Professional Documents
Culture Documents
بسسم ال الرحمسن الرحيسم وصسلى ال على سسيدنا محمسد وعلىآله وصسحبه وسسلم قال
الشيخ أبو عبد ال محمد بن عبد ال بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المعروف
بابسن بطوطسة رحمسه ال تعالى :ولمسا كان بتاريسخ الغرة مسن شهسر محرم مفتتسح عام
أربعسة وثلثيسن وسسبعمائة وصسلنا إلى وادي السسند المعروف ببنسج آب ،ومعنسى ذلك
المياه الخمسسة .وهذا الوادي مسن أعظسم أوديسة الدنيسا ،وهسو يفيسض فسي أوان الحسر،
فيزرع أهسل تلك البلد على فيضسه ،كمسا يفعسل أهسل الديار المصسرية فسي فيسض النيسل.
وهذا الوادي هسسو أول عمالة السسسلطان المعظسسم محمسسد شاه ملك الهنسسد والسسسند .ولمسسا
وصسلنا إلى هذا النهسر جاء إلينسا أصسحاب الخبار الموكلون بذلك ،وكتبوا بخبرنسا إلى
قطسسب الملك أميسسر مدينسسة ملتان ،وكان أميسسر أمراء السسسند على هذا العهسسد مملوك
للسسسلطان يسسسمى سسسرتيز ،وهسسو مسسن عرض المماليسسك ،وبيسسن يديسسه تعرض عسسساكر
السلطان ،ومعنى اسمه الحاد الرأس لن سر " بفتح السين المهملة وسكون الراء ".
هسو الرأس ،وتيسز " بتاء معلوة وياء مسد وزاي " معناه الحاد .وكان فسي حيسن قدومنسا
بمدينسة سسيوستان مسن السسند .وبينهسا وبيسن ملتان مسسيرة عشرة أيام ،وبيسن بلد السسند
وحضرة السسلطان مدينسة دهلي على مسسيرة خمسسين يوماً .وإذا كتسب المخسبرون إلى
السلطان من بلد السند يصل الكتاب إليه في خمسة أيام بسبب البريد.
ذكر البريد
والبريد ببلد الهند صنفان ،فأما بريد الخيل فيسمونه الولق "أولق " "بضم الواو
وآخره قاف " ،وهسو خيسل تكون للسسلطان ،فسي كسل مسسافة أربعسة أميال ،وأمسا بريسد
الرجالة ،فيكون فسي مسسافة الميسل الواحسد منسه ثلث رتسب ،ويسسمونها الداوة " بالدال
المهمل والواو " ،والداوة هي ثلث ميل ،والميل عندهم يسمى الكروة " بضم الكاف
والراء " ،وترتيسب ذلك أن يكون فسي كسل ثلث ميسل قريسة معمورة ،ويكون بخارجهسا
ثلث قباب يقعد فيها الرجال ،مستعدين للحركة ،قد شدوا أوساطهم .وعند كل واحد
منهسم مقرعسة مقدار ذراعيسن ،بأعلهسا جلجسل نحاس ،فإذا خرج البريسد مسن المدينسة
أخسسذ الكتاب بأعلى يده والمقرعسسة ذات الجلجسسل باليسسد الخرى يشتسسد بمنتهسسى جهده.
فإذا سسمع الرجال الذيسن بالقباب صسوت الجلجسل تأهبوا .فإذا وصسلهم .أخسذ أحدهسم
الكتاب مسسن يده ومسسر بأقصسسى جهده ،وهسسو يحرك المقرعسسة حتسسى يصسسل إلى الداوة
الخرى .ول يزالون كذلك حتسسسسسسسى يصسسسسسسسل الكتاب إلى حيسسسسسسسث يراد منسسسسسسسه.
وهذا البريد أسسرع من بريسد الخيل وربما حملوا على هذا البريسد الفواكه المسستطرفة
بالهنسسد مسسن فواكسسه خراسسسان يجعلونهسسا فسسي الطباق ،ويشتدون بهسسا حتسسى تصسسل إلى
السسسلطان .وكذلك يحملون الكبار مسسن ذوي الرتسسب ،يجعلون الرجسسل على سسسرير،
ويرفعونسه فوق رؤوسسهم ويسسيرون بسه شداً .وكذلك يحملون الماء لشرب السسلطان،
إذا كان بدولة أباد ،يحملونه من نهر الكنك الذي تحج الهنود إليسه ،وهو على مسيرة
وأمعنوا فسسي ذلك ،وعرفوه أنسسه ورد رجسسل صسسورته كذا ولباسسسه كذا ،وكتبوا عدد
أصسسحابه وغلمانسسه وخدامسسه ودوابسسه ،وترتيسسب حاله فسسي حركتسسه وسسسكونه ،وجميسسع
فإذا وصسسل الوارد مدينسسة ملتان ،وهسسي قاعدة بلد السسسند ،أقام بهسسا حتسسى ينفسسذ أمسسر
السسلطان بقدومسه ،ومسا يجري له مسن الضيافسة ،وإنمسا يكرم النسسان هنالك بقدر مسا
يظهسسسر مسسسن أفعاله وتصسسسرفاته وهمتسسسه ،إذ ل يعرف هنالك مسسسا حسسسسبه ول آباؤه.
مسسن عادة ملك الهنسسد السسسلطان أبسسي المجاهسسد محمسسد شاه إكرام الغرباء ومحبتهسسم
وقضاته وأصهاره غرباء .ونفذ أمره بأن يسمى الغرباء في بلده العزة .فصار لهم
ذلك اسسسماً وعلماً .ول بسسد لكسسل قادم على هذا الملك مسسن هديسسة يهديهسسا إليسسه ،ويقدمهسسا
وسسيلة بيسن يديسه .فيكافئه السسلطان عليهسا بأضعاف مضاعفسة ،وسسيمر مسن ذكسر هدايسا
الغرباء إليسه كثيسر .ولمسا تعود الناس ذلك منسه ،صسار التجار الذيسن ببلد السسند والهنسد
يعطون لكل قادم على السلطان اللف من الدنانير ديناً ويجهزونه بما يريد أن يهديه
إليسسه أو يتصسسرف فيسسه لنفسسسه مسسن الدواب للركوب والجمال والمتعسسة ويخدمونهسسم
بأموالهم وأنفسهم ،ويقفون بين يديه كالحشم ،فإذا وصل إلى السلطان أعطاه العطاء
الجزيسل ،فقضسى ديونهسم ووفاهسم حقوقهسم ،فنفقست تجارتهسم وكثرت أرباحهسم .وصسار
لهسم ذلك عادة مسستمرة .ولمسا وصسلت إلى بلد السسند ،سسلكت ذلك المنهسج ،واشتريست
من التجار الخيل والجمال والمماليك وغير ذلك .ولقد اشتريت من تاجر عراقي من
أهل تكريت يعرف بمحمد الدوري بمدينة غزنة نحو ثلثين فرساً وجملً عليه حمل
مسن النشاب ،فإنسه ممسا يهدى إلى السسلطان ،وذهسب التاجسر المذكور إلى خراسسان ثسم
عاد إلى الهنسد ،وهنالك تقاضسى منسي مائة ،واسستفاد بسسببي فائدة عظيمسة ،وعاد مسن
كبار التجار .ولقيته بمدينة حلب بعد سنين كثيرة .وقد سلبني الكفار ما كان بيدي فلم
ذكر الكركدن
ولما أجزنا نهر السند المعروف ببنج آب دخلنا غيضة قصب لسلوك الطريق لنه
فسي وسسطها ،فخرج علينسا الكركدن ،وصسورته أنسه حيوان أسسود اللون عظيسم الجرم،
ورأسسه كسبير متفاوت الضخامسة ،ولذلك يضرب بسه المثسل فيقال :الكركدن رأس بل
بدن ،وهسسو دون الفيسسل ورأسسسه أكسسبر مسن رأس الفيسسل بأضعاف .وله قرن واحسسد بيسسن
عينيه ،طوله نحو ثلثة أذرع ،وعرضه نحو الشبر .ولما خرج علينا عارضه بعض
الفرسان في طريقه فضرب الفرس الذي كان تحته بقرنه فأنفذ فخذه وصرعه ،وعاد
إلى الغيضة فلم نقدر عليه .وقد رأيت الكركدن مرة ثانية في هذا الطريق بعد صلة
العصسسر ،وهسسو يرعسسى نبات الرض .فلمسسا قصسسدناه هرب منسسا .ورأيتسسه مرة أخرى
ونحسن مسع ملك الهنسد ،دخلنسا غيضسة قصسب وركسب السسلطان على الفيسل وركبنسا معسه
الفيلة ،ودخلت الرجالة والفرسسسسسسان فأثاروه وقتلوه واسسسسسستاقوا رأسسسسسسه إلى المحلة.
وسرنا من نهر السند يومين ووصلنا إلى مدينة جناني " وضبط اسمها بفتح الجيم
والنون الولى وكسر الثانية " مدينة كبيرة على ساحل نهر السند لها أسواق مليحة،
وسكانها طائفة يقال لهم السامرة ،استوطنوها قديماً واستقر بها أسلفهم حين فتحها
على أيام الحجاج بن يوسف ،حسبما أثبت المؤرخون في فتح السند .وأخبرني الشيخ
المام العالم العامسل العابسد الزاهسد ركسن الديسن أبسو الشيسخ الفقيسه الصسالح شمسس الديسن
ابسن الشيسخ المام العابسد الزاهسد بهاء الديسن زكريسا القرشسي ،وهسو أحسد الثلثسة الذيسن
أخسبرني الشيسخ الولي الصسالح برهان الديسن العرج بمدينسة السسكندرية أنسي سسألقاهم
فسي رحلتسي فلقيتهسم والحمسد ل ،أن جده العلى كان يسسمى بمحمسد بسن قاسسم القرشسي،
وشهسد فتسح السسند فسي العسسكر الذي بعثسه لذلك الحجاج بسن يوسسف أيام إماراتسه على
العراق ،وأقام بهسسا وتكاثرت ذريتسسه .وهؤلء الطائفسسة المعرفون بالسسسامرة ل يأكلون
مسسع أحسسد ول ينظسر إليهسسم أحسد حيسن يأكلون ،ول يصسساهرون أحداً مسن غيرهسسم ،ول
يصساهر إليهسم أحسد .وكان لهسم فسي هذا العهسد أميسر يسسمى ونار " بضسم الواو وفتسح
النون " ،وسسسنذكر خسسبره .ثسسم سسسافرنا مسسن مدينسسة جنانسسي إلى أن وصسسلنا إلى مدينسسة
سسيوستان " وضبسط اسسمها بكسسر السسين الول المهمسل وياء مسد وواو مفتوح وسسين
مكسسور وتاء معلوة وآخره نون " وهسي مدينسة كسبيرة وخارجهسا صسحراء ورمال ،ل
شجر بها إل شجر أم غيلن .ول يزرع على نهرها شيء ما عدا البطيخ .وطعامهم
الذرة والجلبان ويسسمونه المشنسك " بميسم وشيسن معجسم مضموميسن ونون مسسكن "،
ومنسسه يصسسنعون الخبسسز ،وهسسي كثيرة السسسمك واللبان الجاموسسسية .وأهلهسسا يأكلون
السقنقور ،وهي دويبة شبيهة بأم حبين التي يسميها المغاربة حنيشة الجنة إل أنها ل
ذنسب لهسا .ورأيتهسم يحتفرون الرمسل ويسستخرجونها منسه ويشقون بطنهسا ويرمون بمسا
فيه ويحشونه بالكركم ،وهم يسمونه زردشوبة ،ومعناه العود الصفر ،وهو عندهم
عوض الزعفران .ولما رأيت تلك الدويبة وهم يأكلونها استقذرتها فلم آكلها .ودخلنا
هذه المدينة في احتدام القيظ وحرها الشديد .فكان أصحابي يقعدون عريانين ،يجعل
أحدهسم فوطسة على وسسطه وفوطسة على كتفيسه مبلولة بالماء ،فمسا يمضسي اليسسير مسن
الزمان حتسى تيبسس تلك الفوطسة ،فيبلهسا مرة أخرى .وهكذا أبداً .ولقيست بهذه المدينسة
خطيبهسا المعروف بالشيبانسي ،وأرانسي كتاب أميسر المؤمنيسن الخليفسة عمسر بسن عبسد
العزيسز رضسي ال عنسه لجده العلى بخطابسة هذه المدينسة .وهسم يتوارثونهسا مسن ذلك
ونسص الكتاب :هذا مسا أمسر بسه عبسد ال أميسر المؤمنيسن عمسر بسن عبسد العزيسز لفلن
وتاريخه سنة تسع وتسعين ،وعليه مكتوب بخط أمير المؤمنين لفلن عمر بن عبد
العزيز الحمد ل وحده على ما أخبرني الخطيب المذكور .ولقيت بها الشيخ المعمر
محمسد البغدادي وهسو بالزاويسة التسي على قسبر الشيسخ الصسالح عثمان المرتدي .وذكسر
أن عمره يزيد على مائة وأربعين سنة ،وأنه حضر مقتل المستعصم بال آخر خلفاء
بنسي العباس رضسي ال عنهسم لمسا قتله الكافسر هلون بسن تنكيسز التتري .وهذا الشيسخ
كان يسسسكن بهذه المدينسسة الميسسر ونار السسسامري الذي تقدم ذكره ،والميسسر قيصسسر
الرومسي ،وهمسا فسي خدمسة السسلطان ،ومعهمسا نحسو ألف وثمانمئة فارس .وكان يسسكن
بها كافر من الهنود اسمه رتن " بفتح الراء وبفتح التاء المعلوة والنون " ،وهو من
الحذاق بالحسسساب والكتابسسة .فوفسسد على ملك الهنسسد مسسع بعسسض المراء ،فاسسستحسنه
السسسلطان وسسسماه عظيسسم السسسند ،ووله بتلك البلد ،وأقطعسسه سسسيوستان وأعمالهسسا،
وأعطاه المراتب ،وهي الطبال والعلمات كما يعطى كبار المراء .فلما وصل إلى
تلك البلد عظسم على ونار وقيصسر وغيرهسم تقديسم الكافسر عليهسم ،فأجمعوا على قتله.
فلمسسا كان بعسسد أيام مسن قدومسسه أشاروا إليسسه بالخروج إلى أحواز المدينسسة ليتطلع على
أمورها فخرج معهم .فلما جن الليل أقاموا ضجة بالمحلة ،وزعموا أن السبع ضرب
عليها .وقصدوا ضرب الكافر فقتلوه ،وعادوا إلى المدينة فأخذوا ما كان بها من مال
السسسلطان ،وذلك اثنسسا عشسسر لكاً واللك مائة ألف دينار ،وصسسرف اللك عشرة آلف
دينار مسسن ذهسسب الهنسسد .وصسسرف الدينار الهندي ديناران ونصسسف دينار مسسن ذهسسب
المغرب .وقدموا على أنفسسسسهم ونار المذكور ،وسسسسموه ملك فيروز ،وقسسسسم الموال
على العسسكر .ثسم خاف على نفسسه لبعده عسن قسبيلته ،فخرج فيمسن معسه مسن أقاربسه،
وقصد قبيلته ،وقدم الباقون من العسكر على أنفسهم قيصر الرومي .واتصل خبرهم
بعماد الملك سسرتيز مملوك السسلطان ،وهسو يومئذ أميسر أمراء السسند وسسكناه بملتان.
فجمسع العسساكر وتجهسز فسي البر وفسي نهسر السسند .وبيسن ملتان وسسيوستان عشرة أيام،
وخرج إليسه قيصسر ،فوقسع اللقاء وانهزم قيصسر ومسن معسه أشنسع هزيمسة ،وتحصسنوا
بالمدينة ،فحاصرهم ونصب المجانيق عليهم ،واشتد عليهم الحصار ،فطلبوا المان
بعسد أربعيسن يوماً مسن نزوله عليهسم فأعطاهسم المان .فلمسا نزلوا إليسه غدرهسم وأخسذ
أموالهسم وأمسر بقتلهسم .فكان كسل يوم يضرب أعناق بعضهسم ويوسسط البعسض ويسسلخ
آخريسن منهسم ويمل جلودهسم تبناً ويعلقهسا على السسور .فكانست تلك الجلود مصسلوبة،
ترعسب مسن ينظسر إليهسا .وجمسع رؤوسسهم فسي وسسط المدينسة ،فكانست مثسل التسل هنالك.
ونزلت بتلك المدينة إثر هذه الوقعة بمدرسة فيها كبيرة ،وكنت أنام على سطحها فإذا
استيقظت من الليل أرى تلك الجلود المصلوبة فتشمئز النفس منها ،ولم تطب نفسي
بالسكنى بالمدرسة فانتقلت عنها .وكان الفقيه الفاضل العادل علء الملك الخراساني
المعروف بفصيح الدين قاضي هراة في متقدم التاريخ ،قد وفد على ملك الهند فوله
مدينسة لهري وأعمالهسا مسن بلد السسند ،وحضسر هذه الحركسة مسع عماد الملك سسرتيز
بمسن معسه مسن العسساكر .فعزمست على السسفر معسه إلى مدينسة لهري .وكان له خمسسة
وكان للفقيسسسه علء الملك فسسسي جملة سسسسفنه سسسسفينة تعرف بالهورة " بفتسسح الهمزة
والهاء وسكون الواو وفتح الراء " ،وهي نوع من الطريدة عندنا إل أنها أوسع منها
وأقصسر وعلى نصسفها مرعسش مسن خشسب يصسعد له على درج ،وفوقسه مجلس مهيسأ
لجلوس الميسر ،ويجلس أصسحابه بيسن يديسه .ويقسف المماليسك يمنسة ويسسرة ،والرجال
يقذفون وهسسم نحسسو أربعيسسن .ويكون مسسع هذه الهورة أربعسسة مسسن السسسفن عسسن يمينهسسا
ويسسسارها ،اثنان منهسسا فيهمسسا مراتسسب الميسسر ،وهسسي العلمات والطبول والبواق
والنفار والصرنايات وهي الغيطات ،والخران فيهما أهل الطرب فتضرب الطبول
والبواق نوبسسة ،ويغنسسي المغنون نوبسسة .ول يزالون كذلك مسسن أول النهار إلى وقسست
الظهسر .فإذا كان وقست الغداء اجتمعست المراكسب ،ووصسل بعضهسا ببعسض ،ووضعست
بينهمسا الصسقالت ،وأتسى أهسل الطرب إلى أهورة الميسر ،فيغنون إلى أن يفرغ مسن
أكله ،ثسم يأكلون وإذا فرغوا مسن الكسل عادوا إلى سسفنهم وشرعوا فسي المسسير على
ترتيبهم إلى الليل .فإذا كان الليل ضربت المحلة على شاطئ النهر ونزل المير إلى
خيامسه ومسد السسماط وحضسر الطعام معظسم العسسكر ،فإذا صسلوا العشاء الخيرة سسمر
السسمار بالليسل نوباً ،فإذا أتسم أهسل النوبسة منهسم نوبتهسم نادى مناد منهسم بصسوت عال يسا
خونسد ملك ،قسد مضسى من الليسل كذا مسن السساعات ثسم يسسمر أهسل النوبسة الخرى ،فإذا
أتموهسا نادى مناديهسم أيضاً معلماً بمسا مسر مسن السساعات .فإذا كان الصسبح ضربست
البواق والطبول وصسليت صسلة الصسبح وأتسي بالطعام .فإذا فرغ الكسل ،أخذوا فسي
المسسير .فإن أراد الميسر ركوب النهسر ركسب على مسا ذكرناه مسن الترتيسب ،وإن أراد
المسسير فسي البر ضربست الطبال والبواق ،وتقدم حجابسه ،ثسم تلهسم المشاؤون بيسن
يديه ،ويكون بين أيدي الحجاب ستة من الفرسان ،عند ثلثة منهم أطبال قد تقلدوها
وعنسد ثلثسة صسرنايات .فإذا أقبلوا على قريسة أو مسا هسو مسن الرض مرتفسع ضربوا
تلك الطبال والصرنايات .ثم تدق أطبال العسكر وأبواقه ،ويكون عن يمين الحجاب
ويسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسارهم المغنون يغنون نوباً ،فإذا كان وقسسسسسسسسسسسسسسسسسسست الغداء نزلوا.
وسسسافرت مسسع علء الملك خمسسسة أيام ،ووصسسلنا إلى موضسسع وليتسسه ،وهسسو مدينسسة
لهري " وضبسط اسسمها بفتسح الهاء وكسسر الراء " مدينسة حسسنة على سساحل البحسر
الكسبير ،وبهسا يصسب نهسر السسند فسي البحسر ،فيلتقسي بهسا بحران ،ولهسا مرسسى عظيسم،
يأتسي إليسه أهسل اليمسن وأهسل فارس وغيره .بذلك عظمست جباياتهسا وكثرت أموالهسا.
أخبرني المير علء الملك المذكور أن مجبي هذه المدينة ستون لكاً في السنة ،وقد
ذكرنسا مقدار اللك ،وللميسر مسن ذلك نسم " نيسم " ده يسك ،ومعناه نصسف العشسر .وعلى
ذلك يعطي السلطان البلد لعماله يأخذون منها لنفسهم نصف العشر.
وركبت يوماً مع علء الملك فانتهينا إلى بسيط من الرض على مسافة سبعة أميال
منهسا يعرف بتارنسا ،فرأيست هنالك مسا ل يحصسره العسد مسن الحجارة على مثسل صسور
الدمييسن والبهائم ،وقسد تغيسر كثيسر منهسا ودثرت أشكاله ،فيبقسى منسه صسورة رأس أو
رجسسل أو سسسواهما .ومسسن الحجارة أيضاً على صسسورة الحبوب مسسن البر والحمسسص
والفول والعدس ،وهنالك آثار سسور وجدران دور ،ثسم رأينسا رسسم دار فيهسا بيست مسن
حجارة منحوتسة وفسي وسسطه دكانسة حجارة منحوتسة كأنهسا حجسر واحسد عليهسا صسورة
آدمي ،إل أن رأسه طويل وفمه في جانب من وجهه ،ويداه خلف ظهره كالمكتوف.
وهنالك مياه شديدة النتسسسن ،وكتابسسسة على بعسسسض الجدران بالهندي .وأخسسسبرني علء
الملك أن أهسل التاريسخ يزعمون أن هذا الموضسع كانست فيسه مدينسة عظيمسة أكثر أهلهسا
الفسساد فمسسخوا حجارة ،وأن ملكهسم هسو الذي على الدكانسة فسي الدار التسي ذكرناهسا،
وهي الن تسمى دار الملك ،وأن الكتابة التي في بعض الحيطان بالهندي هي تاريخ
هلك أهسل تلك المدينسة وكان ذلك منسذ ألف سسنة أو نحوهسا .وأقمست بهذه المدينسة مسع
علء الملك خمسسة أيام ،ثسم أحسسن فسي الزاد وانصسرفت عنسه إلى مدينسة بكار " بفتسح
الباء الموحدة " ،وهسي مدينسة حسسنة يشقهسا خليسج مسن نهسر السسند .وفسي وسسط ذلك
الخليج زاوية حسنة فيها الطعام للوارد والصادر .عمرها كشلوخان أيام وليته على
بلد السسسند ،وسسسيقع ذكره .ولقيسست بهذه المدينسسة الفقيسسه المام صسسدر الديسسن الحنفسسي،
ولقيت بها قاضيها المسمى بأبي حنيفة ،ولقيت بها الشيخ العابد الزاهد شمس الدين
محمسد الشيرازي ،وهسو مسن المعمريسن ،ذكسر لي أن سسنه يزيسد على مائة وعشريسن
عاماً .ثسم سسافرت مسن مدينسة بكار فوصسلت إلى مدينسة أوجسه " وضبسط اسسمها بضسم
الهمزة وفتسح الجيسم " وهسي مدينسة كسبيرة على نهسر السسند ،لهسا أسسواق حسسنة وعمارة
جيدة .وكان الميسسر بهسسا إذ ذاك الملك الفاضسسل الشريسسف جلل الديسسن الكيجسسي أحسسد
ونشأت بينسسي وبيسسن هذا الملك الشريسسف جلل الديسسن مودة ،وتأكدت بيننسسا الصسسحبة
والمحبسة ،واجتمعنسا بحضرة دهلي .فلمسا سسافر السسلطان إلى دولة أباد ،كمسا سسنذكره،
وأمرنسسسي بالقامسسسة بالحضرة ،قال لي جلل الديسسسن :إنسسسك تحتاج إلى نفقسسسة كسسسبيرة،
والسسلطان تطول غيبتسه ،فخسذ قريتسي واسستغلها حتسى أعود ،ففعلت ذلك .واسستغللت
منهسسسسسسسسسسسسا نحسسسسسسسسسسسسو خمسسسسسسسسسسسسسة آلف دينار ،جزاه ال أحسسسسسسسسسسسسسن الجزاء.
ولقيت بمدينة أوجه الشيخ العابد الزاهد الشريف قطب الدين حيدر العلوي ،وألبسني
الخرقة ،وهو من كبار الصالحين .ولم يزل الثوب الذي ألبسنيه معي ،إلى أن سلبني
كفار الهنود فسي البحسر .ثسم سسافرت مسن أوجسه إلى مدينسة ملتان " وضبسط اسسمها بضسم
الميم وتاء معلوة " ،وهي قاعدة بلد السند ،ومسكن أمير أمرائه .وفي الطريق إليها
على مسسافة عشرة أميال الوادي المعروف بخسسرو أباد ،وهسو مسن الوديسة الكبار ،ل
يجاز إل بالمراكسب .وبسه يبحسث عسن أمتعسة المجتازيسن أشسد البحسث وتفتسش رحالهسم.
وكانت عادتهم حين وصلنا إليها أن يأخذوا الربع من كل ما يجلبه التجار ،ويأخذوا
ثسم بعسد وصسولنا إلى الهنسد بسسنتين رفسع السسلطان تلك المغارم ،وأمسر أن ل يؤخسذ مسن
الناس إل الزكاة والعشر ،لما بايع للخليفة أبي العباس العباسي .ولما أخذنا في إجازة
هذا الوادي وفتشست الرحال ،عظسم علي تفتيسش رحلي ،لنسه لم يكسن فيسه طائل ،وكان
يظهسر فسي أعيسن الناس كسبيراً ،فكنست أكره أن يطلع عليسه .ومسن لطسف ال تعالى أن
وصل أحد كبار الجناد من جهة قطب الملك صاحب ملتان ،فأمر أن ل يعرض لي
ببحسسث ول تفتيسسش ،فكان كذلك .فحمدت ال على مسسا هيأه لي مسسن لطائفسسه .وبتنسسا تلك
الليلة على شاطسئ الوادي ،وقدم علينسا فسي صسبيحتها ملك البريسد واسسمه دهقان ،وهسو
سمرقندي الصل ،وهو الذي يكتب للسلطان بأخبار تلك المدينة وعمالتها وما يحدث
وأميسسر ملتان هسسو قطسسب الملك مسسن كبار المراء وفضلئهسسم .لمسسا دخلت قام إلي
وصسسافحني وأجلسسسني إلى جانبسسه .وأهديسست له مملوكاً وفرسسساً وشيئاً مسسن الزبيسسب
واللوز ،وهو من أعظم ما يهدى إليهم ،لنه ليس ببلدهم ،وإنما يجلب من خراسان.
وكان جلوس هذا الميسر على دكانسة كسبيرة عليهسا البسسط ،وعلى مقربسة منسه القاضسي،
ويسسسمى سسسالرو ،والخطيسسب ول أذكسسر اسسسمه ،وعسسن يمينسسه ويسسساره امراء الجناد،
وأهسل السسلح وقوف على رأسسه ،والعسساكر تعرض بيسن يديسه .وهناك قسسي كثيرة.
فإذا أتى من يريد أن يثبت في العسكر رامياً أعطي قوساً من تلك القسي ينزع فيها،
وهسي متفاوتسة فسي الشدة .فعلى قدر نزعسه يكون مرتبسه .ومسن أراد أن يثبست فارسساً،
فهنالك طبلة منصسوبة ،فيجري فرسسه ويرميهسا برمحسه .وهناك أيضاً خاتسم معلق فسي
حائط صغير ،فيجري فرسه حتى يحاذيه .فإن رفعه برمحه فهو الجيد عندهم ،ومن
أراد أن يثبسسست راميًا فارسسسساً فهنالك كرة موضوعسسسة فسسسي الرض ،فيجري فرسسسسه
ويرميهسا ،وعلى قدر مسا يظهسر مسن النسسان فسي ذلك مسن الصسابة يكون مرتبسه .ولمسا
دخلنا على هذا المير وسلمنا عليه ،كما ذكرناه ،أمر بإنزالنا في دار خارج المدينة،
هي لصحاب الشيخ العابد ركن الدين الذي تقدم ذكره ،وعادتهم أن ل يضيفوا أحداً
فمنهسسم خداونسسد زاده قوام الديسسن قاضسسي ترمسسذ ،قدم بأهله وولده ،ثسسم ورد عليسسه بهسسا
إخوتسسسه عماد الديسسسن وضياء الديسسسن وبرهان الديسسسن ،ومنهسسسم مبارك شاه أحسسسد كبار
سمرقند ،ومنهم أرن بغا أحد كبار بخارى ،ومنهم ملك زاده ابن أخت خداوند زاده،
ومنهم بدر الدين الفصال ،وكل واحد من هؤلء معه أصحابه وخدامه وأتباعه ،ولما
مضسسى مسسن وصسسولنا إلى ملتان شهران ،وصسسل أحسسد حجاب السسسلطان ،وهسسو شمسسس
الديسن البوشنجسي ،والملك محمسد الهروي الكتوال ،بعثهمسا السسلطان لسستقبال خداونسد
زاده .وقدم معهسسم ثلثسسة مسسن الفتيان بعثتهسسم المخدومسسة جهان أم السسسلطان لسسستقبال
زوجسة خداونده زاده المذكور .وأتوا بالخلع لهمسا ولولدهمسا ،ولتجهيسز مسن قدم مسن
الوفود ،وأتوا جميعًا إلي ،وسسألوني لماذا قدمست ،فأخسبرتهم أنسي قدمست للقامسة فسي
خدمسة خونسد عالم ،وهسو السسلطان ،وبهذا يدعى فسي بلده .وكان أمسر أن ل يترك أحسد
ممن يأتي من خراسان يدخل بلد الهند ،إل إن كان برسم القامة .فلما أعلمتهم أني
قدمت للقامة ،استدعوا القاضي والعدول ،وكتبوا عقداً علي وعلى من أراد القامة
مسسن أصسسحابي .وأبسسى بعضهسسم مسسن ذلك وتجهزنسسا للسسسفر إلى الحضرة .وبيسسن ملتان
وبينها مسيرة أربعين يوماً في عمارة متصلة .وأخرج الحاجب وصاحبه الذي بعث
معسسه مسسا يحتاج إليسسه فسسي ضيافسسة قوام الديسسن ،واسسستصحبوا مسسن ملتان نحسسو عشريسسن
طباخاً .وكان الحاجسسب يتقدم ليلً إلى كسسل منزل ،فيجهسسز الطعام وسسسواه ،فمسسا يصسسل
خداونسد زاده حتسى يكون الطعام متيسسراً .وينزل كسل واحسد ممسن ذكرناهسم مسن الوفود
على حدة ،بمضاربسه ،وأصسحابه .وربمسا حضروا الطعام الذي يصسنع لخداونسد زاده.
ولم أحضره أنسا إل مرة واحدة .وترتيسب ذلك الطعام أنهسم يجعلون الخبسز ،وخبزهسم
الرقاق وهو شبه الجراديق ،ويقطعون اللحم المشوي قطعاً كبيرة ،بحيث تكون الشاة
أربسسع قطسسع أو سسستاً ،ويجعلون أمام كسسل رجسسل قطعسسة .ويجعلون أقراص سًا مصسسنوعة
بالسسسمن تشبسسه الخبسسز المشترك ببلدنسسا ،ويجعلون فسسي وسسسطها الحلواء الصسسابونية،
ويغطون كل قرص منها برغيف حلواء يسمونه الخشتي ،ومعناه الجري ،مصنوع
مسن الدقيسق والسسكر والسسمن .ثسم يجعلون اللحسم المطبوخ بالسسمن والبصسل والزنجبيسل
الخضسر فسي صسحاف صسينية ثسم يجعلون شيئاً يسسمونه سسموسك ،وهسو لحسم مهروس
مطبوخ باللوز والجوز والفسسستق والبصسسل والبازيسسر ،موضوعسسة فسسي جوف رقاقسسة
مقلوة بالسسمن .يضعون أمام كسل إنسسان خمسس قطسع مسن ذلك أو أربعاً ،ثسم يجعلون
المطبوخ بالسسمن عليسه الدجاج ،ثسم يجعلون لقيمات القاضسي ويسسمونه الهاشمسي ،ثسم
يجعلون القاهريسة .ويقسف الحاجسب على السسماط قبسل الكسل ،ويخدم إلى الجهسة التسي
فيهسا السسلطان ،ويخدم جميسع مسن حضسر لخدمتسه .والخدمسة عندهسم حسط الرأس نحسو
الركوع ،فإذا فعلوا ذلك جلسسسسوا للكسسسل .ويوتسسسى بأقداح الذهسسسب والفضسسسة والزجاج
مملوءة بماء النبات وهو الجلب محلولً في الماء ،ويسمون ذلك الشربة ،ويشربونه
قبل الطعام .ثم يقول الحاجب :بسم ال :فعند ذلك يشرعون في الكل .فإذا أكلوا أتوا
بأكواز الفقاع فإذا شربوه ،أتوا بالتنبول والفوفسسسسل :وقسسسسد تقدم ذكرهمسسسسا ،فإذا أخذوا
التنبول والفوفسسسل قال الحاجسسسب :بسسسسم ال .فيقومون ويخدمون مثسسسل خدمتهسسسم أولً،
وينصسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسرفون.
ثسسم سسسافرنا مسسن مدينسسة ملتان ،وهسسم يجرون هذا الترتيسسب على مسسا سسسطرناه ،إلى أن
وصسلنا إلى بلد الهنسد .وكان أول بلد دخلناه مدينسة أبوهسر " بفتسح الهاء " ،وهسي أول
تلك البلد الهنديسة ،صسغيرة حسسنة كثيرة العمارة ،ذات أنهار وأشجار .وليسس هنالك
مسن أشجار بلدنسا شيسء .مسا عدا النبسق ،لكنسه عندهسم عظيسم الجرم ،تكون الحبسة منسه
بمقدار حبة العفص ،شديد الحلوة .ولهم أشجار كثيرة ،ليس يوجد منها شيء ببلدنا
ول بسواها.
فمنهسا العنبسة " بفتسح العيسن وسسكون النون وفتسح الباء الموحدة " ،وهسي شجرة تشبسه
أشجار النارنسج ،إل أنهسا أعظسم أجراماً وأكثسر أوراقاً وظلهسا أكثسر الظلل ،غيسر أنسه
ثقيسل فمسن نام تحتسه وعسك .وثمرهسا على قدر الجاص الكسبير .فإذا كان أخضسر قبسل
تمام نضجسه أخذوا مسا سسقط منسه ،وجعلوا عليسه الملح ،وصسيروه كمسا يصسير الليسم
والليمون ببلدنا .وكذلك يصيرون أيضاً الزنجبيل الخضر وعناقيد الفلفل .ويأكلون
ذلك مع الطعام ،يأخذون بأثر كل لقمة يسيراً من هذه المملوحات فإذا نضجت العنبة
فسسي أوان الخريسسف ،اصسسفرت جباتهسسا فأكلوهسسا كالتفاح .فالبعسسض يقطعهسسا بالسسسكين،
والخسر يمصسها مصساً .وهسي حلوة يمازج حلوتهسا يسسير حموضسة .ولهسا نواة كسبيرة
يزرعونها فتنبت منها الشجار ،كما تزرع نوى النارنج وغيرها .والشكي والبركي
" بفتسح الشيسن المعجسم وكسسر الكاف ،وفتسح الباء الموحدة وكسسر الكاف " .وهسي
أشجار عادية ،أوراقها كأوراق الجوز ،وثمرها يخرج من أصل الشجر ،فما اتصل
منسه بالرض فهسو البركسي ،وحلوتسه أشسد وطعمسه أطيسب ،ومسا كان فوق ذلك فهسو
الشكسسي وثمره يشبسسه القرع الكبار ،وجلوده تشبسسه جلود البقسسر ،فإذا اصسسفر فسسي أوان
الخريسف قطعوه وشقوه .فيكون فسي داخسل كسل حبسة المائة والمائتان .فمسا بيسن ذلك مسن
حبات تشبسه الخيار ،بيسن كسل حبسة وحبسة صسفاق أصسفر اللون ،ولكسل حبسة نواة تشبسه
الفول الكسبير ،وإذا شويست هذه النواة أو طبخست يكون طعمهسا كطعسم الفول ،إذ ليسس
يوجسد هنالك .ويدخرون هذه النوى فسي التراب الحمسر فتبقسى إلى سسنة أخرى .وهذا
الشكي والبركي هو خير فاكهة ببلد الهند .والتندو " بفتح التاء المثناة وسكون النون
وضسم الدال " وهسو ثمسر شجسر البنوس ،وحباتسه قدر حبات المشمسش ،ولونهسا ،وهسو
شديسسسد الحلوة ،والجوز " بضسسسم الجيسسسم المعقودة " وأشجار .عاديسسسة ويشبسسسه ثمرة
الزيتون ،وهسو أسسود اللون ،ونواه واحدة كالزيتون ،والنارنسج الحلو ،وهسو وعندهسم
كثيسسر .وأمسسا النارنسسج الحامسسض فعزيسسز الوجود .ومنسسه صسسنف ثالث يكون بيسسن الحلو
والحامض ،وثمره على قدر الليم وهو طيب جداً ،وكنت يعجبني أكله ،ومنها المهوا
" وبفتسح الميسم والواو " وأشجار عاديسة وأوراقسه كأوراق الجوز ،إل أن فيهسا حمرة
وصسفرة ،وثمره مثسل الجاص الصسغير شديسد الحلوة .وفسي أعلى كسل حبسة منسه حبسة
إل أن الكثار مسن أكلهسا يحدث فسي الرأس صسداعاً ،ومسن العجسب أن هذه الحبوب إذا
يبست في الشمس كان طعمها كطعم التين ،وكنت آكلها عوضاً عن التين إذ ل يوجد
ببلد الهنسسد .وهسسم يسسسمون هذه الحبسسة النكور " بفتسسح الهمزة وسسسكون النون وضسسم
الكاف المعقودة والواو والراء " ،وتفسسسيره بلسسسانهم العنسسب .والعنسسب بأرض الهنسسد
عزيسسز جداً ،ول يكون بهسسا إل فسسي موضسسع بحضرة دهلي ،وببلد أخرى ،ويثمسسر
مرتيسن فسي السسنة .ونوى هذا الثمسر يصسنعون منسه الزيست ،ويسستصبحون بسه .ومسن
فواكههم فاكهة يسسمونها كسسيرا " بفتح الكاف وكسر السين المهمسل وياء مسد وراء "
يحفرون عليهسا الرض ،وهسي شديدة الحلوة تشبسه القسسطل .وببلد الهنسد مسن فواكسه
بلدنا الرمان ،ويثمر مرتين فسي السسنة .ورأيتسه ببلد جزائر ذيبة المهسل ل ينقطع له
ثمسر ،وهسم يسسمونه أنار " بفتسح الهمزة والنون " ،وأظسن ذلك هسو الصسل فسي تسسمية
وأهسسل الهنسسد يزرعون مرتيسسن فسسي السسسنة .فإذا نزل المطسسر عندهسسم فسسي أوان القيسسظ
زرعوا الزرع الخريفسي ،وحصسدوه بعسد سستين يوماً مسن زراعتسه .ومسن هذه الحبوب
الخريفية عندهم الكذرو " بضم الكاف وسكون الذال المعجم وضم الراء وبعدها واو
" ،وهو نوع من الدخن .وهذا الكذور هو أكثر الحبوب عندهم .ومنها القال " بالقاف
" وهو أشبه أنلي ،ومنها الشاماخ " بالشين والخاء المعجمتين " وهو أصغر حباً من
القال .وربما نبت هذا الشاماخ من غير زراعة ،وهو طعام الصالحين وأهل الورع
والفقراء والمسساكين .يخرجون لجمسع مسا نبست منسه مسن غيسر زراعسة ،فيمسسك أحدهسم
قفسسة كسسبيرة بيسسساره ،وتكون بيمناه مقرعسسة يضرب بهسسا الزرع فيسسسقط فسسي القفسسة،
فيجمعون منسه مسا يقتاتون بسه جميسع السسنة .وحب هذا الشاماخ صسغير جداً ،وإذا جمسع
جعسل فسي الشمسس ،ثسم يدق فسي مهارس الخشسب .فيطيسر قشره .ويبقسى لبسه أبيسض،
ويصنعون منه عصيدة يطبخونها بحليب الجواميس ،وهي أطيب من خبزه .وكنت
آكلهسا كثيراً ببلد الهنسد وتعجبنسي .ومنهسا الماش ،وهسو نوع مسن الجلبان ،ومنهسا المنسج
" بميم مضموم ونون وجيم " ،وهو نوع من الماش ،إل أن حبوبه مستطيلة ولونه
صسافي الخضرة ،ويطبخون المنسج مسع الرز ويأكلونسه بالسسمن ويسسمونه كشرى "
بالكاف والشين المعجم والراء " ،وعليه يفطرون في كل يوم .وهو عندهم كالحريرة
ببلد المغرب .ومنها اللوبيا وهي نوع من الفول ،ومنها الموث " بضم الميم " وهو
مثسل الكذرو ،إل أن حبوبسه أصسغر ،وهسو مسن علف الدواب عندهسم ،وتسسمن الدواب
بأكله ،والشعيسسر عندهسسم ل قوة له ،وإنمسسا علف الدواب مسسن هذا الموت ،أو الحمسسص
الماش ،بعسد أن تسسقى الدابسة السسمن عشرة أيام ،فسي كسل يوم مقدار ثلثسة أرطال أو
أربعة ،ول تركب في تلك اليام .وبعد ذلك يطعمونها أوراق الماش كما ذكرنا شهراً
أو نحوه وهذه الحبوب التي ذكرناها هي الخريفية وإذا حصدوها بعد ستين يوماً من
وتكون زراعتهسا فسي الرض التسي كانست الحبوب الخريفيسة مزدرعسة فيهسا .وبلدهسم
كريمسة طيبسة التربسة .وأمسا الرز فانهسم يزرعونسه ثلث مرات فسي السسنة ،وهسو مسن
أكبر الحبوب عندهم .ويزدرعون السمسم وقصب السكر مع الحبوب الخريفية التي
تقدم ذكرهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا.
" ولنعسد إلى مسا كنسا بسسبيله فأقول " سسافرنا مسن مدينسة أبوهسر ،فسي صسحراء مسسيرة
يوم ،في أطرافها جبال منيعة يسكنها كفار الهنود ،وربما قطعوا الطريق .وأهل بلد
الهند أكثرهم كفار .فمنهم رعية تحت ذمة المسلمين ،يسكنون القرى ،ويكون عليهم
حاكسم مسن المسسلمين يقدمسه العامسل أو الخديسم الذي تكون القريسة فسي إقطاعسه ،ومنهسم
ولمسا أردنسا السسفر مسن مدينسة أبوهسر ،خرج الناس منهسا أول النهار ،وأقمست بهسا إلى
نصسف النهار فسي لمة مسن أصسحابي ،ثم خرجنا ،ونحن اثنان وعشرون فارساً .منهم
عرب ومنهسسسم أعاجسسسم ،فخرج علينسسسا فسسسي تلك الصسسسحراء ثمانون رجلً مسسسن الكفار
وفارسسسان .وكان أصسسحابي ذوي نجدة وعتسسي ،فقاتلناهسسم أشسسد القتال ،فقتلنسسا أحسسد
الفارسسين منهسم وغنمنسا فرسسه ،مسن رجالهسم نحسو اثنسي عشسر رجلً وأصسابتني نشابسة،
وأصسابت فرسي نشابسة ثانية ومن ال بالسلمة منها ،لن نشابهم ل قوة لها ،وجرح
لحد أصحابنا فرس عوضناه له بفرس الكافر ،وذبحنا فرسه المجروح ،فأكله الترك
مسسن أصسسحابنا .وأوصسسلنا تلك الرؤوس إلى حصسن أبسسي بكهسسر فعلقناهسسا على سسسوره.
وكان وصسولنا فسي نصسف الليسل إلى حصسن أبسي بكهسر المذكور " وضبسط اسسمه بفتسح
الباء الموحدة وسسسكون الكاف وفتسسح الهاء وآخره راء " .وسسسافرنا منسسه فوصسسلنا بعسسد
يوميسسن إلى مدينسسة أجودهسسن " وضبسسط اسسسمها بفتسسح الهمزة وضسسم الجيسسم وفتسسح الدال
المهمل والهاء وآخره نون " ،مدينة صغيرة هي للشيخ الصالح فريد الدين البذاوني
الذي أخسبرني الشيسخ الصسالح الولي برهان الديسن العرج بالسسكندرية أنسي سسألقاه،
فلقيتسه والحمسد ل ،وهسو شيسخ ملك الهنسد ،وأنعسم عليسه بهذه المدينسة .وهذا الشيسخ مبتلى
بالوسسواس والعياذ بال ،فل يصسافح أحداً ول يدنسو منسه ،وإذا ألصسق ثوبسه بثوب أحسد
غسل ثوبه .دخلت زاويته ولقيته وأبلغته سلم الشيخ برهان الدين ،فعجب وقال :أنا
دون ذلك .ولقيست ولديسه الفاضليسن معسز الديسن ،وهسو أكبرهمسا ولمسا مات أبوه تولى
الشياخة بعده ،وعلم علم الدين .وزرت قبر جده القطب الصالح فريد الدين البذاوني،
منسسوبة إلى مدينسة " بذاون " بلد السسنبل " .وهسي بفتسح الباء الموحدة والذال المعجسم
وضسسم الواو وآخرهسسا نون " ولمسسا أردت النصسسراف عسسن هذه المدينسسة ،قال لي علم
الديسن :ل بسد لك مسن رؤيسة والدي فرأيتسه وهسو فسي أعلى سسطح له ،وعليسه ثياب بيسض
وعمامة كبيرة لها ذؤابة وهي مائلة إلى جانب .ودعا لي وبعث إلي بسكر ونبات.
