والشوق تابع لعرفته والعلم به‪ ,‬فكلما كان العلم به أت كلنت مبته أكمل‪ ,‬فاذا رجع كمال النعيم ف‬
‫الخرة وكمال اللذة ال العلم والب‪ ,‬فمن كان يؤمن بال وأسائه وصفاته ودينه أعرف‪ ,‬كان له أحب‪ ,‬وكانت لذته‬
‫بالوصول اليه وماورته والنظر ال وجهه وساع كلمه أت‪ .‬وكل لذة ونعيم وسرور وبجة بالضافة ال ذلك كقطرة ف بر‪,‬‬
‫فكيف يؤثر من له عقل لذة ضعيفة قصية مشوبة باللم على لذة عظيمة دائمة أبد الباد؟! وكمال العبد بسب هاتي‬
‫القوتي‪ :‬العلم والب‪ ,‬وأفضل العلم العلم بال‪ ,‬وأعلى الب الب له‪ ,‬وأكمل اللذة بسبهما‪ .‬وال الستعان‪.‬‬

‫[‪( ]28‬قاعدة)‬
‫حبسان منجيان‬

‫طالب اله والدار الخرة ل يستقيم له سيه وطلبه ال ببسي‪ .‬حبس قلبه ف طلبه ومطلوبه‪ ,‬وحبسه عن اللتفات ال غية‪.‬‬
‫زحبس لسانه عما ل يفيده‪ ,‬وحبسه على ذكر ال وما يزيد ف ايانه ومعرفته‪ .‬وحبس جوارحه عن العاصي والشهوات‪,‬‬
‫وحبسها على الواجبات والندوبات‪ ,‬فل يفارق البس حت يلقى ربه فيخلصه من السجن ال أوسع فضاه وأطيبه‪ .‬ومت ل‬
‫يصب على هذين البسي وفر منهما ال فضاء الشهوات أعقبه ذلك البس الفظيع عند خروجه من الدنيا‪ ,‬فكل خارج من‬
‫الدنيا اما متخلص من البس واما ذاهب ال البس‪ .‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫ودّع ابن عون رجل فقال‪ :‬عليك بتقوى ال‪ ,‬فان التقى ليست عليه وحشة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫وقال زيد بن أسلم‪ :‬كام يقال‪ :‬من اتقى ال أحبه الناس وان كرهوا‪.‬‬
‫وقال الثوري لبن أب ذئب‪ :‬ان اتقيت ال كفاك الناس‪ ,‬وان اتقيت الناس لن يغنوا عنك من ال شيئا‪.‬‬
‫وقال سليمان بن داود‪ :‬أوتينا ما أوت الناس وما ل يؤتوا‪ ,‬وعلّمنا ما علّم الناس وما ل يعلموا‪ ,‬فلم ند شيئا أفضل من تقوى‬
‫ال ف السر والعلنية‪ ,‬والعدل ف الغضب والرضا‪ ,‬والقصد ف الفقر والغن‪.‬‬
‫وف الزهد للمام أحد أثر الي‪ " :‬ما من ملوق اعتصم بخلوق دون ال قطعت أسباب السموات والرض دونه‪ ,‬فان سألن ل‬
‫أعطه‪ ,‬وان دعان ل أجبه‪ ,‬وان استغفرن ل أغفر له‪ .‬وما من ملوق اعتصم ب دون خلقي ال ضمنت له السموات والرض‬
‫رزقه‪ ,‬فان سألن أعطيته‪ ,‬وان دعان أجبته‪ ,‬وان استغفرن غفرت له" ذكره السيوطي ف مسانيد الامع الكبي ‪.123\2‬‬

‫[‪( ]29‬فائدة جليلة)‬

‫جع النب صلى ال عليه وسلم بي تقوى ال وحسن اللق‪ ,‬لن تقوى ال تصلح ما بي العبد وبي ربه‪ ,‬وحسن اللق يصلح‬
‫ما بينه وبي خلقه‪ .‬قتقوى ال توجب له مبة ال‪ ,‬وحسن اللق يدعو الناس ال مبته‪.‬‬

‫[‪( ]30‬فائدة جليلة)‬

‫مواعظ وحكم‪:‬‬

‫بي العبد وبي ال والنة قنطرة تقطع بطوتي‪ :‬خطوة عن نفسه‪ ,‬وخطوة عن اللق‪ ,‬فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبي‬
‫الناس‪ ,‬ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبي ال‪ ,‬فل يلتفت ال ال من دله على ال وعلى الطريق الوصلة اليه‪ .‬صاح بالصحابة‬
‫واعظ‪ {:‬اقترب للناس حسابم} النبياء ‪ ,1‬فجزعت للخوف قلوبم‪ ,‬فجرت من الذر العيون {فسالت أودية بقدرها}‬
‫الرعد ‪.17‬‬

‫تزينت الدنيا لعلي رضي ال عنه فقال‪" :‬أنت طالق ثلثا ل رجعة ل فيك"‪ .‬وكانت تكفيه واحدة للسنة‪ ,‬لكنه جع الثلث‬
‫لئل يتصور للهوى جواز الراجعة‪ .‬ودينه الصحيح وطبعه السليم يأنفان من الحلل‪ ,‬كيف وهو أحد رواة حديش "لعن ال‬
‫الحلل" أحد ف السند ‪ ,107,121 ,87\1‬والنسائي‪ ,‬وأبو يعلى‪ ,‬الترمذي‪ ,‬والبيهقي‪ .‬ما ف هذه الدار موضع خلوة فاتذه‬
‫ف نفسك‪ .‬ل بد أن تذبك الواذب فاعرفها وكن منها على حذر‪ ,‬ول تضرك الشواغل اذا خلوت منها وأنت فيها‪.‬‬

‫نور الق أضوأ من نور الشمس‪ ,‬فيحق لفافيش البصائر أن تعشو عنه‪.‬‬

‫الطريق ال ال خال من أهل الشك ومن الذين يتبعون الشهوات‪ ,‬وهو معمور بأهل اليقي والصب‪ ,‬وهو على الطريق‬
‫كالعلم { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون} السجدة ‪.24‬‬

‫‪40‬‬
‫[‪( ]31‬قاعدة)‬
‫تأثي شهادة أن ل اله ال ال عند الوت ف تكفي السيئات‬

‫لشهادة أن ل اله ال ال عند الوت تأثي عظيم ف تكفي السيئات واحباطها‪ ,‬لنا شهادة من عبد موقن با عارف بضمونا‪,‬‬
‫قد ماتت منه الشهوات ولنت نفسه التمردة‪ ,‬وانقادت بعد ابائها واستعصائها وأقبلت بعد اعراضها وذلت بعد عزها‪ ,‬وخرج‬
‫منها حرصها على الدنيا وفضولا‪ ,‬واستخذت بي يدي ربا فاطرها ومولها الق أذل ما كانت له وأرجى ما كانت لعفوه‬
‫ومغفرته ورحته‪ ,‬وترد منها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك وتقق بطلنه‪ ,‬فزالت منها تلك النازعات ال كانت مشغولة با‪,‬‬
‫واجتمع هها على من أيقنت بالقدوم عليه والصي اليه‪ ,‬فوجه العبد وجهه بكليته اليه‪ ,‬وأقبل بقلبه وروحه وهه عليه‪ .‬فاستسلم‬
‫وحده ظاهرا وباطنا‪ ,‬واستوى سره وعلنيته فقال‪" :‬ل اله ال ال" ملصا من قلبه‪ .‬وقد تلص قلبه من التعلق بغيه واللتفات‬
‫ال ما سواه‪ .‬قد خرجت الدنيا كلها من قلبه‪ .‬قد خرجت الدنيا كلها من قلبه‪ ,‬وشارف القدوم على ربه‪ ,‬وخدت نيان‬
‫شهوته‪ ,‬وامتلء قلبه من الخرة‪ ,‬فصارت نصب عينيه‪ ,‬وصارت الدنيا وراء ظهره‪ ,‬فكانت تلك الشهادة الالصة خاتة عمله‪,‬‬
‫فطهّرته من ذنوبه‪ ,‬وأدخلته على ربه‪ ,‬لنه لقي ربه بشهادة صادقة خالصة‪ ,‬وافق ظاهرها باطنها وسرها عل نيتها‪ ,‬فلو حصلت‬
‫له الشهادة على هذا الوجه ف أيام الصحة لستوحش من الدنيا وأهلها‪ ,‬وفر ال ال من الناس‪ ,‬وأنس به دون ما سواه‪ ,‬لكنه‬
‫شهد با بقلب مشحون بالشهوات وحب الياة وأسبابا‪ ,‬ونفس ملوءة بطلب الظوظ واللتفات ال غي ال‪ .‬فلوتردت‬
‫كتجردها عند الوت لكان لا نبأ آخر وعيش آخر سوى عيشها البهيمي وال الستعان‪.‬‬

‫ماذا يلك من أمره من ناصيته بيد ال ونفسه بيده‪" ,‬وقلبه بي اصبعي من أصابعه يقلبه كيف يشاء" جزء من حديث صحيح‬
‫أخرجه مسلم ف القدر برقم ‪ 2654‬عن عبدال بن عمرو بن العاص‪ ,‬ونصّه‪ " :‬ان قلوب بن آدم كلها بي اصبعي من أصابع‬
‫الرحن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"‪ .‬وحياته بيده وموته بيده وسعادته بيده وشقاوته بيده وحركاته وسكناته وأقواله‬
‫وأفعاله باذنه ومشيئته‪ .‬فل يتحرك ال باذنه‪ ,‬وليفعل ال بشيئته‪.‬‬

‫ان وكله ال نفسه وكله ال عجز وضيعة‪ ,‬وتفريط وذنب وخطيئة‪ .‬وان وكله ال غيه‪ ,‬وكله ال من ل يلك له ضرا ول‬
‫نفعا ول موتا ول حياة ول نشورا‪ .‬وان تلى عنه استول عليه عدوّه وجعله أسيا له‪ .‬فهو ل غن له عنه طرفة عي‪ ,‬بل هو‬
‫مضطر اليه على مدى النفاس ف كل ذرة من ذراته ظاهرا وباطنا‪ ,‬فاقته تامة اليه‪ .‬ومع ذلك فهو متلف عنه معرض عنه‪,‬‬
‫يتبغض اليه بعصيته‪ ,‬مع شدة الضرورة اليه من كل وجه‪ ,‬قد صار لذكره نسيا‪ ,‬واتذه وراءه ظهريا‪ ,‬هذا واليه مرجعه وبي‬
‫يديه موقفه‪.‬‬

‫فرغ خاطرك للهم با أمرت به ول تشغله با ضمن لك‪ ,‬فان الرزق والجل قرينان مضمزنان‪ .‬فما دام الجل باقيا‪ ,‬كان‬
‫الرزق آتيا واذا سد عليك بكمته طريقا من طرقه‪ ,‬فتح لك برحته طريقا أنفع لك منه‪ .‬فتأمّل حال الني يأتيه غذاؤه‪ ,‬وهو‬
‫الدم‪ ,‬من طريق واحدة وهو السرّة (البل السرّي)‪ ,‬فلما خرج من بطن الم‪ ,‬وانقطعت تلك الطريق‪ ,‬فتح له طريقي اثني‬

‫‪41‬‬
‫وأجرى له فيهما رزقا أطيب وألذ من الول‪ ,‬لبنا خالطا سائغا‪ .‬فاذا تت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام فتح طرقا‬
‫أربع أكمل منها‪ :‬طعامان وشرابان‪ ,‬فالطعامان من اليوان والنبات‪ ,‬والشرابان من الياه واللبان وما يضاف اليهما من النافع‬
‫واللذ‪ .‬فاذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الربعة‪ .‬لكنه سبحانه فتح له –ان كان سعيدا‪ -‬طرقا ثانية‪ ,‬وهي أبواب النة‬
‫الثمانية يدخل من أيها يشاء‪.‬‬

‫فهكذا الرب سبحانه ل ينع عبده الؤمن شيئا من الدنيا ال ويؤتيه أفضل منه وأنفع له‪ .‬وليس ذلك لغي الؤمن‪ .‬فانه ينعه‬
‫الظ الدن السيس‪ ,‬ول يرضى له به ليعطيه الظ العلى النفيس‪.‬‬

‫والعبد لهله بصال نفسه‪ ,‬وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه‪ ,‬ل يعرف التفاوت بي ما منع منه وبي ما ادخر له‪ .‬بل هو‬
‫مولع بب العاجل وان كان دنيئا‪ ,‬وبقلة الرغبة ف الجل وان كان عليا‪ .‬ولو أنصف العبد ربه‪ ,‬وأن له بذلك‪ ,‬لعلم أن فضله‬
‫عليه فيما منعه من الدنيا ولذاتا ونعيمها وأعظم من فضله عليه فيما آتاه من ذلك‪ ,‬فما منعه ال ليعطيه‪ ,‬ول ابتله ال ليعافيه‪,‬‬
‫ول امتحنه ال ليصافيه‪ ,‬ول أماته ال ليحييه‪ ,‬ول أخرجه ال هذه الدار ال ليتأهب منها للقدوم عليه وليسلك الطريق الوصلة‬
‫اليه‪ .‬ف { جعل الليل والنهار خلفة لن أراد أن ي ّذكّر أو أراد شكورا} الفرقان ‪ ,62‬و { فأب الظالون ال كفورا} السراء‬
‫‪ ,99‬وال الستعان‪.‬‬

‫*من عرف نفسه اشتغل باصلحها عن عيوب الناس‪ ,‬ومن عرف رباشتغل به عن هوى نفسه‪.‬‬

‫أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس باللص‪ ,‬وعن نفسك بشهود النّة‪ ,‬فل ترى فيه نفسك ول ترى اللق‪.‬‬

‫*دخل الناس النار من ثلث أبواب‪:‬‬

‫باب شبهة أورثت شكا ف دين ال‪ .‬وباب شهوة أورثت تقدي الوى على طاعته ومرضاته‪ .‬وباب غضب أورث العدوان‬
‫على خلقه‪.‬‬

‫*أصول الطايا كلها ثلث‪ :‬الكب‪ :‬وهو الذي أصار ابليس ال ما أصاره‪ .‬والرص‪ :‬وهو الذي أخرج آدم من النة‪ .‬والسد‪:‬‬
‫وهو الذي جرّأ أحد ابن آدم على أخيه‪.‬‬

‫فمن وقي شر هذه الثلثة فقد وقى الشر‪ .‬فالكفر من الكب‪ ,‬والعاصي من الرص‪ ,‬والبغي والظلم من السد‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫*جعل ال بكمته كل جزء من أجزاء ابن آدم‪ ,‬ظاهرة وباطنة‪ ,‬آله لشيء اذا استعمل فيه فهو كماله‪ .‬فالعي آلة للنظر‪ .‬والذن‬
‫آلة للسماع‪ .‬والنف آلة للشم‪ .‬واللسان للنطق‪ .‬والفرج للنكاح‪ .‬واليد للبطش‪ .‬والرجل للمشي‪ .‬والقلب للتوحيد والعرفة‪.‬‬
‫والروح للمحبة‪ .‬والعقل آلة للتفكر والتدبر لعواقب المور الدينية والدنيوية وايثار ما ينبغي ايثاره واهال ما ينبغي اهاله‪.‬‬

‫*أخسر الناس صفقة من اشتغل عن ال بنفسه‪ ,‬بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس‪.‬‬

‫*ف السنن من حديث أب سعيد يرفعه "اذا أصبح ابن آدم فان العضاء كلها تكفر اللسان‪ ,‬تقول‪ :‬اتق ال‪ ,‬فانا نن بك‪ ,‬فان‬
‫استقمت استقمنا‪ ,‬وان اعوججت اعوججنا" حديث حسن أخرجه الترمذي ف الزهد ‪ 523\4‬رقم ‪ ,2407‬وأحد وابن‬
‫البارك‪ ,‬وابن السن‪ ,‬وأبو نعيم‪ ,‬والبيهقي والسيوطي‪.‬‬

‫قوله‪ ":‬تكفر اللسان"‪ ,‬قيل‪ :‬معناه تضع له‪ ,‬وف الديث‪ :‬ان الصحابة لا دخلوا على النجاشي ل يكفروا له‪ ,‬حديث دخول‬
‫الصحابة على النجاشي أخرجه أحد ف السند ‪ ,290\5 ,202\1‬عن أم سلمة باسناد صحيح‪ ,‬وابن هشام ف السية‪ .‬أي‬
‫ل يسجدوا له ويضعوا‪ .‬ولذلك قال له عمرو بن العاص ‪ :‬أيها اللك انم ل يكفرون لك‪.‬‬

‫وانا خضعت للسان لنه بريد القلب وترجانه والواسطة بينه وبي العضاء‪ .‬وقولا‪":‬انا نن بك"‪ ,‬أي ناتنا بك وهلكنا‬
‫بك‪ ,‬ولذا قالت ‪ ":‬فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا"‪.‬‬

‫[‪ ]32‬فاتقوا ال وأجلوا الطلب‬

‫•جع النب صلى ال عليه وسلم ف قوله‪ ":‬فاتقوا ال وأجلوا ف الطلب" أخرجه ابن ماجه ف الكفارات ‪( 725\2‬‬
‫‪ .)2144‬بي مصال الدنيا والخرة‪ ,‬ونعيمها ولذاتا انا ينال بتقوى ال‪ .‬وراحة القلب والبدن‪ ,‬وترك الهتمام والرص‬
‫الشديد والتعب والعناد والكد والشقاء ف طلب الدنيا‪ ,‬انا ينال بالجال ف الطلب‪ ,‬فمن اتقى ال فاز بلذة الخرة‬
‫ونعيمها‪ ,‬ومن أجل ف الطلب استراح من نكد الدنيا وهومها‪ ,‬فال الستعان‪.‬‬

‫لو كان ف ذا اللق من يسمع‬ ‫قد نادت الدنيا على نفسها‬


‫وجامع فرقت ما يمع‬ ‫كم واثق بالعيش أهلكته‬

‫(فائدة)‬
‫جع النب صلى ال عليه وسلم ف تعوذه بي الأث والغرم‪ ,‬فان الأث يوجب خسارة الخرة‪ ,‬والغرم يوجب خسارة الدنيا‪.‬‬

‫[‪( ]33‬فائدة)‬

‫‪43‬‬
‫قال ال تعال‪{ :‬والذين جاهدوا فينا لنهديّنهم سبلنا} العنكبوت ‪ .69‬علق سبحانه الداية بالهاد‪ ,‬فأكمل الناس هداية‬
‫أعظمهم جهادا‪ ,‬وأفرض الهاد جهاد النفس‪ ,‬وجهاد الوى‪ ,‬وجهاد الشيطان‪ ,‬وجهاد الدنيا فمن جاهد هذه الربعة ف ال‬
‫هداه ال سبل رضاه الوصلة ال جنته‪ ,‬ومن ترك الهاد فاته من الدى بسب ما عطل من الهاد‪.‬‬
‫قال النيد‪ :‬والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لنهدينهم سبل الخلص‪ ,‬ول يتمكن من جهاد عدوه ف الظاهر ال من‬
‫جاهد هذه العداء باطنا‪ ,‬فمن نصر عليها نصر على عدوه‪ ,‬ومن نصرت عليه نصر عليه عدوه‪.‬‬

‫[‪ ]34‬العداوة بي الي والشر‬

‫ألقى ال سبحانه العداوة بي الشيطان وبي اللك‪ ,‬والعداوة بي العقل وبي الوى‪ ,‬والعداوة بي النفس المارة وبي القلب‪.‬‬
‫وابتلى العبد بذلك وجع له بي هؤلء‪ ,‬وأمد كل حزب بنود وأعوان‪ ,‬فل تزال الرب سجال ودول بي الفريقي‪ ,‬ال أن‬
‫يستول أحدها على الخر‪ ,‬ويكون الخر مقهورا معه‪ .‬فاذا كانت النوبة للقلب والعقل واللك فهناك السرور والنعيم واللذة‬
‫والبهجة والفرح قرة العي وطيب الياة وانشراح الصدر والفوز بالغنائم‪.‬‬

‫واذا كانت النوبة للنفس والوى والشيطان فهنالك الغموم والموم والحزان وأنواع الكاره وضيق الصدر ةحبس اللك‪ .‬فما‬
‫ظنك بلك استول عليه عدوه فأنزله عن سرير ملكه وأسره وحبسه وحال بينه وبي خزائنه وذخائره وخدمه وصيّرها له‪ ,‬ومع‬
‫هذا فل يتحرك اللك لطلب ثأره‪ ,‬ول يستغيث بن يغيثه‪ ,‬ول يستنجد بن ينجده‪ .‬وفوق هذا اللك ملك قاهر ل يقهر‪,‬‬
‫وغالب ل يغلب‪ ,‬وعزيز ل يذل‪ ,‬فأرسل اليه‪ :‬ان استنصرتن نصرتك‪ ,‬وان استغثت ب أغثتك‪ ,‬وان التجأت ال أخذت بثأرك‪,‬‬
‫وان هربت ال وأويت ال سلطتك على عدوك جعلته تت أسرك‪.‬‬

‫فان قال هذا اللك الأسور‪ :‬قد شد عدوي وثاقي وأحكم رباطي‪ ,‬واستوثق من بالقيود‪ ,‬ومنعن من النهوض اليك‪ ,‬والفرار‬
‫اليك‪ ,‬والسي ال بابك‪ ,‬فان أرسلت جندا من عندك يل وثاقي‪ ,‬ويفك قيودي‪ ,‬ويرجن من حبسه‪ ,‬أمكنن أن أواف بابك‪,‬‬
‫وال ل يكنن مفارقة مبسي‪ ,‬ول كسر قيودي‪.‬‬

‫فان قال ذلك احتجاجا على ذلك السلطان‪ ,‬ودفعا لرسالته‪ ,‬ورضا با هو فيه عند عدوّه‪ ,‬خله السلطان العظم وحاله ووله‬
‫ما تول‪ .‬وان قال ذلك افتقارا اليه‪ ,‬واظهارا لعجزه وذله‪ ,‬وأنه أضعف وأعجز من أن يسي اليه بنفسه‪ ,‬ويرج من حبس عدوه‪,‬‬
‫ويتخلص منه بوله وقوته‪ ,‬وأن من تام نعمة ذلك عليه‪ ,‬كما أرسل اليه هذه الرسالة‪ ,‬أن يده من جنده وماليكه بن يعينه على‬
‫اللص‪ ,‬ويكسر باب مبسه‪ ,‬ويفك قيوده‪.‬‬

‫فان فعل به ذلك فقد أت انعامه عليه‪ ,‬وان تلى عنه‪ ,‬فلم يظلمه‪ ,‬ول منعه حقا هو له‪ ,‬وأن رحته وحكمته اقتضى منعه‬
‫وتليته ف مبسه‪ ,‬ول سيما اذا علم أن البس حبيه‪ ,‬وأن هذا العدو الذي حبسه ملوك من ماليكه‪ ,‬وعبد من عبيده‪ ,‬ناصيته‬

‫‪44‬‬
‫بيده ل يتصرف ال باذنه ومشيئته‪ ,‬فهو غي ملتفت اليه‪ ,‬ول خائف منه‪ ,‬ول معتقد أن له شيئا من المر‪ ,‬ول بيده نفع ول‬
‫ضر‪ ,‬بل هو ناظر ال مالكه‪ ,‬ومتول أمره ومن ناصيته بيده‪ ,‬وقد أفرده بالوف والرجاء‪ ,‬والتضرّع اليه واللتجاء‪ ,‬والرغبة‬
‫والرهبة‪ ,‬فهناك تأتيه جيوش النصر والظفر‪.‬‬

‫أعلى المم ف طلب العلم‪ ,‬طلب علم الكتاب والسنة‪ ,‬والفهم عن ال ورسوله نفس الراد‪ ,‬وعلم حدود النل‪ .‬وأخّس هوه‬
‫طلب العلم‪ ,‬قصر هته على تتبع شواذ السائل‪ ,‬وما ل ينل‪ ,‬ول هو واقع‪ ,‬أو كانت هته معرفة الختلف‪ ,‬وتتبع أقوال‬
‫الناس‪ ,‬وليس له هة ال معرفة الصحيح من تلك القوال‪ .‬وقلّ أن ينتفع واحد من هؤلء بعلمه‪.‬‬

‫وأعلى المم ف باب الرادة أن تكون المة متعلقة بحبة ال والوقوف مع مراده الدين المري‪ .‬وأسفلها أن تكون المة‬
‫واقفة مع مراد صاحبها من ال‪ ,‬فهو انا يعبد لراده منه ل لراد ال منه‪ ,‬فالول يريد ال ويريد مراده‪ ,‬والثان‪ :‬يريد من ال وهو‬
‫فارغ عن ارادته‪.‬‬

‫علماء السوء جلسوا على باب النة يدعون اليها الناس بأقوالم ويدعونم ال النار بأفعالم‪ ,‬فكلما قالت أقوالم للناس‪:‬‬
‫هلموا‪ :‬قالت أفعالم‪:‬ل تسمعوا منهم‪ .‬فلو كان ما دعوا اليه حقا كانوا أول الستجيبي له‪ ,‬فهم ف الصورة أدلء وف القيقة‬
‫قطّاع طرق‪ .‬اذا كان ال وحده حظك ومرادك فالفضل كله تابع لك يزدلف اليك‪ ,‬أي أنواعه تبدأ به‪ ,‬واذا كان حظك ما‬
‫تنال منه‪ ,‬فالفضل موقوف عنك لنه بيده تابع له‪ ,‬فعل من أفعاله‪ ,‬فاذا حصل لك‪ ,‬حصل لك الفضل بطريق الضمن والتبع‪,‬‬
‫واذا كان الفضل مقصودك‪ ,‬ل يصل ال بطريق الضمن والتبع‪ ,‬فان كنت قد عرفته‪ ,‬وأنست به‪ ,‬ث سقطت ال طلب الفضل‪,‬‬
‫حرمك اياه عقوبة لك ففاتك ال وفاتك الفضل‪.‬‬

‫[‪ ]35‬صب الرسول صلى ال عليه وسلم وانتصاره‬

‫لا خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم من حصر العدو دخل ف حصر النصر‪ ,‬فبعثت أيدي سراياه بالنصر ف الطراف‪,‬‬
‫فطار ذكره ف الفاق‪ ,‬فصار اللق معه ثلثة أقسام‪:‬‬

‫مؤمن به‪ ,‬ومسال له‪ ,‬وخائف منه‪ .‬ألقى الصب ف مزرعة‪ {:‬فاصب كما صب أولوا العزم من الرسل} الحقاف ‪ ,35‬فاذا‬
‫أغصان النبات تتز بزامى‪{ :‬والرمات قصاص} البقرة ‪.194‬‬

‫فدخل مكة دخول ما دخله أحدا قبله ول بعده‪ ,‬حوله الهاجرون والنصار ل يبي منهم ال الدق‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫والصحابة على مراتبهم‪ ,‬واللئكة فوق رؤوسهم‪ ,‬وجبيل يتردد بينه وبي ربه‪ ,‬وقد أباح له حرمه الذي ل يله لحد سواه‪,‬‬
‫فلما قايس بي هذا اليوم وبي يوم‪ {:‬واذ يكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يرجوك}النفال ‪ ,30‬فأخرجوه ثان‬
‫اثني‪ .‬دخل وذقنه تس قربوس سرجه خضوعا وذل لن ألبسه ثوب هذا العز الذي رفعت اليه فيه الليقة رؤوسها ومدت اليه‬
‫اللوك أعناقها‪ .‬فدخل مكة مؤيدا منصورا‪.‬‬

‫وعل بلل فوق الكعبة بعد أن كان ير ف الرمضاء على جر الفتنة‪ ,‬فنشر بزا طوى عن القوم من يوم قوله‪ ":‬أحد أحد"‪.‬‬
‫ورفع صوته بالذان‪ ,‬فأجابته القبائل من كل ناحية‪ ,‬فأقبلوا يؤمون الصوت‪ ,‬فدخلوا ف دين ال أفواجا وكانوا قبل ذلك يأتون‬
‫آحادا‪.‬‬

‫فلما جلس الرسول صلى اله عليه وسلم على منب العز‪ ,‬وما نزل عنه قط‪ ,‬مدت اللوك أعناقها بالضوع اليه‪ .‬فمنهم من سلم‬
‫اليه مفاتيح البلد‪ ,‬ومنهم من سأله الوادعة والصلح‪ ,‬ومنهم من أقر بالزية والصغار‪ .‬ومنهم من أخذ ف المع والتأهب‬
‫للحرب‪ ,‬ول يدر أنه ل يزد على جع الغنائم وسوق الساري اليه‪.‬‬

‫فلما تكامل نصره وبلّغ الرسالة وأدى المانة ةوجاءه منشور‪{ :‬انّا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما‬
‫تأخّر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك ال نصرا عزيز} الفتح ‪ .3-1‬وبعده توقيع‪ { :‬اذا جاء نصر ال‬
‫والفتح ورأيت الناس يدخلون ف دين ال أفواجا } النصر ‪ .1,2‬جاءه رسول ربه ييه بي القام ف الدنيا وبي لقائه‪ ,‬فاختار‬
‫لقاء ربه شوقا اليه‪ ,‬فتزينت النان ليوم قدوم روحه الكرية ل كزينة الدينة يوم قدوم اللك‪.‬‬

‫اذا كان عرش الرحن قد اهتز لوت بعض أتباعه*فرحا واستبشارا بقدوم روحه‪ ,‬فكيف بقدوم روح سيّد اللئق؟ فيا منتسبا‬
‫ال غي هذا الناب‪ ,‬ويا واقفا بغي هذا الباب‪ ,‬ستعلم يوم الشر أي سريرة تكون عليها‪{ :‬يوم تبلى السرائر}الطارق ‪* .9‬‬
‫الذي اهتز له عرش الرحن هو الصحاب الليل سعد بن معاذ فقد جاء ف الديث عن النب صلى ال عليه وسلم‪ ":‬اهتز عرش‬
‫الرحن لوت سعد بن معاذ"‪ .‬البخاري ف مناقب النصار ‪ ,)3803( 154\7‬ومسلم ف فضائل الصحابة ‪( 1915\4‬‬
‫‪ )124-123‬والترمذي‪ ,‬وابن ماجه وأحد‪.‬‬

‫[‪ ]36‬يا مغرور بالمان‬

‫لعن ابليس وأهبط من منل العز بترك سجدة واحدة أمر با‪ ,‬وأخرج آدم من النة بلقمة تناولا‪ ,‬وحجب القاتل بعد أن رآها‬
‫عيانا بلء مف من آدم‪ ,‬وأمر بقتل الزان أشنع القتلت بايلج قدر النلة فيما ل يل‪ ,‬وأمر بايساع الظهر سياطا بكلمة قذف‬
‫أو بقطرة من مسكر‪ ,‬وأبان عضوا من أعضائك بثلثة دراهم (قطع يد السارق اذا سرق ما مقداره ثلثة دراهم)‪ ,‬فل تأمنه أن‬
‫يبسك ف النار بعصية واحدة من معاصيك‪{:‬ول ياف عقباها} الشمس ‪.15‬‬

‫‪46‬‬
‫"دخلت امرأة النار ف هرة" جزء من حديث صحيح‪ ,‬أخرجه البخاري ف بدء اللق ‪ ,)3318( 409\6‬ومسلم ف التوبة‬
‫‪ ,)20( 2110\4‬وابن ماجه وأحد من حديث أبو هريرة‪.‬‬

‫"وان الرجل ليتكلم بالكلمة ل يلقي لا بال يهوي با ف النار أبعد ما بي الشرق والغرب"‪ ,‬معن حديث أخرجه البخاري‬
‫ف الرقاق ‪ 314\11‬رقم (‪ )6477‬عن أب هريرة‪ ":‬ان العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبي فيها يزل با ف النار أبعد ما بي‬
‫الشرق"‪ ,‬ومسلم ف الزهد ‪.2988‬‬

‫"وان الرجل ليعمل بطاعة ال ستي سنة‪ ,‬فاذا كان عند الوت جار(ظلم) ف الوصية فيختم له بسوء عمله فيدخل‬
‫النار"‪.‬أخرجه أبو داود ف الوصايا برقم ‪ ,2868‬والترمذي رقم ‪ ,2118‬من حديث أبو هريرة‪" :‬ان الرجل ليعمل والرأة‬
‫بطاعة ال ستي سنة ث يضرها الوت فيضاران ف الوصية فتجب لما النار"‪.‬‬

‫[‪ ]37‬العمل بآخره والعمل باتته*‬

‫من أحدث قبل السلم بطل ما مضى من صلته‪ ,‬ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعا‪ ,‬ومن أساء ف آخر‬
‫عمره لقي ربه بذلك الوجه‪.‬‬

‫لو قدمت لقمة وجدتا‪ ,‬ولكن يؤذيك الشره‪.‬‬

‫كم جاء الثواب يسعى اليك فوقف بالباب فرده بواب "سوف ولعل وعسى"‪.‬‬

‫كيف الفلح بي ايان ناقص‪ ,‬وأمل زائد‪ ,‬ومرض ل طبيب له ول عائد‪ ,‬وهوى مستيقظ‪ ,‬وعقل راقد‪ ,‬ساهيا ف غمرته‪,‬‬
‫عهما ف سكرته‪ ,‬سابا ف لّة جهله‪ ,‬مستوحشا من ربه‪ ,‬مستأنسا بلقه‪ ,‬ذكر الناس فاكهته وقوته‪ ,‬وذكر ال حبسه وموته‪,‬‬
‫ل منه جزء يسي من ظاهره‪ ,‬وقلبه ويقينه لغيه‪.‬‬

‫يد السبيل با اليه العذل‬ ‫ل كان من اسواك بقية‬

‫جزء من حديث أخرجه البخاري ف القدر ‪ 507\11‬رقم ‪ ,6607‬وأحد ف السند ‪.335\5‬‬

‫[‪ ]38‬لاذا كان أول الخلوقات القلم وآخرها آدم عليه السلم‬

‫‪47‬‬
‫كان أول الخلوقات القلم‪ ,‬ورد بلفظ" أن أول ما خلق ال القلم"‪ ,‬أخرجه أبو داود ف السنة ‪ ,4700‬والترمذي ‪2156‬‬
‫وأحد ف السند عن عبادة بن الصامت‪ ,‬ليكتب القادير قبل كونا‪ ,‬وجعل آدم آخر الخلوقات وف ذلك حكم‪.‬‬
‫الول‪ :‬تهيد الرض قبل الساكن‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أنه الغاية الت خلق لجلها ما سواه من السموات والرض والشمس والقمر والب والبحر‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أنه أحذق الصنّاع يتم عمله بأحسنه وغايته كما يبدؤه بأساسه ومبادئه‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن النفوس متطلعة ال النهايات والواخر دائما‪ ,‬ولذا قال موسى عليه السلم للسحرة‪ :‬أول{ ألقوا ما أنتم‬
‫ملقون}يونس ‪ , 80‬فلما رأى الناس فعلهم تطلعوا ال ما يأت بعده‪.‬‬
‫الامسة‪ :‬أن ال سبحانه أخّر أفضل الرسل والنبياء والمم ال آخر الزمان وجعل الخرة خيا من الول‪ ,‬والنهايات أكمل من‬
‫البدايات‪ ,‬فكم بي قول اللك للرسول اقرأ‪ ,‬فيقول‪ {:‬ما أنا بقارىء}‪ ,‬وبي قوله تعال‪{ :‬اليوم أكملت لكم دينكم} الائدة‬
‫‪.3‬‬
‫السادسة‪ :‬أنه سبحانه جع ما فرقه ف العال ف آدم‪ ,‬فهو العال الصغي وفيه ما ف العال الكبي‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬أنه خلصة الوجود وثرته‪ ,‬فناسب أن يكون خلقه بعد الوجودات‪.‬‬
‫الثامنة‪ :‬أن من كراماته على خالقه أنه هيأ له مصاله وحوائجه وآلت معيشته وأسباب حياته‪ ,‬فما رفع رأسه ال وذلك كله‬
‫حاضر عتيد‪.‬‬
‫التاسعة‪ :‬أنه سبحانه أراد أن يظهر شرفه وفضله على سائر الخلوقات عليه ف اللق‪ ,‬ولذا قالت اللئكة‪ :‬ليخلق ربنا ما شاء‬
‫فلن يلق خلقا أكرم عليه منا‪ .‬فلما خلق آدم وأمرهم بالسجود له ظهر فضله وشرفه عليهم بالعلم والعرفة‪ ,‬فلما وقع ف الذنب‬
‫ظنت اللئكة أن ذلك الفضل قد نسخ ول تطلع على عبودية التوبة الكامنة‪ ,‬فلما تاب ال ربه‪ ,‬وأتى بتلك العبودية‪ ,‬علمت‬
‫اللئكة أن ل ف خلقه سرا ل يعلمه سواه‪.‬‬
‫العاشرة‪ :‬أنه سبحانه لا اقتتح خلق هذا العال بالقلم كان من أحسن الناسبة أن يتمه بلق النسان‪ ,‬فان القلم آلة العلم‪,‬‬
‫والنسان هو العال‪ .‬ولذا أظهر سبحانه فضل آدم على اللئكة الذي اختص به دونم‪.‬‬

‫[‪ ]39‬كتابة عذر آدم قبل هبوطه ال الرض‬

‫وتأمل كيف كتب سبحانه عذر آدم قبل هبوطه ال الرض ونبه اللئكة على فضله وشرفه ونوه باسه قبل اياده بقوله‪ {:‬ان‬
‫جاعل ف الرض خليفة} البقرة ‪.30‬‬
‫{ ف الرض}‪ -‬والحب‬ ‫وتأمل كيف وسه باللفة وتلك ولية له قبل وجوده‪ ,‬وأقام عذره قبل البوط بقوله‪:‬‬
‫يقيم عذر الحبوب قبل جنايته‪ .‬فلما صوره على باب النة أربعي سنة لن دأب الحب الوقوف على باب حبيبه‪ ,‬ورمى به‬
‫طريق الذل‪{:‬ل يكن شيئا} النسان ‪ ,1‬لئل يعجب يوم {اسجدوا}‪ .‬وكان ابليس ير على جسده فيعجب منه ويقول‪ :‬لمر‬
‫قد خلقت‪ ,‬ث يدخل من فيه ويرج من دبره ويقول‪ :‬لئن سلطت علي لهلكنك ولئن سلطت علي لعصينك‪ ,‬ول يعلم أن‬
‫هلكه على يده‪ .‬رأى طينا مموعا فاحتقره‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫فلما صور الطي صورة دب فيه داء السد‪ ,‬فلما نفخ فيه الروح مات الاسد‪ .‬فلما بسط له بساط العز‪ ,‬عرضت عليه‬
‫الخلوقات‪ ,‬فاستحضر مدعي {ونن نسبح } ال حاكم {أنبئون}‪ .‬وقد أخفى الوكيل عنه بينة {وعلم} فنكسوا رؤوس‬
‫الدعاوى على صدور القرار‪ .‬فقام منادي التفضيل ف أندية اللئكة ينادي‪ {:‬اسجدوا}‪ ,‬تطهروا من حدث دعوى {ونن}‬
‫باء العذر ف آنية {ل علم لنا }‪ ,‬فسجدوا على طهارة التسليم‪ ,‬وقام ابليس ناحية ل يسجد‪ ,‬لنه خبث‪ ,‬وقد تلون بنجاسة‬
‫العتراض‪ .‬وما كانت ناسته تتلف بالتطهي‪ ,‬لنا عينية‪ ,‬فلما ت كمال آدم قيل‪ :‬ل بد من خال جال على وجه {اسجدوا}‪,‬‬
‫فجرى القدر بالذنب‪ ,‬ليتبي أثر العبودية ف الذل‪.‬‬

‫يا آدم! لو عفى لك عن تلك اللقمة لقال الاسدون‪ :‬كيف فضل ذو شره ل يصب على شجرة‪ .‬لول نزولك ما تصاعدت‬
‫صعداء النفاس‪ ,‬ول نزلت رسائل "هل من سائل" *ولعلّه يقصد حديث‪ ":‬ينل ربنا تبارك وتعال كل ليلة ال السماء الدنيا‪"..‬‬
‫البخاري ف التوحيد ‪ 473\13‬برقم ‪ ,7494‬عن أب هريرة ومسلم ف صلة السافرين رقم (‪ .)758‬ول فاحت روائح‬
‫"وللوف فم الصائم" جزء من حديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والدرامي و(أحد ‪,232\2‬‬
‫‪ ,).407,457 ,393‬فتبي حينئذ أن ذلك التناول ل يكن عن شره‪.‬‬

‫يا آدم‪ ,‬ضحكك ف النة لك‪ ,‬وبكاؤك ف دار التكليف لنا‪.‬‬

‫ما ضر من كسره عزي‪ ,‬اذا جبه فضلي انا تليق خلعة العز ببدن النكسار‪ .‬أنا عند النكسرة قلوبم من أجلي‪ .‬ما زالت‬
‫تلك الكلة تعاده حت استول داؤه على أولده‪ ,‬فأرسل اليهم اللطيف البي الدواء على أيدي أطباء الوجود‪ {:‬فاما يأتينكم‬
‫من هدى فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى} طه ‪ .123‬فحماهم الطبيب بالناهي‪ ,‬وحفظ القوة بالمر‪ ,‬واستفرغ‬
‫أخلطهم الرديئة بالتوبة‪ ,‬فجاءت العافية من كل ناحية‪.‬‬

‫فيا من ضيّع القوة ول يفظها‪ ,‬وخلط ف مرضه وما احتمى‪ ,‬ول صب على مرارة الستفراغ‪ ,‬ل تنكر قرب اللك‪ ,‬فالداء‬
‫مترام ال الفساد‪ .‬لو ساعد القدر فأعنت الطبيب على نفسك بالمية من شهوة خسيسة ظفرت بأنواع اللذات وأصناف‬
‫الشتهيات‪ .‬ولكن بار الشهوة غطى عي البصية‪ ,‬فظننت أن الزم بيع الوعد بالنقد‪ .‬يا لا من بصية عمياء‪ ,‬جزعت من صب‬
‫ساعة‪ ,‬واحتملت ذل البد‪ .‬سافرت ف طلب الدنيا وهي عنها زائلة‪ ,‬وقعدت عن السفر ال الخرة وهي اليها راحلة‪.‬‬

‫اذا رأيت الرجل السيس بالنفيس ويبيع العظيم بالقي‪ ,‬فاعلم بأنه سفيه‪.‬‬

‫[‪ ]40‬فائدة اليان بال وحده‬

‫‪49‬‬
‫لا سلم آدم أصل العبودية ل يقدح فيه الذنب‪ ":‬ابن آدم‪ ,‬لة لقيتن بقراب الرض خطايا ث لقيتن ل تشرك ب شيئا‪ ,‬لقيتك‬
‫بقرابه مغفرة" أخرجه مسلم ف الذكر والدعاء ‪ )22( 2068\4‬عن أب ذر‪ .‬وابن ماجه الترمذي وأحد‪ ,‬وقراب الرض هو‬
‫ما يقارب ملها‪ ,‬بكسر القاف‪.‬‬

‫لا علم السيد أن ذنب عبده ل يكن قصدا لخالفته ول قدحا ف حكمته‪ ,‬علمه كيف يعتذر اليه‪ { :‬فتلقى آدم من ربه‬
‫كلمات فتاب عليه }البقرة ‪ .37‬العبد ل يريد بعصيته مالفة سيده ول الرأة على مارمه‪ ,‬ولكن غلبات الطبع‪ ,‬وتزيي النفس‬
‫والشيطان‪ ,‬وقهر الوى‪ ,‬والثقة بالعفو‪ ,‬ورجاء الغفرة‪ ,‬هذا من جانب العبد‪.‬‬

‫وأما من جانب الربوبية فجريان الكم‪ ,‬واظهار عز الربوبية وذل العبودية وكمال الحتياج‪ ,‬وظهور آثار الساء السن‪:‬‬
‫كالعفو والغفور والتوّاب والليم‪ ,‬لن جاء تائبا نادما‪ ,‬والنتقم والعدل وذي البطش الشديد لن أصر ولزم العرّة (الث‬
‫والناية)‪.‬‬

‫فهو سبحانه يريد أن يري عبده تفرده بالكمال‪ ,‬ونقص العبد وحاجته اليه‪ .‬ويشهده كمال قدرته وعزته‪ ,‬وكمال مغفرته‬
‫وعفوه ورحته‪ ,‬وكمال بره وستره‪ ,‬وحلمه وتاوزه وصفحه‪ ,‬وأن رحته به احسان اليه ل معارضة‪ ,‬وأنه ان ل يتغمّده برحته‬
‫وفضله فانه هالك ل مالة‪ *,‬لا ورد ف الديث الذي أخرجه البخاري ف الرض ‪ ,109\10‬عن أب هريرة يرفعه‪ ":‬لن يدخل‬
‫أحد منكم عمله النة‪ ,‬قالوا ول أنت‪ .‬قال ول أنا ال أن يتغمدن ال برحته‪.‬‬

‫كم ف تقدير الذنب من حكمة‪ ,‬وكم فيه مع تقيق التوبة للعبد من مصلحة ورحة‪ .‬التوبة من الذنب كشرب الدواء للعليل‪,‬‬
‫ورب علة كانت سبب الصحة‪.‬‬

‫وربا صحت الجساد بالعلل‬ ‫لعل عتبك ممود عواقبه‬

‫لول تقدير الذنب للك ابن آدم من العجب‪.‬‬

‫ذنب يذل به أحب اليه من طاعة يدل با عليه‪.‬‬

‫شعة النصر انا تنل من شعدان النكسار‪.‬‬

‫ل يكرم العبد نفسه بثل اهانتها‪ ,‬ول يعزها بثل ذلا‪ ,‬ول يريها بثل تعبها‪ ,‬كما قيل‪:‬‬

‫فان هوان النفس ف كرم النفس‬ ‫سأتعب نفسي أو أصادف راحة‬

‫‪50‬‬
‫ول يشبعها بثل جوعها‪ ,‬وات يؤمنها بثل خوفها‪ ,‬ول يؤنسها بثل وحشتها من كل ما سوى بارئها وفاطرها ول ييتها بثل‬
‫اماتتها‪ ,‬كما قيل‪:‬‬

‫من شاء أن ييا يت‬ ‫موت النفوس حياتا‬

‫شراب الوى حلو ولكنه يورث الشرق(الغصة من اللق)‪ ,‬منم تذكر خنق الفخ هان عليه هجران البة‪.‬‬

‫يا معرقل ف شرك الوىّ جزة(العدو السريع)! عزم وقد خرقت الشبكة‪.‬‬

‫ل بد من نفوذ القدر فاجنح للسلم‪ .‬له ملك السموات للرض‪ ,‬واستقرض منك حبة فبخلت با‪ ,‬وخلق سبعة أبر وأحب‬
‫منها دمعة فقحطت عينيك با‪.‬‬

‫اطلق البصر ينفش ف القلب صورة النظور‪ ,‬والقلب كعبة‪ ,‬والعبود ل يرضى بزاحة الصنام‪.‬‬

‫لذات الدنيا كسوداء وقد غلبت عليك‪ ,‬والور العي يعجب من سوء اختيارك عليهن‪ ,‬غي أن زوبعة الوى اذا ثارت سفت‬
‫ف عي البصية فخفيت الادة‪.‬‬

‫سبحان ال‪ ,‬تزينت النة للخطّاب فجدوا ف تصيل الهر‪ ,‬وتعرّف رب العزة ال الحبي بأسائه وصفاته فعملوا على اللقاء‬
‫وأنت مشغول باليف‪.‬‬

‫ولك اللسان مع الوداد الكاذب‬ ‫ل مكن من لسواك منه قلبه‬

‫العرفة بساط ل يطأ عليه ال مقرب‪ ,‬والحبة نشيد ل يطرب عليه ال مب مغرم‪.‬‬

‫الب غدير ف صحراء ليست با جادة‪ ,‬فلهذا قل وارده‪.‬‬

‫الحب يهرب ال العزلة واللوة بحبوبه والنس بذكره كهرب الوت ال الاء والطفل ال أمه‪.‬‬

‫أحدث عنك القلب بالسر خاليا‬ ‫وأخرج من بي البيوت لعلن‬

‫‪51‬‬
‫ليس للعابد مستراح ال تت شجرة طوب‪ ,‬ول للمحب قرار ال يوم الزيد‪ .‬اشتغل به ف الياة يكفك ما بعد الوت‪.‬‬

‫يا منفقا بضاعة العمر ف مالفة حبيبه والبعد منه‪ ,‬ليس ف أعدائك أضر عليك منه‪.‬‬

‫ما يبلغ الاهل من نفسه‬ ‫ما يبلغ العداء من جاهل‬

‫المة العليّة من استعد صاحبحه للقاء البيب‪ ,‬وقدم التقادم بي يدي اللتقى‪ ,‬فاستبشر عند القدوم‪ {:‬وقدّموا لنفسكم واتقوا‬
‫ال واعلموا أنكم ملقوه وبشّر الؤمني} البقرة ‪.223‬‬

‫تال ما عدا عليك العدو ال بعد أن تول عنك الول‪ ,‬فل تظن أن الشيطان غلب‪ ,‬ولكن الافظ أعرض‪.‬‬

‫احذر نفسك‪ ,‬فما أصابك بلء قط ال منها‪ ,‬ول تادنا فوال ما أكرمها من ل يهنها‪ ,‬ول أعزها من ل يذلا‪ ,‬ول جبها من‬
‫ل يكسرها‪ ,‬ول أراحها من ل يتعبها‪ ,‬ول أمنها من ل يوفها‪ ,‬ول فرحها من ل يزنا‪.‬‬

‫سبحان ال‪ ,‬ظاهرك متجمل بلباس التقوى‪ ,‬وباطنك باطية(اناء) لمر الوى‪ ,‬فكلما طيبت الثوب فاحت رائحة السكر من‬
‫تته‪ ,‬فتباعد منك الصادقون‪ ,‬واناز اليك الفاسقون‪.‬‬

‫يدخل عليك لص الوى وأنت ف زاوية التعبد فل يرى منك طردا له‪ ,‬فل يزال بك حت يرجك من السجد‪.‬‬

‫أصدق ف الطلب وقد جاءتك النعونة‪.‬‬

‫قال رجل لعروف‪ :‬علمن الحبة‪ ,‬فقال‪ :‬الحبة ل تيء بالتعليم‪.‬‬

‫اذا ل يعد صبا بلقيا حبيبه‬ ‫هو الشوق مدلول على مقتل الفت‬

‫ليس العجب من قوله يبونه‪ ,‬انا العجب من قوله يبهم‪.‬‬

‫ليس العجب من فقي مسكي يب مسنا اليه‪ ,‬انا العجب من مسن يب فقيا مسكينا‪.‬‬

‫[‪ ]41‬ال يتجلى لعباده بصفاته ف كلمه‬

‫‪52‬‬
‫القرآن كلم ال‪ ,‬وقد تلى ال فيه لعباده بصفاته‪ ,‬فتارة يتجلى ف جلباب (ليس على ظاهره‪ ,‬وانا الراد باللباب اليئة‬
‫والصورة والصفة) اليبة والعظمة واللل‪ ,‬فتخضع العناق‪ ,‬وتنكسر النفوس‪ ,‬وتشع الصوات‪ ,‬ويذوب الكب‪ ,‬كما يذوب‬
‫اللح ف الاء‪ ,‬وتارة يتجلى ف صفات المال والكمال‪ ,‬وهو كمال الساء‪ ,‬وجال الصفات‪ ,‬وجال الفعال الدال على كمال‬
‫الذات‪ ,‬فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الب كلها‪ ,‬بسب ما عرفه من صفات جاله‪ ,‬ونعوت كماله‪ ,‬فيصبح فؤاد عبده‬
‫فارغا ال مبته‪ ,‬فاذا أراد منه الغي أن يعلق تلك الحبة به أب قلبه وأحشاؤه ذلك كل الباء ‪ ,‬كما قيل‪:‬‬

‫وتأب الطباع على الناقل‬ ‫يراد من القلب نسيانكم‬

‫فتبقى الحبة له طبعا ل تكلفا‪ .‬واذا تلى بصفات الرحة والب واللطف والحسان انبعثت قوة الرجاء من العبد‪ ,‬وانبسط أمله‪,‬‬
‫وقوى طمعه‪ ,‬وسار ال ربه‪ ,‬وحادي الرجاء يدو ركاب سيه‪ .‬وكلما قوي الرجاء جد ف العمل‪ ,‬كما أن الباذر كلما قوي‬
‫طمعه ف الغل غلق أرضه بالبذر‪ ,‬واذا ضعف رجاؤه قصر ف البذر‪.‬‬

‫واذا تلى بصفات العدل والنتقام والغضب والسخط والعقوبة‪ ,‬انقمعت النفس المارة وبطلت أو ضعفت قواها من الشهوة‬
‫والغضب واللهو واللعب والرص على الحرمات‪ ,‬انقبضت أعنة رعوناتا‪ ,‬فأحضرت الطية حظها من الوف والشية‬
‫والذر‪.‬‬

‫واذا تلى بصفات المر والنهي والعهد والوصية وارسال الرسل وانزال الكتب وشرع الشرائع‪ ,‬انبعثت منها قوة المتثال‪,‬‬
‫والتنفيذ لوامره‪ ,‬والتبليغ لا‪ ,‬والتواصي با‪ ,‬وذكرها وتذكرها‪ ,‬والتصديق بالي‪ ,‬والمتثال للطلب‪ ,‬والجتناب للنهي‪.‬‬

‫واذا تلى بصفات السمع والبصر والعلم‪ ,‬انبعثت من العبد قوة الياء‪ ,‬فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره‪ ,‬أو يسمع منه‬
‫ما يكره‪ ,‬أو يفي ف سريرته ما يقته عليه‪ ,‬فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بيزان الشرع‪ ,‬غي مهملة ول مرسلة تت‬
‫حكم الطبيعة والوى‪.‬‬

‫واذا تلى بصفات الكفاية والسب‪ ,‬والقيام بصال العباد‪ ,‬وسوق أرزاقهم اليهم‪ ,‬ودفع الصائب عنهم‪ ,‬ونصره لوليائه‪,‬‬
‫وحايته لم‪ ,‬ومعيته الاصة اهم‪ ,‬انبعثت من العبد قوة التوكل عليه‪ ,‬والتفويض اليه‪ ,‬والرضا به ف كل ما يريه على عبده‪,‬‬
‫ويقيمه فيه ما يرضى به هو سبحانه‪ .‬والتوكل معن يلتئم من علم العبد بكفاية ال‪ ,‬وحسن اختياره لعبده‪ ,‬وثقته به‪ ,‬ورضاه با‬
‫يفعله ويتاره له‪.‬‬

‫واذا تلى بصفات العز والكبياء‪ ,‬أعطت نفسه الطمئنة ما وصلت اليه من الذل لعظمته‪ ,‬والنكسار لعزته‪ ,‬والضوع‬
‫لكبيائه‪ ,‬وخشوع القلب والوارح له‪ ,‬فتعلوه السكينة والوقار ف قلبه ولسانه وجوارحه وسته‪ ,‬ويذهب طيشه وقوته وحدته‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫وجاع ذلك‪ :‬أنه سبحانه يتعرف ال العبد بصفات اليته تارّة‪ ,‬وبصفات ربوبيته تارة‪ ,‬فيوجب له شهود صفات اللية الحبة‬
‫الاصة‪ ,‬والشوق ال لقائه‪ ,‬والنس والفرح به‪ ,‬والسرور بدمته‪ ,‬والنافسة ف قربه‪ ,‬والتودد اليه بطاعته‪ ,‬واللهج بذكره‪,‬‬
‫والفرار من اللق اليه‪ ,‬ويصي هو وحده هه دون ما سواه‪ .‬ويوجب له شهود صفات الربوبية والتوكل عليه‪ ,‬والفتقار اليه‪,‬‬
‫والستعانة به‪ ,‬والذل والضوع والنكسار له‪.‬‬

‫وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته ف اليته‪ ,‬واليته ف ربوبيته‪ ,‬وحده ف ملكه‪ ,‬وعزه ف عفوه‪ ,‬وحكمته ف قضائه وقدره‪,‬‬
‫ونعمته ف بلئه‪ ,‬وعطاءه ف منعه‪ ,‬وبره ولطفه واحسانه ورحته ف قيوميّته‪ ,‬وعدل ف انتقامه‪ ,‬وجوده وكرمه ف مغفرته وستره‬
‫وتاوزه‪ .‬ويشهد حكمته ونعمته ف أمره ونيه‪ ,‬وعزه ف رضاه وغضبه‪ ,‬وحلمه ف امهاله‪ ,‬وكرمه ف اقباله‪ ,‬وغناه ف اعراضه‪.‬‬

‫وأنت اذا تدبرت القرآن وأجرته من التحريف‪ ,‬وأن تقضي عليه بآراء التكلمي وأفكار التكلفي‪ ,‬أشهدك ملكا قيوما فوق‬
‫ساواته على عرشه‪ ,‬يدبر أمر عباده‪ ,‬يأمر وينهي‪ ,‬ويرسل الرسل‪ ,‬وينل الكتاب‪ ,‬ويرضى ويغضب‪ ,‬ويثيب ويعاقب‪ ,‬ويعطي‬
‫وينع‪ ,‬ويعز ويذل‪ ,‬ويفض ويرفع‪ ,‬ويرى من فوق سبع ويسمع‪ ,‬ويعلم السر والعلنية‪ ,‬فعّال لا يريد‪ ,‬موصوف بكل كمال‪,‬‬
‫منه عن كل عيب‪ ,‬ل تتحرك ذرّة فما فوقها ال باذنه‪ ,‬ول تسقط ورقة ال بعلمه‪ ,‬ول يشفع أحد عنده ال باذنه‪ ,‬ليس لعباده‬
‫من دونه ول ول شفيع‪.‬‬

‫[‪" ]42‬ل تزن ان ال معنا" تقوى القلب‬

‫جزء من حديث أخرجه البخاري ف فضائل الصحابة ‪ ,)3652(10\7‬ومسلم ف فضائل الصحابة ‪ ,)1(1854\4‬وأحد‬
‫ف السند ‪.3\1‬‬

‫لا بايع الرسول صلى ال عليه وسلم أهل العقبة أمر الصحابة بالجرة ال الدينة‪ ,‬فعلمت قريش أن أصحابه قد كثروا وأنم‬
‫سيمنعونه‪ ,‬فأعملت آراءها ف استخراج اليل‪ ,‬فمنهم من رأى البس‪ ,‬ومنهم من رأى النفي‪ .‬ث اجتمع رأيهم على القتل‪,‬‬
‫فجاء البيد بالب من السماء وأمره أن يفارق الضجع‪ ,‬فبات علي مكانه ونض الصديّق لرفقة السفر‪ .‬فلما فارقا بيوت مكة‬
‫اشتد الذر بالصدّيق فجعل يذكر الرصد فيسي أمامه وتارة يذكر الطلب فيتأخر وراءه‪ ,‬وتارة عن يينه وتارة عن شاله ال أن‬
‫انتهيا ال الغار‪ ,‬فبدأ الصدّيق بدخوله ليكون وقاية له ان كان ث مؤذ‪ .‬وأنبت ال شجرة ل تكن قبل‪ ,‬فأظلّت الطلوب وأضلّت‬
‫الطالب‪ ,‬وجاءت عنكبوت فحازت وجه الغار فحاكت ثوب نسجها عن منوال الستر‪ ,‬فأحكمت الشقة حت عمي على‬
‫القائف الطلب‪ ,‬وأرسل ال حامتي فاتذتا هناك عشا جعل على أبصار الطالبي غشاوة‪ ,‬وهذا أبلغ ف العجاز من مقاومة‬
‫القوم بالنود‪.‬‬

‫فلما وقف القوم على رؤوسهم وصار كلمهم بسمع الرسول صلى ال عليه وسلم والصدّيق‪ ,‬قال الصدّيق وقد اشتد به‬
‫القلق‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬لو أن أحدهم نظر ال ما تت قدميه لبصرنا تت قدميه‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬يا أبا‬

‫‪54‬‬
‫بكر ما ظنك باثني ال ثالثهما؟" لا رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم حزنه قد اشتد‪ ,‬لكن ل على نفسه‪ ,‬قوي قلبه ببشارة‬
‫{ل تزن ان ال معنا} التوبة الية ‪ .40‬فظهر سر هذا القتران ف العية لفظا‪ ,‬كما ظهر حكما ومعن‪ ,‬اذ يقال‪ :‬رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وصاحب رسول ال رضي ال عنه‪ ,‬فلما مات صلى ال عليه وسلم قيل‪ :‬خليفة رسول ال ‪ ,‬ث انقطعت‬
‫اضافة اللفة بوته فقيل‪ :‬أمي الؤمني‪.‬‬

‫فأقاما ف الغار ثلثا ث خرجا منه ولسان القدر يقول‪ :‬لتدخلنها دخول ل يدخله أحد قبلك ول ينبغي لحد من بعدك‪ .‬فلما‬
‫استقل على البيداء لقهما سراقة بن مالك‪ ,‬فلما شارف الظفر أرسل عليه الرسول صلى ال عليه وسلم سهما من سهام‬
‫الدعاء‪ ,‬فساخت قوائم فرسه ف الرض ال بطنها‪ ,‬فلما علم أنه ل سبيل له عليهما أخذ يعرض الال على من قد رد مفاتيح‬
‫الكنوز ويقدم الزاد ال شعبان " أبيت عند رب يطعمن ويسقين"‪ ,‬أخرجه البخاري ف الصوم ‪,)1964-1961( 234\4‬‬
‫ومسلم وأحد ف السند ‪8\3‬عن أب سعيد و ‪ 126\6‬عن عائشة‪.‬‬

‫كانت تفة ثان اثني مدخرة للصديق‪ ,‬دون الميع‪ ,‬فهو الثان ف السلم وف بذل النفس وف الزهد وف الصحبة وف‬
‫اللفة وف العمر‪ ,‬وف سبب الوت؛ لن الرسول صلى ال عليه وسلم قد مات عن أثر السم‪*,‬يروي البخاري تعليقا عن‬
‫عائشة قالت‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ف مرضه الذي مات فيه‪":‬يا عائشة ما أزال أجد أل الطعام الذي‬
‫أكلت بيب‪ ,‬وهذا أوان ما وجدت انقطاع ابري من ذلك السم"‪ .‬وأبو بكر سم فمات (روى ابن جرير الطبي ف التاريخ‬
‫‪ 419\3‬قال‪ :‬وكان سبب وفاته أن اليهود سته ف أرزّة‪. .....‬‬

