You are on page 1of 352

‫الجزء الثاني‬

‫بسسم ال الرحمسن الرحيسم وصسلى ال على سسيدنا محمسد وعلىآله وصسحبه وسسلم قال‬

‫الشيخ أبو عبد ال محمد بن عبد ال بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المعروف‬

‫بابسن بطوطسة رحمسه ال تعالى‪ :‬ولمسا كان بتاريسخ الغرة مسن شهسر محرم مفتتسح عام‬

‫أربعسة وثلثيسن وسسبعمائة وصسلنا إلى وادي السسند المعروف ببنسج آب‪ ،‬ومعنسى ذلك‬

‫المياه الخمسسة‪ .‬وهذا الوادي مسن أعظسم أوديسة الدنيسا‪ ،‬وهسو يفيسض فسي أوان الحسر‪،‬‬

‫فيزرع أهسل تلك البلد على فيضسه‪ ،‬كمسا يفعسل أهسل الديار المصسرية فسي فيسض النيسل‪.‬‬

‫وهذا الوادي هسسو أول عمالة السسسلطان المعظسسم محمسسد شاه ملك الهنسسد والسسسند‪ .‬ولمسسا‬

‫وصسلنا إلى هذا النهسر جاء إلينسا أصسحاب الخبار الموكلون بذلك‪ ،‬وكتبوا بخبرنسا إلى‬

‫قطسسب الملك أميسسر مدينسسة ملتان‪ ،‬وكان أميسسر أمراء السسسند على هذا العهسسد مملوك‬

‫للسسسلطان يسسسمى سسسرتيز‪ ،‬وهسسو مسسن عرض المماليسسك‪ ،‬وبيسسن يديسسه تعرض عسسساكر‬

‫السلطان‪ ،‬ومعنى اسمه الحاد الرأس لن سر " بفتح السين المهملة وسكون الراء "‪.‬‬

‫هسو الرأس‪ ،‬وتيسز " بتاء معلوة وياء مسد وزاي " معناه الحاد‪ .‬وكان فسي حيسن قدومنسا‬

‫بمدينسة سسيوستان مسن السسند‪ .‬وبينهسا وبيسن ملتان مسسيرة عشرة أيام‪ ،‬وبيسن بلد السسند‬

‫وحضرة السسلطان مدينسة دهلي على مسسيرة خمسسين يوماً‪ .‬وإذا كتسب المخسبرون إلى‬

‫السلطان من بلد السند يصل الكتاب إليه في خمسة أيام بسبب البريد‪.‬‬
‫ذكر البريد‬

‫والبريد ببلد الهند صنفان‪ ،‬فأما بريد الخيل فيسمونه الولق "أولق " "بضم الواو‬

‫وآخره قاف "‪ ،‬وهسو خيسل تكون للسسلطان‪ ،‬فسي كسل مسسافة أربعسة أميال‪ ،‬وأمسا بريسد‬

‫الرجالة‪ ،‬فيكون فسي مسسافة الميسل الواحسد منسه ثلث رتسب‪ ،‬ويسسمونها الداوة " بالدال‬

‫المهمل والواو "‪ ،‬والداوة هي ثلث ميل‪ ،‬والميل عندهم يسمى الكروة " بضم الكاف‬

‫والراء "‪ ،‬وترتيسب ذلك أن يكون فسي كسل ثلث ميسل قريسة معمورة‪ ،‬ويكون بخارجهسا‬

‫ثلث قباب يقعد فيها الرجال‪ ،‬مستعدين للحركة‪ ،‬قد شدوا أوساطهم‪ .‬وعند كل واحد‬

‫منهسم مقرعسة مقدار ذراعيسن‪ ،‬بأعلهسا جلجسل نحاس‪ ،‬فإذا خرج البريسد مسن المدينسة‬

‫أخسسذ الكتاب بأعلى يده والمقرعسسة ذات الجلجسسل باليسسد الخرى يشتسسد بمنتهسسى جهده‪.‬‬

‫فإذا سسمع الرجال الذيسن بالقباب صسوت الجلجسل تأهبوا‪ .‬فإذا وصسلهم‪ .‬أخسذ أحدهسم‬

‫الكتاب مسسن يده ومسسر بأقصسسى جهده‪ ،‬وهسسو يحرك المقرعسسة حتسسى يصسسل إلى الداوة‬

‫الخرى‪ .‬ول يزالون كذلك حتسسسسسسسى يصسسسسسسسل الكتاب إلى حيسسسسسسسث يراد منسسسسسسسه‪.‬‬

‫وهذا البريد أسسرع من بريسد الخيل وربما حملوا على هذا البريسد الفواكه المسستطرفة‬

‫بالهنسسد مسسن فواكسسه خراسسسان يجعلونهسسا فسسي الطباق‪ ،‬ويشتدون بهسسا حتسسى تصسسل إلى‬

‫السسسلطان‪ .‬وكذلك يحملون الكبار مسسن ذوي الرتسسب‪ ،‬يجعلون الرجسسل على سسسرير‪،‬‬

‫ويرفعونسه فوق رؤوسسهم ويسسيرون بسه شداً‪ .‬وكذلك يحملون الماء لشرب السسلطان‪،‬‬

‫إذا كان بدولة أباد‪ ،‬يحملونه من نهر الكنك الذي تحج الهنود إليسه‪ ،‬وهو على مسيرة‬

‫أربعيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن يوماً منهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا‪.‬‬


‫وإذا كتسسب المخسسبرون إلى السسسلطان بخسسبر مسسن يصسسل إلى بلده‪ ،‬اسسستوعبوا الكتاب‬

‫وأمعنوا فسسي ذلك‪ ،‬وعرفوه أنسسه ورد رجسسل صسسورته كذا ولباسسسه كذا‪ ،‬وكتبوا عدد‬

‫أصسسحابه وغلمانسسه وخدامسسه ودوابسسه‪ ،‬وترتيسسب حاله فسسي حركتسسه وسسسكونه‪ ،‬وجميسسع‬

‫تصسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسرفاته ل يغادرون مسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن ذلك كله شيئاً‪.‬‬

‫فإذا وصسسل الوارد مدينسسة ملتان‪ ،‬وهسسي قاعدة بلد السسسند‪ ،‬أقام بهسسا حتسسى ينفسسذ أمسسر‬

‫السسلطان بقدومسه‪ ،‬ومسا يجري له مسن الضيافسة‪ ،‬وإنمسا يكرم النسسان هنالك بقدر مسا‬

‫يظهسسسر مسسسن أفعاله وتصسسسرفاته وهمتسسسه‪ ،‬إذ ل يعرف هنالك مسسسا حسسسسبه ول آباؤه‪.‬‬

‫مسسن عادة ملك الهنسسد السسسلطان أبسسي المجاهسسد محمسسد شاه إكرام الغرباء ومحبتهسسم‬

‫وتخصسسيصهم بالوليات والمراتسسب الرفيعسسة‪ .‬ومعظسسم خواصسسه وحجابسسه ووزرائه‬

‫وقضاته وأصهاره غرباء‪ .‬ونفذ أمره بأن يسمى الغرباء في بلده العزة‪ .‬فصار لهم‬

‫ذلك اسسسماً وعلماً‪ .‬ول بسسد لكسسل قادم على هذا الملك مسسن هديسسة يهديهسسا إليسسه‪ ،‬ويقدمهسسا‬

‫وسسيلة بيسن يديسه‪ .‬فيكافئه السسلطان عليهسا بأضعاف مضاعفسة‪ ،‬وسسيمر مسن ذكسر هدايسا‬

‫الغرباء إليسه كثيسر‪ .‬ولمسا تعود الناس ذلك منسه‪ ،‬صسار التجار الذيسن ببلد السسند والهنسد‬

‫يعطون لكل قادم على السلطان اللف من الدنانير ديناً ويجهزونه بما يريد أن يهديه‬

‫إليسسه أو يتصسسرف فيسسه لنفسسسه مسسن الدواب للركوب والجمال والمتعسسة ويخدمونهسسم‬

‫بأموالهم وأنفسهم‪ ،‬ويقفون بين يديه كالحشم‪ ،‬فإذا وصل إلى السلطان أعطاه العطاء‬

‫الجزيسل‪ ،‬فقضسى ديونهسم ووفاهسم حقوقهسم‪ ،‬فنفقست تجارتهسم وكثرت أرباحهسم‪ .‬وصسار‬

‫لهسم ذلك عادة مسستمرة‪ .‬ولمسا وصسلت إلى بلد السسند‪ ،‬سسلكت ذلك المنهسج‪ ،‬واشتريست‬
‫من التجار الخيل والجمال والمماليك وغير ذلك‪ .‬ولقد اشتريت من تاجر عراقي من‬

‫أهل تكريت يعرف بمحمد الدوري بمدينة غزنة نحو ثلثين فرساً وجملً عليه حمل‬

‫مسن النشاب‪ ،‬فإنسه ممسا يهدى إلى السسلطان‪ ،‬وذهسب التاجسر المذكور إلى خراسسان ثسم‬

‫عاد إلى الهنسد‪ ،‬وهنالك تقاضسى منسي مائة‪ ،‬واسستفاد بسسببي فائدة عظيمسة‪ ،‬وعاد مسن‬

‫كبار التجار‪ .‬ولقيته بمدينة حلب بعد سنين كثيرة‪ .‬وقد سلبني الكفار ما كان بيدي فلم‬

‫ألق منه خيراً‪.‬‬

‫ذكر الكركدن‬

‫ولما أجزنا نهر السند المعروف ببنج آب دخلنا غيضة قصب لسلوك الطريق لنه‬

‫فسي وسسطها‪ ،‬فخرج علينسا الكركدن‪ ،‬وصسورته أنسه حيوان أسسود اللون عظيسم الجرم‪،‬‬

‫ورأسسه كسبير متفاوت الضخامسة‪ ،‬ولذلك يضرب بسه المثسل فيقال‪ :‬الكركدن رأس بل‬

‫بدن‪ ،‬وهسسو دون الفيسسل ورأسسسه أكسسبر مسن رأس الفيسسل بأضعاف‪ .‬وله قرن واحسسد بيسسن‬

‫عينيه‪ ،‬طوله نحو ثلثة أذرع‪ ،‬وعرضه نحو الشبر‪ .‬ولما خرج علينا عارضه بعض‬

‫الفرسان في طريقه فضرب الفرس الذي كان تحته بقرنه فأنفذ فخذه وصرعه‪ ،‬وعاد‬

‫إلى الغيضة فلم نقدر عليه‪ .‬وقد رأيت الكركدن مرة ثانية في هذا الطريق بعد صلة‬

‫العصسسر‪ ،‬وهسسو يرعسسى نبات الرض‪ .‬فلمسسا قصسسدناه هرب منسسا‪ .‬ورأيتسسه مرة أخرى‬

‫ونحسن مسع ملك الهنسد‪ ،‬دخلنسا غيضسة قصسب وركسب السسلطان على الفيسل وركبنسا معسه‬

‫الفيلة‪ ،‬ودخلت الرجالة والفرسسسسسسان فأثاروه وقتلوه واسسسسسستاقوا رأسسسسسسه إلى المحلة‪.‬‬

‫وسرنا من نهر السند يومين ووصلنا إلى مدينة جناني " وضبط اسمها بفتح الجيم‬
‫والنون الولى وكسر الثانية " مدينة كبيرة على ساحل نهر السند لها أسواق مليحة‪،‬‬

‫وسكانها طائفة يقال لهم السامرة‪ ،‬استوطنوها قديماً واستقر بها أسلفهم حين فتحها‬

‫على أيام الحجاج بن يوسف‪ ،‬حسبما أثبت المؤرخون في فتح السند‪ .‬وأخبرني الشيخ‬

‫المام العالم العامسل العابسد الزاهسد ركسن الديسن أبسو الشيسخ الفقيسه الصسالح شمسس الديسن‬

‫ابسن الشيسخ المام العابسد الزاهسد بهاء الديسن زكريسا القرشسي‪ ،‬وهسو أحسد الثلثسة الذيسن‬

‫أخسبرني الشيسخ الولي الصسالح برهان الديسن العرج بمدينسة السسكندرية أنسي سسألقاهم‬

‫فسي رحلتسي فلقيتهسم والحمسد ل‪ ،‬أن جده العلى كان يسسمى بمحمسد بسن قاسسم القرشسي‪،‬‬

‫وشهسد فتسح السسند فسي العسسكر الذي بعثسه لذلك الحجاج بسن يوسسف أيام إماراتسه على‬

‫العراق‪ ،‬وأقام بهسسا وتكاثرت ذريتسسه‪ .‬وهؤلء الطائفسسة المعرفون بالسسسامرة ل يأكلون‬

‫مسسع أحسسد ول ينظسر إليهسسم أحسد حيسن يأكلون‪ ،‬ول يصسساهرون أحداً مسن غيرهسسم‪ ،‬ول‬

‫يصساهر إليهسم أحسد‪ .‬وكان لهسم فسي هذا العهسد أميسر يسسمى ونار " بضسم الواو وفتسح‬

‫النون "‪ ،‬وسسسنذكر خسسبره‪ .‬ثسسم سسسافرنا مسسن مدينسسة جنانسسي إلى أن وصسسلنا إلى مدينسسة‬

‫سسيوستان " وضبسط اسسمها بكسسر السسين الول المهمسل وياء مسد وواو مفتوح وسسين‬

‫مكسسور وتاء معلوة وآخره نون " وهسي مدينسة كسبيرة وخارجهسا صسحراء ورمال‪ ،‬ل‬

‫شجر بها إل شجر أم غيلن‪ .‬ول يزرع على نهرها شيء ما عدا البطيخ‪ .‬وطعامهم‬

‫الذرة والجلبان ويسسمونه المشنسك " بميسم وشيسن معجسم مضموميسن ونون مسسكن "‪،‬‬

‫ومنسسه يصسسنعون الخبسسز‪ ،‬وهسسي كثيرة السسسمك واللبان الجاموسسسية‪ .‬وأهلهسسا يأكلون‬

‫السقنقور‪ ،‬وهي دويبة شبيهة بأم حبين التي يسميها المغاربة حنيشة الجنة إل أنها ل‬
‫ذنسب لهسا‪ .‬ورأيتهسم يحتفرون الرمسل ويسستخرجونها منسه ويشقون بطنهسا ويرمون بمسا‬

‫فيه ويحشونه بالكركم‪ ،‬وهم يسمونه زردشوبة‪ ،‬ومعناه العود الصفر‪ ،‬وهو عندهم‬

‫عوض الزعفران‪ .‬ولما رأيت تلك الدويبة وهم يأكلونها استقذرتها فلم آكلها‪ .‬ودخلنا‬

‫هذه المدينة في احتدام القيظ وحرها الشديد‪ .‬فكان أصحابي يقعدون عريانين‪ ،‬يجعل‬

‫أحدهسم فوطسة على وسسطه وفوطسة على كتفيسه مبلولة بالماء‪ ،‬فمسا يمضسي اليسسير مسن‬

‫الزمان حتسى تيبسس تلك الفوطسة‪ ،‬فيبلهسا مرة أخرى‪ .‬وهكذا أبداً‪ .‬ولقيست بهذه المدينسة‬

‫خطيبهسا المعروف بالشيبانسي‪ ،‬وأرانسي كتاب أميسر المؤمنيسن الخليفسة عمسر بسن عبسد‬

‫العزيسز رضسي ال عنسه لجده العلى بخطابسة هذه المدينسة‪ .‬وهسم يتوارثونهسا مسن ذلك‬

‫العهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسد حتسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسى الن‪.‬‬

‫ونسص الكتاب‪ :‬هذا مسا أمسر بسه عبسد ال أميسر المؤمنيسن عمسر بسن عبسد العزيسز لفلن‬

‫وتاريخه سنة تسع وتسعين‪ ،‬وعليه مكتوب بخط أمير المؤمنين لفلن عمر بن عبد‬

‫العزيز الحمد ل وحده على ما أخبرني الخطيب المذكور‪ .‬ولقيت بها الشيخ المعمر‬

‫محمسد البغدادي وهسو بالزاويسة التسي على قسبر الشيسخ الصسالح عثمان المرتدي‪ .‬وذكسر‬

‫أن عمره يزيد على مائة وأربعين سنة‪ ،‬وأنه حضر مقتل المستعصم بال آخر خلفاء‬

‫بنسي العباس رضسي ال عنهسم لمسا قتله الكافسر هلون بسن تنكيسز التتري ‪ .‬وهذا الشيسخ‬

‫على كبر سنه قوي الجثة يتصرف على قدميه‪.‬‬


‫حكاية‬

‫كان يسسسكن بهذه المدينسسة الميسسر ونار السسسامري الذي تقدم ذكره‪ ،‬والميسسر قيصسسر‬

‫الرومسي‪ ،‬وهمسا فسي خدمسة السسلطان‪ ،‬ومعهمسا نحسو ألف وثمانمئة فارس‪ .‬وكان يسسكن‬

‫بها كافر من الهنود اسمه رتن " بفتح الراء وبفتح التاء المعلوة والنون "‪ ،‬وهو من‬

‫الحذاق بالحسسساب والكتابسسة‪ .‬فوفسسد على ملك الهنسسد مسسع بعسسض المراء‪ ،‬فاسسستحسنه‬

‫السسسلطان وسسسماه عظيسسم السسسند‪ ،‬ووله بتلك البلد‪ ،‬وأقطعسسه سسسيوستان وأعمالهسسا‪،‬‬

‫وأعطاه المراتب‪ ،‬وهي الطبال والعلمات كما يعطى كبار المراء‪ .‬فلما وصل إلى‬

‫تلك البلد عظسم على ونار وقيصسر وغيرهسم تقديسم الكافسر عليهسم‪ ،‬فأجمعوا على قتله‪.‬‬

‫فلمسسا كان بعسسد أيام مسن قدومسسه أشاروا إليسسه بالخروج إلى أحواز المدينسسة ليتطلع على‬

‫أمورها فخرج معهم‪ .‬فلما جن الليل أقاموا ضجة بالمحلة‪ ،‬وزعموا أن السبع ضرب‬

‫عليها‪ .‬وقصدوا ضرب الكافر فقتلوه‪ ،‬وعادوا إلى المدينة فأخذوا ما كان بها من مال‬

‫السسسلطان‪ ،‬وذلك اثنسسا عشسسر لكاً واللك مائة ألف دينار‪ ،‬وصسسرف اللك عشرة آلف‬

‫دينار مسسن ذهسسب الهنسسد‪ .‬وصسسرف الدينار الهندي ديناران ونصسسف دينار مسسن ذهسسب‬

‫المغرب‪ .‬وقدموا على أنفسسسسهم ونار المذكور‪ ،‬وسسسسموه ملك فيروز‪ ،‬وقسسسسم الموال‬

‫على العسسكر‪ .‬ثسم خاف على نفسسه لبعده عسن قسبيلته‪ ،‬فخرج فيمسن معسه مسن أقاربسه‪،‬‬

‫وقصد قبيلته‪ ،‬وقدم الباقون من العسكر على أنفسهم قيصر الرومي‪ .‬واتصل خبرهم‬

‫بعماد الملك سسرتيز مملوك السسلطان‪ ،‬وهسو يومئذ أميسر أمراء السسند وسسكناه بملتان‪.‬‬

‫فجمسع العسساكر وتجهسز فسي البر وفسي نهسر السسند‪ .‬وبيسن ملتان وسسيوستان عشرة أيام‪،‬‬
‫وخرج إليسه قيصسر‪ ،‬فوقسع اللقاء وانهزم قيصسر ومسن معسه أشنسع هزيمسة‪ ،‬وتحصسنوا‬

‫بالمدينة‪ ،‬فحاصرهم ونصب المجانيق عليهم‪ ،‬واشتد عليهم الحصار‪ ،‬فطلبوا المان‬

‫بعسد أربعيسن يوماً مسن نزوله عليهسم فأعطاهسم المان‪ .‬فلمسا نزلوا إليسه غدرهسم وأخسذ‬

‫أموالهسم وأمسر بقتلهسم‪ .‬فكان كسل يوم يضرب أعناق بعضهسم ويوسسط البعسض ويسسلخ‬

‫آخريسن منهسم ويمل جلودهسم تبناً ويعلقهسا على السسور‪ .‬فكانست تلك الجلود مصسلوبة‪،‬‬

‫ترعسب مسن ينظسر إليهسا‪ .‬وجمسع رؤوسسهم فسي وسسط المدينسة‪ ،‬فكانست مثسل التسل هنالك‪.‬‬

‫ونزلت بتلك المدينة إثر هذه الوقعة بمدرسة فيها كبيرة‪ ،‬وكنت أنام على سطحها فإذا‬

‫استيقظت من الليل أرى تلك الجلود المصلوبة فتشمئز النفس منها‪ ،‬ولم تطب نفسي‬

‫بالسكنى بالمدرسة فانتقلت عنها‪ .‬وكان الفقيه الفاضل العادل علء الملك الخراساني‬

‫المعروف بفصيح الدين قاضي هراة في متقدم التاريخ‪ ،‬قد وفد على ملك الهند فوله‬

‫مدينسة لهري وأعمالهسا مسن بلد السسند‪ ،‬وحضسر هذه الحركسة مسع عماد الملك سسرتيز‬

‫بمسن معسه مسن العسساكر‪ .‬فعزمست على السسفر معسه إلى مدينسة لهري‪ .‬وكان له خمسسة‬

‫عشر مركبًا قدم بها في نهر السند تحمل أثقاله فسافرت‪.‬‬

‫ذكر السفر في نهر السند وترتيب ذلك‬

‫وكان للفقيسسسه علء الملك فسسسي جملة سسسسفنه سسسسفينة تعرف بالهورة " بفتسسح الهمزة‬

‫والهاء وسكون الواو وفتح الراء "‪ ،‬وهي نوع من الطريدة عندنا إل أنها أوسع منها‬

‫وأقصسر وعلى نصسفها مرعسش مسن خشسب يصسعد له على درج‪ ،‬وفوقسه مجلس مهيسأ‬

‫لجلوس الميسر‪ ،‬ويجلس أصسحابه بيسن يديسه‪ .‬ويقسف المماليسك يمنسة ويسسرة‪ ،‬والرجال‬
‫يقذفون وهسسم نحسسو أربعيسسن‪ .‬ويكون مسسع هذه الهورة أربعسسة مسسن السسسفن عسسن يمينهسسا‬

‫ويسسسارها‪ ،‬اثنان منهسسا فيهمسسا مراتسسب الميسسر‪ ،‬وهسسي العلمات والطبول والبواق‬

‫والنفار والصرنايات وهي الغيطات‪ ،‬والخران فيهما أهل الطرب فتضرب الطبول‬

‫والبواق نوبسسة‪ ،‬ويغنسسي المغنون نوبسسة‪ .‬ول يزالون كذلك مسسن أول النهار إلى وقسست‬

‫الظهسر‪ .‬فإذا كان وقست الغداء اجتمعست المراكسب‪ ،‬ووصسل بعضهسا ببعسض‪ ،‬ووضعست‬

‫بينهمسا الصسقالت‪ ،‬وأتسى أهسل الطرب إلى أهورة الميسر‪ ،‬فيغنون إلى أن يفرغ مسن‬

‫أكله‪ ،‬ثسم يأكلون وإذا فرغوا مسن الكسل عادوا إلى سسفنهم وشرعوا فسي المسسير على‬

‫ترتيبهم إلى الليل‪ .‬فإذا كان الليل ضربت المحلة على شاطئ النهر ونزل المير إلى‬

‫خيامسه ومسد السسماط وحضسر الطعام معظسم العسسكر‪ ،‬فإذا صسلوا العشاء الخيرة سسمر‬

‫السسمار بالليسل نوباً‪ ،‬فإذا أتسم أهسل النوبسة منهسم نوبتهسم نادى مناد منهسم بصسوت عال يسا‬

‫خونسد ملك‪ ،‬قسد مضسى من الليسل كذا مسن السساعات ثسم يسسمر أهسل النوبسة الخرى‪ ،‬فإذا‬

‫أتموهسا نادى مناديهسم أيضاً معلماً بمسا مسر مسن السساعات‪ .‬فإذا كان الصسبح ضربست‬

‫البواق والطبول وصسليت صسلة الصسبح وأتسي بالطعام‪ .‬فإذا فرغ الكسل‪ ،‬أخذوا فسي‬

‫المسسير‪ .‬فإن أراد الميسر ركوب النهسر ركسب على مسا ذكرناه مسن الترتيسب‪ ،‬وإن أراد‬

‫المسسير فسي البر ضربست الطبال والبواق‪ ،‬وتقدم حجابسه‪ ،‬ثسم تلهسم المشاؤون بيسن‬

‫يديه‪ ،‬ويكون بين أيدي الحجاب ستة من الفرسان‪ ،‬عند ثلثة منهم أطبال قد تقلدوها‬

‫وعنسد ثلثسة صسرنايات‪ .‬فإذا أقبلوا على قريسة أو مسا هسو مسن الرض مرتفسع ضربوا‬

‫تلك الطبال والصرنايات‪ .‬ثم تدق أطبال العسكر وأبواقه‪ ،‬ويكون عن يمين الحجاب‬
‫ويسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسارهم المغنون يغنون نوباً‪ ،‬فإذا كان وقسسسسسسسسسسسسسسسسسسست الغداء نزلوا‪.‬‬

‫وسسسافرت مسسع علء الملك خمسسسة أيام‪ ،‬ووصسسلنا إلى موضسسع وليتسسه‪ ،‬وهسسو مدينسسة‬

‫لهري " وضبسط اسسمها بفتسح الهاء وكسسر الراء " مدينسة حسسنة على سساحل البحسر‬

‫الكسبير‪ ،‬وبهسا يصسب نهسر السسند فسي البحسر‪ ،‬فيلتقسي بهسا بحران‪ ،‬ولهسا مرسسى عظيسم‪،‬‬

‫يأتسي إليسه أهسل اليمسن وأهسل فارس وغيره‪ .‬بذلك عظمست جباياتهسا وكثرت أموالهسا‪.‬‬

‫أخبرني المير علء الملك المذكور أن مجبي هذه المدينة ستون لكاً في السنة‪ ،‬وقد‬

‫ذكرنسا مقدار اللك‪ ،‬وللميسر مسن ذلك نسم " نيسم " ده يسك‪ ،‬ومعناه نصسف العشسر‪ .‬وعلى‬

‫ذلك يعطي السلطان البلد لعماله يأخذون منها لنفسهم نصف العشر‪.‬‬

‫ذكر غريبة رأيتها بخارج هذه المدينة‬

‫وركبت يوماً مع علء الملك فانتهينا إلى بسيط من الرض على مسافة سبعة أميال‬

‫منهسا يعرف بتارنسا‪ ،‬فرأيست هنالك مسا ل يحصسره العسد مسن الحجارة على مثسل صسور‬

‫الدمييسن والبهائم‪ ،‬وقسد تغيسر كثيسر منهسا ودثرت أشكاله‪ ،‬فيبقسى منسه صسورة رأس أو‬

‫رجسسل أو سسسواهما‪ .‬ومسسن الحجارة أيضاً على صسسورة الحبوب مسسن البر والحمسسص‬

‫والفول والعدس‪ ،‬وهنالك آثار سسور وجدران دور‪ ،‬ثسم رأينسا رسسم دار فيهسا بيست مسن‬

‫حجارة منحوتسة وفسي وسسطه دكانسة حجارة منحوتسة كأنهسا حجسر واحسد عليهسا صسورة‬

‫آدمي‪ ،‬إل أن رأسه طويل وفمه في جانب من وجهه‪ ،‬ويداه خلف ظهره كالمكتوف‪.‬‬

‫وهنالك مياه شديدة النتسسسن‪ ،‬وكتابسسسة على بعسسسض الجدران بالهندي‪ .‬وأخسسسبرني علء‬

‫الملك أن أهسل التاريسخ يزعمون أن هذا الموضسع كانست فيسه مدينسة عظيمسة أكثر أهلهسا‬
‫الفسساد فمسسخوا حجارة‪ ،‬وأن ملكهسم هسو الذي على الدكانسة فسي الدار التسي ذكرناهسا‪،‬‬

‫وهي الن تسمى دار الملك‪ ،‬وأن الكتابة التي في بعض الحيطان بالهندي هي تاريخ‬

‫هلك أهسل تلك المدينسة وكان ذلك منسذ ألف سسنة أو نحوهسا‪ .‬وأقمست بهذه المدينسة مسع‬

‫علء الملك خمسسة أيام‪ ،‬ثسم أحسسن فسي الزاد وانصسرفت عنسه إلى مدينسة بكار " بفتسح‬

‫الباء الموحدة "‪ ،‬وهسي مدينسة حسسنة يشقهسا خليسج مسن نهسر السسند‪ .‬وفسي وسسط ذلك‬

‫الخليج زاوية حسنة فيها الطعام للوارد والصادر‪ .‬عمرها كشلوخان أيام وليته على‬

‫بلد السسسند‪ ،‬وسسسيقع ذكره‪ .‬ولقيسست بهذه المدينسسة الفقيسسه المام صسسدر الديسسن الحنفسسي‪،‬‬

‫ولقيت بها قاضيها المسمى بأبي حنيفة‪ ،‬ولقيت بها الشيخ العابد الزاهد شمس الدين‬

‫محمسد الشيرازي‪ ،‬وهسو مسن المعمريسن‪ ،‬ذكسر لي أن سسنه يزيسد على مائة وعشريسن‬

‫عاماً‪ .‬ثسم سسافرت مسن مدينسة بكار فوصسلت إلى مدينسة أوجسه " وضبسط اسسمها بضسم‬

‫الهمزة وفتسح الجيسم " وهسي مدينسة كسبيرة على نهسر السسند‪ ،‬لهسا أسسواق حسسنة وعمارة‬

‫جيدة‪ .‬وكان الميسسر بهسسا إذ ذاك الملك الفاضسسل الشريسسف جلل الديسسن الكيجسسي أحسسد‬

‫الشجعان الكرماء‪ ،‬وبهذه المدينة توفي بعد سقطة سقطها عن فرسه‪.‬‬

‫مكرمة لهذا الملك‬

‫ونشأت بينسسي وبيسسن هذا الملك الشريسسف جلل الديسسن مودة‪ ،‬وتأكدت بيننسسا الصسسحبة‬

‫والمحبسة‪ ،‬واجتمعنسا بحضرة دهلي‪ .‬فلمسا سسافر السسلطان إلى دولة أباد‪ ،‬كمسا سسنذكره‪،‬‬

‫وأمرنسسسي بالقامسسسة بالحضرة‪ ،‬قال لي جلل الديسسسن‪ :‬إنسسسك تحتاج إلى نفقسسسة كسسسبيرة‪،‬‬

‫والسسلطان تطول غيبتسه‪ ،‬فخسذ قريتسي واسستغلها حتسى أعود‪ ،‬ففعلت ذلك‪ .‬واسستغللت‬
‫منهسسسسسسسسسسسسا نحسسسسسسسسسسسسو خمسسسسسسسسسسسسسة آلف دينار‪ ،‬جزاه ال أحسسسسسسسسسسسسسن الجزاء‪.‬‬

‫ولقيت بمدينة أوجه الشيخ العابد الزاهد الشريف قطب الدين حيدر العلوي‪ ،‬وألبسني‬

‫الخرقة‪ ،‬وهو من كبار الصالحين‪ .‬ولم يزل الثوب الذي ألبسنيه معي‪ ،‬إلى أن سلبني‬

‫كفار الهنود فسي البحسر‪ .‬ثسم سسافرت مسن أوجسه إلى مدينسة ملتان " وضبسط اسسمها بضسم‬

‫الميم وتاء معلوة "‪ ،‬وهي قاعدة بلد السند‪ ،‬ومسكن أمير أمرائه‪ .‬وفي الطريق إليها‬

‫على مسسافة عشرة أميال الوادي المعروف بخسسرو أباد‪ ،‬وهسو مسن الوديسة الكبار‪ ،‬ل‬

‫يجاز إل بالمراكسب‪ .‬وبسه يبحسث عسن أمتعسة المجتازيسن أشسد البحسث وتفتسش رحالهسم‪.‬‬

‫وكانت عادتهم حين وصلنا إليها أن يأخذوا الربع من كل ما يجلبه التجار‪ ،‬ويأخذوا‬

‫على كسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسل فرس سسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسبعة دنانيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسر مغرماً‪.‬‬

‫ثسم بعسد وصسولنا إلى الهنسد بسسنتين رفسع السسلطان تلك المغارم‪ ،‬وأمسر أن ل يؤخسذ مسن‬

‫الناس إل الزكاة والعشر‪ ،‬لما بايع للخليفة أبي العباس العباسي‪ .‬ولما أخذنا في إجازة‬

‫هذا الوادي وفتشست الرحال‪ ،‬عظسم علي تفتيسش رحلي‪ ،‬لنسه لم يكسن فيسه طائل‪ ،‬وكان‬

‫يظهسر فسي أعيسن الناس كسبيراً‪ ،‬فكنست أكره أن يطلع عليسه‪ .‬ومسن لطسف ال تعالى أن‬

‫وصل أحد كبار الجناد من جهة قطب الملك صاحب ملتان‪ ،‬فأمر أن ل يعرض لي‬

‫ببحسسث ول تفتيسسش‪ ،‬فكان كذلك‪ .‬فحمدت ال على مسسا هيأه لي مسسن لطائفسسه‪ .‬وبتنسسا تلك‬

‫الليلة على شاطسئ الوادي‪ ،‬وقدم علينسا فسي صسبيحتها ملك البريسد واسسمه دهقان‪ ،‬وهسو‬

‫سمرقندي الصل‪ ،‬وهو الذي يكتب للسلطان بأخبار تلك المدينة وعمالتها وما يحدث‬

‫بها ومن يصل‪ ،‬فتعرفت به ودخلت بصحبته إلى أمير ملتان‪.‬‬


‫ذكر أمير ملتان وترتيب حاله‬

‫وأميسسر ملتان هسسو قطسسب الملك مسسن كبار المراء وفضلئهسسم‪ .‬لمسسا دخلت قام إلي‬

‫وصسسافحني وأجلسسسني إلى جانبسسه‪ .‬وأهديسست له مملوكاً وفرسسساً وشيئاً مسسن الزبيسسب‬

‫واللوز‪ ،‬وهو من أعظم ما يهدى إليهم‪ ،‬لنه ليس ببلدهم‪ ،‬وإنما يجلب من خراسان‪.‬‬

‫وكان جلوس هذا الميسر على دكانسة كسبيرة عليهسا البسسط‪ ،‬وعلى مقربسة منسه القاضسي‪،‬‬

‫ويسسسمى سسسالرو‪ ،‬والخطيسسب ول أذكسسر اسسسمه‪ ،‬وعسسن يمينسسه ويسسساره امراء الجناد‪،‬‬

‫وأهسل السسلح وقوف على رأسسه‪ ،‬والعسساكر تعرض بيسن يديسه‪ .‬وهناك قسسي كثيرة‪.‬‬

‫فإذا أتى من يريد أن يثبت في العسكر رامياً أعطي قوساً من تلك القسي ينزع فيها‪،‬‬

‫وهسي متفاوتسة فسي الشدة‪ .‬فعلى قدر نزعسه يكون مرتبسه‪ .‬ومسن أراد أن يثبست فارسساً‪،‬‬

‫فهنالك طبلة منصسوبة‪ ،‬فيجري فرسسه ويرميهسا برمحسه‪ .‬وهناك أيضاً خاتسم معلق فسي‬

‫حائط صغير‪ ،‬فيجري فرسه حتى يحاذيه‪ .‬فإن رفعه برمحه فهو الجيد عندهم‪ ،‬ومن‬

‫أراد أن يثبسسست راميًا فارسسسساً فهنالك كرة موضوعسسسة فسسسي الرض‪ ،‬فيجري فرسسسسه‬

‫ويرميهسا‪ ،‬وعلى قدر مسا يظهسر مسن النسسان فسي ذلك مسن الصسابة يكون مرتبسه‪ .‬ولمسا‬

‫دخلنا على هذا المير وسلمنا عليه‪ ،‬كما ذكرناه‪ ،‬أمر بإنزالنا في دار خارج المدينة‪،‬‬

‫هي لصحاب الشيخ العابد ركن الدين الذي تقدم ذكره‪ ،‬وعادتهم أن ل يضيفوا أحداً‬

‫حتى يأتي أمر السلطان‪.‬‬


‫ذكر من اجتمعت به في هذه المدينة من الغرباء‬

‫الوافدين على حضرة ملك الهند‬

‫فمنهسسم خداونسسد زاده قوام الديسسن قاضسسي ترمسسذ‪ ،‬قدم بأهله وولده‪ ،‬ثسسم ورد عليسسه بهسسا‬

‫إخوتسسسه عماد الديسسسن وضياء الديسسسن وبرهان الديسسسن‪ ،‬ومنهسسسم مبارك شاه أحسسسد كبار‬

‫سمرقند‪ ،‬ومنهم أرن بغا أحد كبار بخارى‪ ،‬ومنهم ملك زاده ابن أخت خداوند زاده‪،‬‬

‫ومنهم بدر الدين الفصال‪ ،‬وكل واحد من هؤلء معه أصحابه وخدامه وأتباعه‪ ،‬ولما‬

‫مضسسى مسسن وصسسولنا إلى ملتان شهران‪ ،‬وصسسل أحسسد حجاب السسسلطان‪ ،‬وهسسو شمسسس‬

‫الديسن البوشنجسي‪ ،‬والملك محمسد الهروي الكتوال‪ ،‬بعثهمسا السسلطان لسستقبال خداونسد‬

‫زاده‪ .‬وقدم معهسسم ثلثسسة مسسن الفتيان بعثتهسسم المخدومسسة جهان أم السسسلطان لسسستقبال‬

‫زوجسة خداونده زاده المذكور‪ .‬وأتوا بالخلع لهمسا ولولدهمسا‪ ،‬ولتجهيسز مسن قدم مسن‬

‫الوفود‪ ،‬وأتوا جميعًا إلي‪ ،‬وسسألوني لماذا قدمست‪ ،‬فأخسبرتهم أنسي قدمست للقامسة فسي‬

‫خدمسة خونسد عالم‪ ،‬وهسو السسلطان‪ ،‬وبهذا يدعى فسي بلده‪ .‬وكان أمسر أن ل يترك أحسد‬

‫ممن يأتي من خراسان يدخل بلد الهند‪ ،‬إل إن كان برسم القامة‪ .‬فلما أعلمتهم أني‬

‫قدمت للقامة‪ ،‬استدعوا القاضي والعدول‪ ،‬وكتبوا عقداً علي وعلى من أراد القامة‬

‫مسسن أصسسحابي‪ .‬وأبسسى بعضهسسم مسسن ذلك وتجهزنسسا للسسسفر إلى الحضرة‪ .‬وبيسسن ملتان‬

‫وبينها مسيرة أربعين يوماً في عمارة متصلة‪ .‬وأخرج الحاجب وصاحبه الذي بعث‬

‫معسسه مسسا يحتاج إليسسه فسسي ضيافسسة قوام الديسسن‪ ،‬واسسستصحبوا مسسن ملتان نحسسو عشريسسن‬

‫طباخاً‪ .‬وكان الحاجسسب يتقدم ليلً إلى كسسل منزل‪ ،‬فيجهسسز الطعام وسسسواه‪ ،‬فمسسا يصسسل‬
‫خداونسد زاده حتسى يكون الطعام متيسسراً‪ .‬وينزل كسل واحسد ممسن ذكرناهسم مسن الوفود‬

‫على حدة‪ ،‬بمضاربسه‪ ،‬وأصسحابه‪ .‬وربمسا حضروا الطعام الذي يصسنع لخداونسد زاده‪.‬‬

‫ولم أحضره أنسا إل مرة واحدة‪ .‬وترتيسب ذلك الطعام أنهسم يجعلون الخبسز‪ ،‬وخبزهسم‬

‫الرقاق وهو شبه الجراديق‪ ،‬ويقطعون اللحم المشوي قطعاً كبيرة‪ ،‬بحيث تكون الشاة‬

‫أربسسع قطسسع أو سسستاً‪ ،‬ويجعلون أمام كسسل رجسسل قطعسسة‪ .‬ويجعلون أقراص سًا مصسسنوعة‬

‫بالسسسمن تشبسسه الخبسسز المشترك ببلدنسسا‪ ،‬ويجعلون فسسي وسسسطها الحلواء الصسسابونية‪،‬‬

‫ويغطون كل قرص منها برغيف حلواء يسمونه الخشتي‪ ،‬ومعناه الجري‪ ،‬مصنوع‬

‫مسن الدقيسق والسسكر والسسمن‪ .‬ثسم يجعلون اللحسم المطبوخ بالسسمن والبصسل والزنجبيسل‬

‫الخضسر فسي صسحاف صسينية ثسم يجعلون شيئاً يسسمونه سسموسك‪ ،‬وهسو لحسم مهروس‬

‫مطبوخ باللوز والجوز والفسسستق والبصسسل والبازيسسر‪ ،‬موضوعسسة فسسي جوف رقاقسسة‬

‫مقلوة بالسسمن‪ .‬يضعون أمام كسل إنسسان خمسس قطسع مسن ذلك أو أربعاً‪ ،‬ثسم يجعلون‬

‫المطبوخ بالسسمن عليسه الدجاج‪ ،‬ثسم يجعلون لقيمات القاضسي ويسسمونه الهاشمسي‪ ،‬ثسم‬

‫يجعلون القاهريسة‪ .‬ويقسف الحاجسب على السسماط قبسل الكسل‪ ،‬ويخدم إلى الجهسة التسي‬

‫فيهسا السسلطان‪ ،‬ويخدم جميسع مسن حضسر لخدمتسه‪ .‬والخدمسة عندهسم حسط الرأس نحسو‬

‫الركوع‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك جلسسسسوا للكسسسل‪ .‬ويوتسسسى بأقداح الذهسسسب والفضسسسة والزجاج‬

‫مملوءة بماء النبات وهو الجلب محلولً في الماء‪ ،‬ويسمون ذلك الشربة‪ ،‬ويشربونه‬

‫قبل الطعام‪ .‬ثم يقول الحاجب‪ :‬بسم ال‪ :‬فعند ذلك يشرعون في الكل‪ .‬فإذا أكلوا أتوا‬

‫بأكواز الفقاع فإذا شربوه‪ ،‬أتوا بالتنبول والفوفسسسسل‪ :‬وقسسسسد تقدم ذكرهمسسسسا‪ ،‬فإذا أخذوا‬
‫التنبول والفوفسسسل قال الحاجسسسب‪ :‬بسسسسم ال‪ .‬فيقومون ويخدمون مثسسسل خدمتهسسسم أولً‪،‬‬

‫وينصسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسرفون‪.‬‬

‫ثسسم سسسافرنا مسسن مدينسسة ملتان‪ ،‬وهسسم يجرون هذا الترتيسسب على مسسا سسسطرناه‪ ،‬إلى أن‬

‫وصسلنا إلى بلد الهنسد‪ .‬وكان أول بلد دخلناه مدينسة أبوهسر " بفتسح الهاء "‪ ،‬وهسي أول‬

‫تلك البلد الهنديسة‪ ،‬صسغيرة حسسنة كثيرة العمارة‪ ،‬ذات أنهار وأشجار‪ .‬وليسس هنالك‬

‫مسن أشجار بلدنسا شيسء‪ .‬مسا عدا النبسق‪ ،‬لكنسه عندهسم عظيسم الجرم‪ ،‬تكون الحبسة منسه‬

‫بمقدار حبة العفص‪ ،‬شديد الحلوة‪ .‬ولهم أشجار كثيرة‪ ،‬ليس يوجد منها شيء ببلدنا‬

‫ول بسواها‪.‬‬

‫ذكر أشجار بلد الهند وفواكهها‬

‫فمنهسا العنبسة " بفتسح العيسن وسسكون النون وفتسح الباء الموحدة "‪ ،‬وهسي شجرة تشبسه‬

‫أشجار النارنسج‪ ،‬إل أنهسا أعظسم أجراماً وأكثسر أوراقاً وظلهسا أكثسر الظلل‪ ،‬غيسر أنسه‬

‫ثقيسل فمسن نام تحتسه وعسك‪ .‬وثمرهسا على قدر الجاص الكسبير‪ .‬فإذا كان أخضسر قبسل‬

‫تمام نضجسه أخذوا مسا سسقط منسه‪ ،‬وجعلوا عليسه الملح ‪ ،‬وصسيروه كمسا يصسير الليسم‬

‫والليمون ببلدنا‪ .‬وكذلك يصيرون أيضاً الزنجبيل الخضر وعناقيد الفلفل‪ .‬ويأكلون‬

‫ذلك مع الطعام‪ ،‬يأخذون بأثر كل لقمة يسيراً من هذه المملوحات فإذا نضجت العنبة‬

‫فسسي أوان الخريسسف‪ ،‬اصسسفرت جباتهسسا فأكلوهسسا كالتفاح‪ .‬فالبعسسض يقطعهسسا بالسسسكين‪،‬‬

‫والخسر يمصسها مصساً‪ .‬وهسي حلوة يمازج حلوتهسا يسسير حموضسة‪ .‬ولهسا نواة كسبيرة‬

‫يزرعونها فتنبت منها الشجار‪ ،‬كما تزرع نوى النارنج وغيرها‪ .‬والشكي والبركي‬
‫" بفتسح الشيسن المعجسم وكسسر الكاف‪ ،‬وفتسح الباء الموحدة وكسسر الكاف "‪ .‬وهسي‬

‫أشجار عادية‪ ،‬أوراقها كأوراق الجوز‪ ،‬وثمرها يخرج من أصل الشجر‪ ،‬فما اتصل‬

‫منسه بالرض فهسو البركسي‪ ،‬وحلوتسه أشسد وطعمسه أطيسب‪ ،‬ومسا كان فوق ذلك فهسو‬

‫الشكسسي وثمره يشبسسه القرع الكبار‪ ،‬وجلوده تشبسسه جلود البقسسر‪ ،‬فإذا اصسسفر فسسي أوان‬

‫الخريسف قطعوه وشقوه‪ .‬فيكون فسي داخسل كسل حبسة المائة والمائتان‪ .‬فمسا بيسن ذلك مسن‬

‫حبات تشبسه الخيار‪ ،‬بيسن كسل حبسة وحبسة صسفاق أصسفر اللون‪ ،‬ولكسل حبسة نواة تشبسه‬

‫الفول الكسبير‪ ،‬وإذا شويست هذه النواة أو طبخست يكون طعمهسا كطعسم الفول‪ ،‬إذ ليسس‬

‫يوجسد هنالك‪ .‬ويدخرون هذه النوى فسي التراب الحمسر فتبقسى إلى سسنة أخرى‪ .‬وهذا‬

‫الشكي والبركي هو خير فاكهة ببلد الهند‪ .‬والتندو " بفتح التاء المثناة وسكون النون‬

‫وضسم الدال " وهسو ثمسر شجسر البنوس‪ ،‬وحباتسه قدر حبات المشمسش‪ ،‬ولونهسا‪ ،‬وهسو‬

‫شديسسسد الحلوة‪ ،‬والجوز " بضسسسم الجيسسسم المعقودة " وأشجار‪ .‬عاديسسسة ويشبسسسه ثمرة‬

‫الزيتون‪ ،‬وهسو أسسود اللون‪ ،‬ونواه واحدة كالزيتون‪ ،‬والنارنسج الحلو‪ ،‬وهسو وعندهسم‬

‫كثيسسر‪ .‬وأمسسا النارنسسج الحامسسض فعزيسسز الوجود‪ .‬ومنسسه صسسنف ثالث يكون بيسسن الحلو‬

‫والحامض‪ ،‬وثمره على قدر الليم وهو طيب جداً‪ ،‬وكنت يعجبني أكله‪ ،‬ومنها المهوا‬

‫" وبفتسح الميسم والواو " وأشجار عاديسة وأوراقسه كأوراق الجوز‪ ،‬إل أن فيهسا حمرة‬

‫وصسفرة‪ ،‬وثمره مثسل الجاص الصسغير شديسد الحلوة‪ .‬وفسي أعلى كسل حبسة منسه حبسة‬

‫صسسسسسسسسسغيرة بمقدار حبسسسسسسسسسة العنسسسسسسسسسب مجوفسسسسسسسسسة وطعمهسسسسسسسسسا كالعنسسسسسسسسسب‪.‬‬

‫إل أن الكثار مسن أكلهسا يحدث فسي الرأس صسداعاً‪ ،‬ومسن العجسب أن هذه الحبوب إذا‬
‫يبست في الشمس كان طعمها كطعم التين‪ ،‬وكنت آكلها عوضاً عن التين إذ ل يوجد‬

‫ببلد الهنسسد‪ .‬وهسسم يسسسمون هذه الحبسسة النكور " بفتسسح الهمزة وسسسكون النون وضسسم‬

‫الكاف المعقودة والواو والراء "‪ ،‬وتفسسسيره بلسسسانهم العنسسب‪ .‬والعنسسب بأرض الهنسسد‬

‫عزيسسز جداً‪ ،‬ول يكون بهسسا إل فسسي موضسسع بحضرة دهلي‪ ،‬وببلد أخرى‪ ،‬ويثمسسر‬

‫مرتيسن فسي السسنة‪ .‬ونوى هذا الثمسر يصسنعون منسه الزيست‪ ،‬ويسستصبحون بسه‪ .‬ومسن‬

‫فواكههم فاكهة يسسمونها كسسيرا " بفتح الكاف وكسر السين المهمسل وياء مسد وراء "‬

‫يحفرون عليهسا الرض‪ ،‬وهسي شديدة الحلوة تشبسه القسسطل‪ .‬وببلد الهنسد مسن فواكسه‬

‫بلدنا الرمان‪ ،‬ويثمر مرتين فسي السسنة‪ .‬ورأيتسه ببلد جزائر ذيبة المهسل ل ينقطع له‬

‫ثمسر‪ ،‬وهسم يسسمونه أنار " بفتسح الهمزة والنون "‪ ،‬وأظسن ذلك هسو الصسل فسي تسسمية‬

‫الجلنار‪ ،‬فإن جل بالفارسية الزهر‪ ،‬ونار الرمان‪.‬‬

‫ذكر الحبوب التي يزرعها أهل الهند ويقتاتون بها‬

‫وأهسسل الهنسسد يزرعون مرتيسسن فسسي السسسنة‪ .‬فإذا نزل المطسسر عندهسسم فسسي أوان القيسسظ‬

‫زرعوا الزرع الخريفسي‪ ،‬وحصسدوه بعسد سستين يوماً مسن زراعتسه‪ .‬ومسن هذه الحبوب‬

‫الخريفية عندهم الكذرو " بضم الكاف وسكون الذال المعجم وضم الراء وبعدها واو‬

‫"‪ ،‬وهو نوع من الدخن‪ .‬وهذا الكذور هو أكثر الحبوب عندهم‪ .‬ومنها القال " بالقاف‬

‫" وهو أشبه أنلي‪ ،‬ومنها الشاماخ " بالشين والخاء المعجمتين " وهو أصغر حباً من‬

‫القال‪ .‬وربما نبت هذا الشاماخ من غير زراعة‪ ،‬وهو طعام الصالحين وأهل الورع‬

‫والفقراء والمسساكين‪ .‬يخرجون لجمسع مسا نبست منسه مسن غيسر زراعسة‪ ،‬فيمسسك أحدهسم‬
‫قفسسة كسسبيرة بيسسساره‪ ،‬وتكون بيمناه مقرعسسة يضرب بهسسا الزرع فيسسسقط فسسي القفسسة‪،‬‬

‫فيجمعون منسه مسا يقتاتون بسه جميسع السسنة‪ .‬وحب هذا الشاماخ صسغير جداً‪ ،‬وإذا جمسع‬

‫جعسل فسي الشمسس‪ ،‬ثسم يدق فسي مهارس الخشسب‪ .‬فيطيسر قشره‪ .‬ويبقسى لبسه أبيسض‪،‬‬

‫ويصنعون منه عصيدة يطبخونها بحليب الجواميس‪ ،‬وهي أطيب من خبزه‪ .‬وكنت‬

‫آكلهسا كثيراً ببلد الهنسد وتعجبنسي‪ .‬ومنهسا الماش‪ ،‬وهسو نوع مسن الجلبان‪ ،‬ومنهسا المنسج‬

‫" بميم مضموم ونون وجيم "‪ ،‬وهو نوع من الماش‪ ،‬إل أن حبوبه مستطيلة ولونه‬

‫صسافي الخضرة‪ ،‬ويطبخون المنسج مسع الرز ويأكلونسه بالسسمن ويسسمونه كشرى "‬

‫بالكاف والشين المعجم والراء "‪ ،‬وعليه يفطرون في كل يوم‪ .‬وهو عندهم كالحريرة‬

‫ببلد المغرب‪ .‬ومنها اللوبيا وهي نوع من الفول‪ ،‬ومنها الموث " بضم الميم " وهو‬

‫مثسل الكذرو‪ ،‬إل أن حبوبسه أصسغر‪ ،‬وهسو مسن علف الدواب عندهسم‪ ،‬وتسسمن الدواب‬

‫بأكله‪ ،‬والشعيسسر عندهسسم ل قوة له‪ ،‬وإنمسسا علف الدواب مسسن هذا الموت‪ ،‬أو الحمسسص‬

‫ويجرشونه ويبلونه بالماء ويطعمونه الدواب‪ ،‬ويطعمونها عوضاً من القصيل أوراق‬

‫الماش‪ ،‬بعسد أن تسسقى الدابسة السسمن عشرة أيام‪ ،‬فسي كسل يوم مقدار ثلثسة أرطال أو‬

‫أربعة‪ ،‬ول تركب في تلك اليام‪ .‬وبعد ذلك يطعمونها أوراق الماش كما ذكرنا شهراً‬

‫أو نحوه وهذه الحبوب التي ذكرناها هي الخريفية وإذا حصدوها بعد ستين يوماً من‬

‫زراعتهسسا ازدرعوا الحبوب الربيعيسسة‪ ،‬وهسسي القمسسح والشعيسسر والحمسسص والعدس‪.‬‬

‫وتكون زراعتهسا فسي الرض التسي كانست الحبوب الخريفيسة مزدرعسة فيهسا‪ .‬وبلدهسم‬

‫كريمسة طيبسة التربسة‪ .‬وأمسا الرز فانهسم يزرعونسه ثلث مرات فسي السسنة‪ ،‬وهسو مسن‬
‫أكبر الحبوب عندهم‪ .‬ويزدرعون السمسم وقصب السكر مع الحبوب الخريفية التي‬

‫تقدم ذكرهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا‪.‬‬

‫" ولنعسد إلى مسا كنسا بسسبيله فأقول " سسافرنا مسن مدينسة أبوهسر‪ ،‬فسي صسحراء مسسيرة‬

‫يوم‪ ،‬في أطرافها جبال منيعة يسكنها كفار الهنود‪ ،‬وربما قطعوا الطريق‪ .‬وأهل بلد‬

‫الهند أكثرهم كفار‪ .‬فمنهم رعية تحت ذمة المسلمين‪ ،‬يسكنون القرى‪ ،‬ويكون عليهم‬

‫حاكسم مسن المسسلمين يقدمسه العامسل أو الخديسم الذي تكون القريسة فسي إقطاعسه‪ ،‬ومنهسم‬

‫عصاة محاربون يمتنعون بالجبال ويقطعون الطريق‪.‬‬

‫ذكر غزوة لنا بهذا الطريق‬

‫وهي أول غزوة شهدتها ببلد الهند‬

‫ولمسا أردنسا السسفر مسن مدينسة أبوهسر‪ ،‬خرج الناس منهسا أول النهار‪ ،‬وأقمست بهسا إلى‬

‫نصسف النهار فسي لمة مسن أصسحابي‪ ،‬ثم خرجنا‪ ،‬ونحن اثنان وعشرون فارساً‪ .‬منهم‬

‫عرب ومنهسسسم أعاجسسسم‪ ،‬فخرج علينسسسا فسسسي تلك الصسسسحراء ثمانون رجلً مسسسن الكفار‬

‫وفارسسسان‪ .‬وكان أصسسحابي ذوي نجدة وعتسسي‪ ،‬فقاتلناهسسم أشسسد القتال‪ ،‬فقتلنسسا أحسسد‬

‫الفارسسين منهسم وغنمنسا فرسسه‪ ،‬مسن رجالهسم نحسو اثنسي عشسر رجلً وأصسابتني نشابسة‪،‬‬

‫وأصسابت فرسي نشابسة ثانية ومن ال بالسلمة منها‪ ،‬لن نشابهم ل قوة لها‪ ،‬وجرح‬

‫لحد أصحابنا فرس عوضناه له بفرس الكافر‪ ،‬وذبحنا فرسه المجروح‪ ،‬فأكله الترك‬

‫مسسن أصسسحابنا‪ .‬وأوصسسلنا تلك الرؤوس إلى حصسن أبسسي بكهسسر فعلقناهسسا على سسسوره‪.‬‬

‫وكان وصسولنا فسي نصسف الليسل إلى حصسن أبسي بكهسر المذكور " وضبسط اسسمه بفتسح‬
‫الباء الموحدة وسسسكون الكاف وفتسسح الهاء وآخره راء "‪ .‬وسسسافرنا منسسه فوصسسلنا بعسسد‬

‫يوميسسن إلى مدينسسة أجودهسسن " وضبسسط اسسسمها بفتسسح الهمزة وضسسم الجيسسم وفتسسح الدال‬

‫المهمل والهاء وآخره نون "‪ ،‬مدينة صغيرة هي للشيخ الصالح فريد الدين البذاوني‬

‫الذي أخسبرني الشيسخ الصسالح الولي برهان الديسن العرج بالسسكندرية أنسي سسألقاه‪،‬‬

‫فلقيتسه والحمسد ل‪ ،‬وهسو شيسخ ملك الهنسد‪ ،‬وأنعسم عليسه بهذه المدينسة‪ .‬وهذا الشيسخ مبتلى‬

‫بالوسسواس والعياذ بال‪ ،‬فل يصسافح أحداً ول يدنسو منسه‪ ،‬وإذا ألصسق ثوبسه بثوب أحسد‬

‫غسل ثوبه‪ .‬دخلت زاويته ولقيته وأبلغته سلم الشيخ برهان الدين‪ ،‬فعجب وقال‪ :‬أنا‬

‫دون ذلك‪ .‬ولقيست ولديسه الفاضليسن معسز الديسن‪ ،‬وهسو أكبرهمسا ولمسا مات أبوه تولى‬

‫الشياخة بعده‪ ،‬وعلم علم الدين‪ .‬وزرت قبر جده القطب الصالح فريد الدين البذاوني‪،‬‬

‫منسسوبة إلى مدينسة " بذاون " بلد السسنبل‪ " .‬وهسي بفتسح الباء الموحدة والذال المعجسم‬

‫وضسسم الواو وآخرهسسا نون " ولمسسا أردت النصسسراف عسسن هذه المدينسسة‪ ،‬قال لي علم‬

‫الديسن‪ :‬ل بسد لك مسن رؤيسة والدي فرأيتسه وهسو فسي أعلى سسطح له‪ ،‬وعليسه ثياب بيسض‬

‫وعمامة كبيرة لها ذؤابة وهي مائلة إلى جانب‪ .‬ودعا لي وبعث إلي بسكر ونبات‪.‬‬

‫ذكر أهل الهند الذين يحرقون أنفسهم بالنار‬

‫ولمسا انصسرفت عسن هذا الشيسخ‪ ،‬رأيست الناس يهرعون مسن عسسكرنا‪ ،‬ومعهسم بعسض‬

‫أصسسحابنا‪ .‬فسسسألته مسسا الخسسبر ? فأخسسبروني أن كافراً مسسن الهنود مات‪ ،‬وأججسست النار‬

‫لحرقه‪ ،‬وامرأته تحرق نفسها معه‪ .‬ولما احترقا جاء أصحابي وأخبروا أنها عانقت‬

‫الميت حتى احترقت معه‪ .‬وبعد ذلك كنت في تلك البلد أرى المرأة من كفار الهنود‬
‫متزينسة راكبسة‪ ،‬والناس يتبعونهسا مسن مسسلم وكافسر‪ ،‬والطبال والبواق بيسن يديهسا‪،‬‬

‫ومعهسا البراهمسة‪ ،‬وهسم كسبراء الهنود‪ .‬وإذا كان ذلك ببلد السسلطان اسستأذنوا السسلطان‬

‫فسي إحراقهسا فيؤذن لهسم فيحرقونهسا‪ .‬ثسم اتفسق بعسد مدة أنسي كنست بمدينسة أكثسر سسكانها‬

‫الكفار تعرف بأبجري ‪ ،‬وأميرهسا مسسلم مسن سسامرة السسند‪ ،‬وعلى مقربسة منهسا الكفار‬

‫العصساة‪ ،‬فقطعوا الطريسق يوماً‪ ،‬وخرج الميسر المسسلم لقتالهسم‪ ،‬وخرجست معسه رعيسة‬

‫من المسلمين والكفار‪ ،‬ووقع بينهم قتال شديد‪ ،‬مات فيه من رعية الكفار سبعة نفر ‪-‬‬

‫وكان لثلثسسة منهسسم ثلث زوجات‪ ،‬فاتفقسن على إحراق أنفسسهن‪ .‬وإحراق المرأة بعسد‬

‫زوجها عندهم أمر مندوب إليه غير واجب لكن من أحقرت نفسها بعد زوجها أحرز‬

‫أهل بيتها شرفًا بذلك‪ ،‬ونسبوا إلى الوفاء‪ ،‬ومن لم تحرق نفسها‪ ،‬لبست خشن الثياب‪،‬‬

‫وأقامت عند أهلها بائسة ممتهنة لعدم وفائها‪ .‬ولكنها ل تكره على إحراق نفسها‪ .‬ولما‬

‫تعاهدت النسسوة الثلث اللئي ذكرناهسن على إحراق أنفسسهن‪ ،‬أقمسن قبسل ذلك ثلثسة‬

‫أيام في غناء وطرب وأكل وشرب‪ ،‬كأنهن يودعن الدنيا‪ .‬ويأتي إليهن النساء من كل‬

‫جهسة‪ .‬وفسي صسبيحة اليوم الرابسع أتيست كسل واحدة منهسن بفرس فركبتسه‪ ،‬وهسي متزينسة‬

‫متعطرة‪ ،‬وفي يمناها جوزة نارجيل تلعب بها‪ ،‬وفي يسراها مرآة تنظر فيها وجهها‪،‬‬

‫والبراهمسة يحفون بهسا‪ ،‬وأقاربهسا معهسا‪ ،‬وبيسن يديهسا الطبال والبواق والنفار‪ .‬وكسل‬

‫إنسان من الكفار يقول لها‪ :‬أبلغي السلم إلى أبي أو أخي أو أمي أو صاحبي‪ ،‬وهي‬

‫تقول‪ :‬نعم‪ ،‬وتضحك إليهم‪ .‬وركبت مع أصحابي لرى كيفية صنعهن في الحتراق‪.‬‬

‫فسسسرنا معهسسن نحسسو ثلثسسة أميال‪ ،‬وانتهينسسا إلى موضسسع مظلم كثيسسر المياه والشجار‬
‫متكاثسف الظلل‪ ،‬وبيسن أشجاره أربسع قباب‪ ،‬فسي كسل قبسة صسنم مسن الحجارة‪ .‬وبيسن‬

‫القباب صسسسهريج ماء قسسسد تكاثفسسست عليسسسه الظلل‪ ،‬وتزاحمسسست الشجار فل تتخللهسسسا‬

‫الشمس‪ .‬فكان ذلك الموضع بقعة من بقع جهنم‪ ،‬أعاذنا ال منها‪ .‬ولما وصلن إلى تلك‬

‫القباب‪ ،‬نزلن إلى الصسسهريج‪ ،‬وانغمسسسن فيسسه‪ ،‬وجردن مسسا عليهسسن مسسن ثياب وحلي‪،‬‬

‫فتصدقن به‪ .‬وأتيت كل واحدة منهن بثوب قطن خشن غير مخيط‪ ،‬فربط بعضه على‬

‫وسسسطها‪ ،‬وبعضسسه على رأسسسها وكتفيهسسا‪ .‬والنيران قسسد أضرمسست على قرب مسسن ذلك‬

‫الصهريج‪ ،‬في موضع منخفض‪ ،‬وصب عليها روغن كنجت " كنجد "‪ ،‬وهو زيت‬

‫الجلجلان فزاد فسسي اشتعالهسسا‪ .‬وهنالك نحسسو خمسسسة عشسسر رجلً بأيديهسسم حزم مسسن‬

‫الحطسب الرقيسق‪ ،‬ومعهسم نحسو عشرة بأيديهسم خشسب كبار‪ ،‬وأهسل الطبال والبواق‬

‫وقوف ينتظرون مجيسء المرأة‪ ،‬وقسد حجبست النار بملحفسة‪ ،‬يمسسكها الرجال بأيديهسم‬

‫لئل يدهشهسا النظسر إليهسا‪ .‬فرأيست إحداهسن لمسا وصسلت إلى تلك الملحفسة‪ ،‬نزعتهسا مسن‬

‫أيدي الرجال بعنف وقالت لهم‪ :‬مارا ميترساني ازاطش " آنش " من ميدانم أواطاش‬

‫اسست رهكانسي مارا؛ وهسي تضحسك‪ ،‬ومعنسى هذا الكلم أبالنار تخوفوننسي ? أنسا أعلم‬

‫أنها نار محرقة‪ .‬ثم جمعت يديها على رأسها خدمة للنار‪ ،‬ورمت بنفسها فيها‪ .‬وعند‬

‫ذلك ضربسست الطبال والنفار والبواق‪ ،‬ورمسسى الرجال مسسا بأيديهسسم مسسن الحطسسب‬

‫عليهسسا‪ ،‬وجعسسل الخرون تلك الخشسسب مسسن فوقهسسا لئل تتحرك‪ ،‬وارتفعسست الصسسوات‬

‫وكثسر الضجيسج‪ .‬ولمسا رأيست ذلك كدت أسسقط عسن فرسسي لول أصسحابي تداركونسي‬

‫بالماء‪ .‬فغسسلوا وجهسي وانصسرفت‪ .‬وكذلك يفعسل أهسل الهنسد أيضًا فسي الغرق‪ .‬يغرق‬
‫كثيسر منهسم أنفسسهم فسي نهسر الكنسك‪ ،‬وهسو الذي إليسه يحجون‪ .‬وفيسه يرمسى برماد هؤلء‬

‫المحرقيسسن‪ .‬وهسسم يقولون‪ :‬إنسسه مسسن الجنسسة‪ .‬وإذا أتسسى أحدهسسم ليغرق نفسسسه يقول لمسسن‬

‫حضره " ل تظنوا أنسي أغرق نفسسي لجسل شيسء مسن أمور الدنيسا أو لقلة مال‪ ،‬إنمسا‬

‫قصسدي التقرب إلى كسساي‪ ،‬وكسساي " بضسم الكاف والسسين المهمسل " اسسم ال عسز‬

‫وجسل بلسسانهم‪ ،‬ثسم يغرق نفسسه‪ .‬فإذا مات أخرجوه وأحرقوه ورموا برماده فسي البحسر‬

‫المذكور‪ .‬ولنعسد إلى كلمنسا الول‪ ،‬فنقول‪ :‬سسافرنا مسن مدينسة أجودهسن فوصسلنا بعسد‬

‫مسسيرة أربعسة أيام منهسا إلى مدينسة سسرستي " وضبسط اسسمها بسسينين مفتوحيسن بينهمسا‬

‫راء سساكنة ثسم تاء مثناة مكسسورة وياء " مدينسة كسبيرة كثيرة الرز‪ ،‬وأرزهسا طيسب‬

‫ومنها يحمل إلى حضرة دهلي‪ ،‬ولها مجبى كثير جداً‪ .‬أخبرني الحاجب شمس الدين‬

‫البوشنجسي بمقداره ونسسيته‪ .‬ثسم سسافرنا منهسا إلى مدينسة حانسسي " وضبسط اسسمها بفتسح‬

‫الحاء المهملة وألف ونون ساكن وسين مهمل مكسور وياء " وهي من أحسن المدن‬

‫وأتقنهسا وأكثرهسا عمارة‪ ،‬ولهسا سسور عظيسم ذكروا أن بانيسه رجسل مسن كبار سسلطين‬

‫الكفار يسسمى تورة " بضسم التاء المعلوة وفتسح الراء "‪ .‬وله عندهسم حكايات وأخبار‪.‬‬

‫من هذه المدينة كمال الدين صدر الجهان قاضي قضاة الهند‪ ،‬وأخوه قطلوخان معلم‬

‫السلطان‪ ،‬وأخواهما نظام الدين وشمس الدين الذي انقطع إلى ال وجاور بمكة حتى‬

‫مات‪ .‬ثسم سسافرنا مسن حانسسي فوصسلنا بعسد يوميسن إلى مسسعود أباد‪ .‬وهسي على عشرة‬

‫أميال مسسن حضرة دهلي‪ ،‬وأقمنسسا بهسسا ثلثسسة أيام‪ ،‬وحانسسسي ومسسسعود أباد همسسا للملك‬

‫المعظسم هوشنسج " بضسم الهاء وفتسح الشيسن المعجسم وسسكون النون وبعدهسا جيسم " ابسن‬
‫الملك كمال كرك‪ ،‬وكرك " بكافيسسن معقوديسسن أولهمسسا مضمومسسة " ومعناه الذئب‪،‬‬

‫وسسيأتي ذكره‪ .‬وكان سسلطان الهنسد الذي قصسدنا حضرتسه غائباً عنهسا بناحيسة مدينسة‬

‫قتوج‪ ،‬وبينهسسسا وبيسسسن حضرة دهلي عشرة أيام‪ ،‬وكانسسست بالحضرة والدتسسسه وتدعسسسى‬

‫المخدومسة جهان‪ ،‬وجهان اسسم الدنيسا‪ .‬وكان بهسا أيضاً وزيره خواجسه جهان المسسمى‬

‫بأحمسد بسن إياس‪ ،‬الرومسي الصسل‪ .‬فبعسث الوزيسر إلينسا أصسحابه ليتلقونسا‪ ،‬وعيسن للقاء‬

‫كسل واحسد منسا مسن كان مسن صسنفه‪ .‬فكان مسن الذيسن عينهسم للقائي الشيسخ البسسطامي‪،‬‬

‫والشريسف المازندرانسي وهسو حاجسب الغرباء‪ ،‬والفقيسه علء الديسن الملتانسي المعروف‬

‫بقنرة " بضسسم القاف وفتسسح النون وتشديدهسسا " وكتسسب إلى السسسلطان بخبرنسسا‪ ،‬وبعسسث‬

‫الكتاب مسع الدواة‪ ،‬وهسي بريسد الرجالة‪ ،‬حسسبما ذكرناه‪ ،‬فوصسل إلى السسلطان‪ ،‬وأتاه‬

‫الجواب فسي تلك اليام الثلثسة التسي أقمناهسا بمسسعود أباد‪ ،‬وبعسد تلك اليام خرج إلى‬

‫لقائنا القضاة والفقهاء والمشايخ وبعض المراء‪ ،‬وهم يسمون المراء ملوكاً‪ .‬فحيث‬

‫يقول أهل ديار مصر وغيرها المير يقولن هم الملك‪ .‬وخرج إلى لقائنا الشيخ ظهير‬

‫الديسن الزنجانسي‪ ،‬وهسو كسبير المنزلة عنسد السسلطان‪ .‬ثسم رحلنسا مسن مسسعود أباد فنزلنسا‬

‫بمقربسة مسن قريسة تسسمى بالم " بفتسح الباء المعقودة وفتسح اللم " وهسي للسسيد الشريسف‬

‫ناصسر الديسن مطهسر الوهري‪ ،‬أحسد ندماء السسلطان‪ ،‬وممسن له عنده الحظوة التامسة‪.‬‬

‫وفي غد ذلك اليوم وصلنا إلى حاضرة دهلي قاعدة بلد الهند "وضبط اسمها بكسر‬

‫الدال المهمسسل وسسسكون الهاء وكسسسر اللم"‪ ،‬وهسسي المدينسسة العظيمسسة الشأن الضخمسسة‬

‫الجامعة بين الحسن والحصانة‪ ،‬وعليها السور الذي ل يعلم له في بلد الدنيا نظير‪،‬‬
‫وهي أعظم مدن الهند بل مدن السلم كلها بالمشرق‪.‬‬

‫ذكر وصفها‬

‫ومدينسسسة دهلي كسسسبيرة السسسساحة كثيرة العمارة‪ ،‬وهسسسي الن أربسسسع مدن متجاورات‬

‫متصسسلت‪ ،‬إحداهسسا المسسسماة بهذا السسسم دهلي‪ ،‬وهسسي القديمسسة مسن بناء الكفار‪ .‬وكان‬

‫افتتاحها سنة أربع وثمانين وخمسمائة‪ ،‬والثانية تسمى سيري " بكسر السين المهمل‬

‫والراء بينهمسسا ياء مسسد "‪ ،‬وتسسسمى أيضًا دار الخلفسسة‪ ،‬وهسسي التسسي أعطاهسا السسسلطان‬

‫لغياث الدين حفيد الخليفة المستنصر العباسي لم قدم عليه‪ ،‬وبها كان سكنى السلطان‬

‫علء الديسن وابنسه قطسب الديسن‪ ،‬وسسنذكرهما‪ ،‬والثالثسة تسسمى تغلق أباد باسسم بانيهسا‬

‫السلطان تغلق والد سلطان الهند الذي قدمنا عليه‪ .‬وكان سبب بنائه لها أنه وقف يوماً‬

‫بين يدي السلطان قطب الدين‪ ،‬فقال له‪ :‬يا خوند عالم‪ ،‬كان ينبغي أن تبني هنا مدينة‪.‬‬

‫فقال له السسلطان متهكماً‪ :‬إذا كنست سسلطاناً فابنهسا‪ .‬فكان مسن قدر ال أن كان سسلطاناً‬

‫فبناهسا‪ ،‬وسسماها باسسمه‪ .‬والرابعسة تسسمى جهان بناه‪ ،‬وهسي مختصسة بسسكنى السسلطان‬

‫محمد شاه ملك الهند الن الذي قدمنا عليه‪ .‬وهو الذي بناها‪ .‬وكان أراد أن يضم هذه‬

‫المدن الربسع تحست سسور واحسد فبنسى منسه بعضاً وترك بناء باقيسه‪ ،‬لعظسم مسا يلزم فسي‬

‫بنائه‪.‬‬

‫ذكر سور دهلي وأبوابها‬

‫والسسور المحيسط بمدينسة دهلي ل يوجسد له نظيسر‪ .‬عرض حائطسه أحسد عشسر ذراعاً‪.‬‬

‫وفيسسسه بيوت يسسسسكنها السسسسمار وحفاظ البواب‪ .‬وفيهسسسا مخازن للطعام ويسسسسمونها‬
‫النبارات‪ ،‬ومخازن للعدد‪ ،‬ومخازن للمجانيسسق‪ ،‬والرعادات ويبقسسى الزرع بهسسا مدة‬

‫طائلة ل يتغيسر‪ ،‬ول تطرقسه آفسة‪ .‬ولقسد شاهدت الرز يخرج مسن بعسض تلك المخازن‬

‫ولونه قد اسود‪ ،‬ولكن طعمه طيب‪ .‬ورأيت أيضاً الكذرو يخرج منها‪ .‬وكل ذلك من‬

‫اختزان السسلطان بلبسن منسذ تسسعين سسنة‪ .‬ويمشسي فسي داخسل السسور الفرسسان والرجال‬

‫مسن أول المدينسة إلى آخرهسا‪ .‬وفيسه طيقان مفتحسة إلى جهسة المدينسة يدخسل منهسا الضوء‬

‫وأسسفل هذا السسور مبنسي بالحجارة‪ ،‬وأعله بالجسر‪ ،‬وأبراجسه كثيرة متقاربسة‪ .‬ولهذه‬

‫المدينة ثمانية وعشرون باباً‪ ،‬وهم يسمون الباب دروازة‪ .‬فمنها دروازة بذاون‪ ،‬وهي‬

‫الكبرى‪ ،‬ودروازة المندوي‪ ،‬وبها رحبة الزرع‪ ،‬ودروازة جل " بضم الجيم " وهي‬

‫موضسع البسساتين‪ ،‬ودروازة شاه‪ :‬اسسم رجسل‪ ،‬ودروازة بالم‪ :‬اسسم قريسة قسد ذكرناهسا‪،‬‬

‫ودروازة نجيسب‪ :‬اسسم رجسل‪ ،‬ودروازة كمال كذلك‪ ،‬ودروازة غزنسة‪ ،‬نسسبة إلى مدينسة‬

‫غزنسة التسي فسي طرف خراسسان‪ ،‬وبخارجهسا مصسلى العيسد وبعسض المقابر‪ ،‬ودروازة‬

‫البجالصسسة " بفتسسح الباء والجيسسم والصسساد المهمسسل "‪ ،‬وبخارج هذه الدروازة مقابر‬

‫دهلي‪ ،‬وهسي مقسبرة حسسنة يبنون بهسا القباب‪ .‬ول بسد عنسد كسل قسبر مسن محراب‪ ،‬وإن‬

‫كان ل قبسة له‪ ،‬ويزرعون بهسا الشجار المزهرة مثسل قسل كسل شنبو وريبول راي بيل‬

‫والنسرين وسواها‪ .‬والزاهير هنالك ل تنقطع في فصل من الفصول‪.‬‬

‫ذكر جامع دهلي‬

‫وجامسع دهلي كسبير السساحة‪ ،‬حيطانسه وسسقفه وفرشسه كسل ذلك مسن الحجارة البيسض‬

‫المنحوتسة‪ ،‬أبدع نحست‪ ،‬ملصسقة بالرصساص أتقسن إلصساقه‪ ،‬ل خشبسة بسه أصسلً‪ .‬وفيسه‬
‫ثلث عشرة قبسة مسن حجارة‪ ،‬ومنسبره أيضاً مسن الحجسر‪ ،‬وله أربعسة مسن الصسحون‪.‬‬

‫وفسي وسسط الجامسع العمود الهائل الذي ل يدرى مسن أي المعادن هسو‪ .‬ذكسر لي بعسض‬

‫حكمائهم أنه سمي هفت جوش " بفتح الهاء وسكون الفاء وتاء معلوة وجيم مضموم‬

‫وآخره شين معجم "‪ ،‬ومعنى ذلك سبعة معادن‪ ،‬وأنه مؤلف منها‪ .‬وقد جلي من هذا‬

‫العمود مقدار السسبابة‪ ،‬ولذلك المجلو منسه بريسق عظيسم‪ ،‬ول يؤثسر فيسه الحديسد‪ .‬وطوله‬

‫ثلثون ذراعاً‪ ،‬وأدرنسا بسه عمامسة فكان الذي أحاط بدائرتسه منهسا ثمانسي أذرع‪ .‬وعنسد‬

‫الباب الشرقسسي مسسن أبواب المسسسجد صسسنمان كسسبيران جداً مسسن النحاس مطروحان‬

‫بالرض‪ ،‬وقسد ألصسقا بالحجارة‪ ،‬ويطسأ عليهسا كسل داخسل إلى المسسجد أو خارج منسه‪.‬‬

‫وكان موضسع هذا المسسجد بدخانسة‪ ،‬وهسو بيست الصسنام‪ ،‬فلمسا افتتحست جعسل مسسجداً‪،‬‬

‫وفي الصحن الشمالي من المسجد الصومعة التي ل نظير لها في بلد السلم‪ .‬وهي‬

‫مبنية بالحجارة الحمر‪ ،‬خلفاً لحجارة سائر المسجد‪ ،‬فإنها بيض‪ .‬وحجارة الصومعة‬

‫منقوشسة‪ ،‬وهسي سسامية الرتفاع‪ ،‬وفحلهسا مسن الرخام البيسض الناصسع‪ ،‬وتفافيحهسا مسن‬

‫الذهسب الخالص‪ ،‬وسسعة ممرهسا بحيسث تصسعد فيسه الفيلة‪ .‬حدثنسي مسن أثسق بسه أنسه رأى‬

‫الفيسل حيسن بنيست يصسعد بالحجارة إلى أعلهسا‪ .‬وهسي مسن بناء السسلطان معسز الديسن‬

‫ناصسر الديسن ابسن السسلطان غياث الديسن بلبسن‪ .‬وأراد السسلطان قطسب الديسن أن يبنسى‬

‫بالصحن الغربي صومعة أعظم منها‪ ،‬فبنى مقدار الثلث منها‪ ،‬واخترم دون تمامها‪.‬‬

‫وأراد السسسلطان محمسسد إتمامهسسا‪ ،‬ثسسم ترك ذلك تشاؤماً‪ .‬وهذه الصسسومعة مسسن عجائب‬

‫الدينا في ضخامتها وسعة ممرها‪ ،‬بحيث تصعده ثلثة من الفيلة متقارنة‪ .‬وهذا الثلث‬
‫المبني مساوٍ لرتفاع جميع الصومعة التي ذكرنا أنها بالصحن الشمالي‪ .‬وصعدتها‬

‫مرة فرأيست معظسم دور المدينسة‪ ،‬وعاينست السسوار على ارتفاعهسا وسسموها منحطسة‪،‬‬

‫وظهر لي الناس في أسفلها كأنهم الصبيان الصغار‪ .‬ويظهر لناظرها من أسفلها أن‬

‫ارتفاعها ليس بذلك‪ ،‬لعظم جرمها وسعتها‪ .‬وكان السلطان قطب الدين أراد أن يبني‬

‫أيضًا مسسسجداً جامعاً بسسسيري المسسسماة دار الخلفسسة‪ ،‬فلم يتسسم منسسه غيسسر الحائط القبلي‬

‫والمحراب‪ ،‬وبناؤه بالحجارة البيسض والسسود والحمسر والخضسر‪ .‬ولو كمسل لم يكسن له‬

‫مثل في البلد‪ .‬وأراد السلطان محمد إتمامه‪ ،‬وبعث عرفاء البناء ليقدروا النفقة فيه‪،‬‬

‫فزعموا أنسه ينفسق فسي إتمامسه خمسسة وثلثون لكسا فترك ذلك اسستكثاراً له‪ .‬وأخسبرني‬

‫بعض خواصه أنه لم يترك استكثاراً‪ ،‬لكنه تشاءم به لما كان السلطان قطب الدين قد‬

‫قتل قبل تمامه‪.‬‬

‫ذكر الحوضين العظيمين بخارجها‬

‫وبخارج دهلي الحوض العظيسم المنسسوب إلى السسلطان شمسس الديسن للمسش‪ ،‬ومنسه‬

‫يشرب أهسسل المدينسسة‪ ،‬وهسسو بالقرب مسسن مصسسلها‪ .‬وماؤهسسا يجتمسسع مسسن ماء المطسسر‪.‬‬

‫وطوله نحسسو ميليسسن وعرضسسه على النصسسف مسسن طوله‪ .‬والجهسسة الغربيسسة مسسن ناحيسسة‬

‫المصلى مبنية بالحجارة مصنوعة أمثال الدكاكين‪ ،‬بعضها أعلى من بعض‪ ،‬وتحت‬

‫كسسل دكان درج ينزل عليهسسا إلى الماء‪ ،‬وبجانسسب كسسل دكان قبسسة حجارة فيهسسا مجالس‬

‫للمتنزهيسسن والمتفرجيسسن‪ .‬وفسسي وسسسط الحوض قبسسة عظيمسسة مسسن الحجارة المنقوشسسة‬

‫مجعولة طبقتيسن‪ .‬فإذا كثسر الماء فسي الحوض‪ ،‬ولم يكسن سسبيل إليهسا إل فسي القوارب‪،‬‬
‫فإذا قسل الماء دخسل إليهسا الناس‪ ،‬وداخلهسا مسسجد‪ .‬وفسي أكثسر الوقات يقيسم بهسا الفقراء‬

‫المنقطعون إلى ال المتوكلون عليسه‪ ،‬وإذا جسف الماء فسي جوانسب هذا الحوض زرع‬

‫فيهسا قصسب السسكر والخيار والقثاء والبطيسخ الخضسر والصسفر وهسو شديسد الحلوة‬

‫صسغير الجرم‪ .‬وفيمسا بيسن دهلي ودار الخلفسة حوض الخاص وهسو أكسبر مسن حوض‬

‫السسلطان شمسس الديسن‪ .‬وعلى جوانبسه نحسو أربعيسن قبسة‪ ،‬ويسسكن حوله أهسل الطرب‪،‬‬

‫وموضعهسم يسسمى طرب أباد‪ .‬ولهسم سسوق هنالك مسن أعظسم السسواق‪ ،‬ومسسجد جامسع‬

‫ومساجد سواه كثيرة‪ .‬وأخبرت أن النساء المغنيات لساكنات هنالك يصلين التراويح‬

‫في شهر رمضان بتلك المساجد مجتمعات‪ ،‬ويؤم بهن الئمة‪ ،‬وعددهن كبير‪ ،‬وكذلك‬

‫الرجال المغنون‪ .‬ولقسد شاهدت الرجال أهسل الطرب فسي عرس الميسر سسيف الديسن‬

‫غدا بسسن مهنسسا‪ .‬لكسسل واحسسد منهسسم مصسسلى تحسست ركبتسسه‪ ،‬فاذا سسسمع الذان قام فتوضسسأ‬

‫وصلى‪.‬‬

‫ذكر بعض مزاراتها‬

‫فمنهسا قسبر الشيسخ الصسالح قطسب الديسن بختيار الكعكسي‪ ،‬وهسو ظاهسر البركسة كثيسر‬

‫التعظيم‪ .‬وسبب تسمية هذا الشيخ بالكعكي أنه كان إذا أتاه الذين عليهم الديون شاكين‬

‫مسن الفقسر أو القلة‪ ،‬أو الذيسن لهسم البنات ولم يجدوا مسا يجهزوهسن بسه إلى أزواجهسن‪،‬‬

‫يعطسي مسن أتاه منهسم كعكعسة مسن الذهسب أو مسن الفضسة‪ ،‬حتسى عرف مسن أجسل ذلك‬

‫بالكعكسي رحمسه ال‪ ،‬ومنهسا قسبر الفقيسه الفاضسل نور الديسن الكرلنسي " بضسم الكاف‬

‫وسسكون الراء والنون " ومنهسا قسبر الفقيسه علء الديسن الكرمانسي نسسبة إلى كرمان‪،‬‬
‫وهسو ظاهسر البركسة سساطع النور ومكانسه يظهسر قبلة المصسلى‪ .‬وبذلك الموضسع قبور‬

‫رجال صالحين كثيرة نفع ال تعالى بهم‪.‬‬

‫ذكر بعض علمائها وصلحائها‬

‫فمنهم الشيخ الصالح العالم محمود الكبا " بالباء الموحدة "‪ ،‬وهو من كبار الصالحين‪.‬‬
‫والناس يزعمون أنه ينفق من الكون‪ ،‬لنه ل مال له ظاهر‪ ،‬وهو يطعم الوارد والصادر‪،‬‬
‫ويعطي الذهب والدراهم والثواب‪ ،‬وظهرت له كرامات كثيرة‪ ،‬واشتهر بها‪ .‬رأيته مرات‬
‫كثيرة‪ ،‬وحصلت لي بركته‪ ،‬ومنهم الشيخ الصالح العالم علء الدين النيلي كأنه منسوب إلى‬
‫نيل مصر‪ ،‬وال أعلم‪ ،‬كان من أصحاب الشيخ الصالح نظام الدين البزواني‪ .‬وهو يعظ‬
‫الناس في كل يوم جمعة‪ ،‬فيتوب كثير منهم بين يديه‪ ،‬ويحلقون رؤوسهم‪ ،‬ويتواجدون‬
‫ويغشى على بعضهم‪.‬‬
‫حكاية شاهدته في بعض اليام وهو يعظ‪ .‬فقرأ القارئ بين يديه‪ " :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم‬
‫إن زلزله الساعة شيءٌ عظيمٌ يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات‬
‫حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب ال شديدٌ " ‪ .‬ثم كررها الفقيه‬
‫علء الدين‪ .‬فصاح أحد الفقراء من ناحية المسجد صيحة عظيمة‪ ،‬فأعاد الشيخ الية‪ ،‬فصاح‬
‫الفقير ثانية ووقع ميتاً‪ .‬وكنت فيمن صلى عليه‪ ،‬وحضر جنازته‪ .‬ومنهم الشيخ الصالح العابد‬
‫صدر الدين الكهراني " بضم الكاف وسكون الهاء وراء ونون " وكان يصوم الدهر ويقوم‬
‫الليل وتجرد عن الدنيا جميعاً ونبذها‪ ،‬ولباسه عباءة‪ .‬ويزوره السلطان وأهل الدولة‪ ،‬وربما‬
‫احتجب عنهم‪ .‬فرغب السلطان منه أن يقطعه قرى يطعم منها الفقراء والواردين فأبى ذلك‪.‬‬
‫وزاره يوماً وأتى إليه بعشرة آلف دينار فلم يقبلها وذكروا أنه ل يفطر إل بعد ثلث‪ ،‬وأنه‬
‫قيل له في ذلك فقال‪ :‬ل أفطر حتى اضطر‪ ،‬فتحل لي الميتة‪ ،‬ومنهم المام الصالح العالم‬
‫العابد الورع الخاشع فريد دهره ووحيد عصره كمال الدين عبد ال الغاري " بالغين المعجم‬
‫والراء " نسبة إلى غار كان يسكنه خارج دهلي بمقربة من زاوية الشيخ نظام الدين البذاوني‬
‫زرته بهذا الغار ثلث مرات‪.‬‬
‫كرامسسة له‪ :‬كان لي غلم فأبسسق منسسي‪ ،‬وألفيتسسه بيسسد رجسسل مسسن الترك‪ ،‬فذهبسست إلى‬

‫انتزاعه من يده‪ ،‬فقال لي الشيخ‪ :‬إن هذا الغلم ل يصلح لك فل تأخذه‪ .‬وكان التركي‬

‫راغبًا فسي المصسالحة‪ ،‬فصسالحته بمائة دينار أخذتهسا منسه‪ ،‬وتركتسه له‪ .‬فلمسا كان بعسد‬

‫ستة أشهر قتسل سيده‪ ،‬وأتى به إلى السلطان‪ ،‬فأمر بتسليمه لولد سيده فقتلوه‪ .‬ولما‬

‫شاهدت لهذا الشيسخ هذه الكرامسة انقطعست إليسه ولزمتسه وتركست الدنيسا ووهبست جميسع‬
‫مسسا كان عندي للفقراء والمسسساكين وأقمسست عنده مدة‪ ،‬فكنسست أراه يواصسسل عشرة أيام‬

‫وعشريسن يوماً‪ ،‬ويقوم أكثسر الليسل‪ .‬ولم أزل معسه حتسى بعسث عنسي السسلطان‪ ،‬ونشبست‬

‫فسي الدنيسا ثانيسة‪ .‬وال تعالى يختسم بالخيسر وسسأذكر ذلك فيمسا بعسد إن شاء ال تعالى‪،‬‬

‫وكيفية رجوعي إلى الدنيا‪.‬‬

‫ذكر فتح دهلي ومن تداولها من الملوك‬

‫حدثنسسي الفقيسسه العالم العلمسسة قاضسسي القضاة بالهنسسد والسسسند كمال الديسسن محمسسد بسسن‬

‫البرهان الغزنوي الملقب بصدر الجهان‪ ،‬أنم مدينة دهلي افتتحت من أيدي الكفار في‬

‫سسسنة أربسسع وثمانيسسن وخمسسسمائة‪ .‬وقسسد قرأت أنسسا ذلك مكتوباً على محراب الجامسسع‬

‫العظسم بهسا‪ .‬وأخسبرني أيضاً أنهسا افتتحست على يسد الميسر قطسب الديسن أيبسك " واسسمه‬

‫بفتسح الهمزة وسسكون الياء آخسر الحروف وفتسح الباء الموحدة "‪ ،‬وكان يلقسب سسياه "‬

‫سسسالر "‪ ،‬ومعناه مقدم الجيوش‪ .‬وهسسو أحسسد مماليسسك السسسلطان المعظسسم شهاب الديسسن‬

‫محمسسد بسسن سسسنام الغوري ملك غزنسسة وخراسسسان‪ ،‬المتغلب على ملك إبراهيسسم بسسن‬

‫السسسلطان الغازي محمود بسسن سسسبكتكين الذي ابتدأ فتسسح الهنسسد‪ .‬وكان السسسلطان شهاب‬

‫الديسن المذكور بعسث الميسر قطسب الديسن بعسسكر عظيسم ففتسح ال عليسه مدينسة لهور‪.‬‬

‫وسسكنها وعظسم شأنسه‪ ،‬وسسعى بسه إلى السسلطان‪ ،‬وألقسى إليسه جلسساؤه أنسه يريسد النفراد‬

‫بملك الهنسد‪ ،‬وأنسه قسد عصسى وخالف‪ .‬وبلغ هذا الخسبر إلى قطسب الديسن فبادر بنفسسه‪،‬‬

‫وقدم على غزنسة ليلً‪ ،‬ودخسل على السسلطان‪ ،‬ول علم عنسد الذيسن وشوا بسه إليسه‪ .‬فلمسا‬

‫كان بالغسد قعسد السسلطان على سسريره‪ ،‬وأقعسد أيبسك تحست السسرير‪ ،‬بحيسث ل يظهسر‪،‬‬
‫وجاء الندماء والخواص الذين سعوا به‪ .‬فلما استقر بهم الجلوس سألهم السلطان عن‬

‫شأن أيبسسك‪ ،‬فذكروا له أن عصسسى وخالف‪ ،‬وقالوا‪ :‬قسسد صسسح عندنسسا أنسسه ادعسسى الملك‬

‫لنفسسه‪ .‬فضرب السسلطان سسريره برجله‪ ،‬وصسفق بيديسه وقال‪ :‬يسا أيبسك‪ ،‬قال‪ :‬لبيسك‪،‬‬

‫وخرج عليهسم‪ ،‬فسسقط فسي أيديهسم‪ ،‬وفزعوا إلى تقبيسل الرض‪ .‬فقال لهسم السسلطان‪ :‬قسد‬

‫غفرت لكسم هذه الزلة‪ .‬وإياكسم والعودة إلى الكلم فسي أيبسك‪ .‬وأمره أن يعود إلى بلد‬

‫الهنسد‪ ،‬فعاد إليهسا‪ ،‬وفتسح مدينسة دهلي وسسواها‪ .‬واسستقر بهسا السسلم إلى هذا العهسد‪.‬‬

‫وأقام قطب الدين بها إلى أن توفي‪.‬‬

‫ذكر السلطان شمس الدين للمش‬

‫" وضبط اسمه بفتح اللم الولى وسكون الثانية وكسر الميم وشين معجم "‪ ،‬وهو‬

‫أول مسن ولي الملك بمدينسة دهلي مسستقلً بسه وكان قبسل تملكسه مملوكاً للميسر قطسب‬

‫الديسن أيبسك وصساحب عسسكره نائباً عنسه‪ ،‬فلمسا مات قطسب الديسن اسستبد بالملك‪ ،‬وأخسذ‬

‫الناس بالبيعسسة‪ .‬فأتاه الفقهاء يقدمهسسم قاضسسي القضاة إذ ذاك وجيسسه الديسسن الكاسسساني‪،‬‬

‫فدخلوا عليه وقعد بين يديه‪ ،‬وقعد القاضي إلى جانبه على العادة وفهم السلطان عنهم‬

‫مسا أرادوا أن يكلموه بسه‪ ،‬فرفسع طرف البسساط الذي هسو قاعسد عليسه‪ ،‬وأخرج لهسم عقداً‬

‫يتضمن عتقسه‪ .‬فقرأه القاضسي والفقهاء‪ ،‬وبايعوه جميعاً‪ .‬واسستقل بالملك‪ ،‬وكانست مدتسه‬

‫عشريسسن سسسنة‪ .‬وكان عادلً صسسالحاً فاضلً‪ ،‬ومسسن مآثره أنسسه اشتسسد فسسي رد المظالم‬

‫وإنصساف المظلوميسن وأامسر أن يلبسس كسل مظلوم ثوباً مصسبوغاً وأهسل الهنسد جميعاً‬

‫يلبسسون البياض فكان متسى قعسد للناس أو ركسب فرأى أحداً عليسه ثوب مصسبوغ نظسر‬
‫فسي قضيتسه وأنصسفه ممسن ظلمسه ثسم أنسه أعيسا فسي ذلك فقال‪ :‬إن بعسض الناس تجري‬

‫عليهسسم المظالم بالليسسل‪ ،‬وأريسسد تعجيسسل إنصسسافهم‪ ،‬فجعسسل على باب قصسسره أسسسدين‬

‫مصسورين مسن الرخام موضوعيسن على برجيسن هنالك‪ ،‬وفسي أعناقهمسا سسلسلتان مسن‬

‫الحديد فيهما جرس كبير‪ ،‬فكان المظلوم يأتي ليلً فيحرك الجرس‪ ،‬فيسمعه السلطان‬

‫وينظسر فسي أمره للحيسن وينصسفه‪ .‬ولمسا توفسي السسلطان شمسس الديسن خلف مسن الولد‬

‫الذكور ثلثة وهم ركن الدين الوالي بعده‪ ،‬ومعز الدين‪ ،‬وناصر الدين‪ ،‬وبنتاً تسمى‬

‫رضية وهي شقيقة معز الدين منهم فتولى بعده ركن الدين كما ذكرناه‪.‬‬

‫ذكر السلطان ركن الدين ابن السلطان شمس الدين‬

‫ولما بويع ركن الدين بعد موت أبيه افتتح أمره بالتعدي على أخيه معز الدين فقتله‬

‫وكانت رضية شقيقته‪ ،‬فأنكرت ذلك عليه‪ ،‬فأراد قتلها‪ .‬فلما كان في بعض أيام الجمع‬

‫خرج ركسن الديسن إلى الصسلة‪ .‬فصسعدت رضيسة على سسطح القصسر القديسم المجاور‬

‫للجامع العظم‪ ،‬وهو يسمى دولة خانة‪ ،‬ولبست عليها ثياب المظلومين‪ ،‬وتعرضت‬

‫للناس‪ ،‬وكلمتهسم مسن أعلى السسطح‪ ،‬وقالت لهسم‪ :‬إن أخسي قتسل أخاه‪ ،‬وهسو يريسد قتلي‬

‫معسه‪ .‬وذكرتهسم أيام أبيهسا وفعله الخيسر وإحسسانه إليهسم فثاروا عنسد ذلك إلى السسلطان‬

‫ركن الدين وهو في مسجد فقبضوا عليه وأتوا به إليها فقالت لهم‪ :‬القاتل يقتل فقتلوه‬

‫قصاصاً بأخيه وكان آخرهما ناصر الدين صغيراً فاتفق الناس على تولية رضية‪.‬‬
‫ذكر السلطانة رضية‬

‫ولمسا قتسل ركسن الديسن اجتمعست العسساكر على توليسة أختسه رضيسة الملك‪ ،‬فولوهسا‪.‬‬

‫واسستقلت بالملك أربسع سسنين وكانست تركسب بالقوس والتركسش والقربان‪ ،‬كمسا يركسب‬

‫الرجال ول تسستر وجههسا‪ ،‬ثسم إنهسا اتهمست بعبسد لهسا مسن الحبشسة فاتفسق الناس على‬

‫خلعهسا وتزويجهسا‪ ،‬فخلعست وزوجست مسن بعسض أقاربهسا وولي الملك أخوهسا ناصسر‬

‫الدين‪.‬‬

‫ذكر السلطان ناصر الدين ابن السلطان شمس الدين‬

‫ولمسا خلعست رضيسة ولي ناصسر الديسن أخوهسا الصسغر‪ ،‬واسستقل بالملك مدة‪ .‬ثسم إن‬

‫رضية وزوجها خالفا عليه‪ ،‬وركبا في مماليكهما ومن تبعهما من أهل الفساد وتهيأ‬

‫لقتاله‪ ،‬وخرج ناصسر الديسن معسه مملوكسه النائب عنسه غياث الديسن بلبسن متولي الملك‬

‫بعده فوقسسع اللقاء وانهزم عسسسكر رضيسسة‪ ،‬وفرت بنفسسسها‪ ،‬فأدركهسسا الجوع وأجهدهسسا‬

‫العياء‪ ،‬فقصسدت حراثاً رأتسه يحرث الرض‪ ،‬فطلبست منسه مسا تأكله‪ ،‬فأعطاهسا كسسرة‬

‫خبسسز فأكلتهسا‪ ،‬وغلب عليهسسا النوم‪ ،‬وكانسست فسسي زي الرجال‪ ،‬فلمسسا نامسست نظسر إليهسسا‬

‫الحراث وهسي نائمسة‪ ،‬فرأى تحست ثيابهسا قباء مرصسعًا فعلم أنهسا امرأة فقتلهسا وسسلبها‬

‫وطرد فرسسها ودفنهسا فسي فدانسه‪ ،‬وأخسذ بعسض ثيابهسا فذهسب إلى السسوق يبيعهسا‪ ،‬فأنكسر‬

‫أهسل السسوق شأنسه وأتوا بسه الشحنسة‪ ،‬وهسو الحاكسم‪ ،‬فضربسه فأقسر بقتلهسا ودلهسم على‬

‫مدفنهسا فاسستخرجوها وغسسلوها وكفنوهسا ودفنست هنالك وبنسي عليهسا قبسة وقبرهسا الن‬

‫يزار ويتبرك به ‪ ،‬وهو على شاطئ النهر الكبير المعروف بنهر الجون‪ ،‬على مسافة‬
‫فرسسسخ واحسسد مسسن المدينسسة‪ .‬واسسستقل ناصسسر الديسسن بالملك بعدهسسا‪ ،‬واسسستقام له المسسر‬

‫عشريسسن سسسنة وكان ملكاً صسسالحاً ينسسسخ نسسسخاً مسسن الكتاب العزيسسز ويبيعهسسا فيقتات‬

‫بثمنها‪ .‬وقد وقفني القاضي كمال الدين على مصحف بخطه متقن محكم الكتابة‪ ،‬ثم‬

‫إن نائبه غياث الدين بلبن قتله‪ ،‬وملك بعده ولبلبن هذا خبر ظريف نذكره‪.‬‬

‫ذكر السلطان غياث الدين بلبن‬

‫" وضبط اسمه بباءين موحدتين بينهما لم والجميع مفتوحات وآخرها نون "‪ ،‬ولما‬

‫قتل بلبن موله السلطان ناصر الدين استقل بالملك بعده عشرين سنة‪ ،‬وقد كان قبلها‬

‫نائباً له عشريسسن سسسنة أخرى وكان مسسن خيار السسسلطين‪ ،‬عادلً حليماً فاضلً‪ .‬ومسسن‬

‫مكارمه أنه بنى داراً‪ ،‬وسماها دار المن فمن دخلها من أهل الديون قضي دينه ومن‬

‫دخلها خائفاً أمن‪ ،‬ومن دخلها وقد قتل أحداً أرضى عنه أولياء المقتول‪ ،‬ومن دخلها‬

‫مسن ذوي الجنايات أرضسى أيضاً مسن يطلبسه‪ .‬وبتلك الدار دفسن لمسا مات‪ .‬وقسد زرت‬

‫قبره‪.‬‬

‫حكاية‬

‫يذكسر أن أحسد الفقراء ببخارى رأى بهسا بلبسن هذا وكان قصسيراً حقيراً دميماً فقال له‪:‬‬

‫يا تركك‪ ،‬وهي لفظة تعبر عن الحتقار‪ .‬فقال له‪ :‬لبيك يا خوند‪ ،‬فأعجبه كلمه‪ ،‬فقال‬

‫له‪ :‬إشتسر لي مسن هذا الرمان‪ ،‬وأشار إلى رمان يباع فسي بالسسوق‪ ،‬فقال‪ :‬نعسم وأخرج‬

‫فليسسات لم يكسن عنده سسواها واشترى له مسن ذلك الرمان‪ .‬فلمسا أخذهسا الفقيسر قال له‪:‬‬

‫وهبناك ملك الهنسسد‪ .‬فقبسسل بلبسسن يسسد نفسسسه‪ ،‬وقال‪ :‬قبلت ورضيسست واسسستقر ذلك فسسي‬
‫ضميره‪ ،‬واتفسسق أن بعسسث السسسلطان شمسسس الديسسن للمسسش تاجراً يشتري له المماليسسك‬

‫بسسسمرقند وبخارى وترمسسذ فاشترى مائة مملوك كان مسسن جملتهسسم بلبسسن‪ ،‬فلمسسا دخسسل‬

‫بالمماليك على السلطان أعجبه جميعهم إل بلبن‪ ،‬لما ذكرناه من دمامته فقال‪ :‬ل أقبل‬

‫هذا فقال له بلبسن‪ :‬يسا خونسد عالم لمسن اشتريست هؤلء المماليسك ? فضحسك منسه وقال‪:‬‬

‫اشتريتهسم لنفسسي‪ .‬فقال‪ :‬اشترنسي أنسا ل عسز وجسل‪ .‬فقال‪ :‬نعسم وقبله وجعله فسي جملة‬

‫المماليسك فاحتقسر شأنسه وجعسل فسي السسقائين وكان أهسل المعرفسة بعلم النجوم يقولون‬

‫للسسلطان شمسس الديسن‪ :‬إن أحسد مماليكسه يأخسذ الملك مسن يسد ابنسك ويسستولي عليسه ول‬

‫يزالون يلقون ذلك‪ ،‬وهسسو ل يلتفسست إلى أقوالهسسم لصسسلحه وعدله‪ ،‬إلى أن ذكسسر ذلك‬

‫للخاتون الكسسبرى أم أولده فذكرت له ذلك‪ ،‬وأثسسر فسسي نفسسسه‪ ،‬وبعسسث على المنجميسسن‬

‫فقال‪ :‬أتعرفون المملوك الذي يأخسسسذ ملك ابنسسسي إذا رأيتموه ? فقالوا له‪ :‬نعسسسم عندنسسسا‬

‫علمسة نعرفسه بهسا فأمسر السسلطان بعرض مماليكسه‪ ،‬وجلس لذلك فعرضوا بيسن يديسه‬

‫طبقسة طبقسة‪ ،‬والمنجمون ينظرون إليهسم ويقولون‪ :‬لم نره بعسد‪ ،‬وحان وقست الزوال‪،‬‬

‫فقال السقاءون بعضهم لبعض‪ :‬إنا قد جعنا‪ ،‬فلنجمع شيئاً من الدراهم‪ ،‬ونبعث أحدنا‬

‫إلى السسوق ليشتري لنسا مسا نأكله فجمعوا الدراهسم‪ ،‬وبعثوا بهسا بلبسن‪ ،‬إذ لم يكسن فيهسم‬

‫أحقسر منسه‪ .‬فلم يجسد بالسسوق مسا أرادوه فتوجسه إلى سسوق أخرى وأبطسأ وجاءت نوبسة‬

‫السسقائين فسي العرض وهسو لم يأت بعسد‪ ،‬فأخذوا زقسه وماعونسه وجعلوه على كاهسل‬

‫صسبي‪ ،‬وعرضوه على أنسه بلبسن فلمسا نودي اسسمه جاز الصسبي بيسن أيديهسم وانقضسى‬

‫العرض‪ .‬ولم ير المنجمون الصورة التي يطلبونها‪ .‬وجاء بلبن بعد تمام العرض‪ ،‬لما‬
‫أراد ال مسن إنفاذ قضائه‪ .‬ثسم إنسه ظهرت نجابتسه‪ ،‬فجعسل أميسر السسقائين‪ ،‬ثسم صسار مسن‬

‫جملة الجناد‪ ،‬ثم من المراء‪ ،‬ثم تزوج السلطان ناصر الدين بنته قبل أن يلي الملك‬

‫ولمسا ولي الملك جعله نائباً عنسه مدة عشريسن سسنة‪ ،‬ثسم قتله بلبسن واسستولى على ملكسه‬

‫عشريسن سسنة أخرى كمسا تقدم ذكسر ذلك‪ ،‬وكان للسسلطان بلبسن ولدان أحدهمسا الخان‬

‫الشهيسد ولي عهده‪ ،‬وكان والياً لبيسه ببلد السسند‪ ،‬سساكناً بمدينسة ملتان وقتسل فسي حرب‬

‫له مسع التتسر‪ ،‬وترك ولديسن‪ :‬كسي قباد وكسي خسسرو‪ .‬وولد السسلطان بلبسن الثانسي يسسمى‬

‫ناصسر الديسن‪ ،‬وكان والياً لبيسه ببلد اللكنوتسي وبنجالة‪ .‬فلمسا اسستشهد الخان الشهيسد‬

‫جعل السلطان بلبن العهد إلى ولده كي خسرو‪ ،‬وعدل به عن ابن نفسه ناصر الدين‬

‫وكان لناصر الدين كذلك ولد ساكن بحضرة دهلي مع جده بيسمى معز الدين‪ ،‬وهو‬

‫الذي تولى الملك بعد جده في خبر عجيب نذكره‪ ،‬وأبوه إذ ذاك حي كما ذكرناه‪.‬‬

‫ذكر السلطان معز الدين بن ناصر‬

‫ابن السلطان غياث الدين بلبن‬

‫ولمسسا توفسسي السسسلطان غياث الديسسن ليلً‪ ،‬وابنسسه ناصسسر الديسسن غائب ببلده اللكنوتسسي‪،‬‬

‫وجعل العهد لبن ابنه الشهيد كي خسرو‪ ،‬حسبما قصصناه‪ ،‬كان ملك المراء نائب‬

‫السسلطان غياث الديسن عدواً لكسي خسسرو فأراد عليسه حيلة تمست‪ ،‬وهسي أنسه كتسب بيعسة‬

‫دلس فيها على خطوط المراء الكبار بأنهم بايعوا السلطان معز الدين حفيد السلطان‬

‫بلبسن ودخسل على كسي خسسرو كالمتنصسح له فقال له‪ :‬إن المراء قسد بايعوا ابسن عمسك‪،‬‬
‫وأخاف عليسك منهسم‪ .‬فقال كسي خسسروا‪ :‬فمسا الحيلة ? قال‪ :‬انسج بنفسسك هارباً إلى بلد‬

‫السند فقال‪ :‬وكيف الخروج والبواب مسدودة ? قال له‪ :‬إن المفاتيح بيدي‪ ،‬وأنا أفتح‬

‫لك فشكره على ذلك وقبسل يده‪ ،‬وقال له‪ :‬اركسب الن‪ ،‬فركسب فسي خاصسته ومماليكسه‪،‬‬

‫وفتح له الباب وأخرجه‪ ،‬وسد في أثره‪ ،‬واستأذن على معز الدين فبايعه‪ ،‬فقال‪ :‬كيف‬

‫لي بذلك ووليسة العهسد لبسن عمسي ? فأعلمسه بمسا أدار عليسه مسن الحيلة‪ ،‬وبإخراجسه‪.‬‬

‫فشكره على ذلك ومضسسى بسسه إلى دار الملك‪ ،‬وبعسسث إلى المراء والخواص فبايعوا‬

‫ل فلمسسسا أصسسبح بايعسسه سسسائر الناس واسسسستقام له الملك وكان أبوه حياً ببلد بنجالة‬
‫لي ً‬

‫واللكنوتي فاتصل به الخبر فقال‪ :‬أنا وارث الملك وكيف يلي ابني الملك ويستقل به‬

‫وأنسا بقيسد الحياة ? فتجهسز فسي جيوشسه قاصسداً حضرة دهلي‪ ،‬وتجهسز ولده فسي جيوشسه‬

‫كذلك قاصسدًا لمدافعتسه عنهسا‪ ،‬فتوفيسا معاً بمدينسة كرا‪ ،‬وهسي على سساحل نهسر الكنسك‬

‫الذي تحسسسج الهنود إليسسسه فنزل ناصسسسر الديسسسن على شاطئه ممسسسا يلي كرا ونزل ولده‬

‫السلطان معز الدين مما يلي الجهة الخرى‪ ،‬والنهر بينهما وعزما على القتال‪ ،‬ثم أن‬

‫ال تعالى أراد حقن دماء المسلمين‪ ،‬فألقى في قلب ناصر الدرين الرحمة لبنه وقال‪:‬‬

‫إذا ملك ولدي فذلك شرف‪ ،‬وأنسا أحسق أن أرغسب فسي ذلك‪ ،‬وألقسى فسي قلب السسلطان‬

‫معسز الديسن الضراعسة لبيسه فركسب كسل واحسد منهمسا منفرداً عسن جيوشسه‪ ،‬والتقيسا فسي‬

‫وسسسط النهسسر فقبسسل السسسلطان رجسسل أبيسسه واعتذر له‪ .‬فقال له أبوه‪ :‬قسسد وهبتسسك ملكسسي‬

‫ووليتسسك وبايعسسه وأراد الرجوع إلى بلده فقال له ابنسسه‪ :‬ل بسسد لك مسسن الوصسسول إلى‬

‫بلدي‪ ،‬فمضسى معسه إلى دهلي‪ ،‬ودخسل القصسر وأقعده أبوه على سسرير الملك ووقسف‬
‫بيسن يديسه وسسمي ذلك اللقاء الذي كان بينهمسا بالنهسر‪ :‬لقاء السسعدين‪ ،‬لمسا كان فيسه مسن‬

‫حقسسن الدماء‪ ،‬وتواهسسب الملك والتجافسسي عسسن المنازعسسة‪ .‬وأكثرت الشعراء فسسي ذلك‪.‬‬

‫وعاد ناصر الدين إلى بلده‪ ،‬فمات بها بعد سسنين وترك بها ذرية منهسم غياث الديسن‬

‫بهادور الذي أسره السلطان تغلق وأطلقه ابنه محمد بعد وفاته‪ ،‬واستقام الملك لمعز‬

‫الدين أربعة أعوام بعد ذلك وكانت كالعياد‪ .‬رأيت بعض من أدركها يصف خيراتها‬

‫ورخسص أسسعراها‪ ،‬وجود معسز الديسن وكرمسه وهسو الذي بنسي الصسومعة بالصسحن‬

‫الشمالي من جامع دهلي ول نظير لها في البلد‪ .‬وحكى لي بعض أهل الهند أن معز‬

‫الديسسن كان يكثسسر النكاح والشرب‪ ،‬فاعتلتسسه علة أعجسسز الطباء دواؤهسسا‪ ،‬ويبسسس أحسسد‬

‫شقيسسه فقام عليسسه نائبسسه جلل الديسسن فيروزشاة الخلجسسي " بفتسسح الخاء المعجسسم واللم‬

‫والجيم "‪.‬‬

‫ذكر السلطان جلل الدين‬

‫ولمسا اعترى السسلطان معسز الديسن مسا ذكرناه مسن يبسس أحسد شقيسه خالف عليسه نائبسه‬

‫جلل الديسن وخرج إلى ظاهسر المدينسة فوقسف على تسل هنالك بجانسب قبسة تعرف بقبسة‬

‫الجيشانسي‪ .‬فبعسث معسز الديسن المراء لقتاله‪ ،‬فكان كسل مسن يبعثسه منهسم يبايسع جلل‬

‫الدين ويدخل في جملته ثم دخل المدينة وحصره في القصر ثلثة أيام‪ .‬وحدثني من‬

‫شاهسد ذلك أن السسلطان معسز الديسن أصسابه الجوع فسي تلك اليام‪ ،‬فلم يجسد مسا يأكله‪،‬‬

‫فبعسث إليسه أحسد الشرفاء مسن جيرانسه مسا أقام أوده‪ ،‬ودخسل عليسه القصسر فقتسل‪ ،‬وولي‬

‫بعده جلل الديسن وكان حليماً فاضلً‪ ،‬وحلمسه أداه إلى القتسل‪ ،‬كمسا سسنذكره واسستقام له‬
‫الملك سنين وبنى القصر المعروف باسمه‪ ،‬وهو الذي أعطاه السلطان محمد لصهره‬

‫المير غدا بن مهنا‪ ،‬لما زوجه‪ ،‬بأخته‪ ،‬وسيذكر ذلك‪ ،‬فكان للسلطان جلل الدين ولد‬

‫اسمه ركن الدين‪ ،‬وابن أخ اسمه علء الدين زوجه بابنته ووله مدينة كرا ومانكبور‬

‫ونواحيهسا‪ ،‬وهسي مسن أخصسب بلد الهنسد كثيرة القمسح والرز والسسكر وتصسنع بهسا‬

‫الثياب الرفيعسة‪ ،‬ومنهسا تجلب إلى دهلي‪ ،‬وبينهمسا مسسيرة ثمانيسة عشسر يوماً وكانست‬

‫زوجسسة علء الديسسن تؤذيسسه‪ ،‬فل زال يشكوهسسا إلى عمسسه السسسلطان جلل الديسسن حتسسى‬

‫وقعت الوحشة بينهما بسببها وكان علء الدين شهماً شجاعاً مظفراً منصوراً‪ ،‬وحب‬

‫الملك ثابست فسي نفسسه‪ ،‬إل أنسه لم يكسن له مال إل مسا يسستفيده بسسيفه مسن غنائم الكفار‪.‬‬

‫فاتفق أنه ذهب مرة إلى الغزو ببلد الدويقير‪ ،‬وتسمى بلد الكتكة أيضاً وسنذكرها‪،‬‬

‫وهسي كرسسي بلد المالوه والمرهتسة‪ ،‬وكان سسلطانها أكسبر سسلطين الكفار‪ ،‬فعثرت‬

‫بعلء الدين بتلك الغزوة دابة له عند حجر فسمع له طنيناً‪ ،‬فأمر بالحفر هنالك فوجد‬

‫تحتسسه كنزاً عظيماً‪ ،‬ففرقسسه فسسي أصسسحابه ووصسسل إلى الدويقيسسر‪ ،‬فأذعسسن له سسسلطانها‬

‫بالطاعسسة‪ ،‬ومكنسسه مسسن المدينسسة مسسن غيسسر حرب وأهدى له هدايسسا عظيمسسة فرجسسع إلى‬

‫المدينسة كرا‪ ،‬ولم يبعسث إلى عمسه شيئاً مسن الغنائم فأغرى الناس عمسه بسه فبعسث إليسه‪،‬‬

‫فامتنع من الوصول إليه فقال السلطان جلل الدين أنا أذهب إليه وآتي به فإنه محل‬

‫ولدي فتجهسز فسي عسساكره وطوى المراحسل حتسى حسل بسساحل مدينسة كرا‪ ،‬حيسث نزل‬

‫السسسلطان معسسز الديسسن لمسسا خرج إلى لقاء أبيسسه ناصسسر الديسسن‪ ،‬وركسسب النهسسر برسسسم‬

‫الوصول إلى ابن أخيه‪ ،‬وركب ابن أخيه أيضاً في مركب ثان عازماً على الفتك به‬
‫وقال لصسحابه‪ :‬إذا أنسا عانقتسه فاقتلوه فلمسا التقيسا وسسط النهسر عانقسه ابسن أخيسه وقتله‬

‫أصحابه كما وعدهم‪ ،‬واحتوى على ملكه وعساكره‪.‬‬

‫ذكر السلطان علء الدين محمد شاه الخلجي‬

‫ولما قتل عمه استقل بالملك‪ ،‬وفر إليه أكثر عساكر عمه‪ ،‬وعاد بعضهم إلى دهلي‪،‬‬

‫واجتمعوا على ركسسسن الديسسسن وخرج إلى دفاعسسسه فهربوا جميعًا إلى السسسسلطان علء‬

‫الديسن‪ ،‬وفسر ركسن الديسن إلى السسند‪ ،‬ودخسل علء الديسن دار الملك‪ ،‬واسستقام له المسر‬

‫عشريسن سسنة‪ .‬وكان مسن خيار السسلطين وأهسل الهنسد يثنون عليسه كثيراً‪ ،‬وكان يتفقسد‬

‫أمور الرعية بنفسه‪ ،‬ويسأل عن أسعارهم‪ ،‬ويحضر المحتسب وهم يسمونه الرئيس‬

‫فسي كسل يوم برسسم ذلك ويذكسر أنسه سسأله يوماً عسن سسبب غلء اللحسم‪ ،‬فأخسبره أنسه ذلك‬

‫لكثرة المغرم على البقسسسر فسسسي المرتسسسب فأمسسسر برفسسسع ذلك‪ ،‬وأمسسسر بإحضاره التجار‬

‫وأعطاهسم الموال وقال لهسم‪ :‬اشتروا بهسا البقسر والغنسم وبيعوهسا‪ ،‬ويرتفسع ثمنهسا لبيست‬

‫المال‪ ،‬ويكون لكسسم أجرة على بيعهسسا ففعلوا ذلك‪ ،‬وفعسسل مثسسل هذا فسسي الثواب التسسي‬

‫يؤتسسى بهسسا مسسن دولة أباد وكان إذا غل ثمسسن الزرع فتسسح المخازن وباع الزرع حتسسى‬

‫يرخسص السسعر‪ .‬ويذكسر أن السسعر ارتفسع ذات مرة فأمسر بسبيع الزرع بثمسن عينسه‪،‬‬

‫فامتنع الناس من بيعه بذلك الثمن‪ ،‬فأمر أل يبيع أحد زرعاً غير زرع المخزن وباع‬

‫للناس سستة أشهسر‪ ،‬فخاف المحتكرون فسساد زرعهسم بالسسوس فرغبوا أن يؤذن لهسم‬

‫على أن يسبيعوه بأقسل مسن القيمسة الولى التسي امتنعوا مسن بيعسه بهسا‪ .‬وكان ل يركسب‬

‫لجمعسة ول لعيسد ول سواهما وسبب ذلك إنه كان له ابن أخ يسسمى سليمان شاه وكان‬
‫يحبه ويعظمه‪ ،‬فركب يوماً إلى الصيد وهو معه‪ ،‬وأضمر في نفسه أن يفعل ما فعل‬

‫هو بعمه جلل الدين من الفتك فلما نزل للغداء‪ ،‬رماه بنشابة فصرعه وغطاه بعض‬

‫عبيده بترس وأتى ابن أخيه ليجهز عليه‪ ،‬فقال له العبيد‪ :‬إنه قد مات فصدقهم وركب‬

‫فدخسل القصسر على الحرم وأفاق السسلطان علء الديسن مسن غشيتسه وركسب‪ ،‬واجتمعست‬

‫العسساكر عليسه‪ ،‬وفسر ابسن أخيسه فأدرك وأتسي بسه إليسه فقتله‪ ،‬وكان بعسد ذلك ل يركسب‪.‬‬

‫وكان له مسسن الولد خضسسر خان وشادي خان وأبسسو بكسسر خان ومبارك خان‪ ،‬وهسسو‬

‫قطب الدين الذي ولي الملك‪ ،‬وشهاب الدين‪ .‬وكان قطب الدين مهتضماً عنده ناقص‬

‫الحسسظ قليسسل الحظوة وأعطسسى جميسسع إخوتسسه المراتسسب‪ ،‬وهسسي العلم والطبال‪ ،‬ولم‬

‫يعطسه شيئاً؛ وقال له يوماً‪ ،‬ل بسد أن أعطيسك مثسل مسا أعطيست إخوتسك فقال له‪ :‬ال هسو‬

‫الذي يعطينسي فهال أباه هذا الكلم وفزع منسه‪ .‬ثسم إن السسلطان اشتسد عليسه المرض‪،‬‬

‫وكانست زوجتسه أم ولده خضسر خان‪ ،‬وتسسمى ماه حسق‪ ،‬والماه القمسر بلسسانهم‪ ،‬لهسا أخ‬

‫يسسمى سسنجر‪ ،‬فعاهدت أخاهسا على تمليسك ولدهسا خضسر خان وعلم بذلك ملك نائب‬

‫أكسبر أمراء السسلطان‪ ،‬وكان يسسمى اللفسي‪ ،‬لن السسلطان إشتراه بألف تنكسة‪ ،‬وهسي‬

‫ألفان وخمسسسمائة مسسن دنانيسسر المغرب‪ ،‬فوشسسى إلى السسسلطان بمسسا اتفقوا عليسسه‪ ،‬فقال‬

‫لخواصسسه إذا دخسسل علي سسسنجر فإنسسي معطيسسه ثوباً‪ ،‬فإذا لبسسسه‪ ،‬فأمسسسكوا بأكمامسسه‬

‫واضربوا بسسه الرض واذبحوه فلمسسا دخسسل عليسسه فعلوا ذلك وقتلوه وكان خضسسر خان‬

‫غائباً‪ ،‬بموضسسع يقال له‪ :‬سسسندبت‪ ،‬على مسسسيرة يوم مسسن دهلي‪ ،‬توجسسه لزيارة شهداء‬

‫مدفونين به‪ ،‬لنذر كان عليه أن يمشي تلك المسافة راجلً ويدعو لوالده بالراحة‪ .‬فلما‬
‫بلغسسه أن أباه قتسسل خاله حزن عليسسه حزنًا شديداً ومزق جيبسه‪ ،‬وتلك عادة لهسسل الهنسسد‬

‫يفعلونهسا إذا مات لهسم مسن يعسز عليهسم‪ ،‬فبلغ والده مسا فعله فكره ذلك‪ ،‬فلمسا دخسل عليسه‬

‫عنفسسه ولمسسه‪ ،‬وأمسسر بسسه فقيدت يداه ورجله‪ ،‬وسسسلمه لملك نائب المذكور‪ ،‬وأمره أن‬

‫يذهسب إلى حصسن كاليور وضبطسه " بفتسح الكاف المعقودة وكسسر اللم وضسم الياء‬

‫آخسسر الحروف وآخره راء " ويقال له أيضاً كياليسسر بزيادة ياء ثانيسسة‪ ،‬وهسسو حصسسن‬

‫منقطسع بيسن كفار الهنود منيسع على مسسيرة عشسر مسن دهلي‪ ،‬وقسد سسكنته أنسا مدة‪ ،‬فلمسا‬

‫أوصسسله إلى هذا الحصسسن سسسلمه للكتوال وهسسو أميسسر الحصسسن‪ ،‬وللمفرديسسن وهسسم‬

‫الزماميون‪ ،‬وقال لهسم‪ :‬ل تقولوا هذا ابسن السسلطان فتكرموه‪ ،‬إنمسا هسو أعدى عدو له‪،‬‬

‫فاحفظوه كما يحفظ العدو‪ .‬ثم إن المرض اشتد بالسلطان فقال الملك نائب‪ :‬ابعث من‬

‫يأتي بابني خضر خان لوليه العهد‪ :‬فقال له نعم وماطله بذلك فمتى سأل عنه‪ ،‬قال‪:‬‬

‫هو ذا يصل إلى أن توفي السلطان رحمه ال‪.‬‬

‫ذكر ابنه السلطان شهاب الدين‬

‫ولمسا توفسي السسلطان علء الديسن اقعسد ملك نائب ابنسه الصسغر شهاب الديسن على‬

‫سسسرير الملك‪ ،‬وبايعسسه الناس‪ ،‬وتغلب ملك نائب عليسسه‪ ،‬وسسسمل أعيسسن أبسسي بكسسر خان‬

‫وشادي خان‪ ،‬وبعسسث بهمسسا إلى كاليور‪ ،‬وأمسسر بسسسمل عينسسي أخيهمسسا خضسسر خان‬

‫المسسجون هنالك‪ ،‬وسسجنوا وسسجن قطسب الديسن‪ ،‬لكنسه لم تسسمل عيناه‪ .‬وكان للسسلطان‬

‫علء الديسن مملوكان مسن خواصسه‪ ،‬يسسمى أحدهمسا ببشيسر والخسر بمبشسر‪ ،‬فبعثست‬

‫إليهما الخاتون الكبرى زوجة علء الدين‪ ،‬وهي بنت السلطان معز الدين‪ ،‬فذكرتهما‬
‫بنعمة مولهما‪ ،‬وقالت‪ :‬إن هذا الفتى ملك نائب قد فعل في أولدي ما تعلمانه‪ ،‬وأنه‬

‫يريد أن يقتل قطب الدين‪ .‬فقال لهما‪ :‬سترين ما نفعل‪ ،‬وكانت عادتهما أن يبيتا عند‬

‫نائب ملك ويدخل عليسه بالسسلح‪ ،‬فدخل عليسه تلك الليلة وهسو فسي بيست مسن الخشسب‬

‫مكسو بالملف يسمونه الخرمقة ينام في أيام المطر فوق سطح القصر‪ ،‬فاتفق أنه أخذ‬

‫السسيف مسن يسد أحدهمسا فقلبسه ورده إليسه‪ ،‬فضربسه بسه المملوك وثنسى عليسه صساحبه‪،‬‬

‫واحتزا رأسسه وأتيسا بسه إلى مجلس قطسب الديسن‪ ،‬فرمياه بيسن يديسه‪ ،‬وأخرجاه‪ .‬فدخسل‬

‫على أخيه شهاب الدين وأقام بين يديه أياماً كأنه نائب له‪ ،‬ثم عزم خلعه فخلعه‪.‬‬

‫ذكر السلطان قطب الدين ابن السلطان علء الدين‬

‫وخلع قطب الدين أخاه شهاب الدين وقطع إصبعه‪ ،‬وبعث به إلى كاليور فحبس مع‬

‫إخوته‪ .‬واستقام الملك لقطب الدين‪ .‬ثم إنه بعد ذلك خرج من حضرة دهلي إلى دولة‬

‫أباد‪ ،‬وهسسي على مسسسيرة أربعيسسن يوماً منهسسا‪ .‬والطريسسق بينهمسسا تكنفسسه الشجار مسسن‬

‫الصفصاف وسواه‪ .‬فكأن الماشي به في بستان‪ .‬وفي كل ميل منه ثلث داوات‪ ،‬وهي‬

‫البريد وقد ذكرنا ترتيبه‪ ،‬وفي كل داوة جميع ما يحتاج المسافر إليه‪ .‬فكأنه يمشي في‬

‫سوق مسيرة الربعين يوماً‪ .‬وكذلك يتصل الطريق إلى بلد التلنك‪ .‬والمعبر مسيرة‬

‫ستة أشهر‪ .‬وفي كل منزلة قصر للسلطان وزاوية للوارد والصادر‪ ،‬فل يفتقر الفقير‬

‫إلى حمل زاد في ذلك الطريق‪ .‬ولما خرج السلطان قطب الدين في هذه الحركة اتفق‬

‫بعض المراء على الخلف عليه وتولية ولد أخيه خضر خان المسجون‪ ،‬وسنه نحو‬

‫عشرة أعوام‪ ،‬وكان مسسع السسسلطان‪ .‬فبلغ السسسلطان ذلك‪ ،‬فأخسسذ ابسسن أخيسسه المذكور‬
‫وأمسسك برجليسه‪ ،‬وضرب برأسسه إلى الحجارة حتسى نثسر دماغسه وبعسث أحسد المراء‬

‫ويسسسسمى ملك شاه إلى كاليور حيسسسث أبسسسو هذا الولد وأعمامسسسه وأمره بقتلهسسسم جميعاً‪.‬‬

‫فحدثنسسي القاضسسي زيسسن الديسسن مبارك قاضسسي هذا الحصسسن قال‪ :‬قدم عاينسسا ملك شاه‬

‫ضحوة يوم‪ ،‬وكنست عنسد خضسر خان بمحبسسه‪ ،‬فلمسا سسمع بقدومسه خاف وتغيسر لونسه‪.‬‬

‫ودخسل عليسه الميسر فقال له‪ :‬فيسم جئت ? قال‪ :‬فسي حاجسة خونسد عالم‪ .‬فقال له‪ :‬نفسسي‬

‫سالمة‪ ،‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬وخرج عنه واستحضر الكتوال وهو صاحب الحصن والمفردين‬

‫وهسم الزماميون‪ ،‬وكانوا ثلثمائة رجسل‪ ،‬وبعسث عنسي وعسن العدول‪ ،‬واسستظهر بأمسر‬

‫السسلطان فقرأوه‪ ،‬وأتوا إلى شهاب الديسن المخلوع فضربوا عنقسه وهسو متثبست غيسر‬

‫جزع‪ ،‬ثسم ضربوا عنسق أبسي بكسر خان وشادي خان‪ ،‬ولمسا أتوا ليضربوا عنسق خضسر‬

‫خان فزع وذهسل‪ ،‬وكانست أمسه معسه فسسدوا الباب دونهسا‪ ،‬وقتلوه وسسحبوهم جميعًا فسي‬

‫حفرة بدون تكفيسن ول غسسل‪ .‬واخرجوا بعسد سسنين فدفنوا بمقابر آبائهسم‪ .‬وعاشست أم‬

‫خضسر خان مدة‪ ،‬ورايتهسا بمكسة سسنة ثمان وعشريسن‪ .‬وحصسن كاليور هذا فسي رأس‬

‫شاهق كأنه منحوت من الصخر ل يحاذيه جبل‪ ،‬وبداخله جباب الماء ونحو عشرين‬

‫بئراً عليهسسا السسسوار مضافسسة إلى الحصسسن‪ ،‬منصسسوباً عليهسسا المجانيسسق والرعادات‪.‬‬