ولمسا انصسرفت عسن هذا الشيسخ ،رأيست الناس يهرعون مسن عسسكرنا ،ومعهسم بعسض
أصسسحابنا .فسسسألته مسسا الخسسبر ? فأخسسبروني أن كافراً مسسن الهنود مات ،وأججسست النار
لحرقه ،وامرأته تحرق نفسها معه .ولما احترقا جاء أصحابي وأخبروا أنها عانقت
الميت حتى احترقت معه .وبعد ذلك كنت في تلك البلد أرى المرأة من كفار الهنود
متزينسة راكبسة ،والناس يتبعونهسا مسن مسسلم وكافسر ،والطبال والبواق بيسن يديهسا،
ومعهسا البراهمسة ،وهسم كسبراء الهنود .وإذا كان ذلك ببلد السسلطان اسستأذنوا السسلطان
فسي إحراقهسا فيؤذن لهسم فيحرقونهسا .ثسم اتفسق بعسد مدة أنسي كنست بمدينسة أكثسر سسكانها
الكفار تعرف بأبجري ،وأميرهسا مسسلم مسن سسامرة السسند ،وعلى مقربسة منهسا الكفار
العصساة ،فقطعوا الطريسق يوماً ،وخرج الميسر المسسلم لقتالهسم ،وخرجست معسه رعيسة
من المسلمين والكفار ،ووقع بينهم قتال شديد ،مات فيه من رعية الكفار سبعة نفر -
وكان لثلثسسة منهسسم ثلث زوجات ،فاتفقسن على إحراق أنفسسهن .وإحراق المرأة بعسد
زوجها عندهم أمر مندوب إليه غير واجب لكن من أحقرت نفسها بعد زوجها أحرز
أهل بيتها شرفًا بذلك ،ونسبوا إلى الوفاء ،ومن لم تحرق نفسها ،لبست خشن الثياب،
وأقامت عند أهلها بائسة ممتهنة لعدم وفائها .ولكنها ل تكره على إحراق نفسها .ولما
تعاهدت النسسوة الثلث اللئي ذكرناهسن على إحراق أنفسسهن ،أقمسن قبسل ذلك ثلثسة
أيام في غناء وطرب وأكل وشرب ،كأنهن يودعن الدنيا .ويأتي إليهن النساء من كل
جهسة .وفسي صسبيحة اليوم الرابسع أتيست كسل واحدة منهسن بفرس فركبتسه ،وهسي متزينسة
متعطرة ،وفي يمناها جوزة نارجيل تلعب بها ،وفي يسراها مرآة تنظر فيها وجهها،
والبراهمسة يحفون بهسا ،وأقاربهسا معهسا ،وبيسن يديهسا الطبال والبواق والنفار .وكسل
إنسان من الكفار يقول لها :أبلغي السلم إلى أبي أو أخي أو أمي أو صاحبي ،وهي
تقول :نعم ،وتضحك إليهم .وركبت مع أصحابي لرى كيفية صنعهن في الحتراق.
فسسسرنا معهسسن نحسسو ثلثسسة أميال ،وانتهينسسا إلى موضسسع مظلم كثيسسر المياه والشجار
متكاثسف الظلل ،وبيسن أشجاره أربسع قباب ،فسي كسل قبسة صسنم مسن الحجارة .وبيسن
القباب صسسسهريج ماء قسسسد تكاثفسسست عليسسسه الظلل ،وتزاحمسسست الشجار فل تتخللهسسسا
الشمس .فكان ذلك الموضع بقعة من بقع جهنم ،أعاذنا ال منها .ولما وصلن إلى تلك
القباب ،نزلن إلى الصسسهريج ،وانغمسسسن فيسسه ،وجردن مسسا عليهسسن مسسن ثياب وحلي،
فتصدقن به .وأتيت كل واحدة منهن بثوب قطن خشن غير مخيط ،فربط بعضه على
وسسسطها ،وبعضسسه على رأسسسها وكتفيهسسا .والنيران قسسد أضرمسست على قرب مسسن ذلك
الصهريج ،في موضع منخفض ،وصب عليها روغن كنجت " كنجد " ،وهو زيت
الجلجلان فزاد فسسي اشتعالهسسا .وهنالك نحسسو خمسسسة عشسسر رجلً بأيديهسسم حزم مسسن
الحطسب الرقيسق ،ومعهسم نحسو عشرة بأيديهسم خشسب كبار ،وأهسل الطبال والبواق
وقوف ينتظرون مجيسء المرأة ،وقسد حجبست النار بملحفسة ،يمسسكها الرجال بأيديهسم
لئل يدهشهسا النظسر إليهسا .فرأيست إحداهسن لمسا وصسلت إلى تلك الملحفسة ،نزعتهسا مسن
أيدي الرجال بعنف وقالت لهم :مارا ميترساني ازاطش " آنش " من ميدانم أواطاش
اسست رهكانسي مارا؛ وهسي تضحسك ،ومعنسى هذا الكلم أبالنار تخوفوننسي ? أنسا أعلم
أنها نار محرقة .ثم جمعت يديها على رأسها خدمة للنار ،ورمت بنفسها فيها .وعند
ذلك ضربسست الطبال والنفار والبواق ،ورمسسى الرجال مسسا بأيديهسسم مسسن الحطسسب
عليهسسا ،وجعسسل الخرون تلك الخشسسب مسسن فوقهسسا لئل تتحرك ،وارتفعسست الصسسوات
وكثسر الضجيسج .ولمسا رأيست ذلك كدت أسسقط عسن فرسسي لول أصسحابي تداركونسي
بالماء .فغسسلوا وجهسي وانصسرفت .وكذلك يفعسل أهسل الهنسد أيضًا فسي الغرق .يغرق
كثيسر منهسم أنفسسهم فسي نهسر الكنسك ،وهسو الذي إليسه يحجون .وفيسه يرمسى برماد هؤلء
المحرقيسسن .وهسسم يقولون :إنسسه مسسن الجنسسة .وإذا أتسسى أحدهسسم ليغرق نفسسسه يقول لمسسن
حضره " ل تظنوا أنسي أغرق نفسسي لجسل شيسء مسن أمور الدنيسا أو لقلة مال ،إنمسا
قصسدي التقرب إلى كسساي ،وكسساي " بضسم الكاف والسسين المهمسل " اسسم ال عسز
وجسل بلسسانهم ،ثسم يغرق نفسسه .فإذا مات أخرجوه وأحرقوه ورموا برماده فسي البحسر
المذكور .ولنعسد إلى كلمنسا الول ،فنقول :سسافرنا مسن مدينسة أجودهسن فوصسلنا بعسد
مسسيرة أربعسة أيام منهسا إلى مدينسة سسرستي " وضبسط اسسمها بسسينين مفتوحيسن بينهمسا
راء سساكنة ثسم تاء مثناة مكسسورة وياء " مدينسة كسبيرة كثيرة الرز ،وأرزهسا طيسب
ومنها يحمل إلى حضرة دهلي ،ولها مجبى كثير جداً .أخبرني الحاجب شمس الدين
البوشنجسي بمقداره ونسسيته .ثسم سسافرنا منهسا إلى مدينسة حانسسي " وضبسط اسسمها بفتسح
الحاء المهملة وألف ونون ساكن وسين مهمل مكسور وياء " وهي من أحسن المدن
وأتقنهسا وأكثرهسا عمارة ،ولهسا سسور عظيسم ذكروا أن بانيسه رجسل مسن كبار سسلطين
الكفار يسسمى تورة " بضسم التاء المعلوة وفتسح الراء " .وله عندهسم حكايات وأخبار.
من هذه المدينة كمال الدين صدر الجهان قاضي قضاة الهند ،وأخوه قطلوخان معلم
السلطان ،وأخواهما نظام الدين وشمس الدين الذي انقطع إلى ال وجاور بمكة حتى
مات .ثسم سسافرنا مسن حانسسي فوصسلنا بعسد يوميسن إلى مسسعود أباد .وهسي على عشرة
أميال مسسن حضرة دهلي ،وأقمنسسا بهسسا ثلثسسة أيام ،وحانسسسي ومسسسعود أباد همسسا للملك
المعظسم هوشنسج " بضسم الهاء وفتسح الشيسن المعجسم وسسكون النون وبعدهسا جيسم " ابسن
الملك كمال كرك ،وكرك " بكافيسسن معقوديسسن أولهمسسا مضمومسسة " ومعناه الذئب،
وسسيأتي ذكره .وكان سسلطان الهنسد الذي قصسدنا حضرتسه غائباً عنهسا بناحيسة مدينسة
قتوج ،وبينهسسسا وبيسسسن حضرة دهلي عشرة أيام ،وكانسسست بالحضرة والدتسسسه وتدعسسسى
المخدومسة جهان ،وجهان اسسم الدنيسا .وكان بهسا أيضاً وزيره خواجسه جهان المسسمى
بأحمسد بسن إياس ،الرومسي الصسل .فبعسث الوزيسر إلينسا أصسحابه ليتلقونسا ،وعيسن للقاء
كسل واحسد منسا مسن كان مسن صسنفه .فكان مسن الذيسن عينهسم للقائي الشيسخ البسسطامي،
والشريسف المازندرانسي وهسو حاجسب الغرباء ،والفقيسه علء الديسن الملتانسي المعروف
بقنرة " بضسسم القاف وفتسسح النون وتشديدهسسا " وكتسسب إلى السسسلطان بخبرنسسا ،وبعسسث
الكتاب مسع الدواة ،وهسي بريسد الرجالة ،حسسبما ذكرناه ،فوصسل إلى السسلطان ،وأتاه
الجواب فسي تلك اليام الثلثسة التسي أقمناهسا بمسسعود أباد ،وبعسد تلك اليام خرج إلى
لقائنا القضاة والفقهاء والمشايخ وبعض المراء ،وهم يسمون المراء ملوكاً .فحيث
يقول أهل ديار مصر وغيرها المير يقولن هم الملك .وخرج إلى لقائنا الشيخ ظهير
الديسن الزنجانسي ،وهسو كسبير المنزلة عنسد السسلطان .ثسم رحلنسا مسن مسسعود أباد فنزلنسا
بمقربسة مسن قريسة تسسمى بالم " بفتسح الباء المعقودة وفتسح اللم " وهسي للسسيد الشريسف
ناصسر الديسن مطهسر الوهري ،أحسد ندماء السسلطان ،وممسن له عنده الحظوة التامسة.
وفي غد ذلك اليوم وصلنا إلى حاضرة دهلي قاعدة بلد الهند "وضبط اسمها بكسر
الدال المهمسسل وسسسكون الهاء وكسسسر اللم" ،وهسسي المدينسسة العظيمسسة الشأن الضخمسسة
الجامعة بين الحسن والحصانة ،وعليها السور الذي ل يعلم له في بلد الدنيا نظير،
وهي أعظم مدن الهند بل مدن السلم كلها بالمشرق.
ذكر وصفها
ومدينسسسة دهلي كسسسبيرة السسسساحة كثيرة العمارة ،وهسسسي الن أربسسسع مدن متجاورات
متصسسلت ،إحداهسسا المسسسماة بهذا السسسم دهلي ،وهسسي القديمسسة مسن بناء الكفار .وكان
افتتاحها سنة أربع وثمانين وخمسمائة ،والثانية تسمى سيري " بكسر السين المهمل
والراء بينهمسسا ياء مسسد " ،وتسسسمى أيضًا دار الخلفسسة ،وهسسي التسسي أعطاهسا السسسلطان
لغياث الدين حفيد الخليفة المستنصر العباسي لم قدم عليه ،وبها كان سكنى السلطان
علء الديسن وابنسه قطسب الديسن ،وسسنذكرهما ،والثالثسة تسسمى تغلق أباد باسسم بانيهسا
السلطان تغلق والد سلطان الهند الذي قدمنا عليه .وكان سبب بنائه لها أنه وقف يوماً
بين يدي السلطان قطب الدين ،فقال له :يا خوند عالم ،كان ينبغي أن تبني هنا مدينة.
فقال له السسلطان متهكماً :إذا كنست سسلطاناً فابنهسا .فكان مسن قدر ال أن كان سسلطاناً
فبناهسا ،وسسماها باسسمه .والرابعسة تسسمى جهان بناه ،وهسي مختصسة بسسكنى السسلطان
محمد شاه ملك الهند الن الذي قدمنا عليه .وهو الذي بناها .وكان أراد أن يضم هذه
المدن الربسع تحست سسور واحسد فبنسى منسه بعضاً وترك بناء باقيسه ،لعظسم مسا يلزم فسي
بنائه.
والسسور المحيسط بمدينسة دهلي ل يوجسد له نظيسر .عرض حائطسه أحسد عشسر ذراعاً.
وفيسسسه بيوت يسسسسكنها السسسسمار وحفاظ البواب .وفيهسسسا مخازن للطعام ويسسسسمونها
النبارات ،ومخازن للعدد ،ومخازن للمجانيسسق ،والرعادات ويبقسسى الزرع بهسسا مدة
طائلة ل يتغيسر ،ول تطرقسه آفسة .ولقسد شاهدت الرز يخرج مسن بعسض تلك المخازن
ولونه قد اسود ،ولكن طعمه طيب .ورأيت أيضاً الكذرو يخرج منها .وكل ذلك من
اختزان السسلطان بلبسن منسذ تسسعين سسنة .ويمشسي فسي داخسل السسور الفرسسان والرجال
مسن أول المدينسة إلى آخرهسا .وفيسه طيقان مفتحسة إلى جهسة المدينسة يدخسل منهسا الضوء
وأسسفل هذا السسور مبنسي بالحجارة ،وأعله بالجسر ،وأبراجسه كثيرة متقاربسة .ولهذه
المدينة ثمانية وعشرون باباً ،وهم يسمون الباب دروازة .فمنها دروازة بذاون ،وهي
الكبرى ،ودروازة المندوي ،وبها رحبة الزرع ،ودروازة جل " بضم الجيم " وهي
موضسع البسساتين ،ودروازة شاه :اسسم رجسل ،ودروازة بالم :اسسم قريسة قسد ذكرناهسا،
ودروازة نجيسب :اسسم رجسل ،ودروازة كمال كذلك ،ودروازة غزنسة ،نسسبة إلى مدينسة
غزنسة التسي فسي طرف خراسسان ،وبخارجهسا مصسلى العيسد وبعسض المقابر ،ودروازة
البجالصسسة " بفتسسح الباء والجيسسم والصسساد المهمسسل " ،وبخارج هذه الدروازة مقابر
دهلي ،وهسي مقسبرة حسسنة يبنون بهسا القباب .ول بسد عنسد كسل قسبر مسن محراب ،وإن
كان ل قبسة له ،ويزرعون بهسا الشجار المزهرة مثسل قسل كسل شنبو وريبول راي بيل
وجامسع دهلي كسبير السساحة ،حيطانسه وسسقفه وفرشسه كسل ذلك مسن الحجارة البيسض
المنحوتسة ،أبدع نحست ،ملصسقة بالرصساص أتقسن إلصساقه ،ل خشبسة بسه أصسلً .وفيسه
ثلث عشرة قبسة مسن حجارة ،ومنسبره أيضاً مسن الحجسر ،وله أربعسة مسن الصسحون.
وفسي وسسط الجامسع العمود الهائل الذي ل يدرى مسن أي المعادن هسو .ذكسر لي بعسض
حكمائهم أنه سمي هفت جوش " بفتح الهاء وسكون الفاء وتاء معلوة وجيم مضموم
وآخره شين معجم " ،ومعنى ذلك سبعة معادن ،وأنه مؤلف منها .وقد جلي من هذا
العمود مقدار السسبابة ،ولذلك المجلو منسه بريسق عظيسم ،ول يؤثسر فيسه الحديسد .وطوله
ثلثون ذراعاً ،وأدرنسا بسه عمامسة فكان الذي أحاط بدائرتسه منهسا ثمانسي أذرع .وعنسد
الباب الشرقسسي مسسن أبواب المسسسجد صسسنمان كسسبيران جداً مسسن النحاس مطروحان
بالرض ،وقسد ألصسقا بالحجارة ،ويطسأ عليهسا كسل داخسل إلى المسسجد أو خارج منسه.
وكان موضسع هذا المسسجد بدخانسة ،وهسو بيست الصسنام ،فلمسا افتتحست جعسل مسسجداً،
وفي الصحن الشمالي من المسجد الصومعة التي ل نظير لها في بلد السلم .وهي
مبنية بالحجارة الحمر ،خلفاً لحجارة سائر المسجد ،فإنها بيض .وحجارة الصومعة
منقوشسة ،وهسي سسامية الرتفاع ،وفحلهسا مسن الرخام البيسض الناصسع ،وتفافيحهسا مسن
الذهسب الخالص ،وسسعة ممرهسا بحيسث تصسعد فيسه الفيلة .حدثنسي مسن أثسق بسه أنسه رأى
الفيسل حيسن بنيست يصسعد بالحجارة إلى أعلهسا .وهسي مسن بناء السسلطان معسز الديسن
ناصسر الديسن ابسن السسلطان غياث الديسن بلبسن .وأراد السسلطان قطسب الديسن أن يبنسى
بالصحن الغربي صومعة أعظم منها ،فبنى مقدار الثلث منها ،واخترم دون تمامها.
وأراد السسسلطان محمسسد إتمامهسسا ،ثسسم ترك ذلك تشاؤماً .وهذه الصسسومعة مسسن عجائب
الدينا في ضخامتها وسعة ممرها ،بحيث تصعده ثلثة من الفيلة متقارنة .وهذا الثلث
المبني مساوٍ لرتفاع جميع الصومعة التي ذكرنا أنها بالصحن الشمالي .وصعدتها
مرة فرأيست معظسم دور المدينسة ،وعاينست السسوار على ارتفاعهسا وسسموها منحطسة،
وظهر لي الناس في أسفلها كأنهم الصبيان الصغار .ويظهر لناظرها من أسفلها أن
ارتفاعها ليس بذلك ،لعظم جرمها وسعتها .وكان السلطان قطب الدين أراد أن يبني
أيضًا مسسسجداً جامعاً بسسسيري المسسسماة دار الخلفسسة ،فلم يتسسم منسسه غيسسر الحائط القبلي
والمحراب ،وبناؤه بالحجارة البيسض والسسود والحمسر والخضسر .ولو كمسل لم يكسن له
مثل في البلد .وأراد السلطان محمد إتمامه ،وبعث عرفاء البناء ليقدروا النفقة فيه،
فزعموا أنسه ينفسق فسي إتمامسه خمسسة وثلثون لكسا فترك ذلك اسستكثاراً له .وأخسبرني
بعض خواصه أنه لم يترك استكثاراً ،لكنه تشاءم به لما كان السلطان قطب الدين قد
وبخارج دهلي الحوض العظيسم المنسسوب إلى السسلطان شمسس الديسن للمسش ،ومنسه
يشرب أهسسل المدينسسة ،وهسسو بالقرب مسسن مصسسلها .وماؤهسسا يجتمسسع مسسن ماء المطسسر.
وطوله نحسسو ميليسسن وعرضسسه على النصسسف مسسن طوله .والجهسسة الغربيسسة مسسن ناحيسسة
المصلى مبنية بالحجارة مصنوعة أمثال الدكاكين ،بعضها أعلى من بعض ،وتحت
كسسل دكان درج ينزل عليهسسا إلى الماء ،وبجانسسب كسسل دكان قبسسة حجارة فيهسسا مجالس
للمتنزهيسسن والمتفرجيسسن .وفسسي وسسسط الحوض قبسسة عظيمسسة مسسن الحجارة المنقوشسسة
مجعولة طبقتيسن .فإذا كثسر الماء فسي الحوض ،ولم يكسن سسبيل إليهسا إل فسي القوارب،
فإذا قسل الماء دخسل إليهسا الناس ،وداخلهسا مسسجد .وفسي أكثسر الوقات يقيسم بهسا الفقراء
المنقطعون إلى ال المتوكلون عليسه ،وإذا جسف الماء فسي جوانسب هذا الحوض زرع
فيهسا قصسب السسكر والخيار والقثاء والبطيسخ الخضسر والصسفر وهسو شديسد الحلوة
صسغير الجرم .وفيمسا بيسن دهلي ودار الخلفسة حوض الخاص وهسو أكسبر مسن حوض
السسلطان شمسس الديسن .وعلى جوانبسه نحسو أربعيسن قبسة ،ويسسكن حوله أهسل الطرب،
وموضعهسم يسسمى طرب أباد .ولهسم سسوق هنالك مسن أعظسم السسواق ،ومسسجد جامسع
ومساجد سواه كثيرة .وأخبرت أن النساء المغنيات لساكنات هنالك يصلين التراويح
في شهر رمضان بتلك المساجد مجتمعات ،ويؤم بهن الئمة ،وعددهن كبير ،وكذلك
الرجال المغنون .ولقسد شاهدت الرجال أهسل الطرب فسي عرس الميسر سسيف الديسن
غدا بسسن مهنسسا .لكسسل واحسسد منهسسم مصسسلى تحسست ركبتسسه ،فاذا سسسمع الذان قام فتوضسسأ
وصلى.
فمنهسا قسبر الشيسخ الصسالح قطسب الديسن بختيار الكعكسي ،وهسو ظاهسر البركسة كثيسر
التعظيم .وسبب تسمية هذا الشيخ بالكعكي أنه كان إذا أتاه الذين عليهم الديون شاكين
مسن الفقسر أو القلة ،أو الذيسن لهسم البنات ولم يجدوا مسا يجهزوهسن بسه إلى أزواجهسن،
يعطسي مسن أتاه منهسم كعكعسة مسن الذهسب أو مسن الفضسة ،حتسى عرف مسن أجسل ذلك
بالكعكسي رحمسه ال ،ومنهسا قسبر الفقيسه الفاضسل نور الديسن الكرلنسي " بضسم الكاف
وسسكون الراء والنون " ومنهسا قسبر الفقيسه علء الديسن الكرمانسي نسسبة إلى كرمان،
وهسو ظاهسر البركسة سساطع النور ومكانسه يظهسر قبلة المصسلى .وبذلك الموضسع قبور
فمنهم الشيخ الصالح العالم محمود الكبا " بالباء الموحدة " ،وهو من كبار الصالحين.
والناس يزعمون أنه ينفق من الكون ،لنه ل مال له ظاهر ،وهو يطعم الوارد والصادر،
ويعطي الذهب والدراهم والثواب ،وظهرت له كرامات كثيرة ،واشتهر بها .رأيته مرات
كثيرة ،وحصلت لي بركته ،ومنهم الشيخ الصالح العالم علء الدين النيلي كأنه منسوب إلى
نيل مصر ،وال أعلم ،كان من أصحاب الشيخ الصالح نظام الدين البزواني .وهو يعظ
الناس في كل يوم جمعة ،فيتوب كثير منهم بين يديه ،ويحلقون رؤوسهم ،ويتواجدون
ويغشى على بعضهم.
حكاية شاهدته في بعض اليام وهو يعظ .فقرأ القارئ بين يديه " :يا أيها الناس اتقوا ربكم
إن زلزله الساعة شيءٌ عظيمٌ يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات
حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب ال شديدٌ " .ثم كررها الفقيه
علء الدين .فصاح أحد الفقراء من ناحية المسجد صيحة عظيمة ،فأعاد الشيخ الية ،فصاح
الفقير ثانية ووقع ميتاً .وكنت فيمن صلى عليه ،وحضر جنازته .ومنهم الشيخ الصالح العابد
صدر الدين الكهراني " بضم الكاف وسكون الهاء وراء ونون " وكان يصوم الدهر ويقوم
الليل وتجرد عن الدنيا جميعاً ونبذها ،ولباسه عباءة .ويزوره السلطان وأهل الدولة ،وربما
احتجب عنهم .فرغب السلطان منه أن يقطعه قرى يطعم منها الفقراء والواردين فأبى ذلك.
وزاره يوماً وأتى إليه بعشرة آلف دينار فلم يقبلها وذكروا أنه ل يفطر إل بعد ثلث ،وأنه
قيل له في ذلك فقال :ل أفطر حتى اضطر ،فتحل لي الميتة ،ومنهم المام الصالح العالم
العابد الورع الخاشع فريد دهره ووحيد عصره كمال الدين عبد ال الغاري " بالغين المعجم
والراء " نسبة إلى غار كان يسكنه خارج دهلي بمقربة من زاوية الشيخ نظام الدين البذاوني
زرته بهذا الغار ثلث مرات.
كرامسسة له :كان لي غلم فأبسسق منسسي ،وألفيتسسه بيسسد رجسسل مسسن الترك ،فذهبسست إلى
انتزاعه من يده ،فقال لي الشيخ :إن هذا الغلم ل يصلح لك فل تأخذه .وكان التركي
راغبًا فسي المصسالحة ،فصسالحته بمائة دينار أخذتهسا منسه ،وتركتسه له .فلمسا كان بعسد
ستة أشهر قتسل سيده ،وأتى به إلى السلطان ،فأمر بتسليمه لولد سيده فقتلوه .ولما
شاهدت لهذا الشيسخ هذه الكرامسة انقطعست إليسه ولزمتسه وتركست الدنيسا ووهبست جميسع
مسسا كان عندي للفقراء والمسسساكين وأقمسست عنده مدة ،فكنسست أراه يواصسسل عشرة أيام
وعشريسن يوماً ،ويقوم أكثسر الليسل .ولم أزل معسه حتسى بعسث عنسي السسلطان ،ونشبست
فسي الدنيسا ثانيسة .وال تعالى يختسم بالخيسر وسسأذكر ذلك فيمسا بعسد إن شاء ال تعالى،
حدثنسسي الفقيسسه العالم العلمسسة قاضسسي القضاة بالهنسسد والسسسند كمال الديسسن محمسسد بسسن
البرهان الغزنوي الملقب بصدر الجهان ،أنم مدينة دهلي افتتحت من أيدي الكفار في
سسسنة أربسسع وثمانيسسن وخمسسسمائة .وقسسد قرأت أنسسا ذلك مكتوباً على محراب الجامسسع
العظسم بهسا .وأخسبرني أيضاً أنهسا افتتحست على يسد الميسر قطسب الديسن أيبسك " واسسمه
بفتسح الهمزة وسسكون الياء آخسر الحروف وفتسح الباء الموحدة " ،وكان يلقسب سسياه "
سسسالر " ،ومعناه مقدم الجيوش .وهسسو أحسسد مماليسسك السسسلطان المعظسسم شهاب الديسسن
محمسسد بسسن سسسنام الغوري ملك غزنسسة وخراسسسان ،المتغلب على ملك إبراهيسسم بسسن
السسسلطان الغازي محمود بسسن سسسبكتكين الذي ابتدأ فتسسح الهنسسد .وكان السسسلطان شهاب
الديسن المذكور بعسث الميسر قطسب الديسن بعسسكر عظيسم ففتسح ال عليسه مدينسة لهور.
وسسكنها وعظسم شأنسه ،وسسعى بسه إلى السسلطان ،وألقسى إليسه جلسساؤه أنسه يريسد النفراد
بملك الهنسد ،وأنسه قسد عصسى وخالف .وبلغ هذا الخسبر إلى قطسب الديسن فبادر بنفسسه،
وقدم على غزنسة ليلً ،ودخسل على السسلطان ،ول علم عنسد الذيسن وشوا بسه إليسه .فلمسا
كان بالغسد قعسد السسلطان على سسريره ،وأقعسد أيبسك تحست السسرير ،بحيسث ل يظهسر،
وجاء الندماء والخواص الذين سعوا به .فلما استقر بهم الجلوس سألهم السلطان عن
شأن أيبسسك ،فذكروا له أن عصسسى وخالف ،وقالوا :قسسد صسسح عندنسسا أنسسه ادعسسى الملك
لنفسسه .فضرب السسلطان سسريره برجله ،وصسفق بيديسه وقال :يسا أيبسك ،قال :لبيسك،
وخرج عليهسم ،فسسقط فسي أيديهسم ،وفزعوا إلى تقبيسل الرض .فقال لهسم السسلطان :قسد
غفرت لكسم هذه الزلة .وإياكسم والعودة إلى الكلم فسي أيبسك .وأمره أن يعود إلى بلد
الهنسد ،فعاد إليهسا ،وفتسح مدينسة دهلي وسسواها .واسستقر بهسا السسلم إلى هذا العهسد.
" وضبط اسمه بفتح اللم الولى وسكون الثانية وكسر الميم وشين معجم " ،وهو
أول مسن ولي الملك بمدينسة دهلي مسستقلً بسه وكان قبسل تملكسه مملوكاً للميسر قطسب
الديسن أيبسك وصساحب عسسكره نائباً عنسه ،فلمسا مات قطسب الديسن اسستبد بالملك ،وأخسذ
الناس بالبيعسسة .فأتاه الفقهاء يقدمهسسم قاضسسي القضاة إذ ذاك وجيسسه الديسسن الكاسسساني،
فدخلوا عليه وقعد بين يديه ،وقعد القاضي إلى جانبه على العادة وفهم السلطان عنهم
مسا أرادوا أن يكلموه بسه ،فرفسع طرف البسساط الذي هسو قاعسد عليسه ،وأخرج لهسم عقداً
يتضمن عتقسه .فقرأه القاضسي والفقهاء ،وبايعوه جميعاً .واسستقل بالملك ،وكانست مدتسه
عشريسسن سسسنة .وكان عادلً صسسالحاً فاضلً ،ومسسن مآثره أنسسه اشتسسد فسسي رد المظالم
وإنصساف المظلوميسن وأامسر أن يلبسس كسل مظلوم ثوباً مصسبوغاً وأهسل الهنسد جميعاً
يلبسسون البياض فكان متسى قعسد للناس أو ركسب فرأى أحداً عليسه ثوب مصسبوغ نظسر
فسي قضيتسه وأنصسفه ممسن ظلمسه ثسم أنسه أعيسا فسي ذلك فقال :إن بعسض الناس تجري
عليهسسم المظالم بالليسسل ،وأريسسد تعجيسسل إنصسسافهم ،فجعسسل على باب قصسسره أسسسدين
مصسورين مسن الرخام موضوعيسن على برجيسن هنالك ،وفسي أعناقهمسا سسلسلتان مسن
الحديد فيهما جرس كبير ،فكان المظلوم يأتي ليلً فيحرك الجرس ،فيسمعه السلطان
وينظسر فسي أمره للحيسن وينصسفه .ولمسا توفسي السسلطان شمسس الديسن خلف مسن الولد
الذكور ثلثة وهم ركن الدين الوالي بعده ،ومعز الدين ،وناصر الدين ،وبنتاً تسمى
رضية وهي شقيقة معز الدين منهم فتولى بعده ركن الدين كما ذكرناه.
ولما بويع ركن الدين بعد موت أبيه افتتح أمره بالتعدي على أخيه معز الدين فقتله
وكانت رضية شقيقته ،فأنكرت ذلك عليه ،فأراد قتلها .فلما كان في بعض أيام الجمع
خرج ركسن الديسن إلى الصسلة .فصسعدت رضيسة على سسطح القصسر القديسم المجاور
للجامع العظم ،وهو يسمى دولة خانة ،ولبست عليها ثياب المظلومين ،وتعرضت
للناس ،وكلمتهسم مسن أعلى السسطح ،وقالت لهسم :إن أخسي قتسل أخاه ،وهسو يريسد قتلي
معسه .وذكرتهسم أيام أبيهسا وفعله الخيسر وإحسسانه إليهسم فثاروا عنسد ذلك إلى السسلطان
ركن الدين وهو في مسجد فقبضوا عليه وأتوا به إليها فقالت لهم :القاتل يقتل فقتلوه
قصاصاً بأخيه وكان آخرهما ناصر الدين صغيراً فاتفق الناس على تولية رضية.
ذكر السلطانة رضية
ولمسا قتسل ركسن الديسن اجتمعست العسساكر على توليسة أختسه رضيسة الملك ،فولوهسا.
واسستقلت بالملك أربسع سسنين وكانست تركسب بالقوس والتركسش والقربان ،كمسا يركسب
الرجال ول تسستر وجههسا ،ثسم إنهسا اتهمست بعبسد لهسا مسن الحبشسة فاتفسق الناس على
خلعهسا وتزويجهسا ،فخلعست وزوجست مسن بعسض أقاربهسا وولي الملك أخوهسا ناصسر
الدين.
ولمسا خلعست رضيسة ولي ناصسر الديسن أخوهسا الصسغر ،واسستقل بالملك مدة .ثسم إن
رضية وزوجها خالفا عليه ،وركبا في مماليكهما ومن تبعهما من أهل الفساد وتهيأ
لقتاله ،وخرج ناصسر الديسن معسه مملوكسه النائب عنسه غياث الديسن بلبسن متولي الملك
بعده فوقسسع اللقاء وانهزم عسسسكر رضيسسة ،وفرت بنفسسسها ،فأدركهسسا الجوع وأجهدهسسا
العياء ،فقصسدت حراثاً رأتسه يحرث الرض ،فطلبست منسه مسا تأكله ،فأعطاهسا كسسرة
خبسسز فأكلتهسا ،وغلب عليهسسا النوم ،وكانسست فسسي زي الرجال ،فلمسسا نامسست نظسر إليهسسا
الحراث وهسي نائمسة ،فرأى تحست ثيابهسا قباء مرصسعًا فعلم أنهسا امرأة فقتلهسا وسسلبها
وطرد فرسسها ودفنهسا فسي فدانسه ،وأخسذ بعسض ثيابهسا فذهسب إلى السسوق يبيعهسا ،فأنكسر
أهسل السسوق شأنسه وأتوا بسه الشحنسة ،وهسو الحاكسم ،فضربسه فأقسر بقتلهسا ودلهسم على
مدفنهسا فاسستخرجوها وغسسلوها وكفنوهسا ودفنست هنالك وبنسي عليهسا قبسة وقبرهسا الن
يزار ويتبرك به ،وهو على شاطئ النهر الكبير المعروف بنهر الجون ،على مسافة
فرسسسخ واحسسد مسسن المدينسسة .واسسستقل ناصسسر الديسسن بالملك بعدهسسا ،واسسستقام له المسسر
عشريسسن سسسنة وكان ملكاً صسسالحاً ينسسسخ نسسسخاً مسسن الكتاب العزيسسز ويبيعهسسا فيقتات
بثمنها .وقد وقفني القاضي كمال الدين على مصحف بخطه متقن محكم الكتابة ،ثم
إن نائبه غياث الدين بلبن قتله ،وملك بعده ولبلبن هذا خبر ظريف نذكره.
" وضبط اسمه بباءين موحدتين بينهما لم والجميع مفتوحات وآخرها نون " ،ولما
قتل بلبن موله السلطان ناصر الدين استقل بالملك بعده عشرين سنة ،وقد كان قبلها
نائباً له عشريسسن سسسنة أخرى وكان مسسن خيار السسسلطين ،عادلً حليماً فاضلً .ومسسن
مكارمه أنه بنى داراً ،وسماها دار المن فمن دخلها من أهل الديون قضي دينه ومن
دخلها خائفاً أمن ،ومن دخلها وقد قتل أحداً أرضى عنه أولياء المقتول ،ومن دخلها
مسن ذوي الجنايات أرضسى أيضاً مسن يطلبسه .وبتلك الدار دفسن لمسا مات .وقسد زرت
قبره.
حكاية
يذكسر أن أحسد الفقراء ببخارى رأى بهسا بلبسن هذا وكان قصسيراً حقيراً دميماً فقال له:
يا تركك ،وهي لفظة تعبر عن الحتقار .فقال له :لبيك يا خوند ،فأعجبه كلمه ،فقال
له :إشتسر لي مسن هذا الرمان ،وأشار إلى رمان يباع فسي بالسسوق ،فقال :نعسم وأخرج
فليسسات لم يكسن عنده سسواها واشترى له مسن ذلك الرمان .فلمسا أخذهسا الفقيسر قال له:
وهبناك ملك الهنسسد .فقبسسل بلبسسن يسسد نفسسسه ،وقال :قبلت ورضيسست واسسستقر ذلك فسسي
ضميره ،واتفسسق أن بعسسث السسسلطان شمسسس الديسسن للمسسش تاجراً يشتري له المماليسسك
بسسسمرقند وبخارى وترمسسذ فاشترى مائة مملوك كان مسسن جملتهسسم بلبسسن ،فلمسسا دخسسل
بالمماليك على السلطان أعجبه جميعهم إل بلبن ،لما ذكرناه من دمامته فقال :ل أقبل
هذا فقال له بلبسن :يسا خونسد عالم لمسن اشتريست هؤلء المماليسك ? فضحسك منسه وقال:
اشتريتهسم لنفسسي .فقال :اشترنسي أنسا ل عسز وجسل .فقال :نعسم وقبله وجعله فسي جملة
المماليسك فاحتقسر شأنسه وجعسل فسي السسقائين وكان أهسل المعرفسة بعلم النجوم يقولون
للسسلطان شمسس الديسن :إن أحسد مماليكسه يأخسذ الملك مسن يسد ابنسك ويسستولي عليسه ول
يزالون يلقون ذلك ،وهسسو ل يلتفسست إلى أقوالهسسم لصسسلحه وعدله ،إلى أن ذكسسر ذلك
للخاتون الكسسبرى أم أولده فذكرت له ذلك ،وأثسسر فسسي نفسسسه ،وبعسسث على المنجميسسن
فقال :أتعرفون المملوك الذي يأخسسسذ ملك ابنسسسي إذا رأيتموه ? فقالوا له :نعسسسم عندنسسسا
علمسة نعرفسه بهسا فأمسر السسلطان بعرض مماليكسه ،وجلس لذلك فعرضوا بيسن يديسه
طبقسة طبقسة ،والمنجمون ينظرون إليهسم ويقولون :لم نره بعسد ،وحان وقست الزوال،
فقال السقاءون بعضهم لبعض :إنا قد جعنا ،فلنجمع شيئاً من الدراهم ،ونبعث أحدنا
إلى السسوق ليشتري لنسا مسا نأكله فجمعوا الدراهسم ،وبعثوا بهسا بلبسن ،إذ لم يكسن فيهسم
أحقسر منسه .فلم يجسد بالسسوق مسا أرادوه فتوجسه إلى سسوق أخرى وأبطسأ وجاءت نوبسة
السسقائين فسي العرض وهسو لم يأت بعسد ،فأخذوا زقسه وماعونسه وجعلوه على كاهسل
صسبي ،وعرضوه على أنسه بلبسن فلمسا نودي اسسمه جاز الصسبي بيسن أيديهسم وانقضسى
العرض .ولم ير المنجمون الصورة التي يطلبونها .وجاء بلبن بعد تمام العرض ،لما
أراد ال مسن إنفاذ قضائه .ثسم إنسه ظهرت نجابتسه ،فجعسل أميسر السسقائين ،ثسم صسار مسن
جملة الجناد ،ثم من المراء ،ثم تزوج السلطان ناصر الدين بنته قبل أن يلي الملك
ولمسا ولي الملك جعله نائباً عنسه مدة عشريسن سسنة ،ثسم قتله بلبسن واسستولى على ملكسه
عشريسن سسنة أخرى كمسا تقدم ذكسر ذلك ،وكان للسسلطان بلبسن ولدان أحدهمسا الخان
الشهيسد ولي عهده ،وكان والياً لبيسه ببلد السسند ،سساكناً بمدينسة ملتان وقتسل فسي حرب
له مسع التتسر ،وترك ولديسن :كسي قباد وكسي خسسرو .وولد السسلطان بلبسن الثانسي يسسمى
ناصسر الديسن ،وكان والياً لبيسه ببلد اللكنوتسي وبنجالة .فلمسا اسستشهد الخان الشهيسد
جعل السلطان بلبن العهد إلى ولده كي خسرو ،وعدل به عن ابن نفسه ناصر الدين
وكان لناصر الدين كذلك ولد ساكن بحضرة دهلي مع جده بيسمى معز الدين ،وهو
الذي تولى الملك بعد جده في خبر عجيب نذكره ،وأبوه إذ ذاك حي كما ذكرناه.
ولمسسا توفسسي السسسلطان غياث الديسسن ليلً ،وابنسسه ناصسسر الديسسن غائب ببلده اللكنوتسسي،
وجعل العهد لبن ابنه الشهيد كي خسرو ،حسبما قصصناه ،كان ملك المراء نائب
السسلطان غياث الديسن عدواً لكسي خسسرو فأراد عليسه حيلة تمست ،وهسي أنسه كتسب بيعسة
دلس فيها على خطوط المراء الكبار بأنهم بايعوا السلطان معز الدين حفيد السلطان
بلبسن ودخسل على كسي خسسرو كالمتنصسح له فقال له :إن المراء قسد بايعوا ابسن عمسك،
وأخاف عليسك منهسم .فقال كسي خسسروا :فمسا الحيلة ? قال :انسج بنفسسك هارباً إلى بلد
السند فقال :وكيف الخروج والبواب مسدودة ? قال له :إن المفاتيح بيدي ،وأنا أفتح
لك فشكره على ذلك وقبسل يده ،وقال له :اركسب الن ،فركسب فسي خاصسته ومماليكسه،
وفتح له الباب وأخرجه ،وسد في أثره ،واستأذن على معز الدين فبايعه ،فقال :كيف
لي بذلك ووليسة العهسد لبسن عمسي ? فأعلمسه بمسا أدار عليسه مسن الحيلة ،وبإخراجسه.
فشكره على ذلك ومضسسى بسسه إلى دار الملك ،وبعسسث إلى المراء والخواص فبايعوا
ل فلمسسسا أصسسبح بايعسسه سسسائر الناس واسسسستقام له الملك وكان أبوه حياً ببلد بنجالة
لي ً
واللكنوتي فاتصل به الخبر فقال :أنا وارث الملك وكيف يلي ابني الملك ويستقل به
وأنسا بقيسد الحياة ? فتجهسز فسي جيوشسه قاصسداً حضرة دهلي ،وتجهسز ولده فسي جيوشسه
كذلك قاصسدًا لمدافعتسه عنهسا ،فتوفيسا معاً بمدينسة كرا ،وهسي على سساحل نهسر الكنسك
الذي تحسسسج الهنود إليسسسه فنزل ناصسسسر الديسسسن على شاطئه ممسسسا يلي كرا ونزل ولده
السلطان معز الدين مما يلي الجهة الخرى ،والنهر بينهما وعزما على القتال ،ثم أن
ال تعالى أراد حقن دماء المسلمين ،فألقى في قلب ناصر الدرين الرحمة لبنه وقال:
إذا ملك ولدي فذلك شرف ،وأنسا أحسق أن أرغسب فسي ذلك ،وألقسى فسي قلب السسلطان
معسز الديسن الضراعسة لبيسه فركسب كسل واحسد منهمسا منفرداً عسن جيوشسه ،والتقيسا فسي
وسسسط النهسسر فقبسسل السسسلطان رجسسل أبيسسه واعتذر له .فقال له أبوه :قسسد وهبتسسك ملكسسي
ووليتسسك وبايعسسه وأراد الرجوع إلى بلده فقال له ابنسسه :ل بسسد لك مسسن الوصسسول إلى
بلدي ،فمضسى معسه إلى دهلي ،ودخسل القصسر وأقعده أبوه على سسرير الملك ووقسف
بيسن يديسه وسسمي ذلك اللقاء الذي كان بينهمسا بالنهسر :لقاء السسعدين ،لمسا كان فيسه مسن
حقسسن الدماء ،وتواهسسب الملك والتجافسسي عسسن المنازعسسة .وأكثرت الشعراء فسسي ذلك.
وعاد ناصر الدين إلى بلده ،فمات بها بعد سسنين وترك بها ذرية منهسم غياث الديسن
بهادور الذي أسره السلطان تغلق وأطلقه ابنه محمد بعد وفاته ،واستقام الملك لمعز
الدين أربعة أعوام بعد ذلك وكانت كالعياد .رأيت بعض من أدركها يصف خيراتها
ورخسص أسسعراها ،وجود معسز الديسن وكرمسه وهسو الذي بنسي الصسومعة بالصسحن
الشمالي من جامع دهلي ول نظير لها في البلد .وحكى لي بعض أهل الهند أن معز
الديسسن كان يكثسسر النكاح والشرب ،فاعتلتسسه علة أعجسسز الطباء دواؤهسسا ،ويبسسس أحسسد
شقيسسه فقام عليسسه نائبسسه جلل الديسسن فيروزشاة الخلجسسي " بفتسسح الخاء المعجسسم واللم
والجيم ".
ولمسا اعترى السسلطان معسز الديسن مسا ذكرناه مسن يبسس أحسد شقيسه خالف عليسه نائبسه
جلل الديسن وخرج إلى ظاهسر المدينسة فوقسف على تسل هنالك بجانسب قبسة تعرف بقبسة
الجيشانسي .فبعسث معسز الديسن المراء لقتاله ،فكان كسل مسن يبعثسه منهسم يبايسع جلل
الدين ويدخل في جملته ثم دخل المدينة وحصره في القصر ثلثة أيام .وحدثني من
شاهسد ذلك أن السسلطان معسز الديسن أصسابه الجوع فسي تلك اليام ،فلم يجسد مسا يأكله،
فبعسث إليسه أحسد الشرفاء مسن جيرانسه مسا أقام أوده ،ودخسل عليسه القصسر فقتسل ،وولي
بعده جلل الديسن وكان حليماً فاضلً ،وحلمسه أداه إلى القتسل ،كمسا سسنذكره واسستقام له
الملك سنين وبنى القصر المعروف باسمه ،وهو الذي أعطاه السلطان محمد لصهره
المير غدا بن مهنا ،لما زوجه ،بأخته ،وسيذكر ذلك ،فكان للسلطان جلل الدين ولد
اسمه ركن الدين ،وابن أخ اسمه علء الدين زوجه بابنته ووله مدينة كرا ومانكبور
ونواحيهسا ،وهسي مسن أخصسب بلد الهنسد كثيرة القمسح والرز والسسكر وتصسنع بهسا
الثياب الرفيعسة ،ومنهسا تجلب إلى دهلي ،وبينهمسا مسسيرة ثمانيسة عشسر يوماً وكانست
زوجسسة علء الديسسن تؤذيسسه ،فل زال يشكوهسسا إلى عمسسه السسسلطان جلل الديسسن حتسسى
وقعت الوحشة بينهما بسببها وكان علء الدين شهماً شجاعاً مظفراً منصوراً ،وحب
الملك ثابست فسي نفسسه ،إل أنسه لم يكسن له مال إل مسا يسستفيده بسسيفه مسن غنائم الكفار.