‫أسلم على يديه من العشرة‪ :‬عثمان وطلحة والزبي وعبد الرحن بن عوف وسعد بن أب وقّاص‪ .‬وكان عنده يوم أسلم‬
‫أربعون ألف درهم فأنفقها أحوج ما كان السلم اليها‪ ,‬فلهذا جلبت نفقته عليه" ما نفعن مال‪ ,‬ما نفعن مال أب بكر" جزء‬
‫من حديث أخرجه ابن ماجه ف القدمة ‪ )94(36\1‬وأحد والسيوطي‪ .‬فهو خي من مؤمن آل فرعون؛ لن ذلك كان يكتم‬
‫ايانه والصدّيق أعلن به‪ ,‬وخي من مؤمن آل {يس}؛ لن ذلك جاهد ساعة والصديق جاهد سني‪.‬‬

‫عاين طائر الفاقة يوم حول حب اليثار ويصيح‪ {:‬من ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا} البقرة ‪ ,245‬فألقى له حب الال‬
‫على روض الرضى واستلقى على فراش الفقر‪ ,‬فنقل الطائر الب ال حوصلة الضاعفة ث عل على أفنان شجرة الصدق يغرد‬
‫بفنون الدح‪ ,‬ث قام ف ماريب السلم يتلو‪ {:‬وسيجنّبها التقى‪ ,‬الذي يؤت ماله يتزكى}الليل ‪17‬و ‪ .18‬نطقت بفضله‬
‫اليات والخبار؛ واجتمع على بيعته الهاجرون والنصار‪.‬‬

‫فيا مبغضيه ف قلوبكم من ذكره نار‪ ,‬كلما تليت فضائله عل عليهم الصغار‪ .‬أترى ل يسمع الروافض الكفّار {ثان اثني اذ‬
‫ها ف الغار} التوبة ‪ .40‬دعي ال السلم فما تلعثم ول أب‪ ,‬وسار على الحجّة فما زال ول كبا‪ ,‬وصب ف مدته من مدى‬
‫العدى على وقوع الشبا‪ ,‬وأكثر ف النفاق فما قاا حت تلل بالعبا (أي لقي وجه ربه تعال)‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫تال قد زاد على السبك ف كل دينار دينار {ثان اثني اذ ها ف الغار} من كان قرين النب ف شبابه‪ .‬من ذا الذي سبق ال‬
‫اليان من أصحابه‪ .‬من الذي أفت بضرته سريعا ف جوابه‪ ,‬من أوّل من صلّى معه؟ ومن آخر من صلّى به؟ من الذي ضاجعه‬
‫بعد الوت ف ترابه (دفن بوار الرسول ف حجرة السيدة عائشة)‪ ,‬فاعرفوا حق الار‪.‬‬

‫نض يوم الردة بفهم واستيقاظ‪ ,‬وأبان من نص الكتاب معن دق عن حديد اللاظ‪ ,‬فالحب يفرح بفضائله والبغض يغتاظ‬
‫حسرة الرافضي أن يفر من ملس ذكره‪ ,‬ولكن أين الفرار؟‪ .‬كم وقى الرسول بالنفس والال‪ ,‬وكان أخص به ف حياته وهو‬
‫ضجيعه ف الرمس(تراب القب)‪ .‬فضائله جلية وهي خليّة عن اللبس‪ .‬يا عجبا! من يغطي عي ضوء الشمس ف نصف النهار‪,‬‬
‫لقد دخل غارا ل يسكنه لبث‪ ,‬فاستوحش الصديق من خوف الوادث‪ ,‬فقال الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ":‬ما ظنّك باثني‬
‫وال الثالث"‪ .‬فنلت السكينة فارتفع خوف الادث‪.‬فزال القلق وطاب عيش الاكث‪ .‬فقام مؤذن النصر ينادي على رؤوس‬
‫منائر المصار‪{ :‬ثان اثني اذ ها ف الغار}‪.‬‬

‫حبه وال رأس النيفية‪ ,‬وبغضه يدل على خبث الطوية‪ .‬فهو خي الصحابة والقرابة‪ ,‬والجة على ذلك قوية‪ .‬لول صحة‬
‫امامته ما قال ابن النفية‪ ...‬مهل مهل !! فان دم الروافض قد فار‪.‬‬

‫وال ما أحببناه لوانا‪ ,‬ول نعتقد ف غيه هوانا‪ ,‬ولكن أخذنا بقول علي رضي ال عنه‪" :‬كفانا رضيك رسول ال لديننا‪ ,‬أفل‬
‫نرضاك لدنيانا تال لقد أخذت من الروافض بالثأر" اعجاز القرآن ص ‪ . 145-143‬تال لقد وجب حق الصدّيق علينا‪,‬‬
‫فنحن نقضي بدائحه ونقر با نقر به من السن(الضوء الذي يصحب اليق) عينا‪ ,‬فمن كان رافضيا فل يعد الينا وليقل‪ :‬ل‬
‫أعذار‪.‬‬

‫[‪( ]43‬تنبيه)‬
‫اجتناب من يعادي أهل كتاب ال وسنة رسوله‬

‫اجتنب من يعادي أهل الكتاب والسنة لءل يعديك خسرانه‪ .‬احترز من عدوين هلك بما أكثر اللق‪ :‬صادّ عن سبيل ال‬
‫بشبهاته وزخرف قوله‪ ,‬ومفتون بدنياه ورئاسته‪.‬‬

‫من خلق فيه قوة واستعداد لشيء‪ ,‬كانت لذته ف استعمال تلك القوة فيه‪ ,‬فلذة من خلقت فيه قوة واستعداد للجماع‬
‫واستعمال قوته فيه‪ ,‬ولذة من خلقت فيه قوة الغضب والتوثب استعمال قوته الغضبية ف متعلقها‪ ,‬ومن خلقت فيه قوة الكل‬
‫والشرب فلذته باستعمال قوته فيهما‪ .‬ومن خلقت فيه قوة العلم والعرفة فلذته باستعمال قوته وصرفها ال العلم‪ .‬ومن خلقت‬
‫فيه قوة الب ل‪ ,‬والنابة اليه‪ ,‬والعكوف بالقلب عليه‪ ,‬والشوق اليه‪ ,‬والنس به‪ ,‬فلذته ونعيمه استعمال هذه القوة ف ذلك‪.‬‬
‫وسائر اللذات دون هذه اللذة مضمحلة فانية‪ ,‬وأحد عاقبتها أن تكون ل له ول عليه‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫[‪( ]44‬تنبيه)‬
‫من الواعظ والكم‬

‫يا أيها العزل احذر فراسة التقى‪ ,‬فانه يرى عورة عملك من وراء ستر "اتقوا فراسة الؤمن" أخرجه الترمذي ف التفسي ‪\5‬‬
‫‪.)3127(278‬‬

‫سبحان ال‪:‬‬

‫ف النفس كب ابليس‪ ,‬وحسد قابيل‪ ,‬وعتو عاد‪ ,‬وطغيان ثود‪ ,‬وجرأة نرود‪ ,‬واستطالة فرعون‪ ,‬وبغى قارون‪ ,‬وقحّة هامان‬
‫(أي لؤم)‪ ,‬وهوى بلعام (عرّاف أرسله ملك ليلعن بن اسرائيل فبارك ول يلعن)‪ ,‬وحيل أصحاب السبت‪ ,‬وترّد الوليد‪ ,‬وجهل‬
‫أب جهل‪.‬‬

‫وفيها من أخلق البهائم حرص الغراب‪ ,‬وشره الكلب‪ ,‬ورعونة الطاووس‪ ,‬ودناءة العل‪ ,‬وعقوق الضب‪ ,‬وحقد المل‪,‬‬
‫ووثوب الفهد‪ ,‬وصولة السد‪ ,‬وفسق الفأرة‪ ,‬وخبث الية‪ ,‬وعبث القرد‪ ,‬وجع النملة‪ ,‬ومكر الثعلب‪ ,‬وخفة الفراش‪ ,‬ونوم‬
‫الضبع‪.‬‬

‫غي أن الرياضة والجاهدة تذهب ذلك‪ .‬فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا الند‪ ,‬ول تصلح سلعته لعقد‪{ :‬ان ال اشترى‬
‫من الؤمني أنفسهم} التوبة ‪ ,111‬فما اشترى ال سلعة هذبا اليان‪ ,‬فخرجت من طبعها ال بلد سكانه التائبون العابدون‪.‬‬

‫سلم البيع قبل أن يتلف ف يدك فل يقبله الشتري‪ ,‬قد علم الشتري بعيب السلعة قبل أن يشتريها‪ ,‬فسلمها لك والمان من‬
‫الرد‪.‬‬

‫قدر السلعة يعرف بقدر مشتريها‪ ,‬والثمن البذول فيها‪ ,‬والنادي عليها‪ ,‬فاذا كان الشترى عظيما‪ ,‬والثمن خطيا‪ ,‬والنادي‬
‫جليل‪ ,‬كانت السلعة نفيسة‪.‬‬

‫ترجعت ذا البيع قبل الفوات‪ ,‬ل تب‬ ‫يا بائعا نفسه بيع الوان‪ ,‬لو اس‬
‫بطيف عيش من اللم منتهب‬ ‫وبائعا طيب عيش ماله خطر‪,‬‬
‫يوم التغابن تلقى غاية الرب‬ ‫غبنت وال!! غبنا فاحشا‪ ,‬ولدى‬
‫أمامك الورد حقا ليس بالكذب‬ ‫وواردا صفو عيش كله كدر‪,‬‬
‫لكل داهية‪ ,‬تدن من العطب‬ ‫وحاطب الليل ف الظلماء منتصبا‬
‫فهل سعت ببء جاء من عطب‬ ‫ترجو الشفاء بأحداق با مرض‬

‫‪57‬‬
‫وصفا للطخ جال فيه مستلب‬ ‫ومفنيا نفسه ف إثر أقبحهم‬
‫لو كنت تعرف قدر النفس ل تب‬ ‫وواهبا نفسه من مثل ذا سفها‪,‬‬
‫وضاع وقتك بي اللهو والعب‬ ‫شاب الصبا‪ ,‬والتصاب بعد ل يشب‪,‬‬
‫والفيء ف الفق الشرقي ل يغب‬ ‫وشس عمرك قد حان الغروب لا‪,‬‬
‫عن أفقه ظلمات الليل والسحب‬ ‫وفاز بالوصل من قد جد‪ ,‬وانقشعت‬
‫ورسل ربك قد وافتك ف الطلب‬ ‫كم ذا التخلف‪ ,‬والدنيا قد ارتلت‪,‬‬
‫تواه‪ ,‬للصب من شكر ول أرب‬ ‫ما ف الديار‪ ,‬وقد سارت ركائب من‬
‫ما قاله صاحب الشواق والقب‬ ‫فأفرش الد ذياك التراب‪ ,‬وقل‬
‫غيلن‪ ,‬أشهى له من ربعك الرب‬ ‫ما ربح مية مفوفا يطيف به‬
‫أشهى ال ناظري من خدّك الترب‬ ‫ول الدود ولو أدمي من ضرج‬
‫أيام كان منال الوصل عن كثب‬ ‫منازل كان يهواها‪ ,‬ويألفها‬
‫يهوى اليها هوى الاء ف الصبب‬ ‫فكلما جليت تلك الربوع له‪,‬‬
‫فلو دعا القلب للسلوان ل يب‬ ‫أحيي له الشوق تذكار العهود با‪,‬‬
‫وما له ف سواها الدهر من رغب‬ ‫هذا‪ ,‬وكم منل ف الرض يألفه‬
‫بثثته بعض شأن الب‪ ,‬فاغترب‬ ‫ما ف اليام أخو وجد يريك ان‬
‫بنفخة الطيب‪ ,‬ل بالعود والطب‬ ‫وأسر ف غمرات الليل مهتديا‬
‫وحارب النفس‪ ,‬ل تلقيك ف الرب‬ ‫وعاد كل أخي جب ومعجزة‪,‬‬
‫يوم اقتسام الورى النوار بالرتب‬ ‫وخذ لنفسك نورا تستضيء به‬
‫******‬
‫بسوء حال وحل للضنا بدن‬ ‫ان كان يوجب صبي رحت فرضا‬
‫ال رضاك ووافقري ال الثمن‬ ‫منحتك الروح ل أبغي لا ثنا‬
‫******‬
‫وبالليل يدعون الوى فأجيب‬ ‫أحن بأطراف النهار صبابة‬
‫******‬
‫فمن العجز عشق غي الميل‬ ‫واذا ل يكن من العشق بد‬
‫******‬
‫كفان منه بعض ما أنا فيه‬ ‫فلو أن ما أسعى لعيش معجل‬
‫فوا أسفا ان ل أكن بلقيه‬ ‫ولكنكما أسعى للك ملد‬
‫******‬

‫يا من هو من أرباب البة‪ ,‬هل عرفت قيمة نفسك؟ انا خلقت الكوان كلها لك‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫يا من غذى بلبان الب‪ ,‬وقلب بأيدي اللطاف‪ ,‬كل الشياء شجرة وأنت الثمرة‪ ,‬وصورة وأنت العن‪ ,‬وصدف وأنت الدر‪,‬‬
‫وميض وأنت الزبد‪.‬‬

‫منشور اختيارنا لك واضح الط‪ ,‬ولكن استخراجك ضعيف‪.‬‬

‫مت رمت طلب فاطلبن عندك‪ ,‬اطلبن منك تدن قريبا‪ ,‬ول تطلبن من غيك فأنا أقرب اليك منه‪.‬‬

‫لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أهنتها بالعاصي‪ ,‬انا أبعدنا ابليس اذ ل يسجد لك‪ ,‬وأنت ف صلب أبيك‪ ,‬فواعجبا كيف‬
‫صالته وتركتنا! لو كان ف قلبك مبة لبان أثرها على جسدك‪.‬‬

‫ألست أرى العضاء منك كواسيا‬ ‫ولا ادعيت الب قالت كذبتن‬

‫لو تغذى القلب بالحبة لذهبت عنه بطنة الشهوات‪.‬‬

‫بطينا وأنساك الوى كثرة الكل‬ ‫ولو كنت عذري الصبابة ل تكن‬

‫لو صحّت مبتك لستوحشت من ل يذكرك بالبيب‪ .‬واعجبا لن يدعي الحبة‪ ,‬ويتاج ال من يذكره بحبوبه‪ ,‬فل يذكره‬
‫ال بذكر‪ .‬أقل ما ف الحبة أنا ل تنسيك تذكر الحبوب‪.‬‬

‫وأيسر ما ف الذكر ذكر لسان‬ ‫ذكرتك ل أن نسيتك ساعة‬

‫اذا سافر الحب للقاء مبوبه‪ ,‬ركبت جنوده معه‪ ,‬فكان الب ف مقدمة العسكر‪ ,‬والرجاء يدو بالطى‪ ,‬والشوق يسوقها‪,‬‬
‫والوف يمعها على الطريق‪ ,‬فاذا شارف قدوم بلد الوصل‪ ,‬خرجت تقادم البيب باللقاء‪.‬‬

‫وأبرد غراما بقلب أنت مضرمه‬ ‫فداو سقما بسم أنت متلفه‬
‫صبي الضعيف فصبي أنت تعلمه‬ ‫ول تكلن على بعد الديار ال‬
‫ال لقائك والشواق تقدمه‬ ‫تلق قلب فقد أرسلته عجل‬

‫فاذا دخل على البيب أفيضت عليه اللع من كل ناحية‪ ,‬ليمتحن أيسكن اليها فتكون حظه‪ ,‬أم يكون التفاته ال من ألبسه‬
‫اياها‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫ملوا مراكب القلوب متاعا ل تنفق ال على اللك‪ ,‬فلما هبت رياح السحر أقلعت تلك الراكب‪ ,‬فما طلع الفجر ال وهي‬
‫باليناء‪.‬‬

‫قطعوا بادية الوى بأقدام الد‪ ,‬فما كان ال القليل حت قدموا من السفر‪ ,‬فأعقبهم الراحة ف طريق التلقي‪ ,‬فدخلوا بلد‬
‫الوصل وقد حازوا ربح البد‪.‬‬

‫فرّغ القوم قلوبم من الشواغل فضربت فيها سرادقات الحبة‪ ,‬فأقاموا العيون ترس تارّة وترش أخرى‪.‬‬

‫سرداق الحبة ل يضرب ال ف قاع نزه فارغ‪.‬‬

‫فجنابنا حل لكل منّه‬ ‫نزّه فؤادك من سوانا وألقنا‬


‫من حل ذا الطلسم‪ ,‬فاز بكنه‬ ‫والصب طلسم لكن وصالنا‬

‫اعرف قدر ما ضاع منك وابك بكاء من يدري مقدار الفائت‪.‬‬


‫لو تيلت قرب الحباب لقمت الأت على بعدك‪.‬‬
‫لو استنشقت ريح السحار لفاق منك قلبك الخمور‪.‬‬
‫من استطال الطريق ضعف مشيه‪.‬‬

‫طوال الليال‪ ,‬أو بعيد الفاوز‬ ‫وما أنت بالشتاق‪ ,‬ان قلت بيننا‬

‫أما علمت أن الصادق‪ :‬اذا هم ألقى بي عينيه عزمه‪.‬‬


‫اذا نزل آب ف القلب حل آذار ف العي‪.‬‬
‫هان سهر الرّاس لا علموا أن أصواتم بسمع اللك‪.‬‬
‫من لح له حال الخرة هان عليه فراق الدنيا‪ .‬اذا لح للباشق الصيد نسي مألوف الكف‪.‬‬
‫يا أقدام الصب احلي بقي القليل‪ .‬تذكر حلوة الوصال يهن عليك مر الجاهدة‪.‬‬

‫قد علمت أين النل فاحد لا تسر‪ .‬أعلى المم هة من استعد صاحبها للقاء البيب‪ ,‬وقدم القادم بي يدي اللتقى‪ ,‬فاستبشر‬
‫بالرضا عند قدوم‪ {:‬وقدموا لنفسكم}‪ .‬النة ترضى منك بأداء الفرائض‪ ,‬والنار تندفع عنك بترك العاصي‪ ,‬والحبة ل تقنع‬
‫منك ال ببذل الروح‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ل!! ما أحلى زمان تسعى فيه أقدام الطاعة على أرض الشتياق‪.‬‬

‫لا سلم القوم النفوس ال رائض الشرع‪ ,‬علمها الوفاق على خلف الطبع فاستقامت مع الطاعة‪ ,‬كيف دارت معها‪.‬‬

‫وثوب حاد بالرفاق عجول‬ ‫وان اذا اصطكت رقاب مطيهم‬


‫وأنظر أن ملثم فأميل‬ ‫أخالف بي الراحتي على الشا‬

‫مواعظ وحكم أخرى‪:‬‬


‫علمت كلبك‪ ,‬فهو يترك شهوته ف تناول ما صاده احتراما لنعمتك‪ ,‬وخوفا من سطوتك‪ ,‬وكم علمك معلم الشرع وأنت ل‬
‫تفبل‪.‬‬

‫حرم صيد الاهل والمسك لنفسه‪ ,‬فما ظن الاهل الذي أعماله لوى نفسه‪.‬‬

‫جع فيك عقل اللك‪ ,‬وشهوة البهيمة‪ ,‬وهوى الشيطان‪ ,‬وأنت للغالب عليك من الثلثة‪ :‬ان غلبت شهوتك وهواك؛ زدت‬
‫على مرتبة ملك‪ ,‬وان غلبكك هواك وشهوتك‪ :‬نقصت عن مرتبة كلب‪.‬‬

‫لا صاد الكلب لربه أبيح صيده‪ ,‬ولا أمسك على نفسه حرم ما صاده‪.‬‬

‫مصدر ما ف العبد من الي والشر والصفات المدوحة والذمومة من صفة العطي الانع‪ .‬فهو سبحانه يصرّف عباده بي‬
‫مقتضى هذين السي‪ ,‬فحظ العبد الصادق من عبوديته بما الشكر عند العطاء‪ ,‬والفتقار عند النع‪ ,‬فهو سبحانه يعطيه‬
‫ليشكره‪ ,‬وينعه ليفتقر اليه‪ ,‬فل يزال شكورا فقيا‪.‬‬

‫قوله تعال‪{ :‬وكان الكافر على ربه ظهيا} الفرقان ‪ .55‬هذا من ألطف خطاب القرآن وأشرف معانيه‪,‬و ان الؤمن دائما‬
‫مع ال على نفسه وهواه وشيطانه وعدو ربه‪ .‬وهذا معن كونه من حزب ال وجنده وأوليائه‪ ,‬فهو مع ال على عدوه الداخل‬
‫فيه والارج عنه‪ ,‬باربم ويعاديهم ويغضبهم له سبحانه‪ .‬كما يكون خواص اللك معه على حرب أعدائه‪ ,‬والبعيدون منه‬
‫فارغون من ذلك‪ ,‬غي مهتمي به‪ ,‬والكافر مع نفسه وشيطانه وهواه على ربه‪ .‬وعبارات السلف على هذا تدور‪.‬‬

‫ذكر ابن أب حات عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبي قال‪ :‬عونا للشيطان على ربه باعداوة والشرك‪.‬‬

‫وقال الليث عن ماهد قال‪ :‬يظاهر الشيطان على معصية ال يعينه عليها ذكره ابن جرير ف التفسي ‪.17\19‬‬

‫‪61‬‬
‫وقال زيد بن أسلم‪ :‬ظهيا أي مواليا ذكره ابن كثي ف التفسي ‪ .322\3‬والعن أنه يوال عدوه على معصيته والشرك به‪,‬‬
‫فيكون مع عدوه معينا له على مساخط ربه‪.‬‬

‫فالعية الاصة الت للمؤمن مع ربه واله قد صارت لذا الكافر والفاجر مع الشيطان ومع نفسه وهواه وقربانه‪ ,‬ولذا صدّر‬
‫الية بقوله‪ {:‬ويعبدون من دون ال مال ينفعهم ول يضرهم} الفرقان ‪ ,55‬وهذه العبادة هي الوالة والحبة والرضا بعبوديهم‬
‫التضمنة لعيتهم الاصة‪ ,‬فظاهروا أعداء ال على معاداته ومالفته ومساخطه‪ ,‬بلف وليه سبحانه‪ ,‬فانه معه على نفسه‬
‫وشيطانه وهواه‪ .‬وهذا العن من كنوز القرآن لن فهمه وعقله‪ ,‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫قوله تعال‪{ :‬والذين اذا ذكّروا بآيات ربم ل يرّوا عليها صمّا وعميانا} الفرقان ‪ .73‬قال مقاتل‪ :‬اذا وعظوا بالقرآن ل‬
‫يقعوا عليه صما ل يسمعوه‪ ,‬وعميانا ل يبصروه‪ ,‬ولكنهم سعوا وأبصروا وأيقنوا به‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬ل يكونوا صما وعميانا‪,‬‬
‫بل كانوا خائفي خاشعي‪ .‬وقال الكلب‪ :‬يرّون عليها سعا وبصرا‪ .‬وقال الفراء‪ :‬واذا تلي عليهم القرآن ل يقعدوا على حالم‬
‫الول كأنم ل يسمعوه‪ ,‬فذلك الرور‪ .‬وسعت العرب تقول‪ :‬قعد يشتمن‪ ,‬كقولك‪ :‬قام يشتمن‪ ,‬وأقبل يشتمن‪ :‬والعن على‬
‫ما ذكر‪ :‬ل يصيوا عندها صما وعميلنا‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬العن‪ :‬اذا تليت عليهم خروا سجدا وبكيا سامعي مبصرين كما أمروا‬
‫به‪ :‬وقال ابن قتيبة‪ :‬أي ل يتغافلوا عنها كأنم صم ل يسمعوها وعمي ل يروها‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ها هنا أمران ذكر الرور‪ ,‬وتسليط النفي عليه‪ ,‬وهل هو خرور القلب أو خرور البدن للسجود؟ وهل العن‪ :‬ل يكن‬
‫خرورهم عن صمم وعمه فلهم عليها خرور القلب خضوعا‪ ,‬أو البدن سجودا‪ ,‬أو ليس هناك خرور وعب عن القعود؟‬

‫أصول العاصي كلها‪ ,‬كبارها وصغارها‪ ,‬ثلثة‪ :‬تعلق القلب بغي ال‪ ,‬وطاعة القوة الغضبية‪ ,‬والقوة الشهوانية‪ ,‬وهي الشرك‬
‫والظلم والفواحش‪ .‬فغاية التعلق بغي ال شرك وأن يدعى معه اله آخر‪ .‬وغاية القوة الغضبية القتل‪ .‬وغاية طاعة القوة الشهوانية‬
‫الزنا‪ .‬ولذل جع ال سبحانه بي الثلثة ف قوله‪ {:‬والذين ل يدعون مع ال الا آخر ول يقتلون النفس الت حرّم ال ال بالق‬
‫ول يزنون} الفرقان ‪.68‬‬

‫وهذه الثلثة يدعو بعضها ال بعض‪ ,‬قالشرك يدعو ال الظلم والفواحش‪ ,‬كما أن الخلص والتوحيد يصرفهما عن صاحبه‪,‬‬
‫قال تعال‪ {:‬كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا الخلصي} يوسف ‪ .24‬فالسوء‪ :‬العشق‪ ,‬والفحشاء‪ :‬الزنا‪.‬‬

‫وكذلك الظلم يدعو ال الشرك والفاحشة‪ ,‬فان الشرك أظلم الظلم‪ ,‬كما أن أعدل العدل التوحيد‪ .‬فالعدل قرين التوحيد‪,‬‬
‫والظلم قرين الشرك‪ ,‬ولذا يمع سبحانه بينهما‪ .‬أما الول ففي قوله‪ {:‬شهد ال أنه ل اله ال هو واللئكة وأولوا العلم قائما‬
‫بالقسط}آل عمران ‪ .18‬وأما الثان فكقوله تعال‪{ :‬ان الشرك لظلم عظيم} لقمان ‪ .13‬والفاحشة تدعو ال الشرك والظلم‪,‬‬
‫ول سيما اذا قويت ارادتا ول تصل ال بنوع من الظلم والستعانة بالسحر والشيطان‪ .‬وقد جع سبحانه بي الزن والشرك ف‬
‫قوله‪ { :‬الزان ل ينكح ال زانبة أو مشركة والزانية ل ينكحها ال زان أو مشرك وحرّم ذلك على الؤمني} النور ‪.3‬‬

‫‪62‬‬
‫فهذه الثلثة ير بعضها ال بعض ويأمر بعضها ببعض‪ .‬ولذا كلما كان القلب أضعف توحيدا وأعظم شركا كان أكثر‬
‫فاحشة وأعظم تعلقا بالصور وعشقا لا‪ .‬ونظي هذا قوله تعال‪ {:‬فما أوتيتم من شيء فمتاع الياة الدنيا وما عند ال خي‬
‫وأبقى للذين آمنوا وعلى ربم يتوكلون *والذين يتنبون كبائر الث والفواحش واذا ما غضبوا هم يغفرون} الشورى ‪-36‬‬
‫‪ .37‬فأخب أن ماعنده خي لن آمن به وتوكل عليه‪ ,‬وهذا هو التوحيد‪ .‬ث قال‪ {:‬والذين يتنبون كبائر الث والفواحش} فهذا‬
‫اجتناب داعي القوة الشهوانية‪ .‬ث قال‪{ :‬واذا ما غضبوا هم يغفرون}‪ ,‬فهذا مالفة القوة الغضبية‪ ,‬فجمع بي التوحيد والعفة‬
‫والعدل الت هي جاع الي كله‪.‬‬

‫[‪( ]45‬فائدة)‬
‫هجر القرآن أنواع‬

‫أحدها‪ :‬هجر ساعه واليان به والصغاء اليه‪.‬‬


‫والثان‪ :‬هجر العمل به والوقوف عند حلله وحرامه‪ ,‬وان قرأه وآمن به‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬هجر تكيمه والتحاكم اليه ف أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه ل يفيد اليقي‪ ,,‬وأن أدلته لفظية ل تصّل العلم‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬هجر تدبّره وتفهّمه ومعرفة ما أراد التكلم به منه‪.‬‬
‫والامس‪ :‬هجر الستشفاء والتداوي ف جيع أمراض القلوب وأدوائها‪ ,‬فيطلب شفاء دائه من غيه‪ ,‬ويهجر التداوي به‪,‬‬
‫زكل هذا داخل ف قوله ‪ {:‬وقال الرسول يا رب ان قومي اتذوا هذا القرآن مهجورا} الفرقان ‪ .30‬وان كان بعض الجر‬
‫أهون من بعض‪.‬‬

‫وكذلك الرج الذي ف الصدر منه‪.‬‬


‫فانه تارّة يكون حرجا من انزاله وكونه حقا من عند ال‪.‬‬
‫وتارة يكون من جهة التكلم به‪ ,‬أو كونه ملوقا من بعض ملوقاته ألم غيه أن تكلم به‪.‬‬
‫وتارة يكون من جهة كفايتها وعدمها وأنه ليكفي العباد‪ ,‬با همحتاجون معه ال العقولت والقيسة‪ ,‬أو الراء أو‬
‫السياسات‪.‬‬
‫وتارة يكون من جهة دللته‪ ,‬وما أريد به حقائقه الفهومة منه عند الطاب‪ ,‬أو أريد با تأويلها‪ ,‬واخراجها عن حقائقها ال‬
‫تأويلت مستكرهة مشتركة‪.‬‬
‫وتارة يكون من جهة كون تلك القائق وان كانت مرادة‪ ,‬فهي ثابتة ف نفس المر‪ ,‬أو أوهم أنا مرادة لضرب من الصلحة‪.‬‬
‫فكل هؤلء ف صدورهم حرج من القرآن‪ ,‬وهم يعلمون ذلك من نفوسهم ويدونه ف صدورهم‪ .‬ول تد مبتدعا ف دينه‬
‫قط ال وف قلبه حرج من اليات الت تالف بدعته‪ .‬كما أنك ل تد ظالا فاجرا ال وف صدره حرج من اليات الت تول‬
‫بينه وبي ارادته‪.‬‬
‫تدبّر هذا العن ث ارضى لنفسك با تشاء‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫[‪( ]46‬فائدة)‬
‫كمال النفس الطلوب‬

‫كمال النفس الطلوب ما تضمن أمرين‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن يصي هيئة راسخة وصفة لزمة لا‪.‬‬

‫الثان‪ :‬أن يكون صفة كمال ف نفسه‪ .‬فاذا ل يكن كذلك ل يكن كمال‪ ,‬فل يليق بن يسعى ف كمال نفسه النافسة عليه‪,‬‬
‫ول السف على فوته‪ ,‬وذلك ليس ال معرفة بارئها وفاطرها ومعبودها والها الق الذي ل صلح لا ول نعيم ول لذة ال‬
‫بعرفته‪ ,‬وارادة وجهه‪ ,‬وسلوك الطريق الوصلة اليه‪ ,‬وال رضاه وكرامته‪ .‬وأن تعتاد ذلك فيصي لا هيئة راسخة لزمة‪ .‬وما عدا‬
‫ذلك من العلوم والرادات والعمال فهي بي ما ل ينفعها ول يكملها‪ ,‬وما يعود بضررها ونقصها وألها‪ ,‬ول سيما اذا صار‬
‫هيئة راسخة لا‪ ,‬فانا تتعذب وتأل به بسب لزومه لا‪.‬‬

‫وأما الفضائل النفصلة عنها كاللبس والراكب والساكن والاه والال‪ ,‬فتلك ف القيقة عوار أعيتا مدة‪ ,‬ث يرجع فيها‬
‫العي‪ ,‬فتتأل وتتعذب برجوعه فيها بسب تعلقها با‪ ,‬ول سيما اذا كانت هي ف غاية كمالا‪ ,‬فاذا سلبتها أحضرت أعظم‬
‫النقص والل والسرة فليتدبر من يريد سعادة نفسه ولذتا هذه النكتة‪ ,‬فأكثر هذا اللق انا يسعون ف حرمان نفوسهم وألها‬
‫وألها وحسرتا ونقصها من حيث يظنون أنم يريدون سعادتا ونعيمها‪.‬‬

‫فلذتا بسب ما حصل لا من تلك العرفة والحبة والسلوك‪ .‬وحسرتا بسب ما فاتا من ذلك‪ .‬ومت عدم ذلك‪ .‬ومت عدم‬
‫ذلك‪ ,‬وخل منه‪ ,‬ل يبقى فيه ال القوى البدنية الفسانية‪ ,‬الت با يأكل ويشرب‪ ,‬وينكح ويغضب‪ ,‬وينال شائر لذاته‪ ,‬ومرافق‬
‫حياته‪ .‬ول يلحقه من جهتها شرف ول فضيلة‪ ,‬بل خساسة ومنقصة‪ .‬اذا كان انا يناسب بتلك القوى البهائم ويتصل بنسها‬
‫ويدخل ف جلتها ويصي كأحدها‪ .‬وربا زادت ف تناولا عليها واختصت دونه بسلمة العاقبة‪ ,‬حقيق أن تجره ال الكمال‬
‫القيقي الذي ل كمال سواه‪ ,‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫[‪( ]47‬فائدة جليلة)‬


‫من أصبح وليس هه ال ال تعال‬

‫اذا أصبح العبد وأمسى وليس هه ال وحده تمل ال سبحانه حوائجه كلها‪ ,‬وحل عنه كل ما أهه‪ ,‬وفرغ قلبه لحبته‪,‬‬
‫ولسانه لذكره‪ ,‬وجوارحه لطاعته‪ .‬وان أصبح وأمسى والدنيا هه حله ال هومها وغمومها وأنكادها! ووكله ال نفسه‪ ,‬فشغل‬
‫قلبه عن مبته بحبة اللق‪ ,‬ولسانه عن ذكره بذكرهم‪ ,‬وجوارحه عن طاعته بدمتهم وأشغالم‪ ,‬فهو يكدح كدح الوحش ف‬

‫‪64‬‬
‫خدمة غيه‪ ,‬كالكي ينفخ بطنه ويعصر أضلعه ف نفع غيه‪ .‬فكل من أعرض عن عبودية ال وطاعته ومبته بل بعبودية‬
‫الخلوق ومبته وخدمته‪ .‬قال تعال‪{ :‬ومن يعش عن ذكر الرحن نقيّض له شيطانا فهو له قرين} الزخرف ‪ .36‬قال سفيان‬
‫بن عيينة‪ :‬ل تأتون بثل مشهور للعرب ال جئتكم به من القرآن‪ .‬فقال له قائل‪ :‬فأين ف القرآن "أعط أخاك ترة فان ل يقبل‬
‫فأعطه جرة؟" فقال ف قوله‪{ :‬ومن يعش عن ذكر الرحن نقيّض له شيطانا}‪.‬‬

‫[‪( ]48‬فائدة)‬
‫العلم والعمل وما ها‬

‫العلم‪ :‬نقل صورة العلوم من الارج واثباتا ف النفس‪.‬‬

‫والعمل‪ :‬نقل صورة علمية من النفس واثباتا ف الارج‪ .‬فان كان الثابت ف النفس مطلقا للحقيقة ف نفسها فهو علم‬
‫صحيح‪ .‬وكثيا ما يثبت ويتراءى ف النفس صورة ليس لا وجود حقيقي‪ ,‬فيظنها الذي قد أثبتها ف نفسه علما‪ ,‬وانا هي‬
‫مقدرة ل حقيقة لا‪ .‬وأكثر علوم الناس من هذا الباب‪ .‬وما كان منها مطابقا للحقيقة ف الارج فهو نوعان‪ :‬نوع تكمل‬
‫النفس بادراكه والعلم به‪ ,‬وهو العلم بال وأسائه وصفاته وأفعاله وكتبه وأمره ونيه‪ .‬ونوع ل يصل للنفس به كمال‪ ,‬وهو‬
‫كل علم ل يضر الهل به فانه ل ينفع العلم به‪.‬‬

‫وكان النب صلى ال عليه وسلم يستعيذ بال من علم ل ينفع‪ ,‬جزء من حديث أخرجه مسلم ف الذكر والدعاء ‪(2088\4‬‬
‫‪,)73‬وأبو داود‪ ,‬والنسائي والترمذي وابن ماجه وأحد‪ .‬وهذا أكثر حال العلوم الصحيحة الطابقة الت ل يضر الهل با‬
‫شيئا‪ ,‬كالعلم بالفلك ودقائقه ودرجاته‪ ,‬وعدد الكواكب ومقاديرها‪ .‬والعلم بعدد البال وألوانا ومسحتها وما نو ذلك‪.‬‬

‫فشرف العلم بسب شرف معلومه وشدة الاجة اليه‪ .‬وليس ذلك ال العلم بال وتوابع ذلك‪ .‬وأما العلم فآفته عدم مطابقته‬
‫لراد ال الدين الذي يبه ال ويرضاه‪ ,‬ويكون ذلك من فساد العلم تارّة‪ ,‬ومن فساد الرادة تارّة‪ .‬ففساده من جهة العلم أن‬
‫يعتقد أن هذا مشروع مبوب ل وليس كذلك‪ ,‬أو يعتقد أنه يقرّبه ال ال وان ل يكن مشروعا‪ ,‬فيظن أنه يتقرب ال ال بذا‬
‫العمل‪ ,‬وان ل يعلم أنه مشروع‪.‬‬

‫وأما فساده من جهة القصد فانه ل يقصد به وجه ال والدار الخرة‪ ,‬بل يقصد به الدنيا واللق‪.‬‬

‫وهاتان الفتان ف العلم والعمل ل سبيل ال السلمة منهما ال بعرفة ما جاء به الرسول ف باب العلم والعرفة وارادة وجه ال‬
‫والدار الخرة ف باب القصد والرادة‪ .‬فمت خل من هذه العرفة وهذه الرادة فسد علمه وعمله‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫واليان واليقي يورثان صحة العرفة وصحة الرادة‪ ,‬وها يورثان اليان ويدانه‪ .‬ومن هنا يتبي انراف أكثر الناس عن‬
‫اليان لنرافهم عن صحة العرفة وصحة الرادة‪.‬‬

‫ول يتم اليان ال بتلقي العرفة من مشكاة النبوة‪ ,‬وتريد الرادة عن شوائب الوى وارادة اللق‪ ,‬فيكون علمه مقتبسا من‬
‫مشكاة الوحي‪ ,‬وارادته ل والدار الخرة‪ ,‬فهذا أصح الناس علما وعمل وهو من الئمة الذين يهدون بأمر ال ومن خلفاء‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ف أمته‪.‬‬

‫[‪ ]49‬اليان له ظاهر وباطن‬

‫اليان له ظاهر وباطن‪ ,‬وظاهرة قول اللسان وعمل الوارح‪ .‬وباطنة تصديق القلب وانقياده ومبته‪ .‬فل ينفع ظاهر ل باطن‬
‫له وان حقن به الدماء وعصم به الال والذريّة‪ ,‬ول يزىء باطن ل ظاهر له ال اذا تعذّر بعجز أو اكراه أو خوف هلك‪.‬‬
‫فتخلف العمل ظاهرا مع عدم الانع دليل على فساد الباطن وخلوّه من اليان‪ ,‬ونقصه دليل نقصه‪ ,‬وقوته دليل قوته‪.‬‬

‫فاليان قلب السلم ولبه‪ .‬واليقي قلب اليان ولبه‪ .‬وكل علم وعمل ل يزيد اليان واليقي قوة فمدخول‪ ,‬وكل ايان ل‬
‫يبعث على العمل فمدخول‪( .‬فيه رد على التصوفة الذين يقولون بالشريعة والقيقة ويفصلون بينهما وفيه كذلك رد على‬
‫الشيعة الذين يقولون بالتقية)‪.‬‬

‫[‪( ]50‬قاعدة)‬
‫التوكل على ال نوعان‬

‫أحدها‪ :‬توكل عليه ف جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية‪ ,‬أو دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية‪.‬‬

‫والثان‪ :‬التوكل على ال ف حصول ما يبه هو ويرضاه من اليان واليقي والهاد والدعوة اليه‪.‬‬

‫وبي النوعي من الفضل مال يصيه ال ال‪ .‬فمت توكل عليه العبد ف النوع الثان حق توكله كفاه النوع الول تام الكفاية‪.‬‬
‫ومت توكل عليه ف النوع الول دون الثان كفاه أيضا‪ ,‬لكن ل يكون له علقبة التوكل فيما يبه ويرضاه‪.‬‬

‫فأعظم التوكل عليه التوكل ف الداية‪ ,‬وتريد التوحيد‪ ,‬ومتابعة الرسول صلى ال عليه وسلم وجهاد أهل الباطل‪ ,‬فهذا توكل‬
‫الرسل وخاصّة أتباعهم‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫والتوكل تارة يكون توكل اضطرار والاء‪ ,‬بيث ل يد العبد ملجأ ول أزرا ال التوكل‪ ,‬كما اذا ضاقت عليه السباب‬
‫وضاقت عليه نفسه وظن أن ل ملجأ من ال ال اليه‪ ,‬وهذا ل يتخلف عنه الفرج والتيسي البتة‪ .‬وتارة يكون توكل اختيار‪,‬‬
‫وذلك التوكل مع وجود السبب الفضى ال الراد‪ ,‬فان كان السبب مأمور به ذم على تركه‪ .‬وان قام بالسبب‪ ,‬وترك التوكل‪,‬‬
‫ذم على تركه أيضا‪ ,‬فانه واجب باتفاق المة ونص القرآن‪ ,‬والواجب القيام بما‪ ,‬والمع بينهما‪ .‬وان كان السبب مرما‪,‬‬
‫حرم عليه مباشرته‪ ,‬وتوحد السبب ف حقه ف التوكل‪ ,‬فلم يبق سبب سواه‪ ,‬فان التوكل من أقوى السباب ف حصول الراد‪,‬‬
‫ودفع الكروه‪ ,‬بل هو أقوى السباب على الطلق‪.‬‬

‫وان كان السبب مباحا نظرت هل يضعف قيامك به التوكل أو ل يضعفه؟ فان أضعفه وفرق عليك قلبك وشتت هك فتركه‬
‫أول‪ ,‬وان ل يضعفه فمباشرته أول؛ لن حكمة أحكم الاكمي اقتضت ربط السبب فل تعطل حكمته مهما أمكنك القيام‬
‫با‪ ,‬ول سيما اذا فعلته عبودية‪ ,‬فتكون قد أتيت بعبودية القلب بالتوكل‪ ,‬وعبودية الوارح بالسبب النوي به القربة‪ .‬والذي‬
‫يقق التوكل القيام بالسباب الأمور با‪ ,‬فمن عطلها ل يصح توكله كما أن القيام بالسباب الفضية ال حصول الي يقق‬
‫رجاءه‪ ,‬فمن ل يقم با كان رجاؤه تنيّا‪ ,‬كما أن من عطّلها يكون توكله عجزا وعجزه توكل‪.‬‬

‫وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب على ال وحده‪ ,‬فل يضره مباشرة السباب مع خلو القلب من العتماد والركون‬
‫اليها‪ ,‬كما ل ينفعه قوله‪ :‬توكلت على ال‪ ,‬مع اعتماده على غيه وركونه اليه وثقته به‪ ,‬فتوكل السان شيء وتوكل القلب‬
‫شيء آخر‪ ,‬كما أن توبة اللسان مع اصرار القلب شيء‪ ,‬وتوبة القلب وان ل ينطق اللسان شيء آخر‪ .‬فقول العبد‪ :‬توكلت‬
‫على ال‪ ,‬مع اعتماد قلبه على غيه‪ ,‬مثل قوله‪ :‬تبت ال ال‪ ,‬وهو مصر على معصيته مرتكب لا‪.‬‬

‫[‪( ]51‬فائدة)‬
‫شكوى الاهل من ال‬

‫الاهل يشكو ال ال الناس‪ ,‬وهذا غاية الهل بالشكو والشكو اليه‪ ,‬فانه لو عرف ربه لا شكاه‪ ,‬ولو عرف الناس لا شكا‬
‫اليهم‪ .‬ورأى بعض السلف رجل يشكو ال رجل فاقته وضرورته‪ ,‬فقال‪ :‬يا هذا‪ ,‬وال ما زدت على أن شكوت من يرحك‬
‫ال من ل يرحك‪ ,‬وف ذلك قيل‪:‬‬

‫تشكو الرحيم ال الذي ل يرحم‬ ‫واذا شكوت ال ابن آدم انا‬

‫والعارف انا يشكو ال ال وحده‪ .‬وأعرف العارفي من جعل شكواه ال ال من نفسه ل من الناس‪ ,‬فهو يشكو من موجبات‬
‫تسليط الناس عليه‪ ,‬فهو ناظر ال قوله تعال‪ {:‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الشورى ‪ ,30‬وقوله‪{:‬وما‬
‫أصابك من سيئة فمن نفسك} النساء ‪ ,79‬وقوله‪ {:‬أو لا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند‬
‫أنفسكم} آل عمران ‪.165‬‬

‫‪67‬‬
‫فالراتب ثلثة‪ :‬أخسها أن تشكو ال ال خلقه‪ ,‬وأعلها أن تشكو نفسك ال ال‪ ,‬وأوسطها أن تشكو خلقه اليه‪.‬‬

‫[‪( ]52‬قاعدة جليلة)‬


‫حول الية الكرية‬
‫{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا ل وللرسول}‬

‫قال ال تعال‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا استجيبوا ل وللرسول اذا دعاكم لا يييكم واعلموا أن ال يول بي الرء وقلبه وأنه اليه‬
‫تشرون} النفال ‪ ,24‬فتضمنت هذه الية أمورا‪ ,‬أحدها‪ :‬أن الياة النافعة انا تصل بالستجابة له ورسوله‪ ,‬فمن ل تصل له‬
‫هذه الستجابة فل حياة له‪ ,‬وان كانت له حياة بيمية مشتركة بينه وبي أرذل اليوانات‪ .‬فالياةالقيقية الطيبة هي حياة من‬
‫استجاب ل والرسول ظاهرا وباطنا‪ .‬فهؤلء هم الحياء وان ماتوا‪ ,‬وغيهم أموات وان كانوا أحياء البدان‪ .‬ولذا كان أكمل‬
‫الناس حياة وأكملهم استجابة لدعوة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فان كل ما دعا اليه ففيه الياة‪ ,‬فمن فاته جزء منه فاته‬
‫جزء من الياة‪ ,‬وفيه من الياة بسب ما استجاب للرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫قال ماهد‪{ :‬لا يييكم} يعن للحق‪ ,‬وقال قتادة‪ :‬هو هذا القرآن فيه الياة والثقة والنجاة والعصمة ف الدنيا والخرة‪ .‬وقال‬
‫السدي‪ :‬هو السلم أحياهم بعد موتم بالكفر‪ .‬وقال ابن اسحاق‪ :‬عن ممد بن جعفر بن الزبي عن عروة بن الزبي‪ :‬واللفظ‬
‫له‪{:‬لا يييكم} يعن للحرب الت أعزكم ال با بعد الذل‪ ,‬وقوّاكم بعد الضعف‪ ,‬ومنعكم با من عدوكم بعد القهر منهم‬
‫لكم‪ .‬كلها من ابن كثي ‪ .297\2‬وكل هذه عبارات عن حقيقة واحدة وهي القيام با جاء به الرسول ظاهرا وباطنا‪.‬‬

‫قال الواحدي‪ :‬والكثرون على أن معن قوله‪ {:‬لا يييكم} هو الهاد‪ .‬وهو قول ابن اسحاق واختيار أكثر أهل العان‪.‬‬

‫قال الفراء‪ :‬اذا دعاكم ال احياء أمركم بهاد عدوكم يريد انا يقوي بالرب والهاد‪ ,‬فلو تركوا الهاد ضعف أمرهم‬
‫واجترأ عليهم عدوهم‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫قلت‪ :‬الهاد من أعظم ما يييهم به ف الدنيا وف البزخ وف الخرة‪ .‬أما ف الدنيا فان قوتم وقهرهم لعدوهم بالهاد‪.‬‬

‫وأما ف البزخ فقد قال تعال‪{ :‬ول تسب الذين قتلوا ف سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربم يرزقون} آل عمران ‪.169‬‬

‫وأما ف الخرة فان حظ الجاهدين والشهداء من حياتا ونعيمها أعظم من حظ غيهم‪ .‬ولذا قال تب قتيبة‪{ :‬لا يييكم}‬
‫يعن الشهادة‪ .‬وقال بعض الفسرين‪ { :‬لا يييكم} يعن النة‪ .‬فانا دار اليوان وفيها الياة الدائمة الطيبة‪ .‬حكاه أبو علي‬
‫الرجان‪.‬‬

‫والية تناول هذا كله‪ ,‬فان اليان والقرآن والهاد تيي القلوب الياة الطيبة‪ .‬وكمال الياة ف النة‪ ,‬والرسول داع ال‬
‫اليان وال النة‪ ,‬فهو داع ال الياة ف الدنيا والخرة‪ .‬والنسان مضطر ال نوعي من الياة‪ :‬حياة بدنه الت با يدرك النافع‬
‫والضار ويؤثر ما ينفعه على ما يضرّه‪ .‬ومت نقصت فيه هذه ناله من الل والضعف بسب ذلك‪ .‬ولذلك كانت حياة الريض‬
‫والحزون وصاحب الم والغم والوف والفقر والذل دون حياة من هو معاف من ذلك‪ .‬وحياة قلبه وروحه الت با ييز بي‬
‫الق والباطل والغي والرشاد والوى والضلل‪ ,‬فيختار الق على ضده‪ .‬فتفيد هذه الياة قوة التمييز بي النافع والضار ف‬
‫العلوم والرادات والعمال‪ .‬وتفيد قوة اليان والرادة والب للحق‪ ,‬وقوة البغض والكراهة للباطل‪.‬‬

‫فشعوره وتييزه وحبه ونفرته بسب نصيبه من هذه الياة‪ ,‬كما أن البدن الي يكون شعوره واحساسه بالنافع والؤل أت‪,‬‬
‫ويكون ميله ال النافع ونفرته عن الؤل أعظم‪ .‬فهذا بسب حياة البدن‪ ,‬وذاك بسب حياة القلب‪ .‬فاذا بطلت حياته بطل‬
‫تييزه‪ .‬وان كان له نوع تييز ل يكن فيه قوة يؤثر با النافع على الضار‪ .‬كما أن النسان ل حياة له حت ينفخ فيه اللك‪,‬‬
‫الذي هو رسول ال (اللك الذي ينفخ الروح ف النسان بأمر ال)‪ ,‬من روحه‪ ,‬فيصي حيا بذلك النفخ‪ .‬وكان قبل ذلك من‬
‫جلة الموات‪ .‬وكذلك ل حياة لروحه وقلبه حت ينفخ فيه الرسول صلى ال عليه وسلم من الروح الذي ألقى اليه‪ ,‬قال تعال‪:‬‬
‫{ينل اللئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده} النحل ‪ ,2‬وقال ‪ {:‬يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده}‬
‫غافر ‪ ,15‬وقال‪ {:‬وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليان ولكن جعلناه نورا ندي به من‬
‫نشاء من عبادنا} الشورى ‪ .52‬فأخب أن وحيه روح ونور‪ ,‬فالياة والستنارة موقوفة على نفخ الرسول اللكي‪ ,‬فمن أصابه‬
‫نفخ الرسول اللكي ونفخ الرسول البشري حصلت له الياتان‪.‬‬

‫ومن حصل له نفخ اللك دون نفخ الرسول حصلت له احدى الياتي وفاتته الخرى‪ ,‬قال تعال‪ {:‬أو من كان ميتا فأحييناه‬
‫وجعلنا له نورا يشي به ف الناس كمن مثله ف الظلمات ليس بارج منها}النعام ‪ ,122‬فجمع له بي النور والياة كما جع‬
‫لن أعرض عن كتابه بي الوت والظلمة‪ .‬قال ابن عباس وجيع الفسرين‪ :‬كان كافرا ضال فهديناه‪ .‬تفسي ابن كثي ‪.172\2‬‬

‫وقوله‪ {:‬وجعلنا له نورا يشي به ف الناس} يتضمن أمورا‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه يشي ف الناس بالنور وهم ف الظلمة‪ ,‬فمثله ومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم الليل فضلوا ول يهتدوا للطريق‪ .‬وآخر‬
‫معه نور يشي ف الطريق ويراها ويرى ما يذره فيها‪.‬‬

‫وثانيها‪ :‬أنه يشي فيهم بنوره فهم يقتبسون منه لاجتهم ال النور‪.‬‬

‫وثالثها‪ :‬أنه يشي بنوره يوم القيامة على الصراط اذا بقي أهل الشرك والنفاق ف الظلمات شركهم ونفاقهم‪.‬‬

‫وقوله‪ {:‬اعلموا أن ال يول بي الرء وقلبه} النفال ‪ .24‬الشهور ف الية أنه يول بي الؤمن وبي الكفر‪ ,‬وبي الكافر‬
‫وبي اليان‪ .‬ويول بي أهل طاعته وبي معصيته‪ ,‬وبي أهل معصيته وبي طاعته‪ ,‬وهذا قول ابن عباس وجهور الفسرين‪.‬‬

‫وف الية قول آخر أن العن أنه سبحانه قريب من قلبه ل تفى عليه خافية‪ ,‬فهو بينه وبي قلبه‪ .‬ذكره الواحدي عن قتادة‪,‬‬
‫وكان هذا أنسب بالسياق‪ ,‬لن الستجابة أصلها بالقلب فل تنفع الستجابة بالبدن دون القلب‪ ,‬فان ال سبحانه بي العبد‬
‫وبي قلبه فيعلم هل استجاب له قلبه وهل أضمر ذلك أو أضمر خلفه‪.‬‬

‫وعل القول الول‪ ,‬فوجه الناسبة أنكم ان تثاقلتم عن الستجابة وأبطأت عنها فل تأمنوا أن يول ال بينكم وبي قلوبكم فل‬
‫يكنكم بعد ذلك من الستجابة عقوبة لكم على تركها بعد وضوح الق واستبانته‪ ,‬فيكون قوله‪ {:‬ونقلّب أفئدتم وأبصارهم‬
‫كما ل يؤمنوا به أول مرة} النعام ‪ .110‬وقوله‪ {:‬فلما زاغوا أزاغ ال قلوبم} الصف ‪ .5‬وقوله‪ {:‬فما كانوا ليؤمنوا با‬
‫كذّبوا من قبل} العراف ‪ .101‬ففي الية تذير عن ترك الستجابة بالقلب وان استجاب بالوارح‪.‬‬

‫وف الية سر آخر‪ :‬وهو أنه جع لم بي الشرع والمر به‪ ,‬وهو الستجابة‪ ,‬وبي القدر واليان به‪ ,‬فهي كقوله تعال‪ { :‬لن‬
‫شاء منكم أن يستقيم* وما تشاءون ال أن يشاء ال رب العالي} التكوير ‪ ,28,29‬وقوله‪ {:‬فمن شاء ذكره‪ .‬وما يذكرون‬
‫ال أن يشاء ال} الدثر ‪ ,55,56‬وال أعلم‪.‬‬

‫[‪( ]53‬فائدة جليلة)‬


‫{وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم}‬

‫قوله تعال‪ {:‬كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم وعسى أن تبوا شيئا وهو شرّ لكم‬
‫وال يعلم وأنتم ل تعلمون} البقرة ‪ ,216‬وقوله عزّ وجلّ‪ {:‬فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويعل ال فيه خيا‬

‫‪70‬‬
‫كثيا} النساء ‪ .19‬فالية الول ف الهاد الذي هو كمال القوة الغضبية خشية على نفسه منه‪ ,‬والثانية ف النكاح الذي هو‬
‫كمال القوة الشهوانية‪.‬‬

‫فالعبد يكره مواجهة عدوه بقوته الغضبية خشية على نفسه منه‪ ,‬وهذا الكروه خي له ف معاشه ومعاده‪ ,‬ويب الوادعة‬
‫والتاركة‪ ,‬وهذا الحبوب شر له ف معاشه ومعاده‪.‬‬

‫وكذلك يكره الرأة لوصف من أوصافها وله ف امساكها خي كثي ل يعرفه‪ .‬ويب الرأة لوصف من أوصافها وله ف‬
‫امساكها شر كثي ل يعرفه‪ .‬فالنسان كما وصفه به خالقه ظلوم جهول‪ ,‬فل ينبغي أن يعل العيار على ما يضرّه وينفعه ميله‬
‫وحبه ونفرته وبغضه‪ ,‬بل العيار على ذلك ما اختاره ال له بأمره ونيه‪.‬‬

‫فأنفع الشياء له على الطلق طاعة ربه بظاهره وباطنه‪ ,‬وأضر الشياء عليه على الطلق معصيته بظاهره وباطنه‪ ,‬فاذا قام‬
‫بطاعته وعبوديته ملصا له فكل ما يري عليه ما يكره يكون خيا له‪ ,‬واذا تلى عن طاعته وعبوديته فكل ما هو فيه من‬
‫مبوب هو شر له‪ .‬فمن صحت له معرفة ربه والفقه ف أسائه وصفاته‪ ,‬علم يقينا أن الكروهات الت تصيبه والحن الت تنل به‬
‫فيها ضروب من الصال والنافع التيل يصيحا علمه وفكره‪ ,‬بل مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يب‪.‬‬

‫فعامة مصال النفوس ف مكروهاتا‪ ,‬كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها ف مبوباتا‪ .‬فانظر ال غارس جنة من النات‬
‫خبي بالفلحة غرس جنة وتعاهدها بالسقي والصلح حت أثرت أشجارها‪ ,‬فأقبل عليها يفصل أوصالا ويقطع أغصانا لعلمه‬
‫أنا لو خليّت على حالا ل تطب ثرتا‪ ,‬فيطعمها من شجرة طيبة الثمرة‪ ,‬حت اذا اتدت با والتحمت وأعطت ثرتا أقبل‬
‫يقلمها ويقطع أغصانا الضعيفة الت تذهب قوتا‪ ,‬ويذيقها أل القطع والديد لصلحتها وكمالا‪ ,‬لتصلح ثرتا أن تكون بضرة‬
‫اللوك‪ .‬ث ل يدعها ودواعي طبعها من الشرب كل وقت‪ ,‬بل يعطشها وقتا ويسقيها وقتا‪ ,‬ول يترك عليها الاء دائما وان كان‬
‫ذلك أنضر لورقها وأسرع لنباتا‪ .‬ث يعمد ال تلك الزينة الت زينت با من الوراق فيلقي عنها كثيا منها‪ ,‬لن تلك الزينة‬
‫تول بي ثرتا وبي كمال نضجها واستوائها كما ف شجر العنب ونوه‪ .‬فهو يقطع أعضاءها بالديد‪ ,‬ويلقي عنها كثيا من‬
‫زينتها‪ ,‬وذلك عي مصلحتها‪ .‬فلو أنا ذات تييز وادراك كاليوان‪ ,‬لتوهت أن ذلك افساد لا واضرار با‪ ,‬وانا هو عي‬
‫مصلحتها‪.‬‬

‫وكذلك الب الشفيق على ولده العال بصلحته‪ ,‬اذا رأى مصلحته ف اخراج الدم الفاسد عنه‪ ,‬بضع جلده وقطع عروقه‬
‫وأذاقه الل الشديد‪ .‬وان رأى شفاءه ف قطع عضو من أعضائه أبانه عنه (أي قطعه)‪ ,‬كل ذلك رحة به وشفقة عليه‪ .‬وان رأى‬
‫مصلحته ف أن يسك عنه العطاء ل يعطه ول يوسع عليه‪ ,‬لعلمه أن ذلك أكب السباب ال فساده وهلكه‪ .‬وكذلك ينعه‬
‫كثيا من شهواته حية له ومصلحة ل بل عليه‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫فأحكم الاكمي وأرحم الراحي وأعلم العالي‪ ,‬الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم ومن آبائهم وأمهاتم‪ ,‬اذا أنزل بم ما‬
‫يكرهون كان خيا لم من أن ل ينله بم‪ ,‬نظرا منه لم واحسانا اليهم ولطفا بم‪ ,‬ولو مكنوا من الختيار لنفسهم لعجزوا‬
‫عن القيام بصالهم علما وارادة وعمل‪ ,‬لكنه سبحانه تعال تول تدبي أمورهم بوجب علمه وحكمته ورحته‪ ,‬أحبوا أم‬
‫كرهوا‪ ,‬فعرف ذلك الوقنون بأسائه وصفاته فلم يتهموه ف شيء من أحكامه‪ ,‬وخفى ذلك على الهال به وبأسائه وصفاته‪,‬‬
‫فنازعوه تدبيه‪ ,‬وقدحوا ف حكمته‪ ,‬ول ينقادوا لكمه‪ ,‬وعارضوا حكمه بعقولم الفاسدة وآرائهم الباطلة وسياساتم الائرة‪,‬‬
‫فل لربم عرفوا‪ ,‬ول لصالهم حصلوا‪ ,‬وال الوفق‪.‬‬