‫ويصسعد إلى الحصسن فسي طريسق متسسعة يصسعدها الفيسل والفرس‪ .‬وعنسد باب الحصسن‬

‫صسورة فيسل منحوت مسن الحجسر وعليسه صسورة فيال‪ .‬وإذا رآه النسسان على بعسد لم‬

‫يشسسك أنسسه فيسسل حقيقسسة‪ .‬وأسسسفل الحصسسن مدينسسة حسسسنة مبنيسسة كلهسسا بالحجارة البيسسض‬

‫المنحوتسة‪ ،‬مسساجدها ودورهسا‪ ،‬ول خشسب فيهسا ماعدا البواب‪ .‬وكذلك دار الملك بهسا‬
‫والقباب والمجالس‪ .‬وأكثسر سسوقتها كفار‪ ،‬وفيهسا سستمائة فارس مسن جيسش السسلطان ل‬

‫يزالون في جهاد‪ ،‬لنها بين الكفار‪ .‬ولما قتل قطب الدين إخوته واستقل بالملك‪ ،‬ولم‬

‫يبق من ينازعه ول من يخالف عليه بعث ال تعالى عليه من خاصته‪ ،‬الحظي لديه‬

‫أكسبر أمرائه وأعظمهسم منزله عنده ناصسر الديسن خسسرو خان ففتسك بسه وقتله واسستقل‬

‫بملكه‪ ،‬إل أن مدته لم تطل بالملك‪ ،‬فبعث ال تعالى عليه من قتله بعد خلعه السلطان‬

‫تغلق‪ ،‬حسبما يشرح كله مستوفى إن شاء ال تعالى إثر هذا ونسطره‪.‬‬

‫ذكر السلطان خسروخان ناصر الدين‬

‫وكان خسروخان من أكبر أمراء قطب الدين‪ ،‬وهو شجاع حسن الصورة‪ ،‬وكان فتح‬

‫بلد جنديري وبلد المعبر‪ ،‬وهي من أخصب بلد الهند‪ .‬وبينهما وبين دهلي مسيرة‬

‫سستة أشهسر‪ .‬وكان قطسب الديسن يحبسه حباً شديداَ ويؤثره‪ ،‬فجسر ذلك حتفسه على يديسه‪.‬‬

‫وكان لقطسب الديسن معلم يسسمى قاضسي خان صسدر الجهان‪ ،‬وهسو أكسبر أمرائه وكليست‬

‫" كليسد " دار‪ ،‬وهسو صساحب مفاتيسح القصسر‪ .‬وعادتسه أن يسبيت كسل ليلة على باب‬

‫السسلطان ومعسه أهسل النوبسة‪ ،‬وهسم ألف رجسل يسبيتون مناوبسة بيسن أربسع ليال‪ ،‬ويكونون‬

‫صسفين فيمسا بيسن أبواب القصسر‪ ،‬وسسلح كسل واحسد منهسم بيسن يديسه‪ ،‬فل يدخسل أحسد إل‬

‫فيمسا بيسن سسماطيهم‪ .‬وإذا تسم الليسل أتسى أهسل نوبسة النهار‪ .‬ولهسل النوبسة أمراء وكتاب‬

‫يتطوفون عليهم ويكتبون من غاب منهم أو حضر‪ .‬وكان معلم السلطان قاضي خان‬

‫يكره أفعال خسسسسرو خان‪ ،‬ويسسسسوءه مسسسا يراه مسسسن إيثاره لكفار الهنود وميله إليهسسسم‪،‬‬
‫وأصسله منهسم‪ .‬ول يزال يلقسي ذلك إلى السسلطان فل يسسمع منسه ويقول له دعسه ومسا‬

‫يريسسد‪ ،‬لمسسا أراد ال مسسن قتله على يده‪ .‬فلمسسا كان فسسي بعسسض اليام قال خسسسرو خان‬

‫للسسلطان‪ :‬إن جماعسة مسن الهنود يريدون أن يسسلموا‪ .‬ومسن عادتهسم فسي تلك البلد أن‬

‫الهندي إذا أراد السسلم أدخسل إلى السسلطان فيكسسوه كسسوة حسسنة ويعطيسه قلدة أو‬

‫أسساور مسن ذهسب على قدره‪ ،‬فقال له السسلطان‪ :‬ائتنسي بهسم‪ .‬فقال‪ :‬إنهسم يسستحيون أن‬

‫يدخلوا إليك نهاراً لجل أقربائهم وأهل ملتهم‪ .‬فقال له‪ :‬ائتني بهم ليلً‪ .‬فجمع خسرو‬

‫خان جماعسة من شجعان الهنود وكسبرائهم‪ ،‬فيهسم أخوه خان خانان‪ ،‬وذلك أوان الحر‪،‬‬

‫والسسلطان ينام فوق سسطح القصسر‪ ،‬ول يكون عنده فسي ذلك الوقست إل بعسض الفتيان‪.‬‬

‫فلمسا دخلوا البواب الربعسة وهسم شاكسو السسلح ووصسلوا إلى الباب الخامسس‪ ،‬وعليسه‬

‫قاضسي خان‪ ،‬أنكسر شأنهسم‪ ،‬وأحسس بالشسر‪ .‬فمنعهسم مسن الدخول وقال‪ :‬ل بسد أن أسسمع‬

‫مسن خونسد عالم بنفسسي الذن فسي دخولهسم‪ ،‬وحينئذ يدخلون‪ .‬فلمسا منعهسم مسن الدخول‬

‫هجموا عليسسه فقتلوه‪ .‬وعلت الضجسسة بالباب‪ ،‬فقال السسسلطان‪ :‬مسسا هذا ? فقال خسسسرو‬

‫خان‪ :‬هم الهنود الذين أتوا ليسلموا‪ ،‬فمنعهم قاضي خان من الدخول‪ .‬وزاد الضجيج‪،‬‬

‫فخاف السسسلطان وقام يريسسد الدخول إلى القصسسر‪ ،‬وكان بابسسه مسسسدوداً‪ ،‬والفتيان عنده‬

‫فقرع الباب واحتضنسه خسسرو خان مسن خلفسه‪ ،‬وكان السسلطان أقوى منسه فصسرعه‪.‬‬

‫ودخل الهنود فقال لهم خسرو خان‪ :‬هو ذا فوقي فاقتلوه‪ ،‬فقتلوه وقطعوا رأسه ورموا‬

‫بسه مسن سسطح القصسر إلى صسحنه‪ .‬وبعسث خسسرو خان مسن حينسه إلى المراء والملوك‬

‫وهسم ل يعلمون بمسا اتفسق‪ .‬فكلمسا دخلت طائفسة وجده على سسرير الملك فبايعوه ولمسا‬
‫أصسبح أعلن بأمره‪ ،‬وكتب المراسسم وهي الوامسر إلى جميع البلد‪ .‬وبعسث لكسل أميسر‬

‫خلعسسة فطاعوا له جميعاً‪ .‬وأذعنوا إلى تغلق شاه ولد السسسلطان محمسسد شاه‪ ،‬وكان إذا‬

‫ذاك وأميراً بدبال بور‪ ،‬مسسن بلد السسسند‪ .‬فلمسسا وصسسلته خلعسسة خسسسرو خان طرحهسسا‬

‫بالرض‪ ،‬وجلس فوقها‪ .‬وبعث إليه أخاه خان خانان فهزمهم‪ .‬ثم آل أمره إلى أن قتله‬

‫كمسسا سسسنشرحه فسسي أخبار تغلق‪ .‬ولمسسا ملك خسسسرو خان أثسسر الهنود‪ ،‬وأظهسسر أموراً‬

‫منكرة‪ ،‬منهسا النهسي عسن ذبسح البقسر على قاعدة كفار الهنود‪ ،‬فإنهسم ل يجيزون ذبحهسا‪،‬‬

‫وجزاء من ذبحها عندهم أن يخاط في جلدها ويحرق‪ .‬وهم يعظمون البقر ويشربون‬

‫أبوالها للبركة‪ ،‬وللستشفاء إذا مرضوا‪ .‬ويلطخون بيوتهم وحيطانهم بأرواثها‪ .‬وكان‬

‫ذلك ممسسا بغسسض خسسسرو خان إلى المسسسلمين وأمالهسسم عنسسه إلى تغلق‪ ،‬فلم تطسسل مدة‬

‫وليته ول امتدت أيام ملكه كما سنذكره‪.‬‬

‫ذكر السلطان غياث الدين تغلق شاه‬

‫" وضبسط اسسمه بضسم التاء المعلوة وسسكون الغيسن المعجسم وضسم اللم وآخره قاف "‬

‫حدثني الشيخ المام الصالح العالم العامل العابد ركن الدين ابن الشيخ الصالح شمس‬

‫الديسن أبسي عبسد ال ابسن الولي المام العالم العابسد بهاء الديسن زكريسا القرشسي الملتانسي‬

‫بزاويتسسه‪ .‬أن السسسلطان تغلق كان مسسن التراك المعروفيسسن بالقرونسسة " بفتسسح القاف‬

‫والراء وسسسكون الواو وفتسسح النون "‪ ،‬وهسسم قانطون بالجبال التسسي بيسسن بلد السسسند‬

‫والترك‪ .‬وكان ضعيف الحال‪ ،‬فقدم بلد السند في خدمة بعض التجار‪ ،‬وكان كلوانياً‬
‫له‪ ،‬والكلوانسسي " بضسسم الكاف المعقود " هسسو راعسسي الخيسسل " جلوبان "‪ ،‬وذلك على‬

‫أيام السلطان علء الدين‪ ،‬وأمير السند إذ ذاك أخوه أولوخان " بضم الهمزة واللم "‬

‫فخدمسه تغلق‪ ،‬وتعلق بجانبسه‪ ،‬فرتبسه فسي البياة " بكسسر الباء الموحدة وفتسح الياء آخسر‬

‫الحروف "‪ ،‬وهم الرجالة‪ .‬ثم ظهرت نجابته فأثبت في الفرسان‪ ،‬ثم كان من المراء‬

‫الصسسغار وجعله أولوخان أميسسر خيله‪ .‬ثسسم كان بعسسد ذلك مسسن المراء الكبار‪ ،‬وسسسمي‬

‫بالملك الغازي‪ ،‬ورأيت مكتوباً على مقصورة الجامع بملتان‪ ،‬وهو الذي أمر بعملها‪،‬‬

‫إنسي قاتلت التتسر تسسعاً وعشريسن مرة‪ ،‬فهزمتهسم‪ .‬فحينئذ سسميت بالملك الغازي‪ .‬ولمسا‬

‫ولي قطسب الديسن وله مدينسة دبال بور وعمالتهسا " وهسي بكسسر الدال المهمسل وفتسح‬

‫الباء الموحدة "‪ ،‬وجعسسل ولده الذي هسسو الن سسسلطان الهنسسد أميسسر خيله‪ ،‬وكان يسسسمى‬

‫جونسه " بفتسح الجيسم والنون " ولمسا ملك تسسمى بمحمسد شاه‪ .‬ثسم لمسا قتسل قطسب الديسن‬

‫وولي خسسسسسسرو خان أبقاه ال على إمارة الخيسسسسسل‪ .‬فلمسسسسسا أراد تغلق الخلف كان له‬

‫ثلثمائة من أصحابه الذين يعتمد عليهم في القتال‪ ،‬وكتب إلى كشلوخان‪ ،‬وهو يومئذ‬

‫بملتان‪ ،‬وبينهمسا وبيسن دبال بور ثلثسة أيام‪ ،‬يطلب منسه القيام بنصسرته‪ ،‬ويذكره نعمسة‬

‫قطسب الديسن‪ ،‬ويحرضسه على طلب ثأره‪ .‬وكان ولد كشلو خان بدهلي فكتسب إلى تغلق‬

‫أنه لو كان ولدي عندي لعنتك على ما تريد‪ .‬فكتب تغلق إلى ولده محمد شاه يعلمه‬

‫بمسسا عزم عليسسه‪ ،‬ويأمره أن يفسسر إليسسه ويسسستصحب معسسه ولد كشلو خان‪ ،‬فأدار ولده‬

‫الحيلة على خسسرو خان‪ .‬وتمست له كمسا أراد‪ ،‬فقال له‪ :‬إن الخيسل قسد سسمنت وتبدنست‬

‫وهسي تحتاج البراق وهسو التضميسر‪ ،‬فأذن له فسي تضميرهسا‪ .‬فكان يركسب كسل يوم فسي‬
‫أصسحابه فيسسير بهسا السساعة والسساعتين والثلث‪ ،‬واسستمر إلى أربسع سساعات‪ ،‬إلى أن‬

‫غاب يوماً إلى وقت الزوال‪ ،‬وذلك وقت طعامهم‪ ،‬فأمر السلطان بالركوب في طلبه‪،‬‬

‫فلم يوجسد له خسبر‪ .‬ولحسق بأبيسه واسستصحب معسه ولد كشلو خان‪ .‬وحينئذ أظهسر تغلق‬

‫الخلف‪ ،‬وجمسع العسساكر وخرج معسه كشلو خان فسي أصسحابه‪ ،‬وبعسث السسلطان أخاه‬

‫خان خانان لقتالهما‪ ،‬فهزماه شر هزيمة‪ ،‬وفر عسكره إليهما‪ ،‬ورجع خان خانان إلى‬

‫أخيسسسسه‪ ،‬وقتسسسسل أصسسسسحابه‪ ،‬وأخذت خزائنسسسسه وأمواله وقصسسسسد تغلق حضرة دهلي‪.‬‬

‫وخرج إليه خسروخان في عساكره‪ ،‬ونزل بخارج دهلي بموضع يعرف بآصيا أباد‬

‫" آسسسياباد " ومعنسسى ذلك رحسسى الريسسح‪ ،‬وأمسسر بالخزائن ففتحسست‪ ،‬وأعطسسى الموال‬

‫بالبدر‪ ،‬ل بوزن ول عسسد‪ .‬ووقسسع اللقاء بينسسه وبيسسن تغلق‪ ،‬وقاتلت الهنود أشسسد قتال‪.‬‬

‫وانهزمست عسساكر تغلق‪ ،‬ونهبسست محلتسسه‪ ،‬وانفرد فسي أصسحابه القدميسن الثلثمائة‪،‬‬

‫فقال لهسم‪ :‬إلى أين الفرار حيثما أدركنا قتلنا‪ ،‬واشتغلت عساكر خسسرو خان بالنهب‪،‬‬

‫وتفرقوا عنسه ولم يبسق معسه ال قليسل‪ .‬فقصسد تغلق وأصسحابه موقفسه‪ ،‬والسسلطان هنالك‬

‫يعرف بالشطر " جتر " الذي يرفع فوق رأسه‪ ،‬وهو الذي يسمى بديار مصر القبة‪،‬‬

‫والطير‪ ،‬ويرفع بها في العياد‪ .‬وأما بالهند والصين فل يفارق السلطان في سفر ول‬

‫حضسر‪ .‬فلمسا قصسده تغلق وأصسحابه حمسي القتال بينهسم وبيسن الهنود‪ .‬وانهزم أصسحاب‬

‫السلطان ولم يبق معه أحد‪ ،‬وهرب فنزل عن فرسه ورمى بثيابه وسلحه‪ ،‬وبقي في‬

‫قميسص واحسد‪ ،‬وأرسسل شعره بيسن كتفيسه كمسا يفعسل فقراء الهنسد‪ ،‬ودخسل بسستاناً هنالك‪.‬‬

‫واجتمسسع الناس على تغلق‪ ،‬وقصسسد المدينسسة‪ ،‬فأتاه الكتوال بالمفاتيسسح‪ ،‬ودخسسل القصسسر‬
‫ونزل بناحيسة منسه وقال لكشلو خان‪ :‬أنست تكون السسلطان‪ .‬فقال كشلو خان‪ :‬بسل أنست‬

‫تكون السسسسلطان‪ .‬وتنازعسسا‪ ،‬فقال له كشلو خان‪ :‬فإن أبيسست أن تكون سسسلطاناً فيتولى‬

‫ولدك‪ .‬فكره هذا‪ ،‬وقبسل حينئذ‪ ،‬وقعسد على سسرير الملك وبايعسه الخاص والعام‪ ،‬ولمسا‬

‫كان بعسد ثلث اشتسد لجوع بخسسرو خان‪ ،‬وهسو مختسف بالبسستان‪ ،‬فخرج وطاف بسه‬

‫فوجسد القيسم فسسأله طعامًا فلم يكسن عنده فأعطاه خاتمسه وقال‪ :‬اذهسب فارهنسه فسي طعام‬

‫فلمسسا ذهسسب بالخاتسسم إلى السسسوق أنكسسر الناس أمره ورفعوه إلى الشحنسسة وهسسو الحاكسسم‬

‫فأدخله على السسلطان تغلق فأعلمسه بمسن دفسع إليسه الخاتسم‪ .‬فبعسث ولده محمداً ليأتسي بسه‬

‫فقبسسض عليسسه وأتاه بسسه راكباً على تتسسو " بتائيسسن مثناتيسسن أولهمسسا مفتوحسسة والثانيسسة‬

‫مضمومة "‪ ،‬وهو البرذون‪ .‬فلما مثل بين يديه قال له‪ :‬إني جائع فأتني بطعام‪ .‬فأمر‬

‫له بالشربسة ثسم الطعام ثسم بالقفاع ثسم بالتنبول‪ .‬فلمسا أكسل قام قائمًا وقال‪ :‬يسا تغلق افعسل‬

‫معي فعل الملوك‪ ،‬ول تفضحني‪ .‬فقال له‪ :‬لك ذلك‪ .‬وأمر به فضربت رقبته وذلك في‬

‫الموضسع الذي قتسل هسو بسه قطسب الديسن‪ ،‬ورمسي برأسسه وجسسده مسن أعلى السسطح كمسا‬

‫فعل هو برأس قطب الدين‪ ،‬وبعد ذلك أمر بغسله وتكفينه‪ .‬ودفن في مقبرته‪ ،‬واستقام‬

‫الملك لتغلق أربعسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة أعوام‪ .‬وكان عادلً فاضلً‪.‬‬

‫ذكسر مسا رامسه ولده مسن القيام عليسه فلم يتسم له ذلك ولمسا اسستقر تغلق بدار الملك بعسث‬

‫ولده ليفتسح بلد التلنسك " وضبطهسا بكسسر التاء المعلوة واللم وسسكون النون وكاف‬

‫معقودة " وهي على مسيرة ثلثة أشهر من مدينة دهلي‪ .‬وبعث معه عسكراً عظيماً‬

‫فيسسه كبار المراء‪ ،‬مثسسل الملك تمور " بفتسسح التاء المعلوة وضسسم الميسسم وآخره راء "‬
‫ومثسسسل الملك تكيسسسن " بكسسسسر التاء المعلوة والكاف وآخره نون " ومثسسسل ملك كافور‬

‫والمهردار " بضسسم الميسسم " ومثسسل ملك بيرم " بالباء الموحدة مفتوحسسة والياء أخسسر‬

‫الحروف والراء مفتوحسة " وسسواهم‪ .‬فلمسا بلغ إلى أرض التلنسك أراد المخالفسة‪ .‬وكان‬

‫له نديم من الفقهاء الشعراء يعرف بعبيد‪ ،‬فأمره أن يلقي إلى الناس أن السلطان تغلق‬

‫توفسي‪ ،‬وظنسه أن الناس يبايعونسه مسسرعين إذا سسمعوا ذلك‪ .‬فلمسا ألقسى ذلك إلى الناس‬

‫أنكره المراء‪ ،‬وضرب كسسل واحسسد منهسسم طبله وخالف‪ ،‬فلم يبسسق معسسه أحسسد‪ .‬وأرادوا‬

‫قتله‪ ،‬فمنعهم منه ملك تمور‪ ،‬وقام دونه‪ .‬ففر إلى أبيه في عشرة من الفرسان سماهم‬

‫ياران موافسسق‪ ،‬ومعناه الصسسحاب الموافقون‪ .‬فأعطاه أبوه الموال والعسسساكر وأمره‬

‫بالعود إلى تلنسك فعاد إليهسا‪ .‬وعلم أبوه بمسا كان أراد‪ .‬فقتسل الفقيسه عسبيداً‪ ،‬وأمسر بملك‬

‫كافور المهردار فدق له عمود فسسي الرض محدود الطرف‪ ،‬وركسسز فسسي عنقسسه حتسسى‬

‫خرج مسن جنبسه طرفسه‪ ،‬ورأسسه‪ ،‬إلى أسسفل‪ .‬وترك على تلك الحال‪ .‬وفسر مسن بقسي مسن‬

‫المراء إلى السسلطان شمسس الديسن ابسن السسلطان ناصسر الديسن ابسن السسلطان غياث‬

‫الديسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن بلبسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن‪ ،‬واسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسستقروا عنده‪.‬‬

‫ذكسسسر مسسسسير تغلق إلى بلد اللكنوتسسسي ومسسسا اتصسسسل لذلك إلى وفاتسسسه وأقام المراء‬

‫الهاربون عنسد السسلطان شمسس الديسن‪ ،‬ثسم إن شمسس الديسن توفسي‪ ،‬وعهسد لولده شهاب‬

‫الديسن فجلس مجلس أبيسه‪ .‬ثسم غلب عليسه أخوه الصسغر غياث الديسن بهادور‪ ،‬بورة‪،‬‬

‫ومعناه بالهنديسة السسود‪ ،‬واسستولى على الملك‪ ،‬وقتسل أخاه قطلوخان وسسائر إخوتسه‪.‬‬

‫وفسر شهاب الدين وناصر الدين منهم إلى تغلق‪ ،‬فتجهز معهمسا لقتال أخيهما‪ ،‬وخلف‬
‫ولده محمداً نائباً عنه في ملكه‪ ،‬وجد السسير إلى بلد اللكنوتي فانتصر عليها‪ ،‬وأسر‬

‫سسلطانها غياث الديسن بهادور‪ ،‬وقدم بسه أسسيراً إلى حاضرة ملكسه‪ .‬وكان بمدينسة دهلي‬

‫الوالي نظام الديسن البذوانسي‪ ،‬ول يزال محمسد شاه ابسن السسلطان يتردد إليسه‪ .‬ويعظسم‬

‫خدامسسه‪ ،‬ويسسسأله الدعاء‪ .‬وكان يأخسسذ الشيسسخ حالٌ تغلب عليسسه‪ .‬فقال ابسسن السسسلطان‬

‫لخدامسه؛ إذا كان الشيسخ فسي حاله التسي تغلب عليسه فأعلمونسي بذلك‪ .‬فلمسا أخذتسه الحال‬

‫أعلموه فدخسل عليسه‪ ،‬فلمسا رآه الشيسخ قال‪ :‬وهبنسا لك الملك‪ ،‬ثسم توفسي الشيسخ فسي أيام‬

‫غيبسسة السسسلطان‪ .‬فحمسسل ابنسسه محمسسد نعشسسه على كاهله‪ ،‬فبلغ ذلك أباه فأنكره وتوعده‪.‬‬

‫وكان قد رأى منه أموراً‪ ،‬ونقم عليه استكثاره من شراء المماليك‪ ،‬وإجزاله العطايا‪،‬‬

‫واسستجلله قلوب الناس‪ ،‬فزاد حنقسه عليسه‪ .‬وبلغسه أن المنجميسن زعموا أنسه ل يدخسل‬

‫مدينسة دهلي بعسد سسفره ذلك فتوعده‪ .‬ولمسا عاد مسن سسفره وقرب مسن الحاضرة أمسر‬

‫ولده أن يبنسي له قصسراً‪ ،‬وهسم يسسمونه الكشسك " بضسم الكاف وشيسن معجسم مسسكن "‬

‫على واد هنالك يسسمى أفغان بور‪ ،‬فبناه فسي ثلثسة أيام‪ .‬وجعسل أكثسر بنائه بالخشسب‪،‬‬

‫مرتفعاً على الرض‪ ،‬قائماً على سسواري خشسب‪ ،‬وأحكمسه بهندسسة تولى النظسر فيهسا‬

‫الملك زاده المعروف بعسد ذلك بخواجسه جهان‪ ،‬واسسمه أحمسد بسن إياس‪ ،‬كسبير وزراء‬

‫السلطان محمد‪ ،‬وكان إذ ذاك شحنة العمارة‪ .‬وكانت الحكمة التي اخترعوها فيه أنه‬

‫متسى وطئت الفيلة جهسة منسه وقسع ذلك القصسر وسسقط‪ .‬ونزل السسلطان بالقصسر وأطعسم‬

‫الناس وتفرقوا‪ .‬واسستأذنه ولده فسي أن يعرض الفيلة بيسن يديسه وهسي مزينسة فأذن له‪.‬‬

‫وحدثنسي الشيسخ ركسن الديسن أنسه كان يومئذ مسع السسلطان ومعهمسا ولد السسلطان المؤثسر‬
‫لديه محمود‪ ،‬فجاء محمد ابن السلطان فقال للشيخ‪ :‬يا خوند هذا وقت العصر‪ ،‬انزل‬

‫فصسسل‪ ،‬قال لي الشيسسخ‪ :‬فنزلت‪ .‬وأتسسي بالفيال مسسن جهسسة واحدة حسسسبما دبروه‪ ،‬فلمسسا‬

‫وطئتهسسا سسسقط الكشسسك على السسسلطان وولده محمود‪ ،‬قال الشيسسخ‪ :‬فسسسمعت الضجسسة‪،‬‬

‫فعدت ولم أصسل‪ ،‬فوجدت الكشسك قسد سسقط‪ .‬فأمسر ابنسه أن يؤتسى بالفؤوس والمسساحي‬

‫للحفسر عنه‪ ،‬وأشار بالبطاء‪ ،‬فلم يؤت بهما إل وقسد غربت الشمسس‪ .‬فحفروا ووجدوا‬

‫السسلطان قسد حنسى ظهره على ولده ليقيسه الموت‪ .‬فزعسم بعضهسم أنسه خرج ميتاً وزعسم‬

‫بعضهسم أنسه أخرج حياً فأجهسز عليسه‪ ،‬وحمسل ليلً إلى مقسبرته التسي بناهسا خارج البلدة‬

‫المسسماة باسسمه تغلق أباد فدفسن بهسا‪ .‬وقسد ذكرنسا السسبب فسي بنائه لهذه المدينسة‪ .‬وبهسا‬

‫كانست خزائن تغلق وقصسوره‪ ،‬وبسه القصسر العظسم الذي جعسل قراميده مذهبسة‪ ،‬فإذا‬

‫طلعست الشمسس كان لهسا نور عظيسم وبصسيص يمنسع البصسر مسن إدامسة النظسر إليهسا‪،‬‬

‫واختزن بهسا الموال الكثيرة‪ .‬ويذكسر أنسه صسهريجاً وأفرغ فيسه الذهسب إفراغاً‪ ،‬فكان‬

‫قطعسة واحدة‪ .‬فصسرف جميسع ذلك ولده محمسد شاه لمسا ولي‪ ،‬وبسسبب مسا ذكرناه مسن‬

‫هندسسة الوزيسر خواجسه جهان فسي بناء الكشسك الذي سسقط على تغلق‪ ،‬وكانست حظوتسه‬

‫عنسد ولده محمسد شاه وإيثاره‪ ،‬فلم يكسن أحسد يدانيسه فسي المنزلة لديسه‪ ،‬ول يبلغ مرتبتسه‬

‫عنده من الوزراء ول غيرهم‪.‬‬


‫ذكر السلطان أبي المجاهد محمد شاه ابن السلطان‬

‫غياث الدين تغلق شاه ملك الهند والسند الذي قدمنا عليه‬

‫ولمسسا مات السسسلطان تغلق اسسستولى ابنسسه محمسسد على الملك مسسن غيسسر منازع له ول‬

‫مخالف عليسه‪ .‬وقسد قدمنسا أنسه كان اسسمه جونسه‪ .‬فلمسا ملك تسسمى بمحمسد‪ ،‬واكتنسى بأبسي‬

‫المجاهسد‪ .‬وكسل مسا ذكرت مسن شأن سسلطين الهنسد‪ ،‬فهسو ممسا أخسبرت بسه وتلقيتسه أو‬

‫معظمسه مسن الشيسخ كمال الديسن بسن البرهان الغزنوي قاضسي القضاة‪ .‬وأمسا أخبار هذا‬

‫الملك فمعظمها مما شاهدته أيام كوني ببلده‪.‬‬

‫ذكر وصفه‬

‫هذا الملك أحب الناس في إسداد العطايا وإراقة الدماء‪ .‬فل يخلو بابه عن فقير يغنى‬

‫أو حي يقتل‪ .‬وقد شهرت في الناس حكاياته في الكرم والشجاعة‪ ،‬وحكاياته في الفتك‬

‫والبطسش بذوي الجنايات‪ .‬وهسو أشسد الناس مسع ذلك تواضعاً وأكثرهسم إظهارًا للعدل‬

‫والحسسق‪ .‬وشعائر الديسسن عنده محفوظسسة‪ .‬وله اشتداد فسسي أمسسر لصسسلة والعقوبسسة على‬

‫تركهسا‪ .‬وهسو مسن الملوك الذيسن اطردت سسعادتهم‪ ،‬وخرق المعتاد يمسن نقيبتهسم‪ .‬ولكسن‬

‫الغلب عليسه الكرم‪ .‬وسسنذكر مسن أخباره فيسه عجائب لم يسسمع بمثلهسا عمسن تقدمسه‪.‬‬

‫وأما أشهد بال وملئكته ورسله أن جميع ما أنقله عنه من الكرم الخارق للعادة حق‬

‫يقيسن وكفسى بال شهيداً‪ ،‬وأعلم أن بعسض مآثره مسن ذلك ل يسسوغ فسي عقسل كثيسر مسن‬

‫الناس ويعدونه من قبيل المستحيل عادة‪ ،‬ولكنه شيء عاينته وعرفت صحته وأخذت‬
‫بحسسظ وافسر منسسه‪ .‬ل يسسسعني إل قول الحسق فيسسه‪ .‬وأكثسر ذلك ثابسست بالتواتسر فسي بلد‬

‫المشرق‪.‬‬

‫ذكر أبوابه ومشوره وترتيب ذلك‬

‫ودار السلطان بدهلي تسمى دار سرى " بفتح السين المهمل والراء "‪ ،‬ولها أبواب‬

‫كثيرة‪ .‬أمسا الباب الول فعليسه جملة مسن الرجال موكلون بسه‪ ،‬ويقعسد بسه أهسل النفار‬

‫والبواق والصرنايات‪ .‬فإذا جاء أمير أو كبير ضربوها‪ ،‬ويقولون في ضربهم‪ :‬جاء‬

‫فلن‪ .‬وكذلك أيضًا فسسي البابيسسن الثانسسي والثالث‪ .‬وبخارج الباب الول دكاكيسسن يقعسسد‬

‫عليهسا الجلدون‪ ،‬وهسم الذيسن يقتلون الناس‪ .‬فإن العادة عندهسم أنسه متسى أمسر السسلطان‬

‫بقتل أحد قتسل على باب المشور‪ ،‬ويبقى هنا ثلثاً‪ .‬وبين البابين الول والثاني دهليز‬

‫كسبير‪ ،‬فيسه دكاكيسن مبنيسة من جهتيسه‪ ،‬يقعسد عليها أهسل النوبسة من حفاظ البواب‪ .‬وأمسا‬

‫الباب الثاني فيقعد عليه البوابون الموكلون به‪ .‬وبينه وبين الباب الثالث دكانة كبيرة‬

‫يقعسد عليهسا نقيسب النقباء‪ ،‬وبيسن يديسه عمود ذهسب يمسسكه بيده‪ ،‬وعلى رأسسه كله مسن‬

‫الذهب مجوهرة في أعلها ريش الطواويس‪ ،‬والنقباء بين يديه على رأس كل واحد‬

‫منهسم شاشيسة مذهبسة‪ ،‬وفسي وسسطه منطقسة‪ ،‬وبيده سسوطاً نصسابه مسن ذهسب أو فضسة‪،‬‬

‫ويفضسي هذا الباب الثانسي إلى مشور كسبير متسسع يقعسد بسه الناس‪ .‬وأمسا الباب الثالث‬

‫فعليسه دكاكيسن يقعسد فيهسا كتاب الباب‪ .‬ومسن عوائدهسم أن ل يدخسل على هذا الباب أحسد‬

‫إل من عينه السلطان لذلك‪ .‬ويعين لكل إنسان عدد من أصحابه‪ .‬وناسه يدخلون معه‪.‬‬

‫وكسسل مسسن يأتسسي إلى هذا الباب يكتسسب الكتاب أن فلناً جاء فسسي السسساعة الفلنيسسة مسسن‬
‫السساعات إلى آخسر النهار‪ ،‬ويطالع السسلطان بذلك بعسد العشاء الخرة‪ .‬ويكتبون أيضاً‬

‫بكسسل مسسا يحدث مسسن الباب مسسن المور‪ .‬وقسسد عيسسن مسسن أبناء الملوك مسسن يوصسسل مسسا‬

‫يكتبونه إلى السلطان‪ .‬ومن عوائدهم أيضاً أنه من غاب عن دار السلطان ثلثة أيام‬

‫فصساعداً لعذر أو لغيسر عذر‪ ،‬فل يدخسل هذا الباب بعدهسا إل بإذن مسن السسلطان‪ .‬فإن‬

‫كان له عذر مسسن مرض أو غيره‪ ،‬قدم بيسسن يديسسه هديسسة ممسسا يناسسسب إهداءهسسا إلى‬

‫السسسلطان‪ .‬وكذلك القادمون مسسن السسسفار‪ .‬فالفقيسسه يهدي المصسسحف والكتاب‪ ،‬وشبسسه‬

‫الفقيسر يهدي المصسلى والسسبحة والمسسواك ونحوهسا‪ ،‬والمراء ومسن أشبههسم يهدون‬

‫الخيسسسل والجمال والسسسسلح‪ .‬وهذا الباب الثالث يفضسسسي إلى المشور الهائل الفسسسسيح‬

‫المسسمى هزار أسسطون " بفتسح الهاء والزاي وألف وراء " ومعنسى ذلك ألف سسارية‪،‬‬

‫وهسسو سسسواري مسسن خشسسب مدهونسسة‪ ،‬عليهسسا سسسقف خشسسب منقوش أبدع نقسسش‪ ،‬يجلس‬

‫الناس تحتها‪ .‬وبهذا المشور يجلس السلطان الجلوس العام‪.‬‬

‫ذكر ترتيب جلوسه‬

‫أكثسر جلوسسه بعسد العصسر‪ ،‬وربمسا جلس أول النهار‪ .‬وجلوسسه على مصسطبة مفروشسة‬

‫بالبياض فوقهسا مرتبسسة‪ .‬ويجعسسل خلف ظهره مخدة كسبيرة‪ ،‬وعسن يمينسه متكسأ‪ ،‬وعسن‬

‫يساره مثل ذلك‪ .‬وقعوده كجلوس النسان للتشهد في الصلة‪ ،‬وهو جلوس أهل الهند‬

‫كلهم‪ .‬فإذا جلس وقف أمامه الوزير‪ ،‬ووقف الكتاب خلف الوزير‪ ،‬وخلفهم الحجاب‪،‬‬

‫وكسبير الحجاب هسو فيروز ملك ابسن عسم السسلطان ونائبسه‪ ،‬وهسو أدنسى الحجاب مسن‬
‫السلطان‪ ،‬ثم يتلوه خاص حاجب‪ ،‬ثم يتلوه نائب خاص حاجب‪ ،‬ووكيل الدار ونائبه‪،‬‬

‫وشرف الحجاب وسيد الحجاب‪ ،‬وجماعة تحت أيديهم‪ .‬ثم يتلو الحجاب النقباء‪ ،‬وهم‬

‫نحسو مائة‪ .‬وعنسد جلوس السسلطان ينادي الحجاب والنقباء بأعلى أصسواتهم‪ :‬بسسم ال‪.‬‬

‫ثم يقف على رأس السلطان الملك الكبير قبولة وبيده المذبة يشرد بها الذباب‪ ،‬ويقف‬

‫مائة من السلحدارية عن يمين السلطان ومثلهم عن يساره‪ ،‬بأيديهم الدرق والسيوف‬

‫والقسسي‪ .‬ويقسف فسي الميمنسة والميسسرة بطول المشور قاضسي القضاة ويليسه خطيسب‬

‫الخطباء ثسم كبار الفقهاء ثسم كبار الشرفاء والمشايسخ ثسم إخوة السسلطان وأصسهاره ثسم‬

‫المراء الكبار ثسم كبار العزة وهسم الغرباء ثسم القواد‪ .‬ثسم يؤتسى بسستين فرسساً مسسرجة‬

‫ملجمة بجهازات سلطانية‪ ،‬فمنها ما هو بشعار الخلفة‪ ،‬وهي التي لجمها ودوائرها‬

‫مسن الحريسر السسود المذهسب‪ ،‬ومنهسا مسا يكون مسن الحريسر البيسض المذهسب‪ .‬ول‬

‫يركب بذلك غير السلطان‪ ،‬فيوقف النصف من هذه الخيل عن اليمين والنصف عن‬

‫الشمال‪ ،‬بحيث يراها السلطان‪ .‬ثم يؤتى بخمسين فيلً مزينة بثياب الحرير والذهب‪،‬‬

‫مكسوة أنيابها بالحديد إعداداً لقتل أهل الجرائم‪ ،‬وعلى عنق كل فيل فياله وبيده شبه‬

‫الطسبرزين مسن الحديسد يؤدبسه بسه‪ ،‬ويقومسه لمسا يراد منسه‪ ،‬وعلى ظهسر كسل فيسل شبسه‬

‫الصسسندوق العظيسسم يسسسع عشريسسن مسسن المقاتلة‪ ،‬وأكثسسر مسسن ذلك ودونسسه على حسسسب‬

‫ضخامة الفيل وعظم جرمه‪ ،‬وفي أركان هذا الصندوق أربعة أعلم مركوزة‪ .‬وتلك‬

‫الفيلة معلمسسة أن تخدم السسسلطان وتحسسط رؤوسسسها‪ .‬فإذا خدمسست قال الحجاب‪ :‬بسسسم ال‬

‫بأصوات عالية‪ .‬ويوقف أيضاً نصفها عن اليمين ونصفها عن الشمال خلف الرجال‬
‫الواقفين‪ .‬وكل من يأتي من الناس المعينين للوقوف في الميمنة أو الميسرة يخدم عند‬

‫موقسف الحجاب ويقول‪ :‬بسسم ال‪ .‬ويكون ارتفاع أصسواتهم بقدر ارتفاع صسوت الذي‬

‫يخدم‪ .‬فإذا خدم انصسرف إلى موقفسه مسن الميمنسة أو الميسسرة ل يتعداه‪ ،‬ومسن كان مسن‬

‫كفار الهنود يخدم‪ ،‬ويقول له الحجاب والنقباء‪ :‬هداك ال‪ ،‬ويقسسف عبيسسد السسسلطان مسسن‬

‫وراء الناس كلهسم‪ ،‬بأيديهسم الترسسة والسسيوف‪ ،‬فل يمكسن الدخول بينهسم إل بيسن يدي‬

‫الحجاب القائمين بين يدي السلطان‪.‬‬

‫ذكر دخول الغرباء وأصحاب الهدايا إليه‬

‫وإن كان بالباب أحد ممن قدم على السلطان بهدية دخل الحجاب إلى السلطان على‬

‫ترتيبهسم‪ ،‬يقدمهسم أميسر حاجسب ونائبسه خلفسه‪ ،‬ثسم خاص حاجسب ونائبسه خلفسه‪ ،‬ثسم وكيسل‬

‫الدار ونائبسسسه‪ ،‬ثسسسم سسسسيد الحجاب وشرف الحجاب‪ ،‬ويخدمون فسسسي ثلثسسسة مواضسسسع‪.‬‬

‫ويعلمون السسلطان بمسن فسي الباب‪ .‬فإذا أمرهسم أن يأتوا بسه جعلوا الهديسة التسي سساقها‬

‫بأيدي الرجال يقومون بهسسا أمام الناس بحيسسث يراهسسا السسسلطان ويسسستدعى صسساحبها‪،‬‬

‫فيخدم قبسل الوصسول إليسه ثلث مرات‪ ،‬ثسم يخدم عنسد موقسف الحجاب‪ .‬فإن كان رجلً‬

‫كبيراً وقف في صف أمير حاجب‪ ،‬وإل وقف خلفه‪ .‬ويخاطبه السلطان بنفسه ألطف‬

‫خطاب ويرحسب بسه‪ .‬وإن كان ممسن يسستحق التعظيسم فإنسه يصسافحه أو يعانقسه‪ ،‬ويطلب‬

‫بعسض هديتسه فتحضسر بيسن يديسه‪ .‬فإن كانست مسن السسلح أو الثياب قلبهسا بيده‪ ،‬وأظهسر‬

‫اسسستحسانها جسسبراً لخاطسسر مهديهسسا وإيناسساً له ورفقاً بسسه‪ ،‬وخلع عليسسه‪ ،‬وأمسسر له بماءٍ‬

‫لغسل رأسه‪ ،‬على عادتهم في ذلك بمقدار ما يستحقه المهدي‪.‬‬


‫ذكر دخول هدايا عماله إليه‬

‫وإذا أتسى العمال بالهدايسا والموال المجتمعسة مسن مجابسي البلد صسنعوا الوانسي مسن‬

‫الذهب والفضة مثل الطسوت والباريق وسواها‪ ،‬وصنعوا من الذهب والفضة قطعاً‬

‫شبسه الجسر يسسمونها الخشست " بكسسر الخاء المعجمسة وسسكون الشيسن المعجسم وتاء‬

‫معلوة "‪ ،‬ويقسف العراشون‪ ،‬وهسن عبيسد السسلطان صسفاً‪ ،‬والهديسة بأيديهسم‪ .‬كسل واحسد‬

‫منهسم ممسسك قطعسة‪ ،‬ثسم يقدم الفيلة إن كان فسي الهديسة شيسء منهسا‪ ،‬ثسم الخيسل المسسرجة‬

‫الملجمة‪ ،‬ثم الجمال عليها الموال‪ .‬ولقد رأيت الوزير خواجه جهان قدم هديته ذات‬

‫يوم حين قدم السلطان من دولة أباد‪ ،‬ولقيه بها في ظاهر مدينة بيانة‪ ،‬فأدخلت الهدية‬

‫إليسه على هذا الترتيسب‪ .‬ورأيست فسي جملتهسا صسينية مليئة بأحجار الياقوت وصسينية‬

‫مليئة بأحجار الزمرد وثالثة باللؤلؤ الفاخر‪ .‬وكان حاجي كاون ابن عم السلطان أبي‬

‫سسعيد ملك العراق حاضراً عنده حيسن ذلك‪ ،‬فأعطاه حظاً منهسا‪ .‬وسسنذكره فيمسا بعسد إن‬

‫شاء ال تعالى‪.‬‬

‫ذكر خروجه للعيدين وما يتصل بذلك‬

‫واذا كانست ليلة العيسد بعسث السسلطان إلى الملوك والخواص وأرباب الدولة والعزة‬

‫والكتاب والحجاب والنقباء والقواد والعبيسد وأهسل الخبار الخلع التسي تعمهسم جميعاً‪.‬‬

‫فإذا كانست صسبيحة العيسد زينست الفيلة بالحريسر والذهسب والجواهسر‪ ،‬ويكون منهسا سستة‬

‫عشسر فيلً ل يركبهسا أحسد‪ ،‬إنمسا هسي مختصسة بركوب السسلطان‪ .‬ويرفسع عليهسا سست‬

‫عشسر شطراً " جترا " مسن الحريسر مرصسعة بالجوهسر‪ ،‬قائمسة كسل شطسر منهسا ذهسب‬
‫خالص‪ .‬وعلى كل فيل مرتبة حرير مرصعة بالجوهر‪ .‬ويركب السلطان فيلً منها‪،‬‬

‫وترفسع أمامسة الغاشيسة وهسي سستارة سسرجة‪ ،‬وتكون مرصسعة بأنفسس الجوهر‪ .‬ويمشسي‬

‫بيسن يديسه عسبيده ومماليكسه‪ .‬وكسل واحسد منهسم تكون على رأسسه شاشيسة ذهسب‪ ،‬وعلى‬

‫وسسطه منطقسة ذهسب‪ ،‬وبعضهسم يرصسعها بالجوهسر‪ .‬ويمشسي بيسن يديسه أيضاً النقباء‪،‬‬

‫وهسم نحسو ثلثمائة‪ .‬وعلى رأس كسل واحسد منهسم أقروف ذهسب‪ ،‬وعلى وسسطه منطقسة‬

‫ذهسب‪ ،‬وفسي يده مقرعسة نصسابها ذهسب‪ ،‬ويركسب قاضسي القضاة صسدر الجهان كمال‬

‫الديسسن الغزنوي وقاضسسي القضاة صسسدر الجهان ناصسسر الديسسن الخوارزمسسي وسسسائر‬

‫القضاة وكبار العزة مسسسسن الخراسسسسسانيين والعراقييسسسسن والشامييسسسسن والمصسسسسريين‬

‫والمغاربة‪ ،‬كل واحد منهم على مطية‪ ،‬وجميع الغرباء عندهم يسمون الخراسانيين‪،‬‬

‫ويركسب المؤذنون على الفيلة وهسم يكسبرون‪ .‬ويخرج السسلطان مسن باب القصسر على‬

‫هذا الترتيسب‪ ،‬والعسساكر تنتظره‪ ،‬كسل أميسر بفوجسه على حدة معسه طبوله وأعلمسه‪،‬‬

‫فيقدم السسسلطان وأمامسسه مسسن ذكرناه المشاة‪ ،‬وأمامهسسم القضاة والمؤذنون يذكرون ال‬

‫تعالى‪ ،‬وخلف السسسسسسسلطان مراتبسسسسسسه وهسسسسسسي العلم والطبول والبواق والنفار‬

‫والصسسرنايات‪ ،‬وخلفهسسم جميسسع أهسسل دخلتسسه‪ ،‬ثسسم يتلوهسسم أخسسو السسسلطان مبارك خان‬

‫بمراتبسه وعسساكره‪ ،‬ثسم يليسه ابسن أخ السسلطان بهرام خان بمراتبسه وعسساكره‪ ،‬ثسم يليسه‬

‫ابسن عمسه ملك فيروز بمراتبسه وعسساكره‪ ،‬ثسم يليسه الوزيسر بمراتبسه وعسساكره‪ ،‬ثسم يليسه‬

‫الملك مجيسر بسن ذي الرجسا بمراتبسه وعسساكره‪ ،‬ثسم يليسه الملك الكسبير قبولة بمراتبسه‬

‫وعسساكره‪ ،‬وهذا الملك كسبير القدر عنده عظيسم الجاه كثيسر المال‪ ،‬أخسبرني صساحب‬
‫ديوانه ثقة الملك علء الدين على المصري المعروف بابن الشرايشي أن نفقته ونفقة‬

‫عسبيدة ومراتبهسم سستة وثلثون لكًا فسي السسنة‪ ،‬ثسم يليسه الملك نكبيسة بمراتبسه وعسساكره‪،‬‬

‫ثسسم يليسسه الملك بغرة بمراتبسسه وعسسساكره‪ ،‬ثسسم يليسسه الملك مخلص بمراتبسسه وعسسساكره‪،‬‬

‫وهؤلء هسم المراء الكبار الذيسن ل يفارقون السسلطان‪ ،‬وهسم الذيسن يركبون معسه يوم‬

‫العيد بالمراتب‪ ،‬ويركب غيرهم من المراء دون مراتب‪ .‬وجميع من يركب في ذلك‬

‫اليوم يكون مدرعاً هو وفرسه‪ .‬وأكثر مماليك السلطان؛ فإذا وصل السلطان إلى باب‬

‫المصسسلى وقسسف على بابسسه‪ ،‬وأمسسر بدخول القضاة وكبار المراء وكبار العزة‪ ،‬ثسسم‬

‫ينزل السلطان‪ ،‬ويصلي المام ويخطب‪ .‬فإن كان عيد الضحى أتى السلطان بجمل‬

‫فنحره برمسح يسسمونه النيزة " بكسسر النون وفتسح الزاي " بعسد أن يجعسل على ثيابسه‬

‫فوطة توقياً من الدم‪ ،‬ثم يركب الفيل ويعود إلى قصره‪.‬‬

‫ذكر جلوسه يوم العيد‬

‫وذكر السرير العظم والمبخرة العظمى‬

‫ويفرش القصر يوم العيد‪ ،‬ويزين بأبدع الزينة‪ .‬وتضرب الباركة على المشور كله‬

‫وهي شبه خيمة عظيمة‪ ،‬تقوم على أعمدة ضخام كثيرة‪ ،‬تحفها القباب من كل ناحية‪،‬‬

‫ويصسنع بسه أشجار مسن حريسر ملون فيهسا شبسه الزهار‪ ،‬ويجعسل منهسا ثلثسة صسفوف‬

‫بالمشور‪ .‬ويجعسسل بيسسن كسسل شجرتيسسن كرسسسي ذهسسب عليسسه مرتبسسة مغطاة‪ ،‬وينصسسب‬

‫السسسرير العظسسم فسسي صسسدر المشور وهسسو مسسن الذهسسب الخالص كله مرصسسع القوائم‬

‫بالجواهسسر‪ ،‬طوله ثلثسسة وعشرون شسسبراً وعرضسسه نحسسو النصسسف مسسن ذلك‪ ،‬وهسسو‬
‫منفصسل‪ ،‬وتجمسع قطعسة فتتصسل‪ ،‬وكسل قطعسة منهسا يحملهسا جملة رجال لثقسل الذهسب‪،‬‬

‫وتجعل فوق المرتبة‪ ،‬ويرفع الشطر المرصع بالجواهر على رأس السلطان‪ .‬وعندما‬

‫يصعد على السرير ينادي الحجاب والنقباء بأصوات عالية‪ :‬بسم ال‪ .‬ثم يتقدم الناس‬

‫للسسسسلم‪ .‬فأولهسسسم القضاة والخطباء والعلماء والشرفاء والمشايسسسخ وإخوة السسسسلطان‬

‫وأقاربسه وأصسهاره‪ ،‬ثسم العزة ثسم الوزيسر ثسم أمراء العسساكر ثسم شيوخ المماليسك ثسم‬

‫كبار الجناد‪ .‬يسلم واحد إثر واحد من غير تزاحم ول تدافع‪ .‬ومن عوائدهم في يوم‬

‫العيسد أن كسل مسن بيده قريسة منعسم بهسا عليسه يأتسي بدنانيسر ذهسب مصسرورة فسي خرقسة‬

‫مكتوب عليهسا اسسمه فيلقيهسا فسي طسست ذهسب هنالك فيجتمسع منهسا مال عظيسم يعطيسه‬

‫السسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلطان لمسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن شاء‪.‬‬

‫فإذا فرغ الناس من السلم‪ ،‬وضع لهم الطعام على حسب مراتبهم‪ ،‬وينصب في ذلك‬

‫اليوم المبخرة العظمسسى‪ ،‬وهسسي شبسسه برج مسسن خالص الذهسسب منفصسسلة‪ ،‬فإذا أرادوا‬

‫اتصالها وصلوها‪ .‬وتحمل القطعة الواحدة منها جملة من الرجال‪ ،‬وفي داخلها ثلثة‬

‫بيوت يدخسسسسل فيهسسسسا المبخرون بوقود العود القماري والقاقلي والعنسسسسبر الشهسسسسب‬

‫والجاوي‪ ،‬حتسسسى يعسسسم دخانهسسسا المشور كله‪ .‬ويكون بأيدي الفتيان براميسسسل الذهسسسب‬

‫والفضسسة مملوءة بماء الورد وماء الزهسسر‪ ،‬يصسسبونه على الناس صسسباً‪ .‬وهذا السسسرير‬

‫وهذه المبخرة ل يخرجان إل في العيدين خاصة‪ .‬ويجلس السلطان في بقية أيام العيد‬

‫على سسرير ذهسب دون ذلك‪ .‬وتنصسب باركسة بعيدة لهسا ثلثسة أبواب‪ ،‬يجلس السسلطان‬

‫فسسي داخلهسسا‪ .‬ويقسسف على الباب الول منهسسا عماد الملك سسسرتيز‪ ،‬وعلى الباب الثانسسي‬
‫الملك نكبيسسة‪ ،‬وعلى الباب الثالث يوسسسف بغرة‪ ،‬ويقسسف على اليميسسن أمراء المماليسسك‬

‫السسلحدارية‪ ،‬وعسن اليسسار كذلك‪ .‬ويقسف الناس على مراتبهسم‪ ،‬وشحنسة الباركسة ملك‬

‫طغسى بيده عصسى ذهسب‪ ،‬وبيسد نائبسه عصسا فضسة يرتبان الناس ويسسويان الصسفوف‪،‬‬

‫ويقسف الوزيسر والكتاب خلفسه ويقسف الحجاب والنقباء‪ ،‬ثسم يأتسي أهسل الطرب‪ ،‬فأولهسم‬

‫بنات الملوك الكفار مسسن هنود المسسسبيات فسسي تلك السسسنة فيغنيسسن ويرقصسسن ويهبهسسن‬

‫السسسلطان للمراء والعزة‪ ،‬ثسسم يأتسسي بعدهسسن سسسائر بنات الكفار‪ ،‬فيغنيسسن ويرقصسسن‬

‫ويهبهسن لخوتسه وأقاربسه وأصسهاره وأبناء الملوك‪ ،‬ويكون جلوس السسلطان لذلك بعسد‬

‫العصسر‪ .‬ثسم يجلس فسي اليوم الذي بعده بعسد العصسر أيضاً على ذلك الترتيسب ويؤتسى‬

‫بالمغنيات فيغنين ويرقصن ويهبهن لمراء المماليك‪ .‬وفي اليوم الثالث يزوج أقاربه‬

‫وينعم عليهم‪ .‬وفي اليوم الرابع يعتق العبيد‪ .‬وفي اليوم الخامس يعتق الجواري‪ ،‬وفي‬

‫اليوم السادس يزوج العبيد بالجواري‪ ،‬واليوم السابع يعطي الصدقات ويكثر منها‪.‬‬

‫ذكر ترتيبه إذا قدم من سفره‬

‫وإذا قدم السسلطان مسن أسسفاره‪ ،‬زينت الفيلة‪ ،‬ورفعست على سستة عشسر فيلً منها سستة‬

‫عشسر شطراً‪ ،‬منهسا مزركسش ومنهسا مرصسع‪ ،‬وحملت أمامسه الغاشيسة‪ ،‬وهسي السستارة‬

‫المرصسسعة بالجوهسسر النفيسسس‪ ،‬وتصسسنع قباب الخشسسب مقسسسومة على طبقات وتكسسسى‬

‫بثياب الحرير‪ .‬ويكون في كل طبقة الجواري المغنيات‪ ،‬عليهن أجمل لباس وأحسن‬

‫حليسسة‪ ،‬ومنهسسن رواقسسص‪ .‬ويحصسسل فسسي وسسسط كسسل قبسسة حوض كسسبير‪ ،‬مصسسنوع مسسن‬

‫الجلود‪ ،‬مملوء بماء الجلب محلولً بالماء‪ ،‬يشرب منسسسسه جميسسسسع الناس مسسسسن وارد‬
‫وصسادر وبلدي أو غريسب‪ ،‬وكسل مسن يشرب منسه يعطسى التنبول والفوفسل‪ ،‬ويكون مسا‬

‫بيسسن القباب مفروشاً بثياب الحريسسر‪ ،‬يطسسأ عليهسسا مركسسب السسسلطان‪ .‬وتزيسسن حيطان‬

‫الشارع الذي يمسر بسه مسن باب المدينسة إلى باب القصسر بثياب الحريسر‪ .‬ويمشسي أمامسه‬

‫المشاة مسسن عسسبيده وهسسم آلف‪ .‬وتكون الفواج والعسسساكر خلفسسه‪ .‬ورأيتسسه فسسي بعسسض‬

‫قدماته على الحضرة‪ ،‬وقد نصبت ثلث أو أربع من الرعادات الصغار على الفيلة‪،‬‬

‫ترمسي بالدنانيسر والدراهسم على الناس‪ ،‬فيلتقطونهسا مسن حيسن دخوله إلى المدينسة حتسى‬

‫وصل إلى قصره‪.‬‬

‫ذكر ترتيب الطعام الخاص‬

‫والطعام بدار السسلطان على صسنفين‪ :‬طعام الخاص وطعام العام‪ .‬فأمسا الخاص فهسو‬

‫طعام السلطان الذي يأكل منه‪ .‬وعادته أن يأكل في مجلسه مع الحاضرين‪ ،‬ويحضر‬

‫لذلك المراء والخواص وأمير حاجب ابن عم السلطان وعماد الملك سرتيز‪ ،‬وأمير‬

‫مجلس‪ .‬ومن شاء السلطان تشريفه أو تكريمه من العزة أو كبار المراء دعاه فأكل‬

‫معهسم‪ .‬وربمسا أراد أيضاً تشريسف أحسد مسن الحاضريسن‪ ،‬فأخسذ إحدى الصسحاف بيده‪،‬‬

‫وجعسل عليهسا خبزة ويعطيسه اياهسا‪ ،‬فيأخذهسا المعطسى‪ ،‬ويجعلهسا على كفسه اليسسرى‪،‬‬

‫ويخدم بيده اليمنسى إلى الرض‪ .‬وربمسا بعسث مسن ذلك الطعام إلى مسن هسو غائب عسن‬

‫المجلس‪ ،‬فبخدم كما يصنع الحاضرون‪ ،‬ويأكله مع من حضره‪ .‬وقد حضرت مرات‬

‫الطعام الخاص‪ ،‬فرأيت جملة الذين يحضرون له نحو عشرين رجلً‪.‬‬


‫ذكر ترتيب الطعام العام‬

‫وأمسا الطعام العام فيؤتسى بسه من المطبسخ‪ ،‬وأمامسه النقباء يصسيحون‪ :‬بسسم ال‪ .‬ونقيسب‬

‫النقباء أمامهسم‪ ،‬بيده عمود ذهسب‪ ،‬ونائبسه معسه بيده عمود فضسة‪ ،‬فإذا دخلوا مسن الباب‬

‫الرابسع‪ ،‬وسسمع مسن بالمشور أصسواتهم‪ ،‬قاموا قياماً أجمعيسن‪ ،‬ول يبقسى أحسد قاعداً إل‬

‫السسلطان وحده‪ .‬فإذا وضسع الطعام بالرض‪ ،‬اصسطفت النقباء صسفاً‪ ،‬ووقسف أميرهسم‬

‫وتكلم بكلم يمدح فيسه السسلطان ويثنسي عليسه‪ ،‬ثسم يخدم ويخدم النقباء لخدمتسه‪ ،‬ويخدم‬

‫جميع من بالمشور من كبير و صغير‪ .‬وعادتهم أنه من سمع كلم نقيب النقباء حين‬

‫ذلك وقسسف إن كان ماشياً‪ ،‬ولزم موقفسسه إن كان واقفاً‪ ،‬ول يتحرك أحسسد‪ ،‬ول يتزحزح‬

‫عن مقامه‪ ،‬حتى يفرغ ذلك الكلم‪ .‬ثم يتكلم أيضاً نائبه كلماً نحو ذلك‪ ،‬ويخدم النقباء‬

‫وجميسسع الناس مرة ثانيسسة‪ .‬وحينئذ يجلسسسون‪ ،‬ويكتسسب كتاب الباب معرفيسسن بحضور‬

‫الطعام‪ .‬وإن كان السسسلطان قسسد علم بحضوره‪ ،‬ويعطسسي المكتوب لصسسبي مسسن أبناء‬

‫الملوك موكسل بذلك‪ ،‬فيأتسي بسه إلى السسلطان فإذا قرأه عيسن مسن شاء مسن كبار المراء‬

‫لترتيسسسب الناس وإطعامهسسسم‪ .‬وطعامهسسسم الرقاق والشواء والقراص ذات الجوانسسسب‬

‫المملوءة بالحلواء‪ ،‬والرز والدجاج والسسسسمك‪ ،‬وقسسسد ذكرنسسسا ذلك وفسسسسرنا ترتيبهسسسم‬

‫وعادتهسسم‪ ،‬أن يكون فسسي صسسدر سسسماط الطعام القضاة والفقهاء والخطباء والشرفاء‬

‫والمشايسخ‪ ،‬ثسم أقارب السسلطان‪ ،‬ثسم المراء الكبار‪ ،‬ثسم سسائر الناس‪ .‬ول يقعسد أحسد إل‬

‫فسي موضسع معيسن له‪ ،‬فل يكون بينهسم تزاحسم ألبتسة‪ .‬فإذا جلسسوا أتسي الشربداريسة وهسم‬

‫السسسقاة بأيديهسسم أوانسسي الذهسسب والفضسسة والنحاس والزجاج مملوءة بالنبات المحلول‬
‫بالماء‪ ،‬فيشربون ذلك قبسسل الطعام‪ .‬فإذا شربوا‪ ،‬قال الحجاب‪ :‬بسسسم ال‪ ،‬ثسسم يشرعون‬

‫في الكل ويجعل أمام كل إنسان من جميع ما يحتوي عليه السماط‪ ،‬يأكل منه وحده‪،‬‬

‫ول يأكسل أحسد مسع أحسد مسن طبسق واحسد‪ .‬فإذا فرغوا مسن الكسل أتوا بالفقاع فسي أكواز‬

‫القصسسسدير‪ .‬فإذا أخذوه قال الحجاب‪ :‬بسسسسم ال‪ ،‬ثسسسم يؤتسسسى بأطباق التنبول والفوفسسسل‪،‬‬

‫فيعطسسى كسسل واحسسد غرفسسة مسسن الفوفسسل المهشوم‪ ،‬وخمسسس عشرة ورقسسة مسسن التنبول‬

‫مجموعة مربوطة بخيط حرير أحمر‪ .‬فإذا أخذ الناس التنبول قال الحجاب‪ :‬بسم ال‪،‬‬

‫فيقفون جميعاً‪ ،‬ويخدم الميسسر المعيسسن للطعام‪ ،‬ويخدمون لخدمتسسه‪ ،‬ثسسم ينصسسرفون‪.‬‬

‫وطعامهم مرتان في اليوم الواحد إحداهما قبل الظهر والخرى بعد العصر‪.‬‬

‫ذكر بعض أخباره في الجود والكرم‬

‫وإنما أذكر منها ما حضرته وشاهدته وعاينته‪ ،‬ويعلم ال تعالى صدق ما أقول‪ ،‬وكفى به‬
‫شهيداً‪ .‬مع أن الذي أحكيه مستفيض متواتر‪ .‬والبلد التي تقرب من أهل الهند كاليمن‬
‫وخراسان وفارس مملوءة بأخباره‪ ،‬يعلمونها حقيقة‪ ،‬ول سيما جوده على الغرباء‪ ،‬فإنه‬
‫يفضلهم على أهل الهند ويؤثرهم‪ ،‬ويجزل لهم الحسان‪ ،‬ويسبغ عليهم النعام‪ ،‬ويوليهم‬
‫الخطط الرفيعة‪ ،‬ويوليهم المواهب العظيمة‪ .‬ومن إحسانه إليهم أنه سماهم العزة‪ ،‬ومنع من‬
‫أن يدعوا الغرباء‪ ،‬وقال‪ :‬إن الرجل إذا دعي غريباً انكسر خاطره وتغير حاله‪ .‬وسأذكر‬
‫بعضاً مما ل يحصى من عطاياه الجزيلة ومواهبه ان شاء ال تعالى‪.‬‬
‫ذكر عطائه لشهاب الدين الكازروني وحكايته‬
‫كان شهاب الديسسسن هذا صسسسديقاً لملك التجار الكازرونسسسي الملقسسسب بسسسبرويز‪ .‬وكان‬

‫السسسلطان قسسد أقطسسع ملك التجار مدينسسة كنبايسسة‪ ،‬ووعده أن يوليسسه الوزارة‪ .‬فبعسسث الى‬

‫صديقه شهاب الدين ليقدم عليه‪ ،‬فأتاه‪ ،‬وأعد هدية للسلطان‪ ،‬وهي سراجة من الملف‬

‫المقطوع المزيسن بورقسة الذهسب‪ ،‬وصسيوان ممسا يناسسبها‪ ،‬وخباء وتابسع وخباء راحسة‪،‬‬

‫كسسل ذلك مسسن الملف المزيسسن وبغال كثيرة‪ .‬فلمسسا قدم شهاب الديسسن بهذه الهديسسة على‬
‫صسسساحبه ملك التجارة‪ ،‬وجده آخذاً فسسسي القدوم على الحضرة بمسسسا اجتمسسسع عنده مسسسن‬

‫مجابسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسي بلده وبهديسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة للسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلطان‪.‬‬

‫وعلم الوزيسر خواجسه جهان بمسا وعده بسه السسلطان مسن وليسة الوزراة‪ ،‬فغار مسن ذلك‬

‫وقلق بسسببه‪ .‬وكانست بلد كنبايسة والجزرات قبسل تلك المدة فسي وليسة الوزيسر‪ ،‬لهلهسا‬

‫تعلق بجانبسسسه وانقطاع إليسسسه وتخدم له‪ .‬وأكثرهسسسم كفار‪ ،‬وبعضهسسسم عصسسساة يمتنعون‬

‫بالجبال‪ .‬فدس الوزيسسسسر إليهسسسسم أن يضربوا على ملك التجار إذا خرج إلى الحضرة‪.‬‬

‫فلمسا خرج بالخزائن والموال ومعسه شهاب الديسن بهديتسه‪ ،‬نزلوا يوماً عنسد الضحسى‬

‫على عادتهم‪ ،‬وتفرقت العساكر‪ ،‬ونام أكثرهم‪ .‬فضرب عليهم الكفار في جمع عظيم‪،‬‬

‫فقتلوا ملك التجار‪ ،‬وسسلبوا الموال والخزائن وهديسة شهاب الديسن‪ ،‬ونجسا هسو بنفسسه‪.‬‬

‫وكتسب المخسبرون إلى السسلطان بذلك‪ ،‬فأمسر ان يعطسى شهاب الديسن مسن مجسبى بلد‬

‫نهروالة ثلثيسسن ألف دينار‪ ،‬ويعود إلى بلده‪ .‬فعرض عليسسه ذلك‪ ،‬فأبسسى مسسن قبوله‪،‬‬

‫وقال‪ :‬مسا قصسدي إل رؤيسة السسلطان وتقبيسل الرض بيسن يديسه‪ .‬فكتبوا إلى السسلطان‬

‫بذلك‪ ،‬فأعجبسه قوله‪ ،‬وأمسر بوصسوله إلى الحضرة مكرماً‪ .‬وصسادف يوم دخوله على‬

‫السسلطان يوم دخولنسا نحسن عليسه‪ ،‬فخلع علينسا جميعاً وأمسر بإنزالنسا‪ .‬وأعطسي شهاب‬

‫الدين عطاء جزلً‪ .‬فلما كان بعد ذلك أمر لي السلطان بستة آلف تنكة‪ ،‬كما سنذكره‪،‬‬

‫وسسأل فسي ذلك اليوم عسن شهاب الديسن أيسن هسو ? فقال له بهاء الديسن ابسن الفلكسي‪ :‬يسا‬

‫خوند عالم نميدا ثم‪ ،‬معناه ما ندري‪ ،‬ثم قال شنيدم زحمت دارد "دار " معناه سمعت‬

‫أن بسسه مرضاً‪ .‬فقال له السسسلطان‪ :‬بروهميسسن زمان در خزانسسة يسسك لك تنكسسة زربكزي‬
‫أوبيش أوبيري تادل أوخش " خوض " شود‪ ،‬معناه إمش الساعة إلى الخزانة‪ ،‬وخذ‬

‫منهسا مائة الف تنكسة مسن الذهسب‪ ،‬واحملهسا إليسه‪ ،‬حتسى يبقسى خاطره طيباً‪ .‬ففعسل ذلك‪،‬‬

‫فأعطاه إياهسا‪ .‬وأمسر السسلطان أن يشتري بهسا مسا أحسب مسن السسلع الهنديسة‪ ،‬ول يشتري‬

‫أحد من الناس شيئاً حتى يتجهز هو‪ ،‬وأمر له بثلثة مواكب مجهزة من آلتها‪ ،‬ومن‬

‫مرتسب البحريسة وزادهسم‪ ،‬ليسسافر فيهسا‪ .‬فسسافر ونزل بجزيرة هرمسز‪ ،‬وبنسي بهسا داراً‬

‫عظيمسة‪ ،‬رأيتهسا بعسد ذلك‪ ،‬ورأيست أيضاً شهاب الديسن وقسد فنسي جميسع مسا كان عنده‪،‬‬

‫وهو بشيراز يستجدي سلطانها أبا إسحاق‪ ،‬وهكذا مال هذه البلد الهندية؛ قلما يخرج‬

‫أحسد منهسا إل النادر‪ ،‬وإذا خرج بسه وصسل إلى غيرهسا مسن البلد‪ ،‬بعسث ال عليسه آفسة‬

‫تفني ما بيده‪ ،‬كمثل ما اتفق لشهاب الدين هذا‪ ،‬فإنه أخذ له في الفتنة التي كانت بين‬

‫ملك هرمسسسسسز وابنسسسسسي أخيسسسسسه جميسسسسسع مسسسسسا عنده‪ ،‬وخرج سسسسسسليباً مسسسسسن ماله‪.‬‬

‫ذكر عطائه لشيخ الشيوخ ركن الدين وكان السلطان قد بعث هدية إلى الخليفة بديار‬

‫مصسسر أبسسي العباس‪ ،‬وطلب منسسه أن يبعسسث له أمسسر التقدمسسة على بلد الهنسسد والسسسند‪،‬‬

‫اعتقاداً منه في الخلفة فبعث إليه الخليفة أبو العباس ما طلبه مع شيخ الشيوخ بديار‬

‫مصسر ركسن الديسن‪ .‬فلمسا قدم عليسه‪ ،‬بالغ فسي إكرامسه‪ ،‬وأعطاه عطاء جزلً‪ .‬وكان يقوم‬

‫له متسى دخسل عليسه ويعظمسه‪ ،‬ثسم صسرفه وأعطاه أموالً طائلة‪ .‬وفسي جملة مسا أعطاه‬

‫جملة من صفائح الخيل ومساميرها كل ذلك من الذهب الخالص‪ ،‬وقال له‪ :‬إذا نزلت‬

‫مسن البحسر فأنعسل أفراسسك بهسا‪ .‬فتوجسه إلى كنبايسة ليركسب البحسر منهسا إلى بلد اليمسن‪،‬‬

‫فوقعست قضيسة خروج القاضسي جلل الديسن‪ ،‬وأخذه مال ابسن الكولمسي‪ ،‬فأخسذ أيضاً مسا‬
‫كان لشيسسخ الشيوخ‪ ،‬وفسسر بنفسسسه مسسع ابسسن الكولمسسي إلى السسسلطان‪ .‬فلمسسا رآه قال له‬

‫ممازحاً‪ :‬أمدى كزر " كسسسه زر " بري بادكري " دلر باي " صسسسنم خرى زر نيري‬

‫وسسر نهسى‪ ،‬معناه جئت لتحمسل الذهسب‪ ،‬وتأكله مسع الصسور الحسسان‪ .‬فل تحمسل ذهباً‪،‬‬

‫ورأسك تخليه ها هنا‪ .‬قال له ذلك على معنى النبساط‪ ،‬ثم قال له‪ :‬اجمع خاطرك فها‬

‫أنسا سائر إلى المخالفيسن‪ ،‬وأعطيسك أضعاف مسا أخذوه لك‪ .‬وبلغنسي بعسد النفصسال عسن‬

‫بلد الهند أنه وفى بما وعده‪ ،‬وأخلف له ما ضاع منه‪ ،‬وأنه وصل إلى ديار مصر‪.‬‬

‫ذكسر عطائه للواعسظ الترمذي ناصسر الديسن وكان هذا الفقيسه قدم على السسلطان‪ ،‬وأقام‬

‫تحست إحسسانه مدة عام‪ .‬ثسم أراد الرجوع إلى وطنسه‪ ،‬فأذن له فسي ذلك‪ ،‬ولم يكسن سسمع‬

‫كلمه ووعظه‪ .‬ولما خرج السلطان يقصد بلد المعبر‪ ،‬أحب سماعه قبل انصرافه‪.‬‬

‫فأمر أن يهيأ له منبر من الصندل البيض المقاصري‪ ،‬وجعلت مساميره وصفائحه‬

‫مسسن الذهسسب‪ ،‬وألصسسق بأعله حجسسر ياقوت عظيسسم‪ ،‬وخلع على ناصسسر الديسسن عباءة‬

‫عباسسية سسوداء مذهبسه مرصسعة بالجوهسر وعمامسة أيضاً‪ ،‬ونصسب له المنسبر بداخسل‬

‫السسراجة وهسي أفراج‪ .‬وقعسد السسلطان على سسريره‪ ،‬والخواص عسن يمينسه ويسساره‪،‬‬

‫وأخسذ القضاة والفقهاء والمراء مجالسسهم‪ .‬فخطسب خطبسة عظيمسة ووعسظ وذكسر‪ ،‬ولم‬

‫يكسن فيمسا فعله طائل‪ ،‬لكسن سسعادته سساعدته‪ .‬ولمسا نزل عسن المنسبر قام السسلطان إليسه‬

‫وعانقسه وأركبسه على فيسل‪ ،‬وأمسر جميسع مسن حضسر أن يمشوا بيسن يديسه‪ ،‬وكنست فسي‬

‫جمعهسم إلى سسراجة‪ .‬ضربست له مقابلة سسراجة السسلطان وكلهسا مسن الحريسر الملون‪،‬‬

‫وصيوانها من الحرير‪ ،‬وخباؤها كذلك‪ .‬فقعد وقعدنا معه‪ .‬وكان بجانب من السراجة‬
‫أواني الذهب التي أعطاها له‪ .‬وذلك تنور كبير بحيث يسع في جوفه الرجل القاعد‪،‬‬

‫وقدران اثنتان وصسسحاف ل أذكسسر عددهسسا وعدة أكواز وركوة وتميسسسندة ومائدة لهسسا‬

‫أربسع أرجسل ومحمسل للكتسب‪ ،‬كسل ذلك مسن ذهسب‪ .‬ورفسع عماد الديسن السسمناوي وتديسن‬

‫مسسن أوتاد السسسراجة‪ ،‬أحدهمسسا نحاس والثانسسي مقصسسدر‪ .‬يوهسسم ذلك أنهمسسا مسسن ذهسسب‬

‫وفضة‪ ،‬ولم يكونا إل كما ذكرنا‪ .‬وقد كان أعطاه حين قدومه مائة الف دينار دراهم‪،‬‬

‫ومئتيسسسسسسسسن مسسسسسسسسن العبيسسسسسسسسد‪ ،‬سسسسسسسسسرح البعسسسسسسسسض وحمسسسسسسسسل البعسسسسسسسسض‪.‬‬

‫ذكسر عطائه لعبسد العزيسز الردويلي وكان عبسد العزيسز هذا فقيهًا محدثاً‪ ،‬قرأ بدمشسق‬

‫على تقسي الديسن بسن تيميسة‪ ،‬وبرهان الديسن بسن البركسح‪ ،‬وجمال الديسن المزي‪ ،‬وشمسس‬

‫الديسن الذهسبي وغيرهسم‪ .‬ثسم قدم على السسلطان‪ ،‬فأحسسن إليسه وأكرمسه‪ .‬واتفسق يوماً أنسه‬

‫سسرد عليسه أحاديسث فسي كرم العباس وابنسه رضسي ال عنهمسا‪ ،‬وشيئاً مسن مآثسر الخلفاء‬

‫أولدهمسا‪ .‬فأعجسب ذلك السسلطان لحبسه فسي بنسي العباس‪ ،‬وقبسل قدمسي الفقيسه‪ ،‬وأمسر أن‬

‫يؤتى بصينية ذهب فيها ألفا تنكة‪ ،‬فصبها عليه بيده‪ ،‬وقال‪ :‬هي لك مع الصينية‪ .‬وقد‬

‫ذكرنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا هذه الحكايسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة فيمسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا تقدم‪.‬‬

‫ذكر عطائه لشمس الدين الندكاني وكان الفقيه شمس الدين الندكاني حكيماً شاعراً‬

‫مطبوعاً‪ ،‬فمدح السلطان بقصيدة باللسان الفارسي‪ ،‬وكان عدد أبياتها سبعة وعشرين‬

‫بيتاً‪ ،‬فأعطاه لكسل بيست منهسا ألف دينار دراهسم‪ .‬وهذا أعظسم ممسا يحكسى عسن المتقدميسن‬

‫الذيسسسن كانوا يعطون على بيسسست شعسسسر ألف درهسسسم‪ ،‬وهسسسو عشسسسر عطاء السسسسلطان‪.‬‬

‫ذكر عطائه لعضد الدين الشونكاري وكان عضد الدين فقيهاً إماماً فاضلً كبير القدر‬
‫عظيم الصيت شهير الذكر ببلده‪ .‬فبلغت السلطان أخباره‪ ،‬وسمع بمآثره‪ .‬فبعث إليه‬

‫إلى بلدة شونكارة عشرة آلف دينار دراهسسسسسسم ولم يره قسسسسسسط ول وفسسسسسسد عليسسسسسسه‪.‬‬

‫ذكسر عطائه للقاضسي مجسد الديسن ولمسا بلغسه خسبر القاضسي العالم الصسالح ذي الكرامسة‬

‫الشهيرة مجسسد الديسسن قاضسسي شيراز الذي سسسطرنا أخباره فسسي السسسفر الول‪ ،‬وسسسيمر‬

‫بعسض خسبره‪ .‬وبعسد هذا بعسث إليسه إلى مدينسة شيراز‪ ،‬صسحبة الشيسخ زاده الدمشقسي‬

‫عشرة آلف دينار دراهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسم‪.‬‬

‫ذكسر عطائه لبرهان الدين الصاغرجي وكان برهان الدين أحد الوعاظ الئمة‪ ،‬كثير‬

‫اليثار‪ ،‬باذلً لمسسا يملكسسه‪ .‬حتسسى أنسسه كثيراً مسسا يأخسسذ الديون‪ ،‬ويؤثسسر على الناس‪ .‬فبلغ‬

‫خبره إلى السلطان‪ ،‬فبعث إليه أربعين ألف دينار‪ ،‬وطلب منه أن يصل إلى حضرته‪.‬‬

‫فقبل الدنانير وقضى دينه منها‪ ،‬وتوجه إلى بلد الخطا‪ ،‬وأبى أن يصل إليه‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫ل أمضسسسسسسسسسسسسي إلى سسسسسسسسسسسسسلطان يقسسسسسسسسسسسسف العلماء بيسسسسسسسسسسسسن يديسسسسسسسسسسسسه‪.‬‬

‫ذكسر عطائه لحاجسي كاون وحكايتسه وكان حاجسي كاون ابسن عسم السسلطان أبسي سسعيد‬

‫ملك العراق‪ ،‬وكان أخوه موسسسى ملكاً ببعسسض بلد العراق‪ .‬فوفسسد حاجسسي كاون على‬

‫السلطان‪ ،‬فأكرم مثواه‪ ،‬وأعطاه العطاء الجزل‪ .‬ورأيته يوماً وقد أتى الوزير خواجه‬

‫جهان بهديتسه‪ .‬وكان منهسا ثلث صسينيات‪ ،‬إحداهسا مملوءة يواقيست‪ ،‬والخرى مملوءة‬

‫زمرداً‪ ،‬والخرى مملوءة جواهسسسر‪ .‬وكان حاجسسسي كاون حاضراً‪ ،‬فأعطاه مسسسن ذلك‬

‫حظاً جزيلً‪ ،‬ثسم إنسه اعطاه أيضاً مالً عريضاً‪ ،‬ومضسى يريسد العراق‪ ،‬فوجسد أخاه قسد‬

‫توفسي‪ ،‬وولي مكانسه سسليمان خان‪ .‬فطلب إرث أخيسه‪ ،‬وادعسى الملك‪ ،‬وبايعسه العسسكر‪،‬‬
‫وقصسسد بلد فارس‪ ،‬ونزل بمدينسسة شونكارة التسسي بهسسا المام عضسسد الديسسن الذي تقدم‬

‫ذكره آنفاً‪ .‬فلمسا نزل بخارجهسا تأخسر شيوخهسا عسن الخروج إليسه سساعة‪ ،‬ثسم خرجوا‪.‬‬

‫فقال لهسم‪ :‬مسا منعكسم عسن تعجيسل الخروج إلى مبايعتنسا ? فاعتذروا له‪ .‬فلم يقبسل منهسم‪،‬‬

‫وقال لهل سلحه‪ :‬قلنج تجار " جقار " معناه جردوا السيوف‪ .‬فجردوها‪ ،‬وضربوا‬

‫أعناقهسم‪ ،‬وكانوا جماعسة كسبيرة‪ .‬فسسمع مسن بجاور هذه المدينسة مسن المراء بمسا فعله‪،‬‬

‫فغضبوا لذلك‪ ،‬وكتبوا إلى شمسس الديسن السسنماني‪ ،‬وهسو مسن المراء الفقهاء الكبار‪،‬‬

‫فأعلموه بمسسا جرى على أهسسل شونكارة‪ ،‬وطلبوا منسسه العانسسة على قتاله‪ .‬فتجرد فسسي‬

‫عسسساكره‪ ،‬واجتمسسع أهسسل البلد طالبيسسن بثار مسسن قتله حاجسسي كاون مسسن المشايسسخ‪،‬‬

‫وضربوا على عسسكره ليلً فهزموه‪ .‬وكان هسو بقصسر المدينسة‪ ،‬فأحاطوا بسه‪ ،‬فاختفسى‬

‫فسي بيست الطهارة‪ ،‬فعثروا عليسه وقطعوا رأسسه‪ ،‬وبعثوا بسه إلى سسليمان خان‪ ،‬وفرقوا‬

‫أعضاءه على البلد تشفياً منه‪.‬‬

‫ذكر قدوم ابن الخليفة عليه واخباره‬

‫وكان الميسر غياث الديسن محمسد بسن عبسد القاهسر بسن يوسسف بسن عبسد العزيسز ابسن‬

‫الخليفسسة المسسستنصر بال العباسسسي البغدادي‪ ،‬قسسد وفسسد على السسسلطان علء الديسسن‬

‫طرمشيريسن‪ ،‬ملك مسا وراء النهسر‪ ،‬فأكرمسه وأعطاه الزاويسة التسي على قسبر قثسم بسن‬

‫العباس رضي ال عنهما‪ ،‬واستوطن بها أعواماً‪ .‬ثم لما سمع بمحبة السلطان في بني‬

‫العباس‪ ،‬وقيامسه بدعوتهسم‪ ،‬أحسب القدوم عليسه‪ ،‬وبعسث له برسسولين‪ ،‬أحدهمسا صساحبه‬

‫القديسم محمسد ابسن أبسي الشرفسي الحرباوي‪ ،‬والثانسي محمسد الهمدانسي الصسوفي‪ .‬فقدمسا‬
‫على السسسلطان‪ ،‬وكان ناصسسر الديسسن الترمذي الذي تقدم ذكره‪ ،‬قسسد لقسسي غياث الديسسن‬

‫ببغداد‪ ،‬وشهد لديه البغداديون بصحة نسبه فشهد هو عند السلطان بذلك‪ .‬فلما وصل‬

‫رسسوله إلى السسلطان‪ ،‬أعطاهمسا خمسسة آلف دينار‪ ،‬وبعسث معهمسا ثلثيسن ألف دينار‬

‫إلى غياث الديسن‪ ،‬ليتزود بهسا إليسه‪ ،‬وكتسب له خطاباً بخسط يده يعظمسه فيسه‪ ،‬ويسسأل منسه‬

‫القدوم عليسسه‪ .‬فلمسسا وصسسل الكتاب رحسسل إليسسه‪ .‬فلمسسا وصسسل إلى بلد السسسند‪ ،‬وكتسسب‬

‫المخبرون بقدومه‪ ،‬بعث السلطان من يستقبله على العادة‪ .‬ثم لما وصل إلى سرستي‬

‫بعث أيضاً لستقباله صدر الجهان قاضي القضاة كمال الدين الغرنوي وجماعة من‬

‫الفقهاء‪ ،‬ثسسم بعسسث المراء لسسستقباله‪ .‬فلمسسا نزل بمسسسعود آباد خارج الحضرة‪ ،‬خرج‬

‫السلطان بنفسه لستقباله‪ .‬فلما التقيا ترجل غياث الدين‪ ،‬فترجل له السلطان‪ ،‬وخدم‪،‬‬

‫فخدم له السسلطان‪ .‬وكان قسد اسستصحب هديسة فسي جملتهسا ثياب‪ ،‬فأخسذ السسلطان أحسد‬

‫الثواب‪ ،‬وجعله على كتفسسه‪ ،‬وخدم كمسسا يفعسسل الناس معسسه‪ ،‬ثسسم قدمسست الخيسسل‪،‬فأخسسذ‬

‫السسلطان أحدهسا بيده وقدمسه له‪ ،‬وحلف أن يركسب‪ ،‬وأمسسك بركابسه حتسى ركسب‪ ،‬ثسم‬

‫ركسب السسلطان وسسايره‪ ،‬والشجسر يظلهمسا معاً‪ .‬وأخسذ التنبول بيده‪ ،‬وأعطاه أياه‪ .‬وهذا‬

‫أعظسم مسا أكرمسسه بسه‪ .‬فإنسه ل يفعله مسع أحسسد‪ .‬وقال له‪ :‬لول أنسسي بايعست الخليفسة أبسا‬

‫العباس لبايعتسسك‪ .‬فقال له غياث الديسسن‪ :‬وأنسسا أيضاً على تلك البيعسسة‪ .‬وقال له غياث‬

‫الدين‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم تسليماً‪ " :‬من أحيا أرضاً مواتًا فهي له "‬

‫وأنسست أحببتنسسا‪ .‬فجاوبسسه السسسلطان بألطسسف جواب وأبره‪ .‬ولمسسا وصسسل إلى السسسراجة‬

‫المعدة لنزول السسسلطان‪ ،‬أنزله فيهسسا‪ .‬وضرب للسسسلطان غيرهسسا‪ .‬وباتسسا فسسي تلك الليلة‬
‫بخارج الحضرة‪ .‬فلمسسسا كان بالغسسسد دخل إلى دار الملك‪ ،‬وأنزله بالمدينسسسة المعروفسسسة‬

‫بسسيري‪ ،‬وبدار الخلفسة أيضًا فسي القصسر الذي بناه علء الديسن الخلجسي‪ ،‬وابنسه قطسب‬

‫الديسن‪ .‬وأمسر السسلطان جميسع المراء أن يمضوا معسه إليسه‪ ،‬وأعسد له فيسه جميسع مسا‬

‫يحتاج إليسه مسن أوانسي الذهسب والفضسة‪ ،‬حتسى كان مسن جملتهسا مغتسسل يغتسسل فيسه مسن‬

‫ذهسسب‪ .‬وبعسسث له أربعمائة ألف دينار لغسسسل رأسسسه على العادة‪ ،‬وبعسسث له جملة مسسن‬

‫الفتيان والخدم والجواري‪ ،‬وعيسن له عسن نفقسة فسي كسل يوم ثلثمائة دينار‪ ،‬وبعسث له‬

‫زيادة إليهسا عدداً مسن الموائد بالطعام الخاص‪ ،‬وأعطاه جميسع مدينسة سسيري‪ ،‬إقطاعاً‪.‬‬

‫وجميسع مسا احتوت عليسه مسن الدور ومسا يتصسل لهسا مسن بسساتين المخزن وأرضسه‪،‬‬

‫وأعطاه مائة قرية‪ ،‬وأعطاه حكم البلد الشرقية المضافة لدهلي‪ ،‬وأعطاه ثلثين بغلة‬

‫بالسسروج المذهبسة‪ ،‬ويكون علفهسا مسن المخزن‪ ،‬وأمره أن ل ينزل عسن دابتسه إذا أتسى‬

‫دار السسسلطان إل موضعاً خاصسساً ل يدخله أحسسد رلكباً سسسوى السسسلطان وأمسسر الناس‬

‫جميعاً مسسن كسسبير وصسسغير أن يخدموا له كمسسا يخدمون السسسلطان‪ .‬وإذا دخسسل على‬

‫السسسلطان ينزل له عسسن سسسريره‪ ،‬وإن كان على الكرسسسي قام قائماً‪ ،‬وخدم كسسل واحسسد‬

‫منهما لصاحبه‪ ،‬ويجلس مع السلطان على بساط واحد‪ ،‬وإذا قام قام السلطان لقيامه‪،‬‬

‫وخدم كسل واحسد منهمسا لصساحبه‪ ،‬وإذا انصسرف إلى خارج المجلس‪ ،‬جعسل له بسساط‬

‫يقعسسسسسد عليسسسسسه مسسسسسا شاء‪ ،‬ثسسسسسم ينصسسسسسرف‪ ،‬يفعسسسسسل هذا مرتيسسسسسن فسسسسسي اليوم‪.‬‬

‫حكايسة مسن تعظيمسه اياه وفسي أثناء مقامسه بدهلي قدم الوزيسر مسن بلد بنجالة‪ ،‬فأمسر‬

‫السسسسلطان كبار المراء أن يخرجوا إلى اسسسستقباله‪ ،‬ثسسسم خرج بنفسسسسه إلى اسسسستقباله‪،‬‬
‫وعظمه تعظيماً كثيراُ‪ ،‬وصنعت القباب بالمدينة كما تصنع للسلطان إذا قدم‪ ،‬وخرج‬

‫ابسن الخليفسة للقائه أيضاً‪ ،‬والفقهاء والقضاة والعيان‪ .‬فلمسا عاد السسلطان لقصسره‪ ،‬قال‬

‫للوزيسسسر‪ :‬إمسسسض إلى دار المخدوم زاده‪ ،‬وبذلك يدعوه‪ ،‬ومعنسسسى ذلك ابسسسن المخدوم‪.‬‬

‫فسسار الوزيسر إليسه‪ ،‬وأهدى له ألفسي تنكسة مسن الذهسب وأثواباً كثيرة‪ .‬وحضسر الميسر‬

‫قبولة‪ ،‬غيره مسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن كبار المراء‪ ،‬وحضرت أنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا كذلك‪.‬‬

‫حكايسة نحوهسا وفسد على السسلطان ملك غزنسة المسسمى ببهرام‪ ،‬وكان بينسه وبيسن ابسن‬

‫الخليفة عداوة قديمة فأمر بإنزاله ببعض دور مدينة سيري التي لبن الخليفة‪ ،‬وأمر‬

‫أن يبنسسي له بهسسا دار فبلغ ذلك ابسسن الخليفسسة فغضسسب منسسه ومضسسى إلى دار السسسلطان‬

‫فجلس على البساط الذي عادته الجلوس عليه‪ ،‬وبعث إلى الوزير‪ ،‬فقال له‪ :‬سلم على‬

‫خوند عالم‪ ،‬وقل له‪ :‬إن جميع ما أعطانيه هو بمنزلي‪ ،‬لم أتصرف في شيء منه‪ ،‬بل‬

‫زاد عندي ونما وأنا ل أقيم معكم‪ ،‬وقام وانصرف فسأل الوزير بعض أصحابه عن‬

‫سسبب هذا‪ ،‬فأعلمسه أن سسببه أمسر السسلطان ببناء الدار لملك غزنسة فسي مدينسة سسيري‪،‬‬

‫فدخل الوزير على السلطان فأعلمه بذلك‪ ،‬فركب من حينه في عشرة من ناسه‪ ،‬وأتى‬

‫منزل ابسن الخليفسة‪ ،‬فاسستأذن له‪ ،‬ونزل عسن فرسسه خارج القصسر حيسث ينزل الناس‪،‬‬

‫فتلقاه واعتذر له‪ ،‬فقبسل عذره‪ ،‬وقال له‪ :‬السسلطان وال مسا أعلم أنسك راضٍس عنسي حتسى‬

‫تضسع قدمسك على عنقسي‪ ،‬فقال له‪ :‬هذا مسا ل أفعله ولو قتلت‪ .‬فقال له السسلطان وحسق‬

‫رأسي ل بد لك من ذلك ثم وضع رأسه على الرض وأخذ الملك الكبير قبولة رجل‬

‫ابسن الخليفسة بيده‪ ،‬فوضعهسا على عنسق السسلطان ثسم قام وقال‪ :‬الن أنسك راضٍس علي‪،‬‬
‫وطاب قلبي‪ .‬وهذه حكاية غريبة لم يسمع بمثلها عن ملك‪ .‬ولقد حضرته يوم عيد وقد‬

‫جاءه الملك الكسبير بثلث خلع مسن عنسد السسلطان مفرجسة‪ .‬قسد جعسل مكان عقسد الحريسر‬

‫التسي تعلق بهسا حبات جوهسر قدر البندق الكسبير‪ ،‬وقام الملك الكسبير ببابسه‪ ،‬حتسى نزل‬

‫من قصره‪ ،‬فكساه إياه والذي أعطاه هو ما ل يحصر العد‪ ،‬ول يحيط به الحد‪ ،‬وابن‬

‫الخليفسة مسع ذلك كله أبخسل خلق ال تعالى وله فسي البخسل أخبار عجيبسة‪ ،‬يعجسب منهسا‬

‫سسامعها وكأنسه كان مسن البخسل بمنزلة السسلطان مسن الكرم‪ ،‬ولنذكسر بعسض أخباره فسي‬

‫ذلك‪.‬‬

‫حكايسة عسن بخسل ابسن الخليفسة وكانست بينسي وبينسه مودة‪ ،‬وكنست كثيسر التردد إلى منزله‬

‫وعنده تركست ولداً لي سسميته أحمسد لمسا سسافرت ول أدري مسا فعسل ال بهمسا فقلت له‬

‫يوماً‪ :‬لم تأكسسل وحدك‪ ،‬ول تجمسسع أصسسحابك على الطعام ? فقال لي‪ :‬ل أسسستطيع أن‬

‫أنظسسر إليهسسم على كثرتهسسم وهسسم يأكلون طعامسسي فكان يأكسسل وحده‪ ،‬ويعطسسي صسساحبه‬

‫محمد ابن أبي الشرفي من الطعام لمن أحب‪ ،‬ويتصرف في باقيه وكنت أتردد إليه‬

‫فأرى دهليسز قصسره الذي يسسكن بسه مظلماً ل سسراج بسه‪ .‬ورأيتسه مراراً يجمسع العواد‬

‫الصسغار مسن الحطسب بداخسل بسستانه‪ ،‬وقسد مل منهسا مخازن فكلمتسه فسي ذلك فقال لي‪:‬‬

‫يحتاج إليهسا‪ .‬وكان يخدم أصسحابه ومماليكسه وفتيانسه فسي خدمسة البسستان وبنائه ويقول‪:‬‬

‫ل أرضى أن يأكلوا طعامي وهم ل يخدمون‪ .‬وكان علي مرة دين فطلبت به فقال لي‬

‫فسي بعسض اليام‪ :‬وال لقسد هممست أن أؤدي عنسك دينسك‪ ،‬فلم تسسمح نفسسي بذلك‪ ،‬ول‬

‫ساعدتني عليه‪.‬‬
‫حكاية‬

‫حدثني مرة قال‪ :‬خرجت عن بغداد‪ ،‬وأنا رابع أربعة أحدهم محمد بن أبي الشرفي‬

‫صسساحبه‪ ،‬ونحسسن على أقدامنسسا‪ ،‬ول زاد عندنسسا فنزلنسسا على عيسسن ماء ببعسسض القرى‪،‬‬

‫فوجدنسا أحدنسا فسي العيسن درهماً‪ ،‬فقلنسا ومسا نصسنع بدرهسم‪ ،‬فاتفقنسا على أن نشتري بسه‬

‫خبزاً‪ ،‬فبعثنا أحدنا لشرائه‪ ،‬فأبى الخباز بتلك القرية أن يبيع الخبز وحده‪ ،‬وإنما يبيع‬

‫خبزاً بقيراط‪ ،‬وتبناً بقيراط فاشترى منسه الخبسز والتبسن‪ ،‬فطرحنسا التبسن‪ ،‬إذ ل دابسة لنسا‬

‫تأكله وقسمنا الخبز لقمة لقمة‪ ،‬وقد انتهى حالي اليوم إلى ما تراه فقلت له‪ :‬ينبغي لك‬

‫أن تحمسد ال على مسا أولك‪ ،‬وتؤثسر الفقراء والمسساكين بالتصسدق فقال‪ :‬ل أسستطيع‬

‫ذلك‪ .‬ولم أره قط يجود بشيء‪ ،‬ول يفعل معروفاً‪ ،‬ونعوذ بال من الشح‪.‬‬

‫حكاية‬

‫كنسست يوماً ببغداد بعسسد عودتسسي مسسن بلد الهنسسد‪ ،‬وأنسسا قاعسسد على باب المدرسسسة‬

‫المسستنصرية التي بناها جده أمير المؤمنين المستنصر رضي ال عنسه‪ ،‬فرأيت شاباً‬

‫ضعيسسف الحال يشتسسد خلف رجسسل خارج عسسن المدرسسسة فقال لي بعسسض الطلبسسة‪ :‬هذا‬

‫الشاب الذي تراه هسو ابسن الميسر محمسد حفيسد الخليفسة المسستنصر الذي ببلد الهنسد‪،‬‬

‫فدعوتسه فقلت له‪ :‬إنسي قسد قدمست مسن بلد الهنسد‪ ،‬وإنسي أعرفسك بخسبر أبيسك فقال‪ :‬قسد‬

‫جاءني خبره في هذه اليام ومضى يشتد خلف الرجل‪،‬فسألت عن الرجل‪ ،‬فقيل لي‪:‬‬

‫هسو الناظسر فسي الحبسس‪ ،‬وهذا الشاب هسو إمام ببعسض المسساجد‪ ،‬وله على ذلك أجرة‬

‫درهم واحد في اليوم‪ ،‬وهو يطلب أجرته من الرجل‪ ،‬فطال عجبي منه‪ ،‬وال لو بعث‬
‫إليه جوهرة من الجواهر التي في الخلع الواصلة إليه من السلطان لغناه بها ونعوذ‬

‫بال من مثل هذه الحال‪.‬‬

‫ذكر ما أعطاه السلطان للمير سيف الدين‬

‫غدا ابن هبة ال بن مهنا أمير عرب الشام‬

‫ولمسا قدم هذا الميسر على السسلطان أكرم مثواه‪ ،‬وأنزله بقصسر السسلطان جلل الديسن‬

‫داخسل مدينسة دهلي‪ ،‬ويعرف بكشسك‪ ،‬لعسل معناه القصسر الحمسر‪ ،‬وهسو قصسر عظيسم‪،‬‬

‫فيسه مشور كسبير جداً‪ ،‬ودهليسز هائل‪ ،‬على بابسه قبسة تشرف على هذا المشور‪ ،‬وعلى‬

‫المشور الثانسي الذي يدخسل منسه إلى القصسر‪ ،‬وكان السسلطان جلل الديسن يقعسد بهسا‪،‬‬

‫وتلعسب الكرة بيسن يديسه فسي هذا المشور‪ .‬وقسد دخلت هذا القصسر عنسد نزوله بسه فرأيتسه‬

‫مملوءاً أثاثاً وفرشاً وبسطاً وغيرها‪ ،‬وذلك كله متمزق ل منتفع فيه في عادتهم بالهند‬

‫أن يتركوا قصسر السسلطان إذا مات بجميسع مسا فيسه‪ ،‬ل يتعرضون له‪ ،‬ويبنسي المتولي‬

‫بعده قصسراً لنفسسه‪ ،‬ولمسا دخلتسه طفست بسه وصسعدت إلى أعله فكانست لي فيسه عسبرة‪،‬‬

‫نشأت عنها عبرة وكان معي الفقيه الطيب الديب جمال الدين المغربي‪ ،‬الغرناطي‪،‬‬

‫البجائي المولد مسستوطن بلد الهنسد‪ ،‬قدمهسا مسع أبيسه‪ ،‬وله بهسا أولد فأنشدنسي عندمسا‬

‫عايناه‪:‬‬

‫وسلطينهم سل الطين عنسهسم‪ ،‬فالرؤوس العظام صارت عظاما‬


‫وبهذا القصر كانت وليمة عرسه‪ ،‬كما نذكره وكان السلطان شديد المحبة في العرب‪ ،‬مؤثراً‬
‫لهم‪ ،‬معترفاً بفضائلهم فلما وصله هذا المير أجزل العطاء‪ ،‬وأحسن إليه إحساناً عظيماً‬
‫وأعطاه مرة‪ ،‬وقد قدمت عليه‪ ،‬هدية أعظم ملك البايزيدي من بلد منكبور‪ ،‬أحد عشر فرساً‬
‫من عتاق الخيل‪ ،‬وأعطاه مرة أخرى عشرة من الخيل‪ ،‬مسرجة بالسروج المذهبة عليها‬
‫اللجم المذهبة‪ ،‬ثم زوجه بعد ذلك بأخته فيروز خوندة‪.‬‬
‫ذكر تزوج المير سيف الدين بأخت السلطان ولما أمر السلطان بتزويج أخته للمير غدا‪،‬‬
‫عين للقيام بشأن الوليمة ونفقاتها الملك فتح ال‪ ،‬والمعروف بشونويس " بشين معجم مفتوح‬
‫وواوين اولهما مسكن والخر مكسور بينهما نون آخره سين مهمل "‪ ،‬وعينني لملزمة‬
‫المير غدا‪ ،‬والكون معه في تلك اليام فأتى الملك فتح ال بالصيوانات‪ ،‬نظلل بها المشورين‬
‫بالقصر الحمر المذكور‪ ،‬وضرب في كل واحد منهما قبة ضخمة جداً‪ ،‬وفرش ذلك بالفرش‬
‫الحسان وأتى شمس الدين التبريزي‪ ،‬أمير المطربين ومعه الرجال المغنون والنساء‬
‫المغنيات والرواقص‪ ،‬وكلهن مماليك السلطان‪ ،‬وأحضر الطباخين والخبازين والشوائين‬
‫والحلوانيين والشربدارية والتنبول داران‪ ،‬وذبحت النعام والطيور‪ .‬وأقاموا يطعمون الناس‬
‫خمسة عشر يوماً ويحضر المراء الكبار والعزة ليلً ونهاراً فلما كان قبل ليلة الزفاف‬
‫بليلتين جاء الخواتين من دار السلطان ليلً إلى هذا القصر‪ ،‬فزينه وفرشنه بأحسن الفرش‪،‬‬
‫واستحضر المير سيف الدين‪ ،‬وكان عربياً غريباً ل قرابة له‪ ،‬فحففن به وأجلسنه على‬
‫مرتبة معينة له‪ ،‬وكان السلطان قد أمر أن تكون ربيبته أم أخيه مبارك خان مقام أم المير‬
‫غدا‪ ،‬وأن تكون امرأة أخرى من الخواتين مقام أخته‪ ،‬وأخرى مقام عمته‪ ،‬وأخرى مقام‬
‫خالته‪ ،‬حتى يكون كأنه بين أهله‪ .‬ولما أجلسنه على المرتبة جعلن له الحناء في يديه‬
‫ورجليه‪ ،‬وأقام باقيهن على رأسه يغنين ويرقصن وانصرفن إلى قصر الزفاف‪ ،‬وأقام هو‬
‫مع خواص أصحابه‪ .‬وعين السلطان جماعة من المراء يكونون من جهته‪ ،‬وجماعة‬
‫يكونون من جهة الزوجة‪ .‬وعادتهم أن تقف الجماعة التي من جهة الزوجة على باب‬
‫الموضع الذي تكون به جلوتها على زوجها‪ ،‬ويأتي الزوج بجماعته فل يدخلون إل إن غلبوا‬
‫أصحاب الزوجة‪ ،‬أو يعطونهم اللف من الدنانير إن لم يقدروا عليهم‪ ،‬ولما كان بعد‬
‫المغرب أتي إليه بخلعة حرير زرقاء مزركشة مرصعة‪ ،‬قد غلبت الجواهر عليها‪ ،‬فل‬
‫يظهر لونها مما عليها من الجواهر وبشاشية مثل ذلك‪ ،‬ولم أر قط خلعة أجمل من هذه‬
‫الخلعة وقد رأيت ما خلعه السلطان على سائر أصهاره مثل ابن ملك الملوك عماد الدين‬
‫السمناني‪ ،‬وابن ملك العلماء‪ ،‬وابن شيخ السلم‪ ،‬وابن صدر جهان البخاري‪ ،‬فلم يكن فيها‬
‫مثل هذه‪.‬‬
‫ثم ركب المير سيف الدين في أصحابه وعبيده‪ ،‬وفي يد كل واحد منهم عصا قد أعدها‬
‫وصنعوا شبه إكليل من الياسمين والنسرين‪ ،‬وريبول وله رفرف يغطي وجه المتكلل به‬
‫وصدره وأتوا به المير ليجعله على رأسه فأبى من ذلك وكان من عرب البادية‪ ،‬ل عهد له‬
‫بأمور الملك والحضر فحاولته‪ ،‬وحلفت عليه حتى جعله على رأسه وأتى باب الصرف‬
‫ويسمونه باب الحرم‪ ،‬وعليه جماعة الزوجة‪ ،‬فحمل عليهم بأصحابه حملة عربية‪ ،‬وصرعوا‬
‫كل من عارضهم‪ ،‬فغلبوا عليهم ولم يكن لجماعة الزوجة من ثبات وبلغ ذلك السلطان‬
‫فأعجبه فعله‪ ،‬ودخل إلى المشور‪ ،‬وقد جعلت العروس فوق منبر عال‪ ،‬مزين بالديباج‪،‬‬
‫مرصع بالجوهر‪ ،‬والمشور ملن بالنساء‪ ،‬والمطربات قد أحضرن أنواع اللت المطربة‪،‬‬
‫وكلهن وقوف على قدم إجللً له وتعظيماً‪ ،‬فدخل بفرسه حتى قرب من المنبر‪ ،‬فنزل وخدم‬
‫عند أول درجة منه وقامت العروس قائمة‪ ،‬حتى صعد‪ ،‬فأعطته التنبول بيدها فأخذه‪ ،‬وجلس‬
‫تحت الدرجة التي وقفت بها ونثرت دنانير الذهب على رؤوس الحاضرين من أصحابه‪،‬‬
‫ولقطتها النساء والمغنيات يغنين حينئذ‪ ،‬والطبال والبواق والنفار تضرب خارج الباب ثم‬
‫قام المير‪ ،‬وأخذ بيد زوجته‪ ،‬ونزل وهي تتبعه‪ ،‬فركب فرسه يطأ به الفرش والبسط‪،‬‬
‫ونثرت الدنانير عليه وعلى أصحابه‪ ،‬وجعلت العروس في محفة وحملها العبيد على أعناقهم‬
‫إلى قصره‪ ،‬والخواتين بين يديها راكبات‪ ،‬وغيرهن من النمساء ماشيات وإذا مروا بدار‬
‫أمير أو كبير‪ ،‬خرج إليهم ونثر عليهم الدنانير والدراهم على قدر همته‪ ،‬حتى أوصلوها إلى‬
‫قصره ولما كان بالغد بعثت العروس إلى جميع أصحاب زوجها الثياب والدنانير والدراهم‬
‫وأعطى السلطان لكل واحد منهم فرساً مسرجاً ملجماً وبدرة دراهم من ألف دينار إلى مائتي‬
‫دينار‪ ،‬وأعطى الملك فتح ال للخواتين ثياب الحرير المنوعة والبدر‪ ،‬وكذلك لهل الطرب‪.‬‬
‫وعادتهم ببلد الهند أن ل يعطي أحد شيئاً لهل الطرب‪ ،‬إنما يعطيهم صاحب العرس‬
‫وأطعم الناس جميعاً ذلك اليوم‪.‬‬
‫وانقضى العرس‪ ،‬وأمر السلطان أن يعطى للمير غدا بلد المالوة والجزرات وكنباية‬
‫ونهروالة‪ ،‬وجعل فتح ال المذكور نائباً عنه عليها‪ ،‬وعظمه تعظيماً شديداً وكان عربياً‬
‫جافياً‪ ،‬فلم يقدر قدر ذلك‪ ،‬وغلب عليه جفاء البادية‪ ،‬فأداه ذلك إلى النكبة بعد عشرين ليلة من‬
‫زفافه‪.‬‬
‫ذكر سجن المير غدا ولما كان بعد عشرين يوماً من زفافه اتفق أنه وصل إلى دار‬
‫السلطان‪ ،‬فأراد الدخول فمنعه أمير البرد " البرده " داريه‪ ،‬وهم الخواص من البوابين‪ ،‬فلم‬
‫يسمع منه وأراد التقحم‪ ،‬فأمسك البواب بدبوقته‪ ،‬وهي الضفيرة ورده فضربه المير بعصا‬
‫كانت هنالك حتى أدماه وكان هذا المضروب من كبار المراء‪ ،‬يعرف أبوه بقاضي غزنة‪،‬‬
‫وهو من ذرية السلطان محمود بن سبكتكين‪ ،‬والسلطان يخاطبه بالدب‪ ،‬ويخاطب ابنه هذا‬
‫بالخ فدخل على السلطان‪ ،‬والدم على ثيابه‪ ،‬فأخبره بما صنع المير غدا‪ ،‬ففكر السلطان‬
‫هنيهة ثم قال له‪ :‬القاضي يفصل بينكما وتلك جريمة ل يغفرها السلطان لحد من ناسه‪ ،‬ول‬
‫بد من الموت عليها‪ ،‬وإنما احتمله لغربته وكان القاضي كمال الدين بالمشور‪ ،‬فأمر السلطان‬
‫الملك تتر أن يقف معهما عند القاضي‪ .‬وكان تتر حاجاً مجاوراً يحسن العربية‪ ،‬فحضر‬
‫معهما‪ ،‬وقال للمير‪ :‬أنت ضربته أو قل‪ :‬ل‪ ،‬لقصد أن يعلمه الحجة‪ ،‬وكان سيف الدين‬
‫جاهلً مغتراً‪ ،‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬أنا ضربته وأتى والد المضروب‪ ،‬فرام الصلح بينهما‪ ،‬فلم يقبل‬
‫سيف الدين فأمر القاضي بسجنه تلك الليلة فوال ما بعثت له زوجته فراشاً ينام عليه‪ ،‬ول‬
‫سألت عنه خوفاً من السلطان وخاف أصحابه فودعوا أموالهم‪.‬‬
‫وأردت زيارته بالسجن‪ ،‬فلقيني بعض المراء‪ ،‬وفهسم عني أني أريد زيارته‪ ،‬فقال‬

‫لي‪ :‬أو نسسيت ? وذكرنسي يقضيسة اتفقست لي فسي زيارة الشيسخ شهاب الديسن ابسن شيسخ‬

‫الجام‪ ،‬وكيسسف أراد السسسلطان قتلي على ذلك‪ ،‬حسسسبما يقسسع ذكره‪ ،‬فرجعسست ولم أزره‬

‫وتخلص الميسر غدا عنسد الظهسر مسن سسجنه فأظهسر السسلطان أعماله‪ ،‬وأضرب عمسا‬

‫كان أمسر له بوليتسه وأراد نفيسه‪ ،‬وكان للسسلطان صسهر يسسمى بمغيسث بسن ملك الملوك‬
‫وكانست أخست السسلطان تشكوه لخيهسا إلى أن ماتست فذكسر جواريهسا أنهسا ماتست بسسبب‬

‫قهره لهسا وكان فسي نسسبه مغمسز‪ ،‬فكتسب السسلطان بخطسه يجلي اللقيسط‪ ،‬يعنيسه‪ ،‬ثسم كتسب‬

‫ويجلى موش خوار معناه آكسسل الفئران‪ ،‬يعنسسي بذلك الميسسر غدا لن عرب الباديسسة‬

‫يأكلون اليربوع‪ ،‬وهسسو شبسسه الفار‪ ،‬وأمسسر بإخراجهمسسا فجاءه النقباء ليخرجوه فأراد‬

‫دخول داره ووداع أهله‪ ،‬فترادف النقباء فسي طلبسه‪ ،‬فخرج باكياً‪ ،‬وتوجهست حيسن ذلك‬

‫إلى دار السسلطان فبست بهسا فسسألني عسن مسبيتي بعسض المراء‪ ،‬فقلت له‪ :‬جئت لتكلم‬

‫في المير سيف الدين حتى يرد ول ينفى‪ .‬فقال‪ :‬ل يكون ذلك‪ .‬فقلت له‪ :‬وال لبيتن‬

‫فسي دار السسلطان‪ ،‬ولو بلغ مسبيتي مائة ليلة‪ ،‬حتسى يرد فبلغ ذلك السسلطان فأمسر برده‪،‬‬

‫وأمره أن يكون فسسسي خدمسسسة الميسسسر ملك قبولة اللهوري‪ ،‬فأقام أربعسسسة أعوام فسسسي‬

‫خدمته‪ .‬يركب لركوبه‪ ،‬ويسافر لسفره‪ ،‬حتى تأدب وتهذب ثم أعاده السلطان إلى ما‬

‫ل وأقطعه البلد‪ ،‬وقدمه على العساكر‪ ،‬ورفع قدره‪.‬‬


‫كان عليه أو ً‬

‫ذكر تزويج السلطان بنتي وزيره لبني خداوند زاده‬

‫قوام الدين الذي قدم معنا عليه‬

‫ولمسا قدم خداونسد زاده أعطاه السسلطان عطاءً جزلً‪ ،‬وأحسسن إليسه إحسساناً عظيماً‪،‬‬

‫وبالغ في إكرامه‪ ،‬ثم زوج ولديه من بنتي الوزير خواجة جهان وكان الوزير إذ ذاك‬

‫غائباً‪ ،‬فأتسى السسلطان إلى داره ليلً‪ ،‬وحضسر عقسد النكاح‪ ،‬كأنسه نائب عسن الوزيسر‪،‬‬

‫ووقسف حتسى قرأ قاضسي القضاة الصسداق ‪ ،‬والقضاة والمراء والمشايسخ قعود‪ ،‬وأخسذ‬

‫السسسلطان بيده الثواب والبدر فجعلهسسا بيسسن يدي القاضسسي وولدي خداونسسد زاده وقام‬
‫المراء وأبوا أن يجعسل السسلطان ذلك بيسن أيديهسم بنفسسه‪ ،‬فأمرهسم بالجلوس‪ ،‬وأمسر‬

‫بعض كبار المراء أن يقوم مقامه‪ ،‬وانصرف‪.‬‬

‫حكاية في تواضع السلطان وإنصافه‬

‫ادعسسى عليسسه رجسسل مسسن كبار الهنود أنسسه قتسسل أخاه مسسن غيسسر موجسسب‪ ،‬ودعاه إلى‬

‫القاضي‪ ،‬فمضى على قدميه‪ ،‬ول سلح معه‪ ،‬إلى مجلس القاضي فسلم وخدم‪ ،‬وكان‬

‫قد أمر القاضي قبل ذلك أنه إذا جاءه في مجلسه‪ ،‬فل يقوم له ول يتحرك فصعد إلى‬

‫المجلس‪ ،‬ووقسسف بيسسن يدي القاضسسي‪ .‬فحكسسم عليسسه أن يرضسسي خصسسمه مسسن دم أخيسسه‬

‫فأرضاه‪.‬‬

‫حكايسة مثلهسا وادعسى على السسلطان مرة رجسل مسن المسسلمين أنسه له قبله حقاً مالياً‪،‬‬

‫فتخاصما في ذلك عند القاضي‪ ،‬فأصدر الحكم على السلطان بإعطاء المال فأعطاه‪.‬‬

‫حكاية مثلها وادعى عليه صبي من أبناء الملوك أنه ضربه من غير موجب‪ ،‬ورفعه‬

‫إلى القاضسسي فتوجسسه الحكسسم عليسسه أن يرضيسسه بالمال إن قبسسل ذلك‪ ،‬وإل أمكنسسه مسسن‬

‫القصاص‪ ،‬فشاهدته يومئذ وقد عاد لمجلسه واستحضر الصبي‪ ،‬وأعطاه عصا‪ ،‬وقال‬

‫له‪ :‬وحسق رأسسي لتضربننسي كمسا ضربتسك‪ .‬فأخسذ الصسبي العصسا‪ ،‬ضربسه بهسا إحدى‬

‫وعشرين ضربة‪ ،‬حتى رأيت الكل " الكله " قد طارت على رأسه‪.‬‬

‫ذكر اشتداده في إقامة الصلة‬

‫وكان السلطان شديداً في إقامة الصلة‪ ،‬آمراً بملزمتها في الجماعات‪ ،‬يعاقب على‬

‫تركهسا أشسد العقاب ولقسد قتسل فسي يوم واحسد تسسعة نفسر على تركهسا كان أحدهسم مغنياً‪،‬‬
‫وكان يبعسث الرجال الموكليسن بذلك إلى السسواق فمسن وجسد بهسا عنسد إقامسة الصسلة‪،‬‬

‫عوقسسب حتسسى انتهسسى إلى عقاب السسستائريين الذيسسن يمسسسكون دواب الخدام‪ ،‬على باب‬

‫المشور‪ ،‬إذا ضيعوا الصسلة‪ ،‬وأمسر أن يطلب الناس بعلم فرائض الوضوء والصسلة‬

‫وشروط السسسلم‪ ،‬فكانوا يسسسألون عسسن ذلك فمسسن لم يحسسسنه عوقسسب‪ ،‬وصسسار الناس‬

‫يتدارسون ذلك بالمشور والسواق ويكتبونها‪.‬‬

‫ذكر اشتداده في إقامة أحكام الشرع‬

‫وكان شديدًا فسسي إقامسسة الشرع‪ ،‬وممسسا فعسسل فسسي ذلك أن أمسسر أخاه مبارك خان‪ ،‬أن‬

‫يكون قعوده بالمشور مع قاضي القضاة كمال الدين في قبة مرتفعة هنالك‪ ،‬مفروشة‬

‫بالبسط وللقاضي بها مرتبة تحف بها المخاد‪ ،‬كمرتبة السلطان ويقعد أخو السلطان‬

‫عن يمينه‪ ،‬فمن كان عليه حق من كبار المراء‪ ،‬وامتنع من أدائه لصاحبه‪ ،‬يحضره‬

‫رجال أخي السلطان عند القاضي لينصف منه‪.‬‬

‫ذكر رفعه للمغارم والمظالم وقعوده لنصاف المظلومين‬

‫ولمسا كان فسي سسنة إحدى وأربعيسن أمسر السسلطان برفسع المكوس عسن بلده‪ ،‬وأن ل‬

‫يؤخسذ مسن الناس إل الزكاة والعشسر خاصسة وصسار يجلس بنفسسه للنظسر فسي المظالم‪،‬‬

‫كل يوم إثنين وخميس برحبة أمام المشور‪ ،‬ول يقف بين يديه في ذلك اليوم إل أمير‬

‫حاجسب وخاص حاجب وسسيد الحجاب وشرف الحجاب ل غيره‪ ،‬ول يمنع أحسد ممسن‬

‫أراد الشكوى مسسن الوقوف بيسسن يديسسه‪ ،‬وعيسسن أربعسسة مسسن كبار المراء يجلسسسون فسسي‬

‫البواب الربعسة مسن المشور‪ ،‬لخسذ القصسص مسن المشتكيسن‪ ،‬والرابسع منهسم هسو ابسن‬
‫عمه ملك فيروز خان‪ ،‬فإن أخذ صاحب الباب الول الرفع من الشاكي فحسن‪ ،‬وإل‬

‫أخذه الثانسسي أو الثالث أو الرابسسع‪ ،‬وإن لم يأخذوه منسسه‪ ،‬مضسسى بسسه إلى صسسدر الجهان‬

‫قاضي المماليك‪ ،‬فإن أخذه منه‪ ،‬وإل شكا إلى السلطان‪ ،‬فإن صح عنده أنه مضى به‬

‫إلى أحد منهم فلم يأخذه منه‪ ،‬أدبه وكل ما يجتمع من القصص في سائر اليام‪ ،‬يطالع‬

‫به السلطان بعد العشاء الخرة‪.‬‬

‫ذكر إطعامه في الغلء‬

‫ولمسا اسستولى القحسط على بلد الهنسد والسسند‪ ،‬واشتسد الغلء حتسى بلغ مسن القمسح إلى‬

‫سستة دنانير‪ ،‬أمر السلطان أن يعطسى لجميع أهل دهلي نفقة سستة أشهر من المخزن‪،‬‬

‫بحسساب رطسل ونصسف مسن أرطال المغرب‪ ،‬لكسل انسسان فسي اليوم‪ ،‬صسغيراً وكسبيراً‬

‫حراً وعبداً‪ .‬وخرج الفقهاء والقضاة يكتبون الزمسسسسة بأهسسسسل الحارات‪ ،‬ويحضرون‬