فاتفق أنه ذهب مرة إلى الغزو ببلد الدويقير ،وتسمى بلد الكتكة أيضاً وسنذكرها،
وهسي كرسسي بلد المالوه والمرهتسة ،وكان سسلطانها أكسبر سسلطين الكفار ،فعثرت
بعلء الدين بتلك الغزوة دابة له عند حجر فسمع له طنيناً ،فأمر بالحفر هنالك فوجد
تحتسسه كنزاً عظيماً ،ففرقسسه فسسي أصسسحابه ووصسسل إلى الدويقيسسر ،فأذعسسن له سسسلطانها
بالطاعسسة ،ومكنسسه مسسن المدينسسة مسسن غيسسر حرب وأهدى له هدايسسا عظيمسسة فرجسسع إلى
المدينسة كرا ،ولم يبعسث إلى عمسه شيئاً مسن الغنائم فأغرى الناس عمسه بسه فبعسث إليسه،
فامتنع من الوصول إليه فقال السلطان جلل الدين أنا أذهب إليه وآتي به فإنه محل
ولدي فتجهسز فسي عسساكره وطوى المراحسل حتسى حسل بسساحل مدينسة كرا ،حيسث نزل
السسسلطان معسسز الديسسن لمسسا خرج إلى لقاء أبيسسه ناصسسر الديسسن ،وركسسب النهسسر برسسسم
الوصول إلى ابن أخيه ،وركب ابن أخيه أيضاً في مركب ثان عازماً على الفتك به
وقال لصسحابه :إذا أنسا عانقتسه فاقتلوه فلمسا التقيسا وسسط النهسر عانقسه ابسن أخيسه وقتله
ولما قتل عمه استقل بالملك ،وفر إليه أكثر عساكر عمه ،وعاد بعضهم إلى دهلي،
واجتمعوا على ركسسسن الديسسسن وخرج إلى دفاعسسسه فهربوا جميعًا إلى السسسسلطان علء
الديسن ،وفسر ركسن الديسن إلى السسند ،ودخسل علء الديسن دار الملك ،واسستقام له المسر
عشريسن سسنة .وكان مسن خيار السسلطين وأهسل الهنسد يثنون عليسه كثيراً ،وكان يتفقسد
أمور الرعية بنفسه ،ويسأل عن أسعارهم ،ويحضر المحتسب وهم يسمونه الرئيس
فسي كسل يوم برسسم ذلك ويذكسر أنسه سسأله يوماً عسن سسبب غلء اللحسم ،فأخسبره أنسه ذلك
لكثرة المغرم على البقسسسر فسسسي المرتسسسب فأمسسسر برفسسسع ذلك ،وأمسسسر بإحضاره التجار
وأعطاهسم الموال وقال لهسم :اشتروا بهسا البقسر والغنسم وبيعوهسا ،ويرتفسع ثمنهسا لبيست
المال ،ويكون لكسسم أجرة على بيعهسسا ففعلوا ذلك ،وفعسسل مثسسل هذا فسسي الثواب التسسي
يؤتسسى بهسسا مسسن دولة أباد وكان إذا غل ثمسسن الزرع فتسسح المخازن وباع الزرع حتسسى
يرخسص السسعر .ويذكسر أن السسعر ارتفسع ذات مرة فأمسر بسبيع الزرع بثمسن عينسه،
فامتنع الناس من بيعه بذلك الثمن ،فأمر أل يبيع أحد زرعاً غير زرع المخزن وباع
للناس سستة أشهسر ،فخاف المحتكرون فسساد زرعهسم بالسسوس فرغبوا أن يؤذن لهسم
على أن يسبيعوه بأقسل مسن القيمسة الولى التسي امتنعوا مسن بيعسه بهسا .وكان ل يركسب
لجمعسة ول لعيسد ول سواهما وسبب ذلك إنه كان له ابن أخ يسسمى سليمان شاه وكان
يحبه ويعظمه ،فركب يوماً إلى الصيد وهو معه ،وأضمر في نفسه أن يفعل ما فعل
هو بعمه جلل الدين من الفتك فلما نزل للغداء ،رماه بنشابة فصرعه وغطاه بعض
عبيده بترس وأتى ابن أخيه ليجهز عليه ،فقال له العبيد :إنه قد مات فصدقهم وركب
فدخسل القصسر على الحرم وأفاق السسلطان علء الديسن مسن غشيتسه وركسب ،واجتمعست
العسساكر عليسه ،وفسر ابسن أخيسه فأدرك وأتسي بسه إليسه فقتله ،وكان بعسد ذلك ل يركسب.
وكان له مسسن الولد خضسسر خان وشادي خان وأبسسو بكسسر خان ومبارك خان ،وهسسو
قطب الدين الذي ولي الملك ،وشهاب الدين .وكان قطب الدين مهتضماً عنده ناقص
الحسسظ قليسسل الحظوة وأعطسسى جميسسع إخوتسسه المراتسسب ،وهسسي العلم والطبال ،ولم
يعطسه شيئاً؛ وقال له يوماً ،ل بسد أن أعطيسك مثسل مسا أعطيست إخوتسك فقال له :ال هسو
الذي يعطينسي فهال أباه هذا الكلم وفزع منسه .ثسم إن السسلطان اشتسد عليسه المرض،
وكانست زوجتسه أم ولده خضسر خان ،وتسسمى ماه حسق ،والماه القمسر بلسسانهم ،لهسا أخ
يسسمى سسنجر ،فعاهدت أخاهسا على تمليسك ولدهسا خضسر خان وعلم بذلك ملك نائب
أكسبر أمراء السسلطان ،وكان يسسمى اللفسي ،لن السسلطان إشتراه بألف تنكسة ،وهسي
ألفان وخمسسسمائة مسسن دنانيسسر المغرب ،فوشسسى إلى السسسلطان بمسسا اتفقوا عليسسه ،فقال
لخواصسسه إذا دخسسل علي سسسنجر فإنسسي معطيسسه ثوباً ،فإذا لبسسسه ،فأمسسسكوا بأكمامسسه
واضربوا بسسه الرض واذبحوه فلمسسا دخسسل عليسسه فعلوا ذلك وقتلوه وكان خضسسر خان
غائباً ،بموضسسع يقال له :سسسندبت ،على مسسسيرة يوم مسسن دهلي ،توجسسه لزيارة شهداء
مدفونين به ،لنذر كان عليه أن يمشي تلك المسافة راجلً ويدعو لوالده بالراحة .فلما
بلغسسه أن أباه قتسسل خاله حزن عليسسه حزنًا شديداً ومزق جيبسه ،وتلك عادة لهسسل الهنسسد
يفعلونهسا إذا مات لهسم مسن يعسز عليهسم ،فبلغ والده مسا فعله فكره ذلك ،فلمسا دخسل عليسه
عنفسسه ولمسسه ،وأمسسر بسسه فقيدت يداه ورجله ،وسسسلمه لملك نائب المذكور ،وأمره أن
يذهسب إلى حصسن كاليور وضبطسه " بفتسح الكاف المعقودة وكسسر اللم وضسم الياء
آخسسر الحروف وآخره راء " ويقال له أيضاً كياليسسر بزيادة ياء ثانيسسة ،وهسسو حصسسن
منقطسع بيسن كفار الهنود منيسع على مسسيرة عشسر مسن دهلي ،وقسد سسكنته أنسا مدة ،فلمسا
أوصسسله إلى هذا الحصسسن سسسلمه للكتوال وهسسو أميسسر الحصسسن ،وللمفرديسسن وهسسم
الزماميون ،وقال لهسم :ل تقولوا هذا ابسن السسلطان فتكرموه ،إنمسا هسو أعدى عدو له،
فاحفظوه كما يحفظ العدو .ثم إن المرض اشتد بالسلطان فقال الملك نائب :ابعث من
يأتي بابني خضر خان لوليه العهد :فقال له نعم وماطله بذلك فمتى سأل عنه ،قال:
ولمسا توفسي السسلطان علء الديسن اقعسد ملك نائب ابنسه الصسغر شهاب الديسن على
سسسرير الملك ،وبايعسسه الناس ،وتغلب ملك نائب عليسسه ،وسسسمل أعيسسن أبسسي بكسسر خان
وشادي خان ،وبعسسث بهمسسا إلى كاليور ،وأمسسر بسسسمل عينسسي أخيهمسسا خضسسر خان
المسسجون هنالك ،وسسجنوا وسسجن قطسب الديسن ،لكنسه لم تسسمل عيناه .وكان للسسلطان
علء الديسن مملوكان مسن خواصسه ،يسسمى أحدهمسا ببشيسر والخسر بمبشسر ،فبعثست
إليهما الخاتون الكبرى زوجة علء الدين ،وهي بنت السلطان معز الدين ،فذكرتهما
بنعمة مولهما ،وقالت :إن هذا الفتى ملك نائب قد فعل في أولدي ما تعلمانه ،وأنه
يريد أن يقتل قطب الدين .فقال لهما :سترين ما نفعل ،وكانت عادتهما أن يبيتا عند
نائب ملك ويدخل عليسه بالسسلح ،فدخل عليسه تلك الليلة وهسو فسي بيست مسن الخشسب
مكسو بالملف يسمونه الخرمقة ينام في أيام المطر فوق سطح القصر ،فاتفق أنه أخذ
السسيف مسن يسد أحدهمسا فقلبسه ورده إليسه ،فضربسه بسه المملوك وثنسى عليسه صساحبه،
واحتزا رأسسه وأتيسا بسه إلى مجلس قطسب الديسن ،فرمياه بيسن يديسه ،وأخرجاه .فدخسل
على أخيه شهاب الدين وأقام بين يديه أياماً كأنه نائب له ،ثم عزم خلعه فخلعه.
وخلع قطب الدين أخاه شهاب الدين وقطع إصبعه ،وبعث به إلى كاليور فحبس مع
إخوته .واستقام الملك لقطب الدين .ثم إنه بعد ذلك خرج من حضرة دهلي إلى دولة
أباد ،وهسسي على مسسسيرة أربعيسسن يوماً منهسسا .والطريسسق بينهمسسا تكنفسسه الشجار مسسن
الصفصاف وسواه .فكأن الماشي به في بستان .وفي كل ميل منه ثلث داوات ،وهي
البريد وقد ذكرنا ترتيبه ،وفي كل داوة جميع ما يحتاج المسافر إليه .فكأنه يمشي في
سوق مسيرة الربعين يوماً .وكذلك يتصل الطريق إلى بلد التلنك .والمعبر مسيرة
ستة أشهر .وفي كل منزلة قصر للسلطان وزاوية للوارد والصادر ،فل يفتقر الفقير
إلى حمل زاد في ذلك الطريق .ولما خرج السلطان قطب الدين في هذه الحركة اتفق
بعض المراء على الخلف عليه وتولية ولد أخيه خضر خان المسجون ،وسنه نحو
عشرة أعوام ،وكان مسسع السسسلطان .فبلغ السسسلطان ذلك ،فأخسسذ ابسسن أخيسسه المذكور
وأمسسك برجليسه ،وضرب برأسسه إلى الحجارة حتسى نثسر دماغسه وبعسث أحسد المراء
ويسسسسمى ملك شاه إلى كاليور حيسسسث أبسسسو هذا الولد وأعمامسسسه وأمره بقتلهسسسم جميعاً.
فحدثنسسي القاضسسي زيسسن الديسسن مبارك قاضسسي هذا الحصسسن قال :قدم عاينسسا ملك شاه
ضحوة يوم ،وكنست عنسد خضسر خان بمحبسسه ،فلمسا سسمع بقدومسه خاف وتغيسر لونسه.
ودخسل عليسه الميسر فقال له :فيسم جئت ? قال :فسي حاجسة خونسد عالم .فقال له :نفسسي
سالمة ،فقال :نعم ،وخرج عنه واستحضر الكتوال وهو صاحب الحصن والمفردين
وهسم الزماميون ،وكانوا ثلثمائة رجسل ،وبعسث عنسي وعسن العدول ،واسستظهر بأمسر
السسلطان فقرأوه ،وأتوا إلى شهاب الديسن المخلوع فضربوا عنقسه وهسو متثبست غيسر
جزع ،ثسم ضربوا عنسق أبسي بكسر خان وشادي خان ،ولمسا أتوا ليضربوا عنسق خضسر
خان فزع وذهسل ،وكانست أمسه معسه فسسدوا الباب دونهسا ،وقتلوه وسسحبوهم جميعًا فسي
حفرة بدون تكفيسن ول غسسل .واخرجوا بعسد سسنين فدفنوا بمقابر آبائهسم .وعاشست أم
خضسر خان مدة ،ورايتهسا بمكسة سسنة ثمان وعشريسن .وحصسن كاليور هذا فسي رأس
شاهق كأنه منحوت من الصخر ل يحاذيه جبل ،وبداخله جباب الماء ونحو عشرين
بئراً عليهسسا السسسوار مضافسسة إلى الحصسسن ،منصسسوباً عليهسسا المجانيسسق والرعادات.
ويصسعد إلى الحصسن فسي طريسق متسسعة يصسعدها الفيسل والفرس .وعنسد باب الحصسن
صسورة فيسل منحوت مسن الحجسر وعليسه صسورة فيال .وإذا رآه النسسان على بعسد لم
يشسسك أنسسه فيسسل حقيقسسة .وأسسسفل الحصسسن مدينسسة حسسسنة مبنيسسة كلهسسا بالحجارة البيسسض
المنحوتسة ،مسساجدها ودورهسا ،ول خشسب فيهسا ماعدا البواب .وكذلك دار الملك بهسا
والقباب والمجالس .وأكثسر سسوقتها كفار ،وفيهسا سستمائة فارس مسن جيسش السسلطان ل
يزالون في جهاد ،لنها بين الكفار .ولما قتل قطب الدين إخوته واستقل بالملك ،ولم
يبق من ينازعه ول من يخالف عليه بعث ال تعالى عليه من خاصته ،الحظي لديه
أكسبر أمرائه وأعظمهسم منزله عنده ناصسر الديسن خسسرو خان ففتسك بسه وقتله واسستقل
بملكه ،إل أن مدته لم تطل بالملك ،فبعث ال تعالى عليه من قتله بعد خلعه السلطان
تغلق ،حسبما يشرح كله مستوفى إن شاء ال تعالى إثر هذا ونسطره.
وكان خسروخان من أكبر أمراء قطب الدين ،وهو شجاع حسن الصورة ،وكان فتح
بلد جنديري وبلد المعبر ،وهي من أخصب بلد الهند .وبينهما وبين دهلي مسيرة
سستة أشهسر .وكان قطسب الديسن يحبسه حباً شديداَ ويؤثره ،فجسر ذلك حتفسه على يديسه.
وكان لقطسب الديسن معلم يسسمى قاضسي خان صسدر الجهان ،وهسو أكسبر أمرائه وكليست
" كليسد " دار ،وهسو صساحب مفاتيسح القصسر .وعادتسه أن يسبيت كسل ليلة على باب
السسلطان ومعسه أهسل النوبسة ،وهسم ألف رجسل يسبيتون مناوبسة بيسن أربسع ليال ،ويكونون
صسفين فيمسا بيسن أبواب القصسر ،وسسلح كسل واحسد منهسم بيسن يديسه ،فل يدخسل أحسد إل
فيمسا بيسن سسماطيهم .وإذا تسم الليسل أتسى أهسل نوبسة النهار .ولهسل النوبسة أمراء وكتاب
يتطوفون عليهم ويكتبون من غاب منهم أو حضر .وكان معلم السلطان قاضي خان
يكره أفعال خسسسسرو خان ،ويسسسسوءه مسسسا يراه مسسسن إيثاره لكفار الهنود وميله إليهسسسم،
وأصسله منهسم .ول يزال يلقسي ذلك إلى السسلطان فل يسسمع منسه ويقول له دعسه ومسا
يريسسد ،لمسسا أراد ال مسسن قتله على يده .فلمسسا كان فسسي بعسسض اليام قال خسسسرو خان
للسسلطان :إن جماعسة مسن الهنود يريدون أن يسسلموا .ومسن عادتهسم فسي تلك البلد أن
الهندي إذا أراد السسلم أدخسل إلى السسلطان فيكسسوه كسسوة حسسنة ويعطيسه قلدة أو
أسساور مسن ذهسب على قدره ،فقال له السسلطان :ائتنسي بهسم .فقال :إنهسم يسستحيون أن
يدخلوا إليك نهاراً لجل أقربائهم وأهل ملتهم .فقال له :ائتني بهم ليلً .فجمع خسرو
خان جماعسة من شجعان الهنود وكسبرائهم ،فيهسم أخوه خان خانان ،وذلك أوان الحر،
والسسلطان ينام فوق سسطح القصسر ،ول يكون عنده فسي ذلك الوقست إل بعسض الفتيان.
فلمسا دخلوا البواب الربعسة وهسم شاكسو السسلح ووصسلوا إلى الباب الخامسس ،وعليسه
قاضسي خان ،أنكسر شأنهسم ،وأحسس بالشسر .فمنعهسم مسن الدخول وقال :ل بسد أن أسسمع
مسن خونسد عالم بنفسسي الذن فسي دخولهسم ،وحينئذ يدخلون .فلمسا منعهسم مسن الدخول
هجموا عليسسه فقتلوه .وعلت الضجسسة بالباب ،فقال السسسلطان :مسسا هذا ? فقال خسسسرو
خان :هم الهنود الذين أتوا ليسلموا ،فمنعهم قاضي خان من الدخول .وزاد الضجيج،
فخاف السسسلطان وقام يريسسد الدخول إلى القصسسر ،وكان بابسسه مسسسدوداً ،والفتيان عنده
فقرع الباب واحتضنسه خسسرو خان مسن خلفسه ،وكان السسلطان أقوى منسه فصسرعه.
ودخل الهنود فقال لهم خسرو خان :هو ذا فوقي فاقتلوه ،فقتلوه وقطعوا رأسه ورموا
بسه مسن سسطح القصسر إلى صسحنه .وبعسث خسسرو خان مسن حينسه إلى المراء والملوك
وهسم ل يعلمون بمسا اتفسق .فكلمسا دخلت طائفسة وجده على سسرير الملك فبايعوه ولمسا
أصسبح أعلن بأمره ،وكتب المراسسم وهي الوامسر إلى جميع البلد .وبعسث لكسل أميسر
خلعسسة فطاعوا له جميعاً .وأذعنوا إلى تغلق شاه ولد السسسلطان محمسسد شاه ،وكان إذا
ذاك وأميراً بدبال بور ،مسسن بلد السسسند .فلمسسا وصسسلته خلعسسة خسسسرو خان طرحهسسا
بالرض ،وجلس فوقها .وبعث إليه أخاه خان خانان فهزمهم .ثم آل أمره إلى أن قتله
كمسسا سسسنشرحه فسسي أخبار تغلق .ولمسسا ملك خسسسرو خان أثسسر الهنود ،وأظهسسر أموراً
منكرة ،منهسا النهسي عسن ذبسح البقسر على قاعدة كفار الهنود ،فإنهسم ل يجيزون ذبحهسا،
وجزاء من ذبحها عندهم أن يخاط في جلدها ويحرق .وهم يعظمون البقر ويشربون
أبوالها للبركة ،وللستشفاء إذا مرضوا .ويلطخون بيوتهم وحيطانهم بأرواثها .وكان
ذلك ممسسا بغسسض خسسسرو خان إلى المسسسلمين وأمالهسسم عنسسه إلى تغلق ،فلم تطسسل مدة
" وضبسط اسسمه بضسم التاء المعلوة وسسكون الغيسن المعجسم وضسم اللم وآخره قاف "
حدثني الشيخ المام الصالح العالم العامل العابد ركن الدين ابن الشيخ الصالح شمس
الديسن أبسي عبسد ال ابسن الولي المام العالم العابسد بهاء الديسن زكريسا القرشسي الملتانسي
بزاويتسسه .أن السسسلطان تغلق كان مسسن التراك المعروفيسسن بالقرونسسة " بفتسسح القاف
والراء وسسسكون الواو وفتسسح النون " ،وهسسم قانطون بالجبال التسسي بيسسن بلد السسسند
والترك .وكان ضعيف الحال ،فقدم بلد السند في خدمة بعض التجار ،وكان كلوانياً
له ،والكلوانسسي " بضسسم الكاف المعقود " هسسو راعسسي الخيسسل " جلوبان " ،وذلك على
أيام السلطان علء الدين ،وأمير السند إذ ذاك أخوه أولوخان " بضم الهمزة واللم "
فخدمسه تغلق ،وتعلق بجانبسه ،فرتبسه فسي البياة " بكسسر الباء الموحدة وفتسح الياء آخسر
الحروف " ،وهم الرجالة .ثم ظهرت نجابته فأثبت في الفرسان ،ثم كان من المراء
الصسسغار وجعله أولوخان أميسسر خيله .ثسسم كان بعسسد ذلك مسسن المراء الكبار ،وسسسمي
بالملك الغازي ،ورأيت مكتوباً على مقصورة الجامع بملتان ،وهو الذي أمر بعملها،
إنسي قاتلت التتسر تسسعاً وعشريسن مرة ،فهزمتهسم .فحينئذ سسميت بالملك الغازي .ولمسا
ولي قطسب الديسن وله مدينسة دبال بور وعمالتهسا " وهسي بكسسر الدال المهمسل وفتسح
الباء الموحدة " ،وجعسسل ولده الذي هسسو الن سسسلطان الهنسسد أميسسر خيله ،وكان يسسسمى
جونسه " بفتسح الجيسم والنون " ولمسا ملك تسسمى بمحمسد شاه .ثسم لمسا قتسل قطسب الديسن
وولي خسسسسسسرو خان أبقاه ال على إمارة الخيسسسسسل .فلمسسسسسا أراد تغلق الخلف كان له
ثلثمائة من أصحابه الذين يعتمد عليهم في القتال ،وكتب إلى كشلوخان ،وهو يومئذ
بملتان ،وبينهمسا وبيسن دبال بور ثلثسة أيام ،يطلب منسه القيام بنصسرته ،ويذكره نعمسة
قطسب الديسن ،ويحرضسه على طلب ثأره .وكان ولد كشلو خان بدهلي فكتسب إلى تغلق
أنه لو كان ولدي عندي لعنتك على ما تريد .فكتب تغلق إلى ولده محمد شاه يعلمه
بمسسا عزم عليسسه ،ويأمره أن يفسسر إليسسه ويسسستصحب معسسه ولد كشلو خان ،فأدار ولده
الحيلة على خسسرو خان .وتمست له كمسا أراد ،فقال له :إن الخيسل قسد سسمنت وتبدنست
وهسي تحتاج البراق وهسو التضميسر ،فأذن له فسي تضميرهسا .فكان يركسب كسل يوم فسي
أصسحابه فيسسير بهسا السساعة والسساعتين والثلث ،واسستمر إلى أربسع سساعات ،إلى أن
غاب يوماً إلى وقت الزوال ،وذلك وقت طعامهم ،فأمر السلطان بالركوب في طلبه،
فلم يوجسد له خسبر .ولحسق بأبيسه واسستصحب معسه ولد كشلو خان .وحينئذ أظهسر تغلق
الخلف ،وجمسع العسساكر وخرج معسه كشلو خان فسي أصسحابه ،وبعسث السسلطان أخاه
خان خانان لقتالهما ،فهزماه شر هزيمة ،وفر عسكره إليهما ،ورجع خان خانان إلى
أخيسسسسه ،وقتسسسسل أصسسسسحابه ،وأخذت خزائنسسسسه وأمواله وقصسسسسد تغلق حضرة دهلي.
وخرج إليه خسروخان في عساكره ،ونزل بخارج دهلي بموضع يعرف بآصيا أباد
" آسسسياباد " ومعنسسى ذلك رحسسى الريسسح ،وأمسسر بالخزائن ففتحسست ،وأعطسسى الموال
بالبدر ،ل بوزن ول عسسد .ووقسسع اللقاء بينسسه وبيسسن تغلق ،وقاتلت الهنود أشسسد قتال.
وانهزمست عسساكر تغلق ،ونهبسست محلتسسه ،وانفرد فسي أصسحابه القدميسن الثلثمائة،
فقال لهسم :إلى أين الفرار حيثما أدركنا قتلنا ،واشتغلت عساكر خسسرو خان بالنهب،
وتفرقوا عنسه ولم يبسق معسه ال قليسل .فقصسد تغلق وأصسحابه موقفسه ،والسسلطان هنالك
يعرف بالشطر " جتر " الذي يرفع فوق رأسه ،وهو الذي يسمى بديار مصر القبة،
والطير ،ويرفع بها في العياد .وأما بالهند والصين فل يفارق السلطان في سفر ول
حضسر .فلمسا قصسده تغلق وأصسحابه حمسي القتال بينهسم وبيسن الهنود .وانهزم أصسحاب
السلطان ولم يبق معه أحد ،وهرب فنزل عن فرسه ورمى بثيابه وسلحه ،وبقي في
قميسص واحسد ،وأرسسل شعره بيسن كتفيسه كمسا يفعسل فقراء الهنسد ،ودخسل بسستاناً هنالك.
واجتمسسع الناس على تغلق ،وقصسسد المدينسسة ،فأتاه الكتوال بالمفاتيسسح ،ودخسسل القصسسر
ونزل بناحيسة منسه وقال لكشلو خان :أنست تكون السسلطان .فقال كشلو خان :بسل أنست
تكون السسسسلطان .وتنازعسسا ،فقال له كشلو خان :فإن أبيسست أن تكون سسسلطاناً فيتولى
ولدك .فكره هذا ،وقبسل حينئذ ،وقعسد على سسرير الملك وبايعسه الخاص والعام ،ولمسا
كان بعسد ثلث اشتسد لجوع بخسسرو خان ،وهسو مختسف بالبسستان ،فخرج وطاف بسه
فوجسد القيسم فسسأله طعامًا فلم يكسن عنده فأعطاه خاتمسه وقال :اذهسب فارهنسه فسي طعام
فلمسسا ذهسسب بالخاتسسم إلى السسسوق أنكسسر الناس أمره ورفعوه إلى الشحنسسة وهسسو الحاكسسم
فأدخله على السسلطان تغلق فأعلمسه بمسن دفسع إليسه الخاتسم .فبعسث ولده محمداً ليأتسي بسه
فقبسسض عليسسه وأتاه بسسه راكباً على تتسسو " بتائيسسن مثناتيسسن أولهمسسا مفتوحسسة والثانيسسة
مضمومة " ،وهو البرذون .فلما مثل بين يديه قال له :إني جائع فأتني بطعام .فأمر
له بالشربسة ثسم الطعام ثسم بالقفاع ثسم بالتنبول .فلمسا أكسل قام قائمًا وقال :يسا تغلق افعسل
معي فعل الملوك ،ول تفضحني .فقال له :لك ذلك .وأمر به فضربت رقبته وذلك في
الموضسع الذي قتسل هسو بسه قطسب الديسن ،ورمسي برأسسه وجسسده مسن أعلى السسطح كمسا
فعل هو برأس قطب الدين ،وبعد ذلك أمر بغسله وتكفينه .ودفن في مقبرته ،واستقام
ذكسر مسا رامسه ولده مسن القيام عليسه فلم يتسم له ذلك ولمسا اسستقر تغلق بدار الملك بعسث
ولده ليفتسح بلد التلنسك " وضبطهسا بكسسر التاء المعلوة واللم وسسكون النون وكاف
معقودة " وهي على مسيرة ثلثة أشهر من مدينة دهلي .وبعث معه عسكراً عظيماً
فيسسه كبار المراء ،مثسسل الملك تمور " بفتسسح التاء المعلوة وضسسم الميسسم وآخره راء "
ومثسسسل الملك تكيسسسن " بكسسسسر التاء المعلوة والكاف وآخره نون " ومثسسسل ملك كافور
والمهردار " بضسسم الميسسم " ومثسسل ملك بيرم " بالباء الموحدة مفتوحسسة والياء أخسسر
الحروف والراء مفتوحسة " وسسواهم .فلمسا بلغ إلى أرض التلنسك أراد المخالفسة .وكان
له نديم من الفقهاء الشعراء يعرف بعبيد ،فأمره أن يلقي إلى الناس أن السلطان تغلق
توفسي ،وظنسه أن الناس يبايعونسه مسسرعين إذا سسمعوا ذلك .فلمسا ألقسى ذلك إلى الناس
أنكره المراء ،وضرب كسسل واحسسد منهسسم طبله وخالف ،فلم يبسسق معسسه أحسسد .وأرادوا
قتله ،فمنعهم منه ملك تمور ،وقام دونه .ففر إلى أبيه في عشرة من الفرسان سماهم
ياران موافسسق ،ومعناه الصسسحاب الموافقون .فأعطاه أبوه الموال والعسسساكر وأمره
بالعود إلى تلنسك فعاد إليهسا .وعلم أبوه بمسا كان أراد .فقتسل الفقيسه عسبيداً ،وأمسر بملك
كافور المهردار فدق له عمود فسسي الرض محدود الطرف ،وركسسز فسسي عنقسسه حتسسى
خرج مسن جنبسه طرفسه ،ورأسسه ،إلى أسسفل .وترك على تلك الحال .وفسر مسن بقسي مسن
المراء إلى السسلطان شمسس الديسن ابسن السسلطان ناصسر الديسن ابسن السسلطان غياث
ذكسسسر مسسسسير تغلق إلى بلد اللكنوتسسسي ومسسسا اتصسسسل لذلك إلى وفاتسسسه وأقام المراء
الهاربون عنسد السسلطان شمسس الديسن ،ثسم إن شمسس الديسن توفسي ،وعهسد لولده شهاب
الديسن فجلس مجلس أبيسه .ثسم غلب عليسه أخوه الصسغر غياث الديسن بهادور ،بورة،
ومعناه بالهنديسة السسود ،واسستولى على الملك ،وقتسل أخاه قطلوخان وسسائر إخوتسه.
وفسر شهاب الدين وناصر الدين منهم إلى تغلق ،فتجهز معهمسا لقتال أخيهما ،وخلف
ولده محمداً نائباً عنه في ملكه ،وجد السسير إلى بلد اللكنوتي فانتصر عليها ،وأسر
سسلطانها غياث الديسن بهادور ،وقدم بسه أسسيراً إلى حاضرة ملكسه .وكان بمدينسة دهلي
الوالي نظام الديسن البذوانسي ،ول يزال محمسد شاه ابسن السسلطان يتردد إليسه .ويعظسم
خدامسسه ،ويسسسأله الدعاء .وكان يأخسسذ الشيسسخ حالٌ تغلب عليسسه .فقال ابسسن السسسلطان
لخدامسه؛ إذا كان الشيسخ فسي حاله التسي تغلب عليسه فأعلمونسي بذلك .فلمسا أخذتسه الحال
أعلموه فدخسل عليسه ،فلمسا رآه الشيسخ قال :وهبنسا لك الملك ،ثسم توفسي الشيسخ فسي أيام
غيبسسة السسسلطان .فحمسسل ابنسسه محمسسد نعشسسه على كاهله ،فبلغ ذلك أباه فأنكره وتوعده.
وكان قد رأى منه أموراً ،ونقم عليه استكثاره من شراء المماليك ،وإجزاله العطايا،
واسستجلله قلوب الناس ،فزاد حنقسه عليسه .وبلغسه أن المنجميسن زعموا أنسه ل يدخسل
مدينسة دهلي بعسد سسفره ذلك فتوعده .ولمسا عاد مسن سسفره وقرب مسن الحاضرة أمسر
ولده أن يبنسي له قصسراً ،وهسم يسسمونه الكشسك " بضسم الكاف وشيسن معجسم مسسكن "
على واد هنالك يسسمى أفغان بور ،فبناه فسي ثلثسة أيام .وجعسل أكثسر بنائه بالخشسب،
مرتفعاً على الرض ،قائماً على سسواري خشسب ،وأحكمسه بهندسسة تولى النظسر فيهسا
الملك زاده المعروف بعسد ذلك بخواجسه جهان ،واسسمه أحمسد بسن إياس ،كسبير وزراء
السلطان محمد ،وكان إذ ذاك شحنة العمارة .وكانت الحكمة التي اخترعوها فيه أنه
متسى وطئت الفيلة جهسة منسه وقسع ذلك القصسر وسسقط .ونزل السسلطان بالقصسر وأطعسم
الناس وتفرقوا .واسستأذنه ولده فسي أن يعرض الفيلة بيسن يديسه وهسي مزينسة فأذن له.
وحدثنسي الشيسخ ركسن الديسن أنسه كان يومئذ مسع السسلطان ومعهمسا ولد السسلطان المؤثسر
لديه محمود ،فجاء محمد ابن السلطان فقال للشيخ :يا خوند هذا وقت العصر ،انزل
فصسسل ،قال لي الشيسسخ :فنزلت .وأتسسي بالفيال مسسن جهسسة واحدة حسسسبما دبروه ،فلمسسا
وطئتهسسا سسسقط الكشسسك على السسسلطان وولده محمود ،قال الشيسسخ :فسسسمعت الضجسسة،
فعدت ولم أصسل ،فوجدت الكشسك قسد سسقط .فأمسر ابنسه أن يؤتسى بالفؤوس والمسساحي
للحفسر عنه ،وأشار بالبطاء ،فلم يؤت بهما إل وقسد غربت الشمسس .فحفروا ووجدوا
السسلطان قسد حنسى ظهره على ولده ليقيسه الموت .فزعسم بعضهسم أنسه خرج ميتاً وزعسم
بعضهسم أنسه أخرج حياً فأجهسز عليسه ،وحمسل ليلً إلى مقسبرته التسي بناهسا خارج البلدة
المسسماة باسسمه تغلق أباد فدفسن بهسا .وقسد ذكرنسا السسبب فسي بنائه لهذه المدينسة .وبهسا
كانست خزائن تغلق وقصسوره ،وبسه القصسر العظسم الذي جعسل قراميده مذهبسة ،فإذا
طلعست الشمسس كان لهسا نور عظيسم وبصسيص يمنسع البصسر مسن إدامسة النظسر إليهسا،
واختزن بهسا الموال الكثيرة .ويذكسر أنسه صسهريجاً وأفرغ فيسه الذهسب إفراغاً ،فكان
قطعسة واحدة .فصسرف جميسع ذلك ولده محمسد شاه لمسا ولي ،وبسسبب مسا ذكرناه مسن
هندسسة الوزيسر خواجسه جهان فسي بناء الكشسك الذي سسقط على تغلق ،وكانست حظوتسه
عنسد ولده محمسد شاه وإيثاره ،فلم يكسن أحسد يدانيسه فسي المنزلة لديسه ،ول يبلغ مرتبتسه
غياث الدين تغلق شاه ملك الهند والسند الذي قدمنا عليه
ولمسسا مات السسسلطان تغلق اسسستولى ابنسسه محمسسد على الملك مسسن غيسسر منازع له ول
مخالف عليسه .وقسد قدمنسا أنسه كان اسسمه جونسه .فلمسا ملك تسسمى بمحمسد ،واكتنسى بأبسي
المجاهسد .وكسل مسا ذكرت مسن شأن سسلطين الهنسد ،فهسو ممسا أخسبرت بسه وتلقيتسه أو
معظمسه مسن الشيسخ كمال الديسن بسن البرهان الغزنوي قاضسي القضاة .وأمسا أخبار هذا
ذكر وصفه
هذا الملك أحب الناس في إسداد العطايا وإراقة الدماء .فل يخلو بابه عن فقير يغنى
أو حي يقتل .وقد شهرت في الناس حكاياته في الكرم والشجاعة ،وحكاياته في الفتك
والبطسش بذوي الجنايات .وهسو أشسد الناس مسع ذلك تواضعاً وأكثرهسم إظهارًا للعدل
والحسسق .وشعائر الديسسن عنده محفوظسسة .وله اشتداد فسسي أمسسر لصسسلة والعقوبسسة على
تركهسا .وهسو مسن الملوك الذيسن اطردت سسعادتهم ،وخرق المعتاد يمسن نقيبتهسم .ولكسن
الغلب عليسه الكرم .وسسنذكر مسن أخباره فيسه عجائب لم يسسمع بمثلهسا عمسن تقدمسه.
وأما أشهد بال وملئكته ورسله أن جميع ما أنقله عنه من الكرم الخارق للعادة حق
يقيسن وكفسى بال شهيداً ،وأعلم أن بعسض مآثره مسن ذلك ل يسسوغ فسي عقسل كثيسر مسن
الناس ويعدونه من قبيل المستحيل عادة ،ولكنه شيء عاينته وعرفت صحته وأخذت
بحسسظ وافسر منسسه .ل يسسسعني إل قول الحسق فيسسه .وأكثسر ذلك ثابسست بالتواتسر فسي بلد
المشرق.
ودار السلطان بدهلي تسمى دار سرى " بفتح السين المهمل والراء " ،ولها أبواب
كثيرة .أمسا الباب الول فعليسه جملة مسن الرجال موكلون بسه ،ويقعسد بسه أهسل النفار
والبواق والصرنايات .فإذا جاء أمير أو كبير ضربوها ،ويقولون في ضربهم :جاء
فلن .وكذلك أيضًا فسسي البابيسسن الثانسسي والثالث .وبخارج الباب الول دكاكيسسن يقعسسد
عليهسا الجلدون ،وهسم الذيسن يقتلون الناس .فإن العادة عندهسم أنسه متسى أمسر السسلطان
بقتل أحد قتسل على باب المشور ،ويبقى هنا ثلثاً .وبين البابين الول والثاني دهليز
كسبير ،فيسه دكاكيسن مبنيسة من جهتيسه ،يقعسد عليها أهسل النوبسة من حفاظ البواب .وأمسا
الباب الثاني فيقعد عليه البوابون الموكلون به .وبينه وبين الباب الثالث دكانة كبيرة
يقعسد عليهسا نقيسب النقباء ،وبيسن يديسه عمود ذهسب يمسسكه بيده ،وعلى رأسسه كله مسن
الذهب مجوهرة في أعلها ريش الطواويس ،والنقباء بين يديه على رأس كل واحد
منهسم شاشيسة مذهبسة ،وفسي وسسطه منطقسة ،وبيده سسوطاً نصسابه مسن ذهسب أو فضسة،
ويفضسي هذا الباب الثانسي إلى مشور كسبير متسسع يقعسد بسه الناس .وأمسا الباب الثالث
فعليسه دكاكيسن يقعسد فيهسا كتاب الباب .ومسن عوائدهسم أن ل يدخسل على هذا الباب أحسد
إل من عينه السلطان لذلك .ويعين لكل إنسان عدد من أصحابه .وناسه يدخلون معه.
وكسسل مسسن يأتسسي إلى هذا الباب يكتسسب الكتاب أن فلناً جاء فسسي السسساعة الفلنيسسة مسسن
السساعات إلى آخسر النهار ،ويطالع السسلطان بذلك بعسد العشاء الخرة .ويكتبون أيضاً
بكسسل مسسا يحدث مسسن الباب مسسن المور .وقسسد عيسسن مسسن أبناء الملوك مسسن يوصسسل مسسا
يكتبونه إلى السلطان .ومن عوائدهم أيضاً أنه من غاب عن دار السلطان ثلثة أيام
فصساعداً لعذر أو لغيسر عذر ،فل يدخسل هذا الباب بعدهسا إل بإذن مسن السسلطان .فإن
كان له عذر مسسن مرض أو غيره ،قدم بيسسن يديسسه هديسسة ممسسا يناسسسب إهداءهسسا إلى
السسسلطان .وكذلك القادمون مسسن السسسفار .فالفقيسسه يهدي المصسسحف والكتاب ،وشبسسه
الفقيسر يهدي المصسلى والسسبحة والمسسواك ونحوهسا ،والمراء ومسن أشبههسم يهدون
الخيسسسل والجمال والسسسسلح .وهذا الباب الثالث يفضسسسي إلى المشور الهائل الفسسسسيح
المسسمى هزار أسسطون " بفتسح الهاء والزاي وألف وراء " ومعنسى ذلك ألف سسارية،
وهسسو سسسواري مسسن خشسسب مدهونسسة ،عليهسسا سسسقف خشسسب منقوش أبدع نقسسش ،يجلس
أكثسر جلوسسه بعسد العصسر ،وربمسا جلس أول النهار .وجلوسسه على مصسطبة مفروشسة
بالبياض فوقهسا مرتبسسة .ويجعسسل خلف ظهره مخدة كسبيرة ،وعسن يمينسه متكسأ ،وعسن
يساره مثل ذلك .وقعوده كجلوس النسان للتشهد في الصلة ،وهو جلوس أهل الهند
كلهم .فإذا جلس وقف أمامه الوزير ،ووقف الكتاب خلف الوزير ،وخلفهم الحجاب،
وكسبير الحجاب هسو فيروز ملك ابسن عسم السسلطان ونائبسه ،وهسو أدنسى الحجاب مسن
السلطان ،ثم يتلوه خاص حاجب ،ثم يتلوه نائب خاص حاجب ،ووكيل الدار ونائبه،
وشرف الحجاب وسيد الحجاب ،وجماعة تحت أيديهم .ثم يتلو الحجاب النقباء ،وهم
نحسو مائة .وعنسد جلوس السسلطان ينادي الحجاب والنقباء بأعلى أصسواتهم :بسسم ال.
ثم يقف على رأس السلطان الملك الكبير قبولة وبيده المذبة يشرد بها الذباب ،ويقف
والقسسي .ويقسف فسي الميمنسة والميسسرة بطول المشور قاضسي القضاة ويليسه خطيسب
الخطباء ثسم كبار الفقهاء ثسم كبار الشرفاء والمشايسخ ثسم إخوة السسلطان وأصسهاره ثسم
المراء الكبار ثسم كبار العزة وهسم الغرباء ثسم القواد .ثسم يؤتسى بسستين فرسساً مسسرجة
ملجمة بجهازات سلطانية ،فمنها ما هو بشعار الخلفة ،وهي التي لجمها ودوائرها
مسن الحريسر السسود المذهسب ،ومنهسا مسا يكون مسن الحريسر البيسض المذهسب .ول
يركب بذلك غير السلطان ،فيوقف النصف من هذه الخيل عن اليمين والنصف عن
الشمال ،بحيث يراها السلطان .ثم يؤتى بخمسين فيلً مزينة بثياب الحرير والذهب،
مكسوة أنيابها بالحديد إعداداً لقتل أهل الجرائم ،وعلى عنق كل فيل فياله وبيده شبه
الطسبرزين مسن الحديسد يؤدبسه بسه ،ويقومسه لمسا يراد منسه ،وعلى ظهسر كسل فيسل شبسه
الصسسندوق العظيسسم يسسسع عشريسسن مسسن المقاتلة ،وأكثسسر مسسن ذلك ودونسسه على حسسسب
ضخامة الفيل وعظم جرمه ،وفي أركان هذا الصندوق أربعة أعلم مركوزة .وتلك
الفيلة معلمسسة أن تخدم السسسلطان وتحسسط رؤوسسسها .فإذا خدمسست قال الحجاب :بسسسم ال
بأصوات عالية .ويوقف أيضاً نصفها عن اليمين ونصفها عن الشمال خلف الرجال
الواقفين .وكل من يأتي من الناس المعينين للوقوف في الميمنة أو الميسرة يخدم عند
موقسف الحجاب ويقول :بسسم ال .ويكون ارتفاع أصسواتهم بقدر ارتفاع صسوت الذي
يخدم .فإذا خدم انصسرف إلى موقفسه مسن الميمنسة أو الميسسرة ل يتعداه ،ومسن كان مسن
كفار الهنود يخدم ،ويقول له الحجاب والنقباء :هداك ال ،ويقسسف عبيسسد السسسلطان مسسن
وراء الناس كلهسم ،بأيديهسم الترسسة والسسيوف ،فل يمكسن الدخول بينهسم إل بيسن يدي
وإن كان بالباب أحد ممن قدم على السلطان بهدية دخل الحجاب إلى السلطان على
ترتيبهسم ،يقدمهسم أميسر حاجسب ونائبسه خلفسه ،ثسم خاص حاجسب ونائبسه خلفسه ،ثسم وكيسل
الدار ونائبسسسه ،ثسسسم سسسسيد الحجاب وشرف الحجاب ،ويخدمون فسسسي ثلثسسسة مواضسسسع.
ويعلمون السسلطان بمسن فسي الباب .فإذا أمرهسم أن يأتوا بسه جعلوا الهديسة التسي سساقها
بأيدي الرجال يقومون بهسسا أمام الناس بحيسسث يراهسسا السسسلطان ويسسستدعى صسساحبها،
فيخدم قبسل الوصسول إليسه ثلث مرات ،ثسم يخدم عنسد موقسف الحجاب .فإن كان رجلً
كبيراً وقف في صف أمير حاجب ،وإل وقف خلفه .ويخاطبه السلطان بنفسه ألطف
خطاب ويرحسب بسه .وإن كان ممسن يسستحق التعظيسم فإنسه يصسافحه أو يعانقسه ،ويطلب
بعسض هديتسه فتحضسر بيسن يديسه .فإن كانست مسن السسلح أو الثياب قلبهسا بيده ،وأظهسر
اسسستحسانها جسسبراً لخاطسسر مهديهسسا وإيناسساً له ورفقاً بسسه ،وخلع عليسسه ،وأمسسر له بماءٍ
وإذا أتسى العمال بالهدايسا والموال المجتمعسة مسن مجابسي البلد صسنعوا الوانسي مسن
الذهب والفضة مثل الطسوت والباريق وسواها ،وصنعوا من الذهب والفضة قطعاً
شبسه الجسر يسسمونها الخشست " بكسسر الخاء المعجمسة وسسكون الشيسن المعجسم وتاء
معلوة " ،ويقسف العراشون ،وهسن عبيسد السسلطان صسفاً ،والهديسة بأيديهسم .كسل واحسد
منهسم ممسسك قطعسة ،ثسم يقدم الفيلة إن كان فسي الهديسة شيسء منهسا ،ثسم الخيسل المسسرجة
الملجمة ،ثم الجمال عليها الموال .ولقد رأيت الوزير خواجه جهان قدم هديته ذات
يوم حين قدم السلطان من دولة أباد ،ولقيه بها في ظاهر مدينة بيانة ،فأدخلت الهدية
إليسه على هذا الترتيسب .ورأيست فسي جملتهسا صسينية مليئة بأحجار الياقوت وصسينية
مليئة بأحجار الزمرد وثالثة باللؤلؤ الفاخر .وكان حاجي كاون ابن عم السلطان أبي
سسعيد ملك العراق حاضراً عنده حيسن ذلك ،فأعطاه حظاً منهسا .وسسنذكره فيمسا بعسد إن
شاء ال تعالى.
واذا كانست ليلة العيسد بعسث السسلطان إلى الملوك والخواص وأرباب الدولة والعزة
والكتاب والحجاب والنقباء والقواد والعبيسد وأهسل الخبار الخلع التسي تعمهسم جميعاً.