‫ومت ظفر العبد بذه العرفة سكن ف الدنيا قبل الخرة ف جنة ل يشبه نعيمها ال نعيم جنة الخرة‪ ,‬فانه ل يزال راضيا عن‬
‫ربه‪ ,‬والرضا جنة الدنيا ومستراح العارفي‪ ,‬فانه طيب النفس با يري عليها من القادير الت هي عي اختيار ال له‪ ,‬وطمأنينته‬
‫ال أحكامه الدينية‪ ,‬وهذا هو الرضا بال ربا وبالسلم دينا وبحمد رسول‪ .‬وما ذاق طعم اليان من ل يصل له ذلك‪ .‬وهذا‬
‫الرضا هو بسب معرفته بعدل ال وحكمته ورحته وحسن اختياره‪ ,‬فكلما كان بذلك كان به أرضى‪ .‬فقضاء الرب سبحانه‬
‫ف عبده دائر بي العدل والصلحة والكمة والرحة‪ ,‬ل يرج عن ذلك البتة كما قال صلى ال عليه وسلم ف الدعاء الشهور‪:‬‬
‫" اللهم ان عبدك‪ ,‬ابن عبدك‪ ,‬ابن أمتك‪ ,‬ناصيت بيدك‪ ,‬ماض فّ حكمك‪ ,‬عدل ف قضاؤك‪ ,‬أسألك بكل اسم هو لك‪ ,‬سيت‬
‫به نفسك‪ ,‬أو أنزلته ف كتابك‪ ,‬أو علّمته أحدا من خلقك‪ ,‬أو استأثرت به ف علم الغيب عندك‪ ,‬أن تعل القرآن ربيع قلب‪,‬‬
‫ونور صدري‪ ,‬وجلء حزن‪ ,‬وذهاب هي وغمي‪ ,‬ما قالا أحد قط ال أذهب ال هه وغمه وأبدله مكانه فرجا"‪ .‬قالوا‪ :‬أفل‬
‫نتعلمهن يا رسول ال؟ قال‪ " :‬بلى ينبغي لن يسمعهن أن يتعلمهن‪ ,".‬أخرجه أحد ف السند ‪ ,391,452\1‬وابن السن ف‬
‫عمل اليوم والليلة ص ‪ 104‬رقم ‪ ,339,340‬وغيهم‪.‬‬

‫والقصود قوله "عدل فّ قضاؤك"‪ ,‬وهذا يتناول كل قضاء يقضيه على عبده من عقوبة أو أل وسبب ذلك‪ ,‬فهو الذي قضى‬
‫بالسبب وقضى بالسبب وهو عدل ف هذا القضاء‪ .‬وهذا القضاء خي للمؤمن كم قال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬والذي نفسي‬
‫بيده ل يقضي ال للمؤمن قضاء ال كان خيا له‪ ,‬وليس ذلك ال للمؤمن‪ ".‬أحد ف السند ‪ ,117,184\3‬عن أنس بن‬
‫مالك‪.‬‬

‫قال العلمة ابن القيم‪ :‬فسألت شيخنا "المام الليل ابن تيمية" هل يدخل ف ذلك قضاء الذنب؟ فقال‪ :‬نعم بشرطه‪ ,‬فأجل‬
‫ف لفظة "بشرطه" ما يترتب على الذنب من الثار الحبوبة ل من التوبة والنكسار والندم والضوع والذل والبكاء وغي‬
‫ذلك‪.‬‬

‫[‪( ]54‬فائدة)‬
‫الرغبة ف الخرة تقتضي الزهد بالدنيا‬

‫ل تتم الرغبة ف الخرة ال بالزهد ف الدنيا‪ ,‬ول يستقيم الزهد ف الدنيا ال بعد نظرين صحيحي‪:‬‬

‫‪72‬‬
‫النظر ف الدنيا وسرعة زوالا وفنائها واضمحللا ونقصها وخسّتها‪ ,‬وأل الزاحة عليها والرص عليها‪ ,‬وما ف ذلك من‬
‫الغصص والنغص والنكاد‪ ,‬وآخر ذلك الزوال والنقطاع مع ما يعقب من السرة والسف‪ ,‬فطالبها ل ينفك من هم قبل‬
‫حصولا‪ ,‬وهم ف حال الظفر با‪ ,‬وغم وحزن بعد فواتا‪ .‬فهذا أحد النظرين‪.‬‬

‫(النظر الثان) ف الخرة واقبالا وميئها ول بد‪ ,‬ودوامها وبقائها‪ ,‬وشرف ما فيها من اليات والسرات والتفاوت الذي بينه‬
‫وبي ما ها هنا فهي كما قال سبحانه‪ {:‬والخرة خي وأبقى} العلى ‪ .17‬فهي خيات كاملة دائمة‪ ,‬وهذه خيالت ناقصة‬
‫منقطعة مضمحلة‪ .‬فاذا ت له هذين النظران آثر ما يقتضي العقل ايثاره‪ ,‬وزهد فيما يقتضي الزهد فيه‪ .‬فكل أحد مطبوع على‬
‫أن ل يترك النفع العاجل واللذة الاضرة ال النفع الجل واللذة الغائبة النتظرة‪ ,‬ال اذا تبي الفضل له‪ ,‬واما لعدم رغبته ف‬
‫الفضل‪ ,‬وكل واحد من المرين يدل على ضعف اليان وضعف العقل والبصية‪ .‬فان الراغب ف الدنيا الريص عليها الؤثر‬
‫لا اما أن يصدّق بأن هناك أشرف وأفضل وأبقى‪ ,‬واما أن ل يصدّق‪ ,‬فان ل يصدق بذلك كان عادما لليان رأسا‪ ,‬وان‬
‫صدّق ذلك كان فاسد العقل سيء الختيار لنفسه‪.‬‬

‫وهذا تقسيم حاضر ضروري ل ينفك العبد من أحد القسمي منه‪ .‬فايثار الدنيا على الخرة اما من فساد اليان‪ ,‬واما من‬
‫فساد العقل‪ .‬وما أكثر ما يكون منهما‪ .‬ولذا نبذها رسول ال صلى ال عليه وسلم وراء ظهره هو وأصحابه وصرفوا عنها‬
‫قلوبم‪ ,‬واطرحوها ول يألفوها‪ ,‬وهجروها ول ييلوا اليها‪ ,‬وعدّوها سجنا ل جنّة‪ .‬فزهدوا فيها حقيقة الزهد‪ ,‬ولو أرادوها‬
‫لنالوا منها كل مبوب ولوصلوا منها ال كل مرغوب‪ .‬فقد عرضت عليه مفاتيح كنوزها فردّها‪ ,‬وفاضت على أصحابه فآثروا‬
‫با ول يبيعوا حظهم من الخرة با‪ ,‬وعلموا أنا معب ومر ل دار مقام ومستقر‪ ,‬وأنا دار عبور ل دار سرور‪ ,‬وأنا سحابة‬
‫صيف تنقشع عن قليل‪ ,‬وخيال طيف ما استتم الزيارة حت آذن الرحيل‪.‬‬

‫قال النب صلى ال عليه وسلم‪ " :‬مال وللدنيا‪ ,‬انا أنا كراكب قال ف ظل شجرة ث راح وتركها" أخرجه الترمذي ف الزهد‬
‫‪ ,)2377(508\4‬وابن ماجه وأحد والسيوطي‪ .‬وقال‪ ":‬ما الدنيا ف الخرة ال كما يدخل أحدكم اصبعه ف اليم فلينظر با‬
‫ترجع"‪ .‬أخرجه مسلم ف النة ‪ 2193\4‬رقم ‪ ,]2858[ 55‬والترمذي وابن ماجه‪.‬‬

‫وقال خالقها سبحانه‪{ :‬انا مثل الياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض ما يأكل الناس والنعام حت‬
‫اذا أخذت الرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنم قادرون عليها أتاها أمرنا ليل أو نارا فجعلناها حصيدا كأن ل تغن‬
‫بالمس كذلك نفصّل اليات لقوم يتفكّرون * وال يدعو ال دار السلم ويهدي من يشاء ال صراط مستقيم} يونس‬
‫‪ ,24,25‬فأخب عن خسة الدنيا وزهد فيها‪ ,‬وأخب عن دار السلم ودعا اليها‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫وقال تعال‪ {:‬واضرب لم مثل الياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض فأصبح هشيما تذروه الرياح‬
‫وكان ال على كل شيء مقتدرا * الال والبنون زينة الياة الدنيا والباقيات الصالات خي عند ربك ثوابا وخي أمل} الكهف‬
‫‪.45,46‬‬

‫وقال تعال‪ {:‬اعلموا أن الياة الدنيا لعب ولو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر ف الموال والولد كمثل غيث أعجب الكفار‬
‫نباته ث يهيج فتراه مصفرّا ث يكون حطاما وف الخرة عذاب شديد ومغفرة من ال ورضوان وما الياة الدنيا ال متاع‬
‫الغرور} الديد ‪.20‬‬

‫وقال تعال‪ {:‬زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبني والقناطي القنطرة من الذهب والفضة واليل السوّمة والنعام‬
‫والرث ذلك متاع الياة الدنيا وال عنده حسن الآب * قل أؤنبئكم بي من ذلكم للذين اتقوا عند ربم جنّات تري من‬
‫تتها النار خالدين فيها وأزواج مطهّرة ورضوان من ال وال بصي بالعباد} آل عمران ‪.14,15‬‬

‫وقال تعال‪ {:‬وفرحوا بالياة الدنيا وما الياة الدنيا ف الخرة ال متاع} الرعد ‪.26‬‬

‫وقد توعّد سبحانه أعظم الوعيد لن رضى بالياة الدنيا واطمأن با وغفل عن آياته ول يرج لقاءه‪ ,‬فقال‪ {:‬ان الذين ل‬
‫يرجون لقاءنا ورضوا بالياة الدنيا واطمأنوا با والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار با كانوا يكسبون} يونس‬
‫‪.7,8‬‬

‫وعيّر سبحانه من رضي بالدنيا من الؤمني‪ ,‬فقال‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا ما لكم اذا قيل لكم انفروا ف سبيل ال اثّاقلتم ال‬
‫الرض أرضيتم بالياة الدنيا من الخرة فما متاع الدنيا ف الخرة ال قليل} التوبة ‪.38‬‬

‫وعلى قدر رغبة العبد ف الدنيا ورضاه با يكون تثاقله عن طاعة ال وطلب الخرة‪ ,‬ويكفي ف الزهد ف الدنيا قوله تعال‪{:‬‬
‫أفرأيت ان متّعناهم سني * ث جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغن عنهم ما كانوا يتّعون} الشعراء ‪.207-205‬‬

‫وقوله‪ {:‬ويوم يشرهم كأن ل يلبثوا ال ساعة من النهار يتعارفون بينهم} يونس ‪.45‬‬
‫وقوله‪{ :‬كأنم يوم يرون ما يوعدون ل يلبثوا ال ساعة من نار بلغ فهل يهلك ال القوم الفاسقون} الحقاف ‪.35‬‬

‫وقوله تعال‪ {:‬يسألونك عن الساعة أيّان مرساها ‪ .‬فيم أنت من ذكراها ‪ .‬ال ربك منتهاها ‪ .‬انا أنت منذر من يشاها ‪.‬‬
‫كأنم يوم يرونا ل يلبثوا ال عشية أو ضحاها} النازعات ‪.46-42‬‬

‫وقوله‪ {:‬ويوم تقوم الساعة يقسم الجرمون ما لبثوا غي ساعة} الروم ‪.55‬‬

‫‪74‬‬
‫وقوله‪ { :‬قال كم لبثتم ف الرض عدد سني * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادّين * قال ان لبثتم ال قليل لو أنكم‬
‫كنتم تعلمون}الؤمنون ‪.114-112‬‬

‫وقوله‪ {:‬يوم ينفخ ف الصور ونشر الجرمي يومئذ زرقا * يتخافتون بينهم ان لبثتم ال عشرا * نن أعلم با يقولون اذ يقول‬
‫أمثلهم طريقة ان لبثتم ال يوما} طه ‪.104-102‬‬

‫وال الستعان وعليه التكلن‪.‬‬

‫[‪( ]55‬قاعدة)‬
‫أساس الي أن تؤمن با شاءه تعال‬

‫أساس كل خي أن تعلم أن ما شاء ال كان‪ ,‬وما ل يشأ ل يكن‪ .‬فتيقن حينئذ أن السنات من نعمه‪ ,‬فتشكره عليها‪,‬‬
‫وتتضرّع اليه أن ل يقطعها عنك‪ ,‬وأن السيئات من خذلنه وعقوبته‪ ,‬فتبتهل اليه أن يول بينك وبينها‪ ,‬ول يكلك ف فعل‬
‫السنات وترك السيئات ال نفسك‪ .‬وقد أجع العارفون على أن كل خي فأصله بتوفيق ال للعبد‪ ,‬وكل شر فأصله خذلنه‬
‫لعبده‪ ,‬وأجعوا أن التوفيق أن ل يكللك ال ال نفسك‪ ,‬وأن الذلن هو أن يلي بينك وبي نفسك‪ ,‬فاذا كان كل خي فأصله‬
‫التوفيق‪ ,‬وهو بيد ال ل بيد العبد‪ ,‬فمفتاحه الدعاء والفتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة اليه‪ .‬فمت أعطى العبد هذا الفتاح‬
‫فقد أراد أن يفتح له‪ ,‬ومت أضلّه عن الفتاح بقي باب الي مرتا دونه‪.‬‬

‫قال أمي الؤمني عمر بن الطاب رضي ال عنه‪ :‬ان ل أحل هم الجابة‪ ,‬ولكن هم الدعاء‪ ,‬فاذا ألمت الدعاء فان الجابة‬
‫معه‪ .‬وعلى قدر مية العبد وهته ومراده ورغبته ف ذلك يكون توفيقه سبحانه واعانته‪ .‬فالعونة من ال تنل على العباد على قدر‬
‫همهم وثباتم ورغبتهم ورهبتهم‪ ,‬والذلن ينل عليهم على حسب ذلك‪ ,‬فال سبحانه أحكم الاكمي وأعلم العالي‪ ,‬يضع‬
‫التوفيق ف مواضعه اللئقة به‪ ,‬وهو العليم الكيم‪ ,‬وما أت من أتى ال من قبل اضاعة الشكر واهال الفتقار والدعاء‪ ,‬ول ظفر‬
‫من ظفر بشيئة ال وعونه ال بقيامه بالشكر وصدق الفتقار والدعاء‪ .‬وملك ذلك الصب فانه من اليان بنلة الرأس من‬
‫السد‪ ,‬فاذا قطع الرأس فل بقاء للجسد‪.‬‬
‫******‬

‫•ماضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن ال‪.‬‬


‫•خلقت النار لذابة القلوب القاسية‪.‬‬
‫•أبعد القلوب من ال القلب القاسي‪.‬‬
‫•اذا قسا القلب قحطت العي‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫•قسوة القلب من أربعة أشياء اذا جاوزت قدر الاجة‪ :‬الكل والنوم والكلم والخالطة‪ .‬كما أن البدن اذا مرض ل ينفع‬
‫فيه الطعام والشراب‪ ,‬فكذلك القلب اذا مرض بالشهوات ل ينفع فيه الواعظ‪.‬‬
‫•من أراد صفاء قلبه فليؤثر ال على شهوته‪.‬‬
‫•القلوب التعلقة بالشهوات مجوبة عن ال بقدر تعلقها با‪.‬‬
‫•القلوب آنية ال ف أرضه‪ ,‬فأحبها اليه أرقها وأصلبها وأصفاها‪.‬‬
‫•شغلوا قلوبم بالدنيا‪ ,‬ولو شغلوها بال والدار الخرة لالت ف معان كلمه وآياته الشهودة ورجعت ال أصحابا بغرائب‬
‫الكم وطرف الفوائد‪.‬‬
‫•اذا غذي القلب بالتذكر‪ ,‬وسقي بالتفكّر‪ ,‬ونقي من الدغل‪ ,‬ورأى العجائب وألم الكمة‪.‬‬
‫•ليس كل من تلى بالعرفة والكمة وانتحلها كان من أهلها‪ ,‬بل أهل العرفة والكمة الذين أحيوا قلوبم بقتل الوى‪.‬‬
‫وأما من قتل قلبه فأحي الوى‪ ,‬فالعرفة والكمة عارية على لسانه‪.‬‬
‫•خراب القلب من الزمن والغفلة‪ ,‬وعمارته من الشية والذكر‪.‬‬
‫•اذا زهدت القلوب ف موائد الدنيا قعدت على موائد الخرة بي أهل تلك الدعوة‪ ,‬واذا رضيت بوائد الدنيا فاتتها تلك‬
‫الوائد‪.‬‬
‫•الشوق ال ال ولقائه نسيم يهب على القلب يروح عنه وهج الدنيا‪.‬‬
‫•من وطّن قلبه عند ربه‪ ,‬سكن واستراح‪ ,‬من أرسله ف الناس اضطرب واشتد به القلق‪.‬‬
‫•ل تدخل مبة ال ف قلب فيه حب الدنيا ال كما يدخل المل ف سم البرة‪.‬‬
‫•اذا أحب ال عبدا اصطنعه لنفسه واجتباه لحبته‪ ,‬واستخلصه لعبادته‪ ,‬فشغل هه به‪ ,‬ولسانه بذكره‪ ,‬وجوارحه بدمته‪.‬‬

‫[‪ ]56‬مرض القلب‬

‫القلب يرض كما يرض البدن‪ ,‬وشفاؤه ف التوبة والميّة‪ ,‬ويصدأ كما تصدأ الرآة وجلؤه بالذكر‪ ,‬ويعرى كما يعرى‬
‫السم‪ ,‬وزينته التقوى‪ ,‬ويوع ويظمأ كما يوع البدن‪ ,‬وطعامه وشرابه العرفة والحبة والتوكل والنابة والدمة‪.‬‬

‫ايّاك والغفلة عمن جعل لياتك أجل وليامك وأنفاسك أمدا ومن كل سواه بد ول بد لك منه‪.‬‬

‫[‪ ]57‬ترك الختيار‬

‫من ترك الختيار والتدبي ف طلب زيادة دنيا أو جاه أو ف خوف نقصان أو ف التخلص من عدو‪ ,‬توكل على ال وثقة‬
‫بتدبيه له وحسن اختياره له‪ ,‬فألقى كنفه بي يديه‪ ,‬وسلم المر اليه‪ ,‬ورضي با يقضيه له‪ ,‬استراح من الموم والغموم‬
‫والحزان‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ومن أب ال تدبيه لنفسه‪ ,‬وقع ف النكد والنصب وسوء الال والتعب‪ ,‬فل عيش يصفو‪ ,‬ول قلب يفرح‪ ,‬ول عمل يزكو‪,‬‬
‫ول أمل يقوم‪ ,‬ول راحة تدوم‪.‬‬

‫وال سبحانه سهّل للقه السبيل اليه وحجبهم عنه بالتدبي‪ ,‬فمن رضي بتدبي ال له‪ ,‬وسكن ال اختياره‪ ,‬وسلّم لكمه‪ ,‬أزال‬
‫ذلك الجاب‪ ,‬فأفضى القلب ال ربه‪ ,‬واطمأن اليه وسكن‪.‬‬

‫[‪ ]58‬التوكل ل يسأل غي ال ول يرد على ال ول يدخر مع ال‬

‫•من شغل بنفسه شغل عن غيه‪ ,‬ومن شغل بربه شغل عن نفسه‪.‬‬
‫•الخلص هو ما ل يعلمه ملك فيكتبه ول عدو فيفسده ول يعجب به صاحبه فيبطله‪.‬‬
‫•الرضا سكون القلب تت ماري الحكام‪.‬‬
‫•الناس ف الدنيا معذّبون على قدر همهم با‪.‬‬
‫•للقلب ستة مواطن يول فيها ل سابع لا‪ :‬ثلثة سافلة‪ ,‬وثلثة عالية‪.‬‬

‫فالسافلة‪ :‬دنيا تتزين له‪ ,‬ونفس تدثه‪ ,‬وعدو يوسوس له‪ .‬فهذه مواطن الرواح السافلة الت ل تزال تول با‪.‬‬
‫والثلثة العالية‪ :‬علم يتبي له‪ ,‬وعقل يرشده‪ ,‬واه يعبده‪ .‬والقلوب جوّالة ف هذه الواطن‪.‬‬

‫•اتباع الوى وطول المل مادة كل فساد‪ ,‬فان اتباع الوى يعمي عن الق معرفة وقصدا‪ ,‬وطول المل ينسي الخرة‪,‬‬
‫ويصد عن الستعداد لا‪.‬‬
‫•ل يشم عبد رائحة الصدق ويداهن نفسه‪ ,‬أو يداهن غيه‪.‬‬
‫•اذا أراد ال بعبد خيا جعله معترفا بذنبه‪ ,‬مسكا عن ذنب غيه‪ ,‬جوّادا با عنده‪ ,‬زاهدا فيما عند غيه‪ ,‬متمل لذى غيه‪,‬‬
‫وان أراد به شرا عكس ذلك عليه‪.‬‬
‫•المّة العليّة ل تزال حائمة حول ثلثة أشياء‪:‬‬

‫تعرف لصفة من الصفات العليا تزداد بعرفتها مبة وارادة‪.‬‬


‫وملحظة لنة تزداد بتذكره توبة وخشية‪ .‬فاذا تعلّقت المّة بسوى هذه الثلثة جالت ف أودية الوساوس والطرات‪.‬‬

‫•من عشق الدنيا نظرت ال قدرها عند فصيته من خدمها وعبيدها وأذلّته‪ .‬ومن أعرض عنها نظرت ال كب قدره فخدمته‬
‫وذلّت له‪.‬‬
‫•انا يقطع السفر ويصل السافر بلزوم الادّة وسي الليل‪ ,‬فاذا حاد السافر عن الطريق‪ ,‬ونام الليل كله‪ ,‬فمت يصل ال‬
‫مقصده؟‬

‫‪77‬‬
‫[‪( ]59‬فائدة جليلة)‬
‫قبول فتوى العابد الزاهد ف دنياه‬

‫كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها‪ ,‬فل بد أن يقول على ال غي الق ف فتواه وحكمه‪ ,‬ف خبه والزامه‪ ,‬لن أحكام‬
‫الرب سبحانه كثيا ما تأت على خلف أغراض الناس‪ ,‬ول سيما أهل الرئاسة‪ .‬والذين يتبعون الشهوات فانم ل تتم لم‬
‫أغراضهم ال بخالفة الق ودفعه كثيا‪ ,‬فاذا كان العال والاكم مبي للرئاسة‪ ,‬متبعي للشهوات‪ ,‬ل يتم لما ذلك ال بدفع ما‬
‫يضاده من الق‪ ,‬ول سيما اذا قامت له شبهة‪ ,‬فتتفق الشبهة والشهوة‪ ,‬ويثور الوى‪ ,‬فيخفى الصواب‪ ,‬وينطمس وجه الق‪.‬‬
‫وان كان الق ظاهرا ل خفاء به ول شبهة فيه‪ ,‬أقدم على مالفته وقال‪ :‬ل مرج من التوبة‪ .‬وف هؤلء وأشباههم قال تعال‪:‬‬
‫{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلة واتبعوا الشهوات} مري ‪.59‬‬

‫وقال تعال فيهم أيضا‪ {:‬فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الدن ويقولون سيغفر لنا وان يأتم‬
‫عرض مثله يأخذوه أل يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن ل يقولوا على ال ال الق ودرسوا ما فيه والدار الخرة خي للذين‬
‫يتقون أفل تعقلون} العراف ‪.169‬‬
‫فأخب سبحانه أنم أخذوا الغرض الدن مع علمهم بتحريه عليهم وقالوا سيغفر لنا‪ ,‬وان عرض لم عرض آخر أخذوه فهم‬
‫مصرون على ذلك‪ ,‬وذلك هو الامل لم على أن يقولوا على ال غي الق‪ ,‬فيقولون هذا حكمه وشرعه ودينه وهم يعلمون أن‬
‫حكمه وشرعه ودينه خلف ذلك‪ ,‬أو ل يعلمون أن ذلك دينه وشرعه وحكمه؟ فتارة يقولون على ال ما ل يعلمون‪ ,‬وتارة‬
‫يقولون عليه ما يعلمون بطلنه‪ ,‬وأما الذين يتقون فيعلمون أن الدار الخرة خي من الدنيا‪ ,‬فل يملهم حب الرئاسة والشهوة‬
‫على أن يؤثروا الدنيا على الخرة‪ .‬وطريق ذلك أن يتمسكوا بالكتاب والسنة‪ ,‬ويستعينوا بالصب والصلة‪ ,‬ويتفكروا ف الدنيا‬
‫وزوالا وخستها‪ ,‬والخرة اقبالا ودوامها‪ ,‬وهؤلء ل بد أن يبتدعوا ف الدين مع الفجور ف العمل فيختمع لم المران‪ ,‬فان‬
‫اتباع الوى يعمى عي القلب‪ ,‬فل ييز بي السنة والبدعة‪ ,‬أو ينكسه فيى البدعة سنة‪ ,‬والسنة بدعة‪.‬‬

‫{ واتل عليهم نبأ الذي‬ ‫فهذه آفة العلماء اذا آثروا الدنيا‪ ,‬واتبعوا الرئاسات والشهوات‪ .‬وهذه اليات فيهم ال قوله‪:‬‬
‫آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه با ولكنه أخلد ال الرض واتّبع هواه فمثله‬
‫كمثل الكلب ان تمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} العراف ‪ .176-175‬فهذا مثل عال السوء الذي يعمل بلف علمه‪.‬‬

‫وتأمّل ما تضمنته هذه الية من ذمه‪ ,‬وذلك من وجوه‪:‬‬


‫أحدها‪ :‬أنه ضل بعد العلم‪ ,‬واختار الكفر على اليان عمدا ل جهل‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬أنه فارق اليان مفارقة من ل يعود اليه أبدا‪ ,‬فانه انسلخ من اليات بالملة‪ ,‬كما تنسلخ الية من قشرها‪ ,‬ولو بقي‬
‫معه منها شيء‪ ,‬ل ينسلخ منها‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫وثالثها‪ :‬أن الشيطان أدركه ولقه‪ ,‬بيث ظفر به وافترسه‪ ,‬ولذا قال‪{ :‬فأتبعه الشيطان}‪ ,‬ول يقل تبعه‪ ,‬فان معن أتبعه أدركه‬
‫ولقه‪ ,‬وهو أبلغ من تبعه لفظا ومعن‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬أنه غوي بعد الرشد‪ .‬والغي‪ :‬الضلل ف العلم والقصد‪ ,‬وهوأخص بفساد القصد والعمل كما أن الضلل أخص‬
‫بفساد العلم والعتقاد‪ .‬فاذا أفرد أحدها دخل فيه الخر‪ ,‬وان اقترنا فالفرق ما ذكر‪.‬‬
‫وخامسها‪ :‬أنه سبحانه ل يشأ أن يرفعه بالعلم فكان سبب هلكه‪ ,‬لنه ل يرفع به فصار وبال عليه‪ ,‬فلو ل يكن عالا لكان‬
‫خيا له وأخف لعذابه‪.‬‬
‫وسادسها‪ :‬أنه سبحانه أخب عن خسة هته‪ ,‬وأن اختار السفل الدن على الشرف العلى‪.‬‬
‫وسابعها‪ :‬أن اختياره للدن ل يكن عن خاطر وحديث نفس‪ ,‬ولكنه كان عن اخلد ال الرض‪ ,‬وميل بكليّته ال ما هناك‪,‬‬
‫وأصل الخلد اللزوم على الدوام‪ ,‬كأنه قيل‪ :‬لزم اليل ال الرض‪ ,‬ومن هذا يقال‪ :‬أخلد فلن بالكان اذا لزم القامة به‪ ,‬قال‬
‫مالك بن نويرة (مرتد قتله ضرار بن الزور)‪:‬‬
‫وعمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا‬ ‫بأبناء حي من قبائل مالك‬
‫وعبّر عن ميله ال الدنيا باخلده ال الرض‪ ,‬لن الدنيا هي الرض وما فيها وما يستخرج منها من الزينة والتاع‪.‬‬
‫وثامنها‪ :‬أنه رغب عن هداه‪ ,‬واتبع هواه‪ ,‬فجعل هواه اماما له‪ ,‬يقتدي به ويتبعه‪.‬‬
‫وتاسعها‪ :‬أنه شبهه بالكلب الذي هو أخس اليواناتمة‪ ,‬وأسقطها نفسا‪ ,‬وأبلها وأشدها كلبا‪ ,‬ولذا سي كلبا‪.‬‬
‫وعاشرها‪ :‬أنه شبه لثه على الدنيا‪ ,‬وعدم صبه عنها‪ ,‬وجزعه لفقدها‪ ,‬وحرصه على تصيلها‪ ,‬بلهث الكلب ف حالت تركه‬
‫والمل عليه بالطرد‪ ,‬وهكذا‪ .‬هذا ان ترك فهو لثان على الدنيا‪ ,‬وان وعظ وزجر فهو كذلك‪ .‬فاللهث ل يفارقه ف كل حال‬
‫كلهث الكلب‪.‬‬

‫قال ابن قتيبة‪ :‬كل شيء يلهث فانا يلهث من اعياء أو عطش ال الكلب ف حال الكلل (الكل)‪ ,‬وحال الراحة‪ ,‬وحال‬
‫الري‪ ,‬وحال العطش‪ ,‬فضربه ال مثل لذا الكافر فقال‪ :‬ان وعظته فهو ضال‪ ,‬وان تركته فهو ضال‪ ,‬وان تركته فهو ضال‬
‫كالكلب ان طردته لث‪ ,‬وان تركته على حاله لث‪ .‬وهذا التمثيل ل يقع بكل كلب‪ ,‬وانا وقع بالكلب اللهث‪ ,‬وذلك أخس‬
‫ما يكون وأشنعه‪.‬‬

‫[‪ ]60‬احذروا فتنة العال الفاجر وفتنة العابد الاهل‬

‫فهذا حال العال الؤثر الدنيا على الخرة‪ ,‬وأما العبد الاهل فآفته من اعراضه عن العلم وأحكامه وغلبة خياله وذوقه ووجده‬
‫وما تواه نفسه‪ .‬ولذا قال سفيان بن عيينة وغيه‪ :‬احذروا قتنة العال الفاجر‪ ,‬وفتنة العابد الاهل‪ ,‬فان فتنتهما فتنة لكل مفتون‪,‬‬
‫فهذا بهله يصد عن العلم وموجبه‪ ,‬وذاك بغيّه يدعو ال الفجور‪.‬‬

‫وقد ضرب ال سبحانه مثل النوع الخر بقوله‪ { :‬كمثل الشيطان اذ قال للنسان أكفر فلما كفر قال ان بريء منك ان‬
‫أخاف ال رب العالي * فكان عاقبتهما أنما ف النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالي} الشر ‪ ,17-16‬وقصته معروفة‪,‬‬

‫‪79‬‬
‫فانه بن أساس أمره على عبادة ال بهل‪ ,‬فأوقعه الشيطان بهله‪ ,‬وكفّره بهله‪ .‬فهذا امام كل عابد جاهل يكفر ول يدري‪,‬‬
‫وذاك امام كل عال فاجر‪ ,‬يتار الدنيا على الخرة‪.‬‬

‫وقد جعل سبحانه رضى العبد بالدنيا‪ ,‬وطمأنينته وغفلته عن معرفة آياته‪ ,‬وتدبرها والعمل با‪ ,‬سبب شقائه وهلكه‪ ,‬ول‬
‫يتمع هذان‪ ,‬أعن الرضا بالدنيا والغفلة عن آيات الرب ال ف قلب من ل يؤمن بالعاد‪ ,‬ول يرجو لقاء رب العباد‪ ,‬وال فلو‬
‫رسخ قدمه ف اليان بالعاد‪ ,‬لا رضي الدنيا‪ ,‬ول اطمأن اليها‪ ,‬ول أعرض عن آيات ال‪.‬‬

‫وأنت اذا تأملت أحوال الناس وجدت هذا الضرب هو الغالب على الناس وهم عمّار الدنيا‪ .‬وأقل الناس عددا من هو على‬
‫خلف ذلك‪ ,‬وهو من أشد الناس غربة بينهم‪ ,‬لم شأن وله شأن‪ ,‬علمه غي علومهم‪ ,‬وارادته غي ارادتم‪ ,‬وطريقه غي‬
‫طريقهم‪ ,‬فهو ف واد وهم ف واد‪ ,‬قال تعال‪{ :‬ان الذين ل يرجون لقاءنا ورضوا بالياة الدنيا واطمأنوا با والذين هم عن‬
‫آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار با كانوا يكسبون }يونس ‪.8,7‬‬

‫ث ذكر وصف ضد هؤلء ومآلم وعاقبتهم بقوله‪{ :‬ان الذين آمنوا وعملوا الصالات يهديهم ربم بايانم تري من تتهم‬
‫النار ف جنات النعيم }يونس ‪.9‬‬
‫فهؤلء ايانم بلقاء ال أورثهم عدم الرضا بالدنيا والطمأنينة اليها‪ ,‬ودوام ذكر آياته‪ ,‬فهذه مواريث اليان بالعاد‪ ,‬وتلك‬
‫مواريث عدم اليان به والغفلة عنه‪.‬‬

‫[‪( ]61‬فائدة عظيمة)‬


‫العلم اليان أفضل ما تكسبه النفس ويصّله القلب‬

‫أفضل ما اكتسبته النفوس‪ ,‬وحصلته القلوب‪ ,‬ونال به العبد الرفعة ف الدنيا والخرة‪ ,‬هو العلم واليان‪ ,‬ولذا قرن ال‬
‫سبحانه بينهما ف قوله‪ { :‬وقال الذين أوتوا العلم واليان لقد لبثتم ف كتاب ال ال يوم البعث فهذا يوم البعث}الروم ‪.56‬‬
‫وقوله‪ {:‬يرفع ال الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}الجادلة ‪ ,11‬وهؤلء هم خلصة الوجود ولبه‪ ,‬والؤهلون‬
‫للمراتب العالية‪ ,‬ولكن أكثر الناس غالطون ف حقيقة مسمى العلم واليان اللذين بما السعادة والرفعة‪ ,‬وف حقيقتهما‪ .‬حت‬
‫أن كل طائفة تظن أن ما معها من العلم واليان هو هذا الذي به تنال السعادة‪ ,‬وليس كذلك بل أكثرهم ايس معهم ايان‬
‫ينجي ول علم يرفع‪ ,‬بل قد سدوا على نفوسهم طرق العلم واليان اللذين جاء بما الرسول صلى ال عليه وسلم ودعا اليهما‬
‫المة‪ ,‬وكان عليهما هو وأصحابه من بعده وتابعوهم على منهاجهم وآثارهم‪.‬‬

‫فكل طائفة اعتقدت أن العلم معها وفرحت به {فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب با لديهم فرحون} الؤمنون ‪,53‬‬
‫وأكثر ما عندهم كلم وآراء وخرص‪ ,‬والعلم وراء الكلم كما قال حّاد بن زيد‪ :‬قلت ليوب‪ :‬العلم اليوم أكثر أو فيما تقدّم؟‬
‫فقال‪ :‬الكلم اليوم أكثر والعلم فيما تقدم أكثر!‬

‫‪80‬‬
‫ففرق هذا الراسخ بي العلم والكلم‪ .‬فالكتب كثية جدا والكلم والدال والقدرات الذهنية كثية‪ ,‬والعلم بعزل عن‬
‫أكثرها‪ ,‬وهو ما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم عن ال سبحانه‪ {:‬فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم‪ }..‬آل‬
‫عمران ‪ ,61‬وقال‪ {:‬لئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم‪ }..‬البقرة ‪ ,120‬وقال ف القرآن‪ {:‬أنزله بعلمه} النساء‬
‫‪ ,166‬أي وفيه علمه‪.‬‬

‫ولا بعد العهد بذا العلم آل المر بكثي من الناس ال أن يتخذوا هواجس الفكار وسوانح الواطر والراء علما‪ ,‬ووضعوا‬
‫فيها الكتب‪ ,‬وأنفقوا فيها النفاس‪ ,‬فضيعوا فيها الزمان‪ ,‬وملوا با الصحف مدادا‪ ,‬والقلوب سوادا‪ ,‬حت صرح كثي من الناس‬
‫منهم أنه ليس ف القرآن والسنة علم‪ ,‬وأن أدلتهما لفظية ل تفيد يقينا ول علما‪ .‬وصرخ الشيطان بذه الكلمة فيهم‪ ,‬وأذن با‬
‫بي أظهرهم‪ ,‬حت أسعها دانيهم لقاصيهم‪ ,‬فانسلخت با القلوب من العلم واليان كانسلخ الية من قشرها‪ ,‬والثوب عن‬
‫لبسه‪.‬‬

‫قال المام العلمة شس الدين ابن القيم‪ :‬ولقد أخبن بعض أصحابنا عن بعض أتباع أتباع تلميذ هؤلء أنه رآه يشتغل ف‬
‫بعض كتبهم ول يفظ القرآن‪ ,‬فقال له‪ :‬لو حفظت القرآن أول كان أول‪ ,‬فقال‪ :‬وهل ف القرآن علم‪.‬‬

‫قال ابن القيم‪ :‬وقال ل بعض أئمة هؤلء‪ :‬اننا نسمع الديث لجل البكة ل لنستفيد منه العلم لن غينا قد كفانا هذه‬
‫الؤونة فعمدتنا على ما فهموه وقرروه‪ ,‬ول شك أن من كان هذا مبلغه من العلم فهو كما قال القائل‪:‬‬

‫ونزلت بالبطحاء أبعد منل‬ ‫نزلوا بكة ف قبائل هاشم‬

‫قال‪ :‬وقال ل شيخنا مرة ف وصف هؤلء‪:‬‬

‫انم طافوا على أرباب الذاهب ففازوا بأخس الطلب‪ ,‬ويكفيك دليل على أن هذا الذي عندهم ليس من عند ال‪ ,‬ما ترى‬
‫فيه من التناقض والختلف ومصادمة بعضه لبعض‪ ,‬قال تعال‪{ :‬ولو كان من عند غي ال لوجدوا فيه اختلفا كثيا} النساء‬
‫‪ ,82‬وهذا يدل على أن ما كان من عنده سبحانه ل يتلف‪ ,‬وأن ما اختلف وتناقض فليس من عنده‪ ,‬وكيف تكون الراء‬
‫واليالت وسوانح الفكار دينا يدان به ويكم به على ال ورسوله‪ ,‬سبحانك هذا بتان عظيم‪.‬‬

‫وقد كان علم الصحابة الذي يتذاكرون فيه غي علوم هؤلء الختلفي الرّاصي كما حكى الاكم ف ترجة أب عبد ال‬
‫البخاري‪ ,‬قال‪ :‬كان أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم اذا اجتمعوا انا يتذاكرون كتاب ربم وسنة نبيهم‪ ,‬ليس بينهم رأي‬
‫ول قياس‪ .‬ولقد أحسن القائل‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫قال الصحابة‪ ,‬ليس بالتمويه‬ ‫العلم قال ال قال رسوله‬
‫بي الرسول وبي رأي فقيه‬ ‫ما العلم نصبك للخلف سفاهة‬
‫حذرا من التمثيل والتشبيه‬ ‫كل‪ ,‬ول جحد الصفات ونفيها‬

‫[‪ ]62‬اليان الفصل معرفة وعلم واقرار ومبة‬

‫وأما اليان فأكثر الناس‪ ,‬أو كلهم‪ ,‬يدعونه‪ { :‬وما أكثر الناس ولو حرصت بؤمني} يوسف ‪ ,103‬وأكثر الؤمني انا‬
‫عندهم ايان ممل‪ ,‬وأما اليان الفصل با جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم معرفة وعلما واقرارا ومبة ومعرفة بضده‬
‫وكراهيته وبغضه‪ ,‬فهذا ايان خواص المة وخاصة الرسول‪ ,‬وهو ايان صادق وحزبه‪.‬‬

‫وكثي من الناس حظهم من اليان القرار بوجود الصانع‪ ,‬وأنه وحده هو الذي خلق السموات والرض وما بينهما‪ ,‬وهذا ل‬
‫يكن ينكره عبّاد الصنام من قريش ونوهم‪.‬‬

‫وآخرون اليان عندهم هو التكلم بالشهادتي‪ ,‬سواء كان معه عمل أو ل يكن‪ ,‬وسواء وافق تصديق القلب أو خالفه‪.‬‬

‫وآخرون عندهم اليان مرد تصديق القلب بأن ال سبحانه خالق السموات والرض وأن ممدا عبده ورسوله وان ل يقره‬
‫باللسان ول يعمل شيئا‪ ,‬بل ولو سب ال ورسوله وأتى بكل عظيمة‪ ,‬وهو يعتقد وحدانية ال ونبوة رسوله فهو مؤمن‪.‬‬

‫وآخرون عندهم اليان هو جحد صفات الرب تعال من علوه على عرشه وتكلمه بكلماته ومتبه وسعه وبصره ومشيئته‬
‫وقدرته وارادته وحبه وبغضه‪ ,‬وغي ذلك ما وصف به نفسه‪ ,‬ووصفه به رسوله صلى ال عليه وسلم فاليان عندهم انكار‬
‫حقائق ذلك كله وجحده والوقوف مع ما تقتضيه آراء التهوكي وأفكار الخرصي الذين يرد بعضهم على بعض وينقض‬
‫بعضهم قول بعض‪ ,‬الذين هم كما قال عمر بن الطاب والمام أحد‪:‬‬

‫"متلفون ف الكتاب‪ ,‬مالفون للكتاب‪ ,‬متفقون على مفارقة الكتاب"‪.‬‬

‫وآخرون عندهم اليان عبادة ال بكم أذواقهم ومواجيدهم وما تواه نفوسهم من غي تقييد با جاء به الرسول‪.‬‬

‫وآخرون اليان عندهم ما وجدوا عليه آباءهم وأسلفهم بكم التفاق كائنا ما كان‪ ,‬بل ايانم مبن على مقدمتي‪,‬‬
‫احداها‪ :‬أن هذا قول أسلفنا وأبائنا‪ .‬والثانية‪ :‬أن ما قالوه فهو الق‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫وآخرون عندهم اليان مكارم الخلق وحسن العاملة وطلقة الوجه واحسان الظن بكل أحد وتلية الناس وغفلتم‪.‬‬

‫وآخرون عندهم اليان التجرد من الدنيا وعلئقها وتفريغ القلب منها والزهد فيها‪ .‬فاذا رأوا رجل هكذا جعلوه من سادات‬
‫أهل اليان‪ ,‬وان كان منسلخا من اليان علما وعمل‪ .‬وأعلى من هؤلء من جعل اليان هو مرد العلم وان ل يقارنه عمل‪.‬‬

‫وكل هؤلء ل يعرفوا حقائق اليان ول قاموا به ول قام بم‪ ,‬وهو أنواع‪ :‬منهم من جعل اليان ما يضاد اليان‪ ,‬ومنهم من‬
‫جعل اليان ما ل يعتب ف اليان‪ ,‬ومنهم من جعله ما هو شرط فيه ول يكفي ف حصوله‪ ,‬ومنهم من اشترط ف ثبوته ما‬
‫يناقضه ويضاده‪ ,‬ومنهم من اشترط فيه ما ليس منه بوجه‪.‬‬

‫واليان وراء ذلك كله‪ ,‬وهو حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬والتصديق به عقدا‪ ,‬والقرار‬
‫به نطقا‪ ,‬والنقياد له مبة وخضوعا‪ ,‬والعمل به باطنا وظاهرا‪ ,‬وتنفيده والدعوة اليه بسب المكان وكماله ف الب ف ال‬
‫والبغض ف ال‪ ,‬والعطاء ل والنع ل‪ ,‬وأن يكون ال وحده اله ومعبوده‪ .‬والطريق ال تريد متابعة رسوله ظاهرا وباطنا‪,‬‬
‫وتغميص عي القلب عن اللتفات ال سوى ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫من اشتغل بال عن نفسه‪ ,‬كفاه ال مؤونة نفسه‪ ,‬ومن اشتغل بال عن الناس‪ ,‬كفاه ال مؤونة الناس‪ ,‬ومن اشتغل بنفسه عن‬
‫ال‪ ,‬وكّله ال ال نفسه‪ ,‬ومن اشتغل بالناس عن ال‪ ,‬وكله ال اليهم‪.‬‬

‫[‪( ]63‬فائدة جليلة)‬


‫ل مشقة ف ترك الألوف ارضاء ل تعال‬

‫انا يد الشقة ف ترك الألوفات والعوائد من تركها لغي ال‪ .‬أما من تركها صادقا ملصا ف قلبه ل فانه ل يد ف تركها‬
‫مشقة ال ف أول وهلة ليمتحن أصادق هو ف تركها أم كاذب‪ ,‬فان صب على تلك الشقة قليل استحالت لذة‪.‬‬

‫قال ابن سيين‪ :‬سعت شريا يلف بال ما ترك عبدال شيئا فوجده فقده‪.‬‬

‫وقولم‪ ":‬من ترك ل شيئا عوضه ال خيا منه" حق‪ ,‬والعوض أنواع متلفة‪ ,‬وأجلّ ما يعوض به النس بال ومبته‪ ,‬وطمأنينة‬
‫القلب به‪ ,‬وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعال‪.‬‬

‫أغب الناس من ضل ف آخر سفره وقد قارب النل‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫العقول الؤيدة بالتوفيق ترى أن ما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم هو الق الوافق للعقل والكمة‪ .‬والعقول الضروبة‬
‫بالذلن ترى العارضة بي العقل والنقل والكمة والشرع ‪.‬‬

‫أقرب الوسائل ال ال ملزمة السنة‪ ,‬والوقوف معها ف الظاهر والباطن‪ ,‬ودوام الفتقار ال ال‪ ,‬وارادة وجهه وحده بالقوال‬
‫والفعال‪ ,‬وما وصل أحد ال ال ال من هذه الثلثة وما انقطع عنه أحد ال بانقطاعه عنها أو عن أحدها‪.‬‬

‫الصول الت انبن عليها سعادة العبد ثلثة‪ ,‬ولكل واحد منهما ضد‪ ,‬فمن فقد ذلك الصل حصل على ضده‪ .‬التوحيد وضده‬
‫الشرك‪ ,‬والسنة وضدها البدعة‪ ,‬والطاعة وضدها العصية‪.‬‬

‫ولذه الثلثة ضد واحد‪ :‬وهو خلو القلب من الرغبة ف ال وفيما عنده‪ ,‬ومن الرهبة منه وما عنده‪.‬‬

‫[‪( ]64‬قاعدة جليلة)‬

‫قال تعال‪ {:‬وكذلك نفصّل اليات ولتستبي سبيل الجرمي}النعام ‪ ,55‬وقال‪ {:‬ومن يشاقق ال والرسول من بعد ما تبي‬
‫له الدى ويتبع غي سبيل الؤمني نولّه ما تولّى} النساء ‪ .115‬وال نعال قد بي ف كتابه سبيل الؤمني مفصّلة‪ ,‬وسبيل‬
‫الجرمي مفصّلة‪ ,‬وعاقبة هؤلء مفصّلة‪ ,‬وأعمال هؤلء وأعمال هؤلء وأولياء هؤلء‪ ,‬وأولياء هؤلء وخذلنه لؤلء وتوفيقه‬
‫لؤلء‪ ,‬والسباب الت وفق با هؤلء‪ ,‬والسباب الت خذل با هؤلء‪ ,‬وجل سبحانه المرين ف كتابه وكشفهما وأوضحهما‪,‬‬
‫وبيّنهما غاية البيان‪ ,‬حت شاهدتما البصائر كمشاهدة البصار للضياء والظلم‪.‬‬

‫فالعالون بال وكتاب ودينه عرفوا سبيل الؤمني معرفة يفصيلية‪ ,‬وسبيل الجرمي معرفة تفصيلية‪ ,‬فاستبانت لم السبيلن‬
‫كما يستبي للسالك الطريق الوصل ال مقصوده‪ ,‬والطريق الوصل ال اللكة‪ .‬فهؤلء أعلم اللق وأنفعهم للناس وأنصحهم‬
‫لم‪ ,‬وهم الدلء الداة‪ ,‬وبذلك برز الصحابة على جيع من أتى بعدهم ال يوم القيامة‪.‬‬

‫فانم نشأوا ف سبيل الضلل والكفر والشرك والسبل الوصلة ال اللك وعرفوها مفصّلة‪ ,‬ث جاءهم الرسول فأخرجهم من‬
‫تلك الظلمات ال سبيل الدى‪ ,‬وصراط ال الستقيم‪ ,‬فخرجوا من الظلمة الشديدة ال النور التم‪ ,‬ومن الشرك ال التوحيد‪,‬‬
‫ومن الهل ال العلم‪ ,‬ومن الغي ال الرشاد‪ ,‬ومن الظلم ال العدل‪ ,‬ومن الية والعمي ال الدى والبصائر‪ ,‬فعرفوا مقدار ما‬
‫نالوه وظفروا به‪ ,‬ومقدار ما كانوا فيه‪ .‬فان الضد يظهر حسنة الضد‪ ,‬وانا تتبي الشياء بأضدادها‪ .‬فازدادوا رغبة ومبة فيما‬
‫انتقلوا اليه‪ ,‬ونفرا وبغضا لا انتقلوا عنه‪ ,‬وكانوا أحب الناس للتوحيد واليان والسلم وأبغض الناس لضده‪ ,‬عالي بالسبيل‬
‫على التفصيل‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫وأما من جاء من بعد الصحابة‪ ,‬فمنهم من نشأ ف السلم غي عال تفصيل ضده‪ ,‬فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل الؤمني‬
‫بسبيل الجرمي‪ ,‬فان اللبس انا يقع اذا ضعف العلم بالسبيلي أو أحدها كما قال عمر بن الطاب ‪ ":‬انا تنتقض عرى‬
‫السلم عروة عروة اذا نشأ ف السلم من ل يعرف الاهلية" وهذا من كمال علم عمر رضي ال عنه‪ ,‬فانه اذا ل يعرف‬
‫الاهلية وحكمها وهو كل ما خالف ما جاء الرسول صلى ال عليه وسلم فانه من تاجاهلية‪ ,‬فانا منسوبة ال الهل‪ ,‬وكل ما‬
‫خالف الرسول فهو من الهل‪.‬‬

‫فمن ل يعرف سبيل الجرمي‪ ,‬ول تستب له‪ ,‬أوشك أن يظن ف بعض سبيلهم أنا من سبيل الؤمني‪ ,‬كما وقع ف هذه المة‬
‫من أمور كثية ف باب العتقاد والعلم والعمل هي من سبيل الجرمي والكفار وأعداء الرسل‪ ,‬أدخلها من ل يعرف أنا من‬
‫سبيلهم ف سبيل الؤمني‪ ,‬ودعا اليها‪ ,‬وكفّر من خالفها‪ ,‬واستحل منه ما حرمه ال ورسوله‪ ,‬كما وقع لكثر أهل البدع من‬
‫الهمية والقدرية ولوارج والروافض وأشياههم‪ ,‬من ابتدع بدعة‪ ,‬ودعا اليها‪ ,‬وكفّر من خالفها‪.‬‬

‫والناس ف هذا الوقع أربع فرق‪:‬‬


‫الفرقة الول‪ :‬من استبان له سبيل الؤمني وسبيل الجرمي على التفصيل علما وعمل‪ ,‬وهؤلء أعلم اللق‪.‬‬
‫الفرقة الثانية‪ :‬من عميت عنه السبيلن من أشباه النعام‪ ,‬وهؤلء بسبيل الجرمي أحضر‪ ,‬ولا أسلك‪.‬‬
‫الفرقة الثالثة‪ :‬من صرف عنايته ال معرفة سبيل الؤمني دون ضدها فهو يعرف ضدها من حيث الملة والخالفة‪ ,‬وأن كل ما‬
‫خالف سبيل الؤمني فهو باطل وان ل يتصوره على التفصيل‪ ,‬بل اذا سع شيئا ما خالف سبيل الؤمني صرف عنه سعه‪ ,‬ول‬
‫يشغل نفسه بفهمه‪ ,‬ومعرفة وجه بطلنه‪ ,‬وهو بنلة من سلمت نفسه من ارادت الشهوات فلم تطر بقلبه ول تدعه اليها‬
‫نفسه‪ ,‬بلف الفرقة الول‪ ,‬فانم يعرفونا وتيل اليها نفوسهم وياهدونا على تركها ل‪.‬‬

‫وقد كتبوا ال عمر بن الطاب يسألونه عن هذه السألة أيهما أفضل‪ :‬رجل ل تطر له الشهوات ول تر بباله‪ ,‬أو رجل‬
‫نازعته اليها نفسه فتركها ل؟ فكتب عمر‪ :‬ان الذي تشتهي نفسه العاصي ويتركها ل عز وجل من‪ { :‬الذين امتحن ال‬
‫قلوبم للتقوى لم مغفرة وأجر عظيم}‪ ,‬ذكره ابن كثي ف التفسي ‪ 207\4‬وعزّاه للمام أحد ف كتاب الزهد واسناده‬
‫منقطع لن ماهد بن جب ل يسمعه عن عمر بن الطاب‪.‬‬

‫وهكذا من عرف البدع والشرك والباطل وطرقه فأبغضها ل‪ ,‬وحذرها وحذّر منها‪ ,‬ودفعها عن نفسه‪ ,‬ول يدعها تدش‬
‫وجه ايانه‪ ,‬ول تورثه شبهة ول شكا‪ ,‬بل يزداد بعرفتها بصية ف الق ومبة له‪ ,‬وكراهة لا ونفرة عنها‪ ,‬أفضل من ل تطر‬
‫بباله ول تر بقلبه‪ .‬فانه كلما مرت بقلبه وتصورت له ازداد مبة للحق ومعرفة بقدره وسرورا به‪ ,‬فيقوى ايانه با‪ .‬كما أن‬
‫صاحب خواطر الشهوات والعاصي كلما مرت به فرغب عنها ال ضدها وازداد مبة لضدها ورغبة فيه‪ ,‬وطلبا له وحرصا‬
‫عليه‪ ,‬فما ابتلى ال سبحانه عبده الؤمن بحبة الشهوات والعاصي وميل نفسه اليها ال ليسوقه با ال مبة ما هو أفضل منها‪,‬‬
‫وخي له وأنفع وأدوم‪ ,‬وليجاهد نفسه على تركها له سبحانه‪ ,‬فتورثه تلك الجاهدة الوصول ال الحبوب العلى‪ .‬فكلما‬
‫نازعته نفسه ال تلك الشهوات واشتدت ارادته لا وشوقه اليها‪ :‬صرف ذلك الشوق والحبة والرادة ال النوع العال الدائم‪,‬‬

‫‪85‬‬
‫فكان طلبه له أشد وحرصه عليه أت‪ ,‬بلف النفس الباردة الالية من ذلك‪ ,‬فانا وان كانت طالبة للعلى لكن بي الطلبي‬
‫فرق عظيم‪ .‬أل ترى أن من مشى ال مبوبه على المر والشوك أعظم من مشى اليه راكبا على النجائب! فليس من آثر مبوبه‬
‫على منازعه مع نفسه كمن آثره مع عدم منازعتها ال غيه‪ ,‬فهو سبحانه يبتلي عبده بالشهوات‪ ,‬اما حجابا له عنه‪ ,‬أو حاجبا‬
‫له يوصله ال رضاه وقربه وكرامته‪.‬‬

‫الفرقة الرابعة‪ :‬فرقة عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصلة وسبيل الؤمني مملة‪ ,‬وهذا حال كثي من اعتن بقالت المم‬
‫ومقالت أهل البدع‪ ,‬فعرفها على التفصيل ول يعرف ما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم كذلك‪ ,‬بل عرفه معرفة مملة‬
‫وان تفصلت له بعض الشياء‪ .‬ومن تأمل كتبهم رأى ذلك عيانا‪ .‬وكذلك من كان عارفا بطريق الشر والظلم والفساد على‬
‫التفصيل سالكا لا‪ ,‬اذا تاب ورجع عنها ال سبيل البرار يكون علمه با ممل غي عارف با على التفصيل معرفة من أفن‬
‫عمره ف تصرفها وسلوكها‪.‬‬

‫والقصود أن ال سبحانه يب أن تعرف سبيل أعدائه لتتجنب وتبغض‪ ,‬كما يب أن تعرف سبيل أوليائه لتحب وتسلك‪.‬‬
‫وف هذه العرفة من الفوائد والسرار ما ل يعلمه ال ال من معرفة عموم ربوبيته سبحانه وحكمته وكمال أسائه وصفاته‬
‫وتعلقها بتعلقاتا واقتفائها لثارها وموجباتا‪ .‬وذلك من أعظم الدللة على ربوبيته وملكه واليته وحبه وبغضه وثوابه وعقابه‪,‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬

‫أرباب الوائج على باب اللك يسألون قضاء حوائجهم‪ ,‬وأولياؤه تامبون له الذين هو ههم ومرادهم جلساؤه وخواصه‪,‬‬
‫فاذا أراد قضاء حاجة واحد من أولئك أذن لبعض جلسائه وخاصته أن يشفع فيه رحة له وكرامة للشافع‪ ,‬وسائر الناس‬
‫مطرودون عن الباب مضروبون بسياط البعد‪.‬‬

‫[‪ ]65‬عشرة أشياء ضائعة ل ينتفع با‬

‫علم ل يعمل به‪ ,‬وعمل ل اخلص فيه ول اقتداء‪ ,‬ومال ل ينفق منه فل يستمتع به جامعه ف الدنيا‪ ,‬ول يقدمه أمامه ال‬
‫الخرة‪ ,‬وقلب فارغ من مبة ال والشوق اليه والنس به‪ ,‬وبدن معطل من طاعته وخدمته‪ ,‬ومبة ل تتقيد برضاء الحبوب‪,‬‬
‫وامتثال أوامره‪ ,‬ووقت معطل عن استدراك فارط‪ ,‬أو اغتنام بر وقربة‪ ,‬وفكر يول فيما ل ينفع‪ ,‬وخدمة من ل تقربك خدمته‬
‫ال ال‪ ,‬ول تعود عليك بصلح دنياك وخوفك ورجاؤك لن ناصيته بيد ال‪ ,‬وهوأسي ف قبضته‪ ,‬ول يلك لنفسه ضرا ول نفعا‬
‫ول موتا ول حياة ول نشورا‪ ,‬سعي ضائع‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫وأعظم هذه الضاعات اضاعتان ها أصل كل اضاعة‪ :‬اضاعة القلب واضاعة الوقت‪ ,‬فاضاعة القلب من ايثار الدنيا على‬
‫الخرة‪ ,‬واضاعة الوقت من طول المل‪ ,‬فاجتكع الفساد كله ف اتباع الوى وطول المل‪ ,‬والصلح كله ف اتباع الدى‬
‫والستعداد للقاء‪ ,‬وال الستعان‪.‬‬

‫العجب من تعرض له حاجة فيصرف رغبته وهته فيها ال ال ليقضيها له ول يتصدى للسؤال لياة قلبه من موت الهل‬
‫والعراض وشفائه من داء الشهوات والشبهات‪ ,‬ولكن اذا مات القلب ل يشعر بعصيته‪.‬‬

‫[‪ ]66‬حقوق ال على العباد‬

‫ل سبحانه على عبده أمر أمره به‪ ,‬وقضاء يقضيه عليه‪ ,‬ونعمة ينعم با عليه فل ينفك من هذه الثلثة‪.‬‬

‫والقضاء نوعان‪ :‬اما مصائب واما معائب‪.‬‬

‫وله عليه عبودية ف هذه الراتب كلها‪ ,‬فأحب اللق اليه من عرف عبوديته ف هذه الراتب ووفاها حقها‪ ,‬فهذا أقرب اللق‬
‫اليه‪ .‬وأبعدهم منه من جهل عبوديته ف هذه الراتب فعطلها علما وعمل‪.‬‬

‫فعبوديته ف المر امتثاله اخلصا واقتداءً برسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وف النهي اجتنابه خوفا منه واجلل ومبة‪ ,‬وعبوديته ف قضاء الصائب والصب عليها ث الرضا با وهو أعلى منه‪ ,‬ث الشكر‬
‫عليها وهو أعلى من الرضا‪ ,‬وهذا انا يتأتى مه اذا تكن حبه من قلبه وعلم حسن اختياره له وبره ولطفه به واحسانه اليه‬
‫بالصيبة وان كره منها والتبأ والوقوف ف مقام العتذار والنكسار‪ ,‬عالا بأنه ل يرفعها ال هو‪ ,‬ول يقيه شرها سواه‪ ,‬وأنا ان‬
‫استمرت أبعدته من قربه‪ ,‬وطردته من بابه‪ ,‬فياها من الضر الذي ل يكشفه غيه‪ ,‬حت انه لياها أعظم من ضر البدن‪.‬‬

‫فهو عائذ برضاه من سخطه‪ ,‬وبعفوه من عقوبته‪ ,‬وبه منه مستجي‪ ,‬وملتجىء منه اليه‪ ,‬يعلم أنه اذا تلى عنه وخلى بينه وبي‬
‫نفسه فعنده أمثالا وشر منها‪ ,‬وأنه ل سبيل له ال القلع والتوبة ال بتوفيقه واعانته‪ ,‬وأن ذلك بيده سبحانه ل بيد العبد‪ ,‬فهو‬
‫أعجز وأضعف وأقل من أن يوفق نفسه أ‪ ,‬يرضى برضاة سيده بدون اذنه ومشيئته واعانته‪ ,‬فهو ملتجىء اليه‪ ,‬متضرع ذليل‬
‫مسكي‪ ,‬ملق نفسه بي يديه‪ ,‬طريح ببابه‪ ,‬مستخذ له‪ ,‬أذل شيء وأكسره له‪ ,‬وأفقره وأحوجه اليه‪ ,‬وأرغبه فيه‪ ,‬وأحبه له‪ ,‬بدنه‬
‫متصرف ف أشغاله‪ ,‬وقلبه ساجد بي يديه‪ ,‬يعلميقينا أنه ل خي فيه ول له ول به ول منه‪ ,‬وأن الي كله ل وف يديه وبه ومنه‪,‬‬
‫فهو ول نعمته‪ ,‬ومبتدئه با من غي استحقاق‪ ,‬ومريها عليه مع تقته اليه باعراضه وغفلته ومعصيته‪ ,‬فحظه سبحانه المد‬
‫والشكر والثناء‪ ,‬وحظ العبد الذم والنقص والعيب‪ ,‬قد استأثر بالحامد والدح والثناء‪ ,‬وول العبد اللمة والنقائص والعيوب‪,‬‬

‫‪87‬‬
‫فالمد كله له والي كله ف يديه‪ ,‬والفضل كله له والثناء كله له والنة كلها له‪ ,‬فمنه الحسان‪ ,‬ومن العبد الساءة‪ ,‬ومنه‬
‫التودد ال العبد بنعمه‪ ,‬ومن العبد التبغض اليه بعاصيه‪ ,‬ومنه النصح لعبده‪ ,‬ومن العبد الغش له ف معاملته‪.‬‬