‫الناس‪ ،‬ويعطى لكل واحد عولة ستة أشهر يقتات بها‪.‬‬

‫ذكر فتكات هذا السلطان وما نقم من أفعاله‬

‫وكان على ما قدمنا من تواضعه وإنصافه ورفقه بالمساكين وكرمه الخارق للعادة‪ ،‬كثير‬
‫التجاسر على إراقه الدماء‪ ،‬ل يخلو بابه عن مقتول إل في النادر‪ ،‬وكنت كثيراً ما أرى‬
‫الناس يقتلون على بابه‪ ،‬ويطرحون هنالك‪ .‬ولقد جئت يوماً فنفر بي الفرس‪ ،‬ونظرت إلى‬
‫قطعة بيضاء في الرض فقلت‪ :‬ما هذه ? فقال بعض أصحابي هي صدر رجل قطع ثلث‬
‫قطع‪ .‬وكان يعاقب على الصغيرة والكبيرة‪ ،‬ول يحترم أحداً من أهل العلم والصلح‬
‫والشرف وفي كل يوم يرد على المشور من المسلسلين والمغلولين والمقيدون مئون فمن‬
‫كان للقتل قتل أو للعذاب عذب‪ ،‬أو للضرب ضرب‪ .‬وعادته أن يؤتى كل يوم بجميع من في‬
‫سجنه من الناس إلى المشور‪ ،‬ما عدا يوم الجمعة‪ ،‬فإنهم ل يخرجون فيه‪ ،‬وهو يوم راحتهم‪،‬‬
‫يتنظفون فيه ويستريحون أعاذنا ال من البلء‪.‬‬
‫ذكر قتلة لخيه وكان له أخ اسمه مسعود خان‪ ،‬وأمه بنت السلطان علء الدين وكان من‬
‫أجمل صورة رأيتها في الدنيا فاتهمه بالقيام عليه‪ ،‬وسأله عن ذلك فأقر خوفاً من العذاب فإن‬
‫من أنكر ما يدعيه عليه السلطان من مثل ذلك يعذب‪ ،‬فيرى الناس أن القتل أهون عليهم من‬
‫العذاب‪ ،‬فأمر به‪ ،‬فضربت عنقه في وسط السوق‪ ،‬وبقي مطروحاً هنالك ثلثة أيام على‬
‫عادتهم‪ .‬وكانت أم هذا المقتول قد رجمت في ذلك الموضع قبل ذلك بسنتين‪ ،‬لعترافها‬
‫بالزنا رجمها القاضي كمال الدين‪.‬‬
‫ذكر قتله لثلثمائة وخمسين رجلً في ساعة واحدة وكان مرة عين حصة من العسكر‪،‬‬
‫تتوجه مع الملك يوسف بغرة إلى قتال الكفار‪ ،‬ببعض الجبال المتصلة بحوز دهلي فخرج‬
‫يوسف‪ ،‬وخرج معه معظم العسكر وتخلف قوم منهم‪ ،‬فكتب يوسف إلى السلطان يعلمه‬
‫بذلك‪ ،‬فأمر أن يطاف بالمدينة‪ ،‬ويقبض على من وجد من أولئك المتخلفين ففعل ذلك‪،‬‬
‫وقبض على ثلثمائة وخمسين منهم فأمر بقتلهم أجمعين‪ ،‬فقتلوا‪.‬‬
‫ذكر تعذيبه للشيخ شهاب الدين وقتله وكان الشيخ شهاب الدين ابن شيخ الجام الخراساني‬
‫الذي تنسب مدينة الجام بخراسان إلى جده‪ ،‬حسبما قصصنا ذلك‪ ،‬من كبار المشايخ الصلحاء‬
‫الفضلء‪ ،‬وكان يواصل أربعة عشر يوماً‪ .‬وكان السلطانان‪ ،‬قطب الدين وتغلق يعظمانه‬
‫ويزورانه ويتبركان به فلما ولي السلطان محمد أراد أن يخدم الشيخ في بعض خدمته‪ ،‬فإن‬
‫عادته أن يخدم الفقهاء والمشايخ والصلحاء‪ ،‬محتجاً أن الصدر الول رضي ال عنهم‪ ،‬لم‬
‫يكونوا يستعملون إل أهل العلم والصلحاء‪ ،‬فامتنع الشيخ شهاب الدين من الخدمة وشافهه‬
‫السلطان بذلك في مجلسه العام‪ ،‬فأظهر الباية والمتناع‪ ،‬فغضب السلطان من ذلك‪ ،‬وأمر‬
‫الشيخ الفقيه المعظم ضياء الدين السمناني أن ينتف لحيته‪ ،‬فأبى ضياء الدين من ذلك‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ل أفعل هذا‪ ،‬فأمر السلطان بنتف لحية كل واحد منهما فنتف ونفي ضياء الدين إلى بلد‬
‫التلنك ثم وله بعد مدة قضاء ورنكل‪ ،‬فمات بها‪ ،‬ونفي شهاب الدين إلى دولة آباد‪ ،‬فأقام بها‬
‫سبعة اعوام‪ ،‬ثم بعث عنه‪ ،‬فأكرمه وعظمه‪ ،‬وجعله على ديوان المستخرج‪ ،‬وهو ديوان بقايا‬
‫العمال‪ ،‬يستخرجها منهم بالضرب والتنكيل ثم زاد في تعظيمه‪ ،‬وأمر المراء أن ياتوا‬
‫للسلم عليه‪ ،‬ويمتثلوا أقواله ولم يكن أحد في دار السلطان فوقه ولما انتقل السلطان إلى‬
‫السكنى على نهر الكنك‪ ،‬وبنى هنالك القصر المعروف بسرك دوار‪ ،‬معناه شبه الجنة‪ ،‬وأمر‬
‫الناس بالبناء هنالك‪ ،‬طلب منه الشيخ شهاب الدين أن يأذن له في القامة بالحضرة‪ ،‬فأذن له‬
‫إلى أرض موات‪ ،‬على مسافة ستة أميال من دهلي فحفر بها كهفاً كبيراً‪ ،‬صنع في جوفه‬
‫البيوت والمخازن والفرن والحمام‪ ،‬وجلب الماء من نهر جون‪ ،‬وعمر تلك الرض‪ ،‬وجمع‬
‫مالً كثيراً من مستغلها لنها كانت السنون قاحطة‪ ،‬وأقام هنالك عامين ونصف عام مدة‬
‫مغيب السلطان‪ .‬وكان عبيده يخدمون تلك الرض نهاراً‪ ،‬ويدخلون الغار ليلً ويسدونه على‬
‫أنفسهم وأنعامهم‪ ،‬خوف سراق الكفار‪ ،‬لنهم في جبل منيع هنالك‪ ،‬ولما عاد السلطان إلى‬
‫حضرته استقبله الشيخ ولقيه على سبعة أميال منها‪ ،‬فعظمه السلطان وعانقه عند لقائه‪،‬‬
‫وعاد إلى غاره ثم بعث عنه بعد أيام‪ ،‬فامتنع من إتيانه فبعث إليه مخلص الملك النذرباري‪،‬‬
‫وكان من كبراء الملوك‪ ،‬فتلطف له في القول‪ ،‬وحذره بطش السلطان فقال له‪ :‬ل أخدم ظالماً‬
‫أبداً فعاد مخلص الملك إلى السلطان فأخبره بذلك فأمر أن يأتي به‪ ،‬فأتى به فقال له‪ :‬أنت‬
‫القائل‪ :‬إني ظالم فقال‪ :‬نعم‪ ،‬أنت ظالم‪ ،‬ومن ظلمك كذا و كذا‪ ،‬وعدد أموراً منها تخريبه‬
‫لمدينة‪ ،‬دهلي‪ ،‬وإخراجه أهلها‪ .‬فأخذ السلطان سيفه‪ ،‬ودفعه لصدر الجهان‪ ،‬وقال‪ :‬يثبت هذا‬
‫أني ظالم‪ ،‬واقطع عنقي بهذا السيف فقال له شهاب الدين‪ :‬ومن يريد أن يشهد بذلك‪ ،‬فيقتل‬
‫ولكن أنت تعرف ظلم نفسك وأمر بتسليمه للملك نكبية‪ ،‬رأس الدويدارية‪ ،‬فقيده بأربع قيود‪،‬‬
‫وغل يديه وأقام كذلك أربعة عشر يوماً مواصلً‪ ،‬ل يأكل ول يشرب وفي كل يوم منها‬
‫يؤتى بها إلى المشور‪ ،‬ويجمع الفقهاء والمشايخ‪ ،‬ويقولون له‪ :‬إرجع عن قولك فيقول‪ :‬ل‬
‫أرجع عنه‪ ،‬وأريد أن أكون في زمرة الشهداء‪ .‬فلما كان اليوم الرابع عشر بعث إليه السلطان‬
‫بطعام مع مخلص الملك‪ ،‬فأبى أن يأكل‪ ،‬وقال‪ :‬رفع رزقي من الرض ارجع بطعامك إليه‬
‫فلما أخبر بذلك السلطان‪ ،‬أمر عند ذلك أن يطعم الشيخ خمسة أستار " أساتير " من العذرة‪،‬‬
‫وهي رطلن ونصف من أرطال المغرب فأخذ ذلك الموكلون بمثل هذه المور‪ ،‬وهم طائفة‬
‫من كفار الهنود‪ ،‬فمدوه على ظهره‪ ،‬وفتحوا فمه بالكلبتين‪ ،‬وحلوا العذرة بالماء وسقوه ذلك‪.‬‬
‫وفي اليوم بعده أتى به إلى دار القاضي صدر الجهان‪ ،‬وجمع الفقهاء والمشايخ ووجوه‬
‫العزة فوعظوه‪ ،‬وطلبوا منه أن يرجع عن قوله‪ ،‬فأبى ذلك‪ .‬فضربت عنقه‪ ،‬رحمه ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫ذكر قتله للفقيه المدرسي عفيف الدين الكاساني وفقيهين معه وكان السلطان في سني القحط‬
‫قد أمر بحفر آبار خارج دار الملك‪ ،‬وأن يزرع هنالك زرع‪ ،‬وأعطى الناس البذر‪ ،‬وما يلزم‬
‫على الزراعة من النفقة‪ ،‬وكلفهم زرع ذلك للمخزن فبلغ ذلك الفقيه عفيف الدين‪ ،‬فقال‪ :‬هذا‬
‫الزرع ل يحصل المراد منه‪ ،‬فوشي به إلى السلطان فسجنه‪ .‬وقال له‪ :‬لي شيء تدخل‬
‫نفسك في أمور الملك ? ثم إنه سرحه بعد مدة فذهب إلى داره ولقيه في طريقه إليها‬
‫صاحبان له من الفقهاء‪ ،‬فقال له‪ :‬الحمد ل على خلصك‪ .‬فقال الفقيه‪ ،‬الحمد ل الذي نجانا‬
‫من القوم الظالمين وتفرقوا فلم يصلوا إلى دورهم حتى بلغ ذلك السلطان فأمر بهم فأحضر‬
‫ثلثتهم بين يديه فقال‪ :‬اذهبوا بهذا‪ ،‬يعني عفيف الدين‪ ،‬فاضربوا عنقه حمائل‪ ،‬وهو أن يقطع‬
‫الرأس من الذراع وبعض الصدر‪ ،‬واضربوا أعناق الخرين فقالوا له‪ :‬أما هو فيستحق‬
‫العقاب بقوله‪ ،‬وأما نحن فبأي جريمة تقتلنا ? فقال‪ :‬طالما أنكما سمعتما كلمه فلم تنكراه‬
‫فكأنكما وافقتما عليه‪ ،‬فقتلوا جميعاً رحمهم ال تعالى‪.‬‬
‫ذكر قتله أيضاً لفقيهين من أهل السند كانا في خدمته وأمر السلطان هذين الفقيهين السنديين‬
‫أن يمضيا مع أمير عينه إلى بعض البلد‪ ،‬وقال لهما‪ :‬إنما سلمت أحوال البلد والرعية‬
‫لكما‪ ،‬ويكون هذا المير معكما‪ ،‬يتصرف مما تأمرانه به‪ ،‬فقال له‪ :‬إنما نكون كالشاهدين‬
‫عليه‪ ،‬ونبين له وجه الحق ليتبعه‪ .‬فقال لهما‪ :‬إنما قصدكما أن تأكل أموالي وتضيعاها‪،‬‬
‫وتنسبا ذلك إلى هذا التركي الذي ل معرفة له‪ .‬فقال له‪ :‬حاشا ل يا خوند عالم ما قصدنا هذا‬
‫فقال لهما لم تقصدا غير هذا اذهبوا بهما إلى الشيخ زاده النهاوندي‪ ،‬وهو الموكل بالعذاب‬
‫فذهب بهما إليه‪ ،‬فقال لهما‪ :‬السلطان يريد قتلكما‪ .‬فأقرا بما قولكما إياه‪ ،‬ول تعذبا أنفسكما‬
‫فقال‪ :‬وال ما قصدنا إل ما ذكرنا فقال لزبانيته‪ :‬ذوقوهما بعض شيء‪ ،‬يعني من العذاب‬
‫فبطحا على اقفائهما وجعل على صدر كل واحد منهما صفيحة حديد محماة‪ ،‬ثم قلعت بعد‬
‫هنيهة‪ ،‬فذهب بلحم صدورهما‪ ،‬ثم أخذ البول والرماد فجعل على تلك الجراحات فأقرا على‬
‫أنفسهما أنهما لم يقصدا إل ما قاله السلطان‪ ،‬وأنهما مجرمان مستحقان للقتل‪ ،‬فل حق لهما‬
‫ول دعوى في دمائها دنيا ول أخرى‪ ،‬وكتبا خطهما بذلك‪ ،‬واعترفا به عند القاضي‪ ،‬فسجل‬
‫على العقد‪ ،‬وكتب فيه أن اعترافهما كان عن غير إكراه ول إجبار ولو قال‪ :‬أكرهنا لعذبا‬
‫أشد العذاب‪ ،‬ورأيا أن تعجيل ضرب العنق خير لهما من الموت بالعذاب الليم فقتل‬
‫رحمهما ال تعالى‪.‬‬
‫ذكر قتله للشيخ هود‬
‫وكان الشيخ زاده‪ ،‬المسمى بهود‪ ،‬حفيد الشيخ الصالح الولي ركن الدين بن بهاء الدين ابن‬
‫أبي زكريا الملتاني‪ ،‬وجده الشيخ ركن الدين‪ ،‬معظماً عند السلطان‪ ،‬وكذلك أخوه عماد الدين‬
‫الذي كان شبيهاً بالسلطان‪ ،‬وقتل يوم وقيعة كشلوخان‪ ،‬وسنذكره‪ .‬ولما قتل عماد الدين‬
‫أعطى السلطان لخيه ركن الدين مائة قرية ليأكل منها ويطعم الصادر والوارد بزاويته‬
‫فتوفي الشيخ ركن الدين‪ ،‬وأوصى بمكانه من الزاوية لحفيده الشيخ هود‪ ،‬ونازعه في ذلك‬
‫ابن أخي الشيخ ركن الدين‪ ،‬وقال‪ :‬أنا أحق بميراث عمي‪ ،‬فقدما على السلطان‪ ،‬وهو بدولة‬
‫آباد وبينهما وبين ملتان ثمانون يوماً فأعطى السلطان المشيخة لهود حسبما أوصى له‬
‫الشيخ‪ ،‬وكان كهلً‪ ،‬وكان ابن أخي الشيخ فتى وأكرمه السلطان‪ ،‬وأمر بتضفييه في كل‬
‫منزل يحله‪ ،‬وأن يخرج إلى لقائه أهل كل بلد يمر به إلى ملتان‪ ،‬وتصنع له فيه دعوة فلما‬
‫وصل المر للحضرة‪ ،‬خرج الفقهاء والقضاة والمشايخ والعيان للقائه وكنت فيمن خرج‬
‫إليه‪ ،‬فتلقيناه وهو راكب في دولة‪ ،‬يجملها الرجال‪ ،‬وخيله مجنوبة‪ ،‬فسلمنا عليه‪ ،‬وأنكرت أنا‬
‫ما كان من فعله في ركوبه الدولة‪ ،‬وقلت‪ :‬إنما كان ينبغي له أن يركب الفرس‪ ،‬ويساير من‬
‫خرج للقائه من القضاة والمشايخ فبلغه كلمي‪ ،‬فركب الفرس‪ ،‬واعتذر بأن فعله أولً كان‬
‫بسبب ألم منعه من ركوب الفرس‪ .‬ودخل الحضرة‪ ،‬وصنعت لها دعوة أنفق فيها من مال‬
‫السلطان عدداً كثيراً وحضر القضاة والمشايخ والفقهاء والعزة‪ ،‬ومد السماط وأتوا بالطعام‬
‫على العادة‪ ،‬ثم أعطيت الدراهم لكل من حضر على قدر استحقاقه‪ .‬فأعطي قاضي القضاة‬
‫خمسمائة دينار‪ ،‬وأعطيت أنا مائتين وخمسين ديناراً وهذه عادة لهم في الدعوى السلطانية‬
‫ثم انصرف الشيخ هود إلى بلده‪ ،‬ومعه الشيخ نور الدين الشيرازي‪ ،‬بعثه السلطان ليجلسه‬
‫على سجادة جده بزاويته‪ ،‬ويصنع له الدعوة من مال السلطان هنالك‪ .‬واستقر بزاويته‪ ،‬وأقام‬
‫بها أعواماً ثم إن عماد الملك‪ ،‬أمير بلد السند‪ ،‬كتب إلى السلطان يذكر أن الشيخ وقرابته‪،‬‬
‫يشتغلون بجمع الموال وإنفاقها في الشهوات‪ ،‬ول يطعمون أحداً بالزاوية‪ ،‬فنفذ المر‬
‫بمطالبتهم بالموال فطلبهم عماد الملك بها‪ ،‬وسجن بعضهم‪ ،‬وضرب بعضاً‪ ،‬وصار يأخذ‬
‫منهم كل يوم عشرين ألف دينار مدة أيام‪ ،‬حتى استخلص ما كان عندهم ووجد لهم كثيراً من‬
‫الموال والذخائر من جملتها نعلن مرصعان بالجوهر والياقوت‪ ،‬بيعا بسبعة آلف دينار‪،‬‬
‫قيل‪ :‬إنهما كانا لبنت الشيخ هود‪ ،‬وقيل لسرية له فلما اشتد الحال على الشيخ هرب يريد بلد‬
‫التراك فقبض عليه وكتب عماد الملك بذلك إلى السلطان‪ ،‬فأمره أن يبعثه ويبعث الذي‬
‫قبض عليه كليهما في حكم الثقاف ‪ ،‬فلما وصل إليه‪ ،‬سرح الذي قبض عليه وقال للشيخ‬
‫هود‪ :‬أين أردت أن تفر ? فاعتذر بعذر فقال له السلطان‪ :‬إنما أردت أن تذهب إلى التراك‪،‬‬
‫فتقول‪ :‬أنا ابن الشيخ بهاء الدين زكريا‪ ،‬وقد فعل السلطان معي كذا‪ ،‬وتأتي بهم لقتالنا‪.‬‬
‫اضربوا عنقه‪ ،‬فضربت عنقه رحمه ال تعالى‪.‬‬
‫ذكر سجنه لبن تاج العارفين وقتله لولده‬
‫وكان الشيخ الصالح شمس الدين ابن تاج العارفين‪ ،‬ساكناً بمدينة كول‪ ،‬منقطعاً للعبادة كبير‬
‫القدر ودخل السلطان إلى مدينة كول‪ ،‬فذهب عنه فلم يأته فذهب السلطان إليه ثم لما قارب‬
‫منزله انصرف‪ ،‬ولم يره‪ ،‬واتفق‪ ،‬بعد ذلك أن أميراً من المراء خالف على السلطان ببعض‬
‫الجهات‪ ،‬وبايعه الناس‪ :‬فنقل للسلطان أنه وقع ذكر هذا المير بمجلس الشيخ شمس الدين‪،‬‬
‫فأثنى عليه‪ ،‬وقال‪ :‬إنه يصلح للملك فبعث السلطان بعض المراء إلى الشيخ فقيده‪ ،‬وقيد‬
‫أولده‪ ،‬وقيد قاضي كول‪ ،‬ومحتسبها‪ .‬لنه ذكر أنهما كانا حاضرين للمجلس الذي وقع فيه‬
‫ثناء الشيخ على المير المخالف وأمر بهم فسجنوا جميعاً‪ ،‬بعد أن سمل عيني القاضي‪،‬‬
‫وعيني المحتسب‪ .‬ومات الشيخ بالسجن وكان القاضي والمحتسب يخرجان مع بعض‬
‫السجانين فيسألن الناس‪ ،‬ثم يردان إلى السجن‪ ،‬وكان قد بلغ السلطان‪ ،‬أن أولد الشيخ كانوا‬
‫يخالطون كفار الهنود وعصاتهم ويصبحونهم‪ ،‬فلما مات أبوهم‪ ،‬أخرجهم من السجن‪ ،‬وقال‬
‫لهم‪ :‬ل تعودوا إلى ما كنتم تفعلون‪ .‬فقالوا له‪ :‬وما فعلنا فاغتاظ من ذلك وأمر بقتلهم جميعاً‬
‫فقتلوا ثم استحضر القاضي المذكور‪ ،‬فقال أخبرني بما كان يرى رأي هؤلء الذين قتلوا‪،‬‬
‫ويفعل مثل أفعالهم فأملى أسماء رجال كثيرين من كفار البلد‪ ،‬فلما عرض ما أمله على‬
‫السلطان قال‪ :‬هذا يجب أن يخرب البلد اضربوا عنقه‪ ،‬فضربت عنقه رحمه ال تعالى‪.‬‬
‫ذكر قتله للشيخ الحيدري وكان الشيخ علي الحيدري ساكناً بمدينة كنباية من ساحل الهند‪،‬‬
‫وهو عظيم القدر‪ ،‬شهير الذكر‪ ،‬بعيد الصيت‪ ،‬ينذر له التجار بالبحر النذور الكثيرة وإذا‬
‫قدموا بدأوا بالسلم عليه وكان يكاشف بأحوالهم‪ ،‬وربما نذر أحدهم النذر وندم عليه فإذا أتى‬
‫الشيخ للسلم عليه‪ ،‬أعلمه بما نذر له‪ ،‬وأمر بالوفاء به واتفق له ذلك مرات‪ ،‬واشتهر به فلما‬
‫خالف القاضي جلل الفغاني وقبيلته بتلك الجهات‪ ،‬بلغ السلطان أن الشيخ الحيدري دعا‬
‫للقاضي جلل الدين‪ ،‬وأعطاه شاشيته من رأسه‪ ،‬وذكر أيضاً أنه بايعه‪ .‬فلما خرج السلطان‬
‫إليهم بنفسه‪ ،‬وانهزم القاضي جلل خلف السلطان شرف الملك أمير بخت‪ ،‬أحد الوافدين‬
‫معنا عليه بكنباية‪ ،‬وأمره بالبحث عن أهل الخلف‪ ،‬وجعل معه فقهاء يحكم بقولهم‪ ،‬فأحضر‬
‫الشيخ علي الحيدري بين يديه‪ ،‬وثبت أنه أعطى للقائم شاشيته ودعا له‪ ،‬فحكموا بقتله‪ .‬فلما‬
‫ضربه السياف لم يفعل شيئاً وعجب الناس لذلك‪ ،‬وظنوا أنه يعفو عنه بسبب ذلك فأمر سيافاً‬
‫آخر بضرب عنقه‪ ،‬فضربها رحمه ال تعالى‪.‬‬
‫ذكر قتله لطوغان وأخيه وكان طوغان الفرغاني وأخوه من كبار أهل مدينة فرغاني فوفدا‬
‫على السلطان‪ ،‬فأحسن إليهما وأعطاهما عطاء جزيلً وأقاما عنده مدة فلما طال مقامهما‬
‫أرادا الرجوع إلى بلدهما‪ ،‬وحاول الفرار فوشى بهما أحد أصحابهما إلى السلطان فأمر‬
‫بتوسيطهما‪ ،‬فوسطا وأعطي للذي وشى بهما جميع مالهما‪ ،‬وكذلك عادتهم بتلك البلد إذا‬
‫وشى أحد بأحد وثبت ما وشى به فقتل‪ ،‬أعطي ماله‪.‬‬
‫ذكر قتله لبن ملك التجار وكان ابن ملك التجار شاباً صغيراً ل نبات بعارضيه فلما وقع‬
‫خلف عين الملك وقيامته وقتاله للسلطان‪ ،‬كما سنذكره‪ ،‬غلب على ابن ملك التجار هذا‪،‬‬
‫فكان في جملته مقهوراً‪ ،‬فلما هزم عين الملك‪ ،‬وقبض الملك عليه وعلى أصحابه‪ ،‬كان من‬
‫جملتهم ابن ملك التجار وصهره ابن قطب الملك‪ ،‬فأمر بهما‪ ،‬فعلقا من أيديهما في خشب‪،‬‬
‫وأمر أبناء الملوك‪ ،‬فرموهما بالنشاب حتى ماتا قال الحجب خواجه أمير علي التبريزي‬
‫لقاضي القضاة كمال الدين ذلك الشاب‪ ،‬لم يجب عليه القتل‪ .‬فبلغ ذلك السلطان فقال‪ :‬هل‬
‫قلت هذا قبل موته‪ ،‬وأمر به فضرب مائتي مقرعة أو نحوها‪ ،‬وسجن‪ ،‬وأعطى جميع ماله‬
‫لمير السيافين فرأيته في ثاني ذلك اليوم قد لبس ثيابه‪ ،‬وجعل قلنسوته على رأسه‪ ،‬وركب‬
‫فرسه‪ ،‬فظننت أنه هو وأقام بالسجن شهوراً ثم سرحه‪ ،‬ورده إلى ما كان عليه‪ ،‬ثم غضب‬
‫عليه ثانية‪ ،‬ونفاه إلى خراسان فاستقر بهراة‪ ،‬وكتب إليه يستعطفه‪ ،‬فوقع له على ظهر كتابه‬
‫أربار آمدي باز " آي " معناه أن كنت تبت فارجع‪ ،‬فرجع إليه‪.‬‬
‫ذكر ضربه لخطيب الخطباء حتى مات وكان قد ولي خطيب الخطباء بدهلي النظر في زانة‬
‫الجوهر في السفر‪ ،‬فاتفق أن جاء سراق الكفار ليلً فضربوا على تلك الخزانة‪ ،‬وذهبوا‬
‫بشيء منها فأمر بضرب الخطيب حتى مات‪ .‬رحمه ال تعالى‪.‬‬
‫ذكر تخريبه لدهلي ونفي أهلها‬
‫وقتسل العمسى والمقعسد ومسن أعظسم مسا كان ينقسم على السسلطان إجلؤه لهسل دهلي‬

‫عنهسسا‪ ،‬وسسسبب ذلك أنهسسم كانوا يكتبون بطائق فيهسسا شتمسسه وسسسبه‪ ،‬ويختمون عليهسسا‪،‬‬

‫ويكتبون عليها‪ ،‬وحق رأس خوند عالم‪ ،‬ما يقرأها غيره ويرمونها بالمشور ليلً فإذا‬

‫فضهسا وجسد شتمسه وسسبه فعزم على تخريسب دهلي‪ ،‬واشترى مسن أهلها جميعاً دورهسم‬

‫ومنازلهسم‪ ،‬ودفسع لهسم ثمنهسا‪ ،‬وأمرهسم بالنتقال عنهسا إلى دولة آباد‪ ،‬فأبوا ذلك‪ ،‬فنادى‬

‫مناديه أن ليبقى فيها أحد بعد ثلث فانتقل معظمهم‪ ،‬واختفى بعضهم في الدور فأمر‬

‫بالبحسث عمسن بقسي بهسا‪ ،‬فوجسد عسبيده بأزقتهسا رجليسن‪ :‬أحدهمسا مقعسد والخسر أعمسى‪،‬‬

‫فأتوا بهما فأمر بالمقعد فرمي به في المنجنيق‪ ،‬وأمر أن يجر العمى من دهلي إلى‬

‫دولة آباد‪ ،‬مسسيرة أربعيسن يوماً فتمزق فسي الطريسق‪ ،‬ووصسل منسه رجله‪ ،‬ولمسا فعسل‬

‫ذلك خرج أهلهسسسا جميعاً‪ ،‬وتركوا أثقالهسسسم وأمتعتهسسسم وبقيسسست المدينسسسة خاويسسسة على‬

‫عروشها‪ ،‬فحدثني من أثق بسه قال‪ :‬صعد السلطان ليلة إلى سطح قصسره‪ ،‬فنظر إلى‬

‫دهلي وليسس بهسا نار ول دخان ول سسراج فقال‪ :‬الن طاب قلبسي وتهدن خاطري ثسم‬

‫كتسب إلى أهسل البلد أن ينتقلوا إلى دهلي ليعمروهسا فخربست بلدهسم ولم تعمسر دهلي‬

‫لتسساعها وضخامتهسا وهسي مسن أعظسم مدن الدنيسا‪ ،‬وكذلك وجدناهسا لمسا دخلنسا إليهسا‬
‫خاليسة‪ ،‬ليسس بهسا ال قليسل عمارة وقسد ذكرنسا كثيراً مسن مآثسر هذا السسلطان‪ ،‬وممسا نقسم‬

‫عليه أيضًا فلنذكر جملً من الوقائع والحوادث الكائنة في أيامه‪.‬‬

‫ذكر ما افتتح أمره أول وليته منه على بهادور بوره‬

‫ولما ولي السلطان الملك بعد أبيه وبايعه الناس‪ ،‬أحضر السلطان غياث الدين بهادور بوره‬
‫الذي كان أسره السلطان تغلق‪ ،‬فمن عليه‪ ،‬وفك قيوده‪ ،‬وأجزل له العطاء من الموال‬
‫والخيل والفيلة‪ ،‬وصرفه إلى مملكته وبعث معه ابن أخيه إبراهيم خان‪ ،‬وعاهده على أن‬
‫تكون تلك المملكة مشاطرة بينهما ويكتب اسماهما معاً في السكة‪ ،‬ويخطب لهما وعلى أن‬
‫يصرف غياث الدين ابنه محمد المعروف برباط‪ ،‬يكون رهينة عند السلطان فانصرف‬
‫غياث الدين إلى مملكته‪ ،‬والتزم ما شرط عليه إل أنه لم يبعث ابنه‪ ،‬وادعى انه امتنع وأساء‬
‫الدب في كلمه فبعث السلطان العساكر إلى ابن أخيه إبراهيم وأميرهم دلجي التتري‪،‬‬
‫فقاتلوا غياث الدين فقتلوه وسلخوا جلده‪ ،‬وحشي بالتبن وطيف به على البلد‪.‬‬
‫ذكر ثورة ابن عمته وما اتصل بذلك وكان للسلطان تغلق ابن أخت يسمى بهاء الدين كشت‬
‫اسب " بضم الكاف وسكون الشين المعجم وتاء معلوة " واسب " بالسين المهمل والباء‬
‫الموحدة مسكنين "‪ ،‬فجعله أميراً ببعض النواحي‪ ،‬فلما مات خاله امتنع من بيعة ابنه‪ ،‬وكان‬
‫شجاعاً بطلً فبعث السلطان إليه العساكر‪ ،‬فيهم المراء الكبار‪ ،‬مثل الملك مجير‪ ،‬والوزير‬
‫خواجه جهان أمير على الجمع فالتقى الفرسان‪ ،‬واشتد القتال‪ ،‬وصبر كل العسكرين ثم‬
‫كانت الكرة لعسكر السلطان ففر بهاء الدين إلى ملك من ملوك الكفار‪ ،‬يعرف بالراي كنبيلة‬
‫والراي عندهم كمثل ما هو بلسان الروم عبارة عن السلطان وكنبيلة اسم القليم الذي هو به‪،‬‬
‫وهو " بفتح الكاف وسكون النون وكسر الباء الموحدة وياء ولم مفتوحة " وهذا الراي له‬
‫بلد في جبال منيعة‪ ،‬وهو من أكابر السلطين الكفار‪ .‬فلما هرب إليه بهاء الدين‪ ،‬اتبعه‬
‫عساكر السلطان وحصروا تلك البلد واشتد المر على الكافر‪ ،‬ونفذ ما عنده من الزرع‬
‫وخاف أن يؤخذ باليد فقال لبهاء الدين‪ :‬إن الحال قد بلغت لما تراه‪ ،‬وأنا عازم على هلك‬
‫نفسي وعيالي ومن تبعني فاذهب أنت إلى السلطان فلن من الكفار‪ ،‬وسماه له فأقم عنده‪،‬‬
‫فإنه سيمنعك وبعث معه من أوصله اليه‪ .‬وأمر راي كنبيلة بنار عظيمة فأججت وأحرق فيها‬
‫أمتعته وقال لنسائه وبناته " إني أريد قتل نفسي فمن أرادت موافقتي فلتفعل المرأة منهم‬
‫تغتسل وتدهن بالصندل والمقاصري وتقبل الرض بين يديه وترمي بنفسها في النار‪ ،‬حتى‬
‫هلكن جميعاً‪ ،‬وفعل مثل ذلك نساء أمرائه ووزرائه وأرباب دولته ومن أراد من سائر النساء‬
‫ثم اغتسل الراي وادهن بالصندل‪ ،‬ولبس السلح ما عدا الدرع‪ ،‬وفعل كفعله من أراد الموت‬
‫معه من ناسه‪ ،‬وخرجوا إلى عسكر السلطان فقاتلوا حتى قتلوا جميعاً ودخل المدينة فأسر‬
‫أهلها وأسر من أولد راي كنبيلة أحد عشر ولداً‪ ،‬فأتى بهم السلطان فأسلموا جميعاً وجعلهم‬
‫السلطان أمراء‪ ،‬وعظمهم لصالتهم‪ ،‬ولفعل أبيهم فرأيت عنده منهم نصراً وبختيار‬
‫والمهردار‪ ،‬وهو صاحب الخاتم الذي يختم به على الماء الذي يشرب السلطان منه وكنيته‬
‫أبو مسلم وكانت بيني وبينه صحبة ومودة‪ ،‬ولما قتل راي كنبيلة توجهت عساكر السلطان‬
‫إلى بلد الكفار الذي لجأ إليه بهاء الدين‪ ،‬وأحاطوا به فقال ذلك السلطان‪ :‬أنا ل أقدر على أن‬
‫أفعل ما فعله راي كنبيلة فقبض على بهاء الدين وأسلمه إلى عسكر السلطان‪ ،‬فقيدون وغلوه‬
‫وأتوا به فلما أتى به إليه أمر بإدخاله إلى قرابته من النساء فشتمنه وبصقن في وجهه‪ ،‬وأمر‬
‫بسلخه‪ ،‬وهو بقيد الحياة‪ ،‬فسلخ وطبخ لحمه مع الرز‪ ،‬وبعث لولده وأهله‪ ،‬وجعل باقيه‬
‫على صحفة‪ ،‬وطرح للفيلة لتأكله فأبت أكله وأمر بحلده فحشي بالتبن وقرن بجلد بهادور‬
‫بوره‪ ،‬وطيف بهما على البلد فلما وصل إلى بلد السند وأمير أمرائها يومئذ كشلو خان‬
‫صاحب السلطان تغلق ومعينه على أخذ الملك‪ .‬وكان السلطان يعظمه ويخاطبه بالعم‬
‫ويخرج لستقباله إذا وفد من بلده وأمر كشلو خان بدفن الجلدين فبلغ ذلك السلطان فشق‬
‫عليه فعله وأراد الفتك به‪.‬‬
‫ذكر ثورة كشلوخان وقتله‬
‫ولما اتصل بالسلطان ما كان من فعله في دفن الجلدين‪ ،‬بعث عنه وعلم كشلوخان‬

‫أنسه يريسد عقابسه‪ .‬فامتنسع وخالف وأعطسى الموال وجمسع العسساكر‪ ،‬وبعسث إلى الترك‬

‫والفغان وأهسل خراسسان فأتاه منهسم العدد الجسم‪ ،‬حتسى كافسأ عسسكره عسسكر السسلطان‪،‬‬

‫أو أربى عليه كثرة‪ .‬وخرج السلطان بنفسه لقتاله‪ ،‬فكان اللقاء على مسيرة يومين من‬

‫ملتان بصحراء أبوهر‪ .‬وأخذ السلطان بالحزم عند لقائه‪ ،‬فجعل تحت الشطر عوضاً‬

‫منسه الشيسخ عماد الديسن شقيسق الشيسخ ركسن الديسن الملتانسي‪ ،‬وهسو حدثنسي هذا‪ ،‬وكان‬

‫شسبيهاً بسه‪ .‬فلمسا حمسي القتال‪ ،‬انفرد السسلطان فسي أربعسة آلف مسن عسسكره‪ ،‬وقصسد‬

‫عسسكر كشلوخان الشطسر معتقديسن أن السسلطان فسي أربعسة آلف مسن عسسكره‪ ،‬وقصسد‬

‫عسسكر كشلوخان الشطسر معتقديسن أن السسلطان تحتسه‪ ،‬فقتلوا عماد الديسن‪ ،‬وشاع فسي‬

‫العسكر أن السلطان قتل‪ .‬فاشتغلت عساكر كشلوخان بالنهب‪ ،‬وفرقوا عنه‪ ،‬ولم يبق‬

‫معه إل القليل‪ .‬فقصده السلطان بمن معه فقتله وجز رأسه‪ .‬وعلم بذلك جيشه ففروا‪.‬‬

‫ودخسل السسلطان مدينسة ملتان‪ ،‬وقبسض على قاضيهسا كريسم الديسن‪ ،‬وأمسر بسسلخه فسسلخ‪.‬‬

‫وأمسسر برأس كشلوخان فعلق على بابسسه‪ .‬وقسسد رأيتسسه معلقاً لمسسا وصسسلت إلى ملتان‪.‬‬
‫وأعطى السلطان الشيخ ركن الدين أخي عماد الدين ولبنه صدر الدين‪ ،‬مائة قرية‬

‫إنعاماً عليهسسم ليأكلوا منهسسا ويطعموا بزاويتهسسم المنسسسوبة لجدهسسم بهاء الديسسن زكريسسا‪،‬‬

‫وأمكسسر السسسلطان وزيره خواجسسه جهان أن يذهسسب إلى مدينسسة كمال بور وهسسي مدينسسة‬

‫كسبيرة على سساحل البحسر‪ ،‬وكان أهلهسا قسد خالفوا‪ ،‬فأخسبرني بعسض افقهاء أنسه حضسر‬

‫دخول الوزيسر إياهسا‪ .‬قال‪ :‬وأحضسر بيسن يديسه القاضسي بهاء الخطيسسب‪ ،‬فأمسر بسسسلخ‬

‫جلديهما‪ .‬فقال‪ :‬اقتلنا بغير ذلك‪ .‬فقال لهما‪ :‬بم استوجبتما القتل ? فقال‪ :‬بمخالفتنا أمر‬

‫السسلطان‪ ،‬فقال لهمسا‪ :‬كيسف أخالف أنسا أمره ? وقسد أمرنسي أن أقتلكمسا بهذه الطريقسة‪.‬‬

‫وقال للمتوليسن لسسلخهما احفروا لهمسا حفراً تحست وجهيهمسا‪ ،‬يتنفسسان فيهسا‪ .‬فإنهسم إذا‬

‫سسلخوا والعياذ بال يطرحون على وجوههسم‪ .‬ولمسا فعسل ذلك تمهدت بلد السسند وعاد‬

‫السسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلطان إلى حضرتسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه‪.‬‬

‫ذكسر الوقيعسة بجبسل قراجيسل على جيسش السسلطان " وأول اسسمه قاف وجيسم معقودة "‬

‫وجبسل قراجيسل هذا جبسل كسبير‪ ،‬يتصسل مسسيرة ثلثسة أشهسر‪ .‬وبينسه وبيسن دهلي مسسيرة‬

‫عشسر‪ ،‬وسسلطانه مسن أكسبر السسلطين الكفار‪ .‬وكان السسلطان بعسث ملك نكبيسة رأس‬

‫الدويداريسسة إلى حرب هذا الجبسسل‪ ،‬ومعسسه ألف فارس‪ ،‬ورجاله سسسواهم كثيسسر‪ ،‬فملك‬

‫مدينة جديدة " وضبطها بكسر الجيم وسكون الدال المهمل وفتح الياء آخر الحروف‬

‫"‪ ،‬وهي أسفل الجبل‪ .‬وملك ما يليها‪ ،‬وسبى وخرب وأحرق‪ ،‬وفر الكفار إلى أعلى‬

‫الجبسل‪ .‬وتركوا بلدهسم وأموالهسم وخزائن ملكهسم‪ .‬وللجبسل طريسق واحسد‪ ،‬وعسن أسسفل‬

‫منه واد وفوقه الجبل‪ ،‬فل يجوز فيه إل فارس منفرد‪ ،‬وخلفه آخر‪ ،‬فصعدت عساكر‬
‫المسسلمين على ذلك الطريسق‪ ،‬وتملكوا مدينسة ورنكسل التسي بأعلى الجبسل‪ " ،‬وضبطهسا‬

‫بفتسح الواو والراء وسسكون النون وفتسح الكاف "‪ ،‬واحتووا على مسا فيهسا‪ ،‬وكتبوا إلى‬

‫السلطان بالفتح‪ ،‬فبعث إليهم قاضياً وخطيباً‪ ،‬وأمرهم بالقامة‪ ،‬فلما كان وقت نزول‬

‫المطسر‪ ،‬غلب المرض على العسسكر وضعفوا وماتست الخيسل وانحلت القسسي‪ ،‬فكتسب‬

‫المراء إلى السلطان‪ ،‬واستأذنوه في الخروج عن الجبل‪ ،‬والنزول إلى أسفله‪ ،‬بخلل‬

‫مسسا ينصسسرم فصسسل نزول المطسسر فيعودون‪ .‬فأذن لهسسم فسسي ذلك‪ .‬فأخسسذ الميسسر نكبيسسة‬

‫الموال التسسي اسسستولى عليهسسا مسسن الخزائن والمعادن‪ ،‬وفرقهسسا على الناس ليرفعوهسسا‬

‫ويوصسلوها إلى أسسفل الجبسل‪ .‬فعندمسا علم الكفار بخروجهسم‪ ،‬قعدوا لهسم بتلك المهاوي‬

‫وأخذوا عليهسم المضيسق‪ ،‬وصساروا يقطعون الشجار العاديسة قطعاً‪ ،‬ويطرحونهسا مسن‬

‫أعلى الجبسل‪ ،‬فل تمسر بأحسد إل أهلكتسه‪ .‬فهلك الكثيسر مسن الناس‪ ،‬وأسسر الباقون منهسم‪،‬‬

‫وأخسذ الكفار الموال والمتعسة والخيسل والسسلح‪ .‬ولم يفلت مسن الجنسد إل ثلثسة مسن‬

‫المراء‪ ،‬كسسسبيرهم نكبيسسسة وبدر الديسسسن الملك دولة شاه وثالث لهمسسسا ل أذكره‪ ،‬وهذه‬

‫الوقيعة أثرت في جيش الهند أثراً كبيراً وأضعفته ضعفاً بيناً‪ .‬وصالح السلطان بعدها‬

‫أهسل الجبسل على مال يؤدونسه إليسه‪ ،‬لن لهسم البلد أسسفل الجبسل‪ ،‬ول قدرة لهسم على‬

‫عمارتهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا إل بإذنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه‪.‬‬

‫ذكسر ثورة الشريسف جلل الديسن ببلد المعسبر ومسا اتصسل بذلك مسن قتسل ابسن أخست‬

‫الوزيسسر وكان السسسلطان قسسد أمسسر على بلد المعسسبر‪ ،‬وبينهسسا وبيسسن دهلي مسسسيرة سسستة‬

‫أشهسر‪ ،‬الشريسف جلل الديسن أحسسن شاه‪ ،‬فخالف وادعسى الملك لنفسسه‪ .‬وقتسل نواب‬
‫السلطان وعماله‪ ،‬وضرب الدنانير والدراهم باسمه‪ .‬وكان يكتب في إحدى صفحتي‬

‫الدينار سسللة طسه ويسس‪ ،‬أبسو الفقراء والمسساكين‪ ،‬جلل الدنيسا والديسن‪ ،‬وفسي الصسفحة‬

‫الخرى الواثسسق بتأييسسد الرحمسسن‪ ،‬أحسسسن شاه السسسلطان‪ .‬وخرج السسسلطان لمسسا سسسمع‬

‫بثورتسه يريسد قتاله‪ ،‬فنزل بموضسع يقال له‪ :‬كشسك زر‪ ،‬معناه قصسر الذهسب‪ ،‬وأقام بسه‬

‫ثمانيسسة أيام لقضاء حوائج الناس‪ .‬وفسسي تلك اليام أتسسي بابسسن أخسست الوزيسسر خواجسسه‬

‫حهان‪ .‬وأربعسة من المراء أو ثلثسة‪ ،‬وهسم مقيدون مغلولون‪ .‬وكان السسلطان قسد بعسث‬

‫وزيره المذكور فسسي مقدمتسسه‪ .‬فوصسسل إلى مدينسسة ظهار‪ ،‬وهسسي على مسسسيرة أربسسع‬

‫وعشرين من دهلي‪ ،‬وأقام بها أياماً‪ .‬وكان ابن أخته شجاعاً بطلً‪ ،‬فاتفق مع المراء‬

‫الذين أتى بهم على قتل خاله‪ ،‬والهرب بما عنده من الخزائن والموال إلى الشريف‬

‫القائم ببلد المعسبر‪ ،‬وعزموا على الفتسك بالوزيسر عنسد خروجسه إلى صسلة الجمعسة‪،‬‬

‫فوشسسى بهسسم أحسسد مسسن أدخلوه فسسي أمرهسسم إلى الوزيسسر‪ ،‬وكان يسسسمى الملك نصسسرة‬

‫الحاجسب‪ ،‬وأخسبر الوزيسر أن آيسة مسا يرومونسه‪ ،‬لبسسهم الدروع تحست ثيابهسم‪ ،‬فبعسث‬

‫الوزير عنهم‪ ،‬فوجدهم كذلك‪ .‬فبعث بهم إلى السلطان‪ ،‬وكنت بين يدي السلطان حين‬

‫وصسولهم‪ .‬فرأيست أحدهسم وكان طوالً ألحسى ‪ ،‬وهسو يرعسد‪ ،‬ويتلو سسورة يسس‪ ،‬فأمسر‬

‫بهسسم‪ ،‬فطرحوا للفيلة المعلمسسة لقتسسل الناس‪ ،‬وأمسسر بابسسن أخسست الوزيسسر فرد إلى خاله‬

‫ليقتله‪ ،‬فقتله‪ ،‬وسنذكر ذلك‪ .‬وتلك الفيلة التي تقتل‪ ،‬تكسى أنيابها بحدائد مسنونة شبه‬

‫سسكك الحرث‪ ،‬لهسا أطراف كالسسكاكين‪ .‬ويركسب الفيال على الفيسل‪ ،‬فإذا رمسى الرجسل‬

‫بين يديه لف عليه خرطومه‪ ،‬ورمى به إلى الهواء‪ ،‬ثم يتلقفه بنيابه ويطرحه بعد ذلك‬
‫بيسن يديسه‪ ،‬ويجعسل يده على صسدره‪ ،‬ويفعسل بسه مسا يأمره الفيال‪ ،‬على حسسب مسا أمره‬

‫السسلطان‪ .‬فإن أمره بتقطيعسه قطعسه الفيسل قطعاً بتلك الحدائد‪ ،‬وإن أمسر بتركسه‪ ،‬تركسه‬

‫مطروحًا فسلخ‪ .‬وكذلك فعل بهؤلء‪ .‬وخرجت من دار السلطان بعد المغرب فرأيت‬

‫الكلب تأكسل لحومهسم‪ .‬وقسد ملئت جلودهسم بالتبسن والعياذ بال‪ .‬ولمسا تجهسز السسلطان‬

‫لهذه الحركسة أمرنسي بالقامسة بالحضرة‪ ،‬كمسا سسنذكره‪ ،‬ومضسى فسي سسفره إلى أن بلغ‬

‫دولة آباد‪ .‬فثار الميسر هلجون ببلده‪ ،‬وخرج ذلك‪ .‬وكان الوزيسر خواجسه جهان قسد‬

‫بقسسسسسسسسسسسسسي أيضاً بالحضرة لحشسسسسسسسسسسسسسد الحشود وجمسسسسسسسسسسسسسع العسسسسسسسسسسسسسساكر‪.‬‬

‫ذكسسر ثورة هلجون ولمسسا بلغ السسسلطان إلى دولة آباد‪ ،‬وبعسسد عسسن بلده‪ ،‬ثار الميسسر‬

‫هلجون بمدينسسة لهور‪ ،‬وادعسسى الملك‪ ،‬وسسساعده الميسسر قلجنسسد على ذلك‪ ،‬وصسسيره‬

‫وزيراً له‪ .‬واتصسسل ذلك بالوزيسسر خواجسسه جهان‪ ،‬وهسسو بدهلي‪ ،‬فحشسسد الناس وجمسسع‬

‫العسساكر وجمسع الخراسسانيين‪ ،‬وكسل مسن كان مقيماً مسن الخدام بدهلي أخسذ أصسحابه‪،‬‬

‫وأخسذ فسي الجملة أصسحابي لنسي كنست بهسا مقيماً وأعانسه السسلطان بأميريسن كسبيرين‬

‫أحدهمسا قيران ملك صسفدار‪ ،‬ومعناه مرتسب العسساكر‪ ،‬والثانسي الملك تمور الشريدار‬

‫وهسو السساقي‪ ،‬وخرج هلجون بعسساكره‪ ،‬فكان اللقاء على ضفسة أحسد الدويسة الكبار‪.‬‬

‫فانهزم هلجون وهرب‪ ،‬وغرق كثير من عساكره في النهر‪ .‬ودخل الوزير المدينة‬

‫فسسلخ بعسض أهلهسا وقتسل آخريسن بغيسر ذلك مسن أنواع القتسل‪ .‬وكان الذي تولى قتلهسم‬

‫محمسد ابسن النجيسب نائب الوزيسر‪ ،‬وهسو المعروف بأجدر ملك‪ ،‬ويسسمى أيضاً صسك "‬

‫سسك " السسلطان والصسك عندهسم الكلب‪ .‬وكان ظالماً قاسسي القلب‪ .‬ويسسميه السسلطان‬
‫أسسسد السسسواق‪ .‬وكان ربمسسا عسسض أرباب الجنايات بأسسسنانه شرهاً وعدواناً‪ .‬وبعسسث‬

‫الوزيسسر مسن نسسساء المخالفيسن نحسسو ثلثمائة إلى حصسسن كاليور‪ ،‬فسسسجن بسسه‪ .‬ورأيسست‬

‫بعضهسن هنالك‪ .‬وكان أحسد الفقهاء له فيهسن زوجسة فكان يدخسل إليهسا حتسى ولدت منسه‬

‫في السجن‪.‬‬

‫ذكر وقوع الوباء في عسكر السلطان‬

‫ولمسا وصسل السسلطان إلى بلد التلنسك‪ ،‬وهسو قاصسد إلى قتال الشريسف ببلد المعسبر‪،‬‬

‫نزل مدينسة بدركوت " وضبسط اسسمها بفتسح الباء الموحدة وسسكون الدال وفتسح الراء‬

‫وضسسم الكاف وواو وتاء معلوة "‪ ،‬وهسسي قاعدة بلد التلنسسك " وضبطهسسا بكسسسر التاء‬

‫المعلوة واللم وسكون النون وكاف معقودة "‪ ،‬وبينها وبين بلد المعبر مسيرة ثلثة‬

‫أشهسسر‪ .‬ووقسسع الوباء إذ ذاك فسسي عسسسكره‪ ،‬فهلك معظمهسسم‪ ،‬ومات العبيسسد والمماليسسك‬

‫وكبار المراء مثل ملك دولة شاه الذي كان السلطان يخاطبه بالعم‪ ،‬ومثل أمير عبد‬

‫ال الهروي‪ ،‬وقسد تقدمست حكايتسه فسي السسفر الول‪ ،‬وهسو الذي أمسر السسلطان أن يرفسع‬

‫مسن الخزانسة مسا اسستطاع مسن المال‪ ،‬فربسط ثلث عشرة خريطسة بأعضاده ورفعهسا‪.‬‬

‫ولمسا رأى السسلطان مسا حسل بالعسسكر عاد إلى دولة آباد‪ ،‬وخالفست البلد‪ ،‬وانتقضست‬

‫الطراف‪ ،‬وكان الملك يخرج عن يده‪ ،‬لول ما سبق به القدر من استحكام سعادته‪.‬‬

‫ذكر الرجاف بموته وفرار الملك هوشنج‬

‫ولمسسا عاد السسسلطان إلى دولة آباد مرض فسسي طريقسسه‪ ،‬فأرجسسف الناس بموتسسه وشاع‬

‫ذلك‪ ،‬فنشأت عنسسه فتسسن عريضسسة‪ .‬وكان الملك هوشنسسج ابسسن الملك كمال الديسسن كرك‬
‫بدولة آباد‪ ،‬وكان بينه وبين السلطان عهد أن ل يبايع غيره ابداً‪ ،‬ل في حياته ول بعد‬

‫موتسسه‪ .‬فلمسسا أرجسسف بموت السسسلطان هرب إلى سسسلطان كافسسر يسسسمى بربرة‪ ،‬يسسسكن‬

‫بجبال مانعسسة بيسسن دولة آباد وكون تانسسه‪ ،‬فعلم السسسلطان بفراره وخاف وقوع الفتنسسة‪،‬‬

‫فجسد السسير إلى دولة آباد‪ ،‬واقتفسى أثسر هوشنسج‪ ،‬وحصسره بالخيسل‪ .‬وأرسسل الكافسر أن‬

‫يسسلمه إليسه فأبسى وقال‪ :‬ل أسسلم دخيلي ولو آل بسي المسر لمسا آل براي كنسبيلة‪ .‬وخاف‬

‫هوشنسج على نفسسه‪ ،‬فراسسل السسلطان وعاهسد على أن يرحسل السسلطان إلى دولة آباد‪،‬‬

‫ويبقسسى هنالك قطلوخان معلم السسسلطان‪ ،‬ليسسستوثق منسسه هوشنسسج‪ ،‬وينزل إليسسه على‬

‫المان‪ .‬فرحسسل السسسلطان ونزل هوشنسسج إلى قطلوخان‪ ،‬وعاهده أن ل يقتله السسسلطان‬

‫ول يحسط منزلتسه‪ ،‬وخرج بماله وعياله وأصسحابه وقدم على السسلطان‪ ،‬فسسر بقدومسه‬

‫وأرضاه وخلع عليسه‪ .‬وكان قطلوخان صساحب عهسد يسستنيم الناس إليسه ويقولون فسي‬

‫الوفاء عليه‪ .‬ومنزلته عند السلطان علية‪ ،‬وتعظيمه له شديد‪ ،‬ومتى دخل عليه قام له‬

‫إجللً‪ .‬فكان بسسبب ذلك ل يدخسل عليسه حتسى يكون هسو الذي يدعوه لئل يتعبسه بالقيام‬

‫له‪ .‬وهسسو محسسب فسسي الصسسدقات‪ ،‬كثيسسر اليثار‪ ،‬مولع بالحسسسان للفقراء والمسسساكين‪.‬‬

‫ذكسسر مسسا هسسم بسسه الشريسسف إبراهيسسم مسسن الثورة ومآل حاله وكان الشريسسف إبراهيسسم‬

‫المعروف بالخريطسسة دار‪ ،‬وهسسو صسساحب الكاغسسد والقلم بدار السسسلطان‪ ،‬والياً على‬

‫بلد حانسسي وسسرستي‪ .‬لمسا تحرك السسلطان إلى بلد المعسبر‪ ،‬وأبوه هسو القائم ببلد‬

‫المعبر الشريف أحسن شاه‪ ،‬فلما أرجف بموت السلطان‪ ،‬طمع إبراهيم في السلطنة‪،‬‬

‫وكان شجاعاً كريماً حسسسن الصسسورة‪ .‬وكنسست متزوجاً بأختسسه حور نسسسب‪ ،‬وكانسست‬
‫صسالحة تتهجسد بالليسل لهسا أوراد مسن ذكسر ال عسز وجسل‪ ،‬وولدت منسي بنتاً‪ ،‬ول أدري‬

‫مسا فعسل ال فيهمسا‪ .‬وكانست تقرأ‪ ،‬لكنهسا ل تكتسب‪ .‬فلمسا هسم إبراهيسم بالثورة‪ ،‬اجتاز بسه‬

‫أميسر مسن أمراء السسند‪ ،‬معسه الموال يحملهسا إلى دهلي‪ .‬فقال له إبراهيسم‪ :‬إن الطريسق‬

‫مخوف وفيسه القطسع‪ ،‬فأقسم عندي حتسى يصسلح الطريسق وأوصسلك إلى المأمسن‪ ،‬وكان‬

‫قصسده أن يتحقسق موت السسلطان فيسستولي على تلك الموال‪ .‬فلمسا تحقسق حياتسه سسرح‬

‫ذلك الميسسر‪ ،‬وكان يسسسمى ضياء الملك بسسن شمسسس الملك‪ .‬ولمسسا وصسسل السسسلطان إلى‬

‫الحضرة بعسد غيبتسه سسنتين ونصسف‪ ،‬وصسل الشريسف إبراهيسم إليسه‪ .‬فوشسى بسه بعسض‬

‫غلمانسسه‪ ،‬وأعلم السسسلطان بمسسا كان هسسم بسسه‪ .‬فأراد السسسلطان أن يعجسسل بقتله‪ ،‬ثسسم تأنسسى‬

‫لمحبتسه فيسه‪ .‬فاتفسق أن أتسى يومًا إلى السسلطان بغزال مذبوح ينظسر إلى ذبحتسه‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫ليسسس يجيسسد الذكاة‪ ،‬اطرحوه‪ .‬فرآه إبراهيسسم فقال‪ :‬إن ذكاتسسه جيدة‪ ،‬وأنسسا آكله‪ .‬فأخسسبر‬

‫السسسلطان بقوله‪ ،‬فأنكسسر ذلك وجعله ذريعسسة إلى أخذه‪ .‬فأمسر بسسه فقيسسد وغلل‪ ،‬ثسسم قرره‬

‫على مسا رمسي بسه مسن أنسه أراد أخسذ الموال التسي مسر بهسا ضياء الملك‪ ،‬وعلم إبراهيسم‬

‫أنسه إنمسا يريسد قتله بسسبب أبيسه‪ ،‬وأنسه ل تنفعسه معذرة‪ ،‬وخاف أن يعذب‪ .‬فرأى الموت‬

‫خيرًا له‪ ،‬فأقسر بذلك‪ ،‬فأمسر به‪ ،‬فوسسط‪ ،‬وترك هنالك‪ .‬وعادتهسم أنسه متسى قتسل السلطان‬

‫أحداً أقام مطروحاً بموضسسع قتله ثلثاً‪ .‬فإذا كان بعسسد الثلث أخذه طائفسسة مسسن الكبار‬

‫موكلون بذلك‪ ،‬فحملوه إلى خندق خارج المدينسسة يطرحونسسه بسسه‪ ،‬وهسسم يسسسكنون حول‬

‫الخندق‪ ،‬لئل يأتي أهل المقتول فيعرفونه‪ ،‬وربما أعطى بعضهم لهؤلء الكفار مالً‪،‬‬

‫فتجافوا له عن قتيله حتى يدفنه‪ ،‬وكذلك فعل الشريف إبراهيم رحمه ال تعالى‪.‬‬
‫ذكر خلف نائب السلطان ببلد التلنك‬

‫ولمسا عاد السسلطان مسن التلنسك وشاع خسبر موتسه‪ ،‬وكان ترك تاج الملك نصسرة خان‬

‫نائباً عنسسه ببلد التلنسسك‪ ،‬وهسسو مسن قدماء خواصسسه‪ ،‬بلغسسه ذلك فعمسسل عزاء السسسلطان‪،‬‬

‫ودعا لنفسه‪ ،‬وتابعه الناس بحضرة بدركوت‪ .‬فبلغ خبره إلى السلطان‪ ،‬فبعث معلمه‬

‫قطلوخان في عساكر عظيمة‪ ،‬فحصره بعد قتال شديد هلك فيه أمم من الناس‪ ،‬واشتد‬

‫الحصسسار على أهسل بدركوت‪ ،‬وهسي منيعسسة‪ ،‬وأخسذ قطلوخان فسسي نقبهسا‪ .‬فخرج إليسه‬

‫نصسرة خان على المان فسي نفسسه‪ ،‬فأمنسه وبعسث بسه إلى السسلطان‪ ،‬وأمسن أهسل المدينسة‬

‫والعسكر‪.‬‬

‫ذكر انتقال السلطان لنهر الكنك وقيام عين الملك‬

‫ولما استولى القحط على البلد‪ ،‬انتقل السلطان بعساكره إلى نهر الكنك الذي تحج‬

‫إليسسه الهنود‪ ،‬على مسسسيرة عشرة مسسن دهلي‪ ،‬وأمسسر الناس بالبناء‪ ،‬وكانوا قبسسل ذلك‬

‫صسنعوا خياماً مسن حشيسش الرض‪ ،‬فكانست النار كثيراً مسا تقسع فيهسا وتؤذي الناس‪،‬‬

‫حتى كانوا يصنعون كهوفاً تحت الرض‪ ،‬فإذا وقعت النار رموا أمتعتهم بها وسدوا‬

‫عليها بالتراب‪ .‬ووصلت أنا في تلك اليام لمحلة السلطان‪ ،‬وكانت البلد التي بغربي‬

‫النهر حيث السلطان شديدة القحط‪ ،‬والبلد التي بشرقيه خصبة‪ ،‬وأميرها عين الملك‬

‫بسن ماهسر‪ .‬ومنهسا مدينسة عوض‪ ،‬ومدينسة ظفسر آباد‪ ،‬ومدينسة اللكنسو‪ ،‬وغيرهسا‪ .‬وكان‬

‫الميسر عين الملك كسل يوم يحضر خمسين ألف من‪ ،‬منها قمسح وأرز وحمص لعلف‬

‫الدواب‪ .‬فأمسر السسسلطان أن تحمسسل الفيلة ومعظسسم الخيسل والبغال إلى الجهسة الشرقيسة‬
‫المخصسسبة لترعسسى هنالك‪ ،‬وأوصسسى عيسسن الملك بحفظهسسا‪ .‬وكان لعيسسن الملك أربعسسة‬

‫إخوة‪ ،‬وهسم شهسر ال ونصسر ال وفضسل ال‪ ،‬ول أذكسر اسسم الخسر‪ ،‬فاتفقوا مسع أخيهسم‬

‫عيسسسن الملك أن يأخذوا فيلة السسسسلطان ودوابسسسه‪ ،‬ويبايعوا عيسسسن الملك‪ ،‬ويقوموا على‬

‫السسلطان‪ .‬وهرب إليهسم عيسن الملك بالليسل‪ ،‬وكاد المسر يتسم لهسم‪ .‬ومسن عادة ملك الهنسد‬

‫أنسه يجعسل مسع كسل أميسر كسبير أو صسغير مملوكاً له يكون عيناً عليسه‪ ،‬ويعرفسه بجميسع‬

‫حاله‪ ،‬ويجعسسل أيضاً جواري فسسي الدور يكسسن عيوناً له على أمرائه‪ ،‬ونسسسوة يسسسميهن‬

‫الكناسسسات‪ ،‬يدخلن الدور بل اسسستئذان‪ ،‬ويخسسبرهن الجواري بمسسا عندهسسن‪ ،‬فتخسسبر‬

‫الكناسسات بذلك المخسبرين‪ ،‬فيخسبر بذلك السسلطان‪ .‬ويذكرون أن بعسض المراء كان‬

‫في فراشه مع زوجته‪ ،‬فأراد مماستها‪ ،‬فحلفته برأس السلطان أن ل يفعل‪ ،‬فلم يسمع‬

‫منهسا‪ ،‬فبعسث إليسه السسلطان صسباحاً‪ ،‬وأخسبره بذلك‪ ،‬وكان سسبب هلكسه وكان للسسلطان‬

‫مملوك يعرف بابسن ملك شاه‪ ،‬هسو عيسن على عيسن الملك المذكور‪ ،‬فأخسسبر السسسلطان‬

‫بفراره وجوازه النهسر‪ ،‬فسسقط فسي يده‪ ،‬وظسن أنهسا القاضيسة عليسه‪ ،‬لن الخيسل والفيلة‬

‫والزرع كسسل ذلك عنسسد عيسسن الملك‪ ،‬وعسسساكر السسسلطان مفترقسسة‪ ،‬فأراد أن يقصسسد‬

‫حضرتسه ويجمسع العسساكر‪ ،‬وحينئذ يأتسي لقتاله‪ .‬وشاور أرباب الدولة فسي ذلك‪ .‬وكان‬

‫أمراء خراسسسان والغرباء أشسسد الناس خوفاً مسسن هذا القائم‪ ،‬لنسسه هندي‪ ،‬وأهسسل الهنسسد‬

‫مبغضون فسي الغرباء‪ ،‬لظهار السسلطان لهسم‪ ،‬فكرهوا مسا ظهسر له‪ ،‬وقالوا‪ :‬يسا خونسد‬

‫عالم‪ ،‬إن فعلت ذلك بلغسسه الخسسبر‪ ،‬فاشتسسد أمره ورتسسب العسسساكر‪ ،‬وانثال عليسسه طلب‬

‫الشسسر ودعاة الفتسسن‪ ،‬والولى معالجتسسه قبسسل اسسستحكام قوتسسه‪ .‬وكان أول مسسن تكلم بهذا‬
‫ناصر الدين مطهر الوهري‪ ،‬ووافقه جميعهم‪ .‬ففعل السلطان بإشارتهم‪ .‬وكتب تلك‬

‫الليسة إلى مسن قرب منسه مسن المراء والعسساكر‪ ،‬فأتوا مسن حينهسم‪ .‬وأدار فسي ذلك حيلة‬

‫حسنة‪ ،‬فكان إذا قدم على محلته مثلً مائة فارس‪ ،‬بعث اللف من عنده للقائهم ليلً‪،‬‬

‫ودخلوا معهسم إلى المحلة‪ ،‬كأن جميعهسم مدد له‪.‬وتحرك السسلطان مسع سساحل النهسر‪،‬‬

‫ليجعسسل مدينسسة قنوج وراء ظهره‪ ،‬ويتحصسسن بهسسا لمنعتهسسا وحصسسانتها‪ .‬وبينهسسا وبيسسن‬

‫الموضسسع الذي كان فيسسه ثلثسسة أيام‪ .‬فرحسسل أول مرحلة‪ ،‬وقسسد عبسسأ جيشسسه للحرب‪،‬‬

‫وجعلهم صفًا واحداً‪ ،‬عند نزولهم كل واحد منهم بين يديه سلحه وفرسه إلى جانبه‪،‬‬

‫ومعسه خباء صسغير يأكسل بسه ويتوضسأ‪ ،‬ويعود إلى مجلسسه‪ .‬والمحلة الكسبرى على بعسد‬

‫منهسم‪ .‬ولم يدخسل السسلطان فسي تلك اليام الثلثسة خباء‪ ،‬ول اسستظل بظلم‪ .‬وكنست فسي‬

‫يوم منهسا بخبائي‪ ،‬فصساح بسي فتسى مسن فتيانسي اسسمه سسنبل‪ ،‬واسستعجلني‪ ،‬وكان معسي‬

‫الجواري‪ ،‬فخرجت إليه‪ .‬فقال‪ :‬إن السلطان أمر الساعة أن يقتل كل من معه امرأته‬

‫أو جاريتسه‪ ،‬فشفسع عنده المراء‪ .‬فأمسر أن ل تبقسى السساعة بالمحلة أمرأة‪ ،‬وأن يحملن‬

‫إلى حصسسن هنالك على ثلثسسة أميال‪ ،‬يقال له كنبيسسل‪ .‬فلم تبسسق امرأة بالمحلة‪ ،‬ول مسسع‬

‫السلطان‪ .‬وبتنا تلك الليلة على تعبئة‪ ،‬فلما كان في اليوم الثاني رتب السلطان عسكره‬

‫أفواجاً‪ ،‬وجعسل مسع كسل فوج الفيلة المدرعسة‪ ،‬عليهسا البراج‪ ،‬فوقهسا المقاتلة‪ ،‬وتدرع‬

‫العسسسسكر‪ ،‬وتهيأوا للحرب‪ .‬وباتوا تلك الليلة على أهبسسسة‪ .‬ولمسسسا كان اليوم الثالث‪ ،‬بلغ‬

‫الخبر بأن عين الملك الثائر جاز النهر‪ ،‬فخاف السلطان من ذلك‪ ،‬وتوقع أنه لم يفعله‬

‫إل بعد مراسلة المراء الباقين مع السلطان‪ ،‬فأمر في الحين بقسم الخيل العتاق على‬
‫خواصسه‪ ،‬وبعسث لي حظاً منهسا‪ .‬وكان لي صساحب يسسمى أميسر أميران الكرمانسي مسن‬

‫الشجعان‪ ،‬فأعطيته فرساً منها أشهب اللون‪ .‬فلما حركه جمح به‪ ،‬فلم يستطع إمساكه‪،‬‬

‫ورماه عسسن ظهره فمات رحمسسه ال تعالى‪ .‬وجسسد السسسلطان ذلك اليوم فسسي مسسسيره‪،‬‬

‫فوصسل بعسد العصسر إلى مدينسة قنوج‪ ،‬وكان يخاف أن يسسبقه القائم إليهسا‪ .‬وبات ليلتسه‬

‫تلك‪ ،‬يرتب الناس بنفسه‪ ،‬ووقف علينا‪ ،‬ونحن في المقدمة مع ابن عمه ملك فيروز‪،‬‬

‫ومعنسا الميسر غدا ابسن مهنسا‪ ،‬والسسيد ناصسر الديسن مطهسر‪ ،‬وأمراء خراسسان فأضافنسا‬

‫إلى خواصه وقال‪ :‬أنتم أعزة علي‪ ،‬ينبغي أن تفارقوني‪ .‬وكان في عاقبة ذلك الخير‪،‬‬

‫فإن القائم ضرب فسي آخسر الليسل على المقدمسة‪ ،‬وفيهسا الوزيسر خواجسه جهان‪ ،‬فقامست‬

‫ضجسة فسي الناس كسبيرة‪ ،‬فحينئذ أمسر السسلطان أن ل يسبرح أحسد مسن مكانسه‪ ،‬ول يقاتسل‬

‫الناس إل بالسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسيوف‪.‬‬

‫فاسستل العسسكر سسيوفهم‪ ،‬ونهضوا إلى أصسحابهم‪ .‬وحمسي القتال‪ ،‬وأمسر السسلطان أن‬

‫يكون شعار جيشسسه دهلي وغزنسسة‪ .‬فإذا لقسسي أحدهسسم فرس ساَ قال له‪ :‬دهلي‪ .‬فإن أجابسسه‬

‫بغزنسسة‪ ،‬علم أنسسه مسسن أصسسحابه‪ ،‬وإل قاتله‪ ،‬وكان القائم إنمسسا قصسسد أن يضرب على‬

‫موضسع السسلطان‪ ،‬فأخطسأ بسه الدليسل‪ ،‬فقصسد موضسع الوزيسر‪ ،‬فضرب عنسق الدليسل‪.‬‬

‫وكان فسسسي عسسسسكر الوزيسسسر العاجسسسم والترك والخراسسسسانيون‪ ،‬وهسسسم أعداء الهنود‪،‬‬

‫فصسدقوا القتال‪ .‬وكان جيسش القائم نحسو الخمسسين ألفاً‪ ،‬فانهزموا عنسد طلوع الفجسر‪.‬‬

‫وكان الملك إبراهيسم المعروف بالبنجسي " بفتسح الباء الموحدة وسسكون النون وجيسم "‬

‫التتري قسد أقطعسه السسلطان بلد سسنديلة‪ ،‬وهسي قريسة مسن بلد عيسن الملك‪ ،‬فاتفسق معسه‬
‫على الخلف‪ ،‬وجعله نائبسسه‪ .‬وكان داود بسسن قطسسب الملك وابسسن ملك التجار على فيلة‬

‫السسلطان وخيله فوافقاه أيضاً‪ ،‬وجعسل داود حاجبسه‪ .‬وكان داود هذا لمسا ضربوا على‬

‫محلة الوزير يجهر بسب السلطان ويشتمه أقبح شتم‪ ،‬والسلطان يسمع ذلك ويعرف‬

‫كلمسه‪ .‬فلمسا وقعست الهزيمسة قال عيسن الملك لنائبسه إبراهيسم التتري‪ :‬ماذا ترى يسا ملك‬

‫إبراهيسم ? قسد فسر أكثسر العسسكر وذوو النجدة منهسم‪ ،‬فهسل لك أن ننجسو بأنفسسنا ? فقال‬

‫إبراهيسم لصسحابه بلسسانهم‪ :‬إذا أراد عيسن الملك أن يفسر‪ ،‬فإنسي سسأقبض على دبوقتسه‪.‬‬

‫فإذا فعلت ذلك‪ ،‬فاضربوا أنتم فرسه ليسقط إلى الرض‪ ،‬فنقبض عليه‪ ،‬ونأتي به إلى‬

‫السلطان‪ ،‬ليكون ذلك كفارة لذنبي في الخلف معه‪ ،‬وسبباً لخلصي‪ .‬فلما أراد عين‬

‫الملك الفرار‪ ،‬قال له إبراهيسم‪ :‬إلى أيسن يسا سسلطان علء الديسن ? وكان يسسمى بذلك‪،‬‬

‫وأمسك بدبوقته‪ ،‬وضرب أصحابه فرسه‪ ،‬فسقط على الرض‪ ،‬ورمى إبراهيم بنفسه‬

‫عليسه فقبضسه‪ ،‬وجاء أصسحاب الوزيسر ليأخذوه فمنعهسم وقال‪ :‬ل أتركسه حتسى أوصسله‬

‫للوزير‪ ،‬أو أموت دون ذلك‪ ،‬فتركوه‪ ،‬فأوصله إلى الوزير‪ .‬وكنت أنظر عند الصبح‬

‫إلى الفيلة والعلم يؤتى بها إلى السلطان‪ .‬ثم جاءني بعض العراقيين فقال‪ :‬قد قبض‬

‫على عيسن الملك‪ ،‬وأتسى بسه الوزيسر‪ ،‬فلم أصسدقه‪ .‬فلم يمسر إل يسسير‪ ،‬وجاءنسي الملك‬

‫تمور الشربدار فأخسسذ بيدي وقال‪ :‬أبشسسر‪ ،‬فقسسد قبسسض على عيسسن الملك‪ ،‬وهسسو عنسسد‬

‫الوزيسر‪ .‬فتحرك السسلطان عنسد ذلك ونحسن معسه إلى محلة عيسن الملك على على نهسر‬

‫الكنسك‪ ،‬فنهبست العسساكر مسا فيهسا‪ ،‬واقتحسم كثيسر مسن عسسكر عيسن الملك النهسر فغرقوا‪.‬‬

‫وأخذوا داود بسن قطسب الملك وابسن ملك التجار وخلق كثيسر معهسم‪ ،‬ونهبست الموال‬
‫والخيل والمتعة‪ .‬ونزل السلطان على المجاز‪ ،‬وجاء الوزير بعين الملك‪ ،‬وقد أركب‬

‫على ثور‪ ،‬وهوو عريان مسسستور العورة بخرقسسة مربوطسسة بحبسسل وباقيسسة فسسي عنقسسه‪،‬‬

‫فوقسف على باب السسراجة‪ ،‬ودخسل الوزيسر إلى السسلطان‪ ،‬فأعطاه الشربسة عنايسة بسه‪.‬‬

‫وجاء أبناء الملوك إلى عيسن الملك فجعلوا يسسبونه ويبصسقون فسي وجهسه ويصسفعون‬

‫أصسحابه‪ .‬وبعسث إليسه السسلطان الملك الكسبير‪ ،‬فقال له‪ :‬مسا هذا الذي فعلت ? فلم يجسد‬

‫جواباً‪ .‬فأمر به السلطان أن يكسى ثوباً من ثياب الزمالة‪ ،‬وقيد بأربعة كبول‪ ،‬وغلت‬

‫يداه إلى عنقسه‪ ،‬وسسلم للوزيسر ليحفظسه‪ .‬وجاز إخوتسه النهسر هاربيسن‪ ،‬ووصسلوا مدينسة‬

‫عوض‪ ،‬فأخذوا أهلهسسم وأولدهسسم ومسسا قدروا عليسسه مسسن المال‪ ،‬وقالوا لزوجسسة أخيهسسم‬

‫عيسسن الملك‪ :‬اخلصسسي بنفسسسك‪ ،‬وبنوك معنسسا‪ .‬فقالت‪ :‬أفل أكون كنسسساء الكفار اللتسسي‬

‫يحرقسن أنفسسهن مسع أوزواجهسن ? فأنسا أيضاً أموت لموت زوجسي‪ ،‬وأعيسش لعيشسه‪،‬‬

‫فتركوهسا‪ .‬وبلغ ذلك السسلطان‪ ،‬فكان سسبب خيرهسا‪ ،‬وأدركتسه لهسا رقسة‪ ،‬وأدرك الفتسى‬

‫سسهيل نصسر ال مسن أولئك الخوة فقتله‪ ،‬وأتىالسسلطان برأسسه‪ .‬وأتسى بأم عيسن الملك‬

‫وأختسه وامرأتسه فسسلمن إلى الوزيسر‪ ،‬وجعلن فسي خباء بقرب خباء عيسن الملك‪ .‬فكان‬

‫يدخسسل إليهسسن‪ ،‬ويجلس معهسسن‪ ،‬ويعود إلى محبسسسه‪ .‬ولمسسا كان بعسسد العصسسر مسسن يوم‬

‫الهزيمسسة‪ ،‬أمسر السسسلطان بسسسراح لفيسسف مسن الناس الذي مسسع عيسن الملك مسن الزمالة‬

‫والسوقة والعبيد ومن ل يعبأ به‪ ،‬وأتي بملك إبراهيم البنجي الذي ذكرناه‪ ،‬فقال ملك‬

‫العسكر الملك نوا‪ :‬يا خوند عالم‪ ،‬أقتل هذا‪ ،‬فإنه من المخالفين‪ .‬فقال الوزير‪ :‬إنه قد‬

‫فدى نفسسسسسسسسسسه بالقائم‪ ،‬فعفسسسسسسسسسا عنسسسسسسسسسه السسسسسسسسسسلطان وسسسسسسسسسسرحه إلى بلده‪.‬‬


‫ولمسا كان بعسد المغرب جلس السسلطان بسبرج الخشسب‪ ،‬وأتسى باثنيسن وسستين رجلً مسن‬

‫كبار أصسسحاب القائم‪ ،‬وأتسسى بالفيلة‪ ،‬فطرحوا بيسسن أيديهسسا‪ ،‬فجعلت تقطعهسسم بالحدائد‬

‫الموضوعسسة على أنيابهسسا‪ ،‬وترمسسي ببعضهسسم إلى الهواء‪ ،‬وتتلقفسسه‪ .‬والبواق والنفار‬

‫والطبول تضرب عند ذلك‪ ،‬وعين الملك واقف يعاين مقتلهم‪ ،‬ويطرح منهم عليه‪ ،‬ثم‬

‫أعيسد إلى محبسسه‪ .‬وأقام السسلطان على جواز النهسر أياماً لكثرة الناس وقلة القوارب‪.‬‬

‫وأجاز أمتعتسسه وخزائنسسه على الفيلة‪ ،‬وفرق الفيلة على خواصسسه‪ ،‬ليجيزوا أمتعتهسسم‪،‬‬

‫وبعسسث إلي بفيسسل منهسسا أجزت عليسسه رحلي‪ .‬وقصسسد السسسلطان ونحسن معسسه إلى مدينسسة‬

‫بهرايسسج " وضبسسط اسسسمها بفتسسح الباء المحدة وهاء مسسسكن وراء وألف وياء آخسسر‬

‫الحروف مكسسورة وجيسم "‪ ،‬وهسي مدينسة فسي عدوة نهسر السسرو‪ ،‬وهسو واد كسبير شديسد‬

‫النحدار‪ ،‬وأجازه السلطان برسم زيارة قبر الشيخ الصالح البطل سالر عود‪ ،‬الذي‬

‫فتسسسح أكثسسسر تلك البلد‪ ،‬وله أخبار عجيبسسسة وغزوات شهيرة‪ .‬وتكاثسسسر الناس للجواز‬

‫وتزاحموا‪ ،‬حتسسى غرق مركسسب كسسبير كان فيسسه نحسسو ثلثمائة نفسسس‪ ،‬لم ينسسج منهسسم إل‬

‫أعرابي من أصحاب المير غدا‪ ،‬وكنا ركبنا نحن مركباً صغيراً‪ ،‬فسلمنا ال تعالى‪.‬‬

‫وكان العربسسسسسي الذي سسسسسلم مسسسسن الغرق يسسسسسسمى بسسسسسالم‪ ،‬وذلك اتفاق عجيسسسسب‪.‬‬

‫وكان أراد أن يصسعد معنسا فسي مركبنسا‪ ،‬فوجدنسا قسد ركبنسا النهسر‪ ،‬فركسب فسي المركسب‬

‫الذي غرق‪ .‬فلمسا خرج‪ ،‬ظسن الناس أنسه كان معنسا‪ .‬فقامست ضجسة فسي أصسحابنا وفسي‬

‫سسائر الناس‪ ،‬وتوهموا أنسا غرقنسا‪ .‬ثسم لمسا رأونسا بعسد اسستبشروا بسسلمتنا‪ .‬وزرنسا قسبر‬

‫الصسالح المذكور‪ ،‬وهسو فسي قبسة لم نجسد سسبيلً إلى دخولهسا لكثرة الزحام‪ .‬وفسي تلك‬
‫الوجهسة دخلنسا غيضسة قصسب‪ ،‬فخرج علينسا منهسا الكركدن‪ ،‬فقتسل وأتسى الناس برأسسه‪.‬‬

‫وهو دون الفيل‪ ،‬ورأسه أكبر من رأس الفيل بأضعاف‪ ،‬وقد ذكرناه‪.‬‬

‫ذكر عودة السلطان لحضرته ومخالفة علي شاه كر‬

‫ولمسا ظفسر السسلطان بعيسن الملك كمسا ذكرنسا‪ ،‬عاد إلى حضرتسه بعسد مغيسب عاميسن‬

‫ونصسسف‪ ،‬وعفسسا عسسن عيسسن الملك‪ ،‬وعفسسا أيضاً عسسن نصسسرة خان القائم ببلد التلنسسك‪،‬‬

‫وجعلهمسسا معسسا على عمسسل واحسسد‪ ،‬وهسسو النظسسر على بسسساتين السسسلطان‪ .‬وكسسساهما‬

‫وأركبهمسا‪ ،‬وعيسن لهمسا نفقسة مسن الدقيسق واللحسم فسي كسل يوم‪ .‬وبلغ الخسبر بعسد ذلك أن‬

‫أحسسد أصسسحاب قطلوخان‪ ،‬وهسسو علي شاه كسسر‪ ،‬ومعنسسى كسسر الطرش‪ ،‬خالف على‬

‫السسسلطان‪ .‬وكان شجاعاً حسسسن الصسسورة والسسسيرة‪ ،‬فغلب على بدر كوت‪ ،‬وجعلهسسا‬

‫مدينسسة ملكسسه‪ .‬وخرجسست العسسساكر إليسسه‪ ،‬وأمسسر السسسلطان معلمسسه أن يخرج إلى قتاله‪،‬‬

‫فخرج في عساكر عظيمة‪ ،‬وحصره ببدر كوت‪ ،‬ونقبت أبراجها‪ ،‬واشتدت به الحال‪،‬‬

‫فطلب المان فأمنسسه قطلوخان‪ ،‬وبعسسث بسسه إلى السسسلطان مقيداً‪ ،‬فعفسسا عنسسه ونفاه إلى‬

‫مدينسة غزنسة مسن طرف خراسسان‪ ،‬فأقام بهسا مدة‪ .‬ثسم اشتاق إلى وطنسه‪ ،‬فأراد العودة‬

‫إليسه‪ ،‬لمسا قضاه ال مسن حينسه‪ ،‬فقبسض عليسه ببلد السسند‪ ،‬وأتسي بسه السسلطان‪ .‬فقال له‪:‬‬

‫إنما جئت لتثير الفساد ثانية‪ ،‬وأمر به فضربت عنقه‪.‬‬

‫ذكر فرار أمير بخت وأخذه‬

‫وكان السلطان قد وجد على أمير بخت الملقب بشرف الملك‪ ،‬أحد الذين وفدوا معنا‬

‫على السسلطان‪ ،‬فحسط مرتبسه مسن أربعيسن ألفاً إلى ألف واحسد‪ ،‬وبعثسه فسي خدمسة الوزيسر‬
‫إلى دهلي‪ .‬فاتفق أن مات أمير عبد ال الهروي في الوباء في التلنك‪ ،‬وكان ماله عند‬

‫أصسحابه بدهلي‪ ،‬فاتفقوا مسع أميسر بخست على الهروب‪ .‬فلمسا خرج الوزيسر مسن دهلي‬

‫إلى لقاء السسلطان‪ ،‬هربوا مسع أميسر بخست وأصسحابه‪ ،‬ووصسلوا إلى أرض السسند فسي‬

‫سسبعة أيام‪ ،‬وهسو مسسيرة أربعيسن يوماً وكان معهسم الخيسل مجنوبسة‪ ،‬وعزموا على أن‬

‫يقطعوا نهسر السسند عوماً‪ ،‬ويركسب أميسر بخست وولده ومسن ل يحسسن العوم فسي معديسة‬

‫قصسب يصسنعونها‪ ،‬وكانوا قسد أعدوا حبالً مسن الحريسر برسسم ذلك‪ .‬فلمسا وصسلوا إلى‬

‫النهسر خافوا مسن عبوره بالعوم‪ ،‬فبعثوا رجليسن منهسم إلى جلل الديسن صساحب مدينسة‬

‫أوجسسه‪ ،‬فقال له‪ :‬إن هسسا هنسسا تجاراً أرادوا أن يعسسبروا النهسسر‪ ،‬وقسسد بعثوا إليسسك بهذا‬

‫السسرج‪ ،‬لتبيسح لهسم الجواز‪ ،‬فأنكسر أميسر أن يعطسى التجار مثسل ذلك السسرج‪ ،‬وأمسر‬

‫بالقبسض على الرجليسن‪ .‬ففسر أحدهمسا‪ ،‬ولحسق بشرف الملك وأصسحابه‪ ،‬وهسم نيام لمسا‬

‫لحقهسسم مسسن العياء ومواصسسلة السسسهر‪ ،‬فأخسسبرهم الخسسبر‪ ،‬فركبوا مذعوريسسن وفروا‪،‬‬

‫وأمسر جلل الديسن نائبسه‪ ،‬فركسب فسي العسسكر‪ ،‬وقصسدوا نحوهسم‪ .‬فوجدوهسم قسد ركبوا‪،‬‬

‫فاقتفوا أثرهسسم فأدركوهسسم‪ .‬فرموا العسسسكر بالنشاب‪ ،‬ورمسسى طاهسسر بسسن شرف الملك‬

‫نائب المير جلل الدين بسهم‪ ،‬فأثبته في ذراعه‪ ،‬وغلب عليهم‪ ،‬فأتى بهم إلى جلل‬

‫الدين‪ ،‬فقيدهم وغل أيديهم‪ ،‬وكتب إلى الوزير في شأنهم‪ .‬فأمر الوزير أن يبعثهم إلى‬

‫الحضرة‪ ،‬فبعثهسم إليهسا‪ .‬وسسجنوا بهسا‪ ،‬فمات طاهسر فسي السسجن‪ .‬فأمسر السسلطان أن‬

‫يضرب شرف الملك مائة مقرعسسة فسسي كسسل يوم‪ ،‬فبقسسي على ذلك مدة‪ ،‬ثسسم عفسسا عنسسه‪.‬‬

‫وبعثسه مسع الميسر نظام الديسن أميسر نجلة إلى بلد جنديري‪ ،‬فانتهست حاله إلى أن كان‬
‫يركب البقر‪ ،‬ولم يكن له فرسه يركبه‪ .‬وأقام على ذلك مدة‪ ،‬ثم وفسد ذلك المير على‬

‫السسلطان وهسو معسه‪ .‬فجعله السسلطان شاشنكيسر " جاشنكيسر "‪ ،‬وهسو الذي يقطسع اللحسم‬

‫بين يدي السلطان‪ .‬ويمشي مع الطعام‪ .‬ثم إنه بعد ذلك نوه به ورفع مقداره‪ .‬وانتهت‬

‫حاله إلى أن مرض‪ .‬فزاره السسلطان وأمسر بوزنسه بالذهسب‪ ،‬وأعطاه ذلك‪ .‬وقسد قدمنسا‬

‫هذه الحكاية في السفر الول‪ .‬وبعد ذلك زوجه بأخته وأعطاه بلد جنديري التي كان‬

‫بها البقر في خدمة المير نظام الدين‪ .‬فسبحان مقلب الرض ومحول الحوال‪.‬‬

‫ذكر خلف شاه أفغان بأرض السند‬

‫وكان شاه أفغان خالف على السسسلطان بأرض ملتان مسسن بلد السسسند‪ ،‬وقتسسل الميسسر‬

‫بها‪ ،‬وكان يسمى به زاد‪ ،‬وادعى السلطنة لنفسه‪ .‬وتجهز السلطان لقتاله‪ ،‬فعلم أنه ل‬

‫يقاومسسه‪ .‬فهرب ولحسسق بقومسسه الفغان‪ ،‬وهسسم سسساكنون بجبال منيعسسة ل يقدر عليهسسا‪،‬‬

‫فاغتاظ السلطان مما فعله‪ ،‬وكتب إلى عماله أن يقبضوا على من وجدوه من الفغان‬

‫ببلده‪ ،‬فكان ذلك سبباً لخلف القاضي جلل‪.‬‬

‫ذكر خلف القاضي جلل‬

‫وكان القاضي جلل وجماعة من الفغانيين قاطنين بمقربة من مدينة كنباية ومدينة‬

‫بلوذرة‪ ،‬فلمسا كتسب السسلطان إلى عماله بالقبسض على الفغانييسن كتسب إلى ملك مقبسل‬

‫نائب الوزيسر ببلد الجزرات ونهسر واله‪ ،‬أن يحتال فسي القبسض على القاضسي جلبسل‬

‫ومسسن معسسه‪ .‬وكانسست بلد بلوذرة إقطاعاً لملك الحكماء‪ ،‬وكان ملك الحكماء متزوجاً‬

‫بربيبة السلطان زوجة أبيه تغلق‪ ،‬ولها بنت من تغلق هي التي تزوجها المير غدا‪.‬‬
‫وملك الحكماء إذ ذاك في صحبة مقبل‪ ،‬لن بلده تحت نظره‪ .‬فلما وصلوا إلى بلد‬

‫الجزرات أمر مقبل ملك الحكماء أن يأتي بالقاضي جلل وأصحابه‪ .‬فلما وصل ملك‬

‫الحكماء إلى بلده حذرهسسم فسسي خفيسسة‪ ،‬لنهسسم كانوا مسسن أهسسل بلده‪ ،‬وقال‪ :‬إن مقبلً‬

‫طلبكسم ليقبسض عليكسم فل تدخلوا عليسه إل بالسسلح‪ ،‬فركبوا فسي نحسو ثلثمائة مدرع‬

‫وأتوه وقالوا‪ :‬ل ندخل إل جملة‪ .‬فظهر له أنه ل يمكن القبض عليهم وهم مجتمعون‪،‬‬

‫وخاف منهسم‪ .‬فأمرهسم الرجوع‪ ،‬وأظهسر تأمينهسم‪ .‬فخلفوا عليسه‪ ،‬ودخلوا مدينسة كنبايسة‪،‬‬

‫ونهبوا خزانسة السسلطان بهسا‪ ،‬وأموال الناس‪ ،‬ونهبوا مال ابسن الكومسي التاجسر‪ ،‬وهسو‬

‫الذي عمسر المدرسسة الحسسنة بإسسكندرية‪ ،‬وسسنذكره إثسر هذا‪ .‬وجاء ملك مقبسل لقتالهسم‬

‫فهزموه هزيمسسة شنيعسسة‪ .‬وجاء الملك عزيسسز الخمار والملك جهان بنبسسل لقتالهسسم فسسي‬

‫سسبعة آلف مسن الفرسسان‪ ،‬فهزموه أيضاً‪ ،‬وتسسامع بهسم أهسل الفسساد والجرائم فانثالوا‬

‫عليهسسم‪ .‬وادعسسى القاضسسي جلل السسسلطنة‪ ،‬وبايعسسه أصسسحابه‪ .‬وبعسسث السسسلطان إليسسه‬

‫العساكر فهزمها‪ .‬وكان بدولة أباد جماعة من الفغان فخالفوا أيضاً‪.‬‬

‫ذكر خلف ابن الملك مل‬

‫وكان ابسن الملك مسل سساكناً بدولة آباد فسي بعسض مسن الفغان‪ ،‬فكتسب السسلطان إلى‬

‫نائبه بها‪ ،‬وهو نظام الدين أخو معلمه قطلوخان أن يقبض عليهم‪ ،‬وبعث إليه بأجمال‬

‫كثيرة من القيود والسلسل‪ ،‬وبعث بخلع الشتاء‪ .‬وعادة ملك الهند أن يبعث لكل أمير‬

‫على مدينسسة‪ ،‬ولوجوه جنده خلعتيسسن فسسي السسسنة‪ :‬واحدة للشتاء والثانيسسة للصسسيف‪ .‬وإذا‬

‫جاءت الخلع‪ ،‬يخرج الميسر والجنسد للقائهسا‪ .‬فإذا وصسولوا إلى التسي بهسا نزلوا عسن‬
‫دوابهسم‪ ،‬وأخسذ كسل واحسد خلعتسه‪ ،‬وحملهسا على كتفسه وخدم لجهسة السسلطان‪ .‬وكتسب‬

‫السسلطان لنظام الدين إذا خرج الفغان ونزلوا عن دوابهسم لخسذ الخلع فاقبسض عليهسم‬

‫عنسد ذلك‪ .‬وأتسى أحسد الفرسسان الذيسن أوصسلوا الخلع إلى الفغان‪ ،‬فأخسبرهم بمسا يراد‬

‫بهم‪ .‬فكان نظام الدين ممن احتال‪ ،‬فانعكست عليه‪ ،‬فركب وركب الفغان معه حتى‬

‫إذا لقوا الخلع‪ ،‬ونزل نظام الديسن عسن فرسسه‪ ،‬حملوا عليسه وأصسحابه‪ ،‬فقبضوا عليسه‬

‫وقتلوا كثيراً مسسسن أصسسسحابه‪ ،‬ودخلوا المدينسسسة فاسسسستولوا على الخزائن‪ ،‬وقدموا على‬

‫أنفسهم ناصر الدين ابن ملك مل‪ ،‬وانثال عليهم المفسدون‪ ،‬فقويت شوكتهم‪.‬‬

‫ذكر خروج السلطان بنفسه إلى كنباية‬

‫ولمسا علم السسلطان مسا فعله الفغان بكنبايسة ودولة آباد‪ ،‬خرج بنفسسه‪ ،‬وعزم أن يبدأ‬

‫بكنبايسة‪ ،‬ثسم يعود إلى دولة آباد‪ .‬وبعسث أعظسم ملك البايزيدي صسهره فسي أربعسة آلف‬

‫مقدمسة‪ ،‬فاسستقبله جنسد القاضسي جلل‪ ،‬فهزموه وحصسروه ببلوذرة‪ ،‬وقاتلوه بهسا‪ .‬وكان‬

‫فسي جنسد القاضسي جلل شيسخ يسسمى جلول‪ ،‬وهسو أحسد الشجعان‪ .‬فل يزال يفتسك فسي‬

‫الجنسد ويقتسل‪ ،‬ويطلب المبارزة فل يتجاسسر أحسد على مبارزتسه‪ .‬واتفسق يوماً أنسه دفسع‬

‫فرسسه‪ ،‬فكبسا بسه فسي حفرة فسسقط عنسه وقتسل‪ .‬ووجدوا عليسه درعيسن‪ ،‬فبعثوا برأسسه إلى‬

‫السسلطان‪ ،‬وصسلبوا جسسده بسسور بلوذرة‪ ،‬وبعثوا يديسه ورجليسه إلى البلد‪ .‬ثسم وصسل‬

‫السسلطان بجنده فلم يكسن للقاضسي جلل مسن ثبات‪ ،‬ففسر فسي أصسحابه‪ ،‬وتركوا أموالهسم‬

‫وأولدهسم‪ ،‬فنهسب ذلك كله‪ ،‬ودخلت المدينسة‪ ،‬وأقام بهسا السسلطان أياماً ثسم رحسل عنهسا‪،‬‬

‫وترك بهسا صسهره شرف الملك أميسر بخست الذي قدمنسا ذكره‪ ،‬وقضيسة فراره وأخذه‬
‫بالسسند وسسجنه‪ ،‬ومسا جرى له مسن الذل‪ ،‬ثسم مسن العسز‪ .‬وأمره بالبحسث عمسن كان فسي‬

‫طاعة جلل الدين‪ ،‬وترك معه الفقهاء ليحكم بأقوالهم‪ .‬فأدى ذلك إلى قتل الشيخ علي‬

‫الحيدري حسبما قدمناه‪ .‬ولما هرب القاضي جلل لحق بناصر الدين ملك مل بدولة‬

‫آباد‪ ،‬ودخل في جملته‪ .‬فأتى السلطان بنفسه إليهم‪ ،‬واجتمعوا في نحو أربعين ألفاً من‬

‫الفغان والترك والهنود والعبيسسسد‪ ،‬وتحالفوا على أن ل يفروا‪ ،‬وأن يقاتلوا السسسسلطان‪.‬‬

‫وأتسى السسلطان لقتالهسم ولم يرفسع الشطسر الذي هسو علمتسه‪ .‬فلمسا اسستحر القتال رفسع‬

‫الشطسسر‪ ،‬ولمسسا عاينوه دهشوا وانهزموا أقبسسح هزيمسة‪ .‬ولجسأ ابسن ملك مسل والقاضسسي‬

‫جلل في نحو أربعمائة من خواصهما إلى قلعة الدويقير‪ ،‬وسنذكرها وهي من أمنع‬

‫القلع في الدنيا‪ ،‬واستقر السلطان بمدينة دولة آباد والدويقير هي قلعتها‪ .‬وبعث لهم‬

‫أن ينزلوا على حكمسسسه فأبوا أن ينزلوا إلعلى المان‪ .‬فأبسسسى السسسسلطان أن يؤمنهسسسم‪،‬‬

‫وبعث لهم الطعمة تهاوناً بهم‪ ،‬وأقام هنالك‪ .‬وهذا آخر عهدي بهم‪.‬‬

‫ذكر قتال مقبل وابن الكولمي‬

‫وكان ذلك قبسل خروج القاضسي جلل وخلفسه‪ .‬وكان تاج الديسن الكولمسي مسن كبار‬

‫التجار‪ ،‬فنزل على السسلطان مسن أرض الترك بهدايسا جليلة‪ ،‬منهسا المماليسك والجمال‬

‫والمتاع والسلح والثياب‪ .‬فأعجب السلطان فعله وأعطاه اثني عشر لكاً‪ ،‬ويذكر أنه‬

‫لم تكن قيمة هديته إل لكًا واحداً‪ .‬ووله مدينة كنباية‪ .‬وكانت لنظر الملك المقبل نائب‬

‫الوزيسسر‪ ،‬ووصسسل إليهسسا‪ ،‬وبعسسث السسسفن إلى بلد المليبار وجزيرة سسسيلن وغيرهسسا‪.‬‬

‫وجاءته التحف والهدايا في السفن‪ ،‬وعظمت حاله‪ ،‬ولما لم يبعث أموال تلك الجهات‬
‫إلى الحضرة‪ ،‬بعسسث الملك مقبسسل إلى ابسسن الكولمسسي أن يبعسسث مسسا عنده مسسن الهدايسسا‬

‫والموال مسع هدايسا تلك الجهات على العادة‪ .‬امتنسع ابسن الكولمسي عسن ذلك وقال‪ :‬أنسا‬

‫أحملهسسا بنفسسسي‪ ،‬أو أبعثهسسا مسسع خدامسسي‪ ،‬ول حكسسم لنائب الوزيسسر علي ول للوزيسسر‪،‬‬

‫واغتر بما أوله السلطان من الكرامة والعطية‪ .‬فكتب مقبل إلى الوزير بذلك‪ ،‬فوقع‬

‫له الوزيسسر على ظهسسر كتابسسه‪ :‬إن كنسست عاجزاً عسسن بلدنسسا فاتركهسسا وراجسسع إلينسسا‪.‬‬

‫ولمسسا وصسسله الجواب تجهسسز فسسي جنده ومماليكسسه‪ ،‬والتقيسسا بظاهسسر كنبايسسة‪ .‬فانهزم‬

‫الكولمي‪ ،‬وقتل جملة من الفريقين‪ .‬واستخفى ابن الكولمي في دار الناخوذة " الناخذا‬

‫"‪ ،‬إلياس أحسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسد كسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسبراء التجار‪.‬‬

‫ودخل مقبلٌ المدينة فضرب رقاب جند ابن الكولمي‪ ،‬وبعث له المان نظير أن يأخذ‬

‫ماله المختسص بسه ويترك مال السسلطان وهديتسه ومجسبى البلد‪ ،‬وبعسث مقبسل بذلك كله‬

‫مسع خدامسه إلى السسلطان‪ ،‬وكتسب شاكياً مسن ابسن الكولمسي‪ ،‬وكتسب ابسن الكولمسي شاكياً‬

‫منسه‪ .‬وبعسث السسلطان ملك الحكماء ليتنصسف بينهمسا‪ .‬وبأثسر ذلك كان خروج القاضسي‬

‫جلل الدين‪ .‬فنهب مال ابن الكولمي‪ ،‬وهرب ابن الكولمي في بعض مماليكه ولحق‬

‫بالسلطان‪.‬‬

‫ذكر الغلء الواقع بأرض الهند‬

‫وفسي مدة غياب السسلطان عسن حضرتسه‪ ،‬إذ خرج يقصسد بلد المعسبر‪ ،‬وقسع الغلء‪،‬‬

‫واشتسد المسر‪ ،‬وانتهسى المسن إلى سستين درهماً‪ ،‬ثسم زاد على ذلك‪ .‬وضاقست الحوال‪،‬‬

‫وعظم الخطب‪ ،‬ولقد خرجت مرة إلى لقاء الوزير‪ ،‬فرأيت ثلث نسوة يقطعن قطعاً‬
‫مسسن جلد فرس مات منسسذ أشهسسر ويأكلنسسه‪ .‬وكانسست الجلود تطبسسخ وتباع فسسي السسسواق‪.‬‬

‫وكان الناس إذا ذبحست البقسر‪ ،‬أخذوا دماءهسا فأكلوهسا‪ .‬وحدثنسي بعسض طلبسة خراسسان‬

‫أنهسم دخلوا بلدة تسسمى أكروهسة‪ ،‬بيسن حانسسي وسسرستي فوجدوهسا خاليسة‪ ،‬فقصسدوا‬

‫بعسض المنازل ليسبيتو بسه‪ ،‬فوجدوا فسي بعسض بيوتسه رجلً قسد أضرم ناراً‪ ،‬وبيده رجسل‬

‫آدمسسي‪ ،‬وهسسو يشويهسسا فسسي النار ويأكسسل منهسسا‪ ،‬والعياذ بال‪ .‬ولمسسا اشتسسد الحال‪ ،‬أمسسر‬

‫السسسلطان أن يعطسسى لجميسسع أهسسل دهلي نفطسسة سسستة أشهسسر‪ .‬فكانسست القضاة والكتاب‬

‫والمراء يطوفون بالزقسة والحارات‪ ،‬ويكتبون الناس‪ ،‬ويعطون لكسل أحسد نفقسة سستة‬

‫أشهسر‪ ،‬بحسساب رطسل ونصسف مسن أرطال المغرب فسي اليوم لكسل واحسد‪ .‬وكنست فسي‬

‫تلك المدة أطعسم الناس مسن الطعام الذي أصسنعه بمقسبرة السسلطان قطسب الديسن‪ ،‬حسسبما‬

‫يذكسر‪ ،‬فكان الناس ينتعشون بذلك‪ .‬و ال تعالى ينفسع بالقصسد فيسه‪ .‬وإذ قسد ذكرنسا مسن‬

‫أخبار السلطان‪ ،‬وما كان في أيامه من الحوادث ما فيه الكفاية‪ ،‬فلنعد إلى ما يخصنا‬

‫مسن ذلك‪ ،‬ونذكسر كيفيسة وصسولنا أولً إلى حضرتسه‪ ،‬وتنقسل الحال إلى خروجنسا عسن‬

‫الخدمة‪ ،‬ثم خروجنا عن السلطان في الرسالة إلى الصين‪ ،‬وعودنا منها إلى بلدنا‪،‬‬

‫إن شاء ال تعالى‪.‬‬

‫ذكر وصولنا إلى دار السلطان وعند قدومنا وهو غائب‬

‫ولمسسا دخلنسسا حضرة دهلي قصسسدنا باب السسسلطان‪ ،‬ودخلنسسا الباب الول ثسسم الثانسسي‬

‫والثالث‪ ،‬ووجدنا عليه النقباء‪ ،‬وقد تقدم ذكرهم‪ .‬فلما وصلنا إليهم تقدم بنا نقيبهم إلى‬

‫مشور عظيسم متسسع‪ ،‬فوجدنسا بسه الوزيسر خواجسه جهان ينتظرنسا‪ .‬فتقدم ضياء الديسن‬
‫خداونسد زاده‪ ،‬ثسم تل أخوه قوام الديسن‪ ،‬ثسم أخوهمسا عماد الديسن‪ ،‬ثسم تلوتهسم‪ ،‬ثسم تلنسي‬

‫أخوهسم برهان الديسن‪ ،‬ثسم الميسر مبارك السسمرقندي‪ ،‬ثسم أرون بغسا التركسي‪ ،‬ثسم ملك‬

‫زاده ابسسسسسسسسسن أخسسسسسسسسست خدوانسسسسسسسسسد زاده‪ ،‬ثسسسسسسسسسم بدر الديسسسسسسسسسن الفصسسسسسسسسسال‪.‬‬

‫ولما دخلنا من الباب الثالث ظهر لنا المشور الكبير المسمى هزار اسطون " استون‬

‫" ومعنى ذلك ألف سارية‪ ،‬وبه يجلس السلطان الجلوس العام‪ .‬فخدم الوزير عند ذلك‬

‫حتسسى قرب رأسسسه مسسن الرض‪ ،‬وخدمنسسا نحسسن بالركوع‪ ،‬وأوصسسلنا أصسسابعنا إلى‬

‫الرض‪ ،‬وخدمتنسا لناحيسة سسرير السسلطان‪ ،‬وخدم جميسع مسن معنسا‪ .‬فلمسا فرغنسا مسن‬

‫الخدمة‪ ،‬صاح النقباء بأصوات عالية‪ :‬بسم ال‪ ،‬وخرجنا‪.‬‬

‫ذكر وصولنا لدار أم السلطان‬

‫وذكر فضائلها‬

‫وأم السسلطان تدعسى المخدومسة جهان‪ ،‬وهسي مسن أفضسل النسساء‪ ،‬كثيرة الصسدقات‪،‬‬

‫عمرت زوايسا كثيرة‪ ،‬وجعلت فيهسا الطعام للوارد والصسادر‪ .‬وهسي مكفوفسة البصسر‪،‬‬

‫وسبب ذلك انه لما ملك ابنها‪ ،‬جاء إليها جميع الخواتين وبنات الملوك والمراء فسي‬

‫أحسسن زي‪ ،‬وهسي على سسرير الذهسب المرصسع بالجوهسر‪ ،‬فخدمسن بيسن يديهسا جميعاً‪،‬‬

‫فذهب بصرها للحين‪ ،‬وعولجت بأنواع العلج فلم ينفع‪ .‬وولدها أشد الناس براً بها‪.‬‬

‫ومسسسن بره أنهسسسا سسسسافرت معسسسه مرة فقدم السسسسلطان قبلهسسسا بمدة‪ ،‬فلمسسسا قدمسسست خرج‬

‫لسستقبالها‪ ،‬وترجسل عسن فرسسسه وقبسل رجلهسا‪ ،‬وهسي فسي المحفسة بمرأى مسن الناس‬

‫أجمعيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن‪.‬‬
‫ولنعسد لمسا قصسدناه فنقول‪ ،‬ولمسا انصسرفنا عسن دار السسلطان خرج الوزيسر ونحسن معسه‬

‫إلى باب الصسرف‪ ،‬وهسم يسسمونه باب الحرم‪ ،‬وهنالك سسكنى المخدومسة جهان‪ .‬فلمسا‬

‫وصسسلنا بابهسسا نزلنسسا عسسن الدواب‪ ،‬وكسسل واحسسد منسسا قسسد أتسسى بهديسسة على قدر حاله‪.‬‬

‫ودخسل معنسا قاضسي قضاة المماليسك كمال الديسن بسن البرهان‪ ،‬فخدم الوزيسر والقاضسي‬

‫عنسد بابهسا‪ ،‬وخدمنسا كخدمتهسم‪ ،‬وكتسب كاتسب بابهسا هدايانسا‪ .‬ثسم رجعوا إلى الوزيسر‪ ،‬ثسم‬

‫عادوا إلى القصسسر‪ ،‬ونحسسن وقوف‪ .‬ثسسم أمرنسسا بالجلوس فسسي سسسقيف هنالك‪ ،‬ثسسم أتوا‬

‫بالطعام‪ ،‬وأوتوا بقلل من الذهب يسمونها السين " بضم السين والياء أخر الحروف‬

‫"‪ ،‬وهسي مثل القدور‪ ،‬ولها مرافع من الذهب تجلس عليها‪ ،‬يسمونها السبك " بضسم‬

‫السسسين وضسسم الباء الموحدة " وأتوا بأقداح وطسسسوت وأباريسسق كلهسسا ذهسسب‪ ،‬وجعلوا‬

‫الطعام سسسماطين‪ ،‬وعلى كسسل سسسماط صسسفان‪ .‬ويكون فسسي رأس الصسسف كسسبير القوم‬

‫الوارديسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن‪.‬‬

‫ولمسسا تقدمنسسا للطعام‪ ،‬خدم الحجاب والنقباء‪ ،‬وخدمنسسا لخدمتهسسم‪ .‬ثسسم أتوا بالشربسسة‬

‫فشربنا‪ .‬وقال الحجاب‪ :‬بسم ال‪ ،‬ثم أكلنا‪ ،‬وأتوا بالفقاع والتنبول‪ .‬وقال الحجاب‪ :‬بسم‬

‫ال‪ ،‬فخدمنسا جميعاً‪ .‬ثسم دعينسا إلى موضسع هنالك‪ ،‬فخلع علينسا حلل الحريسر المذهبسة‪،‬‬

‫وأتوا بنسا إلى باب القصسر‪ ،‬تحست ثياب غيسر مخيطسة مسن حريسر وكتان‪ .‬فأعطسي كسل‬

‫واحسد منسا نصسيبه منهسا‪ .‬ثسم أتوا بطيفور ذهسب فيسه الفاكهسة اليابسسة‪ ،‬وبطيفور مثله فيسه‬

‫الجلب‪ ،‬وطيفور ثالث فيسسسه التنبول‪ .‬ومسسسن عادتهسسسم أن الذي يخرج له ذلك‪ ،‬يأخسسسذ‬

‫الطيفور بيده‪ ،‬ويجعله على كاهله‪ ،‬ويخدمسسه بيده الثانيسسة إلى الرض‪ .‬فأخسسذ الوزيسسر‬
‫الطيفور بيده قصسسد أن يعلمنسسي كيسسف أفعسسل إيناس ساً منسسه وتواضعاً ومسسبرة‪ ،‬جزاه ال‬

‫الخيسر‪ .‬ففعلت كمسا فعسل‪ ،‬وانصسرفنا إلى الدار المعدة لنزولنسا بمدينسة دهلي‪ ،‬وبمقربسة‬

‫من دروازة بالم منها‪ ،‬وبعث لنا الضيافة‪.‬‬

‫ذكر الضيافة‬

‫ولمسسا وصسسلت إلى الدار التسسي أعدت لنزولي وجدت فيهسسا مسسا يحتاج إليسسه مسسن فرش‬

‫وبسسط وحصسر وأوان وسسرير الرقاد‪ ،‬وأسسرتهم بالهنسد خفيفسة الحمسل‪ ،‬يحمسل السسرير‬

‫منهسا الرجسل الواحسد ول بسد لكسل أحسد أن يسستصحب السسرير فسي السسفر‪ ،‬يحمله غلمسه‬

‫على رأسسه‪ ،‬وهسو أربسع قوائم مخروطسة‪ ،‬يعرض عليهسا أربعسة أعواد‪ ،‬وتنسسج عليهسا‬

‫ضفائر مسن الحريسر والقطسن‪ ،‬فإذا نام النسسان عليسه لم يحتسج إلى مسا يرطبسه بسه‪ ،‬لنسه‬

‫يعطي الرطوبة من ذاته‪ .‬وجاءوا مع السرير بمضربين ومخدتين ولحاف‪ ،‬كل ذلك‬

‫مسسن الحريسسر وعادتهسسم أن يجعلوا للمضربات واللحوف " اللحسسف " وجوهاً تغشيهسسا‬

‫وأتوا تلك الليلة برجليسسن أحدهمسسسا الطاحونسسسي ويسسسسمونه الخراص والثانسسسي الجزار‬

‫ويسسمونه القصساب فقالوا لنسا خذوا مسن هذا كذا وكذا مسن الدقيسق‪ ،‬ومسن هذا كذا وكذا‬

‫مسن اللحسم‪ ،‬لوزان ل أذكرهسا الن وعادتهسم أن يكون اللحسم الذي يعطون بقدر وزن‬

‫الدقيسق‪ ،‬وهذا الذي ذكرناه فسي ضيافسة أم السسلطان‪ ،‬وبعدهسا وصسلتنا ضيافسة السسلطان‬

‫وسسسنذكرها‪ .‬ولمسسا كان مسسن غيسسر ذلك اليوم ركبنسسا إلى دار السسسلطان‪ ،‬وسسسلمنا على‬

‫الوزير‪ ،‬فأعطاني بدرتين‪ ،‬كل بدرة من ألف دينار دراهم‪ ،‬وقال لي‪ :‬هذه سر ششتي‬

‫" شستي " ومعناه لغسل رأسك‪ ،‬وأعطاني خلعة من المرعز‪ ،‬وكتب جميع أصحابي‬
‫وخدامسي وغلمانسي‪ ،‬فجعلوا أربعسة أصسناف‪ :‬فالصسنف الول منهسا أعطسي كسل واحسد‬

‫منهسسا مائتسسي دينار‪ ،‬والصسسنف الثانسسي أعطسسي كسسل واحسسد منهسسم مائة وخمسسسين ديناراً‬

‫والصسسنف الثالث أعطسسي كسسل واحسسد مائة دينار‪ ،‬والصسسنف الرابسع أعطسسي كسسل واحسسد‬

‫خمسة وسبعين ديناراً‪ ،‬وكانوا نحو أربعين وكان جملة ما أعطوه أربعة آلف دينار‬

‫ونيفاً‪ ،‬وبعد ذلك عينت ضيافة السلطان‪ ،‬وهي ألف رطل هندية من الدقيق‪ ،‬ثلثها من‬

‫الميرا وهسو الدرمسك‪ ،‬وثلثاهسا مسن الخشكار وهسو المدهون‪ ،‬وألف رطسل مسن اللحسم‪،‬‬

‫ومسن السسكر والسسمن والسسليف والفوفسل أرطال كثيرة‪ ،‬ل أذكسر عددهسا واللف مسن‬

‫ورق التنبول والرطسسسسسل الهندي عشرون رطلً مسسسسسن أرطال المغرب‪ ،‬وخمسسسسسسة‬

‫وعشرون مسن أرطال مصسر‪ ،‬وكانست ضيافسة خداونسد زاده أربعسة آلف رطسل مسن‬

‫الدقيسسسسسسق‪ ،‬ومثلهسسسسسسا مسسسسسسن اللحسسسسسسم‪ ،‬مسسسسسسع مسسسسسسا يناسسسسسسسبها ممسسسسسسا ذكرناه‪.‬‬

‫ذكر وفاة بنتي وما فعلوا في ذلك ولما كان بعد شهر ونصف من مقدمنا توفيت بنت‬

‫لي سسنها دون السسنة‪ .‬فاتصسل خسبر وفاتهسا بالوزيسر‪ ،‬فأمسر أن تدفسن فسي زاويسة بناهسا‬

‫خارج دروازة بالم‪ ،‬بقرب مقسبرة هنالك لشيخنسا إبراهيسم القونوي‪ ،‬فدفناهسا بهسا وكتسب‬

‫بخبرها إلى السلطان فأتاه الجواب في عشي اليوم الثاني‪ ،‬وكان بين متصيد السلطان‬

‫وبين الحضرة مسيرة عشرة أيام وعادتهم أن يخرجوا إلى قبر الميت صبيحة الثالث‬

‫مسسن دفنسسه‪ ،‬ويفرشون جوانسسب القسسبر بالبسسسط وثياب الحريسسر‪ ،‬ويجعلون على القسسبر‬

‫الزاهيسر‪ ،‬وهسي ل تنقطسع هنالك فسي فصسل مسن الفصسول كالياسسمين وقسل شبسه " كسل‬

‫شبو " وهي زهر أصفر‪ ،‬وريبول وهو أبيض‪ ،‬والنسرين وهو على صنفين أبيض‬
‫وأصسفر‪ ،‬ويجعلون أغصسان النارنسج والليمون بثمارهسا‪ ،‬وإن لم يكسن فيهسا ثمار علقوا‬

‫منها حبات بالخيوط‪ ،‬ويصبون على القبر الفواكه اليابسة وجوز النارجيل‪ ،‬ويجتمع‬

‫الناس ويؤتسسسسى بالمصسسسساحف فيقرأون القرآن‪ ،‬فإذا ختموا أتوا بماء الجلب فسسسسسقوه‬

‫الناس‪ ،‬ثسسم يصسسب عليهسسم ماء الورد صسسباً‪ ،‬ويعطون التنبول وينصسسرفون‪ .‬ولمسسا كان‬

‫صسبيحة الثالث مسن دفسن هذه البنست‪ ،‬خرجست الصسبح على العادة‪ ،‬وأعددت مسا تيسسر‬

‫مسن ذلك كله‪ ،‬فوجدت الوزيسر قسد أمسر بترتيسب ذلك‪ ،‬وأمسر بسسراجة فضربست على‬

‫القبر‪ ،‬وجاء الحاجب شمس الدين الفوشنجي الذي تلقانا بالسند‪ ،‬والقاضي نظام الدين‬

‫الكروانسسي وجملة مسسن كبار أهسسل المدينسسة‪ ،‬ولم آت إل والقوم المذكورون‪ ،‬قسسد أخذوا‬

‫مجالسهم‪ ،‬والحاجب بين أيديهم‪ ،‬وهم يقرأون القرآن فقعدت مع أصحابي بمقربة من‬

‫القسبر‪ .‬فلمسا فرغوا مسن القرأة‪ ،‬قرأ القراء بأصسوات حسسان‪ ،‬ثسم قام القاضسي فقرأ رثاء‬

‫فسسي البنسست المتوفاة‪ ،‬وثناء على السسسلطان‪ .‬وعنسسد ذكسسر اسسسمه قام الناس جميعًا قياماً‬

‫فخدموا ثم جلسوا‪ ،‬ودعا القاضي دعاء حسناً‪ ،‬ثم أخذ الحاجب وأصحابه براميل ماء‬

‫الورد وصسسبوا على الناس‪ ،‬ثسسم داروا عليهسسم بأقداح شربسسة النبات‪ ،‬ثسسم فرقوا عليهسسم‬

‫التنبول‪ ،‬ثسم أتسي بإحدى عشرة خلعسة لي ولصسحابي ثسم ركسب الحاجسب وركبنسا معسه‬

‫إلى دار السلطان‪ ،‬فخدمنا للسرير على العادة‪ ،‬وانصرفت إلى منزلي فما وصلت إل‬

‫وقسسد جاء الطعام مسسن دار المخدومسسة جهان‪ ،‬مسسا مل الدار ودور أصسسحابي‪ ،‬وأكلوا‬

‫جميعاً‪ ،‬وأكسل المسساكين‪ .‬وفضلت القراص والحلواء والنبات‪ ،‬فأقمست بقاياهسا أياماً‪،‬‬

‫وكان فعسل ذلك كله بأمسر السسلطان‪ .‬وبعسد أيام جاء الفتيان مسن دار المخدومسة جهان‬
‫بالدولة وهسي المحفسة التسي يحمسل فيهسا النسساء‪ ،‬ويركبهسا الرجال وهسي شبسه السسرير‪،‬‬

‫سسطحها مسن ضفائر الحريسر والقطسن‪ ،‬وعليهسا عود شبسه الذي على البوجات عندنسا‪،‬‬

‫معوج مسسن القصسسب الهندي المغلوق‪ ،‬ويحملهسسا ثمانيسسة رجال فسسي نوبتيسسن‪ :‬يسسستريح‬

‫أربعة‪ ،‬ويحمل أربعة‪ ،‬وهذه الدول بالهند كالحمير بديار مصر‪ ،‬عليها ينصرف أكثر‬

‫الناس فمن كان له عبيداً حملوه‪ ،‬ومن لم يكن له عبيد اكترى رجالً يحملونه‪ .‬وبالبلد‬

‫منهسم جماعسة يسسيرة‪ ،‬يقفون فسي السسواق وعنسد باب السسلطان‪ ،‬وعنسد أبواب الناس‬

‫للكري‪ ،‬وتكون دول النسساء مغشاة بغشاء حريسر‪ .‬وكذلك كانست هذه الدولة التسي أتسى‬

‫الفتيان بها من دار أم السلطان‪ ،‬فحملوا فيها جاريتي‪ ،‬وهي أم البنت المتوفاة وبعثت‬

‫أنسا معهسا عسن هديسة جاريسة تركيسة فاقامست الجاريسة أم البنست عندهسم ليلة‪ ،‬وجاءت فسي‬

‫اليوم الثانسي وقسد أعطوهسا ألف دينار دراهسم‪ ،‬وأسساور ذهسب مرصسعة‪ ،‬وتهليلً مسن‬

‫الذهسب مرصسعاً وقميسص كتان مزركشاً بالذهسب وخلعسة حريسر مذهبسة وتختاً بأثواب‬

‫ولمسا جاءت بذلك أعطيتسه لصسحابي وللتجار الذيسن لهسم علي الديسن‪ ،‬محافظسة على‬

‫نفسي‪ ،‬وصوناً لعرضي لن المخبرين يكتبون إلى السلطان بجميع أحوالي‪.‬‬

‫ذكر إحسان السلطان والوزير‬

‫في أيام غيبة السلطان عن الحضرة‬

‫وفسي أثناء إقامتسي أمسر السسلطان أن يعيسن لي مسن القرى مسا يكون فائدة خمسسة آلف‬

‫دينار فسي السسنة‪ ،‬فعينهسا لي الوزيسر وأهسل الديوان‪ ،‬وخرجست إليهسا فمنهسا قريسة تسسمى‬

‫بدلي " بفتسح الباء الموحدة وفتسح الدال المهملة وكسسر اللم " وقريسة تسسمى بسسهي "‬
‫بفتسح الباء الموحدة والسسين المهمسل وكسسر الهاء " ونصسف قريسة تسسمى بلرة " بفتسح‬

‫الباء الموحدة واللم والراء "‪ ،‬وهذه القرى على مسسسافة سسستة عشسسر كروهاً‪ ،‬وهسسو‬

‫الميسل‪ ،‬بصسدي يعرف بصسدي هندبست‪ ،‬والصسدي عندهسم مجموع مائة قريسة مسن قرى‬

‫بلد الهند‪ ،‬وأحواز المدينة مقسومة أصداء‪ ،‬وكل صدي له جوطري‪ ،‬وهو شيخ من‬

‫كفار تلك البلد‪ ،‬ومتصسسرف‪ ،‬وهسسو الذي يضسسم مجابيهسسا‪ .‬وكان قسسد وصسسل فسسي ذلك‬

‫الوقت سبي من الكفار‪ ،‬فبعث الوزير إلي عشر جوار منه‪ ،‬فأعطيت الذي جاء بهن‬

‫واحدة منهسسن‪ ،‬فلمسسا رضسسي بذلك‪ ،‬وأخسسذ أصسسحابي ثلثاً صسسغاراً منهسسن‪ ،‬وباقيهسسن ل‬

‫أعرف ما اتفق لهن‪ .‬والسبي هنالك رخيص الثمن‪ ،‬لنهن قذرات ل يعرفن مصالح‬

‫الحضسسر‪ ،‬والمعلمات رخيصسسات الثمان‪ ،‬فل يفتقسسر أحسسد إلى شراء السسسبي‪ .‬والكفار‬

‫ببلد الهند في بر متصل وبلد متصلة مع المسلمين والمسلمون غالبون عليهم وإنما‬

‫يمتنسع الكفار بالجبال والوعار‪ ،‬ولهسم غيضات مسن القصسب‪ ،‬وقصسبهم غيسر مجوف‪،‬‬

‫ويعظم ويلتف بعضه على بعض‪ ،‬ول تؤثر فيه النار‪ ،‬وله قوة عظيمة فيسكنون تلك‬

‫الغياض‪ ،‬وهي لهم مثل السور‪ ،‬وبداخلها تكون مواشيهم وزروعهم‪ ،‬ولهم فيها المياه‬

‫ممسا يجتمسع مسن ماء المطسر فل يقدر عليهسم ال بالعسساكر القويسة مسن الرجال الذيسن‬

‫يدخلون تلك الغياض‪ ،‬ويقطعون تلك القصب بآلت معدة لذلك‪.‬‬

‫ذكر العيد الذي شهدته أيام غيبة السلطان‬

‫وأطسل عيسد الفطسر‪ ،‬والسسلطان لم يعسد بعسد إلى الحضرة‪ ،‬فلمسا كان يوم العيسد ركسب‬

‫الخطيب على الفيل‪ ،‬وقد مهد له على ظهره شبه السرير‪ ،‬وركزت أربعة أعلم في‬
‫أركانسه الربعسة‪ ،‬وليسس الخطيسب ثياب السسود‪ ،‬وركسب المؤذنون على الفيلة يكسبرون‬

‫أمامسسه‪ ،‬وفقهاء المدينسسة وقضاتهسسا وكسسل واحسسد يسسستصحب صسسدقة يتصسسدق بهسسا حيسسن‬

‫الخروج إلى المصسلى ونصسب على المصسلى صسيوان قطسن‪ ،‬وفرش ببسسط‪ ،‬واتجمسع‬

‫الناس ذاكريسسن ال تعالى‪ .‬ثسسم صسسلى بهسسم الخطيسسب وخطسسب وانصسسرف الناس إلى‬

‫منازلهسسم‪ ،‬وانصسسرفنا إلى دار السسسلطان وجعسسل الطعام‪ ،‬فحضره الملوك والمراء‪،‬‬

‫والعزة وهم الغرباء‪ ،‬وأكلوا وانصرفوا‪.‬‬

‫ذكر قدوم السلطان ولقائنا له‬

‫ولمسسا كان فسسي رابسسع شوال نزل السسسلطان بقصسسر اسسسمه تلبسست "بكسسسر التاء المعلوة‬

‫الولى وسسكون اللم وفتسح الباء الموحدة ثسم تاء كالولى "‪ ،‬وهسي على مسسافة سسبعة‬

‫أميال من الحضرة فأمرنا الوزير بالخروج اليه فخرجنا‪ ،‬ومع كل انسان هديته من‬

‫الخيل والجمال والفواكه الخراسانية والسيوف المصرية والمماليك والغنم المجلوبة‬

‫من بلد التراك فوصلنا إلى باب القصر واجتمع جميع القادمين فكانوا يدخلون إلى‬

‫السسسلطان على قدر مراتبهسسم‪ ،‬ويخلع عليهسسم ثياب الكتان المزركشسسة بالذهسسب‪ ،‬ولمسسا‬

‫وصسسلت إلى النوبسسة‪ ،‬دخلت فوجدتسسه قاعداً على كرسسسي‪ ،‬فظننتسسه أحسد الحجاب حتسى‬

‫رأيسست معسسه ملك الندماء ناصسسر الديسسن الكافسسي الهروي‪ ،‬وكنسست عرفتسسه أيام غيبسسة‬

‫السسلطان‪ ،‬فخدم الحاجسب‪ ،‬فخدمست واسستقبلني أميسر حاجسب‪ ،‬وهسو ابسن عسم السسلطان‬

‫فيروز‪ ،‬وخدمست ثانيسة لخدمتسه‪ ،‬ثسم قال لي ملك الندماء بسسم ال‪ ،‬مولنسا بدر الديسن‪.‬‬

‫وكانوا يدعوننسي بأرض الهنسد بدر الديسن وكسل مسن كان مسن أهسل الطلب إنمسا يقال له‬
‫مولنا فقربت من السلطان حتى أخذ بيدي وصافحني وأمسك يدي وجعل يخطابني‬

‫بأحسسن خطاب‪ ،‬ويقول لي بالفارسسي‪ ،‬حلت البركسة‪ ،‬قدومسك مبارك‪ ،‬اجمسع خاطرك‪،‬‬

‫اعمل معك من المراحم‪ ،‬وأعطيك من النعام‪ ،‬ما يسمع به أهل بلدك‪ ،‬فيأتون إليك‪.‬‬

‫ثسم سسألني عسن بلدي فقلت له‪ :‬بلد المغرب فقال لي‪ :‬بلد عبسد المؤمسن ? فقلت له‪:‬‬

‫نعسسم‪ .‬وكان كلمسسا قال لي كلماً جيداً قبلت يده حتسسى قبلتهسسا سسسبع مرات‪ .‬وخلع علي‪،‬‬

‫وانصسرفت واجتمسع الواردون‪ ،‬فمسد لهسم سسماط‪ .‬ووقسف على رؤوسسهم قاضسي القضاة‬

‫صسسدر الجهان كمال الديسسن الغزنوي‪ ،‬وعماد الملك عرض المماليسسك‪ ،‬والملك جلل‬

‫الديسن الكيجسي‪ ،‬وجماعسة مسن الحجاب والمراء‪ ،‬وحضسر كذلك خداونسد زاده غياث‬

‫الديسن‪ ،‬ابسن عسم خداونسد زاده قوام الديسن قاضسي ترمسذ الذي قدم معنسا‪ ،‬وكان السسلطان‬

‫يعظمه ويخاطبه بالخ وتردد إليه مراراً من بلده‪ .‬والواردون الذين خلع عليهم في‬

‫ذلك اليوم هسسم خداونسسد زاده قوام الديسسن وإخوتسسه ضياء الديسسن وعماد الديسسن وبرهان‬

‫الديسن وابسن أخيسه أميسر بخست ابسن السسيد تاج الديسن‪ ،‬وكان جده وجيسه الديسن وزيسر‬

‫خراسسسان‪ ،‬وكان خاله علء الديسسن أميسسر هنسسد ووزيراً أيضاً‪ ،‬والميسسر هبسسة ال ابسسن‬

‫الفلكسي التسبريزي‪ ،‬وكان أبوه نائب الوزيسر بالعراق‪ ،‬وهسو الذي بنسى المدرسسة الفلكيسة‬

‫بتسبريز‪ ،‬وملك كراي مسن أولد بهرام جور " جوبيسن " صساحب كسسرى‪ ،‬وهسو مسن‬

‫أهسل جبسل بدخشان الذي منسه يجلب الياقوت البلخسش واللزورد‪ ،‬والميسر مبارك شاه‬

‫السسمرقندي‪ ،‬وأرون بغسا البخاري‪ ،‬وملك زاده الترمذي‪ ،‬وشهاب الديسن الكازرونسي‪،‬‬

‫التاجر الذي قدم تبريز بالهدية إلى السلطان فسلب في طريقه‪.‬‬


‫ذكر دخول السلطان إلى حضرته‬

‫وما أمر لنا به من المراكب‬

‫وفسي الغسد مسن يوم خروجنسا إلى السسلطان أعطسي كسل واحسد منسا فرسساً مسن مراكسب‬

‫السسلطان‪ ،‬عليسه سسرج ولجام محليان وركسب السسلطان لدخول حضرتسه‪ ،‬وركبنسا فسي‬

‫مقدمتسسه مسسع صسسدر الجهان‪ ،‬وزينسست الفيلة أمام السسسلطان‪ ،‬وجعلت عليهسسا العلم‪،‬‬

‫ورفعست عليهسا سستة عشسر شطراً‪ ،‬منهسا مزركشسة‪ ،‬ومنهسا مرصسعة‪ ،‬ورفسع فوق رأس‬

‫السسلطان شطرٌ منهسا‪ ،‬وحملت أمامسه الغاشيسة‪ ،‬وهسي سستارة مرصسعة‪ ،‬وجعسل على‬

‫بعسض الفيلة رعادات صسغار‪ ،‬فلمسا وصسل السسلطان إلى قرب المدينسة‪ ،‬قذف فسي تلك‬

‫الرعادات بالدنانيسسر والدراهسسم مختلطسسة‪ ،‬والمشاة بيسسن يدي السسسلطان وسسسواهم ممسسن‬

‫حضسسر يلتقطون ذلك‪ .‬ولم يزالوا ينثرونهسسا إلى أن وصسسلوا القصسسر وكان بيسسن يديسسه‬

‫آلف مسن المشاة على القدام وصسنعت قباب الخشسب المكسسوة بثياب الحريسر‪ ،‬وفيهسا‬

‫المغنيات حسبما ذكرنا ذلك‪.‬‬

‫ذكر دخولنا اليه وما أنعم به من الحسان والولية‬

‫ولمسسا كان يوم الجمعسسة‪ ،‬ثانسي يوم دخول السسلطان‪ ،‬أتينسا باب المشور‪ ،‬فجلسسسنا فسسي‬

‫سسسقائف الباب الثالث‪ ،‬ولم يكسسن الذن حصسسل لنسسا بالدخول‪ ،‬وخرج الحاجسسب شمسسس‬

‫الديسسن الفوشنجسسي‪ ،‬فأمسسر الكتاب أن يكتبوا أسسسماءنا‪ ،‬وأذن لهسسم فسسي دخولنسسا‪ ،‬ودخول‬

‫بعسض أصسحابنا‪ ،‬وعيسن للدخول معسي ثمانيسة‪ ،‬فدخلنسا ودخلوا معنسا‪ ،‬ثسم جاءوا بالبدر‬

‫والقبان‪ ،‬وهسو الميزان‪ ،‬وقعسد قاضسي القضاة والكتاب‪ ،‬ودعوا مسن بالباب مسن العزة‬
‫وهسم الغرباء‪ ،‬فعينوا لكسل نصيبه من تلك البدر‪ ،‬فحصسل لي خمسة آلف دينار وكان‬

‫مبلغ المال مائة ألف دينار‪ ،‬تصسسدقت بسسه أم السسسلطان لمسسا قدم ابنهسسا‪ ،‬وانصسسرفنا ذلك‬

‫اليوم وكان السسسلطان بعسسد ذلك يسسستدعينا للطعام بيسسن يديسسه‪ ،‬ويسسسأل عسسن أحوالنسسا‪،‬‬

‫ويخاطبنسا بأجمسل الكلم ولقسد قال لنسا فسي بعسض اليام‪ :‬أنتسم شرفتمونسا بقدومكسم فمسا‬

‫نقدر على مكافأتكسسم فالكسسبير منكسسم مقام والدي‪ ،‬والكهسسل مقام أخسسي‪ ،‬والصسسغير مقام‬

‫ولدي‪ ،‬ومسسا فسسي ملكسسي أعظسسم مسسن مدينتسسي هذه أعطيكسسم إياهسسا فشكرناه ودعونسسا له‪.‬‬

‫ثسم بعسد ذلك أمسر لنسا بالمرتبات فعيسن لي اثنسي عشسر ألف دينار فسي السسنة‪ ،‬وزادنسي‬

‫قريتيسن على الثلث التسي أمسر لي بهسا قبسل‪ ،‬إحداهمسا قريسة جوزة‪ ،‬والثانيسة قريسة ملك‬

‫بور‪ ،‬وفسي بعسض اليام بعسث لنسا خداونسد زاده‪ ،‬وغياث الديسن وقطسب الملك صساحب‬

‫السسند فقال لنسا‪ :‬إن خونسد عالم يقول لكسم‪ :‬مسن كان منكسم يصسلح للوزارة أو الكتابسة أو‬

‫المارة أو القضاة أو التدريسس أو المشيخسة‪ ،‬أعطيتسه ذلك فسسكت الجميسع لنهسم كانوا‬

‫يريدون تحصسيل الموال والنصسراف إلى بلدهسم‪ ،‬وتكلم أميسر بخست ابسن السسيد تاج‬

‫الدين الذي تقدم ذكره فقال‪ :‬أما الوزارة فميراثي‪ ،‬وأما الكتابة فشغلي‪ ،‬وغير ذلك ل‬

‫أعرفسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه‪.‬‬

‫وتكلم هبة ال الفلكي فقال مثل ذلك‪ ،‬وقال لي خداوند زاده بالعربي‪ :‬ما تقول أنت يا‬

‫سسيدي ? وأهسل تلك البلد مسا يدعون العربسي إل بالتسسويد ‪ ،‬وبذلك يخاطبسه السسلطان‪،‬‬

‫تعظيماً للعرب‪ ،‬فقلت له‪ :‬أما الوزارة والكتابة فليست شغلي‪ ،‬وأما القضاء والمشيخة‬

‫فشغلي وشغسسل آبائي‪ ،‬وأمسسا المارة فتعلمون أن العاجسسم مسسا أسسسلمت إل بأسسسياف‬
‫العرب‪ ،‬فلمسسا بلغ ذلك السسسلطان أعجبسسه كلمسسي وكان بهزار أسسسطون يأكسسل الطعام‪،‬‬

‫فبعث عنا‪ ،‬فأكلنا بين يديه‪ ،‬وهو يأكل‪ ،‬ثم انصرفنا إلى خارج هزار اسطون‪ ،‬فقعد‬

‫أصسسحابي وانصسسرفت بسسسبب دمسسل كان يمنعنسسي الجلوس‪ ،‬فاسسستدعانا السسسلطان ثانيسسة‬

‫فحضسر أصسحابي‪ ،‬واعتذر واله عنسي بعسد صسلة العصسر‪ ،‬فصسليت بالمشور المغرب‬

‫والعشاء الخرة‪ ،‬ثم خرج الحاجب فاستدعانا‪ ،‬فدخل خداوند زاده ضياء الدين‪ ،‬وهو‬

‫أكسبر الخوة المذكوريسن‪ ،‬فجعله السسلطان أميسر داد وهسو مسن المراء الكبار‪ ،‬فجلس‬

‫بمجلس القاضسسي‪ .‬فمسسن كان له حسسق على أميسسر أو كسسبير أحضره بيسسن يديسسه‪ ،‬وجعسسل‬

‫مرتبسه على هذه الخطسة خمسسين ألف دينار فسي السسنة‪ ،‬عيسن له مجاشسر فائدهسا ذلك‬

‫المقدار‪ ،‬فأمسسر له بخمسسسين ألفاً عسسن يدٍ‪ ،‬وخلع عليسسه خلعسسة حريسسر مزركشسسة تسسسمى‬

‫صورة الشير‪ ،‬ومعناه صورة السبع‪ ،‬لنه يكون في صدرها وظهرها صورة سبع‪،‬‬

‫وقسد خيسط فسي باطن الخلعسة بطاقسة بمقدار مازركسش فيهسا مسن الذهسب‪ ،‬وأمسر له بفرس‬

‫مسن الجنسس الول‪ ،‬والخيسل عندهسم أربعسة أجناس وسسروجهم كسسروج أهسل مصسر‪،‬‬

‫ويكسون أعظمها بالفضة المذهبة‪ ،‬ثم دخل أمير بخت‪ ،‬فأمره أن يجلس مع الوزير‬

‫فسي مسسنده‪ ،‬ويقسف على محاسسبات الدواويسن وعيسن له مرتباً أربعيسن ألف دينار فسي‬

‫السنة أعطى مجاشر فائدها بمقدار ذلك‪ ،‬وأعطى أربعين ألفاً عن يد‪ ،‬وأعطى فرساً‬

‫مجهزاً‪ ،‬وخلع عليسسسسسسسسسسسسسسه كخلعسسسسسسسسسسسسسسة الذي قبله‪ ،‬ولقسسسسسسسسسسسسسسب شرف الملك‪.‬‬

‫ثسم دخسل هبسة ال بسن الفلكسي فجعله رسسول دار‪ ،‬ومعناه حاجسب الرسسال‪ ،‬وعيسن له‬
‫مرتباً أربعيسن ألف دينار فسي السسنة أعطسى مجاشسر يكون قائدهسا بمقدار ذلك وأعطسى‬

‫أربعة وعشرين ألفاً عن يد وأعطى فرساً مجهزاً وخلعة‪ ،‬وجعل لقبه بهاء الملك‪ .‬ثم‬

‫دخلت فوجدت السسلطان على سسطح القصسر مسستندًا إلى السسرير‪ ،‬والوزيسر خواجسه‬

‫جهان بين يديه‪ ،‬والملك الكبير قبولة واقف بين يديه فلما سلمت عليه‪ ،‬قال لي الملك‬

‫الكبير‪ :‬أخدم فقد جعلك خوند عالم قاضي دار الملك دهلي‪ ،‬وجعل مرتبك اثني عشر‬

‫ألف دينار فسي السسسنة‪ ،‬وعيسن لك مجاشسسر بمقدارهسا‪ ،‬وأمسسر لك باثنسي عشسر ألفاً نقداً‬

‫تأخذها من الخزانة غداً إن شاء ال‪ ،‬وأعطاك فرساً بسرجه ولجامه‪ ،‬وأمر لك بخلعة‬

‫محاربي‪ ،‬وهي التي يكون في صدرها وظهرها شكل محراب‪ ،‬فخدمت وأخذ بيدي‬

‫فتقدم بسسسي إلى السسسسلطان‪ ،‬فقال لي السسسسلطان‪ :‬ل تحسسسسب قضاء دهلي مسسسن أصسسسغر‬

‫الشغال‪ ،‬هسو أكسبر الشغال عندنسا‪ ،‬وكنست أفهسم قوله‪ ،‬ول أحسسن الجواب عنسه وكان‬

‫السسلطان يفهسم العربسي ول يحسسن الجواب عنسه‪ ،‬فقلت له‪ :‬يسا مولنسا أنسا على مذهسب‬

‫مالك‪ ،،‬وهؤلء حنفيسة وأنسا ل أعرف إنسساناً فقال لي‪ :‬قسد عينست بهاء الديسن الملتانسي‬

‫وكمال الديسسن البجنوري ينوبان عنسسك ويشاورانسسك‪ ،‬وتكون أنسست تسسسجل على العقود‬

‫وأنست عندنسا بمقام الوالد‪ ،‬فقلت له‪ :‬بسل عبدكسم وخديمكسم فقال لي باللسسان العربسي‪ ،‬بسل‬

‫أنت سيدنا ومخدومنا‪ ،‬تواضعاً منه وفضلً وإيناساً‪ ،‬ثم قال لشرف الملك أمير بخت‪،‬‬

‫إن كان الذي ترتسب له ل يكفيسه لنسه كثيسر النفاق‪ ،‬فأنسا أعطيسه زاويسة إن قجسر على‬

‫إقامة حال الفقراء‪ ،‬وقال‪ :‬قل له هذا بالعربي‪ ،‬وكان يظن أنه يحسن العربي ولم يكن‬

‫كذلك وفهسسم السسسلطان ذلك فقال له‪ :‬برو ويكجسسا بخصسسبي " بخسسسبي " وآن حكايسسة‬
‫بروابكوي وتفهيسم كنسي " بكنسي " تافردا إن شاء ال بيسش مسن بيايسي " و" جواب أو‬

‫بكري " بكوي " معناه‪ :‬امشوا الليلة فارقدوا فسي موضسع واحسد‪ ،‬وفهمسه هذه الحكايسة‪،‬‬

‫فإذا كان بالغسسد إن شاء ال تجيسسء إلي وتعلمنسسي بكلمسسه‪ ،‬فانصسسرفنا وذلك فسسي ثلث‬

‫الليل‪ ،‬وقد ضربت النوبة‪ .‬والعادة عندهم إذا ضربت ل يخرج أحد فانتظرنا الوزير‬

‫حتى خرج‪ ،‬وخرجنا معه‪ ،‬ووجدنا أبواب دهلي مسدودة فبتننا عند السيد أبي الحسن‬

‫العبادي العراقسي‪ ،‬بزقاق يعرف بسسرابور خان وكان هذا الشيسخ يتجسر بمال السسلطان‬

‫ويشتري له السلحة والمتعة بالعراق وخراسان‪ .‬ولما كان بالغد بعث عنا‪ ،‬فقبضنا‬

‫الموال والخيسسل والخلع‪ ،‬وأخسسذ كسسل واحسسد منسسا البدرة بالمال‪ ،‬فجعلهسسا على كاهله‪،‬‬