فإذا كانست صسبيحة العيسد زينست الفيلة بالحريسر والذهسب والجواهسر ،ويكون منهسا سستة
عشسر فيلً ل يركبهسا أحسد ،إنمسا هسي مختصسة بركوب السسلطان .ويرفسع عليهسا سست
عشسر شطراً " جترا " مسن الحريسر مرصسعة بالجوهسر ،قائمسة كسل شطسر منهسا ذهسب
خالص .وعلى كل فيل مرتبة حرير مرصعة بالجوهر .ويركب السلطان فيلً منها،
وترفسع أمامسة الغاشيسة وهسي سستارة سسرجة ،وتكون مرصسعة بأنفسس الجوهر .ويمشسي
بيسن يديسه عسبيده ومماليكسه .وكسل واحسد منهسم تكون على رأسسه شاشيسة ذهسب ،وعلى
وسسطه منطقسة ذهسب ،وبعضهسم يرصسعها بالجوهسر .ويمشسي بيسن يديسه أيضاً النقباء،
وهسم نحسو ثلثمائة .وعلى رأس كسل واحسد منهسم أقروف ذهسب ،وعلى وسسطه منطقسة
ذهسب ،وفسي يده مقرعسة نصسابها ذهسب ،ويركسب قاضسي القضاة صسدر الجهان كمال
الديسسن الغزنوي وقاضسسي القضاة صسسدر الجهان ناصسسر الديسسن الخوارزمسسي وسسسائر
والمغاربة ،كل واحد منهم على مطية ،وجميع الغرباء عندهم يسمون الخراسانيين،
ويركسب المؤذنون على الفيلة وهسم يكسبرون .ويخرج السسلطان مسن باب القصسر على
هذا الترتيسب ،والعسساكر تنتظره ،كسل أميسر بفوجسه على حدة معسه طبوله وأعلمسه،
فيقدم السسسلطان وأمامسسه مسسن ذكرناه المشاة ،وأمامهسسم القضاة والمؤذنون يذكرون ال
والصسسرنايات ،وخلفهسسم جميسسع أهسسل دخلتسسه ،ثسسم يتلوهسسم أخسسو السسسلطان مبارك خان
بمراتبسه وعسساكره ،ثسم يليسه ابسن أخ السسلطان بهرام خان بمراتبسه وعسساكره ،ثسم يليسه
ابسن عمسه ملك فيروز بمراتبسه وعسساكره ،ثسم يليسه الوزيسر بمراتبسه وعسساكره ،ثسم يليسه
الملك مجيسر بسن ذي الرجسا بمراتبسه وعسساكره ،ثسم يليسه الملك الكسبير قبولة بمراتبسه
وعسساكره ،وهذا الملك كسبير القدر عنده عظيسم الجاه كثيسر المال ،أخسبرني صساحب
ديوانه ثقة الملك علء الدين على المصري المعروف بابن الشرايشي أن نفقته ونفقة
عسبيدة ومراتبهسم سستة وثلثون لكًا فسي السسنة ،ثسم يليسه الملك نكبيسة بمراتبسه وعسساكره،
ثسسم يليسسه الملك بغرة بمراتبسسه وعسسساكره ،ثسسم يليسسه الملك مخلص بمراتبسسه وعسسساكره،
وهؤلء هسم المراء الكبار الذيسن ل يفارقون السسلطان ،وهسم الذيسن يركبون معسه يوم
العيد بالمراتب ،ويركب غيرهم من المراء دون مراتب .وجميع من يركب في ذلك
اليوم يكون مدرعاً هو وفرسه .وأكثر مماليك السلطان؛ فإذا وصل السلطان إلى باب
المصسسلى وقسسف على بابسسه ،وأمسسر بدخول القضاة وكبار المراء وكبار العزة ،ثسسم
ينزل السلطان ،ويصلي المام ويخطب .فإن كان عيد الضحى أتى السلطان بجمل
فنحره برمسح يسسمونه النيزة " بكسسر النون وفتسح الزاي " بعسد أن يجعسل على ثيابسه
ويفرش القصر يوم العيد ،ويزين بأبدع الزينة .وتضرب الباركة على المشور كله
وهي شبه خيمة عظيمة ،تقوم على أعمدة ضخام كثيرة ،تحفها القباب من كل ناحية،
ويصسنع بسه أشجار مسن حريسر ملون فيهسا شبسه الزهار ،ويجعسل منهسا ثلثسة صسفوف
بالمشور .ويجعسسل بيسسن كسسل شجرتيسسن كرسسسي ذهسسب عليسسه مرتبسسة مغطاة ،وينصسسب
السسسرير العظسسم فسسي صسسدر المشور وهسسو مسسن الذهسسب الخالص كله مرصسسع القوائم
بالجواهسسر ،طوله ثلثسسة وعشرون شسسبراً وعرضسسه نحسسو النصسسف مسسن ذلك ،وهسسو
منفصسل ،وتجمسع قطعسة فتتصسل ،وكسل قطعسة منهسا يحملهسا جملة رجال لثقسل الذهسب،
وتجعل فوق المرتبة ،ويرفع الشطر المرصع بالجواهر على رأس السلطان .وعندما
يصعد على السرير ينادي الحجاب والنقباء بأصوات عالية :بسم ال .ثم يتقدم الناس
وأقاربسه وأصسهاره ،ثسم العزة ثسم الوزيسر ثسم أمراء العسساكر ثسم شيوخ المماليسك ثسم
كبار الجناد .يسلم واحد إثر واحد من غير تزاحم ول تدافع .ومن عوائدهم في يوم
العيسد أن كسل مسن بيده قريسة منعسم بهسا عليسه يأتسي بدنانيسر ذهسب مصسرورة فسي خرقسة
مكتوب عليهسا اسسمه فيلقيهسا فسي طسست ذهسب هنالك فيجتمسع منهسا مال عظيسم يعطيسه
فإذا فرغ الناس من السلم ،وضع لهم الطعام على حسب مراتبهم ،وينصب في ذلك
اليوم المبخرة العظمسسى ،وهسسي شبسسه برج مسسن خالص الذهسسب منفصسسلة ،فإذا أرادوا
اتصالها وصلوها .وتحمل القطعة الواحدة منها جملة من الرجال ،وفي داخلها ثلثة
بيوت يدخسسسسل فيهسسسسا المبخرون بوقود العود القماري والقاقلي والعنسسسسبر الشهسسسسب
والجاوي ،حتسسسى يعسسسم دخانهسسسا المشور كله .ويكون بأيدي الفتيان براميسسسل الذهسسسب
والفضسسة مملوءة بماء الورد وماء الزهسسر ،يصسسبونه على الناس صسسباً .وهذا السسسرير
وهذه المبخرة ل يخرجان إل في العيدين خاصة .ويجلس السلطان في بقية أيام العيد
على سسرير ذهسب دون ذلك .وتنصسب باركسة بعيدة لهسا ثلثسة أبواب ،يجلس السسلطان
فسسي داخلهسسا .ويقسسف على الباب الول منهسسا عماد الملك سسسرتيز ،وعلى الباب الثانسسي
الملك نكبيسسة ،وعلى الباب الثالث يوسسسف بغرة ،ويقسسف على اليميسسن أمراء المماليسسك
السسلحدارية ،وعسن اليسسار كذلك .ويقسف الناس على مراتبهسم ،وشحنسة الباركسة ملك
طغسى بيده عصسى ذهسب ،وبيسد نائبسه عصسا فضسة يرتبان الناس ويسسويان الصسفوف،
ويقسف الوزيسر والكتاب خلفسه ويقسف الحجاب والنقباء ،ثسم يأتسي أهسل الطرب ،فأولهسم
بنات الملوك الكفار مسسن هنود المسسسبيات فسسي تلك السسسنة فيغنيسسن ويرقصسسن ويهبهسسن
السسسلطان للمراء والعزة ،ثسسم يأتسسي بعدهسسن سسسائر بنات الكفار ،فيغنيسسن ويرقصسسن
ويهبهسن لخوتسه وأقاربسه وأصسهاره وأبناء الملوك ،ويكون جلوس السسلطان لذلك بعسد
العصسر .ثسم يجلس فسي اليوم الذي بعده بعسد العصسر أيضاً على ذلك الترتيسب ويؤتسى
بالمغنيات فيغنين ويرقصن ويهبهن لمراء المماليك .وفي اليوم الثالث يزوج أقاربه
وينعم عليهم .وفي اليوم الرابع يعتق العبيد .وفي اليوم الخامس يعتق الجواري ،وفي
اليوم السادس يزوج العبيد بالجواري ،واليوم السابع يعطي الصدقات ويكثر منها.
وإذا قدم السسلطان مسن أسسفاره ،زينت الفيلة ،ورفعست على سستة عشسر فيلً منها سستة
عشسر شطراً ،منهسا مزركسش ومنهسا مرصسع ،وحملت أمامسه الغاشيسة ،وهسي السستارة
المرصسسعة بالجوهسسر النفيسسس ،وتصسسنع قباب الخشسسب مقسسسومة على طبقات وتكسسسى
بثياب الحرير .ويكون في كل طبقة الجواري المغنيات ،عليهن أجمل لباس وأحسن
حليسسة ،ومنهسسن رواقسسص .ويحصسسل فسسي وسسسط كسسل قبسسة حوض كسسبير ،مصسسنوع مسسن
الجلود ،مملوء بماء الجلب محلولً بالماء ،يشرب منسسسسه جميسسسسع الناس مسسسسن وارد
وصسادر وبلدي أو غريسب ،وكسل مسن يشرب منسه يعطسى التنبول والفوفسل ،ويكون مسا
بيسسن القباب مفروشاً بثياب الحريسسر ،يطسسأ عليهسسا مركسسب السسسلطان .وتزيسسن حيطان
الشارع الذي يمسر بسه مسن باب المدينسة إلى باب القصسر بثياب الحريسر .ويمشسي أمامسه
المشاة مسسن عسسبيده وهسسم آلف .وتكون الفواج والعسسساكر خلفسسه .ورأيتسسه فسسي بعسسض
قدماته على الحضرة ،وقد نصبت ثلث أو أربع من الرعادات الصغار على الفيلة،
ترمسي بالدنانيسر والدراهسم على الناس ،فيلتقطونهسا مسن حيسن دخوله إلى المدينسة حتسى
والطعام بدار السسلطان على صسنفين :طعام الخاص وطعام العام .فأمسا الخاص فهسو
طعام السلطان الذي يأكل منه .وعادته أن يأكل في مجلسه مع الحاضرين ،ويحضر
لذلك المراء والخواص وأمير حاجب ابن عم السلطان وعماد الملك سرتيز ،وأمير
مجلس .ومن شاء السلطان تشريفه أو تكريمه من العزة أو كبار المراء دعاه فأكل
معهسم .وربمسا أراد أيضاً تشريسف أحسد مسن الحاضريسن ،فأخسذ إحدى الصسحاف بيده،
وجعسل عليهسا خبزة ويعطيسه اياهسا ،فيأخذهسا المعطسى ،ويجعلهسا على كفسه اليسسرى،
ويخدم بيده اليمنسى إلى الرض .وربمسا بعسث مسن ذلك الطعام إلى مسن هسو غائب عسن
المجلس ،فبخدم كما يصنع الحاضرون ،ويأكله مع من حضره .وقد حضرت مرات
وأمسا الطعام العام فيؤتسى بسه من المطبسخ ،وأمامسه النقباء يصسيحون :بسسم ال .ونقيسب
النقباء أمامهسم ،بيده عمود ذهسب ،ونائبسه معسه بيده عمود فضسة ،فإذا دخلوا مسن الباب
الرابسع ،وسسمع مسن بالمشور أصسواتهم ،قاموا قياماً أجمعيسن ،ول يبقسى أحسد قاعداً إل
السسلطان وحده .فإذا وضسع الطعام بالرض ،اصسطفت النقباء صسفاً ،ووقسف أميرهسم
وتكلم بكلم يمدح فيسه السسلطان ويثنسي عليسه ،ثسم يخدم ويخدم النقباء لخدمتسه ،ويخدم
جميع من بالمشور من كبير و صغير .وعادتهم أنه من سمع كلم نقيب النقباء حين
ذلك وقسسف إن كان ماشياً ،ولزم موقفسسه إن كان واقفاً ،ول يتحرك أحسسد ،ول يتزحزح
عن مقامه ،حتى يفرغ ذلك الكلم .ثم يتكلم أيضاً نائبه كلماً نحو ذلك ،ويخدم النقباء
وجميسسع الناس مرة ثانيسسة .وحينئذ يجلسسسون ،ويكتسسب كتاب الباب معرفيسسن بحضور
الطعام .وإن كان السسسلطان قسسد علم بحضوره ،ويعطسسي المكتوب لصسسبي مسسن أبناء
الملوك موكسل بذلك ،فيأتسي بسه إلى السسلطان فإذا قرأه عيسن مسن شاء مسن كبار المراء
المملوءة بالحلواء ،والرز والدجاج والسسسسمك ،وقسسسد ذكرنسسسا ذلك وفسسسسرنا ترتيبهسسسم
وعادتهسسم ،أن يكون فسسي صسسدر سسسماط الطعام القضاة والفقهاء والخطباء والشرفاء
والمشايسخ ،ثسم أقارب السسلطان ،ثسم المراء الكبار ،ثسم سسائر الناس .ول يقعسد أحسد إل
فسي موضسع معيسن له ،فل يكون بينهسم تزاحسم ألبتسة .فإذا جلسسوا أتسي الشربداريسة وهسم
السسسقاة بأيديهسسم أوانسسي الذهسسب والفضسسة والنحاس والزجاج مملوءة بالنبات المحلول
بالماء ،فيشربون ذلك قبسسل الطعام .فإذا شربوا ،قال الحجاب :بسسسم ال ،ثسسم يشرعون
في الكل ويجعل أمام كل إنسان من جميع ما يحتوي عليه السماط ،يأكل منه وحده،
ول يأكسل أحسد مسع أحسد مسن طبسق واحسد .فإذا فرغوا مسن الكسل أتوا بالفقاع فسي أكواز
القصسسسدير .فإذا أخذوه قال الحجاب :بسسسسم ال ،ثسسسم يؤتسسسى بأطباق التنبول والفوفسسسل،
فيعطسسى كسسل واحسسد غرفسسة مسسن الفوفسسل المهشوم ،وخمسسس عشرة ورقسسة مسسن التنبول
مجموعة مربوطة بخيط حرير أحمر .فإذا أخذ الناس التنبول قال الحجاب :بسم ال،
فيقفون جميعاً ،ويخدم الميسسر المعيسسن للطعام ،ويخدمون لخدمتسسه ،ثسسم ينصسسرفون.
وطعامهم مرتان في اليوم الواحد إحداهما قبل الظهر والخرى بعد العصر.
وإنما أذكر منها ما حضرته وشاهدته وعاينته ،ويعلم ال تعالى صدق ما أقول ،وكفى به
شهيداً .مع أن الذي أحكيه مستفيض متواتر .والبلد التي تقرب من أهل الهند كاليمن
وخراسان وفارس مملوءة بأخباره ،يعلمونها حقيقة ،ول سيما جوده على الغرباء ،فإنه
يفضلهم على أهل الهند ويؤثرهم ،ويجزل لهم الحسان ،ويسبغ عليهم النعام ،ويوليهم
الخطط الرفيعة ،ويوليهم المواهب العظيمة .ومن إحسانه إليهم أنه سماهم العزة ،ومنع من
أن يدعوا الغرباء ،وقال :إن الرجل إذا دعي غريباً انكسر خاطره وتغير حاله .وسأذكر
بعضاً مما ل يحصى من عطاياه الجزيلة ومواهبه ان شاء ال تعالى.
ذكر عطائه لشهاب الدين الكازروني وحكايته
كان شهاب الديسسسن هذا صسسسديقاً لملك التجار الكازرونسسسي الملقسسسب بسسسبرويز .وكان
السسسلطان قسسد أقطسسع ملك التجار مدينسسة كنبايسسة ،ووعده أن يوليسسه الوزارة .فبعسسث الى
صديقه شهاب الدين ليقدم عليه ،فأتاه ،وأعد هدية للسلطان ،وهي سراجة من الملف
المقطوع المزيسن بورقسة الذهسب ،وصسيوان ممسا يناسسبها ،وخباء وتابسع وخباء راحسة،
كسسل ذلك مسسن الملف المزيسسن وبغال كثيرة .فلمسسا قدم شهاب الديسسن بهذه الهديسسة على
صسسساحبه ملك التجارة ،وجده آخذاً فسسسي القدوم على الحضرة بمسسسا اجتمسسسع عنده مسسسن
وعلم الوزيسر خواجسه جهان بمسا وعده بسه السسلطان مسن وليسة الوزراة ،فغار مسن ذلك
وقلق بسسببه .وكانست بلد كنبايسة والجزرات قبسل تلك المدة فسي وليسة الوزيسر ،لهلهسا
تعلق بجانبسسسه وانقطاع إليسسسه وتخدم له .وأكثرهسسسم كفار ،وبعضهسسسم عصسسساة يمتنعون
بالجبال .فدس الوزيسسسسر إليهسسسسم أن يضربوا على ملك التجار إذا خرج إلى الحضرة.
فلمسا خرج بالخزائن والموال ومعسه شهاب الديسن بهديتسه ،نزلوا يوماً عنسد الضحسى
على عادتهم ،وتفرقت العساكر ،ونام أكثرهم .فضرب عليهم الكفار في جمع عظيم،
فقتلوا ملك التجار ،وسسلبوا الموال والخزائن وهديسة شهاب الديسن ،ونجسا هسو بنفسسه.
وكتسب المخسبرون إلى السسلطان بذلك ،فأمسر ان يعطسى شهاب الديسن مسن مجسبى بلد
نهروالة ثلثيسسن ألف دينار ،ويعود إلى بلده .فعرض عليسسه ذلك ،فأبسسى مسسن قبوله،
وقال :مسا قصسدي إل رؤيسة السسلطان وتقبيسل الرض بيسن يديسه .فكتبوا إلى السسلطان
بذلك ،فأعجبسه قوله ،وأمسر بوصسوله إلى الحضرة مكرماً .وصسادف يوم دخوله على
السسلطان يوم دخولنسا نحسن عليسه ،فخلع علينسا جميعاً وأمسر بإنزالنسا .وأعطسي شهاب
الدين عطاء جزلً .فلما كان بعد ذلك أمر لي السلطان بستة آلف تنكة ،كما سنذكره،
وسسأل فسي ذلك اليوم عسن شهاب الديسن أيسن هسو ? فقال له بهاء الديسن ابسن الفلكسي :يسا
خوند عالم نميدا ثم ،معناه ما ندري ،ثم قال شنيدم زحمت دارد "دار " معناه سمعت
أن بسسه مرضاً .فقال له السسسلطان :بروهميسسن زمان در خزانسسة يسسك لك تنكسسة زربكزي
أوبيش أوبيري تادل أوخش " خوض " شود ،معناه إمش الساعة إلى الخزانة ،وخذ
منهسا مائة الف تنكسة مسن الذهسب ،واحملهسا إليسه ،حتسى يبقسى خاطره طيباً .ففعسل ذلك،
فأعطاه إياهسا .وأمسر السسلطان أن يشتري بهسا مسا أحسب مسن السسلع الهنديسة ،ول يشتري
أحد من الناس شيئاً حتى يتجهز هو ،وأمر له بثلثة مواكب مجهزة من آلتها ،ومن
مرتسب البحريسة وزادهسم ،ليسسافر فيهسا .فسسافر ونزل بجزيرة هرمسز ،وبنسي بهسا داراً
عظيمسة ،رأيتهسا بعسد ذلك ،ورأيست أيضاً شهاب الديسن وقسد فنسي جميسع مسا كان عنده،
وهو بشيراز يستجدي سلطانها أبا إسحاق ،وهكذا مال هذه البلد الهندية؛ قلما يخرج
أحسد منهسا إل النادر ،وإذا خرج بسه وصسل إلى غيرهسا مسن البلد ،بعسث ال عليسه آفسة
تفني ما بيده ،كمثل ما اتفق لشهاب الدين هذا ،فإنه أخذ له في الفتنة التي كانت بين
ملك هرمسسسسسز وابنسسسسسي أخيسسسسسه جميسسسسسع مسسسسسا عنده ،وخرج سسسسسسليباً مسسسسسن ماله.
ذكر عطائه لشيخ الشيوخ ركن الدين وكان السلطان قد بعث هدية إلى الخليفة بديار
مصسسر أبسسي العباس ،وطلب منسسه أن يبعسسث له أمسسر التقدمسسة على بلد الهنسسد والسسسند،
اعتقاداً منه في الخلفة فبعث إليه الخليفة أبو العباس ما طلبه مع شيخ الشيوخ بديار
مصسر ركسن الديسن .فلمسا قدم عليسه ،بالغ فسي إكرامسه ،وأعطاه عطاء جزلً .وكان يقوم
له متسى دخسل عليسه ويعظمسه ،ثسم صسرفه وأعطاه أموالً طائلة .وفسي جملة مسا أعطاه
جملة من صفائح الخيل ومساميرها كل ذلك من الذهب الخالص ،وقال له :إذا نزلت
مسن البحسر فأنعسل أفراسسك بهسا .فتوجسه إلى كنبايسة ليركسب البحسر منهسا إلى بلد اليمسن،
فوقعست قضيسة خروج القاضسي جلل الديسن ،وأخذه مال ابسن الكولمسي ،فأخسذ أيضاً مسا
كان لشيسسخ الشيوخ ،وفسسر بنفسسسه مسسع ابسسن الكولمسسي إلى السسسلطان .فلمسسا رآه قال له
ممازحاً :أمدى كزر " كسسسه زر " بري بادكري " دلر باي " صسسسنم خرى زر نيري
وسسر نهسى ،معناه جئت لتحمسل الذهسب ،وتأكله مسع الصسور الحسسان .فل تحمسل ذهباً،
ورأسك تخليه ها هنا .قال له ذلك على معنى النبساط ،ثم قال له :اجمع خاطرك فها
أنسا سائر إلى المخالفيسن ،وأعطيسك أضعاف مسا أخذوه لك .وبلغنسي بعسد النفصسال عسن
بلد الهند أنه وفى بما وعده ،وأخلف له ما ضاع منه ،وأنه وصل إلى ديار مصر.
ذكسر عطائه للواعسظ الترمذي ناصسر الديسن وكان هذا الفقيسه قدم على السسلطان ،وأقام
تحست إحسسانه مدة عام .ثسم أراد الرجوع إلى وطنسه ،فأذن له فسي ذلك ،ولم يكسن سسمع
كلمه ووعظه .ولما خرج السلطان يقصد بلد المعبر ،أحب سماعه قبل انصرافه.
مسسن الذهسسب ،وألصسسق بأعله حجسسر ياقوت عظيسسم ،وخلع على ناصسسر الديسسن عباءة
عباسسية سسوداء مذهبسه مرصسعة بالجوهسر وعمامسة أيضاً ،ونصسب له المنسبر بداخسل
السسراجة وهسي أفراج .وقعسد السسلطان على سسريره ،والخواص عسن يمينسه ويسساره،
وأخسذ القضاة والفقهاء والمراء مجالسسهم .فخطسب خطبسة عظيمسة ووعسظ وذكسر ،ولم
يكسن فيمسا فعله طائل ،لكسن سسعادته سساعدته .ولمسا نزل عسن المنسبر قام السسلطان إليسه
وعانقسه وأركبسه على فيسل ،وأمسر جميسع مسن حضسر أن يمشوا بيسن يديسه ،وكنست فسي
جمعهسم إلى سسراجة .ضربست له مقابلة سسراجة السسلطان وكلهسا مسن الحريسر الملون،
وصيوانها من الحرير ،وخباؤها كذلك .فقعد وقعدنا معه .وكان بجانب من السراجة
أواني الذهب التي أعطاها له .وذلك تنور كبير بحيث يسع في جوفه الرجل القاعد،
وقدران اثنتان وصسسحاف ل أذكسسر عددهسسا وعدة أكواز وركوة وتميسسسندة ومائدة لهسسا
أربسع أرجسل ومحمسل للكتسب ،كسل ذلك مسن ذهسب .ورفسع عماد الديسن السسمناوي وتديسن
مسسن أوتاد السسسراجة ،أحدهمسسا نحاس والثانسسي مقصسسدر .يوهسسم ذلك أنهمسسا مسسن ذهسسب
وفضة ،ولم يكونا إل كما ذكرنا .وقد كان أعطاه حين قدومه مائة الف دينار دراهم،
ذكسر عطائه لعبسد العزيسز الردويلي وكان عبسد العزيسز هذا فقيهًا محدثاً ،قرأ بدمشسق
على تقسي الديسن بسن تيميسة ،وبرهان الديسن بسن البركسح ،وجمال الديسن المزي ،وشمسس
الديسن الذهسبي وغيرهسم .ثسم قدم على السسلطان ،فأحسسن إليسه وأكرمسه .واتفسق يوماً أنسه
سسرد عليسه أحاديسث فسي كرم العباس وابنسه رضسي ال عنهمسا ،وشيئاً مسن مآثسر الخلفاء
أولدهمسا .فأعجسب ذلك السسلطان لحبسه فسي بنسي العباس ،وقبسل قدمسي الفقيسه ،وأمسر أن
يؤتى بصينية ذهب فيها ألفا تنكة ،فصبها عليه بيده ،وقال :هي لك مع الصينية .وقد
ذكر عطائه لشمس الدين الندكاني وكان الفقيه شمس الدين الندكاني حكيماً شاعراً
مطبوعاً ،فمدح السلطان بقصيدة باللسان الفارسي ،وكان عدد أبياتها سبعة وعشرين
بيتاً ،فأعطاه لكسل بيست منهسا ألف دينار دراهسم .وهذا أعظسم ممسا يحكسى عسن المتقدميسن
الذيسسسن كانوا يعطون على بيسسست شعسسسر ألف درهسسسم ،وهسسسو عشسسسر عطاء السسسسلطان.
ذكر عطائه لعضد الدين الشونكاري وكان عضد الدين فقيهاً إماماً فاضلً كبير القدر
عظيم الصيت شهير الذكر ببلده .فبلغت السلطان أخباره ،وسمع بمآثره .فبعث إليه
إلى بلدة شونكارة عشرة آلف دينار دراهسسسسسسم ولم يره قسسسسسسط ول وفسسسسسسد عليسسسسسسه.
ذكسر عطائه للقاضسي مجسد الديسن ولمسا بلغسه خسبر القاضسي العالم الصسالح ذي الكرامسة
الشهيرة مجسسد الديسسن قاضسسي شيراز الذي سسسطرنا أخباره فسسي السسسفر الول ،وسسسيمر
بعسض خسبره .وبعسد هذا بعسث إليسه إلى مدينسة شيراز ،صسحبة الشيسخ زاده الدمشقسي
ذكسر عطائه لبرهان الدين الصاغرجي وكان برهان الدين أحد الوعاظ الئمة ،كثير
اليثار ،باذلً لمسسا يملكسسه .حتسسى أنسسه كثيراً مسسا يأخسسذ الديون ،ويؤثسسر على الناس .فبلغ
خبره إلى السلطان ،فبعث إليه أربعين ألف دينار ،وطلب منه أن يصل إلى حضرته.
فقبل الدنانير وقضى دينه منها ،وتوجه إلى بلد الخطا ،وأبى أن يصل إليه ،وقال:
ذكسر عطائه لحاجسي كاون وحكايتسه وكان حاجسي كاون ابسن عسم السسلطان أبسي سسعيد
ملك العراق ،وكان أخوه موسسسى ملكاً ببعسسض بلد العراق .فوفسسد حاجسسي كاون على
السلطان ،فأكرم مثواه ،وأعطاه العطاء الجزل .ورأيته يوماً وقد أتى الوزير خواجه
جهان بهديتسه .وكان منهسا ثلث صسينيات ،إحداهسا مملوءة يواقيست ،والخرى مملوءة
زمرداً ،والخرى مملوءة جواهسسسر .وكان حاجسسسي كاون حاضراً ،فأعطاه مسسسن ذلك
حظاً جزيلً ،ثسم إنسه اعطاه أيضاً مالً عريضاً ،ومضسى يريسد العراق ،فوجسد أخاه قسد
توفسي ،وولي مكانسه سسليمان خان .فطلب إرث أخيسه ،وادعسى الملك ،وبايعسه العسسكر،
وقصسسد بلد فارس ،ونزل بمدينسسة شونكارة التسسي بهسسا المام عضسسد الديسسن الذي تقدم
ذكره آنفاً .فلمسا نزل بخارجهسا تأخسر شيوخهسا عسن الخروج إليسه سساعة ،ثسم خرجوا.
فقال لهسم :مسا منعكسم عسن تعجيسل الخروج إلى مبايعتنسا ? فاعتذروا له .فلم يقبسل منهسم،
وقال لهل سلحه :قلنج تجار " جقار " معناه جردوا السيوف .فجردوها ،وضربوا
أعناقهسم ،وكانوا جماعسة كسبيرة .فسسمع مسن بجاور هذه المدينسة مسن المراء بمسا فعله،
فغضبوا لذلك ،وكتبوا إلى شمسس الديسن السسنماني ،وهسو مسن المراء الفقهاء الكبار،
فأعلموه بمسسا جرى على أهسسل شونكارة ،وطلبوا منسسه العانسسة على قتاله .فتجرد فسسي
عسسساكره ،واجتمسسع أهسسل البلد طالبيسسن بثار مسسن قتله حاجسسي كاون مسسن المشايسسخ،
وضربوا على عسسكره ليلً فهزموه .وكان هسو بقصسر المدينسة ،فأحاطوا بسه ،فاختفسى
فسي بيست الطهارة ،فعثروا عليسه وقطعوا رأسسه ،وبعثوا بسه إلى سسليمان خان ،وفرقوا
وكان الميسر غياث الديسن محمسد بسن عبسد القاهسر بسن يوسسف بسن عبسد العزيسز ابسن
الخليفسسة المسسستنصر بال العباسسسي البغدادي ،قسسد وفسسد على السسسلطان علء الديسسن
طرمشيريسن ،ملك مسا وراء النهسر ،فأكرمسه وأعطاه الزاويسة التسي على قسبر قثسم بسن
العباس رضي ال عنهما ،واستوطن بها أعواماً .ثم لما سمع بمحبة السلطان في بني
العباس ،وقيامسه بدعوتهسم ،أحسب القدوم عليسه ،وبعسث له برسسولين ،أحدهمسا صساحبه
القديسم محمسد ابسن أبسي الشرفسي الحرباوي ،والثانسي محمسد الهمدانسي الصسوفي .فقدمسا
على السسسلطان ،وكان ناصسسر الديسسن الترمذي الذي تقدم ذكره ،قسسد لقسسي غياث الديسسن
ببغداد ،وشهد لديه البغداديون بصحة نسبه فشهد هو عند السلطان بذلك .فلما وصل
رسسوله إلى السسلطان ،أعطاهمسا خمسسة آلف دينار ،وبعسث معهمسا ثلثيسن ألف دينار
إلى غياث الديسن ،ليتزود بهسا إليسه ،وكتسب له خطاباً بخسط يده يعظمسه فيسه ،ويسسأل منسه
القدوم عليسسه .فلمسسا وصسسل الكتاب رحسسل إليسسه .فلمسسا وصسسل إلى بلد السسسند ،وكتسسب
المخبرون بقدومه ،بعث السلطان من يستقبله على العادة .ثم لما وصل إلى سرستي
بعث أيضاً لستقباله صدر الجهان قاضي القضاة كمال الدين الغرنوي وجماعة من
الفقهاء ،ثسسم بعسسث المراء لسسستقباله .فلمسسا نزل بمسسسعود آباد خارج الحضرة ،خرج
السلطان بنفسه لستقباله .فلما التقيا ترجل غياث الدين ،فترجل له السلطان ،وخدم،
فخدم له السسلطان .وكان قسد اسستصحب هديسة فسي جملتهسا ثياب ،فأخسذ السسلطان أحسد
الثواب ،وجعله على كتفسسه ،وخدم كمسسا يفعسسل الناس معسسه ،ثسسم قدمسست الخيسسل،فأخسسذ
السسلطان أحدهسا بيده وقدمسه له ،وحلف أن يركسب ،وأمسسك بركابسه حتسى ركسب ،ثسم
ركسب السسلطان وسسايره ،والشجسر يظلهمسا معاً .وأخسذ التنبول بيده ،وأعطاه أياه .وهذا
أعظسم مسا أكرمسسه بسه .فإنسه ل يفعله مسع أحسسد .وقال له :لول أنسسي بايعست الخليفسة أبسا
العباس لبايعتسسك .فقال له غياث الديسسن :وأنسسا أيضاً على تلك البيعسسة .وقال له غياث
الدين :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم تسليماً " :من أحيا أرضاً مواتًا فهي له "
وأنسست أحببتنسسا .فجاوبسسه السسسلطان بألطسسف جواب وأبره .ولمسسا وصسسل إلى السسسراجة
المعدة لنزول السسسلطان ،أنزله فيهسسا .وضرب للسسسلطان غيرهسسا .وباتسسا فسسي تلك الليلة
بخارج الحضرة .فلمسسسا كان بالغسسسد دخل إلى دار الملك ،وأنزله بالمدينسسسة المعروفسسسة
بسسيري ،وبدار الخلفسة أيضًا فسي القصسر الذي بناه علء الديسن الخلجسي ،وابنسه قطسب
الديسن .وأمسر السسلطان جميسع المراء أن يمضوا معسه إليسه ،وأعسد له فيسه جميسع مسا
يحتاج إليسه مسن أوانسي الذهسب والفضسة ،حتسى كان مسن جملتهسا مغتسسل يغتسسل فيسه مسن
ذهسسب .وبعسسث له أربعمائة ألف دينار لغسسسل رأسسسه على العادة ،وبعسسث له جملة مسسن
الفتيان والخدم والجواري ،وعيسن له عسن نفقسة فسي كسل يوم ثلثمائة دينار ،وبعسث له
زيادة إليهسا عدداً مسن الموائد بالطعام الخاص ،وأعطاه جميسع مدينسة سسيري ،إقطاعاً.
وجميسع مسا احتوت عليسه مسن الدور ومسا يتصسل لهسا مسن بسساتين المخزن وأرضسه،
وأعطاه مائة قرية ،وأعطاه حكم البلد الشرقية المضافة لدهلي ،وأعطاه ثلثين بغلة
بالسسروج المذهبسة ،ويكون علفهسا مسن المخزن ،وأمره أن ل ينزل عسن دابتسه إذا أتسى
دار السسسلطان إل موضعاً خاصسساً ل يدخله أحسسد رلكباً سسسوى السسسلطان وأمسسر الناس
جميعاً مسسن كسسبير وصسسغير أن يخدموا له كمسسا يخدمون السسسلطان .وإذا دخسسل على
السسسلطان ينزل له عسسن سسسريره ،وإن كان على الكرسسسي قام قائماً ،وخدم كسسل واحسسد
منهما لصاحبه ،ويجلس مع السلطان على بساط واحد ،وإذا قام قام السلطان لقيامه،
وخدم كسل واحسد منهمسا لصساحبه ،وإذا انصسرف إلى خارج المجلس ،جعسل له بسساط
يقعسسسسسد عليسسسسسه مسسسسسا شاء ،ثسسسسسم ينصسسسسسرف ،يفعسسسسسل هذا مرتيسسسسسن فسسسسسي اليوم.
حكايسة مسن تعظيمسه اياه وفسي أثناء مقامسه بدهلي قدم الوزيسر مسن بلد بنجالة ،فأمسر
السسسسلطان كبار المراء أن يخرجوا إلى اسسسستقباله ،ثسسسم خرج بنفسسسسه إلى اسسسستقباله،
وعظمه تعظيماً كثيراُ ،وصنعت القباب بالمدينة كما تصنع للسلطان إذا قدم ،وخرج
ابسن الخليفسة للقائه أيضاً ،والفقهاء والقضاة والعيان .فلمسا عاد السسلطان لقصسره ،قال
للوزيسسسر :إمسسسض إلى دار المخدوم زاده ،وبذلك يدعوه ،ومعنسسسى ذلك ابسسسن المخدوم.
فسسار الوزيسر إليسه ،وأهدى له ألفسي تنكسة مسن الذهسب وأثواباً كثيرة .وحضسر الميسر
حكايسة نحوهسا وفسد على السسلطان ملك غزنسة المسسمى ببهرام ،وكان بينسه وبيسن ابسن
الخليفة عداوة قديمة فأمر بإنزاله ببعض دور مدينة سيري التي لبن الخليفة ،وأمر
أن يبنسسي له بهسسا دار فبلغ ذلك ابسسن الخليفسسة فغضسسب منسسه ومضسسى إلى دار السسسلطان
فجلس على البساط الذي عادته الجلوس عليه ،وبعث إلى الوزير ،فقال له :سلم على
خوند عالم ،وقل له :إن جميع ما أعطانيه هو بمنزلي ،لم أتصرف في شيء منه ،بل
زاد عندي ونما وأنا ل أقيم معكم ،وقام وانصرف فسأل الوزير بعض أصحابه عن
سسبب هذا ،فأعلمسه أن سسببه أمسر السسلطان ببناء الدار لملك غزنسة فسي مدينسة سسيري،
فدخل الوزير على السلطان فأعلمه بذلك ،فركب من حينه في عشرة من ناسه ،وأتى
منزل ابسن الخليفسة ،فاسستأذن له ،ونزل عسن فرسسه خارج القصسر حيسث ينزل الناس،
فتلقاه واعتذر له ،فقبسل عذره ،وقال له :السسلطان وال مسا أعلم أنسك راضٍس عنسي حتسى
تضسع قدمسك على عنقسي ،فقال له :هذا مسا ل أفعله ولو قتلت .فقال له السسلطان وحسق
رأسي ل بد لك من ذلك ثم وضع رأسه على الرض وأخذ الملك الكبير قبولة رجل
ابسن الخليفسة بيده ،فوضعهسا على عنسق السسلطان ثسم قام وقال :الن أنسك راضٍس علي،
وطاب قلبي .وهذه حكاية غريبة لم يسمع بمثلها عن ملك .ولقد حضرته يوم عيد وقد
جاءه الملك الكسبير بثلث خلع مسن عنسد السسلطان مفرجسة .قسد جعسل مكان عقسد الحريسر
التسي تعلق بهسا حبات جوهسر قدر البندق الكسبير ،وقام الملك الكسبير ببابسه ،حتسى نزل
من قصره ،فكساه إياه والذي أعطاه هو ما ل يحصر العد ،ول يحيط به الحد ،وابن
الخليفسة مسع ذلك كله أبخسل خلق ال تعالى وله فسي البخسل أخبار عجيبسة ،يعجسب منهسا
سسامعها وكأنسه كان مسن البخسل بمنزلة السسلطان مسن الكرم ،ولنذكسر بعسض أخباره فسي
ذلك.
حكايسة عسن بخسل ابسن الخليفسة وكانست بينسي وبينسه مودة ،وكنست كثيسر التردد إلى منزله
وعنده تركست ولداً لي سسميته أحمسد لمسا سسافرت ول أدري مسا فعسل ال بهمسا فقلت له
يوماً :لم تأكسسل وحدك ،ول تجمسسع أصسسحابك على الطعام ? فقال لي :ل أسسستطيع أن
أنظسسر إليهسسم على كثرتهسسم وهسسم يأكلون طعامسسي فكان يأكسسل وحده ،ويعطسسي صسساحبه
محمد ابن أبي الشرفي من الطعام لمن أحب ،ويتصرف في باقيه وكنت أتردد إليه
فأرى دهليسز قصسره الذي يسسكن بسه مظلماً ل سسراج بسه .ورأيتسه مراراً يجمسع العواد
الصسغار مسن الحطسب بداخسل بسستانه ،وقسد مل منهسا مخازن فكلمتسه فسي ذلك فقال لي:
يحتاج إليهسا .وكان يخدم أصسحابه ومماليكسه وفتيانسه فسي خدمسة البسستان وبنائه ويقول:
ل أرضى أن يأكلوا طعامي وهم ل يخدمون .وكان علي مرة دين فطلبت به فقال لي
فسي بعسض اليام :وال لقسد هممست أن أؤدي عنسك دينسك ،فلم تسسمح نفسسي بذلك ،ول
ساعدتني عليه.
حكاية
حدثني مرة قال :خرجت عن بغداد ،وأنا رابع أربعة أحدهم محمد بن أبي الشرفي
صسساحبه ،ونحسسن على أقدامنسسا ،ول زاد عندنسسا فنزلنسسا على عيسسن ماء ببعسسض القرى،
فوجدنسا أحدنسا فسي العيسن درهماً ،فقلنسا ومسا نصسنع بدرهسم ،فاتفقنسا على أن نشتري بسه
خبزاً ،فبعثنا أحدنا لشرائه ،فأبى الخباز بتلك القرية أن يبيع الخبز وحده ،وإنما يبيع
خبزاً بقيراط ،وتبناً بقيراط فاشترى منسه الخبسز والتبسن ،فطرحنسا التبسن ،إذ ل دابسة لنسا
تأكله وقسمنا الخبز لقمة لقمة ،وقد انتهى حالي اليوم إلى ما تراه فقلت له :ينبغي لك
أن تحمسد ال على مسا أولك ،وتؤثسر الفقراء والمسساكين بالتصسدق فقال :ل أسستطيع
ذلك .ولم أره قط يجود بشيء ،ول يفعل معروفاً ،ونعوذ بال من الشح.
حكاية
كنسست يوماً ببغداد بعسسد عودتسسي مسسن بلد الهنسسد ،وأنسسا قاعسسد على باب المدرسسسة
المسستنصرية التي بناها جده أمير المؤمنين المستنصر رضي ال عنسه ،فرأيت شاباً
ضعيسسف الحال يشتسسد خلف رجسسل خارج عسسن المدرسسسة فقال لي بعسسض الطلبسسة :هذا
الشاب الذي تراه هسو ابسن الميسر محمسد حفيسد الخليفسة المسستنصر الذي ببلد الهنسد،
فدعوتسه فقلت له :إنسي قسد قدمست مسن بلد الهنسد ،وإنسي أعرفسك بخسبر أبيسك فقال :قسد
جاءني خبره في هذه اليام ومضى يشتد خلف الرجل،فسألت عن الرجل ،فقيل لي:
هسو الناظسر فسي الحبسس ،وهذا الشاب هسو إمام ببعسض المسساجد ،وله على ذلك أجرة
درهم واحد في اليوم ،وهو يطلب أجرته من الرجل ،فطال عجبي منه ،وال لو بعث
إليه جوهرة من الجواهر التي في الخلع الواصلة إليه من السلطان لغناه بها ونعوذ
ولمسا قدم هذا الميسر على السسلطان أكرم مثواه ،وأنزله بقصسر السسلطان جلل الديسن
داخسل مدينسة دهلي ،ويعرف بكشسك ،لعسل معناه القصسر الحمسر ،وهسو قصسر عظيسم،
فيسه مشور كسبير جداً ،ودهليسز هائل ،على بابسه قبسة تشرف على هذا المشور ،وعلى
المشور الثانسي الذي يدخسل منسه إلى القصسر ،وكان السسلطان جلل الديسن يقعسد بهسا،
وتلعسب الكرة بيسن يديسه فسي هذا المشور .وقسد دخلت هذا القصسر عنسد نزوله بسه فرأيتسه
مملوءاً أثاثاً وفرشاً وبسطاً وغيرها ،وذلك كله متمزق ل منتفع فيه في عادتهم بالهند
أن يتركوا قصسر السسلطان إذا مات بجميسع مسا فيسه ،ل يتعرضون له ،ويبنسي المتولي
بعده قصسراً لنفسسه ،ولمسا دخلتسه طفست بسه وصسعدت إلى أعله فكانست لي فيسه عسبرة،
نشأت عنها عبرة وكان معي الفقيه الطيب الديب جمال الدين المغربي ،الغرناطي،
البجائي المولد مسستوطن بلد الهنسد ،قدمهسا مسع أبيسه ،وله بهسا أولد فأنشدنسي عندمسا
عايناه:
لي :أو نسسيت ? وذكرنسي يقضيسة اتفقست لي فسي زيارة الشيسخ شهاب الديسن ابسن شيسخ
الجام ،وكيسسف أراد السسسلطان قتلي على ذلك ،حسسسبما يقسسع ذكره ،فرجعسست ولم أزره
وتخلص الميسر غدا عنسد الظهسر مسن سسجنه فأظهسر السسلطان أعماله ،وأضرب عمسا
كان أمسر له بوليتسه وأراد نفيسه ،وكان للسسلطان صسهر يسسمى بمغيسث بسن ملك الملوك
وكانست أخست السسلطان تشكوه لخيهسا إلى أن ماتست فذكسر جواريهسا أنهسا ماتست بسسبب
قهره لهسا وكان فسي نسسبه مغمسز ،فكتسب السسلطان بخطسه يجلي اللقيسط ،يعنيسه ،ثسم كتسب
ويجلى موش خوار معناه آكسسل الفئران ،يعنسسي بذلك الميسسر غدا لن عرب الباديسسة
يأكلون اليربوع ،وهسسو شبسسه الفار ،وأمسسر بإخراجهمسسا فجاءه النقباء ليخرجوه فأراد
دخول داره ووداع أهله ،فترادف النقباء فسي طلبسه ،فخرج باكياً ،وتوجهست حيسن ذلك
إلى دار السسلطان فبست بهسا فسسألني عسن مسبيتي بعسض المراء ،فقلت له :جئت لتكلم
في المير سيف الدين حتى يرد ول ينفى .فقال :ل يكون ذلك .فقلت له :وال لبيتن
فسي دار السسلطان ،ولو بلغ مسبيتي مائة ليلة ،حتسى يرد فبلغ ذلك السسلطان فأمسر برده،
وأمره أن يكون فسسسي خدمسسسة الميسسسر ملك قبولة اللهوري ،فأقام أربعسسسة أعوام فسسسي
خدمته .يركب لركوبه ،ويسافر لسفره ،حتى تأدب وتهذب ثم أعاده السلطان إلى ما
ولمسا قدم خداونسد زاده أعطاه السسلطان عطاءً جزلً ،وأحسسن إليسه إحسساناً عظيماً،
وبالغ في إكرامه ،ثم زوج ولديه من بنتي الوزير خواجة جهان وكان الوزير إذ ذاك
غائباً ،فأتسى السسلطان إلى داره ليلً ،وحضسر عقسد النكاح ،كأنسه نائب عسن الوزيسر،
ووقسف حتسى قرأ قاضسي القضاة الصسداق ،والقضاة والمراء والمشايسخ قعود ،وأخسذ
السسسلطان بيده الثواب والبدر فجعلهسسا بيسسن يدي القاضسسي وولدي خداونسسد زاده وقام
المراء وأبوا أن يجعسل السسلطان ذلك بيسن أيديهسم بنفسسه ،فأمرهسم بالجلوس ،وأمسر
ادعسسى عليسسه رجسسل مسسن كبار الهنود أنسسه قتسسل أخاه مسسن غيسسر موجسسب ،ودعاه إلى
القاضي ،فمضى على قدميه ،ول سلح معه ،إلى مجلس القاضي فسلم وخدم ،وكان
قد أمر القاضي قبل ذلك أنه إذا جاءه في مجلسه ،فل يقوم له ول يتحرك فصعد إلى
المجلس ،ووقسسف بيسسن يدي القاضسسي .فحكسسم عليسسه أن يرضسسي خصسسمه مسسن دم أخيسسه
فأرضاه.