‫وأما عبودية النعم فمعرفتها والعتراف با أول‪ ,‬ث العياذ به أن يقع ف قلبه نسبتها واضافتها ال سواه‪ .‬وان كان سببا من‬
‫السباب فهو مسببه ومقيمه‪ ,‬فالنعمة منه وحده بكل وجه اعتبار‪ ,‬ث الثناء با عليه ومبته عليها وشكره بأن يستعملها ف‬
‫طاعته‪.‬‬

‫ومن لطائف التعبد بالنعم أن يستكثر قليلها عليه‪ ,‬ويستقل كثي شكره عليها‪ ,‬ويعلم أنا وصلت اليه من سيده من غي ثن‬
‫بذله فيها‪ ,‬ول وسيلة منه توسل با اليه‪ ,‬ول استحقاق منه لا‪ ,‬وأنا ف القيقة ل ل للعبد‪ ,‬فل تزيده النعم ال انكسارا وذل‬
‫وتواضعا ومبة للمنعم‪ .‬وكلما جدد له نعمة أحدث لا عبودية ومبة وخضوعا وذل‪ ,‬كلما أحدث له قبضا أحدث له رضى‪,‬‬
‫وكلما أحدث ذنبا أحدث له توبة وانكسارا واعتذارا‪ .‬فهذا هو العبد الكيّس والعاجز بعزل عن ذلك‪ ,‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫[‪ ]67‬توكل على ال حق توكله‬

‫من ترك الختيار والتدبي ف رجاء زيادة أو خوف أو نقصان أو طلب صحة أو فرار من سقم‪ ,‬وعلم أن ال على كل كل‬
‫شيء قليل ‪ ,‬وأنه التفرد بالختيار والتدبي‪ ,‬وأن تدبيه لعبده خي من تدبي العبد لنفسه‪ ,‬وأنه أعلم بصلحته من العبد‪ ,‬وأقدر‬
‫على على جلبها وتصيلها منه‪ ,‬وأنصح للعبد منه لنفسه‪ ,‬وأرحم به منه لنفسه‪ ,‬وأبر به منه بنفسه‪ .‬وعلم مع ذلك أنه ل‬
‫يستطيع أ‪ ،‬يتقدم بي يدي تدبيه خطوة واحدة ول يتأخر عن تدبيه له خطوة واحدة‪ ,‬فل متقدم له بي يدي قضائه وقدره‬
‫ول متأخر‪ ,‬فألقى نفسه بي يديه‪ ,‬وسلم المر كله اليه‪ ,‬وانطرح بي يديه انطراح عبد ملوك ضعيف بي يدي ملك عزيز قوي‬
‫قاهر‪ ,‬له لبتصرف ف عبده بكل ما يشاء‪ ,‬وليس للعبد التصرف بوجه من الوجوه‪ ,‬فاستراح حينئذ من الموم والغموم والنكاد‬
‫والسرات‪ ,‬وحّل كله وحوائجه ومصاله من ل يبال بملها ول يثقله ول يكترث با‪ ,‬فتولها دونه وأراه لطفه وبره ولطفه‬
‫واحسانه فيها من غي تعب من العبد ول نصب ول اهتمام منه‪ ,‬لنه قد صرف اهتمامه كله اليه وجعله وحده هه‪ ,‬فصرف‬
‫عنه اهتمامه بوائجه ومصال دنياه‪ ,‬وفرغ قلبه منها‪ ,‬فما أطيب عيشه وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه‪.‬‬

‫وان أب ال تدبيه لنفسه‪ ,‬واختياره لا‪ ,‬واهتمامه بظه‪ ,‬دون حق ربه‪ ,‬خله وما اختاره‪ ,‬ووله ما تول‪ ,‬فحضره الم‬
‫والغم والزن والنكد والوف والتعب وكسف البال وسوء الال‪ ,‬فل قلب يصفو‪ ,‬ول عمل يزكو‪ ,‬ول أمل يصل‪ ,‬ول راحة‬
‫يفوز با‪ ,‬ول لذة يهنأ با‪ ,‬بل قد حيل حيل بينه وبي مسرته وفرحه وقرة عينه‪ ,‬فهو يكدح ف الدنيا كدح الوحش‪ ,‬ول يظفر‬
‫منها بأمل‪ ,‬ول يتزود منها لعاد‪.‬‬

‫وال سبحانه قد أمر العبد بأمر‪ ,‬وضمن له ضمانا‪ ,‬فان قام بأمره بالنصح والصدق والخلص والجتهاد‪ ,‬قام ال سبحانه با‬
‫ضمنه له من الرزق والكفاية والنصر وقضاء الوائج‪ ,‬فانه سبحانه ضمن الرزق لن عبده‪ ,‬والنصر لن توكل عليه واستنصر به‪,‬‬

‫‪88‬‬
‫والكفاية لن كان هو هه ومراده‪ ,‬والغفرة لن استغفره‪ ,‬وقضاء الوائج لن صدقه ف طلبها‪ ,‬ووثق به‪ ,‬وقوي رجاؤه وطمعه ف‬
‫فضله وجوده‪ .‬فالفطن الكيّس انا يهتم بأمره واقامته وتوفيته ل بضمانه‪ ,‬فان الوف الصادق‪ { ,‬ومن أوف بعهده من ال} التوبة‬
‫‪ .111‬فمن علمات السعادة صرف اهتمامه ال أمر ال دون ضمانه‪ .‬ومن عل مات الرمان فراغ قلبه من الهتمام بأمره‬
‫وحبه وخشيته والهتمام بضمانه‪ ,‬وال الستعان‪.‬‬

‫قال بشر بن الارث‪ :‬أهل الخرة ثلثة‪ :‬عابد وزاهد وصديق‪ ,‬فالعابد يعبد ال مع العلئق‪ ,‬والزاهد يعبده على ترك العلئق‪,‬‬
‫والصديق يعبده على الرضا والوافقة‪ ,‬ان أراه أخذ الدنيا أخذها‪ ,‬وان أراه تركها تركها‪.‬‬

‫اذا كان ال ورسوله صلى ال عليه وسلم ف جانب فاحذر أن تكون ف الانب الخر‪ ,‬فان كان ذلك يفضي ال الشاقة‬
‫والحادة‪ ,‬وهذا أصلها ومنه اشتقاقها‪ ,‬فان الشقة أن يكون ف شق ومن يالفه ف شق‪ ,‬والحادة أن تكون ف حد ويكون هو‬
‫ف حد‪.‬‬

‫ول تستسهل هذا فان مبادئه تر ال غايته‪ ,‬وقليله يدعو ال كثيه‪.‬‬

‫وكن ف الانب الذي فيه ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وان كان الناس كلهم ف الانب الخر‪ ,‬فان لذلك عواقب هي‬
‫أحد العواقب وأفضلها‪ ,‬وليس للعبد شيء أنفع من ذلك ف دنياه قبل آخرته‪ ,‬وأكثر اللق انا يكونون ف الانب الخر‪ ,‬ول‬
‫سيما اذا قويت الرغبة والرهبة‪ ,‬فهناك ل تكاد تد أحدا ف الانب الذي فيه ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بل يعدّه الناس‬
‫ناقص العقل سيء الختيار لنفسه‪ ,‬وربا نسبوه ال النون‪ ,‬وذلك من مواريث أعداء الرسل‪.‬‬

‫فانم نسبوهم ال النون لا كانوا ف شق وجانب والناس ف شق وجانب آخر‪.‬‬

‫ولكن من وطّن نفسه على ذلك فانه يتاج ال علم راسخ با جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم يكون يقينا له ل ريب‬
‫عنده فيه‪ ,‬وال صب تام على معاداة من عاداه ولومة من لمه‪ ,‬ول يتم ذلك ال برغبة قوية ف ال والدار الخرة‪ ,‬بيث تكون‬
‫الخرة أحب اليه من الدنيا وآثر عنده منها‪ ,‬ويكون ال ورسوله صلى ال عليه وسلم أحب اليه ما سواها‪ ,‬وليس شيء أصعب‬
‫على النسان من ذلك ف مبادىء المر‪ ,‬فان نفسه وهواه وطبعه وشيطانه واخوانه ومعاشريه من ذلك الانب يدعونه ال‬
‫العاجل‪ ,‬فاذا خالفهم تصدوا لربه‪ ,‬فاذا صب وثبت جاءه العون من ال وصار ذلك الصعب سهل‪ ,‬وذلك الل لذة‪ ,‬فل بد أن‬
‫يزيقه لذة تيزه ال ال ورسوله‪ ,‬ويريه كرامة ذلك‪ ,‬فيشتد به سروره وغبطته‪ ,‬ويبتهج به قلبه‪ ,‬ويظفر بقوته وفرحه وسروره‪,‬‬
‫ويبقى من كان ماربا له ‪-‬على ذلك‪ -‬بي هائب له ومسال له ومساعد وتارك‪ ,‬ويقوى جنده‪ ,‬ويضعف جند العدو‪.‬‬

‫ول تستصعب مالفة الناس والتحيز ال ال والرسول ولو كنت وحك‪ ,‬فان ال معك وأنت بعينه وكلءته وحفظه لك‪ ,‬وانا‬
‫امتحن يقينك وصبك‪ .‬وأعظم العوان لك على هذا بعد عون ال التجرد من الطمع والفزع‪ ,‬فمت تردت منهما هان عليك‬

‫‪89‬‬
‫التحيز ال ال ورسوله‪ ,‬وكنت دائما ف الانب الذي فيه ال ورسوله‪ ,‬ومت قام بك الطمع والفزع فل تطمع ف المر ول‬
‫تدث نفسك به‪ .‬فان قلت ‪ :‬فبأي شيء أستعي على التجرد من الطمع ومن الفزع؟‬

‫قلت‪ :‬بالتوحيد والتوكل والثقة بال‪ ,‬وعلمك بأنه ل يأت بالسنات ال هو‪ ,‬ول يذهب بالسيئات ال هو‪ ,‬وأن المر كله ل‬
‫ليس لحد مع ال شيء‪.‬‬

‫[‪( ]68‬نصيحة)‬
‫هلم ال الدخول على ال وماورته ف النة‬

‫هلم ال الدخول ال ال وماورته ف دار السلم بل نصب ول تعب ول عناء بل من أقرب الطرق وأسهلها‪ ,‬وذلك أنك ف‬
‫وقت بي وقتي‪ ,‬وهو ف القيقة عمرك‪ ,‬وهو وقتك الاضر بي ما مضى وما يستقبل‪ ,‬فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم‬
‫والستغفار‪ ,‬وذلك شيء ل تعب عليك فيه ول نصب‪ ,‬ول معاناة عمل شاق‪ ,‬انا هو عمل قلب‪ ,‬وتتنع فيما يستقبل من‬
‫الذنوب‪ ,‬وامتناعك ترك وراحة وليس هو عمل بالوارح يشق عليك معاناته‪ ,‬وانا هو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقلبك‬
‫وسرك‪ ,‬فما مضى تصلحه بالتوبة‪ ,‬وما يستقبل تصلحه بالمتناع والعزم والنية‪ ,‬وليس للجوارح ف هذين نصب ول تعب‪ ,‬ولن‬
‫الشأن ف عمرك وهو وقتك الذي بي الوقتي فان أضعته أضعت سعادتك‪ ,‬وناتك‪ ,‬وان حفظته مع اصلح الوقتي اللذين قبله‬
‫وبعده با ذكر نوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم‪ .‬وحفظه أشق من اصلح ما قبله وما بعده‪ ,‬فان حفظه أن تلزم نفسك با‬
‫هو أول با وأنفع لا وأعظم تصيل لسعادتا‪ .‬وف هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت‪ ,‬فهي وال أيامك الالية الت تمع فيها‬
‫الزاد لعادك‪ ,‬اما ال النة واما ال النار‪ ,‬فان اتذت اليها سبيل ال ربك بلغت السعاد العظمى‪ ,‬والفوز الكب ف هذه الدة‬
‫اليسية الت ل نسبة لا ال البد‪ ,‬وان آثرت الشهوات والراحات‪ ,‬واللهو واللعب‪,‬انقضت عنك بسرعة‪ ,‬وأعقبتك الل العظيم‬
‫الدائم الذي مقاساته ومعاناته أشق وأصعب وأدوم من معاناة الصب عن مارم ال‪ ,‬والصب على طاعته‪ ,‬ومالفة الوى لجله‪.‬‬

‫[‪ ]69‬علمة صحة الرادة‬

‫علمة صحة الرادة أن يكون هم الريض رضا ربه واستعداده للقائه‪ ,‬وحزنه على وقت مر ف غي مرضاته‪ ,‬وأسفه على قربه‬
‫والنس به‪ .‬وجاع ذلك أن يصبح ويسي وليس له هم غيه‪.‬‬

‫[‪ ]70‬استغن عن الناس بال تعال‬

‫اذا استغن الناس بالدنيا استغن أنت بال‪ ,‬واذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بال‪ ,‬واذا أنسوا بأحبابم فاجعل أنسك بال‪ ,‬واذا‬
‫تعرفوا بلوكهم وكبائهم وتقربوا اليهم لينالوا بم العزة والرفعة فتعرف أنت ال ال‪ ,‬وتودد اليه تنل بذلك غاية والرفعة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫قال بعض الزهاد‪ :‬ما علمت أن أحدا سع بالنة والنار تأت عليه ساعة ل يطيع ال فيها بذكر أو بصلة أو قراءة أو احسان‪.‬‬
‫فقال له الرجل‪ :‬ان أكثر البكاء‪ .‬فقال‪ :‬انك ان تضحك وأنت مقر بطيئتك خي من أن تبكي وأنت مدل بعملك‪ ,‬فان الدل‬
‫ل يصعد عمله فوق رأسه‪ .‬فقال‪ :‬أوصن‪ .‬فقال‪ :‬دع الدنيا لهلها كما تركوا هم الخرة لهلها‪ ,‬وكن ف الدنيا كالنحلة‪ ,‬ان‬
‫أكلت طيبا‪ ,‬وان أطعمت أطعمت طيبا‪ ,‬وان سقطت على شيئ ل تكسره ول تدشه‪.‬‬

‫[‪ ]71‬أقسام الزهد‬

‫الزهد أقسام‪ :‬زهد الرام؛ وهو فرض عي‪ .‬وزهد ف الشبهات؛ وهو بسب مراتب الشبهة‪ ,‬فان قويت التحقت بالواجب‪ ,‬وان‬
‫كان ضعيفا كان مستحبا‪ .‬وزهد فيما ل يعن من الكلم والنظر والسؤال واللقاء وغيه‪ .‬وزهد ف الناس‪ .‬وزهد ف النفس‬
‫بيث تون عليه نفسه ف ال‪ .‬وزهد جامع لذلك كله وهو الزهد فيما سوى ال‪ ,‬وف كل ما شغلك عنه‪.‬‬

‫وأفضل الزهد اخفاء الزهد‪ ,‬وأصعبه الزهد ف الظوظ‪ .‬والفرق بينه وبي الورع أن الزهد ترك مال ينفع ف الخرة‪ ,‬والورع‬
‫ترك ما يشى ضرره من الخرة‪ .‬والقلب معلق بالشهوات ل يصح له زهد ول ورع‪.‬‬

‫قال يي بن معاذ‪ :‬عجبت من ثلث‪ :‬رجل يرائي بعمله ملوقا مثله ويترك أن يعمله ل‪ ,‬ورجل يبخل باله وربه يستقرضه منه‬
‫فل يقرضه منه شيئا‪ ,‬ورجل يرغب ف صحبة الخلوقي ومودتم‪ ,‬وال يدعوه ال صحبته ومودته‪.‬‬

‫[‪( ]72‬فائدة جليلة)‬


‫ترك المر عند ال أعظم من ارتكاب النهي‬

‫قال سهل بن عبدال‪ :‬ترك المر عند ال أعظم من ارتكاب النهي‪ ,‬لن آدم ني عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه‪,‬‬
‫وابليس أمر أن يسجد لدم فلم يسجد فلم يتب عليه‪.‬‬

‫قلت هي مسألة عظيمة لا شأن وهي أن ترك الوامر أعظم عند ال من ارتكاب الناهي‪ ,‬وذلك من وجوه عديدة‪:‬‬

‫(الوجه الول)‪ :‬ما ذكره سهل من شأن آدم وعدو ال ابليس‪.‬‬

‫(الوجه الثان)‪ :‬ان ذنب ارتكاب النهي مصدره ف الغالب الشهوة والاجة‪ ,‬وذنب ترك المر مصدره ف الغالب الكب والعزة‪,‬‬
‫و "ل يدخل النة من كان ف قلبه مثقال ذرة من كب"‪ ,‬ويدخلها من مات على التوحيد وان زن وسرق‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫(الوجه الثالث)‪ :‬ان فعل الأمور أحب ال ال من ترك النهي‪ ,‬كما دل على ذلك النصوص كقوله صلى ال عليه وسلم‪":‬‬
‫أحب العمال ال ال الصلة على وقتها" أخرجه البخاري ف الواقيت ‪ 12\2‬رقم ‪ ,527‬ومسلم ف اليان ‪ 90 89\1‬رقم‬
‫‪ .140-137‬وقوله‪ :‬أل أنبئكم بي أعمالكم‪ ,‬وأزكاها عند مليككم‪ ,‬وأرفعها ف درجاتكم‪ ,‬وخي لكم من انفاق الذهب‬
‫والورق‪ ,‬وخي لكم من أن تلقو عدوكم‪ ,‬فتضربوا أعناقهم‪ ,‬ويضربوا أعناقكم"‪ .‬قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال‪ .‬قال‪" :‬ذكر ال"‬
‫‪,‬أخرجه الترمذي ف الدعوات ‪ ,)3377( 428\5‬وابن ماجه ف الدب ‪ )3790( 1245\2‬ومالك ف الوطأ كتاب‬
‫القرآن ‪ .)24(211\11‬وقوله‪" :‬واعلموا أن خي أعمالكم الصلة"‪ ,‬أخرجه ابن ماجه برقم (‪ )277‬والدرامي برقم ‪,661‬‬
‫وأحد ‪ .277 276\2‬وغي ذلك من النصوص‪.‬‬

‫وترك الناهي عمل فانه كف النفس عن الفعل‪ ,‬ولذا علّق سبحانه الحبة بفعل الوامر كقوله‪ { :‬ان ال يب الذين يقاتلون‬
‫ف سبيله صفا}‪ ,‬الصف ‪{ ,4‬وال يب الحسني}آل عمران ‪ ,134‬وقوله‪ {:‬وأقسطوا ان ال يب القسطي}الجرات ‪,9‬‬
‫{وال يب الصابرين} آل عمران ‪.146‬‬

‫أما ف جانب النهي فأكثر ما جاء النفي للمحبة كقوله‪ {:‬وال ل بب الفساد}البقرة ‪ ,205‬وقوله‪ { :‬وال ل يب كل‬
‫متال فخور} الديد ‪ ,23‬وقوله‪ { :‬ول تعتدوا ان ال ل يب العتدين} البقرة ‪ ,190‬وقوله‪ {:‬ل يب ال الهر بالسوء من‬
‫القول ال من ظلم }النساء ‪,148‬وقوله‪ {:‬ان ال ل يب من كان متال فخورا} النساء ‪. 36‬‬

‫وأخب ف موقع آخر أنه يكرهها ويسخطها‪ ,‬كقوله‪{ :‬كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} السراء ‪ ,38‬وقوله‪ {:‬ذلك‬
‫بأنم اتبعوا ما أسخط ال} ممد ‪.28‬‬

‫اذا عرف هذا ففعل ما يبه سبحانه مقصود بالذات‪ .‬ولذا يقدر ما يكرهه ويسخطه لفضائه ال ما يب‪ ,‬كما قدر العاصي‬
‫والكفر والفسوق لا ترتب على تقديرها ما يبه من لوازمها من الهاد واتاذ الشهداء‪ .‬وحصول التوبة من العبد والتضرّع اليه‬
‫والستكانة واظهار عدله وعفوه وانتقامه وعزه‪ .‬وحصول الوالة والعاداة لجله‪ ,‬وغي ذلك من الثار الت وجودها بسبب‬
‫تقديره لا يكره أحب اليه من ارتفاعها بارتفاع أسبابا‪ ,‬وهو سبحانه ل يقد ما يب لفضائه ال حصول ما يكرهه ويسخطه‬
‫كما يقدر ما يكرهه لفضائه ال حصول ما يكرهه ويسخطه كما يقدر ما يكرهه لفضائه ال ما يبه‪ ,‬فعلم أن فعل ما يبه‬
‫أحب اليه ما يكرههه‪.‬‬

‫يوضحه الوجه الرابع‪ :‬ان فعل الأمور مقصود لذاته وترك النهي مقصود لتكميل فعل الأمور‪ ,‬فهو منهي عنه لجل كونه يل‬
‫بفعل الأمور أو يضعفه وينقصه‪ ,‬كما نبه سبحانه على ذلك ف النهي عن المر واليسر بكونما يصدان عن ذكر ال وعن‬
‫الصلة كما قال تعال ف الية ‪ 91‬من سورة الائدة ‪ ,‬فالنهيات قواطع وموانع صادة عن فعل الأمورات أو عن كمالا‪ ,‬فالنهي‬
‫عنها من باب القصود لغيه‪ ,‬والمر بالواجبات من باب القصود لنفسه‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫يوضحه الوجه الامس‪ :‬ان فعل الأمورات من باب حفظ قوة اليان وبقائها وترك النهيات من باب المية عما يشوش قوة‬
‫اليان ويرجها عن العتدال‪ ,‬وحفظ القوة مقدم على المية‪ ,‬فان القوة كلما قويت دفعت الواد الفاسدة واذا ضعفت غلبت‬
‫الواد الفاسدة‪ ,‬فالمية مرادة لغيها وهي حفظ القوة وزيادتا وبقاؤها‪ ,‬ولذا كلما قويت قوة اليان دفعت الواد الرديئة‬
‫ومنعت من غلبتها وكثرتا بسب القوة وضعفها‪ ,‬واذا ضعفت غلبت الواد الفاسدة‪ .‬فتأمل هذا الوجه‪.‬‬

‫الوجه السادس‪ :‬ان فعل الأمورات حياة القلب وغذاؤه وزينته وسروره وقرة عينه ولذته ونعيمه‪ ,‬وترك النهيات بدون ذلك‬
‫ل يصل له شيء من ذلك‪ ,‬فانه لو ترك جيع النهيات ول يأت باليان والعمال الأمور با ول ينفعه ذلك الترك شيئا وكان‬
‫خالدا ملدا ف النار‪.‬‬

‫وهذا يتبي بالوجه السابع‪ :‬ان من فعل الأمورات والنهيات فهو اما ناج ان غلبت حسناته سيئاته‪ ,‬واما ناج بعد أن يؤخذ‬
‫منه الق ويعاقب على سيئاته فمآله ال النجاة وذلك بفعل الأمور‪.‬‬

‫ومن ترك الأمورات والنهيات فهو هالك غي ناج ول ينجو ال بفعل الأمور وهو التوحيد‪.‬‬

‫فان قيل‪ :‬فهو انا هلك بارتكاب الحظور وهو الشرك‪ ,‬قيل‪ :‬يكفي ف اللك ترك نفس التوحيد الأمور به وان ل يأت بضد‬
‫وجودي ف الشرك‪ ,‬بل مت خل قلبه من التوحيد رأسا فلم يوحد ال فهو هالك وان ل يعبد معه غيه‪ ,‬فاذا انضاف اليه عبادة‬
‫غيه عذب على ترك التوحيد الأمور به وفعل الشرك النهي عنه‪.‬‬

‫يوضحه الوجه الثامن‪ :‬أن الدعو ال اليان اذا قال‪ :‬ل أصدق ول أكذب ول أحب ول أبغض ول أعبده ول أعبد غيه‪,‬‬
‫كان كافرا بجرد الترك والعراض‪ ,‬بلف ما اذا قال‪ :‬أنا أصدق الرسول وأحبه وأؤمن به وأفعل ما أمرن‪ ,‬ولكن شهوت‬
‫وارادت وطبعي حاكمة علي ل تدعن أترك ما نان ال عنه وأنا أعلم أنه قد نان وكره ل فعل النهي ولكن ل صب ل عنه‪,‬‬
‫فهذا ل يعد بذلك كافرا‪ ,‬ول حكمه حكم الول؛ فان هذا مطيع من وجه‪ ,‬وتارك الأمور جلة ل يعد مطيعا بوجه‪.‬‬
‫يوضحه الوجه التاسع‪ :‬ان الطاعة والعصية انا تتعلق بالمر أصل‪ ,‬وبالنهي تبعا‪ ,‬فالطيع متثل الأمور‪ ,‬والعاصي تارك الأمور‪,‬‬
‫قال تعال‪{:‬ل يعصون ال ما أمرهم} التحري ‪ ,6‬وقال موسى لخيه‪{ :‬ما منعك اذ رأيتهم ضلوا * ألّ تتبعن أفعصيت أمري}‬
‫طه ‪.93 92‬‬

‫وقال عمرو بن العاص عند موته‪ :‬أنا الذي أمرتن فعصيت‪ ,‬ولكن ل اله ال أنت‪.‬‬

‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫أمرتك أمرا حازما فعصيتن‬

‫‪93‬‬
‫والقصود من ارسال الرسل اطاعة الرسل ول تصل ال بامتثال أوامره‪ ,‬واجتناب الناهي من تام امتثال الوامر ولوازمه‪.‬‬
‫ولذا لو اجتنب الناهي ول يفعل ما أمر به ل يكن مطيعا وكان عاصيا‪ ,‬بلف ما لو أتى الأمورات وارتكب الناهي‪ .‬فانه وان‬
‫عد عاصيا مذنبا فانه مطيع بامتثال المر‪ ,‬عاص بارتكاب النهي بلف المر فانه ل يعد مطيعا باجتناب النهيات خاصة‪.‬‬

‫الوجه العاشر‪ :‬أن امتثال المر عبودية وتقرب وخدمة‪ ,‬وتلك العبادة الت خلق لجلها اللق كما قال تعال‪ { :‬وما خلقت‬
‫النّ والنس ال ليعبدون} الذاريات ‪,56‬فأخب سبحانه أنه انا خلقهم للعبادة ‪ ,‬وكذلك انا أرسل اليهم رسله وأنزل عليهم‬
‫كتبه ليعبدوه‪ .‬فالعبادة هي الغاية الت خلقوا لا ول يلقوا لجرد الترك فانه أمر عدمي ل كمالفيه من حيث هو عدم‪ ,‬بلف‬
‫امتثال الأمور فانه أمر وجودي مطلوب الصول‪.‬‬

‫وهذا يتبي بالوجه الادي عشر‪ :‬وهو أن الطلوب بالنهي عدم الفعل وهو أمر عدمي‪ ,‬والطلوب بالمر اياد فعل وهو أمر‬
‫وجودي‪ ,‬فمتعلق المر بالياد‪ ,‬ومتعلق النهي العدام أو العدم وهو أمر ل كمال فيه ال اذا تضمّن أمرا وجوديا‪ ,‬فان العدم‬
‫من حيث هو عدم ل كمال فيه ول مصلحة ال اذا تضمن أمرا وجوديا مطلقا‪ ,‬وذلك المر الوجودي مطلوب مأمور به‬
‫فعادت حقيقة النهي ال المر‪ ,‬وأن الطلوب به ما ف ضمن النهي من المر الوجودي الطلوب به‪.‬‬

‫وهذا يتضح بالوجه الثان عشر‪ :‬وهو أن الناس اختلفوا ف الطلوب بالنهي على أقوال‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن الطلوب به كف النفس عن الفعل‪ ,‬وحبسها عنه‪ ,‬وهو أمر وجودي‪ .‬قالوا‪ :‬لن التكليف انا يتعلق بالقدور‪,‬‬
‫والعدم الحض غي مقدور‪ .‬وهذا قول المهور‪.‬‬

‫وقال أبو هاشم وغيه‪ :‬بل الطلوب عدم الفعل‪ ,‬ولذا يصل القصود من بقائه على العدم‪ ,‬وان ل يطر بباله فعل‪ ,‬فضل أن‬
‫يقصد الكف عنه‪ ,‬ولو كان الطلوب الكف لكان عاصيا اذ ل يأت به‪ ,‬ولن الناس يدحون بعدم فعل القبيح من ل يطر بباله‬
‫فعله والكف عنه‪ .‬وهذا أحد قول القاضي أب بكر( صاحب كتاب اعجاز القرآن) ولجله التزم ان عدم الفعل مقدور للعبد‬
‫وداخل تت الكسب‪ ,‬قال‪ :‬والقصود بالنهي البقاء على العدم الصلي وهو مقدور‪.‬‬

‫وقالت طائفة‪ :‬الطلوب بالنهي فعل الضد فانه هو القدور وهو القصود للناهي‪ ,‬فانه انا ناه عن الفاحشة طلبا للعفة وهي‬
‫الأمور با‪ ,‬وناه عن الظلم طلبا للعدل الأمور به‪ ,‬وعن الكذب طلبا للصدوق الأمور به وهكذا جيع النهيات‪ .‬فعند هؤلء أن‬
‫حقيقة النهي الطلب لضد النهي عنه‪ ,‬فعاد المر ال أن الطلب انا تعلق بفعل الأمور‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫والتحقيق أن الطلوب نوعان‪ :‬مطلوب لنفسه وهو الأمور به‪ ,‬ومطلوب اعدامه لضدته الأمور به وهو النهي عنه‪ ,‬لا فيه من‬
‫الفسدة الضادة للمأمور به‪ .‬فاذا ل يطر بباله الكلف ول دعته نفسه اليه بل استمر على العدم الصلي ل يثب على تركه‪ ,‬وان‬
‫خطر بباله وكف نفسه عنه ل وتركه اختيارا أثيب على كف نفسه وامتناعه‪ ,‬فانه فعل وجودي‪.‬‬

‫والثواب انا يقع على المر الوجودي دون العدم الحض وان تركه مع عزمه الازم على فعله لكن تركه عجزا‪ ,‬فهذا وان ل‬
‫يعاقب عقوبة الفاعل لكن يعاقب على عزمه وارادته الازمة الت انا تلف مرادها عجزا‪.‬‬

‫وقد دلت على ذلك النصوص الكثية فل يلتفت ال ما خالفه‪ ,‬كقوله تعال‪ {:‬وان تبدوا ما ف أنفسكم أو تفوه ياسبكم به‬
‫ال فيغفر لن يشاء ويعذّب من يشاء} البقرة ‪.284‬‬

‫وقوله ف كات الشهادة‪ {:‬فانه آث قلبه} البقرة ‪ ,283‬وقوله‪ {:‬ولكن يؤاخذكم با كسبت قلوبكم} البقرة ‪ ,225‬وقوله‪{:‬‬
‫يوم تبلى السرائر} الطارق ‪.9‬‬

‫وقوله صلى ال عليه وسلم‪ { :‬اذا تواجه السلمان ف سيفهما فالقاتل والقتول ف النار}‪ ,‬قالوا‪ :‬هذا القاتل‪ ,‬فما بال القتول؟‬
‫قال‪" :‬انه أراد قتل صاحبه" البخاري ف اليان ‪ 106\1‬رقم ‪ ,31‬ومسلم ف الفت ‪ 2213\4‬رقم ‪.15-14‬‬

‫وقوله ف الديث الخر‪ ":‬ورجل قال‪ :‬لو أن ل مال لعملت بعمل فلن فهو بنيته وها ف الوزر سواء" الترمذي ف الزهد‬
‫رقم ‪ ,2326‬وابن ماجه وأحد‪.‬‬

‫وقول من قال‪ :‬ان الطلوب بالنهي فعل الضد ليس كذلك‪ ,‬فان القصود عدم الفعل والتلبس بالضد‪ ,‬فان مال يتم الواجب ال‬
‫به فهو غي مقصود بالقصد الول‪ ,‬وان كان القصود بالقصد الول الأمور الذي نى عما ينعه ويضعفه‪ ,‬فالنهي عنه مطلوب‬
‫اعدامه طلب الوسائل والذرائع‪ ,‬والأمور به مطلوب اياده طلب القاصد والغايات‪.‬‬

‫وقول أب هاشم‪ :‬ان تارك القبائح يمد وان ل يطر بباله كف النفس‪ .‬فان أراد بمده أن ل يذم فصحيح‪ ,‬وان أراد أن يثن‬
‫عليه بذلك ويب عليه واستحق الثواب فغي صحيح‪ .‬فان الناس ل يمدون الجبوب (أي مقطوع الذكر) على ترك الزنا ول‬
‫الخرس على عدم الغيبة والسب‪ ,‬وانا يمدون القادر المتنع عن قدرة وداع ال الفعل‪.‬‬

‫وقول القاضي البقاء على العدم الصلي مقدور‪ ,‬فان أراد به كف النفس ومنعها فصحيح‪ ,‬وان أراد مرّد العدم فلبس‬
‫كذلك‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫وهذا يتبي بالوجه الثالث عشر‪ :‬وهو ان المر بالشيء ني عن ضده من طريق اللزوم العقلي ل القصد الطلب‪ ,‬فان المر انا‬
‫مقصوده فعل الأمور‪ .‬فاذا كان من لوازمه ترك الضد صار تركه مقصودا لغيه‪ ,‬وهذا هو الصواب ف مسألة المر بالشيء هل‬
‫هو ني عن ضده أم ل؟‬
‫فهو ني عنه من جهة اللزوم ل من جهة القصد والطلب‪ .‬وكذلك النهي عن الشيء‪ ,‬مقصود الناهي بالقصد الول النتهاء عن‬
‫النهى عنه وكونه مشتغل بضده جاء من جهة اللزوم العقلي‪ ,‬لكن انا نى عما يضاد ما أمر به كما تقدم‪ ,‬فكان الأمور هو‬
‫القصود بالقصد الول ف الوضعي‪.‬‬

‫وحرف السألة‪ :‬أن طلب الشيء طلب له بالذات ولا هو من ضرورته باللزوم‪ ,‬والنهي عن الشيء طلب لتركه بالذات ولفعل‬
‫ما هو من ضرورة الترك باللزوم‪ ,‬والطلوب ف الوضعي فعل وكف‪ ,‬وكلها أمر وجودي‪.‬‬

‫الوجه الرابع عشر‪ :‬ان المر والنهي ف باب الطلب نظي النفي والثبات ف باب الب‪ ,‬والدح والثناء ل يصلن بالنفي‬
‫الحض ان ل يتضمن ثبوتا‪ ,‬فان النفي كاسه عدم ل كمال فيه ول مدح‪ ,‬فاذا تضمن ثبوتا صح الدح فيه كنفي النسيان‬
‫الستلزم لكمال العلم وبيانه‪ .‬ونفي اللغوب والعياء والتعب الستلزم لكمال القدرة والقوة‪ .‬ونفي السنة والنوم الستلزم لكمال‬
‫الياة والقيّوميّة‪ ,‬ونفي الولد والصاحبة الستلزم لكمال الغن واللك والربوبية‪ .‬ونفي الشريك والول والشفيع بدون الذن‬
‫الستلزم لكمال التوحيد والتفرّد بالكمال واللية واللك ونفي الظلم التضمن لكمال العدل‪ .‬ونفي ادراك البصار له التضمن‬
‫لعظمته وأنه أجلّ من أن يدرك وان رأته البصار‪ ,‬وال فليس ف كونه ل يرى مدح بوجه من الوجوه‪ ,‬فان العدم الحض‬
‫كذلك‪.‬‬

‫واذ عرف هذا‪ ,‬فالنهي عنه ان ل يتضمن أمرا وجوديا ثبوتيا ل يدح بتركه‪ ,‬ول يستحق الثواب والثناء بجرد الترك‪ ,‬كما ل‬
‫يستحق الدح والثناء بجرد الوصف العدمي‪.‬‬

‫الوجه الامس عشر‪ :‬ان ال سبحانه جعل جزاء الأمورات عشرة أمثال فعلها‪ ,‬وجزاء النهيات مثل واحد وهذا يدل على أن‬
‫فعل ما أمر به أحب اليه من ترك ما نى عنه‪ .‬ولو كان المر بالعكس لكانت السيئة بعشرة أمثالا والسنة بواحدة أو تساويا‪.‬‬

‫الوجه السادس عشر‪ :‬ان النهي عنه القصود اعدامه‪ ,‬وأن ل يدخل ف الوجود‪ ,‬سواء نوى ذلك أو ل ينوه‪ ,‬وسواء خطر بباله‬
‫أو ل يطر‪ .‬فالقصود أن ل يكون‪ .‬وأما الأمور به فالقصود كونه واياده والتقرب به نية وفعل‪.‬‬

‫وسر السألة أن وجود ما طلب اياده أحب اليه من عدم ما طلب اعدامه‪ ,‬وعدم ما أحبه أكره اليه من وجود ما يبغضه‪,‬‬
‫فمحبته لفعل ما أمر به أعظم من كراهته لفعل ما نى عنه‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫يوضحه الوجه السابع عشر‪ :‬ان فعل ما يبه والعانة عليه وجزاءه وما يترتب عليه من الدح والثناء من رحته‪ .‬وفعل ما‬
‫يكرهه وجزاءه وما يترتب عليه من الذم والل والعقاب من غضبه‪ .‬ورحته سابقة على غضبه غالبة له‪ ,‬وكل ما كان من صفة‬
‫الرحة فهو غالب لا كان من صفة الغضب‪ ,‬فانه ل يكون ال رحيما‪ ,‬ورحته من لوازم ذاته كعلمه وقدرته وحياته وسعه‬
‫وبصره واحسانه‪ ,‬فيستحيل أن يكون على خلف ذلك‪ .‬وليس كذلك غضبه‪ ,‬فانه ليس من لوازم ذاته ول يكون غضبان دائما‬
‫غضبا ل يتصور انفكاكه‪ ,‬بل يقول رسله وأعلم اللق به يوم القيامة‪" :‬ان رب قد غضب اليوم غضبا ل يغضب قبله مثله ولن‬
‫يغضب بعد مثله" جزء من حديث أخرجه البخاري ف تاب النبياء باب قول ال عز وجل {ولقد أرسلنا نوحا ال قومه} ‪\6‬‬
‫‪ 428‬رقم ‪ ,3340‬ومسلم ف اليان ‪ 184\1‬رقم ‪ 327‬من حديث أبو هريرة عن الرسول ‪ .‬ورحته وسعت كل شيء‪,‬‬
‫وهو سبحانه كتب على نفسه الرحة ول يكتب على نفسه الغضب‪ ,‬ووسع كل شيء رحة وعلما ول يسع كل شيء غضبا‬
‫وانتقاما‪.‬‬

‫فالرحة وما كان با ولوازمها وآثارها غالبة على الغضب وما كان منه وآثاره‪ .‬فوجود ما كان بالرحة أحب اليه من وجود‬
‫ما كان من لوازم الغضب‪ .‬ولذا كانت الرحة أحب اليه من العذاب‪ ,‬والعفو أحب اليه من النتقام‪ .‬فوجود مبوبه أحب اليه‬
‫من فوات مكروهه‪ ,‬ول سيما اذا كان ف فوات الكروه فوات ما يبه من لوازمه‪ ,‬فانه يكره فوات تلك اللوازم الحبوبة كما‬
‫يكره وجود ذلك اللزوم الكره‪.‬‬

‫الوجه الثامن عشر‪ :‬ان آثار ما يكرهه وهو النهيات أسرع زوال با يبه من زوال آثار ما يبه با يكرهه‪ ,‬فآثار كراهته‬
‫سريعة الزوال وقد يزيلها سبحانه بالعفو والتجاوز‪ ,‬وتزول بالتوبة والستغفار والعمال الصالة والصائب الكفرة والشفاعة‬
‫والسنات يذهب السيئات‪ ,‬ولو بلغت ذنوب العبد عنان السماء ث استغفره غفر له ولو لقيه بقراب الرض خطايا‪ ,‬ث لقيه ل‬
‫يشرك به شيئا لتاه بقرابا مغفرة وهو سبحانه يغفر الذنوب وان تعاظمت ول يبال‪ ,‬فيبطلها ويبطل آثارها بأدن سعي من‬
‫العبد وتوبة نصوح وندم على ما فعل‪ ,‬وما ذاك ال لوجود ما يبه من توبة العبد وتوبة نصوح وندم على ما فعل‪ ,‬وما ذاك ال‬
‫لوجود ما يبه من توبة العبد وطاعته وتوحيده‪ ,‬فدلّ على أن وجود ذلك أحب اليه وأرضى له‪.‬‬

‫يوضحه الوجه التاسع عشر‪ :‬وهو أنه سبحانه قدر ما يبغضه ويكرهه من النهيات لا يترتب عليها ما يبه ويفرح به من‬
‫الأمورات‪ .‬فانه سبحانه أفرح بتوبة عبده من الفاقد الواجد‪ ,‬والعقيم الوالد‪ ,‬والظمآن الوارد‪ .‬وقد ضرب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم لفرحته لتوبة العبد مثل (ف صحيح مسلم ف كتاب التوبة باب ف الض على التوبة والفرح با ‪ 2104\4‬رقم (‬
‫‪ )7‬عن أنس بن مالك " ل أشد فرحا بتوبة عبده حي يتوب اليه‪ "...‬وهو ف صحيح البخاري بلفظ آخر‪ ).‬ليس ف الفروح‬
‫به أبلغ منه‪ ,‬وهذا الفرح انا بفعل الأمور به وهو التوبة‪ ,‬فقدر الذنب لا يترتب عليه من هذا الفرح العظيم الذي وجوده أحب‬
‫اليه من فوات ما يكره‪ .‬ولبس الراد بذلك أن كل فرد من أفراد ما يب أحب اليه من فوات كل فرد ما يكره حت تكون‬
‫ركعت الضحى أحب اليه من فوات قتل السلم‪ ,‬وانا الراد أن جنس فعل الأمورات أفضل من جنس ترك الحظورات‪ ,‬كما اذا‬
‫فضل الذكر على النثى والنس على اللك‪ ,‬فالراد النس ل عموم العيان‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫والقصود أن هذا الفرح الذي ل فرح يشبهه بفعل مأمور التوبة يدل على أن هذا الأمور أحب اليه من فوات الحظور الذي‬
‫تفوت به التوبة وأثرها ومقتضاها‪.‬‬

‫فان قيل‪ :‬انا الفرح بالتوبة لنا ترك النهى فكان الفرح بالترك‪ ,‬قيل‪ :‬ليس كذلك‪ ,‬فان الترك الحض ل يوجب هذا الفرح‬
‫بل ول الثواب ول الدح‪ .‬وليست التوبة تركا‪ ,‬وان كان الترك من لوازمها‪ ,‬وانا هي فعل وجودي يتضمن اقبال التائب على‬
‫ربه وانابته اليه والتزام طاعته‪ .‬ومن لوازم ذلك ترك ما نى عنه‪ ,‬ولذا قال ال تعال‪ {:‬وأن استغفروا ربّكم ث توبوا اليه} هود‬
‫‪ .3‬فالتوبة رجوع عما يكره الىما يب‪ ,‬فان من ترك الذنب تركا مردا ول يرجع عنه ال ما يبه الرب تعال ل يكن تائبا‪,‬‬
‫فالتوبة رجوع واقبال وانابة ل ترك مض‪.‬‬

‫الوجه العشرون‪ :‬ان الأمور به اذا فات فاتت الياة الطلوبة للعبد‪ ,‬وهي الت قال ال تعال فيها‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫استجيبوا ل وللرسول اذا دعاكم لا يييكم}النفال ‪ ,24‬وقال‪ { :‬أو من كان ميتا فأحييناه وجعلتا له نورا يشي به ف الناس‬
‫كمن مثله ف الظلمات} النعام ‪ ,122‬وقال ف حق الكفار‪ {:‬أموات غي أحياء} النحل ‪ ,21‬وقال‪ { :‬انك ل تسمع‬
‫الوتى}النحل ‪.8‬‬

‫وأما النهي عنه فاذا وجد فغايته أن يوجد الرض‪ ,‬وحياة مع السقم خي من موت‪.‬‬

‫فان قيل‪ :‬ومن النهي عنه ما يوجب اللك وهو الشرك‪.‬‬

‫قيل‪ :‬اللك انا حصل بعدم التوحيد الأمور به الذي به الياة‪ ,‬فلما فقد حصل اللك‪ ,‬فما هلك ال من عدم اتيانه بالأمور‬
‫به‪.‬‬

‫وهذا وجه حاد وعشرون ف السألة‪ :‬وهو أن ف الأمورات ما يوجب فواته اللك والشقاء الدائم‪ ,‬وليس ف النهيات ما‬
‫يقتضي ذلك‪.‬‬

‫الوجه الثان والعشرون‪ :‬ان فعل الأمور يقتضي ترك النهي عنه اذا فعل على وجهه من الخلص والتابعة والنصح ل فيه‪ ,‬قال‬
‫تعال‪ {:‬ان الصلة تنهى عن الفحشاء والنكر}العنكبوت ‪ .45‬ومرد ترك النهي ل يقتضي فعل الأمور ول يستلزمه‪.‬‬

‫الوجه الثالث والعشرون‪ :‬ان ما يبه من الأمورات فهو متعلّق بصفاته‪ ,‬وما يكرهه من النهيات فمتعلق بفعولته‪ ,‬وهذا وجه‬
‫دقيق يتاج ال بيان فنقول‪:‬‬

‫‪98‬‬
‫النهيات شرور وتفضي ال الشرور‪ ,‬والأمورات خي وتفضي ال اليات‪ ,‬والي بيديه سبحانه والشر ليس اليه‪ ,‬فان الشر ل‬
‫يدخل ف صفاته ول ف أفعاله ول ف أسائه‪ ,‬وانا هو ف الفعولت مع أنه شر بالضافة والنسبة ال العبد‪ ,‬وال من حيث‬
‫اضافته ونسبته ال الالق سبحانه فليس بشر من هذه الهة‪ .‬فغاية ارتكاب النهي أن يوجب شرا بالضافة ال العبد مع أنه ف‬
‫نفسه ليس بشر‪ .‬وأما فوات الأمور فيفوت به الي الذي بفواته يصل ضده من الشر‪ ,‬وكلما كان الأمور أحب ال ال‬
‫سبحانه كان الشر الاصل بفواته أعظم كالتوحيد واليان‪.‬‬

‫وسر هذه الوجوه‪ :‬أن الأمور به مبوبه‪ ,‬والنهي مكروهه‪ ,‬ووقوع مبوبه أحب اليه من فوات مكروهه‪ ,‬وفوات مبوبه أكره‬
‫اليه من وقوع مكروهه‪ ,‬وال أعلم‪.‬‬

‫[‪ ]73‬مبن الشكر على قاعدتي الذكر والشكر‬

‫مبن الدين على قاعدتي‪ :‬الذكر والشكر‪ ,‬وقال تعال‪ {:‬فاذكرون أذكركم واشكروا ل ول تكفرون}البقرة ‪ .152‬وقال‬
‫النب صلى ال عليه وسلم‪ ":‬وال ان لحبك فل تنسى أن تقول دبر كل صلة اللهم أعن على ذكرك وشكرك وحسن‬
‫عبادتك" أخرجه أبو داود ف الصلة ‪ 86\2‬رقم (‪ ,)1522‬والنسائي وأحد‪.‬‬

‫وليس الراد بالذكر مردالذكر اللسان بل الذكر القلب واللسان‪ .‬وذكره يتضمن ذكر اسائه وصفاته وذكر أمره ونيه وذكر‬
‫كلمه‪ ,‬وذلك يستلزم معرفته واليان به وبصفاته كمال ونعوت جلله والثناء عليه بأنواع الدح‪ .‬وذلك ل يتم ال بتوحيده‪.‬‬
‫فذكره القيقي يستلزم ذلك كله ويستلزم ذكر نعمه وآلئه واحسانه ال خلقه‪.‬‬

‫وأما الشكر فهو القيام له بطاعته والتقرب اليه بأنواع الحبة ظاهرا وباطنا‪ ,‬وهذان المران ها جاع الدين‪ ,‬فذكره مستلزم‬
‫لعرفته‪ ,‬وشكره متضمن لطاعته‪ ,‬وهذان ها الغاية الت خلق لجلها الن والنس والسموات والرض‪ ,‬ووضع لجلها الثواب‬
‫والعقاب‪ ,‬وأنزل الكتاب‪ ,‬وأرسل الرسل‪ ,‬وهي الق الذي به خلقت السموات والرض وما بينهما‪ ,‬وضدها هو الباطل‬
‫والعبث الذي يتعال ويتقدس عنه‪ ,‬وهو ظن أعدائه به‪.‬‬

‫قال تعال‪ {:‬وما خلقنا السموات والرض وما بينهما باطل ذلك ظن الذين كفروا} ص ‪ ,27‬وقال‪ {:‬وما خلقنا السموات‬
‫والرض وما بينهما لعبي * ما خلقناها ال بالق} الدخان ‪ ,39 38‬وقال‪ {:‬وما خلقنا السموات والرض وما بينهما ال‬
‫بالق وان الساعة لتية}الجر ‪ ,85‬وقال بعد ذكر آياته ف أول سورة يونس‪ {:‬وما خلق ال ذلك ال بالق} يونس ‪,5‬‬
‫وقال‪ {:‬أيسب النسان أن يترك سدى} القيامة ‪ ,36‬وقال‪ {:‬أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا وأنكم الينا ل ترجعون} الؤمنون‬
‫‪ ,115‬وقال‪ {:‬وما خلقت الن والنس ال ليعبدون} الذاريات ‪ ,56‬وقال‪ {:‬ال الذي خلق سبع سوات ومن الرض مثلهن‬
‫يتنل المر بينهن لتعلموا أن ال على كل شيء قدير وأن ال قد أحاط بكل شيء علما} الطلق ‪ ,12‬وقال‪ {:‬جعل ال‬

‫‪99‬‬
‫الكعبة البيت الرام قياما للناس والشهر الرام والدي والقلئد لتعلموا أن ال يعلم ما ف السموات وما ف الرض وأن ال‬
‫بكل شيء عليم} الائدة ‪.97‬‬

‫فثبت با ذكره أن غاية اللق والمر* أن يذكر وأن يشكر‪ .‬يذكر فل ينسى‪ ,‬ويشكر فل يكفر‪ .‬وهو سبحانه ذاكر لن‬
‫ذكره‪ ,‬شاكر لن شكره‪ ,‬فذكره سبب لذكره‪ ,‬وشكره سبب لزيادته من فضله‪.‬‬
‫•يشي ال قوله تعال‪ {:‬أل له اللق والمر} العراف ‪ ,54‬وصدق ال ف خبه فله اللق والمر‪ ,‬خلقهم وأمرهم با‬
‫أحب‪ ,‬وهذا المر يقتضي النهي‪ .‬تفسي القرطب ‪.142\7‬‬

‫فالذكر للقلب واللسان‪ ,‬والشكر للقلب مبة وانابة‪ ,‬وللسان ثناء وحد‪ ,‬وللجوارح طاعة وخدمة‪.‬‬

‫[‪ ]74‬من سار نو الداية يسر ال له سبلها‬

‫تكرر ف القرآن جعل العمال القائمة بالقلب والوارج سبب الداية والضلل‪ ,‬فيقوم القلب والوارح أعمال تقتضي‬
‫الدى اقتضاء السبب لسببه والؤثرة أثره‪ .‬وكذلك الضلل‪ ,‬فأعمال الب تثمر الدى‪ ,‬وكلما ازداد منها ازداد هدى‪ .‬وأعمال‬
‫الفجور بالضد‪ ,‬وذلك أن ال سبحانه يب أعمال الب فيجازي عليها بالدى والفلح‪ ,‬ويبغض أعمال الفجور ويازي عليها‬
‫بالضلل والشقاء‪.‬‬

‫وأيضا فانه الب ويب أهل الب فيقرب قلوبم منهبحسب ما قاموا به من الب‪ ,‬ويبغض الفجور وأهله فيبعد قلوبم منه بسب‬
‫ما اتصفوا به من الفجور‪ ,‬فمن الصل الول قوله تعال‪{ :‬ال * ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقي} البقرة ‪ ,2 -1‬وهذا‬
‫يتضمن أمرين‪:‬‬

‫المر الول‪ :‬أنه يهدي من اتقى مساخطه قبل نزول الكتاب‪ ,‬فان الناس على اختلف مللهم ونلهم قد استقر عندهم أن ال‬
‫سبحانه يكره الظلم والفواحش والفساد ف الرض ويقت فاعل ذلك‪ ,‬ويب العدل والحسان والود والصدق والصلح ف‬
‫الرض‪ ,‬ويب فاعل ذلك‪ .‬فلما نزل الكتاب‪ ,‬أثاب سبحانه أهل الب بأن وفقهم لليان به جزاء لم على برهم وطاعتهم‪,‬‬
‫وخذل أهل الفجور والفحش والظلم بأن حال بينهم وبي الهتداء به‪.‬‬

‫والمر الثان‪ :‬أن العبد آمن بالكتاب واهتدى به ممل وقبل أوامره وصدق بأخباره‪ ,‬وكان ذلك سببا لداية أخرى تصل له‬
‫على التفصيل‪ .‬فان الداية ل ناية لا ولو بلغ العبد فيها ما بلغ‪ ,‬ففوق هدايته هداية أخرى وفوق تلك الداية هداية أخرى ال‬
‫غي غاية‪ .‬فكلما اتقى العبد ربه ارتقى ال هداية أخرى‪ ,‬فهو من مزيد هداية ما دام ف مزيد من التقوى‪ .‬وكلما فوّت حظا من‬
‫التقوى فاته حظ من الداية بسبه‪ ,‬فكلما اتقى زاد هداه‪ ,‬وكلما اهتدى زادت تقواه‪ .‬قال تعال‪ {:‬قد جاءكم من ال نور‬
‫وكتاب مبي يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل السلم ويرجهم من الظلمات ال النور باذنه ويهديهم ال صراط مستقيم}‬

‫‪100‬‬
‫الائدة ‪ ,16,15‬وقال تعال‪ {:‬ال يتب اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب} الشورى ‪ ,13‬وقال تعال‪ {:‬سي ّذكّر من‬
‫يشى} العلى ‪ ,10‬وقال‪ {:‬وما يتذكّر ال من ينيب} غافر ‪ ,13‬وقال‪ {:‬ان الذين آمنوا وعملوا الصالات يهديهم ربم‬
‫بايانم} يونس ‪.9‬‬

‫فهداهم أول لليان‪ ,‬فلما آمنوا هداهم لليان هداية بعد هداية‪ ,‬ونظي هذا قوله تعال‪ {:‬ويزيد ال الذين اهتدوا هدى}مري‬
‫‪ ,76‬وقوله تعال‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا ان تتقوا ال يعل لكم فرقاناْ النفال ‪ ,29‬ومن الفرقان ما يعطيهم من النور الذي‬
‫يفرقون به بي الق والباطل‪ ,‬والنصر والعز الذي يتمكنون به من اقامة الق وكسر الباطل‪ ,‬فسر القرآن هذا بذا‪ .‬وقال‬
‫تعال‪ {:‬ان ف ذلك لية لكل عبد منيب} سبأ ‪ ,9‬وقال‪ {:‬ان ف ذلك ليات لكل صبّار شكور}‪ 31‬من سورة لقمان‪ ,‬والية‬
‫‪5‬من سورة ابراهيم‪ ,‬والية ‪ 19‬من سورة سبأ و ‪33‬من سورة الشورى‪.‬‬

‫فأخب عن آياته الشهودة العيانية أنا انا ينتفع با أهل الصب الشكر‪ ,‬كما أخب عن آياته اليانية القرآنية أنا انا ينتفع با أهل‬
‫التقوى والشية والنابة ومن كان قصده اتباع رضوانه‪ ,‬وأنا انا يتذكر با من يشاه سبحانه كما قال‪ {:‬طه ما أنزلنا عليك‬
‫القرآن لتشقى ال تذكرة لن يشى}طه ‪ ,3-1‬وقال ف الساعة‪ {:‬انا أنت منذر من يشاها} النازعات ‪.45‬‬

‫وأما من ل يؤمن با ول يرجوها ول يشاها فل تنفعه اليات العيانية ول القرآنية‪ .‬ولذا ذكر ال سبحانه ف سورة هود‬
‫عقوبات المم الكذبي للرسل وما حل بم ف الدنيا من الزي‪ ,‬قال بعد ذلك‪ {:‬ان ف ذلك لية لن خاف عذاب} هود‬
‫‪ ,103‬فأخب أن ف عقوباته للمكذبي عبة لن خاف عذاب الخرة‪.‬‬

‫وأما من ل يؤمن با ول ياف عذابا فل يكون ذلك عبة وآية ف حقه‪ ,‬واذا سع ذلك قال‪ :‬ل يزل ف الدهر الي والشر‪,‬‬
‫والنعيم والبؤس‪ ,‬والسعادة والشقاوة‪ .‬وربا أحال ذلك على أسباب فلكية وقوى نفسانية‪ .‬وانا كان الصب والشكر سببا‬
‫لنتفاع صاحبهما باليات‪ ,‬لن اليان يبن على الصب والشكر‪ ,‬فنصفه صب ونصفه شكر‪ ,‬فعلى حسب صب العبد وشكره‬
‫تكون قوة ايانه‪ .‬وآيات ال انا ينتفع با من آمن بال وآياته‪ ,‬ول يتم له اليان ال بالصب والشكر‪ ,‬فان رأس الشكر التوحيد‪,‬‬
‫ورأس الصب ترك اجابة داعي الوى‪ .‬فاذا كان مشركا متبعا هواه ل يكن صابرا ول شكورا‪ ,‬فل تكون اليات نافعة له ول‬
‫مؤثرة فيه ايانا‪.‬‬

‫وأما الصل الثان‪ :‬وهواقتضاء الفجور والكب والكذب للضلل فكثي أيضا للقرآن كقوله تعال‪ {:‬يضل به كثيا ويهدي به‬
‫كثيا وما يضل به ال الفاسقي الذين ينقضون عهد ال بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدون ف الرض‬
‫أولئك هم الاسرون} البقرة ‪ ,27-26‬وقال تعال‪ {:‬يثبّت ال الذين آمنوا بالقول الثابت ف الياة الدنيا وف الخرة ويضل‬
‫ال الظالي ويفعل ال ما يشاء} ابراهيم ‪ ,27‬وقال تعال‪ {:‬فما لكم ف النافقي فئتي وال أركسهم با كسبوا} النساء ‪,88‬‬
‫وقال تعال‪ { :‬وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم ال بكفرهم فقليل ما يؤمنون} البقرة ‪ ,88‬وقال تعال‪ {:‬ونقلّب أفئدتم‬
‫وأبصارهم كما ل يؤمنوا به أول مرّة} النعام ‪.110‬‬

‫‪101‬‬
‫فأخب أنه عاقبهم على تلفهم عن اليان لا جاءهم وعرفوه وأعرضوا عنه بأن قلب أفئدتم وأبصارهم وحال بينهم وبي‬
‫اليان‪ ,‬كما قال تعال‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا استجيبوا ل وللرسول اذا دعاكم لا يييكم واعلموا أن ال يول بي الرء وقلبه}‬
‫النفال ‪ ,24‬فأمرهم بالستجابة له ولرسوله حي يدعوهم ال ما فيه حياتم‪ ,‬ث حذّرهم من التخلف والتأخر عن الستجابة‬
‫الذي يكون سببا لن يول بينهم وبي قلوبم‪ .‬قال تعال‪ {:‬فلما زاغوا أزاغ ال قلوبم وال ل يهدي القوم الفاسقي} الصف‬
‫‪ ,5‬وقال تعال‪ {:‬كل بل ران على قلوبم ما كانوا يكسبون}الطففي ‪ ,8‬فأخب سبحانه أن كسبهم غطى على قلوبم وحال‬
‫بينها وبي اليان بآياته‪ ,‬فقالوا‪ {:‬أساطي الولي}‪.‬‬

‫وقال تعال ف النافقي‪ {:‬نسوا ال فنسيهم} التوبه ‪ ,67‬فجازاهم على نسيانم له أن نسيهم فلم يذكرهم بالدى والرحة‪,‬‬
‫وأخب أنه أنساهم أنفسهم فلم يطلبوا كمالا بالعلم النافع والعمل الصال وها الدى ودين الق‪ ,‬فأنساهم طلب ذلك ومبته‬
‫ومعرفته والرص عليه عقوبة لنسيانم له‪ ,‬وقال تعال ف حقّهم‪ {:‬أولئك الذين طبع ال على قلوبم واتّبعوا أهواءهم والذين‬
‫اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} ممد ‪ ,17\16‬فجمع لم بي اتباع الوى والضلل الذي هو ثرته وموجبه كما جع‬
‫للمهتدين بي التقوى والدى‪.‬‬

‫[‪( ]75‬فصل)‬
‫بي الدى والرحة‪ -‬والضلل والشقاء‬

‫وكما يقرن سبحانه بي الدى والتقى والضلل والغي‪ ,‬فكذلك يقرن بي الدى والرحة والضلل والشقاء‪ ,‬فمن الول‬
‫قوله‪ {:‬أولئك على هدى من ربم وأولئك هم الفلحون} البقرة ‪ ,5‬وقال أيضا‪ {:‬أولئك عليهم صلوات من ربم ورحة‬
‫وأولئك هم الهتدون}البقرة ‪.157‬‬

‫وقال عن الؤمني‪ {:‬ربنا ل تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك انك أنت الوهاب} آل عمران ‪.8‬‬

‫وقال عن أهل الكهف‪ {:‬ربنا آتنا من لدنك رحة وهيئ لنا من أمرنا رشدا} الكهف ‪ ,10‬وقال‪ {:‬لقد كان ف قصصهم‬
‫عبة لول اللباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بي يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحة لقوم يؤمنون}يوسف‬
‫‪ ,111‬وقال‪ {:‬وما أنزلنا عليك الكتاب ال لتبيّن لم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحة لقوم يؤمنون} النحل ‪ ,64‬وقال‪{:‬‬
‫ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحة وبشرى للمؤمني }‪ ,‬وقال‪ {:‬يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم‬
‫وشفاء لا ف الصدور وهدى ورحة للمؤمني} يونس ‪.57‬‬