‫ودخلنسا كذلك على السسلطان فخدمنسا‪ ،‬وأتينسا بالفراس فقبلنسا حوافرهسا‪ ،‬بعسد أن جعلت‬

‫عليهسسسا الخرق‪ ،‬وقدناهسسسا بأنفسسسسنا إلى باب دار السسسسلطان فركبناهسسسا وذلك كله عادة‬

‫عندهسم‪ ،‬ثسم انصسرفنا وأمسر السسلطان لصسحابه بألفسي دينار وعشسر خلع‪ ،‬ولم يعسط‬

‫لصسسحاب أحسسد سسسواي شيئاً وكان أصسسحابي لهسسم رواء ومنظسسر‪ ،‬فأعجبوا السسسلطان‬

‫وخدموا بين يديه وشكرهم‪.‬‬

‫ذكر عطاء ثان أمر لي به وتوقفه مدة‬

‫وكنست يوماً بالمشور‪ ،‬بعسد أيام مسن توليتسي القضاء والحسسان إلي‪ ،‬وأنسا قاعسد تحست‬

‫شجرة هنالك‪ ،‬وإلى جانسبي مولنسا ناصسر الديسن الترمذي العالم الواعسظ‪ ،‬فأتسى بعسض‬

‫الحجاب فدعا مولنا ناصر الدين‪ ،‬فدخل إلى السلطان‪ ،‬فخلع عليه‪ ،‬وأعطاه مصحفاً‬
‫مكللً بالجوهر‪ ،‬ثم أتاني بعض الحجاب فقال‪ :‬أعطني شيئاً وآخذ لك خط خرد باثني‬

‫عشر ألفاً‪ ،‬أمر لك بها خوند عالم فلم أصدقه وظننته يريد الحيلة علي‪ ،‬وهو مجد في‬

‫كلمسه‪ ،‬فقال بعسض الصسحاب‪ :‬أنسا أعطيسه‪ ،‬فأعطاه ديناريسن أو ثلثسة‪ ،‬وجاء بخسط‬

‫خرد ومعناه الخسسط الصسسغر مكتوباً بتعريسسف الحاجسسب‪ ،‬ومعناه أمسسر خونسسد عالم أن‬

‫يعطسي مسن الخزانسة الموفورة كذا لفلن بتبليسغ فلن أي بتعريفسه‪ ،‬ويكتسب المبلغ اسسمه‬

‫ثسسم يكتسسب على تلك البراءة ثلثسسة مسسن المراء‪ :‬وهسسم الخان العظسسم قطلوخان معلم‬

‫السسسلطان‪ ،‬والخريطسسة دار وهسسو صسساحب وهسسو صسساحب خريطسسة الكاغسسد والقلم‪،‬‬

‫والمير نكبية الدوادار صاحب الدواة‪ ،‬فإذا كتب كل واحد منهم خطه‪ ،‬تذهب البراءة‬

‫إلى ديوان الوزارة فينسسخها كتاب الديوان عندهسم‪ ،‬ثسم تثبست فسي ديوان الشراف‪ ،‬ثسم‬

‫تثبتسا فسي ديوان النظسر‪ ،‬ثسم تكتسب البراونسة‪ ،‬وهسي الحكسم مسن الوزيسر للخازن بالعطاء‪،‬‬

‫ثسم يثبتهسا الخازن فسي ديوانسه‪ ،‬ويكتسب تلخيصسًا فسي كسل يوم بمبلغ مسا أمسر بسه السسلطان‬

‫ذلك اليوم مسن المال‪ ،‬ويعرضسه عليسه فمسن أراد التعجيسل بعطائه أمسر بتعجيله ومسن‬

‫أراد التوقيسف وقسف له ولكسن ل بسد مسن عطاء ذلك‪ ،‬ولو طالت المدة فقسد توقفست هذه‬

‫الثنسا عشسر ألفاً سستة أشهسر ثسم أخذتهسا مسع غيرهسا حسسبما يأتسي‪ .‬وعادتهسم إذا أمسر‬

‫السسلطان بإحسسان لحسد يحسط منسه العشسر فمسن أمسر له مثل بمائة ألفسٍ‪ ،‬أعطسي تسسعين‬

‫ألفاً‪ ،‬أو بعشرة آلف أعطي تسعة آلف‪.‬‬


‫ذكر طلب الغرماء ما لهم قبلي ومدحي للسلطان‬

‫وأمره بخلص ديني وتوقف ذلك مدة‬

‫وكنت حسبما ذكرته قد استدنت من التجار مالً أنفقته في طريقي‪ ،‬وما صنعت به‬

‫الهديسة للسسلطان‪ ،‬ومسا أنفقتسه فسي إقامتسي فلمسا أرادوا السسفر إلى بلدهسم ألحوا علي فسي‬

‫طلب ديونهم فمدحت السلطان في قصيدة طويلة أولها‪:‬‬

‫أتينا نجد السير نحوك في السفسل‬ ‫إليك أمير المؤمنين السمسبسجسل‬


‫ومغناك كهفٌ لسلسزيارة أهسل‬ ‫فجئت محسلً مسن عسلئك زائراً‬
‫لكنت لعلها إمامساً مسؤهسلً‬ ‫فلو أن فوق الشمس للمجسد رتسبةً‬
‫فأنت المام الماجد الوحسد السذي سجاياه حتمًا أن يقسول ويفسعسل‬
‫ولي حاجة من فيض جودك أرتجي قضاها وقصدي عند مجدك سهلً‬
‫فإن حياكم ذكره كسان أجسمسل‬ ‫أأذكرها أم قد كفانسي حسياؤكسم‬
‫قضا دينه إن الغسريم تسعسجسل‬ ‫فعجل لمن واقى مسحسلسك زائراً‬
‫فقدمتهسا بيسن يديسه‪ ،‬وهسو قاهسد على كرسسي‪ ،‬فجعلهسا على ركبتسه‪ ،‬وأمسسك طرفهسا‬

‫بيده‪ ،‬وطرفهسسا الثانسسي بيدي‪ .‬وكنسست إذا أكملت بيتاً منهسسا أقول لقاضسسي القضاة كمال‬

‫الديسن الغزنوي بيسن معناه لخونسد عالم‪ ،‬فيسبينه ويعجسب السسلطان وهسم يحبون الشعسر‬

‫العربي فلما بلغت إلى قولي‪ :‬فعجل لمن وافى‪ ،‬البيت‪ ،‬قال‪ :‬مرحمة ومعناه‪ :‬ترحمت‬

‫عليسسسك فأخسسسذ الحجاب حينئذ بيسسسد ليذهبوا بسسسي إلى موقفهسسسم‪ ،‬وأخدم على العادة فقال‬

‫السسلطان اتركوه حتسى يكملهسا فأكملتهسا وخدمست‪ ،‬وهنأنسي الناس بذلك‪ ،‬وأقمست مدة‪،‬‬

‫وكتبست رفعاً‪ ،‬وهسم يسسمونه عرض داشست‪ ،‬فدفعتسه إلى قطسب الملك صساحب السسند‪،‬‬

‫فدفعسه للسسلطان فقال له‪ :‬امسض إلى خواجسه جهان فقسل له‪ :‬يعطسي دينسه فمضسى إليسه‬

‫وأعلمسه‪ ،‬فقال‪ :‬نعسم وأبطسأ ذلك أياماً وأمره السسلطان فسي خللهسا بالسسفر إلى دولة آباد‬

‫وفي أثناء ذلك خرج السلطان إلى الصيد‪ ،‬وسافر الوزير‪ ،‬فلم آخذ شيئاً منها إل بعد‬
‫مدة‪ .‬والسبب الذي توقف به عطاؤها أذكره مستوفى وهو أنه لما عزم الذي كان لهم‬

‫علي الديسن إلى السسفر‪ ،‬قلت لهسم‪ :‬إذا أنسا أتيست دار السسلطان فدرهونسي على العادة فسي‬

‫تلك البلد‪ ،‬لعلمي أن السلطان متى يعلم بذلك خلصهم‪ ،‬وعادتهم أنهم متى كان لحد‬

‫ديسن على رجسل مسن ذوي العنايسة وأعوزه خلصسه وقسف له بباب دار السسلطان فإذا‬

‫أراد الدخول قال له‪ :‬دروهسسي‪ ،‬وحسسق رأس السسسلطان مسسا تدخسسل حتسسى تخلصسسني‪ ،‬فل‬

‫يمكنسه ان يسبرح مسن مكانسه حتسى يخلصسه‪ ،‬أو يرغسب إليسه فسي تأخيره‪ .‬فاتفسق يوماً أن‬

‫خرج السسلطان إلى زيارة قسبر أبيسه‪ ،‬ونزل بقصسر هنالك فقلت لهسم‪ :‬هذا وقتكسم‪ ،‬فلمسا‬

‫أردت الدخول‪ ،‬وقفوا لي بباب القصسسر فقالوا لي دروهسسي السسسلطان مسسا تدخسسل حتسسى‬

‫تخلصسنا‪ .‬وكتسب كتاب الباب بذلك إلى السسلطان‪ ،‬فخرج حاجسب قصسة شمسس الديسن‪،‬‬

‫وكان مسن كبار الفقهاء‪ ،‬فسسألهم لي شيسء درهتموه ? فقالوا‪ :‬لنسا عليسه الديسن فرجسع‬

‫إلى السسسسلطان فأعلمسسسه بذلك‪ ،‬فقال له‪ :‬أسسسسألهم كسسسم مبلغ الديسسسن ? فقالوا له خمسسسس‬

‫وخمسسون ألف دينار‪ ،‬فعاد إليسه فأعلمسه فأمره أن يعود إليهسم‪ ،‬ويقول لهسم‪ :‬إن خونسد‬

‫عالم يقول لكسسم‪ :‬المال عندي وأنسسا أنصسسفكم منسسه فل تطلبوه بسسه وأمسسر عماد الديسسن‬

‫السسسمناني وخداونسسد زاده غياث الديسسن أن يقعدوا بهزار أسسسطون‪ ،‬ويأتسسي أهسسل الديسسن‬

‫بعقودهسسم‪ ،‬وينظروا إليهسسا‪ ،‬ويتحققوهسسا ففعل ذلك وأتسسى الغرماء بعقودهسسم فدخل إلى‬

‫السسسلطان وأعلماه بثبوت العقود‪ ،‬فضحسسك وقال‪ :‬ممازحاً‪ :‬أنسسا أعلم أنسسه قاض جهسسز‬

‫شغله فيهسا ثسم أمسر خداونسد زاده أن يعطينسي ذلك مسن الخزانسة فطمسع فسي الرشوة على‬

‫ذلك وامتنع أن يكتب خط خرد‪ ،‬فبعثت إليه مائتي تنكة‪ ،‬فردها ولم يأخذها وقال لي‬
‫عنسه بعسض خدامسه‪ :‬إنسه طلب خمسسمائة تنكسة فامتنعست مسن ذلك وأعلمست عميسد الملك‬

‫بسسن عماد الديسسن السسسمناني بذلك‪ ،‬فأعلم بسسه أباه وأعلمسسه الوزيسسر‪ ،‬وكانسست بينسسه وبيسسن‬

‫خداونسسد زاده عداوة فأعلم السسسلطان بذلك‪ ،‬وذكسسر له كثيراً مسسن أفعال خداونسسد زاده‪،‬‬

‫فغير خاطر السلطان عليه‪ ،‬فأمر بحبسه في المدينة وقال‪ :‬لي شيء أعطاه فلن ما‬

‫أعطاه ووقفوا ذلك حتسسى يعلم هسسل يعطسسي خداونسسد زاده شيئاً إذا منعتسسه أو يمنعسسه إذا‬

‫أعطيته فبهذا السبب توقف عطاء ديني‪.‬‬


‫ذكر خروج السلطان إلى الصيد وخروجي معه‬

‫وما صنعت في ذلك‬


‫ولما خرج السلطان إلى الصيد خرجت معه من غير تربص‪ ،‬وكنت قد أعددت ما‬

‫يحتاج إليهه‪ ،‬وعملت ترتيهب أههل الهنهد‪ ،‬فاشتريهت سهراجة‪ ،‬وههي أفراج‪ .‬وضربهها‬

‫هنالك مباح ول بههد منههها لكبار الناس وتمتاز سههراجة السههلطان بكونههها حمراء‪،‬‬

‫وسهواها بيضاء منقوشهة بالزرق‪ ،‬واشتريهت الصهيوان‪ ،‬وههو الذي يظهل بهه داخهل‬

‫السهراجة‪ ،‬ويرفهع على عموديهن كهبيرين ويجعهل ذلك الرجال على أعناقههم‪ ،‬ويقال‬

‫لههم اليكوانيهة والعادة هنالك أن يكتري المسهافر اليكوانيهة‪ ،‬وقهد ذكرناههم‪ ،‬ويكتري‬

‫مهن يسهوق له العشهب لعلف الدواب لنههم ل يطعمونهها التبهن ويكتري الكهاريهن‪،‬‬

‫وههم الذيهن يحملون أوانهي المطبهخ‪ ،‬ويكتري مهن يحمله فهي الدولة‪ ،‬وقهد ذكرناهها‪،‬‬

‫ويحملهها فارغهة‪ ،‬ويكتري الفراشيهن‪ ،‬وههم الذيهن يضربون السهراجة‪ ،‬ويفرشونهها‪،‬‬

‫ويرفعون الحمال على الجمال‪ ،‬ويكتري الدوادويهة‪ ،‬وههم الذيهن يمشون بيهن يديهه‪،‬‬

‫ويحملون المشاعل بالليل‪ ،‬فاكتريت أنا جميع من احتجت له منهم‪ ،‬وأظهرت القوة‬

‫والهمهة‪ ،‬وخرجهت يوم خروج السهلطان وغيري أقام بعده اليوميهن والثلثهة‪ ،‬فلمها‬

‫كان بعد العصر من يوم خروجه ركب الفيل‪ ،‬وقصده أن يتطلع على أحوال الناس‪،‬‬

‫ويعرف مهن تسهارع إلى الخروج‪ ،‬ومهن أبطهأ وجلس خارج السهراجة على كرسهي‪،‬‬

‫فجئت وسهههلمت ووقفهههت فهههي موقفهههي بالميمنهههة‪ ،‬فبعهههث إلي الملك الكهههبير قبولة‬

‫سرجامدار‪ ،‬وهو الذي يشرد الذباب عنه‪ ،‬فأمرني بالجلوس عناية بي‪ ،‬ولم يجلس‬

‫فهي ذلك اليوم سهواي ثهم أتهى بالفيهل‪ ،‬وألصهق بهه سهلم فركهب عليهه‪ ،‬ورفهع الشطهر‬

‫فوق رأسهه وركهب معهه الخواص وجال سهاعة‪ ،‬ثهم عاد إلى السهراجة‪ .‬وعادتهه إذا‬
‫ركهههب‪ ،‬ان يركهههب المراء أفواجاً كهههل أميهههر بفوجهههه وعلماتهههه وطبوله وأنفاره‬

‫وصههرناياته يسههمون ذلك المراتههب‪ ،‬ول يركههب أمام السههلطان‪ ،‬إل الحجاب وأهههل‬

‫الطرق والطبالة الذيهههن يتقلدون الطبال الصهههغار‪ ،‬والذيهههن يضربون الصهههرنايات‪.‬‬

‫ويكون عهن يميهن السهلطان نحهو خمسهة عشهر رجلً‪ ،‬وعهن يسهاره مثهل ذلك‪ ،‬منههم‬

‫قضاة القضاة والوزيهر وبعهض المراء الكبار وبعهض العزة‪ ،‬وكنهت أنها مهن أههل‬

‫ميمنتهه‪ ،‬ويكون بيهن يديهه المشاءون والدلء‪ ،‬ويكون خلفههه علماتهه‪ ،‬وههي مهن‬

‫الحرير المذهب‪ ،‬والطبال على الجمال وخلف ذلك مماليكه‪ ،‬وأهل دخلته‪ ،‬وخلفهم‬

‫المراء وجميههع الناس‪ ،‬ول يعلم أحههد أيههن يكون النزول فإذا مههر السههلطان بمكان‬

‫يعجبهه النزول بهه أمهر بالنزول‪ ،‬ول تضرب سهراجة أحهد حتهى تضرب سهراجته‪ ،‬ثهم‬

‫يأتي الموكلون بالنزول فينزلون‪ ،‬كل واحد في منزله خلل ذلك ينزل السلطان على‬

‫نهههر أو بيههن أشجار‪ ،‬وتقدم بيههن يديههه لحوم الغنام والدجاج المسههمنة والكراكههي‬

‫وغيرهها مهن أنواع الصهيد‪ ،‬ويحضهر أبناء الملوك فهي يهد كهل واحهد منههم سهفود‪،‬‬

‫ويوقدون النار ويشوون ذلك‪ ،‬ويؤتهى بسهراجة صهغيرة فتضرب للسهلطان ويجلس‬

‫مهن معهه مهن الخواص خارجهها‪ ،‬ويؤتهى بالطعام‪ ،‬ويسهتدعي مهن شاء فيأكهل معهه‪،‬‬

‫وكان فههي بعههض تلك اليام وهههو بداخههل السههراجة يسههأل عمههن بخارجههها‪ ،‬فقال له‬

‫السهيد ناصهر الديهن مطهر الوهري أحهد ندمائه ثم فلن المغربهي‪ ،‬وهو متغير فقال‬

‫لماذا ? فقال‪ :‬بسبب الدين الذي عليه وغرماؤه يلحون في الطلب وكان خوند عالم‬

‫قهد أمهر الوزيهر بإعطائه فسهافر قبهل ذلك فإن طلب مولنها أن يصهبر أههل الديهن حتهى‬
‫يقدم الوزير أو أمر بإنصافهم‪ .‬وحضر لهذا الملك دولة شاه وكان السلطان يخاطبه‬

‫بالعم فقال‪ :‬يا خوند عالم كل يوم وهو يكلمني بالعربية ول أدري ما يقول يا سيدي‬

‫ناصر الدين ماذا‪ ،‬وقصد أن يكرر ذلك الكلم فقال يتكلم لجل الدين الذي عليه فقال‬

‫السهلطان إذا دخلنها دار الملك‪ ،‬فامهض أنهت يها أومار‪ ،‬ومعناه‪ :‬يها عهم إلى الخزانهة‪،‬‬

‫فأعطهه ذلك المال وكان خداونهد زاده حاضراً‪ ،‬فقال يها خونهد عالم إنهه كثيهر النفاق‪،‬‬

‫وقد رأيته ببلدنا عند السلطان طرمشيرين‪ .‬وبعد هذا الكلم استحضرني السلطان‬

‫للطعام‪ ،‬ول علم عندي بمهها جرى فلمهها خرجههت قال لي السههيد ناصههر الديههن‪ :‬أشكههر‬

‫للملك دولة شاه وقال لي الملك دولة شاه‪ :‬أشكههر لخداونههد زاده‪ .‬وفههي بعههض تلك‬

‫اليام‪ ،‬ونحهن مهع السهلطان فهي الصهيد ركهب فهي المحلة‪ ،‬وكان طريقهه على منزلي‬

‫وكان معه في الميمنة وأصحابي في الساقة‪ ،‬وكان لي خباء عند السراجة‪ ،‬فوقف‬

‫أصهحابي عندهها‪ ،‬وسهلموا على السهلطان فبعهث عماد الملك وملك دولة شاه ليسهأل‬

‫لمهن تلك الخبيهة والسهراجة فقيهل لهمها‪ :‬لفلن أخهبراه ذلك فتبسهم‪ .‬فلمها كان بالغهد‪،‬‬

‫نفههذ المههر أن أعود أنهها وناصههر الديههن مطهههر الوهري وابههن قاضههي مصههر وملك‬

‫صبيح إلى البلد‪ ،‬فخلع علينا وعدنا إلى الحضرة‪ .‬ذكر الجمل الذي أهديته للسلطان‬

‫وكان السسلطان فسي تلك اليام سسألني عسن الملك الناصسر هسل يركسب الجمسل‪ ،‬فقلت‪:‬‬

‫نعم يركب المهاري في أيام الحج فيسير إلى مكة من مصر في عشرة أيام ولكن تلك‬

‫الجمال ليسسسست كجمال هذه البلد‪ .‬وأخسسسبرته أن عندي جملً منهسسسا فلمسسسا عدت إلى‬

‫الحضرة بعثسست عسسن بعسسض عرب مصسسر فصسسور لي صسسورة الكور الذي تركسسب‬
‫المهاري به من القير‪ ،‬وأريتها بعض النجارين فعمل الكور وأتقنه وكسوته بالملف‪،‬‬

‫وصسسنعت له ركباً وجعلت على الجمسسل عباءة حسسسنة وجعلت له خطام حريسسر وكان‬

‫عندي رجل من أهل اليمن يحسن عمل الحلواء‪ ،‬فصنع منها ما يشبه التمر وغيره‪،‬‬

‫وبعثسست الجمسسل والحلواء إلى السسسلطان وأمرت الذي حملهسسا أن يدفعهسسا على يسسد ملك‬

‫دولة شاه وبعثسست له بفرس وجمليسسن فلمسسا وصسسله ذلك دخسسل على السسسلطان وقال‪ :‬يسسا‬

‫خونسد عالم رأيست العجسب قال‪ :‬ومسا ذلك ? قال‪ :‬فلن بعسث جملً عليسه سسرج فقال‪:‬‬

‫ائتوا بسه‪ .‬فأدخسل الجمسل داخسل السسراجة‪ ،‬وأعجسب بسه السسلطان‪ ،‬وقال لراجلي‪ :‬اركبسه‬

‫فركبسسه ومشاه بيسسن يديسسه وأمسسر له بمائتسسي دينار دراهسسم وخلعسسة‪ ،‬وعاد الرجسسل إلي‬

‫فأعلمني فسرني ذلك وأهديت له جملين بعد عودته إلى الحضرة‪.‬‬

‫ذكر الجملين اللذين أهديتهما إليه والحلواء‬

‫وأمره بخلص ديني وما تعلق بذلك‬

‫ولمسسا عاد إلي راجلي الذي بعثتسسه بالجمسسل‪ ،‬فأخسسبرني بمسسا كان مسسن شأنسسه صسسنعت‬

‫كوريسسن اثنيسسن‪ ،‬وجعلت مقدم كسسل واحسسد ومؤخره مكسسسواً بصسسفائح الفضسسة المذهبسسة‬

‫وكسوتها بالملف وصنعت رسناً مصفحاً بصفائح الفضة المذهبة‪ ،‬وجعلت لهما جلين‬

‫مسن زردخانسة مبطنيسن‪ ،‬بالكمخسا‪ ،‬وجعلت للجمليسن الخلخيسل مسن الفضسة المذهبسة‪،‬‬

‫وصسنعت أحسد عشسر طيفوراً‪ ،‬وملتهسا بالحلواء‪ ،‬وغطيست كسل طيفور بمنديسل حريسر‪،‬‬

‫فلمسا قدم السسلطان مسن الصسيد وقعسد ثانسي يوم قدومسه بموضسع جلوسسه العام‪ ،‬غدوت‬

‫عليسسه بالجمال‪ ،‬فأمسر بهسسا‪ ،‬فحركسست بيسسن يديسسه‪ ،‬وهرولت فطار خلخال أحدهمسسا فقال‬
‫لبهاء الدين ابن الفلكي‪ :‬بايل ورداري‪ ،‬معنى ذلك‪ :‬ارفع الخلخال‪ ،‬فرفعه ثم نظر إلى‬

‫الطيافيسر فقال‪ :‬جداري " جسه داري " درآن طبقهسا حلوا اسست‪ ،‬معنسى ذلك‪ :‬مسا معسك‬

‫فسسسي تلك الطباق‪ ،‬حلواء هسسسي ? فقلت له‪ :‬نعسسسم فقال للفقيسسسه ناظسسسر الديسسسن الترمذي‬

‫الواعسظ‪ :‬مسا أكلت قسط‪ ،‬ول رأيست مثسل الحلواء التسي بعثهسا الينسا ونحسن بالمعسسكر‪ ،‬ثسم‬

‫أمسر بتلك الطيافيسر أن ترفسع لموضسع جلوسسه فرفعست وقام إلى مجلسسه‪ ،‬واسستدعاني‪،‬‬

‫وأمسر بالطعام‪ ،‬فأكلت ثسم سسألني عسن نوع الحلواء الذي بعثست له‪ :‬فقلت له‪ :‬يسا خونسد‬

‫عالم‪ ،‬تلك الحلواء أنواعهسسا كثيرة‪ ،‬ول أدري عسسن أي نوع تسسسألون منهسسا فقال‪ :‬إيتوا‬

‫بتلك الطباق وهم يسمون الطيفور طبقاً‪ ،‬فأتوا بها وقدموها بين يديه وكشفوا عنها‪،‬‬

‫فقال‪ :‬عن هذا سألتك‪ ،‬وأخسذ الصحن الذي هسي فيسه فقلت له‪ :‬هذه يقال لها المقرصة‪،‬‬

‫ثم أخذ نوعاً آخر فقال‪ :‬وما اسم هذه ? فقلت له هي لقيمات القاضي‪ .‬وكان بين يديه‬

‫تاجسر مسن شيوخ بغداد يعرف بالسسامري‪ ،‬وينتسسب إلى آل العباس رضسي ال تعالى‬

‫عنسه‪ ،‬وهسو كثيسر المال ويقول له السسلطان والدي‪ ،‬فحسسدني وأراد أن يخجلنسي فقال‪:‬‬

‫ليسست هذه لقيمات القاضسي‪ ،‬بسل هسي هذه وأخسذ قطعسة مسن التسي تسسمى جلد الفرس‬

‫وكان بإزائه ملك الندماء ناصسسر الديسسن الكافسسي الهروي‪ ،‬وكان كثيراً مسسا يمازح هذا‬

‫الشيسخ بيسن يدي السسلطان فقال‪ :‬يسا خواجسة أنست تكذب والقاضسي يقول الحسق‪ .‬فقال له‬

‫السسلطان‪ :‬وكيسف ذلك? فقال‪ :‬يسا خونسد عالم هسو القاضسي وهسي لقيماتسه‪ ،‬فإنسه أتسى بهسا‬

‫فضحك السلطان وقال‪ :‬صدقت‪ .‬فلما فرغنا من الطعام أكل الحلواء ثم شرب الفقاع‬

‫بعسد ذلك وأخذنسا التنبول وانصسرفنا فلم يكسن غيسر هنيهسة وأتانسي الخازن فقال‪ :‬ابعسث‬
‫أصسحابك يقبضون المال‪ ،‬فبعثتهسم وعدت إلى داري بعسد المغرب فوجدت المال بهسا‬

‫وهو ثلث بدر فيها ستة آلف ومائتان وثلث وثلثون تنكة‪ ،‬وذلك صرف الخمسة‬

‫والخمسسين ألفاً التسي هسي ديسن علي‪ ،‬وصسرف الثنسي عشسر ألفاً التسي أمسر لي بهسا فيمسا‬

‫تقدم‪ ،‬بعسد حسط العشسر على عادتهسم وصسرف التنكسة ديناران ونصسف دينار مسن ذهسب‬

‫المغرب‪.‬‬

‫ذكر خروج السلطان وأمره لي بالقامة بالحضرة‬

‫وفي تاسع جمادى الولى خرج السلطان برسم قصد بلد المعبر‪ ،‬وقتال القائم بها‬

‫وكنت قد خلصت أصحاب الدين‪ ،‬وعزمت على السفر‪ ،‬وأعطيت مرتب تسعة أشهر‬

‫للكهاريسن والفراشيسن والكيوانيسة والدوادويسة‪ ،‬وقسد تقدم ذكرهسم فخرج المسر بإقامتسي‬

‫فسي جملة ناس وأخسذ الحاجسب خطوطنسا بذلك لتكون حجسة له‪ ،‬وتلك عادتهسم خوفاً مسن‬

‫أن ينكسر المبلغ‪ ،‬وأمسر لي بسستة آلف دينار دراهسم‪ ،‬وأمسر لبسن قاضسي مصسر بعشرة‬

‫آلف وكذلك كسسسل مسسسن أقام مسسسن العزة‪ ،‬وأمسسسا البلديون فلم يعطوا شيئاً‪ ،‬وأمسسسر لي‬

‫السسسلطان أن أتولى النظسسر فسسي مقسسبرة السسسلطان قطسسب الديسن‪ ،‬الذي تقدم ذكره‪ .‬وكان‬

‫السلطان يعظم تربته تعظيماً شديداً‪ ،‬لنه كان خديماً له ولقد رأيته اذا أتى قبره يأخذ‬

‫نعله فيقبله ويجعله فوق رأسسه‪ .‬وعادتهسم أن يجعلوا نعسل الميست عنسد قسبره فوق متكأة‪.‬‬

‫وكان إذا وصسسسل القسسسبر خدم له كمسسسا كان يخدم أيام حياتسسسه‪ ،‬وكان يعظسسسم زوجتسسسه‪،‬‬

‫ويدعوها بالخت وجعلهسا مسع حرمسه وزوجهسا بعسد ذلك لبسن قاضسي مصسر‪ ،‬واعتنسى‬

‫بسه مسن أجلهسا وكان يمضسي لزيارتهسا فسي كسل جمعسة‪ .‬ولمسا خرج السسلطان بعسث عنسا‬
‫للوداع فقام ابسن قاضسي مصسر فقال‪ :‬أنسا ل أودع ول أفارق خونسد عالم‪ ،‬فكان له فسي‬

‫ذلك الخير‪ ،‬فقال له السلطان‪ :‬إمض فتجهز للسفر‪ ،‬وقدمت بعده للوداع‪ ،‬وكنت أحب‬

‫القامسة‪ ،‬ولم تكسن عاقبتهسا محمودة‪ ،‬فقال‪ :‬مالك مسن حاجسة فأخرجست بطاقسة فيهسا سست‬

‫مسسسائل فقال لي‪ :‬تكلم بلسسسانك فقلت له إن خونسسد عالم أمسسر لي بالقضاء‪ ،‬ومسسا قعدت‬

‫لذلك بعسسسد وليسسسس مرادي مسسسن القضاء ال حرمتسسسه فأمرنسسسي بالقعود للقضاء وقعود‬

‫النائبين معي‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬إيه ? فقلت وروضة السلطان قطب الدين‪ ،‬ماذا أفعل بها ?‬

‫فإنسسي رتبسست فيهسسا أربعمائة وسسستين شخص ساً ومحصسسول أوقافهسسا ل يفسسي بمرتباتهسسم‬

‫وطعامهم‪ .‬فقال للوزير بنجاه هزار ومعناه خمسين الفاً ثم قال‪ :‬ل بد لك من غلة بدية‬

‫يعنسي أعطسه مائة الف منّ مسن الغلة‪ ،‬وهسي القمسح والرز‪ ،‬ينفقهسا فسي هذه السسنة حتسى‬

‫تأتسسي غلة الروضسسة والمن سّ عشرون رطلً مغربيسسة‪ .‬ثسسم قال لي ماذا أيضاً فقلت‪ :‬إن‬

‫أصسحابي سسجنوا بسسبب القرى التسي أعطيتمونسي‪ ،‬فإنسي عوضتهسا بغيرهسا فطلب أهسل‬

‫الديوان مسا وصسلني منهسا او السستظهار بأمسر خونسد عالم أن يرفسع عنسي ذلك فقال كسم‬

‫وصسسلك منهسسا فقلت خمسسسة آلف دينار فقال هسسي إنعام عليسسك فقلت له‪ :‬وداري التسسي‬

‫أمرتسم لي بهسا مفتقرة إلى البناء فقال للوزيسر‪ :‬عمارة كنيسد‪ ،‬أي معناه عمروهسا ثسم قال‬

‫لي‪ :‬ديكر نماند‪ ،‬معناه هل بقي لك كلم ? فقلت له‪ :‬ل فقال لي‪ :‬وصية ديكر هست‪،‬‬

‫معناه‪ :‬أوصسيك أن ل تأخسذ الديسن لئل تطلب فل تجسد مسن يبلغ خسبرك إلي‪ .‬أنفسق على‬

‫قدر مسا أعطيتسك قال ال تعالى‪ " :‬ول تجعسل يدك مغلولةً إلى عنقسك ول تبسسطها كسل‬

‫البسسسط " " وكلوا واشربوا ول تسسسرفوا " " والذيسسن إذا انفقوا لم يسسسرفوا ولم يقتروا‬
‫وكان بين ذلك قواماً " ‪ .‬فأردت أن أقبل قدمه‪ ،‬وأمسك رأسي بيده فقبلتها وانصرفت‬

‫وعدت إلى الحضرة فاشتغلت بعمارة داري‪ ،‬وأنفقسسسست فيهسسسسا أربعسسسسة آلف دينار‪،‬‬

‫أعطيت منهسا من الديوان سستمائة دينار‪ ،‬وزدت عليهسا الباقسي‪ ،‬وبنيت بإزائهسا مسسجداً‬

‫واشتغلت بترتيب مقبرة السلطان قطب الدين وكان قد أمرني أن تبنى عليه قبة يكون‬

‫ارتفاعها في الهواء مائة ذراع‪ ،‬بزيادة عشربن ذراعاً على ارتفاع القبة المبنية على‬

‫قازان ملك العراق‪ ،‬وأمسر أن تشتري قريسة تكون وقفاً عليهسا‪ ،‬وجعلهسا بيدي علي أن‬

‫يكون لي العشر من فائدها على العادة‪.‬‬

‫ذكر ما فعلته في ترتيب المقبرة‬

‫وعادة أهسسل الهنسسد أن يرتبوا لمواتهسسم ترتيباً كترتيبهسسم بقيسسد الحياة‪ ،‬ويؤتسسى بالفيلة‬

‫والخيسل فتربسط عنسد باب التربسة‪ ،‬وهسي مزينسة‪ .‬فرتبست أنسا فسي هذه التربسة بحسسب ذلك‬

‫ورتبت من قراء القرآن مائة وخمسين‪ ،‬وهم يسمونهم الختميين‪ ،‬ورتبت من الطلبة‬

‫ثمانيسن‪ ،‬ومسن المعيديسن‪ ،‬ويسسمونهم المكرريسن‪ ،‬ثمانيسة‪ ،‬ورتبست لهسا مدرسساً‪ ،‬ورتبست‬

‫مسسسن الصسسسوفية ثمانيسسسن‪ ،‬ورتبسسست المام والمؤذنيسسسن والقراء بالصسسسوات الحسسسسان‬

‫والمداحيسسن وكتاب الغيبسسة والمعرفيسسن‪ ،‬وجميسسع هؤلء يعرفون عندهسسم بالرباب‪،‬‬

‫ورتبسسست صسسسنفاً آخسسسر يعرفون بالحاشيسسسة‪ ،‬وهسسسم الفراشون والطباخون والدوادويسسسة‬

‫والبدارية‪ ،‬وهم السقاءون والشربدارية الذين يسقون الشربة‪ ،‬والتنبول دارية الذين‬

‫يعطون التنبول والسسلحدارية والنيزداريسة والشطسر داريسة والطشست داريسة والحجاب‬

‫والنقباء فكان جميعهسم أربعمائة وسستين‪ .‬وكان السسلطان أمسر أن يكون الطعام بهسا كسل‬
‫يوم اثنسي عشسر مناً مسن الدقيسق ومثلهسا مسن اللحسم‪ ،‬فرأيست أن ذلك قليسل‪ ،‬والزرع الذي‬

‫أمر به كثير فكنت أنفق كل يوم خمسة وثلثين مناً من الدقيق ومثلها من اللحم وما‬

‫يتبع ذلك من السكر‪ ،‬والنبات‪ ،‬والسمن‪ ،‬والتنبول‪ ،‬وكنت أطعم المرتبين وغيرهم من‬

‫صسسادر ووارد وكان الغلء شديداً فارتفسسق الناس بهذا الطعام وشاع خسسبره‪ ،‬وسسسافر‬

‫الملك صسسبيح إلى السسسلطان بدولة آباد سسسأله عسسن حال الناس‪ .‬فقال له لو كان بدهلي‬

‫اثنان مثسل فلن لمسا شكسا الجهسد‪ ،‬فأعجسب ذلك السسلطان‪ ،‬وبعسث إليسه بخلعسة مسن ثيابسه‬

‫وكنت أصنع في المواسم وهي العيدان والمولد الكريم ويوم عاشوراء وليلة النصف‬

‫من شعبان ويوم وفاة السلطان قطب الدين مائة من الدقيق ومثلها لحماً فيأكل الفقراء‬

‫والمساكين‪ ،‬وأما أهل الوظيفة فيجعل أمام كل إنسان منهم ما يخصه ولنذكر عادتهم‬

‫في ذلك‪.‬‬

‫ذكر عادتهم في إطعام الناس في الولئم‬

‫وعادتهسم ببلد الهنسد وببلد السسرى أنسه إذا فرغ مسن أكسل الطعام فسي الوليمسة جعسل‬

‫أمام كسسل إنسسان مسسن الشرفاء والفقهاء والمشايسخ والقضاة وعاء شبسه المهسسد له أربسع‬

‫قوائم منسوج سطحه من الخوص‪ ،‬وجعل عليه الرقاق‪ ،‬ورأس غنم مشوي‪ ،‬وأربعة‬

‫أقراص معجونسة بالسسمن مملوءة بالحلواء الصسابونية مغطاة بأربسع قطسع مسن الحلواء‬

‫كأنها الجر وطبقاً صغيراً مصنوعاً من الجلد فيه الحلواء والسموسك‪ ،‬ويغطى ذلك‬

‫الوعاء بثوب قطسن جديسد‪ .‬ومسن كان دون مسن ذكرناه جعسل أمامسه نصسف رأسسه غنسم‪،‬‬

‫ويسسمونه الزلة ومقدار النصسف ممسا ذكرناه‪ .‬ومسن كان دون هؤلء أيضاً جعسل أمامسه‬
‫مثسل الربسع مسن ذلك ويرفسع رجال كسل أحسد مسا جعسل أمامسه وأول مسا رأيتهسم يصسنعون‬

‫هذا بمدينسة السسرا حضرة السسلطان أوزبسك‪ ،‬فامتنعست أن يرفسع رجالي ذلك إذ لم يكسن‬

‫لي به عهد وكذلك يبعثون أيضاً لدار كبراء الناس من طعام الولئم‪.‬‬

‫ذكر خروجي إلى هزار أمروها‬

‫وكان الوزيسسر قسسد أعطانسسي مسسن الغلة المأمور بهسسا للزاويسسة عشرة آلف‪ ،‬ونفسسذ لي‬

‫الباقسسي فسسي هزار أمروهسسا‪ .‬وكان والي الخراج بهسسا عزيسسز الخمار‪ ،‬وأميرهسسا شمسسس‬

‫الديسن البذخشانسي‪ .‬فبعثست رجالي فأخذوا بعسض الحالة‪ ،‬وتشكوا مسن تعسسف عزيسز‬

‫الخمار‪ .‬فخرجت بنفسي لستخلص ذلك‪ .‬وبين دهلي وهذه العمالة ثلثة أيام‪ ،‬وكان‬

‫ذلك فسي أوان نزول المطسر‪ .‬فخرجست فسي نحسو ثلثيسن مسن أصسحابي‪ ،‬واسستصحبت‬

‫معي أخوين من المغنين المحسنين يغنيان لي في الطريق‪ ،‬فوصلنا إلى بلدة بجنور‪،‬‬

‫وضبسسط اسسسمها " بكسسسر الباء الموحدة وسسسكون الجيسسم وفتسسح النون وآخره راء "‬

‫فوجدت بهسسا أيضاً ثلثسسة أخوة مسسن المغنيسسن‪ ،‬فاسسستصحبتهم‪ .‬فكانوا يغنون لي نوبسسة‬

‫والخران نوبسسة‪ .‬ثسسم وصسسلنا إلى أمروهسسا وهسسي بلدة صسسغيرة حسسسنة‪ ،‬فخرج عمالهسسا‬

‫للقائي‪ ،‬وجاء قاضيهسا الشريسف أميسر علي‪ ،‬وشيسخ زاويتهسا‪ ،‬وأضافانسي معاً ضيافسة‬

‫حسسسنة‪ .‬وكان عزيسسز الخمار بموضسسع يقال له‪ :‬أفغان بور‪ ،‬على نهسسر السسسرو‪ .‬وبيننسسا‬

‫وبينه النهر‪ ،‬ول معدية فيه‪ .‬فأخذنا الثقال في معدية صنعناها من الخشب والنبات‪،‬‬

‫وجزنا في اليوم الثاني‪ .‬وجاء نجيب أخو عزيز في جماعة من أصحابه‪ ،‬وضرب لنا‬

‫سسراجة‪ .‬ثسم جاء أخوه الوالي‪ ،‬وكان معروفاً بالظلم‪ ،‬وكانست القرى التسي فسي عمالتسه‬
‫ألفاً وخمسسمائة قريسة‪ ،‬ومجباهسا سستون لكاً فسي السسنة‪ ،‬له فيهسا نصسف العشسر‪ .‬ومسن‬

‫عجائب النهسر الذي نزلنسا عليسه‪ ،‬أنسه ل يشرب منسه أحسد فسي أيام نزول المطسر‪ ،‬ول‬

‫تسقى منه دابة‪ .‬ولقد أقمنا عليه ثلثاً‪ .‬فما غرف منه أحد غرفة‪ ،‬ول كدنا نقرب منه‪،‬‬

‫لنه ينزل من جبل قراجيل التي بها معادن الذهب‪ ،‬ويمر على الخشاش المسمومة‪،‬‬

‫فمسن شرب منسه مات‪ .‬وهذا الجبسل متصسل مسسيرة ثلثسة أشهسر‪ ،‬وينزل منسه إلى بلد‬

‫تبت حيث غزلن المسك‪ .‬وقد ذكرنا ما اتفق على جيش المسلمين بهذا الجبل‪ .‬وبهذا‬

‫الموضسسع جاء إلي جماعسسة مسسن الفقراء الحيدريسسة‪ ،‬وعملوا السسسماع‪ ،‬وأوقدوا النيران‬

‫فدخلوهسا ولم تضرهسم‪ .‬وقسد ذكرنسا ذلك‪ .‬وكانست قسد نشأت بيسن أميسر هذه البلد شمسس‬

‫الدين البذخشاني وبين واليها عزيز الخمار منازعة‪ .‬وجاء شمس الدين لقتاله‪ ،‬فامتنع‬

‫منسه بداره‪ .‬وبلغست شكايسة أحدهمسا الوزيسر بدهلي‪ ،‬فبعسث إلي الوزيسر وإلى الملك شاه‬

‫أميسسر المماليسسك بأمروهسسا‪ ،‬وهسسم أربعسسة آلف مملوك للسسسلطان‪ ،‬وإلى شهاب الديسسن‬

‫الرومسسي أن ننظسسر فسسي قضيتهمسسا‪ .‬فمسسن كان على الباطسسل بعثناه مثقفاً إلى الحضرة‪.‬‬

‫فاجتمعوا جميعاً بمنزلي وادعسى عزيسز على شمسس الديسن دعاوى‪ .‬منهسا أن خديماً له‬

‫يعرف بالرضى الملتاني نزل بدار خازن عزيز المذكور فشرب بها الخمر‪ ،‬وسرق‬

‫خمسسسة آلف دينار مسسن المال الذي عنسسد الخازن‪ .‬فاسسستفهمت الرضسسى عسسن ذلك فقال‬

‫لي‪ :‬مسا شربست الخمسر منسذ خروجسي مسن ملتان‪ ،‬وذلك منسذ ثمانيسة أعوام‪ .‬فقلت له‪ :‬أو‬

‫شربتهسا بملتان ? قال‪ :‬نعسم‪ .‬فأمرت بجلده ثمانيسن وسسجنته بسسبب الدعوى للوث ظهسر‬

‫عليسه‪ .‬وانصسرفت عسن أمروهسا‪ .‬فكانت غيبتسي نحسو شهريسن‪ ،‬وكنست فسي كسل يوم أذبسح‬
‫لصسسحابي بقرة‪ .‬وتركسست أصسسحابي ليأتوا بالزرع المنفسسذ على عزيسسز وحمله عليسسه‪.‬‬

‫فوزع على أهسل القرى التسي لنظره ثلثون ألف منٍس يحملونهسا على ثلثسة آلف بقرة‪.‬‬

‫وأهسل الهنسد ل يحملون إل على البقسر‪ ،‬وعليسه يرفعون أثقالهسم فسي السسفار‪ .‬وركوب‬

‫الحميسر عندهسم عيسب كسبير‪ .‬وحميرهسم صسغار الجرام‪ ،‬يسسمونها اللشسة‪ ،‬وإذا أرادوا‬

‫إشهار أحدهم بعد ضربه أركبوه الحمار‪.‬‬

‫ذكر مكرمة لبعض الصحاب‬

‫وكان السسسيد ناصسسر الديسسن الوهري قسسد ترك عندي لمسسا سسسافر ألفاً وسسستين تنكسسة‪،‬‬

‫فتصسرفت فيهسا‪ ،‬فلمسا عدت إلى دهلي وجدتسه قسد أحال فسي ذلك المال خداوندزاده قوام‬

‫الديسسن‪ ،‬وكان قسسد قدم نائباً على الوزيسسر‪ .‬فاسسستقبحت أن أقول له‪ :‬تصسسرفت بالمال‪،‬‬

‫فأعطيتسسه نحسسو ثلثسسه‪ .‬وأقمسست بداري أياماً‪ .‬وشاع أنسسي مرضسست‪ .‬فأتسسى ناصسسر الديسسن‬

‫الخوارزمسي صسدر الجهان لزيارتسي‪ .‬فلمسا رآنسي قال‪ :‬مسا أرى بسك مرضاً ? فقلت له‪:‬‬

‫إنسي مريسض القلب‪ .‬فقال لي‪ :‬عرفنسي بذلك‪ .‬فقلت له‪ :‬ابعسث إلي نائبسك شيسخ السسلم‬

‫أعرفسه بسه‪ .‬فبعثسه إلي فأعلمتسه‪ ،‬فعاد إليسه فأعلمسه‪ .‬فبعسث إلي بألف دينار دراهسم‪ .‬وكان‬

‫له عندي قبسل هذا ألف ثانسٍ‪ .‬ثسم طلب منسي بقيسة المال‪ .‬فقلت فسي نفسسي‪ :‬مسا يخلصسني‬

‫منسه إل صسدر الجهان المذكور‪ ،‬لنسه كثيسر المال‪ .‬فبعثست إليسه بفرس مسسرج‪ ،‬قيمتسه‬

‫وقيمسة سسرجه ألف وسستمائة دينار‪ ،‬وبفرس ثان قيمتسه وقيمسة سسرجه ثمانمائة دينار‪،‬‬

‫وبغلتيسسن قيمتهمسسا ألف ومائتسسا دينار‪ ،‬وبتركسسش فضسسة‪ ،‬وبسسسيفين غمداهمسسا مغشيان‬

‫بالفضسة‪ .‬وقلت له‪ :‬أنظسر قيمسة الجميسع‪ ،‬زابعسث إلي ذلك‪ ،‬فأخسذ ذلك‪ ،‬وعمسل لجميعسه‬
‫قيمسة ثلث آلف دينار‪ ،‬فبعسث إلي ألفاً‪ ،‬واقتطسع اللفيسن‪ ،‬فتغيسر خاطري‪ ،‬ومرضست‬

‫بالحمسى‪ ،‬وقلت لنفسسي‪ :‬إن شكوت بسه إلى الوزيسر افتضحست‪ .‬فأخذت خمسسة أفراس‬

‫وجاريتيسن ومملوكيسن وبعثست الجميسع للملك مغيسث الديسن محمسد بسن ملك الملوك عماد‬

‫الديسسن السسسمناني وهسسو فتسسي السسسن‪ ،‬فرد علي ذلك‪ ،‬وبعسسث إلي مائتسسي تنكسسة واغزر‪،‬‬

‫وخلصت من ذلك المال‪ .‬فشتان بين فعل محمد ومحمد‪.‬‬

‫ذكر خروجي من محلة السلطان‬

‫وكان السسلطان لمسا توجسه إلى بلد المعسبر وصسل إلى التلنسك‪ ،‬ووقسع الوباء بعسسكره‪،‬‬

‫فعاد إلى دولة آباد‪ ،‬ثسسسم وصسسسل إلى نهسسسر الكنسسسك فنزل عليسسسه‪ ،‬وأمسسسر الناس بالبناء‪.‬‬

‫وخرجسست فسسي تلك اليام إلى محلتسسه‪ ،‬واتفسسق مسسا سسسردناه مسسن مخالفسسة عيسسن الملك‪،‬‬

‫ولزمسست السسسلطان فسسي تلك اليام‪ ،‬وأعطانسسي مسسن عتاق الخيسسل‪ ،‬لمسسا قسسسمها على‬

‫خواصسه‪ ،‬وجعلنسي فيهسم‪ ،‬وحضرت معسه الوقيعسة على عيسن الملك والقبسض عليسه‪،‬‬

‫وجزت معه نهر الكنك ونهر السرو‪ ،‬لزيارة قبر الصالح البطل سالرعود " مسعود‬

‫"‪ ،‬وقد استوفيت ذلك كله‪ ،‬وعدت معه إلى حضرة دهلي لما عاد إليها‪.‬‬

‫ذكر ما هم به السلطان من عقابي‬

‫وما تداركني من لطف ال تعالى‬

‫وكان سبب ذلك أني ذهبت يوماً لزيارة الشيخ شهاب الدين ابن الشيخ الجام‪ ،‬بالغار‬

‫الذي احتفره خارج دهلي‪ ،‬وكان قصسدي رؤيسة ذلك الغار‪ .‬فلمسا أخذه السسلطان‪ ،‬سسأل‬
‫أولده عمسن كان يزوره‪ ،‬فذكروا أناسساً أنسا مسن جملتهسم‪ .‬فأمسر السسلطان أربعسة مسن‬

‫عبيده بملزمتي بالمشور‪ .‬وعادته أنه متى فعل ذلك مع أحد قلما يتخلص‪ .‬فكان أول‬

‫يوم مسن ملزمتهسم لي يوم الجمعسة‪ ،‬فألهمنسي ال تعالى إلى تلوة قوله‪ " :‬حسسبنا ال‬

‫ونعم الوكيل " فقرأتها ثلثاً وثلثين ألف مرة‪ ،‬وبت بالمشور‪ ،‬وواصلت إلى خمسة‬

‫أيام‪ ،‬في كل يوم منها أختم القرآن وأفطر على الماء خاصة‪ ،‬ثم أفطرت بعد خمس‪،‬‬

‫وواصلت أربعاً‪ ،‬وتخلصت بعد قتل الشيخ‪ ،‬والحمد ل تعالى‪.‬‬

‫ذكر انقباضي عن الخدمة وخروجي عن الدنيا‬

‫ولمسا كان بعسد مدة انقبضت عن الخدمة‪ ،‬ولزمت الشيخ المام العالم العابد الزاهسد‬

‫الخاشسع الورع فريسد الدهسر ووحيسد العصسر كمال الديسن عبسد ال الغاري‪ ،‬وكان مسن‬

‫الولياء‪ ،‬وله كرامات كثيرة‪ ،‬فقسد ذكرت منهسا مسا شاهدتسه عنسد ذكسر اسسمه‪ .‬وانقطعست‬

‫إلى خدمسة هذا الشيسخ‪ ،‬ووهبست مسا عندي للفقراء والمسساكين‪ .‬وكان الشيسخ يواصسل‬

‫عشرة أيام‪ ،‬وربمسا واصسل عشريسن‪ .‬فكنست أحسب أن أواصسل‪ ،‬فكان ينهانسي ويأمرنسي‬

‫بالرفق على نفسي في العبادة‪ ،‬ويقول لي‪ :‬إن المنبت ل أرضاً قطع ول ظهراً أبقى‪.‬‬

‫وظهر لي من نفسي تكاسل بسبب شيء بقي معي‪ ،‬فخرجت عن جميع ما عندي من‬

‫قليسل وكثيسر‪ ،‬وأعطيست ثياب ظهري لفقيسر‪ ،‬ولبسست ثيابسه‪ .‬ولزمست هذا الشيسخ خمسسة‬

‫أشهر‪ ،‬والسلطان إذ ذاك غائب ببلد السند‪.‬‬


‫ذكر بعث السلطان عني وإبايتي الرجوع‬

‫إلى الخدمة واجتهادي في العبادة‬

‫ولما بلغه خبر خروجي عن الدنيا استدعاني وهو يومئذ بسوستان‪ ،‬فدخلت عليه في‬

‫زي الفقراء‪ ،‬فكلمنسي أحسسن كلم وألطفسه‪ ،‬وأراد منسي الرجوع إلى الخدمسة فأبيست‪،‬‬

‫وطلبست منسسه الذن فسي السسسفر إلى الحجاز‪ ،‬فأذن لي فيسسه‪ ،‬وانصسسرفت عنسسه‪ ،‬ونزلت‬

‫بزاويسة تعرف بالنسسبة إلى الملك بشيسر‪ ،‬وذلك فسي أواخسر جمادى الثانيسة سسنة اثنتيسن‬

‫وأربعين‪ .‬فاعتكفت بها شهر رجب وعشرة من شعبان‪ ،‬وانتهيت إلى مواصلة خمسة‬

‫أيام‪ ،‬وأفطرت بعدهسا على قليسل أرز دون إدام‪ .‬وكنست أقرأ القرآن كسل يوم‪ ،‬وأتهجسد‬

‫بما شاء ال‪ .‬وكنت إذا أكلت الطعام آذاني‪ ،‬فإذا طرحته وجدت الراحة‪ .‬وأقمت كذلك‬

‫أربعين يوماً‪ ،‬ثم بعث عني ثانية‪.‬‬

‫ذكر ما أمرني به من التوجه إلى الصين في الرسالة‬

‫ل مسسسرجة وجواري وغلماناً‬


‫ولمسسا كملت لي أربعون يوماً بعسسث إلي السسسلطان خي ً‬

‫وثياباً ونفقسة‪ ،‬فلبسست ثيابسه وقصسدته‪ .‬وكانت لي جبسة قطن زرقاء مبطنسة‪ ،‬لبستها أيام‬

‫اعتكافسي‪ .‬فلمسا جردتهسا ولبسست ثياب السسلطان أنكرت نفسسي‪ .‬وكنست متسى نظرت إلى‬

‫تلك الجبة أجد نوراً في باطني‪ ،‬ولم تزل عندي إلى أن سلبني الكفار في البحر‪ .‬ولما‬

‫وصلت إلى السلطان زاد في إكرامي على ما كنت أعهده‪ ،‬وقال لي‪ :‬إنما بعثت إليك‬

‫ل إلى ملك الصسسين‪ .‬فإنسسي أعلم حبسسك فسسي السسسفار والجولن‪.‬‬


‫لتتوجسسه عنسسي رسسسو ً‬

‫فجهزني بما أحتاج له‪ ،‬وعين للسفر معي من يذكر بعد‪.‬‬


‫ذكر سبب بعث الهدية للصين‬

‫وذكر من بعث معي وذكر الهدية‬

‫وكان ملك الصسين قسد بعسث إلى السسلطان مائة مملوك وجاريسة وخمسسمائة ثوب مسن‬

‫الكمخسا‪ ،‬منهسا مائة مسن التسي تصسنع بمدينسة الزيتون‪ ،‬ومائة مسن التسي تصسنع بمدينسة‬

‫الخنسسا‪ ،‬وخمسسة أمنان مسن المسسك‪ ،‬وخمسسة أثواب مرصسعة بالجوهسر‪ ،‬ومثلهسا مسن‬

‫التراكسسش مزركشسسة‪ ،‬ومثلهسسا سسسيوف‪ .‬وطلب مسسن السسسلطان يأذن له فسسي بناء بيسست‬

‫الصسنام بناحيسة جبسل قراجيسل المتقدم ذكره‪ ،‬ويعرف الموضسع الذي هسو بسه بسسمهل "‬

‫بفتح السين المهمل وسكون الميم وفتح الهاء "‪ .‬وإليه يحج أهل الصين‪ .‬وتغلب عليه‬

‫جيش السلم بالهند فخربوه وسلبوه‪ .‬ولما وصلت هذه الهدية إلى السلطان كتب إليه‬

‫بأن هذا المطلب ل يجوز فسسسي ملة السسسسلم إسسسسعافه‪ ،‬ول يباح بناء كنيسسسسة بأرض‬

‫المسلمين إل لمن يعطي الجزية‪ .‬فإن رضيت بإعطائها أبحنا لك بناءه والسلم على‬

‫مسن اتبسع الهدى‪ .‬وكافأة على هديتسه بخيسر منهسا‪ ،‬وذلك مائة فرس مسن الجياد مسسرجة‬

‫ملجمسسة ومائة مملوك ومائة جاريسسة مسسن كفار الهنسسد مغنيات ورواقسسص‪ ،‬ومائة ثوب‬

‫بيرمية‪ ،‬وهي من القطن ول نظير لها في الحسن قيمة الثوب منها مائة دينار‪ ،‬ومائة‬

‫شقسسة مسن ثياب الحريسر المعروفسسة بالجسسز " بضسم الجيسسم وزاي "‪ ،‬وهسسي التسي يكون‬

‫حريسسر إحداهسسا مصسسبوغاً بخمسسسة ألوان وأربعسسة‪ ،‬ومائة ثوب مسسن الثياب المعروفسسة‬

‫بالصسلحية‪ ،‬ومثلهسا مسن الشيريسن باف‪ ،‬ومثلهسا مسن الشان باف‪ ،‬وخمسسمائة ثوب مسن‬

‫المرعسسز‪ ،‬مائة منهسسا سسسود‪ ،‬ومائة بيسسض‪ ،‬ومائة حمسسر‪ ،‬ومائة خضسسر‪ ،‬ومائة زرق‪،‬‬
‫ومائة شقة من الكتان الرومي‪ ،‬ومائة فضلة من الملف‪ ،‬وسراجة‪ ،‬وست من القباب‪،‬‬

‫وأربسع حسسك مسن ذهسب‪ ،‬وسست حسسك مسن فضسة منيلة‪ ،‬وأربعسة طسسوت مسن الذهسب‬

‫ذات أباريسسق كمثلهسسا‪ ،‬وسسستة طسسسوت مسسن الفضسسة‪ ،‬وعشسسر خلع مسسن ثياب السسسلطان‬

‫مزركشسة‪ ،‬وعشسر شواش مسن لباسسه‪ ،‬إحداهسا مرصسعة بالجوهسر‪ ،‬وعشرة تراكسش‬

‫مزركشسة‪ ،‬وأحدهسا مرصسع بالجواهسر‪ ،‬وعشرة مسن السسيوف‪ ،‬أحدهسا مرصسع الغمسد‬

‫بالجوهسر‪ ،‬ودشست بان " دسستبان " وهسو قفاز مرصسع بالجواهسر‪ ،‬وخمسسة عشسر مسن‬

‫الفتيان‪ .‬وعيسن السسلطان للسسفر معسي بهذه الهديسة الميسر ظهيسر الديسن الزنجانسي‪ ،‬وهسو‬

‫مسن فضلء أهسل العلم‪ ،‬والفتسى كافور الشريدار‪ ،‬وإليسه سسلمت الهديسة‪ ،‬وبعسث معنسا‬

‫الميسر محمسد الهروي فسي ألف فارس ليوصسلنا إلى الموضسع الذي نركب منسه البحسر‪.‬‬

‫وتوجه صحبتنا أرسال ملك الصين‪ ،‬وهم خمسة عشر رجلً‪ ،‬يسمى كبيرهم ترسي‪،‬‬

‫وخدامهم نحو مائة رجل‪ .‬وانفصلنا في جمع كبير ومحلة عظيمة‪ ،‬وأمر لنا السلطان‬

‫بالضيافسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة مدة سسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسفرنا ببلده‪.‬‬

‫وكان سسسفرنا فسسي السسسابع عشسر لشهسسر صسسفر سسسنة ثلث وأربعيسسن‪ ،‬وهسسو اليوم الذي‬

‫اختاروه للسفر‪ ،‬لنهم يختارون للسفر من أيام الشهر ثانيه‪ ،‬أو سابعه أو الثاني عشر‬

‫أو السسسابع عشسسر أو الثانسسي والعشريسسن أو السسسابع والعشريسسن‪ .‬فكان نزولنسسا فسسي أول‬

‫مرحلة بمنزل تلبسسسسسسست على مسسسسسسسسافة فرسسسسسسسسخين وثلث مسسسسسسسن حضرة دهلي‪.‬‬

‫ورحلنسا منهسا إلى منزل هيلوور ‪ ،‬ورحلنسا منسه إلى مدينسة بيانسة " وضبسط اسسمها بفتسح‬

‫الباء الموحدة وفتح الياء آخر الحروف مع تخفيفها وفتح النون "‪ ،‬وهي كبيرة حسنة‬
‫البناء مليحة السواق‪ ،‬ومسجدها الجامع من أبدع المساجد‪ ،‬وحيطانه وسقفه حجارة‪.‬‬

‫والمير بها مظفر ابن الداية‪ ،‬وأمه هي داية للسلطان‪ .‬وكان بها قبله الملك مجير ابن‬

‫أبسي الرجاء‪ ،‬أحسد كبار الملوك‪ ،‬وقسد تقدم ذكره‪ ،‬وهسو ينتسسب إلى قريسش وفيسه تجسبر‪،‬‬

‫وله ظلم كثيسسسسر‪ .‬قتسسسسل مسسسسن أهسسسسل هذه المدينسسسسة جملة‪ ،‬ومثسسسسل بكثيسسسسر منهسسسسم‪.‬‬

‫ولقسسد رأيسست مسسن أهلهسسا رجلً حسسسن الهيئة قاعدًا فسسي أسسسطوان منزله‪ ،‬وهسسو مقطوع‬

‫اليديسسن والرجليسسن‪ .‬وقدم السسسلطان مرة على هذه المدينسسة‪ ،‬فتشكسسى الناس مسسن الملك‬

‫مجيسر المذكور‪ .‬فأمسر السسلطان بالقبسض عليسه‪ ،‬وجعلت فسي عنقسه الجامعسة وكان يقعسد‬

‫بالديوان بيسسسن يدي الوزيسسسر‪ ،‬وأهسسسل البلد يكتبون عليسسسه المظالم‪ ،‬فأمره السسسسلطان‬

‫بإرضائهسم‪ ،‬فأرضاهسم بالموال‪ .‬ثسم قتله بعسد ذلك‪ .‬ومسن كبار أهسل هذه المدينسة المام‬

‫العالم عسسز الديسسن الزبيري مسن ذريسسة الزبيسر ابسسن العوام رضسسي ال عنسسه‪ ،‬أحسسد كبار‬

‫الفقهاء الصلحاء‪ .‬لقيته بكاليور عند الملك عز الدين البنتاني‪ ،‬المعروف بأعظم ملك‪.‬‬

‫ثسم رحلنسا مسن بيانسة فوصسلنا إلى مدينسة كول " وضبسط اسسمها بضسم الكاف " مدينسة‬

‫حسنة ذات بساتين‪ ،‬وأكثر أشجارها العنبا‪ .‬ونزلنا بخارجها في بسيط أفيح‪ .‬ولقينا بها‬

‫الشيسخ الصسالح العابسد شمسس الديسن المعروف بابسن العارفيسن‪ ،‬وهسو مكفوف البصسر‬

‫معمر‪ ،‬وبعد ذلك سجنه السلطان‪ ،‬ومات في سجنه‪ ،‬وقد ذكرنا حديثه‪.‬‬

‫ذكر غزوة شهدناها بكول‬

‫ولمسسا بلغنسسا إلى مدينسسة كول‪ ،‬بلغنسسا أن بعسسض كفار الهنود حاصسسروا بلدة الجللي‬

‫وأحاطوا بهسسا‪ ،‬وهسسي على مسسسافة سسسبعة أميال مسسن كول‪ .‬قصسسدناها والكفار يقاتلون‬
‫أهلهسا وقسد أشرفوا على التلف‪ ،‬ولم يعلم الكفار بنسا‪ ،‬حتسى صسدقنا الحملة عليهسم‪ ،‬وهسم‬

‫في نحو ألف فارس‪ ،‬وثلثة آلف راجل‪ ،‬فقتلناهم عن آخرهم‪ ،‬واحتوينا على خيلهم‬

‫وأسلحتهم‪ ،‬واستشهد من أصحابنا ثلثة وعشرون فارساً وخمسة وخمسون راجلً‪،‬‬

‫واسستشهد الفتسى كافور السساقي الذي كانست الهديسة مسسلمة بيده‪ .‬فكتبنسا إلى السسلطان‬

‫بخبره‪ ،‬وأقمنا في انتظار الجواب‪ .‬وكان الكفار في أثناء ذلك ينزلون من جبل هنالك‬

‫منيسع‪ ،‬فيغيرون على نواحسي بلدة الجللي‪ .‬وكان أصسحابنا يركبون كسل يوم مسع أميسر‬

‫تلك الناحية ليعينوه على مدافعتهم‪.‬‬

‫ذكر محنتي بالسر وخلصي منه‬

‫وخلصي من شدة بعده على يد ولي من أولياء ال تعالى‬

‫وفسي بعسض تلك اليام ركبست فسي جماعسة مسن أصسحابي‪ ،‬ودخلنسا بسستاناً نقيسل فيسه‪،‬‬

‫وذلك فسي فصسل القيسظ‪ .‬فسسمعنا الصسياح‪ ،‬فركبنسا ولحقنسا كفاراً أغاروا على قريسة مسن‬

‫قرى الجللي‪ .‬فاتبعناهسم فتفرقوا‪ ،‬وتفرق أصسحابنا فسي طلبهسم‪ .‬وانفردت فسي خمسسة‬

‫مسن أصسحابنا‪ .‬فخرج علينسا جملة مسن الفرسسان والرجال مسن غيضسة هنالك‪ ،‬ففررنسا‬

‫منهم لكثرتهم‪ .‬واتبعني نحو عشرة منهم‪ ،‬ثم انقطعوا عني إل ثلثة منهم‪ .‬ول طريق‬

‫بين يدي‪ ،‬وتلك الرض كثيرة الحجارة‪ .‬فنشبت يد فرسي بين الحجارة فنزلت عنه‪،‬‬

‫واقتلعت يده‪ ،‬وعدت إلى ركوبه‪ .‬والعادة بالهند أن يكون مع النسان سيفان أحدهما‬

‫معلق بالسراج ويسمى الركابي والخر في التركش‪ .‬فسقط سيفي الركابي من غمده‪،‬‬

‫وكانست حليتسه ذهباً‪ ،‬فنزلت فأخذتسه وتقلدتسه وركبست‪ ،‬وهسم فسي أثري‪ .‬ثسم وصسلت إلى‬
‫خندق عظيسسسسسسسسم فنزلت ودخلت فسسسسسسسسي جوفسسسسسسسسه فكان آخسسسسسسسسر عهدي بهسسسسسسسسم‪.‬‬

‫ثسم خرجست إلى واد فسي وسسط شجراء ملتفسة فسي وسسطها طريسق‪ .‬فمشيست عليهسا ول‬

‫أعرف منتهاهسا‪ ،‬فبينسا أنسا فسي ذلك خرج علي نحسو أربعيسن رجلً مسن الكفار بأيديهسم‬

‫القسسي فأحدقوا بسي‪ ،‬وخفست أن يرمونسي رميسة رجسل واحسد إن فررت منهسم‪ ،‬وكنست‬

‫غيسر متدرع‪ ،‬فألقيست بنفسسي إلى الرض‪ ،‬واسستأسرت‪ .‬وهسم ل يقتلون مسن فعسل ذلك‪،‬‬

‫فأخذوني وسلبوني جميع ما علي‪ ،‬غير جبة وقميص وسروال‪ ،‬ودخلوا بي إلى تلك‬

‫الغابسسة‪ ،‬فانتهوا بسسي إلى موضسسع جلوسسسهم منهسسا على حوض ماء بيسسن تلك الشجار‪،‬‬

‫وأتوني بخبز ماش وهو الجلبان فأكلت منه وشربت من الماء‪ .‬وكان معهم مسلمان‪،‬‬

‫كلمانسي بالفارسسية‪ ،‬وسسألني عسن شأنسي‪ ،‬فأخبرتهمسا ببعضسه وكتمتهمسا أنسي مسن جهسة‬

‫السسلطان فقال لي‪ :‬ل بسد أن يقتلك هؤلء أو غيرهسم‪ ،‬ولكسن هذا مقدمهسم‪ .‬وأشاروا إلى‬

‫رجل منهم‪ ،‬فكلمته بترجمة المسلمين وتلطفت له‪ .‬فوكل بي ثلثة منهم‪ ،‬أحدهم شيخ‬

‫ومعه ابنه والخر أسود خبيث‪ .‬وكلمني أولئك الثلثة‪ ،‬ففهمت منهم أنهم أمروا بقتلي‬

‫واحتملونسسي عشسسي النهار إلى كهسسف‪ .‬وسسسلط ال على السسسود منهسسم حمسسى مرعدة‪،‬‬

‫فوضسسع رجليسسه علي‪ ،‬ونام الشيسسخ وابنسسه‪ .‬فلمسسا أصسسبح الصسسباح‪ ،‬تكلموا فيمسسا بينهسسم‪،‬‬

‫وأشاروا إلي بالنزول معهسم إلى الحوض‪ ،‬وفهمست أنهسم يريدون قتلي‪ ،‬فكلمست الشيسخ‬

‫وتلطفسست إليسسه فرق لي‪ ،‬وقطعسست كمسسي قميصسسي وأعطيتسسه إياهمسسا‪ ،‬لكسسي ل يأخذه‬

‫أصسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسحابه فسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسي إن فررت‪.‬‬

‫ولمسا كان عنسد الظهسر سسمعنا كلماً عنسد الحوض‪ ،‬فظنوا أنهسم أصسحابهم فأشاروا إلي‬
‫بالنزول معهسم‪ ،‬فنزلنسا ووجدنسا قوماً آخريسن‪ ،‬فأشاروا عليهسم أن يذهبوا فسي صسحبتهم‬

‫فأبوا‪ .‬وجلس ثلثتهسسم أمامسسي‪ ،‬وأنسسا مواجسسه لهسسم‪ .‬ووضعوا حبسسل قنسسب كان معهسسم‬

‫بالرض‪ ،‬وأنا أنظر إليهم وأقول في نفسي‪ ،‬بهذا الحبل يربطوني عند القتل‪ .‬وأقمت‬

‫كذلك ساعة‪ ،‬ثم جاء ثلثة من أصحابهم الذين أخذوني‪ ،‬فتكلموا معهم‪ ،‬وفهمت أنهم‬

‫قالوا لهسم‪ :‬لي شيسء مسا قتلتموه ? فأشار الشيسخ إلى السسود‪ .‬كأنسه اعتذر بمرضسه‪،‬‬

‫وكان أحد هؤلء الثلثة شاباً حسن الوجه‪ ،‬فقال لي‪ :‬أتريد أن أسرحك ? فقلت‪ :‬نعم‪.‬‬

‫فقال‪ :‬اذهسب‪ .‬فأخذت الجبسة التسي كانست علي فأعطيتسه إياهسا‪ .‬وأعطانسي منيرة باليسة‬

‫عنده وأرانسسي الطريسسق‪ ،‬فذهبسست وخفسست أن يبدو لهسسم‪ ،‬فيدركوننسسي‪ .‬فدخلت غيضسسة‬

‫قصسسسسسسسسسب وأخفيسسسسسسسسست نفسسسسسسسسسسي فيهسسسسسسسسسا إلى أن غابسسسسسسسسست الشمسسسسسسسسسس‪.‬‬

‫ثسم خرجست وسسلكت الطريسق التسي أرانيهسا الشاب‪ ،‬فأفضست بسي إلى ماء فشربست منسه‪،‬‬

‫وسرت إلى ثلث الليل‪ ،‬فوصلت إلى جبل‪ ،‬فنمت تحته‪ .‬فلما أصبحت سلكت الطريق‬

‫ل فيه شجر أم غيلن والسدر‪ ،‬فكنت أجني‬


‫فوصلت ضحى إلى جبل من الصخر عا ٍ‬

‫النبق فآكله حتى أثر الشوك في ذراعي آثاراً هي باقية حتى الن‪ .‬ثم نزلت من ذلك‬

‫الجبل إلى أرض مزروعة قطناً‪ ،‬وبها أشجار الخروع‪ ،‬وهنالك باين‪ ،‬والباين عندهم‬

‫بئر متسعة جداً مطوية بالحجارة لها درج ينزل عليها إلى ورد الماء وبعضها يكون‬

‫فسي وسسطه وجوانبسه القباب مسن الحجسر والسسقائف والمجالس‪ ،‬ويتفاخسر ملوك البلد‬

‫وأمراؤها بعمارتها في الطرقات التي ل ماء بها‪ ،‬وسنذكر بعض ما رأيناه منها فيما‬

‫بعد‪ .‬ولما وصلت إلى الباين شربت منه ووجدت عليه شيئاً من عساليج الخردل‪ ،‬قد‬
‫سقطت لمن غسلها‪ ،‬فأكلت منها‪ ،‬وادخرت باقيها‪ ،‬ونمت تحت شجرة خروع‪ .‬فبينما‬

‫أنا كذلك إذ ورد الباين نحو أربعين فارساً مدرعين‪ ،‬فدخل بعضهم إلى المزرعة‪ ،‬ثم‬

‫ذهبوا وطمسس ال أبصسارهم دونسي‪ .‬ثسم جاء بعدهسم نحسو خمسسين فسي السسلح‪ .‬ونزلوا‬

‫إلى الباين‪ .‬وأتى أحدهم شجرة إزاء الشجرة التي كنت تحتها‪ ،‬فلم يشعر بي‪ ،‬ودخلت‬

‫إذ ذاك فسسي مزرعسسة القطسسن‪ ،‬وأقمسست بهسسا بقيسسة نهاري‪ .‬وأقاموا على البايسسن يغسسسلون‬

‫ثيابهسسم ويلعبون‪ .‬فلمسسا كان الليسسل هدأت أصسسواتهم‪ .‬فعلمسست أنهسسم قسسد مروا أو ناموا‪،‬‬

‫فخرجت حينئذ‪ ،‬واتبعت أثر الخيل والليل مقمر‪ ،‬وسرت حتى انتهيت إلى باين آخر‬

‫عليسه قبسة‪ ،‬فنزلت إليسه وشربست مسن مائه‪ ،‬وأكلت مسن عسساليج الخردل التسي كانست‬

‫عندي‪ ،‬ودخلت القبسسة فوجدتهسسا مملوءة بالعشسسب ممسسا يجمعسسه الطيسسر‪ ،‬فنمسست عليهسسا‪،‬‬

‫وكنت أحس حركة حيوان في ذلك العشب أظنه حية فل أبالي بها لما بي من الجهد‪.‬‬

‫فلمسا أصسبحت سسلكت طريقاً واسسعة تفضسي إلى قريسة خربسة‪ ،‬وسسلكت سسواها‪ ،‬فكانست‬

‫كمثلها‪ .‬وأقمت كذلك أياماً‪ ،‬وفي بعضها وصلت إلى أشجار ملتفة‪ ،‬بينها حوض ماء‪،‬‬

‫وداخلها شبه بيت‪ ،‬وعلى جوانب الحوض نبات الرض كالنجيل وغيره‪ ،‬فأردت أن‬

‫أقعسسد هنالك حتسسى يبعسسث ال مسسن يوصسسلني إلى العمارة‪ .‬ثسسم إنسسي وجدت يسسسير قوة‪،‬‬

‫فنهضست على طريسق وجدت بهسا أثسر البقسر‪ ،‬ووجدت ثوراً عليسه بردعسة ومنجسل‪ ،‬فإذا‬

‫تلك الطريسق تفضسي إلى قرى الكفار‪ .‬فاتبعست طريقاً أخرى‪ ،‬فأفضست بسي إلى قريسة‬

‫خربسة‪ .‬ورأيست بهسا أسسودين عريانيسن فخفتهمسا‪ ،‬وأقمست تحست أشجار هنالك‪ .‬فلمسا كان‬

‫الليسل دخلت القريسة‪ ،‬ووجدت دارًا فسي بيست مسن بيوتهسا شبسه خابيسة كسبيرة‪ ،‬يصسنعونها‬
‫لختزان الزرع‪ ،‬وفسي أسسفلها نقسب يسسع الرجسل‪ ،‬فدخلتهسا ووجدت داخلهسا مفروشاً‬

‫بالتبن وفيه حجر جعلت رأسي عليه ونمت‪ .‬وكان فوقها طائر يرفرف بجناحيه أكثر‬

‫الليسسسسسسسسسسسسسسسسسل وأظنسسسسسسسسسسسسسسسسسه كان يخاف فاجتمعنسسسسسسسسسسسسسسسسا خائفيسسسسسسسسسسسسسسسسن‪.‬‬

‫وأقمت على تلك الحال سبعة أيام من يوم أسرت‪ ،‬وهو يوم السبت‪ ،‬وفي السابع منها‬

‫وصسلت إلى قريسة للكفار عامرة‪ ،‬وفيهسا حوض ماء‪ ،‬ومنابست خضسر فسسألتهم الطعام‬

‫فأبوا أن يعطونسي‪ ،‬فوجدت حول بئر بهسا أوراق فجسل فأكلتهسا‪ .‬وجئت القريسة فوجدت‬

‫جماعسسة كفار لهسسم طليعسسة‪ ،‬فدعانسسي طليعتهسسم فلم أجبسسه‪ ،‬وقعدت إلى الرض‪ .‬فأتسسى‬

‫أحدهسم بسسيف مسسلول ورفعسه ليضربنسي بسه‪ ،‬فلم ألتفست إليسه لعظيسم مسا بسي مسن الجهسد‪،‬‬

‫ففتشنسي فلم يجسد عندي شيئاً‪ ،‬فأخسذ القميسص الذي كنست أعطيست كميسه للشيسخ الموكسل‬

‫بسي‪ .‬ولمسا كان فسي اليوم الثامسن اشتسد بسي العطسش وعدمست الماء‪ ،‬ووصسلت إلى قريسة‬

‫خراب‪ ،‬فلم أجسد بهسا حوضاً‪ .‬وعادتهسم بتلك القرى أن يصسنعوا أحواضاً يجتمسسع بهسسا‬

‫ماء المطسسر فيشربون منسسه جميسسع السسسنة‪ .‬فاتبعسست طريقاً‪ ،‬فافضسست بسسي إلى بئر غيسسر‬

‫مطويسة‪ ،‬عليهسا حبسل مضنوع مسن نبات الرض وليسس فيسه آنيسة يسستقى بهسا‪ ،‬فربطست‬

‫خرقة كانت على رأسي في الحبل‪ ،‬وامتصصت ما تعلق بها من الماء‪ ،‬فلم يروني‪،‬‬

‫فربطت خفي واستقيت به فلم يروني‪ ،‬فاستقيت به ثانياً‪ ،‬فانقطع الحبل ووقع الخف‬

‫في البئر‪ ،‬فربطت الخف الخر وشربت حتى رويت‪ ،‬ثم قطعته فربطت أعله على‬

‫رجلي بحبسل البئر‪ ،‬وبخرق وجدتهسا هنالك‪ .‬فبينسا أنسا أربطهسا وأفكسر فسي حالي إذ لح‬

‫لي شخسسص‪ ،‬فنظرت إليسسه فإذا رجسسل أسسسود اللون بيده إبريسسق وعكاز‪ ،‬وعلى كاهله‬
‫جراب‪ .‬فقال لي‪ :‬سسلم عليكسم‪ .‬فقلت له‪ :‬عليكسم السسلم ورحمسة ال وبركاتسه‪ .‬فقال لي‬

‫بالفارسسية‪ :‬جيكسس " جسه كسسى " معناه‪ :‬مسن أنست ? فقلت له‪ :‬أنسا تائه‪ .‬فقال لي‪ :‬وأنسا‬

‫كذلك‪ .‬ثسسم ربسسط إبريقسسه بحبسسل كان معسسه واسسستقى ماء‪ ،‬فأردت أن أشرب‪ ،‬فقال لي‪:‬‬

‫إصبر‪ .‬ثم فتح جرابه‪ ،‬فأخرج منه غرفة حمص أسود مقلي مع قليل أرز‪ .‬فأكلت منه‬

‫وشربت‪ ،‬وتوضأ وصسلى ركعتين‪ ،‬وتوضأت أنسا وصسليت‪ .‬وسألني عن اسسمي فقلت‬

‫له‪ :‬محمسد‪ ،‬وسسألته عسن اسسمه فقال لي‪ :‬القلب الفارح‪ .‬فتفاءلت بذلك وسسررت بسه‪ .‬ثسم‬

‫قال لي‪ :‬بسسسم ال‪ .‬ترافقنسسي ? فقلت‪ :‬نعسسم‪ .‬فمشيسست معسسه قليلً‪ .‬ثسسم وجدت فتوراً فسسي‬

‫أعضائي‪ ،‬ولم أستطع النهوض فقعدت‪ .‬فقال لي‪ :‬ما شأنك‪ .‬فقلت له‪ :‬كنت قادراً على‬

‫المشي قبل أن ألقاك‪ ،‬فلما لقيتك عجزت‪ .‬فقال‪ :‬سبحان ال‪ ،‬اركب فوق عنقي‪ .‬فقلت‬

‫له‪ :‬إنسك ضعيسف‪ ،‬ول تسستطيع ذلك‪ .‬فقال‪ :‬يقوينسي ال‪ .‬ل بسد لك فركبست على عنقسه‪.‬‬

‫وقال لي أكثسسسسسر مسسسسسن قراءة‪ :‬حسسسسسسبنا ال ونعسسسسسم الوكيسسسسسل‪ ،‬فأكثرت مسسسسسن ذلك‪.‬‬

‫وغلبتنسي عينسي فلم أفسق إل لسسقوطي على الرض‪ ،‬فاسستيقظت ولم أر للرجسل أثراً‪،‬‬

‫وإذا أنسا فسي قريسة عامرة‪ ،‬فدخلتهسا فوجدتهسا لرعيسة الهنود وحاكمهسا مسن المسسلمين‪،‬‬

‫فأعلموه بي فجاء إلي فقلت له‪ :‬ما اسم هذه القرية ? فقال لي‪ :‬تاج بوره‪ .‬وبينها وبين‬

‫مدينة كول حيث أصحابنا فرسخان‪ .‬وحملني ذلك الحاكم إلى بيته‪ ،‬فأطعمني طعاماً‬

‫سخناً واغتسلت‪ .‬وقال لي‪ :‬عندي ثوب وعمامة أودعهما عندي رجل عربي مصري‬

‫مسن أهسل المحلة التسي بكول‪ .‬فقلت له‪ :‬هاتهمسا ألبسسهما إلى أن أصسل إلى المحلة‪ .‬فأتسى‬

‫بهمسا‪ ،‬فوجدتهمسا مسن ثيابسي التسي كنست قسد وهبتهسا لذلك العربسي لمسا قدمنسا كول‪ .‬فطال‬
‫تعجسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسبي مسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن ذلك‪.‬‬

‫وفكرت بالرجسل الذي حملنسي على عنقسه‪ ،‬فتذكرت مسا أخسبرني بسه ولي ال تعالى أبسو‬

‫عبسد ال المرشدي‪ ،‬حسسبما ذكرناه فسي السسفر الول‪ ،‬إذ قال لي‪ :‬سستدخل أرض الهنسد‬

‫وتلقى بها أخي ويخلصك من شدة تقع فيها‪ .‬وتذكرت قوله لما سألته عن اسمه فقال‪:‬‬

‫القلب الفارح وتفسيره بالفارسية دلشاد‪ ،‬فعلمت أنه هو الذي أخبرني بلقائه‪ ،‬وأنه من‬

‫الولياء‪ .‬ولم يحصسسل لي مسسن صسسحبته إل المقدار الذي ذكسسر‪ ،‬وأتيسست تلك الليلة إلى‬

‫أصسسحابي بكول معلماً لهسسم بسسسلمتي‪ ،‬فجاءوا إلي بفرس وثياب‪ ،‬واسسستبشروا بسسي‬

‫ووجدت جواب السلطان قد وصلهم‪ ،‬وبعث بفتى يسمى بسنبل الجامدار‪ ،‬عوضاً من‬

‫كافور المسستشهد‪ ،‬وأمرنسا أن نتمادى على سسفرنا‪ .‬ووجدتهسم أيضًا قسد كتبوا للسسلطان‬

‫بمسا كان مسن أمري‪ ،‬وتشاءموا بهذه السسفرة لمسا جرى فيهسا علي وعلى كافور‪ ،‬وهسم‬

‫يريدون أن يرجعوا‪ .‬فلمسسا رأيسست تأكيسسد السسسلطان فسسي السسسفر أكدت عليهسسم‪ ،‬وقوي‬

‫عزمسي‪ .‬فقالوا‪ :‬أل ترى مسا اتفسق فسي بدايسة هذه السسفرة ? والسسلطان يعذرك‪ ،‬فلنرجسع‬

‫إليه أو تقيم حتى يصل جوابه‪ .‬فقلت لهم‪ :‬ل يمكن المقام‪ ،‬وحيثما كنا أدركنا الجواب‪.‬‬

‫فرحلنسا مسن كول ونزلنسا برج بوره‪ ،‬وبسه زاويسة حسسنة‪ ،‬فيهسا شيسخ حسسن الصسورة‬

‫والسسيرة يسسمى بمحمسد العريان‪ ،‬لنسه ل يلبسس عليسه إل ثوباً مسن سسرته إلى أسسفل‪،‬‬

‫وباقي جسده مكشوف‪ .‬وهو تلميذ الصالح الولي محمد العريان القاطن بقرافة مصر‬

‫نفسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسع ال بسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه‪.‬‬

‫حكايسسة هذا الشيسسخ وكان مسسن أولياء ال تعالى‪ ،‬قائماً على قدم التجرد‪ ،‬يلبسسس تنورة‪،‬‬
‫وهو ثوب يستر من سرته إلى أسفل‪ .‬ويذكر أنه كان إذا صلى العشاء الخرة أخرج‬

‫كسسل مسسا بقسسي بالزاويسسة مسسن طعام وإدام وماء‪ ،‬وفرقسسه على المسسساكين‪ ،‬ورمسسى بفتيلة‬

‫السراج وأصبح على غير معلوم‪ .‬وكانت عادته أن يطعم أصحابه عند الصباح خبزاً‬

‫وفولً‪ .‬فكان الخبازون والفوالون يسستبقون إلى زاويتسه‪ ،‬فيأخسذ منهسم مقدار مسا يكفسي‬

‫الفقراء‪ ،‬ويقول لمسن أخسذ منسه ذلك‪ :‬اقعسد‪ ،‬حتسى يأخسذ أول مسا يفتسح بسه عليسه فسي ذلك‬

‫اليوم قليلً أو كثيراً‪ .‬ومسسسن حكاياتسسسه أنسسسه لمسسسا وصسسسل قازان ملك التتسسسر إلى الشام‬

‫بعسسساكره‪ ،‬وملك دمشسسق مسسا عدا قلعتهسسا‪ ،‬وخرج الملك الناصسسر إلى مدافعتسسه‪ ،‬ووقسسع‬

‫اللقاء على مسيرة يومين من دمشق‪ ،‬بموضع يقال له قشحب‪ .‬والملك الناصر إذ ذاك‬

‫حديسث السسن لم يعهسد الوقائع‪ .‬وكان الشيسخ العريان فسي صسحبته فنزل‪ .‬وأخسذ قيداً فقيسد‬

‫به فرس الملك الناصر لئل يتزحزح عند اللقاء لحداثة سنه فيكون ذلك سبب هزيمة‬

‫المسلمين‪ .‬فثبت الملك الناصر وهزم التتر هزيمة شنعاء‪ ،‬قتل منهم فيها كثير وغرق‬

‫كثير بما أرسل عليه من المياه‪ .‬ولم يعد التتر إلى قصد بلد السلم بعدها‪ .‬وأخبرني‬

‫الشيسخ محمسد العريان المذكور تلميسذ هذا الشيسخ أنسه حضسر هذه الوقيعسة وهسو حديسث‬

‫السسن‪ .‬ورحلنسا مسن برج بوره ونزلنسا على الماء المعروف باب سسياه‪ ،‬ثسم رحلنسا إلى‬

‫مدينسة قنوج " وضبسط اسسمها بكسسر القاف وفتسح النون وواو سساكن وجيسم " مدينسة‬

‫كبيرة حسنة العمارة حصينة رخيصة السعار كثيرة السكر‪ ،‬ومنها يحمل إلى دهلي‪.‬‬

‫وعليهسسا سسسور عظيسسم‪ ،‬وقسسد تقدم ذكرهسسا‪ .‬وكان بهسسا الشيسسخ معيسسن الديسسن الباخرزي‪،‬‬

‫أضافنسا بهسا‪ ،‬وأميرهسا فيروز البدخشانسي مسن ذريسة بهرام جور " جوبيسن " صساحب‬
‫كسسسرى‪ .‬وسسسكن بهسسا جماعسسة مسسن الصسسلحاء الفضلء المعروفيسسن بمكارم الخلق‬

‫يعرفون بأولد شرف جهان‪ ،‬وكان جدهسسسم قاضسسسي القضاة بدولة آباد‪ ،‬وهسسسو مسسسن‬

‫المحسسسسسسسسسنين المتصسسسسسسسسدقين‪ ،‬وانتهسسسسسسسست الرياسسسسسسسسسة ببلد الهنسسسسسسسسد إليسسسسسسسسه‪.‬‬

‫حكايسة يذكسر أنسه عزل مرة عسن القضاء وكان له أعداء‪ ،‬فادعسى أحدهسم عنسد القاضسي‬

‫الذي ولي بعده أن له عشرة آلف دينار قبله‪ ،‬ولم تكسسسسن له بينسسسسة‪ ،‬وكان قصسسسسده أن‬

‫يحلفسه‪ .‬فبعسث القاضسي له‪ ،‬فقال لرسسوله‪ :‬بسم ادعسى علي ? فقال‪ :‬بعشرة آلف دينار‪.‬‬

‫فبعسث إلى مجلس القاضسي عشرة آلف‪ ،‬وسلمت للمدعسي‪ .‬وبلغ خبره السسلطان علء‬

‫الديسسن‪ ،‬وصسسح عنده بطلن تلك الدعوى‪ ،‬فأعاده إلى القضاء‪ ،‬وأعطاه عشرة آلف‪.‬‬

‫وأقمنا بهذه المدينة ثلثاً‪ ،‬ووصلنا فيها جواب السلطان في شأني بأنه لم يظهر لفلن‬

‫أثسر‪ ،‬فيتوجسه وجيسه الملك قاضسي دولة آباد عوضاً منسه‪ .‬ثسم رحلنسا مسن هذه المدينسة‬

‫فنزلنسا بمنزل هنول ثسم بمنزل وزيسر بور ثسم بمنزل البجالصسة‪ ،‬ثسم وصسلنا إلى مدينسة‬

‫موري " وضبسط اسسمها بفتسح الميسم وواو وراء " وهسي صسغيرة‪ ،‬ولهسا أسسواق حسسنة‪.‬‬

‫ولقيت بها الشيخ الصالح المعمر قطب الدين المسمى بحيدر الفرغاني‪ ،‬وكان بحال‬

‫المرض‪ ،‬فدعانسسي وزودنسسي رغيسسف شعيسسر‪ ،‬وأخسسبرني أن عمره ينيسسف على مائة‬

‫وخمسسين‪ ،‬وذكسر لي أصسحابه أنسه يصسوم الدهسر‪ ،‬ويواصسل كثيراً‪ ،‬ويكثسر العتكاف‪،‬‬

‫وربما أقام في خلوته أربعين يوماً يقتات فيها بأربعين تمرة‪ ،‬في كل يوم واحدة‪ .‬وقد‬

‫رأيست بدهلي الشيسخ المسسمى برجسب البرقعسي دخسل الخلوة بأربعيسن تمرة فأقام بهسا‬

‫أربعيسن يوماً ثسم خرج‪ ،‬وفضسل معسه منهسا ثلث عشرة تمرة‪ .‬ثسم رحلنسا ووصسلنا إلى‬
‫مدينسة مره وضبسط اسسمها " بفتسح وسسكون الراء وهاء "‪ ،‬وهسي مدينسة كسبيرة‪ ،‬أكثسر‬

‫سكانها كفار تحت الذمة‪ ،‬وهي حصينة‪ .‬وبها القمح الطيب الذي ليس مثله بسواها‪،‬‬

‫ومنهسا يحمسل إلى دهلي‪ ،‬وحبوبسه طوال شديدة الصسفرة ضخمسة‪ ،‬ولم أر قمحاً مثله إل‬

‫بأرض الصين‪ .‬وتنسب هذه المدينة إلى المالوة " بفتح اللم "‪ ،‬وهي قبيلة من قبائل‬

‫الهنود كبار الجسسسام عظام الخلق حسسسان الصسسور‪ ،‬لنسسسائهم الجمال الفائق‪ ،‬وهسسن‬

‫مشهورات بطيسب الخلوة ووفرة الحسظ مسن اللذة‪ .‬وكذا نسساء المرهتسة ونسساء جزيرة‬

‫ذيبسة المهسل‪ .‬ثسم سسافرنا إلى مدينسة علبور " وضبسط اسسمها بفتسح العيسن ولم وألف‬

‫وباء موحدة مضمومسة وواو وراء " مدينسة صسغيرة أكثسر سسكانها الكفار تحست الذمسة‪،‬‬

‫وعلى مسسيرة يوم منهسا سسلطان كافسر اسسمه قتسم " بفتسح القاف والتاء المعلوة " وهسو‬

‫سلطان جنبيل " بفتح الجيم وسكون النون وكسر الباء الموحدة وياء مد ولم " الذي‬

‫حاصسسسسسسسسسسسسسسسر مدينسسسسسسسسسسسسسسسة كياليسسسسسسسسسسسسسسسر وقتسسسسسسسسسسسسسسسل بعسسسسسسسسسسسسسسسد ذلك‪.‬‬

‫حكايسة كان هذا السسلطان الكافسر قسد حاصسر مدينسة رابري‪ ،‬وهسي على نهسر اللجون‪،‬‬

‫كثيرة القرى والمزارع‪ .‬وكان أميرها خطاب الفغاني‪ ،‬وهو أحد الشجعان واستعان‬

‫السسلطان الكافسر بسسلطان كافسر مثله يسسمى رجسو " بفتسح الراء وضسم الجيسم " وبلده‬

‫يسسمى سسلطان بور‪ ،‬وحاصسر مدينسة رابري‪ ،‬فبعسث خطابٌس إلى السسلطان يطلب منسه‬

‫العانسة‪ ،‬فأبطسأ عليسه المدد وهسو على مسسيرة أربعيسن مسن الحضرة‪ ،‬فخاف أن يتغلب‬

‫الكفار عليسسه‪ ،‬فجمسسع مسسن قسسبيلة الفغان نحسسو ثلثمائة ومثلهسسم مسسن المماليسسك‪ ،‬ونحسسو‬

‫أربعمائة من سائر الناس‪ ،‬وجعلوا العمائم في أعناق خيلهم‪ ،‬وهي عادة أهل الهند إذا‬
‫أرادوا الموت وباعوا نفوسسسهم مسسن ال تعالى‪ .‬وتقدم خطابسٌ وقسسبيلته وتبعهسسم الناس‪،‬‬

‫وفتحوا الباب عنسسسد الصسسسبح‪ ،‬وحملوا على الكفار حملة واحدة‪ ،‬وكانوا نحسسسو خمسسسس‬

‫عشسسر ألفاً‪ ،‬فهزموهسسم بإذن ال وقتلوا سسسلطانيهم‪ :‬قتسسم ورجسسو‪ ،‬وبعثوا برأسسسيهما إلى‬

‫السلطان‪ .‬ولم ينج من الكفار إل الشريد‪.‬‬

‫ذكر أمير علبور واستشهاده‬

‫وكان أمير علبور بدر الحبشي من عبيد السلطان‪ ،‬وهو من البطال الذين تضرب‬

‫بهم المثال‪ ،‬وكان ل يزال يغير على الكفار منفرداً بنفسه‪ ،‬فيقتل ويسبي‪ ،‬حتى شاع‬

‫خسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسبره واشتهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسر أمره وهابسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه الكفار‪.‬‬

‫وكان طويلً ضخماً يأكسل الشاة عسن آخرهسا فسي أكلة‪ .‬وأخسبرت أنسه كان يشرب نحسو‬

‫رطسل ونصسف مسن السسمن بعسد غذائه على عادة الحبشسة ببلدهسم‪ ،‬وكان له ابسن يدانيسه‬

‫فسي الشجاعسة‪ .‬فاتفسق أنسه أغار مرة فسي جماعسة مسن عسبيده على قريسة للكفار فوقسع بسه‬

‫الفرس فسسي مطمورة‪ ،‬واجتمسسع عليسسه أهسسل القريسسة فضربسسه أحدهسسم بقتارة‪ ،‬والقتارة "‬

‫بقاف معقود وتاء معلوة " حديدة شبسسه سسسكة الحرث‪ ،‬يدخسسل الرجسسل يده فيهسسا فتكسسسو‬

‫ذراعسه ويفضسل منهسا مقدار ذراعيسن‪ ،‬وضربتهسا ل تبقسي‪ ،‬فقتله بتلك الضربسة ومات‬

‫فيهسسا‪ .‬وقاتسسل عسسبيده أشسسد القتال‪ ،‬فتغلبوا على القريسسة وقتلوا رجالهسسا وسسسبوا نسسساءها‬

‫وأخرجوا الفرس مسن المطمورة سسالماً‪ ،‬فأتوا بسه ولده‪ .‬فكان مسن التفاق الغريسب أنسه‬

‫ركسب الفرس وتوجسه إلى دهلي‪ ،‬فخرج عليسه الكفار‪ ،‬فقاتلهسم حتسى قتسل‪ ،‬وعاد الفرس‬

‫إلى أصسحابه‪ ،‬فدفعوه إلى أهله‪ ،‬فركبسه صسهر له‪ ،‬فقتله الكفار عليسه أيضاً‪ .‬ثسم سسافرنا‬
‫إلى مدينسة كاليور " وضبسط اسسمها بفتسح الكاف المعقود وكسسر اللم وضسم الياء آخسر‬

‫الحروف وواو وراء " ويقال فيسه أيضاً‪ :‬كياليسر‪ ،‬وهسي مدينسة كسبيرة لهسا حصسن منيسع‬

‫منقطع في رأس شاهق‪ ،‬على بابه صورة فيل وفيال من الحجارة‪ ،‬وقد مر ذكره في‬

‫اسم السلطان قطب الدين‪ .‬وأمير هذه المدينة أحمد بن سيرخان‪ ،‬فاضل كان يكرمني‬

‫أيام إقامتسي عنده قبسل هذه السسفرة‪ ،‬ودخلت عليسه يوماً وهسو يريسد توسسيط رجسل مسن‬

‫الكفار‪ ،‬فقلت له‪ :‬بال ل تفعسل ذلك‪ ،‬فإنسي مسا رأيست أحداً قسط يقتسل بمحضري‪ ،‬فأمسر‬

‫بسسسجنه‪ .‬وكان ذلك سسسبب خلصسسه‪ .‬ورحلنسسا مسسن مدينسسة كاليور إلى مدينسسة برون "‬

‫وضبسسط اسسسمها بفتسسح الباء المعقودة وسسسكون الراء وفتسسح الواو وآخره نون " مدينسسة‬

‫صسغيرة للمسسلمين بيسن بلد الكفار‪ ،‬أميرهسا محمسد بسن بيرم التركسي الصسل‪ .‬والسسباع‬

‫بهسا كثيرة‪ ،‬وذكسر لي بعسض أهلهسا أن السسبع كان يدخسل إليهسا ليلً‪ ،‬وأبوابهسا مغلقسة‬

‫فيفترس الناس‪ .‬حتسسسسى قتسسسسل مسسسسن أهلهسسسسا كثيراً‪ ،‬وكانوا يعجبون فسسسسي شأن دخوله‪.‬‬

‫وأخسبرني محمسد التوفيري مسن أهلهسا‪ ،‬وكان جاراً لي بهسا أنسه دخسل داره ليلً وافترس‬

‫صسبياً مسن فوق السسرير‪ .‬وأخسبرني غيره أنسه كان مسع جماعسة فسي دار عرس فخرج‬

‫أحدهسم لحاجسة فافترسسه أسسد فخرج أصسحابه فسي طلبسه‪ ،‬فوجدوه مطرحاً بالسسوق وقسد‬

‫شرب دمسه‪ ،‬ولم يأكسل لحمسه‪ .‬وذكروا أنسه كذلك فعله بالناس‪ .‬ومسن العجسب أن بعسض‬

‫الناس أخبرني أن الذي يفعل ذلك ليس بسبع‪ ،‬وإنما هو آدمي من السحرة المعروفين‬

‫بالجوكية‪ ،‬يتصور في صورة سبع‪ .‬ولما أخبرت بذلك أنكرته‪ ،‬وأخبرني به جماعة‪.‬‬

‫ولنذكر بعضاً من أخبار هؤلء السحرة‪.‬‬


‫ذكر السحرة الجوكية‬

‫وهؤلء الطائفسسة تظهسسر منهسسم العجائب‪ ،‬منهسسا أن أحدهسسم يقيسسم الشهسسر ل يأكسسل ول‬

‫يشرب‪ ،‬وكثيسر منهسم تحفسر لهسم تحست الرض وتبنسى عليسه‪ .‬فل يترك له إل موضسع‬

‫يدخسل منسه الهواء‪ ،‬ويقيسم بهسا الشهور‪ .‬وسسمعت أن بعضهسم يقيسم كذلك سسنة‪ .‬ورأيست‬

‫بمدينسسة منجرور رجلً مسسن المسسسلمين ممسسن يتعلم منهسسم‪ ،‬قسسد رفعسست له طبلة‪ ،‬وأقام‬

‫بأعلها‪ ،‬ل يأكل ول يشرب مدة خمسة وعشرين يوماً‪ ،‬وتركته كذلك‪ .‬فل أدري كم‬

‫أقام بعدي‪ .‬والناس يذكرون أنهسسم يركبون حبوباً‪ ،‬يأكلون الحبسسة منهسسا ليام معلومسسة‬

‫وأشهسسسر‪ ،‬فل يحتاج فسسسي تلك المدة إلى طعام ول شراب‪ .‬ويخسسسبرون بأمور معيبسسسة‪.‬‬

‫والسسلطان يعظمهسم ويجالسسهم‪ .‬ومنهسم مسن يقتصسر فسي أكله على البقسل‪ ،‬ومنهسم مسن ل‬

‫يأكسل اللحسم وهسم الكثرون‪ .‬والظاهسر مسن حالهسم أنهسم عودوا أنفسسهم الرياضسة‪ .‬ول‬

‫حاجسة لهسم فسي الدنيسا وزينتهسا‪ .‬ومنهسم مسن ينظسر إلى النسسان فيقسع ميتاً مسن نظرتسه‪،‬‬

‫وتقول العامة‪ :‬إنه إذا قتل بالنظر‪ ،‬وشق عن صدر الميت‪ ،‬وجد دون قلب‪ .‬ويقولون‪:‬‬

‫أكسسل قلبسسه‪ .‬وأكثسسر مسسا يكون هذا فسسي النسسساء‪ .‬والمرأة التسسي تفعسسل ذلك تسسسمى كفتار‪.‬‬

‫حكاية لما وقعت المجاعة العظمى ببلد الهند بسبب القحط‪ ،‬والسلطان ببلد التلنك‪،‬‬

‫نفسذ أمره أن يعطسى لهسل دهلي مسا يقوتهسم بحسساب رطسل ونصسف للواحسد فسي اليوم‪.‬‬

‫فجمعهم الوزير‪ ،‬ووزع المساكين منهم على المراء والقضاة ليتولوا إطعامهم‪ .‬فكان‬

‫عندي منهسم خمسسسمائة نفسسس‪ ،‬فعمرت لهسم سسقائف فسي وادٍ ‪ ،‬وأسسكنتهم بهسسا‪ .‬وكنست‬

‫أعطيتهم نفقتهم خمسة أيام‪ .‬فلما كان في بعض اليام أتوني بامرأة منهم وقالوا‪ :‬إنها‬
‫كفتارة‪ .‬وقد أكلت قلب صبي كان إلى جانبها‪ ،‬وأتوا بالصبي ميتاً‪ .‬فأمرتهم أن يذهبوا‬

‫بهسسسا إلى نائب السسسسلطان‪ ،‬فأمسسسر باختبارهسسسا‪ .‬وذلك بأن ملوا أربسسسع جرات بالماء‬

‫وربطوهسا بيديهسا ورجليهسا وطرحوهسا فسي نهسر الجون‪ ،‬فلم تغرق‪ .‬فعلم أنهسا كفتار‪،‬‬

‫ولو لم تطسف على الماء لم تكسن بكفتار‪ .‬فأمسر بإحراقهسا بالنار‪ .‬وأتسى أهسل البلد رجالً‬

‫ونساء فأخذوا رمادها‪ .‬وزعموا أنه من تبخر به أمن في تلك السنة من سحر كفتار‪.‬‬

‫حكايسسة بعسسث إلي السسسلطان يوماً وأنسسا عنده بالحضرة‪ ،‬فدخلت عليسسه وهسسو فسسي خلوة‪،‬‬

‫وعنده بعسسض خواصسسه ورجلن مسسن هؤلء الجوكيسسة‪ ،‬وهسسم يلتحفون بالملحسسف‪،‬‬

‫ويغطون رؤوسهم لنهم ينتفونها بالرماد‪ ،‬كما ينتف الناس آباطهم‪ .‬فأمرني بالجلوس‬

‫فجلست فقال لهما‪ :‬إن هذا العزيز من بلد بعيدة‪ ،‬فأرياه ما لم يره‪ ،‬فقال‪ :‬نعم‪ .‬فتربع‬

‫أحدهمسا‪ ،‬ثسم ارتفسع عسن الرض حتسى صسار فسي الهواء فوقنسا متربعاً‪ ،‬فعجبست منسه‪،‬‬

‫وأدركنسي الوهسم فوقعست على الرض‪ .‬فأمسر السسلطان أن أسسقى دواء عنده‪ ،‬فأفقست‬

‫وقعدت‪ ،‬وهو على حاله متربع‪ .‬فأخذ صاحبه نعلً له من شكارة كانت معه فضرب‬

‫بهسا الرض كالمغتاظ فصسعدت إلى أن علت فوق عنسق المتربسع وجعلت تضرب فسي‬

‫ل قليلً حتسى جلس معنسا‪ .‬فقال السسلطان‪ :‬إن المتربسع هسو تلميسذ‬
‫عنقسه‪ ،‬وهسو ينزل قلي ً‬

‫صسساحب النعسسل‪ .‬ثسسم قال‪ :‬لول أنسسي أخاف على عقلك لمرتهسسم أن يأتوا بأعظسسم ممسسا‬

‫رأيست‪ .‬فانصسرفت عنسه‪ ،‬وأصسابني الخفقان‪ ،‬ومرضست‪ ،‬حتسى أمسر لي بشربسة أذهبست‬

‫ذلك عنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسي‪.‬‬

‫ولنعسد لمسا كنسا بسسبيله فنقول‪ :‬سسافرنا مسن مدينسة برون إلى منزل أمواري ثسم منزل‬
‫كجرا‪ ،‬وبه حوض عظيم طوله نحو ميل‪ ،‬وعليه الكنائس فيها الصنام‪ ،‬قد مثل بها‬

‫المسسسلمون‪ .‬وفسسي وسسسطه ثلث قباب مسسن الحجارة الحمسسر على ثلث طباق‪ ،‬وعلى‬

‫أركانسسه الربسسع قباب‪ .‬ويسسسكن هنالك جماعسسة مسسن الجوكيسسة‪ ،‬وقسسد لبدوا شعورهسسم‪،‬‬

‫وطالت‪ ،‬حتى صارت في طولهم‪ ،‬وغلبت عليهم صفرة اللوان من الرياضة‪ .‬وكثير‬

‫من المسلمين يتبعونهم ليتعلموا منهم‪ ،‬ويذكرون أن من كانت به عاهة من برص أو‬

‫جذام يأوي إليهسم مدة طويلة فيسبرأ بإذن ال تعالى‪ .‬وأول مسا رأيست هذه الطائفسة بمحلة‬

‫السسلطان طرمشيريسن ملك تركسستان‪ ،‬وكانوا نحسو الخمسسين‪ .‬فحفسر لهسم غاراً تحست‬

‫الرض‪ ،‬وكانوا مقيمين به ل يخرجون إل لقضاء حاجة‪ .‬ولهم شبه القرن يضربونه‬

‫أول النهار وآخره‪ ،‬وبعسسد العتمسسة‪ .‬وشأنهسسم كله عجسسب‪ .‬ومنهسسم الرجسسل الذي صسسنع‬

‫السلطان غياث الدين الدامغاني سلطان بلد المعبر حبوباً يأكلها تقويه على الجماع‪،‬‬

‫وكان مسن أخلطهسا برادة الحديسد فأعجبسه فعلهسا‪ ،‬فأكسل منهسا أزيسد مسن مقدار الحاجسة‬

‫فمات‪ .‬وولي ابسن أخيسه ناصسر الديسن فأكرم هذا الجوكسي ورفسع قدره‪ .‬ثسم سسافرنا إلى‬

‫مدينسسة جنديري " وضبسسط اسسسمها بفتسسح الجيسسم المعقود وسسسكون النون وكسسسر الدال‬

‫المهمل وياء مد وراء " مدينة عظيمة لها أسواق حافلة يسكنها أمير أمراء تلك البلد‬

‫عسز الديسن البنتانسي وهسو المدعسو بأعظسم ملك‪ ،‬وكان خيراً فاضلً يجالس أهسل العلم‪.‬‬

‫وممن كان يجالسه الفقيه عز الدين الزبيري‪ ،‬والفقيه العالم وجيه الدين البياني نسبة‬

‫إلى مدينسسة بيانسسة‪ ،‬التسسي تقدم ذكرهسسا‪ ،‬والفقيسسه القاضسسي المعروف بقاضسسي خاصسسة‪،‬‬

‫وإمامهم شمس الدين‪ ،‬وكان النائب عنه على أمور المخزن يسمى قمر الدين‪ ،‬ونائبه‬
‫على أمور العسسكر سسعادة التلنكسي مسن كبار الشجعان‪ ،‬وبيسن يديسه تعرض العسساكر‪.‬‬

‫وأعظسم ملك ل يظهسر إل فسي يوم الجمعسة أو فسي غيرهسا نادراً‪ .‬ثسم سسرنا مسن جنديري‬

‫إلى مدينسة ظهار " وضبسط اسسمها بكسسر الظاء المعجسم "‪ ،‬وهسي مدينسة المالوة‪ ،‬أكسبر‬

‫عمار تلك البلد‪ ،‬وزرعهسا كثيسر‪ ،‬خصسوصاً القمسح‪ .‬ومسن هذه المدينسة تحمسل أوراق‬

‫التنبول إلى دهلي وبينهمسسسا أربعسسسة وعشرون يوماً‪ ،‬وعلى الطريسسسق بينهمسسسا أعمدة‬

‫منقوش عليها عدد الميال فيما بين عمودين‪ .‬فإذا أراد المسافر أن يعلم عدد ما سار‬

‫فسي يومسه‪ ،‬ومسا بقسي له إلى المنزل وإلى المدينسة التسي يقصسدها قرأ النقسش الذي فسي‬

‫العمدة فعرفسسه‪ .‬ومدينسسة ظهار إقطاع للشيسسخ إبراهيسسم الذي مسسن أهسسل ذيبسسة المهسسل‪.‬‬

‫حكايسة كان الشيسخ إبراهيسم قدم على هذه المدينسة ونزل بخارجهسا‪ ،‬فأحيسا أرضاً مواتاً‬

‫هنالك‪ .‬وصسار يزدرعهسا بطيخاً‪ ،‬فتأتسي فسسي الغايسة مسن الحلوة‪ .‬ليسس بتلك الرض‬

‫مثلهسسسسسا‪ .‬ويزرع الناس بطيخًا فيمسسسسسا يجاوره فل يكون مثله‪ ،‬وكان يطعسسسسسم الفقراء‬

‫والمسساكين‪ .‬فلمسا قصسد السسلطان إلى بلد المعسبر أهدى إليسه هذا الشيسخ بطيخاً فقبله‬

‫واستطابه‪ ،‬وأقطعه مدينة ظهار‪ ،‬وأمره أن يعمر زاوية بربوة يشرف عليها‪ .‬فعمرها‬

‫أحسن عمارة‪ ،‬وكان يطعم بها الوارد والصادر‪ ،‬وأقام على ذلك أعواماً‪ .‬ثم قدم على‬

‫السلطان وحمل إليه ثلثة عشر لكاً‪ ،‬فقال‪ :‬هذا فضل مما كنت أطعمه الناس‪ ،‬وبيت‬

‫المال أحسق بسه‪ .‬فقبضسه منسه ولم يعجسب السسلطان فعله‪ ،‬لكونسه جمسع المال ولم ينفسق‬

‫جميعه في إطعام الطعام‪ .‬وبهذه المدينة أراد ابن أخت الوزير خواجه جهان أن يفتك‬

‫بخاله‪ ،‬ويسستولي أمواله‪ ،‬ويسسير إلى القائم ببلد المعسبر‪ .‬فنمسى خسبره إلى خاله فقبسض‬
‫عليه‪ ،‬وعلى جماعة المراء‪ ،‬وبعثهم إلى السلطان‪ ،‬فقتل المراء‪ ،‬ورد ابن أخته إليه‬

‫فقتله الوزيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسر‪.‬‬

‫حكايسة ولمسا رد ابسن أخست الوزيسر إليسه أمسر بسه أن يقتسل كمسا قتسل أصسحابه‪ ،‬وكانست له‬

‫جاريسة يحبهسا‪ .‬فاسستحضرها وأطعمهسا التنبول وأطعمتسه‪ ،‬وعانقهسا مودعاً‪ ،‬ثسم طرح‬

‫للفيلة‪ ،‬وسلخ جلده وملء تبناً‪ .‬فلما كان من الليل‪ ،‬خرجت الجارية من الدار‪ ،‬فرمت‬

‫بنفسسسها فسسي بئر هنالك تقرب مسسن الموضسسع الذي قتسسل فيسسه‪ ،‬فوجدت ميتسسة مسسن الغسسد‪.‬‬

‫فأخرجست ودفسن لحمسه معهسا فسي قسبر واحسد‪ ،‬وسسمي قبور " كور " عاشقان‪ .‬وتفسسير‬

‫ذلك بلسسانهم قسبر العاشقيسن‪ .‬ثسم سسافرنا مسن مدينسة ظهار إلى مدينسة أجيسن " وظبسط‬

‫اسمها بضم الهمزة وفتح الجيم وياء ونون " مدينة حسنة كثيرة العمارة‪ .‬وكا يسكنها‬

‫الملك ناصسر الديسن بسن عيسن الملك‪ ،‬مسن الفضلء الكرماء العلماء‪ ،‬اسستشهد بجزيرة‬

‫سسندابور حيسن افتتحهسا‪ .‬وقسد زرت قسبره هنالك‪ ،‬وسسنذكره‪ .‬وبهذه المدينسة كان سسكنى‬

‫الفقيه الطبيب جمال الدين المغربي الغرناطي الصل‪ .‬ثم سافرنا من مدينة أجين إلى‬

‫مدينسة دولة آباد‪ ،‬وهسي المدينسة الضخمسة العظيمسة الشأن الموازيسة لحضرة دهلي‪ ،‬فسي‬

‫رفعة قدرها واتساع خطتها‪ .‬وهي منقسمة ثلثة أقسام‪ :‬أحدها دولة آباد وهو مختص‬

‫بسكنى السلطان وعساكره‪ ،‬والقسم الثاني اسمه الكتكة " بفتح الكافين والتاء المعلوة‬

‫التي بينهما "‪ ،‬والقسم الثالث قلعتها التي ل مثل لها ول نظير في الحصانة وتسمى‬

‫الدويقيسر " بضسم الدال المهمسل وفتسح الواو وسسكون الياء وقاف معقود مكسسور وياء‬

‫مسسسد وراء "‪ .‬وبهذه المدينسسسة سسسكنى الخان العظسسسم قطلوخان معلم السسسلطان وهسسو‬
‫أميرها‪ ،‬والنائب عن السلطان بها‪ ،‬وببلد صاغر وبلد التلنك وما أضيف إلى ذلك‪،‬‬

‫وعمالتهسا مسسيرة ثلثسة أشهسر‪ ،‬عامرة كلهسا لحكمسه ونوابسه فيهسا‪ .‬وقلعسة الدويقيسر التسي‬

‫ذكرناها في قطعة حجر في بسيط من الرض‪ ،‬قد نحتت وبني بأعلها قلعة يصعد‬

‫إليهسسا بسسسلم مصسسنوع مسسن جلود ويرفسسع ليلً‪ .‬ويسسسكن بهسسا المفردون وهسسم الزماميون‬

‫بأولدهم‪ .‬وفيها سجن أهل الجرائم العظيمة في جيوب بها‪ .‬وبها فيران ضخام أعظم‬

‫مسن القطوط‪ ،‬والقطوط تهرب منهسا‪ ،‬ول تطيسق مدافعتهسا لنهسا تغلبهسا‪ .‬ول تصساد إل‬

‫بحبسسسسسسسسسل تدار عليهسسسسسسسسسا‪ .‬وقسسسسسسسسسد رأيتهسسسسسسسسسا هناك‪ ،‬فعجبسسسسسسسسست منهسسسسسسسسسا‪.‬‬

‫حكاية أخبرني الملك خطاب الفغاني أنه سجن مرة في جب بهذه القلعة‪ ،‬يسمى جب‬

‫الفيران‪ .‬قال‪ :‬فكانست تجتمسع علي ليلً لتأكلنسي‪ .‬فأقاتلهسا‪ ،‬وألقسى مسن ذلك جهداً‪ .‬ثسم إنسي‬

‫رأيسسست فسسسي النوم قائلً يقول لي‪ :‬إقرأ سسسسورة ألخلص مائة ألف مرة‪ ،‬ويفرج ال‬

‫عنسك‪ .‬قال‪ :‬فقرأتهسا‪ .‬فلمسا أتممتهسا أخرجست‪ .‬وكان سسبب خروجسي أن ملك مسل كان‬

‫مسجوناً في جب يجاورني فمرض‪ .‬وأكلت الفيران أصابعه وعينيه فمات‪ .‬فبلغ ذلك‬

‫السسسلطان فقال‪ :‬أخرجوا خطاباً لئل يتفسسق له مثسسل ذلك‪ .‬وإلى هذه القلعسسة لجسسأ ناصسسر‬

‫الدين بن ملك مل المذكور‪ ،‬والقاضي جلل‪ ،‬حين هزمهما السلطان‪ .‬وأهل بلد دولة‬

‫آباد هسسم قبيسسل المرهتسسة الذيسسن خسسص ال نسسساءهم بالحسسسن‪ ،‬وخصسسوصاً فسسي النوف‬

‫والحواجب‪ .‬ولهن من طيب الخلوة والمعرفة أكثر بحركات الجماع ماليس لغيرهن‪.‬‬

‫وكفار هذه المدينسة أصسحاب تجارة‪ .‬وأكثسر تجارتهسم فسي الجواهسر‪ ،‬وأموالهسم طائلة‪.‬‬

‫وهسم يسسمون السساهة وأحدهسم سساهٍ بإهمال السسين‪ ،‬وهسم الكارم بديار مصسر‪ .‬وبدولة‬
‫آباد العنسسب والرمان‪ .‬ويثمران مرتيسسن فسسي السسسنة وهسسي مسسن أعظسسم البلد مجسسبى‪،‬‬

‫وأكبرهسا خراجاً‪ ،‬لكثرة عمارتهسا واتسساع عمالتهسا‪ .‬وأخسبرت أن بعسض الهنود التزم‬

‫مغارمهسسا وعمالتهسسا جميعاً‪ .‬وهسسي كمسسا ذكرناهسسا مسسسيرة ثلثسسة أشهسسر‪ ،‬بسسسبعة عشسسر‬

‫كروراً‪ ،‬والكرور مائة لك‪ ،‬واللك مائة ألف دينار‪ .‬ولكنسسه لم يسسف بذلك‪ ،‬فبقسسي عليسسه‬

‫بقية‪ ،‬وأخذ ماله وسلخ جلده‪.‬‬

‫ذكر سوق المغنين‬

‫وبمدينسسة دولة آباد سسسوق للمغنيسسن والمغنيات تسسسمى سسسوق طرب آباد‪ ،‬مسسن أجمسسل‬

‫السسواق وأكبرهسا‪ ،‬فيسه الدكاكيسن الكثيرة‪ .‬كسل دكان له باب يفضسي إلى دار صساحبه‪.‬‬

‫وللدار باب سسسوى ذلك‪ .‬والحانوت مزيسسن بالفرش‪ ،‬وفسسي وسسسطه شكسسل مهسسد كسسبير‪،‬‬

‫تجلس فيسه المغنيسة أو ترقسد‪ ،‬وهسي متزينسة بأنواع الحلي‪ ،‬وجواريهسا يحركسن مهدهسا‪.‬‬

‫وفسي وسسط السسوق قبسة عظيمسة مفروشسة مزخرفسة‪ ،‬يجلس فيهسا أميسر المطربيسن بعسد‬

‫صسلة العصسر مسن كسل يوم خميسس‪ ،‬وبيسن يديسه خدامسه ومماليكسه‪ .‬وتأتسي المغنيات‬

‫طائفسة بعسد أخرى‪ ،‬فيغنيسن بيسن يديسه ويرقصسن إلى وقست المغرب‪ ،‬ثسم ينصسرف‪ .‬وفسي‬

‫تلك السسوق المسساجد للصسلة‪ .‬ويصسلي ألئمسة فيهسا التراويسح فسي شهسر رمضان‪ .‬وكان‬

‫بعسض سسلطين الكفار بالهنسد إذا مسر بهذه السسوق ينزل بقبتهسا‪ ،‬وتغنسي المغنيات بيسن‬

‫يديسه‪ .‬وقسد فعسل ذلك بعسض سسلطين المسسلمين أيضاً‪ .‬ثسم سسافرنا إلى مدينسة نذربار "‬

‫وضبسط اسسمها بنون وبذال معجسم مفتوحيسن وراء مسسكن وباء موحدة مفتوحسة وألف‬

‫وراء " مدينسسة صسسغيرة يسسسكنها المرهتسسة‪ ،‬وهسسم أهسسل التقان فسسي الصسسنائع والطباء‬
‫والمنجمون‪ .‬وشرفاء المرهتسسة هسسم البراهمسسة‪ ،‬وهسسم الكتريون أيضاً‪ .‬وأكلهسسم الرز‬

‫والخضسر ودهسن السسمسم‪ .‬ول يرون بتعذيسب الحيوان ول ذبحسه‪ .‬ويغتسسلون للكسل‬

‫كغسل الجنابة‪ ،‬ول ينكحون في أقاربهم إل فيمن كان بينهم سبعة أجداد‪ .‬ل يشربون‬

‫الخمسر‪ ،‬وهسي عندهسم أعظسم المعائب‪ .‬وكذلك هسي ببلد الهنسد عنسد المسسلمين‪ .‬ومسن‬

‫شربها من مسلم جلد ثمانين جلدة‪ ،‬وسجن في مطمورة ثلثة أشهر‪ ،‬ل تفتح عليه إل‬

‫حيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن طعامسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه‪.‬‬

‫ثسم سسافرنا مسن هذه المدينسة إلى مدينسة صساغر " وضبسط اسسمها بفتسح الصساد المهمسل‬

‫وفتسح الغيسن المعجسم وآخره راء " وهسي مدينسة كسبيرة على نهسر كسبير يسسمى أيضاً‬

‫صساغر كاسسمها‪ .‬وعليسه النواعيسر والبسساتين‪ .‬فيهسا العنسب والموز وقصسب السسكر‪.‬‬

‫وأهسل هذه المدينسة أهسل صسلح وديسن وأمانسة‪ .‬وأحوالهسم كلهسا مرضيسة‪ .‬ولهسم بسساتين‬

‫فيهسا الزوايسا للوارد والصسادر‪ .‬وكسل مسن يبنسي زاويسة يحبسس البسستان عليهسا‪ ،‬ويجعسل‬

‫النظسسر فيسسه لولده‪ .‬فإن انقرضوا عاد النظسسر للقضاة‪ .‬والعمارة بهسسا كثيرة‪ .‬والناس‬

‫يقصسسسسسسدونها للتسسسسسسبرك بأهلهسسسسسسا‪ ،‬ولكونهسسسسسسا محررة مسسسسسسن المغارم والوظائف‪.‬‬

‫ثسسم سسسافرنا مسسن صسساغر المذكورة إلى مدينسسة كنبايسسة " وضبسسط اسسسمها بكسسسر الكاف‬

‫وسسسكون النون وفتسسح الباء الموحدة وألف وياء آخسسر الحروف مفتوحسسة " وهسسي على‬

‫خور مسسن البحسسر‪ ،‬وهسسو شبسسه الوادي‪ ،‬تدخله المراكسسب وبسسه المسسد والجزر‪ .‬وعاينسست‬

‫المراكسب بسه مرسسا ًة فسي الوحسل حيسن الجزر‪ ،‬فإذا كان المسد عامست فسي الماء‪ .‬وهذه‬

‫المدينسسة مسسن أحسسسن المدن فسسي إتقان البناء وعمارة المسسساجد‪ .‬وسسسبب ذلك أن أكثسسر‬
‫سسسسكانها التجار الغرباء‪ .‬فهسسسم أبداً يبنون بهسسسا الديار الحسسسسنة والمسسسساجد العجيبسسسة‪،‬‬

‫ويتنافسسون فسي ذلك‪ .‬ومسن الديار العظيمسة بهسا دار الشريسف السسامري الذي اتفقست لي‬

‫معسه قضيسة الحلواء‪ ،‬وكذبسه ملك الندماء‪ .‬ولم أر قسط أضخسم مسن الخشسب الذي رأيتسه‬

‫بهذه الدار وبابهسا كأنسه باب مدينسة‪ .‬وإلى جانبهسا مسسجد عظيسم يعرف باسسمه‪ .‬ومنهسا‬

‫دار ملك التجار الكازرونسي‪ ،‬وإلى جانبهسا مسسجده‪ ،‬ومنهسا دار التاجسر شمسس الديسن‬

‫كله وز ومعناه خياط الشواشسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسي‪.‬‬

‫حكايسة ولمسا وقسع مسا قدمناه مسن مخالفسة القاضسي جلل الفغانسي أراد شمسس الديسن‬

‫المذكور والناخوذة الياس‪ ،‬وكان مسن كفار أهسل هذه المدينسة وملك الحكماء الذي تقدم‬

‫ذكره‪ ،‬على أن يمتنعوا منسه بهذه المدينسة‪ .‬وشرعوا فسي حفسر خندق عليهسا إذ ل سسور‬

‫لهسا‪ ،‬فتغلب عليهسم ودخلهسا‪ .‬واختفسى الثلثسة المذكورون فسسي دار واحدة‪ ،‬وخافوا أن‬

‫يتطلع عليهسم‪ .‬فاتفقوا على ان يقتلوا أنفسسهم فضرب كسل واحسد منهسم صساحبه بقتارة‪،‬‬

‫وقسد ذكرنسا صسفتها‪ ،‬فمات اثنان منهسم‪ ،‬ولم يمست ملك الحكماء‪ .‬وكان مسن كبار التجار‬

‫أيضاً بهسسا نجسسم الديسسن الجيلنسسي‪ ،‬وكان حسسسن الصسسورة كثيسسر المال‪ ،‬وبنسسى بهسسا داراً‬

‫عظيمسة ومسسجداً‪ .‬ثسم بعسث السسلطان عنسه وأمره عليهسا وأعطاه المراتسب‪ .‬فكان ذلك‬

‫سبب تلف نفسه وماله‪ .‬وكان أمير كنباية حين وصلنا إليها مقبل التلنكي‪ ،‬وهو كبير‬

‫المنزلة عنسد السسلطان‪ .‬وكان فسي صسحبته الشيسخ زاده الصسبهاني نائباً عنسه فسي جميسع‬

‫أموره‪ .‬وهذا الشيسخ له أموال عظيمسة‪ ،‬وعنده معرفسة بأمور السسلطنة‪ .‬ول يزال يبعث‬

‫الموال إلى بلده‪ ،‬ويتحيل في الفرار‪ .‬وبلغ خبره إلى السلطان‪ ،‬وذكر عنه أنه يروم‬
‫الهروب‪ .‬فكتسب إلى مقبسل أن يبعثسه فبعثسه على البريسد‪ ،‬وأحضسر بيسن يدي السسلطان‬

‫ووكل به‪ .‬والعادة عنده أنه متى وكل بأحد فقلما ينجو‪ .‬فاتفق هذا الشيخ مع الموكل‬

‫به على مال يعطيه إياه‪ ،‬وهربا جميعاً‪ .‬وذكر لي أحد الثقات أنه رآه في ركن مسجد‬

‫بمدينسة قلهات‪ ،‬وأنسه وصسل بعسد ذلك إلى بلده‪ ،‬فحصسل على أمواله‪ ،‬وأمسن ممسا كان‬

‫يخافسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه‪.‬‬

‫حكايسسة وأضافنسسا الملك مقبسسل يوماً بداره‪ ،‬فكان مسسن النادر أن جلس قاضسسي المدينسسة‪،‬‬

‫وهسو أعور العيسن اليمنسي‪ ،‬وفسي مقابلتسه شريسف بغدادي شديسد الشبسه بسه فسي صسورته‬

‫وعوره‪ ،‬إل أنه أعور اليسرى‪ .‬فجعل الشريف ينظر إلى القاضي ويضحك‪ .‬فزجره‬

‫القاضي‪ ،‬فقال له‪ :‬ل تزجرنسي‪ ،‬فإنسي أحسسن منك‪ .‬قال‪ :‬كيسف ذلك ? قال‪ :‬لنك أعور‬

‫اليمنسسى‪ ،‬وأنسسا أعور اليسسسرى‪ .‬فضحسسك الميسسر والحاضرون‪ .‬وخجسسل القاضسسي‪ ،‬ولم‬

‫يستطع أن يرد عليه‪ .‬والشرفاء ببلد الهند معظمون أشد التعظيم‪ .‬وكان بهذه المدينة‬

‫من الصالحين الحاج ناصر من أهل ديار بكر‪ ،‬وسكناه بقبة من قباب الجامع‪ .‬دخلنا‬

‫إليه‪ ،‬وأكلنا من طعامه‪ .‬واتفق له لما دخل القاضي جلل مدينة كنباية حين خلفه‪،‬‬

‫أنسه أتاه‪ ،‬وذكسر للسسلطان أنسه دعسا له‪ .‬فهرب لئل يقتسل كمسا قتسل الحيدري‪ .‬وكان بهسا‬

‫أيضاً من الصالحين التاجر خواجه إسحاق‪ ،‬وله زاوية يطعم فيها الوارد والصادر‪،‬‬

‫وينفسق على الفقراء والمسساكين‪ .‬وماله على هذا ينمسو ويزيسد كثرة‪ .‬وسسافرنا مسن هذه‬

‫المدينة إلى بلد كاوي‪ ،‬وهي على خور فيه المد والجزر وهي من بلد الري جالنسي‬

‫الكافسسر‪ ،‬وسسسنذكره‪ .‬وسسسافرنا منهسسا إلى مدينسسة قندهار " وضبسسط اسسسمها بفتسسح القاف‬
‫وسسسكون النون وفتسسح الدال المهمسسل وهاء والف وراء "‪ ،‬وهسسي مدينسسة كسسبيرة للكفار‬

‫على خور من البحر‪.‬‬

‫ذكر سلطان قندهار‬

‫سلطان قندهار كافر اسمه جالنسي " بفتح الجيم واللم وسكون النون وكسر السين‬

‫المهمل "‪ ،‬وهو تحت حكم السلم‪ ،‬ويعطي لملك الهند هدية كل عام‪ .‬لما وصلنا إلى‬

‫قندهار خرج إلى اسستقبالنا‪ ،‬وعظمنسا أشسد التعظيسم‪ ،‬وخرج عسن قصسره فأنزلنسا بسه‪.‬‬

‫وجاء إلينسسسا مسسسن عنده مسسسن كبار المسسسسلمين كأولد خواجسسسه بهره‪ .‬ومنهسسسم الناخوذة‬

‫إبراهيم‪ ،‬له ستة من المراكب مختصة له‪ .‬ومن هذه المدينة ركبنا البحر‬

‫ذكر ركوبنا البحر‬

‫وركبنسا فسي مركسب لبراهيسم المذكور تسسمى الجاكسر " بفتسح الجيسم والكاف المعقودة‬

‫"‪ .‬وجعلنسا فيسه مسن خيسل الهديسة سسبعين فرسساً‪ ،‬وجعلنسا باقيهسا مسع خيسل أصسحابنا فسي‬

‫مركسسب لخسسي إبراهيسسم المذكور يسسسمى منورت " بفتسسح الميسسم ونون وواو مسسد وراء‬