حكايسة مثلهسا وادعسى على السسلطان مرة رجسل مسن المسسلمين أنسه له قبله حقاً مالياً،
فتخاصما في ذلك عند القاضي ،فأصدر الحكم على السلطان بإعطاء المال فأعطاه.
حكاية مثلها وادعى عليه صبي من أبناء الملوك أنه ضربه من غير موجب ،ورفعه
إلى القاضسسي فتوجسسه الحكسسم عليسسه أن يرضيسسه بالمال إن قبسسل ذلك ،وإل أمكنسسه مسسن
القصاص ،فشاهدته يومئذ وقد عاد لمجلسه واستحضر الصبي ،وأعطاه عصا ،وقال
له :وحسق رأسسي لتضربننسي كمسا ضربتسك .فأخسذ الصسبي العصسا ،ضربسه بهسا إحدى
وعشرين ضربة ،حتى رأيت الكل " الكله " قد طارت على رأسه.
وكان السلطان شديداً في إقامة الصلة ،آمراً بملزمتها في الجماعات ،يعاقب على
تركهسا أشسد العقاب ولقسد قتسل فسي يوم واحسد تسسعة نفسر على تركهسا كان أحدهسم مغنياً،
وكان يبعسث الرجال الموكليسن بذلك إلى السسواق فمسن وجسد بهسا عنسد إقامسة الصسلة،
عوقسسب حتسسى انتهسسى إلى عقاب السسستائريين الذيسسن يمسسسكون دواب الخدام ،على باب
المشور ،إذا ضيعوا الصسلة ،وأمسر أن يطلب الناس بعلم فرائض الوضوء والصسلة
وشروط السسسلم ،فكانوا يسسسألون عسسن ذلك فمسسن لم يحسسسنه عوقسسب ،وصسسار الناس
وكان شديدًا فسسي إقامسسة الشرع ،وممسسا فعسسل فسسي ذلك أن أمسسر أخاه مبارك خان ،أن
يكون قعوده بالمشور مع قاضي القضاة كمال الدين في قبة مرتفعة هنالك ،مفروشة
بالبسط وللقاضي بها مرتبة تحف بها المخاد ،كمرتبة السلطان ويقعد أخو السلطان
عن يمينه ،فمن كان عليه حق من كبار المراء ،وامتنع من أدائه لصاحبه ،يحضره
ولمسا كان فسي سسنة إحدى وأربعيسن أمسر السسلطان برفسع المكوس عسن بلده ،وأن ل
يؤخسذ مسن الناس إل الزكاة والعشسر خاصسة وصسار يجلس بنفسسه للنظسر فسي المظالم،
كل يوم إثنين وخميس برحبة أمام المشور ،ول يقف بين يديه في ذلك اليوم إل أمير
حاجسب وخاص حاجب وسسيد الحجاب وشرف الحجاب ل غيره ،ول يمنع أحسد ممسن
أراد الشكوى مسسن الوقوف بيسسن يديسسه ،وعيسسن أربعسسة مسسن كبار المراء يجلسسسون فسسي
البواب الربعسة مسن المشور ،لخسذ القصسص مسن المشتكيسن ،والرابسع منهسم هسو ابسن
عمه ملك فيروز خان ،فإن أخذ صاحب الباب الول الرفع من الشاكي فحسن ،وإل
أخذه الثانسسي أو الثالث أو الرابسسع ،وإن لم يأخذوه منسسه ،مضسسى بسسه إلى صسسدر الجهان
قاضي المماليك ،فإن أخذه منه ،وإل شكا إلى السلطان ،فإن صح عنده أنه مضى به
إلى أحد منهم فلم يأخذه منه ،أدبه وكل ما يجتمع من القصص في سائر اليام ،يطالع
ولمسا اسستولى القحسط على بلد الهنسد والسسند ،واشتسد الغلء حتسى بلغ مسن القمسح إلى
سستة دنانير ،أمر السلطان أن يعطسى لجميع أهل دهلي نفقة سستة أشهر من المخزن،
بحسساب رطسل ونصسف مسن أرطال المغرب ،لكسل انسسان فسي اليوم ،صسغيراً وكسبيراً
حراً وعبداً .وخرج الفقهاء والقضاة يكتبون الزمسسسسة بأهسسسسل الحارات ،ويحضرون
وكان على ما قدمنا من تواضعه وإنصافه ورفقه بالمساكين وكرمه الخارق للعادة ،كثير
التجاسر على إراقه الدماء ،ل يخلو بابه عن مقتول إل في النادر ،وكنت كثيراً ما أرى
الناس يقتلون على بابه ،ويطرحون هنالك .ولقد جئت يوماً فنفر بي الفرس ،ونظرت إلى
قطعة بيضاء في الرض فقلت :ما هذه ? فقال بعض أصحابي هي صدر رجل قطع ثلث
قطع .وكان يعاقب على الصغيرة والكبيرة ،ول يحترم أحداً من أهل العلم والصلح
والشرف وفي كل يوم يرد على المشور من المسلسلين والمغلولين والمقيدون مئون فمن
كان للقتل قتل أو للعذاب عذب ،أو للضرب ضرب .وعادته أن يؤتى كل يوم بجميع من في
سجنه من الناس إلى المشور ،ما عدا يوم الجمعة ،فإنهم ل يخرجون فيه ،وهو يوم راحتهم،
يتنظفون فيه ويستريحون أعاذنا ال من البلء.
ذكر قتلة لخيه وكان له أخ اسمه مسعود خان ،وأمه بنت السلطان علء الدين وكان من
أجمل صورة رأيتها في الدنيا فاتهمه بالقيام عليه ،وسأله عن ذلك فأقر خوفاً من العذاب فإن
من أنكر ما يدعيه عليه السلطان من مثل ذلك يعذب ،فيرى الناس أن القتل أهون عليهم من
العذاب ،فأمر به ،فضربت عنقه في وسط السوق ،وبقي مطروحاً هنالك ثلثة أيام على
عادتهم .وكانت أم هذا المقتول قد رجمت في ذلك الموضع قبل ذلك بسنتين ،لعترافها
بالزنا رجمها القاضي كمال الدين.
ذكر قتله لثلثمائة وخمسين رجلً في ساعة واحدة وكان مرة عين حصة من العسكر،
تتوجه مع الملك يوسف بغرة إلى قتال الكفار ،ببعض الجبال المتصلة بحوز دهلي فخرج
يوسف ،وخرج معه معظم العسكر وتخلف قوم منهم ،فكتب يوسف إلى السلطان يعلمه
بذلك ،فأمر أن يطاف بالمدينة ،ويقبض على من وجد من أولئك المتخلفين ففعل ذلك،
وقبض على ثلثمائة وخمسين منهم فأمر بقتلهم أجمعين ،فقتلوا.
ذكر تعذيبه للشيخ شهاب الدين وقتله وكان الشيخ شهاب الدين ابن شيخ الجام الخراساني
الذي تنسب مدينة الجام بخراسان إلى جده ،حسبما قصصنا ذلك ،من كبار المشايخ الصلحاء
الفضلء ،وكان يواصل أربعة عشر يوماً .وكان السلطانان ،قطب الدين وتغلق يعظمانه
ويزورانه ويتبركان به فلما ولي السلطان محمد أراد أن يخدم الشيخ في بعض خدمته ،فإن
عادته أن يخدم الفقهاء والمشايخ والصلحاء ،محتجاً أن الصدر الول رضي ال عنهم ،لم
يكونوا يستعملون إل أهل العلم والصلحاء ،فامتنع الشيخ شهاب الدين من الخدمة وشافهه
السلطان بذلك في مجلسه العام ،فأظهر الباية والمتناع ،فغضب السلطان من ذلك ،وأمر
الشيخ الفقيه المعظم ضياء الدين السمناني أن ينتف لحيته ،فأبى ضياء الدين من ذلك ،وقال:
ل أفعل هذا ،فأمر السلطان بنتف لحية كل واحد منهما فنتف ونفي ضياء الدين إلى بلد
التلنك ثم وله بعد مدة قضاء ورنكل ،فمات بها ،ونفي شهاب الدين إلى دولة آباد ،فأقام بها
سبعة اعوام ،ثم بعث عنه ،فأكرمه وعظمه ،وجعله على ديوان المستخرج ،وهو ديوان بقايا
العمال ،يستخرجها منهم بالضرب والتنكيل ثم زاد في تعظيمه ،وأمر المراء أن ياتوا
للسلم عليه ،ويمتثلوا أقواله ولم يكن أحد في دار السلطان فوقه ولما انتقل السلطان إلى
السكنى على نهر الكنك ،وبنى هنالك القصر المعروف بسرك دوار ،معناه شبه الجنة ،وأمر
الناس بالبناء هنالك ،طلب منه الشيخ شهاب الدين أن يأذن له في القامة بالحضرة ،فأذن له
إلى أرض موات ،على مسافة ستة أميال من دهلي فحفر بها كهفاً كبيراً ،صنع في جوفه
البيوت والمخازن والفرن والحمام ،وجلب الماء من نهر جون ،وعمر تلك الرض ،وجمع
مالً كثيراً من مستغلها لنها كانت السنون قاحطة ،وأقام هنالك عامين ونصف عام مدة
مغيب السلطان .وكان عبيده يخدمون تلك الرض نهاراً ،ويدخلون الغار ليلً ويسدونه على
أنفسهم وأنعامهم ،خوف سراق الكفار ،لنهم في جبل منيع هنالك ،ولما عاد السلطان إلى
حضرته استقبله الشيخ ولقيه على سبعة أميال منها ،فعظمه السلطان وعانقه عند لقائه،
وعاد إلى غاره ثم بعث عنه بعد أيام ،فامتنع من إتيانه فبعث إليه مخلص الملك النذرباري،
وكان من كبراء الملوك ،فتلطف له في القول ،وحذره بطش السلطان فقال له :ل أخدم ظالماً
أبداً فعاد مخلص الملك إلى السلطان فأخبره بذلك فأمر أن يأتي به ،فأتى به فقال له :أنت
القائل :إني ظالم فقال :نعم ،أنت ظالم ،ومن ظلمك كذا و كذا ،وعدد أموراً منها تخريبه
لمدينة ،دهلي ،وإخراجه أهلها .فأخذ السلطان سيفه ،ودفعه لصدر الجهان ،وقال :يثبت هذا
أني ظالم ،واقطع عنقي بهذا السيف فقال له شهاب الدين :ومن يريد أن يشهد بذلك ،فيقتل
ولكن أنت تعرف ظلم نفسك وأمر بتسليمه للملك نكبية ،رأس الدويدارية ،فقيده بأربع قيود،
وغل يديه وأقام كذلك أربعة عشر يوماً مواصلً ،ل يأكل ول يشرب وفي كل يوم منها
يؤتى بها إلى المشور ،ويجمع الفقهاء والمشايخ ،ويقولون له :إرجع عن قولك فيقول :ل
أرجع عنه ،وأريد أن أكون في زمرة الشهداء .فلما كان اليوم الرابع عشر بعث إليه السلطان
بطعام مع مخلص الملك ،فأبى أن يأكل ،وقال :رفع رزقي من الرض ارجع بطعامك إليه
فلما أخبر بذلك السلطان ،أمر عند ذلك أن يطعم الشيخ خمسة أستار " أساتير " من العذرة،
وهي رطلن ونصف من أرطال المغرب فأخذ ذلك الموكلون بمثل هذه المور ،وهم طائفة
من كفار الهنود ،فمدوه على ظهره ،وفتحوا فمه بالكلبتين ،وحلوا العذرة بالماء وسقوه ذلك.
وفي اليوم بعده أتى به إلى دار القاضي صدر الجهان ،وجمع الفقهاء والمشايخ ووجوه
العزة فوعظوه ،وطلبوا منه أن يرجع عن قوله ،فأبى ذلك .فضربت عنقه ،رحمه ال
تعالى.
ذكر قتله للفقيه المدرسي عفيف الدين الكاساني وفقيهين معه وكان السلطان في سني القحط
قد أمر بحفر آبار خارج دار الملك ،وأن يزرع هنالك زرع ،وأعطى الناس البذر ،وما يلزم
على الزراعة من النفقة ،وكلفهم زرع ذلك للمخزن فبلغ ذلك الفقيه عفيف الدين ،فقال :هذا
الزرع ل يحصل المراد منه ،فوشي به إلى السلطان فسجنه .وقال له :لي شيء تدخل
نفسك في أمور الملك ? ثم إنه سرحه بعد مدة فذهب إلى داره ولقيه في طريقه إليها
صاحبان له من الفقهاء ،فقال له :الحمد ل على خلصك .فقال الفقيه ،الحمد ل الذي نجانا
من القوم الظالمين وتفرقوا فلم يصلوا إلى دورهم حتى بلغ ذلك السلطان فأمر بهم فأحضر
ثلثتهم بين يديه فقال :اذهبوا بهذا ،يعني عفيف الدين ،فاضربوا عنقه حمائل ،وهو أن يقطع
الرأس من الذراع وبعض الصدر ،واضربوا أعناق الخرين فقالوا له :أما هو فيستحق
العقاب بقوله ،وأما نحن فبأي جريمة تقتلنا ? فقال :طالما أنكما سمعتما كلمه فلم تنكراه
فكأنكما وافقتما عليه ،فقتلوا جميعاً رحمهم ال تعالى.
ذكر قتله أيضاً لفقيهين من أهل السند كانا في خدمته وأمر السلطان هذين الفقيهين السنديين
أن يمضيا مع أمير عينه إلى بعض البلد ،وقال لهما :إنما سلمت أحوال البلد والرعية
لكما ،ويكون هذا المير معكما ،يتصرف مما تأمرانه به ،فقال له :إنما نكون كالشاهدين
عليه ،ونبين له وجه الحق ليتبعه .فقال لهما :إنما قصدكما أن تأكل أموالي وتضيعاها،
وتنسبا ذلك إلى هذا التركي الذي ل معرفة له .فقال له :حاشا ل يا خوند عالم ما قصدنا هذا
فقال لهما لم تقصدا غير هذا اذهبوا بهما إلى الشيخ زاده النهاوندي ،وهو الموكل بالعذاب
فذهب بهما إليه ،فقال لهما :السلطان يريد قتلكما .فأقرا بما قولكما إياه ،ول تعذبا أنفسكما
فقال :وال ما قصدنا إل ما ذكرنا فقال لزبانيته :ذوقوهما بعض شيء ،يعني من العذاب
فبطحا على اقفائهما وجعل على صدر كل واحد منهما صفيحة حديد محماة ،ثم قلعت بعد
هنيهة ،فذهب بلحم صدورهما ،ثم أخذ البول والرماد فجعل على تلك الجراحات فأقرا على
أنفسهما أنهما لم يقصدا إل ما قاله السلطان ،وأنهما مجرمان مستحقان للقتل ،فل حق لهما
ول دعوى في دمائها دنيا ول أخرى ،وكتبا خطهما بذلك ،واعترفا به عند القاضي ،فسجل
على العقد ،وكتب فيه أن اعترافهما كان عن غير إكراه ول إجبار ولو قال :أكرهنا لعذبا
أشد العذاب ،ورأيا أن تعجيل ضرب العنق خير لهما من الموت بالعذاب الليم فقتل
رحمهما ال تعالى.
ذكر قتله للشيخ هود
وكان الشيخ زاده ،المسمى بهود ،حفيد الشيخ الصالح الولي ركن الدين بن بهاء الدين ابن
أبي زكريا الملتاني ،وجده الشيخ ركن الدين ،معظماً عند السلطان ،وكذلك أخوه عماد الدين
الذي كان شبيهاً بالسلطان ،وقتل يوم وقيعة كشلوخان ،وسنذكره .ولما قتل عماد الدين
أعطى السلطان لخيه ركن الدين مائة قرية ليأكل منها ويطعم الصادر والوارد بزاويته
فتوفي الشيخ ركن الدين ،وأوصى بمكانه من الزاوية لحفيده الشيخ هود ،ونازعه في ذلك
ابن أخي الشيخ ركن الدين ،وقال :أنا أحق بميراث عمي ،فقدما على السلطان ،وهو بدولة
آباد وبينهما وبين ملتان ثمانون يوماً فأعطى السلطان المشيخة لهود حسبما أوصى له
الشيخ ،وكان كهلً ،وكان ابن أخي الشيخ فتى وأكرمه السلطان ،وأمر بتضفييه في كل
منزل يحله ،وأن يخرج إلى لقائه أهل كل بلد يمر به إلى ملتان ،وتصنع له فيه دعوة فلما
وصل المر للحضرة ،خرج الفقهاء والقضاة والمشايخ والعيان للقائه وكنت فيمن خرج
إليه ،فتلقيناه وهو راكب في دولة ،يجملها الرجال ،وخيله مجنوبة ،فسلمنا عليه ،وأنكرت أنا
ما كان من فعله في ركوبه الدولة ،وقلت :إنما كان ينبغي له أن يركب الفرس ،ويساير من
خرج للقائه من القضاة والمشايخ فبلغه كلمي ،فركب الفرس ،واعتذر بأن فعله أولً كان
بسبب ألم منعه من ركوب الفرس .ودخل الحضرة ،وصنعت لها دعوة أنفق فيها من مال
السلطان عدداً كثيراً وحضر القضاة والمشايخ والفقهاء والعزة ،ومد السماط وأتوا بالطعام
على العادة ،ثم أعطيت الدراهم لكل من حضر على قدر استحقاقه .فأعطي قاضي القضاة
خمسمائة دينار ،وأعطيت أنا مائتين وخمسين ديناراً وهذه عادة لهم في الدعوى السلطانية
ثم انصرف الشيخ هود إلى بلده ،ومعه الشيخ نور الدين الشيرازي ،بعثه السلطان ليجلسه
على سجادة جده بزاويته ،ويصنع له الدعوة من مال السلطان هنالك .واستقر بزاويته ،وأقام
بها أعواماً ثم إن عماد الملك ،أمير بلد السند ،كتب إلى السلطان يذكر أن الشيخ وقرابته،
يشتغلون بجمع الموال وإنفاقها في الشهوات ،ول يطعمون أحداً بالزاوية ،فنفذ المر
بمطالبتهم بالموال فطلبهم عماد الملك بها ،وسجن بعضهم ،وضرب بعضاً ،وصار يأخذ
منهم كل يوم عشرين ألف دينار مدة أيام ،حتى استخلص ما كان عندهم ووجد لهم كثيراً من
الموال والذخائر من جملتها نعلن مرصعان بالجوهر والياقوت ،بيعا بسبعة آلف دينار،
قيل :إنهما كانا لبنت الشيخ هود ،وقيل لسرية له فلما اشتد الحال على الشيخ هرب يريد بلد
التراك فقبض عليه وكتب عماد الملك بذلك إلى السلطان ،فأمره أن يبعثه ويبعث الذي
قبض عليه كليهما في حكم الثقاف ،فلما وصل إليه ،سرح الذي قبض عليه وقال للشيخ
هود :أين أردت أن تفر ? فاعتذر بعذر فقال له السلطان :إنما أردت أن تذهب إلى التراك،
فتقول :أنا ابن الشيخ بهاء الدين زكريا ،وقد فعل السلطان معي كذا ،وتأتي بهم لقتالنا.
اضربوا عنقه ،فضربت عنقه رحمه ال تعالى.
ذكر سجنه لبن تاج العارفين وقتله لولده
وكان الشيخ الصالح شمس الدين ابن تاج العارفين ،ساكناً بمدينة كول ،منقطعاً للعبادة كبير
القدر ودخل السلطان إلى مدينة كول ،فذهب عنه فلم يأته فذهب السلطان إليه ثم لما قارب
منزله انصرف ،ولم يره ،واتفق ،بعد ذلك أن أميراً من المراء خالف على السلطان ببعض
الجهات ،وبايعه الناس :فنقل للسلطان أنه وقع ذكر هذا المير بمجلس الشيخ شمس الدين،
فأثنى عليه ،وقال :إنه يصلح للملك فبعث السلطان بعض المراء إلى الشيخ فقيده ،وقيد
أولده ،وقيد قاضي كول ،ومحتسبها .لنه ذكر أنهما كانا حاضرين للمجلس الذي وقع فيه
ثناء الشيخ على المير المخالف وأمر بهم فسجنوا جميعاً ،بعد أن سمل عيني القاضي،
وعيني المحتسب .ومات الشيخ بالسجن وكان القاضي والمحتسب يخرجان مع بعض
السجانين فيسألن الناس ،ثم يردان إلى السجن ،وكان قد بلغ السلطان ،أن أولد الشيخ كانوا
يخالطون كفار الهنود وعصاتهم ويصبحونهم ،فلما مات أبوهم ،أخرجهم من السجن ،وقال
لهم :ل تعودوا إلى ما كنتم تفعلون .فقالوا له :وما فعلنا فاغتاظ من ذلك وأمر بقتلهم جميعاً
فقتلوا ثم استحضر القاضي المذكور ،فقال أخبرني بما كان يرى رأي هؤلء الذين قتلوا،
ويفعل مثل أفعالهم فأملى أسماء رجال كثيرين من كفار البلد ،فلما عرض ما أمله على
السلطان قال :هذا يجب أن يخرب البلد اضربوا عنقه ،فضربت عنقه رحمه ال تعالى.
ذكر قتله للشيخ الحيدري وكان الشيخ علي الحيدري ساكناً بمدينة كنباية من ساحل الهند،
وهو عظيم القدر ،شهير الذكر ،بعيد الصيت ،ينذر له التجار بالبحر النذور الكثيرة وإذا
قدموا بدأوا بالسلم عليه وكان يكاشف بأحوالهم ،وربما نذر أحدهم النذر وندم عليه فإذا أتى
الشيخ للسلم عليه ،أعلمه بما نذر له ،وأمر بالوفاء به واتفق له ذلك مرات ،واشتهر به فلما
خالف القاضي جلل الفغاني وقبيلته بتلك الجهات ،بلغ السلطان أن الشيخ الحيدري دعا
للقاضي جلل الدين ،وأعطاه شاشيته من رأسه ،وذكر أيضاً أنه بايعه .فلما خرج السلطان
إليهم بنفسه ،وانهزم القاضي جلل خلف السلطان شرف الملك أمير بخت ،أحد الوافدين
معنا عليه بكنباية ،وأمره بالبحث عن أهل الخلف ،وجعل معه فقهاء يحكم بقولهم ،فأحضر
الشيخ علي الحيدري بين يديه ،وثبت أنه أعطى للقائم شاشيته ودعا له ،فحكموا بقتله .فلما
ضربه السياف لم يفعل شيئاً وعجب الناس لذلك ،وظنوا أنه يعفو عنه بسبب ذلك فأمر سيافاً
آخر بضرب عنقه ،فضربها رحمه ال تعالى.
ذكر قتله لطوغان وأخيه وكان طوغان الفرغاني وأخوه من كبار أهل مدينة فرغاني فوفدا
على السلطان ،فأحسن إليهما وأعطاهما عطاء جزيلً وأقاما عنده مدة فلما طال مقامهما
أرادا الرجوع إلى بلدهما ،وحاول الفرار فوشى بهما أحد أصحابهما إلى السلطان فأمر
بتوسيطهما ،فوسطا وأعطي للذي وشى بهما جميع مالهما ،وكذلك عادتهم بتلك البلد إذا
وشى أحد بأحد وثبت ما وشى به فقتل ،أعطي ماله.
ذكر قتله لبن ملك التجار وكان ابن ملك التجار شاباً صغيراً ل نبات بعارضيه فلما وقع
خلف عين الملك وقيامته وقتاله للسلطان ،كما سنذكره ،غلب على ابن ملك التجار هذا،
فكان في جملته مقهوراً ،فلما هزم عين الملك ،وقبض الملك عليه وعلى أصحابه ،كان من
جملتهم ابن ملك التجار وصهره ابن قطب الملك ،فأمر بهما ،فعلقا من أيديهما في خشب،
وأمر أبناء الملوك ،فرموهما بالنشاب حتى ماتا قال الحجب خواجه أمير علي التبريزي
لقاضي القضاة كمال الدين ذلك الشاب ،لم يجب عليه القتل .فبلغ ذلك السلطان فقال :هل
قلت هذا قبل موته ،وأمر به فضرب مائتي مقرعة أو نحوها ،وسجن ،وأعطى جميع ماله
لمير السيافين فرأيته في ثاني ذلك اليوم قد لبس ثيابه ،وجعل قلنسوته على رأسه ،وركب
فرسه ،فظننت أنه هو وأقام بالسجن شهوراً ثم سرحه ،ورده إلى ما كان عليه ،ثم غضب
عليه ثانية ،ونفاه إلى خراسان فاستقر بهراة ،وكتب إليه يستعطفه ،فوقع له على ظهر كتابه
أربار آمدي باز " آي " معناه أن كنت تبت فارجع ،فرجع إليه.
ذكر ضربه لخطيب الخطباء حتى مات وكان قد ولي خطيب الخطباء بدهلي النظر في زانة
الجوهر في السفر ،فاتفق أن جاء سراق الكفار ليلً فضربوا على تلك الخزانة ،وذهبوا
بشيء منها فأمر بضرب الخطيب حتى مات .رحمه ال تعالى.
ذكر تخريبه لدهلي ونفي أهلها
وقتسل العمسى والمقعسد ومسن أعظسم مسا كان ينقسم على السسلطان إجلؤه لهسل دهلي
عنهسسا ،وسسسبب ذلك أنهسسم كانوا يكتبون بطائق فيهسسا شتمسسه وسسسبه ،ويختمون عليهسسا،
ويكتبون عليها ،وحق رأس خوند عالم ،ما يقرأها غيره ويرمونها بالمشور ليلً فإذا
فضهسا وجسد شتمسه وسسبه فعزم على تخريسب دهلي ،واشترى مسن أهلها جميعاً دورهسم
ومنازلهسم ،ودفسع لهسم ثمنهسا ،وأمرهسم بالنتقال عنهسا إلى دولة آباد ،فأبوا ذلك ،فنادى
مناديه أن ليبقى فيها أحد بعد ثلث فانتقل معظمهم ،واختفى بعضهم في الدور فأمر
بالبحسث عمسن بقسي بهسا ،فوجسد عسبيده بأزقتهسا رجليسن :أحدهمسا مقعسد والخسر أعمسى،
فأتوا بهما فأمر بالمقعد فرمي به في المنجنيق ،وأمر أن يجر العمى من دهلي إلى
دولة آباد ،مسسيرة أربعيسن يوماً فتمزق فسي الطريسق ،ووصسل منسه رجله ،ولمسا فعسل
ذلك خرج أهلهسسسا جميعاً ،وتركوا أثقالهسسسم وأمتعتهسسسم وبقيسسست المدينسسسة خاويسسسة على
عروشها ،فحدثني من أثق بسه قال :صعد السلطان ليلة إلى سطح قصسره ،فنظر إلى
دهلي وليسس بهسا نار ول دخان ول سسراج فقال :الن طاب قلبسي وتهدن خاطري ثسم
كتسب إلى أهسل البلد أن ينتقلوا إلى دهلي ليعمروهسا فخربست بلدهسم ولم تعمسر دهلي
لتسساعها وضخامتهسا وهسي مسن أعظسم مدن الدنيسا ،وكذلك وجدناهسا لمسا دخلنسا إليهسا
خاليسة ،ليسس بهسا ال قليسل عمارة وقسد ذكرنسا كثيراً مسن مآثسر هذا السسلطان ،وممسا نقسم
ولما ولي السلطان الملك بعد أبيه وبايعه الناس ،أحضر السلطان غياث الدين بهادور بوره
الذي كان أسره السلطان تغلق ،فمن عليه ،وفك قيوده ،وأجزل له العطاء من الموال
والخيل والفيلة ،وصرفه إلى مملكته وبعث معه ابن أخيه إبراهيم خان ،وعاهده على أن
تكون تلك المملكة مشاطرة بينهما ويكتب اسماهما معاً في السكة ،ويخطب لهما وعلى أن
يصرف غياث الدين ابنه محمد المعروف برباط ،يكون رهينة عند السلطان فانصرف
غياث الدين إلى مملكته ،والتزم ما شرط عليه إل أنه لم يبعث ابنه ،وادعى انه امتنع وأساء
الدب في كلمه فبعث السلطان العساكر إلى ابن أخيه إبراهيم وأميرهم دلجي التتري،
فقاتلوا غياث الدين فقتلوه وسلخوا جلده ،وحشي بالتبن وطيف به على البلد.
ذكر ثورة ابن عمته وما اتصل بذلك وكان للسلطان تغلق ابن أخت يسمى بهاء الدين كشت
اسب " بضم الكاف وسكون الشين المعجم وتاء معلوة " واسب " بالسين المهمل والباء
الموحدة مسكنين " ،فجعله أميراً ببعض النواحي ،فلما مات خاله امتنع من بيعة ابنه ،وكان
شجاعاً بطلً فبعث السلطان إليه العساكر ،فيهم المراء الكبار ،مثل الملك مجير ،والوزير
خواجه جهان أمير على الجمع فالتقى الفرسان ،واشتد القتال ،وصبر كل العسكرين ثم
كانت الكرة لعسكر السلطان ففر بهاء الدين إلى ملك من ملوك الكفار ،يعرف بالراي كنبيلة
والراي عندهم كمثل ما هو بلسان الروم عبارة عن السلطان وكنبيلة اسم القليم الذي هو به،
وهو " بفتح الكاف وسكون النون وكسر الباء الموحدة وياء ولم مفتوحة " وهذا الراي له
بلد في جبال منيعة ،وهو من أكابر السلطين الكفار .فلما هرب إليه بهاء الدين ،اتبعه
عساكر السلطان وحصروا تلك البلد واشتد المر على الكافر ،ونفذ ما عنده من الزرع
وخاف أن يؤخذ باليد فقال لبهاء الدين :إن الحال قد بلغت لما تراه ،وأنا عازم على هلك
نفسي وعيالي ومن تبعني فاذهب أنت إلى السلطان فلن من الكفار ،وسماه له فأقم عنده،
فإنه سيمنعك وبعث معه من أوصله اليه .وأمر راي كنبيلة بنار عظيمة فأججت وأحرق فيها
أمتعته وقال لنسائه وبناته " إني أريد قتل نفسي فمن أرادت موافقتي فلتفعل المرأة منهم
تغتسل وتدهن بالصندل والمقاصري وتقبل الرض بين يديه وترمي بنفسها في النار ،حتى
هلكن جميعاً ،وفعل مثل ذلك نساء أمرائه ووزرائه وأرباب دولته ومن أراد من سائر النساء
ثم اغتسل الراي وادهن بالصندل ،ولبس السلح ما عدا الدرع ،وفعل كفعله من أراد الموت
معه من ناسه ،وخرجوا إلى عسكر السلطان فقاتلوا حتى قتلوا جميعاً ودخل المدينة فأسر
أهلها وأسر من أولد راي كنبيلة أحد عشر ولداً ،فأتى بهم السلطان فأسلموا جميعاً وجعلهم
السلطان أمراء ،وعظمهم لصالتهم ،ولفعل أبيهم فرأيت عنده منهم نصراً وبختيار
والمهردار ،وهو صاحب الخاتم الذي يختم به على الماء الذي يشرب السلطان منه وكنيته
أبو مسلم وكانت بيني وبينه صحبة ومودة ،ولما قتل راي كنبيلة توجهت عساكر السلطان
إلى بلد الكفار الذي لجأ إليه بهاء الدين ،وأحاطوا به فقال ذلك السلطان :أنا ل أقدر على أن
أفعل ما فعله راي كنبيلة فقبض على بهاء الدين وأسلمه إلى عسكر السلطان ،فقيدون وغلوه
وأتوا به فلما أتى به إليه أمر بإدخاله إلى قرابته من النساء فشتمنه وبصقن في وجهه ،وأمر
بسلخه ،وهو بقيد الحياة ،فسلخ وطبخ لحمه مع الرز ،وبعث لولده وأهله ،وجعل باقيه
على صحفة ،وطرح للفيلة لتأكله فأبت أكله وأمر بحلده فحشي بالتبن وقرن بجلد بهادور
بوره ،وطيف بهما على البلد فلما وصل إلى بلد السند وأمير أمرائها يومئذ كشلو خان
صاحب السلطان تغلق ومعينه على أخذ الملك .وكان السلطان يعظمه ويخاطبه بالعم
ويخرج لستقباله إذا وفد من بلده وأمر كشلو خان بدفن الجلدين فبلغ ذلك السلطان فشق
عليه فعله وأراد الفتك به.
ذكر ثورة كشلوخان وقتله
ولما اتصل بالسلطان ما كان من فعله في دفن الجلدين ،بعث عنه وعلم كشلوخان
أنسه يريسد عقابسه .فامتنسع وخالف وأعطسى الموال وجمسع العسساكر ،وبعسث إلى الترك
والفغان وأهسل خراسسان فأتاه منهسم العدد الجسم ،حتسى كافسأ عسسكره عسسكر السسلطان،
أو أربى عليه كثرة .وخرج السلطان بنفسه لقتاله ،فكان اللقاء على مسيرة يومين من
ملتان بصحراء أبوهر .وأخذ السلطان بالحزم عند لقائه ،فجعل تحت الشطر عوضاً
منسه الشيسخ عماد الديسن شقيسق الشيسخ ركسن الديسن الملتانسي ،وهسو حدثنسي هذا ،وكان
شسبيهاً بسه .فلمسا حمسي القتال ،انفرد السسلطان فسي أربعسة آلف مسن عسسكره ،وقصسد
عسسكر كشلوخان الشطسر معتقديسن أن السسلطان فسي أربعسة آلف مسن عسسكره ،وقصسد
عسسكر كشلوخان الشطسر معتقديسن أن السسلطان تحتسه ،فقتلوا عماد الديسن ،وشاع فسي
العسكر أن السلطان قتل .فاشتغلت عساكر كشلوخان بالنهب ،وفرقوا عنه ،ولم يبق
معه إل القليل .فقصده السلطان بمن معه فقتله وجز رأسه .وعلم بذلك جيشه ففروا.
ودخسل السسلطان مدينسة ملتان ،وقبسض على قاضيهسا كريسم الديسن ،وأمسر بسسلخه فسسلخ.
وأمسسر برأس كشلوخان فعلق على بابسسه .وقسسد رأيتسسه معلقاً لمسسا وصسسلت إلى ملتان.
وأعطى السلطان الشيخ ركن الدين أخي عماد الدين ولبنه صدر الدين ،مائة قرية
إنعاماً عليهسسم ليأكلوا منهسسا ويطعموا بزاويتهسسم المنسسسوبة لجدهسسم بهاء الديسسن زكريسسا،
وأمكسسر السسسلطان وزيره خواجسسه جهان أن يذهسسب إلى مدينسسة كمال بور وهسسي مدينسسة
كسبيرة على سساحل البحسر ،وكان أهلهسا قسد خالفوا ،فأخسبرني بعسض افقهاء أنسه حضسر
دخول الوزيسر إياهسا .قال :وأحضسر بيسن يديسه القاضسي بهاء الخطيسسب ،فأمسر بسسسلخ
جلديهما .فقال :اقتلنا بغير ذلك .فقال لهما :بم استوجبتما القتل ? فقال :بمخالفتنا أمر
السسلطان ،فقال لهمسا :كيسف أخالف أنسا أمره ? وقسد أمرنسي أن أقتلكمسا بهذه الطريقسة.
وقال للمتوليسن لسسلخهما احفروا لهمسا حفراً تحست وجهيهمسا ،يتنفسسان فيهسا .فإنهسم إذا
سسلخوا والعياذ بال يطرحون على وجوههسم .ولمسا فعسل ذلك تمهدت بلد السسند وعاد
ذكسر الوقيعسة بجبسل قراجيسل على جيسش السسلطان " وأول اسسمه قاف وجيسم معقودة "
وجبسل قراجيسل هذا جبسل كسبير ،يتصسل مسسيرة ثلثسة أشهسر .وبينسه وبيسن دهلي مسسيرة
عشسر ،وسسلطانه مسن أكسبر السسلطين الكفار .وكان السسلطان بعسث ملك نكبيسة رأس
الدويداريسسة إلى حرب هذا الجبسسل ،ومعسسه ألف فارس ،ورجاله سسسواهم كثيسسر ،فملك
مدينة جديدة " وضبطها بكسر الجيم وسكون الدال المهمل وفتح الياء آخر الحروف
" ،وهي أسفل الجبل .وملك ما يليها ،وسبى وخرب وأحرق ،وفر الكفار إلى أعلى
الجبسل .وتركوا بلدهسم وأموالهسم وخزائن ملكهسم .وللجبسل طريسق واحسد ،وعسن أسسفل
منه واد وفوقه الجبل ،فل يجوز فيه إل فارس منفرد ،وخلفه آخر ،فصعدت عساكر
المسسلمين على ذلك الطريسق ،وتملكوا مدينسة ورنكسل التسي بأعلى الجبسل " ،وضبطهسا
بفتسح الواو والراء وسسكون النون وفتسح الكاف " ،واحتووا على مسا فيهسا ،وكتبوا إلى
السلطان بالفتح ،فبعث إليهم قاضياً وخطيباً ،وأمرهم بالقامة ،فلما كان وقت نزول
المطسر ،غلب المرض على العسسكر وضعفوا وماتست الخيسل وانحلت القسسي ،فكتسب
المراء إلى السلطان ،واستأذنوه في الخروج عن الجبل ،والنزول إلى أسفله ،بخلل
مسسا ينصسسرم فصسسل نزول المطسسر فيعودون .فأذن لهسسم فسسي ذلك .فأخسسذ الميسسر نكبيسسة
الموال التسسي اسسستولى عليهسسا مسسن الخزائن والمعادن ،وفرقهسسا على الناس ليرفعوهسسا
ويوصسلوها إلى أسسفل الجبسل .فعندمسا علم الكفار بخروجهسم ،قعدوا لهسم بتلك المهاوي
وأخذوا عليهسم المضيسق ،وصساروا يقطعون الشجار العاديسة قطعاً ،ويطرحونهسا مسن
أعلى الجبسل ،فل تمسر بأحسد إل أهلكتسه .فهلك الكثيسر مسن الناس ،وأسسر الباقون منهسم،
وأخسذ الكفار الموال والمتعسة والخيسل والسسلح .ولم يفلت مسن الجنسد إل ثلثسة مسن
المراء ،كسسسبيرهم نكبيسسسة وبدر الديسسسن الملك دولة شاه وثالث لهمسسسا ل أذكره ،وهذه
الوقيعة أثرت في جيش الهند أثراً كبيراً وأضعفته ضعفاً بيناً .وصالح السلطان بعدها
أهسل الجبسل على مال يؤدونسه إليسه ،لن لهسم البلد أسسفل الجبسل ،ول قدرة لهسم على
عمارتهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا إل بإذنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه.
ذكسر ثورة الشريسف جلل الديسن ببلد المعسبر ومسا اتصسل بذلك مسن قتسل ابسن أخست
الوزيسسر وكان السسسلطان قسسد أمسسر على بلد المعسسبر ،وبينهسسا وبيسسن دهلي مسسسيرة سسستة
أشهسر ،الشريسف جلل الديسن أحسسن شاه ،فخالف وادعسى الملك لنفسسه .وقتسل نواب
السلطان وعماله ،وضرب الدنانير والدراهم باسمه .وكان يكتب في إحدى صفحتي
الدينار سسللة طسه ويسس ،أبسو الفقراء والمسساكين ،جلل الدنيسا والديسن ،وفسي الصسفحة
الخرى الواثسسق بتأييسسد الرحمسسن ،أحسسسن شاه السسسلطان .وخرج السسسلطان لمسسا سسسمع
بثورتسه يريسد قتاله ،فنزل بموضسع يقال له :كشسك زر ،معناه قصسر الذهسب ،وأقام بسه
ثمانيسسة أيام لقضاء حوائج الناس .وفسسي تلك اليام أتسسي بابسسن أخسست الوزيسسر خواجسسه
حهان .وأربعسة من المراء أو ثلثسة ،وهسم مقيدون مغلولون .وكان السسلطان قسد بعسث
وزيره المذكور فسسي مقدمتسسه .فوصسسل إلى مدينسسة ظهار ،وهسسي على مسسسيرة أربسسع
وعشرين من دهلي ،وأقام بها أياماً .وكان ابن أخته شجاعاً بطلً ،فاتفق مع المراء
الذين أتى بهم على قتل خاله ،والهرب بما عنده من الخزائن والموال إلى الشريف
القائم ببلد المعسبر ،وعزموا على الفتسك بالوزيسر عنسد خروجسه إلى صسلة الجمعسة،
فوشسسى بهسسم أحسسد مسسن أدخلوه فسسي أمرهسسم إلى الوزيسسر ،وكان يسسسمى الملك نصسسرة
الحاجسب ،وأخسبر الوزيسر أن آيسة مسا يرومونسه ،لبسسهم الدروع تحست ثيابهسم ،فبعسث
الوزير عنهم ،فوجدهم كذلك .فبعث بهم إلى السلطان ،وكنت بين يدي السلطان حين
وصسولهم .فرأيست أحدهسم وكان طوالً ألحسى ،وهسو يرعسد ،ويتلو سسورة يسس ،فأمسر
بهسسم ،فطرحوا للفيلة المعلمسسة لقتسسل الناس ،وأمسسر بابسسن أخسست الوزيسسر فرد إلى خاله
ليقتله ،فقتله ،وسنذكر ذلك .وتلك الفيلة التي تقتل ،تكسى أنيابها بحدائد مسنونة شبه
سسكك الحرث ،لهسا أطراف كالسسكاكين .ويركسب الفيال على الفيسل ،فإذا رمسى الرجسل
بين يديه لف عليه خرطومه ،ورمى به إلى الهواء ،ثم يتلقفه بنيابه ويطرحه بعد ذلك
بيسن يديسه ،ويجعسل يده على صسدره ،ويفعسل بسه مسا يأمره الفيال ،على حسسب مسا أمره
السسلطان .فإن أمره بتقطيعسه قطعسه الفيسل قطعاً بتلك الحدائد ،وإن أمسر بتركسه ،تركسه
مطروحًا فسلخ .وكذلك فعل بهؤلء .وخرجت من دار السلطان بعد المغرب فرأيت
الكلب تأكسل لحومهسم .وقسد ملئت جلودهسم بالتبسن والعياذ بال .ولمسا تجهسز السسلطان
لهذه الحركسة أمرنسي بالقامسة بالحضرة ،كمسا سسنذكره ،ومضسى فسي سسفره إلى أن بلغ
دولة آباد .فثار الميسر هلجون ببلده ،وخرج ذلك .وكان الوزيسر خواجسه جهان قسد
ذكسسر ثورة هلجون ولمسسا بلغ السسسلطان إلى دولة آباد ،وبعسسد عسسن بلده ،ثار الميسسر
هلجون بمدينسسة لهور ،وادعسسى الملك ،وسسساعده الميسسر قلجنسسد على ذلك ،وصسسيره
وزيراً له .واتصسسل ذلك بالوزيسسر خواجسسه جهان ،وهسسو بدهلي ،فحشسسد الناس وجمسسع
العسساكر وجمسع الخراسسانيين ،وكسل مسن كان مقيماً مسن الخدام بدهلي أخسذ أصسحابه،
وأخسذ فسي الجملة أصسحابي لنسي كنست بهسا مقيماً وأعانسه السسلطان بأميريسن كسبيرين
أحدهمسا قيران ملك صسفدار ،ومعناه مرتسب العسساكر ،والثانسي الملك تمور الشريدار
وهسو السساقي ،وخرج هلجون بعسساكره ،فكان اللقاء على ضفسة أحسد الدويسة الكبار.
فانهزم هلجون وهرب ،وغرق كثير من عساكره في النهر .ودخل الوزير المدينة
فسسلخ بعسض أهلهسا وقتسل آخريسن بغيسر ذلك مسن أنواع القتسل .وكان الذي تولى قتلهسم
محمسد ابسن النجيسب نائب الوزيسر ،وهسو المعروف بأجدر ملك ،ويسسمى أيضاً صسك "
سسك " السسلطان والصسك عندهسم الكلب .وكان ظالماً قاسسي القلب .ويسسميه السسلطان
أسسسد السسسواق .وكان ربمسسا عسسض أرباب الجنايات بأسسسنانه شرهاً وعدواناً .وبعسسث
الوزيسسر مسن نسسساء المخالفيسن نحسسو ثلثمائة إلى حصسسن كاليور ،فسسسجن بسسه .ورأيسست
بعضهسن هنالك .وكان أحسد الفقهاء له فيهسن زوجسة فكان يدخسل إليهسا حتسى ولدت منسه
في السجن.
ولمسا وصسل السسلطان إلى بلد التلنسك ،وهسو قاصسد إلى قتال الشريسف ببلد المعسبر،
نزل مدينسة بدركوت " وضبسط اسسمها بفتسح الباء الموحدة وسسكون الدال وفتسح الراء
وضسسم الكاف وواو وتاء معلوة " ،وهسسي قاعدة بلد التلنسسك " وضبطهسسا بكسسسر التاء
المعلوة واللم وسكون النون وكاف معقودة " ،وبينها وبين بلد المعبر مسيرة ثلثة
أشهسسر .ووقسسع الوباء إذ ذاك فسسي عسسسكره ،فهلك معظمهسسم ،ومات العبيسسد والمماليسسك
وكبار المراء مثل ملك دولة شاه الذي كان السلطان يخاطبه بالعم ،ومثل أمير عبد
ال الهروي ،وقسد تقدمست حكايتسه فسي السسفر الول ،وهسو الذي أمسر السسلطان أن يرفسع
مسن الخزانسة مسا اسستطاع مسن المال ،فربسط ثلث عشرة خريطسة بأعضاده ورفعهسا.
ولمسا رأى السسلطان مسا حسل بالعسسكر عاد إلى دولة آباد ،وخالفست البلد ،وانتقضست
الطراف ،وكان الملك يخرج عن يده ،لول ما سبق به القدر من استحكام سعادته.