‫ث أعاد سبحانه ذكرها فقال‪ {:‬قل بفضل ال ورحته فبذلك فليفرحوا} يونس ‪.58‬‬

‫‪102‬‬
‫وقد تنوعت عبارات السلف ف تفسي الفضل والرحة‪ ,‬والصحيح أنما الدى والنعمة‪ ,‬ففضله هداه‪ ,‬ورحته نعمته ( وقال‬
‫أبو سعيد الدري وابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬فضل ال القرآن‪ ,‬ورحته السلم‪ ,‬وعنهما أيضا‪ :‬فضل ال القرآن ورحته أن‬
‫جعلكم من أهله‪ ,‬وعن السن‪ ,‬والضحّاك‪ ,‬وماهد وقتادة فضل ال‪:‬اليان‪ ,‬ورحته القرآن‪ .‬تفسي القرطب ‪ )226\8‬ولذلك‬
‫يقرن بي الدى والنعمة كقوله ف سورة الفاتة‪ {:‬اهدنا الصراط الستقيم صراط الذين أنعمت عليهم}‪.6-5‬‬

‫ومن قوله لنبيهيذكره بنعمته عليه‪ {:‬أل يدك يتيما فآوى ووجدك ضال فهدى ووجدك عائل فأغن}الضحى ‪ ,8-6‬فجمع‬
‫له بي هدايته له وانعامه عليه بايوائه واغنائه‪.‬‬

‫ومن ذلك قول نوح‪ {:‬يا قوم أرأيتم ان كنت على بيّنة من رب ورزقن منه رزقا حسنا} هود ‪ ,88‬وقال عن الضر‪{:‬‬
‫فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحة من عندنا وعلّمناه من لدنّا علما} الكهف ‪.65‬‬

‫وقال لرسوله صلى ال عليه وسلّم‪ {:‬انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر ال ما تقدم من ذنبك وما تأخّر ويتم نعمته عليك‬
‫ويهديك صراطا مستقيما وينصرك ال نصرا عزيزا} الفتح ‪ ,3-1‬وقال‪ {:‬وأنزل ال عليك الكتاب والكمة وعلّمك ما ل‬
‫تكن تعلم وكان فضل ال عليك عظيما}النساء ‪ ,113‬وقال‪ {:‬ولول فضل ال عليكم ورحته ما زكى منكم من أحد أبدا}‬
‫النور ‪ ,21‬ففضله هدايته‪ ,‬ورحته انعامه واحسانه اليهم وبره بم‪.‬‬

‫وقال‪ {:‬فامّا يأتينّكم من هدى فمن اتّبع هداي فل يضلّ ول يشقى} طه ‪ ,123‬والدى منعه من الضلل‪ ,‬والرحة منعته من‬
‫الشقاء‪ ,‬وهذا هو الذي ذكره ف أوّل السورة ف قوله‪ {:‬طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}طه ‪ ,2-1‬فجمع له بي انزال‬
‫القرآن عليه ونفى الشقاء عنه‪ ,‬كما قال ف آخرها ف حق أتباعه‪ {:‬فل يضل ول يشقى} طه ‪.123‬‬

‫فالدى والفضل والنعمة والرحة متلزمات ل ينفك بعضها عن بعض‪ ,‬كما أن الضلل والشقاء متلزمان ل ينفك أحدها‬
‫عن الخر‪ ,‬قال تعال‪ {:‬انّ الجرمي ف ضلل وسعر} القمر ‪ ,47‬والسعر جع سعي وهو العذاب الذي ف غاية الشقاء‪ .‬وقال‬
‫تعال‪ {:‬ولقد ذرأنا لهنم كثيا من الن والنس لم قلوب ل يفقهون با ولم أعي ل يبصرون با ولم آذان ل يسمعون با‬
‫أولئك كالنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} العراف ‪ ,179‬وقال تعال عنهم‪ {:‬وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا‬
‫ف أصحاب السعي} اللك ‪.10‬‬

‫ومن هذا أنه سبحانه يمع بي الدى وانشراح الصدر والياة الطيّبة وبي الضلل وضيق الصدر والعيشة الضنك‪ ,‬قال‬
‫تعال‪ {:‬فمن يرد ال أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يعل صدره ضيّقا حرجا} النعام ‪ ,125‬وقال‪{:‬‬
‫أفمن شرح ال صدره للسلم فهو على نور من ربه}الزمر ‪.22‬‬

‫‪103‬‬
‫وكذلك يمع بي الدى والنابة والضلل وقسوة القلب‪ ,‬قال تعال‪ {:‬ال يتب اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب}الشورى‬
‫‪ ,13‬وقال تعال‪ {:‬فويل للقاسية قلوبم من ذكر ال أولئك ف ضلل مبي} الزمر ‪.22‬‬

‫[‪ ]76‬الدى والرحة وتوابعهما من صفة العطاء‬

‫والدى والرحة‪ ,‬وتوابعهما من الفضل والنعام‪ ,‬كله من صفة العطاء‪ ,‬والضلل والعذاب‪ ,‬وتوابعهما من صفة النع‪ ,‬وهو‬
‫سبحانه يصرف خلقه بي عطائه ومنعه‪ ,‬وذلك كله صادر عن حكمة بالغة‪ ,‬وملك تام‪ ,‬وحد تام‪ ,‬فل اله ال ال‪.‬‬

‫[‪ ]77‬التعلق ف الطالب العليا‬

‫اذا رأيت النفوس البطلة الفارغة من الرادة والطلب لذا الشأن قد تشبث با هذا العال السفلي وقد تشبثت به فكلها اليه‪,‬‬
‫فانه اللئق با لفساد تركيبها‪ ,‬ول تنقش عليها ذلك فانه سريع النلل عنها‪ ,‬ويبقى تشبثها به مع انقطاعه عنها عذابا عليها‬
‫بسب ذلك التعلّق‪ ,‬قتبقى شهوتا وارادتا فيها‪ ,‬وقد حيل بينها وبي ما تشتهي على وجه يئست معه من حصول شهوتا‬
‫ولذتا‪ .‬فلو تصوّر العاقل ما ف ذلك من الل والسرة لبادر ال قطع هذا التعلق كما يبادر ال حسم مواد الفساد‪ ,‬ومع هذا‬
‫فانه ينال نصيبه من ذلك وقلبه وهه متعلق بالطلب العلى‪ ,‬وال الستعان‪.‬‬

‫[‪ ]78‬ايّاك والكذب‬

‫ايّاك والكذب فانه يفسد عليك تصور العلومات على ما هي عليه‪ ,‬ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس‪ ,‬فان الكاذب‬
‫يصور العدوم موجودا والوجود معدوما‪ ,‬والق باطل‪ ,‬والباطل حقا‪ ,‬والي شرا‪ ,‬والشر خيا‪ ,‬فيفسد عليه تصوره وعلمه‪.‬‬
‫ونفس الكاذب معرضة عن القيقة الوجودة نزاعة ال العدم مؤثرة للباطل‪ .‬واذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه الت هي مبدأ‬
‫كل‬
‫فعلى ارادي‪ ,‬فسدت عليه تلك الفعال وسرى حكم الكذب اليها فصار صدورها عنه كصدور الكذب على اللسان‪ ,‬فل‬
‫ينتفع بلسانه ول بأعماله‪.‬‬

‫ولذا كان الكذب أساس الفجور كما قال النب صلى ال عليه وسلم‪ {:‬ان الكذب يهدي ال الفجور وان الفجور يهدي ال‬
‫النار} البخاري ف الدب ‪ 507\10‬رقم ‪ 6094‬ومسلم ‪ ,‬وأبو داود وأحد‪ .‬وأول ما يسري الكذب من النفس ال اللسان‬
‫فيفسده‪ ,‬ث يسري ال الوارح فيفسد عليها أعمالا كما أفسد على اللسان أقواله‪ ,‬فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله‪,‬‬
‫فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه ال اللكة ان ل يتداركه ال بدواء الصدق يقلع تلك الادة من أصلها‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫ولذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق‪ ,‬وأضدادها من الرياء والعجب والكب والفخر واليلء والبطر والشر والعجز‬
‫والكسل والب والهانة وغيها أصلها الكذب‪ .‬فكل عمل ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب‪ .‬وال تعال يعاقب الكذاب بأن‬
‫يقعده ويثبطه عن مصاله ومنافعه‪ ,‬ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بصال دنياه وآخرته‪ ,‬فما استجلبت مصال الدنيا والخرة‬
‫بثل الصدق‪ ,‬ول مفاسدها ومضارها بثل الكذب‪ .‬قال تعال‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع الصادقي} التوبة‬
‫‪ ,119‬وقال‪ {:‬هذا يوم ينفع الصادقي صدقهم} الائدة ‪ ,119‬وقال‪ {:‬فاذا عزم المر فلو صدقوا ال لكان خيا لم} ممد‬
‫‪ ,21‬وقال‪ {:‬وجاء العذّرون من العراب ليؤذن لم وقعد الذين كذبوا ال ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم}‬
‫التوبة ‪.90‬‬

‫[‪ ]79‬ف ظلل الية الكرية‬

‫ف قوله تعال‪ {:‬وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم وعسى أن تبوا شيئا وهو شر لكم وال يعلم وأنتم لتعلمون}‪.‬‬

‫ف هذه الية عدة حكم وأسرار ومصال للعبد‪ ,‬فان العبد اذا علم أن الكروه قد يأت بالحبوب‪ ,‬والحبوب قد يأت بالكروه‪,‬‬
‫ل يأمن أن توافيه الضرة من جانب السرّة‪ ,‬ول ييأس أن تأتيه السرة من جانب الضرة لعدم علمه بالعواقب‪ ,‬فان ال يعلم منها‬
‫مال يعلمه العبد أوجب له ذلك أمورا‪:‬‬

‫منها‪ :‬أنه ل أنفع له من امتثال المر وان شق عليه ف البتداء‪ ,‬لم عواقبه كلها خيات ومسرات ولذات وأفراح وان كرهته‬
‫نفسه فهو خي لا وأنفع‪ .‬وكذلك ل شيء أضرعليه من ارتكاب النهي وان هويته نفسه ومالت اليه‪ ,‬فان عواقبه كلها آلم‬
‫وأحزان وشرور ومصائب‪ ,‬وخاصية العقل تمل الل اليسي لا يعقبه من اللذة العظيمة والي الكثي‪ ,‬واجتناب اللذة اليسية لا‬
‫يعقبها من الل العظيم والشر الطويل‪ .‬فنظر الاهل ل ياوز البادئ ال غاياتا‪ ,‬والعاقل الكيّس دائما ينظر ال الغايات من وراء‬
‫تلك الستور من الغايات الحمودة والذمومة‪ .‬فيى الناهي كطعام لذيذ قد خلط به سم قاتل‪ ,‬فكلما دعته لذته ال تناوله ناه‬
‫ما فيه من السم‪ .‬ويرى الوامر كدواء كريه الذاق مفضى ال العافية والشفاء‪ ,‬وكلما ناه كراهة مذاقه عن تناوله أمره نفعه‬
‫بالتناول‪ .‬ولكن هذا يتاج ال فضل علم تدرك به الغايات من مبادئها‪ ,‬وقوة صب يوطن به نفسه على تمّا مشقة الطريق لا‬
‫يؤمل عند الغاية‪ ,‬فاذل فقد اليقي والصب تعذّر عليه ذلك‪ ,‬واذا قوي يقينه وصبه هان عليه كل مشقة يتحملها ف طلب الي‬
‫الدائم واللذة الدائمة‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫ومن أسرار هذه الية أنا تقتضي من العبد التفويض ال من يعلم عواقب المور‪ ,‬والرضا با يتاره له ويقضيه له‪ ,‬لا يرجو فيه‬
‫من حسن العاقبة‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أنه ل يقترح على ربه ول يتار عليه ول يسأله ما ليس له به علم‪ ,‬فلعل مضرّته وهلكه فيه وهو ل يعلم‪ ,‬فل يتار‬
‫على ربه شيئا بل يسأله حسن الختيار له وأن يرضيه با يتاره فل أنفع له من ذلك‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أنه اذا فوّض أمره ال ربه ورضي با يتاره له أمده فيما يتاره له بالقوة عليه والعزية والصب‪ ,‬وصرف عنه الفات‪,‬‬
‫الت هي عرضة اختيار العبد لنفسه‪ ,‬وأراه من حسن عواقب اختياره له ما ل يكن ليصل ال بعضه‪ ,‬با يتاره هو لنفسه‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أنه يريه من الفكار التعبة ف أنواع الختيارات‪ ,‬ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيات الت يصعد منها ف عقبة‬
‫وينل ف أخرى‪ ,‬ومع هذا فل خروج له عما قدر عليه‪ ,‬فلو رضي باختيار ال أصابه القدر وهو ممود مشكور ملطوف به‬
‫فيه‪ ,‬وال جرى عليه القدر وهو مذموم غي ملطوف به فيه‪ .‬لنه مع اختياره لنفسه‪ ,‬ومت صح تفويضه ورضاه‪ ,‬اكتنفه ف‬
‫القدور والعطف عليه واللطف به فيصي بي عطفه ولطفه‪ ,‬فعطفه يقيه ما يذره‪ ,‬ولطفه يهوّن عليه ما قدره‪.‬‬

‫اذا نفذ القدر ف العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تيله ف رده‪ ,‬فل أنفع له من الستسلم والقاء نفسه بي يدي القدر‬
‫طريا كاليتة‪ ,‬فان السبع ل يرضى بأكل اليف‪.‬‬

‫[ ‪ ]80‬شروط النتفاع باليان والعلم‬

‫ل ينتفع بنعمة ال باليان والعلم ال من عرف نفسه‪ ,‬ووقف با عند قدرها‪ ,‬ول يتجاوزه ال ما ليس له‪ ,‬ول يتعد طوره ول‬
‫يقل هذا ل‪ ,‬وتيقّن أنه ل ومن ال وبال‪ ,‬فهو الان به ابتداء وادامة بل سبب من العبد ول استحقاق منه‪ ,‬فتذله نعم ال عليه‬
‫وتكسره كسرة من ل يرى لنفسه ول فيها خيا البتّة‪ ,‬وأن الي الذي وصل اليه فهو ل وبه ومنه‪ ,‬فتحدث له النعم ذل‬
‫وانكسارا عجيبا ل يعب عنه‪.‬‬

‫فكلما جدد له نعمة ازداد له ذل وانكسارا ومبة وخوف ورجاء‪ ,‬وهذا نتيجة علمي شريفي‪ :‬علمه بربه وكماله وبره وغناه‬
‫وجوده واحسانه ورحته‪ ,‬وأن الي كله ف يديه‪ ,‬وهو ملكه يؤت منه من يشاء وينع من يشاء‪ .‬وله المد على هذا‪ ,‬وهذا‬
‫أكمل حد وأته‪ .‬وعلمه بنفسه ووقوفه على حدها وقدرها ونقصها وظلمها وجهلها‪ ,‬وأنا ل خي فيها البتة ول لا ول با ول‬
‫منها‪ ,‬وأنا ليس لا من ذاتا ال العدم الذي ل شيء أحقر منه ول أنقص‪ ,‬فما فيها من الي تابع لوجودها الذي ليس اليها ول‬
‫با‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫فاذا صار هذان العلمان صبغة لا ل صبغة على لسانا علمت حينئذ أن المد كله ل‪ ,‬والمر كله له والي كله ف يديه‪,‬‬
‫وأنه هو الستحق للحمد والثناء والدح دونا‪ ,‬وأنا هي أول بالذم والعيب واللوم‪ .‬ومن فاته التحقق بذين العلمي تلونت به‬
‫أقواله وأعماله وأحواله وتبطت عليه ول يهتد ال الصراط الستقيم الوصل له ال ال‪.‬‬

‫فايصال العبد تقيق هاتي العرفتي علما وحال‪ ,‬وانقطاعه بفواتما‪ .‬وهذا معن قولم‪ :‬من عرف نفسه عرف ربه‪ ,‬فانه من‬
‫عرف نفسه بالهل والظلم والعيب والنقائص والاجة والفقر والذل والسكنة والعدم‪ ,‬عرف ربه بضد ذلك فوقف بنفسه عند‬
‫قدرها ول يتعد با طورها‪ ,‬وأثن على ربه ببعض ما هو أهله‪ ,‬وانصرفت قوة حبه وخشيته ورجائه وانابته وتوكله اليه وحده‪,‬‬
‫وكان أحب شيء اليه وأخوف شيء عنده وأرجاه له‪ ,‬وهذا هو حقيقة العبودية‪ ,‬وال الستعان‪.‬‬

‫ويكى أن بعض الكماء كتب على باب بيته‪ :‬انه لن ينتفع بكمتنا ال من عرف نفسه ووقف با عند قدرها‪ ,‬فمن كان‬
‫كذلك فليدخل وال فليجع حت يكون بذه الصفة‪.‬‬

‫[‪ ]81‬الصب عن الشهوة أسهل من أل عقوبتها‬

‫الصب عن الشهوة أسهل من الصب على ما توجبه الشهوة‪ ,‬فانا اما ان توجب ألا وعقوبة‪ ,‬واما أن تقطع لذة أكمل منها‪,‬‬
‫واما أ‪ ،‬تضيع وقتا اضاعته حسرة وندامة‪ ,‬واما أن تلثم عرضا توفيه أنفع للعبد من ثلمه‪ ,‬واما أن تذهب مال بقاؤه خي له من‬
‫ذهابه‪ ,‬واما أن تضع قدرا وجاها قيامه خي وضعه‪ ,‬واما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة‪ ,‬واما أ‪ ،‬تطرق‬
‫لوضيع اليك طريقا ل يك يدها قبل ذلك‪ ,‬واما أن تلب ها وغما وحزنا وخوفا ل يقارب لذة الشهوة‪ ,‬واما أن تنسي علما‬
‫ذكره ألذ من نيل الشهوة‪ ,‬واما أن تشمت عدوا وتزن وليا‪ ,‬واما أ‪ ،‬تقطع الطريق على نعمة مقبلة‪ ,‬واما أ‪ ،‬تدث عيبا يبقى‬
‫صفة ل تزول‪ ,‬فان العمال تورث الصفات والخلق‪.‬‬

‫[‪ ]82‬حدود الخلق‬

‫للخلق حد مت جاوزته صارت عدوانا‪ ,‬ومت قصّرت عنه كان نقصا ومهانة‪ ,‬فللغضب حد وهو الشجاعة الحمودة‪,‬‬
‫والنفة من الرذائل والنقائص‪ ,‬وهذا كماله‪ .‬فاذا جاوز حده‪ ,‬تعدى صاحبه وجار‪ ,‬وان نقص عنه‪ ,‬جب ول يأنف من الرذائل‪.‬‬

‫وللحرص حد‪ ,‬وهو الكفاية ف أمور الدنيا‪ ,‬وحصول البلغ منها‪ ,‬فمت نقص من ذلك كان مهانة واضاعة‪ ,‬ومت زاذ عليه‪,‬‬
‫كان شرها ورغبة فيما ل تمد الرغبة فيه‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫وللحسد حد وهو النافسة ف طلب الكمال‪ ,‬والنفة أن يتقدم عايه نظيه‪ ,‬فمت تعدى ذلك صار بغيا وظلما يتمن معه زوال‬
‫النعمة عن الحسود‪ ,‬ويرص على ايذائه‪ ,‬ومت نقص عن ذلك‪ ,‬كان دناءة وضعف هة وصغر نفس‪ .‬قال النب صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ":‬ل حسد ال ف اثنتي‪ :‬رجل آتاه ال مال فسلطه على هلكته ف الق‪ ,‬ورجل آتاه ال الكمة فهو يقضي با ويعلمها‬
‫الناس" البخاري ف العلم ‪ , )73( 165\1‬وف الزكاة ‪ )1409( 276\3‬ومسلم‪ ,‬فهذا حسد منافسة يطالب الاسد به‬
‫نفسه أن يكون مثل الحسود‪ ,‬ل حسد مهانة يتمن به زوال النعمة عن الحسود‪.‬‬

‫وللشهوة حد‪ ,‬وهو راحة القلب والعقل من كد الطاعة واكتساب الفضائل والستعانة بقضائها على ذلك‪ ,‬فمت زادت على‬
‫ذلك صارت نمة وشبقا والتحق صاحبها بدرجة اليوانات‪ ,‬ومت نقصت عنه ول يكن فراغا ف طلب الكمال والفضل كانت‬
‫ضعفا وعجزا ومهانة‪.‬‬

‫وللراحة حد وهو اجام النفس والقوى الدركة والفعالة للستعداد للطاعة واكتساب الفضائل وتوفرها على ذلك بيث ل‬
‫يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها‪ ,‬فمت زاد على ذلك صار توانيا وكسل واضاعة‪ ,‬وفات به أكثر مصال العبد‪ ,‬ومى نقص‬
‫عنه صار مضرا بالقوى موهنا لا وربا انقطع به كالنبت الذي ل أرضا قطع ول ظهرا أبقى‪.‬‬

‫والود له حد بي طرفي‪ ,‬فمت جاوز حده صار اسرافا وتبذيرا‪ ,‬ومت نقص عنه كان بل وتقتيا‪.‬‬

‫وللشجاعة حد مت جاوزته صار توّرا‪ ,‬ومت نقصت عنه صار جبنا وخورا‪ ,‬وحدها القدام ف مواضع القدام‪ ,‬والحجام ف‬
‫مواضع الحجام‪ ,‬كما قال معاوية لعمرو بن العاص‪ :‬أعيان أن أعرف أشجاعا أنت أم جبانا تقدم حت أقول من أشجع الناس‪,‬‬
‫وتب حت أقول من أجب الناس‪ ,‬فقال‪:‬‬

‫فان ل تكن ل فرصة فجبان‬ ‫شجاع اذا أمكنتن فرصة‬

‫والغية لا حد اذا جاوزته صارت تمة وظنا سيئا بالبئ‪ ,‬واذا قصّرت عنه كانت تغاقل ومبادئ دياثة‪.‬‬

‫وللواضع حد اذا جاوزه كان ذل ومهانة‪ ,‬ومن قصر عنه انرف ال الكب والفخر‪.‬‬

‫وللعز حد اذا جاوزه كان كبا وخلقا مذموما‪ ,‬وان قصر عنه انرف ال الذل والهانة‪.‬‬

‫وضابط هذا كله العدل‪ ,‬وهو الخذ بالوسط الوضوع بي طرف الفراط والتفريط‪ ,‬وعليه بناء مصال الدنيا والخرة‪ ,‬بل ل‬
‫تقوم مصلحة البدن ال به‪ .‬فانه مت خرج بعض أخلطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحته وقوته بسب ذلك‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫وكذلك الفعال الطبيعية كالنوم والسهر والكل والشرب والماع والركة والرياضة واللوة والخالطة وغي ذلك‪ ,‬اذا كانت‬
‫وسطا بي الطرفي الذمومي كانت عدل وان انرفت ال أحدها كانت نقصا وأثرت نقصا‪.‬‬

‫فمن أشرف العلوم وأنفعها علم الدود‪ ,‬ول سيما حدود الشرع الأمور والنهي‪ .‬فأعلم الناس أعلمهم بتلك الدود‪ ,‬حت ل‬
‫يدخل فيها ما ليس منها ول يرج منها ما هو داخل فيها‪ .‬قال تعال‪ {:‬العراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أل يعلموا حدود ما‬
‫أنزل ال على رسوله}التوبة ‪ .97‬فأعدل الناس من قام بدود الخلق والعمال والشروعات معرفة وفعل‪ ,‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫[‪( ]83‬فصل)‬

‫قال أبو الدرداء رضي ال عنه‪ ":‬يا حبذا نوم الكياس وفطرهم كيف يغبنون به قيام المقى وصومهم‪ ,‬والذرة من صاحب‬
‫تقوى أفضل من أمثال البال عبادة من الغترّين"‪ .‬وهذا من جواهر الكلم‪ ,‬وأدله على كمال فقه الصحابة‪ ,‬وتقدمهم على من‬
‫بعدهم ف كل خي‪ ,‬رضي ال عنهم‪.‬‬

‫فاعلم أن العبد انا قطع منازل السي ال ال بقلبه وهته ل ببدنه‪ .‬والتقوى ف القيقة تقوى القلوب ل تقوى الوارح‪ .‬قال‬
‫تعال‪ {:‬ذلك ومن يعظّم شعائر ال فانا من تقوى القلوب} الج ‪ ,32‬وقال‪ {:‬لن ينال ال لومها ول دماؤها ولكن ينالا‬
‫التقوى منكم}الج ‪ ,37‬وقال النب صلى ال عليه وسلم‪ ":‬التقوى هاهنا" وأشار ال صدره‪ ,‬مسلم ف كتاب الب والصلة‬
‫والداب ‪ 1986\4‬رقم ‪ .32‬فالكيّس يقطع من السافة بصحة العزية‪ ,‬وعلو المة‪ ,‬وتريد القصد‪ ,‬وصحة النية مع العمل‬
‫القليل‪ ,‬أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثي والسفر الشاق‪ .‬فان العزية والحبة تذهب الشقة‪ ,‬وتطيب‬
‫السي‪ ,‬والتقدم والسبق ال ال سبحانه انا هو بالمم‪ ,‬وصدق الرغبة والعزية‪ ,‬فيتقدم صاحب المة مع سكونه صاحب العمل‬
‫الكثي براحل‪ ,‬فان ساواه ف هته تقدم عليه بعمله‪ ,‬وهذا موضع يتاج ال تفصيل يوافق فيه السلم الحسان‪.‬‬

‫فأكمل الدي هدي رسول ال‪ ,‬وكان موفيا كل واحد منهما حقه‪ ,‬فكان مع كماله وارادته وأحواله مع ال يقوم حت ترم‬
‫قدماه‪ ,‬ويصوم حت يقال ل يفطر‪ ,‬وياهد ف سبيل ال‪ ,‬ويالط أصحابه ول يتجب عنهم‪ ,‬ول يترك شيئا من النوافل‬
‫والوراد لتلك الواردات الت تعجز عن حلها قوى البشر‪.‬‬

‫وال تعال أمر عباده أن يقوموا بشرائع السلم على ظواهرهم وحقائق اليان على بواطنهم‪ ,‬ول يقبل واحدا منهما ال‬
‫بصاحبه وقرينه‪ .‬وف السند مرفوعا‪ ":‬السلم علنية واليان ف القلب"‪ .134\3‬فكل اسلم ظاهر ل ينفذ صاحبه منه ال‬
‫حقيقة اليان الباطنة فليس بنافع حت يكون معه شيء من اليان الباطن‪ ,‬وكل حقيقة باطنة ل يقوم صاحبها بشرائع السلم‬
‫الظاهرة ل تنفع ولو كانت ما كانت‪ .‬فلو تزق القلب بالحبة والوف ول يتعبّد المر وظاهر الشرع ل ينجّه ذلك من النار‪.‬‬
‫كما أنه لو قام بظواهر السلم ول ف باطنه حقيقة اليان ول ينجّه من النار‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫واذا عرف هذا‪ ,‬فالصادقون السائرون ال ال والدار الخرة قسمان‪:‬‬

‫قسم صرفوا ما فضل من أوقاتم بعد الفرائض ال النوافل البدنية وجعلوها دأبم من غي حرص منهم على تقيق أعمال‬
‫القلوب ومنازل أحكامها‪ ,‬وان ل يكونوا خالي من أصلها ولكن همهم مصروفة ال الستكثار من العمال‪.‬‬

‫وقسم صرفوا ما فضل من الفرائض والسنن ال الهتمام بصلح قلوبم وعكوفها على ال وحده والمعية عليه وحفظ‬
‫الواطر والرادات معه‪ .‬وجعلوا قوة تعبّدهم بأعمال القلوب من تصحيح الحبة‪ ,‬والوف والرجاء والتوكل والنابة ورأوا أن‬
‫أيسر نصيب من الواردات الت ترد على قلوبم من ال أحب اليهم من كثي من التطوعات البدنية‪ ,‬فاذا حصل لحدهم جعية‬
‫ووارد أنس أو حب أو اشتياق أو انكسار وذل‪ ,‬ل يستبدل به شيئا سواه البتة‪ ,‬ال أن ييء المر فيبادر اليه بذلك الوارد ان‬
‫أمكنه‪ ,‬وال بادر ال المر ولو ذهب الوارد‪.‬‬

‫فاذا جاءت النوافل فهاهنا معترك التردد‪ ,‬فان أمكن القيام اليها به فذاك‪ ,‬وال نظر ف الرجح والحي ال ال‪ ,‬هل هو القيام‬
‫ال تلك النافلة ولو ذهب وارده كاغاثة اللهوف وارشاد ضال وجب مكسور واستفادة وايان ونو ذلك‪ ,‬فهاهنا ينبغي تقدي‬
‫النافلة الراجحة‪ ,‬ومت قدمها ل رغبة فيه وتقرّبا اليه فانه يرد عليه ما فات من وارده أقوى ما كان ف وقت آخر‪ ,‬وان كان‬
‫الوارد أرجح من النافلة فالزم له الستمرار ف وارده حت يتوارى عنه فانه يفوت والنافلة ل تفوت‪.‬‬

‫وهذا موضع يتاج ال فضل فقه ف الطريق ومراتب العمال وتقدي الهم منها فالهم‪ ,‬وال الوفق لذلك ل اله غيه ول‬
‫رب سواه‪.‬‬

‫[‪ ]84‬الخلق الحمودة والخلق الذمومة‬

‫أصل الخلق الذمومة كلها الكب والهانة والدناءة‪ ,‬وأصل الخلق الحمودة كلها الشوع وعلو المة‪ .‬فالفخر والبطر‬
‫والشر والعجب والسد والبغي واليلء والظلم والقسوة والتجب والعراض واباء قبول النصيحة والستئثار وطلب العلو‬
‫وحب الاه والرئاسة وأن يمد با ل يفعل وأمثال ذلك‪ ,‬كلها ناشئة من الكب‪ ,‬وأما الكذب والسة واليانة والرياء والكر‬
‫والديعة والطمع والفزع والب والبخل والعجز والكسل والذل لغي ال واستبدال الذي هو أدن بالذي هو خي ونو ذلك‪,‬‬
‫فانا من الهانة والدناءة وصغر النفس‪.‬‬

‫وأما الخلق الفاضلة كالصب والشجاعة والعدل والروءة والعفة والصيانة والود واللم والعفو والصفح والحتمال‬
‫واليثار‪ .‬وعزة النفس عن الدناءات والتواضع والقناعة والصدق والخلص والكافأة والحسان بثله أ‪ ,‬أفضل‪ ,‬والتغافل عن‬
‫زلت الناس وترك الشتغال با ل يعنيه وسلمة القلب من تلك الخلق الذمومة ونو ذلك‪ ,‬فكلها ناشئة عن الشوع وعلو‬

‫‪110‬‬
‫المة‪ .‬وال سبحانه أخب عن الرض بأنا تكون خاشعة ث ينل عليها الاء فتهتز وتربو وتأخذ زينتها وبجتها (يشي ال سورة‬
‫فصلت آية ‪ ,)39‬فكذلك الخلوق منها اذا أصابه حظه من التوفيق‪.‬‬

‫وأما النار فطبعها العلو والفساد ث تمد فتصي أحقر شيء وأذله وكذلك الخلوق منها‪ .‬فهي دائما بي العلو اذا هاجت‬
‫واضطربت‪ ,‬وبي السة والدناءة اذا خدت وسكنت‪.‬‬

‫والخلق الذمومة تابعة للنار والخلوق منها‪ ,‬والخلق الفاضلة تابعة للرض والخلوق منها‪ .‬فمن علت هته وخشعت‬
‫نفسه اتصف بكل خلق جيل‪ ,‬ومن دنت هته وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل‪.‬‬

‫[‪ ]85‬الطلب العلى يتاج ال هة عالية ونية صحيحة‬

‫الطلب العلى موقوف حصوله على هة عالية ونية صحيحة‪ ,‬فمن فقدها تعذّر عليه الوصول اليه‪ ,‬فان المة اذا مانت عالية‬
‫تعلقت به وحده دون غيه‪ .‬واذا كانت النية صحيحة سلك العبد الطريق الوصلة اليه‪ ,‬فالنية تفرد له الطريق والمة تفرد له‬
‫الطلوب‪ ,‬فاذا توحد مطلوبه والطريق الوصلة اليه كان الوصول غايته‪ .‬واذا كانت هته سافلة تعلّقت بالسفليات ول تتعلّق‬
‫بالطلب العلى‪ .‬واذا كانت النية غي صحيحة كانت طريقه غي موصلة اليه‪ .‬فمدار الشأن على هة العبد ونيته ها مطلوبه‬
‫وطريقه ل يتم ال بترك ثلثة أشياء‪:‬‬

‫(الول)‪ :‬العوائد والرسوم والوضاع الت أحدثها الناس‪.‬‬


‫(الثان)‪ :‬هجر العوائق الت تعوقه عن افراد مطلوبه وطريقه وقطعها‪.‬‬
‫(الثالث)‪ :‬قطع علئق القلب الت تول بينه وبي تريد التعليق بالطلوب (وكأنه يشي رحه ال ال ترد السلم عن كل عوائق‬
‫الدنيا‪ ,‬وعلئق القلب وقبل ذلك بعه عن كل البدع والرافاتالت أحدثها الناس‪ ,‬وما أكثرها ف زماننا) والفرق بينهما أن‬
‫العوائق هي الوادث الارجية‪ ,‬والعلئق هي التعلقات القلبية بالباحات ونوها‪ .‬وأصل ذلك ترك الفضول الت تشغل عن‬
‫القصود من الطعام والشراب والنام واللطة‪ ,‬فيأخذ من ذلك ما يعينه على طلبه ويرفض منه ما يقطعه عنه أو يضعف طلبه‪,‬‬
‫وال الستعان‪.‬‬

‫[‪( ]86‬فصل)‬
‫من حكم ابن مسعود رضي ال عنه‬

‫من كلم عبدال بن مسعود رضي ال عنه‪ ,‬قال رجل عنده‪ :‬ما أحب أن أكون من أصحاب اليمي‪ ,‬أحب أن أكون من‬
‫القربي‪ ,‬فقال عبدال‪ :‬لكن هاهنا رجل ودّ أنه اذا مات ل يبعث‪ .‬يعن نفسه‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫وخرج ذات يوم فاتبعه ناس فقال لم‪ :‬ألكم حاجة؟ قالوا ل‪ ,‬ولكن أردنا أن نشي معك‪ ,‬قال‪ :‬ارجعوا‪ ,‬فانه ذلة للتابع وفتنة‬
‫للمتبوع‪.‬‬

‫وقال‪ :‬لو تعلمون من ما أعلم من نفسي لثوت على رأسي التراب‪ .‬قال‪ :‬حبذا الكروهان‪ :‬الوت والفقر‪ ,‬وأي ال ان هو ال‬
‫الغن والفقر وما أبال بأيهما بليت‪ ,‬أرجو ال ف كل واحد منهما‪ ,‬ان كان الغن ان فيه للعطف‪ ,‬وان كان الفقر ان فيه للصب‪.‬‬

‫وقال‪ :‬انكم ف مر الليل والنهار ف آجال منقوصة‪ ,‬وأعمال مفوظة‪ ,‬والوت يأت بغتة‪ ,‬فمن زرع خيا فيوشك أن يصد‬
‫ندامة‪ ,‬ولكل زارع مثل ما زرع ل يسبق بطىء بظه‪ ,‬ول يدرك حريص ما ل يقدر له‪ .‬من أعطى خيا فال أعطاه‪ ,‬ومن وقى‬
‫شرا فال وقاه‪.‬‬

‫التقون سادة‪ ,‬والفقهاء قادة‪ ,‬ومالستهم زيادة‪ ,‬انا ها اثنتان‪ :‬الدى والكلم‪ ,‬فأفضل الكلم كلم ال‪ ,‬وأفضل الدي هدي‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وشر المور مدثاتا وكل مدثة بدعة‪ ,‬فل يطولن عليكم المد ول يلهينكم المل فان كل ما هو‬
‫آت قريب‪ ,‬أل وان البعيد ما ليس آتيا‪ ,‬أل وان الشقي من شقي ف بطن أمه‪ ,‬وان السعيد من وعظ بغيه‪.‬‬

‫أل وان قتال السلم كفر وسبابه فسوق‪ ,‬ول يل لسلم أن يهجر أخاه فوق ثلثة أيام حت يسلّم عليه اذا لقيه‪ ,‬وييبه اذا‬
‫دعاه‪ ,‬ويعوده اذا مرض‪ ,‬أل وان شرّ الروايا روايا الكذب‪ ,‬ال وان الكذب ل يصلح منه جد ول هزل ول أن يعد الرجل صبيه‬
‫شيئا ث ل ينجزه‪ ,‬أل وان الكذب يهدي ال الفجور‪ ,‬والفجور يهدي ال النار‪ ,‬والصدق يهدي ال الب‪ ,‬والب يهدي ال النة‪,‬‬
‫وانه يقال للصادق صدق وبر‪ ,‬ويقال للكاذب كذب وفجر‪ ,‬وان ممدا صلى ال عليه وسلم حدثنا أن الرجل ليصدق حت‬
‫يكتب عند ال صدّيقا ويكذب حت يكتب عند ال كذّابا‪.‬‬

‫ان أصدق الديث كتاب ال‪ ,‬وأوثق العرى كلمة التقوى‪ ,‬وخي اللل ملة ابراهيم‪ ,‬وأحسن النن سنة ممد‪ ,‬وخي الدي‬
‫هدي النبياء‪ ,‬وأشرف الديث ذكر ال‪ ,‬وخي القصص القرآن‪ ,‬وخي المور عوازمها‪ ,‬وشر المور مدثاتا‪ ,‬وما قل وكفى‬
‫خي ما كثر وألى‪ ,‬ونفس تنجيها خيمن امارة ل تصيها‪ ,‬وشر العذرة حي يضر الوت‪ ,‬وشر الندامة ندامة يوم القيامة‪,‬‬
‫وشر الضللة الضللة بعد الدى‪ ,‬وخي الغن غن النفس‪ ,‬وخي الزاد التقوى‪ ,‬وخي ما وقر ف القلب اليقي‪ ,‬والريب من‬
‫الكفر‪ ,‬وشر العمى عمى القلب‪ ,‬والمر جاع الث‪ ,‬والنساء حبائل الشيطان‪ ,‬الشباب شعبة من النون‪ ,‬والنوح من عمل‬
‫الاهلية‪.‬‬

‫ومن الناس من ل يأت المعة ال دبرا ول يذكر ال ال هجرا‪ ,‬ومن أعظم الطايا اللسان الكذّاب‪ ,‬ومن يعف يعف ال عنه‪,‬‬
‫ومن يكظم الغيظ يأجره ال‪ ,‬ومن يغفر يغفر له‪ ,‬ومن يصب على الرزية يعقبه ال‪ ,‬وشر الكاسب كسب الربا‪ ,‬وشر الأكل‬
‫مال اليتيم‪ ,‬وانا يكفي أحدكم ما قنعت به نفسه‪ ,‬وانا يصي ال أربعة أذرع والمر ال آخرة‪ ,‬وملك العمل خواته‪ ,‬وأشرف‬
‫الوت قتل الشهداء‪ ,‬ومن يستكب يضعه ال‪ ,‬ومن يعص ال يطع الشيطان‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫ينبغي لامل القرآن أن يعرف بليله اذا الناس نائمون‪ ,‬وبنهاره اذا الناس مفطرون‪ ,‬وبزنه اذا الناس يفرحون‪ ,‬وببكائه اذا‬
‫الناس يضحكون‪ ,‬وبصمته اذا الناس يوضون‪ ,‬وبشوعه اذا الناس يتالون‪.‬‬

‫وينبغي لامل القرآن أن يكون باكيا مزونا حكيما حليما سكينا ول ينبغي لامل القرآن أن يكون جافيا ول غافل ول‬
‫سخابا ول صياحا ول حديدا‪.‬‬

‫من تطاول تعظّما حطّه ال‪ ,‬ومن تواضع تشّعا رفعه ال‪ ,‬وان للملك لة وللشيطان لة‪ ,‬فلمة اللك ايعاد بالي‪ ,‬وتصديق‬
‫بالق‪ ,‬فاذا رأيتم ذلك فاحدوا ال‪ .‬ولة الشيطان ايعاد بالشر وتكذيب بالق‪ ,‬فاذا رأيتم ذلك فتعوّذوا بال‪ .‬ان الناس قد‬
‫أحسنوا القول‪ ,‬فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظّه‪ ,‬ومن خالف قوله فعله فذاك انا يوبخ نفسه‪.‬‬

‫ل ألفي أحدكم جيفة ليل قطرب(دويبة) نار‪ ,‬ان لبغض الرجل أن أراه فارغا ليس ف شيء من عمل الدنيا ول عمل‬
‫الخرة‪ ,‬ومن ل تأمره الصلة بالعروف وتنهه عن النكر ل يزدد با من ال ال بعدا‪.‬‬

‫من اليقي أن ل ترضي الناس بسخط ال‪ ,‬ول تمد أحدا على رزق ال‪ ,‬ول تلوم أحدا على ما ل يؤتك ال‪ .‬فان رزق ال‬
‫ل يسوقه حرص حريص ول يرده كراهة كاره‪ ,‬وان ال بقسطه وحلمه وعدله جعل الروح والفرح ف اليقي والرضا‪ ,‬وجعل‬
‫الم والزن ف الشك والسخط‪.‬‬

‫ما دمت ف صلة فأنت تقرع باب اللك‪ ,‬ومن يقرع باب اللك يفتح له‪ .‬ان لحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه‬
‫بالطيئة يعملها‪.‬‬

‫كونوا ينابيع العلم‪ ,‬مصابيح الدى‪ ,‬أحلس البيوت‪ ,‬سرج الليل‪ ,‬جدد القلوب‪ ,‬خلقان الثياب‪ ,‬تعرفون ف السماء وتفون‬
‫على أهل الرض‪.‬‬

‫ان للقلوب شهوة وادبارا فاغتنموها عند شهوتا واقبالا‪ ,‬ودعوها عند فترتا وادبارها‪.‬‬

‫ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم بالشية‪.‬‬

‫انكم ترون الكافر من أصح الناس جسما وأمرضهم قلبا‪ ,‬وتلقون الؤمن من أصح الناس قلبا وأمرضهم جسما‪ ,‬وأي وال‪ ,‬لو‬
‫مرضت قلوبكم وصحّت أجسامكم لكنتم أهون على ال من العلن‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫ل يبلغ العبد حقيقة اليان حت يل بذروته‪ ,‬ول يل بذروته حت يكون الفقر أحب اليه من الغن‪ ,‬والتواضع أحب اليه من‬
‫الشرف وحت يكون حامده وذامه عنده سواء‪ ,‬وان الرجل ليخرج من بيته ومعه دينه فيجع وما معه منه شيء‪ ,‬يأت الرجل ول‬
‫يلك له ول لنفسه ضرا ول نفقعا‪ ,‬فيقسم له بال انك لذيت وذيت‪ ,‬فيجع وما حب من حاجته بشيء وبسخط ال عليه‪.‬‬

‫لو سخرت من كلب لشيت أن أحوّل كلبا‪.‬‬

‫الث حوّاز القلوب‪.‬‬

‫مع كل فرحة ترحة وما ملىء بيت حبة ال ملىء عبة‪ -‬وما منكم ال ضيف وماله عارية‪ ,‬فالضيف مرتل‪ ,‬والعارية مؤداة‬
‫ال أهلها‪.‬‬

‫يكون ف آخر الزمان أقوام أفضل أعمالم التلوم بينهم يسمون النتان اذا أحب الرجل أن ينصف من نفسه فلؤت ال الناس‬
‫الذي يب أن يؤتى اليه‪.‬‬

‫الق ثقيل مريء‪ ,‬والباطل خفيف وبء‪ ,‬رب شهوة تورث حزنا طويل‪.‬‬

‫ما على وجه الرض شيء أحوج ال طول سجن من لسان‪.‬‬

‫اذا ظهر الزنا والربا ف قرية أذن ف هلكها‪.‬‬

‫من استطاع منكم أن يعل كنه ف السماء حيث ل يأكله السوس ول يناله السراق فليفعل‪ ,‬فان قلب الرجل مع كنه‪.‬‬

‫ل يقلدن أحدكم ف دينه رجل‪ ,‬فا آمن أمن وان كفر كفر‪ ,‬وان كنتم ل بد مقتدين فاقتدوا باليت‪ ,‬فان الي ل تؤمن عليه‬
‫الفتنة‪.‬‬

‫ل يكن أحدكم امعة‪ ,‬قالوا وما المعة؟ قال‪ :‬يقول أنا مع الناس ان اهتدوا اهتديت وان ضلوا ضللت‪ ,‬أل ليطن أحدكم نفسه‬
‫على أنه ان كفر الناس ل يكفر‪.‬‬

‫وقال له رجل‪ :‬علمن كلمات جوامع نوافع‪ ,‬فقال‪ :‬اعبد ال ل تشرك به شيئا‪ ,‬وزل مع القرآن حيث زال‪ ,‬ومن جاءك بالق‬
‫فاقبل منه وان كان بعيدا بغيضا‪ ,‬ومن جاءك بالبطل فاردد عليه وان كان حبيبا قريبا‪ .‬يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له‪ :‬أد‬

‫‪114‬‬
‫أمانتك‪ ,‬فيقول‪ :‬يا رب من أين وقد ذهبت الدنيا فتمثل على هيئتها يوم أخذها ف قعر جهنم‪ ,‬فينل ويأخذها فيضعها على‬
‫عاتقه فيصعد با‪ ,‬حت اذا ظن أنه خارج با هوت وهوى ف أثرها أبد البدين‪.‬‬

‫أطلب قلبك ف ثلثة مواطن‪ :‬عند ساع القرآن‪ ,‬وف مال الذكر‪ ,‬وف أوقات اللوة‪ .‬فان ل تده ف هذه الواطن فسل ال‬
‫أن ين عليك بقلب‪ ,‬فانه ل قلب لك‪.‬‬

‫قال النيد‪ :‬دخلت على شاب فسألن عن التوبة فأجبته‪ ,‬فسألن عن حقيقتها‪ ,‬فقلت‪ :‬أن تنصب ذنبك بي عينيك حت يأتيك‬
‫الوت‪ .‬فقال ل‪ :‬مه‪ ,‬ما هذه حقيقة التوبة‪ ,‬فقلت له‪ :‬فما حقيقة التوبة عندك يا فت؟ قال‪ :‬أن تنسى ذنبك‪ .‬وتركن ومضى‪,‬‬
‫فكيف هو عندك يا أبا القاسم؟ فقلت‪ :‬القول ما قال الفت‪ .‬قال‪ :‬كيف‪ ,‬قلت‪ :‬اذا كنت معه ف حال ث نقلن من حال الفاء‬
‫ال حال الوفاء‪ ,‬فذكري للجفاء ف حال الوفاء جفاء‪.‬‬

‫[‪ ]87‬الخلص ومبة الدح ل يتمعان ف قلب‬

‫ل يتمع الخلص ف القلب ومبة الدح والثناء والطمع فيما عند الناس ال كما يتمع الاء والنار والنصب والوت‪ .‬فاذا‬
‫حدثتك نفسك بطلب الخلص فأقبل على الطمع أول فاذبه بسكي اليأس‪ ,‬وأقبل على الدح والثناء فازهد فيهما زهد‬
‫عشّاق الدنيا ف الخرة‪ ,‬فاذا استقام لك ذبح الطمع والزهد ف الثناء والدح سهل عليك الخلص‪.‬‬

‫فان قلت‪ :‬وما الذي يسهّل علي ذبح الطمع والزهد ف الدح والثناء؟ قلت‪ :‬أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه‬
‫ليس من شيء يطمع فيه ال وبيد ال وحده خزائنه ل يلكها غيه‪ ,‬ول يؤتى العبد منها شيئا سواه‪ .‬وأما الزهد ف الدح والثناء‬
‫فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين‪ ,‬ويضر ذمه ويشي ال ال وحده‪ ,‬كما قال ذلك العراب للنب صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ :‬ان مدحي زين وشتمي شي‪ ,‬فقال‪ ":‬ذاك ال عز وجل" الترمذي ف السنن رقم ‪ ,3263‬وأحد ف السند ‪\3‬‬
‫‪ .394 393\6 ,488‬فازهد ف مدح من ل يزينك مدحه‪ ,‬وف ذم من ل يشينك ذمه‪ ,‬وارغب ف مدح من كل الزين ف‬
‫مدحه‪ ,‬وكل الشي ف ذمه‪ ,‬ولن يقدر على ذلك ال بالصب واليقي‪ ,‬فمت فقدت البصر واليقي كنت كمن أراد السفر ف‬
‫البحر ف غي مركب‪ ,‬قال ال تعال‪ {:‬فاصب انّ وعد ال حق ول يستخفّنّك الذين ل يوقنون} الروم ‪ ,60‬وقال تعال‪{:‬‬
‫وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لّا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون} السجدة ‪.24‬‬

‫[‪ ]88‬أشرف الناس من كانت لذته ف معرفة ال تعال ومبته‬

‫لذة كل أحد على حسب قدره وهّته وشرف نفسه‪ ,‬فأشرف الناس نفسا وأعلهم هّا وأرفعهم قدرا من لذّته ف معرفة ال‬
‫ومبته والشوق ال لقائه والتودد اليه با يبه ويرضاه‪ .‬فلذته ف اقباله عليه وعكوف هته عليه ودون ذلك مراتب ل يصيها ال‬
‫ال‪ ,‬حت تنتهي ال من لذته ف أخس الشياء من القاذورات والفواحش ف كل شيء من الكلم والفعال والشغال‪ .‬فلو عرض‬

‫‪115‬‬
‫عليه ما يلتذ به الول ل تسمح نفسه بقبوله ول التفت اليه وربا تألت من ذلك‪ ,‬كما أن الول اذا عرض عليه ما يلتذ به هذا‬
‫ل تسمح نفسه به ول تلتفت اليه ونفرت نفسه منه‪.‬‬

‫وأكمل الناس لذة من جع له بي لذة القلب والروح ولذة البدن‪ .‬فهو يتناول لذاته الباحة على وجه ل ينقص حظه من الدار‬
‫الخرة ول يقطع عليه لذة العرفة والحبة والنس بربه‪ .‬فهذا من قال تعال فيه‪ {:‬قل من حرّم زينة ال الت أخرج لعباده‬
‫والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا ف الياة الدنيا خالصة يوم القيامة} العراف ‪ ,32‬وأبسهم حظا من اللذة من تناولا‬
‫على وجه يول بينه وبي لذات الخرة‪ ,‬فيكون من يقال لم يوم استيفاء اللذات‪ {:‬أذهبتم طيباتكم ف حياتكم الدنيا‬
‫واستمتعتم با} الحقاف ‪ .20‬فهؤلء تتعوا بالطيبات‪ ,‬وأولئك تتعوا بالطيبات‪ ,‬وافترقوا ف وجه التمتع‪ ,‬فأولئك تتعوا با‬
‫على الوجه الذي أذن لم فيه‪ ,‬فجمع لم بي لذة الدنيا والخرة‪ ,‬وهؤلء تتعوا با على الوجه الذي دعاهم اليه الوى‬
‫والشهوة‪ ,‬وسواء أذن لم فيه أم ل‪ ,‬فانقطعت عنهم لذة الدنيا وفاتتهم لذة الخرة‪ ,‬فل لذة الدنيا دامت لم‪ ,‬ول لذة الخرة‬
‫حصلت لم‪ .‬فمن أحب اللذة ودوامها والعيش الطيّب فليجعل لذة الدنيا موصل له ال لذة الخرة‪ ,‬بأن يستعي با على فراغ‬
‫قلبه ل ف ارادته وعبادته‪ ,‬فيتناولا بكم الستعانة والقوة على طلبه ل بكم مرد الشهوة والوى‪.‬‬

‫وان كان من زويت عنه لذات الدنيا وطيباتا فليجعل ما نقص منها زيادة ف لذة الخرة‪ ,‬ويم نفسه هاهنا بالترك ليستوفيها‬
‫كاملة هناك‪ .‬فطيبات الدنيا ولذاتا نعم العون لن صح طلبه ل و الدار الخرة وكانت هته لا هناك‪ ,‬وبئس القاطع لن كانت‬
‫هي مقصوده وهته‪ ,‬وحولا يدندن‪ ,‬وفواتا ف الدنيا نعم العون لطالب ال والدار الخرة‪ ,‬وبئس القاطع النازع من ال والدار‬
‫الخرة‪ .‬فمن أخذ منافع الدنيا على وجه ل ينقص حظه من الخرة ظفر بما جيعا وال خسرها جيعا‪.‬‬

‫سبحان ال رب العالي‪ .‬لو ل يكن ف ترك الذنوب والعاصي ول اقامة الروءة وصون العرض وحفظ الاه وصيانة الال‬
‫الذي جعله ال قواما لصال الدنيا والخرة‪ ,‬ومبة اللق وجواز القول بينهم وصلح العاش وراحة البدن وقوة القلب وطيب‬
‫النفس ونعيم القلب وانشراح الصدر‪ ,‬والمن من ماوف الفساق والفجار‪ ,‬وقلة الم والغم والزن‪ ,‬وعز النفس عن احتمال‬
‫الذل‪ ,‬وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة العصية‪ ,‬وحصول الخرج له ما ضاق على الفساق والفجار‪ ,‬وتيسي عليه الرزق من‬
‫حيث ل يتسب‪ ,‬وتيسي ما عسر على أرباب الفسوق والعاصي‪ ,‬وتسهيل الطاعات عليه‪ ,‬وتيسي العلم والثناء السن ف‬
‫الناس‪ ,‬وكثرة الدعاء له‪ ,‬واللوة الت يكتسبها وجهه‪ ,‬والهابة ال تلقى له ف قلوب الناس‪ ,‬وانتصارهم وحيتهم له اذا أوذي‬
‫وظلم‪ ,‬وذبم عن عرضه اذا اغتابه مغتاب‪ ,‬وسرعة اجابة دعائه‪ ,‬وزوال الوحشة الت بينه وبي ال‪ ,‬وقرب اللئكة منه‪ ,‬وبعد‬
‫شياطي النس والن منه‪ ,‬وتنافس الناس على خدمته وقضاء حوائجه‪ ,‬وخطبتهم لودته وصحبته‪ ,‬وعدم خوفه من الوت‪ ,‬بل‬
‫يفرح به لقدومه على ربه ولقائه له ومصيه اليه‪ ,‬وصغر الدنيا ف قلبه‪ ,‬وكب الخرة عنده وحرصه على اللك الكبي والفوز‬
‫العظيم فيها‪ ,‬وذوق حلوة الطاعة‪ ,‬ووجد حلوة اليان‪ ,‬ودعاء حلة العرش ومن حوله من اللئكة له‪ ,‬وفرح الكاتبي به‬
‫ودعاؤهم له كل وقت‪ ,‬والزيادة ف عقله وفهمه وايانه ومعرفته‪ ,‬وحصول مبة ال له واقباله عليه‪ ,‬وفرحه بتوبته‪ ,‬وهكذا يازيه‬
‫بفرح وسرور ل نسبة له ال فرحه وسروره بالعصية بوجه من الوجوه‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫فهذه بعض آثار ترك العاصي ف الدنيا‪ .‬فاذا مات تلتقه اللئكة بالبشرى من ربه بالنة‪ ,‬وبأنه ل خوف عليه ول حزن‪,‬‬
‫وينتقل من سجن الدنيا وضيقها ال روضة من رياض النة ينعم فيها ال يوم القيامة‪ .‬فاذا كان يوم القيامة كان الناس ف الر‬
‫والعرق‪ ,‬وهو ف ظل العرش‪ .‬فاذا انصرفوا بي يدي ال أخذ به ذات اليمي مع أوليائه التقي وحزبه الفلحي‪:‬و{ ذلك فضل‬
‫ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم} الديد ‪.21‬‬

‫[‪ ]89‬من مزايا أمي الؤمني عمر بن عبد العزيز‬

‫ذكر ابن سعد ف الطبقات عن عمر بن عبد العزيز أنه كان اذا خطب على النب فخاف على نفسه العجب قطعه‪ .‬واذا كتب‬
‫كتابا فخاف فيه العجب مزقه‪ ,‬ويقول‪ :‬اللهم ان أعوذ بك من شر نفسي‪ .‬طبقات ابن سعد ‪.330\5‬‬

‫اعلم أن العبد اذا شرع ف قول أو عمل يبتغي به مرضاة ال مطالعا فيه منة ال عليه به وتوفيقه له فيه وأنه بال ل بنفسه ول‬
‫بعرفته وفكره وحوله وقوته‪ ,‬بل هو الذي أنشأ له اللسان والقلب والعي والذن‪ .‬فالذي منّ عليه بذلك هو الذي منّ عليه‬
‫بالقول والفعل‪ ,‬فاذا ل يغب ذلك عن ملحظته ونظر قلبه ل يضره العجب الذي أصله رؤية نفسه وغيبته عن شهود منّة ربه‬
‫وتوفيقه واعانته‪ .‬فاذا غاب من تلك اللحظة وثبت النفس وقامت ف مقام الدعوى‪ ,‬فوقع العجب ففسد عليه القول والعمل‪,‬‬
‫فتارة يال بينه وبي تامه ويقطع عليه ويكون ذلك رحة به حت ل يغيب عن مشاهدة النّة والتوفيق‪ .‬وتارة يتم له ولكن ل‬
‫يكون له ثرة‪ ,‬وان أثر أثر ثرة ضعيفة غي مصلة للمقصود‪ .‬وتارة يكون ضرره عليه أعظم من انتفاعه‪ ,‬ويتولد له منه مفاسد‬
‫شتّى بسب غيبته عن ملحظة التوفيق والنّة ورؤية نفسه وأن القول والفعل به‪.‬‬

‫ومن هذا الوضع يصلح ال سبحانه أقوال عبده وأعماله ويعظم له ثرتا أو يفسدها عليه وينعه ثرتا‪ .‬فل شيء أفسد‬
‫للغعمال من العجب ورؤية النفس‪ ,‬فاذا أراد ال بعبده خيا أشهده منّته وتوفيقه واعانته له ف كل ما يقوله ويفعله فل يعجب‬
‫به‪ .‬ث أشهده تقصيه فيه وأنه ل يرضى لربه به فيتوب اليه منه ويستغفره‪ ,‬ويستحيي أن يطلب عليه أجرا‪ .‬واذا ل يشهده ذلك‬
‫وغيّبه عنه فرأى نفسه ف العمل ورآه بعي الكمال والرضا‪ ,‬ل يقع ذلك العمل منه موقع القبول والرضا والحبة‪ .‬فالعارف‬
‫يعمل العمل لوجهه مشاهدا فيه منّته وفضله وتوفيقه‪ ,‬معتذرا منه اليه‪ ,‬مستحييا منه اذ ل يوفقه حقه‪ .‬والاهل يعمل العمل‬
‫لظه وهواه ناظرا فيه ال نفسه‪ ,‬ينّ به على ربه راضيا بعمله‪ ,‬فهذا لون وذاك لون آخر‪.‬‬

‫[‪ ]90‬من الكم والواعظ‬

‫الوصول ال الطلوب موقوف على هجر العوائد وقطع العوائق‪ .‬فالعوائد السكون ال الدعة والراحة وما ألفه الناس واعتادوه‬
‫من الرسوم والوضاع الت جعلوها بنلة الشرع التّبع‪ ,‬بل هي عندهم أعظم من الشرع‪ .‬فانم ينكرون على من خرج عنها‬
‫وخالفها ما ل ينكرون على من خالف صريح الشرع‪ .‬وربا كفّروه أو بدّعوه وضلّلوه‪ ,‬أو هجروه وعاقبوه لخالفة تلك‬

‫‪117‬‬
‫الرسوم‪ ,‬وأماتوا لا السنن‪ ,‬ونصبوها أندادا للرسول صلى ال عليه وسلم يوالون عليها ويعادون‪ .‬فالعروف عندهم ما وافقها‬
‫والنكر ما خالفها‪.‬‬

‫وهذه الوضاع والرسوم قد استولت عليها طوائف من بن آدم من اللوك والولة والفقهاء والصوفية والفقراء‪ ,‬والطوعي‬
‫والعامة‪ .‬فرب فيها الصغي ونشأ عليها الكبي واتذت سننا بل هي أعظم عند أصحابا من السنن‪ .‬والواقف معها مبوس‬
‫والتقيّد با منقطع‪ .‬عمّ با الصاب‪ ,‬وهجر لجلها السنة والكتاب‪.‬‬

‫من استنصر با فهو عند ال مذول‪ ,‬ومن اقتدى با دون كتاب ال وسنة رسول ال فهو عند ال غي مقبول‪ .‬وهذا أعظم‬
‫الجب والوانع بي العبد وبي النفوذ ال ال ورسوله صلى ال عليه وسلّم‪.‬‬

‫[‪ ]91‬من العوائق‬

‫وأما العوائق فهي أنواع الخالفات ظاهرها وباطنها‪ ,‬فانا تعوق القلب عن سيه ال ال وتقطع عليه طريقه‪ ,‬وهي ثلثة أمور‪:‬‬
‫شرك وبدعة ومعصية‪ ,‬فيزول عائق الشرك بتجريد التوحيد‪ ,‬وعائق البدعة بتحقيق السنة‪ ,‬وعائق العصية بتصحيح التوبة‪ .‬وهذه‬
‫العوائق ل تتبي للعبد حت يأخذ ف أهبة السفر ويتحقق بالسي ال ال والدار الخرة‪ .‬فحينئذ تظهر له هذه العوائق يسس‬
‫بتعويقها له بسب قوة سيه وترّده للسفر‪ ,‬وال فما دام قاعدا ل تظهر له كوامنها وقواطعها‪.‬‬