‫مسسسكن وتاء معلوة " وأعطانسسا جالنسسسي مركباً جعلنسسا فيسسه ظهيسسر الديسسن وسسسنبل‬

‫وأصسحابهما‪ ،‬وجهزه لنسا بالماء والزاد والعلف‪ .‬وبعسث معنسا ولداً فسي مركسب يسسمى‬

‫العكيري " بضسسم العيسسن المهمسسل وفتسسح الكاف وسسسكون الياء وراء "‪ ،‬وهسسو شبسسه‬

‫الغراب‪ ،‬إل أنسه أوسسع منسه‪ .‬وفيسه سستون مجذافاً‪ .‬ويسسقف حيسن القتال حتسى ل ينال‬

‫الجذافيسسن شيسسء مسسن السسسهم ول الحجارة‪ .‬وكان ركوبسسي أنسسا فسسي الجاكسسر‪ ،‬وكان فيسسه‬

‫خمسسسون راميًا وخمسسسون مسسن المقاتلة الحبشسسة‪ ،‬وهسسم زعماء هذا البحسسر‪ .‬وإذا كان‬
‫بالمركب أحد منهم تحاماه لصوص الهنود وكفارهم‪ .‬ووصلنا بعد يومين إلى جزيرة‬

‫بيرم " وضبسط اسسمها بفتسح الباء الموحدة وسسكون الياء وفتسح الراء "‪ ،‬وهسي خاليسة‪.‬‬

‫وبينهسا وبيسن البر أربعسة أميال‪ .‬فنزلنسا بهسا‪ ،‬واسستقينا الماء مسن حوض بهسا‪ .‬وسسبب‬

‫خرابهسا أن المسسلمين دخلوهسا على الكفار فلم تعمسر بعسد‪ .‬وكان ملك التجار الذي تقدم‬

‫ذكره أراد عمارتهسسا‪ ،‬وبنسسى سسسورها‪ ،‬وجعسسل بهسسا المجانيسسق‪ ،‬وأسسسكن بهسسا بعسسض‬

‫المسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلمين‪.‬‬

‫ثسم سسافرنا منهسا ووصسلنا فسي اليوم الثانسي إلى مدينسة قوقسة وهسي " بضسم القاف الولى‬

‫وفتسح الثانيسة "‪ ،‬وهسي مدينسة كسبيرة عظيمسة السسواق‪ ،‬فرسسينا على أربعسة أميال منهسا‬

‫بسسبب الجزر‪ ،‬ونزلت فسي عشاري مسع بعسض أصسحابي حيسن الجزر لدخسل إليهسا‪،‬‬

‫فوحسل العشاري فسي الطيسن‪ ،‬وبقسي بيننسا وبيسن البلد نحسو ميسل‪ .‬فكنست لمسا نزلنسا فسي‬

‫الوحل أتوكأ على رجلين من أصحابي وخوفني الناس من وصول المد قبل وصولي‬

‫إليها‪،‬وأنا ل أحسن السباحة‪ ،‬ثم وصلت إليها‪ ،‬وطفت بأسواق‪ ،‬ورأيت بها مسجدها‬

‫ينسسب للخضسر وإلياس عليهمسا السسلم‪ .‬صسليت بسه المغرب ووجدت بسه جماعسة مسن‬

‫الفقراء الحيدرية مع شيخ لهم ثم عدت إلى المركب‪.‬‬

‫ذكر سلطان قوقة‬

‫وسسسلطانها كافسسر يسسسمى دنكول " بضسسم الدال المهمسسل وسسسكون النون وضسسم الكاف‬

‫وواو ولم "‪ .‬وكان يظهسر الطاعسة لملك الهنسد‪ ،‬وهسو فسي الحقيقسة عاص‪ .‬ولمسا أقلعنسا‬

‫عسن هذه المدينسة ووصسلنا بعسد ثلثسة أيام إلى جزيرة سسندابور " وضبسط اسسمها بفتسح‬
‫السسين المهمسل وسسكون النون وفتسح الدال المهمسل والف وباء موحدة وواو مسد وراء‬

‫"‪ ،‬وهي جزيرة في وسطها ست وثلثون قرية‪ ،‬ويدور بها خور‪ ،‬وإذا كان الجزر‬

‫فماؤهسا عذب طيسب‪ ،‬وإذا كان المسد فهسو ملح أجاج‪ .‬وفسي وسسطها مدينتان‪ :‬إحداهمسا‬

‫قديمسة مسن بناء الكفار‪ ،‬والثانيسة بناهسا المسسلمون عنسد اسستفتاحهم لهذه الجزيرة الفتسح‬

‫الول‪ ،‬وفيهسسا مسسسجد جامسسع عظيسسم يشبسسه مسسساجد بغداد عمره الناخوذة حسسسن والد‬

‫السلطان جمال الدين محمد الهنوري‪ ،‬وسيأتي ذكره‪ .‬وذكر عند حضوري معه لفتح‬

‫هذه الجزيرة الفتسسسح الثانسسسي إن شاء ال‪ .‬وتجاوزنسسسا هذه الجزيرة لمسسسا مررنسسسا بهسسسا‪،‬‬

‫وأرسسسينا على جزيرة صسسغيرة قريبسسة مسسن البر‪ ،‬فيهسسا كنيسسسة وبسسستان وحوض ماء‪،‬‬

‫ووجد بها أحد الجوكية‪.‬‬

‫حكاية هذا الجوكي‬

‫ولما نزلنا بهذه الجزيرة الصغرى وجدنا بها جوكياً مستنداً إلى حائط بدخانة‪ ،‬وهي‬

‫بيست الصسنام‪ ،‬وهسو فيمسا بيسن صسنمين منهسا‪ ،‬وعليسه أثسر المجاهدة‪ .‬فكلمناه فلم يتكلم‪،‬‬

‫ونظرنا هل معسه طعام‪ ،‬فلم نر معه طعاماً‪ .‬وفسي حين نظرنا‪ ،‬صاح صيحة عظيمة‬

‫فسسقطت عنسد صسياحه جوزة مسن جوز النارجيسل بيسن يديسه‪ ،‬ودفعهسا لنسا‪ .‬فعجبنسا مسن‬

‫ذلك‪ ،‬ودفعنسا له دنانيسر ودراهسم فلم يقبلهسا‪ .‬وأتيناه بزاد فرده‪ .‬وكانست بيسن يديسه عباءة‬

‫مسسن صسسوف الجمال مطروحسسة فقلبتهسسا بيدي‪ ،‬فدفعهسسا لي‪ .‬وكانسست بيدي سسسبحة زيلع‬

‫فقلبها في يدي فأعطيته إياها‪ ،‬ففركها بيده وشمها وقبلها‪ ،‬وأشار إلى السماء‪ ،‬ثم إلى‬

‫سسمت القبلة‪ .‬فلم يفهسم أصسحابي إشارتسه‪ ،‬ففهمست أنسا عنسه أنسه أشار أنسه مسسلم يخفسي‬
‫إسلمه من أهل تلك الجزيرة‪ ،‬ويتعيش من تلك الجوز‪ .‬ولما ودعناه قبلت يده‪ .‬فأنكر‬

‫أصسسحابي ذلك‪ .‬ففهسسم إنكارهسسم‪ .‬فأخسسذ يدي وقبلهسسا وتبسسسم‪ ،‬وأشار لنسسا بالنصسسراف‬

‫فانصرفنا‪ .‬وكنت آخر أصحابي خروجاً‪ ،‬فجذب ثوبي فرددت رأسي إليه‪ .‬فأعطاني‬

‫عشرة دنانير‪ .‬فلما خرجنا عنه قال لي أصحابي‪ :‬لم جذبك ? فقلت لهم‪ :‬أعطاني هذه‬

‫الدنانير وأعطيت لظهير الدين ثلثة منها‪ ،‬ولسنبل ثلثة‪ ،‬وقلت لهما‪ :‬الرجل مسلم‪،‬‬

‫أل ترون كيف أشار إلى السماء ? يشير إلى أنه يعرف ال تعالى‪ ،‬وأشار إلى القبلة‪،‬‬

‫يشيسر إلى معرفسة الرسسول عليسه السسلم‪ ،‬وأخذه السسبحة يصسدق ذلك‪ .‬فرجعسا لمسا قلت‬

‫لهمسسا ذلك إليسسه فلم يجداه‪ .‬وسسسافرنا تلك السسساعة‪ .‬وبالغسسد وصسسلنا إلى مدينسسة هنور "‬

‫وضبط اسمها بكسر الهاء وفتح النون وسكون الواو وراء "‪ ،‬وهي على خور كبير‬

‫تدخله المراكب الكبار‪ .‬والمدبنة على نصف ميل من البحر‪ .‬وفي أيام البشكال‪ ،‬وهو‬

‫المطسر‪ ،‬يشتسد هيجان هذا البحسر وطغيانسه‪ ،‬فيبقسى مدة أربعسة أشهسر ل يسستطيع أحسد‬

‫ركوبسه إل للتصسيد فيسه‪ .‬وفسي يوم وصسولنا إليهسا جاءنسي أحسد الجوكيسة مسن الهنود فسي‬

‫خلوة‪ ،‬وأعطانسي سستة دنانيسر‪ ،‬وقال لي‪ :‬البرهمسي بعثهسا إليسك‪ ،‬يعنسي الجوكسي الذي‬

‫أعطيتسسه السسسبحة‪ .‬وأعطانسسي الدنانيسسر فأخذتهسسا منسسه‪ ،‬وأعطيتسسه ديناراً منهسسا فلم يقبله‪،‬‬

‫وانصسرف‪ .‬وأخسبرت صساحبي بالقضيسة‪ ،‬وقلت لهمسا‪ :‬إن شئتمسا فخذا نصسيبكما منهسا‪،‬‬

‫فأبيسا وجعل يعجبان مسن شأنسه‪ .‬وقال لي‪ :‬إن الدنانيسر السستة التسي أعطيتنسا إياهسا جعلنسا‬

‫معهسسا مثلهسسا‪ ،‬وتركناهسسا بيسسن الصسسنمين حيسسث وجدناهسسا‪ .‬فطال عجسسبي مسسن أمره‪،‬‬

‫واحتفظسست بتلك الدنانيسسر التسسي أعطانيهسسا‪ .‬وأهسسل مدينسسة هنور شافعيسسة المذهسسب‪ .‬لهسسم‬
‫صسلح وديسن وجهاد فسي الحرب وقوة‪ ،‬وبذلك عرفوا‪ ،‬حتسى أذلهسم الزمان بعسد فتحهسم‬

‫لسسندابور‪ ،‬وسسنذكر ذلك‪ .‬ولقيست مسن المتعبديسن بهذه المدينسة الشيسخ محمسد الناقوري‪،‬‬

‫أضافني بزاويته‪ .‬وكان يطبخ الطعام بيده استقذاراً للجارية والغلم‪ .‬ولقيت بها الفقيه‬

‫إسسماعيل معلم كتاب ال تعالى وهسو ورع حسسن الخلق كريسم النفسس‪ ،‬والقاضسي بهسا‬

‫نور الديسسن علي‪ ،‬والخطيسسب ل أذكسسر اسسسمه‪ .‬ونسسساء هذه المدينسسة وجميسسع هذه البلد‬

‫السساحلية ل يلبسسن المخيسط‪ ،‬وإنمسا يلبسسن ثياباً غيسر مخيطسة‪ .‬تحتزم إحداهسن بأحسد‬

‫طرفسسي الثوب وتجعسسل باقيسسه على رأسسسها وصسسدرها‪ .‬ولهسسن جمال وعفاف‪ .‬وتجعسسل‬

‫إحداهن خرص ذهب في أنفها‪ .‬ومن خصائصهن أنهن جميعاً يحفظن القرآن الكريم‪.‬‬

‫ورأيت بالمدينة ثلثة عشر مكتباً لتعليم البنات‪ ،‬وثلثة وعشرين لتعليم الولد‪ .‬ولم‬

‫أر ذلك فسي سسواها‪ .‬ومعاش أهلهسا مسن التجارة فسي البحسر‪ .‬ول زرع لهسم‪ .‬وأهسل بلد‬

‫المليبار يعطون للسسلطان جمال الديسن فسي كسل عام شيئاً معلوماً‪ ،‬خوفاً منسه لقوتسه فسي‬

‫البحر‪ .‬وعسكره نحو ستة آلف بين فرسان ورجالة‪.‬‬

‫ذكر سلطان هنور‬

‫وهو السلطان جمال الدين محمد بن حسن‪ ،‬من خيار السلطين وكبارهم وهو تحت‬

‫حكم سلطان كافر يسمى هريب‪ ،‬سنذكره‪ .‬والسلطان جمال الدين مواظب للصلة في‬

‫الجماعسة‪ .‬وعادتسه أن يأتسي إلى المسسجد قبسل الصسبح‪ ،‬فيتلو فسي المصسحف حتسى يطلع‬

‫الفجسر‪ ،‬فيصسلي أول وقست‪ ،‬ثسم يركسب إلى خارج المدينسة‪ .‬ويأتسي عنسد الضحسى فيبدأ‬

‫بالمسسجد‪ ،‬فيركسع فيسه ثسم يدخسل فيسه‪ ،‬ثسم يدخسل إلى قصسره‪ .‬وهسو يصسوم اليام البيسض‬
‫وكان أيام إقامتسسي عنده يدعونسسي للفطار معسسه فأحضسسر لذلك‪ ،‬ويحضسسر الفقيسسه علي‬

‫والفقيسه إسسماعيل‪ .‬فتوضسع أربسع كراسسي صسغار على الرض‪ .‬فيقعسد على إحداهسا‪،‬‬

‫ويقعد كل واحد منا على كرسي‪.‬‬

‫ذكر ترتيب طعامه‬

‫وترتيبه أن يؤتى بمائدة نحاس يسمونها خونجة‪ ،‬ويجعل عليها طبق نحاس يسمونه‬

‫الطالم " بفتح الطاء المهمل وفتح اللم "‪ ،‬وتأتي جارية حسنة ملتحفة بثوب حرير‪،‬‬

‫فتقدم قدور الطعام بيسسن يديسسه‪ ،‬ومعهسسا مغرفسسة نحاس كسسبيرة‪ ،‬فتغرف بهسسا مسسن الرز‬

‫مغرفسة واحدة‪ ،‬وتجعلهسا فسي الطالم‪ ،‬وتصسب فوقهسا السسمن‪ ،‬وتجعسل مسع ذلك عناقيسد‬

‫الفلفل المملوح والزنجبيل الخضر والليمون المملوح والعنبا ‪ ،‬فيأكل النسان لقمة‪،‬‬

‫ويتبعها بشيء من تلك الموالح‪ .‬فإذا تمت الغرفة التي جعلها في الطالم غرفت غرفة‬

‫أخرى مسن الرز‪ ،‬وأفرغست دجاجسة مطبوخسة فسي سسكرجة‪ ،‬فيؤكسل بهسا الرز أيضاً‪.‬‬

‫فإذا تمت الغرفة الثانية‪ ،‬وغرفت وأفرغت لوناً آخر من الدجاج تؤكل به‪ .‬فإذا تمت‬

‫ألوان مسسن الدجاج‪ ،‬أتوا بألوان مسسن السسسمك‪ ،‬فيأكلون بهسسا الرز أيضاً‪ .‬فإذا فرغسست‬

‫ألوان السسمك أتوا بالخضسر مطبوخسة بالسسمن‪ ،‬واللباب فيأكلون بهسا الرز‪ ،‬فإذا فرغ‬

‫ذلك كله أتوا بالكوشان‪ ،‬وهسو اللبسن الرائب‪ ،‬وبهذا يختمون طعامهسم‪ .‬فإذا وضسع علم‬

‫أنسسه لم يبسسق شيسسء يؤكسسل بعده‪ .‬ثسسم يشربون على ذلك الماء السسسخن‪ ،‬لن الماء البارد‬

‫يضسر بهسم في فصسل نزول المطر‪ .‬ولقد أقمت عند هذا السلطان فسي كرة أخرى أحد‬

‫عشسر شهراً لم آكسل خبزاً‪ ،‬إنمسا طعامهسم الرز‪ .‬وبقيست أيضاً بجزائر المهسل وسسيلن‬
‫وبلد المعسبر والمليبار ثلث سسنين ل آكسل فيهسا إل الرز‪ ،‬حتسى كنست ل أسستسيغه إل‬

‫بالماء‪ .‬ولباس هذا السلطان ملحف الحرير والكتان الرقاق‪ ،‬يشد في وسطه فوطة‪،‬‬

‫ويلتحف ملحفتين‪ :‬إحداهما فوق الخرى‪ .‬ويقص شعره‪ ،‬ويلف عليه عمامة صغيرة‪.‬‬

‫وإذا ركسسب لبسسس قباء‪ ،‬والتحسسف بملحفتيسسن فوقسسه‪ .‬وتضرب بيسسن يديسسه طبول وأبواق‬

‫يحملهسا الرجال‪ .‬وكانست إقامتنسا عنده فسي هذه المرة ثلثسة أيام‪ .‬وزودنسا وسسافرنا عنسه‪.‬‬

‫وبعسد ثلثسة أيام وصسلنا إلى بلد المليبار " بضسم الميسم وفتسح اللم وسسكون الياء آخسر‬

‫الحروف وفتسسسح الباء الموحدة وألف وراء "‪ ،‬وهسسسي بلد الفلفسسسل‪ .‬وطولهسسسا مسسسسيرة‬

‫شهريسن على سساحل البحسر مسن سسندابور إلى كولم‪ ،‬والطريسق فسي جميعهسا بيسن ظلل‬

‫الشجار‪ .‬وفسي كسل نصسف ميسل بيست مسن الخشسب فيسه دكاكيسن يقعسد عليهسا كسل وارد‬

‫وصسادر مسن مسسلم وكافسر‪ .‬وعنسد كسل بيست منهسا بئر يشرب منهسا ورجسل كافسر موكسل‬

‫بهسا‪ .‬فمسن كان كافراً سسقاه فسي الوانسي‪ ،‬ومسن كان مسسلماً سسقاه فسي يديسه‪ .‬ول يزال‬

‫يصسب له حتسى يشيسر له أن يكسف‪ .‬ومن عادة الكفار ببلد المليبار أن ل يدخسل المسسلم‬

‫دورهم‪ ،‬ول يطعم في أوانيهم‪ .‬فإن طعم فيها كسروها وأعطوها للمسلمين‪ .‬وإذا دخل‬

‫المسسسلم موضعاً منهسسا ل يكون فسسي دار للمسسسلمين‪ ،‬طبخوا له الطعام وصسسبوه على‬

‫أوراق الموز وصبوا عليه الدام‪ ،‬ومسا فضسل عنسه تأكله الكلب والطير‪ ،‬وفسي جميع‬

‫المنازل بهذا الطريسق ديار المسسلمين ينزل عندهسم المسسلمون فيسبيعون منهسم جميسع مسا‬

‫يحتاجون إليسه‪ ،‬ويطبخون لهسم الطعام‪ .‬ولولهسم لمسا سسافر فيسه مسسلم‪ .‬وهذا الطريسق‬

‫الذي ذكرنسا أنسه مسسيرة شهريسن‪ ،‬ليسس فيسه موضسع شسبر فمسا فوقسه دون عمارة‪ .‬وكسل‬
‫إنسان بستانه على حدة وداره في وسطه‪ .‬وعلى الجميع حائط خشب‪ .‬والطريق يمر‬

‫في البساتين‪ .‬فإذا انتهى إلى حائط بستان كان هنالك درج خشب يصعد عليها ودرج‬

‫آخسر ينزل عليهسا إلى البسستان الخسر‪ .‬هكذا مسسيرة الشهريسن‪ .‬ول يسسافر أحسد فسي تلك‬

‫البلد بدابسة‪ ،‬ول تكون الخيسل إل عنسد السسلطان‪ .‬وأكثسر ركوب أهلهسا فسي دولة على‬

‫رقاب العبيسد أو المسستأجرين‪ .‬ومسن لم يسستطع أن يركسب فسي دولة ‪ ،‬مشسى على قدميسه‬

‫كائناً مسن كان‪ .‬ومسن كان له رحسل أو متاع مسن تجارة وسسواها اكترى رجالً يحملونسه‬

‫على ظهورهم‪ .‬فنرى هنالك التاجر ومعه المائة فما دونها أو فوقها‪ ،‬يحملون أمتعته‪،‬‬

‫وبيسد كسل واحسد منهسم عود غليسظ له زج حديسد‪ ،‬وفسي أعله مخطاف حديسد‪ ،‬فإذا أعيسا‬

‫ولم يجسد دكانةً يسستريح عليهسا‪ ،‬ركسز عوده بالرض‪ ،‬وعلق حمله منهسا‪ ،‬فإذا اسستراح‬

‫أخسذ حمله مسن غيسر معيسن‪ ،‬ومضسى بسه‪ .‬ولم أر طريقاً آمسن مسن هذا الطريسق‪ .‬وهسم‬

‫يقتلون السارق على الجوزة الواحدة‪ .‬فإذا سقط شيء من الثمار لم يلتقطه أحد‪ ،‬حتى‬

‫يأخذه صساحبه‪ .‬وأخسبرت أن بعسض الهنود مروا على الطريسق فالتقسط أحدهسم جوزة‪.‬‬

‫وبلغ خسبره إلى الحاكسم‪ ،‬فأمسر بعود‪ ،‬فركسز فسي الرض وبرى طرفسه العلى وأدخسل‬

‫فسي لوح خشسب حتسى برز منسه‪ .‬ومسد الرجسل على اللوح‪ ،‬وركسز فسي العود وهسو على‬

‫بطنسسه حتسسى خرج مسسن ظهره‪ ،‬وترك عسسبرة للناظريسسن‪ .‬ومسسن هذه العيدان على هذه‬

‫الصورة بتلك الطرق كثير ليراها الناس فيتعظوا‪ .‬ولقد كنا نلقى الكفار بالليل في هذه‬

‫الطريق فإذا رأونا تنحوا عن الطريق حتى نجوز‪ .‬والمسلمون أعز الناس بها‪ ،‬غير‬

‫أنهسسم كمسسا ذكرنسسا ل يؤاكلونهسسم ول يدخلونهسسم دورهسسم‪ .‬وفسسي بلد المليبار اثنسسا عشسسر‬
‫سلطاناً من الكفار‪ .‬منهم القوي الذي يبلغ عسكره خمسين ألفاً‪ ،‬ومنهم الضعيف الذي‬

‫عسسكره ثلثسة آلف‪ .‬ول فتنسة بينهسم ألبتسة‪ ،‬ول يطمسع القوي منهسم فسي انتزاع مسا بيسد‬

‫الضعيسسف‪ .‬وبيسسن بلد أحدهسسم وصسساحبه باب خشسسب منقوش فيسسه اسسسم الذي هسسو مبدأ‬

‫عمالته‪ ،‬ويسمونه باب أمان فلن‪ .‬وإذا فر مسلم أو كافر بسبب جناية من بلد أحدهم‬

‫ووصل إلى باب أمان الخر أمن على نفسه‪ .‬ولم يستطع الذي هرب عنه أخذه‪ ،‬وإن‬

‫كان القوي صاحب العدد والجيوش‪ .‬وسلطين تلك البلد يورثون ابن الخت ملكهم‬

‫دون أولدهسم‪ .‬ولم أر مسن يفعسل ذلك إل مسسوفة أهسل الثلم " اللثام "‪ ،‬وسسنذكرهم فيمسا‬

‫بعسد‪ .‬وإذا أراد السسلطان مسن أهسل بلد المليبار منسع الناس مسن البيسع أو الشراء أمسر‬

‫بعسض غلمانسه‪ ،‬فعلق على الحوانيت بعسض أغصان الشجار بأوراقهسا‪ ،‬فل يسبيع أحسد‬

‫ول يشتري ما دامت عليها تلك الغصان‪.‬‬

‫ذكر الفلفل‬

‫وشجرات الفلفل شبيهة بدوالي العنب‪ ،‬وهم يغرسونها إزاء النارجيل‪ ،‬فتصعد فيها‬

‫كصسعود الدوالي إل أنهسا ليسس لهسا عسسلوج‪ ،‬وهسو الغزل كمسا للدوالي‪ ،‬وأوراق شجره‬

‫تشبسه آذان الخيسل‪ .‬وبعضهسا يشبسه أوراق العليسق‪ ،‬ويثمسر عناقيسد صسغاراً‪ .‬حبهسا كحسب‬

‫أبسي قنينسة‪ ،‬إذا كانست خضراء‪ .‬وإذا كان أوان الخريسف قطفوه وفرشوه على الحصسر‬

‫في الشمس‪ .‬كما يصنع بالعنب عند تزبيبه‪ .‬ول يزالون يقلبونه حتى يستحكم يبسه‪،‬‬

‫ثسسم يسسبيعونه مسسن التجار‪ .‬والعامسسة ببلدنسسا يزعمون أنهسسم يقلونسسه بالنار‪ .‬وبسسسبب ذلك‬

‫يحدث فيسه التكريسش‪ ،‬وليسس كذلك وإنمسا يحدث ذلك فيسه بالشمسس‪ .‬ولقسد رأيتسه بمدينسة‬
‫قالقوط‪ ،‬يصب للكيل‪ ،‬كالذرة ببلدنا‪ .‬وأول مدينة دخلناها من بلد المليبار مدينة أبي‬

‫سسسرور " بفتسسح السسسين "‪ ،‬وهسسي صسسغيرة على خور كسسبير‪ ،‬كثيرة أشجار النارجيسسل‪.‬‬

‫وكسبير المسسلمين بهسا الشيسخ جمعسه المعروف بأبسي سستة‪ ،‬أحسد الكرماء‪ .‬أنفسق أمواله‬

‫على الفقراء والمسساكين حتسى نفدت‪ .‬وبعسد يوميسن منهسا وصسلنا إلى مدينسة فاكنور "‬

‫وضبسط اسسمها بفتسح الفاء والكاف والنون وآخره راء " مدينسة كسبيرة على خور بهسا‬

‫قصسب السسكر الكثيسر الطيسب لذي ل مثيسل له بتلك البلد‪ .‬وبهسا جماعسة مسن المسسلمين‬

‫يسسمى كسبيرهم بحسسين السسلط‪ ،‬وبهسا قاض وخطيسب‪ .‬وعمسر بهسا حسسين المذكور‬

‫مسجداً لقامة الجمعة‪.‬‬

‫ذكر سلطان فاكنور‬

‫وسسسلطان فاكنور كافسسر اسسسمه باسسسدو " بفتسسح الباء الموحسسد والسسسين المهمسسل والدال‬

‫المهمسسل وسسسكون الواو "‪ ،‬وله نحسسو ثلثيسسن مركباً حربياً قائدهسسا مسسسلم يسسسمى لول‪،‬‬

‫وكان مسن المفسسدين يقطسع بالبحسر ويسسلب التجار‪ .‬ولمسا أرسسينا على فاكنور‪ ،‬وبعسث‬

‫سسسلطانها إلينسسا ولده‪ ،‬فأقام بالمركسسب كالرهينسسة‪ ،‬ونزلنسسا إليسسه‪ .‬فأضافنسسا ثلثاً بأحسسسن‬

‫ضيافسة تعظيماً لسسلطان الهنسد‪ ،‬وقياماً بحقسه رغبسة فيمسا يسستفيده فسي التجارة مسع أهسل‬

‫مراكبنا‪ .‬ومن عادتهم هنالك أن كل مركب يمر ببلد فل بد من إرسائه بها‪ ،‬وإعطائه‬

‫هديسة إلى صساحب البلد‪ ،‬يسسمونها حسق البندر‪ .‬ومسن لم يفعسل ذلك خرجوا فسي اتباعسه‬

‫بمراكبهسم‪ ،‬وأدخلوه المرسسى قهراً‪ ،‬وضاعفوا عليسه المغرم‪ ،‬ومنعوه عسن السسفر مسا‬
‫شاءوا‪ .‬وسسافرنا منهسا‪ ،‬فوصسلنا بعسد ثلثسة أيام إلى مدينسة منجرور " وضبسط اسسمها‬

‫بفتسح الميسم وسسكون النون وفتسح الجيسم وضسم الراء وواو وراء ثاينسة " مدينسة كسبيرة‬

‫على خور‪ ،‬يسسمى خور الدنسب " بضسم الدال المهمسل وسسكون النون وباء موحدة "‪،‬‬

‫وهسسسو أكسسسبر خور ببلد المليبار‪ .‬وبهذه المدينسسسة ينزل معظسسسم تجار فارس واليمسسسن‪.‬‬

‫والفلفل والزنجبيل بها كثير جداً‪.‬‬

‫ذكر سلطانها‬

‫وهسو أكسبر سسلطين تلك البلد واسسمه رام دو " بفتسح الراء والميسم والدال المهمسل‬

‫وسسسكون الواو "‪ ،‬وبهسسا نحسسو أربعسسة آلف مسسن المسسسلمين‪ ،‬يسسسكنون ربضاً بناحيسسة‬

‫المدينسة‪ .‬ربمسا وقعست الحرب بينهسم وبيسن أهسل المدينسة‪ ،‬فيصسلح بينهسم لحاجتسه إلى‬

‫التجار‪ .‬وبها قاض من الفضلء الكرماء شافعي المذهب يسمى بدر الدين المعيري‪،‬‬

‫وهسو يقرئ العلم‪ .‬صسعد إلينسا‪ ،‬إلى المركسب‪ ،‬ورغسب منسا فسي النزول إلى بلده‪ ،‬فقلنسا‬

‫حتسى يبعسث ولده يقيسم بالمركسب‪ .‬فقال‪ :‬إنمسا يفعسل ذلك سسلطان فاكنور‪ ،‬لنسه ل قوة‬

‫للمسلمين في بلده‪ .‬وأما نحن فالسلطان يخافنا‪ .‬فأبينا عليه إلى أن بعث السلطان ولده‪،‬‬

‫كمسا فعسل الخسر‪ ،‬ونزلنسا إليهسم‪ .‬فأكرمونسا إكراماً عظيماً‪ .‬وأقمنسا عنده ثلثسة أيام‪ .‬ثسم‬

‫سسافرنا إلى مدينسة هيلي‪ ،‬فوصسلناها بعسد يوميسن " وضبسط اسسمها بهاء مكسسورة وياء‬

‫مسد ولم مكسسور "‪ ،‬وهسي كسبيرة حسسنة العمارة‪ ،‬على خور عظيسم تدخله المراكسب‬

‫الكبار‪ .‬وإلى هذه المدينسة تنتهسي مراكسب الصسين‪ .‬ل تدخسل إل مرسساها ومرسسى كولم‬

‫وقالقوط‪ .‬ومدينسة هيلي معظمسة عنسد المسسلمين والكفار بسسبب مسسجدها الجامسع‪ ،‬فإنسه‬
‫عظيم البركة مشرق النور‪ .‬وركاب البحر ينذرون له النذور الكثيرة‪ .‬وله خزانة مال‬

‫عظيمسة تحست نظسر الخطيسب حسسين وحسسن الوزان كسبير المسسلمين‪ .‬وبهذا المسسجد‬

‫جماعة من الطلبة يتعلمون العلم‪ ،‬ولهم مرتبات من مال المسجد‪ .‬وله مطبخة يصنع‬

‫فيها الطعام للوارد والصادر‪ ،‬ولطعام الفقراء من المسلمين بها‪ .‬ولقيت بهذا المسجد‬

‫فقيهاً صالحاً من أهل مقدشو يسمى سعيداً‪ ،‬حسن اللقاء والخلق‪ .‬يسرد الصوم‪ .‬وذكر‬

‫أنسه جاور بمكسة أربسع عشرة سسنة‪ ،‬ومثلهسا بالمدينسة‪ .‬وأدرك الميسر بمكسة أبسا نمسي‪،‬‬

‫والميسر بالمدينسة منصسور بسن جماز‪ ،‬وسسافر فسي بلد الهنسد والصسين‪ .‬ثسم سسافرنا مسن‬

‫هيلي إلى مدينسة جرفتسن " وضبسط اسسمها بضسم الجيسم وسسكون الراء وفتسح الفاء وفتسح‬

‫التاء المعلوة وتشديدهسا وآخره نون "‪ ،‬وبينسه وبيسن هيلي ثلثسة فراسسخ‪ .‬ولقيست بهسا‬

‫فقيهاً مسسن أهسسل بغداد كسسبير القدر يعرف بالصسسرصري‪ ،‬نسسسبة إلى بلدة على مسسسافة‬

‫عشرة أميال مسسن بغداد فسسي طريسسق الكوفسسة‪ ،‬واسسسمها كاسسسم صسسرصر التسسي عندنسسا‬

‫بالمغرب‪ .‬وكان له أخ بهذه المدينسسة كثيسسر المال‪ ،‬له أولد صسسغار أوصسسى إليسسه بهسسم‪.‬‬

‫وتركتسسه آخذاً فسسي حملهسسم إلى بغداد‪ .‬وعادة أهسسل الهنسسد كعادة السسسودان ل يتعرضون‬

‫لمال الميت‪ ،‬ولو ترك اللف إنما يبقى ماله بيد كبير المسلمين‪ ،‬حتى يأخذه مستحقه‬

‫شرعاً‪.‬‬

‫ذكر سلطانها‬

‫وهسو يسسمى بكويسل " بضسم الكاف على لفسظ التصسغير "‪ ،‬وهسو مسن أكسبر سسلطين‬
‫المليبار‪ .‬وله مراكسسسب كثيرة تسسسسافر إلى عمان وفارس واليمسسسن‪ .‬ومسسسن بلده فتسسسن‬

‫وبدفتسسن‪ ،‬وسسسنذكرهما‪ .‬وسسسرنا مسسن جرفتسسن إلى مدينسسة ده فسسن " بفتسسح الدال المهمسسل‬

‫وسسسكون الهاء "‪ ،‬وقسسد ذكرنسسا ضبسسط فتسسن‪ .‬وهسسي مدينسسة كسسبيرة على خور‪ ،‬كثيرة‬

‫البساتين‪ .‬وبها النارجيل والفلفل والفوفسل والتنبول‪ ،‬وبها القلقاص الكثير‪ ،‬ويطبخون‬

‫بسه اللحسم‪ .‬وأمسا الموز فلم أر فسي البلد أكثسر منسه بهسا ول أرخسص ثمناً‪ .‬وفيهسا البايسن‬

‫العظسسم‪ ،‬طوله خمسسسمائة خطوة وعرضسسه ثلثمائة خطوة‪ .‬وهسسو مطوي بالحجارة‬

‫الحمسر المنحوتسة‪ ،‬وعلى جوانبسه ثمانٍس وعشرون قبسة مسن الحجسر‪ .‬فسي كسل قبسة أربعسة‬

‫مجالس مسن الحجسر‪ .‬وكسل قبسة يصسعد إليهسا على درج حجارة‪ .‬وفسي وسسطه قبسة كسبيرة‬

‫من ثلث طبقات‪ ،‬في كل طبقة أربعة مجالس‪ .‬وذكر لي أن والد هذا السلطان كويل‬

‫هو الذي عمر هذا الباين‪ .‬وبإزائه مسجد جامع للمسلمين‪ ،‬وله أدراج ينزل منها إليه‬

‫فيتوضسأ منسه الناس ويغتسسلون‪ .‬وحدثنسي الفقيسه حسسين أن الذي عمسر المسسجد والبايسن‬

‫أيضاً هو أحد أجداد كويل‪ ،‬وأنه كان مسلماً‪ ،‬ولسلمه خبر عجيب نذكره‪.‬‬

‫ذكر الشجرة العجيبة الشأن التي بإزاء الجامع‬

‫ورأيست أنسا بإزاء الجامسع شجرة خضراء تشبسه أوراقهسا أوراق التيسن‪ ،‬إل أنهسا لينسة‪.‬‬

‫وعليهسا حائط يطيسف بهسا‪ ،‬وعندهسا محراب صسليت فيسه ركعتيسن‪ .‬واسسم هذه الشجرة‬

‫عندهسم درخست الشهادة ودرخست " بفتسح الدال المهمسل والراء وسسكون الخاء المعجسم‬

‫وتاء معلوة " وأخبرت هنالك أنه إذا كان زمان الخريف من كل سنة‪ ،‬تسقط من هذه‬

‫الشجرة ورقة واحدة بعد أن يستحيل لونها إلى الصفرة‪ ،‬ثم إلى الحمرة‪ ،‬ويكون فيها‬
‫مكتوباً بقلم القدرة‪ :‬ل اله إل ال محمسد رسسول ال‪ .‬وأخسبرني الفقيسه حسسين وجماعسة‬

‫مسسن الثقات أنهسسم عاينوا هذه الورقسسة‪ ،‬وقرأوا المكتوب الذي فيهسسا‪ .‬وأخسسبرني أنسسه إذا‬

‫كانسست أيام سسسقوطها قعسسد تحتهسسا الثقات مسسن المسسسلمين والكفار‪ ،‬فإذا سسسقطت أخسسذ‬

‫المسسلمون نصسفها‪ ،‬وجعسل نصسفها فسي خزانسة السسلطان الكافسر‪ ،‬وهسم يسستشفون بهسا‬

‫للمرضى‪ .‬وهذه الشجرة كانت سبب إسلم جد كويل الذي عمر المسجد والباين‪ .‬فإنه‬

‫كان يقرأ الخط العربي‪ .‬فلما قرأها وفهم ما فيها أسلم وحسن إسلمه‪ .‬وحكايته عندهم‬

‫متواترة‪ .‬وحدثنسي الفقيسه حسسين أن أحسد أولده كفسر بعسد أبيسه وطغسى‪ ،‬وأمسر باقتلع‬

‫الشجرة مسن أصسلها فاقتلعست‪ ،‬ولم يترك لهسا أثسر‪ .‬ثسم نبتست بعسد ذلك‪ ،‬وعادت كأحسسن‬

‫مما كانت عليه‪ ،‬وهلك الكافر سريعاً‪ .‬ثم سافرنا إلى مدينة بدفتن‪ .‬وهي مدينة كبيرة‬

‫على خور كسبير‪ ،‬وبخارجهسا مسسجد بمقربسة مسن البحسر يأوي إليسه غرباء المسسلمين‪.‬‬

‫لنه ل مسلم بهذه المدينة‪ .‬ومرساها من أحسن المراسي‪ ،‬وماؤها عذب‪ ،‬والفوفل بها‬

‫كثيسر‪ .‬ومنهسا يحمسل للهنسد والصسين‪ .‬وأكثسر أهلهسا براهمسة‪ .‬وهسم معظمون عنسد الكفار‪،‬‬

‫مبغضون فسسسسسسسسسسسي المسسسسسسسسسسسسلمين‪ .‬ولذلك ليسسسسسسسسسسسس بينهسسسسسسسسسسسم مسسسسسسسسسسسسلم‪.‬‬

‫حكايسة أخسبرت أن سسبب تركهسم هذا المسسجد غيسر مهدوم‪ ،‬أن أحسد البراهمسة خرب‬

‫سسقفه ليصسنع منسه سسقفاً لبيتسه‪ ،‬فاشتعلت النار فسي بيتسه‪ .‬فأحرق هسو وأولده ومتاعسه‪.‬‬

‫فاحترموا هذا المسسسجد‪ ،‬ولم يتعرضوا له بسسسوء بعدهسسا‪ ،‬وخدموه‪ ،‬وجعلوا بخارجسسه‬

‫الماء‪ ،‬يشرب منسسه الصسسادر والوارد وجعلوا على بابسسه شبكسسة لئل يدخله الطيسسر‪ .‬ثسسم‬

‫سسافرنا مسن مدينسة بدفتسن إلى مدينسة فندرينسا " وضبسط اسسمها بفاء مفتوح ونون سساكن‬
‫ودال مهمسل وراء مفتوحسة وياء آخسر الحروف "‪ ،‬مدينسة كسبيرة حسسنة ذات بسساتين‬

‫وأسسسواق‪ .‬وبهسسا للمسسسلمين ثلث محلت‪ ،‬فسسي كسسل محلة مسسسجد والجامسسع بهسسا على‬

‫الساحل‪ ،‬وهو عجيب‪ ،‬له مناظر ومجالس على البحر‪ .‬وقاضيها وخطيبها رجل من‬

‫أهسل عمان‪ ،‬وله أخ فاضسل‪ .‬وبهذه البلدة تشتسو مراكسب الصسين‪ .‬ثسم سسافرنا منهسا إلى‬

‫مدينسة قالقوط " وضبسط اسسمعا بقافيسن وكسسر اللم وضسم القاف الثانسي وآخره طاء‬

‫مهمسسل "‪ ،‬وهسسي إحدى البنادر العظام ببلد المليبار‪ .‬يقصسسدها أهسسل الصسسين والجاوة‬

‫وسيلن والمهل وأهل اليمن وفارس‪ .‬ويجتمع بها تجار الفاق‪ .‬ومرساها من أعظم‬

‫مراسي الدنيا‪.‬‬

‫ذكر سلطان قالقوط‬

‫وسلطانها كافر يعرف بالسامري‪ ،‬شيخ مسن يحلق لحيته‪ ،‬كما تفعل طائفة الروم‪،‬‬

‫رأيتسسه بهسسا‪ ،‬وسسسنذكره إن شاء ال‪ .‬وأميسسر التجار بهسسا إبراهيسسم شاه بندر مسسن أهسسل‬

‫البحريسن فاضسل ذو مكارم‪ ،‬يجتمسع إليسه التجار‪ ،‬ويأكلون فسي سسماطه‪ .‬وقاضيهسا فخسر‬

‫الدين عثمان فاضل كريم‪ ،‬وصاحب الزاوية بها الشيخ شهاب الدين الكازروني‪ ،‬وله‬

‫تعطى النذور التي ينذر بها أهل الهند والصين للشيخ أبي إسحاق الكازروني نفع ال‬

‫به‪ .‬وبهذه المدينة الناخوذة مثقال‪ ،‬الشهير السم‪ ،‬صاحب الموال الطائلة والمراكب‬

‫الكثيرة لتجارتسه بالهنسد والصسين واليمسن وفارس‪ .‬ولمسا وصسلنا إلى هذه المدينسة‪ ،‬خرج‬

‫إلينسسسا إبراهيسسسم شاه بندر‪ ،‬والقاضسسسي‪ ،‬والشيسسسخ شهاب الديسسسن‪ ،‬وكبار التجار‪ ،‬ونائب‬

‫السلطان الكافر والمسمى بقلج‪ " ،‬بضم القاف وآخره جيم " ومعه الطبال والنفار‬
‫والبواق والعلم في مراكبهم‪ .‬ودخلنا المرسى في بروز عظيم ما رأيت مثله بتلك‬

‫البلد‪ .‬فكانسست فرحسسة تتبعهسسا ترحسسة‪ .‬وأقمنسسا بمرسسساها‪ ،‬وبسسه يومئذ ثلثسسة عشسسر مسسن‬

‫مراكسب الصسين ونزلنسا بالمدينسة‪ .‬وجعسل كسل واحسد منسا فسي دار‪ .‬وأقمنسا ننتظسر زمان‬

‫السفر إلى الصين ثلثة أشهر‪ ،‬ونحن في ضيافة الكافر‪ ،‬وبحر الصين ل يسافر فيه‬

‫إل بمراكب الصين‪ .‬ولنذكر ترتيبها‪.‬‬

‫ذكر مراكب الصين‬

‫ومراكسب الصسين ثلثسة أصسناف‪ :‬الكبار منهسا تسسمى الجنوك‪ ،‬واحدهسا جنسك " بجيسم‬

‫معقود مضموم ونون سسسساكن "‪ ،‬والمتوسسسسطة اسسسسمها الزو " بفتسسسح الزاي وواو "‪،‬‬

‫والصسغار اسسم أحدهسا الككسم " بكافيسن مفتوحتيسن "‪ .‬ويكون فسي المركسب الكسبير منهسا‬

‫اثنا عشر قلعًا فما دونها إلى ثلثة‪ .‬وقلعها من قضبان الخيزران منسوجة كالحصر‬

‫ل تحسط أبداً‪ ،‬ويديرونهسا بحسسب دوران الريسح‪ .‬وإذا أرسسوا تركوهسا واقفسة فسي مهسب‬

‫الريسح‪ ،‬ويخدم فسي المركسب منهسا ألف رجسل‪ ،‬منهسم البحريسة سستمائة‪ ،‬ومنهسم أربعمائة‬

‫مسسن المقاتلة تكون فيهسسم الرماة وأصسسحاب الدرق والجرخيسسة‪ ،‬وهسسم الذيسسن يرمون‬

‫بالنفسط‪ ،‬ويتبع كل مركسب كسبير منا ثلثة‪ :‬النصفي والثلثسي والربعسي‪ .‬ول تصنع هذه‬

‫المراكسسب إل بمدينسسة الزيتون مسسن الصسسين‪ ،‬أو بصسسين كلن‪ ،‬وهسسي صسسين الصسسين‪.‬‬

‫وكيفية إنشائها أنهم يصنعون حائطين من الخشب‪ ،‬يصلون ما بينهما بخشب ضخام‬

‫جداً‪ ،‬موصسولة بالعرض والطول بمسسامير ضخام‪ ،‬طول المسسمار منهسا ثلثسة أذرع‪.‬‬

‫فإذا التأم الحائطان بهذه الخشسب صسنعوا على أعلهمسا فرش السسفل‪ ،‬ودفعوهمسا فسي‬
‫البحسر‪ ،‬وأتموا عمله‪ ،‬وتبقسى تلك الخشسب والحائطان مواليسة الماء ينزلون فيغتسسلون‬

‫ويقضون حاجتهسسسسم‪ .‬وعلى جوانسسسسب تلك الخشسسسسب تكون مجاذيفهسسسسم‪ ،‬وهسسسسي كبار‬

‫كالصواري‪ ،‬يجتمع على أحدها العشرة والخمسة عشر رجلً‪ ،‬ويجذفون وقوفاً على‬

‫أقدامهسم‪ .‬ويجعلون للمركسب أربعسة ظهور‪ ،‬ويكون فيسه البيوت والمصساري والغرف‬

‫للتجار‪ ،‬والمصسسسرية منهسسسا يكون فيسسسه البيوت والسسسسنداس‪ ،‬وعليهسسسا المفتاح يسسسسدها‬

‫صاحبها‪ ،‬ويحمل معه الجواري والنساء‪ ،‬وربما كان الرجل في مصريته فل يعرف‬

‫بعسسه غيره ممسسن يكون بالمركسسب‪ ،‬حتسسى يتلقيسسا إذا وصسسل بعسسض البلد‪ .‬والبحريسسة‬

‫يسسكنون فيسه أولدهسم ويزدرعون الخضسر والبقول والزنجبيسل فسي أحواض خشسب‪،‬‬

‫ووكيسل المركسب كأنسه أميسر كسبير‪ ،‬وإذا نزل إلى البر مشست الرماة والحبشسة بالحراب‬

‫والسسسيوف والطبال والبواق والنفار أمامسسه‪ .‬وإذا وصسسل إلى المنزل الذي يقيسسم بسسه‬

‫ركزوا رماحهم عن جانبي بابه‪ ،‬ول يزالون كذلك مدة إقامته‪ .‬ومن أهل الصين من‬

‫تكون له المراكب الكثيرة‪ ،‬يبعث بها وكلءه إلى البلد‪ .‬وليس في الدنيا أكثر أموالً‬

‫من أهل الصين‪.‬‬

‫ذكر أخذنا في السفر إلى الصين ومنتهى ذلك‬

‫ولمسا حان وقست السسفر إلى الصسين‪ ،‬جهسز لنسا السسلطان السسامري جنكاً مسن الجنوك‬

‫الثلثسسة عشسسر التسسي بمرسسسى قالقوط‪ .‬وكان وكيسسل الجنسسك يسسسمى بسسسليمان الصسسفدي‬

‫الشامسي‪ ،‬وبينسي وبينسه معرفسة‪ .‬فقلت له‪ :‬أريسد مصسرية ل يشاركنسي فيهسا أحسد‪ ،‬لجسل‬

‫الجواري‪ .‬ومسسن عادتسسي أن ل أسسسافر إل بهسسن‪ .‬فقال‪ :‬إن تجار الصسسين قسسد اكتروا‬
‫المصساري ذاهسبين وراجعيسن‪ .‬ولصسهري مصسرية أعطيكهسا‪ ،‬لكنهسا ل سسنداس فيهسا‪.‬‬

‫وعسى أن تمكن معاوضتها‪ .‬فأمرت أصحابي فأوسقوا ما عندي من المتاع‪ ،‬وصعد‬

‫العبيد والجواري إلى الجنك‪ ،‬وذلك في يوم الخميس‪ .‬وأقمت لصلي الجمعة وألحق‬

‫بهسم‪ .‬وصسعد الملك سسنبل وظهيسر الديسن مسع الهديسة‪ .‬ثسم إن فتسى لي يسسمى بهلل أتانسي‬

‫غدوة الجمعة فقال‪ :‬إن المصرية التي أخدناها بالجنك ضيقة ل تصلح‪ ،‬فذكرت ذلك‬

‫للناخوذة‪ ،‬فقال‪ :‬ليسس فسي ذلك حيلة‪ ،‬فإن أحببست أن تكون فسي الككسم ففيسه المصساري‬

‫على اختيارك‪ .‬فقلت‪ :‬نعسسسم‪ .‬وأمرت أصسسسحابي‪ ،‬فنقلوا الجواري والمتاع إلى الككسسسم‪.‬‬

‫واسسستقروا بسسه قبسسل صسسلة الجمعسسة‪ .‬وعادة هذا البحسسر أن يشتسسد هيجانسسه كسسل يوم بعسسد‬

‫العصر‪ ،‬فل يستطيع أحد ركوبه‪ .‬وكانت الجنوك قد سافرت‪ ،‬ولم يبق منها إل الذي‬

‫فيسه الهديسة‪ ،‬وجنسك عزم أصسحابه على ان يشتوا بفندرينسا‪ ،‬والككسم المذكور‪ ،‬فبتنسا ليلة‬

‫السسبت على السساحل‪ ،‬ل نسستطيع الصسعود إلى الككسم‪ ،‬ول يسستطيع مسن فيسه النزول‬

‫إلينا‪ .‬ولم يكن بقي معي إل بساط أفترشه‪ .‬وأصبح الجنك والككم يوم السبت على بعد‬

‫مسن المرسسى‪ .‬ورمسى البحسر بالجنسك الذي كان أهله يريدون فندرينسا‪ ،‬فتكسسر‪ .‬ومات‬

‫بعسض أهله‪ ،‬وسسلم بعضهسم‪ ،‬وكانست فيسه جاريسة لبعسض التجار عزيزة عليسه‪ ،‬فرغسب‬

‫فسي إعطاء عشرة دنانيسر ذهباً لمسن يخرجهسا‪ .‬وكانست قسد التزمست خشبسة فسي مؤخسر‬

‫الجنسك‪ .‬فانتدب لذلك بعسض البحريسة الهرمزييسن فأخرجهسا‪ .‬وأبسى أن يأخسذ الدنانيسر‪،‬‬

‫وقال‪ :‬إنمسا فعلت ذلك ل تعالى‪ .‬ولمسا كان الليسل رمسى البحسر بالجنسك الذي كانست فيسه‬

‫الهديسة‪ ،‬فمات جميسع مسن فيسه‪ .‬ونظرنسا عنسد الصسباح إلى مصسارعهم‪ ،‬ورأيست ظهيسر‬
‫الديسسن قسسد انشسسق رأسسسه‪ ،‬وتناثسسر دماغسسه‪ ،‬والملك سسسنبل قسسد ضرب مسسسمار فسسي أحسسد‬

‫صدغيه‪ ،‬ونفذ من الخر‪ .‬وصلينا عليهما ودفناهما‪ .‬ورأيت الكافر سلطان قالقوط في‬

‫وسطه شقة بيضاء كبيرة قد لفها من سرته إلى ركبته‪ ،‬وفسي رأسه عمامة صغيرة‪،‬‬

‫وهو حافي القدمين‪ ،‬والشطر بيد غلم فوق رأسه‪ ،‬والنار توقد بين يديه في الساحل‪،‬‬

‫وزبانيته يضربون الناس لئل ينتهبوا ما يرمسي البحر‪ .‬وعادة بلد المليبار أن كسل ما‬

‫انكسسر مسن مركسب يرجسع مسا يخرج منسه للمخزن إل فسي هذا البلد خاصسة‪ ،‬فإن ذلك‬

‫يأخذه أربابسه‪ .‬ولذلك عمرت‪ ،‬وكثسر تردد الناس إليهسا‪ .‬ولمسا رأى أهسل الككسم مسا حدث‬

‫عسن الجنسك‪ ،‬رفعوا قلعهسم وذهبوا‪ ،‬ومعهسم جميسع متاعسي وغلمانسي وجواري‪ ،‬وبقيست‬

‫منفرداً على السساحل‪ ،‬ليسس معسي إل فتسى كنست أعتقتسه‪ .‬فلمسا رأى مسا حسل بسي ذهسب‬

‫عني‪ ،‬ولم يبق عندي إل العشرة الدنانير التي أعطانيها الجوكي‪ ،‬والبساط الذي كنت‬

‫أفترشه‪ .‬وأخبرني الناس أن ذلك الككم ل بد له أن يدخل مرسى كولم‪ ،‬فعزمت على‬

‫السفر إليها‪ ،‬وبينهما مسيرة عشر في البر أو في النهر أيضاً لمن أراد ذلك‪ .‬فسافرت‬

‫فسي النهسر‪ ،‬واكتريست رجلً مسن المسسلمين يحمسل لي البسساط‪ .‬وعادتهسم إذا سسافروا فسي‬

‫ذلك النهسسسر أن ينزلوا بالعشسسسي فيسسسبيتوا بالقري التسسسي على حافتيسسسه‪ ،‬ثسسسم يعودوا إلى‬

‫المركسسب بالغدو‪ .‬فكنسسا نفعسسل ذلك‪ .‬ولم يكسن بالمركسب مسسسلم إل الذي اكتريتسسه‪ ،‬وكان‬

‫يشرب الخمسر عنسد الكفار إذا نزلنا‪ ،‬ويعربسد علي‪ ،‬فيزيسد خاطري‪ .‬ووصسلنا فسي اليوم‬

‫الخامسسس مسن سسفرنا إلى كنجسسي كري " وضبسسط اسسسمها بكاف مضموم ونون سساكن‬

‫وجيسم وياء مسد وكاف مفتوح وراء مسسكور وياء "‪ ،‬وهسي بأعلى جبسل هنالك‪ .‬يسسكنها‬
‫اليهود‪ ،‬ولهم أمير منهم‪ ،‬ويؤدون الجزية لسلطان كولم‪.‬‬

‫ذكر القرفة والبقم‬

‫وجميسسع الشجار التسسي على هذا النهسسر أشجار القرفسسة والبقسسم‪ ،‬وهسسي حطبهسسم هنالك‪.‬‬

‫ومنهسا كنسا نقسد النار لطبسخ طعامنسا فسي ذلك الطريسق‪ .‬وفسي اليوم العاشسر وصسلنا إلى‬

‫مدينسسة كولم " وضبسسط اسسسمها بفتسسح الكاف واللم وبينهمسسا واو "‪ ،‬وهسسي أحسسسن بلد‬

‫المليبار‪ ،‬وأسواقها حسان‪ ،‬وتجارها يعرفون بالصوليين‪ " .‬بضم الصاد " لهم أموال‬

‫عريضسة "‪ ،‬يشتري أحدهسم المركسب بمسا فيسه‪ ،‬ويوسسقه مسن داره بالسسلع‪ .‬وبهسا مسن‬

‫التجار المسلمين جماعة‪ ،‬كبيرهم علء الدين الوجي من أهل آوة‪ ،‬من بلد العراق‪.‬‬

‫وهسو رافضسي‪ ،‬ومعسه أصسحاب له على مذهبسه‪ ،‬وهسو يظهرون ذلك‪ .‬وقاضيهسا فاضسل‬

‫من أهل قزوين‪ .‬وكبير المسلمين بها محمد شاه بندر‪ ،‬وله أخ فاضل كريم اسمه تقيي‬

‫الديسن‪ .‬والمسسجد الجامسع بهسا عجيسب‪ ،‬عمره التاجسر خواجسه مهذب‪ .‬وهذه المدينسة أول‬

‫مسسا يوالي الصسسين مسسن بلد المليبار‪ ،‬وإليهسسا يسسسافر أكثرهسسم‪ .‬والمسسسلمون بهسسا أعزة‬

‫محترمون‪.‬‬

‫ذكر سلطان كولم‬

‫وهسو كافسر يعرف بالتيروري " بكسسر التاء المعلوة وياء مسد وراء وواو مفتوحيسن‬

‫وراء مكسورة وياء " وهو معظم للمسلمين‪ .‬وله أحكام شديدة على السراق والدعار‪.‬‬
‫حكاية‬

‫وممسسا شاهدت بكولم أن بعسسض الرماة العراقييسسن قتسسل آخسسر منهسسم‪ ،‬وفسسر إلى دار‬

‫الوجسي‪ ،‬وكان له مال كثيسر‪ ،‬وأراد المسسلمون دفسن المقتول‪ ،‬فمنعهسم نواب السسلطان‬

‫من ذلك‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل يدفن حتى تدفعوا لنا قاتله فيقتل به‪ .‬وتركوه في تابوته على باب‬

‫الوجسي‪ ،‬حتسى أنتسن وتغيسر‪ .‬فمكنهسم الوجسي مسن القاتسل‪ ،‬ورغسب منهسم أن يعطيهسم‬

‫أمواله‪ ،‬ويتركوه حياً‪ ،‬فأبوا ذلك وقتلوه‪ .‬وحينئذ دفن المقتول‪.‬‬

‫حكاية‬

‫أخبرت أن السلطان كولم ركب يوماً إلى خارجها‪ ،‬وكان طريقه فيما بين البساتين‪،‬‬

‫ومعسه صسهره زوج بنتسه‪ ،‬وهسو مسن أبناء الملوك‪ ،‬فأخسذ حبسة واحدة مسن العنبسة سسقطت‬

‫مسن بعسض البسساتين‪ .‬وكان السسلطان ينظسر إليسه فأمسر بسه عنسد ذلك‪ ،‬فوسسط‪ ،‬وقسسم‬

‫نصفين‪ ،‬وصلب نصفه عن يمين الطريق‪ ،‬ونصفه الخر عن يساره‪ ،‬وقسمت حبة‬

‫العنبسسة نصسسفين‪ ،‬فوضسسع على كسسل نصسسفٍ منسسه نصسسف منهسسا‪ ،‬وترك هنالك عسسبرة‬

‫للناظرين‪.‬‬

‫حكاية‬

‫وممسا اتفسق نحسو ذلك بقالقوط أن ابسن أخسي النائب عسن سسلطانها غصسب سسيفاً لبعسض‬

‫تجار المسسلمين فشكسا بذلك إلى ابسن عمسه‪ ،‬فوعده بالنظسر فسي أمره‪ ،‬وقعسد على باب‬

‫داره‪ .‬فإذا بابسن أخيسه متقلد ذلك السسيف‪ .‬فدعاه‪ ،‬فقال‪ :‬هذا سسيف المسسلم ? قال‪ :‬نعسم‪.‬‬

‫قال‪ :‬اشتريته منه ? قال‪ :‬ل‪ .‬فقال لعوانه‪ :‬أمسكوه‪ .‬ثم أمر به‪ .‬فضربت عنقه بذلك‬
‫السسسيف‪ .‬وأقمسست بكولم مدة بزاويسسة الشيسسخ فخسسر الديسسن ابسسن الشيسسخ شهاب الديسسن‬

‫الكازروني‪ ،‬شيخ زاوية قالقوط‪ ،‬فلم أتعرف للككم خبراً‪ .‬وفي أثناء مقامي بها‪ ،‬دخل‬

‫إليهسسا أرسسسال ملك الصسسين الذيسسن كانوا معنسسا‪ ،‬وكانوا مسسع أحسسد تلك الجنوك‪ ،‬فانكسسسر‬

‫أيضاً‪ ،‬فكسساهم تجار الصسين‪ ،‬وعادوا إلى بلدهسم‪ ،‬ولقيتهسم بهسا بعسد‪ .‬وأردت أن أعود‬

‫من كولم إلى السلطان لعلمه بما اتفق على الهدية‪ ،‬ثم خفت أن يتعقب فعلي ويقول‪:‬‬

‫لم فارقست الهديسة ? فعزمست على العودة إلى السسلطان جمال الديسن الهنوري‪ ،‬وأقيسم‬

‫عنده‪ ،‬حتسسى أتعرف خسسبر الككسسم‪ ،‬فعدت إلى قالقوط‪ ،‬ووجدت بهسسا بعسسض مراكسسب‬

‫السلطان‪ .‬فبعث فيها أميراً من العرب يعرف بالسيد أبي الحسن‪ ،‬وهو من البردارية‪،‬‬

‫وهسم خواص البوابيسن‪ ،‬بعثسه السسلطان بأموال يسستجلب بهسا مسن قدر عليسه مسن العرب‬

‫مسن أرض هرمسز والقطيسف لمحبتسه فسي العرب‪ ،‬فتوجهست إلى هذا الميسر‪ ،‬ورأيتسه‬

‫عازماً على أن يشتسسو بقالقوط‪ ،‬وحينئذ يسسسافر إلى بلد العرب‪ .‬فشاورتسسه فسسي العودة‬

‫إلى السسسلطان فلم يوافسسق على ذلك‪ .‬فسسسافرت بالبحسسر مسسن قالقوط‪ ،‬وذلك آخسسر فصسسل‬

‫السفر فيه‪ .‬فكنا نسير نصف النهار الول ثم نرسو إلى الغد‪ .‬ولقينا في طريقنا أربعة‬

‫أجفان غزويسسة‪ .‬فخفنسسا منهسسا‪ ،‬ثسسم لم يتعرضوا لنسسا بشسسر‪ .‬ووصسسلنا إلى مدينسسة هنور‪،‬‬

‫فنزلت إلى السلطان‪ ،‬وسلمت عليه‪ .‬فأنزلني بدار‪ ،‬ولم يكن لي خديم‪ .‬وطلب مني أن‬

‫أصلي معه الصلوات‪ .‬فكان أكثر جلوسي في مسجده‪ .‬وكنت أختم القرآن كل يوم‪ ،‬ثم‬

‫كنست أختسم مرتيسن فسي اليوم‪ .‬أبتدئ القراءة بعسد صسلة الصسبح فأختسم عنسد الزوال‪،‬‬

‫وأجدد الوضوء وأبتدء القراءة فأبتدئ الختمسسة الثانيسسة عنسسد الغروب‪ .‬ولم أزل كذلك‬
‫مدة ثلثة أشهر‪ ،‬واعتكفت فيها أربعين يوماً‪.‬‬

‫ذكر توجهنا إلى الغزو وفتح سندابور‬

‫وكان السسلطان جمال الديسن قسد جهسز اثنيسن وخمسسين مركباً وسسفرته برسسم غزو‬

‫سندابور‪ .‬وكان وقع بين سلطانها وولده خلف‪ ،‬فكتب ولده إلى السلطان جمال الدين‬

‫أن يتوجه لفتح سندابور‪ ،‬ويسلم الولد المذكور‪ ،‬ويزوجه السلطان أخته‪ .‬فلما تجهزت‬

‫المراكب‪ ،‬ظهر لي أن أتوجه فيها إلى الجهاد‪ .‬ففتحت المصحف أنظر فيه‪ ،‬فكان في‬

‫أول الصفح يذكر فيه اسم ال كثيراً " ولينصرن ال من ينصره " فاستبشرت بذلك‪.‬‬

‫وأتسى السسلطان إلى صسلة العصسر‪ ،‬فقلت له‪ :‬إنسي أريسد السسفر‪ .‬فقال‪ :‬فأنست إذاً تكون‬

‫أميرهسسم‪ .‬فأخسسبرته بمسسا خرج لي فسسي أول الصسسفح‪ ،‬فأعجبسسه ذلك‪ ،‬وعزم على السسسفر‬

‫بنفسسه‪ .‬ولم يكسن ظهسر له ذلك مسن قبسل‪ ،‬فركسب مركباً منهسا‪ ،‬وأنسا معسه‪ ،‬وذلك فسي يوم‬

‫السبت‪ .‬فوصلنا عشي الثنين إلى سندابور‪ ،‬ودخلنا خورها‪ ،‬فوجدنا أهلها مستعدين‬

‫للحرب‪ ،‬وقسد نصسبوا المجانيسق‪ .‬فبتنسا عليهسا تلك الليلة‪ .‬فلمسا أصسبح ضربست الطبول‬

‫والنفار والبواق‪ ،‬وزحفست المراكسسب‪ ،‬ورموا عليهسسا بالمجانيسسق‪ .‬فلقسسد رأيسست حجراً‬

‫أصاب بعض الواقفين بمقربة من السلطان‪ .‬ورمى أهل المراكب أنفسهم في الماء‪،‬‬

‫وبأيديهم الترسة والسيوف‪ .‬ونزل السلطان إلى العكيري‪ ،‬وهو شبه الشلير‪ ،‬ورميت‬

‫بنفسسسي فسسي الماء فسسي جملة الناس‪ .‬وكان عندنسسا طريدتان مفتوحتسسا المواخسسر‪ ،‬فيهسسا‬

‫الخيسل‪ .‬وهسي بحيسث يركسب الفارس فرسسه فسي جوفهسا ويتدرع ويخرج‪ .‬ففعلوا ذلك‪.‬‬

‫وأذن ال فسسي فتحهسسا‪ ،‬وأنزل النصسسر على المسسسلمين فدخلنسسا بالسسسيف‪ ،‬ودخسسل معظسسم‬
‫الكفار فسي قصسر سلطانها‪ .‬فرمينا النار فيسه فخرجوا‪ ،‬وقبضنا عليهسم‪ .‬ثم إن السلطان‬

‫أمنهسسم‪ ،‬ورد لهسسم نسسساءهم وأولدهسسم‪ ،‬وكانوا نحسسو عشرة آلف‪ ،‬وأسسسكنهم بربسسض‬

‫المدينسة‪ .‬وسكن السلطان القصر‪ ،‬وأعطى الديار بمقربسة منسه لهل دولته‪ ،‬وأعطاني‬

‫جاريسة منهسن‪ ،‬تسسمى بلكسي‪ ،‬فسسميتها مباركسة‪ .‬وأراد زوجهسا فداءهسا فأبيست‪ ،‬وكسساني‬

‫فرجيسة مصسرية‪ ،‬وجدت فسي خزائن الكافسر‪ .‬وأقمست عنده بسسندابور مسن يوم فتحهسا‪،‬‬

‫وهو الثالث عشر لجمادى الولى إلى منتصف شعبان‪ .‬وطلبت منه الذن في السفر‪،‬‬

‫فأخسذ علي العهسد فسي العودة إليسه‪ .‬وسسافرت فسي البحسر إلى هنور‪ ،‬ثسم إلى فاكنور‪ ،‬ثسم‬

‫إلى منجرور‪ ،‬ثسم إلى هيلي‪ ،‬ثسم إلى جرفتسن وده فتسن وبدفتسن وفندرينسا وقالقوط‪ ،‬وقسد‬

‫تقدم ذكسر جميعهسا‪ ،‬ثسم إلى مدينسة الشاليات‪ " ،‬وهسي بالشيسن المعجسم والف ولم وياء‬

‫آخسسر الحروف وألف وتاء معلوة "‪ ،‬مدينسسة مسسن حسسسان المدن‪ ،‬تصسسنع بهسسا الثياب‬

‫المنسسوبة لهسا‪ .‬وأقمست بهسا‪ ،‬فطال مقامسي‪ ،‬فعدت إلى قالقوط‪ .‬ووصسل إليهسا غلمان‬

‫كانا لي بالككم‪ ،‬فأخبراني أن الجارية التي كانت حاملً‪ ،‬وبسببها كان تغير خاطري‬

‫توفيست وأخسذ صساحب الجاوة سسائر الجواري‪ ،‬واسستولت اليدي على المتاع‪ ،‬وتفرق‬

‫أصسسحابي إلى الصسسين والجاوة وبنجالة فعدت لمسسا تعرفسست هذا‪ ،‬إلى هنور ثسسم إلى‬

‫سسندابور‪ ،‬فوصسلتها فسي آخسر المحرم‪ ،‬وأقمست بهسا إلى الثانسي مسن شهسر ربيسع الخسر‪.‬‬

‫وقدم سلطانهم الكافر الذي دخلنا عليه برسم أخذها‪ ،‬وهرب إليه الكفار كلهم‪ .‬وكانت‬

‫عسساكر السسلطان متفرقسة فسي القرى‪ ،‬فانقطعوا عنسا‪ ،‬وحصسرنا الكفار وضيقوا علينسا‪.‬‬

‫ولمسا اشتسد الحال خرجست عنهسا‪ ،‬وتركتهسا محصسورة‪ ،‬وعدت إلى قالقوط‪ ،‬وعزمست‬
‫على السسفر إلى ذيبسسة المهسسل‪ ،‬وكنست أسسمع بأخبارهسا‪ .‬فبعسسد عشرة أيام مسن ركوبنسا‬

‫البحسر بقالقوط وصسلنا جزائر ذيبسة المهسل‪ ،‬وذيبسة على لفسظ مؤنسث الذيسب‪ ،‬والمهسل "‬

‫بفتسسح الميسسم والهاء "‪ .‬وهذه الجزائر إحدى عجائب الدنيسسا‪ ،‬وهسسي نحسسو ألفسسي جزيرة‪،‬‬

‫ويكون منها مائة فما دونها مجتمعات مستديرة كالحلقة‪ ،‬لها مدخل كالباب‪ ،‬ل تدخل‬

‫المراكب إل منه‪ .‬وإذا وصل المركب إلى إحداها فل بد له من دليل من أهلها يسير‬

‫بسه إلى سسائر الجزائر‪ .‬وهسي مسن التقارب بحيسث تظهسر رؤوس النخسل التسي بإحداهسا‬

‫عنسد الخروج مسن الخرى‪ ،‬فإن أخطسأ المركسب سسمتها‪ ،‬لم يمكنسه دخولهسا‪ ،‬وحملتسه‬

‫الريح إلى المعبر أو سيلن‪ .‬وهذه الجزائر أهلهسا كلهسم مسسلمون ذوو ديانسة وصلح‪.‬‬

‫وهسي منقسسمة إلى أقاليسم‪ ،‬على كسل إقليسم والٍ يسسمونه الكردوبسي‪ .‬ومسن أقاليمهسا إقليسم‬

‫بالبور " وهسسو بباءيسسن معقودتيسسن وكسسسر اللم وآخره راء "‪ ،‬ومنهسسا كنلوس " بفتسسح‬

‫الكاف والنون مع تشديدها وضم اللم وواو وسين مهمل "‪ ،‬ومنها إقليم المهل‪ ،‬وبه‬

‫تعرف الجزائر كلها‪ .‬وبها يسكن سلطينها‪ .‬ومنها إقليم تلديب " بفتح التاء المعلوة‬

‫واللم والف ودال مهمسل وباء مسد وباء موحدة "‪ ،‬ومنهسا إقليسم كارايدو " بفتسح الكاف‬

‫وسسسسكون الياء المسسسسفولة وضسسسم الدال المهمسسسل وواو "‪ ،‬منهسسسا إقليسسسم التيسسسم " بفتسسح‬

‫التاء المعلوة وسسسكون الياء المسسسفولة "‪ ،‬ومنهسسا إقليسسم تلدمتسسي " بفتسسح التاء المعلوة‬

‫الول واللم وضسم الدال المهمسل وفتسح الميسم وتشديدهسا وكسسر التاء الخرى وياء "‪،‬‬

‫ومنها إقليم هلدمتي‪ ،‬وهو مثل اللفظ الذي قبله إل ان الهاء أوله‪ ،‬ومنها إقليم برويدو‬

‫" بفتسح الباء الموحدة والراء وسسكون الياء وضسم الدال المهمسل وواو "‪ ،‬ومنهسا إقليسم‬
‫كندكل " بفتح الكافين والدال المهمل ولم "‪ ،‬ومنها إقليم ملوك " بضم الميم‪ ،‬ومنها‬

‫إقليسم السسويد "بالسسين المهمسل "‪ ،‬وهسو أقصساها‪ .‬وهذه الجزائر كلهسا ل زرع بهسا‪ ،‬إل‬

‫أن فسي إقليسم السسويد منهسا زرعاً يشبسة أتلي‪ ،‬ويجلب منسه إلى المهسل‪ .‬وإنمسا أكسل أهلهسا‬

‫سمك يشبه الليرون‪ ،‬يسمونه قلب الماس "بضم القاف"‪ ،‬ولحمه أحمر‪ ،‬ول زفر له‪،‬‬

‫إنما ريحه كريح لحم النعام‪ ،‬وإذا اصطادوه قطعوا السمكة منه أربع قطع‪ ،‬وطبخوه‬

‫يسسيراً ثسم جعلوه فسي مكائيسل مسن سسعف النخسل‪ ،‬وعلقوه للدخان‪ .‬فإذا اسستحكم يبسسه‬

‫أكلوه‪ .‬ويحمسل منهسا إلى الهنسد والصسين واليمسن‪ ،‬ويسسمونه قلب الماس " بضسم القاف‬

‫"‪.‬لوة وسكون الياء المسفولة "‪ ،‬ومنها إقليم تلدمتي " بفتح التاء المعلوة الول واللم‬

‫وضسم الدال المهمسل وفتسح الميسم وتشديدهسا وكسسر التاء الخرى وياء "‪ ،‬ومنهسا إقليسم‬

‫هلدمتي‪ ،‬وهو مثل اللفظ الذي قبله إل ان الهاء أوله‪ ،‬ومنها إقليم برويدو " بفتح الباء‬

‫الموحدة والراء وسكون الياء وضم الدال المهمل وواو "‪ ،‬ومنها إقليم كندكل " بفتح‬

‫الكافيسن والدال المهمسل ولم "‪ ،‬ومنهسا إقليسم ملوك " بضسم الميسم‪ ،‬ومنهسا إقليسم السسويد‬

‫"بالسسين المهمسل "‪ ،‬وهسو أقصساها‪ .‬وهذه الجزائر كلهسا ل زرع بهسا‪ ،‬إل أن فسي إقليسم‬

‫السسويد منهسا زرعاً يشبسة أتلي‪ ،‬ويجلب منسه إلى المهسل‪ .‬وإنمسا أكسل أهلهسا سسمك يشبسه‬

‫الليرون‪ ،‬يسسمونه قلب الماس "بضسم القاف"‪ ،‬ولحمسه أحمسر‪ ،‬ول زفسر له‪ ،‬إنمسا ريحسه‬

‫كريح لحم النعام‪ ،‬وإذا اصطادوه قطعوا السمكة منه أربع قطع‪ ،‬وطبخوه يسيراً ثم‬

‫جعلوه في مكائيل من سعف النخل‪ ،‬وعلقوه للدخان‪ .‬فإذا استحكم يبسه أكلوه‪ .‬ويحمل‬

‫منها إلى الهند والصين واليمن‪ ،‬ويسمونه قلب الماس " بضم القاف "‪.‬‬
‫ذكر أشجارها‬

‫ومعظم أشجار هذه الجزائر النارجيل‪ ،‬وهو من أقواتهم مع السمك‪ ،‬وقد تقدم ذكره‪.‬‬

‫وأشجار النارجيسل شأنهسا عجيسب‪ .‬وتثمسر النخسل منهسا اثنسى عشسر عذقاً فسي السسنة‪،‬‬

‫يخرج فسي كسل شهسر عذق‪ ،‬فيكون بعضهسا صسغيراً وبعضهسا كسبيراً وبعضهسا يابسساً‬

‫وبعضهسا أخضسر‪ ،‬هكذا أبداً‪ .‬ويصسنعون منهسا الحليسب والزيست والعسسل‪ ،‬حسسب مسا‬

‫ذكرنسسا لك فسسي السسسفر الول‪ .‬ويصسسنعون مسسن عسسسله الحلواء‪ ،‬فيأكلونهسسا مسسع الجوز‬

‫اليابس منه‪ .‬ولذلك كله‪ ،‬وللسمك الذي يغتذون به قوة عجيبة في الباءة‪ ،‬ل نظير لها‪.‬‬

‫ولهسل هذه الجزائر عجسب فسي ذلك‪ .‬ولقسد كان لي بهسا أربسع نسسوة وجوار سسواهن‪،‬‬

‫فكنست أطوف على جميعهسن كسل يوم‪ ،‬وأبيست عنسد مسن تكون ليلتهسا‪ .‬وأقمست بهسا سسنة‬

‫ونصف أخرى على ذلك‪ .‬ومن أشجارها الجموح والترج والليمون والقلقاص‪ ،‬وهم‬

‫يصنعون من أصوله دقيقاً يعملون منه شبه الطرية‪ ،‬ويطبخونها بحليب النارجيل‪،‬‬

‫وهي من أطيب الطعام‪ .‬كنت أستحسنها كثيراً وآكلها‪.‬‬

‫ذكر أهل هذه الجزائر وبعض عوائدهم‬

‫وذكر مساكنهم‬

‫وأهسل هذه الجزائر أهسل صسلح وديانسة وإيمان صسحيح ونيسة صسادقة‪ ،‬أكلهسم حلل‪،‬‬

‫دعاؤهسم مجاب‪ .‬وإذا رأى النسسان أحدهسم قال له‪ :‬ال ربسي ومحمسد نسبيي وأنسا أمسي‬

‫مسسكين‪ .‬وأبدانهسم ضعيفسة‪ ،‬ول عهسد لهسم بالقتال والمحاربسة‪ ،‬وسسلحهم الدعاء‪ .‬ولقسد‬

‫أمرت مرة بقطسسع يسسد سسسارق بهسسا‪ ،‬فغشسسي على جماعسسة منهسسم كانوا بالمجلس‪ .‬ول‬
‫تطرقهسسم لصسسوص الهنسسد‪ ،‬ول تذرعهسسم لنهسسم جربوا أن مسسن أخسسذ لهسسم شيئاً أصسسابته‬

‫مصيبة عاجلة‪ .‬وإذا أتت أجفان العدو إلى ناحيتهم أخذوا من وجدوا من غيرهم‪ ،‬ولم‬

‫يتعرضوا لحسد منهسم بسسوء‪ .‬وإن أخسذ أحسد الكفار‪ ،‬ولو ليمونسة‪ ،‬عاقبسه أميسر الكفار‬

‫وضربسه الضرب المسبرح‪ ،‬خوفاً مسن عاقبسة ذلك‪ .‬ولول هذا لكانوا أهون الناس على‬

‫قاصسدهم بالقتال لضعسف بنيتهسم‪ .‬وفسي كسل جزيرة مسن جزائرهسم المسساجد الحسسنة‪،‬‬

‫وأكثسر عمارتهسم بالخشسب‪ .‬وهسم أهسل نظافسة وتنزه عسن القذار‪ .‬وأكثرهسم يغتسسلون‬

‫مرتين في اليوم تنظفاً لشدة الحر بها‪ ،‬وكثرة العرق‪ .‬ويكثرون من الدهان العطرية‬

‫كالصسندلية وغيرهسا‪ ،‬ويتلطخون بالغاليسة المجلوبسة مسن مقدشسو‪ .‬ومسن عادتهسم أنهسم إذا‬

‫صلوا الصبح أتت كل امرأة إلى زوجها أو ابنها بالمكحلة وماء الورد ودهن الغالية‪،‬‬

‫فيكحل عينيه‪ ،‬ويدهن بماء الورد ودهن الغالية‪ ،‬فتصقل بشرته‪ ،‬وتزيل الشحوب عن‬

‫وجهسسسه‪ .‬ولباسسسسهم فوط‪ ،‬يشدون الفوطسسسة منهسسسا على أوسسسساطهم عوض السسسسراويل‪،‬‬

‫ويجعلون على ظهورهسم ثياب الوليان " بكسسر الواو وسسكون اللم وياء " وهسي شبسه‬

‫الحاريسم‪ .‬وبعضهسم يجعسل عمامسة‪ ،‬وبعضهسم منديلً صسغيراً عوضاً منهسا‪ .‬وإذا لقسي‬

‫أحدهسم القاضسي أو الخطيسب‪ ،‬وضسع ثوبسه على كتفيسه‪ ،‬وكشسف ظهره‪ ،‬ومضسى معسه‬

‫كذلك‪ ،‬حتى يصل إلى منزله‪ .‬ومن عوائدهم أنه إذا تزوج الرجل منهم‪ ،‬ومضى إلى‬

‫دار زوجتسه‪ ،‬بسسطت له ثياب القطسن مسن باب دارهسا إلى باب البيست‪ ،‬وجعسل عليهسا‬

‫غرفات من الودع عن يمين طريقه إلى البيت وشماله‪ ،‬وتكون المرأة واقفة عند باب‬

‫البيسست تنتظره‪ .‬فإذا وصسسل إليهسسا رمسست على رجليسسه ثوباً يأخذه خدامسسه‪ ،‬وإن كانسست‬
‫المرأة هسسي التسسي تأتسسي إلى منزل الرجسسل بسسسطت داره‪ ،‬وجعسسل فيهسسا الودع‪ ،‬ورمسست‬

‫المرأة عند الوصول إليه الثوب على رجليه‪ .‬وكذلك عادتهم في السلم على السلطان‬

‫عندهسسسسسسسسسم‪ ،‬ل بسسسسسسسسسد مسسسسسسسسسن ثوب يرمسسسسسسسسسى عنسسسسسسسسسد ذلك‪ ،‬وسسسسسسسسسسنذكره‪.‬‬

‫وبنيانهسسسم بالخشسسسب‪ ،‬ويجعلون سسسسطوح البيوت مرتفعسسسة عسسسن الرض توقياً مسسسن‬

‫الرطوبات‪ ،‬لن أرضهم ندية‪ .‬وكيفية ذلك أن ينحتوا حجارة يكون طول الحجر منها‬

‫ذراعيسسن أو ثلثسسة‪ ،‬ويجعلونهسسا صسسفوفاً‪ ،‬ويعرضون عليهسسا خشسسب النارجيسسل‪ ،‬ثسسم‬

‫يصسنعون الحيطان مسن الخشسب‪ .‬ولهسم صسناعة عجيبسة فسي ذلك‪ ،‬ويبنون فسي إسسطوان‬

‫الدار بيتاً يسسسمونه المالم " بفتسسح اللم "‪ ،‬يجلس الرجسسل بسسه مسسع أصسسحابه‪ ،‬ويكون له‬

‫بابان‪ :‬أحدهمسا إلى جهسة السسطوان يدخسل منسه الناس‪ ،‬والخسر إلى جهسة الدار يدخسل‬

‫منه صاحبها‪ .‬ويكون عند هذا البيت خابية مملوءة ماء‪ ،‬ولها مستقى‪ ،‬يسمونه الوالنج‬

‫" بفتسح الواو واللم وسسكون النون وجيسم "‪ ،‬هسو مسن قشسر جوز النارجيسل‪ ،‬وله‬

‫نصساب‪ ،‬طوله ذراعان‪ .‬وبسه يسسقون الماء مسن البار لقربهسا‪ .‬وجميعهسم حفاة القدام‬

‫مسن رفيسع ووضيسع‪ ،‬وأزقتهسم مكنوسسة نقيسة‪ ،‬تظللهسا الشجار‪ .‬فالماشسي بهسا كأنسه فسي‬

‫بسستان‪ .‬ومسع ذلك ل بسد لكسل داخسل إلى الدار أن يغسسل رجليسه بالماء الذي فسي الخابيسة‬

‫بالمالم‪ ،‬ويمسحها بحصير غليظ من الليف‪ ،‬يكون هنالك‪ ،‬ثم يدخل بيته‪ .‬وكذلك يفعل‬

‫كسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسل داخسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسل إلى المسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسجد‪.‬‬

‫ومسسسن عوائدهسسسم إذا قدم عليهسسسم مركسسسب‪ ،‬أن تخرج إليسسسه الكنادر‪ ،‬وهسسسي القوارب‬

‫الصسغار‪ ،‬واحدهسا كندرة " بضسم الكاف والدال "‪ .‬وفيهسا أهسل الجزيرة معهسم التنبول‬
‫أو الكرنبسة‪ ،‬وهسو جوز النارجيسل الخضسر‪ ،‬فيعطسي النسسان منهسم ذلك لمسن شاء مسن‬

‫أهل المركب‪ ،‬ويكون نزيله‪ ،‬ويحمل أمتعته إلى داره‪ ،‬كأنه بعض أقربائه‪ .‬ومن أراد‬

‫التزوج من القادمين عليهم تزوج‪ .‬فإذا حان سفره‪ ،‬طلق المرأة لنهن ل يخرجن عن‬

‫بلدهسسن‪ .‬ومسسن لم يتزوج‪ ،‬فالمرأة التسسي ينزل بدارهسسا‪ ،‬تطبسسخ له وتخدمسسه وتزوده إذا‬

‫سسسافر‪ ،‬وترضسسى منسسه فسسي مقابلة ذلك بأيسسسر شيسسء مسسن الحسسسان‪ .‬وفائدة المخزن‪،‬‬

‫ويسسمونه البندر‪ ،‬أن يشتري مسن كسل سسلعة بالمركسب حظاً بسسوم معلوم‪ ،‬سسواء كانست‬

‫السسلعة تسساوي ذلك أو أكثسر منسه‪ ،‬ويسسمونه شرع البندر‪ .‬ويكون للبندر بيست فسي كسل‬

‫جزيرة مسن الخشسب‪ ،‬يسسمونه البجنصسار " بفتسح الباء الموحدة والجيسم وسسكون النون‬

‫وفتسح الصساد المهمسل وآخره راء "‪ ،‬يجمسع بسه الوالي وهسو الكردوري جميسع سسلعه‪،‬‬

‫ويسبيع بهسا ويشتري‪ .‬وهسم يشترون الفخار إذا جلب إليهسم بالدجاج‪ .‬فتباع عندهسم القدر‬

‫بخمسسس دجاجات وسسست‪ ،‬وتحمسسل المراكسسب مسسن هذه الجزائر السسسمك الذي ذكرناه‬

‫وجوز النارجيسل والفوط والوليان والعمائم‪ ،‬وهسي مسن القطسن‪ ،‬ويحملون منهسا أوانسي‬

‫النحاس‪ .‬فإنها عندهم كثيرة‪ ،‬ويحملون الودع‪ ،‬ويحملون القنبر "بفتح القاف وسكون‬

‫النون وفتح الباء الموحدة والراء "‪ ،‬وهو ليف جوز النارجيل‪ .‬وهم يدبغونه في حفر‬

‫على الساحل‪ ،‬ثم يضربونه بالمرازب‪ ،‬ثم تغزله النساء‪ ،‬وتصنع منه الحبال لخياطة‬

‫المراكسب‪ ،‬وتحمسل إلى الصسين والهنسد واليمسن‪ ،‬وهسو خيسر مسن القنسب‪ .‬وبهذه الحبال‬

‫تخاط مراكب الهند واليمن‪ ،‬لن ذلك البحر كثير الحجارة‪ ،‬فإن كان المركب مسمراً‬

‫بمسامير الحديد صدم الحجارة فانكسر‪ ،‬وإذا كان مخيطاً بالحبال أعطى الرطوبة فلم‬
‫ينكسسر‪ .‬وصسرف أهسل الجزائر الودع‪ ،‬وهسو حيوان يلتقطونسه فسي البحسر‪ ،‬ويضعونسه‬

‫فسي حفسر هنالك‪ ،‬فيذهسب لحمسه‪ ،‬ويبقسى عظمسه أبيسض‪ ،‬ويسسمون المائة منسه سسياه "‬

‫بسسسسين مهمسسسل وياء آخسسسر الحروف "‪ ،‬ويسسسسمون السسسسبعمائة منسسسه الفال " بالفاء "‪،‬‬

‫ويسسمون الثنسي عشر ألفاً منسه الكتي " بضسم الكاف وتشديد التاء المعلوة "‪ ،‬ويسمون‬

‫المائة ألف منسسه بسسستو " بضسسم الباء الموحدة والتاء المعلوة وبينهمسسا سسسين مهمسسل"‪،‬‬

‫ويباع بهسا بقيمسة أربعسة بسساتي بدينار مسن الذهسب‪ ،‬وربمسا رخسص حتسى يباع عشسر‬

‫بسساتي منسه بدينار‪ .‬ويسبيعونه مسن أهسل بنجالة بالرز‪ ،‬وهسو أيضاً صسرف أهسل بلد‬

‫بنجالة‪ .‬ويسبيعونه مسن أهسل اليمسن‪ ،‬فيجعلونسه عوض الرمسل فسي مراكبهسم‪ .‬وهذا الودع‬

‫أيضاً هسسو صسسرف السسسودان فسسي بلدهسسم‪ ،‬رأيتسسه يباع بمالي وجوجسسو بحسسساب ألف‬

‫وخمسين للدينار الذهبي‪.‬‬

‫ذكر نسائها‬

‫ونسساؤها ل يغطيسن رؤوسسهن‪ ،‬ول سسلطانتهم تغطسي رأسسها‪ .‬ويمشطسن شعورهسن‪،‬‬

‫ويجمعنهسا إلى جهسة واحدة‪ .‬ول يلبسسن أكثرهسن إل فوطسة واحدة تسسترها مسن السسرة‬

‫إلى أسسفل‪ ،‬وسسائر أجسسادهن مكشوفسة‪ .‬وكذلك يمشيسن فسي السسواق وغيرهسا‪ .‬ولقسد‬

‫جهدت لمسا وليست القضاء بهسا أن أقطسع تلك العادة وآمرهسن باللباس‪ ،‬فلم أسستطع ذلك‪.‬‬

‫فكنت ل تدخل إلي منهن امرأة في خصومة إل مسترة الجسد‪ ،‬وما عدا ذلك لم تكن‬

‫عليسسه قدرة‪ .‬ولباس بعضهسسن قمسسص زائدة على الفوطسسة‪ ،‬وقمصسسهن قصسسار الكمام‬
‫عراضهسا‪ .‬وكان لي جوارٍ كسسوتهن لباس أهسل دهلي يغطيسن رؤوسسهن‪ ،‬فعابهسن ذلك‬

‫أكثسسر مسسا زانهسسن إذ لم يتعودنسسه‪ .‬وحليهسسن السسساور وتجعسسل المرأة منهسسا جملة فسسي‬

‫ذراعيهسا‪ ،‬بحيسث تمل مسا بيسن الكوع والمرفسق‪ ،‬وهسي مسن الفضسة‪ .‬ول تحمسل أسساور‬

‫الذهسب إل نسساء السسلطان وأقاربسه‪ .‬ولهسن الخلخيسل‪ ،‬ويسسمونها البايسل " بباء موحدة‬

‫والف وياء آخسسسر الحروف مكسسسسورة "‪ ،‬وقلئد ذهسسسب يجعلنهسسسا على صسسسدورهن‪،‬‬

‫ويسسمونها البسسدر " بالباء الموحدة وسسكن السسين المهمسل وفتسح الدال المهمسل والراء‬

‫"‪ .‬ومسن عجيسب أفعالهسن أنهسن يؤجرن أنفسسهن للخدمسة بالديار على عدد معلوم مسن‬

‫خمسة دنانير فما دونها‪ .‬وعلى مستأجرهن نفقتهن‪ ،‬ول يرين ذلك عيباً‪ ،‬ويفعله أكثر‬

‫بناتهسم‪ .‬فتجسد فسي دار النسسان الغنسي منهسن العشرة والعشريسن‪ .‬وكسل مسا تكسسره مسن‬

‫الواني يحسب عليها قيمته‪ .‬وإذا أرادت الخروج من دار إلى دار أعطاها أهل الدار‬

‫التي تخرج إليها العدد الذي هي مرتهنة فيه‪ ،‬فتدفعه لهل الدار التي خرجت منها‪،‬‬

‫ويبقسى عليهسا للخريسن‪ .‬وأكثسر شغسل هؤلء المسسأجرات غزل القنسبر‪ .‬والتزوج بهذه‬

‫الجزائر سسسهل‪ ،‬لنزارة الصسسداق وحسسسن معاشرة النسسساء‪ .‬وأكثسسر الناس ل يسسسمي‬

‫صسداقاً‪ ،‬إنمسا تقسع الشهادة‪ ،‬ويعطسى صسداق مثلهسا‪ .‬وإذا قدمست المراكسب تزوج أهلهسا‬

‫النساء‪ ،‬فإذا أرادوا السفر طلقوهن‪ ،‬وذلك نوع من نكاح المتعة‪ .‬وهن ل يخرجن عن‬

‫بلدهسن أبداً‪ .‬ولم أر فسي الدنيسا أحسسن معاشرة منهسن‪ .‬ول تكسل المرأة عندهسم خدمسة‬

‫زوجهسا لسسواها‪ ،‬بسل هسي تأتيسه بالطعام‪ ،‬وترفعسه بيسن يديسه‪ ،‬وتغسسل يده‪ ،‬وتأتيسه بالماء‬

‫للوضوء‪ ،‬وتغسم رجليسه عنسد النوم‪ .‬ومن عوائدهسن أن ل تأكسل المرأة مسع زوجهسا‪ ،‬ول‬
‫يعلم الرجل ما تأكله المرأة‪ .‬ولقد تزوجت بها نسوة‪ ،‬فأكل معي بعضهن بعد محاولة‪،‬‬

‫وبعضهن لم تأكل معي‪ ،‬ول استطعت أن أراها تأكل‪ ،‬ول نفعتني حيلة في ذلك‪.‬‬

‫ذكر السبب في إسلم هذه الجزائر‬

‫وذكر العفاريت من الجن التي تضربها في كل شهر‬

‫حدثني الثقات من أهلها كالفقيه عيسى اليمني‪ ،‬والفقيه المعلم علي‪ ،‬والقاضي عبد ال‬

‫وجماعسة سسواهم‪ ،‬أن أهسل هذه الجزائر كانوا كفاراً‪ ،‬وكان يظهسر لهسم فسي كسل شهسر‬

‫عفريست مسن الجسن‪ ،‬يأتسي ناحيسة البحسر‪ ،‬كأنسه مركسب مملوء بالقناديسل‪ .‬وكانست عادتهسم‬

‫إذا رأوه‪ ،‬أخذوا جاريسسة بكرأ فزينوهسسا وأدخلوهسسا إلى بدخانسسة‪ .‬وهسسي بيسست الصسسنام‪،‬‬

‫وكان مبنياً على ضفسة البحسر‪ ،‬وله طاق ينظسر إليسه‪ ،‬ويتركونهسا هنالك ليلة‪ ،‬ثسم يأتون‬

‫عنسد الصسباح فيجدونهسا مفتضسة ميتسة‪ .‬ول يزالون فسي كسل شهسر يقترعون بينهسم‪ ،‬فمسن‬

‫أصابته القرعة أعطى بنته‪ .‬ثم إنهم قدم عليهم مغربي يسمى بأبي البركات البربري‪،‬‬

‫وكان حافظاُ للقرآن العظيسسم‪ ،‬فنزل بدار عجوز منهسسم بجزيرة المهسسل‪ ،‬فدخسسل عليهسسا‬

‫يوماً‪ ،‬وقسد جمعست أهلهسا‪ ،‬وهسن يبكيسن كأنهسن فسي مأتسم‪ .‬فاسستفهمهن عسن شأنهسن‪ ،‬فلم‬

‫يفهمنسه‪ .‬فأتسى ترجمان فأخسبره أن العجوز كانست القرعسة عليهسا‪ ،‬وليسس لهسا إل بنست‬

‫واحدة‪ ،‬يقتلهسا العفريست‪ .‬فقال لهسا أبسو البركات‪ :‬أنسا أتوجسه عوضاً مسن بنتسك بالليسل‪.‬‬

‫وكان سسناطاً‪ ،‬ل لحيسة له‪ ،‬فاحتملوه تلك الليلة‪ ،‬وأدخلوه إلى بدخانسة‪ ،‬وهسو متوضسئ‪.‬‬

‫وأقام يتلو القرآن‪ ،‬ثم ظهر له العفريت من الطاق‪ ،‬فداوم التلوة‪ ،‬فلما كان منه بحيث‬
‫يسسسمع القراءة غاص فسسي البحسسر‪ .‬وأصسسبح المغربسسي‪ ،‬وهسسو يتلو على حاله‪ .‬فجاءت‬

‫العجوز وأهلهسا وأهسل الجزيرة‪ ،‬ليسستخرجوا البنست على عادتهسم فيحرقوهسا‪ ،‬فوجدوا‬

‫المغربسي يتلو‪ ،‬فمضوا بسه إلى ملكهسم‪ ،‬وكان يسسمى شنورازة " بفتسح الشيسن المعجسم‬

‫وضسسسم النون وواو وراء والف وزاي وهاء "‪ ،‬وأعلموه بخسسسبره‪ ،‬فعجسسسب‪ .‬وعرض‬

‫المغربسي عليسه السسلم‪ ،‬ورغبسه فيسه‪ .‬فقال له أقسم عندنسا إلى الشهسر الخسر‪ ،‬فإن فعلت‬

‫كفعلك‪ ،‬ونجوت مسن العفريست أسسلمت‪ .‬فأقام عندهسم‪ .‬وشرح ال صسدر الملك للسسلم‬

‫فأسسلم قبسل تمام الشهسر‪ ،‬وأسسلم أهله وأولده وأهسل دولتسه‪ .‬ثسم حمسل المغربسي لمسا دخسل‬

‫الشهسسر إلى بدخانسسة‪ ،‬ولم يأت العفريسست‪ ،‬فجعسسل يتلو حتسسى الصسسباح‪ .‬وجاء السسسلطان‬

‫والناس معسسه فوجدوه على حاله مسسن التلوة‪ ،‬فكسسسروا الصسسنام‪ ،‬وهدموا بدخانسسة‪،‬‬

‫وأسسلم أهسل الجزيرة‪ ،‬وبعثوا إلى سسائر الجزائر فأسسلم أهلهسا‪ .‬وأقام المغربسي عندهسم‬

‫معظماً‪ ،‬وتمذهبوا بمذهبسسه مذهسسب المام مالك رضسسي ال عنسسه‪ .‬وهسسم إلى هذا العهسسد‬

‫يعظمون المغاربسة بسسببه‪ ،‬وبنسى مسسجداً هسو معروف باسسمه‪ ،‬وقرأت على مقصسورة‬

‫الجامسسع منقوشاً فسسي الخشسسب أسسسلم السسسلطان أحمسسد شنورازة على يسسد أبسسي البركات‬

‫البربري المغربسسسي‪ .‬وجعسسسل ذلك السسسسلطان ثلث مجابسسسي الجزائر صسسسدقة على أبناء‬

‫السسبيل‪ ،‬إذ كان إسسلمه بسسببهم‪ .‬فسسمي على ذلك حتسى الن‪ .‬وبسسبب هذا العفريست‬

‫خرب مسسسسسسسسسسسسسسسسن هذه الجزائر كثيسسسسسسسسسسسسسسسسر قبسسسسسسسسسسسسسسسسل السسسسسسسسسسسسسسسسسلم‪.‬‬

‫ولمسا دخلناهسا لم يكسن لي علم بشأنسه‪ .‬فبينسا أنسا ذات ليلة فسي بعسض شأنسي‪ ،‬إذ سسمعت‬

‫الناس يجهرون بالتهليسسل والتكسسبير‪ ،‬ورأيسست الولد‪ ،‬وعلى رؤوسسسهم المصسساحف‪،‬‬


‫والنساء يضربن في الطسوت وأواني النحاس‪ .‬فعجبت من فعلهم‪ ،‬وقلت ما شأنكم ?‬

‫فقالوا‪ :‬أل تنظسر إلى البحسر ? فنظرت فإذا مثسل المركسب الكسبير‪ ،‬وكأنسه مملوء سسرجاً‬

‫ومشاعل‪ .‬فقالوا‪ :‬ذلك العفريت‪ ،‬وعادته أن يظهر مرة في الشهر‪ .‬فاذا فعلنا ما رأيت‬

‫انصرف عنا ولم يضرنا‪.‬‬

‫ذكر سلطانة هذه الجزائر‬

‫ومن عجائبها أن سلطانتها امرأة‪ ،‬وهي خديجة بنت السلطان جلل الدين عمر ابن‬

‫السلطان صلح الدين صالح البنجالي‪ .‬وكان الملك لجدها ثم لبيها‪ ،‬فلما مات أبوها‬

‫ولي أخوهسسا شهاب الديسسن‪ ،‬وهسسو صسسغير السسسن‪ .‬فتزوج الوزيسسر عبسسد ال ابسسن محمسسد‬

‫الحضرمسي أمسه‪ ،‬وغلب عليسه‪ ،‬وهسو الذي تزوج أيضاً هذه السسلطانة خديجسة بعسد وفاة‬

‫زوجها الوزير جمال الدين‪ ،‬كما سنذكره‪ .‬فلما بلغ شهاب الدين مبلغ الرجال‪ ،‬أخرج‬

‫ربيبسسه الوزيسسر عبسسد ال‪ ،‬ونفاه إلى جزائر السسسويد‪ .‬واسسستقل بالملك‪ ،‬واسسستوزر أحسسد‬

‫مواليه‪ ،‬ويسمى علي كلكي‪ ،‬ثم عزله بعد ثلثة أعوام‪ ،‬ونفاه إلى السويد‪ .‬وكان يذكر‬

‫عن السلطان شهاب الدين المذكور أنه يختلف إلى حرم أهل دولته وخواصه بالليل‪،‬‬

‫فخلعوه لذلك ونفوه إلى إقليسسم هلدتنسسي‪ ،‬وبعثوا مسسن قتله بهسسا‪ .‬ولم يكسسن بقسسي مسسن بيسست‬

‫الملك إل أخواتسه خديجسة الكسبرى ومريسم وفاطمسة‪ ،‬فقدموا خديجسة سسلطانة‪ ،‬وكانست‬

‫متزوجسة لخطيبهسم جمال الديسن‪ ،‬فصسار وزيراً وغالباً على المسر‪ ،‬وقدم ولده محمداً‬

‫للخطابسة عوضاً منسه‪ .‬ولكن الوامر إنما تنفسذ باسسم خديجسة‪ .‬وهسم يكتبون الوامر فسي‬

‫سسسعف النخسسل بحديدة معوجسسة شبسسه السسسكين‪ .‬ول يكتبون فسسي الكاغسسد إل المصسساحف‬
‫وكتب العلم‪ ،‬ويذكرها الخطيب يوم الجمعة‪ ،‬وغيرها‪ ،‬فيقول‪ :‬اللهم انصر أمتك التي‬

‫اخترتها على علم على العالمين‪ ،‬وجعلتها رحمة لكافة المسلمين‪ ،‬أل وهي السلطانة‬

‫خديجسة بنست السسلطان جلل الديسن ابسن السسلطان صسلح الديسن‪ .‬ومسن عادتهسم إذا قدم‬

‫الغريسب عليهسم‪ ،‬ومضسى إلى المشور‪ ،‬وهسم يسسمونه الدار‪ ،‬فل بسد له أن يسستصحب‬

‫ثوبين‪ ،‬فيخدم لجهة هذه السلطانة‪ ،‬ويرمي بأحدهما‪ ،‬ثم يخدم لوزيرها‪ ،‬وهو زوجها‬

‫جمال الديسن‪ ،‬ويرمسي بالثانسي‪ .‬وجندهسا نحسو ألف نفسر مسن الغرباء‪ ،‬وبعضهسم بلديون‪.‬‬

‫ويأتون كل يوم إلى الدار‪ ،‬فيخدمون وينصرفون‪ .‬ومرتبهم الرز يعطاهم من البندر‬

‫فسي كسل شهسر‪ ،‬فإذا تسم الشهسر أتوا الدار‪ ،‬وخدموا‪ ،‬وقالوا للوزيسر‪ :‬بلغ عنسا الخدمسة‪،‬‬

‫واعلم بأنا أتينا بطلب مرتبنا‪ .‬فيؤمر لهم به عند ذلك‪ .‬ويأتي أيضاً إلى الدار كل يوم‬

‫القاضسسي وأرباب الخطسسط‪ ،‬وهسسم الوزراء عندهسسم‪ ،‬فيخدمون‪ ،‬ويبلغ خدمتهسسم الفتيان‪،‬‬

‫وينصرفون‪.‬‬

‫ذكر أرباب الخطط وسيرهم‬

‫وهم يسمون الوزير الكبر النائب عن السلطانة كلكي " بفتح الكاف الولى واللم‬

‫"‪ ،‬ويسسمون القاضسي فندريارقالوا " وضبسط ذلك بفاء مفتوح ونون مسسكن ودال‬

‫مهمسسسسسسسسل مفتوح وياء آخسسسسسسسسر الحروف والف وراء وقاف والف ولم مضموم "‪،‬‬

‫وأحكامهسم كلهسا راجعسة إلى القاضسي‪ ،‬وهسو أعظسم عندهسم مسن الناس أجمعيسن‪ ،‬وأمره‬

‫كأمسر السسلطان وأشسد‪ ،‬ويجلس على بسساط فسي الدار‪ .‬وله ثلث جزائر‪ ،‬يأخسذ مجباهسا‬

‫لنفسسه‪ .‬عادة قديمسة أجراهسا السسلطان أحمسد شنورازة‪ .‬ويسسمون الخطيسب هنديجري "‬
‫بفتسح الهاء وسسكون النون وكسسر الدال وياء مسد وجيسم مفتوح وراء وياء "‪ .‬ويسسمون‬

‫صسساحب الديوان الفاملداري " بفتسسح الفاء والميسسم والدال المهمسسل "‪ ،‬واسسسم صسساحب‬

‫الشغال مافاكلو " بفتسح الميسم والكاف وضسم اللم "‪ ،‬واسسم الحاكسم فتنايسك " بكسسر‬

‫الفاء وسسسسكون التاء المعلوة وفتسسسح النون والف وياء آخسسسر الحروف مفتوحسسسة أيضاً‬

‫وكاف "‪ ،‬واسسسم قائد البحسسر مانايسسك " بفتسسح الميسسم والنون والياء "‪ .‬وكسسل مسسن هؤلء‬

‫يسسمى وزيراً‪ .‬ول سسجن عندهسم بتلك الجزائر‪ ،‬إنمسا يحبسس أرباب الجرائم فسي بيوت‬

‫خشب‪ ،‬هي معدة لمتعة التجار‪ ،‬ويجعل أحدهم في خشبة‪ ،‬كما يفعل عندنا بأسارى‬

‫الروم‪.‬‬

‫ذكر وصولي إلى هذه الجزائر وتنقل حالي بها‬

‫ولما وصلت إليها نزلت بجزيرة كنلوس‪ ،‬وهي جزيرة حسنة فيها المساجد الكثيرة‪.‬‬

‫ونزلت بدار رجسل مسن صسلحائها‪ ،‬وأضافنسي بهسا الفقيسه علي‪ ،‬وكان فاضلً‪ ،‬له أولد‬

‫مسن طلبسة العلم‪ .‬ولقيست بهسا رجلً اسسمه محمسد مسن أهسل ظفار الحموض‪ ،‬فأضافنسي‬

‫وقال لي‪ :‬إن دخلت جزيرة المهل أمسكك الوزير بها‪ .‬فإنهم ل قاضي عندهم‪ .‬وكان‬

‫غرضسي أن أسسافر منهسا إلى المعسبر وسسرنديب وبنجالة ثسم إلى الصسين‪ .‬وكان قدومسي‬

‫عليهسسسسا فسسسسي مركسسسسب الناخوذة عمسسسسر الهنوري‪ ،‬وهسسسسو مسسسسن الحجاج الفضلء‪.‬‬

‫ولمسا وصسلنا كنلوس أقام بهسا عشراً‪ ،‬ثسم اكترى كندرة يسسافر فيهسا إلى المهسل‪ ،‬بهديسة‬

‫للسسلطانة وزوجهسا‪ ،‬فأردت السسفر معسه‪ ،‬فقال‪ :‬ل تسسعك الكندرة أنست وأصسحابك‪ .‬فإن‬
‫شئت السسفر منفرداً عنهسم فدونسك‪ ،‬فأبيست ذلك‪ ،‬وسسافر‪ .‬فلعبست بسه الريسح‪ ،‬وعاد إلينسا‬

‫بعسد أربعسة أيام‪ ،‬وقسد لقسي شدائد‪ .‬فاعتذر لي‪ ،‬وعزم علي فسي السسفر معسه بأصسحابي‪،‬‬

‫فكنسا نرحسل غدوة‪ ،‬فننزل فسي وسسط النهار لبعسض الجزائر‪ ،‬ونرحسل فنسبيت بأخرى‪.‬‬

‫ووصسسلنا بعسسد أيام إلى إقليسسم التيسسم‪ .‬وكان الكردوي يسسسمى بهسسا هللً‪ ،‬فسسسلم علي‬

‫وأضافني‪ .‬وجاء إلي ومعه أربعة رجال‪ ،‬وقد جعل اثنان منهم‪ ،‬عوداً على أكتافهما‪،‬‬

‫وعلقا منه أربع دجاجات‪ ،‬وجعل الخران عوداً مثله‪ ،‬وعلقا منه نحو عشر من جوز‬

‫النارجيل‪ .‬فعجبت من تعظيمهم لهذا الشيء الحقير‪ .‬فأخبرت أنهم صنعوه على جهة‬

‫الكرامة والجلل‪ .‬ورحلنا عنهم فنزلنا في اليوم السادس بجزيرة عثمان‪ ،‬وهو رجل‬

‫فاضسل مسن خيار الناس‪ ،‬فأكرمنسا وأضافنسا‪ .‬وفسي اليوم الثامسن نزلنسا بجزيرة الوزيسر‪،‬‬

‫يقال له التلمذي‪ .‬وفسسسي اليوم العاشسسسر وصسسسلنا إلى جزيرة المهسسسل‪ ،‬حيسسسث السسسسلطانة‬

‫وزوجها‪ .‬وأرسينا بمرساها‪ .‬وعادتهم أن ل ينزل أحد من المرسى إل بإذنهم‪ .‬فأذنوا‬

‫لنسسا بالنزول‪ ،‬وأردت التوجسسه إلى بعسسض المسسساجد فمنعنسسي الخدام الذيسسن بالسسساحل‪،‬‬

‫وقالوا‪ :‬ل بسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسد مسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن الدخول إلى الوزيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسر‪.‬‬

‫وكنست أوصسيت الناخوذة أن يقول إذا سسئل عنسي‪ :‬ل أعرفسه‪ ،‬خوفاً من إمسساكهم إياي‪.‬‬

‫ولم أعلم أن بعسض أهسل الفضول‪ ،‬قسد كتسب إليهسم معرفاً بخسبري‪ ،‬وأنسي كنست قاضياً‬

‫بدهلي‪ ،‬فلمسا وصسلت إلى الدار‪ ،‬وهسو المشور‪ ،‬ونزلنسا فسي سسقائف على الباب الثالث‬

‫منه‪ ،‬وجاء القاضي عيسى اليمني‪ ،‬فسلم علي‪ ،‬وسلمت على الوزير‪ ،‬وجاء الناخوذة‬

‫إبراهيسم بعشرة أثواب‪ ،‬فخدم لجهسة السسلطانة‪ ،‬ورمسى بثوب منهسا‪ ،‬ثسم خدم للوزيسر‪،‬‬
‫ورمى بثوب آخر‪ ،‬ورمى بجميعها‪ ،‬وسئل عني فقال‪ :‬ل أعرفه‪ .‬ثم أخرجوا التنبول‬

‫وماء الورد‪ ،‬وذلك هو الكرامة عندهم‪ ،‬وأنزلنا بدار‪ ،‬وبعث إلينا الطعام‪ ،‬وهو قصعة‬

‫كسبيرة فيهسا الرز‪ ،‬وتدور بهسا صسحاف فيهسا اللحسم الخليسع والدجاج والسسمن والسسمك‪.‬‬

‫ولما كان بالغد مضيت مع الناخوذة والقاضي عيسى اليمني لزيارة زاوية في طرف‬

‫الجزيرة‪ ،‬عمرهسا الشيسخ الصسالح نجيسب‪ ،‬وعدنسا ليلً‪ .‬وبعسث الوزيسر إلي صسبيحة تلك‬

‫الليلة كسوة وضيافة‪ ،‬فيها الرز والسمن والخليع وجوز النارجيل والعسل المصنوع‬

‫منهسا‪ ،‬وهسم يسسمونه القربانسي " بضسم القاف وسسكون الراء وفتسح الباء الموحدة والف‬

‫ونون وياء "‪ ،‬ومعنى ذلك ماء السكر‪ .‬وأتوا بمائة ودعة للنفقة‪ .‬وبعد عشرة أيام قدم‬

‫مركسب مسن سسيلن فيسه فقراء مسن العرب والعجسم يعرفوننسي‪ .‬فعرفوا خدام الوزيسر‬

‫بأمري‪ ،‬فزاد اغتباطسسسي‪ .‬وبعسسسث عنسسسي عنسسسد اسسسستهلل رمضان‪ ،‬فوجدت المراء‬

‫والوزراء‪ .‬وأحضسر الطعام فسي موائد‪ ،‬يجتمسع على المائدة طائفسة‪ .‬فأجلسسني الوزيسر‬

‫إلى جانبسسه‪ ،‬ومعسسه القاضسسي عيسسسى‪ ،‬والوزيسسر الفاملداري ؛ والوزيسسر عمسسر دهرد‪،‬‬

‫ومعناه مقدم العسسسكر‪ .‬وطعامهسسم الرز والدجاج والسسسمن والسسسمك والخليسسع والموز‬

‫المطبوخ‪ ،‬ويشربون بعده عسسسل النارجيسسل مخلوطاً بالفاويسسه‪ ،‬وهسسو يهضسسم الطعام‪.‬‬

‫وفسسي التاسسسع مسسن شهسسر رمضان مات صسسهر الوزيسسر زوج بنتسسه‪ ،‬وكانسست قبله عنسسد‬

‫السسسلطان شهاب الديسسن‪ ،‬ولم يدخسسل بهسسا أحسسد منهمسسا لصسسغرها‪ ،‬فردهسسا أبوهسسا لداره‪،‬‬

‫وأعطانسي دارهسا‪ ،‬وهسي مسن أجمسل الدور‪ .‬واسستأذنته فسي ضيافسة الفقراء القادميسن مسن‬

‫زيارة القدم فأذن لي في ذلك‪ ،‬وبعث إلي خمساً من الغنم‪ ،‬وهي عزيزة عندهم‪ ،‬لنها‬
‫مجلوبسة مسن المعسبر والمليبار ومقدشسو‪ ،‬وبعسث الرز والدجاج والسسمن والبازيسر‪.‬‬

‫فبعثست ذلك كله إلى دار الوزيسر سسليمان مانايسك‪ ،‬فطبسخ لي بهسا‪ ،‬فأحسسن فسي طبخسه‬

‫وزاد فيسسه‪ ،‬وبعسسث الفرش وأوانسسي النحاس‪ ،‬وأفطرنسسا على العادة بدار السسسلطانة مسسع‬

‫الوزيسر‪ .‬واسستأذنته فسي حضور بعسض الوزراء بتلك الضيافسة‪ ،‬فقال لي‪ :‬وأنسا أحضسر‬

‫أيضاً‪ ،‬فشكرتسسسه وانصسسسرفت إلى داري‪ ،‬فإذا بسسسه قسسسد جاء‪ ،‬ومعسسسه الوزراء وأرباب‬

‫الدولة‪ .‬فجلس في قبة خشب مرتفعة‪ .‬وكان كل من يأتي من المراء والوزراء يسلم‬

‫على الوزيسر‪ ،‬ويرمسي بثوب غيسر مخيسط‪ ،‬حتسى اجتمسع مائة ثوب أو نحوهسا‪ ،‬فأخذهسا‬

‫الفقراء‪ .‬وقدم الطعام فأكلوا‪ ،‬ثم قرأ القراء بالصسوات الحسسان‪ ،‬ثم أخذوا فسي السسماع‬

‫والرقسسسص‪ .‬وأعدت النار‪ ،‬فكان الفقراء يدخلونهسسسا ويطأونهسسسا بالقدام‪ ،‬ومنهسسسم مسسسن‬

‫يأكلها‪ ،‬كما تؤكل الحلواء‪ ،‬إلى أن خمدت‪.‬‬

‫ذكر بعض إحسان الوزير إلي‬

‫ولما تمت الليلة انصرف الوزير‪ ،‬ومضيت معه‪ ،‬فمررنا ببستان للمخزن‪ .‬فقال لي‬

‫الوزيسر‪ :‬هذا البسستان لك‪ ،‬وسسأعمر لك فيسه داراً لسسكناك‪ .‬فشكرت فعله‪ ،‬ودعوت له‪.‬‬

‫ثم بعث لي من الغد بجارية وقال لي خديمه‪ :‬يقول لك الوزير‪ :‬إن أعجبتك هذه فهي‬

‫لك‪ ،‬وإل بعثست لك جاريسة مرهتيسة‪ ،‬وكانست الجواري المرهتيات تعجبنسي‪ ،‬فقلت له‪:‬‬

‫إنما أريد المرهتية‪ ،‬فبعثها لي‪ ،‬وكان اسمها قل استان‪ ،‬ومعناه زهر البستان‪ ،‬وكانت‬

‫تعرف اللسسان الفارسسي فأعجبتنسي‪ .‬وأهسل تلك الجزائر لهسم لسسان لم أكسن أعرفسه‪ ،‬ثسم‬

‫بعسث إلي فسي غسد ذلك بجاريسة معبريسة تسسمى عنسبري‪ .‬ولمسا كانست الليسة بعدهسا‪ ،‬جاء‬
‫الوزيسر إلي بعسد العشاء الخيرة فسي نفسر مسن أصسحابه‪ ،‬فدخسل الدار‪ ،‬ومعسه غلمان‬

‫صسسغيران‪ ،‬فسسسلمت عليسسه‪ ،‬وسسسألني عسسن حالي‪ ،‬فدعوت له وشكرتسسه‪ ،‬فألقسسى أحسسد‬

‫الغلمين بين يديه لقشة "بقشة" ‪ ،‬وهي شبه السبنية‪ ،‬وأخرج منها ثياب حرير‪ ،‬وحقاً‬

‫فيسه جوهسر فأعطانسي ذلك‪ ،‬وقال لي‪ :‬لو بعثتسه لك مسع الجاريسة‪ ،‬لقالت هسو مالي جئت‬

‫بسسه مسسن دار مولي‪ ،‬والن هسسو مالك‪ ،‬فأعطسسه إياه‪ .‬فدعوت له وشكرتسسه‪ ،‬وكان أهلً‬

‫للشكر‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬

‫ذكر تغيره وما أردته من الخروج ومقامي بعد ذلك‬

‫وكان الوزير سليمان مانايك قد بعث إلي أن أتزوج بنته‪ ،‬فبعثت إلى الوزير جمال‬

‫الديسسن مسسستأذنًا فسسي ذلك‪ .‬فعاد إلي الرسسسول‪ ،‬وقال‪ :‬لم يعجبسسه ذلك‪ ،‬وهسسو يحسسب أن‬

‫يزوجك بنته‪ ،‬إذا انقضت عدتها‪ .‬فأبيت أنا ذلك‪ ،‬وخفت من شؤمها‪ ،‬لنه مات تحتها‬

‫زوجان قبل الدخول‪ ،‬وأصابتني أثناء ذلك حمى مرضت بها‪ .‬ول بد لكل من يدخل‪،‬‬

‫تلك الجزيرة أن يحسم‪ ،‬فقوي عزمسي علىالرحلة عنهسا‪ ،‬فبعست بعسض الحلي بالودع‪،‬‬

‫واكتريسست مركباً أسسسافر فيسسه لبنجالة‪ .‬فلمسسا ذهبسست لوداع الوزيسسر خرج إلي القاضسسي‬

‫فقال‪ :‬الوزيسسر يقول لك‪ :‬إن شئت السسسفر‪ ،‬فأعطنسسا مسسا أعطيناك وسسسافر‪ .‬فقلت له‪ :‬إن‬

‫بعسض الحلي اشتريست بسه الودع‪ ،‬فشأنكسم وإياه‪ .‬فعاد إلي فقال‪ :‬يقول‪ :‬إنمسا أعطيناك‬

‫الذهسسب ولم نعطسسك الودع‪ .‬فقلت له‪ :‬أنسسا أبيعسسه‪ ،‬وآتيكسسم بالذهسسب‪ .‬فبعثسست إلى التجار‬

‫ليشتروه منسي‪ ،‬فأمرهسم الوزيسر أن ل يفعلوا‪ .‬وقصسده بذلك كله أن ل أسسافر عنسه‪ .‬ثسم‬

‫بعسث إلي أحسد خواصسه وقال‪ :‬الوزيسر يقول لك‪ :‬أقسم عندنسا‪ ،‬ولك كسل مسا أحببست‪ .‬فقلت‬
‫فسي نفسسي‪ :‬أنسا تحست حكمهسم‪ ،‬وإن لم أقسم مختارًا أقمست مضطراً‪ ،‬فالقامسة باختياري‬

‫أولى‪ .‬وقلت لرسسسوله‪ :‬نعسسم‪ ،‬أنسسا أقيسسم معسسه‪ .‬فعاد إليسسه ففرح بذلك‪ ،‬واسسستدعاني‪ .‬فلمسسا‬

‫دخلت إليه قام إلي وعانقني وقال‪ :‬نحن نريد قربك‪ ،‬وأنت تريد البعد عنا‪ .‬فاعتذرت‬

‫له‪ ،‬فقبسل عذري‪ ،‬وقلت له‪ :‬إن أردتسم مقامسي فأنسا اشترط عليكسم شروطاً‪ .‬فقال‪ :‬نقبلهسا‬

‫فاشترط‪ .‬فقلت له‪ :‬أنسا ل أسستطيع المشسي على قدمسي‪ ،‬ومسن عادتهسم أن ل يركسب أحسد‬

‫هناك إل الوزيسسر‪ .‬ولقسسد كنسست لمسسا أعطونسسي الفرس فركبتسسه‪ ،‬يتبعنسسي الناس رجالً‬

‫وصسسبياناً‪ ،‬يعجبون منسسي حتسسى شكوت له‪ .‬فضربسست الدنقرة‪ ،‬وبرح فسسي الناس أن ل‬

‫يتبعني أحد‪ ،‬والدنقرة " بضم الدال المهمل وسكون النون وضم القاف وفتح الراء "‬

‫شبسسه الطسسست مسسن النحاس تضرب بحديدة‪ ،‬فيسسسمع لهسسا صسسوت على البعسسد‪ .‬فإذا‬

‫ضربوهسسا حينئذ يسسبرح فسسي الناس بمسسا يراد‪ .‬فقال لي الوزيسسر‪ :‬إن أردت أن تركسسب‬

‫الدولة وإل فعندنسا حصسان ورمكسة ‪ ،‬فاختسر أيهمسا شئت‪ .‬فاخترت الرمكسة‪ .‬فأتونسي بهسا‬

‫فسسي تلك السسساعة‪ ،‬وأتونسسي بكسسسوة‪ .‬فقلت له‪ :‬وكيسسف أصسسنع بالودع الذي اشتريتسسه ?‬

‫فقال‪ :‬ابعسث أحسد أصسحابك ليسبيعه لك ببنجالة‪ ،‬فقلت له‪ :‬على أن تبعسث أنست مسن يعينسه‬

‫على ذلك‪ .‬فقال‪ :‬نعسم‪ .‬فبعسث حينئذ رفيقسي أبسا محمسد بسن فرحان‪ ،‬وبعثوا معسه رجلً‬

‫يسسمى الحاج علياً‪ ،‬فاتفسق أن هال البحسر‪ ،‬فرموا بكسل مسا عندهسم‪ ،‬حتسى الزاد والماء‬

‫والصسساري والقربسسة‪ .‬وأقاموا سسست عشرة ليلة ل قلع لهسسم ول سسسكان ول غيره‪ .‬ثسسم‬

‫خرجوا إلى جزيرة سسيلن‪ ،‬بعسد جوع وعطش وشدائد وقدم علي صساحبي أبسو محمد‬

‫بعد سنة‪ ،‬وقد زار القدم‪ ،‬وزارها مرة ثانية معي‪.‬‬


‫ذكر العيد الذي شاهدته معهم‬

‫ولمسا تسم شهسر رمضان بعسث الوزيسر إلي بكسسوة‪ ،‬وخرجنسا إلى المصسلى‪ ،‬وقسد زينست‬

‫الطريق التي يمر الوزير عليها من داره إلى المصلى‪ ،‬وفرشت الثياب فيها‪ ،‬وجعلت‬

‫كتاتسسي الودع يمنسسة ويسسسرة‪ .‬وكسسل مسسن له على طريقسسه دار مسسن المراء والكبار‪ ،‬قسسد‬

‫غرس عندهسا النخسل الصسغار مسن النارجيسل وأشجار الفوفسل والموز‪ ،‬ومسد مسن شجرة‬

‫إلى أخرى شرائط‪ ،‬وعلق منها الجوز الخضر‪ .‬ويقف صاحب الدار عند بابها‪ ،‬فإذا‬

‫مسر الوزيسر رمسى على رجليسه ثوباً مسن الحريسر أو القطسن‪ ،‬فيأخذه عسبيده مسع الودع‬

‫الذي يجعل على طريقه أيضاً‪ ،‬والوزير ماش على قدميه‪ ،‬وعليه فرجية مصرية من‬

‫المرعز‪ ،‬وعمامة كبيرة‪ ،‬وهو متقلد فوطة حرير‪ ،‬وفوق رأسه أربعة شطور‪ ،‬وفي‬

‫رجليسسه النعسسل‪ ،‬وجميسسع الناس سسسواه حفاة‪ .‬والبواق والنفار والطبال بيسسن يديسسه‪،‬‬

‫والعسساكر أمامسه وخلفسه‪ ،‬وجميعهسم يكسبرون حتسى أتوا المصسلى‪ ،‬فخطسب ولده بعسد‬

‫الصسلة‪ .‬ثسم أتسي بمحفسة فركسب فيهسا الوزيسر وخدم المراء والوزراء‪ ،‬ورموا بالثياب‬

‫على العادة‪ .‬ولم يكسسن ركسسب فسسي المحفسسة قبسسل ذلك‪ ،‬لن ذلك ل يفعله إل الملوك‪ .‬ثسسم‬

‫رفعسسه الرجال‪ ،‬وركبسست فرسسسي ودخلنسسا القصسسر‪ .‬فجلس بموضسسع مرتفسسع‪ ،‬وعنده‬

‫الوزراء والمراء‪ ،‬ووقسف العبيسد بالترسسة والسسيوف والعصسي‪ ،‬ثسم أتسي بالطعام ثسم‬

‫الفوفل والتنبول‪ ،‬ثم أتي بصحفة صغيرة فيها الصندل المقاصري‪ .‬فإذا أكلت جماعة‬

‫مسن الناس تلطخوا بالصسندل‪ .‬ورأيست على بعسض طعامهسم يومئذ حوتاً مسن السسردين‬

‫مملوحاً غير مطبوخ‪ ،‬أهدي لهم من كولم‪ ،‬وهو في بلد المليبار كثير‪ .‬فأخذ الوزير‬
‫سسردينة وجعسل يأكلهسا‪ .‬وقال لي‪ :‬كسل منسه‪ ،‬فإنسه ليسس ببلدنسا‪ .‬فقلت‪ :‬كيسف آكله وهسو‬

‫غير مطبوخ? فقال‪ :‬إنه مطبوخ‪ .‬فقلت‪ :‬أنا أعرف به‪ ،‬فإنه ببلدي كثير‪.‬‬

‫ذكر تزوجي ووليتي القضاء‬

‫وفي الثاني من شوال اتفقت مع الوزير سليمان مانايك على تزوج بنته‪ ،‬فبعثت إلى‬

‫الوزيسسسر جمال الديسسسن أن يكون عقسسسد النكاح بيسسسن يديسسسه بالقصسسسر‪ ،‬فأجاب إلى ذلك‪،‬‬

‫وأحضسسر التنبول على العادة والصسسندل‪ ،‬وحضسسر الناس‪ ،‬وأبطسسأ الوزيسسر سسسليمان‪،‬‬

‫فاسستدعي‪ ،‬فلم يأت‪ ،‬ثسم اسستدعي ثانيسة‪ ،‬فاعتذر بمرض البنست‪ .‬فقال لي الوزيسر سسراً‪:‬‬

‫إن بنتسسه امتنعسست‪ ،‬وهسسي مالكسسة أمسسر نفسسسها‪ .‬والناس قسسد اجتمعوا فهسسل لك أن تتزوج‬

‫بربيبة السلطان زوجة أبيها‪ ،‬وهي التي ولده متزوج بنتها ? فقلت له‪ :‬نعم‪ .‬فاستدعى‬

‫القاضسي والشهود‪ ،‬ووقعست الشهادة‪ ،‬ودفسع الوزيسر الصسداق‪ ،‬ورفعست إلي بعسد أام‪،‬‬

‫فكانست من خيار النسساء‪ .‬وبلغ حسن معاشرتها أنهسا كانست إذا تزوجست عليهسا تطيبنسي‬

‫وتبخر أثوابي‪ ،‬وهي ضاحكة‪ ،‬ل يظهر عليها تغير‪ .‬ولما تزوجتها أكرهني الوزير‬

‫على القضاء‪ .‬وسسسبب ذلك اعتراضسسي على القاضسسي‪ ،‬لكونسسه كان يأخسسذ العشسسر مسسن‬

‫التركات‪ ،‬إذا قسسمها على أربابهسا فقلت له‪ :‬إنمسا لك أجرة تتفسق بهسا مسع الورثسة‪ ،‬ولم‬

‫يكن يحسن شيئاً‪ ،‬فلما وليت‪ ،‬اجتهدت جهدي في إقامة رسوم الشرع‪ .‬وليست هنالك‬

‫خصسومات‪ ،‬كمسا هسي ببلدنسا‪ .‬فأول مسا غيرت مسن عوائد السسوء مكسث المطلقات فسي‬

‫ديار المطلقين‪ .‬وكانت إحداهن ل تزال في دار المطلق حتى تتزوج غيره‪ .‬فحسمت‬

‫علة ذلك‪ .‬وأتي إلي بنحو خمسة وعشرين رجلً ممن فعل ذلك‪ ،‬فضربتهم وشهرتهم‬
‫بالسواق‪ ،‬وأخرجت النساء عنهم‪ ،‬ثم اشتددت في إقامة الصلوات‪ ،‬وأمرت الرجال‬

‫بالمبادرة إلى الئمسسة والسسسواق إثسسر صسسلة الجمعسسة‪ ،‬فمسسن وجدوه لم يصسسل ضربتسسه‬

‫وشهرته‪ .‬وألزمت الئمة والمؤذنين أصحاب المرتبات المواظبة على ما هم بسبيله‪،‬‬

‫وكتبت إلى جميع الجزائر بنحو ذلك وجهدت أن أكسو النساء‪ ،‬فلم أقدر على ذلك‪.‬‬

‫ذكر قدوم الوزير عبد ال بن محمد الخضرمي‬

‫الذي نفاه السلطان شهاب الدين إلى السويد وما وقع بيني وبينه‬

‫كنت قد تزوجت ربيبته بنت زوجته‪ ،‬وأحببتها حباً شديداً‪ .‬ولما بعث الوزير عنه‪،‬‬

‫ورده إلى جزيرة المهسل‪ ،‬بعثست له التحسف‪ ،‬وتلقيتسه ومضيست معسه إلى القصسر فسسلم‬

‫على الوزيسسسر‪ ،‬وأنزله فسسسي دار جيدة‪ .‬فكنسسست أزوره بهسسسا‪ .‬واتفسسسق أن اعتكفسسست فسسسي‬

‫رمضان‪ .‬فزارني جميع الناس إل هو‪ ،‬وزارني الوزير جمال الدين‪ ،‬فدخل هو معه‪،‬‬

‫بحكسم الموافقسة‪ .‬فوقعست بيننسا الوحشسة‪ .‬فلمسا خرجست مسن العتكاف شكسا إلي أخوال‬

‫زوجتي ربيبته أولد الوزير جمال الدين السنجري‪ ،‬فإن أباهم أوصى عليهم الوزير‬

‫عبسسسد ال‪ ،‬وأن مسسسا لهسسسم باق بيده‪ ،‬وقسسسد خرجوا عسسسن حجره بحكسسسم الشرع‪ ،‬وطلبوا‬

‫إحضاره بمجلس الحكسم‪ ،‬وكانست عادتسي إذا بعثست عسن خصسم مسن الخصسوم‪ ،‬أبعسث له‬

‫قطعسسة كاغسسد مكتوبسسة‪ ،‬فعندمسسا يقسسف عليهسسا يبادر إلى مجلس الحكسسم الشرعسسي‪ ،‬وإل‬

‫عاقبته‪ ،‬فبعثت إليه على العادة‪ ،‬فأغضبه ذلك‪ ،‬وحقدها لي‪ ،‬وأضمر عداوتي‪ ،‬ووكل‬

‫مسن يتكلم عنسه‪ ،‬وبلغنسي عنسه كلم قبيسح‪ .‬وكانست عادة الناس مسن صسغير وكسبير أن‬