ولمسسا عاد السسسلطان إلى دولة آباد مرض فسسي طريقسسه ،فأرجسسف الناس بموتسسه وشاع
ذلك ،فنشأت عنسسه فتسسن عريضسسة .وكان الملك هوشنسسج ابسسن الملك كمال الديسسن كرك
بدولة آباد ،وكان بينه وبين السلطان عهد أن ل يبايع غيره ابداً ،ل في حياته ول بعد
موتسسه .فلمسسا أرجسسف بموت السسسلطان هرب إلى سسسلطان كافسسر يسسسمى بربرة ،يسسسكن
بجبال مانعسسة بيسسن دولة آباد وكون تانسسه ،فعلم السسسلطان بفراره وخاف وقوع الفتنسسة،
فجسد السسير إلى دولة آباد ،واقتفسى أثسر هوشنسج ،وحصسره بالخيسل .وأرسسل الكافسر أن
يسسلمه إليسه فأبسى وقال :ل أسسلم دخيلي ولو آل بسي المسر لمسا آل براي كنسبيلة .وخاف
هوشنسج على نفسسه ،فراسسل السسلطان وعاهسد على أن يرحسل السسلطان إلى دولة آباد،
ويبقسسى هنالك قطلوخان معلم السسسلطان ،ليسسستوثق منسسه هوشنسسج ،وينزل إليسسه على
المان .فرحسسل السسسلطان ونزل هوشنسسج إلى قطلوخان ،وعاهده أن ل يقتله السسسلطان
ول يحسط منزلتسه ،وخرج بماله وعياله وأصسحابه وقدم على السسلطان ،فسسر بقدومسه
وأرضاه وخلع عليسه .وكان قطلوخان صساحب عهسد يسستنيم الناس إليسه ويقولون فسي
الوفاء عليه .ومنزلته عند السلطان علية ،وتعظيمه له شديد ،ومتى دخل عليه قام له
إجللً .فكان بسسبب ذلك ل يدخسل عليسه حتسى يكون هسو الذي يدعوه لئل يتعبسه بالقيام
له .وهسسو محسسب فسسي الصسسدقات ،كثيسسر اليثار ،مولع بالحسسسان للفقراء والمسسساكين.
ذكسسر مسسا هسسم بسسه الشريسسف إبراهيسسم مسسن الثورة ومآل حاله وكان الشريسسف إبراهيسسم
المعروف بالخريطسسة دار ،وهسسو صسساحب الكاغسسد والقلم بدار السسسلطان ،والياً على
بلد حانسسي وسسرستي .لمسا تحرك السسلطان إلى بلد المعسبر ،وأبوه هسو القائم ببلد
المعبر الشريف أحسن شاه ،فلما أرجف بموت السلطان ،طمع إبراهيم في السلطنة،
وكان شجاعاً كريماً حسسسن الصسسورة .وكنسست متزوجاً بأختسسه حور نسسسب ،وكانسست
صسالحة تتهجسد بالليسل لهسا أوراد مسن ذكسر ال عسز وجسل ،وولدت منسي بنتاً ،ول أدري
مسا فعسل ال فيهمسا .وكانست تقرأ ،لكنهسا ل تكتسب .فلمسا هسم إبراهيسم بالثورة ،اجتاز بسه
أميسر مسن أمراء السسند ،معسه الموال يحملهسا إلى دهلي .فقال له إبراهيسم :إن الطريسق
مخوف وفيسه القطسع ،فأقسم عندي حتسى يصسلح الطريسق وأوصسلك إلى المأمسن ،وكان
قصسده أن يتحقسق موت السسلطان فيسستولي على تلك الموال .فلمسا تحقسق حياتسه سسرح
ذلك الميسسر ،وكان يسسسمى ضياء الملك بسسن شمسسس الملك .ولمسسا وصسسل السسسلطان إلى
الحضرة بعسد غيبتسه سسنتين ونصسف ،وصسل الشريسف إبراهيسم إليسه .فوشسى بسه بعسض
غلمانسسه ،وأعلم السسسلطان بمسسا كان هسسم بسسه .فأراد السسسلطان أن يعجسسل بقتله ،ثسسم تأنسسى
لمحبتسه فيسه .فاتفسق أن أتسى يومًا إلى السسلطان بغزال مذبوح ينظسر إلى ذبحتسه ،فقال:
ليسسس يجيسسد الذكاة ،اطرحوه .فرآه إبراهيسسم فقال :إن ذكاتسسه جيدة ،وأنسسا آكله .فأخسسبر
السسسلطان بقوله ،فأنكسسر ذلك وجعله ذريعسسة إلى أخذه .فأمسر بسسه فقيسسد وغلل ،ثسسم قرره
على مسا رمسي بسه مسن أنسه أراد أخسذ الموال التسي مسر بهسا ضياء الملك ،وعلم إبراهيسم
أنسه إنمسا يريسد قتله بسسبب أبيسه ،وأنسه ل تنفعسه معذرة ،وخاف أن يعذب .فرأى الموت
خيرًا له ،فأقسر بذلك ،فأمسر به ،فوسسط ،وترك هنالك .وعادتهسم أنسه متسى قتسل السلطان
أحداً أقام مطروحاً بموضسسع قتله ثلثاً .فإذا كان بعسسد الثلث أخذه طائفسسة مسسن الكبار
موكلون بذلك ،فحملوه إلى خندق خارج المدينسسة يطرحونسسه بسسه ،وهسسم يسسسكنون حول
الخندق ،لئل يأتي أهل المقتول فيعرفونه ،وربما أعطى بعضهم لهؤلء الكفار مالً،
فتجافوا له عن قتيله حتى يدفنه ،وكذلك فعل الشريف إبراهيم رحمه ال تعالى.
ذكر خلف نائب السلطان ببلد التلنك
ولمسا عاد السسلطان مسن التلنسك وشاع خسبر موتسه ،وكان ترك تاج الملك نصسرة خان
نائباً عنسسه ببلد التلنسسك ،وهسسو مسن قدماء خواصسسه ،بلغسسه ذلك فعمسسل عزاء السسسلطان،
ودعا لنفسه ،وتابعه الناس بحضرة بدركوت .فبلغ خبره إلى السلطان ،فبعث معلمه
قطلوخان في عساكر عظيمة ،فحصره بعد قتال شديد هلك فيه أمم من الناس ،واشتد
الحصسسار على أهسل بدركوت ،وهسي منيعسسة ،وأخسذ قطلوخان فسسي نقبهسا .فخرج إليسه
نصسرة خان على المان فسي نفسسه ،فأمنسه وبعسث بسه إلى السسلطان ،وأمسن أهسل المدينسة
والعسكر.
ولما استولى القحط على البلد ،انتقل السلطان بعساكره إلى نهر الكنك الذي تحج
إليسسه الهنود ،على مسسسيرة عشرة مسسن دهلي ،وأمسسر الناس بالبناء ،وكانوا قبسسل ذلك
صسنعوا خياماً مسن حشيسش الرض ،فكانست النار كثيراً مسا تقسع فيهسا وتؤذي الناس،
حتى كانوا يصنعون كهوفاً تحت الرض ،فإذا وقعت النار رموا أمتعتهم بها وسدوا
عليها بالتراب .ووصلت أنا في تلك اليام لمحلة السلطان ،وكانت البلد التي بغربي
النهر حيث السلطان شديدة القحط ،والبلد التي بشرقيه خصبة ،وأميرها عين الملك
بسن ماهسر .ومنهسا مدينسة عوض ،ومدينسة ظفسر آباد ،ومدينسة اللكنسو ،وغيرهسا .وكان
الميسر عين الملك كسل يوم يحضر خمسين ألف من ،منها قمسح وأرز وحمص لعلف
الدواب .فأمسر السسسلطان أن تحمسسل الفيلة ومعظسسم الخيسل والبغال إلى الجهسة الشرقيسة
المخصسسبة لترعسسى هنالك ،وأوصسسى عيسسن الملك بحفظهسسا .وكان لعيسسن الملك أربعسسة
إخوة ،وهسم شهسر ال ونصسر ال وفضسل ال ،ول أذكسر اسسم الخسر ،فاتفقوا مسع أخيهسم
عيسسسن الملك أن يأخذوا فيلة السسسسلطان ودوابسسسه ،ويبايعوا عيسسسن الملك ،ويقوموا على
السسلطان .وهرب إليهسم عيسن الملك بالليسل ،وكاد المسر يتسم لهسم .ومسن عادة ملك الهنسد
أنسه يجعسل مسع كسل أميسر كسبير أو صسغير مملوكاً له يكون عيناً عليسه ،ويعرفسه بجميسع
حاله ،ويجعسسل أيضاً جواري فسسي الدور يكسسن عيوناً له على أمرائه ،ونسسسوة يسسسميهن
الكناسسات بذلك المخسبرين ،فيخسبر بذلك السسلطان .ويذكرون أن بعسض المراء كان
في فراشه مع زوجته ،فأراد مماستها ،فحلفته برأس السلطان أن ل يفعل ،فلم يسمع
منهسا ،فبعسث إليسه السسلطان صسباحاً ،وأخسبره بذلك ،وكان سسبب هلكسه وكان للسسلطان
مملوك يعرف بابسن ملك شاه ،هسو عيسن على عيسن الملك المذكور ،فأخسسبر السسسلطان
بفراره وجوازه النهسر ،فسسقط فسي يده ،وظسن أنهسا القاضيسة عليسه ،لن الخيسل والفيلة
والزرع كسسل ذلك عنسسد عيسسن الملك ،وعسسساكر السسسلطان مفترقسسة ،فأراد أن يقصسسد
حضرتسه ويجمسع العسساكر ،وحينئذ يأتسي لقتاله .وشاور أرباب الدولة فسي ذلك .وكان
أمراء خراسسسان والغرباء أشسسد الناس خوفاً مسسن هذا القائم ،لنسسه هندي ،وأهسسل الهنسسد
مبغضون فسي الغرباء ،لظهار السسلطان لهسم ،فكرهوا مسا ظهسر له ،وقالوا :يسا خونسد
عالم ،إن فعلت ذلك بلغسسه الخسسبر ،فاشتسسد أمره ورتسسب العسسساكر ،وانثال عليسسه طلب
الشسسر ودعاة الفتسسن ،والولى معالجتسسه قبسسل اسسستحكام قوتسسه .وكان أول مسسن تكلم بهذا
ناصر الدين مطهر الوهري ،ووافقه جميعهم .ففعل السلطان بإشارتهم .وكتب تلك
الليسة إلى مسن قرب منسه مسن المراء والعسساكر ،فأتوا مسن حينهسم .وأدار فسي ذلك حيلة
حسنة ،فكان إذا قدم على محلته مثلً مائة فارس ،بعث اللف من عنده للقائهم ليلً،
ودخلوا معهسم إلى المحلة ،كأن جميعهسم مدد له.وتحرك السسلطان مسع سساحل النهسر،
ليجعسسل مدينسسة قنوج وراء ظهره ،ويتحصسسن بهسسا لمنعتهسسا وحصسسانتها .وبينهسسا وبيسسن
الموضسسع الذي كان فيسسه ثلثسسة أيام .فرحسسل أول مرحلة ،وقسسد عبسسأ جيشسسه للحرب،
وجعلهم صفًا واحداً ،عند نزولهم كل واحد منهم بين يديه سلحه وفرسه إلى جانبه،
ومعسه خباء صسغير يأكسل بسه ويتوضسأ ،ويعود إلى مجلسسه .والمحلة الكسبرى على بعسد
منهسم .ولم يدخسل السسلطان فسي تلك اليام الثلثسة خباء ،ول اسستظل بظلم .وكنست فسي
يوم منهسا بخبائي ،فصساح بسي فتسى مسن فتيانسي اسسمه سسنبل ،واسستعجلني ،وكان معسي
الجواري ،فخرجت إليه .فقال :إن السلطان أمر الساعة أن يقتل كل من معه امرأته
أو جاريتسه ،فشفسع عنده المراء .فأمسر أن ل تبقسى السساعة بالمحلة أمرأة ،وأن يحملن
إلى حصسسن هنالك على ثلثسسة أميال ،يقال له كنبيسسل .فلم تبسسق امرأة بالمحلة ،ول مسسع
السلطان .وبتنا تلك الليلة على تعبئة ،فلما كان في اليوم الثاني رتب السلطان عسكره
أفواجاً ،وجعسل مسع كسل فوج الفيلة المدرعسة ،عليهسا البراج ،فوقهسا المقاتلة ،وتدرع
العسسسسكر ،وتهيأوا للحرب .وباتوا تلك الليلة على أهبسسسة .ولمسسسا كان اليوم الثالث ،بلغ
الخبر بأن عين الملك الثائر جاز النهر ،فخاف السلطان من ذلك ،وتوقع أنه لم يفعله
إل بعد مراسلة المراء الباقين مع السلطان ،فأمر في الحين بقسم الخيل العتاق على
خواصسه ،وبعسث لي حظاً منهسا .وكان لي صساحب يسسمى أميسر أميران الكرمانسي مسن
الشجعان ،فأعطيته فرساً منها أشهب اللون .فلما حركه جمح به ،فلم يستطع إمساكه،
ورماه عسسن ظهره فمات رحمسسه ال تعالى .وجسسد السسسلطان ذلك اليوم فسسي مسسسيره،
فوصسل بعسد العصسر إلى مدينسة قنوج ،وكان يخاف أن يسسبقه القائم إليهسا .وبات ليلتسه
تلك ،يرتب الناس بنفسه ،ووقف علينا ،ونحن في المقدمة مع ابن عمه ملك فيروز،
ومعنسا الميسر غدا ابسن مهنسا ،والسسيد ناصسر الديسن مطهسر ،وأمراء خراسسان فأضافنسا
إلى خواصه وقال :أنتم أعزة علي ،ينبغي أن تفارقوني .وكان في عاقبة ذلك الخير،
فإن القائم ضرب فسي آخسر الليسل على المقدمسة ،وفيهسا الوزيسر خواجسه جهان ،فقامست
ضجسة فسي الناس كسبيرة ،فحينئذ أمسر السسلطان أن ل يسبرح أحسد مسن مكانسه ،ول يقاتسل
الناس إل بالسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسيوف.
فاسستل العسسكر سسيوفهم ،ونهضوا إلى أصسحابهم .وحمسي القتال ،وأمسر السسلطان أن
يكون شعار جيشسسه دهلي وغزنسسة .فإذا لقسسي أحدهسسم فرس ساَ قال له :دهلي .فإن أجابسسه
بغزنسسة ،علم أنسسه مسسن أصسسحابه ،وإل قاتله ،وكان القائم إنمسسا قصسسد أن يضرب على
موضسع السسلطان ،فأخطسأ بسه الدليسل ،فقصسد موضسع الوزيسر ،فضرب عنسق الدليسل.
وكان فسسسي عسسسسكر الوزيسسسر العاجسسسم والترك والخراسسسسانيون ،وهسسسم أعداء الهنود،
فصسدقوا القتال .وكان جيسش القائم نحسو الخمسسين ألفاً ،فانهزموا عنسد طلوع الفجسر.
وكان الملك إبراهيسم المعروف بالبنجسي " بفتسح الباء الموحدة وسسكون النون وجيسم "
التتري قسد أقطعسه السسلطان بلد سسنديلة ،وهسي قريسة مسن بلد عيسن الملك ،فاتفسق معسه
على الخلف ،وجعله نائبسسه .وكان داود بسسن قطسسب الملك وابسسن ملك التجار على فيلة
السسلطان وخيله فوافقاه أيضاً ،وجعسل داود حاجبسه .وكان داود هذا لمسا ضربوا على
محلة الوزير يجهر بسب السلطان ويشتمه أقبح شتم ،والسلطان يسمع ذلك ويعرف
كلمسه .فلمسا وقعست الهزيمسة قال عيسن الملك لنائبسه إبراهيسم التتري :ماذا ترى يسا ملك
إبراهيسم ? قسد فسر أكثسر العسسكر وذوو النجدة منهسم ،فهسل لك أن ننجسو بأنفسسنا ? فقال
إبراهيسم لصسحابه بلسسانهم :إذا أراد عيسن الملك أن يفسر ،فإنسي سسأقبض على دبوقتسه.
فإذا فعلت ذلك ،فاضربوا أنتم فرسه ليسقط إلى الرض ،فنقبض عليه ،ونأتي به إلى
السلطان ،ليكون ذلك كفارة لذنبي في الخلف معه ،وسبباً لخلصي .فلما أراد عين
الملك الفرار ،قال له إبراهيسم :إلى أيسن يسا سسلطان علء الديسن ? وكان يسسمى بذلك،
وأمسك بدبوقته ،وضرب أصحابه فرسه ،فسقط على الرض ،ورمى إبراهيم بنفسه
عليسه فقبضسه ،وجاء أصسحاب الوزيسر ليأخذوه فمنعهسم وقال :ل أتركسه حتسى أوصسله
للوزير ،أو أموت دون ذلك ،فتركوه ،فأوصله إلى الوزير .وكنت أنظر عند الصبح
إلى الفيلة والعلم يؤتى بها إلى السلطان .ثم جاءني بعض العراقيين فقال :قد قبض
على عيسن الملك ،وأتسى بسه الوزيسر ،فلم أصسدقه .فلم يمسر إل يسسير ،وجاءنسي الملك
تمور الشربدار فأخسسذ بيدي وقال :أبشسسر ،فقسسد قبسسض على عيسسن الملك ،وهسسو عنسسد
الوزيسر .فتحرك السسلطان عنسد ذلك ونحسن معسه إلى محلة عيسن الملك على على نهسر
الكنسك ،فنهبست العسساكر مسا فيهسا ،واقتحسم كثيسر مسن عسسكر عيسن الملك النهسر فغرقوا.
وأخذوا داود بسن قطسب الملك وابسن ملك التجار وخلق كثيسر معهسم ،ونهبست الموال
والخيل والمتعة .ونزل السلطان على المجاز ،وجاء الوزير بعين الملك ،وقد أركب
على ثور ،وهوو عريان مسسستور العورة بخرقسسة مربوطسسة بحبسسل وباقيسسة فسسي عنقسسه،
فوقسف على باب السسراجة ،ودخسل الوزيسر إلى السسلطان ،فأعطاه الشربسة عنايسة بسه.
وجاء أبناء الملوك إلى عيسن الملك فجعلوا يسسبونه ويبصسقون فسي وجهسه ويصسفعون
أصسحابه .وبعسث إليسه السسلطان الملك الكسبير ،فقال له :مسا هذا الذي فعلت ? فلم يجسد
جواباً .فأمر به السلطان أن يكسى ثوباً من ثياب الزمالة ،وقيد بأربعة كبول ،وغلت
يداه إلى عنقسه ،وسسلم للوزيسر ليحفظسه .وجاز إخوتسه النهسر هاربيسن ،ووصسلوا مدينسة
عوض ،فأخذوا أهلهسسم وأولدهسسم ومسسا قدروا عليسسه مسسن المال ،وقالوا لزوجسسة أخيهسسم
عيسسن الملك :اخلصسسي بنفسسسك ،وبنوك معنسسا .فقالت :أفل أكون كنسسساء الكفار اللتسسي
يحرقسن أنفسسهن مسع أوزواجهسن ? فأنسا أيضاً أموت لموت زوجسي ،وأعيسش لعيشسه،
فتركوهسا .وبلغ ذلك السسلطان ،فكان سسبب خيرهسا ،وأدركتسه لهسا رقسة ،وأدرك الفتسى
سسهيل نصسر ال مسن أولئك الخوة فقتله ،وأتىالسسلطان برأسسه .وأتسى بأم عيسن الملك
وأختسه وامرأتسه فسسلمن إلى الوزيسر ،وجعلن فسي خباء بقرب خباء عيسن الملك .فكان
يدخسسل إليهسسن ،ويجلس معهسسن ،ويعود إلى محبسسسه .ولمسسا كان بعسسد العصسسر مسسن يوم
الهزيمسسة ،أمسر السسسلطان بسسسراح لفيسسف مسن الناس الذي مسسع عيسن الملك مسن الزمالة
والسوقة والعبيد ومن ل يعبأ به ،وأتي بملك إبراهيم البنجي الذي ذكرناه ،فقال ملك
العسكر الملك نوا :يا خوند عالم ،أقتل هذا ،فإنه من المخالفين .فقال الوزير :إنه قد
كبار أصسسحاب القائم ،وأتسسى بالفيلة ،فطرحوا بيسسن أيديهسسا ،فجعلت تقطعهسسم بالحدائد
الموضوعسسة على أنيابهسسا ،وترمسسي ببعضهسسم إلى الهواء ،وتتلقفسسه .والبواق والنفار
والطبول تضرب عند ذلك ،وعين الملك واقف يعاين مقتلهم ،ويطرح منهم عليه ،ثم
أعيسد إلى محبسسه .وأقام السسلطان على جواز النهسر أياماً لكثرة الناس وقلة القوارب.
وأجاز أمتعتسسه وخزائنسسه على الفيلة ،وفرق الفيلة على خواصسسه ،ليجيزوا أمتعتهسسم،
وبعسسث إلي بفيسسل منهسسا أجزت عليسسه رحلي .وقصسسد السسسلطان ونحسن معسسه إلى مدينسسة
بهرايسسج " وضبسسط اسسسمها بفتسسح الباء المحدة وهاء مسسسكن وراء وألف وياء آخسسر
الحروف مكسسورة وجيسم " ،وهسي مدينسة فسي عدوة نهسر السسرو ،وهسو واد كسبير شديسد
النحدار ،وأجازه السلطان برسم زيارة قبر الشيخ الصالح البطل سالر عود ،الذي
فتسسسح أكثسسسر تلك البلد ،وله أخبار عجيبسسسة وغزوات شهيرة .وتكاثسسسر الناس للجواز
وتزاحموا ،حتسسى غرق مركسسب كسسبير كان فيسسه نحسسو ثلثمائة نفسسس ،لم ينسسج منهسسم إل
أعرابي من أصحاب المير غدا ،وكنا ركبنا نحن مركباً صغيراً ،فسلمنا ال تعالى.
وكان العربسسسسسي الذي سسسسسلم مسسسسن الغرق يسسسسسسمى بسسسسسالم ،وذلك اتفاق عجيسسسسب.
وكان أراد أن يصسعد معنسا فسي مركبنسا ،فوجدنسا قسد ركبنسا النهسر ،فركسب فسي المركسب
الذي غرق .فلمسا خرج ،ظسن الناس أنسه كان معنسا .فقامست ضجسة فسي أصسحابنا وفسي
سسائر الناس ،وتوهموا أنسا غرقنسا .ثسم لمسا رأونسا بعسد اسستبشروا بسسلمتنا .وزرنسا قسبر
الصسالح المذكور ،وهسو فسي قبسة لم نجسد سسبيلً إلى دخولهسا لكثرة الزحام .وفسي تلك
الوجهسة دخلنسا غيضسة قصسب ،فخرج علينسا منهسا الكركدن ،فقتسل وأتسى الناس برأسسه.
وهو دون الفيل ،ورأسه أكبر من رأس الفيل بأضعاف ،وقد ذكرناه.
ولمسا ظفسر السسلطان بعيسن الملك كمسا ذكرنسا ،عاد إلى حضرتسه بعسد مغيسب عاميسن
ونصسسف ،وعفسسا عسسن عيسسن الملك ،وعفسسا أيضاً عسسن نصسسرة خان القائم ببلد التلنسسك،
وجعلهمسسا معسسا على عمسسل واحسسد ،وهسسو النظسسر على بسسساتين السسسلطان .وكسسساهما
وأركبهمسا ،وعيسن لهمسا نفقسة مسن الدقيسق واللحسم فسي كسل يوم .وبلغ الخسبر بعسد ذلك أن
أحسسد أصسسحاب قطلوخان ،وهسسو علي شاه كسسر ،ومعنسسى كسسر الطرش ،خالف على
السسسلطان .وكان شجاعاً حسسسن الصسسورة والسسسيرة ،فغلب على بدر كوت ،وجعلهسسا
مدينسسة ملكسسه .وخرجسست العسسساكر إليسسه ،وأمسسر السسسلطان معلمسسه أن يخرج إلى قتاله،
فخرج في عساكر عظيمة ،وحصره ببدر كوت ،ونقبت أبراجها ،واشتدت به الحال،
فطلب المان فأمنسسه قطلوخان ،وبعسسث بسسه إلى السسسلطان مقيداً ،فعفسسا عنسسه ونفاه إلى
مدينسة غزنسة مسن طرف خراسسان ،فأقام بهسا مدة .ثسم اشتاق إلى وطنسه ،فأراد العودة
إليسه ،لمسا قضاه ال مسن حينسه ،فقبسض عليسه ببلد السسند ،وأتسي بسه السسلطان .فقال له:
وكان السلطان قد وجد على أمير بخت الملقب بشرف الملك ،أحد الذين وفدوا معنا
على السسلطان ،فحسط مرتبسه مسن أربعيسن ألفاً إلى ألف واحسد ،وبعثسه فسي خدمسة الوزيسر
إلى دهلي .فاتفق أن مات أمير عبد ال الهروي في الوباء في التلنك ،وكان ماله عند
أصسحابه بدهلي ،فاتفقوا مسع أميسر بخست على الهروب .فلمسا خرج الوزيسر مسن دهلي
إلى لقاء السسلطان ،هربوا مسع أميسر بخست وأصسحابه ،ووصسلوا إلى أرض السسند فسي
سسبعة أيام ،وهسو مسسيرة أربعيسن يوماً وكان معهسم الخيسل مجنوبسة ،وعزموا على أن
يقطعوا نهسر السسند عوماً ،ويركسب أميسر بخست وولده ومسن ل يحسسن العوم فسي معديسة
قصسب يصسنعونها ،وكانوا قسد أعدوا حبالً مسن الحريسر برسسم ذلك .فلمسا وصسلوا إلى
النهسر خافوا مسن عبوره بالعوم ،فبعثوا رجليسن منهسم إلى جلل الديسن صساحب مدينسة
أوجسسه ،فقال له :إن هسسا هنسسا تجاراً أرادوا أن يعسسبروا النهسسر ،وقسسد بعثوا إليسسك بهذا
السسرج ،لتبيسح لهسم الجواز ،فأنكسر أميسر أن يعطسى التجار مثسل ذلك السسرج ،وأمسر
بالقبسض على الرجليسن .ففسر أحدهمسا ،ولحسق بشرف الملك وأصسحابه ،وهسم نيام لمسا
لحقهسسم مسسن العياء ومواصسسلة السسسهر ،فأخسسبرهم الخسسبر ،فركبوا مذعوريسسن وفروا،
وأمسر جلل الديسن نائبسه ،فركسب فسي العسسكر ،وقصسدوا نحوهسم .فوجدوهسم قسد ركبوا،
فاقتفوا أثرهسسم فأدركوهسسم .فرموا العسسسكر بالنشاب ،ورمسسى طاهسسر بسسن شرف الملك
نائب المير جلل الدين بسهم ،فأثبته في ذراعه ،وغلب عليهم ،فأتى بهم إلى جلل
الدين ،فقيدهم وغل أيديهم ،وكتب إلى الوزير في شأنهم .فأمر الوزير أن يبعثهم إلى
الحضرة ،فبعثهسم إليهسا .وسسجنوا بهسا ،فمات طاهسر فسي السسجن .فأمسر السسلطان أن
يضرب شرف الملك مائة مقرعسسة فسسي كسسل يوم ،فبقسسي على ذلك مدة ،ثسسم عفسسا عنسسه.
وبعثسه مسع الميسر نظام الديسن أميسر نجلة إلى بلد جنديري ،فانتهست حاله إلى أن كان
يركب البقر ،ولم يكن له فرسه يركبه .وأقام على ذلك مدة ،ثم وفسد ذلك المير على
السسلطان وهسو معسه .فجعله السسلطان شاشنكيسر " جاشنكيسر " ،وهسو الذي يقطسع اللحسم
بين يدي السلطان .ويمشي مع الطعام .ثم إنه بعد ذلك نوه به ورفع مقداره .وانتهت
حاله إلى أن مرض .فزاره السسلطان وأمسر بوزنسه بالذهسب ،وأعطاه ذلك .وقسد قدمنسا
هذه الحكاية في السفر الول .وبعد ذلك زوجه بأخته وأعطاه بلد جنديري التي كان
بها البقر في خدمة المير نظام الدين .فسبحان مقلب الرض ومحول الحوال.
وكان شاه أفغان خالف على السسسلطان بأرض ملتان مسسن بلد السسسند ،وقتسسل الميسسر
بها ،وكان يسمى به زاد ،وادعى السلطنة لنفسه .وتجهز السلطان لقتاله ،فعلم أنه ل
يقاومسسه .فهرب ولحسسق بقومسسه الفغان ،وهسسم سسساكنون بجبال منيعسسة ل يقدر عليهسسا،
فاغتاظ السلطان مما فعله ،وكتب إلى عماله أن يقبضوا على من وجدوه من الفغان
وكان القاضي جلل وجماعة من الفغانيين قاطنين بمقربة من مدينة كنباية ومدينة
بلوذرة ،فلمسا كتسب السسلطان إلى عماله بالقبسض على الفغانييسن كتسب إلى ملك مقبسل
نائب الوزيسر ببلد الجزرات ونهسر واله ،أن يحتال فسي القبسض على القاضسي جلبسل
ومسسن معسسه .وكانسست بلد بلوذرة إقطاعاً لملك الحكماء ،وكان ملك الحكماء متزوجاً
بربيبة السلطان زوجة أبيه تغلق ،ولها بنت من تغلق هي التي تزوجها المير غدا.
وملك الحكماء إذ ذاك في صحبة مقبل ،لن بلده تحت نظره .فلما وصلوا إلى بلد
الجزرات أمر مقبل ملك الحكماء أن يأتي بالقاضي جلل وأصحابه .فلما وصل ملك
الحكماء إلى بلده حذرهسسم فسسي خفيسسة ،لنهسسم كانوا مسسن أهسسل بلده ،وقال :إن مقبلً
طلبكسم ليقبسض عليكسم فل تدخلوا عليسه إل بالسسلح ،فركبوا فسي نحسو ثلثمائة مدرع
وأتوه وقالوا :ل ندخل إل جملة .فظهر له أنه ل يمكن القبض عليهم وهم مجتمعون،
وخاف منهسم .فأمرهسم الرجوع ،وأظهسر تأمينهسم .فخلفوا عليسه ،ودخلوا مدينسة كنبايسة،
ونهبوا خزانسة السسلطان بهسا ،وأموال الناس ،ونهبوا مال ابسن الكومسي التاجسر ،وهسو
الذي عمسر المدرسسة الحسسنة بإسسكندرية ،وسسنذكره إثسر هذا .وجاء ملك مقبسل لقتالهسم
فهزموه هزيمسسة شنيعسسة .وجاء الملك عزيسسز الخمار والملك جهان بنبسسل لقتالهسسم فسسي
سسبعة آلف مسن الفرسسان ،فهزموه أيضاً ،وتسسامع بهسم أهسل الفسساد والجرائم فانثالوا
عليهسسم .وادعسسى القاضسسي جلل السسسلطنة ،وبايعسسه أصسسحابه .وبعسسث السسسلطان إليسسه
وكان ابسن الملك مسل سساكناً بدولة آباد فسي بعسض مسن الفغان ،فكتسب السسلطان إلى
نائبه بها ،وهو نظام الدين أخو معلمه قطلوخان أن يقبض عليهم ،وبعث إليه بأجمال
كثيرة من القيود والسلسل ،وبعث بخلع الشتاء .وعادة ملك الهند أن يبعث لكل أمير
على مدينسسة ،ولوجوه جنده خلعتيسسن فسسي السسسنة :واحدة للشتاء والثانيسسة للصسسيف .وإذا
جاءت الخلع ،يخرج الميسر والجنسد للقائهسا .فإذا وصسولوا إلى التسي بهسا نزلوا عسن
دوابهسم ،وأخسذ كسل واحسد خلعتسه ،وحملهسا على كتفسه وخدم لجهسة السسلطان .وكتسب
السسلطان لنظام الدين إذا خرج الفغان ونزلوا عن دوابهسم لخسذ الخلع فاقبسض عليهسم
عنسد ذلك .وأتسى أحسد الفرسسان الذيسن أوصسلوا الخلع إلى الفغان ،فأخسبرهم بمسا يراد
بهم .فكان نظام الدين ممن احتال ،فانعكست عليه ،فركب وركب الفغان معه حتى
إذا لقوا الخلع ،ونزل نظام الديسن عسن فرسسه ،حملوا عليسه وأصسحابه ،فقبضوا عليسه
وقتلوا كثيراً مسسسن أصسسسحابه ،ودخلوا المدينسسسة فاسسسستولوا على الخزائن ،وقدموا على
أنفسهم ناصر الدين ابن ملك مل ،وانثال عليهم المفسدون ،فقويت شوكتهم.
ولمسا علم السسلطان مسا فعله الفغان بكنبايسة ودولة آباد ،خرج بنفسسه ،وعزم أن يبدأ
بكنبايسة ،ثسم يعود إلى دولة آباد .وبعسث أعظسم ملك البايزيدي صسهره فسي أربعسة آلف
مقدمسة ،فاسستقبله جنسد القاضسي جلل ،فهزموه وحصسروه ببلوذرة ،وقاتلوه بهسا .وكان
فسي جنسد القاضسي جلل شيسخ يسسمى جلول ،وهسو أحسد الشجعان .فل يزال يفتسك فسي
الجنسد ويقتسل ،ويطلب المبارزة فل يتجاسسر أحسد على مبارزتسه .واتفسق يوماً أنسه دفسع
فرسسه ،فكبسا بسه فسي حفرة فسسقط عنسه وقتسل .ووجدوا عليسه درعيسن ،فبعثوا برأسسه إلى
السسلطان ،وصسلبوا جسسده بسسور بلوذرة ،وبعثوا يديسه ورجليسه إلى البلد .ثسم وصسل
السسلطان بجنده فلم يكسن للقاضسي جلل مسن ثبات ،ففسر فسي أصسحابه ،وتركوا أموالهسم
وأولدهسم ،فنهسب ذلك كله ،ودخلت المدينسة ،وأقام بهسا السسلطان أياماً ثسم رحسل عنهسا،
وترك بهسا صسهره شرف الملك أميسر بخست الذي قدمنسا ذكره ،وقضيسة فراره وأخذه
بالسسند وسسجنه ،ومسا جرى له مسن الذل ،ثسم مسن العسز .وأمره بالبحسث عمسن كان فسي
طاعة جلل الدين ،وترك معه الفقهاء ليحكم بأقوالهم .فأدى ذلك إلى قتل الشيخ علي
الحيدري حسبما قدمناه .ولما هرب القاضي جلل لحق بناصر الدين ملك مل بدولة
آباد ،ودخل في جملته .فأتى السلطان بنفسه إليهم ،واجتمعوا في نحو أربعين ألفاً من
الفغان والترك والهنود والعبيسسسد ،وتحالفوا على أن ل يفروا ،وأن يقاتلوا السسسسلطان.
وأتسى السسلطان لقتالهسم ولم يرفسع الشطسر الذي هسو علمتسه .فلمسا اسستحر القتال رفسع
الشطسسر ،ولمسسا عاينوه دهشوا وانهزموا أقبسسح هزيمسة .ولجسأ ابسن ملك مسل والقاضسسي
جلل في نحو أربعمائة من خواصهما إلى قلعة الدويقير ،وسنذكرها وهي من أمنع
القلع في الدنيا ،واستقر السلطان بمدينة دولة آباد والدويقير هي قلعتها .وبعث لهم
أن ينزلوا على حكمسسسه فأبوا أن ينزلوا إلعلى المان .فأبسسسى السسسسلطان أن يؤمنهسسسم،
وبعث لهم الطعمة تهاوناً بهم ،وأقام هنالك .وهذا آخر عهدي بهم.
وكان ذلك قبسل خروج القاضسي جلل وخلفسه .وكان تاج الديسن الكولمسي مسن كبار
التجار ،فنزل على السسلطان مسن أرض الترك بهدايسا جليلة ،منهسا المماليسك والجمال
والمتاع والسلح والثياب .فأعجب السلطان فعله وأعطاه اثني عشر لكاً ،ويذكر أنه
لم تكن قيمة هديته إل لكًا واحداً .ووله مدينة كنباية .وكانت لنظر الملك المقبل نائب
الوزيسسر ،ووصسسل إليهسسا ،وبعسسث السسسفن إلى بلد المليبار وجزيرة سسسيلن وغيرهسسا.
وجاءته التحف والهدايا في السفن ،وعظمت حاله ،ولما لم يبعث أموال تلك الجهات
إلى الحضرة ،بعسسث الملك مقبسسل إلى ابسسن الكولمسسي أن يبعسسث مسسا عنده مسسن الهدايسسا
والموال مسع هدايسا تلك الجهات على العادة .امتنسع ابسن الكولمسي عسن ذلك وقال :أنسا
أحملهسسا بنفسسسي ،أو أبعثهسسا مسسع خدامسسي ،ول حكسسم لنائب الوزيسسر علي ول للوزيسسر،
واغتر بما أوله السلطان من الكرامة والعطية .فكتب مقبل إلى الوزير بذلك ،فوقع
له الوزيسسر على ظهسسر كتابسسه :إن كنسست عاجزاً عسسن بلدنسسا فاتركهسسا وراجسسع إلينسسا.
ولمسسا وصسسله الجواب تجهسسز فسسي جنده ومماليكسسه ،والتقيسسا بظاهسسر كنبايسسة .فانهزم
الكولمي ،وقتل جملة من الفريقين .واستخفى ابن الكولمي في دار الناخوذة " الناخذا
ودخل مقبلٌ المدينة فضرب رقاب جند ابن الكولمي ،وبعث له المان نظير أن يأخذ
ماله المختسص بسه ويترك مال السسلطان وهديتسه ومجسبى البلد ،وبعسث مقبسل بذلك كله
مسع خدامسه إلى السسلطان ،وكتسب شاكياً مسن ابسن الكولمسي ،وكتسب ابسن الكولمسي شاكياً
منسه .وبعسث السسلطان ملك الحكماء ليتنصسف بينهمسا .وبأثسر ذلك كان خروج القاضسي
جلل الدين .فنهب مال ابن الكولمي ،وهرب ابن الكولمي في بعض مماليكه ولحق
بالسلطان.
وفسي مدة غياب السسلطان عسن حضرتسه ،إذ خرج يقصسد بلد المعسبر ،وقسع الغلء،
واشتسد المسر ،وانتهسى المسن إلى سستين درهماً ،ثسم زاد على ذلك .وضاقست الحوال،
وعظم الخطب ،ولقد خرجت مرة إلى لقاء الوزير ،فرأيت ثلث نسوة يقطعن قطعاً
مسسن جلد فرس مات منسسذ أشهسسر ويأكلنسسه .وكانسست الجلود تطبسسخ وتباع فسسي السسسواق.
وكان الناس إذا ذبحست البقسر ،أخذوا دماءهسا فأكلوهسا .وحدثنسي بعسض طلبسة خراسسان
أنهسم دخلوا بلدة تسسمى أكروهسة ،بيسن حانسسي وسسرستي فوجدوهسا خاليسة ،فقصسدوا
بعسض المنازل ليسبيتو بسه ،فوجدوا فسي بعسض بيوتسه رجلً قسد أضرم ناراً ،وبيده رجسل
آدمسسي ،وهسسو يشويهسسا فسسي النار ويأكسسل منهسسا ،والعياذ بال .ولمسسا اشتسسد الحال ،أمسسر
السسسلطان أن يعطسسى لجميسسع أهسسل دهلي نفطسسة سسستة أشهسسر .فكانسست القضاة والكتاب
والمراء يطوفون بالزقسة والحارات ،ويكتبون الناس ،ويعطون لكسل أحسد نفقسة سستة
أشهسر ،بحسساب رطسل ونصسف مسن أرطال المغرب فسي اليوم لكسل واحسد .وكنست فسي
تلك المدة أطعسم الناس مسن الطعام الذي أصسنعه بمقسبرة السسلطان قطسب الديسن ،حسسبما
يذكسر ،فكان الناس ينتعشون بذلك .و ال تعالى ينفسع بالقصسد فيسه .وإذ قسد ذكرنسا مسن
أخبار السلطان ،وما كان في أيامه من الحوادث ما فيه الكفاية ،فلنعد إلى ما يخصنا
مسن ذلك ،ونذكسر كيفيسة وصسولنا أولً إلى حضرتسه ،وتنقسل الحال إلى خروجنسا عسن
الخدمة ،ثم خروجنا عن السلطان في الرسالة إلى الصين ،وعودنا منها إلى بلدنا،
ولمسسا دخلنسسا حضرة دهلي قصسسدنا باب السسسلطان ،ودخلنسسا الباب الول ثسسم الثانسسي
والثالث ،ووجدنا عليه النقباء ،وقد تقدم ذكرهم .فلما وصلنا إليهم تقدم بنا نقيبهم إلى
مشور عظيسم متسسع ،فوجدنسا بسه الوزيسر خواجسه جهان ينتظرنسا .فتقدم ضياء الديسن
خداونسد زاده ،ثسم تل أخوه قوام الديسن ،ثسم أخوهمسا عماد الديسن ،ثسم تلوتهسم ،ثسم تلنسي
أخوهسم برهان الديسن ،ثسم الميسر مبارك السسمرقندي ،ثسم أرون بغسا التركسي ،ثسم ملك
ولما دخلنا من الباب الثالث ظهر لنا المشور الكبير المسمى هزار اسطون " استون
" ومعنى ذلك ألف سارية ،وبه يجلس السلطان الجلوس العام .فخدم الوزير عند ذلك
حتسسى قرب رأسسسه مسسن الرض ،وخدمنسسا نحسسن بالركوع ،وأوصسسلنا أصسسابعنا إلى
الرض ،وخدمتنسا لناحيسة سسرير السسلطان ،وخدم جميسع مسن معنسا .فلمسا فرغنسا مسن
وذكر فضائلها
وأم السسلطان تدعسى المخدومسة جهان ،وهسي مسن أفضسل النسساء ،كثيرة الصسدقات،
عمرت زوايسا كثيرة ،وجعلت فيهسا الطعام للوارد والصسادر .وهسي مكفوفسة البصسر،
وسبب ذلك انه لما ملك ابنها ،جاء إليها جميع الخواتين وبنات الملوك والمراء فسي
أحسسن زي ،وهسي على سسرير الذهسب المرصسع بالجوهسر ،فخدمسن بيسن يديهسا جميعاً،
فذهب بصرها للحين ،وعولجت بأنواع العلج فلم ينفع .وولدها أشد الناس براً بها.
ومسسسن بره أنهسسسا سسسسافرت معسسسه مرة فقدم السسسسلطان قبلهسسسا بمدة ،فلمسسسا قدمسسست خرج
لسستقبالها ،وترجسل عسن فرسسسه وقبسل رجلهسا ،وهسي فسي المحفسة بمرأى مسن الناس
أجمعيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن.
ولنعسد لمسا قصسدناه فنقول ،ولمسا انصسرفنا عسن دار السسلطان خرج الوزيسر ونحسن معسه
إلى باب الصسرف ،وهسم يسسمونه باب الحرم ،وهنالك سسكنى المخدومسة جهان .فلمسا
وصسسلنا بابهسسا نزلنسسا عسسن الدواب ،وكسسل واحسسد منسسا قسسد أتسسى بهديسسة على قدر حاله.
ودخسل معنسا قاضسي قضاة المماليسك كمال الديسن بسن البرهان ،فخدم الوزيسر والقاضسي
عنسد بابهسا ،وخدمنسا كخدمتهسم ،وكتسب كاتسب بابهسا هدايانسا .ثسم رجعوا إلى الوزيسر ،ثسم
عادوا إلى القصسسر ،ونحسسن وقوف .ثسسم أمرنسسا بالجلوس فسسي سسسقيف هنالك ،ثسسم أتوا
بالطعام ،وأوتوا بقلل من الذهب يسمونها السين " بضم السين والياء أخر الحروف
" ،وهسي مثل القدور ،ولها مرافع من الذهب تجلس عليها ،يسمونها السبك " بضسم
السسسين وضسسم الباء الموحدة " وأتوا بأقداح وطسسسوت وأباريسسق كلهسسا ذهسسب ،وجعلوا
الطعام سسسماطين ،وعلى كسسل سسسماط صسسفان .ويكون فسسي رأس الصسسف كسسبير القوم
الوارديسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن.