‫[‪ ]92‬من العلئق‬

‫وأما العلئق فهي كل ما تعلق به القلب دون ال ورسوله من ملذ الدنيا وشهواتا ورئاستها وصحبة الناس والتعلق بم‪ ,‬ول‬
‫سبيل له ال قطع هذه المور الثلثة ورفضها ال بقوة التعلق بالطلب العلى‪ ,‬وال فقطعها عليه بدون تعلّقه بطلوبه متنع‪ .‬فان‬
‫النفس ل تترك مألوفها ومبوبا ال لحبوب هو أحب اليها منه آثر عندها منه‪ .‬وكلما قوي تعلقه بطلوبه ضعف تعلقه بغيه‪.‬‬
‫وكذا بالعكس والتعلق بالطلوب هو شدة الرغبة فيه‪ .‬وذلك على قدر معرفته به وشرفه وفضله على ما سواه‪.‬‬

‫[‪ ]93‬حاجة الناس ال الرسول صلى ال عليه وسلم‬

‫لا كمل للرسول صلى ال عليه وسلم مقام الفتقار ال ال سبحانه أحوج اللئق كلهم اليه ف الدنيا والخرة‪ .‬أما حاجتهم‬
‫اليه ف الدنيا فأشد من حاجتهم ال الكعام والشراب والنفس الذي به حياة أبدانم‪ .‬وأما حاجتهم اليه ف الخرة فانم‬
‫يستشفعون بالرسل ال ال حت يريوهم من ضيق مقامهم‪ .‬فكلهم يتأخر عن الشفاعة فيشفع لم‪ ,‬وهو الذي يستفتح لم باب‬
‫النة‪ .‬ف صحيح مسلم كتاب اليان حديث عن أنس بن مالك عن رسول ال أنه قال‪ ":‬آت باب النة يوم القيامة فأستفتح‬
‫فيقول الازن‪ :‬من أ‪،‬ت‪ ,‬فأقول ممد‪ .‬فيقول‪ :‬لك أمرت ل أفتح لحد قبلك" ‪188\1‬رقم(‪.)333‬‬

‫‪118‬‬
‫[‪ ]94‬من علمات السعادة والفلح‬

‫من علمات السعادة والفلح أن العبد كلما زيد ف علمه زيد ف تواضعه ورحته‪ .‬وكلما زيد ف عمله زيد ف خوفه‬
‫وحذره‪ .‬وكلما زيد ف عمره نقص من حرصه‪ .‬وكلما زيد ف ماله زيد ف سخائه وبذله‪ .‬وكلما زيد ف قدره وجاهه زيد ف‬
‫قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لم‪.‬‬

‫وعلمات الشقاوة أنه كلما زيد ف علمه زيد ف كبه وتيهه‪ ,‬وكلما زيد ف عمل زيد ف فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه‬
‫بنفسه‪ ,‬وكلما زيد ف قدره وجاهه زيد ف كبه وتيهه‪ .‬وهذه المور ابتلء من ال وامتحان يبتلي با عباده فيسعد با أقوام‬
‫ويشقى با أقوام‪.‬‬

‫وكذلك الكرامات امتحان وابتلء‪ ,‬كاللك والسلطان والال‪.‬‬

‫قال تعال عن نبيه سليمان لا رأى عرش بلقيس‪ {:‬هذا من فضل رب ليبلون أأشكر أم أكفر} النمل ‪ .40‬فالنعم ابتلء من‬
‫ال وامتحان يظهر با شكر الشكور وكفر الكفور‪ .‬كما أن الحن بلوى منه سبحانه‪ ,‬فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي بالصائب‪,‬‬
‫قال تعال‪ {:‬فأمّا النسان اذا ما ابتله ربه فأكرمه ونعّمه فيقول رب أكرمن * وأمّا اذا ما ابتله فقدر عليه رزقه فيقول رب‬
‫أهانن * كل‪ }..‬الفجر ‪ ,17-15‬أي ليس كل ما وسعت عليه وأكرمته ونعمته يكون ذلك اكراما من له‪ ,‬ول كل من‬
‫ضيّقت عليه رزقه وابتليته يكون ذلك اهانة من له‪ ( .‬أي ليس المر كما زعم ل ف هذا ول ف هذا فان ال تعال يعطي الال‬
‫من يب ومن ل يب ويضيق على من يب ومن ل يب‪ ,‬وانا الدار ف ذلك على طاعة ال ف كل من الالي اذا كان غنيّا‬
‫بأن يشكر ال على ذلك وان كان فقيا بأن يصبأنظر تفسي ابن كثي ‪.)509\4‬‬

‫[‪ ]95‬العمال درجات وأساسها اليان‬

‫من أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه واحكامه وشدة العتناء به‪ .‬فان علو البنيان على قدر توثيق الساس واحكامه‪.‬‬
‫فالعمال والدرجات بنيان وأساسها اليان‪ ,‬ومت كان الساس وثيقا حل البنيان واعتلى عليه‪ .‬واذا تدم شيء من البنيان‬
‫سهل تداركه‪ ,‬واذا كان الساس غي وثيق ل يرتفع البنيان ول يثبت‪ ,‬واذا تدم شيء من الساس سقط البنيان أو كاد‪.‬‬
‫فالعارف هّته تصحيح الساس واحكامه‪ ,‬والاهل يرفع ف البناء من غي أساس فل يلبث بنيانه أن يسقط‪ .‬قال تعال‪ {:‬أفمن‬
‫أسس بنيانه على تقوى من ال ورضوان خي أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانار به ف نار جهنّم} التوبة ‪.109‬‬

‫‪119‬‬
‫فالساس لبناء العمال كالقوة لبدن النسان‪ ,‬فاذا كانت القوة قوية حلت البدن ودفعت عنه كثيا من الفات‪ ,‬واذا كانت‬
‫القوة ضعيفة ضعف حلها للبدن وكانت الفات اليه أسرع شيء‪ ,‬فاحل بنيانك على قوة أساس اليان‪ ,‬فاذا تشعث شيء من‬
‫أعال البناء وسطحه كان تداركه أسهل عليك من خراب الساس‪.‬‬

‫وهذا الساس أمران‪ :‬صحة العرفة بال وأمره وأسائه وصفاته‪ .‬والثان‪ :‬تريد النقياد له ولرسوله دون ما سواه‪ ,‬فهذا أوثق‬
‫أساس أسس العبد عليه بنيانه‪ ,‬وبسبه يعتلي البنيان ما شاء‪ .‬فاحكم الساس‪ ,‬واحفظ القوة‪ ,‬ودم على المية‪ ,‬واستفرغ اذا زاد‬
‫بك اللط‪ ,‬والقصد القصد وقد بلغت الراد‪ ,‬وال فما دامت القوة ضعيفة والادة الفاسدة موجودة والستفراغ معدوما‪:‬‬

‫قد آذنتك بسرعة التوديع‬ ‫فاقر السلم على الياة فانا‬

‫فاذا كمل البناء فبيضه بسن اللق والحسان ال الناس‪ ,‬ث حطه بسور من الذر‪ ,‬ل يقتحمه عدو‪ ,‬ول تبدو منه العورة‪ ,‬ث‬
‫أرخ الستور على أبوابه‪ ,‬ث أقفل الباب العظم بالسكوت عما تشى عاقبته‪ ,‬ث ركب له مفتاحا من ذكر ال به تفتحه وتغلقه‪,‬‬
‫فان فتحت فتحت بالفتاح وان أغلقت الباب أغلقته به‪ ,‬فتكون حينئذ قد بنيت حصنا تصنت فيه من أعدائك اذا طاف به‬
‫العدو ل يد منه مدخل فييأس منك‪ .‬ث تعاهد بناء الصن كل وقت‪ ,‬فان العدو اذا ل يطمع ف الدخول من الباب نقّب عليك‬
‫النقوب من بعيد بعاول الذنوب‪ ,‬فان أهلت أمره وصل اليك النقب‪ ,‬فاذا العدو معك ف داخل الصن فيصعب عليك‬
‫اخراجه‪ ,‬وتكون معه على ثلث خلل‪:‬‬

‫اما أم يغلبك على الصن‪ ,‬ويستول عليه‪ ,‬واما أن يساكنك فيه‪ ,‬واما أن يشغلك بقابلته عن تام مصلحتك‪ ,‬وتعود ال سد‬
‫النقب ول شعث الصن‪.‬‬

‫واذا دخل نقبه اليك نالك منه ثلث آفات‪ :‬افساد الصن‪ ,‬والغارة على حواصله وذخائره‪ ,‬ودللة السراق من بن جنسه‬
‫على عورته‪ .‬فل تزال تبتلي منه بغارة بعد غارة حت يضعفوا قواك ويوهنوا عزمك فتتخلى عن الصن وتلي بينهم وبينه‪.‬‬

‫وهذه حال أكثر النفوس مع هذا العدو‪ ,‬ولذا تراهم يسخطون ربم برضا أنفسهم‪ ,‬بل برضا ملوق مثلهم ل يلك لم ضرا‬
‫ول نفعا‪ ,‬ويضيعون كسب الدين بكسب الموال‪ ,‬ويهلكون أنفسهم با ل يبقى لم‪ ,‬ويرصون على الدنيا وقد أدبرت عنهم‪,‬‬
‫ويزهدون ف الخرة وقد هجمت عليهم‪ ,‬ويالفون ربم باتباع أهوائهم‪ ,‬ويتكلون على الياة ول يذكرون الوت‪ ,‬ويذكرون‬
‫شهواتم وحظوظهم وينسون ما عهد ال اليهم‪ ,‬ويهتمون با ضمنه ال لم ول يهتمون با أمرهم به‪ ,‬ويفرحون بالدنيا ويزنون‬
‫على فوات حظهم منها ول يزنون على فوات النة وما فيها ول يفرحون باليان فرحهم بالدرهم والدينار‪ ,‬ويفسدون حقهم‬
‫بباطلهم وهداهم بضللم ومعروفهم بنكرهم‪ ,‬ويلبسون ايانم بظنونم‪ ,‬ويلطون حللم برامهم‪ ,‬ويترددون ف حية آبائهم‬
‫وأفكارهم‪ ,‬ويتركون هدى ال الذي أهداه اليهم‪ .‬ومن العجب أن هذا العدو يستعمل صاحب الصن ف هدم حصنه بيديه‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫[‪ ]96‬أركان الكفر‬

‫أركان الكفر أربعة‪ :‬الكب والسد والغضب والشهوة‪.‬‬

‫فالكب ينعه النقياد‪ ,‬والسد ينعه قبول النصيحة وبذلا‪ ,‬والغضب ينعه العدل‪ ,‬والشهوة تنعه التفرّغ للعبادة‪ .‬فاذا اندم‬
‫ركن الكب سهل عليه النقياد‪ ,‬واذا اندم ركن السد سهل عليه قبول النصح وبذله‪ ,‬واذا اندم ركن الغضب سهل عليه‬
‫العدل والتواضع‪ ,‬واذا اندم ركن الشهوة سهل عليه الصب والعفاف والعبادة‪.‬‬

‫وزوال البال عن أماكنها أيسر من زوال هذه الربعة عمن ابتلي با‪ ,‬ول سيما اذا صارت هيئات راسخة وملكات وصفات‬
‫ثابتة‪ ,‬فانه ل يستقيم له معها عمل البتة ول تزكو نفسه مع قيامها با‪ .‬وكلما اجتهد ف العمل أفسدته عليه هذه الربعة‪ ,‬وكل‬
‫الفات متولدة منها‪ .‬واذا استحكمت ف القلب أرته الباطل ف صورة الق‪ ,‬والق ف صورة الباطل‪ ,‬والعروف ف صورة‬
‫النكر‪ ,‬والنكر ف صورة العروف‪ ,‬وقربت منه الدنيا‪ ,‬وبعدت عنه الخرة‪ ,‬واذا تأملت كفر المم رأيته ناشئا منها‪ ,‬وعليها يقع‬
‫العذاب‪ ,‬وتكون خفته وشدته بسب خفتها وشدتا‪ .‬فمن فتحها على نفسه فتح عليه أبواب الشرور كلها عاجل وآجل‪ ,‬ومن‬
‫أغلقها على نفسه أغلق عنه أبواب الشرور‪ ,‬فانا تنع النقياد والخلص والتوبة والنابة وقبول الق ونصيحة السلمي‬
‫والتواضع ل وللقه‪.‬‬

‫ومنشأ هذه الربعة من جهله بربه وجهله بنفسه‪ ,‬فانه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت اللل‪ ,‬وعرف نفسه بالنقائص‬
‫والفات‪ ,‬ل يتكب ول يغضب لا ول يسد أحدا على ما أتاه ال‪ ,‬فانه السد ف القيقة نوع من معاداة ال‪ ,‬فانه يكره نعمة‬
‫ال على عبده وقد أحبها ال‪ ,‬ويب زوالا عنه ويكره ال ذلك‪ .‬فهو مضاد ل ف قضائه وقدره ومبته وكراهته‪ ,‬ولذلك كان‬
‫ابليس عدوه حقيقة لن ذنبه كان عن كب وحسد‪ .‬فقلع هاتي الصفتي بعرفة ال وتوحيده‪ ,‬والرضا به وعنه‪ ,‬والنابة اليه‪,‬‬
‫وقلع الغضب بعرفة النفس وأنا ل تستحق أن يغضب لا وينتقم لا‪ ,‬فان ذلك ايثار لا بالغضب والرضا على خالقها وفاطرها‪,‬‬
‫وأعظم ما تدفع به هذه الفة أن يعوّدها أن تغضب له سبحانه وترضى له‪ ,‬فكلما دخلها شيء من الغضب والرضا له خرج‬
‫منها مقابله من الغضب والرضا لا‪ ,‬وكذا بالعكس‪.‬‬

‫وأما الشهوة فدواؤها صحة العلم والعرفة بأن اعطاءها شهواتا أعظم أسباب حرمانا اياها ومنعها منها‪ .‬وحيتها أعظم‬
‫أسباب اتصالا اليها‪ ,‬فكلما فتحت عليك باب الشهوات منت ساعيا ف حرمانا اياها‪ ,‬وكلما أغلقت عنها ذلك الباب كنت‬
‫ساعيا ف ايصالا على أكمل الوجوه‪.‬‬

‫فالغضب مثل السبع اذا أفلته صاحبه بدأ بأكله‪ ,‬والشهوة مثل النار اذا أضرمها صاحبها بدأت برقه‪ ,‬والكب بنلة منازعة‬
‫اللك ملكه فان ل يهلكك طردك عنه‪ ,‬والسد بنلة معاداة من هو أقد منك‪ ,‬والذي يغلب شهوته وغضبه يفرق الشيطان من‬
‫ظله‪ .‬ومن تغلبه شهوته وغضبه يفرق من خياله (أي ياف)‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫[‪( ]97‬فصل عظيم النفع)‬
‫الهال بأساء ال وصفاته‬

‫الهال بأساء ال وصفاته العطلون لقائقها يبغضون ال ال خلقه‪ ,‬ويقطعون عليهم طريق مبته والتودد اليه بطاعته من حيث‬
‫ل يعلمون‪ .‬ونن نذكر من ذلك أمثلة تتذى عليها‪:‬‬

‫فمنها أنم يقررون ف نفوس الضعفاء أن ال سبحانه ل تنفع معه طاعة‪ ,‬وان طال زمانا وبالغ العبد وأتى با بظاهره وباطنه‪.‬‬
‫وأن العبد ليس على ثقة ول أمن من مكروه‪ ,‬بل شأنه سبحانه أن يأخذ الطيع التقي من الحراب ال الاخور‪ ,‬ومن التوحيد‬
‫والسبحة ال الشرك والزمار‪ .‬ويقلب قلبه من اليان الالص ال الكفر‪ .‬ويروون ف ذلك آثارا صحيحة ل يفهموها‪ ,‬وباطلة‬
‫ل يقلها العصوم‪ ,‬ويزعمون أن هذا حقيقة التوحيد‪ ,‬ويتلون على ذلك قوله تعال‪ {:‬ول يسأل عما يفعل} النبياء ‪,23‬‬
‫وقوله‪ {:‬أفأمنوا مكر ال فل يأمن مكر ال ال القوم الاسرون}العراف ‪ ,99‬وقوله‪ {:‬واعلموا أن ال يول بي الرء‬
‫وقلبه}النفال ‪ ,24‬ويقيمون ابليس حجة لم على هذه العرفة وأنه كان طاووس اللئكة‪ ,‬وأنه ل يترك ف السماء رقعة‪ ,‬ول‬
‫ف الرض بقعة ال وله فيها سجدة أو ركعة‪ ,‬لكن جن عليه جان القدر‪ ,‬وسطا عليه الكم‪ ,‬فقلب عينه الطيبة‪ ,‬وجعلها‬
‫أخبث شيء‪ ,‬حت قال بعض عارفيهم‪ :‬انك ينبغي أن تاف ال كما تاف السد الذي يثب عليك بغي جرم منك ول ذنب‬
‫أتيته اليه‪ .‬ويتجون بقول النب صلى ال عليه وسلم‪ ":‬ان أحدكم ليعمل بعمل أهل النة حت ما يكون بينه وبينها ال ذراع‪,‬‬
‫فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" البخاري ف بدء اللق ‪ 303\6‬رقم (‪ )3208‬ومسلم ف القدر ‪\4‬‬
‫‪ 2036‬رقم (‪ )1‬وف غي مواقع‪ .‬ويروون عن بعض السلف‪ :‬أكب الكبائر المن من مكر ال والقنوط من رحة ال‪.‬‬

‫وذكر المام أحد عن عون بن عبد ال أو غيه أنه سع رجل يدعو‪ :‬اللهم تؤمن مكرك‪ ,‬فأنكر ذلك وقال‪ :‬اللهم ل تعلن‬
‫من يأمن مكرك‪ .‬وبنوا هذا على أصلهم الباطل وهو انكار الكمة والتعليل والسباب‪ ,‬فل يفعل لشيء ول بشيء‪ ,‬وأنه يوز‬
‫عليه أن يعذب أهل طاعته أشد العذاب‪ ,‬وينعّم أعدائه وأهل معصيته بزيل الثواب‪ ,‬وأن المرين بالنسبة اليه سواء‪ ,‬ول يعلم‬
‫امتناع ذلك ال بب من الصادق أنه ل يفعله‪ .‬فحينئذ يعلم امتناعه لوقوع الب بأنه ل يكون‪ ,‬ل لنه ف نفسه باطل وظلم‪ ,‬فان‬
‫الظلم ف نفسه مستحيل‪ ,‬فانه غي مكن‪ .‬بل هو بنلة جعل السم الواحد ف مكاني ف آن واحد‪ .‬فهذا حقيقة الظلم عندهم‪.‬‬
‫فاذا رجع العال ال نفسه قال‪ :‬من ل يستقر له أمر‪ ,‬ول يؤمن له مكر‪ ,‬كيف يوثق بالتقرّب اليه؟ وكيف يعول على طاعته‬
‫واتباع أوامره‪ ,‬وليس بنا سوى هذه الدة اليسية؟ فاذا هجرنا فيها اللذات وتركنا الشهوات وتكلفنا أثقال العبادات‪ ,‬وكنا مع‬
‫ذلك على غي ثقة منه أن يقلب علينا اليان كفرا‪ ,‬والتوحيد شركا‪ ,‬والطاعة معصية‪ ,‬والب فجورا‪ ,‬ويدي علينا العقوبات‪ ,‬كنا‬
‫خاسرين ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫فاذا استحكم هذا العتقاد ف قلوبم‪ ,‬وتمّر ف نفوسهم‪ ,‬صاروا اذا مروا بالطاعات وهجر اللذات بنلة انسان جعل يقول‬
‫لولده‪ :‬معلمك ان كتبت وأحسنت وتأدبت ول تعصه ربا أقام لك حجة وعاقبك‪ ,‬وان كسلت وبطلت وتعطلت وتركت ما‬

‫‪122‬‬
‫أمرك به ربا قربك وكرمك‪ ,‬فيودع بذا القول قلب الصب ما ل يثق بعده ال وعيد العلم على الساءة‪ ,‬ول وعده على‬
‫الحسان‪ ,‬وان كب الصب وصلح للمعاملت والناصب قال له‪ :‬هذا سلطان بلدنا يأخذ اللص من البس فيجعله وزيرا أميا‪,‬‬
‫ويأخذ الكيّس الحسن فيخلّده ف البس ويقتله ويصلبه‪ .‬فاذا قال له ذلك أوحشه من سلطانه‪ ,‬وجعله على غي ثقة من وعد‬
‫ووعيده‪ ,‬وأزال مبته من قلبه‪ ,‬وجعله يافه مافة الظال الذي يأخذ الحسن بالعقوبة‪ ,‬والبيء بالعذاب‪ ,‬فأفلس هذا السكي‬
‫من اعتقاد كون العمال نافعة أو ضارة‪ ,‬فل بفعل الي يستأنس‪ ,‬ول بفعل الشر يستوحش‪ ,‬وهل هو تنفي عن ال وتبغيضه‬
‫ال عباده أكثر من هذا؟ ولو اجتهد اللحدة على تبغيض الدين والتنفي عن ال لا أتوا بأكثر من هذا‪.‬‬

‫وصاحب هذه الطريقة يظن أنه يقرر التوحيد والقدر‪ ,‬ويرد على أهل البدع وينصر الدين‪ ,‬ولعمر ال العدو العاقل أقل ضررا‬
‫من الصديق الاهل‪ .‬وكتب ال النلة كلها ورسله كلهم شاهدة بضد ذلك ول سيما القرآن‪ .‬فلو سلك الدعاة السلك الذي‬
‫دعا ال ورسوله به الناس لصلح العال صلحا ل فساد معه‪ ,‬فال سبحانه أخب وهو الصادق الوف‪ :‬أنه انا يعمل الناس بكسبهم‬
‫ويازيهم بأعماللهم ول ياف الحسن لديه ظلما ول هضما‪ ,‬ول ياف بسا ول رهقا‪ ,‬ول يضيع عمل مسن أبدا‪ ,‬ول يضيع‬
‫على العبد مثقال ذرة‪ ,‬ول يظلمها‪ ,‬وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما‪ ,‬وان كان مثقالبة من خردل جازاه‬
‫با ول يضيعها عليه‪ .‬وأنه يزي بالسيئة مثلها ويبطها بالتوبة والندم والستغفار والسنات والصائب‪ ,‬ويزي بالسنة عشر‬
‫أمثالا ويضاعفها ال سبعمائة ضعف ال أضعاف كثية‪.‬‬

‫وهو الذي أصلح الفسدين وأقبل بقلوب العرضي وتاب على الذنبي‪ ,‬وهدى الضالي‪ ,‬وأنقذ الالكي‪ ,‬وعلم الاهلي‪,‬‬
‫وبصّر التحيين‪ ,‬وذكر الغافلي‪ ,‬وآوى الشاردين‪ .‬واذا أوقع عقابا أوقعه بعد شدة التمرد والعتو عليه‪ ,‬ودعوة العبد ال الرجوع‬
‫اليه والقرار بربوبيته وحقه مرة بعد مرة‪ ,‬حت اذا أيس من استجابته‪ ,‬والقرار بربوبيته ووحدانيته‪ ,‬أخذه ببعض كفره وعتوّه‬
‫وترّده‪ ,‬بيث يعذر العبد من نفسه‪ ,‬ويعترف بأنه سبحانه ل يظلمه‪ ,‬وأنه هو الظال لنفسه‪ ,‬كما قال تعال‪ {:‬فاعترفوا بذنبهم‬
‫فسحقا لصحاب السعي} اللك ‪ ,11‬وقال عمن أهلكهم ف الدنيا انم لا رأوا آياته‪ ,‬وأحسوا بعذابه‪ {:‬قلوا يا ويلنا لنا كنا‬
‫ظالي * فما زالت تلك دعواهم حت جعلناهم حصيدا خامدين} النبياء ‪ ,14,15‬وقال أصحاب النة (وهم أصحاب‬
‫الديقة أو البستان الت حكى القرآن قصتهم ف سورة القلم وكانت النة لرجل يؤدي حق ال تعال منها فلما مات صار ال‬
‫بنيه فمنعوا الناس خيها وبلوا بق ال فيها فأهلكها ال‪ .‬الامع لحكام القرآن ‪ ,156\18‬وتفسي ابن كثي ‪ )406\4‬الت‬
‫أفسدها عليهم لا رأوها قالوا‪ {:‬سبحان ربنا انا كنا ظالي}القلم ‪ ,29‬وقال السن‪ :‬لقد دخلوا النار وانّ حده لفي قلوبم ما‬
‫وجدوا عليه حجة ول سبيل‪ .‬ولذا قال تعال‪ {:‬فقطع دابر القوم الذين ظلموا والمد ل رب العالي} النعام ‪.45‬‬

‫فهذه الملة ف موضع الال أي قطع دابرهم كونه سبحانه ممودا على ذلك‪ ,‬فقطع دابرهم قطعا مصاحبا لمده‪ ,‬فهو قطع‬
‫واهلك يمد عليه الرب تعال لكمال حكمته وعدله ووضعه العقوبة ف موضعها الذي ل يليق به غيها‪ .‬فوضعها ف الوقع‬
‫الذي يقول من علم الال‪ :‬ل تليق العقوبة ال بذا الحل‪ ,‬ول يليق به ال العقوبة‪ .‬ولذا قال عقيب اخباره عن الكم بي‬
‫عباده‪ ,‬ومصي أهل السعادة ال النة‪ ,‬وأهل الشقاء ال النار‪ {:‬قضي بينهم بالق وقيل المد ل رب العالي} الزمر ‪,75‬‬
‫فحذف فاعل القول اشعارا بالعموم وأن الكون كله قال‪ {:‬المد ل رب العالي} لا شاهدوا من حكمة الق وعدله وفضله‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫ولذا قال ف حق أهل النار‪ {:‬قيل ادخلوا أبواب جهنم}الزمر ‪ ,72‬كأن الكون كله يقول ذلك حت تقوله أعضاءهم‬
‫وأرواحهم وأرضهم وساؤهم‪ ,‬وهو سبحانه يب أنه اذا أهلك أعداءه نّى أولياءه ول يعمهم باللك بحض الشيئة‪.‬‬

‫ولا سأله نوح ناة ابنه أخبه أنه يغرقه بسوء أعماله وكفره‪ ,‬ول يقل ان أغرقه بحض مشيئت وارادت بل سبب ول ذنب‪.‬‬
‫وقد ضمن سبحانه زيادة الداية للمجاهدين ف سبيله ول يب أنه يضلهم ويبطل سعيهم‪.‬‬

‫وكذلك ضمن زيادة الداية للكتقي الذين يتبعون رضوانه‪ ,‬وأخب أنه ل يضل ال الفاسقيت الذين ينقضون عهده من بعد‬
‫ميثاقه‪ ,‬وأنه انا يضل من آثر الضلل واختاره على الدى‪ ,‬فيطبع حينئذ على سعه وقلبه‪ ,‬وانه يقلب قلب من ل يرض بداه اذا‬
‫جاءه ول يؤمن به‪ ,‬ودفعه وردّه‪ ,‬فيقلب فؤاده وبصره عقوبة له على رده ودفعه لا تققه وعرفه‪ ,‬وأنه سبحانه لو علم ف تلك‬
‫الحال الت حكم عليها بالضلل والشقاء خيا لفهمها وهداها‪ ,‬ولكنها ل تصلح لنعمته ول تليق با كرامته‪.‬‬

‫وقد أزاح سبحانه العلل‪ ,‬وأقام الجج‪ ,‬ومكّن من أسباب الداية‪ ,‬وأنه ل يضل ال الفاسقي الضالي الظالي‪ ,‬ول يطبع ال‬
‫على قلوب العتدين‪ ,‬ول يركس ف الفتنة ال النافقي بكسبهم‪ ,‬وأن الرين الذي غطى به قلوب الكفار هو عي كسبهم‬
‫وأعمالم كما قال‪ {:‬كل بل ران على قلوبم ما كانوا يكسبون} الطففي ‪ ,14‬وقال عن أعدائه اليهود‪ {:‬وقولم قلوبنا‬
‫غلف بل طبع ال عليها بكفرهم} النساء ‪ ,155‬وأخب أنه ل يضل من هداه حت يتبي له ما يتقى‪ ,‬فيختار لشقوته وسوء‬
‫طبيعة الضلل على الدى والغي على الرشاد‪ ,‬ويكون مع نفسه وشيطانه وعدو ربه عليه‪.‬‬

‫وأما الكر الذي وصف به نفسه‪ ,‬فهو مازاته للماكرين بأوليائه ورسله‪ ,‬فيقابل مكرهم السيء بكره السن‪ ,‬فيكون الكر‬
‫منهم أقبح شيء‪ ,‬ومنه أحسن شيء لنه عدل ومازاة‪ .‬وكذلك الخادعة منه جزاء على مادعة رسله وأوليائه‪ ,‬فل أحسن من‬
‫تلك الخادعة والكر‪.‬‬

‫وأما كون الرجل يعمل بعمل أهل النة حت ما يكون بينه وبينها ال ذراع فيسبق عليه الكتاب‪ ,‬فان عمل أهل النة فيما‬
‫يظهر للناس‪ ,‬ولو كان عمل صالا مقبول للجنة قد أحبه ال ورضيه ول يبطله عليه‪.‬‬

‫وقوله‪ ":‬ل يبق بينه وبينها ال ذراع" يشكل على هذا التأويل‪ ,‬فيقال‪ :‬لا كان العمل بآخره وخاتته ل يصب هذا العامل على‬
‫عمله حت يتم له‪ ,‬بل كان فيه آفة كامنة‪ ,‬ونكتة خذل با ف آخر عمره‪ ,‬فخانته تلك الفة الداهية الباطنة ف وقت الاجة‪,‬‬
‫فرجع ال موجبها وعملت عملها‪ ,‬ولو ل يكن هناك غش وآفة ل يقلب ال ايانه‪ ,‬لقد أورده مع صدقه فيه واخلصه بغي‬
‫سبب منه يقتضي افساده عليه‪ ,‬وال يعلم من سائر العباد ما ل يعلمه بعضهم من بعض‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫وأما شأن ابليس‪ :‬فان ال سبحانه قال للملئكة‪ {:‬ان أعلم ما ل تعلمون} البقرة ‪ ,30‬فالرب تعال كان يعلم ما ف قلب‬
‫ابليس من الكفر والكب والسد ما ل يعلمه اللئكة‪ ,‬فلما أمروا بالسجود‪ ,‬ظهر ما ف قلوبم من الطاعة والحبة والشية‬
‫والنقياد‪ ,‬فبادروا ال المتثال‪ ,‬وظهر ما ف قلب عدوه من الكب والغش والسد‪ ,‬فأب واستكب‪ ,‬وكان من الكافرين‪.‬‬

‫وأما خوف أوليائه من مكره فحق‪ ,‬فانم يافون أن يذلم بذنوبم وخطاياهم فيصيون ال الشقاء‪ ,‬فخوفهم من ذنوبم‬
‫ورجاؤهم لرحته‪ ,‬وقوله‪ {:‬أفأمنوا مكر ال} العراف ‪ ,99‬انا هو حق الفجار والكفار‪.‬‬

‫ومعن الية‪ :‬فل يعصي ويأمن مقابلة ال له على مكر السيئات بكره ال القوم الاسرون‪ .‬والذي يافه العارفون بال من‬
‫مكره أن يؤخر عنهم عذاب الفعال فيحصل منهم نوع اغترار‪ ,‬فيأنسوا بالذنوب‪ ,‬فيجيئهم العذاب على غرّة وفترة‪.‬‬

‫وأمر آخر‪ :‬وهو أن يغفلوا عنه وينسوا ذكره فيتخلى عنهم اذا تلوا عن ذكره وطاعته‪ ,‬فيسرع اليهم البلء والفتنة فيكون‬
‫مكره بم تليه عنهم‪.‬‬

‫وأمر آخر‪ :‬أن يعلم من ذنوبم وعيوبم ما ل يعلمونه من نفوسهم‪ ,‬فيأتيهم الكر من حيث ل يشعرون‪.‬‬

‫وأمر آخر‪ :‬أن يتحنهم ويبتليهم با ل صب لم عليه‪ ,‬فيفتنون به‪ ,‬وذلك مكر‪.‬‬

‫[‪ ]98‬التوحيد والسنة شجرة ف القلب فروعها العمال‬

‫السنة شجرة‪ ,‬والشهور فروعها‪ ,‬واليام أغصانا‪ ,‬والساعات أوراقها‪ ,‬والنفاس ثرها‪ .‬فمن كانت أنفاسه ف طاعة‪ ,‬فثمرة‬
‫شجرته طيبة‪ ,‬ومن كانت ف معصية فثمرته حنظل‪ .‬وانا يكون الذاذ يوم العاد‪ ,‬فعند الذاذ يتبي حلو الثمار من مرّها‪.‬‬

‫والخلص والتوحيد شجرة ف القلب‪ ,‬فروعها العمال‪ ,‬وثرها طيب الياة ف الدنيا والنعيم القيم ف الخرة‪ .‬وكما أن ثار‬
‫النة ل مقطوعة ول منوعة‪ ,‬فثمرة التوحيد والخلص ف الدنيا كذلك‪ .‬والشرك والكذب والرياء شجرة ف القلب‪ ,‬ثرها ف‬
‫الدنيا الوف والمم والغم وضيق الصدر وظلمة القلب‪ ,‬وثرها ف الخرة الزقّوم والعذاب القيم وقد ذكر ال هاتي الشجرتي‬
‫ف سورة ابراهيم‪.‬‬

‫اذا بلغ العبد أعطى عهده الذي عهده اليه خالقه ومالكه‪ ,‬فاذا أخذ عهده بقوة وقبول‪ ,‬وعزم على تنفيذ ما فيه‪ ,‬صلح‬
‫للمراتب والناصب الت يصلح لا الوفون بعهودهم‪ ,‬فاذا هز نفسه عند أخذ العهد‪ ,‬وانتخاها وقال‪ :‬قد أهّلت لعهد رب‪ ,‬فمن‬
‫أول بقبوله وفهمه وتنفيذه من؟ فحرص أول على فهم عهده وتدبره ومعرفة وصايا سيده له‪ ,‬ث وطّن نفسه على امتثال ما ف‬
‫عهده‪ ,‬والعمل به‪ ,‬وتنفيذه حسبما تضمّن عهده‪ ,‬فأبصر بقلبه حقيقة العهد وما تضمنه‪ ,‬فاستحدث هة أخرى‪ ,‬وعزية غي‬

‫‪125‬‬
‫العزية الت كان فيها وقت الصبا‪ ,‬قبل وصول العهد‪ ,‬فاستقال من ظلمة غرة الصبا والنقياد للعادة والنشأ‪ ,‬وصب على شرف‬
‫المة وهتك ستر الظلمة ال نةر اليقي‪ ,‬فأدرك بقدر صبه وصدق اجتهاده ما وهبه ال له من فضله‪.‬‬

‫فأول مراتب سعادته أن تكون له أذن واعية‪ ,‬وقلب يعقل ما تعيه الذن‪ .‬فاذا سع وعقل‪ ,‬واستبانت له الادة‪ ,‬ورأى عليها‬
‫تلك العلم‪ ,‬ورأى أكثر الناس منحرفي عنها يينا وشال فلزمها‪ ,‬ول ينحرف مع النحرفي الذين كان سبب انرافهم عدم‬
‫قبول العهد‪ ,‬أو قبلوه بكره‪ ,‬ول يأخذوه بقوة ول عزية‪ ,‬ول حدثوا أنفسهم بفهمه وتدبره‪ ,‬والعمل با فيه‪ ,‬وتنفيذ وصاياه‪ ,‬بل‬
‫عرض عليهم العهد ومعهم ضراوة الصبا ودين العادة‪ ,‬وما ألفوا عليه الباء والمهات‪ ,‬فتلقوا العهد تلقي من هو مكتف با‬
‫وجد عليه آباءه وسلفه‪ ,‬وعادته ل تكفي من يمع هه وقلبه على فهم العهد والعمل به‪ ,‬حت كأن ذلك العهد أتاه وحده‪,‬‬
‫وقيل له‪ :‬تأمل ما فيه ث اعمل بوجبه‪ ,‬فاذا ل يتلق عهده هذا التلقي أخلد ال سية القرابة‪ ,‬وما استمرت عليه عادة أهله‬
‫وأصحابه وجيانه وأهل بلده‪ ,‬فان علت هته أخلد ال ما عليه سلفه ومن تقدمه من غي التفات ال تدبر العهد وفهمه‪ ,‬فرضي‬
‫لنفسه أن يكون دينه دين العادة‪.‬‬

‫فاذا شامه الشيطان ورأى هذا مبلغ هته وعزيته‪ ,‬رماه بالعصبية والمية للباء وسلفه‪ ,‬وزيّن له أن هذا هو الق وما خالفه‬
‫باطل‪ ,‬ومثل له الدى ف صورة الضلل‪ ,‬والضلل ف صورة الدى‪ ,‬بتلك العصبية والمية الت أسست على غي علم‪ ,‬فرضاه‬
‫أن يكون مع عشيته وقومه‪ ,‬له ما لم‪ ,‬وعليه ما عليهم‪ ,‬فخذل عن الدى ووله ال ما تولّى‪ ,‬فلو جاءه كل هدى يالف قومه‬
‫وعشيته ل يره ال ضللة‪ .‬واذا كانت هته أعلى من ذلك وأشرف وقدره أعلى‪ ,‬أقبل على حفظ عهده وفهمه وتدبره‪ ,‬وعلم‬
‫أن لصاحب العهد شأنا ليس كشأ‪ ،‬غيه‪ ,‬فأخذ نفسه بعرفته من العهد نفسه‪ ,‬فوجده قد تعرف اليه وعرفه نفسه وصفاته‬
‫وأساءه وأفعاله وأحكامه‪ ,‬فعرف من ذلك العهد قيوما بنفسه‪ ,‬مقيما لغيه‪ ,‬غنيا عن كل ما سواه‪ ,‬وكل ما سواه فقي اليه‪,‬‬
‫مستو على عرشه فوق جيع خلقه‪ ,‬يرى ويسمع‪ ,‬ويرضى ويغضب‪ ,‬ويب ويبغض‪ ,‬ويدبر أمر ملكته‪ ,‬وهو فوق عرشه‬
‫متكلم‪ ,‬آمر ناه‪ ,‬يرسل رسله ال أقطار ملكته بكلمه الذي يسمعه من يشاء من خلقه‪ ,‬وأنه قائم بالقسط‪ ,‬ماز بالحسان‬
‫والساءة‪ ,‬وأ‪،‬ه حليم غفور‪ ,‬شكور جواد مسن‪ ,‬موصوف بكل كمال‪ ,‬منّه عن كل عيب ونقص‪ ,‬وأنه ل مثل له‪.‬‬

‫ويشهد حكمته ف تدبي ملكته‪ ,‬وكيف يقدّر مقاديره بشيئته‪ ,‬غي مضادة لعدله وحكمته‪ ,‬وتظاهر عنده العقل والشرع‬
‫والفطرة‪ ,‬فصدق كل منهما صاحبيه‪ ,‬وفهم عن ال سبحانه ما وصف به نفسه ف كتابه من حقائق أسائه الت نزل با الكتاب‪,‬‬
‫وبا نطق‪ ,‬ولا أثبت وحقق‪ ,‬وبا تعرف ال عباده‪ ,‬حت أقرّت به العقول‪ ,‬وشهدت به الفطر‪.‬‬

‫فاذا عرف بقلبه وتيقن صفات صاحب العهد‪ ,‬أشرقت أنوارها على قلبه‪ ,‬فصارت له كالعاينة‪ ,‬فرأى حينئذ تعلقها باللق‬
‫والمر‪,‬وارتباطهما با‪ ,‬وسريان آثارها ف العال السي والعال الروحي‪ ,‬ورأى تصرفها ف اللئق‪ ,‬كيف عمّت وخصّت‪,‬‬
‫وقرّبت وأبعدت‪ ,‬وأعطت ومنعت‪ ,‬فشهد بقلبه مواقع عدله سبحانه وقسطه وفضله ورحته‪ ,‬واجتمع له اليان بلزوم حجته‪,‬‬
‫مع نفوذ أقضيته‪ ,‬وكمال قدرته‪ ,‬مع كمال عدله وحكمته‪ ,‬وناية علوّه على جيع خلقه‪,‬مع احاطته ومعيّته‪ ,‬وعظمته وجلله‪,‬‬
‫وكبيائه وبطشه وانتقامه‪ ,‬مع رحته وبره ولطفه وجوده وعفوه وحلمه‪ ,‬ورأى لزوم الجة مع قهر القادير الت ل خروج‬

‫‪126‬‬
‫لخلوق عنها‪ .‬وكيف اصطحاب الصفات وتوافقها‪ ,‬وشهادة بعضها لبعض‪ ,‬وانعطاف المة الت هي ناية وغاية على القادير‬
‫الت هي أول وبداية‪ .‬ورجوع فروعها ال اصولا‪ ,‬ومبادئها ال غاياتا‪ ,‬حت كأنه يشاهد مبادىء الكمة‪ ,‬وتأسيس القضايا‬
‫على وفق الكمة والعدل والصلحة والرحة والحسان‪ ,‬ل ترج قضية عن ذلك ال انقضاء الكوان‪ ,‬وانفصال الحكام يوم‬
‫الفصل بي العباد‪ ,‬وظهور عدله وحكمته‪ ,‬وصدق رسله وما أخبت به عنه لميع الليقة‪ ,‬انسها وجنّها‪ ,‬مؤمنها وكافرها‪.‬‬

‫وحينئذ يتبي من صفات جلله ونعوت كماله للخلق ما ل يكونوا يعرفونه قبل ذلك‪ ,‬حت ان أعرف خلقه به ف الدنيا يثن‬
‫عليه يومئذ من صفات كماله ونعوت جلله ما ل يكن يسنه ف الدنيا‪ ,‬وكما يظهر ذلك للقه تظهر لم السباب الت زاغ‬
‫با الزائغون‪ ,‬وضلّ الضالّون‪ ,‬وانقطع النقطعون‪ ,‬فيكون الفرق بي العلم يومئذ بقائق الصفات والعلم با ف الدنيا كالفرق بي‬
‫العلم بالنة والنار ومشاهدتما أعظم من ذلك‪.‬‬

‫وكذلك يفهم من العهد كيف اقتضت أساؤه وصفاته لوجود النبوة والشرائع وأن ل يترك خلقه سدى‪ ,‬وكيف اقتضت كا‬
‫تضمّنته من الوامر والنواهي‪ ,‬وكيف اقتضت وقوع الثواب والعقاب والعاد‪ ,‬وأن ذلك من موجبات أسائه وصفاته‪ ,‬بيث ينّه‬
‫عما زعم أعداؤه من انكار ذلك‪ ,‬ويرى شول القدرة‪ ,‬واحاطتها بميع الكائنات‪ ,‬حت ل يشذّ عنها مقال ذرة‪ ,‬ويرى أنه لو‬
‫كان معه اله آخر لفسد هذا العال‪ ,‬فكانت تفسد السموات والرض ومن فيهن‪.‬‬

‫وأنه سبحانه لو جاز عليه النوم أو الوت لتدكدك هذا العال بأسره‪ ,‬ول يثبت طرفة عي‪ .‬ويرى مع ذلك السلم واليان‬
‫الذين تعبّد بما جيع عباده‪ ,‬كيف انبعاثهما من الصفات القدسة‪ ,‬وكيف اقتضيا الثواب والعقاب عاجل وآجل‪ .‬ويرى مع‬
‫ذلك أنه ل يستقيم قبول هذا العهد والتزامه لن جحد صفاته‪ ,‬وأنكر علوه على خلقه وتكلمه بكتبه وعهوده‪ ,‬كما ل يستقيم‬
‫قبوله لن أنكر حقيقة سعه وبصره وحياه وارادته وقدرته‪ ,‬وأن هؤلء هم الذين ردوا عهده وأبوا قبوله‪ ,‬وأن من قبله منهم ل‬
‫يقبله بميع ما فيه‪ ,‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫[‪ ]99‬خلق بدن آدم من الرض وروحه من ملكوت السماء‬

‫خلق بدن آدم من الرض وروحه من ملكوت السماء‪ ,‬وقرن بينهما‪ .‬فاذا أجاع بدنه وأسهره وأقامه ف الدمة‪ ,‬وجدت‬
‫روحه خفة وراحة‪ ,‬فتاقت ال الوضع الذي خلقت منه‪ ,‬واشتاقت ال عالها العلوي‪ .‬واذا أشبعه ونعّمه ونومه واشتغل بدمته‬
‫وراحته‪ ,‬أخلد البدن ال الوضع الذي خلق منه‪ ,‬فانذبت الروح معه‪ ,‬فصارت ف السجن‪ ,‬فلول أنا ألفت السجن لستغاثت‬
‫من أل مفرقتها وانقطاعها عن عالها الذي خلقت منه كما يستغيث العذّب‪.‬‬

‫وبالملة‪ ,‬فكلما خف البدن لطفت الروح‪ ,‬وخفت وطلبت عالها العلوي‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫وكلما ثقل وأخلد ال الشهوات والراحة ثقلت الروح وهبطت من عالها وصارت أرضية سفليّة‪ ,‬فترى الرجل روحه ف‬
‫الرفيق العلى وبدنه عندك‪ ,‬فيكون نائما على فراشه وروحه عند سدرة النهى تولول العرش‪ ,‬وآخر واقف ف الدمة ببدنه‬
‫وروحه ف السفل تول حول السفليات‪ .‬فاذا فارقت الروح البدن‪ ,‬التحقت برفيقها العلى أو الدن‪ ,‬فعند الرفيق العلى كل‬
‫قرّة عي‪ ,‬وكل نعيم وسرور‪ ,‬وبجة ولذة‪ ,‬وحياة طيبة‪ ,‬وعند الرفيق السفل كل هم وغم‪ ,‬وضيق وحزن‪ ,‬وحياة نكدة‪,‬‬
‫ومعيشة ضنك‪ ,‬قال تعال‪ {:‬ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا } طه ‪.124‬‬

‫فذكره كلمه الذي أنزله على رسوله‪ ,‬والعراض عنه ترك تدبره والعمل به‪ .‬والعيشة الضنك‪ ,‬فأكثر ما جاء ف التفسي‬
‫أناعذاب القب‪ ,‬قاله ابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الدري وابن عباس‪ .‬وفيه حديث مرفوع‪ ( .‬ذكره ابن كثي ف تفسيه‬
‫عن أب سعيد الدري قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ف قول ال عز وجل‪ {:‬فان له معيشة ضنكا} قال‪ ":‬ضمّة‬
‫القب له"‪ .‬تفسي ابن كثي ‪.169\3‬‬

‫وأصل الضنك ف اللغة‪ :‬الضيق والشدة‪ ,‬وكل ما ضاق فهو ضنك‪ ,‬يقال‪ :‬منل ضنك وعيش ضنك‪ ,‬فهذه العيشة الضنك‪,‬‬
‫ف مقابلة التوسيع على النفس والبدن بالشهوات واللذات والراحة‪ .‬فان النفس كلما وسعت عليها ضيّقت على القلب حت‬
‫تعيش معيشة ضنكا‪ ,‬وكلما ضيّقت عليها وسعت على القلب حت ينشرح وينفسح‪ .‬فضنك العيشة ف الدنيا بوجب التقوى‬
‫سعتها ف البزخ والخرة‪ ,‬وسعة العيشة ف الدنيا بكم الوى ضنكها ف البزخ والخرة‪ ,‬فآثر أحسن العيشتي وأطيبهما‬
‫وأدومها‪.‬‬

‫فأشق البدن بنعيم الروح ول تشق الروح بنعيم البدن‪ ,‬فان نعيم الروح وشقاءها أدوم وأعظم‪ ,‬ونعيم البدن وشقاءه أقصر‬
‫وأهون‪ ,‬وال الستعان‪.‬‬

‫العارف ل يأمر الناس بترك الدنيا فانم ل يقدرون على تركها‪ ,‬ولكن يأمرهم بترك الذنوب مع اقامتهم على دنياهم‪ ,‬فترك‬
‫الدنيا فضيلة‪ ,‬وترك الذنوب فريضة‪ .‬فكيف يؤمر بالفضيلة من ل يقم بالفريضة! فان صعب عليهم ترك الذنوب‪ ,‬فاجتهد أن‬
‫تبب ال اليهم بذكر آلئه وانعامه واحسانه وصفات كماله ونعوت جلله‪ ,‬فان القلوب مفطورة على مبته‪ .‬فاذا تعلقت ببه‬
‫هان عليك ترك الذنوب‪ ,‬والصرار عليها‪ ,‬والستقلل منها‪ ,‬وقد قال يي بن معاذ‪ ":‬طلب العاقل لدنيا خي من ترك الاهل‬
‫لا"‪.‬‬

‫العارف يدعو الناس ال ال من دنياهم‪ ,‬فتسهل عليهم الجابة‪ ,‬والزاهد يدعوهم ال ال بترك الدنيا‪ ,‬فتشق عليهم الجابة‪.‬‬
‫فان الفطام عن الثدي الذي ما عقل النسان نفسه ال وهو يرتضع منه شديد‪ ,‬ولكن تي من الرضعات أزكاهن وأفضلهن‪,‬‬
‫فان للب تأثيا ف طبيعة الرتضع‪ ,‬ورضاع الرأة المقى يعود بمق الولد‪ .‬وأنفع الرضاعة ما كان من الجاعة‪ ,‬فان قويت على‬
‫مرارة الفطام وال فارتضع بقدر‪ ,‬فان من البشم ما يقتل‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫[‪ ]100‬رعاية القوق مع الضر ورعايتها مع العافية‬

‫ان عبدي كل عبدي الذي يذكرن وهو ملق قرنه‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيا لعلكم‬
‫تفلحون} النفال ‪ .45‬ليس العجب من صحيح فارغ واقف مع الدمة‪ ,‬انا العجب من ضعيف سقيم تعتوره الشغال‪,‬‬
‫وتتلف عليه الحوال‪ ,‬وقلبه ف الدمة‪ ,‬غي متخلف با يقدر عليه‪.‬‬

‫[‪ ]101‬معرفة ال تعال نوعان‬

‫النوع الول‪ :‬معرفة واقرار‪ ,‬وهي الت اشترك فيها الناس‪ ,‬الب والفاجر‪ ,‬والطيع والعاصي‪.‬‬

‫النوع الثان‪ :‬معرفة توجب الياء منه‪ ,‬والحبة له‪ ,‬وتعلق القلب به‪ ,‬والشوق ال لقائه‪ ,‬وخشيته‪ ,‬والنابة اليه‪ ,‬والنس به‪,‬‬
‫والفرار من اللق اليه‪ .‬وهذه هي العرفة الاصة الارية على لسان القوم‪ ,‬وتفاوتم فيما ل يصيه ال الذي عرفهم بنفسه‪,‬‬
‫وكشف لقلوبم من معرفته ما أخفاه عن سواهم‪ ,‬وكل أشار ال هذه العرفة بسب مقامه وما كشف له منها‪ .‬وقد قال‬
‫أعرف اللق به‪ ":‬ل أحصي ثناء عليك‪ ,‬أنت كما أثنيت على نفسك" مسلم ف الصلة ‪ 352\1‬رقم ‪ .222‬وأخب انه‬
‫سبحانه يفتح عليه يوم القيامة من مامده با ل يسنه الن‪.‬‬

‫ولذه العرفة بابان واسعان‪ :‬باب التفكّر والتأمّل ف آيات القرآن كلها‪ ,‬والفهم الاص عن ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫والباب الثان‪ :‬التفكّر ف آياته الشهودة‪ ,‬وتأمل حكمته فيها‪ ,‬وقدرته ولطفه‪ ,‬واحسانه وعدله‪ ,‬وقيامه بالقسط على خلقه‪.‬‬
‫وجاع ذلك‪ :‬الفقه ف معان أسائه السن‪ ,‬وجللا وكمالا‪ ,‬وتفرّده بذلك‪ ,‬وتعلّقها باللق والمر‪ ,‬فيكون فقيها ف أوامره‬
‫ونواهيه‪ ,‬فقيها ف قضائه وقدره‪ ,‬فقيها ف أسائه وصفاته‪ ,‬فقيها ف الكم الدين الشرعي والكم الكون القدري‪ ,‬و‪ {:‬ذلك‬
‫فضل ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم} الديد ‪.21‬‬

‫[‪ ]102‬أنواع الكسب‬

‫الدراهم أربعة‪ :‬درهم اكتسب بطاعة ال‪ ,‬وأخرج ف حق ال‪ ,‬فذاك خي الدراهم‪ ,‬ودرهم اكتسب بعصية‪ ,‬وأخرج ف‬
‫معصية ال‪ ,‬فذاك شر الدراهم‪ ,‬ودرهم اكتسب ف أذى مسلم‪ ,‬وأخرج ف أذى مسلم فهو كذلك‪ ,‬ودرهم اكتسب بباح‪,‬‬
‫وأنفق ف شهوة فذاك ل له ول عليه‪.‬‬

‫هذه أصول الدراهم ويتفرّع عليها دراهم أخر‪ :‬منها درهم اكتسب بق وأنفق ف باطل‪ ,‬ودرهم اكتسب بباطل وأنفق ف‬
‫حق فانفاقه كفّارته‪ ,‬ودرهم اكتسب من شبهة فكفّارته أن ينفق ف طاعة ال‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫وكما يتعلق الثواب والعقاب والدح والذم باخراج الدرهم فكذلك يتعلق باكتسابه‪ .‬وكذلك يسأل عن مستخرجه ومصروفه‬
‫من أين اكتسبه وفيما أنفقه‪.‬‬

‫[‪ ]103‬مواساة الؤمن وأنواعها‬

‫الواساة للمؤمني أنواع‪ :‬مواساة بالال‪ ,‬ومواساة بالاه‪ ,‬ومواساة بالبدن والدمة‪ ,‬ومواساة بالنصيحة والرشاد‪ ,‬ومواساة‬
‫بالدعاء والستغفار لم‪ ,‬ومواساة بالتوجع لم‪ .‬وعلى قدر اليان تكون هذه الواساة‪ .‬فكلما ضعف اليان ضعفت الواساة‪,‬‬
‫وكلما قوى قويت‪ ,‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم أعظم مواساة لصحابه بذلك كله‪ ,‬فلتباعه من الواساة بسب‬
‫اتباعهم له‪.‬‬

‫ودخلوا على بشر الاف ف يوم شديد البد وقد ترد وهو ينتفض‪ ,‬فقالوا‪ :‬ما هذا يا أبا نصر؟ فقال‪ :‬ذكرت الفقراء وبردهم‬
‫وليس ل ما أواسيهم‪ ,‬فأحببت أن أواسيهم ف بردهم‪.‬‬

‫[‪ ]104‬الهل بالطريق يورث التعب‬

‫الهل بالطريق وآفاتا والقصود يوجب التعب الكثي مع الفائدة القليلة‪ ,‬فان صاحبه اما أن يتهد ف نافلة مع اضاعة الفرض‪,‬‬
‫أو ف عمل الوارح ل يواطئه عمل القلب‪ ,‬أو عمل بالباطن والظاهر ل يتقيد بالقتداء‪ ,‬أو هة ال عمل ل ترق صاحبها ال‬
‫ملحظة القصود‪ ,‬أو عمل ل يترز من آفاته الفسدة له حال العمل وبعده‪ ,‬أ‪ ,‬عمل غفل فيه عن مشاهدة النّة‪ ,‬فلم يتجرّد عن‬
‫مشاركة النفس فيه‪ ,‬أو عمل ل يشهد تقصيه فيه‪ ,‬فيقوم بعده ف مقام العتذارمنه‪ ,‬أو عمل ل يوفّه حقه من النصح‬
‫والحسان‪ ,‬وهويظن أنّه وفّاه‪ ,‬فهذا كله ما ينقض الثمرة مع كثرة التعب‪ ,‬وال الوفّق‪.‬‬

‫[‪ ]105‬الرحلة ال ال تعال وما يكتنفها من الوادع والقواطع‬

‫اذا عزم العبد على السفر ال ال تعال وارادته‪ ,‬عرضت له الوادع والقواطع‪ ,‬فيتخدع أول بالشهوات والرئاسات‪ ,‬واللذ‬
‫والناكح واللبس‪ ,‬فان وقف معها انقطع‪ ,‬وان رفضها ول يقف معها وصدق ف طلبه ابتلي بوطء عقبه(كثي التباع)‪ ,‬وتقبيل‬
‫يده‪ ,‬والتوسعة له ف الجلس‪ ,‬والشارة اليه بالدعاء‪ ,‬ورجاء بركته‪ ,‬ونو ذلك‪ .‬فان وقف معه انقطع به عن ال وكان حظه‬
‫منه‪ ,‬وان قطعه ول يقف معه ابتلي بالكرامات والكشوفات‪ ,‬فان وقف معها انقطع با عن ال وكانت حظّه‪ ,‬وان ل يقف معها‬
‫ابتلي بالتجريد والتخلي ولذة المعية وعزة الةحدة والفراغ من الدنيا‪ .‬فان وقف مع ذلك انقطع به عن القصود‪ ,‬وان ل يقف‬

‫‪130‬‬
‫معه‪ ,‬وسار ناظرا ال مراد ال منه‪ ,‬وما يبه منه‪ ,‬بيث يكون عبده الوقوف على مابه ومراضيه أين كانت وكيف كانت‪,‬‬
‫تعب با أو استراح‪ ,‬تنعّم أو تألّم‪ ,‬أخرجته ال الناس أو عزلته عنهم‪ ,‬ل يتار لنفسه غي ما يتاره له سيده ووليه‪ ,‬واقف مع‬
‫أمره ينفذ بسب المكان‪ ,‬ونفسه عنده أهون عليه أن يقدم راحتها ولذتا على مرضاة سيده وأمره‪ .‬فهذا هو العبد الذي قد‬
‫وصل‪ ,‬ونفذ ول يقطعه عن سيده شيء البتة‪ ,‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫[‪ ]106‬نعم ال تعال وأنواعها‬

‫النعم ثلثة‪ :‬نعمة حاصلة يعلم با العبد‪ ,‬ونعمة منتظرة يرجوها‪ ,‬ونعمة هو فيها ل يشعر با‪ ,‬فاذا أراد ال اتام نعمته على‬
‫عبده عرّفه نعمته الاضرة وأعطاه من شكره قيدا يقيّدها به حت ل تشرد‪ ,‬فانا تشرد بالعصية‪ ,‬وتقيّد بالشكر‪ .‬ووفقه لعمل‬
‫يستجلب النعمة النتظرة‪ ,‬وبصّره بالطرق ال تسدها وتقطع طريقها‪ ,‬ووفقه لجتنابا‪ .‬واذا با قد وافت اليه على أت الوجوه‪,‬‬
‫وعرّفه النعم الت هو فيها ول يشعر با‪.‬‬

‫ويكى أن أعرابيا دخل على الرشيد‪ ,‬فقال يا أمي الؤمني ثبّت ال عليك النعم الت أنت فيها بادامة شكرها‪ ,‬وحقق لك‬
‫النعم الت ترجوها بسن الظن به ودوام طاعته‪ ,‬وعرّفك النعم الت أنت فيها ول تعرفها لتشكرها‪ .‬فأعجبه ذلك منه وقال‪ :‬ما‬
‫أحسن تقسيمه‪.‬‬

‫(قاعدة جليلة)‬
‫الواطر والفكار مبدأ كل علم نظري‬

‫مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الواطر والفكار‪ ,‬فانا توجب التصورات‪ ,‬والتصورات تدعو ال الرادات‪,‬‬
‫والرادات تقتضي وقوع الفعل‪ ,‬وكثرة تكراره تعطي العادة‪ .‬فصلح هذه الراتب بصلح الواطر والفكار‪ ,‬وفسادها‬
‫بفسادها‪ .‬فصلح الواطر بأن تكون مراقبة لوليها والها صاعدة اليه‪ ,‬دائرة على مرضاته ومابه‪ ,‬فانه سبحانه به كل صلح‪,‬‬
‫ومن عنده كل هدى‪ ,‬ومن توفيقه كل رشد‪ ,‬ومن تولّيه واعراضه عنه كل ضلل وشقاء‪ .‬فيظفر العبد بكل خي وهدى ورشد‪,‬‬
‫بقدر اثبات عي فكرته ف آلئه ونعمه وتوحيده‪ ,‬وطرق معرفته‪ ,‬وطرق عبوديته‪ ,‬وانزاله اياه حاضرا معه‪ ,‬مشاهدا له‪ ,‬ناظرا‬
‫اليه‪ ,‬رقيبا عليه‪ ,‬مطّلعا على خواطره وارادته وهّه فحينئذ يستحيي منه‪ ,‬ويله أن يطلعه منه على عورة يكره أن يطلع عليها‬
‫ملوق مثله‪ ,‬أو يرى ف نفسه خاطرا يقته عليه‪.‬‬

‫فمت أنزل ربه هذه النلة منه رفعه وقرّبه منه‪ ,‬وأكرمه واجتباه وواله‪ ,‬وبقدر ذلك يبعد عنه الوساخ والدناءات والواطر‬
‫الرديئة والفكار الدنيئة‪ .‬كما أنه كلما بعد منه وأعرض عنه قرب من الوساخ والدناءات والقذار‪ ,‬ويقطع عنه جيع‬
‫الكمالت ويتصل بميع النقائص‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫فالنسان خي الخلوقات‪ ,‬اذا تقرّب من بارئه‪ ,‬والتزم أوامره ونواهيه‪ ,‬وعمل برضاته‪ ,‬وآثره على هواه‪ .‬وشرّ الخلوقات اذا‬
‫تباعد عنه ول يتحرك قلبه لقربه وطاعته وابتغاء مرضاته‪ .‬فمت اختار التقرّب اليه‪ ,‬وآثره على نفسه وهواه‪ ,‬فقد حكّم قلبه‬
‫وعقله وايانه على نفسه وشيطانه‪ ,‬وحكّم رشده على غيّه‪ ,‬وهداه على هواه‪ .‬ومت اختار التباعد منه فقد حكم نفسه وهواه‬
‫وشيطانه على عقله وقلبه ورشده‪.‬‬