‫يخدموا له كمسسا يخدمون للوزيسسر جمال الديسسن‪ ،‬وخدمتهسسم أن يوصسسلوا السسسبابة إلى‬
‫الرض‪ ،‬ثم يقبلونها ويضعونها على رؤوسهم‪ .‬فأمرت المنادي فنادى بدار السلطان‬

‫على رؤوس الشهاد أنسسه مسسن خدم للوزيسسر عبسسد ال كمسسا يخدم للوزيسسر الكسسبير لزمسسه‬

‫العقاب الشديسسد‪ .‬وأخذت عليسسه أن ل يترك الناس لذلك‪ .‬فزادت عداوتسسه‪ .‬وتزوجسست‬

‫أيضاً زوجة أخرى‪ ،‬بنت وزير معظم عندهم‪ ،‬كان جده السلطان داود حفيد السلطان‬

‫أحمد شنورازة‪ .‬ثم تزوجت زوجة كانت تحت السلطان شهاب الدين‪ ،‬وعمرت ثلث‬

‫ديار بالبسستان الذي أعطانيسه الوزيسر‪ .‬وكانست الرابعسة هسي ربيبسة الوزيسر عبسد ال‪،‬‬

‫تسسكن فسي دارهسا‪ ،‬وهسي أحبهسن إلي فلمسا صساهرت مسن ذكرتسه‪ ،‬هابنسي الوزيسر وأهسل‬

‫الجزيرة‪ ،‬وتخوفوا منسي لجسل ضعفهسم‪ ،‬وسسعوا بينسي وبيسن الوزيسر بالنمائم‪ ،‬وتولى‬

‫الوزير عبد ال كبر ذلك حتى تمكنت الوحشة‪.‬‬

‫ذكر انفصالي عنهم وسبب ذلك‬

‫واتفسق فسي بعسض اليام أن عبداً مسن عبيسد السسلطان الذي شكتسه زوجتسه إلى الوزيسر‪،‬‬

‫وأعلمتسه أنسه عنسد سسرية مسن سسراري السسلطان يزنسي بهسا‪ .‬فبعسث الوزيسر الشهود‪،‬‬

‫ودخلوا دار السسسرية‪ ،‬فوجدوا الغلم نائمًا معهسسا فسسي فراش واحسسد‪ ،‬وحبسسسوهما‪ .‬فلمسسا‬

‫أصسبحت وعلمست بالخسبر‪ ،‬توجهست إلى المشور‪ ،‬وجلسست فسي موضسع جلوسسي‪ ،‬لم‬

‫أتكلم فسسي شسسي مسسن أمرهسسا‪ .‬فخرج إلي بعسسض الخواص فقال‪ :‬يقول لك الوزيسسر‪ :‬ألك‬

‫حاجة ? فقلت‪ :‬ل‪ .‬وكان قصده أن أتكلم في شأن السرية والغلم‪ .‬إذ كانت عادتي أن‬

‫ل تقطسسع قضيسسة إلى حكمسست فيهسسا‪ .‬فلمسسا وقسسع التغيسسر والوحشسسة قصسسرت فسسي ذلك‪.‬‬

‫فانصرفت إلى داري بعد ذلك‪ ،‬وجلست بموضع الحكام‪ .‬فإذا ببعض الوزراء‪ ،‬فقال‬
‫الوزير‪ :‬يقول لك‪ :‬إنه وقع البارحة كيت وكيت‪ ،‬لقضية السرية والغلم‪ ،‬فاحكم فيهما‬

‫بالشرع فقلت له‪ :‬هذه القضية ل ينبغي الحكم أن يكون فيها إل بدار السلطان‪ ،‬فعدت‬

‫إليهسسسا واجتمسسسع الناس وأحضرت السسسسرية والغلم‪ ،‬فأمرت بضربهمسسسا فسسسي الخلوة‪،‬‬

‫وأطلقسست سسسراح المرأة‪ ،‬وحبسسست الغلم‪ .‬وانصسسرفت إلى داري‪ ،‬فبعسسث الوزيسسر إلى‬

‫جماعة من كبراء ناسه في شأن تسريح الغلم‪ ،‬فقلت لهم‪ :‬أتشفعون في غلم زنجي‬

‫يهتسسك حرمسسة موله ? وأنتسسم بالمسسس خلعتسسم السسسلطان شهاب الديسسن وقتلتموه بسسسبب‬

‫دخوله لدار غلم له ? وأمرت بالغلم عنسسد ذلك‪ ،‬فضرب بقضبان الخيزران‪ ،‬وهسسي‬

‫أشسسد وقعاً مسسن السسسياط‪ ،‬وشهرتسسه بالجزيرة‪ ،‬وفسسي عنقسسه حبسسل‪ .‬فذهبوا إلى الوزيسسر‬

‫فأعلموه‪ .‬فقام وقعسد‪ ،‬واسستشاط غضباً‪ ،‬وجمسع الوزراء ووجوه العسسكر‪ ،‬وبعسث عنسي‬

‫فجئته‪ .‬وكانت عادتي أن أخدم له‪ ،‬فلم أخدم‪ .‬وقلت‪ :‬سلم عليكم‪ .‬ثم قلت للحاضرين‪:‬‬

‫اشهدوا علي أنسسي قسسد عزلت نفسسسي عسسن القضاء لعجزي عنسسه‪ .‬فكلمنسسي الوزيسسر‪،‬‬

‫فصسسعدت وقعدت بموضسسع أقابله فيسسه‪ ،‬وجاوبتسسه أغلظ جواب‪ .‬وأذن مؤذن المغرب‪،‬‬

‫فدخسل إلى داره وهسو يقول‪ :‬ويقولون إنسي سسلطان‪ .‬وهسا أنذا طلبتسه لغضسب عليسه‪،‬‬

‫فغضسب علي‪ .‬وإنمسا كان اعتزازي عليهسم بسسبب سسلطان الهنسد‪ ،‬لنهسم تحققوا مكانتسي‬

‫عنده‪ ،‬وإن كانوا على بعسد منسه‪ ،‬فخوفسه فسي قلوبهسم متمكسن‪ .‬فلمسا دخلنسا إلى داره بعسث‬

‫إلي القاضسسي المعزول‪ ،‬وكان جريسسء اللسسسان‪ ،‬فقال لي‪ :‬إن مولنسسا يقول لك‪ :‬كيسسف‬

‫هتكست حرمتسه على رؤوس الشهاد ولم تخدم له ? فقلت له‪ :‬إنمسا كنست أخدم له حيسن‬

‫كان قلبي له طيباً‪ ،‬فلما وقع التغير تركت ذلك‪ ،‬وتحية المسلمين إنما هي السلم‪ ،‬وقد‬
‫سسسلمت‪ .‬فبعثسسه إلي ثانيسسة فقال‪ :‬إنمسا غرضسك الرحيسسل عنسا‪ ،‬فأعسسط صسداقات النسساء‬

‫وديون الناس‪ ،‬وانصسسرف إذا شئت‪ .‬فخدمسست له على هذا القول‪ ،‬وذهبسست إلى داري‪،‬‬

‫فخلصست ممسا علي مسن الديسن‪ .‬وقسد أعطانسي فسي تلك اليام فرش دار وجهازهسا مسن‬

‫أوانسي نحاس وسسواها‪ .‬وكان يعطينسي كسل مسا أطلبسه‪ ،‬ويحبنسي ويكرمنسي‪ ،‬ولكنسه غيسر‬

‫خاطره‪ ،‬وتخوف مني‪ .‬فلما عرف أني قد خلصت الدين وعزمت على الرحيل‪ ،‬ندم‬

‫على مسا قاله‪ ،‬وتلكسأ فسي الذن لي فسي الرحيسل‪ .‬فحلفست باليمان المغلظسة أن ل بسد مسن‬

‫رحيلي‪ .‬ونقلت مسا عندي إلى مسسجد على البحسر‪ ،‬وطلقست إحدى الزوجات‪ ،‬وكانست‬

‫إحداهسسن حاملً‪ ،‬فجعلت لهسسا أجلً تسسسعة أشهسسر‪ ،‬إن عدت فبهسسا‪ ،‬وإل فأمرهسسا بيدهسسا‪.‬‬

‫وحملت معي زوجتي التي كانت امرأة السلطان شهاب الدين لسلمها لبيها بجزيرة‬

‫ملوك‪ ،‬وزوجتي الولى التي بنتها أخت السلطانة‪ .‬وتوافقت مع الوزير عمر دهرد‪،‬‬

‫والوزير حسن قائد البحر‪ ،‬على أن أمضي إلى بلد المعبر‪ .‬وكان ملكها سلفي فأبى‬

‫مدها بالعساكر لترجع الجزائر إلى حكمه‪ ،‬وأنوب أنا عنه فيها‪ .‬وجعلت بيني وبينهم‬

‫علمة‪ :‬رفسع أعلم بيسض في المراكب‪ .‬فإذا رأوها ثاروا فسي البحر‪ .‬ولم أكن حدثت‬

‫نفسي بهذا قط‪ ،‬حتى وقع ما وقع من التغير‪ .‬وكان الوزير خائفاً مني يقول الناس‪ :‬ل‬

‫بسد لهذا أن يأخسذ الوزارة‪ ،‬إمسا فسي حياتسي وإمسا بعسد مماتسي‪ .‬ويكثسر السسؤال عسن حالي‪،‬‬

‫ويقول‪ :‬سسسمعت أن ملك الهنسسد بعسسث إليسسه الموال ليثور بهسسا علي‪ .‬وكان يخاف مسسن‬

‫سسفري لئل آتسي بالجيوش مسن بلد المعسبر‪ .‬فبعسث إلي أن أقيسم حتسى يجهسز لي مركباً‬

‫فأبيست‪ .‬وشكست أخست السسلطانة إليهسا بسسفر أمهسا معسي‪ ،‬فأرادت منعهسا فلم تقدر على‬
‫ذلك‪ .‬فلمسا رأت عزمهسا على السسفر قالت لهسا‪ :‬إن جميسع مسا عندك مسن الحلي هسو مسن‬

‫مال البندر‪ ،‬فإن كان لك شهود بأن جلل الديسن وهبسه لك‪ ،‬وإل فرديسه‪ ،‬وكان حلياً له‬

‫خطسر فردتسه إليهسم‪ ،‬وأتانسي الوزراء والوجوه‪ ،‬وأنسا بالمسسجد‪ ،‬وطلبوا منسي الرجوع‬

‫فقلت لهم‪ :‬لول أني حلفت لعدت‪ .‬فقالوا‪ :‬تذهب لى بعض علماء الجزائر ليبر قسمك‬

‫وتعود‪ .‬فقلت لهم‪ :‬نعسم‪ :‬إرضاء لهسم‪ .‬فلمسا كانت الليلة التسي سافرت فيها‪ ،‬أتيت لوداع‬

‫الوزيسسر فعانقنسسي وبكسسى حتسسى قطرت دموعسسه على قدمسسي‪ ،‬وبات تلك الليسسة يحرس‬

‫الجزيرة بنفسسه خوفاً أن يثور عليسه أصسهاري وأصسحابي‪ .‬ثسم سسافرت ووصسلت إلى‬

‫جزيرة الوزيسسر علي‪ .‬فأصسسابت زوجتسسي أوجاع عظيمسسة‪ ،‬وأحبسست الرجوع فطلقتهسسا‪،‬‬

‫وتركتها هنالك‪ ،‬وكتبت للوزير بذلك لنها أم زوجة ولده‪ ،‬وطلقت التي كنت ضربت‬

‫لهسا الجسل‪ .‬وبعثست عسن جاريسة كنست أحبهسا‪ ،‬وسسرنا فسي تلك الجزائر مسن إقليسم إلى‬

‫إقليسم‪ .‬سسافرت فيهسا‪ ،‬أتيست لوداع الوزيسر فعانقنسي وبكسى حتسى قطرت دموعسه على‬

‫قدمسسسي‪ ،‬وبات تلك الليسسسة يحرس الجزيرة بنفسسسسه خوفاً أن يثور عليسسسه أصسسسهاري‬

‫وأصسحابي‪ .‬ثسم سسافرت ووصسلت إلى جزيرة الوزيسر علي‪ .‬فأصسابت زوجتسي أوجاع‬

‫عظيمسسة‪ ،‬وأحبسست الرجوع فطلقتهسسا‪ ،‬وتركتهسسا هنالك‪ ،‬وكتبسست للوزيسسر بذلك لنهسسا أم‬

‫زوجسة ولده‪ ،‬وطلقست التسي كنت ضربت لهسا الجسل‪ .‬وبعثت عسن جاريسة كنت أحبهسا‪،‬‬

‫وسرنا في تلك الجزائر من إقليم إلى إقليم‪.‬‬


‫ذكر النساء ذوات الثدي الواحد‬

‫وفسسي بعسسض تلك الجزائر‪ ،‬رأيسست امرأة لهسسا ثدي واحسسد فسسي صسسدرها‪ ،‬ولهسسا ابنتان‬

‫إحداهما كمثلها ذات ثدي واحد‪ ،‬والخرى ذات ثديين‪ ،‬إل أن أحدهما كبير فيه اللبن‪،‬‬

‫والخر صغير ل لبن فيه‪ .‬فعجبت من شأنهن‪ ،‬ووصلنا إلى جزيرة من تلك الجزائر‬

‫ليس بها إل دار واحدة فيها رجل حائك له زوجة وأولد‪ ،‬ونخيلت نارجيل‪ ،‬وقارب‬

‫صسغير يصسطاد فيسه السسمك‪ .‬ويسسير إلى حيسث أراد مسن الجزائر‪ .‬وفسي جزيرتسه أيضاً‬

‫شجيرات موز‪ .‬ولم نسسر فيهسسا مسسن طيور البر غيسسر غرابيسسن خرجسسا إلينسسا لمسسا وصسسلنا‬

‫الجزيرة وطافسا بمركبنسا‪ .‬فغبطست وال ذلك الرجسل‪ ،‬وودت أن لو كانست تلك الجزيرة‬

‫لي‪ ،‬فانقطعت فيها إلى أن يأتيني اليقين‪ .‬ثم وصلت إلى جزيرة ملوك‪ ،‬حيث المركب‬

‫الذي للناخوذة إبراهيسم‪ ،‬وهسو الذي عزمست على الرحيسل فيسه إلى المعسبر‪ .‬فجاء إلي‬

‫ومعسه أصسحابه‪ ،‬وأضافونسي ضيافسة حسسنة‪ .‬وكان الوزيسر قسد كتسب لي أن أعطسي بهذه‬

‫الجزيرة مائة وعشرين بستوا من الكودة‪ ،‬وهي الودع‪ ،‬وعشرين قدحاً من الطوان‪،‬‬

‫وهسسي عسسسل النارجيسسل‪ ،‬وعدداً معلوماً مسسن التنبول والفوفسسل والسسسمك فسسي كسسل يوم‪.‬‬

‫وأقمت بهذه الجزيرة سبعين يوماً‪ ،‬وتزوجت بها امرأتين‪ .‬وهي من أحسن الجزائر‪،‬‬

‫خضرة نضرة‪ ،‬رأيسست مسسن عجائبهسسا أن الغصسسن ينقطسسع مسسن شجرهسسا ويركسسز على‬

‫الرض أو الحائط فيورق ويصير شجرة‪ .‬ورأيت الرمان بها ل يقتطع له ثمر بطول‬

‫أيام السسسنة‪ .‬وخاف أهسسل هذه الجزيرة مسسن الناخوذة إبراهيسسم أن ينهبهسسم عنسسد سسسفره‪،‬‬

‫فأرادوا إمسساك مسا فسي مركبسه مسن السسلح حتسى يوم سسفره‪ ،‬فوقعست المشاجرة بسسبب‬
‫ذلك‪ ،‬وعدنسسا إلى المهسسل‪ ،‬ولم ندخلهسسا‪ .‬وكتبسست إلى الوزيسسر معلماً بذلك‪ ،‬فكتسسب أن ل‬

‫سسبيل لخسذ السسلح‪ .‬وعدنسا إلى ملوك‪ ،‬وسسافرنا منهسا فسي نصسف ربيسع الثانسي عام‬

‫خمسسة وأربعيسن‪ .‬وفسي شعبان مسن هذه السسنة توفسي الوزيسر جمال الديسن رحمسه ال‪.‬‬

‫وكانت السلطانة حاملً منه‪ ،‬فولدت إثر وفاته‪ ،‬وتزوجها الوزير عبد ال‪ .‬وسافرنا‪،‬‬

‫ولم يكن معنا رئيس عارف‪ .‬ومسافة ما بين الجزائر والمعبر ثلثة أيام‪ ،‬فسرنا نحو‬

‫تسسعة أيام‪ .‬وفسي التاسسع منهسا خرجنسا إلى جزيرة سسيلن‪ ،‬ورأينسا جبسل سسرنديب فيهسا‬

‫ذاهباً في السماء كأنه عمود دخان‪ .‬ولما وصلناها قال البحرية‪ :‬إن هذا المرسى ليس‬

‫فسسي بلد السسسلطان الذي يدخسسل التجار إلى بلده آمنيسسن‪ ،‬إنمسسا هذا مرسسسى فسسي بلد‬

‫السلطان إيري شكروتي‪ ،‬وهو من العتاة المفسدين‪ .‬وله مراكب تقطع البحر‪ ،‬فخفنا‬

‫أن ننزل بمرساه‪ .‬ثم اشتدت الريح فخفنا الغرق فقلت للناخوذة‪ :‬نزلني على الساحل‪،‬‬

‫وأنسا آخسذ لك المان مسن هذا السسلطان‪ ،‬ففعسل ذلك‪ ،‬وأنزلنسي بالسساحل‪ .‬فأتانسا الكفار‬

‫فقالوا‪ :‬مسن أنتسم ? فأخسبرتهم أنسي سسلف سسلطان المعسبر وصساحبه‪ ،‬جئت لزيارتسه‪ .‬وأن‬

‫الذي فسسسي هذا المركسسب هديسسسة له‪ .‬فذهبوا إلى سسسسلطانهم فأعلموه بذلك‪ ،‬فاسسسستدعاني‬

‫فذهبسست له إلى مدينسسة بطالة " وضبسسط اسسسمها بفتسسح الباء الموحدة والطاء المهمسسل‬

‫وتشديدهسسا "‪ ،‬وهسسي حضرتسسه‪ ،‬مدينسسة صسسغيرة حسسسنة‪ ،‬عليهسسا سسسور خشسسب‪ ،‬وأبراج‬

‫خشسب‪ .‬وجميسع سسواحلها مملوءة بأعواد القرفسة‪ .‬تأتسي بهسا السسيول فتجمسع بالسساحل‪،‬‬

‫كأنها الروابي‪ ،‬ويحملها أهل المعبر والمليبار دون ثمن‪ .‬إل أنهم يهدون للسلطان في‬

‫مقابلة ذلك الثوب ونحوه‪ .‬وبيسسن بلد المعسسبر وهذه الجزيرة مسسسيرة يوم وليلة‪ .‬وبهسسا‬
‫أيضاً مسسن خشسسب البقسسم كثيسسر‪ ،‬ومسسن العود الهندي المعروف بالكلخسسي‪ ،‬إل أنسسه ليسسس‬

‫كالقماري والقاقلي ‪ ،‬وسنذكره‪.‬‬

‫ذكر سلطان سيلن‬

‫واسمه إيري شكروتي " بفتح الهمزة وسكون الياء وكسر الراء ثم ياء وشين معجم‬

‫مفتوح وكاف مثله وراء مسسسسكنة وواو مفتوح وتاء معلوة مكسسسسورة وياء "‪ ،‬وهسسسو‬

‫سلطان قوي في البحر‪ .‬رأيت مرة وأنا بالمعبر‪ ،‬مائة مركب من مراكبه بين صغار‬

‫وكبار‪ .‬وصسلت إلى هنالك‪ ،‬وكانست بالمرسسى ثمانيسة مراكسب للسسلطان برسسم السسفر‬

‫إلى اليمسن‪ ،‬فأمسر السسلطان بالسستعداد‪ ،‬وحشسد الناس لحمايسة أجفانسه‪ .‬فلمسا يئسسوا مسن‬

‫انتهاز الفرصسة فيهسا‪ ،‬قالوا‪ :‬إنسا جئنسا لحمايسة مراكسب لنسا تسسير أيضاً إلى اليمسن‪ .‬ولمسا‬

‫دخلت على هذا السسلطان الكافسر‪ ،‬قام الي وأجلسسني إلى جانبسه وكلمنسي بأحسسن كلم‪،‬‬

‫وقال‪ :‬ينزل أصسسسحابك على المان‪ ،‬ويكونون فسسسي ضيافتسسسي إلى أن يسسسسافروا‪ .‬فإن‬

‫سلطان المعبر‪ ،‬بيني وبينه الصحبة‪ ،‬ثم أمر بإنزالي‪ ،‬فأقمت عدة ثلثة أيام في إكرام‬

‫عظيسم متزايسد‪ ،‬فسي كسل يوم‪ .‬وكان يفهسم اللسسان الفارسسي‪ ،‬ويعجبسه مسا أحدثسه بسه عسن‬

‫الملوك والبلد‪ .‬ودخلت عليه يوماً وعنده جواهسر كثيرة أتسى بها من مغاص الجوهر‬

‫الذي ببلده‪ ،‬وأصسحابه يميزون النفيسس منهسا مسن غيره‪ .‬فقال لي‪ :‬هسل رأيست مغاص‬

‫الجوهسر فسي البلد التسي جئت منهسا ? فقلت له‪ :‬نعسم‪ ،‬رأيتسه بجزيرة قيسس‪ ،‬وجزيرة‬

‫كسش‪ ،‬التسي لبسن السسواملي‪ .‬فقال‪ :‬سسمعت بهسا ثسم أخذت منسه حبات‪ .‬فقال‪ :‬أيكون فسي‬

‫تلك الجزيرة مثسل هذه ? فقلت له‪ :‬رأيست مسا هسو دونهسا‪ .‬فأعجبسه ذلك‪ .‬وقال‪ :‬هسي لك‪.‬‬
‫وقال لي‪ :‬ل تسستحي‪ ،‬واطلب منسي مسا شئت‪ .‬فقلت له‪ :‬ليسس مرادي منسذ وصسلت هذه‬

‫الجزيرة إل زيارة القدم الكريمسسة‪ ،‬قدم آدم عليسسه السسسلم‪ ،‬وهسسم يسسسمونه " بابسسا "‪،‬‬

‫ويسمون حواء " ماما "‪ .‬قال‪ :‬هذا هين‪ .‬نبعث معك من يوصلك‪ .‬فقلت‪ :‬ذلك أريد‪ .‬ثم‬

‫قلت له‪ :‬وهذا المركسب الذي جئت بسه‪ ،‬يسسافر آمنسا إلى المعسبر‪ ،‬وإذا عدت أنسا بعثتنسي‬

‫فسي مراكبسك‪ .‬فقال نعسم‪ .‬فلمسا ذكرت ذلك لصساحب المركسب‪ ،‬قال لي‪ :‬ل أسسافر حتسى‬

‫تعود‪ ،‬ولو أقمست سسنة بسسببك‪ .‬فأخسبرت السسلطان بذلك‪ .‬فقال‪ :‬يقيسم فسي ضيافتسي حتسى‬

‫تعود‪ .‬فأعطانسي دولة يحملهسا عسبيده على أعناقهسم‪ ،‬وبعسث معسي أربعسة مسن الجوكيسة‬

‫الذين عادتهم السفر كل عام إلى زيارة القدم‪ ،‬وثلثة من البراهمة‪ ،‬وعشرة من سائر‬

‫أصسسحابه‪ .‬وخمسسسة عشسسر رجلً يحملون الزاد‪ .‬وأمسسا الماء فهسسو بتلك الطريسسق كثيسسر‪.‬‬

‫ونزلنا ذلك اليوم على واد جزناه في معدية مصنوعة من قصب الخيزران‪ ،‬ثم رحلنا‬

‫من هنالك إلى منار مندلي " وضبط ذلك بفتح الميم والنون وألف وراء مسكنة وميم‬

‫مفتوح ونون مسسكن ودال مهمسل مفتوح ولم مسسكور وياء "‪ ،‬مدينسة حسسنة هسي آخسر‬

‫عمالة السسسسلطان‪ .‬أضافنسسسا أهلهسسسا ضيافسسسة حسسسسنة‪ .‬وضيافتهسسسم عجول الجواميسسسس‬

‫يصسسسطادونها بغابسسسة هنالك‪ .‬ويأتون بهسسسا أحياء‪ ،‬ويأتون بالرز والسسسسمن والحوت‬

‫والدجاج واللبسن‪ .‬وليسس بالمدينسة مسسلم غيسر رجسل خراسساني انقطسع بسسبب مرضسه‪،‬‬

‫فسسافر معنسا‪ .‬ورحلنسا إلى بندرسسلوات " وضبطسه بفتسح الباء الموحدة وسسكون النون‬

‫وفتسسح الدال المهمسسل وسسسكون الراء وفتسسح السسسين المعمسسل واللم والواو والف وتاء‬

‫معلوة "‪ ،‬بلدة صغيرة‪ .‬وسافرنا منها في أوعار كثيرة المياه‪ ،‬وبها الفيلة الكثيرة‪ ،‬إل‬
‫أنها ل تؤذي الزوار والغرباء‪ .‬وذلك ببركة الشيخ أبي عبد ال بن خفيف رحمه ال‪،‬‬

‫وهسسسسو أول مسسسسن فتسسسسح هذا الطريسسسسق إلى زيارة القدم‪ ،‬وكان هؤلء الكفار يمنعون‬

‫المسلمين من ذلك‪ ،‬ويؤذونهم ول يؤاكلونهم ول يبايعونهم‪ .‬فلما اتفق للشيخ أبي عبد‬

‫ال مسا ذكرنسا فسي السسفر الول مسن قتسل الفيلة لصسحابه‪ ،‬وسسلمته مسن بينهسم‪ ،‬وحمسل‬

‫الفيسسل له على ظهره‪ ،‬صسسار الكفار مسسن ذلك العهسسد يعظمون المسسسلمين‪ ،‬ويدخلونهسسم‬

‫دورهسم‪ ،‬ويطعمون معهسم ويطمئنون لهسم بأهلهسم وأولدهسم‪ .‬وهسم إلى الن يعظمون‬

‫الشيسخ المذكور أشسد تعظيماً‪ ،‬ويسسمونه الشيسخ الكسبير‪ .‬ثسم وصسلنا بعسد ذلك إلى مدينسة‬

‫كنكار " وضبسط اسسمها بضسم الكاف الول وفتسح النون والكاف الثانيسة وآخره راء "‪،‬‬

‫وهسي حضرة السسلطان الكسبير بتلك البلد‪ ،‬وبناؤهسا فسي خندق بيسن جسبيلين على خور‬

‫كبير يسمى بخور الياقوت‪ ،‬لن الياقوت يوجد به‪ .‬وبخارج هذه المدينة مسجد الشيخ‬

‫عثمان الشيرازي المعروف بشاوش " بشينيسسسسن معجميسسسسن بينهمسسسسا واو مضموم "‪،‬‬

‫وسسلطان هذه المدينسة وأهلهسا يزورونسه ويعظمونسه‪ .‬وهسو كان الدليسل إلى القدم‪ ،‬فلمسا‬

‫قطعت يده ورجله‪ ،‬صار الدلء أولده وغلمانه‪ ،‬وسبب قطعه أنه ذبح بقرة‪ ،‬وحكم‬

‫كفار الهنود أنسه مسن ذبسح بقرة ذبسح كمثلهسا‪ ،‬أو جعسل فسي جلدهسا وحرق‪ .‬وكان الشيسخ‬

‫عثمان معظماً فقطعوا يده ورجله‪ ،‬وأعطوه مجبى بعض السواق‪.‬‬

‫ذكر سلطان كنكار‬

‫وهو يعرف بالكنار " بضم الكاف وفتح النون وألف وراء "‪ ،‬وعنده الفيل البيض‪.‬‬

‫ولم أر فسي الدنيسا فيلً أبيسض سسواه‪ ،‬يركبسه فسي العياد‪ ،‬ويجعسل على جبهتسه أحجار‬
‫الياقوت العظيمة‪ .‬واتفق له أن قام عليه أهل دولته‪ ،‬وسملوا عينيه‪ ،‬وولوا ولده وهو‬

‫هنالك أعمى‪.‬‬

‫ذكر الياقوت‬

‫والياقوت العجيسب البهرمان إنمسا يكون بهذه البلدة‪ .‬فمنسه مسا يخرج مسن الخور‪ ،‬وهسو‬

‫عزيسز عندهسم‪ ،‬ومنسه مسا يحفسر عنسه‪ .‬وفسي جزيرة سسيلن يوجسد الياقوت فسي جميسع‬

‫مواضعهسا‪ ،‬وهسي متملكسة‪ .‬فيشتري النسسان القطعسة منهسا‪ ،‬ويحفسر عسن الياقوت‪ ،‬فيجسد‬

‫أحجاراً بيضاء مشعبسة‪ ،‬وهسي التسي يتكون الياقوت فسي أجوافهسا‪ ،‬فيعطيهسا الحكاكيسن‪،‬‬

‫فيحكونها حتى تنفلق عن أحجار الياقوت‪ .‬فمنه الحمر ومنه الصفر ومنه الرزق‬

‫ويسسمونه النيلم " بفتسح النون واللم وسسكون الياء آخسر الحروف "‪ ،‬وعادتهسم أن مسا‬

‫بلغ ثمنه من أحجار الياقوت إلى مائة فنم " بفتح الفاء والنون " فهو للسلطان‪ ،‬يعطي‬

‫ثمنه ويأخذه‪ .‬وما نقص عن تلك القيمة فهو لصحابه‪ .‬وصرف مائة فنم ستة دنانير‬

‫مسن الذهسب‪ .‬وجميسع النسساء بجزيرة سسيلن لهسن القلئد مسن الياقوت الملون‪ ،‬ويجعلنسه‬

‫فسي أيديهسن وأرجلهسن عوضاً مسن السسورة والخلخيسل‪ .‬وجواري السسلطان يصسنعن‬

‫منه شبكة يجعلنها على رؤوسهن‪ .‬ولقد رأيت على جبهة الفيل البيض سبعة أحجار‬

‫منسسه‪ .‬كسسل حجسسر أعظسسم مسسن بيضسسة الدجاج‪ .‬ورأيسست عنسسد السسسلطان أيري شكروتسسي‬

‫سسكرجة على مقدار الكسف من الياقوت‪ ،‬فيهسا دهن العود‪ .‬فجعلت أعجسب منهسا‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫إن عندنسا مسا هسو أضخسم مسن ذلك‪ .‬ثسم سسافرنا مسن كنكار فنزلنسا بمغارة تعرف باسسم‬

‫اسطا محمود اللوري " بضم اللم "‪ ،‬وكان من الصالحين‪ ،‬واحتفر تلك المغارة في‬
‫سسفح جبسل‪ ،‬عنسد خور صسغير هنالك‪ .‬ثسم رحلنسا عنهسا ونزلنسا بالخور المعروف بخور‬

‫بوزنه " بالباء الموحدة وواو وزاي ونون وهاء "‪ ،‬وبوزنه هي القرود‪.‬‬

‫ذكر القرود‬

‫والقرود بتلك الجبال كثيرة جداً‪ ،‬وهسسي سسسود اللوان‪ ،‬لهسسا أذناب طوال‪ .‬ولذكورهسسا‬

‫لحسى كمسا هسي للدمييسن‪ .‬وأخسبرني الشيسخ عثمان وولده وسسواهما أن هذه القرود لهسا‬

‫مقدم تتبعسه كأنسه سسلطان‪ ،‬يشسد على رأسسه عصسابة مسن أوراق الشجار‪ ،‬يتوكسأ على‬

‫عصسا‪ ،‬ويكون عسن يمينسه ويسساره أربعسة مسن القرود ولهسا عصسي بأيديهسا‪ .‬وأنسه إذا‬

‫جلس القرد المقدم تقسسف القرود الربعسة على رأسسسه‪ :‬وتأتسسي أنثاه وأولده فتقعسد بيسن‬

‫يديسسه كسسل يوم‪ ،‬وتأتسسي القرود فتقعسسد على بعسسد منسسه‪ .‬ثسسم يكلمهسسا أحسسد القرود الربعسسة‬

‫فتنصسرف القرود كلهسا‪ .‬ثسم يأتسي كسل فرد منهسا بموزة أو ليمونسة أو شبسه ذلك‪ ،‬فيأكسل‬

‫القرد المقدم وأولده والقرود الربعسسة‪ .‬وأخسسبرني بعسسض الجوكيسسة أنسسه رأى القرود‬

‫الربعسة بيسن يدي مقدمهسا‪ ،‬وهسي تضرب بعسض القرود بالعصسي‪ ،‬ثسم نتفست وبره بعسد‬

‫ضربسه‪ .‬وذكسر لي الثقات أنسه إذا ظفسر قرد مسن هذه القرود بصسبية ل تسستطيع الدفاع‬

‫عسسن نفسسسها جامعهسسا‪ .‬وأخسسبرني بعسسض أهسسل هذه الجزيرة أنسسه كان بداره قرد منهسسا‪،‬‬

‫فدخلت بنت له بعض البيوت‪ ،‬فدخل عليها‪ ،‬فصاحت به‪ ،‬فغلبها‪ ،‬قال‪ :‬ودخلنا عليها‬

‫وهسو بيسن رجليهسا فقتلناه‪ .‬ثسم كان رحيلنسا إلى خور الخيزران‪ .‬ومسن هذا الخور أخرج‬

‫أبسسو عبسسد ال بسسن خفيسسف الياقوتتيسسن اللتيسسن أعطاهمسسا لسسسلطان هذه الجزيرة‪ ،‬حسسسبما‬

‫ذكرناه فسسي السسسفر الول‪ .‬ثسسم رحلنسسا إلى موضسسع يعرف بسسبيت العجوز‪ ،‬وهسسو آخسسر‬
‫العمارة‪ .‬ثسم رحلنسا إلى مغارة بابسا طاهسر‪ ،‬وكان مسن الصسالحين‪ ،‬ثسم رحلنسا إلى مغارة‬

‫السسبيك " بفتسح السسين المهمسل وكسسر الباء الموحدة وياء مسد وكاف "‪ ،‬وكان السسبيك‬

‫من سلطين الكفار‪ ،‬وانقطع للعبادة هنالك‪.‬‬

‫ذكر العلق الطيار‬

‫وبهذا الموضسع رأينسا العلق الطيار‪ ،‬ويسسمونه الزلو " بضسم الزاي واللم "‪ ،‬ويكون‬

‫بالشجار والحشائش التي تقرب من الماء‪ .‬فاذا قرب النسان منه وثب عليه‪ .‬فحيثما‬

‫وقسع مسن جسسده‪ ،‬خرج منسه الدم الكثيسر‪ .‬والناس يعدون له الليمون‪ ،‬يعصسرونه عليسه‪،‬‬

‫فيسقط عنهم‪ .‬ويجردون الموضع الذي يقع عليه بسكين خشب معه لذلك‪ .‬ويذكر أن‬

‫بعسض الزوار مسر بذلك الموضسع فتعلقست بسه العلق‪ ،‬فأظهسر الجلد‪ ،‬ولم يعصسر عليهسا‬

‫الليمون‪ ،‬فنزف دمسسسه ومات‪ .‬وكان اسسسسمه بابسسسا خوزي " بالخاء المعجسسسم المضموم‬

‫والزاي "‪ ،‬وهنالك مغارة تنسسسب إليسسه‪ .‬ثسسم رحلنسسا إلى السسسبع مغارات‪ ،‬ثسسم إلى عقبسسة‬

‫اسسسكندر‪ ،‬ثسسم مغارة الصسسفهاني وعيسسن ماء‪ ،‬وقلعسسة غيسسر عامرة تحتهسسا خور يعرف‬

‫بغوطسسسة كاه عارفان‪ ،‬وهنالك مغارة النارنسسسج‪ ،‬ومغارة السسسسلطان‪ ،‬وعندهسسسا دروازة‬

‫الجبل أي بابه‪.‬‬

‫ذكر جبل سرنديب‬

‫وهسسو مسسن أعلى جبال الدنيسسا‪ .‬رأيناه مسسن البحسسر‪ ،‬وبيننسسا وبينسسه مسسسيرة تسسسعة‪ .‬ولمسسا‬

‫صسعدناه كنسا نرى السسحاب أسسفل‪ ،‬قسد حال بيننسا وبيسن رؤيسة أسسفله‪ .‬وفيسه كثيسر مسن‬

‫الشجار التسسي ل يسسسقط لهسسا ورق‪ ،‬والزاهيسسر الملونسسة‪ ،‬والورد الحمسسر على قدر‬
‫الكف‪ .‬ويزعمون أن في ذلك الورد كتابة يقرأ منها اسم ال تعالى واسم رسوله عليه‬

‫الصسسلة والسسسلم‪ .‬وفسسي الجبسسل طريقان إلى القدم‪ :‬أحدهمسسا يعرف بطريسسق " بابسسا "‪،‬‬

‫والخر بطريق " ماما "‪ .‬يعنون آدم وحواء عليهما السلم‪ .‬فأما طريق ماما فطريق‬

‫سسهل‪ ،‬عليسه يرجسع الزوار إذا رجعوا‪ .‬ومسن مضسى عليسه فهسو عندهسم كمسن لم يزر‪،‬‬

‫وأمسا طريسق بابسا فصسعب‪ ،‬وعسر المرتقسى‪ .‬وفسي أسسفل الجبسل حيسث دروازتسه‪ ،‬مغارة‬

‫تنسب أيضاً للسكندر وعين ماء‪ .‬ونحت ألولون في الجبل شبه درج يصعد عليها‪،‬‬

‫وغرزوا فيهسا أوتاد الحديسد‪ ،‬وعلقوا منهسا السسلسل ليتمسسك بهسا مسن يصسعده‪ .‬وهسي‬

‫عشسر سسلسل‪ ،‬اثنتان فسي أسسفل الجبسل إلى حيسث الدروازة‪ ،‬وسسبع متواليسة بعدهسا‪،‬‬

‫والعاشرة هسي سسلسلة الشهادة‪ .‬لن النسسان إذا وصسل إليهسا ونظسر إلى أسسفل الجبسل‬

‫أدركه الوهم خوف السقوط‪ .‬ثم إذا جاوزت هذه السلسلة‪ ،‬وجدت طريقاً مهملة‪ .‬ومن‬

‫السسلسلة العاشرة إلى مغارة الخضسر سسبعة أميال‪ .‬وهسي فسي موضسع فسسيح‪ ،‬عندهسا‬

‫عين ماء تنسب إليه أيضاً ملى بالحوت‪ ،‬ول يصطاده أحد‪ .‬وبالقرب منها حوضان‬

‫منحوتان في الحجارة عن جانبي الطريق‪ .‬وبمغارة الخضر يترك الزوار ما عندهم‪،‬‬

‫ويصعدون منها ميلين إلى أعلى الجبل حيث القدم‪.‬‬

‫ذكر القدم‬

‫وأثسر القدم الكريمسة قدم أبينسا آدم صسلى ال عليسه وسسلم فسي صسخرة سسوداء‪ ،‬مرتفعسة‬

‫بموضسسع فسسسيح‪ .‬وقسسد غاصسست القدم الكريمسسة فسسي الصسسخرة‪ ،‬حتسسى عاد موضعهسسا‬

‫منخفضاً‪ .‬وطولهسسا أحسسد عشسسر شسسبراً‪ .‬وأتسسى إليهسسا أهسسل الصسسين قديماً‪ ،‬فقطعوا مسسن‬
‫الصسخرة موضسع ألبهام ومسا يليسه‪ ،‬وجعلوه فسي كنيسسة بمدينسة الزيتون‪ ،‬ويقصسدونها‬

‫مسن أقصسى البلد‪ .‬وفسي الصسخرة حيسث القدم تسسع حفسر منحوتسة‪ ،‬يجعسل الزوار مسن‬

‫الكفار فيهسسا الذهسسب واليواقيسست والجواهسسر‪ .‬فترى الفقراء إذا وصسسلوا مغارة الخضسسر‬

‫يتسابقون منها لخذ ما بالحفر‪ ،‬ولم نجد نحن بها إل يسير حجيرات وذهباً أعطيناها‬

‫الدليسل‪ .‬والعادة أن يقيسم الزوار بمغارة الخضسر ثلثسة أيام يأتون فيهسا إلى القدم غدوة‬

‫وعشياً‪ ،‬وكذلك فعلنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا‪.‬‬

‫ولمسا تمت اليام الثلثسة‪ ،‬عدنا على طريسق مامسا‪ .‬فنزلنسا بمغارة شيسث وهسو شيسث ابن‬

‫آدم عليهمسا السسلم‪ ،‬ثسم إلى خور السسمك‪ ،‬ثسم إلى قريسة كرمله " بضسم الكاف وسسكون‬

‫الراء وضسم الميسم "‪ ،‬ثسم إلى قريسة جسبركاوان " بفتسح الجيسم والباء الموحدة وسسكون‬

‫الراء وفتسسح الكاف والواو وآخره نون "‪ ،‬ثسسم إلى قريسسة دل دينوة " بداليسسن مهمليسسن‬

‫مكسورين بينهما لم مسكن وياء مد ونون مفتوح وواو مفتوح وتاء تأنيث "‪ ،‬ثم إلى‬

‫قريسسة آت قلنجسسة " بهمزة مفتوحسسة وتاء مثناة مسسسكنة وقاف ولم مفتوحتيسسن ونون‬

‫مسسكن وجيسم مفتوح "‪ ،‬وهنالك " كان " يشتسو الشيسخ أبسو عبسد ال ابسن خفيسف‪ .‬وكسل‬

‫هذه القرى والمنازل هسي بالجبسل‪ .‬وعنسد أصسل الجبسل فسي هذا الطريسق درخست روان‪،‬‬

‫ودرخسست هسسي " بفتسسح الدال المهمسسل والراء وسسسكون الخاء المعجسسم وتاء معلوة "‬

‫وروان " بفتسح الراء والواو والف ونون "‪ ،‬وهسي شجرة عاديسة ل يسسقط لهسا ورق‪.‬‬

‫ولم أر من رأى ورقها ‪ ،‬ويعرفونها أيضاً بالماشية‪ ،‬لن الناظر إليها من أعلى الجبل‬

‫يراها بعيدة منه‪ ،‬قريبة من أسفل الجبل‪ ،‬والناظر إليها من أسفل الجبل يراها بعكس‬
‫ذلك‪ .‬ورأيسست هنالك جملة مسسن الجوكييسسن ملزميسسن أسسسفل الجبسسل ينتظرون سسسقوط‬

‫ورقها‪ ،‬وهي بحيث ل يمكن التوصل إليها ألبتة‪ .‬ولهم أكاذيب في شأنها‪ ،‬من جملتها‬

‫أن من أكل من أوراقها عاد له الشباب إن كان شيخاً‪ .‬وذلك باطل‪ .‬وتحت هذا الجبل‬

‫الخور الذي يخرج منسسسه الياقوت‪ ،‬وماؤه يظهسسسر فسسسي رأي العيسسسن شديسسسد الزرقسسسة‪.‬‬

‫ورحلنا من هنالك يومين إلى مدينة دينور " وضبط اسمها بدال مهمل مكسور وياء‬

‫مسد ونون وواو مفتوحيسن وراء "‪ ،‬مدينسة عظيمسة على البحسر‪ ،‬يسسكنها التجار‪ .‬وبهسا‬

‫الصنم المعروف بدينور‪ ،‬في كنيسة عظيمة‪ ،‬فيها نحو ألف من البراهمة والجوكية‪،‬‬

‫ونحسو خمسسمائة مسن النسساء بنات الهنود‪ ،‬ويغنيسن كسل ليلة عنسد الصسنم‪ ،‬ويرقصسن‪.‬‬

‫والمدينة ومجابيها وقف على الصنم‪ .‬وكل من بالكنيسة ومن يرد عليها يأكلون ذلك‪،‬‬

‫والصسنم مسن ذهسب على قدر الدمسي‪ ،‬وفسي موضسع العينيسن منسه ياقوتتان عظيمتان‪،‬‬

‫أخبرت أنهما تضيئان بالليل كالقنديل‪ .‬ثم رحلنا إلى مدينة قالي " بالقاف وكسر اللم‬

‫"‪ ،‬وهسي صسغيرة‪ ،‬على سستة فراسسخ مسن دينور‪ ،‬وبهسا رجسل مسن المسسلمين‪ ،‬يعرف‬

‫بالناخوذة إبراهيسم‪ .‬أضافنسا بموضعسه ورحلنسا إلى مدينسة كلنبسو " بفتسح الكاف واللم‬

‫وسكون النون وضم الباء الموحدة وواو "‪ ،‬وهي من أحسن بلد سرنديب وأكبرها‪،‬‬

‫وبهسا يسسكن الوزيسر حاكسم البحسر‪ ،‬جالسسني‪ ،‬ومعسه نحسو خمسسمائة مسن الحبشسة‪ .‬ثسم‬

‫رحلنا‪ ،‬فوصلنا بعد ثلثة أيام إلى بطالة‪ ،‬وقد تقدم ذكرها‪ ،‬ودخلنا إلى سلطانها الذي‬

‫تقدم ذكره‪ ،‬ووجدت الناخوذة إبراهيسسم فسسي انتظاري‪ ،‬فسسسافرنا بقصسسد بلد المعسسبر‪.‬‬
‫وقويت الريح‪ ،‬وكاد الماء يدخل في المركب‪ ،‬ولم يكن لنا رئيس عارف‪ .‬ثم وصلنا‬

‫إلى حجارة‪ ،‬كاد المركسسب ينكسسسر فيهسسا‪ .‬ثسسم دخلنسسا بحرًا قصسسيراً‪ .‬فتجلس المركسسب‪،‬‬

‫ورأينسا الموت عياناً‪ ،‬ورمسى الناس بمسا معهسم‪ ،‬وتوادعوا‪ ،‬وقطعنسا صساري المركسب‪،‬‬

‫فرمينسا بسه‪ .‬وصسنع البحريسة معديسة مسن الخشسب‪ .‬وكان بيننسا وبيسن البحسر فرسسخان‪.‬‬

‫فأردت أن أنزل فسسي المعديسسة‪ .‬وكان لي جاريتان وصسساحبان مسسن أصسسحابي‪ .‬فقال‪:‬‬

‫أتنزل وتتركنا ? فآثرتهما على نفسي‪ ،‬وقلت انزل أنتما والجارية التي أحبها‪ .‬فقالت‬

‫الجاريسة‪ :‬إنسي أحسسن السسباحة‪ ،‬فأتعلق بحبسل المعديسة‪ ،‬وأعوم معهسم‪ .‬فنزل رفيقاي‪،‬‬

‫وأحدهمسسا محمسسد بسسن فرحان التوزري‪ ،‬والخسسر رجسسل مصسسري‪ ،‬والجاريسسة معهسسم‪،‬‬

‫والخرى تعوم‪ .‬وربط البحرية في المعدية حبالً وسبحوا بها‪ .‬وجعلت معهم ما عز‬

‫علي مسسن المتاع والجواهسسر والعنسسبر‪ ،‬فوصسسلوا إلى البر سسسالمين‪ ،‬لن الريسسح كانسست‬

‫تسساعدهم‪ .‬وأقمست بالمركسب‪ ،‬ونزل صساحبه إلى البر على الدفسة‪ .‬وشرع البحريسة فسي‬

‫عمسل أربسع مسن المعادي‪ .‬فجاء الليسل قبسل تمامهسا‪ ،‬ودخسل معنسا الماء‪ ،‬فصسعدت إلى‬

‫المؤخسر‪ ،‬وأقمست بسه حتسى الصسباح‪ .‬وحينئذ جاء إلينسا بعسض الكفار فسي قارب لهسم‪،‬‬

‫ونزلنسا معهسم إلى السساحل ببلد المعسبر‪ ،‬فأعلمناهسم أنسا مسن أصسحاب سسلطانهم‪ ،‬وهسم‬

‫تحست ذمتسه‪ ،‬فكتبوا إليسه بذلك‪ .‬وهسو على مسسيرة يوميسن فسي الغزو‪ ،‬كتبست أنسا إليسه بمسا‬

‫اتفسسق علي‪ ،‬وأدخلنسسا أولئك الكفار إلى غيضسسة عظيمسسة‪ ،‬فأتونسا بفاكهسسة تشبسسه البطيسسخ‬

‫تثمرها‪ ،‬شجرة المقل‪ .‬وفي داخلها شبه القطن‪ ،‬فيه عسلية يستخرجونها‪ ،‬ويصنعون‬

‫منها حلواء يسمونها التل‪ ،‬وهي تشبه السكر‪ .‬وأتوا بسمك طيب‪ .‬وأقمنا ثلثة أيام‪ .‬ثم‬
‫وصسل مسن جهسة السسلطان أميسر يعرف بقمسر الديسن معسه جماعسة مسن فرسسان ورجال‪،‬‬

‫وجاءوا بالدولة وبعشرة خيول‪ ،‬فركبست وركسب أصسحابي وصساحب المركسب وإحدى‬

‫الجاريتيسن‪ ،‬وحملت الثانيسة فسي الدولة‪ ،‬ووصسلنا إلى حصسن هركاتسو " وضبسط اسسمه‬

‫بفتسسح الهاء وسسسكون الراء وفتسسح الكاف والف وتاء معلوة مضمومسسة وواو "‪ ،‬وبتنسسا‪.‬‬

‫وتركسست فيسسه الجواري وبعسسض الغلمان والصسسحاب‪ ،‬ووصسسلنا فسسي اليوم الثانسسي إلى‬

‫محلة السلطان‪.‬‬
‫ذكر سلطان بلد المعبر‬

‫هيو غياث الديين الدامغانيي‪ ،‬وكان فيي أول أمره فارسيًا مين فرسيان الملك مجيير‬

‫ابيين أبييي الرجييا‪ ،‬أحييد خدام السييلطان محمييد‪ ،‬ثييم خدم المييير حاجييي ابيين السيييد‬

‫السييلطان جلل الدييين‪ ،‬ثييم ولي الملك‪ ،‬وكان يدعييى سييراج الدييين قبله‪ .‬فلمييا ولي‬

‫تسيمى غياث الديين‪ .‬وكانيت بلد المعيبر تحيت حكيم السيلطان محميد ملك دهلي‪ ،‬ثيم‬

‫ثار بهيا صيهري الشرييف جلل الديين أحسين شاه‪ ،‬وملك بهيا خمسية أعوام‪ ،‬ثيم‬

‫قتل‪ ،‬وولي أحد أمرائه وهو علء الدين أديجي " بضم الهمزة وفتح الدال المهمل‬

‫وسيكون الياء آخير الحروف وكسير الجييم "‪ ،‬فملك سينة‪ .‬ثيم خرج إلى غزو الكفار‬

‫فأخذ لهم أموالً كثيرة وغنائم واسعة‪ ،‬وعاد إلى بلده‪ .‬وغزاهم في السنة الثانية‪،‬‬

‫فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة‪ .‬واتفق يوم قتله لهم أن رفع المغفر عن رأسه‬

‫ليشرب‪ ،‬فأصيابه سيهم غرب‪ ،‬فمات مين حينيه‪ .‬فولوا صيهره قطيب الديين‪ .‬ثيم لم‬

‫يحمدوا سيرته فقتلوه بعد أربعين يوماً‪ .‬وولي بعده السلطان غياث الدين‪ ،‬وتزوج‬

‫بنت السلطان الشريف جلل الدين التي كنت متزوجاً أختها بدهلي‪ .‬ذكر وصولي إلى‬

‫السلطان غياث الدين‬

‫ولمسا وصسلنا إلى قرب مسن منزله بعسث بعسض الحجاب لتلقينسا‪ ،‬وكان قاعدًا فسي برج‬

‫خشسب‪ ،‬وعادتهسم بالهنسد أن ل يدخسل أحسد على السسلطان دون خسف‪ .‬ولم يكسن عندي‬

‫خسف‪ ،‬فأعطانسي بعسض الكفار خفاً‪ .‬وكان هنالك مسن المسسلمين جماعسة‪ ،‬فعجبست مسن‬

‫كون الكافسر كان أتسم مروءة منهسم‪ .‬ودخلت على السسلطان‪ ،‬فأمرنسي بالجلوس‪ ،‬ودعسا‬
‫القاضسي الحاج صسدر الزمان بهاء الديسن‪ .‬وأنزلنسي فسي جواره فسي ثلثسة مسن الخبيسة‪،‬‬

‫وهم يسمونها الخيام‪ .‬وبعث بالفرش وبطعامهم‪ ،‬وهو الرز واللحم‪ .‬وعادتهم هنالك‬

‫أن يسسسقوا اللبسسن الرائب على الطعام‪ .‬كمسسا يفعسسل ببلدنسسا‪ .‬ثسسم اجتمعسست بسسه بعسسد ذلك‪،‬‬

‫وألقيست له أمسر جزائر ذيبسة المهسل‪ ،‬وأن يبعسث الجيسش إليهسا‪ .‬فأخسذ فسي ذلك بالعزم‪،‬‬

‫وعيسن المراكسب لذلك‪ .‬وعيسن الهديسة لسسلطانتها‪ ،‬والخلع للوزراء والمراء‪ ،‬والعطايسا‬

‫لهسم‪ .‬وفوض إلي فسي عقسد نكاحسه مسع أخست السسلطانة‪ ،‬وأمسر بوسسق ثلثسة مراكسب‬

‫بالصسسسدقة لفقراء الجزائر‪ ،‬وقال لي‪ :‬يكون رجوعسسسك بعسسسد خمسسسسة أيام‪ .‬فقال له قائد‬

‫البحسسر سسسرلك‪ :‬ل يمكسن السسفر إلى الجزائر إل بعسد ثلثسة أشهسسر مسن الن‪ .‬فقال لي‬

‫السسلطان‪ :‬أمسا إذا كان المسر هكذا‪ ،‬فامسض إلى فتسن حتسى نقضسي هذه الحركسة‪ ،‬وتعود‬

‫إلى حضرتنسا مترة‪ ،‬ومنهسا تكون الحركسة‪ .‬فأقمست معسه بخلل مسا بعثست إلى الجواري‬

‫والصحاب‪.‬‬

‫ذكر ترتيب رحيله وشنيع فعله‬

‫في قتل النساء والولدان‬

‫وكانت الرض التي نسلكها غيضة واحدة من الشجار والقصب‪ ،‬بحيث ل يسلكها‬

‫أحسد‪ .‬فأمسر السسلطان أن يكون مسع كسل واحسد ممسن فسي الجيسش مسن كسبير وصسغير قدوم‬

‫لقطع ذلك‪ .‬فإذا نزلت المحلة ركب إلى الغابة والناس معه‪ ،‬فقطعوا تلك الشجار من‬

‫غدوة النهار إلى الزوال‪ .‬ثسم يؤتسى بالطعام فيأكسل جميسع الناس‪ ،‬طائفسة بعسد أخرى‪ ،‬ثسم‬

‫يعودون إلى قطسسع الشجار إلى العشسسي‪ .‬وكسسل مسسن وجدوه مسسن الكفار فسسي الغيضسسة‬
‫أسسروه‪ ،‬وصنعوا خشبسة محددة الطرفيسن‪ ،‬فجعلوها على كتفيسه يحملهسا‪ .‬ومعسه امرأته‬

‫وأولده‪ .‬ويؤتى بهم إلى المحلة‪ .‬وعادتهم أن يصنعوا على المحلة سوراً من خشب‪،‬‬

‫يكون له أربعسة أبواب‪ ،‬ويسسمونه الكتكر " بفتح الكافين وسسكون التاء المعلوه وآخره‬

‫راء "‪ ،‬ويصسنعون على دار السسلطان كتكراً ثانياً‪ ،‬ويصسنعون خارج الكتكسر الكسبر‬

‫مصساطب‪ ،‬ارتفاعهسا نحسو نصسف قامسة‪ ،‬ويوقدون عليهسا النار بالليسل‪ ،‬ويسبيت عندهسا‬

‫العبيسد والمشاءون‪ ،‬ومسع كسل واحسد منهسم حزمسة مسن رقيسق القصسب‪ .‬فإذا أتسى أحسد مسن‬

‫الكفار ليضربوا على المحلة ليلً‪ ،‬أوقسد كسل واحسد منهسم الحزمسة التسي بيده‪ ،‬فعاد الليسل‬

‫شبه النهار‪ ،‬لكثرة الضياء‪ .‬وخرجت الفرسان في اتباع الكفار‪ ،‬فإذا كان عند الصباح‬

‫قسسم الكفار المأسسورون بالمسس أربعسة أقسسام‪ ،‬وأتسي إلى كسل باب مسن أبواب الكتكسر‬

‫بقسم منهم‪ .‬فركزت بالخشب التي كانوا يحملونها بالمس عنده‪ ،‬ثم ركزوا فيها حتى‬

‫تنفذهسسم‪ ،‬ثسسم تذبسسح نسسساؤهم‪ ،‬ويربطسسن بشعورهسسن إلى تلك الخشاب‪ ،‬ويذبسسح الولد‬

‫الصسسغار فسسي حجورهسسن‪ ،‬ويتركون هنالك‪ .‬وتنزل المحلة‪ ،‬ويشتغلون بقطسسع غيضسسة‬

‫أخرى‪ ،‬ويصسنعون بمسن أسسروه كذلك‪ .‬وذلك أمسر شنيسع‪ ،‬مسا علمتسه لحسد مسن الملوك‪.‬‬

‫وبسببه عجل ال حينه‪ .‬ولقد رأيته يوماً‪ ،‬والقاضي عن يمينه‪ ،‬وأنا عن شماله‪ ،‬وهو‬

‫يأكسل معنسا‪ ،‬وقسد أتسي بكافسر معسه امرأتسه وولد سسنه سسبع‪ ،‬فأشار إلى السسيافين بيده أن‬

‫يقطعوا رأسه‪ .‬ثسم قال لهم‪ :‬وزن أو بسر أو‪ ،‬معناه‪ :‬وابنه وزوجته‪ ،‬فقطعت رقابهم‪.‬‬

‫وصسرفت بصسري عنهسم‪ ،‬فلمسا قمست وجدت رؤوسسهم مطروحسة بالرض‪ .‬وحضرت‬

‫عنده يوماً‪ ،‬وقسد أتسي برجسل مسن الكفار‪ ،‬فتكلم بمسا لم أفهمسه‪ .‬فإذا بجماعسة مسن الزبانيسة‬
‫قسد اسستلوا سسكاكينهم‪ ،‬فبادرت القيام‪ ،‬فقال لي‪ :‬إلى أيسن ? فقلت‪ :‬أصسلي العصسر‪ .‬ففهسم‬

‫عني وضحك وأمر بقطع يديه ورجليه‪ .‬فلما عدت وجدته متشحطًا في دمائه‪.‬‬

‫ذكر هزيمته للكفار وهي من أعظم فتوحات السلم‬

‫وكان فيمسسا يجاور بلده سسسلطان كافسسر يسسسمى بلل ديسسو " بفتسسح الباء الموحدة ولم‬

‫وألف ولم ثانية ودال مهمل مكسور وياء آخر الحروف مفتوحة واو مسكن "‪ ،‬وهو‬

‫مسن كبار سسلطين الكفار‪ ،‬يزيسد عسسكره على مائة ألف‪ ،‬ومعسه نحسو عشريسن ألفاً مسن‬

‫المسسلمين‪ ،‬أهسل الدعارة وذوي الجنايات والعبيسد الفاريسن‪ ،‬فطمسع فسي السستيلء على‬

‫بلد المعسسبر‪ ،‬وكان عسسسكر المسسسلمين بهسسا سسستة آلف‪ ،‬منهسسم النصسسف مسسن الجياد‪،‬‬

‫والنصسف الثانسي ل خيسر فيهسم‪ ،‬ول غناء عندهسم‪ .‬فلقوه بظاهسر مدينسة كبان‪ ،‬فهزمهسم‪.‬‬

‫ورجعوا إلى حضرة مترة‪ ،‬ونزل الكافسسسسر على كبان‪ ،‬وهسسسسي مسسسسن أكسسسسبر مدنهسسسسم‬

‫وأحصسنها‪ ،‬وحاصسرها عشرة أشهسر‪ ،‬ولم يبسق لهسم مسن الطعام إل قوت أربعسة عشسر‬

‫يوماً‪ .‬فبعث لهم الكافر أن يخرجوا على المان‪ ،‬ويتركوا له البلد‪ .‬فقالوا له‪ :‬ل بد من‬

‫مطالعة سلطاننا بذلك‪ .‬فوعدهم إلى تمام أربعة عشر يوماً‪ .‬فكتبوا إلى السلطان غياث‬

‫الديسن بأمرهسم‪ ،‬فقرأ كتابهسم على الناس يوم الجمعسة‪ ،‬فبكوا‪ ،‬وقالوا‪ :‬نسبيع أنفسسنا مسن‬

‫ال‪ .‬فإن الكافسر إن أخسذ تلك المدينسة انتقسل إلى حصسارنا‪ ،‬فالموت تحت السسيوف أولى‬

‫بنسسسا‪ .‬فتعاهدوا على الموت‪ ،‬وخرجوا مسسسن الغسسسد‪ ،‬ونزعوا العمائم عسسسن رؤوسسسسهم‬

‫وجعلوهسسا فسسي أعناق الخيسسل‪ ،‬وهسسي علمسسة مسسن يريسسد الموت‪ .‬وجعلوا ذوي النجدة‬

‫والبطال منهسسم فسسي المقدمسسة‪ ،‬وكانوا ثلثمائة‪ .‬وجعلوا على الميمنسسة سسسيف الديسسن‬
‫بهادور‪ ،‬وكان فقيهاً ورعاً شجاعاً‪ ،‬وعلى الميسسسرة الملك محمسسد السسسلحدار‪ .‬وركسسب‬

‫السسسلطان فسسي القلب ومعسسه ثلث آلف‪ ،‬وجعسسل الثلثسسة اللف الباقيسسن سسساقة لهسسم‪،‬‬

‫وعليهم أسد الدين كيخسرو الفارسي‪ .‬وقصدوا محلة الكافر عند القايلة‪ ،‬وأهلها على‬

‫غرة‪ ،‬وخيلهسم فسي المرعسى‪ .‬فأغاروا عليهسا‪ .‬وظسن الكفار أنهسم سسراق‪ .‬فخرجوا إليهسم‬

‫على غير تعبية‪ ،‬وقاتلوهم‪ .‬فوصل السلطان غياث الدين‪ ،‬فانهزم الكفار شر هزيمة‪،‬‬

‫وأراد سسلطانهم أن يركسب‪ ،‬وكان ابسن ثمانيسن سسنة‪ ،‬فأدركسه ناصسر الديسن ابسن أخسي‬

‫السسسلطان الذي ولي الملك بعده‪ ،‬فأراد قتله‪ ،‬ولم يعرفسسه‪ .‬فقال له أحسسد غلمانسسه‪ :‬هسسو‬

‫السلطان‪ .‬فأسره وحمله إلى عمه‪ ،‬فأكرمه في الظاهر حتى جبى منه الموال والفيلة‬

‫والخيسسل‪ ،‬وكان يعده السسسراح‪ .‬فلمسسا اسسستصفى مسسا عنده‪ ،‬ذبحسسه وسسسلخه‪ ،‬ومل جلده‬

‫بالتبسن‪ .‬فعلق على سسور مترة‪ ،‬ورأيتسه بهسا معلقاً‪ ،‬ولنعسد إلى كلمنسا فنقول‪ :‬ورحلت‬

‫عسسن المحلة‪ ،‬فوصسسلت إلى مدينسسة فتسسن " بفتسسح الفاء والتاء والمثناة المشددة ونون "‪،‬‬

‫وهسي كسبيرة حسسنة على السساحل‪ ،‬ومرسساها عجيسب قسد صسنعت فيسه قبسة خشسب كسبيرة‬

‫قائمسة على الخشسب الضخام‪ ،‬يصسعد إليهسا على طريسق خشسب مسسقف‪ ،‬فإذا جاء العدو‬

‫ضموا إليهسسا الجفان التسسي تكون بالمرسسسى‪ ،‬وصسسعدها الرجال والرماة‪ ،‬فل يصسسيب‬

‫العدو فرصسسة‪ .‬وبهذه المدينسسة مسسسجد حسسسن مبنسسي بالحجارة‪ ،‬وبهسسا العنسسب الكثيسسر‬

‫والرمان الطيسسب‪ .‬ولقيسست الشيسسخ الصسسالح محمداً النيسسسابوري أحسسد الفقراء المولهيسسن‬

‫الذين يسدلون شعورهم على أكتافهم‪ ،‬ومعه سبع رباه‪ ،‬يأكل مع الفقراء ويقعد معهم‬

‫وكان معسه نحسو ثلثيسن فقيراً‪ ،‬لحدهسم غزالة تكون مسع السسد فسي موضسع واحسد فل‬
‫يعرض لها‪ .‬وأقمت بمدينة فتن‪ ،‬وكان السلطان غياث الدين قد صنع له أحد الجوكية‬

‫حبوباً لقوة على الجماع‪ .‬وذكروا أن مسسن جملة أخلطهسسا برادة الحديسسد‪ ،‬فأكسسل منهسسا‬

‫فوق الحاجسة فمرض‪ ،‬ووصسل إلى فتسن‪ .‬فخرجست إلى لقائه‪ ،‬واهديست له هديسة‪ .‬فلمسا‬

‫اسستقر بهسا بعسث عسن قائد البحسر خواجسه سسرور فقال له‪ :‬ل تشتغسل بسسوى المراكسب‬

‫المعينسة للسسفر إلى الجزائر‪ .‬وأراد أن يعطينسي قيمسة الهديسة فأبيست‪ ،‬ثسم ندمست‪ ،‬لنسه‬

‫مات‪ .‬فلم آخسذ شيئاً‪ .‬وأقام بفتسن نصسف شهسر‪ ،‬ثسم رحسل إلى حضرتسه‪ .‬وأقمست أنسا بعده‬

‫نصسف شهسر‪ ،‬ثسم رحلت إلى حضرتسه‪ ،‬وهسي مدينسة متره " بضسم الميسم وسسكون التاء‬

‫المعلوة وفتسسح الراء "‪ ،‬مدينسسة كسسبيرة متسسسعة الشوارع‪ .‬وأول مسسن اتخذهسسا حضرة‬

‫صسهري السسلطان الشريسف جلل الديسن أحسسن شاه‪ .‬وجعلهسا شبيهسة بدهلي‪ ،‬وأحسسن‬

‫بناءهسا‪ .‬ولمسا قدمتهسا وجدت بهسا وباء يموت منسه الناس موتاً ذريعاً‪ ،‬فمسن مرض مات‬

‫من ثاني يوم مرضه أو ثالثه‪ ،‬وإن أبطأ موته فإلى الرابع‪ .‬فكنت إذا خرجت ل أرى‬

‫إل مريضاً أو ميتاً‪ .‬واشتريست بهسا جاريسة على أنهسا صسحيحة‪ ،‬فماتست فسي يوم آخسر‪.‬‬

‫ولقسد جاءت إلي فسي بعسض اليام امرأة كان زوجهسا مسن وزراء السسلطان أحسسن شاه‪،‬‬

‫ومعها ابن لها سنه ثمانية أعوام‪ ،‬نبيل كيس فطن‪ .‬فشكت ضعف حالها‪ ،‬فأعطيتهما‬

‫نفقة‪ ،‬وهما صحيحان سويان‪ .‬فلما كان من الغد جاءت تطلب لولدها كفناً‪ ،‬وإذا به قد‬

‫توفي من حينه‪ .‬وكنت أرى بمشور السلطان حين مات المئتين من الخدم اللتي أتي‬

‫بهسسن لدق الرز المعمول منسسه الطعام لغيسسر السسسلطان‪ ،‬وهسسن مريضات قسسد طرحسسن‬

‫أنفسسهن فسي الشمسس‪ .‬ولمسا دخسل السسلطلن مترة‪ ،‬وجسد أمسه وامرأتسه وولده مرضسى‪.‬‬
‫فأقام بالمدينسسة ثلثسسة أيام‪ ،‬ثسسم خرج إلى نهسسر على فرسسسخ منهسسا‪ ،‬كانسست عليسسه كنيسسسة‬

‫للكفار‪ .‬وخرجت إليه في يوم خميس‪ ،‬فأمر بإنزالي إلى جانب القاضي‪ .‬فلما ضربت‬

‫لي الخبية رأيت الناس يسرحون‪ ،‬ويموج بعضهم في بعض‪ .‬فمن قائل‪ :‬إن السلطان‬

‫مات‪ ،‬ومن قائل‪ :‬إن ولده هو الميت‪ .‬ثم تحققنا ذلك‪ ،‬فكان الولد هو الميت‪ ،‬ولم يكن‬

‫له سسسسواه‪ .‬فكان موتسسسه ممسسسا زاد فسسسي مرضسسسه‪ .‬وفسسسي الخميسسسس بعده توفيسسست أم‬

‫السسلطان‪.‬السسلطان حيسن مات المئتيسن مسن الخدم اللتسي أتسي بهسن لدق الرز المعمول‬

‫منه الطعام لغير السلطان‪ ،‬وهن مريضات قد طرحن أنفسهن في الشمس‪ .‬ولما دخل‬

‫السسلطلن مترة‪ ،‬وجسد أمسه وامرأتسه وولده مرضسى‪ .‬فأقام بالمدينسة ثلثسة أيام‪ ،‬ثسم خرج‬

‫إلى نهسر على فرسخ منها‪ ،‬كانت عليسه كنيسسة للكفار‪ .‬وخرجت إليسه فسي يوم خميس‪،‬‬

‫فأمسر بإنزالي إلى جانسب القاضسي‪ .‬فلمسا ضربست لي الخبيسة رأيست الناس يسسرحون‪،‬‬

‫ويموج بعضهسسم فسسي بعسسض‪ .‬فمسسن قائل‪ :‬إن السسسلطان مات‪ ،‬ومسسن قائل‪ :‬إن ولده هسسو‬

‫الميست‪ .‬ثسم تحققنسا ذلك‪ ،‬فكان الولد هسو الميست‪ ،‬ولم يكسن له سسواه‪ .‬فكان موتسه ممسا زاد‬

‫في مرضه‪ .‬وفي الخميس بعده توفيت أم السلطان‪.‬‬

‫ذكر وفاة السلطان وولية ابن أخيه‬

‫وانصرافي عنه‬

‫وفسي الخميسس الثالث توفسي السسلطان غياث الديسن‪ ،‬وشعرت بذلك‪ ،‬فباردت الدخول‬

‫إلى المدينسسة خوف الفتنسسة‪ .‬ولقيسست ناصسسر الديسسن ابسسن أخيسسه الوالي بعده خارجاً إلى‬

‫المحلة‪ ،‬قسد وجسه عنسه‪ ،‬إذا ليسس للسسلطان ولد‪ .‬فطلب إلي الرجوع معسه‪ ،‬فأبيست‪ .‬وأثسر‬
‫ذلك في قلبه‪ .‬وكان ناصر الدين هذا‪ .‬خديماً بدهلي قبل أن يملك عمه‪ .‬فلما ملك عمه‬

‫هرب فسي زي الفقراء إليسه‪ ،‬فكان مسن القدر ملكسه بعده‪ .‬ولمسا بويسع‪ ،‬مدحتسه الشعراء‪،‬‬

‫فأجزل لهسسم العطاء وأول مسسن قام منشداً القاضسسي صسسدر الزمان‪ ،‬فأعطاه خمسسسمائة‬

‫دينار وخلعة‪ ،‬ثم الوزير المسمى بالقاضي‪ ،‬فأعطاه ألفي دينار دراهم‪ ،‬وأعطاني أنا‬

‫ثلثمائة دينار وخلعسة‪ .‬وبسث الصسدقات فسي الفقراء والمسساكين‪ .‬ولمسا خطسب الخطيسب‬

‫أول خطبسة باسسمه‪ ،‬نثرت عليسه الدنانيسر والدراهسم فسي أطباق الذهسب والفضسة‪ .‬وعمسل‬

‫عزاء السسسسلطان غياث الديسسسن فكانوا يختمون القرآن على قسسسبره كسسسل يوم‪ ،‬ثسسسم يقرأ‬

‫العشارون‪ ،‬ثم يؤتى بالطعام فيأكل الناس‪ ،‬ثم يعطون الدراهم‪ ،‬كل إنسان على قدره‪.‬‬

‫وأقاموا على ذلك أربعين يوماً‪ .‬ثم يفعلون ذلك في مثل يوم وفاته من كل سنة‪ .‬وأول‬

‫ما بدأ به السلطان ناصر الدين أن عزل وزير عمه‪ ،‬وطلبه بالموال‪ .‬وولي الوزارة‬

‫الملك بدر الدين الذي بعثه عمه إلي وأنا بفتن ليتلقاني‪ ،‬فتوفي سريعاً‪ .‬فولي الوزارة‬

‫خواجسه سسرور قائد البحسر‪ ،‬وأمسر أن يخاطسب بخواجسه جهان‪ ،‬كمسا يخاطسب الوزيسر‬

‫بدهلي‪ .‬ومن خاطبه بغير ذلك غرم دنانير معلومة‪ .‬ثم إن السلطان ناصر الدين قتل‬

‫ابسسن عمتسسه المتزوج بنسست السسسلطان غياث الديسسن‪ ،‬وتزوجهسسا بعده‪ .‬وبلغسسه أن الملك‬

‫مسسسعوداً زاره فسسي محبسسسه قبسسل موتسسه‪ ،‬فقتله أيضاً‪ ،‬وقتسسل الملك بهادور‪ ،‬وكان مسسن‬

‫الشجعان الكرماء الفضلء‪ ،‬وأمسر لي بجميسع مسا كان عينسه عمسه مسن المراكسب برسسم‬

‫الجزائر‪ .‬ثسم أصسابنتي الحمسى القاتلة هنالك‪ ،‬فظننست أنهسا القاضيسة‪ .‬وألهمنسي ال إلى‬

‫التمر الهندي‪ ،‬وهو هنالك كثير‪ ،‬فأخذت نحو رطل منه‪ ،‬وجعلته في الماء ثم شربته‪.‬‬
‫فأسهلني ثلثة أيام‪ ،‬وعافاني ال من مرضي‪ .‬فكرهت تلك المدينة‪ ،‬وطلبت الذن في‬

‫السسفر‪ ،‬فقال لي السسلطان‪ :‬كيسف تسسافر ولم يبسق ليام السسفر إلى الجزائر غيسر شهسر‬

‫واحد ? أقم حتى نعطيك جميع ما أمر لك به خوند عالم‪ .‬فأبيت‪ ،‬وكتب لي إلى فتن‬

‫لسسافر فسي أي مركسب أردت‪ .‬وعدت إلى فتسن‪ ،‬فوجدت ثمانيسة مسن المراكسب تسسافر‬

‫إلى اليمسن‪ ،‬فسسافرت فسي أحدهسا‪ ،‬ولقينسا أربعسة أجفان‪ ،‬فقاتلتنسا يسسيراً ثسم انصسرفت‪.‬‬

‫ووصسلنا إلى كولم‪ ،‬وكان فسي بقيسة مرض‪ ،‬فأقمست بهسا ثلثسة أشهسر‪ .‬ثسم ركبست فسي‬

‫مركسسسب بقصسسسد السسسسلطان جمال الديسسسن الهنوري‪ ،‬فخرج علينسسسا الكفار بيسسسن هنور‬

‫وفاكنور‪.‬‬

‫ذكر سلب الكفار لنا‬

‫ولمسا وصسلنا إلى الجزيرة الصسغرى بيسن هنور وفاكنور‪ ،‬خرج علينسا الكفار فسي يوم‬

‫ل شديداً‪ ،‬وتغلبوا علينا‪ ،‬فأخذوا جميع ما عندي‬


‫اثني عشر مركباً حربياً‪ ،‬وقاتلوها قتا ً‬

‫ممسا كنست أدخره للشدائد‪ ،‬وأخذوا الجواهسر واليواقيست التسي أعطانيهسا ملك سسيلن‪،‬‬

‫وأخذوا ثيابسي والزرادات التسي كانست عندي ممسا أعطانيسه الصسالحون والولياء‪ ،‬ولم‬

‫يتركوا لي سساتراً خل السسراويل‪ ،‬وأخذوا مسا كان لجميسع الناس‪ ،‬وأنزلونسا بالسساحل‪.‬‬

‫فرجعست إلى قالقوط‪ ،‬فدخلت بعسض المسساجد‪ .‬فبعسث إلي أحسد الفقهاء بثوب‪ ،‬وبعسث‬

‫القاضي بعمامة‪ ،‬وبعث بعض التجار بثوب آخر‪ .‬وتعرفت هنالك بتزوج الوزير عبد‬

‫ال بالسسسلطانة خديجسسة بعسسد موت الوزيسسر جمال الديسسن‪ ،‬وبأن زوجتسسي التسسي تركتهسسا‬
‫حاملً ولدت ولداً ذكرًا فخطسسر لي السسسفر إلى الجزائر‪ .‬وتذكرت العداوة التسسي بينسسي‬

‫وبيسن الوزيسر عبسد ال‪ ،‬ففتحست المصسحف‪ ،‬فخرج لي " تتنزل عليهسم الملئكسة أن ل‬

‫تخافوا ول تحزنوا " فاسستخرت ال‪ ،‬وسسافرت‪ .‬فوصسلت بعسد عشرة أيام إلى جزائر‬

‫ذيبسسة المهسسسل‪ ،‬ونزلت منهسسا بكلنوس‪ .‬فأكرمنسسي واليهسسا عبسسد العزيسسز المقدوشاوي‬

‫وأضافنسي وجهسز لي كندرة‪ .‬ووصسلت بعسد ذلك إلى هللي‪ ،‬وهسي الجزيرة التسي تخرج‬

‫السسلطانة وأخواتها إليها برسسم التفرج والسباحة‪ ،‬ويسسمون ذلك التتجسر‪ .‬ويلعبون فسي‬

‫المراكب‪ ،‬ويبعث لها الوزراء والمراء بالهدايا والتحف متى كانت بها‪ .‬وجدت بها‬

‫أخست السسلطانة وزوجهسا الخطيسب محمسد ابسن الوزيسر جمال الديسن وأمهسا التسي كانست‬

‫زوجتسي‪ .‬فجاء الخطيسب إلي‪ ،‬وأتوا بالطعام‪ .‬ومسر بعسض أهسل الجزيرة إلى الوزيسر‬

‫عبد ال فأعلموه بقدومي‪ .‬فسأل عن حالي‪ ،‬وعمن قدم معي‪ .‬وأخبر أني جئت برسم‬

‫حمل ولدي‪ ،‬وكان سنه نحو عامين‪ .‬وأتته أمه تشكو من ذلك‪ .‬فقال لها‪ :‬أنا ل أمنعه‬

‫مسسن حمسسل ولده‪ .‬وصسسادرني فسسي دخول الجزيرة‪ ،‬وأنزلنسسي بدار تقابسسل برج قصسسره‪،‬‬

‫ليتطلع على حالي‪ .‬وبعسسسث إلي بكسسسسوة كاملة‪ ،‬وبالتنبول وماء الورد على عادتهسسسم‪.‬‬

‫وجئت بثوبسسي حريسسر للرمسسي عنسسد السسسلم‪ ،‬فأخذوهمسسا‪ ،‬ولم يخرج الوزيسسر إلي ذلك‬

‫اليوم‪ .‬وأتسسي إلي بولدي فظهسسر لي أن إقامتسسه معهسسم خيسسر له‪ .‬فرددتسسه إليهسسم‪ ،‬وأقمسست‬

‫خمسسسة أيام وظهسسر لي أن تعجيسسل السسسفر أولى‪ .‬فطلبسست الذن فسسي ذلك‪ ،‬فاسسستدعاني‬

‫الوزيسر‪ ،‬ودخلت عليسه وأتونسي بالثوبيسن اللذيسن أخذوهمسا منسي‪ ،‬فرميتهمسا عنسد السسلم‬

‫على العادة‪ .‬وأجلسسني إلى جانبسه‪ ،‬وسسألني عسن حالي‪ ،‬وأكلت معسه الطعام‪ ،‬وغسسلت‬
‫يدي معسسه فسسي الطسسست‪ ،‬وذلك شيسسء ل يفعله مسسع أحسسد‪ .‬وأتوا بالتنبول وانصسسرفت‪،‬‬

‫وبعسث إلي بأثواب وبسساتي مسن الودع‪ ،‬وأحسسن فسي أفعاله وأجمسل‪ .‬وسسافرت‪ ،‬فأقمنسا‬

‫على ظهر البحر ثلثاً وأربعين ليلة‪ ،‬ثم وصلنا إلى بلد بنجالة " وضبطها بفتح الباء‬

‫الموحدة وسسسكون النون وجيسسم معقود وألف ولم مفتوح "‪ ،‬وهسسي بلد متسسسعة كثيرة‬

‫الرز‪ .‬ولم أر في الدنيا أرخص أسعاراً منها‪ ،‬لكنها مظلمة‪ .‬وأهل خراسان يسمونها‬

‫دوزخسست " دوزخ " بور " بر " نعمسة‪ ،‬معناه جهنسم ملى بالنعسم‪ .‬رأيست الرز يباع‬

‫فسي أسسواقها خمسسة وعشريسن رطلً دهليسة بدينار فضسي‪ ،‬والدينار الفضسي هسو ثمانيسة‬

‫دراهسم‪ ،‬ودرهمهسم كالدرهسم النقرة سسواء‪ ،‬والرطسل الدهلي عشرون رطلً مغربيسة‪.‬‬

‫وسسمعتهم يقولن‪ :‬إن ذلك غلء عندهسم‪ .‬وحدثنسي محمسد المصسمودي المغربسي‪ ،‬وكان‬

‫من الصالحين وسكن هذا البلد قديماً ومات عندي بدهلي‪ ،‬أنه كانت له زوجة وخادم‪،‬‬

‫فكان يشتري قوت ثلثتهسسم فسسي السسسنة بثمانيسسة رداهسسم‪ ،‬وأنسسه كان يشتري الرز فسسي‬

‫قشره بحسساب ثمانيسن رطلً دهليسة بثمانيسة دراهسم‪ ،‬فإذا دقسه خرج منسه خمسسون رطلً‬

‫صسسافية‪ ،‬وهسسي عشرة قناطيسسر‪ .‬ورأيسست البقرة تباع بهسسا للحلب بثلثسسة دنانيسسر فضيسسة‬

‫وبقرهسم الجواميسس‪ ،‬ورأيت الدجاج السسمان تباع بحسساب ثمانٍس بدرهسم واحسد‪ ،‬وفراخ‬

‫الحمام‪ ،‬تباع خمسسة عشسر بدرهسم‪ ،‬ورأيست الكبسش السسمين يباع بدرهميسن‪ .‬ورطسل‬

‫السكر بأربعة دراهم‪ ،‬وهو رطل دهلي ورطل الجلب بثمانية دراهم ورطل السمن‬

‫بأربعسة دراهسم ورطسل السسيرج بدرهميسن‪ ،‬ورأيست ثوب القطسن الرقيسق الجيسد الذي‬

‫ذرعه ثلثون ذراعاً يباع بدينارين‪ ،‬ورأيت الجارية المليحة للفراش تباع بدينار من‬
‫الذهب الواحد‪ ،‬وهو ديناران ونصف دينار من الذهب المغربي‪ ،‬واشتريت بنحو هذه‬

‫القيمة جارية تسمى عاشورة‪ ،‬وكان لها جمال بارع‪ .‬واشترى بعض أصحابي غلماً‬

‫صسغير السسن حسسناً اسسمه لؤلؤ بديناريسن مسن الذهسب‪ .‬وأول مدينسة دخلناهسا مسن بلد‬

‫بنجالة مدينسة سسدكاوان‪ ،‬وضبسط اسسمها " بضسم السسين وسسكون الدال المهمليسن وفتسح‬

‫الكاف والواو وآخره نون "‪ ،‬وهسسي مدينسسة عظيمسسة على سسساحل البحسسر العظسسم‪،‬‬

‫ويجتمسع بهسا نهسر الكنسك الذي يحسج إليسه الهنود‪ ،‬ونهسر الجون‪ ،‬ويصسبان فسي البحسر‪.‬‬

‫ولهسم فسي النهسر مراكسب كثيرة يقاتلون بهسا أهسل بلد اللكنوتسي‪.‬ة عظيمسة على سساحل‬

‫البحر العظم‪ ،‬ويجتمع بها نهر الكنك الذي يحج إليه الهنود‪ ،‬ونهر الجون‪ ،‬ويصبان‬

‫في البحر‪ .‬ولهم في النهر مراكب كثيرة يقاتلون بها أهل بلد اللكنوتي‪.‬‬

‫ذكر سلطان بنجالة‬

‫وهسو السسلطان فخسر الديسن الملقسب بفخره " بالفاء والخاء المعجسم والراء "‪ ،‬سسلطان‬

‫فاضسل محسب فسي الغرباء‪ ،‬وخصسوصاً الفقراء والمتصسوفة‪ .‬وكانست مملكسة هذه البلد‬

‫للسلطان ناصر الدين ابن السلطان غياث الدين بلبن‪ ،‬وهو الذي ولي ولده معز الدين‬

‫الملك بدهلي‪ ،‬فتوجسه لقتاله والتقيسا بالنهسر‪ ،‬وسسمي لقاؤهمسا لقاء السسعدين‪ ،‬وقسد ذكرنسا‬

‫ذلك‪ ،‬وأنسسه ترك الملك لولده وعاد إلى بنجالة‪ ،‬فأقام بهسسا إلى أن توفسسي‪ ،‬وولي ابنسسه‬

‫شمسسس الديسسن إلى أن توفسسي فولي ابنسسه شهاب الديسسن إلى أن غلب عليسسه أخوه غياث‬

‫الدين بهادوربور‪ ،‬فاستنصر شهاب الدين بالسلطان غياث الدين تغلق فنصره‪ ،‬وأخذ‬

‫بهادوربور أسيراً‪ ،‬ثم أطلقه ابنه محمد لما ملك‪ ،‬على أن يقاسمه ملكه‪ ،‬فنكث عليه‪،‬‬
‫فقاتله حتسسسى قتله‪ ،‬وولي على هذه البلد صسسسهراً‪ ،‬له فقتله العسسسسكر‪ ،‬واسسسستولى على‬

‫ملكها علي شاه‪ ،‬وهو إذ ذاك ببلد اللكنوتي‪ .‬فلما رأى فخر الدين أن الملك قد خرج‬

‫عسسن أولد السسسلطان ناصسسر الديسسن‪ ،‬وهسسو مولى لهسسم‪ ،‬خالف بسسسكاوان وبلد بنجالة‪،‬‬

‫واسستقل بالملك‪ .‬واشتدت الفتنسة بينسه وبيسن علي شاه‪ .‬فإذا كانست أيام الشتاء والوحسل‪،‬‬

‫أغار فخسر الديسن على بلد اللكنوتسي فسي البحسر لقوتسه فيسه‪ ،‬وإذا عادت اليام التسي ل‬

‫مطر فيها أغار علي شاه على بنجالة في البر لقوته فيه‪.‬‬

‫حكاية‬

‫وانتهسى حسب الفقراء بالسسلطان فخسر الديسن إلى أن جعسل أحدهسم نائباً عنسه فسي الملك‬

‫بسسدكاوان‪ ،‬وكان يسسمى شيدا " بفتسح الشيسن المعجسم والدال المهمسل بينهمسا ياء آخسر‬

‫الحروف "‪ ،‬وخرج إلى قتال عدو له‪ .‬فخالف عليسسسه شيدا‪ ،‬وأراد السسسستبداد بالملك‪،‬‬

‫وقتسسل ولد السسسلطان فخسسر الديسسن‪ ،‬ولم يكسسن له ولد غيره‪ .‬فعلم بذلك فكسسر عائداً إلى‬

‫حضرتسه‪ ،‬ففسر شيدا ومسن اتبعسه إلى مدينسة سسنرهكاوان‪ ،‬وهسي منيعسة‪ .‬فبعسث السسلطان‬

‫بالعسسساكر إلى حصسساره‪ ،‬فخاف أهلهسسا على أنفسسسهم‪ ،‬فقبضوا على شيدا وبعثوا إلى‬

‫عسسكر السسلطان‪ ،‬فكتبوا إليسه بأمره‪ .‬فأمرهسم أن يبعثوا له رأسسه فبعثوه‪ .‬وقتسل بسسببه‬

‫جماعسة كسبيرة مسن الفقراء‪ .‬ولمسا دخلت سسدكاوان لم أر سسلطانها‪ ،‬ول لقيتسه‪ ،‬وعلمست‬

‫أنسه مخالف على ملك الهنسد‪ .‬فخفست عاقبسة ذلك‪ ،‬وسسافرت مسن سسدكاوان بقصسد جبال‬

‫كامرو‪ ،‬وهسسي " بفتسسح الكاف والميسسم وضسسم الراء "‪ .‬وبينهسسا وبيسسن سسسدكاوان مسسسيرة‬

‫شهسر‪ ،‬وهسي جبال متسسعة متصسلة بالصسين‪ ،‬وتتصسل أيضاً ببلد التبست حيسث غزلن‬
‫المسك‪ .‬وأهل هذا الجبل يشبهون الترك‪ ،‬ولم قوة على الخدمة‪ .‬والغلم منهم يساوي‬

‫أضعاف ما يساويه الغلم من غيرهم‪ .‬وهم مشهورون بمعاناة السحر والشتغال به‪.‬‬

‫وكان قصسدي بالمسسير إلى هذه الجبال لقاء ولي مسن الولياء بهسا وهسو الشيسخ جلل‬

‫الدين التبريزي‪.‬‬

‫ذكر الشيخ جلل الدين‬

‫وهذا الشيسسسسسخ مسسسسسن كبار الولياء وأفراد الرجال‪ .‬له الكرامات الشهيرة والمآثسسسسسر‬

‫العظيمسسة‪ ،‬وهسسو مسسن المعمريسسن‪ .‬أخسسبرني رحمسسه ال أنسسه أدرك الخليفسسة المعتصسسم‬

‫المسسستعصم بال العباسسسي ببغداد‪ ،‬وكان بهسسا حيسسن قتله‪ ،‬وأخسسبرني أصسسحابه بعسسد هذه‬

‫المدة أنه مات‪ ،‬وهو ابن مائة وخمسين‪ ،‬وأنه كان له نحو أربعين سنة يسرد الصوم‪،‬‬

‫ول يفطر إل بعد مواصلة عشر‪ ،‬وكانت له بقرة يفطر على حليبها‪ ،‬ويقوم الليل كله‪.‬‬

‫وكان نحيسسف الجسسسم طوالً خفيسسف العارضيسسن‪ .‬وعلى يديسسه أسسسلم أهسسل تلك الجبال‪،‬‬

‫ولذلك أقام بينهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسم‪.‬‬

‫كرامسة له‪ :‬أخسبرني بعسض أصسحابه أنسه اسستدعاهم قبسل موتسه بيوم واحسد‪ ،‬وأوصساهم‬

‫بتقوى ال‪ ،‬وقال لهم‪ :‬إني أسافر عنكم غداً إن شاء ال وخليفتي عليكم ال الذي ل إله‬

‫إل هو‪ ،‬فلما صلى الظهر من الغد قبضه ال في آخر سجدة منها‪ ،‬ووجدوا في جانب‬

‫الغار الذي كان يسسكنه قسبراً محفوراً عليسه الكفسن والحنوط‪ ،‬فغسسلوه وكفنوه وصسلوا‬

‫عليسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه ودفنوه بسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه‪ ،‬رحمسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه ال تعالى‪.‬‬


‫كرامة له أيضاً‪ :‬ولما قصدت زيارة هذا الشيخ لقيني أربعة من أصحابه على مسيرة‬

‫يوميسن مسن موضسع سسكناه‪ ،‬فأخسبروي أن الشيسخ قال للفقراء الذيسن معسه‪ :‬قسد جاءكسم‬

‫سسائح مسن المغرب فاسستقبلوه‪ ،‬وأنهسم أتوا لذلك بأمسر الشيسخ‪ .‬ولم يكسن عنده علم مسن‬

‫أمري‪ ،‬وإنمسا كوشسف بسه‪ ،‬وسسرت معهسم إلى الشيسخ فوصسلت زاويتسه خارج الغار ول‬

‫عمارة عندهسا وأهسل تلك البلد مسن مسسلم وكافسر يقصسدون زبارتسه‪ ،‬ويأتون بالهدايسا‬

‫والتحف فيأكل منها الفقراء والواردون‪ .‬وأما الشيخ فقد اقتصر على بقرة يفطر على‬

‫حليبهسا بعسد عشسر كمسا قدمناه‪ ،‬ولمسا دخلت عليسه قام إلي وعانقنسي وسسألني عسن بلدي‬

‫وأسسفاري‪ ،‬فأخسبرته‪ .‬فقال لي‪ :‬أنست مسسافر العرب‪ .‬فقال له مسن حضسر مسن أصسحابه‪:‬‬

‫والعجسم يسا سسيدنا‪ .‬فقال‪ :‬والعجسم‪ ،‬فأكرموه‪ .‬فاحتملونسي إلى الزاويسة وأضافونسي ثلثسة‬

‫أيام‪.‬‬

‫حكايسة عجيبسة فسي ضمنهسا كرامات له ولمسا كان يوم دخولي إلى الشيسخ رأيست عليسه‬

‫فرجيسة مرعسز فأعجبتنسي‪ ،‬وقلت فسي نفسسي‪ :‬ليست الشيسخ أعطانيهسا‪ .‬فلمسا دخلت عليسه‬

‫للوداع‪ ،‬قام إلى جانسب الغار وجرد الفرجيسة وألبسسنيها مسع طاقيسة مسن رأسسه‪ ،‬ولبسس‬

‫مرقعة‪ ،‬فأخبرني الفقراء أن الشيخ لم تكن عادته أن يلبس تلك الفرجية‪ ،‬وإنما لبسها‬

‫عند قدومي‪ ،‬وأنه قال لهم هذه الفرجية يطلبها المغربي‪ ،‬ويأخذها منه سلطان كافر‪،‬‬

‫ويعطيهسا لخينسا برهان الديسن الصساغرجي‪ ،‬وهسي له وبرسسمه كانست‪ .‬فلمسا أخسبرني‬

‫الفقراء بذلك‪ ،‬قلت لهم‪ :‬لقد حصلت لي بركة الشيخ‪ ،‬بأن كساني لباسه‪ .‬وأنا ل أدخل‬

‫بهذه الفرجية على سلطان كافر ول مسلم‪ ،‬وانصرفت عن الشيخ‪ .‬فاتفق لي بعد مدة‬
‫طويلة أنسي دخلت بلد الصسين‪ ،‬وانتهيست إلى مدينسة الخنسسا‪ .‬فافترق منسي أصسحابي‬

‫لكثرة الزحام‪ ،‬وكانسست الفرجيسسة علي‪ .‬فبينسسا أنسسا فسسي بعسسض الطرق إذا بالوزيسسر فسسي‬

‫موكسب عظيسم‪ .‬فوقسع بصسره علي فاسستدعاني وأخسذ بيدي وسسألني عسن مقدمسي‪ ،‬ولم‬

‫يفارقنسي حتسى وصسلت إلى دار السسلطان معسه فأردت النفصسال‪ ،‬فمنعنسي وأدخلنسي‬

‫على السلطان‪ ،‬فسألني عن سلطين السلم فأجبته‪ ،‬ونظر إلى الفرجية فاستحسنها‪.‬‬

‫فقال لي الوزير‪ :‬جردها‪ ،‬فلم يمكني خلف ذلك‪ .‬فأخذها وأمر لي بعشر خلع وفرس‬

‫مجهسز ونفقسة‪ .‬وتغيسر خاطري لذلك‪ .‬ثسم ذكرت قول الشيسخ إنسه يأخذهسا سسلطان كافسر‪.‬‬

‫فطال عجسسبي مسسن ذلك‪ .‬ولمسسا كان فسسي السسسنة الخرى دخلت دار ملك الصسسين بخان‬

‫بالق‪ ،‬فقصسدت زاويسة الشيسخ برهان الديسن الصساغرجي فوجدتسه يقرأ‪ ،‬والفرجيسة عليسه‬

‫بعينهسا‪ ،‬فعجبست مسن ذلك وقلبتهسا بيدي‪ ،‬فقال لي‪ :‬لم تقلبهسا وأنست تعرفهسا ? فقلت له‪:‬‬

‫نعسم‪ ،‬هسي التسي أخذهسا منسي سسلطان الخنسسا‪ .‬فقال لي هذه الفرجيسة صسنعها أخسي جلل‬

‫الديسسن برسسسمي‪ .‬وكتسسب إلي أن الفرجيسسة تصسسلك على يسسد فلن‪ .‬ثسسم أخرج لي الكتاب‬

‫فقرأته‪ .‬وعجبت من صدق يقين الشيخ‪ ،‬وأعلمته بأول الحكاية‪ .‬فقال لي‪ :‬أخي جلل‬

‫الديسن أكسبر مسن ذلك كله‪ ،‬وهسو يتصسرف فسي الكون‪ ،‬وقسد انتقسل إلى رحمسة ال تعالى‪.‬‬

‫ثسم قال‪ :‬بلغنسي أنسه كان يصسلي الصسبح كسل يوم بمكسة‪ ،‬وأنسه يحسج كسل عام‪ .‬لنسه كان‬

‫يغيسب على الناس يومسي عرفسة والعيسد‪ ،‬فل يعرف أيسن ذهسب‪ .‬ولمسا وادعست الشيسخ‬

‫جلل الديسسن سسسافرت إلى مدينسسة حبنسسق " وضبسسط اسسسمها بفتسسح الحاء المهملة والباء‬
‫الموحدة‪ .‬وسسكون النون وقاف "‪ ،‬وهسي مسن أكسبر المدن وأحسسنها‪ .‬يشقهسا النهسر الذي‬

‫ينزل مسسسن جبال كامرو‪ ،‬ويسسسسمى النهسسسر الزرق‪ ،‬ويسسسسافر فيسسسه إلى بنجالة وبلد‬

‫اللكنوتي‪ ،‬وعليه النواعير والبساتين والقرى يمنة ويسرة‪ ،‬كما هي على نيل مصر‪.‬‬

‫وأهلهسسا كفار تحسست الذمسسة‪ ،‬يؤخسسذ منهسسم نصسسف مسسا يزدرعون ووظائف سسسوى ذلك‪.‬‬

‫وسافرنا في هذا النهر خمسة عشر يوماً بين القرى والبساتين فكأنما نمشي في سوق‬

‫من السواق‪ ،‬وفيه من المراكب ما ل يحصى كثرة‪ ،‬وفي كل مركب منها طبل‪ ،‬فإذا‬

‫التقسى المركبان ضرب كسل واحسد طبله‪ ،‬وسسلم بعضهسم على بعسض‪ .‬وأمسر السسلطان‬

‫فخر الدين المذكور أن ل يؤخذ بذلك النهر من الفقراء نول‪ ،‬وأن يعطى الزاد لمن ل‬

‫زاد له منهسم‪ .‬وإذا وصسل الفقيسر إلى مدينسة أعطسي نصسف دينار‪ .‬وبعسد خمسسة عشسر‬

‫يوماً من سفرنا في النهر‪ ،‬كما ذكرناه‪ ،‬وصلنا إلى مدينة سنرهكاوان وسنر " بضم‬

‫السسين المهمسل والنون وسسكون الراء "‪ ،‬وهسي المدينسة التسي قبسض أهلهسا على الفقيسر‬

‫شيدا عندمسا لجسأ إليهسا‪ .‬ولمسا وصسلناها وجدنسا بهسا جنكاً يريسد السسفر إلى بلد الجاوة‪.‬‬

‫وبينهمسا أربعون يوماً‪ .‬فركبنسا فيسه وصسلنا بعسد خمسسة عشسر يوماً إلى بلد البرهنكار‬

‫الذيسن أفواههسم كأفواه الكلب " وضبطهسا بفتسح الباء الموحدة والراء والنون والكاف‬

‫وسكون الهاء "‪ ،‬وهذه الطائفة من الهمج ل يرجعون إلى دين الهنود ول إلى غيره‪،‬‬

‫وسسكناهم فسي بيوت قصسب مسسقفة بحشيسش الرض على شاطسئ البحسر‪ .‬وعندهسم مسن‬

‫أشجار الموز والفوفسسل والتنبول كثيسسر‪ .‬ورجالهسسم على مثسسل صسسورنا إل أن أفواهسسم‬

‫كأفواه الكلب‪ .‬وأمسسا نسسساؤهم فلسسسن كذلك‪ ،‬ولهسسن جمال بارع‪ .‬ورجالهسسم عرايسسا ل‬
‫يستترون‪ .‬إل أن الواحد يجعل ذكره وأنثييه في جعبة من القصب منقوشة معلقة في‬

‫بطنه‪ ،‬وتستتر نساؤهم بأوراق الشجر‪ .‬ومعهم جماعة من المسلمين من أهل بنجالة‬

‫والجاوة سساكنون فسي حارة على حدة‪ .‬أخبرونسا أنهسم يتناكحون كالبهائم‪ ،‬ل يسستترون‬

‫بذلك‪ .‬ويكون للرجل منهم ثلثون امرأة فما دون ذلك أو فوقه‪ ،‬وأنهم ل يزنون‪ .‬وإذا‬

‫زنسسا الرجسسل منهسسم فحسسد الرجسسل أن يصسسلب حتسسى يموت‪ ،‬أو يؤتسسى بصسساحبه أو عبده‬

‫فيصسسلب عوضاً منسسه‪ ،‬ويسسسرح هسسو‪ .‬وحسسد المرأة أن يأمسسر السسسلطان جميسسع خدامسسه‬

‫فينكحونهسا واحسد بعسد واحسد بحضرتسه حتسى تموت‪ ،‬ويرمون بهسا فسي البحسر‪ .‬ولجسل‬

‫ذلك ل يتركون أحداً مسن أهسل المراكسب ينزل إليهسم‪ ،‬إل إن كان مسن المقيميسن عندهسم‪.‬‬

‫وإنمسسا يبايعون الناس ويشارونهسسم على السسساحل‪ ،‬ويسسسوقون إليهسسم الماء على الفيلة‪،‬‬

‫لنه بعيد من الساحل‪ .‬ول يتركونهم لستقائه خوفاً على نسائهم‪ ،‬لنهن يطمحن إلى‬

‫الرجال الحسان‪ .‬والفيلة كثيرة عندهم‪ ،‬ول يسعها أحد غير سلطانهم‪ .‬ثم يشترى منهم‬

‫بالثواب‪ .‬ولهم كلم غريب ليفقهه إل من ساكنهم‪ ،‬وأكثر التردد إليهم‪ .‬ولما وصلنا‬

‫إلى سسساحلهم أتوا إلينسسا فسسي قوارب صسسغار‪ ،‬كسسل قارب مسسن خشبسسة واحدة منحوتسسة‪،‬‬

‫وجاءوا بالموز والرز والتنبول والفوفل والسمك‪.‬‬

‫ذكر سلطانهم‬

‫وأتسى إلينسا سسلطانهم رأكباً على فيسل‪ ،‬عليسه شبسه بردعسة من الجلود‪ ،‬ولباس السسلطان‬

‫ثوب من جلود المعزى‪ ،‬وقد جعل الوبر إلى خارج‪ ،‬وفوق رأسه ثلث عصائب من‬

‫الحريسر ملونات‪ ،‬وفسي يده حربسة مسن القصسب‪ ،‬ومعسه نحسو عشريسن مسن أقاربسه على‬
‫الفيلة‪ .‬فبعثنسا إليسه هديسة مسن الفلفسل والزنجبيسل والقرفسة والحوت الذي يكون بجزائر‬

‫ذيبسة المهسل وأثواباً من بنجاليسة‪ .‬وهم ل يلبسسونها إنما يكسسونها الفيلة فسي أيام عيدهم‪.‬‬

‫ولهذا السسسلطان على كسسل مركسسب ينزل ببلده جاريسسة ومملوك وثياب لكسسسوة الفيسسل‬

‫وحلي ذهسب تجعله زوجتسه فسي محزمهسا وأصسابع رجليهسا‪ .‬ومسن لم يعسط هذه الوظيفسة‬

‫صسسسسسسسسنعوا له سسسسسسسسسحراً يهيسسسسسسسسج بسسسسسسسسه البحسسسسسسسسر‪ ،‬فيهلك أو يقارب الهلك‪.‬‬

‫حكايسة واتفسق فسي ليلة مسن ليالي إقامتنسا بمرسساهم أن غلماً لصساحب المركسب ممسن‬

‫تردد إلى هؤلء الطائفسة نزل مسن المركسب ليلً‪ ،‬وتواعسد مسع امرأة أحسد كسبرائهم إلى‬

‫موضع شبه الغار على الساحل‪ .‬وعلم بذلك زوجها‪ ،‬فجاء في جمع من أصحابه إلى‬

‫الغار فوجدهمسا بسه‪ .‬فحمل إلى سسلطانهم‪ ،‬فأمسر بالغلم فقطعست أنثياه وصسلب‪ .‬وأمسر‬

‫المرأة فجامعهسا الناس حتسى ماتست‪ .‬ثسم جاء السسلطان إلى السساحل فاعتذر عمسا جرى‪،‬‬

‫وقال‪ :‬إنسا ل نجسد بداً مسن إمضاء أحكامنسا‪ .‬ووهسب لصساحب المركسب غلماً عوض‬

‫الغلم المطلوب‪ ،‬ثسسم سسسافرنا عسسن هؤلء‪ .‬وبعسسد خمسسسة وعشريسسن يوماً وصسسلنا إلى‬

‫جزيرة الجاوة " بالجيم "‪ ،‬وهي التي ينسب إليها اللبان الجاوي‪ .‬رأيناها على مسيرة‬

‫نصف يوم‪ .‬وهي خضرة نضرة‪.‬وأكثر أشجارها النارجيل والفوفل والقرنفل والعود‬

‫الهندي والشكسي والبركسي والعنبسة والجمون والنارنسج الحلو وقصسب الكافور‪ .‬وبيسع‬

‫أهلهسا وشراؤهسم بقطسع قصسدير وبالذهسب الصسيني التسبر غيسر المسسبوك‪ .‬والكثيسر مسن‬

‫أفاويه الطيب التي ببلد الكفار إنما هو منها‪ ،‬وأما ببلد المسلمين فهو أقل من ذلك‪.‬‬

‫ولمسا وصسلنا المرسسى خرج إلينسا أهلهسا فسي مراكسب صسغار‪ ،‬ومعهسم جوز النارجيسل‬
‫والموز والعنبسة والسسسمك‪ .‬وعادتهسسم أن يهدوا ذلك للتجار‪ ،‬فيكافئهسسم كسسل إنسسان على‬

‫قدره‪ .‬وصسعد إلينسا أيضاً نائب صساحب البحسر‪ ،‬وشاهسد مسن معنسا مسن التجار‪ ،‬وأذن لنسا‬

‫في النزول إلى البر‪ .‬فنزلنا إلى البندر‪ ،‬وهي قرية كبيرة على ساحل البحر‪ ،‬بها دور‬

‫اسسمها السسرحى " بفتسح السسين المهمسل وسسكون الراء وفتسح الحاء المهمسل "‪ ،‬وبينهسا‬

‫وبيسن البلد أربعسة أميال‪ .‬ثسم كتسب بهروز نائب صساحب البحسر إلى السسلطان فعرفسه‬

‫بقدومسي‪ ،‬فأمسر الميسر دولسسة بلقائي‪ ،‬والقاضسي الشريسف أميسر سسيد الشيرازي‪ ،‬وتاج‬

‫الديسن الصسفهاني‪ ،‬وسسواهم مسن الفقهاء‪ ،‬فخرجوا لذلك وجاءوا بفرس مسن مراكسب‬

‫السسلطان‪ ،‬وأفراس سسواه فركبست‪ ،‬وركسب أصسحابي‪ ،‬ودخلنسا إلى حضرة السسلطان‪،‬‬

‫وهي مدينة سمطرة " بضم السين المهمل وسكون الطاء وفتح الراء "‪ ،‬مدينة حسنة‬

‫كبيرة‪ ،‬عليها سور خشب وأبراج خشب‪.‬‬

‫ذكر سلطان الجاوة‬

‫وهسو السسلطان الملك الظاهسر مسن فضلء الملوك وكرمائهسم‪ ،‬شافعسي المذهسب محسب‬

‫في الفقهاء يحضرون مجلسه للقراءة والمذاكرة وهو كثير الجهاد والغزو ومتواضع‬

‫يأتسسي إلى صسسلة الجمعسسة ماشياً على قدميسسه وأهسسل بلده شافعيسسة محبون فسسي الجهاد‬

‫يخرجون معسسه تطوعاً وهسسم غالبون على مسسن يليهسسم مسسن الكفار والكفار يعطونهسسم‬

‫الجزية على الصلح‪.‬‬


‫ذكر دخولنا إلى داره وإحسانه إلينا‬

‫ولمسسا قصسسدنا إلى دار السسسلطان وجدنسسا بالقرب منسسه رماحاً مركوزة على جانسسبي‬

‫الطريق‪ ،‬وهي علمة على نزول الناس‪ ،‬فل يتجاوزها من كان راكباً‪ .‬فنزلنا عندها‬

‫ودخلنسسا المشور‪ ،‬فوجدنسسا نائب السسسلطان‪ .‬وهسسو يسسسمى عمدة الملك‪ .‬فقام إلينسسا وسسسلم‬

‫علينسا‪ ،‬وسسلمهم بالمصسافحة وقعدنسا معسه‪ .‬وكتسب بطاقسة إلى السسلطان يعلمسه بذلك‪،‬‬

‫وختمها ودفعها لبعض الفتيان‪ .‬فأتاه الجواب على ظهرها‪ .‬ثم جاء أحد الفتيان ببقشة‬

‫والبقشسة " بضسم الباء الموحدة وسسكون القاف وفتسح الشيسن المعجسم "‪ ،‬هسي السسبنية‬

‫فأخذهسسا النائب بيده‪ ،‬وأخسسذ بيدي وأدخلنسي إلى دويرة يسسمونها فردخانسة‪ ،‬على وزن‬

‫زردخانة " إل أن أولها فاء "‪ ،‬وهي موضع راحته بالنهار فإن العادة أن يأتي نائب‬

‫السسسلطان إلى المشور بعسسد الصسسبح‪ ،‬ول ينصسسرف إل بعسسد العشاء الخرة‪ ،‬وكذلك‬

‫الوزراء والمراء الكبار‪ .‬وأخرج مسسسن البقشسسسة ثلث فوط‪ :‬إحداهمسسسا مسسسن خالص‬

‫الحريسسر‪ ،‬والخرى حريسسر وقطسسن‪ ،‬وأخرى حريسسر وكتان‪ .‬وأخرج ثلثسسة أثواب‪،‬‬

‫يسسسمونها التحتانيات مسسن جنسسس الفوط‪ ،‬وأخرج ثلثسسة مسسن الثياب مختلفسسة الجناس‪،‬‬

‫تسسمى الوسسطانيات‪ ،‬وأخرج ثلثسة أثواب مسن الرمسك‪ ،‬أحدهسا أبيسض‪ ،‬وأخرج ثلث‬

‫عمائم‪ .‬فلبسست فوطسة منهسا عوضاً عسن السسراويل على عادتهسم‪ ،‬وثوباً مسن كسل جنسس‪.‬‬

‫وأخسسسسسسسسسسسسسسسسسذ أصسسسسسسسسسسسسسسسسسحابي مسسسسسسسسسسسسسسسسسا بقسسسسسسسسسسسسسسسسسي منهسسسسسسسسسسسسسسسسسا‪.‬‬

‫ثسسم جاءوا بالطعام‪ ،‬أكثره الرز‪ ،‬ثسسم أتوا بنوع مسسن الفقاع‪ ،‬ثسسم أتوا بالتنبول‪ ،‬وهسسو‬

‫علمة النصراف‪ ،‬فأخذناه وقمنا‪ ،‬وقام النائب لقيامنا‪ ،‬وخرجنا عن المشور‪ ،‬فركبنا‬
‫وركب النائب معنا‪ .‬وأتوا بنا إلى بستان عليه حائط خشب‪ ،‬وفي وسطها دار بناؤها‬

‫بالخشسسب‪ ،‬مفروشسسة بقطائف قطسسن يسسسمونها المخملت " بالميسسم والخاء المعجسسم "‪،‬‬

‫ومنها مصبوغ وغير مصبوغ‪ .‬وفي البيت أسره من الخيزران‪ ،‬فوقها مضربات من‬

‫الحرير‪ ،‬ولحف خفاف‪ ،‬ومخاد‪ ،‬يسمونها البوالشت‪ ،‬فجلسنا بالدار‪ ،‬ومعنا النائب‪ .‬ثم‬

‫جاء المير دولسة بجاريتين وخادمين‪ ،‬وقال لي‪ :‬يقول لك السلطان هذا على قدرنا‪،‬‬

‫ل على قدر السسلطان محمسد‪ ،‬ثسم خرج النائب‪ ،‬وبقسي الميسر دولسسة عندي‪ .‬وكانست‬

‫بينسي وبينسه معرفسة‪ .‬لنسه كان ورد رسسولً على السسلطان بدهلي‪ .‬فقلت له‪ :‬متسى تكون‬

‫رؤيسة السسلطان ? فقال لي‪ :‬إن العادة عندنسا أن ل يسسلم القادم على السسلطان‪ .‬إل بعسد‬

‫ثلثسة أيام ليذهسب عنسه تعسب السسفر‪ .‬ويثوب إليسه ذهنسه‪ .‬فأقمنسا ثلثسة أيام‪ ،‬يأتسي إلينسا‬

‫بالطعام ثلث مرات فسسي اليوم‪ ،‬وتأتينسسا الفواكسسه والطرف مسسساء وصسسباحاً‪ .‬فلمسسا كان‬

‫اليوم الرابسسع‪ ،‬وهسسو يوم الجمعسسة‪ ،‬أتانسسي الميسسر دولسسسة فقال لي‪ :‬يكون سسسلمك على‬

‫السلطان بمقصورة الجامع بعد الصلة‪ .‬فأتيت الجامع وصليت به الجمعة مع حاجبه‬

‫قيران " بفتسح القاف وسسكون الياء آخسر الحروف والراء "‪ ،‬ثسم دخلت إلى السسلطان‪،‬‬

‫فوجدت القاضسي أميسر سسيد‪ ،‬والطلبسة عسن يمينسه وشماله‪ .‬فصسافحني وسسلمت عليسه‪،‬‬

‫وأجلسني عن شماله‪ ،‬وسألني عن السلطان محمد‪ ،‬وعن أسفاري فأجبته‪ ،‬وعاد إلى‬

‫المذاكرة فسي الفقسه على مذهسب المام الشافعسي‪ .‬ولم يزل كذلك إلى صسلة العصسر‪،‬‬

‫فلما صلها دخل بيتاً هنالك‪ ،‬فنزع الثياب التي كانت عليه‪ ،‬وهي ثياب الفقهاء‪ ،‬وبها‬
‫يأتسسي الجامسسع يوم الجمعسسة ماشياً‪ ،‬ثسسم لبسسس ثياب الملك‪ ،‬وهسسي القبيسسة مسسن الحريسسر‬

‫والقطن‪.‬‬

‫ذكر انصرافه إلى داره وترتيب السلم عليه‬

‫ولمسا خرج مسن الجامسع وجسد الفيلة والخيسل على بابسه‪ ،‬والعادة عندهسم أنسه إذا ركسب‬

‫السسلطان الفيسل‪ ،‬ركسب مسن معسه الخيسل‪ .‬وإذا ركسب الفرس‪ ،‬ركبوا الفيلة‪ .‬ويكون أهسل‬

‫العلم عن يمينه‪ ،‬فركب ذلك اليوم على الفيل‪ ،‬وركبنا الخيل وسرنا معه إلى المشور‪.‬‬

‫فنزلنسسا حيسسث العادة‪ ،‬ودخسسسل السسسسلطان راكبًا وقسسسد اصسسسطف فسسسي المشور الوزراء‬

‫والمراء والكتاب وأرباب الدولة ووجوه العسسسكر صسسفوفاً‪ ،‬فأول الصسسفوف صسسف‬

‫الوزراء والكتاب‪ ،‬ووزراؤه أربعة‪ ،‬فسلموا عليه وانصرفوا إلى موضع وقوفهم‪ ،‬ثم‬

‫صسسف المراء فسسسلموا وموضوا إلى مواقفهسسم‪ .‬وكذلك تفعسسل كسسل طائفسسة‪ ،‬ثسسم صسسف‬

‫الشارفاء والفقهاء‪ ،‬ثم صف الندماء والحكماء والشعراء‪ ،‬ثم صف وجوه العسكر‪ ،‬ثم‬

‫صسسف الفتيان والمماليسسك‪ .‬ووقسسف السسسلطان على فيسسه إزاء قبسسة الجلوس‪ ،‬ورفسسع فوق‬

‫رأسه شطر مرصع‪ ،‬وجعل عن يمينه خمسون فيلً مزينة‪ ،‬وعن شماله مثلها‪ ،‬وعن‬

‫يمينسسه أيضاً مائة فرس‪ ،‬وعسسن شماله مثلهسسا‪ ،‬وهسسي خيسسل النوبسسة‪ ،‬ووقسسف بيسسن يديسسه‬

‫خواص الحجاب‪ .‬ثم أتى أهل الطرب من الرجال فغنوا بين يديه‪ ،‬وأتى بخيل مجللة‬

‫بالحريسر‪ ،‬لهسا خلخيسل ذهسب وأرسسان حريسر مزركشسة‪ ،‬فرقصست الخيسل بيسن يديسه‪.‬‬

‫فعجبست مسن شأنسه‪ ،‬وكنست رأيست ذلك عنسد ملك الهنسد‪ .‬ولمسا كان عنسد الغروب دخسل‬

‫السلطان إلى داره‪ ،‬وانصرف الناس إلى منازلهم‪.‬‬


‫ذكر خلف ابن أخيه وسبب ذلك‬

‫وكان له ابسن أخ متزوج ببنتسه‪ ،‬فوله بعسض البلد‪ .‬وكان الفتسى بتعشسق بنتاً لبعسض‬

‫المراء‪ ،‬ويريد تزوجها‪ .‬والعادة هنالك أنه إذا كانت لرجل من الناس أمير أو سوقي‬

‫أو سسواه بنست قسد بلغست مبلغ النكاح‪ ،‬فلبسد أن يسستأمر للسسلطان فسي شأنهسا‪ ،‬ويبعسث‬

‫السلطان من النساء من تنظر إليها‪ ،‬فإن أعجبته صفتها تزوجها‪ ،‬وإل تركها يزوجها‬

‫أولياؤهسسسا ممسسسن شاءوا‪ .‬والناس هنالك يرغبون فسسسي تزوج السسسسلطان بناتهسسسم‪ ،‬لمسسسا‬

‫يحوزون بسسه مسسن الجاه والشرف‪ .‬ولمسسا اسسستأمر والد البنسست التسسي تعشقهسسا ابسسن أخسسي‬

‫السسلطان‪ ،‬بعسث السسلطان مسن نظسر إليهسا وتزوجهسا‪ .‬واشتسد شغسف الفتسى بهسا ولم يجسد‬

‫سبيلً إليها‪ .‬ثم إن السلطان خرج إلى الغزو‪ ،‬وبينه وبين الكفار مسيرة شهر‪ .‬فخالفه‬

‫ابن أخيه إلى سسمطرة‪ ،‬ودخلهسا إذ لم يكون عليهسا سسور حينئذ‪ ،‬وادعى الملك‪ ،‬وبايعه‬

‫بعسض الناس‪ ،‬وامتنسع آخرون‪ .‬وعلم عمسه بذلك‪ ،‬فقفسل راجعاً عائداً إليهسا فأخسذ ابسن‬

‫أخيسه مسا قدر عليسه مسن الموال والذخائر‪ ،‬وأخسذ الجاريسة التسي تعشقهسا‪ ،‬وقصسد بلد‬

‫الكفار بمل جاوه‪ .‬ولهذا بنى عمه السور على سمطرة‪ .‬وكانت إقامتي عنده بسمطرة‬

‫خمسة عشر يوماً‪ ،‬ثم طلبت منه السفر إذ كان أوانه‪ .‬ول يتهيأ السفر إلى الصين في‬

‫كسل وقست‪ .‬فجهسز لنا جنكاً‪ ،‬وزودنا‪ ،‬وأحسن وأجمل جزاه ال خيراً‪ ،‬وبعث معنا من‬

‫أصحابه من يأتي لنا بالضيافة إلى الجنك‪ .‬وسافرنا بطول بلده إحدا وعشرين ليلة‪،‬‬

‫ثسم وصسلنا إلى مسل جاوه " بضسم الميسم "‪ ،‬وهسي بلد الكفار وطولهسا مسسيرة شهريسن‪،‬‬

‫وبهسسا الفاويسسه العطره والعود الطيسسب القاقلي والقماري‪ ،‬وقاقلة وقمارة مسسن بعسسض‬
‫بلدها‪ ،‬وليسس ببلد السلطان الظاهر بالجاوة إل اللبان والكافور وشيسء من القرنفل‬

‫وشيسسء مسسن العود الهندي‪ ،‬وإنمسسا معظسسم ذلك بمسسل جاوه‪ .‬ولنذكسسر مسسا شهدناه منهسسا‪،‬‬

‫ووقفنا على أعيانه وحققناه‪.‬‬

‫ذكر اللبان‬

‫وشجرة اللبان صسسسغيرة تكون بقدر قامسسسة النسسسسان إلى مسسسا دون ذلك‪ ،‬وأغصسسسانها‬

‫كأغصان الخرشف‪ ،‬وأوراقها صغار رقاق‪ ،‬وربما سقطت فبقيت الشجرة منها دون‬

‫ورقسة‪ .‬واللبان صسمغية تكون فسي أغصسانها‪ .‬وهسي فسي بلد المسسلمين أكثسر منهسا فسي‬

‫بلد الكفار‪.‬‬

‫ذكر الكافور‬

‫وأما شجرة الكافور فهي قصب كقصب بلدنا‪ ،‬إل أن النابيب منها أطول وأغلظ‪.‬‬

‫ويكون الكافور داخسل النابيسب‪ ،‬فإذا كسسرت القصسبة وجسد فسي داخسل النبوب مثسل‬

‫شكله من الكافور‪ .‬والسر العجيب فيه أنه ل يتكون في تلك القصب‪ ،‬حتى يذبح عند‬

‫أصسولها شيسء مسن الحيوان‪ ،‬وإل لم يتكون شيسء منسه‪ .‬والطيسب المتناهسي فسي البرودة‬

‫الذي يقتسل منسه وزن الدرهسم‪ ،‬بتجميسد الروح‪ ،‬وهسو المسسمى عندهسم بالحردالة‪ ،‬وهسو‬

‫الذي يذبح عند قصبه الدمي‪ ،‬ويقوم مقام الدمي في ذلك الفيلة الصغار‪.‬‬
‫ذكر العود الهندي‬

‫وأما العود الهندي فشجره يشبه شجر البلوط‪ ،‬إل أن قشره رقيق‪ ،‬وأوراقه كأوراق‬

‫البلوط سسسواء‪ ،‬ول ثمسسر له‪ .‬وشجرتسسه ل تعظسسم كسسل العظسسم‪ ،‬وعروقسسه طويلة‪ ،‬وفيهسسا‬

‫الرائحسسة العطرة‪ .‬وأمسسا عيدان شجرتسسه وورقهسسا‪ ،‬فل عطريسسة فيهسسا‪ .‬وكسسل مسسا ببلد‬

‫المسسسلمين مسسن شجره فهسسو متملك‪ .‬وأمسسا الذي فسسي بلد الكفار فأكثره غيسسر متملك‪.‬‬

‫والمتملك منسسه مسسا كان بقاقلة‪ ،‬وهسسو أطيسسب العود‪ .‬وكذلك القماري هسسو أطيسسب أنواع‬

‫العود‪ ،‬ويبيعونه لهل الجاوة بالثواب‪ .‬ومن القماري صنف يطبع عليه الشمع‪ .‬وأما‬

‫العطاس فإنه يقطع العرق منه‪ ،‬ويدفن في التراب أشهراً‪ ،‬فتبقى فيه قوته‪ ،‬وهو من‬

‫أعجب أنواعه‪.‬‬

‫ذكر القرنفل‬

‫وأمسسا أشجار القرنفسسل فهسسي عاديسسة ضخمسسة‪ ،‬وهسسي ببلد الكفار أكثسسر منهسسا ببلد‬

‫السسلم‪ ،‬وليسست بمتملكسة لكثرتهسا‪ .‬والمجلوب إلى بلدنسا منهسا هسو العيدان‪ ،‬والذي‬

‫يسميه أهل بلدنا نوار القرنفل‪ ،‬هو الذي يسقط من زهره‪ ،‬وهو شبيه بزهر النارنج‪.‬‬

‫وثمر القرنفل هو جوز بوا المعروفة في بلدنا بجوزة الطيب‪ ،‬والزهر المتكون فيها‬

‫هسو البسسباسة‪ ،‬رأيست ذلك كله وشاهدتسه‪ .‬ووصسلنا إلى مرسسى قاقلة‪ ،‬فوجدناه بسه جملة‬

‫من الجنوك معد للسرقة‪ .‬ولمن يستعصي عليهم من الجنوك‪ ،‬فإن لهم على كل جنك‬

‫وظيفسة‪ .‬ثسم نزلنسا مسن الجنسك إلى مدينسة قاقلة " وهسي بقافيسن آخرهسا مضموم ولمهسا‬

‫مفتوح "‪ ،‬وهسي مدينسة حسسنة‪ ،‬عليهسا سسور مسن حجارة منحوتسة‪ ،‬عرضسه بحيث تسسير‬
‫فيسه ثلثسة مسن الفيلة‪ .‬وأول مسا رأيست بخارجهسا الفيلة عليهسا الحمال مسن العود الهندي‬

‫يوقدونسه فسي بيوتهسم‪ ،‬وهسو بقيمسة الحطسب عندنسا أو أرخسص ثمناً‪ ،‬هذا إذا ابتاعوا فيمسا‬

‫بينهم‪ .‬وأما للتجار فيبيعون الحمل منه بثوب من ثياب القطن‪ ،‬وهي أغلى عندهم من‬

‫ثياب الحريسسر‪ .‬والفيلة بهسسا كثيرة جداً‪ ،‬عليهسسا يركبون ويحملون‪ .‬وكسسل إنسسسان يربسسط‬

‫فيلتسه على بابسه‪ ،‬وكسل صساحب حانوت يربسط فيله عنده‪ ،‬يركبسه إلى داره ويحمسل له‪.‬‬

‫وكذلك جميع أهل الصين‪ ،‬والخطا على مثل هذا الترتيب‪.‬‬

‫ذكر سلطان مل جاوه‬

‫وهسو كافسر‪ ،‬رأيتسه خارج قصسره جالسساً على قبسة ليسس بينسه وبيسن الرض بسساط‪،‬‬

‫ومعسسسه أرباب دولتسسسه‪ .‬والعسسسساكر يعرضون عليسسسه مشاة‪ ،‬ول خيسسسل هنالك إل عنسسسد‬

‫السسسلطان‪ ،‬وإنمسسا يركبون الفيلة‪ ،‬وعليهسسا يقاتلون‪ .‬فعرف شأنسسي‪ ،‬فاسسستدعاني فجئت‬

‫وقلت‪ :‬السسلم على مسن اتبسع الهدى‪ ،‬فلم يفقهوا إل لفسظ السسلم‪ .‬فرحسب بسي‪ ،‬وأمسر أن‬

‫يفرش لي ثوب اقعسد عليسه‪ .‬فقلت للترجمان‪ :‬كيسف أجلس على الثوب والسسلطان قاعسد‬

‫على الرض ? فقال‪ :‬هكذا عادتسه يقعسد على الرض تواضعاً‪ ،‬وأنست ضيسف‪ ،‬وجئت‬

‫من سلطان كبير‪ ،‬فيجب إكرامك‪ ،‬فجلست‪ ،‬وسألني عن السلطان‪ ،‬فأوجز في سؤاله‪،‬‬

‫وقال لي‪ :‬تقيسسسسسم عندنسسسسا فسسسسسي الضيافسسسسسة ثلثسسسسة أيام‪ ،‬وحينئذ يكون انصسسسسسرافك‪.‬‬

‫ذكسر عجيبسة رأيتهسا بمجلسسه ورأيست فسي مجلس هذا السسلطان رجلً بيده سسكين شبسه‬

‫سسكين المسسفر‪ ،‬قسد وضعسه على رقبسة نفسسه‪ ،‬وتكلم بكلم كثيسر لم أفهمسه‪ ،‬ثسم أمسسك‬

‫السسسكين بيديسسه معًا وقطسسع عنسسق نفسسسه‪ ،‬فوقسسع رأسسسه لحدة السسسكين‪ ،‬وشدة إمسسساكه‬
‫بالرض‪ .‬فعجبت من شأنه‪ ،‬وقال لي السلطان‪ :‬أيفعل أحد هذا عندكم ? فقلت له‪ :‬ما‬

‫رأيت هذا قط‪ .‬فضحك وقال‪ :‬هؤلء عبيدنا‪ ،‬يقتلون أنفسهم في محبتنا‪ .‬وأمر به فرفع‬

‫وأحرق‪ .‬وخرج لحراقسه النواب وأرباب الدولة والعسساكر والرعايسا‪ .‬وأجرى الرزق‬

‫الواسسع على أولده وأهله وإخوانسه‪ ،‬وعظموا لجسل فعله‪ .‬وأخسبرني مسن كان حاضراً‬

‫في ذلك المجلس أن الكلم الذي تكلم به‪ ،‬كان تقريراً لمحبته في السلطان‪ ،‬وأنه يقتل‬

‫نفسسه فسي حبسه‪ ،‬كمسا قتسل أبوه نفسسه فسي حسب أبيسه‪ ،‬وجده قتسل نفسسه فسي حسب جده‪ ،‬ثسم‬

‫انصرفت عن المجلس‪ .‬وبعث إلي بضيافة ثلثة أيام‪ .‬وسافرنا في البحر فوصلنا بعد‬

‫أربعة وثلثين يوماً إلى البحر الكاهل‪ ،‬وهو الراكد وفيه حمرة زعموا أنها من تربة‬

‫أرض تجاوره‪ .‬ول ريح فيه ول موج ول حركة مع اتساعه‪ .‬ولجل هذا البحر تتبع‬

‫كل جنك من جنوك الصين ثلثة مراكب‪ ،‬كما ذكرناه‪ ،‬تجذف به فتجره‪ .‬ويكون في‬

‫الجنسك مسع ذلك نحسو عشريسن مجذافاً كباراً كالصسواري‪ ،‬يجتمسع على المجذاف منهسا‬

‫ثلثون رجلً أو نحوهسسا‪ ،‬ويقومون قياماً صسسفين‪ ،‬كسسل صسسف يقابسسل الخسسر‪ .‬وفسسي‬

‫المجذاف حبلن عظيمان كالطوابيسسس‪ .‬فتجذف إحدى الطائفتيسسن الحبسسل‪ ،‬ثسسم تتركسسه‪،‬‬

‫وتجذف الطائفة الخرى‪ .‬وهم يغنون عند ذلك بأصواتهم الحسان‪ ،‬وأكثر ما يقولون‪:‬‬

‫لعلى لعلى‪ .‬وأقمنسا على ظهسر هذا البحسر سسبعة وثلثيسن يوماً‪ ،‬وعجبست البحريسة مسن‬

‫التسسسهيل فيسسه‪ ،‬فإنهسسم يقيمون فيسسه خمسسسين يوماً إلى أربعيسسن‪ ،‬وهسسي أنهسسى مسسا يكون‬

‫التيسير عليهم‪ .‬ثم وصلنا إلى بلد طوالسي وهي " بفتح الطاء المهمل والواو وكسر‬

‫السين المهمل "‪ ،‬وملكها هو المسمى بطوالسي‪ .‬وهي بلد عريضة‪ ،‬وملكها يضاهي‬
‫ملك الصسين‪ .‬وله الجنوك الكثيرة‪ ،‬يقاتسل بهسا أهسل الصسين حتسى يصسالحوه على شيسء‪.‬‬

‫وأهسسل هذه البلد عبدة أوثان‪ ،‬حسسسان الصسسور‪ ،‬أشبسسه الناس بالترك فسسي صسسورهم‪،‬‬

‫والغالب على ألوانهم الحمرة‪ ،‬ولهم شجاعة ونجدة‪ .‬ونساؤهم يركبن الخيل‪ ،‬ويحسن‬

‫الرماية‪ ،‬ويقاتلن كالرجال سواء‪ .‬وأرسينا من مراسيهم بمدينة كيلوكري " وضبطها‬

‫بكاف مفتوح وياء آخسسر الحروف مسسسكنة ولم مضموم وراء مكسسسور "‪ ،‬وهسسي مسسن‬

‫أحسسن مدنهسم وأكبرهسا‪ ،‬وكان يسسكن بهسا ابسن ملكهسم‪ .‬فلمسا أرسسينا بالمرسسى جاءت‬