ولمسسا تقدمنسسا للطعام ،خدم الحجاب والنقباء ،وخدمنسسا لخدمتهسسم .ثسسم أتوا بالشربسسة
فشربنا .وقال الحجاب :بسم ال ،ثم أكلنا ،وأتوا بالفقاع والتنبول .وقال الحجاب :بسم
ال ،فخدمنسا جميعاً .ثسم دعينسا إلى موضسع هنالك ،فخلع علينسا حلل الحريسر المذهبسة،
وأتوا بنسا إلى باب القصسر ،تحست ثياب غيسر مخيطسة مسن حريسر وكتان .فأعطسي كسل
واحسد منسا نصسيبه منهسا .ثسم أتوا بطيفور ذهسب فيسه الفاكهسة اليابسسة ،وبطيفور مثله فيسه
الجلب ،وطيفور ثالث فيسسسه التنبول .ومسسسن عادتهسسسم أن الذي يخرج له ذلك ،يأخسسسذ
الطيفور بيده ،ويجعله على كاهله ،ويخدمسسه بيده الثانيسسة إلى الرض .فأخسسذ الوزيسسر
الطيفور بيده قصسسد أن يعلمنسسي كيسسف أفعسسل إيناس ساً منسسه وتواضعاً ومسسبرة ،جزاه ال
الخيسر .ففعلت كمسا فعسل ،وانصسرفنا إلى الدار المعدة لنزولنسا بمدينسة دهلي ،وبمقربسة
ذكر الضيافة
ولمسسا وصسسلت إلى الدار التسسي أعدت لنزولي وجدت فيهسسا مسسا يحتاج إليسسه مسسن فرش
وبسسط وحصسر وأوان وسسرير الرقاد ،وأسسرتهم بالهنسد خفيفسة الحمسل ،يحمسل السسرير
منهسا الرجسل الواحسد ول بسد لكسل أحسد أن يسستصحب السسرير فسي السسفر ،يحمله غلمسه
على رأسسه ،وهسو أربسع قوائم مخروطسة ،يعرض عليهسا أربعسة أعواد ،وتنسسج عليهسا
ضفائر مسن الحريسر والقطسن ،فإذا نام النسسان عليسه لم يحتسج إلى مسا يرطبسه بسه ،لنسه
يعطي الرطوبة من ذاته .وجاءوا مع السرير بمضربين ومخدتين ولحاف ،كل ذلك
مسسن الحريسسر وعادتهسسم أن يجعلوا للمضربات واللحوف " اللحسسف " وجوهاً تغشيهسسا
وأتوا تلك الليلة برجليسسن أحدهمسسسا الطاحونسسسي ويسسسسمونه الخراص والثانسسسي الجزار
ويسسمونه القصساب فقالوا لنسا خذوا مسن هذا كذا وكذا مسن الدقيسق ،ومسن هذا كذا وكذا
مسن اللحسم ،لوزان ل أذكرهسا الن وعادتهسم أن يكون اللحسم الذي يعطون بقدر وزن
الدقيسق ،وهذا الذي ذكرناه فسي ضيافسة أم السسلطان ،وبعدهسا وصسلتنا ضيافسة السسلطان
وسسسنذكرها .ولمسسا كان مسسن غيسسر ذلك اليوم ركبنسسا إلى دار السسسلطان ،وسسسلمنا على
الوزير ،فأعطاني بدرتين ،كل بدرة من ألف دينار دراهم ،وقال لي :هذه سر ششتي
" شستي " ومعناه لغسل رأسك ،وأعطاني خلعة من المرعز ،وكتب جميع أصحابي
وخدامسي وغلمانسي ،فجعلوا أربعسة أصسناف :فالصسنف الول منهسا أعطسي كسل واحسد
منهسسا مائتسسي دينار ،والصسسنف الثانسسي أعطسسي كسسل واحسسد منهسسم مائة وخمسسسين ديناراً
والصسسنف الثالث أعطسسي كسسل واحسسد مائة دينار ،والصسسنف الرابسع أعطسسي كسسل واحسسد
خمسة وسبعين ديناراً ،وكانوا نحو أربعين وكان جملة ما أعطوه أربعة آلف دينار
ونيفاً ،وبعد ذلك عينت ضيافة السلطان ،وهي ألف رطل هندية من الدقيق ،ثلثها من
الميرا وهسو الدرمسك ،وثلثاهسا مسن الخشكار وهسو المدهون ،وألف رطسل مسن اللحسم،
ومسن السسكر والسسمن والسسليف والفوفسل أرطال كثيرة ،ل أذكسر عددهسا واللف مسن
ورق التنبول والرطسسسسسل الهندي عشرون رطلً مسسسسسن أرطال المغرب ،وخمسسسسسسة
وعشرون مسن أرطال مصسر ،وكانست ضيافسة خداونسد زاده أربعسة آلف رطسل مسن
ذكر وفاة بنتي وما فعلوا في ذلك ولما كان بعد شهر ونصف من مقدمنا توفيت بنت
لي سسنها دون السسنة .فاتصسل خسبر وفاتهسا بالوزيسر ،فأمسر أن تدفسن فسي زاويسة بناهسا
خارج دروازة بالم ،بقرب مقسبرة هنالك لشيخنسا إبراهيسم القونوي ،فدفناهسا بهسا وكتسب
بخبرها إلى السلطان فأتاه الجواب في عشي اليوم الثاني ،وكان بين متصيد السلطان
وبين الحضرة مسيرة عشرة أيام وعادتهم أن يخرجوا إلى قبر الميت صبيحة الثالث
مسسن دفنسسه ،ويفرشون جوانسسب القسسبر بالبسسسط وثياب الحريسسر ،ويجعلون على القسسبر
الزاهيسر ،وهسي ل تنقطسع هنالك فسي فصسل مسن الفصسول كالياسسمين وقسل شبسه " كسل
شبو " وهي زهر أصفر ،وريبول وهو أبيض ،والنسرين وهو على صنفين أبيض
وأصسفر ،ويجعلون أغصسان النارنسج والليمون بثمارهسا ،وإن لم يكسن فيهسا ثمار علقوا
منها حبات بالخيوط ،ويصبون على القبر الفواكه اليابسة وجوز النارجيل ،ويجتمع
الناس ويؤتسسسسى بالمصسسسساحف فيقرأون القرآن ،فإذا ختموا أتوا بماء الجلب فسسسسسقوه
الناس ،ثسسم يصسسب عليهسسم ماء الورد صسسباً ،ويعطون التنبول وينصسسرفون .ولمسسا كان
صسبيحة الثالث مسن دفسن هذه البنست ،خرجست الصسبح على العادة ،وأعددت مسا تيسسر
مسن ذلك كله ،فوجدت الوزيسر قسد أمسر بترتيسب ذلك ،وأمسر بسسراجة فضربست على
القبر ،وجاء الحاجب شمس الدين الفوشنجي الذي تلقانا بالسند ،والقاضي نظام الدين
الكروانسسي وجملة مسسن كبار أهسسل المدينسسة ،ولم آت إل والقوم المذكورون ،قسسد أخذوا
مجالسهم ،والحاجب بين أيديهم ،وهم يقرأون القرآن فقعدت مع أصحابي بمقربة من
القسبر .فلمسا فرغوا مسن القرأة ،قرأ القراء بأصسوات حسسان ،ثسم قام القاضسي فقرأ رثاء
فسسي البنسست المتوفاة ،وثناء على السسسلطان .وعنسسد ذكسسر اسسسمه قام الناس جميعًا قياماً
فخدموا ثم جلسوا ،ودعا القاضي دعاء حسناً ،ثم أخذ الحاجب وأصحابه براميل ماء
الورد وصسسبوا على الناس ،ثسسم داروا عليهسسم بأقداح شربسسة النبات ،ثسسم فرقوا عليهسسم
التنبول ،ثسم أتسي بإحدى عشرة خلعسة لي ولصسحابي ثسم ركسب الحاجسب وركبنسا معسه
إلى دار السلطان ،فخدمنا للسرير على العادة ،وانصرفت إلى منزلي فما وصلت إل
وقسسد جاء الطعام مسسن دار المخدومسسة جهان ،مسسا مل الدار ودور أصسسحابي ،وأكلوا
جميعاً ،وأكسل المسساكين .وفضلت القراص والحلواء والنبات ،فأقمست بقاياهسا أياماً،
وكان فعسل ذلك كله بأمسر السسلطان .وبعسد أيام جاء الفتيان مسن دار المخدومسة جهان
بالدولة وهسي المحفسة التسي يحمسل فيهسا النسساء ،ويركبهسا الرجال وهسي شبسه السسرير،
سسطحها مسن ضفائر الحريسر والقطسن ،وعليهسا عود شبسه الذي على البوجات عندنسا،
معوج مسسن القصسسب الهندي المغلوق ،ويحملهسسا ثمانيسسة رجال فسسي نوبتيسسن :يسسستريح
أربعة ،ويحمل أربعة ،وهذه الدول بالهند كالحمير بديار مصر ،عليها ينصرف أكثر
الناس فمن كان له عبيداً حملوه ،ومن لم يكن له عبيد اكترى رجالً يحملونه .وبالبلد
منهسم جماعسة يسسيرة ،يقفون فسي السسواق وعنسد باب السسلطان ،وعنسد أبواب الناس
للكري ،وتكون دول النسساء مغشاة بغشاء حريسر .وكذلك كانست هذه الدولة التسي أتسى
الفتيان بها من دار أم السلطان ،فحملوا فيها جاريتي ،وهي أم البنت المتوفاة وبعثت
أنسا معهسا عسن هديسة جاريسة تركيسة فاقامست الجاريسة أم البنست عندهسم ليلة ،وجاءت فسي
اليوم الثانسي وقسد أعطوهسا ألف دينار دراهسم ،وأسساور ذهسب مرصسعة ،وتهليلً مسن
الذهسب مرصسعاً وقميسص كتان مزركشاً بالذهسب وخلعسة حريسر مذهبسة وتختاً بأثواب
ولمسا جاءت بذلك أعطيتسه لصسحابي وللتجار الذيسن لهسم علي الديسن ،محافظسة على
وفسي أثناء إقامتسي أمسر السسلطان أن يعيسن لي مسن القرى مسا يكون فائدة خمسسة آلف
دينار فسي السسنة ،فعينهسا لي الوزيسر وأهسل الديوان ،وخرجست إليهسا فمنهسا قريسة تسسمى
بدلي " بفتسح الباء الموحدة وفتسح الدال المهملة وكسسر اللم " وقريسة تسسمى بسسهي "
بفتسح الباء الموحدة والسسين المهمسل وكسسر الهاء " ونصسف قريسة تسسمى بلرة " بفتسح
الباء الموحدة واللم والراء " ،وهذه القرى على مسسسافة سسستة عشسسر كروهاً ،وهسسو
الميسل ،بصسدي يعرف بصسدي هندبست ،والصسدي عندهسم مجموع مائة قريسة مسن قرى
بلد الهند ،وأحواز المدينة مقسومة أصداء ،وكل صدي له جوطري ،وهو شيخ من
كفار تلك البلد ،ومتصسسرف ،وهسسو الذي يضسسم مجابيهسسا .وكان قسسد وصسسل فسسي ذلك
الوقت سبي من الكفار ،فبعث الوزير إلي عشر جوار منه ،فأعطيت الذي جاء بهن
واحدة منهسسن ،فلمسسا رضسسي بذلك ،وأخسسذ أصسسحابي ثلثاً صسسغاراً منهسسن ،وباقيهسسن ل
أعرف ما اتفق لهن .والسبي هنالك رخيص الثمن ،لنهن قذرات ل يعرفن مصالح
الحضسسر ،والمعلمات رخيصسسات الثمان ،فل يفتقسسر أحسسد إلى شراء السسسبي .والكفار
ببلد الهند في بر متصل وبلد متصلة مع المسلمين والمسلمون غالبون عليهم وإنما
يمتنسع الكفار بالجبال والوعار ،ولهسم غيضات مسن القصسب ،وقصسبهم غيسر مجوف،
ويعظم ويلتف بعضه على بعض ،ول تؤثر فيه النار ،وله قوة عظيمة فيسكنون تلك
الغياض ،وهي لهم مثل السور ،وبداخلها تكون مواشيهم وزروعهم ،ولهم فيها المياه
ممسا يجتمسع مسن ماء المطسر فل يقدر عليهسم ال بالعسساكر القويسة مسن الرجال الذيسن
وأطسل عيسد الفطسر ،والسسلطان لم يعسد بعسد إلى الحضرة ،فلمسا كان يوم العيسد ركسب
الخطيب على الفيل ،وقد مهد له على ظهره شبه السرير ،وركزت أربعة أعلم في
أركانسه الربعسة ،وليسس الخطيسب ثياب السسود ،وركسب المؤذنون على الفيلة يكسبرون
أمامسسه ،وفقهاء المدينسسة وقضاتهسسا وكسسل واحسسد يسسستصحب صسسدقة يتصسسدق بهسسا حيسسن
الخروج إلى المصسلى ونصسب على المصسلى صسيوان قطسن ،وفرش ببسسط ،واتجمسع
الناس ذاكريسسن ال تعالى .ثسسم صسسلى بهسسم الخطيسسب وخطسسب وانصسسرف الناس إلى
منازلهسسم ،وانصسسرفنا إلى دار السسسلطان وجعسسل الطعام ،فحضره الملوك والمراء،
ولمسسا كان فسسي رابسسع شوال نزل السسسلطان بقصسسر اسسسمه تلبسست "بكسسسر التاء المعلوة
الولى وسسكون اللم وفتسح الباء الموحدة ثسم تاء كالولى " ،وهسي على مسسافة سسبعة
أميال من الحضرة فأمرنا الوزير بالخروج اليه فخرجنا ،ومع كل انسان هديته من
من بلد التراك فوصلنا إلى باب القصر واجتمع جميع القادمين فكانوا يدخلون إلى
السسسلطان على قدر مراتبهسسم ،ويخلع عليهسسم ثياب الكتان المزركشسسة بالذهسسب ،ولمسسا
وصسسلت إلى النوبسسة ،دخلت فوجدتسسه قاعداً على كرسسسي ،فظننتسسه أحسد الحجاب حتسى
رأيسست معسسه ملك الندماء ناصسسر الديسسن الكافسسي الهروي ،وكنسست عرفتسسه أيام غيبسسة
السسلطان ،فخدم الحاجسب ،فخدمست واسستقبلني أميسر حاجسب ،وهسو ابسن عسم السسلطان
فيروز ،وخدمست ثانيسة لخدمتسه ،ثسم قال لي ملك الندماء بسسم ال ،مولنسا بدر الديسن.
وكانوا يدعوننسي بأرض الهنسد بدر الديسن وكسل مسن كان مسن أهسل الطلب إنمسا يقال له
مولنا فقربت من السلطان حتى أخذ بيدي وصافحني وأمسك يدي وجعل يخطابني
بأحسسن خطاب ،ويقول لي بالفارسسي ،حلت البركسة ،قدومسك مبارك ،اجمسع خاطرك،
اعمل معك من المراحم ،وأعطيك من النعام ،ما يسمع به أهل بلدك ،فيأتون إليك.
ثسم سسألني عسن بلدي فقلت له :بلد المغرب فقال لي :بلد عبسد المؤمسن ? فقلت له:
نعسسم .وكان كلمسسا قال لي كلماً جيداً قبلت يده حتسسى قبلتهسسا سسسبع مرات .وخلع علي،
وانصسرفت واجتمسع الواردون ،فمسد لهسم سسماط .ووقسف على رؤوسسهم قاضسي القضاة
صسسدر الجهان كمال الديسسن الغزنوي ،وعماد الملك عرض المماليسسك ،والملك جلل
الديسن الكيجسي ،وجماعسة مسن الحجاب والمراء ،وحضسر كذلك خداونسد زاده غياث
الديسن ،ابسن عسم خداونسد زاده قوام الديسن قاضسي ترمسذ الذي قدم معنسا ،وكان السسلطان
يعظمه ويخاطبه بالخ وتردد إليه مراراً من بلده .والواردون الذين خلع عليهم في
ذلك اليوم هسسم خداونسسد زاده قوام الديسسن وإخوتسسه ضياء الديسسن وعماد الديسسن وبرهان
الديسن وابسن أخيسه أميسر بخست ابسن السسيد تاج الديسن ،وكان جده وجيسه الديسن وزيسر
خراسسسان ،وكان خاله علء الديسسن أميسسر هنسسد ووزيراً أيضاً ،والميسسر هبسسة ال ابسسن
الفلكسي التسبريزي ،وكان أبوه نائب الوزيسر بالعراق ،وهسو الذي بنسى المدرسسة الفلكيسة
بتسبريز ،وملك كراي مسن أولد بهرام جور " جوبيسن " صساحب كسسرى ،وهسو مسن
أهسل جبسل بدخشان الذي منسه يجلب الياقوت البلخسش واللزورد ،والميسر مبارك شاه
السسمرقندي ،وأرون بغسا البخاري ،وملك زاده الترمذي ،وشهاب الديسن الكازرونسي،
وفسي الغسد مسن يوم خروجنسا إلى السسلطان أعطسي كسل واحسد منسا فرسساً مسن مراكسب
السسلطان ،عليسه سسرج ولجام محليان وركسب السسلطان لدخول حضرتسه ،وركبنسا فسي
مقدمتسسه مسسع صسسدر الجهان ،وزينسست الفيلة أمام السسسلطان ،وجعلت عليهسسا العلم،
ورفعست عليهسا سستة عشسر شطراً ،منهسا مزركشسة ،ومنهسا مرصسعة ،ورفسع فوق رأس
السسلطان شطرٌ منهسا ،وحملت أمامسه الغاشيسة ،وهسي سستارة مرصسعة ،وجعسل على
بعسض الفيلة رعادات صسغار ،فلمسا وصسل السسلطان إلى قرب المدينسة ،قذف فسي تلك
الرعادات بالدنانيسسر والدراهسسم مختلطسسة ،والمشاة بيسسن يدي السسسلطان وسسسواهم ممسسن
حضسسر يلتقطون ذلك .ولم يزالوا ينثرونهسسا إلى أن وصسسلوا القصسسر وكان بيسسن يديسسه
آلف مسن المشاة على القدام وصسنعت قباب الخشسب المكسسوة بثياب الحريسر ،وفيهسا
ولمسسا كان يوم الجمعسسة ،ثانسي يوم دخول السسلطان ،أتينسا باب المشور ،فجلسسسنا فسسي
سسسقائف الباب الثالث ،ولم يكسسن الذن حصسسل لنسسا بالدخول ،وخرج الحاجسسب شمسسس
الديسسن الفوشنجسسي ،فأمسسر الكتاب أن يكتبوا أسسسماءنا ،وأذن لهسسم فسسي دخولنسسا ،ودخول
بعسض أصسحابنا ،وعيسن للدخول معسي ثمانيسة ،فدخلنسا ودخلوا معنسا ،ثسم جاءوا بالبدر
والقبان ،وهسو الميزان ،وقعسد قاضسي القضاة والكتاب ،ودعوا مسن بالباب مسن العزة
وهسم الغرباء ،فعينوا لكسل نصيبه من تلك البدر ،فحصسل لي خمسة آلف دينار وكان
مبلغ المال مائة ألف دينار ،تصسسدقت بسسه أم السسسلطان لمسسا قدم ابنهسسا ،وانصسسرفنا ذلك
اليوم وكان السسسلطان بعسسد ذلك يسسستدعينا للطعام بيسسن يديسسه ،ويسسسأل عسسن أحوالنسسا،
ويخاطبنسا بأجمسل الكلم ولقسد قال لنسا فسي بعسض اليام :أنتسم شرفتمونسا بقدومكسم فمسا
نقدر على مكافأتكسسم فالكسسبير منكسسم مقام والدي ،والكهسسل مقام أخسسي ،والصسسغير مقام
ولدي ،ومسسا فسسي ملكسسي أعظسسم مسسن مدينتسسي هذه أعطيكسسم إياهسسا فشكرناه ودعونسسا له.
ثسم بعسد ذلك أمسر لنسا بالمرتبات فعيسن لي اثنسي عشسر ألف دينار فسي السسنة ،وزادنسي
قريتيسن على الثلث التسي أمسر لي بهسا قبسل ،إحداهمسا قريسة جوزة ،والثانيسة قريسة ملك
بور ،وفسي بعسض اليام بعسث لنسا خداونسد زاده ،وغياث الديسن وقطسب الملك صساحب
السسند فقال لنسا :إن خونسد عالم يقول لكسم :مسن كان منكسم يصسلح للوزارة أو الكتابسة أو
المارة أو القضاة أو التدريسس أو المشيخسة ،أعطيتسه ذلك فسسكت الجميسع لنهسم كانوا
يريدون تحصسيل الموال والنصسراف إلى بلدهسم ،وتكلم أميسر بخست ابسن السسيد تاج
الدين الذي تقدم ذكره فقال :أما الوزارة فميراثي ،وأما الكتابة فشغلي ،وغير ذلك ل
أعرفسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه.
وتكلم هبة ال الفلكي فقال مثل ذلك ،وقال لي خداوند زاده بالعربي :ما تقول أنت يا
سسيدي ? وأهسل تلك البلد مسا يدعون العربسي إل بالتسسويد ،وبذلك يخاطبسه السسلطان،
تعظيماً للعرب ،فقلت له :أما الوزارة والكتابة فليست شغلي ،وأما القضاء والمشيخة
فشغلي وشغسسل آبائي ،وأمسسا المارة فتعلمون أن العاجسسم مسسا أسسسلمت إل بأسسسياف
العرب ،فلمسسا بلغ ذلك السسسلطان أعجبسسه كلمسسي وكان بهزار أسسسطون يأكسسل الطعام،
فبعث عنا ،فأكلنا بين يديه ،وهو يأكل ،ثم انصرفنا إلى خارج هزار اسطون ،فقعد
أصسسحابي وانصسسرفت بسسسبب دمسسل كان يمنعنسسي الجلوس ،فاسسستدعانا السسسلطان ثانيسسة
فحضسر أصسحابي ،واعتذر واله عنسي بعسد صسلة العصسر ،فصسليت بالمشور المغرب
والعشاء الخرة ،ثم خرج الحاجب فاستدعانا ،فدخل خداوند زاده ضياء الدين ،وهو
أكسبر الخوة المذكوريسن ،فجعله السسلطان أميسر داد وهسو مسن المراء الكبار ،فجلس
بمجلس القاضسسي .فمسسن كان له حسسق على أميسسر أو كسسبير أحضره بيسسن يديسسه ،وجعسسل
مرتبسه على هذه الخطسة خمسسين ألف دينار فسي السسنة ،عيسن له مجاشسر فائدهسا ذلك
المقدار ،فأمسسر له بخمسسسين ألفاً عسسن يدٍ ،وخلع عليسسه خلعسسة حريسسر مزركشسسة تسسسمى
صورة الشير ،ومعناه صورة السبع ،لنه يكون في صدرها وظهرها صورة سبع،
وقسد خيسط فسي باطن الخلعسة بطاقسة بمقدار مازركسش فيهسا مسن الذهسب ،وأمسر له بفرس
مسن الجنسس الول ،والخيسل عندهسم أربعسة أجناس وسسروجهم كسسروج أهسل مصسر،
ويكسون أعظمها بالفضة المذهبة ،ثم دخل أمير بخت ،فأمره أن يجلس مع الوزير
فسي مسسنده ،ويقسف على محاسسبات الدواويسن وعيسن له مرتباً أربعيسن ألف دينار فسي
السنة أعطى مجاشر فائدها بمقدار ذلك ،وأعطى أربعين ألفاً عن يد ،وأعطى فرساً
ثسم دخسل هبسة ال بسن الفلكسي فجعله رسسول دار ،ومعناه حاجسب الرسسال ،وعيسن له
مرتباً أربعيسن ألف دينار فسي السسنة أعطسى مجاشسر يكون قائدهسا بمقدار ذلك وأعطسى
أربعة وعشرين ألفاً عن يد وأعطى فرساً مجهزاً وخلعة ،وجعل لقبه بهاء الملك .ثم
دخلت فوجدت السسلطان على سسطح القصسر مسستندًا إلى السسرير ،والوزيسر خواجسه
جهان بين يديه ،والملك الكبير قبولة واقف بين يديه فلما سلمت عليه ،قال لي الملك
الكبير :أخدم فقد جعلك خوند عالم قاضي دار الملك دهلي ،وجعل مرتبك اثني عشر
ألف دينار فسي السسسنة ،وعيسن لك مجاشسسر بمقدارهسا ،وأمسسر لك باثنسي عشسر ألفاً نقداً
تأخذها من الخزانة غداً إن شاء ال ،وأعطاك فرساً بسرجه ولجامه ،وأمر لك بخلعة
محاربي ،وهي التي يكون في صدرها وظهرها شكل محراب ،فخدمت وأخذ بيدي
فتقدم بسسسي إلى السسسسلطان ،فقال لي السسسسلطان :ل تحسسسسب قضاء دهلي مسسسن أصسسسغر
الشغال ،هسو أكسبر الشغال عندنسا ،وكنست أفهسم قوله ،ول أحسسن الجواب عنسه وكان
السسلطان يفهسم العربسي ول يحسسن الجواب عنسه ،فقلت له :يسا مولنسا أنسا على مذهسب
مالك ،،وهؤلء حنفيسة وأنسا ل أعرف إنسساناً فقال لي :قسد عينست بهاء الديسن الملتانسي
وكمال الديسسن البجنوري ينوبان عنسسك ويشاورانسسك ،وتكون أنسست تسسسجل على العقود
وأنست عندنسا بمقام الوالد ،فقلت له :بسل عبدكسم وخديمكسم فقال لي باللسسان العربسي ،بسل
أنت سيدنا ومخدومنا ،تواضعاً منه وفضلً وإيناساً ،ثم قال لشرف الملك أمير بخت،
إن كان الذي ترتسب له ل يكفيسه لنسه كثيسر النفاق ،فأنسا أعطيسه زاويسة إن قجسر على
إقامة حال الفقراء ،وقال :قل له هذا بالعربي ،وكان يظن أنه يحسن العربي ولم يكن
كذلك وفهسسم السسسلطان ذلك فقال له :برو ويكجسسا بخصسسبي " بخسسسبي " وآن حكايسسة
بروابكوي وتفهيسم كنسي " بكنسي " تافردا إن شاء ال بيسش مسن بيايسي " و" جواب أو
بكري " بكوي " معناه :امشوا الليلة فارقدوا فسي موضسع واحسد ،وفهمسه هذه الحكايسة،
فإذا كان بالغسسد إن شاء ال تجيسسء إلي وتعلمنسسي بكلمسسه ،فانصسسرفنا وذلك فسسي ثلث
الليل ،وقد ضربت النوبة .والعادة عندهم إذا ضربت ل يخرج أحد فانتظرنا الوزير
حتى خرج ،وخرجنا معه ،ووجدنا أبواب دهلي مسدودة فبتننا عند السيد أبي الحسن
العبادي العراقسي ،بزقاق يعرف بسسرابور خان وكان هذا الشيسخ يتجسر بمال السسلطان
ويشتري له السلحة والمتعة بالعراق وخراسان .ولما كان بالغد بعث عنا ،فقبضنا
الموال والخيسسل والخلع ،وأخسسذ كسسل واحسسد منسسا البدرة بالمال ،فجعلهسسا على كاهله،
ودخلنسا كذلك على السسلطان فخدمنسا ،وأتينسا بالفراس فقبلنسا حوافرهسا ،بعسد أن جعلت
عليهسسسا الخرق ،وقدناهسسسا بأنفسسسسنا إلى باب دار السسسسلطان فركبناهسسسا وذلك كله عادة
عندهسم ،ثسم انصسرفنا وأمسر السسلطان لصسحابه بألفسي دينار وعشسر خلع ،ولم يعسط
لصسسحاب أحسسد سسسواي شيئاً وكان أصسسحابي لهسسم رواء ومنظسسر ،فأعجبوا السسسلطان
وكنست يوماً بالمشور ،بعسد أيام مسن توليتسي القضاء والحسسان إلي ،وأنسا قاعسد تحست
شجرة هنالك ،وإلى جانسبي مولنسا ناصسر الديسن الترمذي العالم الواعسظ ،فأتسى بعسض
الحجاب فدعا مولنا ناصر الدين ،فدخل إلى السلطان ،فخلع عليه ،وأعطاه مصحفاً
مكللً بالجوهر ،ثم أتاني بعض الحجاب فقال :أعطني شيئاً وآخذ لك خط خرد باثني
عشر ألفاً ،أمر لك بها خوند عالم فلم أصدقه وظننته يريد الحيلة علي ،وهو مجد في
كلمسه ،فقال بعسض الصسحاب :أنسا أعطيسه ،فأعطاه ديناريسن أو ثلثسة ،وجاء بخسط
خرد ومعناه الخسسط الصسسغر مكتوباً بتعريسسف الحاجسسب ،ومعناه أمسسر خونسسد عالم أن
يعطسي مسن الخزانسة الموفورة كذا لفلن بتبليسغ فلن أي بتعريفسه ،ويكتسب المبلغ اسسمه
ثسسم يكتسسب على تلك البراءة ثلثسسة مسسن المراء :وهسسم الخان العظسسم قطلوخان معلم
السسسلطان ،والخريطسسة دار وهسسو صسساحب وهسسو صسساحب خريطسسة الكاغسسد والقلم،
والمير نكبية الدوادار صاحب الدواة ،فإذا كتب كل واحد منهم خطه ،تذهب البراءة
إلى ديوان الوزارة فينسسخها كتاب الديوان عندهسم ،ثسم تثبست فسي ديوان الشراف ،ثسم
تثبتسا فسي ديوان النظسر ،ثسم تكتسب البراونسة ،وهسي الحكسم مسن الوزيسر للخازن بالعطاء،
ثسم يثبتهسا الخازن فسي ديوانسه ،ويكتسب تلخيصسًا فسي كسل يوم بمبلغ مسا أمسر بسه السسلطان
ذلك اليوم مسن المال ،ويعرضسه عليسه فمسن أراد التعجيسل بعطائه أمسر بتعجيله ومسن
أراد التوقيسف وقسف له ولكسن ل بسد مسن عطاء ذلك ،ولو طالت المدة فقسد توقفست هذه
الثنسا عشسر ألفاً سستة أشهسر ثسم أخذتهسا مسع غيرهسا حسسبما يأتسي .وعادتهسم إذا أمسر
السسلطان بإحسسان لحسد يحسط منسه العشسر فمسن أمسر له مثل بمائة ألفسٍ ،أعطسي تسسعين
وكنت حسبما ذكرته قد استدنت من التجار مالً أنفقته في طريقي ،وما صنعت به
الهديسة للسسلطان ،ومسا أنفقتسه فسي إقامتسي فلمسا أرادوا السسفر إلى بلدهسم ألحوا علي فسي
بيده ،وطرفهسسا الثانسسي بيدي .وكنسست إذا أكملت بيتاً منهسسا أقول لقاضسسي القضاة كمال
الديسن الغزنوي بيسن معناه لخونسد عالم ،فيسبينه ويعجسب السسلطان وهسم يحبون الشعسر
العربي فلما بلغت إلى قولي :فعجل لمن وافى ،البيت ،قال :مرحمة ومعناه :ترحمت
عليسسسك فأخسسسذ الحجاب حينئذ بيسسسد ليذهبوا بسسسي إلى موقفهسسسم ،وأخدم على العادة فقال
السسلطان اتركوه حتسى يكملهسا فأكملتهسا وخدمست ،وهنأنسي الناس بذلك ،وأقمست مدة،
وكتبست رفعاً ،وهسم يسسمونه عرض داشست ،فدفعتسه إلى قطسب الملك صساحب السسند،
فدفعسه للسسلطان فقال له :امسض إلى خواجسه جهان فقسل له :يعطسي دينسه فمضسى إليسه
وأعلمسه ،فقال :نعسم وأبطسأ ذلك أياماً وأمره السسلطان فسي خللهسا بالسسفر إلى دولة آباد
وفي أثناء ذلك خرج السلطان إلى الصيد ،وسافر الوزير ،فلم آخذ شيئاً منها إل بعد
مدة .والسبب الذي توقف به عطاؤها أذكره مستوفى وهو أنه لما عزم الذي كان لهم
علي الديسن إلى السسفر ،قلت لهسم :إذا أنسا أتيست دار السسلطان فدرهونسي على العادة فسي
تلك البلد ،لعلمي أن السلطان متى يعلم بذلك خلصهم ،وعادتهم أنهم متى كان لحد
ديسن على رجسل مسن ذوي العنايسة وأعوزه خلصسه وقسف له بباب دار السسلطان فإذا
أراد الدخول قال له :دروهسسي ،وحسسق رأس السسسلطان مسسا تدخسسل حتسسى تخلصسسني ،فل
يمكنسه ان يسبرح مسن مكانسه حتسى يخلصسه ،أو يرغسب إليسه فسي تأخيره .فاتفسق يوماً أن
خرج السسلطان إلى زيارة قسبر أبيسه ،ونزل بقصسر هنالك فقلت لهسم :هذا وقتكسم ،فلمسا
أردت الدخول ،وقفوا لي بباب القصسسر فقالوا لي دروهسسي السسسلطان مسسا تدخسسل حتسسى
تخلصسنا .وكتسب كتاب الباب بذلك إلى السسلطان ،فخرج حاجسب قصسة شمسس الديسن،
وكان مسن كبار الفقهاء ،فسسألهم لي شيسء درهتموه ? فقالوا :لنسا عليسه الديسن فرجسع
إلى السسسسلطان فأعلمسسسه بذلك ،فقال له :أسسسسألهم كسسسم مبلغ الديسسسن ? فقالوا له خمسسسس
وخمسسون ألف دينار ،فعاد إليسه فأعلمسه فأمره أن يعود إليهسم ،ويقول لهسم :إن خونسد
عالم يقول لكسسم :المال عندي وأنسسا أنصسسفكم منسسه فل تطلبوه بسسه وأمسسر عماد الديسسن
السسسمناني وخداونسسد زاده غياث الديسسن أن يقعدوا بهزار أسسسطون ،ويأتسسي أهسسل الديسسن
بعقودهسسم ،وينظروا إليهسسا ،ويتحققوهسسا ففعل ذلك وأتسسى الغرماء بعقودهسسم فدخل إلى
السسسلطان وأعلماه بثبوت العقود ،فضحسسك وقال :ممازحاً :أنسسا أعلم أنسسه قاض جهسسز
شغله فيهسا ثسم أمسر خداونسد زاده أن يعطينسي ذلك مسن الخزانسة فطمسع فسي الرشوة على
ذلك وامتنع أن يكتب خط خرد ،فبعثت إليه مائتي تنكة ،فردها ولم يأخذها وقال لي
عنسه بعسض خدامسه :إنسه طلب خمسسمائة تنكسة فامتنعست مسن ذلك وأعلمست عميسد الملك
بسسن عماد الديسسن السسسمناني بذلك ،فأعلم بسسه أباه وأعلمسسه الوزيسسر ،وكانسست بينسسه وبيسسن
خداونسسد زاده عداوة فأعلم السسسلطان بذلك ،وذكسسر له كثيراً مسسن أفعال خداونسسد زاده،
فغير خاطر السلطان عليه ،فأمر بحبسه في المدينة وقال :لي شيء أعطاه فلن ما
أعطاه ووقفوا ذلك حتسسى يعلم هسسل يعطسسي خداونسسد زاده شيئاً إذا منعتسسه أو يمنعسسه إذا
يحتاج إليهه ،وعملت ترتيهب أههل الهنهد ،فاشتريهت سهراجة ،وههي أفراج .وضربهها
هنالك مباح ول بههد منههها لكبار الناس وتمتاز سههراجة السههلطان بكونههها حمراء،
وسهواها بيضاء منقوشهة بالزرق ،واشتريهت الصهيوان ،وههو الذي يظهل بهه داخهل
السهراجة ،ويرفهع على عموديهن كهبيرين ويجعهل ذلك الرجال على أعناقههم ،ويقال
لههم اليكوانيهة والعادة هنالك أن يكتري المسهافر اليكوانيهة ،وقهد ذكرناههم ،ويكتري
مهن يسهوق له العشهب لعلف الدواب لنههم ل يطعمونهها التبهن ويكتري الكهاريهن،
وههم الذيهن يحملون أوانهي المطبهخ ،ويكتري مهن يحمله فهي الدولة ،وقهد ذكرناهها،
ويرفعون الحمال على الجمال ،ويكتري الدوادويهة ،وههم الذيهن يمشون بيهن يديهه،
ويحملون المشاعل بالليل ،فاكتريت أنا جميع من احتجت له منهم ،وأظهرت القوة
والهمهة ،وخرجهت يوم خروج السهلطان وغيري أقام بعده اليوميهن والثلثهة ،فلمها
كان بعد العصر من يوم خروجه ركب الفيل ،وقصده أن يتطلع على أحوال الناس،
ويعرف مهن تسهارع إلى الخروج ،ومهن أبطهأ وجلس خارج السهراجة على كرسهي،
فجئت وسهههلمت ووقفهههت فهههي موقفهههي بالميمنهههة ،فبعهههث إلي الملك الكهههبير قبولة
سرجامدار ،وهو الذي يشرد الذباب عنه ،فأمرني بالجلوس عناية بي ،ولم يجلس
فهي ذلك اليوم سهواي ثهم أتهى بالفيهل ،وألصهق بهه سهلم فركهب عليهه ،ورفهع الشطهر
فوق رأسهه وركهب معهه الخواص وجال سهاعة ،ثهم عاد إلى السهراجة .وعادتهه إذا
ركهههب ،ان يركهههب المراء أفواجاً كهههل أميهههر بفوجهههه وعلماتهههه وطبوله وأنفاره
وصههرناياته يسههمون ذلك المراتههب ،ول يركههب أمام السههلطان ،إل الحجاب وأهههل
ويكون عهن يميهن السهلطان نحهو خمسهة عشهر رجلً ،وعهن يسهاره مثهل ذلك ،منههم
قضاة القضاة والوزيهر وبعهض المراء الكبار وبعهض العزة ،وكنهت أنها مهن أههل
ميمنتهه ،ويكون بيهن يديهه المشاءون والدلء ،ويكون خلفههه علماتهه ،وههي مهن
الحرير المذهب ،والطبال على الجمال وخلف ذلك مماليكه ،وأهل دخلته ،وخلفهم
المراء وجميههع الناس ،ول يعلم أحههد أيههن يكون النزول فإذا مههر السههلطان بمكان
يعجبهه النزول بهه أمهر بالنزول ،ول تضرب سهراجة أحهد حتهى تضرب سهراجته ،ثهم
يأتي الموكلون بالنزول فينزلون ،كل واحد في منزله خلل ذلك ينزل السلطان على
نهههر أو بيههن أشجار ،وتقدم بيههن يديههه لحوم الغنام والدجاج المسههمنة والكراكههي
وغيرهها مهن أنواع الصهيد ،ويحضهر أبناء الملوك فهي يهد كهل واحهد منههم سهفود،
ويوقدون النار ويشوون ذلك ،ويؤتهى بسهراجة صهغيرة فتضرب للسهلطان ويجلس
مهن معهه مهن الخواص خارجهها ،ويؤتهى بالطعام ،ويسهتدعي مهن شاء فيأكهل معهه،
وكان فههي بعههض تلك اليام وهههو بداخههل السههراجة يسههأل عمههن بخارجههها ،فقال له
السهيد ناصهر الديهن مطهر الوهري أحهد ندمائه ثم فلن المغربهي ،وهو متغير فقال
لماذا ? فقال :بسبب الدين الذي عليه وغرماؤه يلحون في الطلب وكان خوند عالم
قهد أمهر الوزيهر بإعطائه فسهافر قبهل ذلك فإن طلب مولنها أن يصهبر أههل الديهن حتهى
يقدم الوزير أو أمر بإنصافهم .وحضر لهذا الملك دولة شاه وكان السلطان يخاطبه
بالعم فقال :يا خوند عالم كل يوم وهو يكلمني بالعربية ول أدري ما يقول يا سيدي
ناصر الدين ماذا ،وقصد أن يكرر ذلك الكلم فقال يتكلم لجل الدين الذي عليه فقال
السهلطان إذا دخلنها دار الملك ،فامهض أنهت يها أومار ،ومعناه :يها عهم إلى الخزانهة،
فأعطهه ذلك المال وكان خداونهد زاده حاضراً ،فقال يها خونهد عالم إنهه كثيهر النفاق،
وقد رأيته ببلدنا عند السلطان طرمشيرين .وبعد هذا الكلم استحضرني السلطان
للطعام ،ول علم عندي بمهها جرى فلمهها خرجههت قال لي السههيد ناصههر الديههن :أشكههر
للملك دولة شاه وقال لي الملك دولة شاه :أشكههر لخداونههد زاده .وفههي بعههض تلك
اليام ،ونحهن مهع السهلطان فهي الصهيد ركهب فهي المحلة ،وكان طريقهه على منزلي
وكان معه في الميمنة وأصحابي في الساقة ،وكان لي خباء عند السراجة ،فوقف
أصهحابي عندهها ،وسهلموا على السهلطان فبعهث عماد الملك وملك دولة شاه ليسهأل
لمهن تلك الخبيهة والسهراجة فقيهل لهمها :لفلن أخهبراه ذلك فتبسهم .فلمها كان بالغهد،
نفههذ المههر أن أعود أنهها وناصههر الديههن مطهههر الوهري وابههن قاضههي مصههر وملك
صبيح إلى البلد ،فخلع علينا وعدنا إلى الحضرة .ذكر الجمل الذي أهديته للسلطان
وكان السسلطان فسي تلك اليام سسألني عسن الملك الناصسر هسل يركسب الجمسل ،فقلت:
نعم يركب المهاري في أيام الحج فيسير إلى مكة من مصر في عشرة أيام ولكن تلك
الجمال ليسسسست كجمال هذه البلد .وأخسسسبرته أن عندي جملً منهسسسا فلمسسسا عدت إلى
الحضرة بعثسست عسسن بعسسض عرب مصسسر فصسسور لي صسسورة الكور الذي تركسسب
المهاري به من القير ،وأريتها بعض النجارين فعمل الكور وأتقنه وكسوته بالملف،
وصسسنعت له ركباً وجعلت على الجمسسل عباءة حسسسنة وجعلت له خطام حريسسر وكان
عندي رجل من أهل اليمن يحسن عمل الحلواء ،فصنع منها ما يشبه التمر وغيره،
وبعثسست الجمسسل والحلواء إلى السسسلطان وأمرت الذي حملهسسا أن يدفعهسسا على يسسد ملك
دولة شاه وبعثسست له بفرس وجمليسسن فلمسسا وصسسله ذلك دخسسل على السسسلطان وقال :يسسا
خونسد عالم رأيست العجسب قال :ومسا ذلك ? قال :فلن بعسث جملً عليسه سسرج فقال:
ائتوا بسه .فأدخسل الجمسل داخسل السسراجة ،وأعجسب بسه السسلطان ،وقال لراجلي :اركبسه
فركبسسه ومشاه بيسسن يديسسه وأمسسر له بمائتسسي دينار دراهسسم وخلعسسة ،وعاد الرجسسل إلي
ولمسسا عاد إلي راجلي الذي بعثتسسه بالجمسسل ،فأخسسبرني بمسسا كان مسسن شأنسسه صسسنعت
كوريسسن اثنيسسن ،وجعلت مقدم كسسل واحسسد ومؤخره مكسسسواً بصسسفائح الفضسسة المذهبسسة
وكسوتها بالملف وصنعت رسناً مصفحاً بصفائح الفضة المذهبة ،وجعلت لهما جلين
مسن زردخانسة مبطنيسن ،بالكمخسا ،وجعلت للجمليسن الخلخيسل مسن الفضسة المذهبسة،
وصسنعت أحسد عشسر طيفوراً ،وملتهسا بالحلواء ،وغطيست كسل طيفور بمنديسل حريسر،
فلمسا قدم السسلطان مسن الصسيد وقعسد ثانسي يوم قدومسه بموضسع جلوسسه العام ،غدوت
عليسسه بالجمال ،فأمسر بهسسا ،فحركسست بيسسن يديسسه ،وهرولت فطار خلخال أحدهمسسا فقال
لبهاء الدين ابن الفلكي :بايل ورداري ،معنى ذلك :ارفع الخلخال ،فرفعه ثم نظر إلى
الطيافيسر فقال :جداري " جسه داري " درآن طبقهسا حلوا اسست ،معنسى ذلك :مسا معسك
فسسسي تلك الطباق ،حلواء هسسسي ? فقلت له :نعسسسم فقال للفقيسسسه ناظسسسر الديسسسن الترمذي
الواعسظ :مسا أكلت قسط ،ول رأيست مثسل الحلواء التسي بعثهسا الينسا ونحسن بالمعسسكر ،ثسم
أمسر بتلك الطيافيسر أن ترفسع لموضسع جلوسسه فرفعست وقام إلى مجلسسه ،واسستدعاني،
وأمسر بالطعام ،فأكلت ثسم سسألني عسن نوع الحلواء الذي بعثست له :فقلت له :يسا خونسد
عالم ،تلك الحلواء أنواعهسسا كثيرة ،ول أدري عسسن أي نوع تسسسألون منهسسا فقال :إيتوا
بتلك الطباق وهم يسمون الطيفور طبقاً ،فأتوا بها وقدموها بين يديه وكشفوا عنها،
فقال :عن هذا سألتك ،وأخسذ الصحن الذي هسي فيسه فقلت له :هذه يقال لها المقرصة،
ثم أخذ نوعاً آخر فقال :وما اسم هذه ? فقلت له هي لقيمات القاضي .وكان بين يديه
تاجسر مسن شيوخ بغداد يعرف بالسسامري ،وينتسسب إلى آل العباس رضسي ال تعالى
عنسه ،وهسو كثيسر المال ويقول له السسلطان والدي ،فحسسدني وأراد أن يخجلنسي فقال:
ليسست هذه لقيمات القاضسي ،بسل هسي هذه وأخسذ قطعسة مسن التسي تسسمى جلد الفرس
وكان بإزائه ملك الندماء ناصسسر الديسسن الكافسسي الهروي ،وكان كثيراً مسسا يمازح هذا
الشيسخ بيسن يدي السسلطان فقال :يسا خواجسة أنست تكذب والقاضسي يقول الحسق .فقال له
السسلطان :وكيسف ذلك? فقال :يسا خونسد عالم هسو القاضسي وهسي لقيماتسه ،فإنسه أتسى بهسا
فضحك السلطان وقال :صدقت .فلما فرغنا من الطعام أكل الحلواء ثم شرب الفقاع
بعسد ذلك وأخذنسا التنبول وانصسرفنا فلم يكسن غيسر هنيهسة وأتانسي الخازن فقال :ابعسث
أصسحابك يقبضون المال ،فبعثتهسم وعدت إلى داري بعسد المغرب فوجدت المال بهسا
وهو ثلث بدر فيها ستة آلف ومائتان وثلث وثلثون تنكة ،وذلك صرف الخمسة
والخمسسين ألفاً التسي هسي ديسن علي ،وصسرف الثنسي عشسر ألفاً التسي أمسر لي بهسا فيمسا
تقدم ،بعسد حسط العشسر على عادتهسم وصسرف التنكسة ديناران ونصسف دينار مسن ذهسب
المغرب.
وفي تاسع جمادى الولى خرج السلطان برسم قصد بلد المعبر ،وقتال القائم بها
وكنت قد خلصت أصحاب الدين ،وعزمت على السفر ،وأعطيت مرتب تسعة أشهر
للكهاريسن والفراشيسن والكيوانيسة والدوادويسة ،وقسد تقدم ذكرهسم فخرج المسر بإقامتسي
فسي جملة ناس وأخسذ الحاجسب خطوطنسا بذلك لتكون حجسة له ،وتلك عادتهسم خوفاً مسن
أن ينكسر المبلغ ،وأمسر لي بسستة آلف دينار دراهسم ،وأمسر لبسن قاضسي مصسر بعشرة
آلف وكذلك كسسسل مسسسن أقام مسسسن العزة ،وأمسسسا البلديون فلم يعطوا شيئاً ،وأمسسسر لي
السسسلطان أن أتولى النظسسر فسسي مقسسبرة السسسلطان قطسسب الديسن ،الذي تقدم ذكره .وكان
السلطان يعظم تربته تعظيماً شديداً ،لنه كان خديماً له ولقد رأيته اذا أتى قبره يأخذ
نعله فيقبله ويجعله فوق رأسسه .وعادتهسم أن يجعلوا نعسل الميست عنسد قسبره فوق متكأة.
وكان إذا وصسسسل القسسسبر خدم له كمسسسا كان يخدم أيام حياتسسسه ،وكان يعظسسسم زوجتسسسه،
ويدعوها بالخت وجعلهسا مسع حرمسه وزوجهسا بعسد ذلك لبسن قاضسي مصسر ،واعتنسى
بسه مسن أجلهسا وكان يمضسي لزيارتهسا فسي كسل جمعسة .ولمسا خرج السسلطان بعسث عنسا
للوداع فقام ابسن قاضسي مصسر فقال :أنسا ل أودع ول أفارق خونسد عالم ،فكان له فسي
ذلك الخير ،فقال له السلطان :إمض فتجهز للسفر ،وقدمت بعده للوداع ،وكنت أحب
القامسة ،ولم تكسن عاقبتهسا محمودة ،فقال :مالك مسن حاجسة فأخرجست بطاقسة فيهسا سست
مسسسائل فقال لي :تكلم بلسسسانك فقلت له إن خونسسد عالم أمسسر لي بالقضاء ،ومسسا قعدت
لذلك بعسسسد وليسسسس مرادي مسسسن القضاء ال حرمتسسسه فأمرنسسسي بالقعود للقضاء وقعود
النائبين معي ،ثم قال لي :إيه ? فقلت وروضة السلطان قطب الدين ،ماذا أفعل بها ?