‫واعلم أن الطرات والوساوس تؤدي متعلقاتا ال الفكر‪ ,‬فيأخذها الفكر فيؤديها ال التذكر‪ .‬فيأخذها الذكر فيؤديها ال‬
‫الرادة‪ ,‬فتأخذها الرادة فتؤديها ال الوارح والعمل‪ ,‬فتستحكم فتصي عادة‪ ,‬فرّدها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتا‬
‫وتامها‪ .‬فانا تجم عليه هجوم النفس‪ ,‬ال ان قوة اليان والعقل تعينه على قبول أحسنها‪ ,‬ورضاه به‪ ,‬ومساكنته له‪ ,‬وعلى دفع‬
‫أقبحها‪ ,‬وكراهته له‪ ,‬ونفرته منه كما قال الصحابة رضوان ال عليهم‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬ان أحدنا يد ف نفسه ما لن يترق حت‬
‫يصي حمة أحب اليه من أن يتكلم به‪ ,‬فقال‪":‬أوقد وجدتوه؟" قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬قال‪" :‬ذاك صريح اليان" مسلم ف اليان ‪\1‬‬
‫‪ 119‬رقم ‪ .209‬وف لفظ "المد ل الذي رد كيده ال الوسوسة"‪ .‬أبو داود ف الدب باب رد الوسوسة ‪330 329\4‬‬
‫رقم ‪.5112‬‬

‫وفيه قولن‪ :‬أحدها‪ :‬أن رده وكراهته صريح اليان‪ .‬والثان‪ :‬أن وجوده والقاء الشيطان له ف النفس صريح اليان‪ ,‬فانه انا‬
‫ألقاه ف النفس طلبا لعارضة اليان وازالته به‪.‬‬

‫وقد خلق ال سبحانه النفس شبيهة بالرحى الدائرة الت ل تسكن ول بد لا من شيء تطحنه‪ ,‬فان وضع فيها حب طحنته‪,‬‬
‫وان وضع فيها تراب أو حصى طحنته‪ .‬فالفكار والواطر الت تول ف النفس هي بنلة الب الذي يوضع ف الرحى‪ ,‬ول‬
‫تبقى تلك الرحى معطلة قط‪ ,‬بل ل بد من شيء يوضع فيها‪ ,‬فمن الناس من تطحن رحاه حبا يرج دقيقا ينفع به نفسه وغيه‪,‬‬
‫وأكثرهم يطحن رمل وحصى وتبنا ونو ذلك‪ ,‬فاذا جاء وقت تاعجن والبز تبيّن له حقيقة طحينه‪.‬‬

‫فاذا دفعت الاطر الوارد عليك اندفع عنك ما بعده‪ ,‬وان قبلته صار فكرا جوّال‪ ,‬فاستخدم الرادة فتساعد هي والفكر على‬
‫استخدام الوارح‪ ,‬قان تعذّر استخدامها رجعا ال القلب بالتمن والشهوة‪ ,‬وتوجههوال جهة الراد‪ .‬ومن العلوم أن اصلح‬
‫الواطر أسهل من اصلح الفكار‪ ,‬واصلح الفكار أسهل من اصلح الرادات‪ ,‬واصلح الرادات أسهل من تدارك فساد‬
‫العمل‪ ,‬وتداركه أسهل من قطع العوائد‪ .‬فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما ل يعنيك‪ ,‬فالفكر ف ما ل‬
‫يعن باب كل شر‪ ,‬ومن فكّر فيما ل يعنيه‪ ,‬فاته ما يعنيه‪ ,‬واشتغل عن أنفع الشياء له با ما ل منفعة له فيه‪ ,‬فالفكر والواطر‪,‬‬
‫والرادة والمة أحق شيء باصلحه من نفسك‪ ,‬فان هذه خاصتك وحقيقتك الت تبتعد با أو تقرب با من الك ومعبودك‬
‫الذي ل سعادة لك ال ف قربه ورضاه عنك‪ ,‬وكل الشقاء ف بعدك عنه وسخطه عليك‪ ,‬ومن كان ف خواطره ومالت فكره‬
‫دنيئا خسيسا ل يكن ف سائر أمره ال كذلك‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫وايّاك أ‪ ،‬تكّن الشيطان من بيت أفكارك واراداتك‪ ,‬فانه يفسدها عليك فسدا يصعب تداركه‪ ,‬ويلقي اليك أنواع الوساوس‬
‫والفكار الضرّة‪ ,‬ويول بينك وبي الفكر فيما ينفعك‪ ,‬وأنت الذي أعنته على نفسك‪ ,‬بتمكينه من قلبك وخوطرك فملكها‬
‫عليك‪ .‬فمثلك معه مثال صاحب رحى يطحن فيها جيّد البوب‪ ,‬فأتاه شخص معه حل تراب وبعر فحم وغثاء ليطحنه ف‬
‫طاحونه‪ ,‬فان طرده ول يكنه من القاء ما معه ف الطاحون استمر على طحن ما ينفعه‪ ,‬وان مكّنه من القاء ذلك ف الطاحون‬
‫أفسد ما فيها من الب وخرج الطحي كله فاسدا‪ .‬والذي يلقيه الشيطان ف النفس ل يرج عن الفكر فيما كان ودخل ف‬
‫الوجود لو كان على خلف ذلك‪ ,‬وفيما ل يكن لو كان كيف كان يكون‪ .‬أ‪ ,‬فيما يلك الفكر فيه من أنواع الفواحش‬
‫والرام‪ ,‬أو ف خيالت وهية ل حقيقة لا أو ف باطل‪ ,‬أو فيما ل سبيل ال ادراكه من أنواع ما طوى عنه علمه‪ ,‬فيلقيه ف‬
‫تلك الواطر الت ل يبلغ منها غاية‪ ,‬ول يقف منها على ناية‪ ,‬فيجعل ذلك مال فكره ومسرح هّه‪.‬‬

‫وجاع اصلح ذلك‪ :‬أن تشغل فكرك ف باب العلوم والتصورات بعرفة ما يلزمك من التوحيد وحقوقه‪ ,‬وف الوت وما بعده‬
‫ال دخول النة والنار‪ .‬وف آفات العمال وطرق التحرز منها‪ .‬وف باب الرادات والعزوم أن تشغل نفسك بارادة ما ينفعك‬
‫ارادته‪ ,‬وطرح ارادة ما يضرك ارادته‪ .‬وعند العارفي أن تنّى اليانة واشغال الفكر والقلب با أضر على القلب من نفس‬
‫اليانة‪ ,‬ول سيما اذا فرغ قلبه منها بعد مباشرتا‪ ,‬فان تنيها يشغل القلب با ويلؤه منها ويعلها هه ومراده‪.‬‬

‫وأنت تد ف الشاهد أن اللك ف البشر اذا كان ف بعض حاشيته وخدمه من هو متمن ليانته مشغول القلب والفكر با‬
‫متلىء منها‪ ,‬وهو مع ذلك ف خدمته وقضاء أشغاله‪ ,‬فاذا اطّلع على سره وقصده‪ ,‬مقته غاية القت‪ ,‬وأبغضه‪ ,‬وقابله با‬
‫يستحقّه‪ ,‬وكان أبغض اليه من رجل بعيد عنه جن بعض النايات وقلبه وسره مع اللك غي منطو على تنّي اليانة ومبتها‬
‫والرص عليها‪ ,‬فالوّل يتركها عجزا واشتغال با هو فيه وقلبه منلىء با‪ ,‬والثان يفعلها وقلبه كاره لا ليس فيه اضمار اليانة‬
‫ول الصرار عليها‪ ,‬فهذا أحسن حال وأسلم علقبة من الول‪.‬‬

‫وبالملة‪ ,‬فالقلب ل يلو قط من الفكر اما ف واجب آخرته ومصالها‪ ,‬واما ف مصال دنياه ومعاشه‪ ,‬واما ف الوساوس‬
‫والمان الباطلة والقدرات الفروضة‪ .‬وقد تقدم أن النفس مثلها كمثل رحى تدور با يلقى فيها‪ ,‬فان ألقيت فيها حبا دارت به‪,‬‬
‫وان ألقيت فيها حصى وزجاجا وبعرا دارت به‪ ,‬وال سبحانه هو قيّم تلك الرحى ومالكها ومصرّفها وقد أقام لا ملكا يلقي‬
‫فيها ما ينفعها فتدور به‪ ,‬وشيطانا يلقي فيها ما يضر فتدور به‪ ,‬فاللك يلم مرة والشيطان يلم با مرة‪ ,‬فالب الذي يلقيه اللك‬
‫ايعاد بالي وتصديق بالوعد‪ ,‬والب الذي يلقيه الشيطان ايعاد بالشر وتكذيب بالوعد‪ .‬والطحي على قدر الب‪ ,‬وصاحب‬
‫الب الضر ل يتمكن من القائه ال اذا وجد الرحى فارغة من الب وقيّمها قد أهلها وأعرض عنها‪ ,‬فحينئذ يبادر ال القاء ما‬
‫معه فيها‪.‬‬

‫وبالملة‪ ,‬فقيّم الرحى اذا تلى عنها وعن اصلحها وعن القاء الب النافع فيها وجد العدو السبيل ال افسادها وادارتا با‬
‫معه‪ .‬وأصل صلح هذه الرحى بالشتغال با يعنيك‪ ,‬وفاسدها كله الشتغال با ل يعنيك‪ ,‬وما أحسن ما قال بعض العقلء‪ :‬لا‬

‫‪133‬‬
‫وجدت أنواع الذخائر منصوبة غرضا للمتالف‪ ,‬ورأيت الزوال حاكما عليها مدركا لا‪ ,‬انصرفت عن جيعها ال ما ل ينازع‬
‫فيه ذو الجا أنه أنفع الذخائر وأفضل الكاسب وأربح التاجر‪ ,‬وال الستعان‪.‬‬

‫[‪ ]108‬من أقوال شفيق البلخي‬

‫قال شفيق بن ابرهيم‪ :‬أغلق باب التوفيق عن اللق من ستة أشياء‪ :‬اشتغالم بالنعمة عن شكرها‪ .‬ورغبتهم ف العلم‪ ,‬وتركهم‬
‫العمل‪ .‬والسارعة ال الذنب وتأخي التوبة‪ .‬والغترار بصحبة الصالي وترك القتداء بفعالم‪ .‬وادبار الدنيا عنهم وهم يتبعونا‪.‬‬
‫واقبال الخرة عليهم وهم معرضون عنها‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وأصل ذلك عدم الرغبة والرهبة‪ ,‬وأصله ضعف اليقي‪ ,‬وأصله ضعف البصية‪ ,‬وأصله مهانة النفس ودناءتا واستبدالا‬
‫بالذي هو خي‪ .‬وال فلو مانت النفس شريفة كبية ل ترض بالدون‪ .‬فأصل الي كله‪ -‬بتوفيق ال ومشيئته‪ -‬وشرف النفس‬
‫وكبها ونبلها‪ .‬وأصل الشر خستها ودناءتا وصغرها‪ ,‬قال تعال‪ {:‬قد أفلح من زكّاها * وقد خاب من دسّاها} الشمس ‪9‬‬
‫‪ , 10‬أي أفلح من كبّرها وكثّرها ونّاها بطاعة ال‪ ,‬وخاب من صغّرها وحقّرها بعاصي ال‪.‬‬

‫فالنفوس الشريفة ل ترضى من الشياء ال بأعلها وأفضلها وأحدها عاقبة‪ ,‬والنفوس الدنيئة توم حول الدناءات وتقع عليها‬
‫كما يقع الذباب على القذار‪ .‬فالنفس الشريفة العليّة ل ترضى بالظلم ول بالفواحش ول بالسرقة واليانة‪ ,‬لنا أكب من ذلك‬
‫وأجل‪ .‬والنفس الهينة القية السيسة بالضد من ذلك‪ .‬فكل نفس تيل ال ما يناسبها ويشاكلها‪ ,‬وهذا معن قوله تعال‪ {:‬قل‬
‫كل يعمل على شاكلته} السراء ‪ ,84‬أي على ما يشاكله ويناسبه‪ ,‬فهو يعمل على طريقته الت تناسب أخلقه وطبيعته‪ ,‬وكل‬
‫انسان يري على طريقته ومذهبه وعاداته ال ألفها وجبل عليها‪ .‬فالفاجر يعمل با يشبه طريقته من مقابلة النعم بالعاصي‪,‬‬
‫والعراض عن النعم‪ ,‬والؤمن يعمل با يشاكله من شكر النعم‪ ,‬ومبته والثناء عليه‪ ,‬والتودد اليه والياء منه‪ ,‬والراقبة له‪,‬‬
‫وتعظيمه واجلله‪.‬‬

‫[‪ ]109‬اعرف نفسك تعرف ربك‬

‫من ل يعرف نفسه‪ ,‬كيف يعرف خالقه؟ فاعلم أن اللع تعال قد خلق ف صدرك بيتا وهو القلب‪ ,‬ووضع ف صدره عرشا‬
‫لعرفته‪ ,‬يستوي عليه الثل العلى‪ ,‬فهو مستو على عرشه بذاته بائن من خلقه‪ ,‬والثل العلى من معرفته ومبته وتوحيده مستو‬
‫على سرير القلب‪ ,‬وعلى السرير بساط من الرضا‪ .‬ووضع عن يينه وعن شاله مرافق شرائعه وأوامره‪ ,‬وفتح اليه بابا من جنة‬
‫رحته‪ ,‬والنس به‪ ,‬والشوق ال لقائه‪ ,‬وأمطره من وابل كلمه‪ .‬ما أنبت فيه أصناف الرياحي‪ ,‬والشجار الثمرة من أنواع‬
‫الطاعات‪ ,‬والتهليل والتسبيح والتحميد والتقديس وجعل ف وسط البستان شجرة معرفة‪ ,‬فهي‪ {:‬تؤت أكلها كل حي باذن‬
‫ربا} ابراهيم ‪ ,25‬من الحبة والنابة والشية والفرح به والبتهاج بقربه‪ .‬وأجرى ال تلك الشجرة ما يسقيها من تدبّر كلمه‬
‫وفهمه والعمل بوصاياه‪ .‬وعلّق ف ذلك البيت قنديل‪ ,‬أسرجه بضياء معرفته‪ ,‬واليان به وتوحيده‪ .‬فهو يستمد من‪{ :‬شجرة‬

‫‪134‬‬
‫مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو ل تسسه نار} النور ‪ .35‬ث أحاط عليه حائطا ينعه من دخول‬
‫الفات والفسدين ومن يؤذي البستان‪ ,‬فل يلحقه أذاهم‪ ,‬وأقام عليه حرسا من اللئكة يفظونه ف يقظته ومنامه‪ ,‬ث أ‘ل‬
‫صاحب البيت والبستان بالساكن فيه فهو دائما هه اصلح السكن ول شعثه‪ ,‬ليضاه السكن منل‪ .‬واذا أحس بأدن شعث ف‬
‫السكن‪ ,‬بادر ال اصلحه‪ ,‬ولّه خشية انتقال السكن منه‪ ,‬فنعم السكن ونعم السكن‪.‬‬

‫فسبحان ال رب العالي‪ ,‬كم بي هذا البيت وبيت قد استول عليه الراب‪ ,‬وصار مأوى للحشرات والوام‪ ,‬ومل للقاء‬
‫النتان والقاذورات فيه‪ .‬فمن أراد التخلي وقضاء الاجة وجد خربة ل ساكن فيها‪ ,‬ول حافظ لا‪ ,‬وهي معدة لقضاء الاجة‪,‬‬
‫مظلمة الرجاء‪ ,‬منتنة الرائحة‪ ,‬قد عمّها الراب‪ ,‬وملتا القاذورات‪ ,‬فل يأنس با‪ ,‬ول ينل فيها ال من يناسبه سكنها من‬
‫الشرات‪ ,‬والديدان والوام‪ .‬الشيطان جالس على سريرها‪ ,‬وعلى السرير بساط من الهل‪ ,‬وتفق فيه الهواء‪ ,‬وعن يينه‬
‫وشاله مرافق الشهوات‪ ,‬وقد فتح اليه باب من حقل الذلن والوحشة‪ ,‬والركون ال الدنيا‪ ,‬والطمأنينة با‪ ,‬والزهد ف الخرة‪,‬‬
‫وأمطر من وابل الهل والوى والشرك والبدع ما أنبت فيه أصناف الشوك والنظل‪ ,‬والشجار الثمرة بأنواع العاصي‬
‫والخالفات‪ ,‬من الزوائد والتنديبات ‪ ,‬والنوادر والزليات والضحكات‪ ,‬والشعار الغزليات‪ ,‬والمريات الت تيج على ارتكاب‬
‫الحرمات‪ ,‬وتزهد ف الطاعات‪ .‬وجعل ف وسط القل شجرة الهل به والعراض عنه‪ ,‬فهي تؤت أكلها كل حي من الفسوق‬
‫والعاصي‪ ,‬واللهو واللعب‪ ,‬والجون والذهاب مع كل ريح‪ ,‬واتباع كل شهوة‪ .‬ومن ثرها الموم والغموم والحزان واللم‪.‬‬
‫ولكنها متوارية باشتغال النفس بلهوها ولعبها‪ ,‬فاذا أفاقت من سكرها أحضرت كل هم وغم‪ ,‬وحزن وقلق‪ ,‬ومعيشة ضنك‪,‬‬
‫وأجرى ال تلك الشجرة ما يسقيها من اتباع الوى وطول المل والغرور‪.‬‬

‫ث ترك ذلك البيت وظلماته‪ ,‬وخراب حيطانه‪ ,‬بيث ل ينع منه مفسدة‪ ,‬ول حيوان ول مؤذ ول قذر‪ ,‬فسبحان خالق هذا‬
‫البيتوذاك البيت‪ ,‬فمن عرف بيته وقدّر ما فيه من الكنوز والذخائر واللت انتفع بياته ونفسه‪ ,‬ومن جهل ذلك جهل نفسه‬
‫وأضاع سعادته‪ ,‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫سئل سهل التستري‪ :‬الرجل يأكل ف اليوم أكلة؟ قال‪ :‬أكل الصديقي‪ ,‬قيل له‪ :‬فأكلتي؟ قال‪ :‬أكل الؤمني‪ ,‬قيل له ثلث‬
‫أكلت؟ فقال‪ :‬قل لهله يبنوا له معلفا‪.‬‬

‫قال السود بن سال‪ :‬ركعتي اصليه ل أحب ال من النة با فيها‪ .‬فقيل له‪ :‬هذا خطأ‪ ,‬فقال‪ :‬دعونا من كلمكم‪ ,‬النة‬
‫رضى نفسي‪ ,‬والركعتان رضى رب‪ ,‬ورضى رب أحب ال من رضى نفسي‪.‬‬

‫العارف ف الرض ريانة من رياحي النة‪ ,‬اذا شها الريد اشتاقت نفسه ال النة‪.‬‬

‫قلب الحب موضوع بي جلل مبوبه وجاله‪ ,‬فاذا لحظ جلله هابه وعظّمه‪ ,‬واذ لحظ جاله أحبه واشتاق اليه‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫[‪ ]110‬من أنواع معرفة ال تعال‬

‫من الناس من يعرف ال بالود والفضال والحسان‪ ,‬ومنهم من يعرفه بالعفو واللم والتجاوز‪ ,‬ومنهم من يعرفه بالبطش‬
‫والنتقام‪ ,‬ومنهم من يعرفه بالعلم والكمة‪ ,‬ومنهم من يعرفه بالعزة والكبياء‪ ,‬ومنهم من يعرفه بالرحة والب واللطف‪ ,‬ومنهم‬
‫من يعرفه بالقهر واللك‪ ,‬ومنهم من يعرفه باجابة دعوته واغاثة لفته وقضاء حاجته‪.‬‬

‫واعلم هؤلء معرفة من عرف من كلمه‪ ,‬فانه يعرف ربا قد اجتمعت له صفات الكمال ونعوت اللل‪ ,‬منّه عن الثال‪,‬‬
‫بريء من النقائص والعيوب‪ ,‬له كل اسم حسن وكل وصف كمال‪ ,‬فعّال لا يريد‪ ,‬فوق كل شيء ومع كل شيء‪ ,‬وقادر على‬
‫كل شيء‪ ,‬ومقيم لكل شيء‪ ,‬آمر ناه متكلم بكلماته الدينية والكونية‪ ,‬أكب من كل شيء‪ ,‬وأجل من كل شيء‪ ,‬أرحم‬
‫الراحي‪ ,‬وأقدر القادرين‪ ,‬وأحكم الاكمي‪ .‬فالقرآن أنزل لتعريف عباده به‪ ,‬وبصراطه الوصل اليه‪ ,‬وبال السالكي بعد‬
‫الوصول اليه‪.‬‬

‫[‪ ]111‬حول قوله تعال‪:‬‬


‫{ان ال ل يغيّر ما بقوم حت يغيّروا ما بأنفسهم}‬

‫من الفات الفية العامة أن يكون العبد ف نعمة أنعم ال با عليه واختارها له‪ ,‬فيملها العبد ويطلب النتقال منها ال ما يزعم‬
‫لهله أنه خي له منها‪ ,‬وربه برحته ل يرجه من تلك النعمة‪ ,‬ويعذره بهله وسوء اختياره لنفسه‪ ,‬حت اذا ضاق ذرعا بتلك‬
‫النعمة وسخطها وتبّم با واستحكم ملله لا سلبه ال ايّاها‪ .‬فاذا انتقل ال ما طلبه ورأى التفاوت بي ما كان فيه وصار اليه‪,‬‬
‫اشتد قلقه وندمه وطلب العودة ال ما كان فيه‪ ,‬فاذا أراد ال بعبده خيا ورشدا أشهده أن ما هو فيه نعمة من نعمه عليه‬
‫ورضاه به‪ ,‬وأوزعه شكره عليه‪ ,‬فاذا حدثته نفسه بالنتقال عنه‪ ,‬استخار ربه استخارة جاهل بصلحته عاجز عنها‪ ,‬مفوض ال‬
‫ال طالب منه حسن اختياره له‪.‬‬

‫وليس على العبد أضر من ملله لنعم ال‪ ,‬فانه ل يراها نعمة‪ ,‬ول يشكره عليها‪ ,‬ول يفرح با‪ ,‬بل يسخطها‪ ,‬ويشكو ويعدّها‬
‫مصيبة‪ .‬هذا وهي من أعظم نعم ال عليه‪ ,‬فأكثر الناس أعداء نعم ال عليهم‪ ,‬ول يشعرون بفتح ال عليهم نعمه‪ ,‬وهم متهدون‬
‫ف دفعها وردها جهل وظلما‪ .‬فكم سعت ال أحدهم من نعمة‪ ,‬وهو ساع ف ردها بهده‪ ,‬وكم وصلت اليه وهو ساع ف‬
‫دفعها وزوالا بظلمه وجهله‪ ,‬قال تعال‪ {:‬ذلك بأن ال ل يك مغيّرا نعمة أنعمها على قوم حت يغيّروا ما بأنفسهم}النفال‬
‫‪ ,53‬وقال تعال‪ {:‬ان ال ل يغيّر ما بقوم حت يغيّروا ما بأنفسهم} الرعد ‪.11‬‬

‫فليس للنعم أعدى من نفس العبد‪ ,‬فهو مع عدوه ظهي على نفسه‪ ,‬فعدوه يطرح النار ف نعمه وهو ينفخ فيها‪ ,‬فهو الذي‬
‫مكّنه من طرح النار ث أعانه بالنفخ‪ ,‬فاذا اشتدّ ضرامها استغاث من الريق وكان غايته معاتبة القدار‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫حت اذا فات أمر عاتب القدرا‬ ‫وعاجز الرأي مضياع لفرصته‬

‫[‪ ]112‬معرفة ال سبحانه وتعال بالمال‬

‫من أعز أنواع العرفة معرفة الرب سبحانه وتعال بالمال‪ ,‬وهي معرفة خواص اللق‪ ,‬وكلهم عرفه بصفة من صفاته‪ ,‬وأتهم‬
‫معرفة من عرفه بكماله وجلله‪ ,‬وجاله سبحانه ليس كمثله شيء ف سائر صفاته‪ ,‬لو فرضت اللق كلهم على أجلهم صورة‬
‫وكلهم على تلك الصورة‪ ,‬ونسبت جالم الظاهر والباطن ال جال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سراج ضعيف ال قرص‬
‫الشمس‪.‬‬

‫ويكفي ف جاله "أنه لو كشف الجاب عن وجهه لحرقت سبحاته ما انتهى اليه بصره من خلقه" أخرجه مسلم ف كتاب‬
‫اليان ‪ .161\1‬ويكفي ف جاله أن كل جال ظاهر وباطن ف الدنيا والخرة فمن آُثار صنعته‪ ,‬فما الظن بن صدر عنه هذا‬
‫المال‪.‬‬

‫ويكفي ف جاله أن له العزة جيعا‪ ,‬والقوة جيعا‪ ,‬والود كله‪ ,‬والحسان كله‪ ,‬والعال كله‪ ,‬والفضل كله‪ ,‬ولنور وجهه‬
‫أشرقت الظلمات كما قال النب صلى ال عليه وسلم‪ ":‬أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات‪ ,‬وصلح عليه أمر الدنيا‬
‫والخرة"‪ .‬اليثمي ف ممع الزوائد ‪.35\6‬‬

‫وقال عبد ال بن مسعود‪ :‬ليس عند ربكم ليل ول نار‪ ,‬نور السموات وال{ض من نور وجهه‪ ,‬فهو سبحانه نور السموات‬
‫والرض‪ ,‬ويوم القيامة اذا جاء لفصل القضاء تشرق الرض بنوره‪ .‬ومن أسائه السن "الميل"‪ .‬وف الصحيحعنه صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ":‬ان ال جيل يب المال"‪ .‬أبو داود كتاب اللباس باب ما جاء ف الكب ‪ 59\4‬رقم ‪.4091‬‬

‫وجاله سبحانه على أربعة مراتب‪ :‬جال الذات‪ ,‬وجال الصفات‪ ,‬وجال الفعال‪ ,‬وجال الساء‪ .‬فأساؤه كلها حسن‪,‬‬
‫وصفاته كلها صفات كمال‪ ,‬وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحة‪ .‬وأما جال الذات وما هو عليه‪ ,‬فأمر ل يدركه‬
‫سواه‪ ,‬ول يعلمه غيه‪ ,‬وليس عند الخلوقي منه ال تعريفات تعرّف با ال من أكرمه من عباده‪ ,‬فان ذلك المال مصون عن‬
‫الغيار‪ ,‬مجوب بستر الرداء والزار‪ ,‬كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬الكبياء ردائي والعظمة ازاري" أبو داود‬
‫كتاب اللباس بال ما جاء ف الكب ‪ 59\4‬رقم ‪ .409‬ولا كانت الكبياء أعظم وأوسع كانت أحق باسم الرداء‪ ,‬فانه سبحانه‬
‫الكبي التعال فهو سبحانه العلي العظيم‪.‬‬

‫قال ابن عباس‪ :‬حجب الذات بالصفات‪ ,‬وحجب الصفات بالفعال‪ ,‬فما ظنك بمال حجب بأوصاف الكمال‪ ,‬وستر‬
‫بنعوت العظمة واللل‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫ومن هذا العن يفهم البعض معان جال ذاته‪ ,‬فانه العبد يترقّى من معرفة الفعال ال معرفة الصفات‪ ,‬ومن معرفة الصفات ال‬
‫معرفة الذات فاذا شاهد شيئا من جال الفعال استدل به على جال الصفات ث استدل بمال الصفات على جال الذات‪ .‬ومن‬
‫هاهنا يتبي أنه سبحانه له المد كله‪ ,‬وأن أحدا من خلقه ل يصي ثناء عليه‪ ,‬بل هو كما أثن على نفسه‪ ,‬وأنه يستحق أن‬
‫يعبد لذاته‪ ,‬ويشكر لذاته‪ ,‬وأنه سبحانه يب نفسه‪ ,‬ويثن على نفسه‪ ,‬ويمد نفسه‪ ,‬وأن مبته لنفسه‪ ,‬وحده لنفسه‪ ,‬وثناءه‬
‫على نفسه‪ ,‬وتوحيده لنفسه‪ ,‬هو ف القيقة المد والثناء والب والتوحيد‪ ,‬فهو سبحانه كما أثن على نفسه‪ ,‬وفوق كا يثن به‬
‫عليه خلقه‪ ,‬وهو سبحانه كما يب ذاته يب صفاته وأفعاله‪ ,‬فكل أفعاله حسن مبوب وان كان ف مفعولته ما يبغضه‬
‫ويكرهه‪ ,‬فليس ف أفعاله ما هو مكروه مسخوط‪ ,‬وليس ف الوجود ما يب لذاته‪ ,‬ويمد لذاته ال هو سبحانه وتعال‪ ,‬وكل‬
‫ما يب سواه فان كانت مبته تابعة لحبته سبحانه بيث يب لجله‪ ,‬فمحبته صحيحة‪ ,‬وال فهي مبة باطلة‪ ,‬وهذا هو حقيقة‬
‫اللية‪ ,‬فان ال الق هو الذي يب لذاته ويمد لذاته‪ .‬فكيف اذا انضاف ال ذلك احسانه وانعامه‪ ,‬وحلمه وتاوزه وعفوه‬
‫وبرّه ورحته؟‬

‫فعلى العبد أن يعلم أنه ل اله ال ال فيحبه ويمده لذاته وكماله‪ ,‬وأن يعلم أنه ل مسن على القيقة بأصناف النعم الظاهرة‬
‫والباطنة ال هو‪ ,‬فيحبه لحسانه وانعامه‪ ,‬ويمده على ذلك‪ ,‬فيحبه من الوجهي جيعا‪ .‬وكما أمه ليس كمثله شيء فليس‬
‫كمحبته مبة‪ .‬والحبة مع الضوع هي العبودية الت خلق اللق لجلها‪ ,‬فانا غاية الب بغاية الذل‪ ,‬ول يصلح ذلك ال له‬
‫سبحانه‪ .‬والشراك به ف هذا هو الشرك الذي ل يغفره ال ول يقبل لصاحبه عمل‪.‬‬

‫وحده يتضمن أصلي‪ :‬الخبار بحامده وصفات كماله‪ ,‬والحبة له عليها‪ ,‬فمن أخب بحاسن غيه من غي مبة له ل يكن‬
‫حامدا‪ .‬ومن أحبّه من غي اخبار بحاسنه ل يكن حامدا حت يمع المرين‪ ,‬وهو سبحانه يمد نفسه با يريه على ألسنة‬
‫الامدين له من ملئكته وأنبائه ورسله وعباده الؤمني‪ ,‬فهو الامد لنفسه بذا وهذا‪ ,‬فان حدهم له بشيئته واذنه وتكوينه‪ ,‬فانه‬
‫هو الذي جعل الامد حامدا والسلم مسلما والصلي مصليا والتائب تائبا‪ ,‬فمنه ابتدأت النعم واليه انتهت‪ ,‬فابتدأت بمده‬
‫وانتهت ال حده‪ ,‬وهو الذي ألهم عبده التوبة وفرح با أعظم فرح‪ ,‬وهي من فضله وجوده‪ .‬وهو سبحانه غن عن كل ما‬
‫سواه بكل وجه‪ ,‬وما سواه فقي اليه بكل وجه‪ ,‬والعبد مفتقر اليه لذاته ف السباب والغايات‪ ,‬فان ما ل يكون به ل يكون‪,‬‬
‫وما ل يكون له ل ينفع‪.‬‬

‫[‪ ]113‬ان ال جيل يب المال‬

‫وقوله ف الديث "ان ال جيل يب المال" الترمذي باب ما جاء ف النظافة‪ ,‬يتناول جال الثياب السؤول عنه ف نفس‬
‫الديث‪ .‬ويدخل فيه بطريق العموم المال من كل شيء كما ف الديث الخر‪ ":‬ان ال نظيف يب النظافة" ‪111\5‬رقم‬
‫‪.2799‬‬

‫وف الصحيح‪ ":‬ان ال طيب ل يقبل ال طيبا"مسلم كتاب الزكاة ‪ 703\2‬رقم ‪.65‬‬

‫‪138‬‬
‫وف السنن‪ ":‬ان ال يب أ‪ ،‬يرى أثر نعمته على عبده" الترمذي ف الدب ‪ 123\5‬رقم ‪.2819‬‬

‫وفيها عن أب الحوص الشمي‪ ,‬قال‪ ":‬رآن النب صلى ال عليه وسلم وعلى أطمار‪ ,‬فقال‪ ":‬هل لك من مال؟" قلت نعم‪,‬‬
‫قال‪ :‬من أي مال؟ قلت‪ :‬من كل مل أتى ال من البل والشاء‪ ,‬قال‪ ":‬فلتر نعمته وكرامته عليك"‪.‬أبوداود ف اللباس ‪51\4‬‬
‫رقم ‪.4063‬‬

‫فهو سبحانه يب ظهور أثر نعمته على عبده‪ ,‬فانه من المال الذي يبه‪ ,‬وذلك من شكره على نعمه‪ ,‬وهو جال باطن‬
‫فيحب أن يرى على عبده المال الظاهر بالنعمة والمال الباطن بالشكر عليها‪ .‬ولحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا‬
‫وزينة تمّل ظواهرهم‪ ,‬وتقوى تمّل بواطنهم فقال‪ {:‬يا بن آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى‬
‫ذلك خي}العراف ‪ ,26‬وقال ف أهل النة‪ {:‬ولقّاهم نضرة وسرورا‪ .‬وجزاهم با صبوا جنّة وحريرا}النسان ‪,12-11‬‬
‫فجمّل وجوههم بالنضرة‪ ,‬وبواطنهم بالسرور‪ ,‬وأبدانم بالرير‪.‬‬

‫وهو سبحانه كما يب المال ف القوال والفعال واللباس واليئة‪ ,‬يبغض القبيح من القوال والفعال والثياب واليئة‪,‬‬
‫فيبغض القبيح وأهله ويب المال وأهله‪ .‬ولكن ضل ف هذا الوضوع فريقان‪ :‬فريق قالوا كل ما خلقه جيل‪ ,‬فهو يب كل‬
‫ما خلقه‪ ,‬ونن نب جيع ما خلقه فل نبغض منه شيئا‪ ,‬قالوا‪ :‬ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جيلة‪ .‬وأنشد منشدهم‪:‬‬

‫فجميع ما يوي الوجود مليح‬ ‫واذا رأيت الكائنات بعينهم‬

‫واحتجوا بقول ال تعال‪ {:‬الذي أحسن كل شيء خلقه} السجدة ‪ ,7‬وقوله‪ {:‬صنع ال الذي أتقن كل شيء} النمل ‪,88‬‬
‫وقوله‪ {:‬ما ترى ف خلق الرحن من تفاوت} اللك ‪ ,3‬والعارف عندهم هو الذي يصرح باطلق المال‪ ,‬ول يرى ف‬
‫الوجود قبيحا‪.‬‬

‫وهؤلء قد عدمت الغية ل ف قلوبم‪ ,‬والبغض ف ال‪ ,‬والعاداة فيه‪ ,‬وانكار النكر‪ ,‬والهاد ف سبيله‪ ,‬واقامة حدوده! ويرى‬
‫جال الصور من الذكور والناث من المال الذي يبه ال‪ ,‬فيتعبدون بفسقهم‪ ,‬وربا غل بعضهم حت يزعم أن معبوده يظهر‬
‫ف تلك الصورة ويل فيها‪ .‬وان كان اتاديا ( ومعناه من يقول أن الالق هو عي الخلوق) قال‪ :‬هي مظهر من مظاهر الق‪,‬‬
‫ويسميها الظاهر المالية‪.‬‬

‫[‪ ]114‬نظرات ف المال‬

‫‪139‬‬
‫وقابلهم الفريق الثان فقالوا‪ :‬قد ذم ال سبحانه وتعال جال الصور‪ ,‬وتام القامة واللقة‪ ,‬فقال عن النافقي‪ {:‬واذا رأيتهم‬
‫تعجبك أجسامهم} النافقون ‪ ,4‬وقال‪{ :‬وكم أهلكنا قبلهم من قرن أحسن أثاثا ورءيا}مري ‪ ,74‬أي أموال ومناظر‪ .‬قال‬
‫السن‪ :‬هو الصور تفسي ابن كثي ‪ .134\3‬وف صحيح مسلم عن النب صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬ان ال ل ينظر ال صوركم‬
‫وأموالكم وانا ينظر ال قلوبكم وأعمالكم" كتاب الب والصلة ‪ .1986\4‬قالوا‪ :‬ومعلوم أنه ل ينف نظر الدراك‪ ,‬وانا نفى‬
‫نظر الحبة قالوا‪ :‬وقد حرّم علينا لباس الرير والذهب وآنية الذهب والفضة‪ ,‬وذلك من أعظم جال الدنيا‪ ,‬وقال‪[ :‬ول تدّن‬
‫عينيك ال ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الياة الدنيا لنفتنهم فيه} طه ‪ ,131‬وف الديث "البذاذة من اليان" النهاية ف‬
‫غريب الديث ‪ .110\1‬وقد ذم ال السرفي‪ .‬والسرف كما يكون ف الطعام والشراب يكون ف اللباس‪.‬‬

‫وفصل الناع أن يال‪ :‬المال ف الصورة واللباس واليئة ثلثة أنواع‪ :‬منه ما يمد‪ ,‬ومنه ما يذم‪ ,‬ومنه ما ل يتعلق به مدح‬
‫ول ذم‪ .‬فالحمود منه ما كان ل‪ ,‬وأعان على طاعة ال‪ ,‬وتنفيذ أوامره‪ ,‬والستجابة له‪ ,‬كما كان النب صلى ال عليه وسلم‬
‫يتجمّل للوفود‪ .‬وهو نظي آلة الرب للقتال ولباس الرير ف الرب واليلء فيه‪ .‬فان ذلك ممود اذا تضمّن اعلء كلمة ال‪,‬‬
‫ونصر دينه‪ ,‬وغيظ عدوّه‪ .‬والذموم منه ما كان للدنيا والرئاسة والفخر واليلء والتوسل ال الشهوات‪ ,‬وأن يكون هو غاية‬
‫العبد وأقصى مطلبه‪ .‬فان كثيا من النفوس ليس لا هّة ف سوى ذلك‪ .‬وأما ما ل يمد ول يذم فهو ما خل عن هذين‬
‫القصدين‪ ,‬وترّد عن الوصفي‪.‬‬

‫والقصود أن هذا الديث الشريف مشتمل على أصلي عظيمي‪ :‬فأوله معرفة‪ ,‬وآخره سلوك‪ .‬فيعرف ال سبحانه بالمال‬
‫الذي ل ياثله فيه شسء‪ ,‬ويعبد بالمال الذي يبه من القوال والعمال والخلق‪ .‬فيحب من عبده أن يمل لسانه بالصدق‪,‬‬
‫وقلبه بالخلص والحبة والنابة والتوكل‪ ,‬وجوارحه بالطاعة‪ ,‬وبدنه باظهار نعمه عليه ف لباسه‪ ,‬وتطهيه له من الناس‬
‫والحداث والوساخ والشعور الكروهة والتان وتقليم الظافر‪ ,‬فيعرفه بصفات المال الذي هو وصفه‪ ,‬ويعبده بالمال‬
‫الذي هو شرعه ودينه‪ ,‬فجمع الديث قاعدتي‪ :‬العرفة والسلوك‪.‬‬

‫[‪ ]115‬صدق العبد مع ربه‬

‫ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه ف جيع أموره مع صدق العزية‪ ,‬فيصدقه ف عزمه وف فعله‪ ,‬قال تعال‪ {:‬فاذا عزم المر‬
‫فلو صدقوا ال لكان خي لم} ممد ‪ ,21‬فسعادته ف صدق العزية وصدق الفعل‪ ,‬فصدق العزية جعها وجزمها وعدم التردد‬
‫فيها بل تكون عزية ل يشوبا تردد ول تلوّم‪ .‬فاذا صدقت عزيته بقي عليه صدق الفعل‪ ,‬وهو استفراغ الوسع وبذل الهد‬
‫فيه‪ ,‬وأن ل يتخلّف عنه بشيء من ظاهره وباطنه‪ ,‬فعزية القصد تنعه من ضعف الرادة والمّة‪ ,‬وصدق الفعل ينعه من الكسل‬
‫والفتور‪ .‬ومن صدق ال ف جيع أموره صنع ال له فوق ما يصنع لغيه‪ .‬وهذا الصدق معن يلتئم من صحّة الخلص وصدق‬
‫التوكّل‪ ,‬فأصدق الناس من صحّ اخلصه وتوكّله‪.‬‬

‫[‪ ]116‬ف القدر‬

‫‪140‬‬
‫رب ذو ارادة أمر عبدا ذا ارادة‪ ,‬فان وفّقه وأراد من نفسه أن يعينه ويلهمه فعل ما أمر به‪ .‬وان خذله وخله وارادته ونفسه‪,‬‬
‫وهو من هذه اليثية ل يتار ال ما تواه نفسه وطبعه‪ ,‬فهو من حيث هو انسان ل يريد ال ذلك‪ .‬ولذلك ذمّه ال ف كتابه من‬
‫هذه اليثية ول يدحه ال بأمر زائد على تلك اليثية‪ ,‬وهو كونه مسلما ومؤمنا وصابرا ومسنا وشكورا وتقيا وبرا‪ ,‬ونو‬
‫ذلك‪ .‬وهذا أمر زائد على مرّد كونه انسانا وارادته صالة‪ ,‬ولكن ل يكفي مرّد صلحيتها ان ل تؤيد بقدر زائد على ذلك‬
‫وهو النوفيق‪ ,‬كما أنه ل يكفي ف الرؤية مرّد صلحية العي للدراك ان ل يصل سبب آخر من النور النفصل عنها‪.‬‬

‫[‪ ]117‬أعظم الظلم والهل أن تطلب التعظيم لتفسك وقلبك خال من تعظّم ال تعال‬

‫من أعظم الظلم والهل أن تطلب التعظيم والتوقي لك من الناس وقلبك خال من تعظيم ال وتوقيه‪ ,‬فانك توقّر الخلوق‬
‫وتلّه أن يراك ف حال ل توقّر ال أن يراك عليها‪ ,‬قال تعال‪ {:‬مالكم ل ترجون ل وقارا}نوح ‪ ,13‬أي ل تعاملونه معاملة‬
‫من توقّرونه‪ ,‬والتوقي‪ :‬العظمة‪ .‬ومنه قوله تعال‪ {:‬وتوقّروه} الفتح من الية ‪ ,9‬قال السن‪ :‬ما لكم ل تعرفون ال حقا ول‬
‫تشكرونه؟ وقال ماهد‪ :‬ل تبالون فظمة ربكم‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬ل ترون ل طاعة‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬ل تعرفون حق عظمته‪.‬‬
‫الامع لحكام القرآن ‪.196\18‬‬

‫وهذه القوال ترجع ال معن واحد‪ ,‬وهو أنم لو عظّموا ال وعرفوا حق عظمته وحّدوه وأطاعوه وشكروه‪ ,‬فطاعته سبحانه‪,‬‬
‫واجتناب معاصيه‪ ,‬والياء منه‪ ,‬بسب وقاره ف القلب‪ .‬ولذا قال بعض السلف‪ :‬ليعظم وقار ال ف قلب أحدكم أ‪ ،‬يذكره‬
‫حي يستحي من ذكره‪ ,‬فيقرن اسه به كما تقول‪ :‬قبّح ال الكلب والنير والنت ونوذلك‪ ,‬فهذا من وقار ال‪.‬‬

‫ومن وقاره أن ل تعدل به شيئا من خلقه‪ ,‬ل ف اللفظ‪ ,‬بيث تقول‪ :‬وال وحياتك‪ ,‬مال ال ال وأنت‪ ,‬وما شاء ال وشئت‪,‬‬
‫ول ف الب والتعظيم والجلل‪ ,‬ول ف الطاعة‪ ,‬فتطيع الخلوق ف أمره ونيه كما تطيع ال‪ ,‬بل أعظم‪ ,‬كما عليه أكثر الظامة‬
‫والفجرة‪ ,‬ول ف الوف والرجاء‪ .‬ويعله أهون الناظرين اليه‪ ,‬ول يستهي بقه ويقول‪ :‬هو مبن على السامة‪ ,‬ول يعله على‬
‫الفضلة‪ ,‬ويقدّم حق الخلوق عليه‪ ,‬ول يكون ال ورسوله ف حد وناحية‪ ,‬والناس ف ناحية وحد‪ ,‬ويكون ف الد والشق الذي‬
‫فيه الناس دون الد والشق الذي فيه ال ورسوله‪ ,‬ول يعطي الخلوق ف ماطبته قلبه ولبه ويعطي ال ف خدمته بدنه ولسانه‬
‫دون قلبه وروحه‪ ,‬ول يعل مراد نفسه مقدما على مراد ربه‪.‬‬

‫فهذا كله من عدم وقار ال ف القلب‪ ,‬ومن كان كذلك فان ال ل يلقي ف قلوب الناس وقارا ول هيبة‪ ,‬بل يسقط وقاره‬
‫وهيبته من قلوبم‪ ,‬وان وقّروه مافة شرّه فذاك وقار بغض ل وقار حب وتعظيم‪ ,‬ومن وقار ال أن يستحي من اطلعه على‬
‫سره وضميه فيى فيه ما يكره‪ .‬ومن وقاره أن يستحي منه ف اللوة أعظم ما يستحي من أكابر الناس‪.‬‬

‫والقصود أن من ل يوقّر ال وكلمه‪ ,‬وما آتاه من العلم والكمة كيف يطلب من الناس توقيه‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫القرآن وتاعلم وكلم الرسول صلى ال عليه وسلّم صلت من الق‪ ,‬وتنبيهات وروادع وزواجر واردة اليك‪ ,‬والشيب رادع‬
‫وموقظ قائم بك‪ ,‬فل ما ورد اليك وعظك! ول ما قام بك نصحك! ومع هذا تطلب التوقي والتعظيم من غيك! فأنت مصاب‬
‫ل تؤثّر فيه مصيبته وعظا وانزجارا‪ ,‬وهو يطلب من غيه أ‪ ،‬يتّعظ وينجر بالنظر ال مصابه‪ .‬فالضرب ل يؤثر فيه جزرا‪ ,‬وهو‬
‫يريد النزجار من نظر ال ضربه‪.‬‬

‫من سع بالثلت والعقوبات واليات ف حق غيه ليس كمن رآها عيانا ف غيه‪ ,‬فكيف بن وجدها ف نفسه؟‪ {:‬سنريهم‬
‫آياتنا ف الفاق وف أنفسهم} فصلت ‪ ,53‬فآياته ف الفاق مسموعة معلومة‪ ,‬وآياته ف النفس مشهودة مرئيّة‪ ,‬فعياذا بال من‬
‫الذلن‪ .‬قال تعال‪ {:‬ان الذين حقّت عليهم كلمت ربك ل يؤمنون ‪ .‬ولو جاءتم كل آية حت يروا العذاب الي} يونس‬
‫‪ ,96,97‬وقال‪ {:‬ولو أنّنا أنزلنا اليهم اللئكة وكلّمهم الوتى وحشرنا عليهم كل شيء قبل ما كانوا ليؤمنوا ال أن يشاء‬
‫ال} النعام ‪.111‬‬

‫والعاقل الؤيد بالتوفيق يعتب بدون هذا‪ ,‬ويتمم نقائص خلقته بفضائل أخلقه وأعماله‪ ,‬فكلما امتحى من جثمانه أثر‪ ,‬زاد‬
‫ايانه أثر‪ ,‬وكلما نقص من قوى بدنه‪ ,‬زاد ف قوة ايانه ويقينه ورغبته ف ال والدار الخرة‪ ,‬وان ل يكن هكذا فالوت خي له؛‬
‫لنه ل يقف به على حد معي من الل والفساد‪ ,‬بلف العيوب والنقائص مع طول العمر‪ ,‬فانا زيادة ف أله وهّه وغمّه‬
‫وحسرته‪ ,‬وانا حسن طول العمر ونفع ليحصل التذكّر والستدراك واغتنام الغرض والتوبة النصوح كما قال تعال‪ {:‬أول‬
‫نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر} فاطر ‪ ,37‬فمن ل يورثه التعمي وطول البقاء اصلح معائبه‪ ,‬وتدارك فارطه‪ ,‬واغتنام بقيّة‬
‫أنفاسه‪ ,‬فيعمل على حياة قلبه‪ ,‬وحصول النعيم القيم‪ ,‬وال فل خي له ف حياته‪.‬‬

‫فان العبد على جناح سفر اما ال النة واما ال النار‪ .‬فاذا طال عمره‪ ,‬وحسن عمله‪ ,‬كان طول سفره زيادة له ف حصول‬
‫النعيم واللذة‪ ,‬فانه كلما طال السفر اليها كانت الصبابة أجلّ وأفضل‪ ,‬واذا طال عمره‪ ,‬وساء عمله كان طول سفره زيادة ف‬
‫أله وعذابه‪ ,‬ونزول له ال أسفل‪ :‬فالسافر اما صاعد واما نازل‪ ,‬وف الديث الرفوع‪ ":‬خيكم من طال عمره وحسن عمله‪,‬‬
‫وشرّكم من طال عمره وقبح عمله" الترمذي ف السنن ‪ 566\4‬رقم ‪.2330‬‬

‫فالطالب الصادق ف طلبه كلما خرب شيء من ذاته‪ ,‬جعله عمارة لقلبه وروحه‪ ,‬وكلما نقص شيء من دنياه‪ ,‬جعله زيادة ف‬
‫آخرته‪ ,‬وكلما منع شيئا من لذّات دنياه‪ ,‬جعله زيادة ف لذّات آخرته‪ .‬فنقصان بدنه ودنياه ولذته وجاهه ورئاسته ان زاد ف‬
‫حصول ذلك وتوفيه عليه ف معاده‪ ,‬كان رحة به وخيا له‪ ,‬وال كان حرمانا وعقوبة على ذنوب ظاهرة أو باطنة‪ ,‬أو ترك‬
‫واجب أو باطن‪ ,‬فن حرمان خي الدنيا والخرة مرتّب على هذه الربعة‪ ,‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫(فائدة)‬
‫[‪ ]118‬مثل الرء ف الياة الدنيا كمثل مسافر‬

‫‪142‬‬
‫الناس منذ خلقوا ل يزالوا مسافرين‪ ,‬وليس لم حط رحالم ال ف النة أو ف النار‪ .‬والعاقل يعلم أ‪ ،‬السفر مبن على الشقّة‬
‫وركوب الخطار‪ .‬ومن الحال عادة أ‪ ،‬يطلب فيه نعيم ولذّة وراحة‪ ,‬انا ذلك بعد انتهاء السفر‪ .‬ومن العلوم أن كل وطأة‬
‫قدم‪ ,‬أ‪ ,‬كل آ‪ ،‬من آنات السفر غي واقفة‪ ,‬ول الكلف واقف‪ ,‬وقد ثبت أ‪،‬ه مسافر على الال الت يب أن يكون السافر‬
‫عليها من تيئة الزاد الوصل‪ ,‬واذا نزل أو نام أو استراح فعلى قدم الستعداد للسي‪.‬‬

‫[‪( ]119‬فائدة)‬
‫الشتغال بالشاهدة‬

‫عند العارفي أن الشتغال بالشاهدة عن الد ف السي ف السر وقوفه‪ ,‬لنه ف زمن الشاهدة لو كان صاحب عمل ظاهر أ‪,‬‬
‫باطن أو ازدياد من معرفة وايان مفصّل كان أول به‪ ,‬فان اللطيفة النسانية تشر على صورة عملها ومعرفتها وهّتها وارادتا‪,‬‬
‫والبدن يشر على صورة عمله السن أو القبيح‪ .‬واذا انتقلت من هذه الدار شاهدت حقيقة ذلك‪ .‬وعلى قدر قرب قلبك من‬
‫ال تبعد من النس بالناس ومساكنتهم‪ ,‬وعلى قدر صيانتك لسرّك وارادتك يكون حفظه‪ .‬ومل ذلك صحة التوحيد‪ ,‬ث صحّة‬
‫العلم بالطريق‪ ,‬ث صحة الرادة‪ ,‬ث صحة العمل‪ .‬والذر كل الذر من قصد الناس لك واقبالم عليك وأن يعثروا على موضع‬
‫غرضك؛ فانا الفة العظمى‪.‬‬

‫[‪( ]120‬فائدة)‬
‫الذر من طريق الشيطان‬

‫كل ذي لب يعلم أنه ل طريق للشيطان عليه ال من ثلث جهات‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬التزيّد والسراف‪ ,‬فيزيد على قدر الاجة فتصي فضلة وهي حظ الشيطان ومدخله ال القلب‪ ,‬وطريق الحتراز منه‬
‫[عدم] اعطاء النفس تام مطلبها من غذاء أو نوم أو لذة أو راحة‪ .‬فمت أغلقت هذه البواب حصل المان من دخول العدو‬
‫منه‪.‬‬
‫الثانبة‪ :‬الغفلة‪ ,‬فان الذاكر ف حصن الذكر‪ ,‬فمت غفل فتح باب الصن فوله العدو فيعسر عليه أو يصعب اخراجه‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬تكلف ما ل يعنيه من جيع الشياء‪.‬‬

‫[‪( ]121‬فائدة)‬
‫طلب النفوذ ال ال والدار الخرة‬

‫‪143‬‬
‫طالب النفوذ ال ال والدار الخرة بل وال كل علم وصناعة ورئاسة بيث يكون رأسا ف ذلك مقتدى به فيه‪ ,‬يتاج أن‬
‫يكون شجاعا مقداما حاكما على وهه‪ ,‬غي مقهور تت سلطان تيّله‪ ,‬زاهدا ف كل ما سوى مطلوبه‪ ,‬عاشقا لا توجه اليه‪,‬‬
‫عارفا بطريق الوصول اليه والطرق والقواطع عنه‪ ,‬مقدام الهمة‪ ,‬ثلبت الأش‪ ,‬ل يثنيه عن مطلوبه لوم لئم‪ ,‬ول عذل عاذل‪,‬‬
‫كثي السكون‪ ,‬دائم الفكر‪ ,‬غي مائل مع لذة الدح ول أل الذم‪ ,‬قائما با يتاج اليه من أسباب معونته‪ ,‬ل تستفزه العارضات‪,‬‬
‫شعاره الصب‪ ,‬وراحته التعب‪ ,‬مبا لكارم الخلق‪ ,‬حافظا لوقته‪ ,‬ل يالط الناس ال على حذر‪ ,‬كالطائر الذي يلتقط الب‬
‫بينهم‪ ,‬قائما على نفسه بالرغبة والرهبة‪ ,‬طامعا ف نتائج الختصاص على بن جنسه‪ ,‬غي مرسل شيئا من حواسه عبثا‪ ,‬ول‬
‫مسرحا خواطره ف مراتب الكون‪ .‬وملك ذلك هجر العوائد‪ ,‬وقطع العلئق الائلة بينك وبي الطلوب‪ ,‬وعند العوام أ‪ ،‬لزوم‬
‫الدب مع الجاب‪ ,‬خي من اطرح الدب مع الكشف‪.‬‬

‫[‪( ]122‬فائدة)‬
‫تواطؤ اللسان والقلب على ذكر ال‬

‫من الذاكرين من يبتديء بذكر اللسان وان كان على غفلة‪ ,‬ث ل يزال فيه حت يضر قلبه فيتواطأ على الذكر‪ .‬ومنهم من ل‬
‫يرى ذلك ول يبتديء على غفلة بل يسكن حت حت يضر قلبه فيشرع ف الذكر بقلبه‪ ,‬فاذا قوي استتبع لسانه فتواطآ جيعا‪.‬‬
‫فالول ينتقل الذكر من لسانه ال قلبه‪ .‬والثان ينتقل من قلبه ال لسانه‪ ,‬من غي أن يلو قلبه منه‪ ,‬بل يسكن أول حت يس‬
‫بظهور الناطق فيه‪ .‬فاذا أحس بذلك نطق قلبه ث انتقل النطق القلب ال الذكر اللسان ث يستغرق ف ذلك حت يد كل شيء‬
‫منه ذكرا‪ ,‬وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان وكان من الذكار النبوية وشهد الذاكر معانيه ومقاصده‪.‬‬

‫[‪ ]123‬فصل‬
‫أنفع الناس لك‬

‫أنفع الناس لك رجل مكّنك من نفسه حت تزرع فيه خيا‪ ,‬أو تصنع اليه معروفا‪ ,‬فانه نعم العون لك على منفعتك وكمالك‪.‬‬
‫فانتفاعك به ف القيقة مثل انتفاعه بك أو أكثر‪ .‬وأضر الناس عليك من مكّن نفسه منك حت تعصي ال فيه فانه عون لك‬
‫على مضرّتك ونقصك‪.‬‬

‫فصل‬
‫[‪ ]124‬اللذة الحرّمة مزوجة بالقبح‬

‫اللذة الحرّمة مزوجة بالقبح حال تناولا‪ ,‬مثمرة للل بعد انقضائها‪ ,‬فاذا اشتدّت الداعية منك اليها‪ ,‬ففكر ف انقطاعها‪,‬‬
‫وبقاء قبحها وألها‪ ,‬ث وازن بي المرين‪ ,‬وانظر ما بينهما من التفاوت‪ ,‬والتعب بالطاعة مزوج بالسن‪ ,‬مثمر للذة والراحة‪,‬‬
‫فاذا ثقلت على النفس‪ ,‬ففكر ف انقطاع تعبها‪ ,‬وبقاء حسنها ولذتا وسرورها‪ ,‬ووازن بي المرين‪ ,‬وآثر الراجح على‬

‫‪144‬‬
‫الرجوح‪ ,‬فان تألّمت بالسبب‪ ,‬فانظر ال ما ف السبب من الفرحة والسرور واللذة‪ ,‬يهن عليك مقاساته‪ ,‬وان تألت بترك اللذة‬
‫الحرمة‪ ,‬فانظر ال الل الذي يعقبه‪ ,‬ووازن بي اللي‪ ,‬وخاصيّة العقل تصيل أعظم النفعتي بتفويت أدناها واحتمال أصغر‬
‫اللي لدفع أعلها‪.‬‬

‫وهذا يتاج ال علم بالسباب ومقتضياتا‪ ,‬وال عقل يتار به الول والنفع له منها‪ ,‬فمن وفّر قسمه من العقل العلم اختار‬
‫الفضل وآثره‪ ,‬ومن نقص حظه منهما أو من أحدها اختار خلفه‪ ,‬ومن فكّر ف الدنيا والخرة علم أنه ل ينال واحدا منهما‬
‫ال بشّقة‪ ,‬فليتحمّل الشقّة ليها وأبقاها‪.‬‬

‫فصل‬
‫[‪ ]125‬ل على العبد ف كل عضو من أعضائه أمر‬

‫ل على العبد ف كل عضو من أعضائه أمر‪ ,‬وله عليه فيه ني‪ ,‬وله فيه نعمة‪ ,‬وله به منفعة ولذة‪ .‬فان قام ل ف ذلك العضو‬
‫بأمره‪ ,‬واجتنب فيه نيه‪ ,‬فقد أدّى شكر نعمته عليه فيه‪ ,‬وسعى ف تكميل انتفاعه ولذته به‪ ,‬وان عطّل أمر ال ونيه فيه‪ ,‬عطّله‬
‫ال من انتفاعه بذلك العضو‪ ,‬وجعله من أكب أسباب أله ومضرّته‪.‬‬

‫وله عليه ف كل وقت من أوقاتته عبوديّة تقدمه اليه‪ ,‬وتقرّبه منه‪ ,‬فان شغل وقته بعبودية الوقت‪ ,‬تقدم تاى ربه‪ ,‬وان شغله‬
‫بوى أو راحة وبطالة تأخّر‪ ,‬فالعبد ل يزال ف تقدّم أو تأخّر‪ ,‬ول وقوف على الطريق البتّة‪ .‬قال تعال‪ {:‬لن شاء منكم أن‬
‫يتقدّم أو يتأخّر} الدثر ‪.37‬‬

‫فصل‬
‫[‪{ ]126‬فريق ف النة وفريق ف السعي}‬

‫أقام ال سبحانه هذا اللق بي المر والنهي‪ ,‬والعطاء والنع‪ .‬فافترقوا فرقتي‪:‬‬

‫فرقة قابلت أمره بالترك‪ ,‬ونيه بالرتكاب‪ ,‬وعطاءه بالغفلة عن الشكر ومنعه بالسخط‪ ,‬وهؤلء أعداؤه‪ ,‬وفيهم من العداوة‬
‫بسب ما فيهم من ذلك‪.‬‬

‫وقسم قالوا‪ :‬انا نن عبيدك‪ ,‬فان أمرتنا سارعنا ال الجابة‪ ,‬وان نيتنا أمسكنا نفسنا‪ ,‬وكففناها عمّا نيتنا عنه‪ ,‬وان أعطيتنا‬
‫حدناك وشكرناك‪ ,‬وان منعتنا تضرّعنا اليك وذكرناك‪ .‬فليس بي هؤلء وبي النة ال ستر الياة الدنيا‪ ,‬فاذا مزّقه عليه الوت‪,‬‬
‫صاروا ال السرة والل‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫فاذا تصادمت جيوش الدنيا والخرة ف قلبك‪ ,‬وأردت أن تعلم من أي الفريقي أنت‪ ,‬فانظر مع من تيل منهما‪ ,‬ومع من‬
‫تقاتل‪ ,‬اذ ل يكنك الوقوف بي اليشي‪ ,‬فأنت مع أحدها ل مالة‪ .‬فالفريق الول استغشوا الوى فخالفوه‪ ,‬واستنصحوا‬
‫بالعقل فشاوروه‪ ,‬وفرّغوا قلوبم للفكر فيما خلقوا له‪ ,‬وجوارحهم للعمل با أمروا به‪ ,‬وأوقاتم لعمارتا با يعمر منازلم ف‬
‫الخرة‪ ,‬واستظهروا على سرعة الجل بالبادرة ال العمال‪ ,‬وسكنوا الدنيا وقلوبم مسافرة عنها‪ ,‬واستوطنوا الخرة قبل‬
‫انتقالم اليها‪ ,‬واهتموا بال على قدر حاجتهم اليه‪ ,‬وتزودوا للخرة على قدر مقامهم فيها‪ ,‬فجعل لم سبحانه من نعيم النة‬
‫وروحها أن آنسهم بنفسه‪ ,‬وأقبل بقلوبم اليه‪ ,‬وجعها على مبته‪ ,‬وشوقهم ال لقائه‪ ,‬ونعمهم بقربه‪ ,‬وفرغ قلوبم ما مل‬
‫قلوب غيهم من مبة الدنيا والم والزن على فوقها‪ ,‬والغم من خوف ذهابا‪ ,‬فاستلنوا ما استرعوه الترفون‪ ,‬وأنسوا با‬
‫استوحش منه الاهلون‪ ,‬صحبوا الدنيا بأبدانم‪ ,‬والل العلى بأرواحهم‪.‬‬