‫عسساكرهم‪ ،‬ونزل الناخوذة إليهسم‪ ،‬ومعسه هديسة لبسن الملك‪ ،‬فسسألهم عنسه‪ ،‬فأخسبروه أن‬

‫أباه وله بلداً غيرهم‪ ،‬وولى بنته بتلك المدينة واسمها أردجا " بضم الهمزة وسكون‬

‫الراء وضسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسم الدال المهمسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسل وجيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسم "‪.‬‬

‫ذكسر هذه الملكسة ولمسا كان فسي اليوم الثانسي مسن حلولنسا بمرسسي كيلوكري‪ ،‬اسستدعت‬

‫هذه الملكسة الناخوذة صساحب المركسب والكرانسي‪ ،‬وهسو الكاتسب‪ ،‬والتجار‪ ،‬والرؤسساء‪،‬‬

‫والتنديسل‪ ،‬وهسو مقدم الرجال‪ ،‬وسسباه سسالر‪ ،‬وهسو مقدم الرماة‪ ،‬لضيافسة صسنعتها لهسم‬

‫على عادتهسا‪ .‬ورغسب الناخوذة منسي أن أحضسر معهسم‪ .‬فأتيست‪ ،‬لنهسم كفار ل يجوز‬

‫أكسل طعامهسم‪ .‬فلمسا حضروا عندهسا‪ ،‬قالت لهسم‪ :‬هسل بقسي أحسد منكسم لم يحضسر ? فقال‬

‫لهسا الناخوذة‪ :‬لم يبسق إل رجسل واحسد بخشسي وهسو القاضسي بلسسانهم‪ ،‬وبخشسي " بفتسح‬

‫الباء الموحدة وسكون الحاء وكسر الشين المعجمة "‪ ،‬وهو ل يأكل طعامكم‪ .‬فقالت‪:‬‬

‫ادعوه‪ .‬فجاء جنادرتهسسا وأصسسحاب الناخوذة‪ ،‬فقالوا‪ :‬أجسسب الملكسسة‪ .‬فأتيتهسسا‪ ،‬وهسسي‬

‫بمجلسسها العظسم‪ ،‬وبيسن يديهسا نسسوة‪ ،‬بأيديهسن الزمسة‪ ،‬يعرضسن ذلك عليهسا‪ ،‬وحولهسا‬
‫النسساء القواعسد‪ ،‬وهسن وزيراتهسا‪ ،‬وقسد جلسسن تحست السسرير على كراسسي الصسندل‪،‬‬

‫وبيسن يديهسا الرجال‪ .‬ومجلسسها مفروش بالحريسر‪ ،‬وعليسه سستور حريسر وخشبسه مسن‬

‫الصسندل‪ ،‬وعليسه صسفائح الذهسب‪ .‬وبالمجلس مسساطب خشسب‪ ،‬منقوش عليهسا أوانسي‬

‫ذهسب كثيرة مسن كبار وصسغار كالخوابسي والقلل والبواقيسل‪ .‬أخسبرني الناخوذة أنهسا‬

‫مملوءة بشراب مصسنوع مسن السسكر مخلوط بالفاويسه‪ ،‬يشربونسه بعسد الطعام‪ ،‬وأنسه‬

‫عطسر الرائحسة حلو المطعسم‪ ،‬يفرح ويطيسب النكهسة‪ ،‬ويهضسم‪ ،‬ويعيسن على الباءة‪ .‬فلمسا‬

‫سسسلمت على الملكسسة قالت لي بالتركيسسة‪ :‬حسسسن مسسسن يخشسسي مسسسن " خوشميسسسن‬

‫يخشميسسن "‪ ،‬ومعناه‪ :‬كيسف حالك ? كيسف أنست ? وأجلسستني على قرب منهسا وكانست‬

‫تحسسسن الكتاب العربسسي‪ ،‬فقالت لبعسسض خدامهسسا‪ :‬دواة وبتسسك كاتور " كتور " معناه‪:‬‬

‫الدواة والكاغد‪ .‬فأتي بذلك فكتبت فيه بسم ال الرحمن الرحيم‪ .‬فقالت‪ :‬ما هذا ? فقلت‬

‫لهسسا‪ :‬تنضري " تنكري " نام‪ ،‬وتنضري " بفتسسح التاء المعلوة وسسسكون النون وفتسسح‬

‫الضاد وراء وياء " ونام " بنون والف وميم "‪ ،‬ومعنى ذلك اسم ال‪ .‬فقالت‪ :‬خشن "‬

‫خوش "‪ ،‬ومعناه جيسسد‪ .‬ثسسم سسسألتني مسسن أي البلد قدمسست‪ ،‬فقلت لهسسا مسسن بلد الهنسسد‪.‬‬

‫فقالت‪ :‬بلد الفلفسسسسل‪ .‬فقلت‪ :‬نعسسسم‪ .‬فسسسسسألتني عسسسن تلك البلد وأخبارهسسسا فأجبتهسسسسا‪.‬‬

‫فقالت‪ :‬ل بد أن أغزوها وآخذهسا لنفسسي‪ ،‬فإنسي يعجبنسي كثرة مالهسا وعساكرها‪ .‬فقلت‬

‫لهسسا‪ :‬افعلي‪ .‬وأمرت لي بأثواب وحمسسل فيليسسن مسسن الرز وبجاموسسستين وعشسسر مسسن‬

‫الضأن وأربعسسسة أرطال جلب وأربسسسع مرطبانات‪ ،‬وهسسسي أوان سسٍ ضخمسسسة‪ ،‬مملوءة‬

‫بالزنجبيسل والفلفسل والليمون والعنبسا‪ .‬كسل ذلك مملوح ممسا يسستعد بسه للبحسر‪ ،‬وأخسبرني‬
‫الناخوذة أن هذه الملكسسة فسسي عسسسكرها نسسسوة وخدم وجوارٍ يقاتلن كالرجال‪ ،‬وأنهسسا‬

‫تخرج فسي العسساكر مسن رجال ونسساء‪ ،‬فتغيسر على عدوهسا‪ ،‬وتشاهسد القتال‪ ،‬وتبارز‬

‫البطال‪ .‬وأخسبرني أنهسا وقسع بينهسا وبيسن بعسض أعدائهسا قتال شديسد‪ ،‬وقتسل كثيسر مسن‬

‫عسسكرها‪ ،‬وكادوا ينهزمون‪ ،‬فدفعست بنفسسها‪ ،‬وخرقست الجيوش‪ ،‬حتسى وصسلت إلى‬

‫الملك الذي كانست تقاتله‪ ،‬فطعنتسه طعنسة كان فيهسا حتفسه فمات‪ ،‬وانهزمست عسساكره‪.‬‬

‫وجاءت برأسسه على رمسح فافتكسه أهله منهسا بمال كثيسر‪ .‬فلمسا عادت إلى أبيهسا ملكهسا‬

‫تلك المدينسة التسي كانست بيسد أخيهسا‪ .‬وأخسبرني أن أبناء الملوك يخطبونهسا‪ ،‬فتقول‪ :‬ل‬

‫أتزوج إل مسن يبارزنسي فيغلبنسي‪ .‬فيتحامون مبارزتهسا‪ ،‬خوف المعرة إن غلبتهسم‪ .‬ثسم‬

‫سسافرنا عسن بلد طوالسسي فوصسلنا بعسد سسبعة عشسر يوماً والريسح مسساعدة لنسا‪ ،‬ونحسن‬

‫نسسير بهسا أشسد السسير وأحسسنه إلى بلد الصسين‪ .‬وإقليسم الصسين متسسع‪ ،‬كثيسر الخيرات‬

‫والفواكسه والزرع والذهسب والفضسة‪ ،‬ل يضاهيسه فسي ذلك إقليسم مسن أقاليسم الرض‪.‬‬

‫ويخترقه النهر المعروف بآب حياة‪ ،‬معنى ذلك ماء الحياة‪ ،‬ويسمى أيضاً نهر السبر‬

‫" السسرو "‪ ،‬كاسسم النهسر الذي بالهنسد ومنبعسه مسن جبال بقرب مدينسة خان بالق تسسمى‬

‫كوه بوزنسه‪ ،‬معناه جبسل القرود‪ ،‬ويمسر فسي وسسط الصسين مسسيرة سستة أشهسر إلى أن‬

‫ينتهي إلى صين الصين‪ .‬وتكتنفه القرى والمزارع والبساتين والسواق كنيل مصر‪،‬‬

‫إل أن هذا اكثسسر عمارة وعليسسه النواعيسسر الكثيرة‪ .‬وببلد الصسسين السسسكر الكثيسسر ممسسا‬

‫يضاهسسسي المصسسسري‪ ،‬بسسسل يفضله‪ ،‬والعناب والجاص‪ .‬وكنسسست أظسسسن أن الجاص‬

‫العثمانسي الذي بدمشسق ل نظيسر له‪ ،‬حتسى رأيست الجاص الذي بالصسين‪ .‬وبهسا البطيسخ‬
‫العجيب‪ ،‬يشبه بطيخ خوارزم وأصفهان‪ .‬وكل ما ببلدنا من الفواكه فإن بها ما هو‬

‫مثله وأحسسسن منسسه‪ .‬والقمسسح بهسسا كثيسسر جداً‪ ،‬ولم أر قمحاً أطيسسب منسسه‪ ،‬وكذلك العدس‬

‫والحمص‪.‬‬

‫ذكر الفخار الصيني‬

‫وأمسا الفخار الصسيني فل يصسنع منسه إل بمدينسة الزيتون وبصسين كلن‪ .‬وهسو مسن‬

‫تراب جبال هنالك‪ ،‬تقسسسد فيسسسه النار كالفحسسسم‪ ،‬وسسسسنذكر ذلك‪ ،‬ويضيفون إليسسسه حجارة‬

‫عندهم‪ .‬ويوقدون النار عليها ثلثة أيام‪ ،‬ثم يصبون عليها الماء‪ ،‬فيعود الجميع تراباً‪،‬‬

‫ثسم يخمرونسه‪ .‬فالجيسد منسه مسا خمسر شهراً كاملً‪ ،‬ول يزاد على ذلك‪ .‬والدون مسا خمسر‬

‫عشرة أيام‪ .‬وهسسو هنالك بقيمسسة الفخار ببلدنسسا أو أرخسسص ثمناً‪ .‬ويحمسسل إلى الهنسسد‬

‫وسائر القاليم‪ ،‬حتى يصل إلى بلدنا بالمغرب‪ .‬وهو أبدع أنواع الفخار‪.‬‬

‫ذكر دجاج الصين‬

‫ودجاج الصسسين وديوكهسسا ضخمسسة جداً‪ ،‬أضخسسم مسسن الوز عندنسسا‪ .‬وبيسسض الدجاج‬

‫عندهسسم أضخسسم مسسن بيسسض الوز عندنسسا‪ .‬وأمسسا الوز عندهسسم فل ضخامسسة لهسسا‪ .‬ولقسسد‬

‫اشترينسسا دجاجسسة‪ ،‬فأردنسسا طبخهسسا‪ ،‬فلم يسسسع لحمهسسا فسسي برمسسة واحدة‪ ،‬فجعلناهسسا فسسي‬

‫برمتيسن‪ .‬ويكون الديسسك بهسسا على قدر النعامسسة‪ .‬وربمسسا انتتسسف ريشهسسا‪ ،‬فيبقسسى بضعسسة‬

‫حمراء‪ .‬وأول ما رأيت الديك الصيني بمدينة كولم‪ ،‬فظننته نعامة وعجبت منه‪ ،‬فقال‬

‫لي صسساحبه‪ :‬إن ببلد الصسسين مسسا هسسو أعظسسم منسسه‪ .‬فلمسسا وصسسلت إلى الصسسين رأيسست‬

‫مصداق ما أخبرني به من ذلك‬


‫ذكر بعض من أحوال أهالي الصين‬

‫وأهسسل الصسسين كفار يعبدون الصسسنام‪ ،‬ويحرقون موتاهسسم كمسسا تفعسسل الهنود‪ .‬وملك‬

‫الصين تتري من ذرية تنكيز خان‪ .‬وفي كل مدينة من مدن الصين مدينة للمسلمين‪،‬‬

‫ينفردون بسسسكناهم‪ .‬ولهسسم فيهسسا المسسساجد لقامسسة الجمعات وسسسواها‪ .‬وهسسم معظمون‬

‫محترمون‪ .‬وكفار الصسين يأكلون لحوم الخنازيسر والكلب‪ ،‬ويبيعونهسا فسي أسسواقهم‪.‬‬

‫وهسسم أهسسل رفاهيسسة وسسسعة عيسسش‪ ،‬إل أنهسسم ل يحتفلون فسسي مطعسسم ول ملبسسس‪ .‬وترى‬

‫التاجسر الكسبير منهسم الذي ل تحصسى أمواله كثرة‪ ،‬وعليسه جبسة قطسن خشنسة‪ .‬وجميسع‬

‫أهسل الصسين إنمسا يحتفلون فسي أوانسي الذهسب والفضسة‪ .‬ولكسل واحسد منهسم عكاز يعتمسد‬

‫عليه في المشي‪ ،‬ويقولون هو الرجل الثالثة‪ .‬والحرير عندهم كثير جداً‪ ،‬لن الدودة‬

‫تتعلق بالثمار وتأكل منها فل تحتاج إلى كثير مؤونة‪ ،‬ولذلك كثر‪ ،‬وهو لباس الفقراء‬

‫والمسسساكين بهسسا‪ ،‬ولول التجار لمسسا كانسست له قيمسسة‪ .‬ويباع الثوب الواحسسد مسسن القطسسن‬

‫عندهسم بالثواب الكثيرة مسن الحريسر‪ .‬وعادتهسم أن يسسبك التاجسر مسا يكون عنده مسن‬

‫الذهب والفضة قطعاً‪ ،‬تكون القطعة منها من قنطار فما فوقه وما دونه‪ ،‬ويجعل ذلك‬

‫على باب داره‪ .‬ومن كان له خمس قطع منها‪ ،‬جعل في إصبعه خاتماً‪ ،‬ومن كانت له‬

‫عشسر جعسل خاتميسن‪ ،‬ومسن كان له خمسس عشرة سسموه السستي " بفتسح السسين المهمسل‬

‫وكسسر التاء المعلوة " وهسو بمعنسى الكارمسي بمصسر‪ .‬ويسسمون القطعسة الواحدة منهسا‬

‫بركالة " بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الكاف واللم "‪.‬‬
‫ذكر دراهم الكاغد التي بها يبيعون ويشترون‬

‫وأهسل الصسين ل يتبايعون بدينار ول درهسم‪ .‬وجميسع مسا يتحصسل ببلدهسم مسن ذلك‬

‫يسبكونه قطعاً‪ ،‬كما ذكرناه‪ ،‬وإنما بيعهم وشراؤهم‪ .‬بقطع كاغد‪ ،‬كل قطعة منها بقدر‬

‫الكسف‪ ،‬مطبوعسة بطابسع السسلطان‪ ،‬وتسسمى الخمسس والعشرون قطعسة منهسا‪ ،‬بالشست "‬

‫بباء موحدة والف ولم مكسسسور وسسسين معجسسم مسسسكن وتاء معلوة "‪ ،‬وهسسو بمعنسسى‬

‫الدينار عندنسا‪ .‬وإذا تمزقست تلك الكواغسد فسي يسد إنسسان حملهسا إلى دار كدار السسكة‬

‫عندنسسا‪ ،‬فأخسسذ عوضهسسا جددًا ودفسسع تلك‪ .‬ول يعطسسى على ذلك أجرة ول سسسواها‪ ،‬لن‬

‫الذيسن يتولون عملهسا لهسم الرزاق الجاريسة مسن قبسل السسلطان‪ ،‬وقسد وكسل بتلك الدار‬

‫أميسر مسن كبار المراء‪ .‬وإذا مضسى النسسان إلى السسوق بدرهسم فضسة أو دينار يريسد‬

‫شراء شيء‪ ،‬لم يؤخذ منه‪ ،‬ول يلتفت عليه‪ ،‬حتى يصرفه بالبالشت‪ ،‬ويشتري به ما‬

‫أراد‪.‬‬

‫ذكر التراب الذي يوقدونه مكان الفحم‬

‫وجميع أهل الصين والخطا‪ ،‬إنما فحمهم تراب عندهم‪ ،‬منعقد كالطفل عندنا‪ ،‬ولونه‬

‫لون الطفسل‪ ،‬تأتسي الفيلة بالحمال منسه‪ ،‬فيقطعونسه قطعاً على قدر قطسع الفحسم عندنسا‪،‬‬

‫ويشعلون النار فيسه‪ .‬فيقسد كالفحسم‪ ،‬وهسو أشسد حرارة مسن نار الفحسم‪ .‬وإذا صسار رماداً‬

‫عجنوه بالماء ويبسوه وطبخوا به ثانية‪ .‬ول يزالون يفعلون به كذلك إلى أن يتلشى‪.‬‬

‫ومن هذا التراب يصسنعون أواني الفخار الصسيني‪ ،‬ويضيفون إليسه حجارة سسواه‪ ،‬كما‬

‫قلنا‪.‬‬
‫ذكر ما خصوا به من إحكام الصناعات‬

‫وأهل الصين أعظم المم إحكاماً للصناعات‪ ،‬وأشدهم إتقاناً فيها‪ ،‬وذلك مشهور من‬

‫حالهسم‪ ،‬قسد وصسفه الناس فسي تصسانيفهم فأطنبوا فيسه‪ ،‬وأمسا التصسوير فل يجاريهسم أحسد‬

‫فسي إحكامسه‪ ،‬مسن الروم ول مسن سسواهم‪ .‬فإن لهسم فيسه اقتداراً عظيماً‪ .‬ومسن عجيسب مسا‬

‫شاهدت لهم من ذلك‪ ،‬أني ما دخلت قط مدينة من مدنهم‪ ،‬ثم عدت إليها‪ ،‬إل ورأيت‬

‫صورتي وصور أصحابي منقوشة في الحيطان والكواغد‪ ،‬موضوعة في السواق‪.‬‬

‫ولقسد دخلت إلى مدينسة السسلطان فمررت على سسوق النقاشيسن‪ ،‬ووصسلت إلى قصسره‬

‫مسسع أصسسحابي‪ ،‬ونحسسن على زي العراقييسسن‪ .‬فلمسسا عدت مسسن القصسسر عشياً‪ ،‬مررت‬

‫بالسسوق المذكورة‪ ،‬فرأيست صسورتي وصسور أصسحابي منقوشسة فسي كاغسد قسد ألصسقوه‬

‫بالحائط‪ .‬فجعسسل الواحسسد منسسا ينظسسر إلى صسسورة صسساحبه ل تخطسسئ شيئاً مسسن شبهسسه‪.‬‬

‫وذكر لي أن السلطان أمرهم بذلك‪ ،‬وأنهم أتوا إلى قصره ونحن به‪ ،‬فجعلوا ينظرون‬

‫إلينسا ويصسورون صسورنا‪ ،‬ونحن لم نشعسر بذلك‪ ،‬وتلك عادة لهسم فسي تصسوير كسل من‬

‫يمر بهم‪ .‬وتنتهي حالهم في ذلك إلى أن الغريب إذا فعل ما يوجب فراره عنهم‪ ،‬بعث‬

‫صورته إلى البلد‪ ،‬وبحث عنه‪ .‬فحيثما وجد شبه تلك الصورة أخذ‪ .‬قال ابن جزي‪:‬‬

‫هذا مثسل مسا حكاه أهسل التأريسخ مسن قضيسة سسابور ذي الكتاف‪ ،‬ملك الفرس‪ ،‬حيسن‬

‫دخسل إلى بلد الروم متنكراً‪ ،‬وحضسر وليمسة صسنعها ملكهسم‪ ،‬وكانست صسورته على‬

‫بعسض الوانسي فنظسر إليهسا بعسض خدام قيصسر‪ ،‬فانطبعست على صسورة سسابور‪ .‬فقال‬
‫لملكسه‪ :‬إن هذه الصسورة تخسبرني أن كسسرى معنسا فسي هذا المجلس‪ .‬فكان المسر على‬

‫ما قاله‪ ،‬وجرى فيه ما هو مسطور في الكتب‪.‬‬

‫ذكر عادتهم في تقييد ما في المراكب‬

‫وعادة أهسل الصسين إذا أراد جنسك مسن جنوكهسم السسفر‪ ،‬صسعد إليسه صساحب البحسر‬

‫وكتابسه‪ ،‬وكتبوا مسن يسسافر فيسه مسن الرماة والخدم والبحريسة‪ ،‬وحينئذ يباح لهسم السسفر‪.‬‬

‫فإذا عاد الجنك إلى الصين‪ ،‬صعدوا إليه أيضاً وقابلوا ما قيدوه بأشخاص الناس‪ ،‬فإن‬

‫فقدوا أحداً ممسن قيدوه‪ ،‬طالبوا صساحب الجنسك‪ .‬فإمسا أن يأتسي بسبرهان على موتسه أو‬

‫فراره‪ ،‬أو غيسسر ذلك ممسسا يحدث عليسسه‪ ،‬وإل أخسسذ فيسسه‪ .‬فإذا فرغوا مسسن ذلك أمروا‬

‫صاحب المركب أن يملي عليهم تفصيلً بجميع ما فيه من السلع‪ ،‬قليلها وكثيرها‪ ،‬ثم‬

‫ينزل مسن فيسه‪ ،‬ويجلس حفاظ الديوان لمشاهدة مسا عندهسم‪ .‬فإن عثروا على سسلعة قسد‬

‫كتمست عنهسم‪ ،‬عاد الجنسك بجميسع مسا فيسه مالً للمخزن وذلك نوع مسن الظلم مسا رأيتسه‬

‫ببلد الكفار ول المسسلمين إل بالصسين‪ ،‬اللهسم إل أنسه كان بالهنسد مسا يقرب منسه‪ ،‬وهسو‬

‫أن مسن عثسر على سسلعة له قسد غاب على مغرمهسا‪ ،‬أغرم احسد عشسر مغرماً‪ ،‬ثسم رفسع‬

‫السلطان ذلك لما رفع المغارم‪.‬‬

‫ذكر عادتهم في منع التجار عن الفساد‬

‫وإذا قدم التاجسر المسسلم على بلد مسن بلد الصسين خيسر فسي النزول عنسد تاجسر مسن‬

‫المسلمين المتوطنين معين أو في الفندق‪ ،‬فإن أحب النزول عند التاجر حصر ماله‪،‬‬

‫وضمنسه التاجسر المسستوطن‪ ،‬وأنفسق عليسه منسه بالمعروف‪ .‬فإذا أراد السسفر بحسث عسن‬
‫ماله‪ ،‬فإن وجسد شيئاً منسه قسد ضاع‪ ،‬أغرمسه التاجسر المسستوطن الذي ضمنسه‪ ،‬وإن أراد‬

‫النزول بالفندق‪ ،‬سسسسلم ماله لصسسساحب الفندق وضمنسسسه‪ ،‬وهسسسو يشتري له مسسسا أحسسسب‬

‫ويحاسسبه‪ ،‬فإن أراد التسسري اشترى له جاريسة‪ ،‬وأسسكنه بدار يكون بابهسا فسي الفندق‪،‬‬

‫وأنفسق عليهمسا‪ .‬والجواري رخيصسات الثمان‪ ،‬إل أن أهسل الصسين أجمعيسن يسبيعون‬

‫أولدهسسم وبناتهسسم‪ ،‬وليسسس ذلك عيباً عندهسسم غيسسر أنهسسم ل يجسسبرون على السسسفر مسسع‬

‫مشتريهسسم‪ ،‬ول يمنعون أيضاً منسسه إن اختاروه‪ .‬وكذلك إن أراد التزوج تزوج‪ .‬وأمسسا‬

‫إنفاق ماله فسي الفسساد فشيسء ل سسبيل له إليسه‪ .‬ويقولون‪ :‬ل نريسد أن يسسمع فسي بلد‬

‫المسلمين أنهم يخسرون أموالهم في بلدنا‪ ،‬فإنها أرض ضلل‪.‬‬

‫ذكر حفظهم للمسافرين في الطرق‬

‫ل للمسسسافرين‪ .‬فإن النسسسان يسسسافر منفرداً‬


‫وبلد الصسسين آمسسن البلد وأحسسسنها حا ً‬

‫مسيرة تسعة شهور‪ ،‬وتكون معه الموال الطائلة‪ ،‬فل يخاف عليها‪ .‬وترتيب ذلك أن‬

‫لهسسم فسسي كسسل منزل ببلدهسسم فندقاً‪ ،‬عليسسه حاكسسم يسسسكن بسسه فسسي جماعسسة مسسن الفرسسسان‬

‫والرجال‪ ،‬فإذا كان بعسسد المغرب أو العشاء‪ ،‬جاء الحاكسسم إلى الفندق‪ ،‬ومعسسه الكاتسسب‬

‫لكتابسة أسسماء جميسع مسن يسبيت بسه مسن المسسافرين‪ ،‬وختسم عليهسا‪ ،‬وأقفسل باب الفندق‬

‫عليهسسم‪ .‬فإذا كان بعسسد الصسسبح جاء ومعسسه كاتبسسه فدعسسا كسسل واحسسد باسسسمه‪ ،‬وكتسسب بسسه‬

‫تفصيلً‪ ،‬وبعث معهم من يوصلهم إلى المنزل الثاني له‪ ،‬ويأتيه ببراءة من حاكمه أن‬

‫الجميسع قسد وصسلوا إليسه‪ .‬وإن لم يفعسل طلبسه بهسم‪ .‬وهكذا العمسل فسي كسل منزل ببلدهسم‬

‫مسن صسين الصسين إلى خان بالق‪ .‬وفسي هذه الفنادق جميسع مسا يحتاج إليسه المسسافر مسن‬
‫الزواد‪ ،‬وخصسوصاً الدجاج والوز‪ .‬وأمسا الغنسم فهسي قليلة عندهسم‪ .‬ولنعسد إلى ذكسر‬

‫سسفرنا فنقول‪ :‬لمسا قطعنسا البحسر‪ ،‬كانست أول مدينسة وصسلنا إليهسا مدينسة الزيتون‪ .‬وهذه‬

‫المدينة ليس بها زيتون‪ ،‬ول بجميع بلد أهل الصين والهند‪ ،‬ولكنه اسم وضع عليها‪،‬‬

‫وهي مدينة عظيمة كبيرة‪ ،‬تصنع بها ثياب الكمخا والطلس‪ ،‬وتعرف بالنسبة إليها‪،‬‬

‫وتفضسل على الثياب الخنسساوية والخنبالقيسة‪ .‬ومرسساها مسن أعظسم مراسسي الدنيسا‪ ،‬أو‬

‫هسو أعظمهسا‪ .‬رأيست بهسا نحسو مائة جنسك كبار‪ ،‬وأمسا الصسغار فل تحصسى كثرة‪ .‬وهسو‬

‫خور كبير من البحر يدخل في البر حتى يختلط بالنهر العظم‪ .‬وهذه المدينة وجميع‬

‫بلد الصسين‪ ،‬يكون للنسسان بهسا البسستان والرض وداره فسي وسسطها‪ .‬كمثسل مسا هسي‬

‫بلدة سسجلماسة ببلدنسا‪ .‬وبهذا عظمست بلدهسم‪ .‬والمسسلمون سساكنون بمدينسة على حدة‪.‬‬

‫وفسسي يوم وصسسولي إليهسسا رأيسست بهسسا الميسسر الذي توجسسه إلى الهنسسد رسسسولً بالهديسسة‪،‬‬

‫ومضسى فسي صسحبتنا وغرق بسه الجنسك‪ ،‬فسسلم علي‪ ،‬وعرف صساحب الديوان بسي‪،‬‬

‫فأنزلني في منزل حسن‪ .‬وجاء إلي قاضي المسلمين تاج الدين الردويلي‪ ،‬وهو من‬

‫الفاضسسل الكرماء‪ ،‬وشيسسخ السسسلم كمال الديسسن عبسسد ال الصسسفهاني‪ ،‬وهسسو مسسن‬

‫الصسسلحاء‪ ،‬وجاء إلي كبار التجار‪ ،‬فيهسسم شرف الديسسن التسسبريزي‪ ،‬أحسسد التجار الذيسسن‬

‫استدنت منهم حين قدومي على الهند‪ ،‬وأحسنهم معاملة‪ ،‬حافظ القرآن‪ ،‬مكثر للتلوة‪.‬‬

‫وهؤلء التجار لسسكناهم فسي بلد الكفار‪ ،‬إذا قدم عليهسم المسسلم فرحوا بسه أشسد الفرح‪،‬‬

‫وقالوا‪ :‬جاء مسسن أرض السسسلم‪ .‬وله يعطون زكوات أموالهسسم‪ ،‬فيعود غنياً‪ ،‬كواحسسد‬

‫منهسسم‪ .‬وكان بهسسا مسسن المشايسسخ الفضلء برهان الديسسن الكازرونسسي‪ ،‬له زاويسسة خارج‬
‫البلد‪ ،‬وإليسه يدفسع التجار النذور التسي ينذرونهسا للشيسخ أبسي إسسحق الكازرونسي‪ .‬ولمسا‬

‫عرف صاحب الديوان أخباري‪ ،‬كتب إلى القان‪ ،‬وهو ملكهم العظم‪ ،‬يخبره بقدومي‬

‫مسن جهسة ملك الهنسد‪ .‬فطلبست منسه أن يبعسث معسي مسن يوصسلني لبلد الصسين " صسين‬

‫الصين "‪ ،‬وهم يسمونه صين كلن‪ ،‬لشاهد تلك البلد‪ ،‬وهي في عمالته‪ ،‬بخلل ما‬

‫يعود جواب القان‪ .‬فأجاب إلى ذلك‪ ،‬وبعث معي من أصحابي من يوصلني‪ .‬وركبت‬

‫في النهر‪ ،‬في مركب يشبه أجفان بلدنا الغزوية‪ ،‬إل أن الجذافين يجذفون فيه قياماً‪،‬‬

‫وجميعهم في وسط المركب‪ ،‬والركاب في المقدم والمؤخر‪ ،‬ويظللون على المركب‬

‫بثياب تصسسنع مسسن نبات بلدهسسم‪ ،‬يشبسسه الكتان‪ ،‬وليسسس بسسه‪ ،‬وهسسو أرق مسسن القنسسب‪.‬‬

‫وسافرنا في هذا النهر سبعة وعشرين يوماً‪ .‬وفي كل يوم نرسو عند الزوال بقرية‪،‬‬

‫نشتري بهسا مسا نحتاج إليسه‪ ،‬ونصسلي الظهسر‪ .‬ثسم ننزل بالعشسي إلى أخرى‪ .‬وهكذا إلى‬

‫أن وصلنا مدينة صين كلن " بفتح الكاف "‪ ،‬وهي مدينة صين الصين‪ ،‬وبها يصنع‬

‫الفخار‪ ،‬وبالزيتون أيضاً‪ .‬وهنالك يصسسب نهسسر آب حياة فسسي البحسسر‪ ،‬يسسسمونه مجمسسع‬

‫البحرين‪ .‬وهي من أكبر المدن‪ ،‬وأحسنها أسواقاً‪ .‬ومن أعظم أسواقها سوق الفخار‪،‬‬

‫ومنهسا يحمسل إلى سسائر بلد الصسين والهنسد واليمسن‪ .‬وفسي وسسط هذه المدينسة كنيسسة‬

‫عظيمة‪ ،‬لها تسعة أبواب‪ ،‬داخل كل باب أسطوان ومصاطب‪ ،‬يقعد عليها الساكنون‬

‫بهسسا‪ ،‬وبيسسن البابيسسن الثانسسي والثالث منهسسا موضسسع فيسسه بيوت يسسسكنها العميان‪ ،‬وأهسسل‬

‫الزمانات‪ .‬ولكسسل واحسسد منهسسم نفقتسسه وكسسسوته مسسن أوقاف الكنيسسسة‪ .‬وكذلك فيمسسا بيسسن‬

‫البواب كلهسا‪ .‬وفسي داخلهسا المارسستان للمرضسى‪ ،‬والمطبخسة لطبسخ الغذيسة‪ ،‬وفيهسا‬
‫الطباء والخدام‪ .‬وذكسر لي أن الشيوخ الذيسن ل قدرة لهسم على التكسسب‪ ،‬لهسم نفقتهسم‬

‫وكسوتهم بهذه الكنيسة‪ ،‬وكذلك اليتام والرامل ممن ل مال لهم‪ .‬وعمر هذه الكنيسة‬

‫بعض ملوكهم‪ ،‬وجعل هذه المدينة وما إليها من القرى والبساتين وقفاً عليها‪ .‬وصور‬

‫ذلك الملك مصورة بالكنيسة المذكورة‪ ،‬وهم يعبدونها‪ .‬وفي بعض جهات هذه المدينة‬

‫بلدة المسلمين‪ ،‬لهم بها المسجد الجامع والزاوية والسوق‪ ،‬ولهم قاض وشيخ‪ .‬ول بد‬

‫في كل بلد من بلد الصين من شيخ السلم‪ ،‬تكون أمور المسلمين كلها راجعة إليه‪،‬‬

‫وقاض يقضسي بينهسم‪ .‬وكان نزولي عنسد أوحسد الديسن السسنجاري‪ ،‬وهسو أحسد الفضلء‬

‫الكابر ذو الموال الطائلة‪ ،‬وأقمست عنده أربعسة عشسر يوماً‪ ،‬وتحسف القاضسي وسسائر‬

‫المسسسلمين تتوالى علي‪ .‬وكسسل يوم يصسسنعون دعوة جديدة‪ ،‬ويأتون إليهسسا بالعشاريسسن‬

‫الحسسان والمغنيسن‪ .‬وليسس وراء هذه المدينسة مدينسة‪ ،‬ل للكفار ول للمسسلمين‪ .‬وبينهسا‬

‫وبين سد يأجوج ومأجوج ستون يوماً فيما ذكر لي‪ ،‬يسكنها كفار رحالة يأكلون بني‬

‫آدم إذا ظفروا بهسم‪ .‬ولذلك ل تسسلك بلدهسم ول يسسافر إليهسا‪ .‬ولم أر بتلك البلد مسن‬

‫رأى السسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسد‪ ،‬ول مسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن رأى مسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن رآه‪.‬‬

‫حكاية عجيبة ولما كنت بصين كلن‪ ،‬سمعت أن بها شيخاً كبيراً قد أناف على مائتي‬

‫سسنة‪ ،‬وأنسه ل يأكسل ول يشرب ول يحدث‪ ،‬ول يباشسر النسساء‪ ،‬مسع قوتسه التامسة‪ .‬وأنسه‬

‫ساكن في غار بخارجها يتعبد فيه‪ .‬فتوجهت إلى الغار‪ ،‬فرأيته على بابه‪ ،‬وهو نحيف‬

‫شديسد الحمرة‪ ،‬عليسه أثسر عبادة‪ ،‬ول لحيسة له‪ .‬فسسلمت عليسه فأمسسك يدي وشمهسا وقال‬

‫للترجمان‪ :‬هذا مسن طرف الدنيسا‪ ،‬كمسا نحسن مسن طرفهسا الخسر‪ .‬ثسم قال‪ :‬لقسد رأيست‬
‫عجباً‪ .‬أتذكسر يوم قدومسك الجزيرة التسي فيهسا الكنيسسة‪ ،‬والرجسل الذي كان جالسساً بيسن‬

‫الصسسنام وأعطاك عشرة دنانيسسر مسسن الذهسسب ? فقلت نعسسم‪ :‬فقال‪ :‬أنسسا هسسو‪ .‬فقبلت يده‬

‫وفكسر سساعة‪ ،‬ثسم دخسل الغار‪ ،‬فلم يخرج إلينسا‪ .‬كأنسه ظهسر منسه الندم على مسا تكلم بسه‪،‬‬

‫فتهجمنسا ودخلنسا الغار عليسه فلم نجده‪ ،‬ووجدنسا بعسض أصسحابه‪ ،‬ومعسه جملة بوالشست‬

‫مسن الكاغسد‪ .‬فقال‪ :‬هذه ضيافتكسم‪ .‬فانصسرفوا‪ .‬فقلنسا له‪ :‬ننتظسر الرجسل‪ .‬فقال‪ :‬لو أقمتسم‬

‫عشسر سسنين لم تروه‪ .‬فإن عادتسه إذا طلع أحسد على سسر مسن أسسراره ل يراه بعده‪ .‬ول‬

‫تحسسب أنسه غاب عنسك‪ ،‬بسل هسو حاضسر معسك‪ .‬فعجبست مسن ذلك‪ .‬وانصسرفت‪ .‬فأعلمست‬

‫القاضي وشيخ السلم وأوحد الدين السنجاري بقضيته‪ ،‬فقالوا‪ :‬كذلك عادته مع من‬

‫يأتسسي إليسسه مسسن الغرباء‪ ،‬ول يعلم أحسسد مسسا ينتحله مسسن الديان‪ ،‬والذي ظننتموه أحسسد‬

‫أصسحابه هسو هسو‪ .‬وأخسبروني أنسه قسد غاب عسن هذه البلد نحسو خمسسين سسنة ثسم قدم‬

‫عليهسا منسذ سسنة‪ ،‬وكان السسلطين والمراء والكسبراء يأتونسه زائريسن‪ ،‬فيعطيهسم التحسف‬

‫على أقدارهسم‪ .‬ويأتيسه الفقراء كسل يوم‪ ،‬فيعطسي لكسل واحسد على قدره‪ .‬وليسس بالغار‬

‫الذي هسو بسه مسا يقسع عليسه البصسر‪ .‬وأنسه يحدث عسن السسنين الماضيسة‪ ،‬ويذكسر النسبي‬

‫صسسلى ال عليسه وسسسلم‪ ،‬ويقول‪ :‬لو كنست معسه لنصسسرته‪ .‬ويذكسسر الخليفتيسن عمسر بسن‬

‫الخطاب وعلي ابن أبي طالب بأحسن الذكر‪ ،‬ويثني عليهما‪ ،‬ويلعن يزيد بن معاوية‪،‬‬

‫ويقع في معاوية‪ .‬وحدثوني عنه بأمور كثيرة‪ ،‬وأخبرني أوحد الدين السنجاري قال‪:‬‬

‫دخلت عليسه الغار‪ ،‬فأخسذ بيدي‪ .‬فخيسل إلي أنسي فسي قصسر عظيسم‪ ،‬وأنسه قاعسد فيسه على‬

‫سسرير‪ ،‬وفوق رأسسه تاج‪ ،‬وعلى جانسبيه الوصسائف الحسسان‪ ،‬والفواكسه تتسساقط فسي‬
‫أنهار هنالك‪ ،‬وتخيلت أنسسي أخذت تفاحسسة لكلهسسا‪ ،‬فإذا أنسسا بالغار‪ ،‬وبيسسن يديسسه‪ ،‬وهسسو‬

‫يضحسسسسك منسسسسي‪ .‬وأصسسسسابني مرض شديسسسسد لزمنسسسسي شهوراً‪ ،‬فلم أعسسسسد إليسسسسه‪.‬‬

‫وأهسل تلك البلد يعتقدن أنسه مسسلم‪ .‬لكسن لم يره أحسد يصسلي‪ .‬أمسا الصسيام فهسو صسائم‬

‫أبداً‪ .‬وقال لي القاضسي‪ :‬ذكرت له الصسلة فسي بعسض اليام‪ ،‬فقال لي‪ :‬أتدري أنست مسا‬

‫أصسنع ? إن صسلتي غيسر صسلتك‪ .‬وأخباره جميعهسا غريبسة‪ .‬وفسي اليوم الثانسي مسن‬

‫لقائه سسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسافرت راجعاً إلى مدينسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة الزيتون‪.‬‬

‫ثسسسم بعسسسد وصسسسولي إليهسسسا بأيام‪ ،‬جاء أمسسسر القان بوصسسسولي إلى حضرتسسسه على البر‬

‫والكرامسة‪ .‬إن شئت فسي النهسر‪ ،‬وإل ففسي البر‪ .‬فاخترت السسفر فسي النهسر‪ .‬فجهزوا لي‬

‫مركباً حسسسناً مسسن المراكسسب المعدة لركوب المراء‪ ،‬وبعسسث الميسسر معنسسا أصسسحابه‪،‬‬

‫ووجسه لنسا الميسر والقاضسي والتجار المسسلمون أزواداً كثيرة‪ .‬ثسم سسرنا فسي الضيافسة‬

‫نتغدى بقريسة‪ ،‬ونتعشسى بأخرى‪ ،‬فوصسلنا بعسد سسفر عشرة أيام إلى مدينسة قنجنفسو "‬

‫وضبط اسمها بفتح القاف وسكون النون وفتح الجيم وسكون النون الخر وضم الفاء‬

‫وواو " وهي مدينة كبيرة حسنة في بسيط أفيح‪ ،‬والبساتين محدقة بها‪ ،‬فكأنها غوطة‬

‫دمشسق‪ .‬وعنسد وصسولنا‪ ،‬خرج إلينسا القاضسي وشيسخ السسلم والتجار‪ ،‬ومعهسم العلم‬

‫الطبول والبواق والنفار وأهل الطرب‪ .‬وأتونا بالخيل فركبنا‪ ،‬ومشوا بين أيدينا‪ ،‬لم‬

‫يركسسب معنسسا غيسسر القاضسسي والشيسسخ‪ .‬وخرج أميسسر البلد وخدامسسه‪ .‬وضيسسف السسسلطان‬

‫عندهسم معظسم أشسد التعظيسم‪ .‬دخلنسا المدينسة‪ ،‬ولهسا أربعسة أسسوار‪ .‬يسسكن مسا بيسن السسور‬

‫الول والثانسي عبيسد السسلطان‪ ،‬مسن حراس المدينسة وسسمارها‪ ،‬يسسمون البصسوانان "‬
‫الباسسسوانان " " بفتسسح الباء الموحدة وسسسكون الصسساد المهمسسل وواو وألف ونون "‪،‬‬

‫ويسسكن مابيسن السسور الثانسي والثالث الجنود المركبون‪ ،‬والميسر الحاكسم على البلد‪،‬‬

‫ويسسسكن داخسسل السسسور الثالث المسسسلمون‪ .‬وهنالك نزلنسسا عنسسد شيخهسسم ظهيسسر الديسسن‬

‫القرلنسي " بضسم القاف وسسكون الراء "‪ ،‬ويسسكن داخسل السسور الرابسع الصسينيون‪،‬‬

‫وهسو أعظسم المدن الربعسة‪ .‬ومقدار مسا بيسن كسل باب منهسا والذي يليسه ثلثسة أميال أو‬

‫أربعسسسسسسسسة‪ .‬ولكسسسسسسسسل إنسسسسسسسسسان كمسسسسسسسسا ذكرناه بسسسسسسسسستانه وداره وأرضسسسسسسسسه‪.‬‬

‫حكاية وبينا أنا يوماً في دار ظهير الدين القرلبي‪ ،‬إذا بمركب عظيم لبعض الفقهاء‬

‫المعظميسن عندهسم‪ .‬فاسستؤذن له علي‪ ،‬وقالوا‪ :‬مولنسا قوام الديسن السسبتي‪ .‬فعجبست مسن‬

‫اسسمه‪ ،‬ودخسل إلي‪ .‬فلمسا حصسلت المؤانسسة بعسد التحيسة‪ ،‬سسنح لي أن أعرفسه‪ .‬فأطلت‬

‫النظسر إليسه‪ ،‬فقال‪ :‬أراك تنظسر إلي نظسر مسن يعرفنسي‪ ،‬فقلت له‪ :‬مسن أي البلد أنست ?‬

‫فقال‪ :‬من سبتة‪ .‬فقلت له‪ :‬وأنا من طنجة‪ .‬فجدد السلم علي وبكى حتى بكيت لبكائه‪.‬‬

‫فقلت له‪ :‬هسسل دخلت بلد الهنسسد ? فقال لي‪ :‬نعسسم‪ ،‬دخلت حضرة دهلي‪ .‬فلمسسا قال لي‬

‫ذلك تذكرت له‪ ،‬وقلت‪ :‬أأنت البشري ? قال‪ :‬نعم‪ .‬وكان قد وصل إلى دهلي مع خاله‬

‫أبسي القاسسم المرسسي‪ ،‬وهسو يومئذ شاب‪ ،‬ل نبات بعارضيسه‪ ،‬مسن حذاق الطلبسة‪ ،‬يحفسط‬

‫الموطسأ‪ .‬وكنست أعلمست سسلطان الهنسد بأمره‪ ،‬فأعطاه ثلثسة آلف دينار‪ ،‬وطلب منسه‬

‫القامسة عنده فأبسى‪ .‬وكان قصسده فسي بلد الصسين‪ ،‬فعظسم شأنسه بهسا‪ ،‬واكتسسب الموال‬

‫الطائلة‪ .‬أخسبرني أن له نحسو خمسسين غلماً ومثلهسم مسن الجواري‪ .‬وأهدى إلي منهسم‬

‫غلميسسن وجاريتيسسن وتحفاً كثيرة‪ .‬ولقيسست أخاه بعسسد ذلك ببلد السسسودان فيمسسا بعسسد مسسا‬
‫بينهمسسسسسسسسسا‪ .‬وكانسسسسسسسسست إقامتسسسسسسسسسي بقنجنفسسسسسسسسسو خمسسسسسسسسسسة عشسسسسسسسسسر يوماً‪.‬‬

‫وسسافرت منهسا إلى بلد الصسين‪ ،‬على مسا فيهسا مسن الحسسن لم تكسن تعجبنسي‪ ،‬بسل كان‬

‫خاطري شديسسد التغيسسر بسسسبب غلبسسة الكفسسر عليهسسا‪ .‬فمتسسى خرجسست مسسن منزلي رأيسست‬

‫المنكرات الكثيرة‪ ،‬فأقلقنسسي ذلك‪ ،‬حتسسى كنسست ألزم المنزل‪ ،‬فل أخرج إل لضرورة‪.‬‬

‫وكنست إذا رأيست المسسلمين بهسا‪ ،‬فكأنسي لقيست أهلي وأقاربسي‪ .‬ومسن تمام فضيلة هذا‬

‫الفقيسه البشري‪ ،‬أن سسافر معسي لمسا رحلت عسن قنجنفسو أربعسة أيام‪ ،‬حتسى وصسلت إلى‬

‫مدينسسسة بيوم قطلو " وهسسسي بباء موحدة مفتوحسسسة وياء آخسسسر الحروف سسسساكنة وواو‬

‫مفتوحسسة وميسسم وقاف مضموم وطاء مسسسكنة ولم مضموم وواو " مدينسسة صسسغيرة‬

‫يسكنها الصينيون من جند وسوقة‪ ،‬وليس بها للمسلمين إل أربعة من الدور أهلها من‬

‫جهسسة الفقيسسه المذكور‪ .‬نزلنسسا بدار أحدهسسم وأقمنسسا عنده ثلثسسة أيام‪ .‬ثسسم ودعسست الفقيسسه‬

‫وانصسرفت‪ .‬فركبست النهسر على العادة‪ ،‬نتغدى بقريسة ونتعشسى بأخرى إلى أن وصسلنا‬

‫بعسد سسبعة عشسر يوماً إلى مدينسة الخنسساء‪ ،‬واسسمها على نحسو اسسم الخنسساء الشاعرة‪،‬‬

‫ول أدري‪ ،‬أعربسي هسو أم وافسق العربسي‪ .‬وهذه المدينسة أكسبر مدينسة رأيتهسا على وجسه‬

‫الرض‪ .‬طولهسا مسسيرة ثلثسة أيام يرحسل المسسافر فيهسا وينزل‪ .‬وهسي على ماذكرناه‬

‫مسن ترتيسب عمارة الصسين‪ ،‬كسل واحسد له بسستانه وداره‪ .‬وهسي منقسسمة إلى سست مدن‪،‬‬

‫سسنذكرها‪ .‬وعنسد وصسولنا إليهسا‪ ،‬خرج إلينسا قاضيهسا فخسر الديسن‪ ،‬وشيسخ السسلم بهسا‪،‬‬

‫وأولد عثمان بسسن عفان المصسسري‪ ،‬وهسسم كسسبراء المسسسلمين بهسسا‪ ،‬ومعهسسم علم أبيسسض‬

‫والطبال والنفار والبواق‪ ،‬وخرج أميرهسا فسي موكبسه‪ ،‬ودخلنسا المدينسة‪ .‬وهسي سست‬
‫مدن‪ ،‬على كسل مدينسة سسور‪ ،‬ومحدق بالجميسع سسور واحسد‪ .‬فأول مدينسة منهسا يسسكنها‬

‫حراس المدينسسة وأميرهسسم‪ .‬حدثنسسي القاضسسي وسسسواه أنهسسم اثنسسا عشسسر ألفًا فسسي زمام‬

‫العسكرية‪ .‬وبتنا ليلة دخولنا في دار أميرهم‪ .‬وفي اليوم الثاني دخلنا المدينة الثانية‪،‬‬

‫على باب يعرف بباب اليهود‪ ،‬ويسسكن بسه اليهود والنصسارى والترك عبدة الشمسس‪،‬‬

‫وهسسسم كثيسسسر‪ .‬وأميسسسر هذه المدينسسسة مسسسن أهسسسل الصسسسين‪ .‬وبتنسسسا عنده الليلة الثانيسسسة‪.‬‬

‫وفي اليوم الثالث دخلنا المدينة الثالثة‪ ،‬ويسكنها المسلمون‪ .‬ومدينتهم حسنة وأسواقهم‬

‫مرتبة كترتيبها في بلد السلم‪ .‬وبها المساجد والمؤذنون سمعناهم يؤذنون بالظهر‪،‬‬

‫عنسد دخولنسا‪ .‬ونزلنسا منهسا بدار أولد عثمان بسن عفان المصسري‪ ،‬وكان أحسد التجار‬

‫الكبار‪ .‬استحسن هذه المدينة فاستوطنها‪ ،‬وعرفت بالنسبة إليه وأورث عقبه به الجاه‬

‫والحرمة على ما كان عليه أبوهم من اليثار على الفقراء والعانة للمتحاجين‪ .‬ولهم‬

‫زاوية تعرف بالعثمانية‪ ،‬حسنة العمارة‪ ،‬لها أوقاف كثيرة‪ .‬وبها طائفة من الصوفية‪.‬‬

‫وبنى عثمان المذكور المسجد الجامع بهذه المدينة‪ ،‬ووقف عليه وعلى الزاوية أوقافاًَ‬

‫عظيمسسسسسسسسسسسسسسسسة‪ .‬وعدد المسسسسسسسسسسسسسسسسسلمين بهذه المدينسسسسسسسسسسسسسسسسة كثيسسسسسسسسسسسسسسسسر‪.‬‬

‫وكانست إقامتنسا عندهسم خمسسة عشسر يوماً‪ .‬فكنسا كسل يوم وليلة فسي دعوة جديدة‪ .‬ول‬

‫يزالون يختلفون فسسي أطعمتهسسم‪ ،‬ويركبون معنسسا كسسل يوم للنزهسسة فسسي أقطار المدينسسة‪.‬‬

‫وركبوا معي يوماً‪ ،‬فدخلنا إلى المدينة الرابعة‪ ،‬وهي دار المارة‪ .‬وبها سكنى المير‬

‫الكبير قرطي‪ .‬ولما دخلنا من بابها‪ ،‬ذهب عني أصحابي‪ ،‬ولقيني الوزير وذهب بي‬

‫إلى دار الميسر الكسبير قرطسي‪ .‬فكان مسن أخذه الفرجيسة التسي أعطانيهسا ولي ال جلل‬
‫الديسن الشيرازي مسا قسد ذكرتسه‪ .‬وهذه المدينسة منفردة لسسكنى عبيسد السسلطان وخدامسه‪،‬‬

‫وهسي مسن أحسسن المدن السست‪ .‬ويشقهسا أنهار ثلثسة‪ :‬أحدهسا خليسج يخرج مسن النهسر‬

‫العظم‪ ،‬وتأتي فيه القوارب الصغار إلى هذه المدينة بالمرافق من الطعام‪ ،‬وأحجار‬

‫الوقسد‪ .‬وفيسه السسفن للنزهسة‪ .‬والمشور فسي وسسط هذه المدينسة‪ ،‬وهسو كسبير جداً‪ .‬ودار‬

‫المارة فسي وسسطه‪ ،‬وهسو يحسف بهسا مسن جميسع الجهات‪ .‬وفيسه سسقائف‪ ،‬فيهسا الصسناع‬

‫يصسسنعون الثياب النفيسسسة وآلت الحرب‪ .‬أخسسبرني الميسسر قرطسسي أن عددهسسم ألف‬

‫وسستمائة معلم‪ .‬كسل واحسد منهسم يتبعسه الثلثسة والربعسة مسن المتعلميسن‪ .‬وهسم أجمعون‬

‫عبيسد القان‪ .‬وفسي أرجلهسم القيود‪ ،‬ومسساكنهم خارج القصسر‪ .‬ويباح لهسم الخروج إلى‬

‫أسواق المدينة‪ ،‬دون الخروج على بابها‪ .‬ويعرضون كل يوم على المير مائة مائة‪.‬‬

‫فإن نقسص أحدهسم‪ ،‬طلب بسه أميره‪ .‬وعادتهسم أنسه إذا خدم أحدهسم عشسر سسنين فسك عنسه‬

‫قيده‪ ،‬وكان يخير في النظرين‪ :‬إما أن يقيم في الخدمة غير مقيد‪ ،‬وإما أن يسير حيث‬

‫شاء مسن بلد القان‪ ،‬ول يخرج عنهسا‪ .‬وإذا بلغ سسنه خمسسين عاماً أعتسق مسن الشغال‬

‫وأنفق عليه‪ .‬كذلك ينفق على من بلغ هذه السن أو نحوها من سواهم‪ .‬ومن بلغ ستين‬

‫سسسنة عدوه كالصسسبي‪ ،‬فلم تجسسر عليسسه الحكام‪ .‬والشيوخ بالصسسين يعظمون تعظيماً‬

‫كثيراً‪ ،‬ويسمى أحدهم آطا‪ ،‬ومعناه الوالد‪.‬‬

‫ذكر المير الكبير قرطي‬

‫وضبسسط اسسسمه " بضسسم القاف وسسسكون الراء وفتسسح الطاء المهمسسل وسسسكون الياء "‪،‬‬

‫وهسو أميسر أمراء الصسين‪ ،‬أضافنسا بداره‪ ،‬وصسنع الدعوة‪ ،‬ويسسمونها الطوى " بضسم‬
‫الطاء المهمسسل وفتسسح الواو "‪ ،‬وحضرهسسا كبار المدينسسة‪ .‬وأتسسى بالطباخيسسن المسسسلمين‬

‫فذبحوا وطبخوا الطعام‪ .‬وكان هذا الميسسر على عظمتسسه يناولنسسا الطعام بيده‪ ،‬ويقطسسع‬

‫اللحسم بيده‪ .‬وأقمنسا فسي ضيافتسه ثلثسة أيام‪ ،‬وبعسث ولده معنسا إلى الخليسج‪ .‬فركبنسا فسي‬

‫سسسفينة تشبسسه الحراقسسة‪ ،‬وركسسب ابسسن الميسسر فسسي أخرى‪ ،‬ومعسسه أهسسل الطرب وأهسسل‬

‫الموسسيقى‪ ،‬وكانوا يغنون بالصسيني وبالعربسي وبالفارسسي‪ ،‬وكان ابسن الميسر معجباً‬

‫بالغناء الفارسسسسي‪ ،‬فغنوا شعراً منسسسه‪ .‬وأمرهسسسم بتكريره مراراً‪ ،‬حتسسسى حفظتسسسه مسسسن‬

‫أفواههم‪ ،‬وله تلحين عجيب وهو‪:‬‬

‫در بحسر فسكسر افستساديم‬ ‫تا دل بسمسحسنسسست داديم‬


‫جن " جون " در نماز استساديم قوي بمحراب اندرى " اندريم "‬
‫واجتمعست بذلك الخليسج طائفسة كسبيرة لهسا القلع الملونسة ومظلت الحريسر‪ .‬وسسفنهم‬

‫منقوشسة بأبدع نقسش‪ .‬وجعلوا يتحاملون ويترامون بالنارنسج والليمون‪ .‬وعدنسا بالعشسي‬

‫إلى دار المير‪ ،‬فبتنا بها‪ .‬وحضر أهل الطرب فغنوا بأنواع من الغناء العجيب‪.‬‬

‫حكاية المشعوذ‬

‫وفي تلك الليلة حضر أحد المشعوذة‪ ،‬وهي من عبيد القان‪ ،‬فقال له المير‪ :‬أرنا من‬

‫عجائبك‪ .‬فأخذ كرة خشب لها ثقب فيها سيور طوال‪ ،‬فرمى بها إلى الهواء فارتفعت‬

‫حتى غابت عن البصار‪ ،‬ونحن في وسط المشور أيام الحر الشديد‪ .‬فلما لم يبق من‬

‫السسير فسي يده إل يسسير‪ ،‬أمسر متعلماً له فتعلق بسه وصسعد فسي الهواء إلى أن غاب عسن‬

‫أبصارنا‪ .‬فدعاه فلم يجبه ثلثاً‪ .‬فأخذ سكيناً بيده كالمغتاظ وتعلق بالسير إلى أن غاب‬

‫أيضاً‪ ،‬ثم رمى بيد الصبي إلى الرض‪ ،‬ثم رمى برجله‪ ،‬ثم بيده الخرى‪ ،‬ثم برجله‬
‫الخرى‪ ،‬ثسم بجسسسده‪ ،‬ثسم برأسسه‪ ،‬ثسسم هبسسط‪ ،‬وهسو ينفسخ‪ ،‬وثيابسه ملطخسسة بالدم‪ .‬فقبسل‬

‫الرض بين يدي المير‪ ،‬وكلمه بالصيني وأمر له المير بشيء‪ .‬ثم إنه أخذ أعضاء‬

‫الصسبي‪ ،‬فألصسق بعضهسا ببعسض‪ ،‬وركله برجله فقام سسوياً‪ .‬فعجبست منسه‪ .‬وأصسابني‬

‫خفقان القلب‪ ،‬كمثسل مسا كان أصسابني عنسد ملك الهنسد‪ ،‬حيسن رأيست مثسل ذلك‪ .‬فسسقوني‬

‫دواء أذهب عني ما وجدت‪ .‬وكان القاضي أفخر الدين إلى جانبي‪ ،‬فقال لي‪ :‬وال ما‬

‫كان مسن صسعود ول نزول ول قطسع عضسو‪ ،‬وإنمسا ذلك شعوذة‪ .‬وفسي غسد تلك الليلة‬

‫دخلنا من باب المدينة الخامسة‪ ،‬وهي من أكبر المدن‪ ،‬يسكنها عامة الناس‪ .‬وأسواقها‬

‫حسسسان‪ ،‬وبهسسا الحذاق بالصسسنائع‪ ،‬وبهسسا تصسسنع الثياب الخنسسساوية‪ .‬ومسسن عجيسسب مسسا‬

‫يصسنعون بهسا أطباق يسسمونها الدسست‪ ،‬وهسي مسن القصسب‪ ،‬وقسد ألصسقت قطعسة أبدع‬

‫إلصساق‪ ،‬ودهنست بصسبغ أحمسر مشرق‪ .‬وتكون هذه الطباق عشرة‪ :‬واحسد فسي جوف‬

‫آخسر لرقتهسا‪ .‬تظهسر لرائبهسا كأنهسا طبسق واحسد‪ ،‬ويصسنعون غطاء يغطسي جميعهسا‪.‬‬

‫ويصسنعون مسن هذا القصسب صسحافاً‪ ،‬ومسن عجائبهسا أن تقسع مسن العلو فل تنكسسر‪،‬‬

‫ويجعسسل فيهسسا الطعام السسسخن فل يتغيسر صسباغها‪ ،‬ول يحول‪ .‬وتجلب مسن هنالك إلى‬

‫الهنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسد وخراسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسان وسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسواها‪.‬‬

‫ولمسا دخلنسا هذه المدينسة بتنسا ليلة فسي ضيافسة أميرهسا‪ .‬وبالغسد دخلنسا مسن باب يسسمى‬

‫كشتسسسى وانان إلى المدينسسسة السسسسادسة‪ .‬ويسسسسكنها البحريسسسة والصسسسيادون والجلفطسسسة‬

‫والنجارون‪ ،‬ويدعون دودكاران " درود كران "‪ ،‬والصسسباهية وهسسم الرماة‪ ،‬والبيادة‬

‫وهم الرجالة‪ ،‬وجميعهم عبيد السلطان‪ .‬ول يسكن معهم سواهم‪ ،‬وعددهم كثير‪ .‬وهذه‬
‫المدينة على ساحل النهر العظم‪ .‬بتنا بها ليلة في ضيافة أميرها‪ ،‬وجهز لنا المير‬

‫قرطسي مركباً بمسا يحتاج إليسه مسن زاد وسسواه‪ ،‬وبعسث معنسا أصسحابه برسسم التضييسف‪.‬‬

‫وسسافرنا مسن هذه المدينسة وهسي آخسر أعمال الصسين‪ ،‬زدخلنسا إلى بلد الخطسا " بكسسر‬

‫الخاء المعجسم وطاء مهمسل "‪ ،‬وهسي أحسسن بلد الدنيسا عمارة‪ .‬ول يكون فسي جميعهسا‬

‫موضسع غيسر معمور‪ ،‬فإنسه إن بقسي موضسع غيسر معمور‪ ،‬طلب أهله أو مسن يواليهسم‬

‫بخراجسه‪ .‬والبسساتين والقرى والمزارع منتظمسة بجانسبي هذا النهسر‪ ،‬مسن مدينسة الخنسسا‬

‫إلى مدينسة خان بالق‪ .‬وذلك مسسيرة أربعسة وسستين يوماً‪ .‬وليسس بهسا أحسد مسن المسسلمين‬

‫إل من كان حاضراً غير مقيم‪ ،‬لنها ليست بدار مقام‪ ،‬وليس بها مدينة مجتمعة‪ ،‬إنما‬

‫هي قرى وبسائط‪ ،‬فيها الزرع والفواكه والسكر‪ .‬ولم أر في الدنيا مثلها‪ ،‬غير مسيرة‬

‫أربعسة أيام مسن النبار إلى عانسة‪ .‬وكنسا كسل ليلة ننزل بالقرى لجسل الضيافسة‪ ،‬حتسى‬

‫وصسسلنا إلى مدينسسة خان بالق " وضبسسط اسسسمها بخاء معجسسم والف ونون مسسسكن وباء‬

‫معقود والف ولم مكسسسسور وقاف "‪ ،‬وتسسسسمى أيضاً خانقسسسو " بخاء معجسسسم ونون‬

‫مكسسسور وقاف وواو "‪ ،‬وهسسي حضرة القان‪ ،‬والقان هسسو سسسلطانهم العظسسم‪ ،‬الذي‬

‫مملكتسه بلد الصسين والخطسا‪ .‬ولمسا وصسلنا إليهسا أرسسينا على عشرة أميال منهسا‪ ،‬على‬

‫العادة عندهم‪ .‬وكتب إلى أمراء البحر بخبرنا‪ ،‬فأذنوا لنا في دخول مرساها‪ ،‬فدخلناه‬

‫ثم نزلنا إلى المدينة‪ ،‬وهي من أعظم مدن الدنيا‪ .‬وليست على ترتيب بلد الصين في‬

‫كون البسساتين داخلهسا‪ .‬إنمسا هسي كسسائر البلد والبسساتين بخارجهسا‪ ،‬ومدينسة السسلطان‬

‫فسي وسسطها كالقصسبة حسسبما نذكره‪ .‬ونزلت عنسد الشيسخ برهان الديسن الصساغرجي‪،‬‬
‫وهسو الذي بعسث إليسه ملك الهنسد بأربعيسن ألف دينار‪ ،‬واسستدعاه فأخسذ الدنانيسر وقضسى‬

‫بهسسا دينسسه‪ ،‬وأبسسى أن يسسسير إليسسه‪ .‬وقدم على بلد الصسسين فقدمسسه القان على جميسسع‬

‫المسلمين الذي ببلده‪ ،‬وخاطبه بصدر الجهان‪.‬‬

‫ذكر سلطان الصين والخطا الملقب بالقان‬

‫والقان عندهسم سسمة لكسل مسن يلي ملك القطار‪ ،‬كمثسل مسا يسسمى كسل مسن ملك بلد‬

‫اللور بأتابسك واسسمه باشاي " بفتسح الباء المعقود والشيسن المعجمسة وسسكون الياء "‪.‬‬

‫وليس للكفار على وجه الرض مملكة أعظم من مملكته‪.‬‬

‫ذكر قصره‬

‫وقصره في وسط المدينة المختصة بسكناه‪ .‬وأكثر عمارته بالخشب المنقوش‪ ،‬وله‬

‫ترتيب عجيب‪ .‬وعليه سبعة أبواب‪ :‬فالباب الول منها يجلس به الكتوال‪ ،‬وهو أمير‬

‫البوابيسن‪ .‬وله مصساطب مرتفعسة عسن يميسن الباب ويسساره‪ ،‬فيهسا المماليسك البردداريسة‪،‬‬

‫وهم حفاظ باب القصر‪ ،‬وعددهم خمسمائة رجل‪ .‬وأخبرت أنهم كانوا فيما تقدم ألف‬

‫رجل‪ .‬والباب الثاني يجلس عليه الصباهية‪ ،‬وهم الرماة‪ ،‬وعددهم خمسمائة‪ .‬والباب‬

‫الثالث يجلس عليسسه النزداريسسة " بالنون والزاي "‪ ،‬وهسسم أصسسحاب الرماح‪ ،‬وعددهسسم‬

‫خمسسسمائة‪ .‬والباب الرابسسع يجلس عليسسه التغداريسسة " بالتاء المثناة والغيسسن المعجسسم "‪،‬‬

‫وهسم أصسحاب السسيوف والترسسة‪ .‬والباب الخامسس فيسه ديوان الوزارة‪ ،‬وبسه سسقائف‬

‫كثيرة‪ .‬فالسسقيفة العظمسى يقعسد بهسا الوزيسر‪ ،‬على مرتبسة هائلة مرتفعسة‪ ،‬ويسسمون ذلك‬

‫الموضسع المسسند‪ .‬وبيسن يدي الوزيسر دواة عظيمسة مسن الذهسب‪ .‬وتقابسل هذه السسقيفة‬
‫سسقيفة كاتسب السسر‪ ،‬وعسن يمينهسا سسقيفة كتاب الرسسائل‪ ،‬وعسن يميسن سسقيفة الوزيسر‬

‫سسسقيفة كتاب الشغال‪ .‬وتقابسسل هذه السسسقائف سسسقائف أربسسع‪ .‬إحداهسسا تسسسمى ديوان‬

‫الشراف‪ ،‬يقعسد بهسا المشرف‪ ،‬والثانيسة سسقيفة ديوان المسستخرج‪ ،‬وأميرهسا مسن كبار‬

‫المراء‪ ،‬والمستخرج هسو مسا يبقى قبسل العمال وقبسل المراء مسن إقطاعاتهم‪ ،‬والثالثسة‬

‫ديوان الغوث‪ ،‬ويجلس فيهسا أحسد المراء الكبار‪ ،‬ومعسه الفقهاء والكتاب‪ .‬فمسن لحقتسه‬

‫مظلمسة اسستغاث بهسم‪ .‬والرابعسة ديوان البريسد‪ ،‬يجلس فيهسا أميسر الخبارييسن‪ .‬والباب‬

‫السسداس مسن أبواب القصسر يجلس عليسه الجنداريسة‪ ،‬وأميرهسم العظسم‪ .‬والباب السسابع‬

‫يجلس عليه الفتيان‪ ،‬ولهم ثلث شقائف‪ :‬إحداها سقيفة الحبشان منهم‪ ،‬والثانية سقيفة‬

‫الهنود‪ ،‬والثالثة سقيفة الصينيين‪ .‬ولكل طائفة منهم أمير من الصينيين‪.‬‬

‫ذكر خروج القان لقتال ابن عمه وقتله‬

‫ولمسسا وصسسلنا حضرة خان بالق‪ ،‬وجدنسسا القان غائباً عنهسسا إذ ذاك‪ .‬وخرج للقاء ابسسن‬

‫عمسسه فيروز القائم عليسسه‪ ،‬بناحيسسة قراقوم وبسسش بالغ‪ ،‬مسسن بلد الخطسسا‪ .‬وبينهسسا وبيسسن‬

‫الحضرة مسسسسيرة ثلثسسسة أشهسسسر عامرة‪ .‬وأخسسسبرني صسسسدر الجهان برهان الديسسسن‬

‫الصساغرجي‪ ،‬أن القان لمسا جمسع الجيوش وحشسد الحشود‪ ،‬اجتمسع عليسه مسن الفرسسان‬

‫مائة فوج‪ ،‬كسسل فوج منهسسا مسسن عشرة آلف فارس‪ .‬وأميرهسسم يسسسمى أميسسر طومان‪،‬‬

‫وكان من خواص السلطان‪ ،‬وأهل دخلته خمسين ألفاً زائداً إلى ذلك‪ .‬وكانت الرجالة‬

‫خمسمائة ألف‪ .‬ولما خرج خالف عليه أكثر المراء‪ ،‬واتفقوا على خلعه‪ .‬لنه كان قد‬

‫غيسر أحكام اليسساق‪ ،‬وهسي الحكام التسي وضعهسا تنكيسز خان جدهسم الذي خرب بلد‬
‫السسلم‪ .‬فمضوا إلى ابسن عمسه القائم‪ ،‬وكتبوا إلى القان أن يخلع نفسسه‪ ،‬وتكون مدينسة‬

‫الخنسسساء إقطاعاً له‪ .‬فأبسسى ذلك‪ ،‬وقاتلهسسم فانهزم وقتسسل‪ .‬وبعسسد أيام مسسن وصسسولنا إلى‬

‫حضرتسسه ورد الخسسبر بذلك‪ .‬فزينسست المدينسسة وضربسست الطبول والبواق والنفار‪،‬‬

‫واسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسستعمل اللعسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسب والطرب مدة شهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسر‪.‬‬

‫ثم جيء بالقان المقتول‪ ،‬وبنحو مائة من المقتولين بني عمه وأقاربه وخواصه‪ .‬فحفر‬

‫للقان ناووس عظيم‪ ،‬وهو بيت تحت الرض‪ ،‬وفرش بأحسن الفرش وجعل به القان‬

‫بسسلحه‪ ،‬وجعسل معسه مسا كان فسي داره مسن أوانسي الذهسب والفضسة‪ ،‬وجعسل معسه أربسع‬

‫مسن الجواري‪ ،‬وسستة مسن خواص المماليسك‪ ،‬معهسم أوانسي الشراب‪ .‬وبنسي باب البيست‪،‬‬

‫وجعسسسسسسسسسسل فوقسسسسسسسسسسه التراب حتسسسسسسسسسسى صسسسسسسسسسسار كالتسسسسسسسسسسل العظيسسسسسسسسسسم‪.‬‬

‫ثسم جاءوا بأربعسة أفراس فأجروهسا عنسد قسبره حتسى وقفست‪ ،‬ونصسبوا خشباً على القسبر‪،‬‬

‫وعلقوها عليه‪ .‬بعد أن أدخلوا في دبر كل فرس خشبة حتى خرجت من فمه‪ ،‬وجعل‬

‫أقارب القان المذكورون في نواويس ومعهم سلحهم وأواني دورهم‪ ،‬وصلبوا على‬

‫قبورهسم كبارهسم‪ .‬وكانوا عشرة‪ :‬ثلثسة مسن الخيسل على كسل قسبر‪ ،‬وعلى قبور الباقيسن‬

‫فرساً فرساً‪ .‬وكان هذا اليوم يومًا مشهوداً لم يتخلف عنه أحد من الرجال ول النساء‬

‫المسسلمين والكفار‪ ،‬وقسد لبسسوا أجمعون ثياب العزاء‪ ،‬وهسي الطيالسسة البيسض للكفار‬

‫والثياب البيسسض للمسسسلمين‪ .‬وأقام خواتيسسن القان وخواصسسه فسسي الخبيسسة على قسسبره‬

‫أربعيسن يوماً‪ ،‬وبعضهسم يزيسد على ذلك إلى سسنة‪ .‬وصسنعت هنالك سسوق يباع فيسه مسا‬
‫يحتاجون إليسه مسن طعام وسسواه‪ .‬وهذه الفعال ل أذكسر أن أمسة تفعلهسا سسواهم فسي هذا‬

‫العصسر‪ .‬فأمسا الكفار مسن الهنود وأهسل الصسين فيحرقون موتاهسم‪ ،‬وسسواهم مسن المسم‬

‫يدفنون الميست ول يجعلون معسه أحداً‪ .‬لكسن أخسبرني الثقات ببلد السسودان أن الكفار‬

‫منهسسم‪ ،‬إذا مات ملكهسسم صسسنعوا له ناووسساً‪ ،‬وأدخلوا معسسه بعسسض خواصسسه وخدامسسه‪،‬‬

‫وثلثين من أبناء كبارهم وبناتهم‪ ،‬بعد أن يكسروا أيديهم وأرجلهم‪ ،‬ويجعلون معهسم‬

‫أوانسي الشراب‪ .‬وأخسبرني بعسض كبار مسسوفة‪ ،‬ممسن يسسكن بلد كوبر مسع السسودان‪،‬‬

‫واختصه سلطانهم‪ ،‬أنه كان له ولد‪ .‬فلما مات سلطانهم أرادوا أن يدخلوا ولده مع من‬

‫أدخلوه مسن أولدهسم‪ ،‬قال‪ :‬فقلت لهسم‪ :‬كيسف تفعلون ذلك وليسس على دينكسم‪ ،‬ول مسن‬

‫ولدكسم ? وفديتسه منهسم بمال عريسض‪ .‬ولمسا قتسل القان كمسا ذكرنسا‪ ،‬واسستولى ابسن عمسه‬

‫فيروز على الملك‪ ،‬اختار أن تكون حضرتسسه مدينسسة قراقرم " وضبطهسسا بفتسسح القاف‬

‫الول والراء وضسم الثانيسة وضسم الراء الثانيسة "‪ ،‬لقربهسا مسن بلد بنسي عمسه ملوك‬

‫تركستان وما وراء النهر‪ .‬ثم خالفت عليه المراء مما لم يحضر لقتل القان‪ ،‬وقطعوا‬

‫الطرق‪ ،‬وعظمت الفتن‪.‬‬

‫ذكر رجوعي إلى الصين ثم إلى الهند‬

‫ولمسا وقسع الخلف وتسسعرت الفتسن‪ ،‬أشار علي الشيسخ برهان الديسن وسسواه أن أعود‬

‫إلى الصسين قبسل تمكسن الفتسن‪ ،‬ووقفوا معسي إلى نائب السسلطان فيروز‪ ،‬فبعسث معسي‬

‫ثلثة من أصحابه‪ ،‬وكتب لي بالضيافة‪ .‬وسرنا منحدرين في النهر إلى الخنساء‪ ،‬ثم‬

‫إلى قنجنفو‪ ،‬ثم إلى الزيتون‪ .‬فلما وصلتها وجدت الجنوك على السفر إلى الهند‪ ،‬وفي‬
‫جملتهسا جنسك للملك الظاهسر‪ ،‬صساحب الجاوة‪ ،‬وأهله مسسلمون‪ .‬وعرفنسي وكيله‪ ،‬وسسر‬

‫بقدومسسي‪ .‬وصسسادفنا الريسسح الطيبسسة عشرة أيام‪ ،‬فلمسسا قاربنسسا بلد طوالسسسي‪ ،‬تغيرت‬

‫الريح‪ ،‬وأظلم الجو‪ ،‬وكثر المطر‪ ،‬وأقمنا عشرة أيام ل نرى الشمس‪ .‬ثم دخلنا بحراً‬

‫ل نعرفسه‪ ،‬وخاف أهسل الجنسك فأرادوا الرجوع إلى الصسين‪ ،‬فلم يتمكسن ذلك‪ .‬وأقمنسا‬

‫اثنين وأربعين يوماً ل نعرف في أي البحار نحن‪.‬‬

‫ذكر الرخ‬

‫ولمسا كان فسي اليوم الثالث والربعيسن‪ ،‬ظهسر لنسا بعسد طلوع الفجسر جبسل فسي البحسر‪،‬‬

‫بيننا وبينه نحو عشرين ميلً‪ ،‬والريح تحملنا إلى صوبه‪ .‬فعجب البحرية وقالوا‪ :‬لسنا‬

‫بقرب من البر‪ ،‬ول يعهد في البحر جبل‪ ،‬وإن اضطرتنا الريح إليه هلكنا فلجاً الناس‬

‫إلى التضرع والخلص‪ ،‬وجددوا التوبسسة‪ ،‬وابتهلنسسا إلى ال بالدعاء‪ ،‬وتوسسسلنا بنسسبيه‬

‫صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬ونذر التجار الصسدقات الكثيرة‪ ،‬وكتبتهسا لهسم فسي زمام بخطسي‬

‫وسسكنت الريسح بعسض سسكون‪ ،‬ثسم رأينسا ذلك الجبسل عنسد طلوع الشمسس قسد ارتفسع فسي‬

‫الهواء‪ ،‬وظهر الضوء فيما بينه وبين البحر‪ ،‬فعجبنا من ذلك‪ .‬ورأيت البحرية يبكون‬

‫ويودعون بعضهسم بعضاً‪ ،‬فقلت‪ :‬مسا شأنكسم ? فقالوا‪ :‬إن الذي تخيلناه جبلً هسو الرخ‪.‬‬

‫وإن رآنا أهلكنا‪ .‬وبيننا وبينه إذ ذاك اقل من عشرة أميال‪ .‬ثم إن ال تعالى من علينا‬

‫بريسح طيبسة‪ ،‬صسرفتنا عسن صسوبه‪ ،‬فلم نره‪ ،‬ول عرفنسا حقيقسة صسورته‪ .‬وبعسد شهريسن‬

‫من ذلك اليوم وصلنا الجاوة‪ ،‬ونزلنا إلى سمطرة‪ ،‬فوجدنا سلطانها الملك الظاهر قد‬
‫قدم مسن غزوة له‪ ،‬وجاء بسسبي كثيسر‪ .‬فبعسث لي جاريتيسن وغلميسن‪ ،‬وأنزلنسي على‬

‫العادة‪ ،‬وحضرت أعراس ولده مع بنت أخيه‪.‬‬

‫ذكر إعراس ولد الملك الظاهر‬

‫وشاهدت يوم الجلوة‪ ،‬فرأيتهسم قسد نصسبوا فسي وسسط المشور منسبراً كسبيراً‪ ،‬وكسسوه‬

‫بثياب الحريسر‪ .‬وجاءت العروس مسن داخسل القصسر على قدميهسا باديسة الوجسه‪ ،‬ومعهسا‬

‫نحسو أربعيسن مسن الخواتيسن‪ ،‬يرفعسن أذيالهسا‪ ،‬مسن نسساء السسلطان وأمرائه ووزرائه‪،‬‬

‫وكلهن باديات الوجوه‪ ،‬ينظر إليهن كل من حضر من رفيع أو وضيع‪ .‬وليست تلك‬

‫عادة لهسسن إل فسسي العراس خاصسسة‪ .‬وصسسعدت العروس المنسسبر‪ ،‬وبيسسن يديهسسا أهسسل‬

‫الطرب رجالً ونسساء‪ ،‬يلعبون ويغنون‪ .‬ثسم جاء الزوج على فيسل مزيسن‪ ،‬على ظهره‬

‫سسسرير وفوقسسه قبسسة شسسبيه البوجسسة‪ ،‬والتاج على رأس العروس المذكور‪ ،‬عسسن يمينسسه‬

‫ويسسساره نحسسو مائة مسسن أبناء الملوك والمراء‪ ،‬قسسد لبسسسوا البياض وركبوا الخيسسل‬

‫المزينسة‪ ،‬وعلى رؤوسسهم الشواشسي المرصسعة‪ ،‬وهسم أتراب العروس ليسس فيهسم ذو‬

‫لحيسة‪ .‬ونثرت الدنانيسر والدراهسم على الناس عنسد دخوله‪ .‬وقعسد السسلطان بمنظرة له‬

‫يشاهد ذلك‪ .‬ونزل ابنه فقبل رجله‪ ،‬وصعد المنبر إلى العروس فقامت إليه وقبلت يده‬

‫وجلس إلى جانبهسسا‪ ،‬والخواتيسسن يروحسسن عليهسسا‪ ،‬وجاءوا بالفوفسسل والتنبول‪ .‬فأخذه‬

‫الزوج بيده‪ ،‬وجعل منه في فمها‪ .‬ثم أخذت هي بيديها وجعلت في فمه‪ .‬ثم أخذ الزوج‬

‫بفمه ورقة تنبول وجعلها في فمها‪ ،‬وذلك كله على أعين الناس‪ ،‬ثم فعلت هي كفعله‪.‬‬

‫ثسسم وضسع عليهسا السسستر‪ ،‬ورفسع المنسسبر وهمسا فيسه‪ ،‬إلى داخسسل القصسسر‪ .‬وأكسسل الناس‬
‫وانصسرفوا‪ .‬ثسم لمسا كان مسن الغسد جمسع الناس‪ ،‬وأجرى له أبوه وليسة العهسد‪ ،‬وبايعسه‬

‫الناس‪ ،‬وأعطاهسم العطاء الجزل مسن الثياب والذهسب‪ .‬وأقمست بهذه الجزيرة شهريسن‪،‬‬

‫ثسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسم ركبسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسست فسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسي بعسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسض الجنوك‪.‬‬

‫وأعطاني السلطان كثيراً من العود والكافور والقرنقل والصندل‪ ،‬وزودني‪ .‬وسافرت‬

‫عنسه‪ ،‬فوصسلت بعسد أربعيسن يوماً إلى كولم‪ ،‬فنزلت بهسا فسي جوار القزوينسي‪ ،‬قاضسي‬

‫المسسسلمين‪ .‬وذلك فسسي رمضان‪ .‬وحضرت بهسسا صسسلة العيسسد‪ ،‬فسسي مسسسجدها الجامسسع‪.‬‬

‫وعادتهسم أن يأتوا المسسجد ليلً‪ .‬فل يزالون يذكرون ال إلى الصسبح‪ .‬ثسم يذكرون إلى‬

‫حين صلة العيد‪ ،‬ثم يصلون ويخطب الخطيب وينصرفون‪ .‬ثم سافرنا من كولم إلى‬

‫قالقوط‪ ،‬وأقمنسا بهسا أياماً‪ .‬وأردت العودة إلى دهلي‪ .‬ثسم خفست مسن ذلك‪ ،‬فركبست البحسر‬

‫فوصسسلت بعسسد ثمان وعشريسسن ليلة إلى ظفار‪ .‬وذلك فسسي محرم سسسنة ثمان وأربعيسسن‪.‬‬

‫ونزلت بدار خطيبها عيسى بن طأطأ‪.‬‬

‫ذكر سلطان ظفار‬

‫ووجدت سسلطانها فسي هذه الكرة الملك الناصسر ابسن الملك المغيسث‪ ،‬الذي كان ملكاً‬

‫بهسا حيسن وصسولي إليهسا فيمسا تقدم‪ ،‬ونائبسه سسيف الديسن عمسر أميسر جندر‪ ،‬التركسي‬

‫الصسل‪ .‬وأنزلنسي هذا السسلطان‪ ،‬وأكرمنسي‪ .‬ثسم ركبست البحسر‪ ،‬فوصسلت إلى مسسقط "‬

‫بفتح الميم "‪ ،‬وهي بلدة صغيرة بها السمك الكثير المعروف بقلب الماس‪ ،‬ثم سافرنا‬

‫إلى مرسسى القريات " وضبطهسا بضسم القاف وفتسح الراء والياء آخسر الحروف وألف‬

‫وتاء مثناة "‪ .‬ثسم سسافرنا إلى مرسسى شبسة " وضبسط اسسمها بفتسح الشيسن المعجسم وفتسح‬
‫الباء الموحدة وتشديدهسا "‪ ،‬ثسم إلى مرسسى كلبسة‪ ،‬ولفظهسا على لفسظ مؤنثسة الكلب‪ ،‬ثسم‬

‫إلى قلهات‪ ،‬وقسد تقدم ذكرهسا‪ .‬وهذه البلد كلهسا مسن عمالة هرمسز‪ ،‬وهسي محسسوبة مسن‬

‫بلد عمان‪ .‬ثم سافرنا إلى هرمز‪ ،‬وأقمنا بها ثلثاً‪ .‬وسافرنا في البر إلى كورستان ثم‬

‫إلى اللر ثسم إلى خنسج بال‪ ،‬وقسد تقدم ذكسر جميعهسا‪ .‬ثسم سسافرنا إلى كارزي " وضبسط‬

‫اسسسسسسمها بفتسسسسسح الكاف وسسسسسسكون الراء وكسسسسسسر الزاي "‪ ،‬وأقمنسسسسسا بهسسسسسا ثلثاً‪.‬‬

‫ثم سافرنا إلى جمكان " وضبط اسمها بفتح الجيم والميم والكاف وآخره نون "‪ ،‬ثم‬

‫سسافرنا منهسم إلى ميمسن " وضبسط اسسمها بفتسح الميميسن وبينهمسا ياء آخسر الحروف‬

‫مسكنة وآخره نون "‪ ،‬ثم سافرنا إلى بسا " وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة والسين‬

‫المهمسل مسع تشديدهسا "‪ ،‬ثسم إلى مدينسة شيراز‪ .‬فوجدنسا سسلطانها أبسا إسسحاق على ملكسه‬

‫إل أنسه كان غائباً عنهسا‪ .‬ولقيست بهسا شيخنسا الصسالح العالم مجسد الديسن قاضسي القضاة‪،‬‬

‫وهسو قسد كسف بصسره‪ ،‬نفعسه ال ونفسع بسه‪ .‬ثسم سسافرت إلى مايسن‪ ،‬ثسم إلى يزدخاص‪ ،‬ثسم‬

‫إلى كليسل‪ ،‬ثسم إلى كشسك زر‪ ،‬ثسم إلى أصسبهان‪ ،‬ثسم إلى تسستر‪ ،‬ثسم إلى الحويزا‪ ،‬ثسم إلى‬

‫البصرة‪ ،‬وقد تقدم ذكر جميعها‪ .‬وزرت بالبصرة القبور الكريمة التي بها‪ ،‬وهي قبر‬

‫الزبيسر بسن العوام‪ ،‬وطلحسة بسن عبيسد ال‪ ،‬وحليمسة السسعدية‪ ،‬وأبسي بكرة‪ ،‬وأنسس بسن‬

‫مالك‪ ،‬والحسسسن البصسسري‪ ،‬وثابسست البنانسسي‪ ،‬ومحمسسد بسسن سسسيرين‪ ،‬ومالك بسسن دينار‪،‬‬

‫ومحمسد بسن واسسع‪ ،‬وحسبيب العجمسي‪ ،‬وسسهل بسن عبسد ال التسستري‪ ،‬رضسي ال تعالى‬

‫عنهم أجمعين‪ .‬ثم سافرنا من البصرة‪ ،‬فوصلنا إلى مشهد علي بن أبي طالب رضي‬

‫ال عنسسه‪ ،‬وزرناه‪ .‬ثسسم توجهنسسا إلى الكوفسسة‪ ،‬فزرنسسا مسسسجدها المبارك‪ ،‬ثسسم إلى الحلة‪،‬‬
‫حيسث مشهسد صساحب الزمان‪ ،‬واتفسق فسي بعسض تلك اليام أن وليهسا بعسض المراء‬

‫فمنسع أهلهسا مسن التوجسه على عادتهسم إلى مسسجد صساحب الزمان‪ ،‬وانتظاره هنالك‪.‬‬

‫ومنع عنهم الدابة التي كانوا يأخذونها كل ليلة من المير‪ ،‬فأصابت ذلك الوالي علة‬

‫مات منهسا سسريعاً‪ .‬فزاد ذلك فسي فتنسة الرافضسة‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنمسا أصسابه ذلك لجسل منعسه‬

‫الدابة‪ ،‬فلم تمنع بعد‪ .‬ثم سافرت إلى صرصر‪ ،‬ثم إلى مدينة بغداد‪ .‬وصلتها في شوال‬

‫سسنة ثمان وأربعيسن‪ ،‬ولقيست بهسا بعسض المغاربسة فعرفنسي بكائنسة طريسف‪ ،‬واسستيلء‬

‫الروم على الخضراء‪ .‬جبر ال صدع السلم في ذلك‪.‬‬

‫ذكر سلطان العراق‬

‫وكان سلطان بغداد والعراق في عهد دخولي إليها في التاريخ المذكور الشيخ حسن‬

‫ابسن عمسة السسلطان أبسي سسعيد رحمسه ال‪ .‬ولمسا مات أبسو سسعيد اسستولى على ملكسه‬

‫بالعراق‪ ،‬وتزوج زوجته دلشاد بنت دمشق خواجة ابن المير الجوبان‪ ،‬حسبما كان‬

‫فعله السلطان أبو سعيد من تزوج زوجة الشيخ حسن‪.‬وكان السلطان حسن غائباً عن‬

‫بغداد فسي هذه المدة‪ ،‬متوجهاً لقتال السسلطان أتابسك افراسسياب‪ ،‬صساحب بلد اللور‪ .‬ثسم‬

‫رحلت مسن بغداد فوصسلت إلى مدينسة النبار‪ ،‬ثسم إلى هيست‪ ،‬ثسم إلى الحديثسة‪ ،‬ثسم إلى‬

‫عانة‪ .‬وهذه البلد من أحسن البلد وأخصبها‪ .‬والطريق فيما بينها كثير العمارة‪ ،‬كأن‬

‫الماشسي فسي سسوق مسن السسواق‪ ،‬وقسد ذكرنسا أنسا لم نسر مسا يشبسه البلد التسي على نهسر‬

‫الصسين إل هذه البلد‪ .‬ثسم وصسلت إلى مدينسة الرحبسة‪ ،‬وهسي التسي تنسسب إلى مالك بسن‬

‫طوق‪ .‬ومدينسة الرحبسة أحسسن بلد العراق‪ ،‬وأول بلد الشام‪ .‬ثسم سسافرنا إلى السسخنة‪،‬‬
‫وهسي بلدة حسسنة‪ ،‬أكثسر سسكانها الكفار مسن النصسارى‪ .‬وإنمسا سسميت السسخنة لحرارة‬

‫مائهسسا‪ .‬وفيهسسا بيوت للرجال وبيوت للنسسساء‪ ،‬يسسستحمون فيهسسا‪ ،‬ويسسستقون الماء ليلً‪،‬‬

‫ويجعلونسه فسي السسطوح ليسبرد‪ .‬ثسم سسافرنا إلى تدمسر‪ ،‬مدينسة نسبي ال سسليمان عليسه‬

‫السلم‪ ،‬التي بنتها له الجن‪ ،‬كما قال النابغة‪:‬‬

‫يبنون تدمر بالصفاح والعمد‬


‫ثم سافرنا منها إلى مدينة دمشق الشام‪ ،‬وكانت مدة مغيبي عنها عشرين سنة كاملة‪.‬‬

‫وكنسست تركسست بهسسا زوجسسة لي حاملً‪ ،‬وتعرفسست وأنسسا ببلد الهنسسد أنهسسا ولدت لي ولداً‬

‫ذكراَ‪ ،‬فبعث حينئذ إلى جده للم‪ ،‬وكان من أهل مكناسة المغرب أربعين ديناراً ذهباً‬

‫هندياً‪ .‬فحين وصولي إلى دمشق في هذه الكرة‪ ،‬لم يكن لي همٌ إل السؤال عن ولدي‪.‬‬

‫فدخلت الجامسع‪ ،‬فوفسق لي نور الديسن السسخاوي إمام المالكيسة وكسبيرهم‪ ،‬فسسلمت عليسه‬

‫فلم يعرفنسسي‪ .‬فعرفتسسه بنفسسسي‪ ،‬وسسسألته عسسن الولد‪ .‬فقال مات منسسذ اثنتسسي عشرة سسسنة‪.‬‬

‫وأخسبرني أن فقيهاً من أهسل طنجسة يقيسم بالمدرسسة الظاهريسة‪ ،‬فسسرت إليسه لسسأله عن‬

‫ولدي وأهلي‪ ،‬فوجدتسسه شيخاً كسسبيراً‪ ،‬فسسسلمت عليسسه وانتسسسبت له‪ ،‬فأخسسبرني أن ولدي‬

‫توفي منذ خمس عشرة سنة‪ ،‬وأن الوالدة بقيد الحياة‪ .‬وأقمت بدمشق الشام بقية العام‬

‫والغلء شديسد‪ ،‬والخبسز قسد انتهسى إلى قيمسة سسبع أواقسى بدرهسم نقرة‪ ،‬وأوقيتهسم أربسع‬

‫أوا قٍ مغربية‪ .‬وكان قاضي القضاة المالكية إذ ذاك جمال الدين المسلتي‪ ،‬وكان من‬

‫أصسحاب الشيسخ علء الديسن القونوي‪ ،‬وقدم معسه دمشسق‪ ،‬فعرف بهسا‪ .‬ثسم ولي القضاء‬

‫وقاضسي قضاة الشافعيسة تقسي الديسن بسن السسبكي‪ ،‬وأميسر دمشسق ملك المراء أرغون‬

‫شاه‪.‬‬
‫حكاية‬

‫ومات فسي تلك اليام بعسض كسبراء دمشسق‪ ،‬وأوصسى بمال للمسساكين‪ .‬فكان المتولي‬

‫لنفاذ الوصية يشتري الخبز ويفرقه عليهم كل يوم بعد العصر‪ .‬فاجتمعوا في بعض‬

‫الليالي وتزاحموا واختطفوا الخبسسسسز الذي يفرق عليهسسسسم‪ ،‬ومدوا أيديهسسسسم إلى خبسسسسز‬

‫الخبازيسن‪ .‬وبلغ ذلك الميسر أرغون شاه‪ .‬فأخرج زبانيتسه‪ ،‬فكانوا حيسث مسا لقوا أحداً‬

‫مسسن المسسساكين‪ ،‬قالوا له‪ :‬تعال تأخسسذ الخبسسز‪ .‬فاجتمسسع منهسسم عدد كثيسسر‪ .‬فحبسسسهم تلك‬

‫الليلة‪ ،‬وركب من الغد‪ ،‬وأحضرهم تحت القلعة‪ ،‬وأمر بقطع أيديهم وأرجلهم‪ .‬وكان‬

‫أكثرهسسم براء عسسن ذلك‪ .‬وأخرج طائفسسة الحرافيسسش عسسن دمشسسق فانتقلوا إلى حمسسص‬

‫وحماة وحلب‪ .‬وذكسر لي أنسه لم يعسش بعسد ذلك إل قليلً وقتسل‪ .‬ثسم سسافرت مسن دمشسق‬

‫إلى حمص ثم إلى حماة ثم إلى المعرة ثم إلى سرمين ثم إلى حلب‪ .‬وكان أمير حلب‬

‫في هذا العهد الحاج رغطي " بضم الراء وسكون الغين المعجم وفتح الطاء المهمل‬

‫وياء آخر الحروف مسكنة "‪.‬‬

‫حكاية‬

‫واتفسق فسي تلك اليام أن فقيراً يعرف بشيسخ المشايسخ‪ ،‬وهسو سساكن فسي جبسل خارج‬

‫مدينسسة عنتاب‪ ،‬والناس يقصسسدونه ويتسسبركون بسسه‪ .‬وله تلميسسذ ملزم له‪ ،‬وكان متجرداً‬

‫عزباً ل زوجسسة له‪ ،‬قال فسسي بعسسض كلمسسه‪ :‬إن النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم كان ل‬

‫يصسبر عسن النسساء‪ ،‬وأنسا أصسبر عنهسن‪ .‬فشهسد عليسه بذلك‪ ،‬وثبست عنسد القاضسي‪ ،‬ورفسع‬

‫أمره إلى ملك المراء‪ ،‬وأتسسسي بسسسه وبتلميذه الموافسسسق له على قوله‪ ،‬فأفتسسسى القضاة‬
‫الربعسسة‪ ،‬وهسسم شهاب الديسسن المالكسسي‪ ،‬وناصسسر الديسسن العديسسم الحنفسسي‪ ،‬وتقسسي الديسسن‬

‫الصائغ الشافعي‪ ،‬وعز الدين الدمشقي الحنبلي‪ ،‬بقتلهما معاً‪ ،‬فقتل‪ .‬وفي أوائل شهر‬

‫ربيسع الول عام تسسعة وأربعيسن‪ ،‬بلغنسي الخسبر فسي حلب أن الوباء وقسع بغزة‪ ،‬وأنسه‬

‫انتهسى عدد الموتسى فيهسا إلى زائد على اللف فسي يوم واحسد‪ .‬فسسافرت إلى حمسص‪،‬‬

‫فوجدت الوباء قسد وقسع بهسا‪ ،‬ومات يوم دخولي إليهسا نحسو ثلثمائة إنسسان‪ ،‬ثسم سسافرت‬

‫إلى دمشق ووصلتها يوم الخميس‪ ،‬وكان أهلها قد صاموا ثلثة أيام ن وخرجوا يوم‬

‫الجمعسة إلى جامسع القدام‪ ،‬حسسبما ذكرناه فسي السسفر الول‪ .‬فخفسف ال الوباء عنهسم‪،‬‬

‫فانتهى عدد الموتى عندهم إلى ألفين وأربعمائة في اليوم‪ ،‬ثم سافرت إلى عجلون ثم‬

‫إلى بيت المقدس‪ ،‬ووجدت الوباء قد ارتفع عنهم‪ .‬ولقيت خطيبه عز الدين بن جماعة‬

‫ابسن عسم عسز الديسن قاضسي القضاة بمصسر‪ ،‬وهسو مسن الفضلء الكرماء‪ .‬ومرتبسه على‬

‫الخطابة ألف درهم في الشهر‪.‬‬

‫حكاية‬

‫وصنع الخطيب عز الدين يوماً دعوة‪ ،‬ودعاني فيمن دها إليها‪ ،‬فسألته عن سببها‪،‬‬

‫فأخسبرني أنسه نذر أيام الوباء‪ ،‬أنسه إن ارتفسع ذلك‪ ،‬ومسر عليسه يوم ل يصسلى فيسه على‬

‫ميست‪ ،‬صسنع الدعوة‪ .‬ثسم قال لي‪ :‬ولمسا كان بالمسس‪ ،‬لم أصسل على ميست‪ ،‬فصسنعت‬

‫الدعوة التي نذرت‪ .‬ووجدت من كنت أعهده من جميع الشياخ بالقدس قد انتقلوا إلى‬

‫جوار ال تعالى رحمهسسم ال‪ ،‬فلم يبسسق منهسسم إل القليسسل‪ ،‬مثسسل المحدث العالم المام‬

‫صسلح الديسن خليسل بسن كيكلدي العلئي‪ ،‬ومثسل الصسالح شرف الديسن الخشسي شيسخ‬
‫زاويسة المسسجد القصسى‪ ،‬ولقيست الشيسخ سسليمان الشيرازي‪ ،‬فأضافنسي‪ .‬ولم ألق بالشام‬

‫ومصسسسسسسسسسر مسسسسسسسسسن وصسسسسسسسسسل إلى قدم آدم عليسسسسسسسسسه السسسسسسسسسسلم سسسسسسسسسسواه‪.‬‬

‫ثسسم سسسافرت عسسن القدس‪ ،‬ورافقنسسي الواعسسظ المحدث شرف الديسسن سسسليمان المليانسسي‪،‬‬

‫وشيسخ المغاربسة بالقدس الصسوفي الفاضسل طلحسة العبسد الوادي‪ .‬فوصسلنا إلى مدينسة‬

‫الخليل عليه السلم‪ .‬وزرناه ومن معه من النبياء عليهم السلم‪ .‬ثم سرنا إلى غزة‪،‬‬

‫فوجدنسا معظمهسا خالياً مسن كثرة مسن مات بهسا فسي الوباء‪ .‬وأخبرنسا قاضيهسا أن العدول‬

‫بهسا كانوا ثمانيسن‪ ،‬فبقسي منهسم الربسع‪ ،‬وأن عدد الموتسى بهسا انتهسى إلى ألف ومائة فسي‬

‫اليوم‪.‬‬

‫ثسم سسافرنا فسي البر‪ ،‬فوصسلت إلى دمياط‪ ،‬ولقيست بهسا قطسب الديسن النفشوانسي‪ ،‬وهسو‬

‫صائم الدهر‪ ،‬ورافقني منها إلى فارسكور وسمنود ثم إلى أبي صير " بكسر الصاد‬

‫المهمل وياء وراء "‪ ،‬ونزلنا في زاوية لبعض المصريين بها‪.‬‬

‫حكاية‬

‫وبينمسا نحسن بتلك الزاويسة إذ دخسل علينسا أحسد الفقراء فسسلم‪ ،‬وعرضنسا عليسه الطعام‬

‫فأبى وقال‪ :‬إنما قصدت زيارتكم‪ ،‬ولم يزل ليلته تلك ساجداً وراكعاً‪ .‬ثم صلينا الصبح‬

‫واشتغلنسسا بالذكسسر‪ ،‬والفقيسسر بركسسن الزاويسسة‪ .‬فجاء الشيسسخ بالطعام‪ ،‬ودعاه فلم يجبسسه‪.‬‬

‫فمضى إليه فوجده ميتاً‪ .‬فصلينا عليه ودفناه‪ ،‬رحمة ال عليه‪ .‬ثم سافرت إلى المحلة‬

‫الكبيرة‪ ،‬ثم إلى نحرارية‪ ،‬ثم إلى أبيار‪ ،‬ثم إلى دمنهور‪ ،‬ثم إلى السكندرية‪ .‬فوجدت‬

‫الوباء قسد خسف بهسا‪ ،‬بعسد أن بلغ عدد الموتسى إلى ألف وثمانيسن فسي اليوم‪ .‬ثسم سسافرت‬
‫إلى القاهرة‪ ،‬وبلغنسي أن عدد الموتسى أيام الوباء انتهسى فيهسا إلى واحسد وعشريسن ألفاً‬

‫في اليوم‪ .‬ووجدت جميع من كان بها من المشايخ الذين أعرفهم قد ماتوا‪ ،‬رحمهم ال‬

‫تعالى‪.‬‬

‫ذكر سلطان مصر‬

‫وكان ملك ديار مصسر فسي هذا العهسد الملك الناصسر حسسن ابسن الملك الناصسر محمسد‬

‫بسن الملك المنصسور قلوون‪ .‬وبعسد ذلك خلع عسن الملك‪ ،‬وولي أخوه الملك الصسالح‪.‬‬

‫ولما وصلت القاهرة‪ ،‬وجدت قاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القضاة بدر الدين‬

‫بسن جماعسة‪ ،‬قسد توجسه إلى مكسة فسي ركسب عظيسم يسسمونه الرجسبي‪ ،‬لسسفرهم فسي شهسر‬

‫رجب‪ .‬وأخبرت أن الوباء لم يزل معهم حتى وصلوا إلى عقبة أيلة‪ ،‬فارتفع عنهم‪ .‬ثم‬

‫سسافرت مسن القاهرة إلى بلد الصسعيد‪ ،‬وقسد تقدم ذكرهسا‪ ،‬إلى عيذاب‪ .‬وركبست منهسا‬

‫البحسسر‪ ،‬فوصسسلت إلى جدة‪ ،‬ثسسم سسسافرت منهسسا إلى مكسسة‪ ،‬شرفهسسا ال تعالى وكرمهسسا‪،‬‬

‫فوصسلتها فسي الثانسي والعشريسن لشعبان سسنة تسسع وأربعيسن‪ .‬ونزلت فسي جوار إمام‬

‫المالكية الصالح الولي الفاضل أبي عبد ال محمد بن عبد ال المدعو بخليل‪ .‬فصمت‬

‫شهسر رمضان بمكسة‪ .‬وكنست أعتمسر كسل يوم على مذهسب الشافعسي‪ .‬ولقيست ممسن أعهسد‬

‫من أشياخها شهاب الدين الحنفي‪ ،‬وشهاب الدين الطبري‪ ،‬وأبا محمد اليافعي‪ ،‬ونجم‬

‫الديسن الصسفوني‪ ،‬والحرازي‪ .‬وحججست ذلك العام‪ ،‬ثسم سسافرت مسع الركسب الشامسي‬

‫إلى طيبة‪ ،‬مدينة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وزرت قبره المكرم‪ ،‬زاده ال طيباً‬

‫وتشريفاً‪ ،‬وصسليت فسي المسسجد الكريسم‪ ،‬طهره ال وزاده تعظيماً‪ ،‬وزرت مسن بالبقيسع‬
‫من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ورضي عنهم‪ ،‬ولقيت من الشياخ أبا محمد‬

‫بن فرحون‪ .‬ثم سافرنا من المدينة الشريفة إلى العل وتبوك‪ ،‬ثم إلى بيت المقدس‪ ،‬ثم‬

‫إلى مدينة الخليل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم إلى غزة‪ ،‬ثم إلى منازل الرمل‪ ،‬وقد تقدم‬

‫ذكر ذلك كله‪ ،‬ثم إلى القاهرة‪ .‬وهنالك تعرفنا أن مولنا أمير المؤمنين وناصر الدين‬

‫المتوكسسل على رب العالميسسن أبسسا عنان أيده ال تعالى‪ ،‬قسسد ضسسم ال بسسه نشسسر الدولة‬

‫المرينية‪ ،‬وشفى ببركته بعد إشفائها البلد المغربية‪ ،‬وأفاض الحسان على الخاص‬

‫والعام‪ ،‬وغمر جميع الناس بسابغ النعام‪ .‬فتشوقت النفوس إلى المثول ببابه‪ ،‬وأملت‬

‫لثسم ركابسه‪ .‬فعنسد ذلك قصسدت القدوم على حضرتسه العليسة‪ ،‬مسع مسا شاقنسي مسن تذكار‬

‫الوان‪ ،‬والحنيسسن إلى الهسسل والخلن‪ ،‬والمحبسسة إلى بلدي التسسي لهسسا الفضسسل عندي‬

‫على البلدان‪.‬‬

‫بلد بها نيطت علي تمسائمسي وأول أرض مس جلدي ترابها‬


‫فركبت البحر في قرقورة لبعض التونسيين صغيرة‪ ،‬وذلك في صفر سنة خمسين‪.‬‬

‫وسسسرت حتسسى نزلت بجربسسة‪ .‬وسسسافر المركسسب المذكور إلى تونسسس‪ ،‬فاسسستولى العدو‬

‫عليه‪ .‬ثم سافرت في مركب صغير إلى قابس‪ ،‬فنزلت في ضيافة الخوين الفاضلين‬

‫أبسي مروان وأبسي العباس ابنسي مكسي أميري جربسة وقابسس‪ .‬وحضرت عندهمسا مولد‬

‫رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬ثسم ركبست فسي مركسب إلى سسفاقس‪ ،‬ثسم توجهست فسي‬

‫البحسر إلى بليانسة‪ ،‬ومنهسا سسرت فسي البر مسع العرب‪ ،‬فوصسلت بعسد مشقات إلى مدينسة‬

‫تونس‪ ،‬والعرب محاصرون لها‪.‬‬


‫ذكر سلطان تونس‬

‫وكانست تونسس فسي إيالة مولنسا أميسر المسسلمين‪ ،‬وناصسر الديسن‪ ،‬المجاهسد فسي سسبيل‬

‫رب العالميسسن‪ ،‬علم العلم‪ ،‬وأوحسسد الملوك الكرام‪ ،‬أسسسد السسساد‪ ،‬وجواد الجواد‪،‬‬

‫القانت الواب‪ ،‬الخاشع العادل‪ ،‬أبي الحسن مولنا أمير المسلمين‪ ،‬المجاهد في سبيل‬

‫رب العالميسن‪ ،‬ناصسر ديسن السسلم‪ ،‬الذي سسارت المثال بجوده‪ ،‬وشاع فسي القطار‬

‫أثسر كرمسه وفضله‪ ،‬ذي المناقسب والمفاخسر والفضائل والمآثسر‪ ،‬الملك العادل الفاضسل‬

‫أبسي سسعيد مولنسا أميسر المسسلمين وناصسر الديسن‪ ،‬المجاهسد فسي سسبيل رب العالميسن‪،‬‬

‫قاهسر الكفار ومبيدهسا‪ ،‬ومبدي آثار الجهاد ومعيدهسا‪ ،‬ناصسر اليمان‪ ،‬الشديسد السسطوة‬

‫فسي ذات الرحمسن‪ ،‬العابسد الزاهسد‪ ،‬الراكسع السساجد‪ ،‬الخاشسع الصسالح‪ ،‬أبسي يوسسف ابسن‬

‫عبسد الحسق‪ ،‬رضسي ال عنهسم أجمعيسن‪ ،‬وأبقسى الملك فسي عقبهسم إلى يوم الديسن‪ .‬ولمسا‬

‫وصلت تونس قصدت الحاج أبا الحسن الناميسي لما بيني وبينه من مودات القرابة‬

‫والبلديسة‪ .‬فأنزلنسي بداره‪ ،‬وتوجسه معسي إلى المشور‪ ،‬فدخلت المشور الكريسم وقبلت يسد‬

‫مولنسا أبسي الحسسن رضسي ال عنسه‪ ،‬وأمرنسي بالقعود فقعدت‪ .‬وسسألني عسن الحجاز‬

‫الشريسسف وسسسلطان مصسسر فأجبتسسه‪ .‬وسسسألني عسسن ابسسن تيفراجيسسن فأخسسبرته بمسسا فعلت‬

‫المغاربة معه‪ .‬وإرادتهم قتله بالسكندرية‪ ،‬وما لقي من أذيتهم‪ ،‬انتصاراً منهم لمولنا‬

‫أبي الحسن رضي ال عنه‪ ،‬وكان في مجلسه من الفقهاء المام أبو عبد ال السطي‪،‬‬

‫والمام أبسو عبسد ال محمسد بسن الصسباغ‪ .‬ومسن أهسل تونسس قاضيهسا أبسو علي عمسر بسن‬

‫عبد الرفيع‪ ،‬وأبو عبد ال بن هارون‪ .‬وانصرفت عن المجلس الكريم‪ .‬فلما كان بعد‬
‫العصسر اسستدعاني مولنسا أبسو الحسسن‪ ،‬وهسو بسبرج يشرف على موضسع القتال‪ ،‬ومعسه‬

‫الشيوخ الجلة أبسسو عمسسر عثمان بسسن عبسسد الواحسسد التنالفتسسي‪ ،‬وأبسسو حسسسون زيان بسسن‬

‫أمريون العلوي‪ ،‬وأبسسو زكرياء يحيسسى ابسسن سسسليمان العسسسكري‪ ،‬والحاج أبسسو الحسسسن‬

‫الناميسسسسسسسسسي‪ .‬فسسسسسسسسسألني عسسسسسسسسن ملك الهنسسسسسسسسد فأجبتسسسسسسسسه عمسسسسسسسسا سسسسسسسسسأل‪.‬‬

‫ولم أزل أتردد إلى مجلسسه الكريسسم أيام إقامتسي بتونسس‪ ،‬وكانست سستة وثلثيسن يوماً‪.‬‬

‫ولقيست بتونسس إذ ذاك الشيسخ المام خاتمسة العلماء وكسبيرهم أبسا عبسد ال البلي‪ ،‬وكان‬

‫فسسسسسسسي فراش المرض‪ ،‬وباحثنسسسسسسسي عسسسسسسسن كثيسسسسسسسر مسسسسسسسن أمور رحلتسسسسسسسي‪.‬‬

‫ثسم سسافرت مسن تونسس فسي البحسر مسع القطلنييسن‪ ،‬فوصسلنا إلى جزيرة سسردانية‪ ،‬مسن‬

‫جزر الروم‪ ،‬ولهسا مرسسى عجيسب‪ ،‬عليسه خشسب كبار دائرة بسه‪ .‬وله مدخسل كأنسه باب‪،‬‬

‫ل يفتسح إل باذن منهسم‪ ،‬وفيهسا حصسون‪ .‬دخلنسا أحدهسا‪ ،‬وبسه أسسواق كثيرة‪ ،‬ونذرت ل‬

‫تعالى إن خلصسنا ال منهسا صسوم شهريسن متتابعيسن‪ .‬لننسا تعرفنسا أن أهلهسا عازمون‬

‫على اتباعنسسسسسسسسسسسسسسسسسا إذا خرجنسسسسسسسسسسسسسسسسسا عنهسسسسسسسسسسسسسسسسسا ليأسسسسسسسسسسسسسسسسسسرونا‪.‬‬

‫ثم خرجنا عنها فوصلنا بعد عشر إلى مدينة تنس‪ ،‬ثم إلى مازونة‪ ،‬ثم إلى مستغانم‪،‬‬

‫ثسم إلى تلمسسان‪ .‬فقصسدت العباد‪ ،‬وزرت الشيسخ أبا مديسن رضسي ال عنسه ونفسع بسه‪ ،‬ثسم‬

‫خرجست عنهسا على طريسق مدرومسة‪ ،‬وسسلكت طريسق أخندقان‪ .‬وبست بزاويسة الشيسخ‬

‫إبراهيم‪ .‬ثم سافرنا منها‪ ،‬فبينما نحن بقرب أزغنغان‪ ،‬إذا خرج علينا خمسون راجلً‬

‫وفارسسان‪ .‬وكان معسي الحاج ابسن قريعات الطنجسي وأخوه محمسد‪ ،‬المسستشهد بعسد ذلك‬

‫فسي البحسر‪ .‬فعزمنسا على قتالهسم‪ ،‬ورفعنسا علماً‪ ،‬ثسم سسالمونا وسسالمناهم‪ ،‬والحمسد ل‪،‬‬
‫ووصلت إلى مدينة تازي‪ ،‬وبها تعرفت خبر موت والدتي بالوباء رحمها ال تعالى‪.‬‬

‫ثسم سسافرت عسن تازي‪ ،‬فوصسلت يوم الجمعسة فسي أواخسر شهسر شعبان المكرم مسن عام‬

‫خمسسين وسسبعمائة إلى حضرة فاس‪ ،‬فمثلت بيسن يدي مولنسا العظسم‪ ،‬المام الكرم‪،‬‬

‫أميسسر المؤمنيسسن‪ ،‬المتوكسسل على رب العالميسسن‪ ،‬أبسسي عنان‪ ،‬وصسسل ال علوه‪ ،‬وكبسست‬

‫عدوه‪ .‬فأنستني هيبته هيبة سلطان العراق‪ ،‬وحسنه حسن ملك الهند‪ ،‬وحسن أخلقه‬

‫حسسسسن خلق ملك اليمسسسن‪ ،‬وشجاعتسسسه شجاعسسسة ملك الترك‪ ،‬وحلمسسسه حلم ملك الروم‪،‬‬

‫وديانته ديانة ملك تركستان‪ ،‬وعلمه علم ملك الجاوة‪ .‬وكان بين يديه وزيره الفاضل‬

‫ذو المكارم الشهيرة والمآثسسسر الكثيرة أبسسسو زيان ابسسسن ودرار‪ ،‬فسسسسألني عسسسن الديار‬

‫المصرية‪ ،‬إذ كان قد وصل إليها فأجبته عما سأل‪ .‬وغمرني من إحسان مولنا أيده‬

‫ال تعالى بمسسا أعجزنسسي شكره‪ .‬وال ولي مكافأتسسه‪ .‬وألقيسست عصسسا التسسسيار ببلده‬

‫الشريفة‪ ،‬بعد أن تحققت بفضل النصاف أنها أحسن البلدان‪.‬لن الفواكه بها متيسرة‪،‬‬

‫والمياه والقوات غير متعذرة‪ .‬وقل إقليم يجمع ذلك‪ ،‬ولقد أحسن من قال‪:‬‬

‫الغرب أحسن أرض ولي دليل عسلسيه‬


‫والشمس تسعى إليه‬ ‫البدر يرقب مسنسه‬
‫ودراهم الغرب صغيرة وفوائدها كثيرة‪ ،‬وإذا تأملت أسعاره مع أسعار ديار مصر‬

‫والشام ظهسر لك الحسق فسي ذلك‪ ،‬ولح فضسل بلد المغرب‪ .‬فأقول‪ :‬إن لحوم الغنام‬

‫بديار مصر تباع بحساب ثماني عشرة أوقية بدرهم نقرة‪ ،‬والدرهم النقرة ستة دراهم‬

‫مسسسن دراهسسسم المغرب‪ ،‬وبالمغرب يباع اللحسسسم إذا غل سسسسعره ثمانسسسي عشرة أوقيسسسة‬

‫بدرهميسن‪ ،‬وهمسا ثلث النقرة‪ .‬وأمسا السسمن فل يوجسد بمصسر فسي أكثسر الوقات‪ .‬والذي‬
‫يسستعمله أهسل مصسر مسن أنواع الدام ل يلتفست إليسه بالمغرب‪ ،‬ولن أكثسر ذلك العدس‬

‫والحمص يطبخونه في قدور راسيات‪ ،‬ويجعلون عليه السيرج والبسل‪ ،‬وهو صنف‬

‫مسن الجلبان‪ ،‬يطبخونسه ويجعلون عليسه الزيست‪ ،‬والقرع يطبخونسه ويخلطونسه باللبسن‪،‬‬

‫والبقلة الحمقاء يطبخونهسسا كذلك‪ ،‬وأعيسسن أغصسسان اللوز يطبخونهسسا ويجعلون عليهسسا‬

‫اللبن‪ ،‬والقلقاس يطبخونه‪ .‬وهذا كله متيسر بالمغرب‪ ،‬لكن أغنى ال عنه بكثرة اللحم‬

‫والسسمن والزبسد والعسسل وسسوى ذلك‪ .‬وأمسا الخضسر فهسي أقسل الشياء ببلد مصسر‪،‬‬

‫وأمسا الفواكسه فأكثرهسا مجلوبسة مسن الشام‪ ،‬وأمسا العنسب فإذا كان رخيصساً بيسع عندهسم‬

‫ثلثة أرطال من أرطالهم بدرهم نقرة‪ ،‬ورطلهم اثنا عشرة أوقية‪ .‬وأما في بلد الشام‬

‫فالفواكسه بهسا كثيرة‪ ،‬إل أنهسا ببلد المغرب أرخسص منهسا ثمناً‪ ،‬فإن العنسب يباع بهسا‬

‫بحساب رطل من أرطالهم بدرهم نقرة‪ ،‬ورطلهم ثلثة أرطال مغربية‪ .‬وإذا رخص‬

‫ثمنسه بيسع بحسساب رطليسن بدرهسم نقرة‪ ،‬والجاص يباع بحسساب عشسر أواق بدرهسم‬

‫نقرة‪ ،‬وأمسسا الرمان والسسسفرجل فتباع الحبسسة منهمسسا بثمانيسسة قلوس‪ ،‬وهسسي درهسسم مسسن‬

‫دراهسسم المغرب‪ .‬وأمسا الخضسر فيباع بالدرهسم النقرة منهسا أقسسل ممسسا يباع فسي بلدنسسا‬

‫بالدرهسم الصسغير‪ .‬وأمسا اللحسم فيباع فيهسا الرطسل منسه مسن أرطالهسم بدرهميسن ونصسف‬

‫درهسسسم نقرة‪ .‬فإذا تأملت ذلك كله تسسسبين لك أن بلد المغرب أرخسسسص البلد أسسسسعاراً‬

‫وأكثرهسسا خيرات‪ ،‬وأعظمهسسسا مرافسسسق وفوائد‪ .‬ولقسسسد زاد ال بلد المغرب شرفًا إلى‬

‫ل إلى فضلها‪ ،‬بإمامة مولنا أمير المؤمنين‪ ،‬الذي مد ظلل المن في‬
‫شرفها‪ ،‬وفض ً‬

‫أقطارهسسا‪ ،‬وأطلع شمسسس العدل فسسي أرجائهسسا‪ ،‬وأفاض سسسحاب الحسسسان فسسي باديتهسسا‬
‫وحاضرتهسا‪ ،‬وطهرهسا مسن المفسسدين‪ ،‬وأقام بهسا رسسوم الدنيسا والديسن‪ .‬وأنسا أذكسر مسا‬

‫عاينتسسه وتحققتسسه مسسن عدله وحلمسسه وشجاعتسسه‪ ،‬واشتغاله بالعلم‪ ،‬وتفقهسسه‪ ،‬وصسسدقته‬

‫الجارية‪ ،‬ورفع المظالم‪.‬‬

‫ذكر بعض فضائل مولنا أيده ال‬

‫أمسا عدله فأشهسر مسن أن يسسطر فسي كتاب‪ .‬فمسن ذلك جلوسسه للمشتكيسن مسن رعيتسه‪،‬‬

‫وتخصسيصه يوم الجمعسة للمسساكين منهسم‪ ،‬وتقسسيمه ذلك اليوم بيسن الرجال والنسساء‪،‬‬

‫وتقديمسسه النسسساء لضعفهسسن‪ .‬فتقرأ قصسسصهن بعسسد صسسلة الجمعسسة إلى العصسسر‪ ،‬ومسسن‬

‫وصلت نوبتها نودي باسمها‪ ،‬ووقفت بين يديه الكريمتين‪ ،‬يكلمها دون واسطة‪ .‬فإن‬

‫كانست متظلمسة عجسل إنصسافها‪ ،‬أو طالبسة إحسسان وقسع إسسعافها‪ .‬ثسم إذا صسليت العصسر‬

‫قرئت قصص الرجال‪ ،‬وفعل مثل ذلك فيها‪ .‬ويحضر المجلس الفقهاء والقضاة‪ ،‬فيرد‬

‫إليهسسم ماتعلق بالحكام الشرعيسسة‪ ،‬وهذا شيسسء لم أر فسسي الملوك مسسن يفعله على هذا‬

‫التمام‪ ،‬ويظهسر فيسه مثسل هذا العدل‪ .‬فإن ملك الهنسد عيسن بعسض أمرائه لخسذ القصسص‬

‫مسن الناس‪ ،‬وتلخيصسها ورفعهسا إليسه‪ ،‬دون حضور أربابهسا بيسن يديسه‪ .‬وأمسا حلمسه فقسد‬

‫شاهدت منسسه العجائب‪ .‬فإنسسه أيده ال عفسسا عسسن الكثيسسر ممسسن تعرض لقتال عسسساكره‬

‫والمخالفسة عليسه‪ ،‬وعسن أهسل الجرائم الكبار الذيسن ل يعفسو عسن جرائمهسم إل مسن وثسق‬

‫بريه‪ .‬وعلم علم اليقين معنى قوله تعالى‪ " :‬والعافين عن الناس " قال ابن جزي‪ :‬من‬

‫أعجب ما شاهدته من حلم مولنا أيده ال‪ ،‬أني منذ قدومي على بابه الكريم في آخر‬

‫عام ثلثسة وخمسسين إلى هذا العهسد‪ ،‬وهسو أوائل عام سسبعة وخمسسين‪ ،‬لم أشاهسد أحداً‬
‫أمسسر بقتله إل مسسن قتله الشرع فسسي حسسد مسسن حدود ال تعالى قصسساص أو حرابسسة‪ ،‬هذا‬

‫على اتسسسسسسسسسسسسسسسساع المملكسسسسسسسسسسسسسسسة وانفسسسسسسسسسسسسسسسساح البلد واختلف الطوائف‪.‬‬

‫ولم يسسمع بمثسل ذلك فسي مسا تقدم مسن العصسار‪ ،‬ول فيمسا تباعسد مسن القطار‪ .‬وأمسا‬

‫شجاعته فقد علم ما كان منه في المواطن الكريمة من الثبات والقدام‪ ،‬مثل يوم قتال‬

‫بني عبد الوادي وغيرهم‪ .‬ولقد سمعت خبر ذلك اليوم ببلد السودان‪ ،‬وذكر ذلك عند‬

‫سسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلطانهم فقال‪ :‬هكذا وإل فل‪.‬‬

‫قال ابسسسن جزي‪ :‬لم يزل الملوك القدمون تتفاخسسسر بقتسسسل السسسساد وهزائم العادي‪،‬‬

‫ومولنا أيده ال كان قتل السسد أهون عليه من قتل الشاة على السد‪ ،‬فإنه لما خرج‬

‫السسسد على الجيسسش بوادي النجاريسسن مسسن المعمورة بحوز سسسل‪ ،‬وتحامتسسه البطال‪،‬‬

‫وفرت أماه الفرسسان والرجال‪ ،‬برز إليسه مولنسا أيده ال غيسر محتفسل بسه‪ ،‬ول متهيسب‬

‫منسه‪ ،‬فطعنسه بالرمسح مسا بيسن عينيسه طعنسة خسر بهسا صسريعاً لليديسن وللفسم‪ .‬وأمسا هزائم‬

‫العادي فإنهسسا اتفقسست للملوك بثبوت جيوشهسسم وإقدام فرسسسانهم‪ ،‬فيكون حسسظ الملوك‬

‫الثبوت والتحريسسض على القتال‪ .‬وأمسسا مولنسسا أيده ال فإنسسه أقدم على عدوه منفرداً‬

‫بنفسه الكريمة‪ ،‬بعد علمه بفرار الناس‪ ،‬وتحققه أنه لم يبق معه من يقاتل‪ .‬فعند ذلك‬

‫وقسع الرعسب فسي قلوب العداء‪ ،‬وانهزموا أمامسه‪ .‬فكان مسن العجائب فرار المسم أمام‬

‫واحد‪ .‬وذلك فضل ال يؤتيه من يشاء‪ ،‬والعاقبة للمتقين‪ ،‬وما هو إل ثمرة ما يمتاز به‬

‫أعلى مقامسه مسن التوكسل على ال والتفويسض إليسه‪ .‬وأمسا اشتغاله بالعلم فهسا هسو أيده ال‬
‫تعالى يعقد مجالس العلم في كل يوم بعد صلة الصبح‪ ،‬ويحضر لذلك أعلم الفقهاء‬

‫ونجباء الطلبسة بمسسجد قصسره الكريسم‪ ،‬فيقرأ بيسن يديسه تفسسير القرآن العظيسم‪ ،‬وحديسث‬

‫المصسسطفى صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪ ،‬وفروع مذهسسب مالك رضسسي ال عنسسه‪ ،‬وكتسسب‬

‫المتصسوفة‪ .‬وفسي كسل علم منهسا‪ .‬له القدح المعلى‪ ،‬يجلو مشكلتسه بنور فهمسه‪ ،‬ويلقسى‬

‫نكتسسسسه الرائقسسسسة مسسسسن حفظسسسسه‪ .‬وهذا شأن الئمسسسسة المهتديسسسسن والخلفاء الراشديسسسسن‪.‬‬

‫ولم أر من ملوك الدنيا من باغت عنايته بالعلم إلى هذه النهاية‪ .‬فقد رأيت ملك الهند‬

‫يتذاكر بين يديه بعد صلة الصبح في العلوم المعقولت خاصة‪ ،‬ورأيت ملك الجاوة‬

‫يتذاكسر بين يديسه بعسد صسلة الجمعسة فسي الفروع على مذهب الشافعسي‪ ،‬وكنت أعجب‬

‫من ملزمة ملك تركستان لصلتي العشاء الخرة والصبح في الجماعة‪ ،‬حتى رأيت‬

‫ملزمسسة مولنسسا‪ ،‬أيده ال‪ ،‬فسسي الصسسلوات كلهسسا فسسي الجماعسسة وقيام رمضان‪ " :‬وال‬

‫يختسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسص برحمتسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه مسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن يشاء " ‪.‬‬

‫قال ابسسن جزي‪ :‬لو أن عالماً ليسسس له شغسسل إل بالعلم ليلً ونهاراً‪ ،‬لم يكسسن يصسسل إلى‬

‫أدنسى مراتسب مولنسا أيده ال فسي العلوم‪ ،‬مسع اشتغاله بأمور المسة‪ ،‬وتدبيره لسسياسة‬

‫القاليسم النائيسة‪ ،‬ومباشرتسه مسن حال ملكسه مالم يباشره أحسد مسن الملوك‪ ،‬ونظره بنفسسه‬

‫في شكايات المظلومين‪ .‬ومع ذلك كله فل تقع بمجلسه الكريم مسألة علم في أي علم‬

‫كان‪ ،‬إل جل مشكلهسا‪ ،‬وباحسث فسي دقائقهسا‪ ،‬واسستخرج غوامضهسا‪ ،‬واسستدرك على‬

‫علماء مجلسسه مسا فاتهسم مسن مغلقاتهسا‪ .‬ثسم سسما أيده ال إلى العلم الشريسف التصسوفي‪،‬‬

‫ففهسم إشارات القوم‪ ،‬وتخلق بأخلقهسم‪ .‬وظهرت آثار ذلك فسي تواضعسه مسع رفعتسه‪،‬‬
‫وشفقتسه على رعيتسه‪ ،‬ورفقسه فسي أمره كله‪ .‬وأعطسى للداب حظاً جزيلً مسن نفسسه‪،‬‬

‫فاستعمل أحسنها منزعاً‪ ،‬وأعظمها موقعاً‪ ،‬وصارت عنه الرسالة الكريمة والقصيدة‬

‫اللتان بعثهما إلى الروضة الشريفة المقدسة الطاهرة‪ ،‬روضة سيد المرسلين وشفيع‬

‫المذنسبين رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬وكتبهمسا بخسط يده الذي يخجسل الروض‬

‫حسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسناً‪.‬‬

‫وذلك شيسسء لم يتعاط أحسسد مسسن ملوك الزمان إنشاءه‪ ،‬ول رام إدراكسسه‪ .‬ومسسن تأمسسل‬

‫التوقيعات الصسسادرة عنسسه أيده ال تعالى‪ ،‬وأحاط علماً بحصسسولها‪ ،‬لح له فضسسل مسسا‬

‫وهسب ال لمولنسا مسن البلغسة التسي فطره عليهسا‪ ،‬وجمسع له بيسن الطسبيعي والمكتسسب‬

‫منهسا‪ .‬وأمسا صسدقاته الجاريسة‪ ،‬ومسا أمسر بسه مسن عمارة الزوايسا بجميسع بلده لطعام‬

‫الطعام للوارد والصسسادر‪ ،‬فذلك مسسا لم يفعله أحسسد مسسن الملوك‪ ،‬غيسسر السسسلطان أتابسسك‬

‫أحمسسد‪ .‬وقسسد زاد عليسسه مولنسسا أيده ال بالتصسسدق على المسسساكين بالطعام كسسل يوم‬

‫والتصسسسسسسسسسسسسسدق بالزرع على المتسسسسسسسسسسسسسسترين مسسسسسسسسسسسسسن أهسسسسسسسسسسسسسل البيوت‪.‬‬

‫قال ابسسن جزي‪ :‬اخترع مولنسسا أيده ال فسسي الكرم والصسسدقات أموراً لم تخطسسر فسسي‬

‫الوهام‪ ،‬ول اهتدت إليها السلطين‪ .‬فمنها إجراء الصدقات على المساكين بكل بلد‬

‫من بلده علىالدوام‪ .‬ومنها تعيين الصدقة الوافرة للمسجونين في جميع البلد أيضاً‪،‬‬

‫ومنهسا كون تلك الصسدقات خبزاً مخبوزاً متيسسراً للنتفاع بسه‪ ،‬ومنهسا كسسوة المسساكين‬

‫والضعفاء والعجائز والمشايسسخ والملزميسسن للمسسساجد بجميسسع بلده‪ ،‬ومنهسسا تعييسسن‬


‫الضحايا لهؤلء الصناف في عيد الضحى‪ ،‬ومنها التصدق بما يجتمع في مجابي‬

‫أبواب بلده يوم سسبعة وعشرين مسن رمضان إكراماً لذلك اليوم الكريسم وقياماً بحقسه‪،‬‬

‫ومنهسا إطعام الناس فسي جميسع البلد ليلة المولد الكريسم‪ ،‬واجتماعهسم لقامسة رسسمه‪،‬‬

‫ومنهسسا إعذار اليتامسسى مسسن الصسسبيان وكسسسوتهم يوم عاشوراء‪ ،‬ومنهسسا صسسدقته على‬

‫الزمنى والضعفاء بأزواج الحرث‪ ،‬يقيمون بها أودهم‪ ،‬ومنها صدقته على المساكين‬

‫بحضرتسسسسسه بالطنافسسسسسس الوثيرة والقطائف الجياد يفترشونهسسسسسا عنسسسسسد رقادهسسسسسم‪.‬‬

‫وتلك مكرمة ل يعلم لها نظير‪ ،‬ومنها بناء المرستانات في كل بلد من بلده‪ ،‬وتعيين‬

‫الوقاف الكثيرة لمؤن المرضسى‪ ،‬وتعييسن الطباء لمعالجتهسم والتصسرف فسي طلبهسم‪،‬‬

‫إلى غيسسر ذلك ممسسا أبدع فيسسه مسسن أنواع المكاره‪ ،‬وضروب المآثسسر‪ ،‬كافسسأ ال أياديسسه‪،‬‬

‫وشكسسر نعمسسه‪ .‬وأمسسا رفعسسه للمظالم عسسن الرعيسسة‪ ،‬فمنهسسا الرتسسب التسسي كانسست تؤخسسذ‬

‫بالطرقات‪ ،‬أمسر أيده ال بمحسو رسسمها‪ ،‬وكان لهسا مجسبى عظيسم‪ ،‬فلم يلتفست إليسه‪ ،‬ومسا‬

‫عنسد ال خيسر وأبقسى‪ ،‬وأمسا كفسه أيدي الظلم فأمسر مشهور‪ ،‬وقسد سسمعته أيده ال يقول‬

‫لعماله‪ :‬ل تظلموا الرعيسسسسسسسسسسسسة‪ ،‬ويؤكسسسسسسسسسسسسد عليهسسسسسسسسسسسسم تلك الوصسسسسسسسسسسسسية‪.‬‬

‫قال ابن جزي‪ :‬ولو لم يكن من رفق مولنا أيده ال برعيته إلى رفعه التضييف الذي‬

‫كانست عمال الزكاة وولة البلد تأخذه مسن الرعايسا‪ ،‬لكفسى ذلك أثرًا فسي العدل ظاهراً‬

‫ونوراً في الرفق باهراً‪ ،‬فكيف وقد رفع من المظالم وبسط من المرافسق ما ل يحيط‬

‫به الحصر‪ .‬وقد صدر في أيام تصنيف هذا من أمره الكريم في الرفق بالمسجونين‪،‬‬

‫ورفع الوظائف الثقيلة التي كانت تؤخذ منهم‪ ،‬ما هو اللئق بإحسانه‪ ،‬والمعهود من‬
‫رأفتسه‪ ،‬وشمسل المسر بذلك جميسع القطار‪ ،‬وكذلك صسدر مسن التنكيسل بمسن ثبست جوره‬

‫مسسسسسسسن القضاة والحكام‪ ،‬مسسسسسسسا فيسسسسسسسه زجسسسسسسسر الظلمسسسسسسسة وردع المعتديسسسسسسسن‪.‬‬

‫وأمسسسا فعله فسسسي معاونسسسة أهسسسل الندلس على الجهاد‪ ،‬ومحافظتسسسه على إمداد الثغور‬

‫بالموال والقوات والسلح‪ ،‬وفته في عضد العدو بإعداد العدد وإظهار القوة‪ ،‬فذلك‬

‫أمر شهير‪ ،‬لم يغب علمه عن أهل المغرب والمشرق‪ ،‬ول سبق إليه أحد من الملوك‪.‬‬

‫قال ابن جزي‪ :‬حسسب المتشوف إلى علم مسا عنسد مولنسا أيده ال من سسداد القطسر إلى‬

‫المسسلمين‪ ،‬ودفاع القوم الكافريسن‪ ،‬مسا فعله فسي فداء مدينسة طرابلس أفريقيسة‪ .‬فإنهسا لمسا‬

‫اسستولى العدو عليهسا‪ ،‬ومسد يسد العدوان إليهسا‪ ،‬ورأى‪ ،‬أيده ال‪ ،‬أن بعسث الجيوش إلى‬

‫نصسسرتها ل يتأتسسى لبعسسد القطار‪ ،‬كتسسب إلى خدامسسه ببلد إفريقيسسة أن يفدوهسسا بالمال‪.‬‬

‫ففديت بخمسين ألف دينار من الذهب العين‪ .‬فلما بلغه خبر ذلك قال‪ :‬الحمد ل الذي‬

‫اسسسترجعها مسسن أيدي الكفار بهذا النزر اليسسسير‪ .‬وأمسسر للحيسسن ببعسسث ذلك العدد إلى‬

‫إفريقية‪ ،‬وعادت المدينة إلى السلم على يديه‪ .‬ولم يخطر في الوهام أن أحداً تكون‬

‫عنده خمسسة قناطيسر مسن الذهسب نزراً يسسيراً حتسى جاء بهسا مولنسا أيده ال مكرمسة‬

‫بعيدة‪ ،‬ومأثرة فائقسة‪ ،‬قسل فسي الملوك أمثالهسا وعسز عليهسم مثالها‪ .‬وممسا شاع مسن أفعال‬

‫مولنسسا أيده ال فسسي الجهاد إنشاؤه الجفان بجميسسع السسسواحل‪ ،‬واسسستكثاره مسسن عدد‬

‫البحسر‪ ،‬وهذا في زمان الصسلح والمهادنسة‪ ،‬إعداداً ليام الغزاة‪ .‬وأخذ بالحزم فسي قطع‬

‫أطماع الكفار‪ ،‬وأكسد ذلك بتوجهسه‪ ،‬أيده ال‪ ،‬بنفسسه إلى جبال جاناتسه فسي العام الفارط‬

‫ليباشسر قطسع الخشسب للنشاء‪ ،‬ويظهسر قدر مسا له بذلك مسن العتناء‪ ،‬ويتولى بذاتسه‬
‫أعمال الجهاد‪ ،‬مترجياً ثواب ال تعالى‪ ،‬وموقناً بحسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن الجزاء‪.‬‬

‫ومسسن أعظسسم حسسسناته‪ ،‬أيده ال‪ ،‬عمارة المسسسجد الجديسسد بالمدينسسة البيضاء‪ ،‬دار ملكسسه‬

‫العلي‪ ،‬وهو الذي امتاز بالحسن واتقان البناء وإشراق النور وبديع الترتيب‪ ،‬وعمارة‬

‫المدرسة الكبرى بالموضع المعروف بالقصر مما يجاور قصبه فاس‪ ،‬ول نظير لها‬

‫فسي المعمورة اتسساعاً وحسسناً وإبداعاً وكثرة ماء وحسسن وضسع‪ .‬ولم أر فسي مدارس‬

‫الشام ومصسر والعراق وخراسسان مسا يشبههسا‪ .‬وعمارة الزاويسة العظمسى على غديسر‬

‫الحمسسص‪ ،‬خارج المدينسسة البيضاء‪ ،‬فل مثسسل لهسسا أيضًا فسسي عجيسسب وضعهسسا وبديسسع‬

‫صسنعها‪ .‬وأبدع زاويسة رأيتهسا بالشرق زاويسة سسرياقص " سسرياقوس " التسي بناهسا‬

‫الملك الناصسر‪ .‬وهذه أبدع منهسا وأشسد إحكاماً وإتقاناً‪ .‬وال سسبحانه ينفسع مولنسا‪ ،‬أيده‬

‫ال‪ ،‬بمقاصسده الشريفسة‪ ،‬ويكافسئ فضائله المنيفسة‪ ،‬ويديسم للسسلم والمسسلمين أيامسه‪،‬‬

‫وينصسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسر ألويتسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه المظفرة وأعلمسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه‪.‬‬

‫ولنعسد إلى ذكسر الرحلة فنقول‪ :‬ولمسا حصسلت لي مشاهدة هذا المقام الكريسم‪ ،‬وعمنسي‬

‫فضسل إحسسانه العميسم‪ ،‬قصسدت زيارة قسبر الوالدة‪ .‬فوصسلت إلى بلدة طنجسة وزرتهسا‪،‬‬

‫وتوجهت إلى مدينة سبتة‪ ،‬فأقمت بها أشهراً‪ ،‬وأصابني بها المرض ثلثة أشهر‪ ،‬ثم‬

‫عافاني ال‪ .‬فأردت أن يكون لي حظ من الجهاد والرباط‪ ،‬فركبت البحر من سبتة في‬

‫شطسسي لهسسل أصسسيل‪ ،‬فوصسسلت إلى بلد الندلس‪ ،‬حرسسسها ال تعالى‪ ،‬حيسسث الجسسر‬

‫موفور للساكن‪ ،‬والثواب مذخور للمقيم والظاعن‪ .‬وكان ذلك إثر موت طاغية الروم‬
‫ألفونسس‪ ،‬وحصساره الجبسل عشرة أشهسر‪ ،‬وظنسه أنسه يسستولي على مسا بقسي مسن بلد‬

‫الندلس للمسسسلمين‪ .‬فأخذه ال مسسن حيسسث لم يحتسسسب‪ ،‬ومات بالوباء الذي كان أشسسد‬

‫الناس خوفاً منسه‪ .‬وأول بلد شاهدتسه مسن البلد الندلسسية جبسل الفتسح‪ .‬فلقيست بسه خطيبسه‬

‫الفاضل أبا زكريا يحيى بن السراج الرندي‪ ،‬وقاضيه عيسى البربري‪ ،‬وعنده نزلت‬

‫وتطوفست معه على الجبل‪ ،‬فرأيت عجائب ما بني بسه مولنا أبو الحسن‪ ،‬رضسي ال‬

‫عنسه‪ ،‬وأعسد فيسه مسن العدد‪ ،‬ومسا زاد على ذلك مولنسا‪ ،‬أيده ال‪ .‬وودت لو كنست ممسن‬

‫رابسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسط بسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه إلى نهايسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة العمسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسر‪.‬‬

‫ى فسسي حلوق عبدة‬


‫قال ابسسن جزي‪ :‬جبسسل الفتسسح هسسو معقسسل السسسلم المعترض شج ً‬

‫الصسنام‪ ،‬حسسنة مولنسا أبسي الحسسن‪ ،‬رضسي ال عنسه‪ ،‬المنسسوبة إليسه‪ ،‬وقربتسه التسي‬

‫قدمهسا نوراً بيسن يديسه‪ ،‬محسل عدد لجهاد‪ ،‬ومقسر آسساد الجناد‪ ،‬والثغسر الذي افتسر عسن‬

‫نصسر اليمان‪ ،‬وأذاق أهسل الندلس بعد مرارة الخوف حلوة المان‪ ،‬ومنه كان مبدأ‬

‫الفتح الكبر‪ ،‬وبه نزل طارق بن زياد‪ ،‬مولى موسى بن نصير‪ ،‬عند جوازه‪ ،‬فنسب‬

‫إليه‪ ،‬فيقال له‪ :‬جبل طارق‪ ،‬وجبل الفتح‪ ،‬لن مبدأه كان منه‪ .‬وبقايا السور الذي بناه‬

‫مسن معسه باقيسة إلى الن‪ ،‬تسسمى بسسور العرب‪ .‬شاهدتهسا أيام إقامتسي بسه عنسد حصسار‬

‫الجزيرة‪ ،‬أعادها ال‪ ،‬ثم فتحه مولنا أبو الحسن‪ ،‬رضوان ال عليه‪ ،‬واسترجعه من‬

‫أيدي الروم بعد تملكهم له عشرين سنة ونيفاً‪ ،‬وبعث إلى حصاره ولده المير الجليل‬

‫أبسسا مالك‪ ،‬وأيده بالموال الطائلة والعسسساكر الجرارة‪ .‬وكان فتحسسه بعسسد حصسسار سسستة‬

‫أشهر‪ ،‬وذلك في عام ثلثة وثلثين وسبعمائة‪ ،‬ولم يكن حينئذٍ على ما هو الن عليه‪.‬‬
‫فبنى به مولنا أبو الحسن‪ ،‬رحمة ال عليه‪ ،‬المأثرة العظمى بأعلى الحصن‪ ،‬وكانت‬

‫قبل ذلك برجاً صغيراً‪ ،‬تهدم بأحجار المجانيق‪ ،‬فبناها مكانه‪ ،‬وبنى به دار الصناعة‪،‬‬

‫ولم يكن به دار صنعة‪ ،‬وبنى السور العظم المحيط بالتربة الحمراء‪ ،‬الخذ من دار‬

‫الصنعة إلى القرمدة‪ .‬ثم جدد مولنا أمير المؤمنين أبو عنان‪ ،‬أيده ال‪ ،‬عهد تحصينه‬

‫وتحسسينه‪ ،‬وزاد بناء السسور بطرف الفتسح‪ ،‬وهسو أعظسم أسسواره غناء‪ ،‬وأعمهسا نفعاً‪.‬‬

‫وبعسث إليسه العدد الوافرة والقوات والمرافسق العامسة‪ ،‬وعامسل ال تعالى فيسه بحسسن‬

‫النية‪ ،‬وصدق الخلص‪ .‬ولما كان في الشهر الخيرة من عام ستة وخمسين‪ ،‬وقع‬

‫بجبل الفتح ما ظهر فيه أثر يقين مولنا‪ ،‬أيده ال‪ ،‬وثمرة توكله في أموره على ال‪،‬‬

‫وبان مصسداق مسا اطرد له مسن السسعادة الكافيسة‪ .‬وذلك أن عامسل الجبسل الخائن الذي‬

‫ختسسم له بالشقاء عيسسسى بسسن الحسسسن بسسن أبسسي منديسسل نزع يده المغلولة عسسن الطاعسسة‪،‬‬

‫وفارق عصمة الجماعة‪ ،‬وأظهر النفاق‪ ،‬وجمح في الغدر والشقاق‪ ،‬وتعاطى ما ليس‬

‫من رجاله‪ ،‬وعمي عن مبدأ حاله السيء ومآله‪ ،‬وتوهم الناس أن ذلك مبدأ فتنة تنفق‬

‫على إطفائهسسا كرائم الموال‪ ،‬ويسسستعد لتقائهسسا بالفرسسسان والرجال‪ .‬فحكمسست سسسعادة‬

‫مولنسسا‪ ،‬أيده ال ببطلن هذا التوهسسم‪ ،‬وقضسسى صسسدق يقينسسه بانخراق العادة فسسي هذه‬

‫الفتنسة‪ ،‬فلم تكسن إل أيام يسسيرة‪ ،‬وراجسع أهسل الجبسل بصسائرهم‪ ،‬وثاروا على الثائر‪،‬‬

‫وخالفوا الشقسسي المخالف‪ ،‬وقاموا بالواجسسب مسسن الطاعسسة‪ ،‬وقبضوا عليسسه وعلى ولده‬

‫المسساعد له فسي النفاق‪ ،‬وأتسي بهمسا مصسفدين إلى الحضرة العليسة‪ ،‬فنفسذ فيهمسا حكسم ال‬

‫في المحاربين‪ ،‬وأراح ال من شرهما‪ .‬ولما خمدت نار الفتنة أظهر مولنا‪ ،‬أيده ال‬
‫مسن العنايسة ببلد الندلس مسا لم يكسن فسي حسساب أهلهسا‪ ،‬وبعسث إلى جبسل الفتسح ولده‬

‫السسعد المبارك الرشسد أبسا بكسر‪ ،‬المدعسو مسن السسمات السسلطانية بالسسعيد‪ ،‬أسسعده ال‬

‫تعالى‪ ،‬وبعسسسسث معسسسسه أنجاد الفرسسسسسان ووجوه القبائل وكفاة الرجال‪ ،‬وأدر عليهسسسسم‬

‫الرزاق‪ ،‬ووسسسسع لهسسسم القطاع‪ ،‬وحرر بلدهسسسم مسسسن المغارم‪ ،‬وبذل لهسسسم جزيسسسل‬

‫الحسسان‪ .‬وبلغ مسن اهتمامسه بأمور الجبسل أن أمسر‪ ،‬أيده ال‪ ،‬ببناء شكسل يشبسه شكسل‬

‫الجبسل المذكور‪ ،‬فمثسل فيسه أشكال أسسواره وأبراجسه وحصسنه وأبوابسه ودار صسنعته‬

‫ومسساجده ومخازن عدده وأهريسة زرعسه وصسورة الجبسل‪ ،‬ومسا اتصسل بسه مسن التربسة‬

‫الحمراء‪ .‬فصسنع ذلك بالمشور السسعيد‪ ،‬فكان شكلً عجيباً أتقنسه الصسناع إتقاناً يعرف‬

‫قدره مسسسن شاهسسسد الجبسسسل‪ ،‬وشاهسسسد هذا المثال‪ ،‬ومسسسا ذلك إل لتشوقسسسه‪ ،‬أيده ال‪ ،‬إلى‬

‫اسسسستطلع أحواله وتهممسسسه بتحصسسسينه وإعداده‪ .‬وال تعالى يجعسسسل نصسسسر السسسسلم‬

‫بالجزيرة الغربية على يديه‪ ،‬ويحقق ما يؤمله في فتح بلد الكفار‪ ،‬وشت شمل عباد‬

‫الصسليب‪ .‬وتذكرت حيسن هذا التقييسد قول الديسب البليسغ المفلق أبسي عبسد ال محمسد بسن‬

‫غالب الرصسافي البلنسسي‪ ،‬رحمسه ال‪ ،‬فسي وصسف هذا الجبسل المبارك مسن قصسيدته‬

‫الشهيرة في مدح عبد المؤمن بن علي التي أولها‪:‬‬

‫لو جئت نار الهدى من جانب الطور قبست ما شئت من علم ومن نسور‬
‫وفيها يقول في وصف الجبل‪ ،‬وهو من البديع الذي لم يسبق إليه‪ ،‬بعد وصفه السفن‬

‫وجوازها‪:‬‬

‫حتى رمت جبل الفتحين من جبل معظم القدر في الجيال مذكور‬


‫من شامخ النف في سحنائه طلس له من الغيم جيب غير مسزرور‬
‫في الجو حائمة مثسل السدنسانسير‬ ‫تمسي النجوم على تكليل مفسرقسه‬
‫بكل فضل على فوديه مسجسرور‬ ‫فربما مسسحستسه مسن ذوائبسهسا‬
‫منه معاجسم أعسواد السدهسارير‬ ‫وادردٍ من ثسنساياه بسمسا أخسذت‬
‫وساقها سوق حادي العير للسعسير‬ ‫محنك حسلسب اليام أشسطسرهسا‬
‫عجيب أمر به من ماضٍ ومنظور‬ ‫مقيد الخطو جوال الخواطسر فسي‬
‫قد واصل الصمت والطراق مفتكراً بادي السكينة مغسبسر السسارير‬
‫خوف الوعيدين من دك وتسسسيير‬ ‫كأنه مسكسمسد مسمسا تسعسبسده‬
‫أن يطمئن غداً من كل مسحسذور‬ ‫أخلق به وجبسال الرض راجسفة‬
‫ثسسسسسسسم اسسسسسسسستمر فسسسسسسسي قصسسسسسسسيدته على مدح عبسسسسسسسد المؤمسسسسسسسن بسسسسسسسن علي‪.‬‬

‫قال ابن جزي‪ :‬ولنعد إلى كلم الشيخ أبي عبد ال قال‪ :‬ثم خرجت من جبل الفتح إلى‬

‫مدينسة رندة‪ ،‬وهسي مسن أمنسع معاقسل المسسلمين وأجملهسا وضعاً‪ ،‬وكان قائدهسا إذ ذاك‬

‫الشيسخ أبسو الربيسع سسليمان بسن داود العسسكري‪ ،‬وقاضيهسا ابسن عمسي الفقيسه أبسو القاسسم‬

‫محمد بن يحيى بن بطوطة‪ .‬ولقيت بها الفقيه القاضي الديب أبا الحجاج يوسف بن‬

‫موسسسى المنتشاقري‪ ،‬وأضافنسسي بمنزله‪ ،‬ولقيسست بهسسا أيضاً خطيبهسسا الصسسالح الحاج‬

‫الفاضسل أبسا إسسحاق إبراهيسم المعروف بالشندرخ‪ ،‬المتوفسى بعسد ذلك بمدينسة سسل مسن‬

‫بلد المغرب‪ ،‬ولقيت بها جماعة من الصالحين منهم عبد ال الصفار وسواه‪ .‬وأقمت‬

‫بهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا خمسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة أيام‪.‬‬

‫ثسسم سسسافرت منهسسا إلى مدينسسة مربلة‪ ،‬والطريسسق فيمسسا بينهمسسا صسسعب شديسسد الوعورة‪،‬‬

‫ومربلة بليدة حسسنة خصسبة‪ .‬ووجدت بهسا جماعسة مسن الفرسسان متوجهيسن إلى مالقسة‪،‬‬

‫فأردت التوجه في صحبتهم‪ .‬ثم إن ال تعالى عصمني بفضله فتوجهوا قبلي‪ ،‬فأسروا‬

‫فسي الطريسق‪ ،‬كمسا سسنذكره‪ .‬وخرجست فسي أثرهسم‪ ،‬فلمسا جاوزت حوز مربلة‪ ،‬ودخلت‬

‫فسسي حوز سسسهيل‪ ،‬مررت بفرس ميسست فسسي بعسسض الخنادق‪ ،‬ثسسم مررت بقفسسة حوات‬

‫مطروحسسة بالرض‪ ،‬فرابنسسي ذلك‪ ،‬وكان أمامسسي برج الناظور‪ .‬فقلت فسسي نفسسسي‪ :‬لو‬
‫ظهسر هسا هنسا عدو لنذر بسه صساحب البرج‪ .‬ثسم تقدمست إلى دار هنالك‪ ،‬فوجدت فرسساً‬

‫مقتولً‪ .‬فبينمسا أنسا هنالك‪ ،‬إذا سسمعت الصسياح مسن خلفسي‪ ،‬وكنست قسد تقدمست أصسحابي‪،‬‬

‫فعدت إليهسسم‪ ،‬فوجدت معهسسم قائد حصسسن سسسهيل‪ ،‬فأعلمنسسي أن أربعسسة أجفان للعدو‬

‫ظهرت هنالك‪ ،‬ونزل بعسض عمارتهسا إلى البر‪ .‬ولم يكسن الناظور‪ .‬بالبرج‪ ،‬فمسر بهسم‬

‫الفرسسسان الخارجون مسسن مربلة‪ ،‬وكانوا اثنسسي عشسسر‪ ،‬فقتسسل النصسسارى أحدهسسم‪ ،‬وفسسر‬

‫واحسد‪ ،‬وأسسر العشرة‪ .‬وقتسل معهسم رجسل حوات‪ ،‬وهسو الذي وجدت قفتسه مطروحسة‬

‫بالرض‪ .‬وأشار علي ذلك القائد بالمبيت معه في موضعه ليوصلني منه إلى مالقة‪،‬‬

‫فبست عنده بحصسن الرابطسة المنسسوب إلى سسهيل‪ .‬والجفان المذكورة مرسساة عليسه‪.‬‬

‫وركب معي بالغد‪ ،‬فوصلنا إلى مدينة مالقة‪ ،‬إحدى قواعد الندلس‪ ،‬وبلدها الحسان‬

‫جامعسة بيسن مرافسسق البر والبحسسر‪ ،‬كثيرة الخيرات والفواكسه‪ .‬رأيست العنسب يباع فسسي‬

‫أسواقها بحساب ثمانية أرطال بدرهم صغير‪ .‬ورمانها المرسي الياقوتي ل نظير له‬

‫في الدنيا‪ .‬وأما التين واللوز فيجلبان منها ومن أحوازها إلى بلد المشرق والمغرب‪.‬‬

‫قال ابسن جزي‪ :‬وإلى ذلك أشار الخطيسب أبسو محمسد عبسد الوهاب بسن علي المالقسي فسي‬

‫قوله‪ ،‬وهو من مليح التجنيس‪:‬‬

‫فالفلك من أجلك يأتينهسا‬ ‫مالقة حسييت ياتسينسهسا‬


‫نهى طبيبي عنك في علة ما لطبيبي عن حياتي نهى‬
‫وذيلها قاضي الجماعة أبو عبد ال بن عبد الملك بقوله في قصد المجانسة‪:‬‬

‫وحمص ل تنس لها تينها واذكر مع التين زياتينها‬


‫وبمالقسة يصنع الفخار المذهسب العجيب‪ ،‬ويجلب منها إلى أقاصسي البلد‪ .‬ومسسجدها‬

‫كسبير السساحة‪ ،‬شهيسر البركسة‪ ،‬وصسحنه ل نظيسر له فسي الحسسن‪ ،‬فيسه أشجار النارنسج‬
‫البعيدة‪ .‬ولمسا دخلت مالقسة‪ ،‬وجدت قاضيهسا الخطيسب الفاضسل أبسا عبسد ال ابسن خطيبهسا‬

‫الفاضسل أبسي جعفسر ابسن خطيبهسا ولي ال تعالى أبسي عبسد ال الطنجالي قاعداً بالجامسع‬

‫العظسم‪ ،‬ومعسه الفقهاء ووجوه الناس‪ ،‬يجمعون مالً برسسم فداء السسارى الذيسن تقدم‬

‫ذكرهسم‪ .‬فقلت له‪ :‬الحمسد ل الذي عافانسي‪ ،‬ولم يجعلنسي منهسم‪ .‬وأخسبرته بمسا اتفسق لي‬

‫بعدهم‪ ،‬فعجب من ذلك‪ ،‬وبعث إلي بالضيافة‪ ،‬رحمه ال‪ .‬وأضافني أيضاً خطيبها أبو‬

‫عبسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسد ال السسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسساحلي المعروف بالمعمسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسم‬

‫ثسم سسافرت منهسا إلى مدينسة بلش‪ ،‬وبينهمسا أربعسة وعشرون ميلً‪ .‬وهسي مدينسة حسسنة‪،‬‬

‫بها مسجد عجيب‪ ،‬وفيها العناب والفواكه والتين‪ ،‬كمثل ما بمالقة‪ .‬ثم سافرنا منها‬

‫إلى الحمسة‪ ،‬وهسي بلدة صسغيرة‪ ،‬لهسا مسسجد بديسع الوضسع عجيسب البناء‪ .‬وبهسا العيسن‬

‫الحارة على ضفسة واديهسا‪ ،‬وبينهسا وبيسن البلد ميسل أو نحوه‪ .‬وهنالك بيست لسستحمام‬

‫الرجال‪ ،‬وبيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسست لسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسستحمام النسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسساء‪.‬‬

‫ثم سافرت منها إلى مدينة غرناطة‪ ،‬قاعدة بلد الندلس ‪ ،‬وعروس مدنها‪ ،‬وخارجها‬

‫ل نظيسر له فسي بلد الدنيسا‪ ،‬وهسو مسسيرة أربعيسن ميلً‪ ،‬يخترقسه نهسر شنيسل المشهور‪،‬‬

‫وسواه من النهار الكثيرة‪ ،‬والبساتين والجنان والرياض والقصور‪ .‬والكروم محدقة‬

‫بهسسا مسسن كسسل جهسسة‪ .‬ومسسن عجيسسب مواضعهسسا عيسسن الدمسسع‪ ،‬وهسسو جبسسل فيسسه الرياض‬

‫والبسساتين‪ ،‬ل مثسل لهسا بسسواها‪ .‬قال ابسن جزي‪ :‬لول خشيست أن أنسسب إلى العصسبية‬

‫لطلت القول في وصف غرناطة‪ ،‬فقد وجدت مكانه‪ .‬ولكن ما اشتهر كاشتهارها‪ ،‬ل‬

‫معنسى لطالة القول فيسه‪ .‬ول در شيخنا أبسي بكر محمسد بسن أحمسد بن شيرين البسستي‪،‬‬
‫نزيل غرناطة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫يسر حزينساً أو يجسير طسريدًا‬ ‫رعى ال من غرناط ٍة مستسبسوأ‬


‫تبرم منها صاحبي عند مسا رأى مسارحها بالثلج عسدن جسلسيدا‬
‫هي الثغر‪ ،‬صان ال من أهلت به وما خير ثغر ل يكسون بسرودا‬

‫ذكر سلطان غرناطة‬

‫وكان ملك غرناطسة فسي عهسد دخولي إليها السسلطان أبسا الحجاج يوسسف بن السسلطان‬

‫أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر‪ .‬ولم ألقه بسبب مرض‬

‫كان به‪ .‬وبعثت إلى والدته الحرة الصالحة الفاضلة بدنانير ذهب ارتفقت بها‪ .‬ولقيت‬

‫بغرناطسة جملة مسن فضلئهسا‪ ،‬منهسم قاضسي الجماعسة بهسا الشريسف البليسغ أبسو القاسسم‬

‫محمد بن أحمد بن محمد الحسيني السبتي‪ ،‬ومنهم فقيهها المدرس الخطيب العالم أبو‬

‫عبسد ال محمسد بسن إبراهيسم البيانسي‪ ،‬ومنهسم قاضيهسا وعالمهسا ومقرئهسا الخطيسب أبسو‬

‫سعيد فرج بن قاسم‪ ،‬الشهير بابن لب‪ ،‬ومنهم قاضي الجماعة‪ ،‬نادرة العصر وطرفة‬

‫الدهسر أبسو البركات محمسد بسن محمسد بسن إبراهيسم السسلمي البلعبعسي‪ .‬قدم عليهسا مسن‬

‫المرية في تلك اليام‪ ،‬فوقع الجتماع به في بستان بالفقيه أبي القاسم محمد ابن الفقيه‬

‫الكاتسسسسب الجليسسسسل أبسسسسي عبسسسسد ال بسسسسن عاصسسسسم‪ .‬واقمنسسسسا هنالك يوميسسسسن وليلة‪.‬‬

‫قال ابن جزي‪ :‬كنت معهم في ذلك البستان‪ ،‬ومتعنا الشيخ أبو عبد ال بأخبار رحلته‪،‬‬

‫وقيدت عنه أسماء العلم الذين لقيهم فيها‪ ،‬واستفدنا منه الفوائد العجيبة‪ .‬وكان معنا‬

‫جملة مسن وجوه أهسل غرناطسة‪ ،‬منهسم الشاعسر المجيسد الغريسب الشأن أبسو جعفسر أحمسد‬

‫بن رضوان بن عبد العظيم الجذامي‪ .‬ولهذا الفتى أمر عجيب‪ ،‬فإنه نشأ بالبادية‪ ،‬ولم‬
‫يطلب العلم‪ ،‬ول مارس الطلبسة‪ .‬ثسم إنسه نبسغ بالشعسر الجيسد الذي يندر وقوعسه مسن كبار‬

‫البلغاء وصدور الطلبة مثل قوله‪:‬‬

‫يا من اختار فؤادي منزلً بابه العين التي ترمقسه‬


‫فتح الباب سهادي بعدكم فابعثوا طيفكم يغلسقسه‬
‫ولقيست بغرناطسة الشيوخ والمتصسوفين منهسم الفقيسه أبسا علي عمسر بسن الشيسخ الصسالح‬

‫الولي أبسي عبسد ال محمسد بسن المحروق‪ ،‬وأقمست أياماً بزاويتسه التسي بخارج غرناطسة‪،‬‬

‫وأكرمنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسي أشسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسد الكرام‪.‬‬

‫وتوجهت معه إلى زيارة الزاوية الشهيرة البركة المعروفة برابطة العقاب‪ ،‬والعقاب‬

‫جبسسل مطسسل على خارج غرناطسسة‪ ،‬وبينهمسسا نحسسو ثمانيسسة أميال‪ ،‬وهسسو مجاور لمدينسسة‬

‫التيرة الخربسة‪ .‬ولقيست أيضاً ابسن أخيسه الفقيسه أبسا الحسسن علي بسن أحمسد بسن المحروق‬

‫بزاويتسسه المنسسسوبة للجام‪ ،‬بأعلى ربسسض نجسسد‪ ،‬مسسن خارج غرناطسسة‪ ،‬المتصسسل بجبسسل‬

‫السسسسسسسسسسسسسسبيكة‪ ،‬وهسسسسسسسسسسسسسو شيسسسسسسسسسسسسسخ المتسسسسسسسسسسسسسسببين مسسسسسسسسسسسسسن الفقراء‪.‬‬

‫وبغرناطة جملة من فقراء العجم‪ ،‬استوطنوها لشبهها ببلدهم‪ .‬ومنهم الحاج أبو عبد‬

‫ال السسمرقندي‪ ،‬والحاج أحمسد التسبريزي‪ ،‬والحاج إبراهيسم القونوي‪ ،‬والحاج حسسين‬

‫الخراسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسساني والحاجان علي ورشيدي الهنديان‪ ،‬وسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسواهم‪.‬‬

‫ثم رحلت من غرناطة إلى الحمة‪ ،‬ثم إلى بلش‪ ،‬ثم إلى مالقة‪ ،‬ثم إلى حصن ذكوان‪،‬‬

‫وهو حصن حسن كثير المياه والشجار والفواكه‪ ،‬ثم سافرت منه إلى رندة‪ ،‬ثم إلى‬

‫قريسة بنسي رياح‪ .‬فأنزلنسي شيخهسا أبسو الحسسن علي بسن سسليمان الرياحسي‪ ،‬وهسو أحسد‬
‫كرماء الرجال وفضلء العيان‪ ،‬يطعسم الصسادر والوارد‪ ،‬وأضافنسي ضيافسة حسسنة‪.‬‬

‫ثم سافرت إلى جبل الفتح‪ ،‬وركبت البحر في الجفن الذي جزت فيه أولً‪ ،‬وهو لهل‬

‫أصسيل‪ ،‬فوصسلت إلى سسبتة‪ .‬وكان قائدهسا إذ ذاك الشيسخ أبسو مهدي عيسسى بسن سسليمان‬

‫بسن منصسور‪ ،‬وقاضيهسا الفقيسه أبسا محمسد الزجندري‪ .‬ثسم سسافرت منهسا إلى أصسيل‪،‬‬

‫وأقمست بهسا شهوراً‪ .‬ثسم سسافرت منهسا إلى مدينسة سسل‪ ،‬فوصسلت إلى مدينسة مراكسش‪.‬‬

‫وهسسي مسسن أجمسسل المدن‪ ،‬فسسسيحة الرجاء‪ ،‬متسسسعة القطار‪ .‬كثيرة الخيرات‪ ،‬بهسسا‬

‫المسساجد الضخمسة‪ ،‬كمسسجدها العظسم المعروف بمسسجد الكتسبيين‪ ،‬وبهسا الصسومعة‬

‫الهائلة العجيبة‪ ،‬صعدتها‪ ،‬وظهر لي جميع البلد منها‪ .‬وقد استولى عليه الخراب‪ .‬فما‬

‫شبهتسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه إل بغداد‪ ،‬إل أن أسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسواق بغداد أحسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن‪.‬‬

‫وبمراكسش المدرسسة العجيبسة التسي تميزت بحسسن الوضسع وإتقان الصسنعة وهسي مسن‬

‫بناء المام مولنسا أميسر المسسلمين أبسي الحسسن رضوان ال عليسه‪ .‬قال ابسن جزي‪ :‬فسي‬

‫مراكش يقول قاضيها المام التاريخي أبو عبد ال محمد بن عبد الملك الوسي‪:‬‬

‫وحبذا أهلها السادات من سسكسن‬ ‫ل مراكش الغسراء مسن بسلسد‬


‫ان حلها نازح الوطان مغتسرب أسلوه بالنس عن أهل وعن وطن‬
‫بين الحديث بها أو العسيان لسهسا ينشأ التحاسد بين السعسين والذن‬
‫ثسم سسافرنا مسن مراكسش‪ ،‬صسحبة الركاب العلي‪ ،‬ركاب مولنسا أيده ال‪ ،‬فوصسلنا إلى‬

‫مدينسة سسل‪ ،‬ثسم إلى مدينسة مكناسسة العجيبسة الخضرة النضرة ذات البسساتين والجنات‪،‬‬

‫المحيطة بها بحائر الزيتون من جميع نواحيها‪ .‬ثم وصلنا إلى حضرة فاس‪ ،‬حرسها‬

‫ال تعالى‪ ،‬فوادعست بهسا مولنسا أيده ال‪ ،‬وتوجهست برسسم السسفر إلى بلد السسودان‪،‬‬

‫فوصسلت إلى مدينسة سسجلماسة‪ .‬وهسي مسن أحسسن المدن‪ ،‬وبهسا التمسر الكثيسر الطيسب‪،‬‬
‫وتشبههسا مدينسة البصسرة فسي كثرة التمسر‪ .‬لكسن تمسر سسجلماسة أطيسب‪ ،‬وصسنف إيرار‬

‫منسه ل نظيسر له فسي البلد‪ .‬ونزلت منهسا عنسد الفقيسه أبسي محمسد البشري‪ ،‬وهسو الذي‬

‫لقيت أخاه بمدينة قنجنفو من بلد الصين‪ .‬فيا شد ما تباعدا‪ ،‬فأكرمني غاية الكرام‪،‬‬

‫واشتريسسسسسسسسسسسست بهسسسسسسسسسسسسا الجمال‪ ،‬وعلفتهسسسسسسسسسسسسا أربعسسسسسسسسسسسسة أشهسسسسسسسسسسسسر‪.‬‬

‫ثم سافرت في غرة شهر ال المحرم سنة ثلث وخمسين‪ ،‬في رفقة مقدمها أبو محمد‬

‫يندكان المسسسوفي رحمسسه ال تعالى‪ ،‬وفيهسسا جماعسسة مسسن تجار سسسجلماسة وغيرهسسم‪.‬‬

‫فوصسلنا بعسد خمسسة وعشريسن يوماً إلى تغازى‪ ،‬وضبسط اسسمها " بفتسح التاء المثناة‬

‫والغين المعجم وألف وزاي مفتوح أيضاً "‪ ،‬وهي قرية لخير فيها‪ .‬ومن عجائبها أن‬

‫بناء بيوتهسا ومسسجدها مسن حجارة الملح‪ ،‬وسسقفها مسن جلول الجمال‪ .‬ول شجسر بهسا‪،‬‬

‫إنمسا هسي رمسل فسي معدن الملح‪ ،‬يحفسر عليسه فسي الرض‪ ،‬فيوجسد منسه ألواح ضخام‬

‫متراكبسة‪ ،‬كأنهسا قسد نحتست ووضعست تحست الرض‪ ،‬يحمسل الجمسل منهسا لوحيسن‪ .‬ول‬

‫يسسكنها إل عبيسد مسسوفة‪ ،‬وهسم الذيسن يحفرون على الملح‪ ،‬ويتعيشون بمسا يجلب إليهسم‬

‫مسسن تمسسر درعسسة وسسسجلماسة‪ ،‬ومسسن لحوم الجمال‪ ،‬ومسسن أنلي المجلوب مسسن بلد‬

‫السسسودان‪ ،‬ويصسسل السسسودان مسسن بلدهسسم‪ ،‬فيحملون منهسسا الملح‪ .‬ويباع الحمسسل منسسه‬

‫بأيوالتن بعشرة مثاقيل إلى ثمانية‪ ،‬وبمدينة مالي بثلثين مثقالً إلى عشرين‪ ،‬وربما‬

‫انتهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسى إلى أربعيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن مثقالً‪.‬‬

‫وبالملح يتصسسارف السسسودان‪ ،‬كمسسا يتصسسارف بالذهسسب والفضسسة‪ .‬يقطعونسسه قطعاً‪،‬‬

‫ويتبايعون به‪ .‬وقرية تغازى على حقارتها يتعامل فيها بالقناطير المقنطرة من التبن‪.‬‬
‫وأقمنا بها عشرة أيام في جهد‪ ،‬لن ماءها زعاق‪ .‬وهي أكثر المواضع ذباباً‪ ،‬ومنها‬

‫يرفسع الماء لدخول الصسحراء التسي بعدهسا‪ .‬وهسي مسسيرة عشرة‪ ،‬ل ماء فيهسا إل فسي‬

‫النادر‪ .‬ووجدنسا نحسن بهسا ماء كثيرًا فسي غدران أبقاهسا المطسر‪ .‬ولقسد وجدنسا فسي بعسض‬

‫اليام غديراً بيسن تليسن مسن حجارة‪ ،‬ماؤه عذب‪ ،‬فتروينسا منسه‪ ،‬وغسسلنا ثيابنسا‪ .‬والكمأة‬

‫بتلك الصسحراء كثيرة‪ ،‬ويكثسر القمسل بهسا‪ ،‬حتسى يجعسل الناس فسي أعناقهسم خيوطًا فيهسا‬

‫الزئبق‪ ،‬فيقتلها‪ .‬وكنا في تلك اليام نتقدم أمام القافلة‪ ،‬فإذا وجدنا مكاناً يصلح للرعي‬

‫رعينا الدواب به‪ .‬ولم نزل كذلك حتى ضاع في الصحراء رجل يعرف بابن زيري‪،‬‬

‫فلم أتقدم بعد ذلك‪ ،‬ول تأخرت‪ .‬وكان ابن زيري وقعت بينه وبين ابن خاله‪ ،‬ويعرف‬

‫بابن عدي منازعة ومشاتمة‪ ،‬فتأخر عن الرفقة‪ ،‬فضل‪ .‬فلما نزل الناس‪ ،‬لم يظهر له‬

‫خبر‪ .‬فأشرت على ابن خاله بأن يكتري من مسوفة‪ ،‬من يقص أثره لعله يجده فأبى‪،‬‬

‫وانتدب فسي اليوم الثانسي رجسل مسن مسسوفة دون أجرة لطلبسه‪ ،‬فوجسد أثره‪ ،‬وهسو يسسلك‬

‫الجادة طوراً‪ ،‬ويخرج عنهسا تارة‪ ،‬ولم يقسع له على خسبر‪ .‬ولقسد لقينسا قافلة فسي طريقنسا‪،‬‬

‫فأخبرونسسا أن بعسسض رجال انقطعوا عنهسسم‪ .‬فوجدنسسا أحدهسسم ميتاً تحسست شجيرة مسسن‬

‫أشجار الرمسسل‪ ،‬وعليسسه ثيابسسه‪ ،‬وفسسي يده سسسوط‪ .‬وكان الماء على نحسسو ميسسل منسسه‪ .‬ثسسم‬

‫وصسسلنا إلى تاسسسرهل " بفتسسح التاء المثناة والسسسين المهمسسل والراء وسسسكون الهاء "‪،‬‬

‫وهسي احسساء ماء‪ ،‬تنزل القوافسل عليهسا‪ ،‬ويقيمون ثلثسة أيام‪ .‬فيسستريحون ويصسلحون‬

‫أسسقيتهم ويملونهسا بالماء ويخيطون عليهسا التلليسس خوف الريسح‪ ،‬ومن هنالك يبعسث‬

‫التكشيف‪.‬‬
‫ذكر التكشيف‬

‫التكشيسف اسسم لكسل رجسل مسن مسسوفة يكتريسه أهسل القافلة‪ ،‬فيتقدم إلى أيوالتسن يكتسب‬

‫الناس إلى أصحابهم بها‪ ،‬ليكتروا لهم الدور‪ ،‬ويخرجون للقائهم بالماء‪ ،‬مسيرة أربع‪.‬‬

‫ومسسن لم يكسسن له صسساحب بأيوالتسسن‪ ،‬كتسسب إلى مسسن شهسسر بالفضسسل مسسن التجار بهسسا‪،‬‬

‫فيشاركسه فسي ذلك‪ .‬وربمسا هلك التكشيسف فسي هذه الصسحراء‪ ،‬فل يعلم أهسل أيوالتسن‬

‫بالقافلة‪ ،‬فيهلك أهلهسسا‪ ،‬أو الكثيسسر منهسسم‪ .‬وتلك الصسسحراء كثيرة الشياطيسسن‪ ،‬فإن كان‬

‫التكشيسف منفرداً لعبست بسه‪ ،‬واسستهوته حتسى يضسل عسن قصسده فيهلك‪ ،‬إذ ل طريسق‬

‫يظهر بها ول أثر‪ ،‬إنما هي رمال تسفيها الريح‪ ،‬فترى جبالً من الرمل في مكان‪ ،‬ثم‬

‫تراها قد انتقلت إلى سواه‪ ،‬والدليل هنالك من كثر تردده‪ ،‬وكان له قلب ذكي‪ .‬ورأيت‬

‫مسن العجائب أن الدليسل الذي كان لنسا هسو أعور العيسن الواحدة‪ ،‬مريسض الثانيسة‪ ،‬وهسو‬

‫أعرف الناس بالطريسق‪ .‬واكترينسا التكشيسف فسي هذه السسفرة بمائة مثقال مسن الذهسب‪،‬‬

‫وهو من مسوفة‪ .‬وفي ليلة اليوم السابع رأينا نيران الذين خرجوا للقائنا‪ ،‬فاستبشرنا‬

‫بذلك‪ .‬وهذه الصحراء منيرة مشرقة‪ ،‬ينشرح الصدر فيها‪ ،‬وتطيب النفس‪ .‬وهي آمنة‬

‫مسن السسراق‪ .‬والبقسر الوحشيسة بهسا كثيراً‪ ،‬يأتسي القطيسع منهسا حتسى يقرب مسن الناس‬

‫فيصسسطادونه بالكلب والنشاب‪ .‬لكسسن لحمهسسا يولد أكله العطسسش‪ ،‬فيتحاماه كثيسسر مسسن‬

‫الناس لذلك‪ .‬ومسسن العجائب أن هذه البقرة إذا قتلت‪ ،‬وجسسد فسسي كروشهسسا الماء‪ .‬ولقسسد‬

‫رأيت أهل مسوفة يعصرون الكرش منها‪ ،‬ويشربون الماء الذي فيه‪ .‬والحيات أيضاً‬

‫بهذه الصحراء كثيرة‪.‬‬


‫حكاية‬

‫وكان فسسي القافلة تاجسسر تلمسسساني يعرف بالحاج زيان‪ .‬ومسسن عادتسسه أن يقبسسض على‬

‫الحيات‪ ،‬ويعبسث بهسا‪ .‬وكنست أنهاه عسن ذلك‪ ،‬فل ينتهسي‪ .‬فلمسا كان ذات يوم أدخسل يده‬

‫في حجر ضب ليخرجه‪ ،‬فوجد مكانه حية‪ ،‬فأخذها بيده‪ .‬وأراد الركوب‪ ،‬فلسعته في‬

‫سبابته اليمنى‪ ،‬وأصابه وجع شديد‪ .‬فكويت يده‪ ،‬وزاد ألمه عشي النهار‪ ،‬فنحر جملً‬

‫وأدخسل يده في كرشه وتركها كذلك ليلة‪ ،‬ثم تناثر لحم إصبعه‪ ،‬فقطعها من الصسل‪.‬‬

‫وأخبرنسا أهسل مسسوفة ان تلك الحيسة كانست قسد شربست الماء قبسل لسسعه‪ ،‬ولو لم تكسن‬

‫شربت لقتلته‪ .‬ولما وصل إلينسا الذيسن اسستقبلونا بالماء شربت خيلنا‪ .‬ودخلنا صحراء‬

‫شديدة الحر‪ ،‬ليست كالتي عهدنا‪ .‬وكنا نرحل بعد صلة العصر‪ ،‬ونسري الليل كله‬

‫وننزل عند الصباح‪ .‬وتأتي الرجال من مسوفة وبردامة وغيرهم بأحمال الماء للبيع‪.‬‬

‫ثم وصلنا إلى مدينة إيوالتن في غرة شهر ربيع الول‪ ،‬بعد سفر شهرين كاملين من‬

‫سجلماسة‪ .‬وهي أول عمالة السودان‪ ،‬ونائب السلطان بها فربا حسين‪ ،‬وفربا " بفتح‬

‫الفاء وسسكون الواو وفتسح الباء الموحدة " ومعناه النائب‪ .‬ولمسا وصسلناها جعسل التجار‬

‫أمتعتهسم فسي رحبسة‪ ،‬وتكفسل لسسودان بحفظهسا‪ ،‬وتوجهوا إلى الفربسا‪ ،‬وهسو جالس على‬

‫بسساط فسي سسقيف‪ ،‬أعوانسه بيسن يديسه بأيديهسم الرماح والقسسي‪ ،‬وكسبراء مسسوفة مسن‬

‫ورائه‪ .‬ووقف التجار بين يديه‪ ،‬وهو يكلمهم بترجمان على قربهم منه‪ ،‬احتقاراً لهم‪.‬‬

‫فعند ذلك ندمت على قدومي بلدهم‪ ،‬لسوء أدبهم‪ ،‬واحتقارهم للبيض‪ .‬وقصدت دار‬

‫ابسن بداء‪ ،‬وهسو رجسل فاضسل مسن أهسل سسل‪ ،‬كنست كتبست له أن يكتري لي داراً‪ ،‬ففعسل‬
‫ذلك‪ .‬ثسم إن مشرف أيوالتسن‪ ،‬ويسسمى منشاجسو‪ " ،‬بفتسح الميسم وسسكون النون وفتسح‬

‫الشين المعجم والف وجيم مضموم وواو " استدعى من جاء في القافلة إلى ضيافته‪،‬‬

‫فأبيست حضور ذلك‪ .‬فعزم الصسحاب علي أشسد العزم‪ ،‬فتوجهست فيمسن توجسه‪ .‬ثسم أتسي‬

‫بالضيافسة‪ ،‬وهسي جريسش أنلي مخلوطاً بيسسير عسسل ولبسن‪ ،‬قسد وضعوه فسي نصسف‬

‫قرعسة صسيروه شبسه الجفنسة‪ ،‬فشرب الحاضرون وانصسرفوا‪ .‬فقلت لهسم‪ :‬ألهذا دعانسا‬

‫السود ? قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬وهي الضيافة الكبيرة عندهم‪ .‬فأيقنت حينئذ أن ل خير يرتجى‬

‫منهسم‪ ،‬وأردت أن أسسافر مسع حجاج أيوالتسن‪ ،‬ثسم ظهسر لي أن أتوجسه لمشاهدة حضرة‬

‫ملكهسم‪ .‬وكانست إقامتسي بأيوالتسن نحسو خمسسين يوماً‪ .‬وأكرمنسي أهلهسا‪ ،‬وأضافونسي‪.‬‬

‫منهسسم قاضيهسسا محمسسد بسسن عبسسد ال بسسن ينومسسر‪ ،‬وأخوه الفقيسسه المدرس يحيسسى‪ .‬وبلدة‬

‫أيوالتن شديدة الحر‪ ،‬وفيها يسير نخيلت‪ ،‬يزرعون في ظللها البطيخ‪ .‬وماؤهم من‬

‫أحسساء بها‪ ،‬ولحسم الضأن كثيسر بهسا‪ .‬وثياب أهلها حسسان مصسرية‪ ،‬وأكثر السسكان بهسا‬

‫من مسوفة‪ .‬ولنسائها الجمال الفائق‪ ،‬وهن أعظم شأناً من الرجال‪.‬‬

‫ذكر مسوفة الساكنين بأيوالتن‬

‫وشأن هؤلء القوم عجيسسب‪ ،‬وأمرهسسم غريسسب‪ ،‬فأمسسا رجالهسسم فل غيرة لديهسسم‪ ،‬ول‬

‫ينتسسب أحدهسم إلى أبيسه‪ ،‬بسل ينتسسب لخاله‪ ،‬ول يرث الرجسل إل أبناء أختسه دون بنيسه‪.‬‬

‫وذلك شيء ما رأيته في الدنيا إل عند كفار بلد المليبار من الهنود‪ .‬وأما هؤلء فهم‬

‫مسسسلمون محافظون على الصسسلوات وتعلم الفقسسه وحفسسظ القرآن‪ .‬وأمسسا نسسساؤهم فل‬

‫يحتشمسن مسن الرجال‪ ،‬ول يحتجبسن مسع مواظبتهسن على الصسلوات‪ .‬ومسن أراد التزوج‬
‫منهسن تزوج‪ ،‬لكنهسن ل يسسافرن مسع الزوج‪ ،‬ولو أرادت إحداهسن ذلك لمنعهسا أهلهسا‪.‬‬

‫والنسسساء هنالك يكون لهسسن الصسسدقاء والصسسحاب مسسن الرجال الجانسسب‪ ،‬وكذلك‬

‫للرجال صسواحب مسن النسساء الجنسبيات‪ .‬ويدخسل أحدهسم داره‪ ،‬فيجسد امرأتسه ومعهسا‬

‫صسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسساحبها‪ ،‬فل ينكسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسر ذلك‪.‬‬

‫حكايسة دخلت يوماً على القاضسي بأيوالتسن بعسد إذنسه فسي الدخول‪ ،‬فوجدت عنده امرأة‬

‫صغيرة السن بديعة الحسن‪ ،‬فلما رأيتها ارتبت وأردت الرجوع‪ ،‬فضحكت مني ولم‬

‫يدركها خجل‪ .‬وقال لي القاضي‪ :‬لم ترجع ? إنها صاحبتي‪ .‬فعجبت من شأنهما‪ ،‬فإنه‬

‫مسسن الفقهاء الحجاج‪ ،‬واخسسبرت أنسسه اسسستأذن السسسلطان فسسي الحسسج فسسي ذلك العام مسسع‬

‫صسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسساحبته‪ ،‬ل أدري‪ ،‬أهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسي هذه أم ل ? فلم يأذن له‪.‬‬

‫حكايسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة نحوهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا‬

‫دخلت يوماً على أبسي محمسد يندكان المسسوفي الذي قدمنسا فسي صسحبته‪ ،‬فوجدتسه قاعداً‬

‫على بسسساط‪ ،‬وفسسي وسسسط داره سسسرير مظلل‪ ،‬عليسسه امرأة معهسسا رجسسل قاعسسد‪ ،‬وهمسسا‬

‫يتحدثان‪ .‬فقلت له‪ :‬مسسن هذه المرأة ? فقال‪ :‬هسسي زوجتسسي‪ .‬فقلت‪ :‬ومسسن الرجسسل الذي‬

‫معها ? فقال‪ :‬هو صاحبها‪ .‬فقلت له‪ :‬أترضى بهذا ? وأنت قد سكنت بلدنا‪ ،‬وعرفت‬

‫أمور الشرع‪ .‬فقال لي‪ :‬مصساحبة النسساء للرجال عندنسا على خيسر وأحسسن طريقسة‪ ،‬ل‬

‫تهمة فيها‪ ،‬ولسن كنساء بلدكم‪ .‬فعجبت من رعونته‪ ،‬وانصرفت عنه‪ ،‬فلم أعد إليه‬

‫بعدهسا‪ .‬واسستدعاني فسي مرات‪ ،‬فلم أجبسه‪ .‬ولمسا عزمست على السسفر إلى مالي‪ ،‬وبينهسا‬

‫وبيسن أيوالتسن مسسيرة أربعسة وعشريسن يوماً للمجسد‪ ،‬اكتريست دليلً مسن مسسوفة‪ ،‬إذ ل‬
‫حاجسة إلى السسفر فسي رفقسة إل مسن تلك الطريسق‪ ،‬وخرجست فسي ثلثسة مسن أصسحابي‪.‬‬

‫وتلك الطريسسق كثيرة الشجار‪ ،‬وأشجارهسسا عاديسسة ضخمسسة‪ ،‬تسسستظل القافلة بظسسل‬

‫الشجرة منها‪ ،‬وبعضها ل أغصان لها ول ورق‪ ،‬لكن ظل جسدها بحيث يستظل به‬

‫النسسان‪ ،‬وبعسض تلك الشجار قسد اسستأسن داخلهسا‪ ،‬واسستنقع فيسه ماء المطسر‪ ،‬فكأنهسا‬

‫بئر‪ ،‬ويشرب الناس من الماء الذي فيها‪ .‬ويكون في بعضها النحل والعسل‪ ،‬فيشتاره‬

‫الناس منها‪ .‬ولقد مررت بشجرة منها‪ .‬فوجدت في داخلها رجلً حائكاً‪ ،‬قد نصب بها‬

‫مرمتسسه‪ ،‬وهسسو ينسسسج‪ .‬فعجبسست منسسه‪ .‬قال ابسسن جزي‪ :‬إن ببلد الندلس شجرتيسسن مسسن‬

‫شجر القسطل‪ ،‬في جوف كل واحدة منهما حائك‪ ،‬ينسج الثياب إحداهما بسندا وادي‬

‫آش‪ ،‬والخرى ببشارة غرناطسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة‪.‬‬

‫وفسي أشجار هذه الغابسة التسي بيسن أيوالتسن ومالي مسا يشبسه ثمرة الجاص‪ ،‬والتفاح‬

‫والخوخ والمشمسش‪ ،‬وليسست بهسا‪ .‬وفيهسا أشجار تثمسر شبسه الفقوس‪ ،‬فإذا طاب انفلق‬

‫عن شيء شبه الدقيق‪ ،‬فيطبخونه ويأكلونه‪ ،‬ويباع بالسواق‪ .‬ويستخرجون من هذه‬

‫الرض حبات كالفول‪ ،‬فيقلونهسا ويأكلونهسا‪ ،‬وطعمهسا كطعسم الحمسص المقلو‪ .‬وربمسا‬

‫طحنوها وصنعوا منها شبه السفنج‪ ،‬وقلوه بالغرتي‪ ،‬والغرتي " بفتح الغين المعجم‬

‫وسسسسكون الراء وكسسسسر التاء المثناة " هسسسو ثمسسسر كالجاص‪ ،‬شديسسسد الحلوة مضسسسر‬

‫بالبيضان إذا أكلوه‪ ،‬ويدق عظمسه‪ ،‬فيسستخرج منسه زيست لهسم فيسه منافسع‪ ،‬فمنهسا أنهسم‬

‫يطبخون بسه‪ ،‬ويسسرجون السسرج ويقلون بسه هذا السسفنج‪ ،‬ويدهنون بسه‪ ،‬ويخلطونسه‬

‫بتراب عندهسم‪ ،‬ويسسطحون بسه الدور‪ ،‬كمسا تسسطح بالجيسر‪ .‬وهسو عندهسم كثيسر متيسسر‪،‬‬
‫ويحمسل مسن بلد إلى بلد فسي قرع كبار‪ ،‬تسسع القرعسة منهسا قدر مسا تسسعه القلة ببلدنسا‪.‬‬

‫والقرع ببلد السسسودان يعظسسم‪ ،‬ومنسسه يصسسنعون الجفان‪ .‬يقطعون القرعسسة نصسسفين‪،‬‬

‫فيصسسنعون منهسسا جفنتيسسن‪ ،‬وينقشونهسسا نقشاً حسسسناً‪ .‬وإذا سسسافر أحدهسسم يتبعسسه عسسبيده‬

‫وجواريسسه‪ ،‬يحملون فرشسسه وأوانيسسه التسسي يأكسسل ويشرب فيهسسا‪ ،‬وهسسي مسسن القرع‪.‬‬

‫والمسسافر بهذه البلد ل يحمسل زاداً ول إداماً ول ديناراً ول درهماً‪ .‬إنمسا يحمسل قطسع‬

‫الملح‪ ،‬وحلي الزجاج الذي يسسميه الناس النظسم‪ ،‬وبعسض السسلع العطريسة‪ .‬وأكثسر مسا‬

‫يعجبهسم منهسا القرنفسل والمصسطكي وتاسسرغنت‪ ،‬وهسو بخورهسم‪ ،‬فإذا وصسل قريسة‪،‬‬

‫جاءت نسسساء السسسودان بأنلي واللبسسن والدجاج ودقيسسق النبسسق والرز والفونسسي‪ ،‬وهسسو‬

‫كحسب الخردل يصسنع مسن الكسسكسو‪ ،‬والعصسيدة‪ ،‬ودقيسق اللوبيسا‪ ،‬فيشتري منهسن مسا‬

‫أحسب مسن ذلك‪ .‬إل أن الرز يضسر أكله بالبيضان‪ ،‬والفونسي خيسر منسه‪ .‬وبعسد مسسيرة‬

‫عشرة أيام مسن أيوالتسن وصسلنا إلى قريسة زاغري " وضبطهسا بفتسح الزاي والغيسن‬

‫المعجم وكسر الراء "‪ ،‬وهي قرية كبيرة يسكنها تجار السودان‪ ،‬ويسمون ونجراته "‬

‫بفتح الواو وسكون النون وفتح الجيم والراء والف وتاء مثناة وتاء تأنيث "‪ ،‬ويسكن‬

‫معهم جماعة من البيضان‪ ،‬يذهبون مذهب الباضية من الخوارج‪ ،‬ويسمون صغنغو‬

‫" بفتسح الصساد المهمسل والغيسن المعجسم الول والنون وضسم الغيسن الثانسي وواو "‪،‬‬

‫والسنيون المالكيون من البيض يسمون عندهم توري " بضم التاء المثناة وواو وراء‬

‫مكسسسسسسسسسسسسسورة "‪ .‬ومسسسسسسسسسسسسن هذه القريسسسسسسسسسسسسة يجلب أنلي إلى أيوالتسسسسسسسسسسسسن‪.‬‬


‫ثسم سسرنا مسن زاغري فوصسلنا إلى النهسر العظسم‪ ،‬وهسو النيسل وعليسه بلدة كارسسخو "‬

‫بفتسح الكاف وسسكون الراء وفتسح السسين المهمسل وضسم الخاء المعجسم وواو "‪ ،‬والنيسل‬

‫ينحدر منهسسا إلى كابرة " بفتسسح الباء الموحدة والراء "‪ ،‬ثسسم إلى زاغسسة " بفتسسح الزاي‬

‫والغيسن المعجسم "‪ ،‬ولكابرة وزاغسة سسلطانان يؤديان الطاعسة لملك مالي‪ .‬وأهسل زاغسة‬

‫قدماء في السلم‪ .‬ولهم ديانة وطلب للعلم‪ ،‬ثم ينحدر النيل من زاغة إلى تنبكتو‪ ،‬ثم‬

‫إلى كوكسسو‪ ،‬وسسسنذكرهما‪ ،‬ثسسم إلى بلدة مولي " بضسسم الميسسم وكسسسر اللم " مسسن بلد‬

‫الليمييسن‪ ،‬وهسي آخسر عمالة مالي‪ ،‬ثسم إلى يوفسي واسسمها " بضسم الياء آخسر الحروف‬

‫وواو مكسورة "‪ ،‬وهي من أكبر بلد السودان‪ ،‬وسلطانها من أعظم سلطينهم‪ .‬ول‬

‫يدخلهسا البيسض مسن الناس‪ ،‬لنهسم يقتلونسه قبسل الوصسول إليهسا‪ ،‬ثسم ينحدر إلى بلد‬

‫النوبسة‪ ،‬وهسم على دين النصسراينة‪ ،‬ثسم إلى دنقلة‪ ،‬وهسي أكسبر بلدهسم " وضبطهسا ضسم‬

‫الدال والقاف وسسكون النون بينهمسا وفتسح اللم "‪ ،‬وسسلطانها يدعسي بابسن كنسز الديسن‪،‬‬

‫أسلم على أيام الملك الناصر‪ ،‬ثم ينحدر إلى جنادل‪ ،‬وهي آخر عمالة السودان‪ ،‬وأول‬

‫عمالة أسوان من صعيد مصر‪ ،‬ورأيت التمساح بهذا الموضع من النيل بالقرب من‬

‫السسساحل‪ ،‬كأنسسه قارب صسسغير‪ .‬ولقسسد نزلت يوماً إلى النيسسل لقضاء حاجسسة‪ ،‬فإذا بأحسسد‬

‫السسودان قسد جاء‪ ،‬ووقسف فيمسا بينسي وبيسن النهسر‪ .‬فعجبست مسن سسوء أدبسه‪ .‬وقلة حيائه‪،‬‬

‫وذكرت ذلك لبعض الناس فقال‪ :‬إنما يفعل ذلك خوفاً عليك من التمساح‪ ،‬فحال بينك‬

‫وبينسه‪ .‬ثسم سسرنا مسن كارسسخو فوصسلنا إلى نهسر صسنصرة " بفتسح الصسادين المهمليسن‬

‫والراء وسسكون النون "‪ ،‬وهسو على نحسو عشرة أميال مسن مالي‪ .‬وعادتهسم أن يمنسع‬
‫الناس من دخولها إل بإذن‪ .‬وكنت كتبت قبل ذلك لجماعة البيضان‪ ،‬وكبيرهم محمد‬

‫بسسن الفقيسسه الجزولي‪ ،‬وشمسسس الديسسن بسسن النقويسسش المصسسري‪ ،‬ليكتروا لي داراً‪ ،‬فلمسسا‬

‫وصلت إلى النهر المذكور‪ ،‬جزت في المعدية‪ ،‬ولم يمنعني أحد‪ ،‬فوصلت إلى مدينة‬

‫مالي حضرة ملك السسسسودان‪ ،‬فنزلت عنسسسد مقبرتهسسسا‪ ،‬ووصسسسلت إلى محلة البيضان‪،‬‬

‫وقصسسدت محمسسد بسن الفقيسسه‪ ،‬فوجدتسسه قسسد اكترى لي داراً إزاء داره‪ ،‬فتوجهسست إليهسا‪.‬‬

‫وجاء صسهره الفقيسه المقرئ عبسد الواحسد بشمعسة وطعام‪ ،‬ثسم جاء ابسن الفقيسه إلي مسن‬

‫الغسد وشمسس الديسن بن النقويسش‪ ،‬وعلي الزودي المراكشسي‪ ،‬وهسو مسن الطلبسة‪ ،‬ولقيست‬

‫القاضسسي بمالي عبسسد الرحمسسن‪ ،‬جاءنسسي وهسسو مسسن السسسودان‪ ،‬حاج فاضسسل‪ ،‬له مكارم‬

‫أخلق‪ ،‬بعث إلي بقرة في ضيافته‪ .‬ولقيت الترجمان دوغا " بضم الدال وواو وغين‬

‫معجم "‪ ،‬وهو من أفاضل السودان وكبارهم‪ ،‬وبعث إلي بثور‪ ،‬وبعث إلي الفقيه عبد‬

‫الواحسسد غرارتيسسن مسسن الفونسسي‪ ،‬وقرعسسة مسسن الغرتسسي‪ ،‬وبعسسث إلي ابسسن الفقيسسه الرز‬

‫والفونسسي‪ ،‬وبعسسث إلي شمسسس الديسسن ضيافسسة وقاموا بحقسسي أتسسم قيام‪ .‬شكسسر ال حسسسن‬

‫أفعالهسم‪ .‬وكان ابسن الفقيسه متزوجاً ببنست عسم السسلطان‪ ،‬فكانست تتفقدنسا بالطعام وغيره‪.‬‬

‫وأكلنا بعد عشرة أيام من وصولنا عصيدة تصنع شيء شبه القلقاس‪ ،‬يسمى القافي "‬

‫بقاف والف وفاء "‪ ،‬وهسسسسي عندهسسسسم مفضلة على سسسسسائر الطعام‪ .‬فأصسسسسبحنا جميعاً‬

‫مرضسسى‪ ،‬وكنسسا سسستة‪ .‬فمات أحدنسسا‪ ،‬وذهبسست أنسسا لصسسلة الصسسبح‪ ،‬فغشسسي علي فيهسسا‪،‬‬

‫وطلبسست مسسن بعسسض المصسسريين دواء مسسسهلً فأتسسى بشيسسء يسسسمى بيدر " بفتسسح الباء‬

‫الموحدة وتسكين الياء آخر الحروف وفتح الدال المهمل وراء "‪ ،‬وهو عروق نبات‪،‬‬
‫وخلطه بالنيسون والسكر‪ ،‬ولته بالماء فشربته‪ ،‬وتقيأت ما أكلته مع صفراء كثيرة‪.‬‬

‫وعافاني ال من الهلك‪ .‬ولكني مرضت شهرين‪.‬‬

‫ذكر سلطان مالي‬

‫وهسو السسلطان منسسى سسليمان‪ ،‬ومنسسى " بفتسح الميسم وسسكون النون وفتسح السسين‬

‫المهمل " معناه السلطان‪ ،‬وسليمان اسمه وهو ملك بخيل ل يرجى منه كبير عطاء‪،‬‬

‫واتفسق أنسي أقمست هذه المدة ولم أره بسسبب مرضسي‪ ،‬ثسم إنسه صسنع له طعاماً برسسم‬

‫عزاء مولنسسا أبسسي الحسسسن رضسسي ال عنسسه‪ ،‬واسسستدعى المراء والفقهاء والقاضسسي‬

‫والخطيب‪ ،‬وحضرت معهم فأتوا بالربعات وختم القرآن‪ ،‬ودعوا لمولنا أبي الحسن‬

‫رحمسه ال‪ ،‬ودعوا المنسسى سسليمان‪ ،‬ولمسا فرغ مسن ذلك‪ ،‬تقدمست فسسلمت على منسسى‬

‫سسليمان‪ ،‬وأعلمسه القاضسي والخطيسب وابسن الفقيسه بحالي‪ ،‬فأجابهسم بلسسانهم فقالوا لي‪:‬‬

‫يقول لك السلطان‪ :‬اشكر ال فقلت‪ :‬الحمد ل‪ ،‬والشكر على كل حال‪.‬‬

‫ذكر ضيافتهم التافهة وتعظيمهم لها‬

‫ولما انصرفت بعث إلي الضيافة فوجهت إلى دار القاضي‪ ،‬وبعث القاضي بها مع‬

‫رجاله إلى دار ابسن الفقيسه‪ .‬فخرج ابسن الفقيسه مسن داره مسسرعاً‪ ،‬حافسي القدميسن‪ ،‬فدخسل‬

‫علي وقال‪ :‬قم‪ ،‬قد جاءك قماش السلطان وهديته‪ .‬فقمت‪ ،‬وظننت أنها الخلع والموال‬

‫فإذا هسي ثلثسة أقراص مسن الخبسز وقطعسة لحسم بقري مقلو بالغرتسي وقرعسة فيهسا لبسن‬

‫رائب‪ ،‬فعندمسا رأيتهسا ضحكست‪ ،‬وطال تعجسبي مسن ضعسف عقولهسم‪ ،‬وتعظيمهسم لهذا‬

‫الشيء الحقير‪.‬‬
‫ذكر كلمي للسلطان بعد ذلك وإحسانه إلي‬

‫وأقمت بعد بعث هذه الضيافة شهرين‪ ،‬لم يصل إلي فيهما شيء من قبل السلطان‪.‬‬

‫ودخسل شهسر رمضان‪ ،‬وكنست خلل ذلك أتردد إلى المشور‪ ،‬وأسسلم عليسه‪ ،‬وأقعسد مسع‬

‫القاضسي والخطيسب‪ ،‬فتكلمست مسع دوغسا الترجمان‪ ،‬فقال‪ :‬تكلم عنده‪ ،‬وأنسا أعسبر عنسك‬

‫بمسسا يجسسب فجلس فسسي أوائل رمضان‪ ،‬وقمسست بيسسن يديسسه‪ ،‬وقلت له إنسسي سسسافرت بلد‬

‫الدنيسا‪ ،‬ولقيست ملوكهسا‪ ،‬ولي ببلدك أربعسة أشهسر‪ ،‬ولم تضفنسي‪ ،‬ول أعطيتنسي شيئاً‪.‬‬

‫فماذا أقول عنسك عنسد السسلطين ? فقال‪ :‬إنسي لم أرك‪ ،‬ول علمست بسك فقام القاضسي‬

‫وابن الفقيه فردا عليه‪ ،‬وقال‪ :‬إنه قد سلم عليك‪ ،‬وبعثت إليه الطعام فأمر لي عند ذلك‬

‫بدار أنزل بها‪ ،‬ونفقة تجري علي ثم فرق على القاضي والخطيب والفقهاء مالً‪ ،‬ليلة‬

‫سسبع وعشريسن مسن رمضان‪ ،‬يسسمونه الزكاة وأعطانسي معهسم ثلثسة وثلثيسن مثقالً‬

‫وثلثاً وأحسن إلي عند سفري بمائة مثقال ذهباً‪.‬‬

‫ذكر جلوسه بقبته‬

‫وله قبسة مرتفعسة بابهسا بداخسل داره‪ ،‬يقعسد فيهسا أكثسر الوقات ولهسا مسن جهسة المشور‬

‫طبقات ثلث مسسن الخشسسب‪ ،‬مغطاة بصسسفائح الفضسسة‪ ،‬وتحتهسسا ثلث مغشاة بصسسفائح‬

‫الذهب‪ ،‬أو هي فضة مذهبة‪ ،‬وعليها ستور ملف فإذا كان يوم جلوسه بالقبة‪ ،‬رفعت‬

‫السستور فعلم أنسه يجلس‪ .‬فإذا جلس أخرج من شباك إحدى الطاقات شرابسة حريسر‪ ،‬قسد‬

‫ربسسسط فيهسسسا منديسسسل مصسسسري مرقوم‪ ،‬فإذا رأى الناس المنديسسسل‪ ،‬ضربسسست الطبال‬

‫والبواق‪ ،‬ثسسم يخرج مسسن باب القصسسر نحسسو ثلثمائة مسسن العبيسسد‪ ،‬فسسي أيدي بعضهسسم‬
‫القسسي‪ ،‬وفسي أيدي بعضهسم الرماح الصسغار والدرق‪ ،‬فيقسف أصسحاب الرماح منهسم‬

‫ميمنسة وميسسرة‪ ،‬ويجلس أصسحاب القسسي كذلك ثسم يؤتسى بفرسسين مسسرجين ملجميسن‪،‬‬

‫ومعهمسسسسسسسسسسسسسسا كبشان‪ ،‬يذكرون أنهمسسسسسسسسسسسسسسا ينفعان مسسسسسسسسسسسسسسن العيسسسسسسسسسسسسسسن‪.‬‬

‫وعنسد جلوسسه يخرج ثلثسة مسن عسبيده مسسرعين‪ ،‬فيدعون نائبسه قنجاه موسسى وتأتسي‬

‫الفراريسسسة " بفتسسسح الفاء "‪ ،‬وهسسسم المراء‪ ،‬ويأتسسسي الخطيسسسب والفقهاء‪ ،‬فيقعدون أمام‬

‫السسسلحدارية يمنسسة ويسسسرة فسسي المشور‪ ،‬ويقسسف دوغسسا الترجمان على باب المشور‪،‬‬

‫وعليه الثياب الفاخرة من الزردخانة وغيرها‪ ،‬وعلى رأسه عمامة ذات حوا شٍ‪ ،‬لهم‬

‫فسي تعميمهسا صسنعة بديعسة‪ ،‬وهسو متقلد سسيفاً غمده مسن الذهسب‪ ،‬وفسي رجليسه الخسف‬

‫والمهاميسسز‪ ،‬ول يلبسسس أحسسد ذلك اليوم خفاً غيره‪ .‬ويكون فسسي يده رمحان صسسغيران‬

‫أحدهمسسسسسا مسسسسسن ذهسسسسسب‪ ،‬والخسسسسسر مسسسسسن فضسسسسسة‪ ،‬وأسسسسسسنتهما مسسسسسن الحديسسسسسد‪.‬‬

‫ويجلس الجناد والولة والفتيان ومسسوفة وغيرهسم خارج المشور‪ ،‬فسي شارع هنالك‬

‫متسسسع‪ ،‬فيسسه أشجار وكسسل فراري بيسسن يديسسه أصسسحابه بالرماح والقسسسي والطبال‬

‫والبواق‪ ،‬بوقاتهسم مسن أنياب الفيلة‪ ،‬وآلت الطرب المصسنوعة مسن القصسب والقرع‬

‫وتضرب بالسطاعة‪ ،‬ولها صوت عجيب وكسل فراري له كنانة قد علقها بين كتفيه‪،‬‬

‫وقوسه بيده‪ ،‬وهو راكب فرسه‪ ،‬وأصحابه بين مشاة وركبان ويكون بداخل المشور‬

‫تحست الطيقان رجسل واقسف‪ ،‬فمسن أراد أن يكلم السسلطان كلم دوغسا‪ ،‬ويكلم دوغسا لذلك‬

‫الواقف‪ ،‬ويكلم الواقف السلطان‪.‬‬


‫ذكر جلوسه بالمشور‬

‫ويجلس أيضًا فسسي بعسسض اليام بالمشور‪ ،‬وهنالك مصسسطبة تحسست شجرة لهسسا ثلث‬

‫درجات‪ ،‬يسسمونها البنسبي " بفتسح الباء المعقودة الولى وكسسر الثانيسة وسسكون النون‬

‫بينهما "‪ ،‬وتفرش بالحرير‪ ،‬ويجعل المخاد عليها‪ ،‬ويرفع الشطر‪ ،‬وهو شبه قبة من‬

‫الحرير‪ ،‬وعليه طائر من ذهب على قدر البازي‪ ،‬ويخرج السلطان من باب في ركن‬

‫القصر‪ ،‬وقوسه بيده‪ ،‬وكنانته بين كتفيه‪ ،‬وعلى رأسه شاشية ذهب‪ ،‬مشدودة بعصابة‬

‫ذهسب‪ ،‬لهسا أطراف مثسل السسكاكين رقاق‪ ،‬طولهسا أزيسد مسن شسبر‪ ،‬وأكثسر لباسسه جبسة‬

‫حمراء موبرة‪ ،‬من الثياب الرومية التي تسمى المطنفس‪ ،‬ويخرج بين يديه المغنون‪،‬‬

‫بأيديهسسم قنابر الذهسسب والفضسسة‪ ،‬وخلفسسه نحسسو ثلثمائة مسسن العبيسسد أصسسحاب السسسلح‪.‬‬

‫ويمشسي مشياً رويداً‪ ،‬ويكثسر التأنسي وربمسا وقسف‪ ،‬فإذا وصسل إلى البنسبي وقسف ينظسر‬

‫في الناس‪ ،‬ثم يصعد برفق‪ ،‬كما يصعد الخطيب المنبر وعند جلوسه تضرب الطبول‬

‫والبواق والنفار‪ ،‬ويخرج ثلثسسة مسسن العبيسسد مسسسرعين‪ ،‬فيدعون النائب والفراريسسة‪،‬‬

‫فيدخلون ويجلسسسون ويؤتسسى بالفرسسسين والكبشيسسن معهمسسا‪ ،‬ويقسسف دوغسسا على الباب‪،‬‬

‫وسائر الناس في الشارع تحت الشجار‪.‬‬

‫ذكر تذلل السودان لملكهم‬

‫وتتريبهم له وغير ذلك من أحوالهم‬

‫والسسودان أعظسم الناس تواضعاً لملكهسم‪ ،‬وأشدهسم تذللً له ويحلفون باسسمه فيقولون‪:‬‬

‫منسسى سسليمان كسي‪ ،‬فإذا دعسا بأحدهسم عنسد جلوسسه بالقبسة لتسي ذكرناهسا‪ ،‬نزع المدعسو‬
‫ثيابسه‪ ،‬ولبسس ثياباً خلقسة‪ ،‬ونزع عمامتسه‪ ،‬وجعسل شاشسسة وسسخة‪ ،‬ودخسل رافعاً ثيابسه‬

‫وسسسراويله إلى نصسف سسساقه‪ ،‬وتقدم بذلة ومسسكنة‪ ،‬وضرب الرض بمرفقيسه ضرباً‬

‫شديداً‪ ،‬ووقسسسسسسسسسسسسسسسسسسف كالراكسسسسسسسسسسسسسسسسسسع يسسسسسسسسسسسسسسسسسسسمع كلمسسسسسسسسسسسسسسسسسسه‪.‬‬

‫وإذا كلم أحدهسم السسلطان‪ ،‬فرد عليسه جوابسه‪ ،‬كشسف ثيابسه عسن ظهره‪ ،‬ورمسى بالتراب‬

‫على رأسسه وظهره‪ ،‬كمسا يفعسل المغتسسل بالماء‪ ،‬وكنست أعجسب منهسم‪ ،‬كيسف ل تعمسى‬

‫أعينهسسم‪ .‬وإذا تكلم السسسلطان فسسي مجلسسسه بكلم‪ ،‬وضسسع الحاضرون عمائمهسسم عسسن‬

‫رؤوسسهم‪ ،‬وأنصستوا للكلم‪ ،‬وربمسا قام أحدهسم بيسن يديسه‪ ،‬فيذكسر أفعاله فسي خدمتسه‪،‬‬

‫ويقول‪ :‬فعلت كذا يوم كذا‪ ،‬وقتلت كذا يوم كذا‪ ،‬فيصسدقه مسن علم ذلك وتصسديقهم أن‬

‫ينزع أحدهسسم وتسسر قوسسسهم‪ ،‬ثسسم يرسسسلها‪ ،‬كمسسا يفعسسل إذا رمسسى‪ ،‬فإذا قال له السسسلطان‪:‬‬

‫صسسدقت‪ ،‬أو شكره‪ ،‬نزع ثيابسسه وترب وتربسسع‪ ،‬وذلك عندهسسم مسسن الدب‪ .‬قال ابسسن‬

‫جزي‪ ،‬وأخبرني الصاحب العلمة الفقيه أبو القاسم بن رضوان أعزه ال أنه لما قدم‬

‫الحاج موسى الونجراتي رسولً من منسى سليمان إلى مولنا أبي الحسن رضي ال‬

‫عنه‪ ،‬كان إذا دخل المجلس الكريم‪ ،‬حمل بعض ناسه معه قفة تراب فيترب لهما قال‬

‫له مولناً كلماً حسناً‪ ،‬كما يفعل ببلده‪.‬‬

‫ذكر فعله في صلة العيد وأيامه‬

‫وحضرت بمالي عيدي الضحى والفطسر فخرج الناس إلى المصلى‪ ،‬وهو بمقربسة‬

‫مسن قصسر السسلطان‪ ،‬وعليهسم الثياب البيسض الحسسان‪ ،‬وركسب السسلطان‪ ،‬وعلى رأسسه‬

‫الطيلسسان والسسودان ل يلبسسون الطيلسسان إل فسي العيسد‪ ،‬مسا عدا القاضسي والخطيسب‬
‫والفقهاء‪ ،‬فإنهسم يلبسسونه فسي سسائر اليام وكانوا يوم العيسد بيسن يدي السسلطان‪ ،‬وهسم‬

‫يهللون ويكسبرون‪ ،‬وبيسن يديسه العلمات الحمسر مسن الحريسر‪ ،‬ونصسب عنسد المصسلى‬

‫خباء فدخسل السسلطان إليسه وأصسلح مسن شأنسه ثسم خرج إلى المصسلى‪ ،‬فقضيست الصسلة‬

‫والخطبة‪ ،‬ثم نزل الخطيب‪ ،‬وقعد بين يدي السلطان‪ ،‬وتكلم بكلم كثير وهنالك رجل‬

‫بيده رمسسح‪ ،‬يسسبين للناس بلسسسانهم كلم الخطيسسب‪ ،‬وذلك وعسسظ وتذكيسسر وثناء على‬

‫السلطان‪ ،‬وتحريض على لزوم طاعته‪ ،‬وأداء حقه‪ .‬ويجلس السلطان في أيام الهيدين‬

‫بعسد العصسر على البنسبي ويأتسي السسلحدارية بالسسلح العجيسب مسن تراكسش الذهسب‬

‫والفضسة والسسيوف المحلة بالذهسب وأغمادهسا منسه ورماح الذهسب والفضسة ودبابيسس‬

‫البلور‪ ،‬ويقف على رأسه أربعة من المراء‪ ،‬يشردون الذباب‪ ،‬وفي أيديهم حلية من‬

‫الفضة‪ ،‬تشبه ركاب السرج ويجلس الفرارية والقاضي والخطيب على العادة‪ ،‬ويأتي‬

‫دوغسا الترجمان بنسسائه الربسع وجواريسه‪ ،‬وهسن نحسو مائة عليهسن الملبسس الحسسان‪،‬‬

‫وعلى رؤوسهن عصائب الذهب والفضة‪ ،‬فيها مفاتيح ذهب وفضة‪ ،‬وينصب لدوغا‬

‫كرسسي يجلس عليسه‪ ،‬ويضرب باللة التسي هسي مسن قصسب‪ ،‬وتحتهسا قريعات ويغنسي‬

‫بشعسر يمدح السسلطان فيسه‪ ،‬ويذكسر غزواتسه وأفعاله‪ ،‬ويغنسي النسساء والجواري معسه‪،‬‬

‫ويلعبسن بالقسسي‪ ،‬ويكون معسه نحسو ثلثيسن مسن غلمانسه‪ ،‬عليهسم جباب الملف والحمسر‪،‬‬

‫وفي رؤوسهم الشواشي البيض وكل واحد منهم متقلد طبله يضربه ثم يأتي أصحابه‬

‫مسن الصسبيان‪ ،‬فيلعبون ويتقلبون فسي الهواء كمسا يفعسل السسندي‪ ،‬ولهسم فسي ذلك رشاقسة‬

‫وخفسة بديعسة‪ ،‬ويلعبون بالسسيوف أجمسل لعبٍس ويلعسب دوغسا بالسسيف لعباً بديعاً‪ .‬وعنسد‬
‫ذلك يأمسر السسلطان له بالحسسان‪ ،‬فيأتسي بصسرة فيهسا مائتسا مثقال مسن التسبر‪ ،‬وينثسر مسا‬

‫فيهسا على رؤوس الناس وتقوم الفراريسة‪ ،‬فينزعون فسي قسسيهم شكرًا للسسلطان وبالغسد‬

‫يعطى كل واحد منهم لدوغا عطاء على قدره وفي كل يوم جمعة بعد العصر‪ ،‬يفعل‬

‫دوغا مثل هذا الترتيب الذي ذكرناه‪.‬‬

‫ذكر الضحوكة في إنشاد الشعراء للسلطان‬

‫وإذا كان يوم عيد‪ ،‬وأتم دوغا لعبه‪ ،‬جاء الشعراء‪ ،‬ويسمون الجل " بضم الجيم "‪،‬‬

‫وأحدهم جالي‪ ،‬وقد دخل كل واحد منهم في جوف صورة مصنوعة من الريش تشبه‬

‫الشقشاق‪ ،‬وجعسل لهسا رأس مسن الخشسب له منقار أحمسر كأنسه رأس الشقشاق‪ ،‬ويقفون‬

‫بيسن يدي السسلطان بتلك الهيئة المضحكسة‪ ،‬فينشدون أشعارهسم‪ .‬وذكسر لي أن شعرهسم‬

‫نوع مسسن الوعسسظ‪ ،‬يقولون فيسسه للسسسلطان‪ :‬إن هذا البنسسبي الذي عليسسه جلس فوقسسه مسسن‬

‫الملوك فلن‪ ،‬وكان مسن حسسن أفعاله كذا‪ ،‬وفلن كان مسن أفعاله كذا‪ ،‬فافعسل أنست مسن‬

‫الخيسر مسا يذكسر بعدك‪ .‬ثسم يصسعد كسبير الشعراء على درج البنسبي‪ ،‬ويضسع رأسسه فسي‬

‫حجر السلطان‪ ،‬ثم يصعد إلى أعلى البنبي فيضع رأسه على كتف السلطان اليمن‪،‬‬

‫ثسم على كتفسه اليسسر‪ ،‬وهسو يتكلم بلسسانهم‪ ،‬ثسم ينزل‪ .‬وأخسبرت أن هذا الفعسل لم يزل‬

‫قديماً عندهسسسسسسسسسسسسسم قبسسسسسسسسسسسسسل السسسسسسسسسسسسسسلم‪ ،‬فاسسسسسسسسسسسسسستمروا عليسسسسسسسسسسسسسه‪.‬‬

‫حكاية وحضرت مجلس السلطان في بعض اليام‪ ،‬فأتى أحد فقهائهم‪ ،‬وكان قدم من‬

‫بلد بعيدة‪ ،‬وقام بيسسن يدي السسسلطان‪ ،‬وتكلم كلماً كثيراً فقام القاضسسي فصسسدقه‪ ،‬ثسسم‬

‫صسدقهما السسلطان فوضسع كسل واحسد منهسم عمامتسه عسن رأسسه‪ ،‬وترب بيسن يديسه وكان‬
‫إلى جانسسبي رجسسل مسسن البيضان‪ ،‬فقال‪ :‬أتعرف مسسا قالوه ? فقلت‪ :‬ل أعرف فقال‪ :‬إن‬

‫الفقيسه قسد أخسبر أن الجراد وقسع ببلدهسم‪ ،‬فخرج أحسد صسلحائهم إلى موضسع الجراد‪،‬‬

‫فهاله أمره‪ ،‬فقال‪ :‬هذا جراد كثيسر‪ .‬فأجابتسه جرادة منهسا‪ ،‬وقالت إن البلد التسي يكثسر‬

‫فيهسسا الظلم‪ ،‬يبعثنسسا ال لفسسساد زرعهسسا‪ .‬فصسسدقه القاضسسي والسسسلطان‪ ،‬وقال عنسسد ذلك‬

‫للمراء‪ :‬إني برئ من الظلم‪ ،‬ومن ظلم منكم عاقبته‪ ،‬ومن علم بظالم ولم يعلمني له‪،‬‬

‫فذنوب ذلك الظالم فسسي عنقسسه‪ ،‬وال حسسسيبه وسسسائله‪ .‬ولمسسا قال هذا الكلم‪ ،‬وضسسع‬

‫الفراريسسسسسسسسسة عمائمهسسسسسسسسسم عسسسسسسسسسن رؤوسسسسسسسسسسهم‪ ،‬وتسسسسسسسسسبرأوا مسسسسسسسسسن الظلم‪.‬‬

‫حكايسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة‬

‫وحضرت الجمعة يوماً فقام أحد التجار من طلبة مسوفة‪ ،‬ويسمى بأبي حفص‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫يا أهل المسجد‪ ،‬أشهدكم أن منسى سليمان في دعوتي إلى رسول ال صلى ال عليه‬

‫وسسلم فلمسا قال ذلك‪ ،‬خرج إليسه جماعسة رجال مسن مقصسورة السسلطان فقالوا له‪ :‬مسن‬

‫ظلمك ? من أخذ لك شيئاً ? فقال‪ :‬منشاجو أيوالتن‪ ،‬يعني مشرفها أخذ مني ما قيمته‬

‫سستمائة مثقال‪ ،‬وأراد أن يعطينسي فسي مقابلتسه مائة مثقال خاصسة فبعسث السسلطان إليسه‬

‫عنسه للحيسن فحضسر بعسد أيام‪ ،‬وصسرفها للقاضسي‪ ،‬فثبست للتاجسر حقسه فأخذه‪ ،‬وبعسد ذلك‬

‫عزل المشرف عسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن عمله‪.‬‬

‫حكايسة واتفسق فسي يوم إقامتسي بمالي أن السسلطان غضسب على زوجتسه الكسبرى بنست‬

‫عمسه المدعوة بقاسسا‪ ،‬ومعنسى قاسسا عندهسم الملكسة وهسي شريكتسه فسي الملك على عادة‬

‫السسودان‪ ،‬ويذكسر اسسمها مسع اسسمه على المنسبر‪ ،‬وسسجنها عنسد بعسض الفراريسة‪ ،‬وولى‬
‫فسي مكانهسا زوجتسه الخرى بنجسو‪ ،‬ولم تكسن مسن بنات الملوك فأكثسر الناس الكلم فسي‬

‫ذلك‪ ،‬وأنكروا فعله‪ ،‬ودخسسل بنات عمسسه على بنجسسو يهنئنهسسا بالمملكسسة‪ ،‬فجعلن الرماد‬

‫على أذرعهن‪ ،‬ولم يتربن رؤوسهن ثم إن السلطان سرح قاسا من ثقافها فدخل عليها‬

‫بنات عمسسه يهنئنهسسا بالسسسراح‪ ،‬وتربسسن على العادة فشكسست بنجسسو إلى السسسلطان بذلك‪.‬‬

‫فغضسب على بنات عمسه فخفسن منسه‪ ،‬واسستجرن بالجامسع فعفسا عنهسن‪ ،‬واسستدعاهن‪،‬‬

‫وعادتهسسن إذا دخلن على السسسلطان‪ ،‬أن يتجردن عسسن ثيابهسسن‪ ،‬ويدخلن عرايسسا‪ ،‬ففعلن‬

‫ذلك ورضسي عنهسن‪ ،‬وصسرن يأتيسن باب السسلطان غدواً وعشياً مدة سسبعة أيام وكذلك‬

‫يفعل كل من عفا عنه السلطان‪ .‬وصارت قاسا تركب كل يوم في جواريها وعبيدها‪،‬‬

‫وعلى رؤوسسهم التراب‪ ،‬وتقسف عنسد المشور متنقبسة ل يرى وجههسا وأكثسر المراء‬

‫الكلم فسي شأنهسا‪ ،‬فجمعهسم السسلطان فسي المشور وقال لهسم دوغسا على لسسانه‪ :‬إنكسم قسد‬

‫أكثرتسسسسسسسم الكلم فسسسسسسسسي أمسسسسسسسر قاسسسسسسسسا‪ ،‬وأنهسسسسسسسا أذنبسسسسسسست ذنبًا كسسسسسسسبيراً‪.‬‬

‫ثسم أتسي بجاريسة مسن جواريهسا مقيدة مغلولة‪ ،‬فقيسل لهسا‪ :‬تكلمسي بمسا عندك‪ .‬فأخسبرت أن‬

‫قاسسا بعثتهسا إلى جاطسل ابسن عسم السسلطان الهارب عنسه إلى كنسبرني‪ ،‬واسستدعته ليخلع‬

‫السسلطان عسن ملكسه‪ ،‬وقالت له‪ :‬أنسا وجميسع العسساكر طوع أمرك‪ ،‬فلمسا سسمع المراء‬

‫ذلك قالوا‪ :‬إن هذا ذنسسب كسسبير‪ ،‬وهسسي تسسستحق القتسسل عليسسه‪ .‬فخافسست قاسسسا مسسن ذلك‬

‫واسسستجارت بدار الخطيسسب وعادتهسسم أن يسسستجيروا هنالك بالمسسسجد‪ ،‬وإن لم يتمكسسن‬

‫فبدار الخطيسب وكان السسودان يكرهون منسسى سسليمان لبخله‪ ،‬وكان قبله منسسى مغسا‪،‬‬

‫وقبسل منسسى مغسا منسسى موسسى‪ ،‬وكان كريماً فاضلً يحسب البيضان ويحسسن إليهسم‪،‬‬
‫وهو الذي أعطى لبي إسحاق الساحلي في يوم واحد أربعة آلف مثقال‪ ،‬وأخبرني‬

‫بعض الثقات أنه أعطى لمدرك بن فقوص ثلثة آلف مثقال في يوم واحد وكان جده‬

‫سسسسسسسسسسسسسسسسسارق جاطسسسسسسسسسسسسسسسه أسسسسسسسسسسسسسسسسلم على يدي جسسسسسسسسسسسسسسسد مدرك هذا‪.‬‬

‫حكاية وأخبرني الفقيه مدرك هذا أن رجلً من أهل تلمسان‪ ،‬يعرف بابن شيخ اللبن‪،‬‬

‫كان قد أحسن إلى السلطان منسى موسى في صغره بسبعة مثاقيل وثلث‪ ،‬وهو يومئذ‬

‫صسبي غيسر معتسبر‪ ،‬ثسم اتفسق أن جاء إليسه فسي خصسومة‪ ،‬وهسو سسلطان‪ ،‬فعرفسه‪ ،‬وأدناه‬

‫منسه‪ ،‬حتسى جلس معسه على البنسبي‪ ،‬ثسم قرره على فعله معسه‪ ،‬وقال للمراء‪ :‬مسا جزاء‬

‫مسن فعسل مسا فعله مسن الخيسر ? فقالوا له الحسسنة بعشسر أمثالهسا‪ ،‬فأعطسه سسبعين مثقالً‪،‬‬

‫فأعطاه عنسسد ذلك سسسبعمائة مثقال وكسسسوة وعسسبيداً وخدماً‪ ،‬وأمره أن ل ينقطسسع عنسسه‪،‬‬

‫وأخسسبرني بهذه الحكايسسة أيضاً ولد ابسسن شيسسخ اللبسسن المذكور‪ ،‬وهسسو مسسن الطلبسسة يعلم‬

‫القرآن بمالي‪.‬‬

‫ذكر ما استحسنته من أفعال السودان‬

‫وما استقبحته منها‬

‫فمسن أفعالهسم الحسسنة قلة الظلم فهسم أبعسد الناس عنسه‪ ،‬وسسلطانهم ل يسسامح أحداً فسي‬

‫شيسء منسه‪ .‬ومنهسا شمول المسن فسي بلدهسم‪ ،‬فل يخاف المسسافر فيهسا ول المقيسم مسن‬

‫سارق ول غاصب‪ .‬ومنها عدم تعرضهم لمال من يموت ببلدهم من البيضان‪ ،‬ولو‬

‫كان القناطيسر المقنطرة‪ ،‬إنمسا يتركونسه بيسد ثقسة مسن البيضان‪ ،‬حتسى يأخذه مسستحقه‪،‬‬

‫ومنها مواظبتهسم للصلوات‪ ،‬والتزامهسم لها فسي الجماعات‪ ،‬وضربهم أولدهسم عليها‪،‬‬
‫وإذا كان يوم الجمعسسة‪ ،‬ولم يبكسسر النسسسان إلى المسسسجد‪ ،‬لم يجسسد أيسسن يصسسلي لكثرة‬

‫الزحام‪ .‬ومسن عادتهسسم أن يبعسسث كسسل إنسسسان غلمسسه بسسسجادته‪ ،‬فيبسسسطها له بموضسسع‬

‫يستحقه بها‪ ،‬حتى يذهب إلى المسجد‪ ،‬وسجاداتهم من سعف شجر يشبه النخل‪ ،‬ول‬

‫ثمسر له‪ ،‬ومنهسا لباسسهم الثياب البيسض الحسسان يوم الجمعسة‪ ،‬ولو لم يكسن لحدهسم إل‬

‫قميسص خلق غسسله ونظفسه وشهسد بسه الجمعسة‪ ،‬ومنهسا عنايتهسم بحفسظ القرآن العظيسم‪،‬‬

‫وهسم يجعلون لولدهسم القيود إذا ظهسر فسي حقهسم التقصسير فسي حفظسه‪ ،‬فل تفسك عنهسم‬

‫حتسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسى يحفظوه‪.‬‬

‫ولقسد دخلت على القاضسي يوم العيسد‪ ،‬وأولده مقيدون‪ ،‬فقلت له‪ :‬أل تسسرحهم ? فقال‪:‬‬

‫ل أفعسل حتسى يحفظوا القرآن‪ ،‬ومررت يوماً بشاب منهسم حسسن الصسورة‪ ،‬عليسه ثياب‬

‫فاخرة‪ ،‬وفسي رجله قيسد ثقيسل‪ .‬فقلت لمسن كان معسي‪ ،‬مسا فعسل هذا ? أقتسل ? ففهسم عسن‬

‫الشاب وضحسك وقيسل لي‪ :‬إنمسا قيسد حتسى يحفسظ القرآن‪ .‬ومسن مسساوئ أفعالهسم كون‬

‫الخدم والجواري والبنات الصسغار يظهرن للناس عرايسا باديات العورات‪ .‬ولقسد كنست‬

‫أرى في رمضان كثيراً منهن على تلك الصورة‪ .‬فإن عادة الفرارية أن يفطروا بدار‬

‫السسلطان‪ ،‬ويأتسي كسل واحسد منهسم بطعامسه‪ ،‬تحمله العشرون فمسا فوقهسن مسن جواريسه‪،‬‬

‫وهن عرايا‪ .‬ومنها دخول النساء على السلطان عرايا غير مستترات‪ ،‬وتعري بناته‪،‬‬

‫ولقد رأيت في ليلة سبع وعشرين من رمضان نحو مائة جارية خرجن بالطعام من‬

‫قصسسره عرايسسا‪ ،‬ومعهسسن بنتان له ناهدان ليسسس عليهمسسا سسستر‪ ،‬ومنهسسا جعلهسسم التراب‬

‫والرماد على رؤوسسسهم تأدباً ومنهسسا مسسا ذكرتسسه مسسن الضحوكسسة فسسي إنشاد الشعراء‪،‬‬
‫ومنها أن كثيراً منهم يأكلون الجيف والكلب والحمير‪.‬‬

‫ذكر سفري عن مالي‬

‫وكان دخولي إليها في الرابع عشر لجمادى الولى سنة ثلث وخمسين‪ ،‬وخروجي‬

‫عنهسا فسي الثانسي والعشريسن لمحرم سسنة أربسع وخمسسين‪ .‬ورافقنسي تاجسر يعرف بأبسي‬

‫بكسسر ابسسن يعقوب‪ .‬وقصسسدنا طريسسق ميمسسة‪ .‬وكان لي جمسسل أركبسسه‪ .‬لن الخيسسل غاليسسة‬

‫الثمان‪ ،‬يساوي أحدها مائة مثقال‪ ،‬فوصلنا إلى خليج كبير يخرج من النيل‪ ،‬ل يجاز‬

‫إل فسي المراكسب‪ .‬وذلك الموضسع كثير البعوض‪ ،‬فل يمسر أحسد بسه إل بالليل‪ .‬ووصسلنا‬

‫الخليج ثلث الليل‪ ،‬والليل مقمر‪.‬‬

‫ذكر الخيل التي تكون بالنيل‬

‫ولما وصلنا الخليج رأيت على ضفته ست عشرة دابة ضخمة الخلقة‪ ،‬فعجبت منها‪،‬‬

‫وظننتهسا فيلة لكثرتهسا هنالك‪ .‬ثسم إنسي رأيتهسا دخلت فسي النهسر‪ .‬فقلت لبسي بكسر ابسن‬

‫يعقوب‪ :‬ما هذه الدواب ? فقال‪ :‬هي خيل البحر‪ ،‬خرجت ترعى في البر‪ ،‬وهي أغلظ‬

‫من الخيل‪ .‬ولها أعراف وأذناب‪ ،‬ورؤوسها كرؤوس الخيل‪ ،‬وأرجلها كأرجل الفيلة‪.‬‬

‫ورأيست هذه الخيسل مرة أخرى لمسا ركبنسا النيسل مسن تنبكتسو إلى كوكسو‪ ،‬وهسي تعوم فسي‬

‫الماء‪ ،‬وترفع رؤوسها وتنفخ‪ .‬وخاف منها أهل المركب فقربوا من البر لئل تغرقهم‪.‬‬

‫ولهم حيلة في صيدها حسنة‪ ،‬وذلك أن لهم رماحاً مثقوبة‪ ،‬قد جعل في ثقبها شرائط‬

‫وثيقسة‪ ،‬فيضربون الفرس منهسا‪ .‬فإن صسادفت الضربسة رجله أو عنقسه أنفذتسه‪ ،‬وجذبوه‬

‫بالحبسل حتسى يصسل إلى السساحل‪ ،‬فيقتلونسه ويأكلون لحمسه‪ .‬ومسن عظامهسا بالسساحل‬
‫كثيسر‪ .‬وكان نزولنسا عنسد هذا الخليسج بقريسة كسبيرة‪ ،‬عليهسا حاكسم مسن السسودان حاج‬

‫فاضسل يسسمى فربامغسا " بفتسح الميسم والغيسن المعجسم "‪ ،‬وهسو ممسن حسج مسع السسلطان‬

‫منسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسى موسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسى لمسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا حسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسج‪.‬‬

‫حكاية أخبرني فربامغا أن منسى موسى لما وصل إلى هذا الخليج‪ ،‬كان معه قاض‬

‫مسن البيضان يكنسى بأبسي العباس‪ ،‬ويعرف بالدكالي‪ ،‬فأحسسن إليسه بأربعسة آلف مثقال‬

‫لنفقتسه‪ .‬فلمسا وصسلوا إلى ميمسة‪ ،‬شكسا إلى السسلطان بأن الربعسة آلف مثقال سسرقت له‬

‫مسن داره‪ .‬فاسستحضر السسلطان أميسر ميمسة‪ ،‬وتوعده بالقتسل إن لم يحضسر مسن سسرقها‪.‬‬

‫وطلب الميسسسر السسسسارق فلم يجسسسد أحداً‪ ،‬ول سسسسارق يكون بتلك البلد‪ .‬فدخسسسل دار‬

‫القاضسي‪ ،‬واشتسد على خدامسه‪ ،‬وهددهسم‪ .‬فقالت له إحدى جواريسه‪ :‬مسا ضاع له شيسء‪،‬‬

‫وإنما دفنها بيده في ذلك الموضع‪ ،‬وأشارت له إلى الموضع‪ .‬فأخرجها المير‪ ،‬وأتى‬

‫بهسسا السسسلطان‪ ،‬وعرفسسه الخسسبر‪ ،‬فغضسسب على القاضسسي‪ ،‬ونفاه إلى بلد الكفار الذيسسن‬

‫يأكلون بنسسي آدم‪ ،‬فأقام عندهسسم أربسسع سسسنين‪ ،‬ثسسم رده إلى بلده‪ .‬وإنمسسا لم يأكله الكفار‬

‫لبياضه‪ ،‬لنهم يقولون‪ :‬إن أكل البيض مضر‪ ،‬لنه لم ينضج‪ .‬والسود هو النضج‬

‫بزعمهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسم‪.‬‬

‫حكايسة قدمست على السسلطان منسسى سسليمان جماعسة مسن هؤلء السسودان الذيسن يأكلون‬

‫بنسي آدم‪ ،‬معهسم أميسر لهسم‪ .‬وعادتهسم أن يجعلوا فسي آذانهسم أقراطاً كباراً‪ ،‬وتكون فتحسة‬

‫القرط منهسا نصسف شسبر‪ ،‬ويلتحفون فسي ملحسف الحريسر‪ .‬وفسي بلدهسم يكون معدن‬

‫الذهب‪ .‬فأكرمهم السلطان وأعطاهم في الضيافة خادمة‪ ،‬فذبحوها وأكلوها‪ ،‬ولطخوا‬


‫وجوههم وأيديهم بدمها‪ ،‬وأتوا السلطان شاكرين‪ .‬وأخبرت أن عادتهم متى ما وفدوا‬

‫عليسه أن يفعلوا ذلك‪ .‬وذكسر لي عنهسم أنهسم يقولون إن أطيسب مسا فسي لحوم الدميات‬

‫الكسسف والثدي‪ .‬ثسسم رحلنسسا مسسن هذه القريسسة التسسي عنسسد الخليسسج‪ ،‬فوصسسلنا إلى بلدة قري‬

‫منسسا‪ ،‬وقري " بضسم القاف وكسسر الراء "‪ ،‬ومات لي بهسا الجمسل الذي كنست أركبسه‪،‬‬

‫فأخسبرني راعيسه بذلك‪ ،‬فخرجست لنظسر إليسه‪ ،‬فوجدت السسودان قسد أكلوه كعادتهسم فسي‬

‫أكسسل الجيسسف‪ .‬فبعثسست غلميسسن كنسست اسسستأجرتهما على خدمتسسي ليشتريسسا لي جملً‬

‫بزاغري‪ ،‬وهي على مسيرة يومين‪ .‬وأقام معي بعض أصحاب أبي بكر ابن يعقوب‪،‬‬

‫وتوجسسه هسو لينتظرنسا بميمسة‪ .‬فأقمست سسسبعة أيام‪ ،‬أضافنسي فيهسسا بعسض الحجاج بهذه‬

‫البلدة‪ ،‬حتسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسى وصسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسل الغلمان بالجمسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسل‪.‬‬

‫حكاية وفي أيام إقامتي بهذه البلدة رأيت ليلة فيما يرى النائم كأن إنساناً يقول لي‪ :‬يا‬

‫محمد بن بطوطة لماذا ل تقرأ سورة يس في كل يوم ? فمن يومئذ ما تركت قراءتها‬

‫كسل يوم‪ ،‬فسي سسفر ول حضسر‪ .‬ثسم رحلت إلى بلدة ميمسة " بكسسر الميسم الول وفتسح‬

‫الثانسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسي " فنزلنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا على آبار بخارجهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا‪.‬‬

‫ثسم سسافرنا منهسا إلى مدينسة تنبكتسو " وضبسط اسسمها بضسم التاء المعلوة وسسكون النون‬

‫وضسم الباء الموحدة وسسكون الكاف وضسم التاء المعلوة الثانيسة وواو "‪ ،‬وبينهسا وبيسن‬

‫النيسل أربعسة أميال‪ .‬وأكثسر سسكانها مسسوفة أهسل اللثام‪ ،‬وحاكمهسا يسسمى فربسا موسسى‪.‬‬

‫حضرت عنده يوماً‪ ،‬وقد قدم أحد مسوفة أميراً على جماعة‪ ،‬فجعل عليه ثوبا وعمام‬

‫وسسروالً‪ ،‬كلهسا مصسبوغة‪ ،‬وأجلسسه على درقسة‪ ،‬ورفعسه كسبراء قسبيلته على رؤوسسهم‪.‬‬
‫وبهذه البلدة قسسبر الشاعسسر المفلق أبسسي إسسسحاق السسساحلي الغرناطسسي المعروف ببلده‬

‫بالطويجن‪ ،‬وبها قبر سراج الدين بن الكويك‪ ،‬أحد كبار التجار من أهل السكندرية‪.‬‬

‫حكايسة كان السسلطان منسسى موسسى لمسا حسج‪ ،‬نزل بروض لسسراج الديسن هذا‪ ،‬ببركسة‬

‫الحبسسش خارج مصسسر‪ ،‬وبهسسا ينزل السسسلطان‪ .‬واحتاج إلى مال‪ ،‬فتسسسلفه مسسن سسسراج‬

‫الديسن‪ ،‬وتسسلف منسه أمراؤه أيضاً‪ .‬وبعسث معهسم سسراج الديسن وكيله يقتضسى المال‪،‬‬

‫فأقام بمالي‪ .‬فتوجسسه سسسراج الديسسن بنفسسسه لقتضاء ماله‪ ،‬ومعسسه ابسسن له‪ .‬فلمسسا وصسسل‬

‫تنبكتسو أضافسه ابسو إسسحاق السساحلي‪ ،‬فكان مسن القدر موتسه تلك الليلة‪ .‬فتكلم الناس فسي‬

‫ذلك‪ ،‬واتهموا أنسه سسم‪ .‬فقال لهسم ولده‪ :‬إنسي أكلت معسه ذلك الطعام بعينسه‪ .‬فلو كان فيسه‬

‫سسسم لقتلنسسا جميعاً‪ ،‬لكنسسه انقضسسى أجله‪ .‬ووصسسل الوالي إلى مالي‪ ،‬واقتضسسى ماله‪،‬‬

‫وانصسرف إلى ديار مصسر‪ .‬ومسن تنبكتسو ركبست النيسل فسي مركب صسغير منحوت مسن‬

‫خشبة واحدة‪ .‬وكنا ننزل كل ليلة بالقرى‪ ،‬فنشتري ما نحتاج إليه من الطعام والسمن‪،‬‬

‫بالملح وبالعطريات وبحلي الزجاج‪ .‬ثم وصلت إلى بلد أنسيت اسمه‪ ،‬له أمير فاضل‬

‫حاج يسسسمى فربسسا سسسليمان‪ ،‬مشهور بالشجاعسسة والشدة‪ .‬ل يتعاطسسى أحسسد النزع فسسي‬

‫قوسسه‪ ،‬ولم أر فسي السسودان أطول منسه ول أضخسم جسسماً‪ ،‬واحتجست بهذا البلدة إلى‬

‫شيء من الذرة‪ ،‬فجئت إليه‪ ،‬وذلك يوم مولد رسول ال صلى ال عليه وسلم فسلمت‬

‫عليسه‪ ،‬وسسألني عسن مقدمسي‪ .‬وكان معسه فقيسه يكتسب له‪ .‬فأخذت لوحاً كان بيسن يديسه‪،‬‬

‫وكتبست فيسه‪ :‬يسا فقيسه‪ ،‬قسل لهذا الميسر‪ :‬إنسا نحتاج إلى شيسء مسن الذرة للزاد‪ ،‬والسسلم‪.‬‬

‫وناولت الفقيسسه اللوح يقرأ مسسا فيسسه سسسراً‪ ،‬ويكلم الميسسر فسسي ذلك بلسسسانه‪ .‬فقرأه جهراً‪،‬‬
‫وفهمه المير‪ .‬فأخذ بيدي‪ ،‬وأدخلني إلى مشوره‪ ،‬وبه سلح كثير من الدرق والقسي‬

‫والرماح‪ ،‬ووجدت عنده كتاب المدهسسسسسسسش لبسسسسسسسن الجوزي‪ ،‬فجعلت أقرأ فيسسسسسسسه‪.‬‬

‫ثسم أتسي بمشروب لهسم يسسمى الدقنسو " بفتسح الدال المهمسل وسسكون القاف وضسم النون‬

‫وواو "‪ ،‬وهسسو ماء فيسسه جريسسش الذرة مخلوط بيسسسير عسسسل أو لبسسن‪ ،‬وهسسم يشربونسسه‬

‫عوض الماء‪ .‬لنهسسم إن شربوا الماء خالصسًا أضسسر بهسسم‪ ،‬وإن لم يجدوا الذرة خلطوه‬

‫بالعسسل أو اللبسن‪ .‬ثسم أتسي ببطيسخ أخضسر فأكلنسا منسه‪ ،‬ودخسل غلم خماسسي فدعاه وقال‬

‫لي‪ :‬هذا ضيافتك‪ ،‬واحفظه لئل يفر‪ .‬فأخذته وأردت النصراف‪ ،‬فقال‪ :‬أقم حتى يأتي‬

‫الطعام‪ .‬وجاءت إلينسا جاريسة له دمشقيسة عربيسة‪ ،‬فكلمتنسي بالعربسي‪ .‬فبينمسا نحسن فسي‬

‫ذلك‪ ،‬إذ سمعنا صراخاً بداره‪ .‬فوجه الجارية لتعرف خبر ذلك‪ ،‬فعادت إليه‪ ،‬فأعلمته‬

‫أن بنتاً له قسد توفيست‪ ،‬فقال‪ :‬إنسي ل أحسب البكاء‪ ،‬فتعال نمسش إلى البحسر‪ ،‬يعنسي النيسل‪.‬‬

‫وله على سساحله ديار‪ .‬فأتسي بالفرس فقال لي‪ :‬إركسب‪ .‬فقلت‪ :‬ل أركبسه‪ ،‬وأنست ماش‪.‬‬

‫فمشينسسسا جميعاً‪ ،‬ووصسسسلنا إلى دياره على النيسسسل‪ .‬وأتسسسي بالطعام فأكلنسسسا‪ .‬وودعتسسسه‬

‫وانصسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسرفت‪.‬‬

‫ولم أر في السودان أكرم منه ول أفضل‪ .‬والغلم الذي أعطانيه باقٍ عندي إلى الن‪.‬‬

‫ثسم سسرت إلى مدينسة كوكسو‪ ،‬وهسي مدينسة كسبيرة على النيسل‪ ،‬مسن أحسسن مدن السسودان‬

‫وأكبرها وأخصبها‪ .‬فيها الرز الكثير واللبن والدجاج والسمك‪ ،‬وبها الفقوس العناني‬

‫الذي ل نظير له‪ .‬وتعامل أهلها في البيع والشراء بالودع‪ ،‬وكذلك أهل مالي‪ .‬وأقمت‬

‫بهسا نحسو شهسر‪ .‬وأضافنسي بهسا محمسد بسن عمسر‪ ،‬مسن أهسل مكناسسة‪ ،‬وكان ظريفاً مزاحاً‬
‫فاضلً‪ ،‬وتوفسي بهسا بعسد خروجسي عنهسا‪ .‬وأضافنسي بهسا الحاج محمسد الوجدي التازي‪،‬‬

‫وهسسسسو ممسسسسن دخسسسسل اليمسسسسن‪ ،‬والفقيسسسسه محمسسسسد الفيللي إمام مسسسسسجد البيضان‪.‬‬

‫ثسم سسافرت منهسا برسسم تكدا فسي البر‪ ،‬مسع قافلة كسبيرة للغدامسسيين‪ .‬دليلهسم ومقدمهسم‬

‫الحاج وجيسن " بضسم الواو وتشديسد الجيسم المعقودة "‪ ،‬ومعناه الذئب بلسسان السسودان‪.‬‬

‫وكان لي جمل لركوبي‪ ،‬وناقة لحمل الزاد‪ .‬فلما رحلنا أول مرحلة وقفت الناقة‪ .‬فأخذ‬

‫الحاج وجيسن مسا كان عليهسا‪ ،‬وقسسمه على أصسحابه‪ ،‬فتوزعوا حمله‪ .‬وكان فسي الرفقسة‬

‫مغربي من أهل تادلي‪ ،‬فأبى أن يرفع من ذلك شيئاً كما فعل غيره‪ .‬وعطش غلمي‬

‫يوماً‪ ،‬فطلبست منسه الماء‪ ،‬فلم يسسمح بسه‪ .‬ثسم وصسلنا إلى بلد بردامسة‪ ،‬وهسي قسبيلة مسن‬

‫البربر " وضبطها بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهمل وميم مفتوح‬

‫وتاء تأنيث "‪ .‬ول تسير القوافل إل في خفارتهم‪ .‬والمرأة عندهم في ذلك أعظم شأناً‬

‫مسسن الرجسسل‪ .‬وهسسم رحالة ل يقيمون‪ ،‬وبيوتهسسم غريبسسة الشكسسل‪ ،‬ويقيمون أعواداً مسسن‬

‫الخشب‪ ،‬ويضعون عليها الحصر‪ ،‬وفوق ذلك أعواد مشتبكة‪ ،‬وفوقها الجلود أو ثياب‬

‫القطسن‪ .‬ونسساؤهم أتسم النسساء جمالً‪ ،‬وأبدعهسن صسوراً‪ ،‬مسع البياض الناصسع والسسمن‪.‬‬

‫ولم أر في البلد من يبلغ مبلغهن في السمن‪ .‬وطعامهن حليب البقر وجريش الذرة‪،‬‬

‫يشربنه مخلوطاً بالماء غير مطبوخ‪ ،‬عند المساء والصباح‪ .‬ومن أراد التزوج منهن‪،‬‬

‫سسكن بهسن فسي أقراب البلد إليهسن‪ ،‬ول يتجاوز بهسن كوكسو ول أيوالتسن‪ .‬وأصسابني‬

‫المرض فسي هذه البلد‪ ،‬لشتداد الحسر وغلبسة الصسفراء‪ .‬واجتهدنسا فسي السسير إلى أن‬

‫وصلنا إلى مدينة تكدا " وضبطها بفتح التاء المعلوة والكاف المعقودة والدال المهمل‬
‫مع تشديده "‪ .‬ونزلت بها في جوار شيخ المغاربة سعيد بن علي الجزولي‪ .‬وأضافني‬

‫قاضيها أبو إبراهيم إسحاق الجاناتي‪ ،‬وهو من الفاضل‪ ،‬وأضافني جعفر بن محمد‬

‫المسسسوفي‪ .‬وديار تكدا مبنيسسة بالحجارة الحمسسر‪ ،‬وماؤهسسا يجري على معادن النحاس‪،‬‬

‫فيتغيسر لونسه وطعمسه بذلك‪ ،‬ول زرع بهسا إل يسسير مسن القمسح‪ ،‬يأكله التجار والغرباء‪.‬‬

‫ويباع بحساب عشرين مداً من أمدادهم بمثقال ذهب‪ ،‬ومدهم ثلث المد ببلدنا‪ .‬وتباع‬

‫الذرة عندهسم بحسساب تسسعين مداً بمثقال ذهسب‪ .‬وهسي كثيرة العقارب‪ .‬وعقاربهسا تقتسل‬

‫مسسسسسسسسسسسن كان صسسسسسسسسسسسبياً لم يبلغ‪ ،‬وأمسسسسسسسسسسسا الرجال فقلمسسسسسسسسسسسا تقتلهسسسسسسسسسسسم‪.‬‬

‫ولقسسد لدغسست يوماً وأنسسا بهسسا ولداً للشيسسخ سسسعيد بسسن علي عنسسد الصسسبح فمات لحينسسه‪،‬‬

‫وحضرت جنازتسه‪ .‬ول شغسل لهسل تكدا غيسر التجارة‪ .‬يسسافرون كسل عام إلى مصسر‪،‬‬

‫ويجلبون مسن كسل مسا بهسا مسن حسسان الثياب وسسواها‪ .‬ولهلهسا رفاهيسة وسسعة بال‪،‬‬

‫ويتفاخرون بكثرة العبيسد والخدم‪ ،‬وكذلك أهسل مالي وأيوالتسن‪ .‬ول يسبيعون المعلمات‬

‫منهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن إل نادراً وبالثمسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن الكثيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسر‪.‬‬

‫حكايسة أردت لمسا دخلت تكدا شراء خادم معلمسة فلم أجدهسا‪ ،‬ثسم بعسث إلي القاضسي أبسو‬

‫إبراهيسم بخادم لبعسض أصسحابه‪ ،‬فاشتريتهسا بخمسسة وعشريسن مثقالً‪ .‬ثسم إن صساحبها‬

‫ندم ورغب في القالة‪ ،‬فقلت له‪ :‬إن دللتني على سواها أقلتك‪ .‬فدلني على خادم لعلي‬

‫أغيول‪ ،‬وهو المغربي التادلي الذي أبى أن يرفع شيئاً من أسبابي حين وقعت ناقتي‪،‬‬

‫وأبسى أن يسسقي غلمسي الماء حيسن عطسش‪ .‬فاشتريتهسا منسه‪ ،‬وكانست خيراً مسن الولى‪،‬‬

‫وأقلت صاحبي الول‪ .‬ثم ندم هذا المغربي على بيع الخادم‪ ،‬ورغب في القالة‪ ،‬وألح‬
‫في ذلك‪ .‬فأبيت ال أن أجازيه بسوء فعله‪ ،‬فكاد أن يجن أو يهلك أسفاً‪ .‬ثم أقلته بعد‪.‬‬

‫ذكر معدن النحاس‬

‫ومعدن النحاس بخارج تكدا يحفرون عليه في الرض‪ ،‬ويأتون إلى البلد‪ ،‬فيسبكونه‬

‫فسي دورهسم‪ .‬ويفعسل ذلك عسبيدهم وخدمهسم‪ .‬فإذا سسبكوه نحاسساً أحمسر‪ ،‬صسنعوا منسه‬

‫قضبانًا فسي طول شسبر ونصسف‪ ،‬بعضهسا رقاق‪ ،‬وبعضهسا غلظ‪ .‬فتباع الغلظ منهسا‬

‫بحسسساب أربعمائة قضيسسب بمثقال ذهسسب‪ ،‬وتباع الرقاق بحسسساب سسستمائة وسسسبعمائة‬

‫مثقال‪ .‬وهسي صسرفهم‪ ،‬يشترون برقاقهسا اللحسم والحطسب‪ ،‬ويشترون بغلظهسا العبيسد‬

‫والخدم والذرة والسسسمن والقمسسح‪ .‬ويحملون النحاس منهسسا إلى مدينسسة كوبر مسسن بلد‬

‫الكفار‪ ،‬وإلى زغاي‪ ،‬وإلى بلد برنسسو‪ ،‬وهسسي على مسسسيرة أربعيسسن يوماً مسسن تكدا‪.‬‬

‫وأهلهسا مسسلمون‪ ،‬لهسم ملك اسسمه إدريسس‪ ،‬ل يظهسر للناس‪ ،‬ول يكلمهسم إل مسن وراء‬

‫حجاب‪.‬‬

‫ومن هذه البلد يؤتى بالجواري الحسان والفتيان وبالثياب المجسدة‪ .‬ويحمل النحاس‬

‫أيضاً منها إلى جوجرة وبلد المورتيين وسواها‪.‬‬

‫ذكر سلطان تكدا‬

‫وفسي أيام إقامتي بها‪ ،‬توجسه القاضسي أبو إبراهيسم‪ ،‬والخطيسب محمسد‪ ،‬والمدرس أبسو‬

‫حفسص‪ ،‬والشيسخ سسعيد بسن علي‪ ،‬إلى سسلطان تكدا‪ ،‬وهسو بربري يسسمى إزار " بكسسر‬

‫الهمزة وزاي والف وراء "‪ ،‬وكان على مسسسسيرة يوم منهسسسا‪ ،‬ووقعسسست بينسسسه وبيسسسن‬

‫التكركري‪ ،‬وهسو مسن سسلطين البربر أيضاً منازعسة‪ ،‬فذهبوا إلى الصسلح بينهمسا‪.‬‬
‫فأردت أن ألقاه‪ .‬فاكتريسست دليلً وتوجهسست إليسسه‪ ،‬وأعلمسسه المذكورون بقدومسسي‪ .‬فجاء‬

‫إلي راكباً فرسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسساً دون سسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسرج‪ ،‬وتلك عادتهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسم‪.‬‬

‫وقسد جعسل عوض السسرج طنفسسة حمراء بديعسة‪ ،‬وعليسه ملحفسة وسسراويل وعمامسة‪،‬‬

‫كلها زرق‪ ،‬ومعه أولد أخته‪ ،‬وهم الذين يرثون ملكه‪ .‬فقمنا إليه‪ ،‬وصافحناه‪ .‬وسأل‬

‫عن حالي ومقدمي‪ ،‬فأعلم بذلك‪ .‬وأنزلني ببيت من بيوت اليناطبين‪ ،‬وهم كالوصفان‬

‫عندنسسا‪ .‬وبعسسث برأس غنسسم مشوي فسسي السسسفود‪ ،‬وقعسسب مسسن حليسسب البقسسر‪ .‬وكان فسسي‬

‫جوارنا بيت أمه وأخته‪ ،‬فجاءتا إلينا‪ ،‬وسلمتا علينا‪ .‬وكانت أمه تبعث لنا الحليب بعد‬

‫العتمسة‪ ،‬وهسو وقست حلبهسم‪ ،‬ويشربونسه ذلك الوقست وبالغدو‪ .‬وأمسا الطعام فل يأكلونسه‬

‫ول يعرفونسه‪ .‬واقمست عندهسم سستة أيام‪ .‬وفسي كسل يوم يبعسث بكبشيسن مشوييسن‪ ،‬عنسد‬

‫الصسباح والمسساء‪ .‬وأحسسن إلي بناقسة وعشرة مثاقيسل مسن الذهسب‪ ،‬وانصسرفت عنسه‪،‬‬

‫وعدت إلى تكدا‪.‬‬

‫ذكر وصول المر الكريم إلي‬

‫ولما عدت إلى تكدا‪ ،‬وصل غلم الحاج محمد بن سعيد السجلماسي‪ ،‬بأمر مولنا أمير‬
‫المؤمنين وناصر الدين المتوكل على رب العالمين آمراً لي بالوصول إلى حضرته العلية‪.‬‬
‫فقبلته وامتثلته على الفور‪.‬‬
‫واشتريت جملين لركوبي بسبعة وثلثين مثقالً‪ .‬وثلث‪ ،‬وقصدت السفر إلى توات‪ .‬ورفعت‬
‫زاد سبعين ليلة‪ ،‬إذ ل يوجد الطعام فيما بين تكدا وتوات‪ ،‬وإنما يوجد اللحم واللبن والسمن‬
‫يشترى بالثواب‪ ،‬وخرجت من تكدا يوم الخميس الحادي عشر لشعبان سنة أربع وخمسين‪،‬‬
‫في رفقة كبيرة‪ ،‬فيهم جعفر التواني‪ ،‬وهو من الفضلء‪ ،‬ومعنا الفقيه محمد بن عبد ال‬
‫قاضي تكدا‪ .‬وفي الرفقة نحو ستمائة خادم‪ .‬فوصلنا إلى كاهر من بلد السلطان الكركري‪،‬‬
‫وهي أرض كثيرة العشاب‪ ،‬يشتري بها الناس من برابرها الغنم‪ ،‬ويقددون لحمها‪ ،‬ويحمله‬
‫أهل توات إلى بلدهم‪ .‬ودخلنا منها إلى برية ل عمارة بها ول ماء‪ ،‬وهي مسيرة ثلثة أيام‪.‬‬
‫ثم سرنا بعد ذلك خمسة عشر يومًا في برية ل عمارة بها‪ ،‬أل أن بها الماء‪ .‬ووصلنا إلى‬
‫الموضع الذي يفترق به طريق غات الخذ إلى ديار مصر وطريق توات‪ .‬وهنالك أحساء‬
‫ماء يجري على الحديد‪ ،‬فإذا غسل به الثوب البيض اسود لونه‪.‬‬
‫وسرنا من هنالك عشرة أيام‪ ،‬ووصلنا إلى بلد هكار‪ ،‬وهم طائفة من البربر ملثمون ل‬
‫خير عندهم‪ ،‬ولقينا أحد كبرائهم‪ ،‬فحبس القافلة حتى غرموا له أثواباً وسواها‪ .‬وكان وصولنا‬
‫إلى بلدهم في شهر رمضان‪ .‬وهم ل يغبرون فيه ول يعترضون القوافل‪ ،‬وإذا وجد سراقها‬
‫المتاع بالطريق في رمضان لم يعرضوا له‪ ،‬وكذلك جميع من بهذه الطريق من البرابر‪.‬‬
‫وسرنا في بلد هكار شهراً‪ ،‬وهي قليلة النبات‪ ،‬كثيرة الحجارة‪ ،‬طريقها وعر‪ .‬ووصلنا يوم‬
‫عيد الفطر إلى بلد برابر‪ ،‬أهل لثام كهؤلء‪ .‬فأخبرونا بأخبار بلدنا‪ ،‬وأعلمونا أن أولد‬
‫خراج وابن يغمور خالفوا‪ ،‬وسكنوا تسابيت من توات‪ .‬فخاف أهل القافلة من ذلك‪ .‬ثم وصلنا‬
‫إلى بودا " بضم الباء الموحدة "‪ ،‬وهي من أكبر قرى توات‪ ،‬وأرضها رمال وسباخ‪،‬‬
‫وثمرها كثير ليس بطيب‪ ،‬لكن أهلها يفضلونه على ثمر سجلماسة‪ .‬ول زرع بها ول سمن‬
‫ول زيت‪ ،‬وإنما يجلب لها ذلك من بلد المغرب‪ .‬وأكل أهلها التمر والجراد‪ ،‬وهو كثير‬
‫عندهم‪ ،‬يختزنونه كما يختزن التمر‪ ،‬ويقتاتون به‪ ،‬ويخرجون إلى صيده قبل طلوع الشمس‪،‬‬
‫فإنه ل يطير إذ ذاك لجل البرد‪ .‬وأقمنا ببودا أياماً ثم سافرنا في قافلة‪ ،‬ووصلنا في أوسط‬
‫ذي القعدة إلى مدينة سجلماسة‪ .‬وخرجت منها في ثاني ذي الحجة‪ ،‬وذلك أوان البرد الشديد‪،‬‬
‫ونزل بالطريق ثلج كثير‪ .‬ولقد رأيت الطرق الصعبة والثلج الكثير ببخارى وسمرقند‬
‫وخراسان وبلد التراك‪ ،‬فلم أر أصعب من طريق أم جنيبة‪ .‬ووصلنا ليلة عيد الضحى إلى‬
‫دار الطمع‪ ،‬فأقمت هنالك يوم عيد الضحى‪ ،‬ثم خرجت‪ ،‬فوصلت إلى حضرة فاس‪ ،‬حضرة‬
‫مولنا أمير المؤمنين أيده ال‪ ،‬فقبلت يده الكريمة وتيمنت بمشاهدة وجهه المبارك‪ ،‬وأقمت‬
‫في كنف إحسانه بعد طول الرحلة‪ .‬وال تعالى يشكر ما أولنيه من جزيل إحسانه‪ ،‬وسابغ‬
‫امتنانه‪ ،‬ويديم أيامه‪ ،‬ويمتع المسلمين بطول بقائه‪ .‬وههنا انتهت الرحلة المسماة تحفة النظار‬
‫في غرائب المصار وعجائب السفار‪ .‬وكان الفراغ من تقييدها في ثالث ذي الحجة عام‬
‫ستة وخمسين وسبعمائة‪.‬‬
‫والحمد ل وسلم على عباده الذين اصطفى قال ابن جزي‪ :‬انتهى ما لخصته من تقييد الشيخ‬
‫أبي عبد ال محمد بن بطوطة‪ ،‬أكرمه ال‪ .‬ول يخفى على ذي عقل أن هذا الشيخ هو رحال‬
‫العصر‪ .‬ومن قال‪ :‬رحال هذه الملة لم يبعد‪ ،‬ولم يجعل بلد الدنيا للرحلة‪ .‬واتخذ حضرة فاس‬
‫مقراً ومستوطناً بعد طول جولنه‪ ،‬لما تحقق أن مولنا‪ ،‬أيده ال‪ ،‬أعظم ملوكها شأناً‪،‬‬
‫وأعمهم فضائل‪ ،‬وأكرمهم إحساناً‪ ،‬وأشدهم بالواردين عليه عناية‪ ،‬وأتمهم بمن ينتمي إلى‬
‫طلب العلم حماية‪ .‬فيجب على مثلي أن يحمد ال تعالى‪ ،‬لن وفقه في أول حاله وترحاله‬
‫لستيطان هذه الحضرة التي اختارها هذا الشيخ‪ ،‬بعد رحلة خمسة وعشرين عاماً‪ .‬إنها‬
‫لنعمة ل يقدر قدرها‪ ،‬ول يوفى شكرها‪ .‬وال تعالى يرزقنا العانة على خدمة مولنا أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬ويبقي علينا ظل حرمته ورحمته‪ ،‬ويجزيه عنا معشر الغرباء المنقطعين إليه‬
‫أفضل جزاء المحسنين‪ .‬اللهم وكما فضلته على الملوك بفضيلتي العلم والدين‪ ،‬وخصصته‬
‫بالحلم والعقل الرصين‪ ،‬فمد لملكه أسباب التأييد والتمكين‪ ،‬وعرفه عوارف النصر العزيز‬
‫والفتح المبين‪ ،‬وأجعل الملك في عقبه إلى يوم الدين‪ ،‬وأره قرة العين في نفسه وبنيه وملكه‬
‫ورعايته‪ ،‬يا أرحم الراحمين‪ .‬وصلى ال وسلم على سيدنا ونبينا ومولنا محمد خاتم النبيين‪،‬‬
‫وإمام المرسلين‪ .‬والحمد ل رب العالمين‪.‬‬

‫وكان الفراغ من تأليفها في شهر صفر عام سبعة وخمسين وسبعمائة‬

‫منتدى حديث المطابع‬


‫موقع الساخر‬
‫‪www.alsakher.com‬‬

You might also like