‫فصل‬
‫[‪ ]127‬صفات التوحيد‬

‫التوحيد ألطف شيء وأنزهه وأنظفه وأصفاه‪ ,‬فأدن شيء يدشه ويدنّسه ويؤثّر فيه‪ ,‬فهو كأبيض ثوب يكون‪ ,‬يؤثّر فيه أدن‬
‫أثر‪ ,‬وكالرآة الصافية جدا‪ ,‬أدن شيء يؤثر فيها‪ .‬ولذا تشوشه الظة واللفظة والشهوة الفية‪ ,‬فان بادر صاحبه وقلع ذلك‬
‫الثر بضده‪ ,‬وال اساحكم وصار طبعا يتعسّر عليه قلعه‪.‬‬

‫وهذه الثار والطبوع الت تصل فيه‪ :‬منها ما يكون سريع الصول بطيء الزوال‪ ,‬ومنها ما يكون بطيء الصول سريع‬
‫الزوال‪ ,‬ومنا ما يكون بطيء الصول بطيء الزوال‪ .‬ولكن من الناس ما يكون توحيده كبيا عظيما‪ ,‬ينغمر فيه كثي من تلك‬
‫الثار‪ ,‬ويستحيل فيه بنلة الاء الكثي الذي يالطه أدن ناسة أو وسخ‪ ,‬فيغتر به صاحب التوحيد الضعيف با خلط به صاحب‬
‫التوحيد العظيم الكثي توحيده‪ ,‬فيظهر من تأثيه فيه ما ل يظهر ف التوحيد الكثي‪ .‬وأيضا فان الحل الصاف جدا يظهر لصاحبه‬
‫ما يدنّسه ما ل يظهر ف الحل الذي ل يبلغ ف الصفاء مبلغه‪ ,‬فيتداركه بالزالة دون هذا فانه ل يشعر به أيضا فان قوة اليان‬
‫والتوحيد اذا كانت قوية جدا أحالت الواد الرديئة وقهرتا‪ ,‬بلف القوة الضعيفة‪ ,‬وأيضا فان صاحب الحاسن الكثية‬
‫والغامرة للسيئات ليسامح با ل يسامح به من أتى مثل تلك السيئات وليست له مثل الحاسن‪ ,‬كما قيل‪:‬‬

‫جاءت ماسنه بألف شفيع‬ ‫واذا البيب أتى بذنب واحد‬

‫وأيضا فان صدق الطلب‪ ,‬وقوة الرادة‪ ,‬وكمال النقياد ييل تلك العوارض والغواشي الغريبة ال مقتضاه وموجبه‪ ,‬كما أن‬
‫الكذب‪ ,‬وفساد القصد‪ ,‬وضعف النقياد ييل القوال والفعال المدوحة ال مقتضاه وموجبه‪ ,‬كما يشاهد ذلك ف الخلط‬
‫الغالبة‪ ,‬واحالتها لصال الغذية ال طبعها‪.‬‬

‫[‪( ]128‬فائدة)‬

‫‪146‬‬
‫ترك الشهوات ل‬

‫ترك الشهوات ل وان أنى من عذاب ال وأوجب الفوز برحته‪ ,‬فذخائر ال‪ ,‬وكنوز الب‪ ,‬ولذة النس‪ ,‬والشوق اليه‪,‬‬
‫والفرح والبتهاج به‪ ,‬ل تصل ف قلب فيه غيه‪ ,‬وان كان من أهل العبادة والزهد والعلم‪ ,‬فان ال سبحانه أب أ‪ ،‬يعل ذخائره‬
‫ف قلب فيه سواه‪ ,‬وهّته متعلّقة بغيه‪ ,‬وانا يودع ذخائره ف قلب يرى الفقر غن مع ال‪ ,‬والغن فقرا دون ال والعز ذل دونه‪,‬‬
‫والذل عزا معه‪ ,‬وبالملة‪ ,‬فل يرى الياة ال به ومعه‪ ,‬والوت والل والم والغم والزن‪ ,‬اذا ل يكن معه‪ ,‬فهذا له جنتان جنة‬
‫ف الدنيا معجلة‪ ,‬وجنة يوم القيامة مؤجلة‪.‬‬

‫[‪( ]129‬فائدة)‬
‫النابة اليه تعال‬

‫النابة هي عكوف القلب على ال عز وجل كاعتكاف البدن ف السجد ل يفارقه‪ .‬وحقيقة ذلك عكوف القلب على مبّته‪,‬‬
‫وذكره بالجلل والتعظيم‪ ,‬وعكوف الوارح على طاعته‪ ,‬بالخلص له‪ ,‬والتابعة لرسوله صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ومن ل‬
‫يعكف قلبه على ال وحده‪ ,‬عكف على التمائيل التنوعة‪ ,‬كما قال امام النفاء لقومه‪ {:‬ما هذه التماثيل الت أنتم لا‬
‫عاكفون} آل عمران ‪ .67‬فاقتسم هو وقومه حقيقة العكوف‪ ,‬فكان حظ قومه العكوف على التماثيل‪ ,‬وكان حظه العكوف‬
‫على الرب الليل‪ .‬والتماثيل جع تثال‪ ,‬وهي الصور المثلة‪ .‬فتعلق القلب بغي ال‪ ,‬واشتغاله به‪ ,‬والركون اليه‪ ,‬عكوف منه‬
‫على التمائيل الت قامت بقلبه‪ ,‬وهو نظي العكوف على تاثيل الصنام‪ ,‬ولذا كان شرك عبادة الصنام بالعكوف بقلوبم‬
‫وهمهم وارادتم على تاثيلهم‪ ,‬فاذا كان ف القلب تاثيل قد ملكته واستعبدته بيث يكون عاكفا عليها‪ ,‬فهو نظي عكوف‬
‫الصنام عليها‪ ,‬ولذا سّاه النب صلى ال عليه وسلم عبدا لا ودعا عليه بالتعس والنكس فقال‪ ":‬تعس عبد الدينار‪ ,‬تعس عبد‬
‫الدرهم‪ ,‬تعس وانتكس واذا شيك فل انتقش" البخاري ف كتاب الهاد ‪ 81\6‬رقم (‪.)2887‬‬

‫والناس ف هذه الدار على جناح سفر كلهم‪ ,‬وكل مسافر فهو ظاعن مقصده ونازل على من يسرّ بالنول عليه‪ ,‬وطالب ال‬
‫والدار الخرة انا هو ظاعن ال ال ف حال سفره ونازل عليه عند القدوم عليه‪ ,‬فهذه هته ف سفره وف انقضائه‪ {:‬يا أيتها‬
‫النفس الطمئنة * ارجعي ال ربك راضية مرضية * فادخلي ف عبادي * وادخلي جنّت}الفجر ‪ .30- 27‬وقالت امرأة‬
‫فرعون‪ {:‬رب ابن ل عندك بيتا ف النة} التحري ‪ ,11‬فطلبت كون البيت عنده قبل طلبها أن يكون ف النة‪ ,‬فان الار قبل‬
‫الدار‪.‬‬

‫[‪ ]130‬من كلم أحد الصالي‬

‫قيل ل ف نوم كاليقظة أو يقظة كالنوم‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫ل تبد فاقة ال غيي فأضاعفها عليك مكافأة لروجك عن حدك ف عبوديتك‪.‬‬

‫ابتليتك بالقر لتصي ذهبا خالصا فل تزيفن بعد السبك‪.‬‬

‫حكمت لك بالفقر ولنفسي الغن‪ ,‬فان وصلتها ب وصلتك بالغن‪ ,‬وان وصلتها بغيي حسمت عنك مواد معونت طردا لك‬
‫عن باب‪.‬‬

‫ل تركنن ال شيء دوننا فانه وبال عليك‪ ,‬وقاتل لك‪ .‬وان ركنت ال العمل ردنناه عليك‪ ,‬وان ركنت ال العرفة نكرناها‬
‫عليك‪ ,‬وان ركنت ال الوجد استدرجناك فيه‪ ,‬وان ركنت ال العمل أوقفناك معه‪ ,‬وان ركنت ال الخلوقي وكلناك اليهم‪,‬‬
‫ارضنا لك ربا نرضاك لنا عبدا‪.‬‬

‫[‪( ]131‬فائدة)‬
‫الشهقة الت تعرض عند ساع القرآن أو غيه‬

‫لا أسباب‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أن يلوح له عند السماع درجة ليست له‪ ,‬فيتاح اليها‪ ,‬فتحدث الشهقة‪ ,‬فهذه شهقة شوق‪.‬‬

‫وثانيها‪ :‬أنيلوح له ذنب ارتكبه‪ ,‬فيشهق خوفا وحزنا على نفسه‪ ,‬وهذه شهقة خشية‪.‬‬

‫وثالثها‪ :‬أن يلوح له نقص فيه ل يقدر على دفعه عنه‪ ,‬فيحدث له ذلك حزنا‪ .‬فيشهق شهقة حزن‪.‬‬

‫ورابعها‪ :‬أن يلوح له كمال مبوبه‪ ,‬ويرى الطريق اليه مسدودة عنه‪ ,‬فيحدث ذلك شهقة أسف وحزن‪.‬‬

‫وخامسها‪ :‬أن يكون قد توارى عنه مبوبه‪ ,‬واشتغل بغيه‪ ,‬فذكره السماع مبوبه‪ ,‬فلح له جاله‪ ,‬ورأى الباب مفتوحا‬
‫والطريق ظاهرة‪ ,‬فشهق فرحا وسرورا با لح له‪.‬‬

‫وبكل حال فسبب الشهقة قوة الوارد‪ ,‬وضعف الحل عند الحتمال‪ .‬والقوة أن يعمل ذلك الوارد عمله داخل ول يظهر‬
‫عليه‪ ,‬وذلك أقوى له وأدوم‪ ,‬فانه اذا أظهره ضعف أثره وأوشك انقطاعه‪ .‬هذا حكم الشهقة من الصادق‪ ,‬فان الشاهق اما‬
‫صادق واما سارق واما منافق‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫[‪( ]132‬قاعدة نافعة)‬
‫الفكر مبدأ الرادة وهو أصل الي والشر‬

‫أصل الي والشر من قبل التفكّر‪ ,‬فن الفكر مبدأ الرادة والطلب ف الزهد والترك والب والبغض‪ .‬وأنفع الناس الفكر الفكر‬
‫ف مصال العاد وف طرق اجتلبا وف دفع مفاسد العاد وف طرق اجتنابا‪ ,‬فهذه أربعة أفكار من أجل الفكار‪ .‬ويليها أربعة‪:‬‬
‫فكّر ف مصال الدنيا وطرق تصيلها‪ ,‬وفكّر ف مفاسد الدنيا وطرق الحتراز منها‪ ,‬فعلى هذه القسام الثمانية دارت أفكار‬
‫العقلء‪ .‬ورأس القسم الول الفكر ف آلء ال ونعمه‪ ,‬وأمره ونيه‪ ,‬وطرق العلم به وبأسائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه صلى‬
‫ال عليه وسلم وما والها‪ ,‬وهذا الفكر يثمر لصاحبه الحبة والعرفة‪ .‬فاذا فكر ف الخرة وشرفها ودوامها‪ ,‬وف الدنيا خستها‬
‫وفنائها‪ ,‬أثر له ذلك الرغبة ف الخرة‪ ,‬والزهد ف الدنيا‪ ,‬وكلما فكّر ف قصر المل‪ ,‬وضيق الوقت‪ ,‬أورثه ذلك الد‬
‫والجتهاد‪ ,‬وبذل الوسع ف اغتنام الوقت‪.‬‬

‫وهذه الفكار تعلي هّته‪ ,‬وتييها بعد موتا‪ ,‬وسفولا‪ ,‬وتعله ف واد والناس ف واد‪ .‬وبازاء هذه الفكار الرديئة الت تول ف‬
‫قلوب أكثر هذا اللق‪ ,‬كالفكر فيما ل يكلف الفكر فيه‪ ,‬ول أعطى الحاطة به من فضول العلم الذي ل ينفع‪ ,‬كالفكرف‬
‫كيفية ذات الرب وصفاته‪ ,‬ما ل سبيل للعقول ال ادراكه‪ ,‬ومنها الفكر ف الصناعات الدقيقة الت ل تنفع بل تضر‪ ,‬كالفكر ف‬
‫الشطرنج والوسيقى وأنواع الشكال والتصاوير‪.‬‬

‫ومنها الفكر ف العلوم الت لو كانت صحيحة ل يعط الفكر فيها النفس كمال ول شرفا‪ ,‬كالفكر ف دقائق النطق والعلم‬
‫الرياضي والطبيعي‪ ,‬وأكثر علوم الفلسفة الت لو بلغ النسان غاياتا ل يكمل بذل ول يزك بنفسه‪.‬‬

‫ومنها الفكر ف الشهوات واللذات وطرق تصيلها‪ ,‬وهذا وان كان للنفس فيه لذة لكن ل عاقبة له‪ ,‬ومضرّته ف عاقبة الدنيا‬
‫قبل الخرة أضعاف مسرّته‪ .‬ومنها الفكر فيما ل يكن لو كان كيف كان يكون‪ ,‬كالفكر فيما اذا صار ملكا‪ ,‬أو وجد كنا‪,‬‬
‫أو ملك ضيعة‪ ,‬ماذا يصنع؟ وكيف يتصرّف‪ ,‬ويأخذ‪ ,‬ويعطي‪ ,‬وينتقم؟ نو ذلك من أفكار السفل‪ .‬ومنها الفكر ف جزئيات‬
‫أحوال الناس ومداخلهم ومارجهم وتوابع ذلك من فكر النفوس البطلة الفارغة من ال ورسوله والدار الخرة‪ .‬ومنها الفكر ف‬
‫أنواع الشعر وصروفه وأفانينه ف الدح والجاء والغزل والراثي ونوها‪ ,‬فانه يشغل النسان عن الفكر فيما فيه سعادته وحياته‬
‫الدائمة‪ .‬ومنها الفكر ف القدرات الذهنية الت ل وجود لا ف الارج ول بالناس حاجة اليها البتة‪ ,‬وذلك موجود ف كل علم‬
‫حت ف علم الفقه والصول والطب‪ ,‬فكل هذه الفكار مضرّتا أرجح من منفعتها ويكفي ف مضرّتا شغلها عن الفكر فيما هو‬
‫أول به وأعود عليه بالنفع عاجل وآجل‪.‬‬

‫[‪( ]133‬قاعدة)‬
‫الطلب لقاح اليان‬

‫‪149‬‬
‫الطلب لقاح اليان‪ ,‬فاذا اجتمع اليان والطلب أثرا العمل الصال‪ .‬وحسن الظن بال لقاح الفتقار والضطرار اليه‪ ,‬فاذا‬
‫اجتمعا أثرا اجابة الدعاء‪ .‬والشية لقاح الحبة‪ ,‬فاذا اجتمعا أثرا امتثال الوامر واجتناب الناهي‪ .‬والصب لقاح اليقي‪ ,‬فاذا‬
‫اجتمعا أورثا المامة ف الدين‪ ,‬قال تعال‪ {:‬وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لّا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون} السجدة ‪.24‬‬
‫وصحة القتداء بالرسول لقاح الخلص‪ ,‬فاذا اجتمعا أثرا قبول العمل والعتداد به‪.‬‬

‫والعمل لقاح العلم‪ ,‬فاذا اجتمعا كان الفلح والسعادة‪ ,‬وان انفرد أحدها عن الخر ل يفد شيئا‪ .‬واللم لقاح العلم‪ ,‬فاذا‬
‫اجتمعا حصلت سيادة الدنيا والخرة حصل النتفاع بعلم العال‪ ,‬وان انفرد أحدها عن صاحبه فات النفع والنتفاع‪ .‬والعزية‬
‫لقاح البصية‪ ,‬فاذا اجتمعا نال صاحبهما خي الدنيا والخرة وبلغت به هّته من العلياء كل مكان‪.‬‬

‫فتخلف الكمالت اما عن عدم البصية واما عن عدم العزية‪.‬‬

‫وحسن القصد لقاح لصحة الذهن‪ ,‬فاذا فقدا فقد الي كله واذا اجتمعا أثرا أنواع اليات‪ .‬وصحة الرأي لقاح الشجاعة‪,‬‬
‫فاذا اجتمعا كان النصر والظفر‪ ,‬وان فقدا فالذلن واليبة‪ ,‬وان وجد الرأي بل شجاعة فالب والعجز‪ ,‬وان حصلت‬
‫الشجاعة بل رأي فالتهوّر والعطب‪ .‬والصب لقاح البصية‪ ,‬فاذا اجتمعا فالي ف اجتماعهما‪.‬‬

‫قال السن‪ :‬اذا شئت أن ترى بصيا ل صب له رأيته‪ ,‬واذا شئت أن ترى صابرا ل بصية له رأيته‪ ,‬فاذا رأيت صابرا بصيا‬
‫فذاك‪.‬‬

‫والنصيحة لقاح العقل‪ ,‬فكلما قويت النصيحة قوي العقل واستنار‪ .‬والتذكّر والتفكّر كل منهما لقاح الخر‪ ,‬اذا اجتمعا أنتجا‬
‫الزهد ف الدنيا والرغبة ف الخرة‪ .‬والتقوى لقاح التوكل‪ ,‬فاذا اجتمعا استقام القلب‪ .‬ولقاح أخذ البة الستعداد لقصر المل‪,‬‬
‫فاذا اجتمعا فالي كله ف اجتماعهما والشر ف فرقتهما‪ .‬ولقاح المّة العالية النيّة الصحيحة‪ ,‬فاذا اجتمعا بلغ العبد غاية الراد‪.‬‬

‫[‪( ]134‬قاعدة)‬
‫موقفان للعبد بي يدي ال تعال‬

‫للعبد بي يدي ال موقفان‪ :‬موقف بي يديه ف الصلة‪ ,‬وموقف بي يديه يوم لقائه‪ .‬فمن قام بق الوقف الول هوّن عليه‬
‫الوقف الخر‪ ,‬ومن استهان بذا الوقف ول يوفّه حقّه‪ ,‬شدّد عليه ذلك الوقف‪ .‬قال تعال‪ {:‬ومن الليل فاسجد له وسبحه ليل‬
‫طويل ‪ .‬انّ هؤلء يبّون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيل} النسان ‪.27_26‬‬

‫(قاعدة) [‪]135‬‬

‫‪150‬‬
‫قاعدة اللذة من حيث هي مطلوبة للنسان بل ولكل حي فل تذم من جهة كونا لذة وإنا تذم ويكون تركها خيا من نيلها‬
‫وانفع إذا تضمنت فوات لذة أعظم منها وأكمل أو أعقبت ألا حصوله اعظم من أل فواتا فههنا يظهر الفرق بي العاقل الفطن‬
‫والحق الاهل ضمن عرف العقل بي فمت علف التفاوت بي اللذتي واللي وأنه ل نسبة لحدها إل الخر هان عليه‬
‫ترك أدن اللذتي لتحصيل أعلها واحتمال أيسر اللي لدفع أعلها وإذا تقررت هذه القاعدة فلذة الخرة أعظم وأدوم ولذة‬
‫الدنيا أصغر واقصر وكذلك أل الخرة وأل الدنيا والعول ف ذلك على اليان واليقي فإذا قوى اليقي وباشر القلب آثر‬
‫‪ .‬العلى على الدن ف جانب اللذة واحتمل الل السهل على الصعب وال الستعان‬

‫(فائدة) [‪]136‬‬
‫ف قصّة أيّوب‬

‫فائدة قوله تعال‪ {:‬وأيوب إذ نادى ربه أن مسن الضر وأنت أرحم الراحي} النبياء ‪ .83‬جمع ف هذا الدعاء بي حقيقة‬
‫التوحيد وإظهار الفقر والفاقة إل ربه ووجود طعم الحبة ف التملق له والقرار له بصفة الرحة وإنه أرحم الراحي والتوسل‬
‫إليه بصفاته سبحانه وشدة حاجته وهو فقره ومت وجد البتلى هذا كشف عنه بلواه وقد جرب أنه من قالا سبع مرات ول‬
‫سيما مع هذه العرفة كشف ال ضره ‪.‬‬

‫(فائدة جليلة) [‪]137‬‬


‫ف قصة يوسف‬

‫فائدة قوله تعال عن يوسف نبيه أنه قال‪ {:‬أنت ول ف الدنيا والخرة توفن مسلما والقن بالصالي} يوسف ‪,101‬‬
‫جعت هذه الدعوة القرار بالتوحيد والستلم للرب وإظهار الفتقار إليه والباءة من موالة غيه سبحانه وكون الوفاة على‬
‫‪.‬السلم اجل غايات العبد وان ذلك بيد ال ل بيد العبد والعتراف بالعاد وطلب مرافقة السعداء‬

‫(فائدة) [‪]138‬‬

‫قوله ال تعال‪ {:‬وان من شيء ال عندنا خزائنه} الجر ‪ ,21‬متضمن لكن من الكنوز وهو أن يطلب كل شيء ل يطلب‬
‫إل من عنده خزائنه ومفاتيح تلك الزائن بيديه وأن طلبه من غيه طلب من ليس عنده ول يقدر عليه وقوله وإن إل ربك‬
‫النتهى متضمن لكن عظيم وهو أن كل مراد إن ل يرد لجله ويتصل به وإل فهو مضمحل منقطع فإنه ليس إليه النتهى وليس‬
‫النتهى إل إل الذي انتهت إليه المور كلها فانتهت إل خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه فهو غاية كل مطلوب وكل مبوب ل‬
‫يب لجله فمحبته عناء وعذاب وكل عمل ل يراد لجله فهو ضائع وباطل وكل قلب ل يصل إليه فهو شقي مجوب عن‬

‫‪151‬‬
‫سعادته وفلحه فاجتمع ما يراد منه كله ف قوله وإن من شيء إل عندنا خزائنه واجتمع ما يراد له كله ف قوله وان إل ربك‬
‫‪.‬النتهى فليس وراءه سبحانه غاية تطلب وليس دونه غاية إليها النتهى‬

‫وتت هذا سر عظيم من أسرار التوحيد وهو أن القلب ل يستقر ول يطمئن ويسكن إل بالوصول إليه وكل ما سواه ما‬
‫يب ويراد فمراد لغيه وليس الراد الحبوب لذاته إل واحد إليه النتهى ويستحيل أن يكون النتهى إل اثني كما يستحيل أن‬
‫يكون ابتداء الخلوقات من اثني فمن كان انتهاء مبته ورغبته وإرادته وطاعته إل غيه بطل عليه ذلك وزال عنه وفارقه أحوج‬
‫ما كان إليه ومن كان انتهاء مبته ورغبته ورهبته وطلبه هو سبحانه ظفر بنعمه ولذته وبجته وسعادته أبد الباد‬
‫العبد دائما متقلب بي أحكام الوامر وأحكام النوازل فهو متاج بل مضطر إل العون عند الوامر وإل اللطف عند النوازل‬
‫وعلى قدر قيامه بالوامر يصل له من اللطف عند النوازل فإن كمل القيام بالوامر ظاهرا وباطنا ناله اللطف ظاهرا وباطنا وإن‬
‫‪.‬قام بصورها دون حقائقها وبواطنها ناله اللطف ف الظاهر وقل نصيبه من اللطف ف الباطن‬

‫فإن قلت وما اللطف الباطن فهو ما يصل للقلب عند النوازل من السكينة والطمأنينة وزوال القلق والضطراب والزع‬
‫فيستخذى بي يدي سيده ذليل له مستكينا ناظرا إليه بقلبه ساكنا إليه بروحه وسره قد شغله مشاهدة لطفه به عن شدة ما هو‬
‫فيه من الل وقد غيبه عن شهود ذلك معرفته بسن اختياره له وأنه عبد مض يري عليه سيده أحكامه رضى أو سخط فإن‬
‫‪.‬رضى نال الرضا وإن سخط فحظه السخط فهذا اللطف الباطن ثرة تلك العاملة الباطنة يزيد بزيادتا وينقص بنقصانا‬

‫(فائدة جليلة) [‪]139‬‬


‫مبة ال تعال والتصال به‬

‫لا يزال منقطعا عن ال حت تتصل إرادته ومبته بوجه العلى والراد بذا التصال أن تفضي الحبة إليه وتتعلق به وحده فل‬
‫يجبها شيء دونه وأن تتصل العرفة بأسائه وصفاته وأفعاله فل يطمس نورها ظلمة التعطيل كما ل يطمس نور الحبة ظلمة‬
‫الشرك وأن يتصل ذكره به سبحانه فيزول بي الذاكر والذكور حجاب الغفلة والتفاته ف حال الذكر إل غي مذكوره فحينئذ‬
‫يتصل الذكر به ويتصل العمل بأوامره ونواهيه فيفعل الطاعة ل أنه أمر با وأحبها ويترك الناهي لكونه نى عنها وابغضها فهذا‬
‫معن اتصال العمل بأمره ونيه وحقيقة زوال العلل الباعثة على الفعل والترك من الغراض والظوظ العاجلة ويتصل التوكل‬
‫والب به بيث يصي واثقا به سبحانه مطمئنا إليه راضيا بسن تدبيه له غي متهم له ف حال من الحوال‪.‬‬

‫ويتصل فقره وفاقته به سبحانه دون سواه ويتصل خوفه ورجاؤه وفرحه وسروره وابتهاجه به وحده فل ياف غيه ول‬
‫يرجوه ول يفرح به كل الفرح ول يسر به غاية السرور وإن ناله بالخلوق بعض الفرح والسرور فليس الفرح التام والسرور‬
‫الكامل والبتهاج والنعيم وقرة العي وسكون القلب إل به سبحانه وما سواه إن أعان على هذا الطلوب فرح به وسر به وإن‬

‫‪152‬‬
‫حجب عنه فهو بالزن به والوحشة منه واضطراب القلب بصوله أحق منه بأن يفرح به فل فرحة ول سرور إل به أو با‬
‫أوصل إليه وأعان على مرضاته‪.‬‬

‫وقد أخب سبحانه أنه ل يب الفرحي بالدنيا وزينتها وأمر بالفرح بفضله ورحته وهو السلم واليان والقرآن كما فسره‬
‫الصحابة والتابعون‪.‬‬

‫والقصود أن من اتصلت له هذه المور بال سبحانه فقد وصل وإل فهو مقطوع عن ربه متصل بظه ونفسه ملبس عليه ف‬
‫معرفته وإرادته وسلوكه‪.‬‬

‫(قاعدة جليلة)[‪]140‬‬
‫نعم الطاعات واللذات كلها من عند ال تعال‬

‫قد فكرت ف هذا المر فإذا أصله أن تعلم أن النعم كلها من ال وحده نعم الطاعات ونعم اللذات فترغب إليه أن يلهمك‬
‫ويوزعك شكرها قال تعال‪ {:‬وما بكم من نعمة فمن ال ث إذا مسكم الضر فإليه تأرون} النحل ‪ ,53‬وقال‪ {:‬فاذكروا‬
‫آلء ال لعلكم تفلحون} العراف ‪ ,69‬وقال‪ {:‬واشكروا نعمة ال إن كنتم إياه تعبدون} النحل ‪ ,114‬وكما أن تلك النعم‬
‫منه ومن ومرد فضله فذكرها وشكرها ل ينال إل بتوفيقه والذنوب من خذلنه وتليه عن عبده وتليته بينه وبي نفسه وإن ل‬
‫يكشف ذلك عن عبده فل سبيل له ال كشفه عن نفسه فإذا هو مضطر إل التضرع والبتهال إليه أن تدفع عنه أسبابا حت ل‬
‫تصدر منه وإذا وقعت بكم القادير ومقتضى البشرية فهو مضطر إل التضرع والدعاء أن يدفع عنه موجباتا وعقوباتا فل‬
‫ينفك عن العبد عن ضرورته إل هذه الصول الثلثة ول فلح له إل با الشكر وطلب العافية والتوبة النصوح‪.‬‬

‫ث فكرت فإذا مدار ذلك على الرغبة والرهبة وليسا بيد العبد بل بيد مقلب القلوب ومصرفها كيف يشاء فإن وفق عبده‬
‫اقبل بقلبه إليه ومله رغبة ورهبة وأن خذله له تركه ونفسه ول يأخذ بقلبه إليه ول يسأله ذلك وما شاء ال كان وما ل يشاء‬
‫ل يكن‪.‬‬

‫ث فكرت هل للتوفيق والذلن سبب أم ها بجرد الشية ل سبب لما فإذا سببهما أهلية الحل وعدمها فهو سبحانه خالق‬
‫الحال متفاوتة ف الستعداد والقبول أعظم تفاوت فالمادات ل تقبل ما يقبله اليوان وكذلك النوعان كل منهما متفاوت ف‬
‫القبول فاليوان الناطق يقبل ما ل يقبله البهيم وهو متفاوت ف القبول أعظم تفاوت وكذلك اليوان البهيم متفاوت ف القبول‬
‫لكن ليس بي النوع الواحد م ن التفاوت كما بي النوع النسان فإذا كان الحل قابل للنعمة بيث يعرفها ويعرف قدرها‬
‫وخطرها ويشكر النعم با ويثن عليه با ويعظمه عليها ويعلم أنا من مض الود وعي النة من غي أن يكون هو مستحقا لا‬
‫ول هي له ول به وإنا هي ل وحده وبه وحده فوحده بنعمته إخلصا وصرفها ف مبته شكرا وشهدها من مض جوده منه‬
‫وعرف قصوره وتقصيه ف شكرها عجز أو ضعفا وتفريطا وعلم أنه أن أدامها عليه فذلك مض صدقته وفضله وإحسانه وإن‬
‫سلبه إياها فهو أهل لذلك مستحق له‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫وكلما زاده من نعمه ازداد زللة وانكسارا وخضوعا بي يديه وقياما بشكره وخشيته له سبحانه أن يسلبه إياها لعدم توفيته‬
‫شكرها كما سلب نعمته عمن ل يعرفها ول يرعها حق رعايتها فإن ل يشكر نعمته وقابلها بضد ما يلق أن يقابل به سلبه إياها‬
‫ول بد قال تعال‪ {:‬وكذلك فتنا بعضهم ليقولوا أهؤلء من ال عليهم من بيننا أليس ال بأعلم بالشاكرين}النعام ‪ ,53‬وهم‬
‫الذين عرفوا قدر النعمة وقبلوها وأحبوها وأثنوا على النعم با وأحبوه وقاموا بشكره وقال تعال‪ {:‬وإذا جاءتم آية قالوا لن‬
‫نؤمن حت نؤت مثل ما أوتى رسل ال ال أعلم حيث يعل رسالته} النعام ‪.124‬‬

‫(فصل) [‪]141‬‬
‫ف بيان سبب الذلن‬

‫وسبب الذلن عدم صلحية الحل وأهليته وقبوله للنعمة بيث لو وافته النعم لقال هذا ل وإنا أوتيته لن أهله ومستحقه‬
‫كما قال تعال‪ {:‬قال إنا أوتيته على علم عندي} القصص ‪ .78‬أي على علم علمه عندي استحق به ذلك وأستوجبه‬
‫واستأهله قال الفراء أي على فضل عندي إن كنت أهله ومستحقا له إذ أعطيته وقال مقاتل يقول على خي علمه ال عندي‪.‬‬

‫وذكر عبد ال بن الارث بن نوفل سليمان بن داود فيما أوت من اللك ث قرأ قوله تعال‪ {:‬هذا من فضل رب ليبلون أأشكر‬
‫أم أكفر} النمل ‪ ,40‬ول يقل هذا من كرامت ث ذكر قارون وقوله‪ {:‬إنا أوتيته على علم عنديْ القصص ‪ ,78‬يعن أن‬
‫سليمان رأى ما أوتيته من فضل ال عليه ومنته وأنه ابتلى به شكره وقارون رأى ذلك من نفسه واستحقاقه وكذلك قوله‬
‫سبحانه‪ {:‬ولئن أذقناه رحة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا ل} فصلت ‪ ,50‬أي أنا أهله وحقيق به فاختصاصي به‬
‫كاختصاص الالك بلكه‪.‬‬

‫والؤمن يري ذلك ملكا لربه وفضل منه من به على عبده من غي استحقاق منه بل صدقة تصدق با على عبده وله أن ل‬
‫يتصدق با فلو منعه إياها ل يكن قد منعه شيئا هو له يستحقه عليه فإذا ل يشهد ذلك رأي فيه أهل ومستحقا فأعجبه نفسه‬
‫وطغت بالنعمة وعلت با واستطالت على غيها فكان حظها منها الفرح والفخر كما قال تعال‪ {:‬ولئن أذقنا النسان منا‬
‫رحة ث نزعتاها منه إنه ليؤس كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عن إنه لفرح فخور} هو\ ‪-9‬‬
‫‪.10‬‬

‫فذمه باليأس والكفر عند المتحان بالبلء وبالفرح والفخر عند البتلء بالنعماء واستبدل بمد ال وشكره والثناء عليه إذ‬
‫كشف عنه البلء قوله‪ {:‬ذهب السيئات عن} لو أنه قال اذهب ال السيئات عن برحته ومنه لا ذم على ذلك بل كان ممودا‬
‫عليه ولكنه غفل عن النعم بكشفها ونسب الذهاب إليها فرح وافتخر‪.‬‬

‫فإذا علم ال سبحانه هذا من قلب عبد فذلك من أعظم أسباب خذلنه وتليه عنه فإن مله ل تناسبه النعمة الطلقة التامة‬
‫كما قال تعال‪ {:‬إن شر الدواب عند ال الصم البكم الذين ل يعقلون ولو علم ال فيهم خيا لسعهم ولو أسعهم لتولوا وهم‬

‫‪154‬‬
‫معرضون} النفال ‪ ,23-22‬فاخب سبحانه أن ملهم غي قابل لنعمته ومع عدم القبول ففيهم مانع آخر ينع وصولا إليهم‬
‫وهو توليهم وإعراضهم إذا عرفوها وتققوها‪.‬‬

‫وما ينبغي أن يعلم أن أسباب الذلن من بقاء النفس على ما خلقت عليه ف الصل وإهالا وتليتها فأسباب الذلن منها‬
‫وفيها وأسباب التوفيق من جعل ال سبحانه لا قابلة للنعمة فأسباب التوفيق منه ومن فضله وهو الالق لذه وهذه كما خلق‬
‫أجزاء الرض هذه قابلة للنبات وهذه غي قابلة له وخلق الشجر هذه تقبل الثمرة وهذه ل تقبلها وخلق النحلة قابلة لن يرج‬
‫من بطونا شراب متلف ألوانه والزنبور غي قابل لذلك وخلق الرواح الطيبة قابلة لذكره وشكره وحجته وإجلله وتعظيمه‬
‫وتوحيده ونصيحة عباده وخلق الرواح البيثة غي قابلة لذلك بل لضده وهو الكيم العليم قال معناه شيخ السلم بر العلوم‬
‫مفت الفرق أبو العباس احد بن تيمية رحه ال‪.‬‬

‫حول قوله تعال [‪]142‬‬

‫قال ال تعال‪ {:‬أل ‪.‬أح سب الناس أن يتركوا أن يقولوا آم نا و هم ل يفتنون‪ .‬ول قد فت نا الذ ين من قبل هم فليعل من ال الذ ين‬
‫صدقوا وليعلمن الكاذبي‪ .‬أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يكمون‪ .‬من كان يرجو لقاء ال فإن أجل ال‬
‫لت وهو السميع العليم‪ .‬ومن جاهد فإنا ياهد لنفسه إن ال لغن عن العالي‪ .‬والذين آمنوا وعملوا الصالات لنكفرن عنهم‬
‫سيئاتم ولنجزينهم احسن الذي كانوا يعملون‪ .‬ووصينا النسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك ب ما ليس لك به علم فل‬
‫تطعهما إل مرجعكم فأنبئكم با كنتم تعلمون‪ .‬والذين آمنوا وعملوا الصالات لندخلنهم ف الصالي‪ .‬ومن الناس من يقول‬
‫آمنا بال فإذا أوذى ف ال جعل فتنة الناس كعذاب ال ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس ال بأعلم با ف‬
‫صدور العالي‪ .‬وليعلمن ال الذين آمنوا وليعلمن النافقي} العنكبوت ‪.11-1‬‬

‫وقال ال تعال‪ {:‬أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حت‬
‫يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر ال أل إن نصر ال قريب} البقرة ‪.214‬‬

‫وقال ال تعال لا ذكر الرتد والكره بقوله‪ {:‬من كفر بال من بعد إيانه} النحل ‪ ,106‬قال بعد ذلك‪ {:‬ث إن ربك للذين‬
‫هاجروا من بعد ما فتنوا ث جاهدوا وصبوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} النحل ‪.110‬‬

‫فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بي أمرين إما أن يقول أحدهم آمنا وإما أن ل يقول آمنا بل يستمر على عمل السيئات فمن‬
‫قال آمنا امتحنه الرب عز وجل وابتله وألبسه البتلء والختبار ليبي الصادق من الكاذب ومن ل يقل آمنا فل يسب أنه‬
‫يسبق الرب لتجربته فإن أحدا لن يعجز ال تعال هذه سنته تعال يرسل الرسل إل اللق فيكذبم الناس ويؤذنم قال تعال‪{:‬‬
‫وكذلك جعلنا لكل نب عدوا شياطي النس والن} النعام ‪ ,112‬وقال تعال‪ {:‬كذلك ما أتي الذين من قبلهم من رسول‬
‫إل قالوا ساحر أو منون} الذاريات ‪ ,52‬وقال تعال‪ {:‬ما يقال لك إل ما قد قيل للرسل من قبلك} فصلت ‪.43‬‬

‫‪155‬‬
‫ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه وآذوه فابتلى با يؤله وإن ل يؤمن بم عوقب فحصل ما يؤله أعظم وأدوم فل بد من‬
‫حصول الل لكل نفس سواء آمنت أم كفرت لكن الؤمن يصل له الل ف بد من الدنيا ابتداء ث تكون له العاقبة والخرة‬
‫والكافر تصل له النعمة ابتداء ث يصي ف الل‪.‬‬

‫سأل رجل الشافعي فقال يا أبا عبد ال أيا أفضل للرجل أن يكن أو يبتلي فقال الشافعي ل يكن حت يبتلي فإن ال ابتلي‬
‫نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى وممدا صلوات ال وسلمه عليهم أجعي فلما صبوا مكنهم فل يظن أحد أنه يلص من الل‬
‫البتة‪.‬‬

‫وهذا اصل عظيم فينبغي للعاقل أن يعرفه وهذا يصل لكل أحد فإن النسان مدن بالطبع ل بد له من أن يعيش مع الناس‬
‫والناس لم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها وإن ل يوافقوهم آذوه وعذبوه وإن وافقهم حصل له الذى‬
‫والعذاب تارة منهم وتاره من غيهم ومن اختب أحواله وأحوال الناس وجد من هذا شيئا كثيا كقوم يريدون الفواحش‬
‫والظلم‪ ,‬ولم أقوال باطلة ف الدين أو شرك فهم مرتكبون بعض ما ذكره ال من الحرمات ف قوله تعال‪ {:‬قل إنا حرم رب‬
‫الفواحش ما ظهر منها وما بطن والث والبغي بغي الق وأن تشركوا بال ما ل ينل به سلطانا وأن تقولوا على ال ما ل‬
‫تعلمون} العراف ‪ .33‬وهم ف مكان مشترك كدار جامعة أو خان أو قيسرية أو مدرسة أو رباط أو قرية أو درب أو مدينة‬
‫فيها غيهم وهم ل يتمكنون ما ل يريدون إل بوافقة ألئك أو بسكوتم عن النكار عليهم فيطلبون من أولئك الوافقه أو‬
‫السكوت فإن وافقوهم أو سكتوا سلموا من شرهم ف البتلء ث قد يتسلطون هم أنفسهم على أولئك يهينونم ويعاقبونم‬
‫أضعاف ما كما أولئك يافونه ابتداء كمن يطلب منه شهادة الزور أو الكلم ف الدين بالباطل إما ف الب وإما ف المر أو‬
‫العاونة على الفاحشة والظلم فإن ل يبهم آذوه وعادوه وإن أجابم فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيهينونه ويؤذونه أضعاف ما‬
‫كان يافه وإل عذب بغيهم‪.‬‬

‫فالواجب ما ف حديث عائشة الذي بعثت به إل معاوية ويروي موقوفا ومرفوعا‪ ":‬من أرضى ال بسخط الناس كفاه ال‬
‫مؤنة الناس" وف لفظ‪ ":‬رضي ال عنه وأرضي عنه الناس ومن أرضي الناس بسخط ال ل يغنوا عنه من ال شيئا" وف لفظ‪":‬‬
‫عاد حامده من الناس ذاما" الترمذي ف السنن كتاب الزهد باب (‪ 609\4 )64‬رقم ‪.2414‬‬

‫وهذا يري فيمن يعي اللوك والرؤساء على أغراضهم الفاسدة وفيمن يعي أهل البدع النتسبي إل العلم والدين على بدعهم‬
‫فمن هداه ال وأرشده امتنع من فعل الحرم وصب على أذاهم وعداوتم ث تكون العاقبة ف الدنيا والخرة كما جرى للرسل‬
‫واتباعهم مع من آذاهم وعاداهم مثل الهاجرين ف هذه المة ومن ابتلي من علمائها وعبادها وتارها وولته‪.‬‬

‫ا وقد يوز ف بعض المور إظهار الوافقة وإبطان الخالفة كالكره على الكفر كما هو مبسوط ف غي هذا الوضع إذ القصود‬
‫هنا أنه ل بد من البتلء با يؤذي الناس فل خلص لحد ما يؤذيه البتة ولذا ذكر ال تعال ف غي موضع انه ل بد أن يبتلي‬
‫الناس والبتلء يكون بالسراء والضراء ول بد أن يبتلى النسان با يسره وبا يسوؤه فهو متاج إل أن يكون صابرا شكورا‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫قال تعال‪ {:‬إنا جعلنا ما على الرض زينة لا لنبلوهم أي هم احسن عمل] الكهف ‪ ,7‬وقال تعال‪ {:‬وبلوناهم بالسنات‬
‫والسيئات لعلهم يرجعون} العراف ‪ ,168‬وقال تعال‪ {:‬فأما يأتينكم من هدى فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى ‪ .‬ومن‬
‫أعرض عن ذكري فإن له معي شة ضن كا ونشره يوم القيا مة أع مى} طه ‪ ,124-123‬وقال تعال‪ {:‬أم ح سبتم أن تدخلوا‬
‫النة ولا يعلم ال الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} هذا ف آل عمران ‪.142‬‬

‫وقد قال قبل ذلك ف البقرة نزل أكثرها قبل آل عمران‪ {:‬أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم‬
‫مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حت يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر ال إل إن نصر ال قريب} البقرة ‪.214‬‬

‫وذلك أن النفس ل تزكو وتصلح حت تحص بالبلء كالذهب الذي ل يلص جيده من رديئه حت يفت ف كب المتحان إذ‬
‫كانت النفس جاهلة ظالة وهي منشأ كل شر يصل للعبد فل يصل له شر إل منها‪.‬‬

‫قال تعال‪ {:‬ما أصابك من حسنة فمن ال وما أ صابك من سيئة فمن نفسك} الن ساء ‪ ,79‬وقال تعال‪{:‬أو لا أ صابتكم‬
‫مصيبة من مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أن هذا قل هو من عند أنفسكم} آل عمران ‪ ,165‬وقال‪ {:‬وما أصابكم من مصيبة‬
‫فيما كسبت أيدكم ويعفو عن كثي} الشورى ‪ ,30‬وقال تعال‪ {:‬ذلك بأن ال ل يك مغيا نعمة أنعمها على قوم حت يغيوا‬
‫ما بأنفسهم} النفال ‪.53‬‬

‫وإذا أراد ال بقوم سوءا فل مرد له ومالم من دونه من وال وقد ذكر عقوبات المم من آدم إل آخر وقت وف كل ذلك‬
‫يقول إنم ظلموا أنفسهم فهم الظالون ل الظلومون وأول من اعترف بذلك أبواهم قال‪ {:‬ربنا ظلمنا أنفسنا وإن ل تغفر لنا‬
‫وترحنا لنكونن من الاسرين] العراف ‪ ,23‬وقال لبليس‪ {:‬لملن جهنم منك ومن تبعك منهم أجعي} ص ‪ ,85‬وإبليس‬
‫إنا اتبعه الغواة منهم كما قال‪ {:‬با أغويتن لزينن لم ف الرض ولغوينهم أجعي إل عبادك منهم الخلصي} الجر ‪-39‬‬
‫‪ ,40‬وقال تعال‪ {:‬إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إل من اتبعك من الغاوين} الجر ‪ ,42‬والغي اتباع هوى النفس‪.‬‬

‫وما زال السلف معترفون بذلك كقول أب بكر وعمر وابن مسعود أقول فيها برأب فإن يكن صوابا فمن ال وإن يكن خطأ‬
‫فمن ومن الشيطان وال ورسوله بريئان منه‪.‬‬

‫وف الديث اللي حديث أب ذر الذي يرويه الرسول عن ربه عز وجل‪ ":‬يا عبادي إنا هي أعمالكم أحصيها لكم ث‬
‫أوفيكم إياها فمن وجد خيا فليحمد ال ومن وجد غي ذلك فل يلومن إل نفسه" مسلم ف الصحيح ‪ 1994\4‬رقم‬
‫‪ ,2577‬وف الديث الصحيح حديث‪ ":‬سيد الستغفار أن يقول العبد اللهم أنت رب ل آله إل أنت خلقتن وأنا عبدك وأنا‬
‫على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنب فاغفر ل أنه ل يغفر الذنوب‬
‫إل أنت من قالا إذا أصبح موقنا با فمات من يومه دخل النة ومن قالا إذا أمسى موقنا با فمات من ليلته دخل النة"‬
‫البخاري ف الدعوات ‪ 100\11‬رقم ‪.6306‬‬

‫‪157‬‬
‫وف حديث أب بكر الصديق من طريق أب هريرة وعبد ال بن عمرو‪ ":‬أن رسول ال علمه ما يقوله إذا أصبح وإذا أمسى‬
‫وإذا أخذ مضجعه اللهم فاطر السماوات والرض عال الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه اشهد أن ل إله إل أنت أعوذ‬
‫بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وان أقترف على نفسي سوأ أو أجرة إل مسلم قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا‬
‫أخذت مضجعك" الترمذي ف الدعوات رقم ‪.3389‬‬

‫وكان النب يقول ف خطبته‪ ":‬المد ل نستعينه ونستغفره ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا" أبو داود ف‬
‫النكاح رقم ‪ .2118‬وقد قال النب‪ ":‬إن أخذ بجركم عن النار وأنتم تافتون تافت الفراش" البخاري ف الرقاق ‪323\11‬‬
‫رقم ‪ ,6483‬شبههم بالفراش لهله وخفة حركته وهي صغية النفس فإنا جاهلة سريعة الركة‪.‬‬

‫وف الديث‪ ":‬مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فلة" ابن ماجه ف القدمة رقم ‪ .88‬وف حديث آخر‪ ":‬للقلب أشد تقلبا‬
‫من القدر إذا استجمعت غليان" أحد ف السند ‪.24\6‬ا ومعلوم سرعة حركة الريشة والقدر مع الهل ولذا يقال لن أطاع‬
‫من يغويه أنه استخفه‪ .‬قال عن فرعون إنه‪ {:‬فاستخف قومه فأطاعوه} الزخرف ‪ ,54‬وقال تعال‪ {:‬فاصب إن وعد ال حق‬
‫ول يستخفنك الذين ل يوقنون} الروم ‪ .60‬فإن الفيف ل يثبت بل يطيش‪ .‬وصاحب اليقي ثابت يقال أيقن إذا كان مستقرا‬
‫واليقي واستقرار ليان ف القلب علما وعمل فقد يكون علم العبد جيدا لكن نفسه ل تصب عند الصائب بل تطيش‪.‬‬

‫قال السن البصري‪ :‬إذا شئت أن ترى بصيا ل صب له رأيته وإذا شئت أن ترى صابرا ل بصية له رأيته فإذا رأيت بصيا‬
‫صابرا فذاك‪ .‬قال تعال‪ {:‬وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون} السجدة ‪ ,24‬ولذا تشبه النفس‬
‫بالنار ف سرعة حركتها وإفسادها وغضبها وشهوتا من النار والشيطان من النار‪.‬‬

‫وف السنن عن النب أنه قال‪ ":‬الغضب من الشيطان والشيطان من النار وإنا تطفأ النار بالاء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ"‬
‫أبو داود ف الدب ‪ .4784‬وف الديث الخر‪ ":‬الغضب جرة توقد ف جوف ابن آدم" الترمذي ف الفت ‪ ,2192‬أل ترى‬
‫إل حرة عينيه وانتفاخ أوداجه وهو غليان دم القلب لطلب النتقام‪.‬‬

‫وف الديث التفق على صحته‪ ":‬إن الشيطان يري من ابن آدم مرى الدم" البخاري ف العتكاف ‪ 326\4‬رقم ‪,2035‬‬
‫وف الصحيحي أن رجلي استبا عند النب وقد اشتد غضب أحدها فقال النب‪ ":‬إن لعلم كلمة لو قالا لذهب عنه ما يد لو‬
‫قال‪ :‬أعوذ بال من الشيطان الرجيم" البخاري ف الدب ‪ 535\10‬رقم ‪ 6115‬وسلم ف السلم ‪ 1712\4‬رقم ‪,24-23‬‬
‫وقد قال تعال‪ {:‬ادفع بالت هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ول حيم ‪ .‬وما يلقاها إل الذين صبوا وما يلقاها إل‬
‫ذو حظ عظيم ‪ .‬وإما ينغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بال إنه هو السميع العليم} فصلت ‪ .36-34‬وقال تعال‪ {:‬خذ‬
‫العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الاهلي وإما ينغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بال إنه سيع عليم} ‪ .‬وقال تعال‪ {:‬ادفع‬
‫بالت هي أحسن السيئة نن أعلم با يصفون وقل رب أعوذ بك من هزات الشياطي وأعوذ بك رب أن يضرون} الؤمنون‬
‫‪.98-96‬‬

‫‪158‬‬
‫ت الكتاب والمد ل أول وآخرا وصلى ال على رسولنا ممد النب المي وعلى آله وصحبه وتابعيه والقتدين بآثارهم إل يوم‬
‫‪.‬الدين وآخر دعوانا أن المد ل رب العالي‬

‫‪159‬‬
‫الفهرس ‪:‬‬

‫النتفاع بالقرآن و شروطه‪3.............................................................................‬‬

‫سورة (ق) جامعة لصول اليان‪4....................................................................‬‬

‫براهي العاد ف القرآن مبنيٌة على أصول ثلث‪5...................................................‬‬

‫القيامة قيامتان ‪ :‬صغرى و كبى‪7.....................................................................‬‬

‫الصفات الربع لهل النٌة‪8.............................................................................‬‬

‫فضيلة أهل بدر‪9...........................................................................................‬‬

‫نظرة صائبة ف تفسي قوله تعال ‪:‬‬

‫{هو الذي جعل لكم الرض ذلول فامشوا ف مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور}اللك ‪51‬‬

‫………………………………………………………………………‪11.‬‬

‫نظرة ال سورة الفاتة‪11.................................................................................‬‬

‫لعرفته تعال طريقان‪12..................................................................................‬‬

‫كيف يفعل من أصابه هم أو غم‪13........................................................................‬‬

‫من معان العبوديّة‪14.......................................................................................‬‬

‫القضاء والكم والفرق بينهما‪15..........................................................................‬‬

‫أنزه الوجودات وأشرفها عرش الرحن جلّ جلله‪17...............................................‬‬

‫عظمته سبحانه وتعال‪17..................................................................................‬‬

‫ل بد من قبول الحل لا يوضع فيه أن يفرغ من ضدّه‪18............................................‬‬

‫‪160‬‬
‫الكلم قي ألاكم التكائر‪19.................................................................................‬‬

‫من ل ينتفع بعينه ل ينتفع بأذنه‪19........................................................................‬‬

‫من معان النصاف له تعال‪20..........................................................................‬‬

‫الغية نوعان‪21.............................................................................................‬‬

‫ايّاك والعاصي‪22............................................................................................‬‬

‫سلمان منا آل البيت (حديث شريف)‪22....................................................................‬‬

‫الحب الصادق من وجد أنسه بال بي الناس ووجده ف الوحدة‪24...................................‬‬

‫مثل الدنيا‪26.....................................................................................................‬‬

‫فائدة‪26...........................................................................................................‬‬

‫السباب الشهودة والسباب الغائبة‪29.....................................................................‬‬

‫التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه‪30.............................................................................‬‬

‫اللذة تابعة للمحبة‪30............................................................................................‬‬

‫حبسان منجيان‪31...............................................................................................‬‬

‫(فائدة جليلة)‪31.............................................................................................-1-‬‬

‫(فائدة جليلة)‪31.............................................................................................-2-‬‬

‫تأثي شهادة أن ل اله ال ال عند الوت ف تكفي السيئات‪32...........................................‬‬

‫فاتقوا ال وأجلوا الطلب‪33...................................................................................‬‬

‫‪161‬‬
‫(فائدة)‪34.........................................................................................................‬‬

‫العداوة بي الي والشر‪34...................................................................................‬‬

‫صب الرسول صلى ال عليه وسلم وانتصاره‪35.........................................................‬‬

‫يا مغرور بالمان‪36..........................................................................................‬‬

‫العمل بآخره والعمل باتته*‪36............................................................................‬‬

‫لاذا كان أول الخلوقات القلم وآخرها آدم عليه السلم‪37..............................................‬‬

‫كتابة عذر آدم قبل هبوطه ال الرض‪37.................................................................‬‬

‫فائدة اليان بال وحده‪38....................................................................................‬‬

‫ال يتجلى لعباده بصفاته ف كلمه‪40......................................................................‬‬

‫"ل تزن ان ال معنا" تقوى القلب‪42.....................................................................‬‬

‫(تنبيه)اجتناب من يعادي أهل كتاب ال وسنة رسوله‪43.................................................‬‬

‫من الواعظ والكم‪43.........................................................................................‬‬

‫هجر القرآن أنواع‪48...........................................................................................‬‬

‫كمال النفس الطلوب‪49.......................................................................................‬‬

‫من أصبح وليس هه ال ال تعال‪49.......................................................................‬‬

‫العلم والعمل وما ها‪49.......................................................................................‬‬

‫اليان له ظاهر وباطن‪50.....................................................................................‬‬

‫التوكل على ال نوعان‪50.......................................................................................‬‬

‫‪162‬‬
‫شكوى الاهل من ال‪51...................................................................................‬‬

‫حول الية الكرية‬


‫{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا ل وللرسول}‪52............................................................‬‬

‫{وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم}‪54.................................................................‬‬

‫الرغبة ف الخرة تقتضي الزهد بالدنيا‪55...................................................................‬‬

‫أساس الي أن تؤمن با شاءه تعال‪57..................................................................‬‬

‫مرض القلب‪58..................................................................................................‬‬

‫ترك الختيار‪58..............................................................................................‬‬

‫قبول فتوى العابد الزاهد ف دنياه‪59..........................................................................‬‬

‫احذروا فتنة العال الفاجر وفتنة العابد الاهل‪60..........................................................‬‬

‫العلم اليان أفضل ما تكسبه النفس ويصّله القلب‪61....................................................‬‬

‫اليان الفصل معرفة وعلم واقرار ومبة‪62.............................................................‬‬

‫ل مشقة ف ترك الألوف ارضاء ل تعال‪63..............................................................‬‬

‫(قاعدة جليلة)‪64.................................................................................................‬‬

‫عشرة أشياء ضائعة ل ينتفع با‪65...........................................................................‬‬

‫حقوق ال على العباد‪66.........................................................................................‬‬

‫توكل على ال حق توكله‪67....................................................................................‬‬

‫هلم ال الدخول على ال وماورته ف النة‪68...........................................................‬‬

‫‪163‬‬
‫علمة صحة الرادة‪69........................................................................................‬‬

‫استغن عن الناس بال تعال‪69...............................................................................‬‬

‫أقسام الزهد‪69...................................................................................................‬‬

‫ترك المر عند ال أعظم من ارتكاب النهي‪69............................................................‬‬

‫مبن الشكر على قاعدتي الذكر والشكر‪75................................................................‬‬

‫من سار نو الداية يسر ال له سبلها‪76...................................................................‬‬

‫بي الدى والرحة‪ -‬والضلل والشقاء‪77.................................................................‬‬

‫الدى والرحة وتوابعهما من صفة العطاء‪79............................................................‬‬

‫التعلق ف الطالب العليا‪79...................................................................................‬‬

‫ايّاك والكذب‪79.................................................................................................‬‬

‫ف ظلل الية الكرية{ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم وعسى أن تبوا شيئا وهو شر لكم وال يعلم وأنتم لتعلمون}‪.‬‬
‫‪80.........................................................................‬‬

‫شروط النتفاع باليان والعلم‪80.........................................................................‬‬

‫الصب عن الشهوة أسهل من أل عقوبتها‪81.............................................................‬‬

‫حدود الخلق‪81............................................................................................‬‬

‫(فصل)‪82....................................................................................................‬‬

‫الخلق الحمودة والخلق الذمومة‪84...............................................................‬‬

‫الطلب العلى يتاج ال هة عالية ونية صحيحة‪84...............................................‬‬

‫من حكم ابن مسعود رضي ال عنه‪84...................................................................‬‬

‫‪164‬‬
‫الخلص ومبة الدح ل يتمعان ف قلب‪87.........................................................‬‬

‫أشرف الناس من كانت لذته ف معرفة ال تعال ومبته‪87..........................................‬‬

‫من مزايا أمي الؤمني عمر بن عبد العزيز‪88........................................................‬‬

‫من الكم والواعظ‪89......................................................................................‬‬

‫من العوائق‪89................................................................................................‬‬

‫من العلئق‪90.................................................................................................‬‬

‫حاجة الناس ال الرسول صلى ال عليه وسلم‪90.........................................................‬‬

‫من علمات السعادة والفلح‪90..............................................................................‬‬

‫العمال درجات وأساسها اليان‪90........................................................................‬‬

‫أركان الكفر‪91..................................................................................................‬‬

‫الهال بأساء ال وصفاته‪92................................................................................‬‬

‫التوحيد والسنة شجرة ف القلب فروعها العمال‪95.....................................................‬‬

‫خلق بدن آدم من الرض وروحه من ملكوت السماء‪97................................................‬‬

‫رعاية القوق مع الضر ورعايتها مع العافية‪98........................................................‬‬

‫معرفة ال تعال نوعان‪98..................................................................................‬‬

‫أنواع الكسب‪98...............................................................................................‬‬

‫مواساة الؤمن وأنواعها‪98.................................................................................‬‬

‫الهل بالطريق يورث التعب‪99............................................................................‬‬

‫الرحلة ال ال تعال وما يكتنفها من الوادع والقواطع‪99............................................‬‬

‫‪165‬‬
‫نعم ال تعال وأنواعها‪99....................................................................................‬‬

‫الواطر والفكار مبدأ كل علم نظري‪99................................................................‬‬

‫من أقوال شفيق البلخي‪101...................................................................................‬‬

‫اعرف نفسك تعرف ربك‪102.................................................................................‬‬

‫من أنواع معرفة ال تعال‪103...............................................................................‬‬

‫حول قوله تعال‪:‬‬

‫{ان ال ل يغيّر ما بقوم حت يغيّروا ما بأنفسهم}‪103..................................................‬‬

‫معرفة ال سبحانه وتعال بالمال‪103....................................................................‬‬

‫ان ال جيل يب المال‪105..............................................................................‬‬

‫نظرات ف المال‪106.......................................................................................‬‬

‫صدق العبد مع ربه‪106......................................................................................‬‬

‫ف القدر‪106...................................................................................................‬‬

‫مثل الرء ف الياة الدنيا كمثل مسافر‪108..............................................................‬‬

‫الشتغال بالشاهدة‪108......................................................................................‬‬

‫الذر من طريق الشيطان‪108..............................................................................‬‬

‫طلب النفوذ ال ال والدار الخرة‪109....................................................................‬‬

‫تواطؤ اللسان والقلب على ذكر ال‪109...................................................................‬‬

‫أنفع الناس لك‪109............................................................................................‬‬

‫‪166‬‬
‫اللذة الحرّمة مزوجة بالقبح‪109.........................................................................‬‬

‫ل على العبد ف كل عضو من أعضائه أمر‪110.......................................................‬‬

‫{فريق ف النة وفريق ف السعي}‪110................................................................‬‬

‫صفات التوحيد‪110...........................................................................................‬‬

‫ترك الشهوات ل‪111.........................................................................................‬‬

‫من كلم أحد الصالي‪112.................................................................................‬‬

‫الشهقة الت تعرض عند ساع القرآن أو غيه‪112.....................................................‬‬

‫الفكر مبدأ الرادة وهو أصل الي والشر‪112..........................................................‬‬

‫الطلب لقاح اليان‪113.....................................................................................‬‬

‫موقفان للعبد بي يدي ال تعال‪114.....................................................................‬‬

‫(قاعدة)‪114.................................................................................................‬‬

‫ف قصّة أيّوب‪114........................................................................................‬‬

‫ف قصة يوسف‪114......................................................................................‬‬

‫فائدة)‪)115.................................................................................................‬‬

‫مبة ال تعال والتصال به‪115.....................................................................‬‬

‫نعم الطاعات واللذات كلها من عند ال تعال‪116...................................................‬‬

‫ف بيان سبب الذلن‪116.............................................................................‬‬

‫‪167‬‬
‫حول قوله تعال‬
‫أل ‪.‬أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا‪ } ...‬العنكبوت ‪} 117.......................11-1‬‬

‫‪168‬‬

You might also like