فإنسسي رتبسست فيهسسا أربعمائة وسسستين شخص ساً ومحصسسول أوقافهسسا ل يفسسي بمرتباتهسسم
وطعامهم .فقال للوزير بنجاه هزار ومعناه خمسين الفاً ثم قال :ل بد لك من غلة بدية
يعنسي أعطسه مائة الف منّ مسن الغلة ،وهسي القمسح والرز ،ينفقهسا فسي هذه السسنة حتسى
تأتسسي غلة الروضسسة والمن سّ عشرون رطلً مغربيسسة .ثسسم قال لي ماذا أيضاً فقلت :إن
أصسحابي سسجنوا بسسبب القرى التسي أعطيتمونسي ،فإنسي عوضتهسا بغيرهسا فطلب أهسل
الديوان مسا وصسلني منهسا او السستظهار بأمسر خونسد عالم أن يرفسع عنسي ذلك فقال كسم
وصسسلك منهسسا فقلت خمسسسة آلف دينار فقال هسسي إنعام عليسسك فقلت له :وداري التسسي
أمرتسم لي بهسا مفتقرة إلى البناء فقال للوزيسر :عمارة كنيسد ،أي معناه عمروهسا ثسم قال
لي :ديكر نماند ،معناه هل بقي لك كلم ? فقلت له :ل فقال لي :وصية ديكر هست،
معناه :أوصسيك أن ل تأخسذ الديسن لئل تطلب فل تجسد مسن يبلغ خسبرك إلي .أنفسق على
قدر مسا أعطيتسك قال ال تعالى " :ول تجعسل يدك مغلولةً إلى عنقسك ول تبسسطها كسل
البسسسط " " وكلوا واشربوا ول تسسسرفوا " " والذيسسن إذا انفقوا لم يسسسرفوا ولم يقتروا
وكان بين ذلك قواماً " .فأردت أن أقبل قدمه ،وأمسك رأسي بيده فقبلتها وانصرفت
وعدت إلى الحضرة فاشتغلت بعمارة داري ،وأنفقسسسست فيهسسسسا أربعسسسسة آلف دينار،
أعطيت منهسا من الديوان سستمائة دينار ،وزدت عليهسا الباقسي ،وبنيت بإزائهسا مسسجداً
واشتغلت بترتيب مقبرة السلطان قطب الدين وكان قد أمرني أن تبنى عليه قبة يكون
ارتفاعها في الهواء مائة ذراع ،بزيادة عشربن ذراعاً على ارتفاع القبة المبنية على
قازان ملك العراق ،وأمسر أن تشتري قريسة تكون وقفاً عليهسا ،وجعلهسا بيدي علي أن
وعادة أهسسل الهنسسد أن يرتبوا لمواتهسسم ترتيباً كترتيبهسسم بقيسسد الحياة ،ويؤتسسى بالفيلة
والخيسل فتربسط عنسد باب التربسة ،وهسي مزينسة .فرتبست أنسا فسي هذه التربسة بحسسب ذلك
ورتبت من قراء القرآن مائة وخمسين ،وهم يسمونهم الختميين ،ورتبت من الطلبة
ثمانيسن ،ومسن المعيديسن ،ويسسمونهم المكرريسن ،ثمانيسة ،ورتبست لهسا مدرسساً ،ورتبست
والبدارية ،وهم السقاءون والشربدارية الذين يسقون الشربة ،والتنبول دارية الذين
والنقباء فكان جميعهسم أربعمائة وسستين .وكان السسلطان أمسر أن يكون الطعام بهسا كسل
يوم اثنسي عشسر مناً مسن الدقيسق ومثلهسا مسن اللحسم ،فرأيست أن ذلك قليسل ،والزرع الذي
أمر به كثير فكنت أنفق كل يوم خمسة وثلثين مناً من الدقيق ومثلها من اللحم وما
يتبع ذلك من السكر ،والنبات ،والسمن ،والتنبول ،وكنت أطعم المرتبين وغيرهم من
صسسادر ووارد وكان الغلء شديداً فارتفسسق الناس بهذا الطعام وشاع خسسبره ،وسسسافر
الملك صسسبيح إلى السسسلطان بدولة آباد سسسأله عسسن حال الناس .فقال له لو كان بدهلي
اثنان مثسل فلن لمسا شكسا الجهسد ،فأعجسب ذلك السسلطان ،وبعسث إليسه بخلعسة مسن ثيابسه
وكنت أصنع في المواسم وهي العيدان والمولد الكريم ويوم عاشوراء وليلة النصف
من شعبان ويوم وفاة السلطان قطب الدين مائة من الدقيق ومثلها لحماً فيأكل الفقراء
والمساكين ،وأما أهل الوظيفة فيجعل أمام كل إنسان منهم ما يخصه ولنذكر عادتهم
في ذلك.
وعادتهسم ببلد الهنسد وببلد السسرى أنسه إذا فرغ مسن أكسل الطعام فسي الوليمسة جعسل
أمام كسسل إنسسان مسسن الشرفاء والفقهاء والمشايسخ والقضاة وعاء شبسه المهسسد له أربسع
قوائم منسوج سطحه من الخوص ،وجعل عليه الرقاق ،ورأس غنم مشوي ،وأربعة
أقراص معجونسة بالسسمن مملوءة بالحلواء الصسابونية مغطاة بأربسع قطسع مسن الحلواء
كأنها الجر وطبقاً صغيراً مصنوعاً من الجلد فيه الحلواء والسموسك ،ويغطى ذلك
الوعاء بثوب قطسن جديسد .ومسن كان دون مسن ذكرناه جعسل أمامسه نصسف رأسسه غنسم،
ويسسمونه الزلة ومقدار النصسف ممسا ذكرناه .ومسن كان دون هؤلء أيضاً جعسل أمامسه
مثسل الربسع مسن ذلك ويرفسع رجال كسل أحسد مسا جعسل أمامسه وأول مسا رأيتهسم يصسنعون
هذا بمدينسة السسرا حضرة السسلطان أوزبسك ،فامتنعست أن يرفسع رجالي ذلك إذ لم يكسن
لي به عهد وكذلك يبعثون أيضاً لدار كبراء الناس من طعام الولئم.
وكان الوزيسسر قسسد أعطانسسي مسسن الغلة المأمور بهسسا للزاويسسة عشرة آلف ،ونفسسذ لي
الباقسسي فسسي هزار أمروهسسا .وكان والي الخراج بهسسا عزيسسز الخمار ،وأميرهسسا شمسسس
الديسن البذخشانسي .فبعثست رجالي فأخذوا بعسض الحالة ،وتشكوا مسن تعسسف عزيسز
الخمار .فخرجت بنفسي لستخلص ذلك .وبين دهلي وهذه العمالة ثلثة أيام ،وكان
ذلك فسي أوان نزول المطسر .فخرجست فسي نحسو ثلثيسن مسن أصسحابي ،واسستصحبت
معي أخوين من المغنين المحسنين يغنيان لي في الطريق ،فوصلنا إلى بلدة بجنور،
وضبسسط اسسسمها " بكسسسر الباء الموحدة وسسسكون الجيسسم وفتسسح النون وآخره راء "
فوجدت بهسسا أيضاً ثلثسسة أخوة مسسن المغنيسسن ،فاسسستصحبتهم .فكانوا يغنون لي نوبسسة
والخران نوبسسة .ثسسم وصسسلنا إلى أمروهسسا وهسسي بلدة صسسغيرة حسسسنة ،فخرج عمالهسسا
للقائي ،وجاء قاضيهسا الشريسف أميسر علي ،وشيسخ زاويتهسا ،وأضافانسي معاً ضيافسة
حسسسنة .وكان عزيسسز الخمار بموضسسع يقال له :أفغان بور ،على نهسسر السسسرو .وبيننسسا
وبينه النهر ،ول معدية فيه .فأخذنا الثقال في معدية صنعناها من الخشب والنبات،
وجزنا في اليوم الثاني .وجاء نجيب أخو عزيز في جماعة من أصحابه ،وضرب لنا
سسراجة .ثسم جاء أخوه الوالي ،وكان معروفاً بالظلم ،وكانست القرى التسي فسي عمالتسه
ألفاً وخمسسمائة قريسة ،ومجباهسا سستون لكاً فسي السسنة ،له فيهسا نصسف العشسر .ومسن
عجائب النهسر الذي نزلنسا عليسه ،أنسه ل يشرب منسه أحسد فسي أيام نزول المطسر ،ول
تسقى منه دابة .ولقد أقمنا عليه ثلثاً .فما غرف منه أحد غرفة ،ول كدنا نقرب منه،
لنه ينزل من جبل قراجيل التي بها معادن الذهب ،ويمر على الخشاش المسمومة،
فمسن شرب منسه مات .وهذا الجبسل متصسل مسسيرة ثلثسة أشهسر ،وينزل منسه إلى بلد
تبت حيث غزلن المسك .وقد ذكرنا ما اتفق على جيش المسلمين بهذا الجبل .وبهذا
الموضسسع جاء إلي جماعسسة مسسن الفقراء الحيدريسسة ،وعملوا السسسماع ،وأوقدوا النيران
فدخلوهسا ولم تضرهسم .وقسد ذكرنسا ذلك .وكانست قسد نشأت بيسن أميسر هذه البلد شمسس
الدين البذخشاني وبين واليها عزيز الخمار منازعة .وجاء شمس الدين لقتاله ،فامتنع
منسه بداره .وبلغست شكايسة أحدهمسا الوزيسر بدهلي ،فبعسث إلي الوزيسر وإلى الملك شاه
أميسسر المماليسسك بأمروهسسا ،وهسسم أربعسسة آلف مملوك للسسسلطان ،وإلى شهاب الديسسن
الرومسسي أن ننظسسر فسسي قضيتهمسسا .فمسسن كان على الباطسسل بعثناه مثقفاً إلى الحضرة.
فاجتمعوا جميعاً بمنزلي وادعسى عزيسز على شمسس الديسن دعاوى .منهسا أن خديماً له
يعرف بالرضى الملتاني نزل بدار خازن عزيز المذكور فشرب بها الخمر ،وسرق
خمسسسة آلف دينار مسسن المال الذي عنسسد الخازن .فاسسستفهمت الرضسسى عسسن ذلك فقال
لي :مسا شربست الخمسر منسذ خروجسي مسن ملتان ،وذلك منسذ ثمانيسة أعوام .فقلت له :أو
شربتهسا بملتان ? قال :نعسم .فأمرت بجلده ثمانيسن وسسجنته بسسبب الدعوى للوث ظهسر
عليسه .وانصسرفت عسن أمروهسا .فكانت غيبتسي نحسو شهريسن ،وكنست فسي كسل يوم أذبسح
لصسسحابي بقرة .وتركسست أصسسحابي ليأتوا بالزرع المنفسسذ على عزيسسز وحمله عليسسه.
فوزع على أهسل القرى التسي لنظره ثلثون ألف منٍس يحملونهسا على ثلثسة آلف بقرة.
وأهسل الهنسد ل يحملون إل على البقسر ،وعليسه يرفعون أثقالهسم فسي السسفار .وركوب
الحميسر عندهسم عيسب كسبير .وحميرهسم صسغار الجرام ،يسسمونها اللشسة ،وإذا أرادوا
وكان السسسيد ناصسسر الديسسن الوهري قسسد ترك عندي لمسسا سسسافر ألفاً وسسستين تنكسسة،
فتصسرفت فيهسا ،فلمسا عدت إلى دهلي وجدتسه قسد أحال فسي ذلك المال خداوندزاده قوام
الديسسن ،وكان قسسد قدم نائباً على الوزيسسر .فاسسستقبحت أن أقول له :تصسسرفت بالمال،
فأعطيتسسه نحسسو ثلثسسه .وأقمسست بداري أياماً .وشاع أنسسي مرضسست .فأتسسى ناصسسر الديسسن
الخوارزمسي صسدر الجهان لزيارتسي .فلمسا رآنسي قال :مسا أرى بسك مرضاً ? فقلت له:
إنسي مريسض القلب .فقال لي :عرفنسي بذلك .فقلت له :ابعسث إلي نائبسك شيسخ السسلم
أعرفسه بسه .فبعثسه إلي فأعلمتسه ،فعاد إليسه فأعلمسه .فبعسث إلي بألف دينار دراهسم .وكان
له عندي قبسل هذا ألف ثانسٍ .ثسم طلب منسي بقيسة المال .فقلت فسي نفسسي :مسا يخلصسني
منسه إل صسدر الجهان المذكور ،لنسه كثيسر المال .فبعثست إليسه بفرس مسسرج ،قيمتسه
وقيمسة سسرجه ألف وسستمائة دينار ،وبفرس ثان قيمتسه وقيمسة سسرجه ثمانمائة دينار،
وبغلتيسسن قيمتهمسسا ألف ومائتسسا دينار ،وبتركسسش فضسسة ،وبسسسيفين غمداهمسسا مغشيان
بالفضسة .وقلت له :أنظسر قيمسة الجميسع ،زابعسث إلي ذلك ،فأخسذ ذلك ،وعمسل لجميعسه
قيمسة ثلث آلف دينار ،فبعسث إلي ألفاً ،واقتطسع اللفيسن ،فتغيسر خاطري ،ومرضست
بالحمسى ،وقلت لنفسسي :إن شكوت بسه إلى الوزيسر افتضحست .فأخذت خمسسة أفراس
وجاريتيسن ومملوكيسن وبعثست الجميسع للملك مغيسث الديسن محمسد بسن ملك الملوك عماد
الديسسن السسسمناني وهسسو فتسسي السسسن ،فرد علي ذلك ،وبعسسث إلي مائتسسي تنكسسة واغزر،
وكان السسلطان لمسا توجسه إلى بلد المعسبر وصسل إلى التلنسك ،ووقسع الوباء بعسسكره،
فعاد إلى دولة آباد ،ثسسسم وصسسسل إلى نهسسسر الكنسسسك فنزل عليسسسه ،وأمسسسر الناس بالبناء.
وخرجسست فسسي تلك اليام إلى محلتسسه ،واتفسسق مسسا سسسردناه مسسن مخالفسسة عيسسن الملك،
ولزمسست السسسلطان فسسي تلك اليام ،وأعطانسسي مسسن عتاق الخيسسل ،لمسسا قسسسمها على
خواصسه ،وجعلنسي فيهسم ،وحضرت معسه الوقيعسة على عيسن الملك والقبسض عليسه،
وجزت معه نهر الكنك ونهر السرو ،لزيارة قبر الصالح البطل سالرعود " مسعود
" ،وقد استوفيت ذلك كله ،وعدت معه إلى حضرة دهلي لما عاد إليها.
وكان سبب ذلك أني ذهبت يوماً لزيارة الشيخ شهاب الدين ابن الشيخ الجام ،بالغار
الذي احتفره خارج دهلي ،وكان قصسدي رؤيسة ذلك الغار .فلمسا أخذه السسلطان ،سسأل
أولده عمسن كان يزوره ،فذكروا أناسساً أنسا مسن جملتهسم .فأمسر السسلطان أربعسة مسن
عبيده بملزمتي بالمشور .وعادته أنه متى فعل ذلك مع أحد قلما يتخلص .فكان أول
يوم مسن ملزمتهسم لي يوم الجمعسة ،فألهمنسي ال تعالى إلى تلوة قوله " :حسسبنا ال
ونعم الوكيل " فقرأتها ثلثاً وثلثين ألف مرة ،وبت بالمشور ،وواصلت إلى خمسة
أيام ،في كل يوم منها أختم القرآن وأفطر على الماء خاصة ،ثم أفطرت بعد خمس،
ولمسا كان بعسد مدة انقبضت عن الخدمة ،ولزمت الشيخ المام العالم العابد الزاهسد
الخاشسع الورع فريسد الدهسر ووحيسد العصسر كمال الديسن عبسد ال الغاري ،وكان مسن
الولياء ،وله كرامات كثيرة ،فقسد ذكرت منهسا مسا شاهدتسه عنسد ذكسر اسسمه .وانقطعست
إلى خدمسة هذا الشيسخ ،ووهبست مسا عندي للفقراء والمسساكين .وكان الشيسخ يواصسل
عشرة أيام ،وربمسا واصسل عشريسن .فكنست أحسب أن أواصسل ،فكان ينهانسي ويأمرنسي
بالرفق على نفسي في العبادة ،ويقول لي :إن المنبت ل أرضاً قطع ول ظهراً أبقى.
وظهر لي من نفسي تكاسل بسبب شيء بقي معي ،فخرجت عن جميع ما عندي من
قليسل وكثيسر ،وأعطيست ثياب ظهري لفقيسر ،ولبسست ثيابسه .ولزمست هذا الشيسخ خمسسة
ولما بلغه خبر خروجي عن الدنيا استدعاني وهو يومئذ بسوستان ،فدخلت عليه في
زي الفقراء ،فكلمنسي أحسسن كلم وألطفسه ،وأراد منسي الرجوع إلى الخدمسة فأبيست،
وطلبست منسسه الذن فسي السسسفر إلى الحجاز ،فأذن لي فيسسه ،وانصسسرفت عنسسه ،ونزلت
بزاويسة تعرف بالنسسبة إلى الملك بشيسر ،وذلك فسي أواخسر جمادى الثانيسة سسنة اثنتيسن
وأربعين .فاعتكفت بها شهر رجب وعشرة من شعبان ،وانتهيت إلى مواصلة خمسة
أيام ،وأفطرت بعدهسا على قليسل أرز دون إدام .وكنست أقرأ القرآن كسل يوم ،وأتهجسد
بما شاء ال .وكنت إذا أكلت الطعام آذاني ،فإذا طرحته وجدت الراحة .وأقمت كذلك
وثياباً ونفقسة ،فلبسست ثيابسه وقصسدته .وكانت لي جبسة قطن زرقاء مبطنسة ،لبستها أيام
اعتكافسي .فلمسا جردتهسا ولبسست ثياب السسلطان أنكرت نفسسي .وكنست متسى نظرت إلى
تلك الجبة أجد نوراً في باطني ،ولم تزل عندي إلى أن سلبني الكفار في البحر .ولما
وصلت إلى السلطان زاد في إكرامي على ما كنت أعهده ،وقال لي :إنما بعثت إليك
وكان ملك الصسين قسد بعسث إلى السسلطان مائة مملوك وجاريسة وخمسسمائة ثوب مسن
الكمخسا ،منهسا مائة مسن التسي تصسنع بمدينسة الزيتون ،ومائة مسن التسي تصسنع بمدينسة
الخنسسا ،وخمسسة أمنان مسن المسسك ،وخمسسة أثواب مرصسعة بالجوهسر ،ومثلهسا مسن
التراكسسش مزركشسسة ،ومثلهسسا سسسيوف .وطلب مسسن السسسلطان يأذن له فسسي بناء بيسست
الصسنام بناحيسة جبسل قراجيسل المتقدم ذكره ،ويعرف الموضسع الذي هسو بسه بسسمهل "
بفتح السين المهمل وسكون الميم وفتح الهاء " .وإليه يحج أهل الصين .وتغلب عليه
جيش السلم بالهند فخربوه وسلبوه .ولما وصلت هذه الهدية إلى السلطان كتب إليه
بأن هذا المطلب ل يجوز فسسسي ملة السسسسلم إسسسسعافه ،ول يباح بناء كنيسسسسة بأرض
المسلمين إل لمن يعطي الجزية .فإن رضيت بإعطائها أبحنا لك بناءه والسلم على
مسن اتبسع الهدى .وكافأة على هديتسه بخيسر منهسا ،وذلك مائة فرس مسن الجياد مسسرجة
ملجمسسة ومائة مملوك ومائة جاريسسة مسسن كفار الهنسسد مغنيات ورواقسسص ،ومائة ثوب
بيرمية ،وهي من القطن ول نظير لها في الحسن قيمة الثوب منها مائة دينار ،ومائة
شقسسة مسن ثياب الحريسر المعروفسسة بالجسسز " بضسم الجيسسم وزاي " ،وهسسي التسي يكون
حريسسر إحداهسسا مصسسبوغاً بخمسسسة ألوان وأربعسسة ،ومائة ثوب مسسن الثياب المعروفسسة
بالصسلحية ،ومثلهسا مسن الشيريسن باف ،ومثلهسا مسن الشان باف ،وخمسسمائة ثوب مسن
المرعسسز ،مائة منهسسا سسسود ،ومائة بيسسض ،ومائة حمسسر ،ومائة خضسسر ،ومائة زرق،
ومائة شقة من الكتان الرومي ،ومائة فضلة من الملف ،وسراجة ،وست من القباب،
وأربسع حسسك مسن ذهسب ،وسست حسسك مسن فضسة منيلة ،وأربعسة طسسوت مسن الذهسب
ذات أباريسسق كمثلهسسا ،وسسستة طسسسوت مسسن الفضسسة ،وعشسسر خلع مسسن ثياب السسسلطان
مزركشسة ،وعشسر شواش مسن لباسسه ،إحداهسا مرصسعة بالجوهسر ،وعشرة تراكسش
مزركشسة ،وأحدهسا مرصسع بالجواهسر ،وعشرة مسن السسيوف ،أحدهسا مرصسع الغمسد
بالجوهسر ،ودشست بان " دسستبان " وهسو قفاز مرصسع بالجواهسر ،وخمسسة عشسر مسن
الفتيان .وعيسن السسلطان للسسفر معسي بهذه الهديسة الميسر ظهيسر الديسن الزنجانسي ،وهسو
مسن فضلء أهسل العلم ،والفتسى كافور الشريدار ،وإليسه سسلمت الهديسة ،وبعسث معنسا
الميسر محمسد الهروي فسي ألف فارس ليوصسلنا إلى الموضسع الذي نركب منسه البحسر.
وتوجه صحبتنا أرسال ملك الصين ،وهم خمسة عشر رجلً ،يسمى كبيرهم ترسي،
وخدامهم نحو مائة رجل .وانفصلنا في جمع كبير ومحلة عظيمة ،وأمر لنا السلطان
وكان سسسفرنا فسسي السسسابع عشسر لشهسسر صسسفر سسسنة ثلث وأربعيسسن ،وهسسو اليوم الذي
اختاروه للسفر ،لنهم يختارون للسفر من أيام الشهر ثانيه ،أو سابعه أو الثاني عشر
أو السسسابع عشسسر أو الثانسسي والعشريسسن أو السسسابع والعشريسسن .فكان نزولنسسا فسسي أول
مرحلة بمنزل تلبسسسسسسست على مسسسسسسسسافة فرسسسسسسسسخين وثلث مسسسسسسسن حضرة دهلي.
ورحلنسا منهسا إلى منزل هيلوور ،ورحلنسا منسه إلى مدينسة بيانسة " وضبسط اسسمها بفتسح
الباء الموحدة وفتح الياء آخر الحروف مع تخفيفها وفتح النون " ،وهي كبيرة حسنة
البناء مليحة السواق ،ومسجدها الجامع من أبدع المساجد ،وحيطانه وسقفه حجارة.
والمير بها مظفر ابن الداية ،وأمه هي داية للسلطان .وكان بها قبله الملك مجير ابن
أبسي الرجاء ،أحسد كبار الملوك ،وقسد تقدم ذكره ،وهسو ينتسسب إلى قريسش وفيسه تجسبر،
وله ظلم كثيسسسسر .قتسسسسل مسسسسن أهسسسسل هذه المدينسسسسة جملة ،ومثسسسسل بكثيسسسسر منهسسسسم.
ولقسسد رأيسست مسسن أهلهسسا رجلً حسسسن الهيئة قاعدًا فسسي أسسسطوان منزله ،وهسسو مقطوع
اليديسسن والرجليسسن .وقدم السسسلطان مرة على هذه المدينسسة ،فتشكسسى الناس مسسن الملك
مجيسر المذكور .فأمسر السسلطان بالقبسض عليسه ،وجعلت فسي عنقسه الجامعسة وكان يقعسد
بالديوان بيسسسن يدي الوزيسسسر ،وأهسسسل البلد يكتبون عليسسسه المظالم ،فأمره السسسسلطان
بإرضائهسم ،فأرضاهسم بالموال .ثسم قتله بعسد ذلك .ومسن كبار أهسل هذه المدينسة المام
العالم عسسز الديسسن الزبيري مسن ذريسسة الزبيسر ابسسن العوام رضسسي ال عنسسه ،أحسسد كبار
الفقهاء الصلحاء .لقيته بكاليور عند الملك عز الدين البنتاني ،المعروف بأعظم ملك.
ثسم رحلنسا مسن بيانسة فوصسلنا إلى مدينسة كول " وضبسط اسسمها بضسم الكاف " مدينسة
حسنة ذات بساتين ،وأكثر أشجارها العنبا .ونزلنا بخارجها في بسيط أفيح .ولقينا بها
الشيسخ الصسالح العابسد شمسس الديسن المعروف بابسن العارفيسن ،وهسو مكفوف البصسر
معمر ،وبعد ذلك سجنه السلطان ،ومات في سجنه ،وقد ذكرنا حديثه.
ولمسسا بلغنسسا إلى مدينسسة كول ،بلغنسسا أن بعسسض كفار الهنود حاصسسروا بلدة الجللي
وأحاطوا بهسسا ،وهسسي على مسسسافة سسسبعة أميال مسسن كول .قصسسدناها والكفار يقاتلون
أهلهسا وقسد أشرفوا على التلف ،ولم يعلم الكفار بنسا ،حتسى صسدقنا الحملة عليهسم ،وهسم
في نحو ألف فارس ،وثلثة آلف راجل ،فقتلناهم عن آخرهم ،واحتوينا على خيلهم
واسستشهد الفتسى كافور السساقي الذي كانست الهديسة مسسلمة بيده .فكتبنسا إلى السسلطان
بخبره ،وأقمنا في انتظار الجواب .وكان الكفار في أثناء ذلك ينزلون من جبل هنالك
منيسع ،فيغيرون على نواحسي بلدة الجللي .وكان أصسحابنا يركبون كسل يوم مسع أميسر
وفسي بعسض تلك اليام ركبست فسي جماعسة مسن أصسحابي ،ودخلنسا بسستاناً نقيسل فيسه،
وذلك فسي فصسل القيسظ .فسسمعنا الصسياح ،فركبنسا ولحقنسا كفاراً أغاروا على قريسة مسن
قرى الجللي .فاتبعناهسم فتفرقوا ،وتفرق أصسحابنا فسي طلبهسم .وانفردت فسي خمسسة
مسن أصسحابنا .فخرج علينسا جملة مسن الفرسسان والرجال مسن غيضسة هنالك ،ففررنسا
منهم لكثرتهم .واتبعني نحو عشرة منهم ،ثم انقطعوا عني إل ثلثة منهم .ول طريق
بين يدي ،وتلك الرض كثيرة الحجارة .فنشبت يد فرسي بين الحجارة فنزلت عنه،
واقتلعت يده ،وعدت إلى ركوبه .والعادة بالهند أن يكون مع النسان سيفان أحدهما
معلق بالسراج ويسمى الركابي والخر في التركش .فسقط سيفي الركابي من غمده،
وكانست حليتسه ذهباً ،فنزلت فأخذتسه وتقلدتسه وركبست ،وهسم فسي أثري .ثسم وصسلت إلى
خندق عظيسسسسسسسسم فنزلت ودخلت فسسسسسسسسي جوفسسسسسسسسه فكان آخسسسسسسسسر عهدي بهسسسسسسسسم.
ثسم خرجست إلى واد فسي وسسط شجراء ملتفسة فسي وسسطها طريسق .فمشيست عليهسا ول
أعرف منتهاهسا ،فبينسا أنسا فسي ذلك خرج علي نحسو أربعيسن رجلً مسن الكفار بأيديهسم
القسسي فأحدقوا بسي ،وخفست أن يرمونسي رميسة رجسل واحسد إن فررت منهسم ،وكنست
غيسر متدرع ،فألقيست بنفسسي إلى الرض ،واسستأسرت .وهسم ل يقتلون مسن فعسل ذلك،
فأخذوني وسلبوني جميع ما علي ،غير جبة وقميص وسروال ،ودخلوا بي إلى تلك
الغابسسة ،فانتهوا بسسي إلى موضسسع جلوسسسهم منهسسا على حوض ماء بيسسن تلك الشجار،
وأتوني بخبز ماش وهو الجلبان فأكلت منه وشربت من الماء .وكان معهم مسلمان،
كلمانسي بالفارسسية ،وسسألني عسن شأنسي ،فأخبرتهمسا ببعضسه وكتمتهمسا أنسي مسن جهسة
السسلطان فقال لي :ل بسد أن يقتلك هؤلء أو غيرهسم ،ولكسن هذا مقدمهسم .وأشاروا إلى
رجل منهم ،فكلمته بترجمة المسلمين وتلطفت له .فوكل بي ثلثة منهم ،أحدهم شيخ
ومعه ابنه والخر أسود خبيث .وكلمني أولئك الثلثة ،ففهمت منهم أنهم أمروا بقتلي
واحتملونسسي عشسسي النهار إلى كهسسف .وسسسلط ال على السسسود منهسسم حمسسى مرعدة،
فوضسسع رجليسسه علي ،ونام الشيسسخ وابنسسه .فلمسسا أصسسبح الصسسباح ،تكلموا فيمسسا بينهسسم،
وأشاروا إلي بالنزول معهسم إلى الحوض ،وفهمست أنهسم يريدون قتلي ،فكلمست الشيسخ
وتلطفسست إليسسه فرق لي ،وقطعسست كمسسي قميصسسي وأعطيتسسه إياهمسسا ،لكسسي ل يأخذه
ولمسا كان عنسد الظهسر سسمعنا كلماً عنسد الحوض ،فظنوا أنهسم أصسحابهم فأشاروا إلي
بالنزول معهسم ،فنزلنسا ووجدنسا قوماً آخريسن ،فأشاروا عليهسم أن يذهبوا فسي صسحبتهم
فأبوا .وجلس ثلثتهسسم أمامسسي ،وأنسسا مواجسسه لهسسم .ووضعوا حبسسل قنسسب كان معهسسم
بالرض ،وأنا أنظر إليهم وأقول في نفسي ،بهذا الحبل يربطوني عند القتل .وأقمت
كذلك ساعة ،ثم جاء ثلثة من أصحابهم الذين أخذوني ،فتكلموا معهم ،وفهمت أنهم
قالوا لهسم :لي شيسء مسا قتلتموه ? فأشار الشيسخ إلى السسود .كأنسه اعتذر بمرضسه،
وكان أحد هؤلء الثلثة شاباً حسن الوجه ،فقال لي :أتريد أن أسرحك ? فقلت :نعم.
فقال :اذهسب .فأخذت الجبسة التسي كانست علي فأعطيتسه إياهسا .وأعطانسي منيرة باليسة
عنده وأرانسسي الطريسسق ،فذهبسست وخفسست أن يبدو لهسسم ،فيدركوننسسي .فدخلت غيضسسة
ثسم خرجست وسسلكت الطريسق التسي أرانيهسا الشاب ،فأفضست بسي إلى ماء فشربست منسه،
وسرت إلى ثلث الليل ،فوصلت إلى جبل ،فنمت تحته .فلما أصبحت سلكت الطريق
النبق فآكله حتى أثر الشوك في ذراعي آثاراً هي باقية حتى الن .ثم نزلت من ذلك
الجبل إلى أرض مزروعة قطناً ،وبها أشجار الخروع ،وهنالك باين ،والباين عندهم
بئر متسعة جداً مطوية بالحجارة لها درج ينزل عليها إلى ورد الماء وبعضها يكون
فسي وسسطه وجوانبسه القباب مسن الحجسر والسسقائف والمجالس ،ويتفاخسر ملوك البلد
وأمراؤها بعمارتها في الطرقات التي ل ماء بها ،وسنذكر بعض ما رأيناه منها فيما
بعد .ولما وصلت إلى الباين شربت منه ووجدت عليه شيئاً من عساليج الخردل ،قد
سقطت لمن غسلها ،فأكلت منها ،وادخرت باقيها ،ونمت تحت شجرة خروع .فبينما
أنا كذلك إذ ورد الباين نحو أربعين فارساً مدرعين ،فدخل بعضهم إلى المزرعة ،ثم
ذهبوا وطمسس ال أبصسارهم دونسي .ثسم جاء بعدهسم نحسو خمسسين فسي السسلح .ونزلوا
إلى الباين .وأتى أحدهم شجرة إزاء الشجرة التي كنت تحتها ،فلم يشعر بي ،ودخلت
إذ ذاك فسسي مزرعسسة القطسسن ،وأقمسست بهسسا بقيسسة نهاري .وأقاموا على البايسسن يغسسسلون
ثيابهسسم ويلعبون .فلمسسا كان الليسسل هدأت أصسسواتهم .فعلمسست أنهسسم قسسد مروا أو ناموا،
فخرجت حينئذ ،واتبعت أثر الخيل والليل مقمر ،وسرت حتى انتهيت إلى باين آخر
عليسه قبسة ،فنزلت إليسه وشربست مسن مائه ،وأكلت مسن عسساليج الخردل التسي كانست
عندي ،ودخلت القبسسة فوجدتهسسا مملوءة بالعشسسب ممسسا يجمعسسه الطيسسر ،فنمسست عليهسسا،
وكنت أحس حركة حيوان في ذلك العشب أظنه حية فل أبالي بها لما بي من الجهد.
فلمسا أصسبحت سسلكت طريقاً واسسعة تفضسي إلى قريسة خربسة ،وسسلكت سسواها ،فكانست
كمثلها .وأقمت كذلك أياماً ،وفي بعضها وصلت إلى أشجار ملتفة ،بينها حوض ماء،
وداخلها شبه بيت ،وعلى جوانب الحوض نبات الرض كالنجيل وغيره ،فأردت أن
أقعسسد هنالك حتسسى يبعسسث ال مسسن يوصسسلني إلى العمارة .ثسسم إنسسي وجدت يسسسير قوة،
فنهضست على طريسق وجدت بهسا أثسر البقسر ،ووجدت ثوراً عليسه بردعسة ومنجسل ،فإذا
تلك الطريسق تفضسي إلى قرى الكفار .فاتبعست طريقاً أخرى ،فأفضست بسي إلى قريسة
خربسة .ورأيست بهسا أسسودين عريانيسن فخفتهمسا ،وأقمست تحست أشجار هنالك .فلمسا كان
الليسل دخلت القريسة ،ووجدت دارًا فسي بيست مسن بيوتهسا شبسه خابيسة كسبيرة ،يصسنعونها
لختزان الزرع ،وفسي أسسفلها نقسب يسسع الرجسل ،فدخلتهسا ووجدت داخلهسا مفروشاً
بالتبن وفيه حجر جعلت رأسي عليه ونمت .وكان فوقها طائر يرفرف بجناحيه أكثر
وأقمت على تلك الحال سبعة أيام من يوم أسرت ،وهو يوم السبت ،وفي السابع منها
وصسلت إلى قريسة للكفار عامرة ،وفيهسا حوض ماء ،ومنابست خضسر فسسألتهم الطعام
فأبوا أن يعطونسي ،فوجدت حول بئر بهسا أوراق فجسل فأكلتهسا .وجئت القريسة فوجدت
جماعسسة كفار لهسسم طليعسسة ،فدعانسسي طليعتهسسم فلم أجبسسه ،وقعدت إلى الرض .فأتسسى
أحدهسم بسسيف مسسلول ورفعسه ليضربنسي بسه ،فلم ألتفست إليسه لعظيسم مسا بسي مسن الجهسد،
ففتشنسي فلم يجسد عندي شيئاً ،فأخسذ القميسص الذي كنست أعطيست كميسه للشيسخ الموكسل
بسي .ولمسا كان فسي اليوم الثامسن اشتسد بسي العطسش وعدمست الماء ،ووصسلت إلى قريسة
خراب ،فلم أجسد بهسا حوضاً .وعادتهسم بتلك القرى أن يصسنعوا أحواضاً يجتمسسع بهسسا
ماء المطسسر فيشربون منسسه جميسسع السسسنة .فاتبعسست طريقاً ،فافضسست بسسي إلى بئر غيسسر
مطويسة ،عليهسا حبسل مضنوع مسن نبات الرض وليسس فيسه آنيسة يسستقى بهسا ،فربطست
خرقة كانت على رأسي في الحبل ،وامتصصت ما تعلق بها من الماء ،فلم يروني،
فربطت خفي واستقيت به فلم يروني ،فاستقيت به ثانياً ،فانقطع الحبل ووقع الخف
في البئر ،فربطت الخف الخر وشربت حتى رويت ،ثم قطعته فربطت أعله على
رجلي بحبسل البئر ،وبخرق وجدتهسا هنالك .فبينسا أنسا أربطهسا وأفكسر فسي حالي إذ لح
لي شخسسص ،فنظرت إليسسه فإذا رجسسل أسسسود اللون بيده إبريسسق وعكاز ،وعلى كاهله
جراب .فقال لي :سسلم عليكسم .فقلت له :عليكسم السسلم ورحمسة ال وبركاتسه .فقال لي
بالفارسسية :جيكسس " جسه كسسى " معناه :مسن أنست ? فقلت له :أنسا تائه .فقال لي :وأنسا
كذلك .ثسسم ربسسط إبريقسسه بحبسسل كان معسسه واسسستقى ماء ،فأردت أن أشرب ،فقال لي:
إصبر .ثم فتح جرابه ،فأخرج منه غرفة حمص أسود مقلي مع قليل أرز .فأكلت منه
وشربت ،وتوضأ وصسلى ركعتين ،وتوضأت أنسا وصسليت .وسألني عن اسسمي فقلت
له :محمسد ،وسسألته عسن اسسمه فقال لي :القلب الفارح .فتفاءلت بذلك وسسررت بسه .ثسم
قال لي :بسسسم ال .ترافقنسسي ? فقلت :نعسسم .فمشيسست معسسه قليلً .ثسسم وجدت فتوراً فسسي
أعضائي ،ولم أستطع النهوض فقعدت .فقال لي :ما شأنك .فقلت له :كنت قادراً على
المشي قبل أن ألقاك ،فلما لقيتك عجزت .فقال :سبحان ال ،اركب فوق عنقي .فقلت
له :إنسك ضعيسف ،ول تسستطيع ذلك .فقال :يقوينسي ال .ل بسد لك فركبست على عنقسه.
وقال لي أكثسسسسسر مسسسسسن قراءة :حسسسسسسبنا ال ونعسسسسسم الوكيسسسسسل ،فأكثرت مسسسسسن ذلك.
وغلبتنسي عينسي فلم أفسق إل لسسقوطي على الرض ،فاسستيقظت ولم أر للرجسل أثراً،
وإذا أنسا فسي قريسة عامرة ،فدخلتهسا فوجدتهسا لرعيسة الهنود وحاكمهسا مسن المسسلمين،
فأعلموه بي فجاء إلي فقلت له :ما اسم هذه القرية ? فقال لي :تاج بوره .وبينها وبين
مدينة كول حيث أصحابنا فرسخان .وحملني ذلك الحاكم إلى بيته ،فأطعمني طعاماً
سخناً واغتسلت .وقال لي :عندي ثوب وعمامة أودعهما عندي رجل عربي مصري
مسن أهسل المحلة التسي بكول .فقلت له :هاتهمسا ألبسسهما إلى أن أصسل إلى المحلة .فأتسى
بهمسا ،فوجدتهمسا مسن ثيابسي التسي كنست قسد وهبتهسا لذلك العربسي لمسا قدمنسا كول .فطال
تعجسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسبي مسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن ذلك.
وفكرت بالرجسل الذي حملنسي على عنقسه ،فتذكرت مسا أخسبرني بسه ولي ال تعالى أبسو
عبسد ال المرشدي ،حسسبما ذكرناه فسي السسفر الول ،إذ قال لي :سستدخل أرض الهنسد
وتلقى بها أخي ويخلصك من شدة تقع فيها .وتذكرت قوله لما سألته عن اسمه فقال:
القلب الفارح وتفسيره بالفارسية دلشاد ،فعلمت أنه هو الذي أخبرني بلقائه ،وأنه من
الولياء .ولم يحصسسل لي مسسن صسسحبته إل المقدار الذي ذكسسر ،وأتيسست تلك الليلة إلى
أصسسحابي بكول معلماً لهسسم بسسسلمتي ،فجاءوا إلي بفرس وثياب ،واسسستبشروا بسسي
ووجدت جواب السلطان قد وصلهم ،وبعث بفتى يسمى بسنبل الجامدار ،عوضاً من
كافور المسستشهد ،وأمرنسا أن نتمادى على سسفرنا .ووجدتهسم أيضًا قسد كتبوا للسسلطان
بمسا كان مسن أمري ،وتشاءموا بهذه السسفرة لمسا جرى فيهسا علي وعلى كافور ،وهسم
يريدون أن يرجعوا .فلمسسا رأيسست تأكيسسد السسسلطان فسسي السسسفر أكدت عليهسسم ،وقوي
عزمسي .فقالوا :أل ترى مسا اتفسق فسي بدايسة هذه السسفرة ? والسسلطان يعذرك ،فلنرجسع
إليه أو تقيم حتى يصل جوابه .فقلت لهم :ل يمكن المقام ،وحيثما كنا أدركنا الجواب.
فرحلنسا مسن كول ونزلنسا برج بوره ،وبسه زاويسة حسسنة ،فيهسا شيسخ حسسن الصسورة
والسسيرة يسسمى بمحمسد العريان ،لنسه ل يلبسس عليسه إل ثوباً مسن سسرته إلى أسسفل،
وباقي جسده مكشوف .وهو تلميذ الصالح الولي محمد العريان القاطن بقرافة مصر
نفسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسع ال بسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه.
حكايسسة هذا الشيسسخ وكان مسسن أولياء ال تعالى ،قائماً على قدم التجرد ،يلبسسس تنورة،
وهو ثوب يستر من سرته إلى أسفل .ويذكر أنه كان إذا صلى العشاء الخرة أخرج
كسسل مسسا بقسسي بالزاويسسة مسسن طعام وإدام وماء ،وفرقسسه على المسسساكين ،ورمسسى بفتيلة
السراج وأصبح على غير معلوم .وكانت عادته أن يطعم أصحابه عند الصباح خبزاً
وفولً .فكان الخبازون والفوالون يسستبقون إلى زاويتسه ،فيأخسذ منهسم مقدار مسا يكفسي
الفقراء ،ويقول لمسن أخسذ منسه ذلك :اقعسد ،حتسى يأخسذ أول مسا يفتسح بسه عليسه فسي ذلك
اليوم قليلً أو كثيراً .ومسسسن حكاياتسسسه أنسسسه لمسسسا وصسسسل قازان ملك التتسسسر إلى الشام
بعسسساكره ،وملك دمشسسق مسسا عدا قلعتهسسا ،وخرج الملك الناصسسر إلى مدافعتسسه ،ووقسسع
اللقاء على مسيرة يومين من دمشق ،بموضع يقال له قشحب .والملك الناصر إذ ذاك
حديسث السسن لم يعهسد الوقائع .وكان الشيسخ العريان فسي صسحبته فنزل .وأخسذ قيداً فقيسد
به فرس الملك الناصر لئل يتزحزح عند اللقاء لحداثة سنه فيكون ذلك سبب هزيمة
المسلمين .فثبت الملك الناصر وهزم التتر هزيمة شنعاء ،قتل منهم فيها كثير وغرق
كثير بما أرسل عليه من المياه .ولم يعد التتر إلى قصد بلد السلم بعدها .وأخبرني
الشيسخ محمسد العريان المذكور تلميسذ هذا الشيسخ أنسه حضسر هذه الوقيعسة وهسو حديسث
السسن .ورحلنسا مسن برج بوره ونزلنسا على الماء المعروف باب سسياه ،ثسم رحلنسا إلى
مدينسة قنوج " وضبسط اسسمها بكسسر القاف وفتسح النون وواو سساكن وجيسم " مدينسة
كبيرة حسنة العمارة حصينة رخيصة السعار كثيرة السكر ،ومنها يحمل إلى دهلي.
وعليهسسا سسسور عظيسسم ،وقسسد تقدم ذكرهسسا .وكان بهسسا الشيسسخ معيسسن الديسسن الباخرزي،
أضافنسا بهسا ،وأميرهسا فيروز البدخشانسي مسن ذريسة بهرام جور " جوبيسن " صساحب
كسسسرى .وسسسكن بهسسا جماعسسة مسسن الصسسلحاء الفضلء المعروفيسسن بمكارم الخلق
يعرفون بأولد شرف جهان ،وكان جدهسسسم قاضسسسي القضاة بدولة آباد ،وهسسسو مسسسن
حكايسة يذكسر أنسه عزل مرة عسن القضاء وكان له أعداء ،فادعسى أحدهسم عنسد القاضسي
الذي ولي بعده أن له عشرة آلف دينار قبله ،ولم تكسسسسن له بينسسسسة ،وكان قصسسسسده أن
يحلفسه .فبعسث القاضسي له ،فقال لرسسوله :بسم ادعسى علي ? فقال :بعشرة آلف دينار.
فبعسث إلى مجلس القاضسي عشرة آلف ،وسلمت للمدعسي .وبلغ خبره السسلطان علء
الديسسن ،وصسسح عنده بطلن تلك الدعوى ،فأعاده إلى القضاء ،وأعطاه عشرة آلف.
وأقمنا بهذه المدينة ثلثاً ،ووصلنا فيها جواب السلطان في شأني بأنه لم يظهر لفلن
أثسر ،فيتوجسه وجيسه الملك قاضسي دولة آباد عوضاً منسه .ثسم رحلنسا مسن هذه المدينسة
فنزلنسا بمنزل هنول ثسم بمنزل وزيسر بور ثسم بمنزل البجالصسة ،ثسم وصسلنا إلى مدينسة
موري " وضبسط اسسمها بفتسح الميسم وواو وراء " وهسي صسغيرة ،ولهسا أسسواق حسسنة.
ولقيت بها الشيخ الصالح المعمر قطب الدين المسمى بحيدر الفرغاني ،وكان بحال
المرض ،فدعانسسي وزودنسسي رغيسسف شعيسسر ،وأخسسبرني أن عمره ينيسسف على مائة
وخمسسين ،وذكسر لي أصسحابه أنسه يصسوم الدهسر ،ويواصسل كثيراً ،ويكثسر العتكاف،
وربما أقام في خلوته أربعين يوماً يقتات فيها بأربعين تمرة ،في كل يوم واحدة .وقد
رأيست بدهلي الشيسخ المسسمى برجسب البرقعسي دخسل الخلوة بأربعيسن تمرة فأقام بهسا
أربعيسن يوماً ثسم خرج ،وفضسل معسه منهسا ثلث عشرة تمرة .ثسم رحلنسا ووصسلنا إلى
مدينسة مره وضبسط اسسمها " بفتسح وسسكون الراء وهاء " ،وهسي مدينسة كسبيرة ،أكثسر
سكانها كفار تحت الذمة ،وهي حصينة .وبها القمح الطيب الذي ليس مثله بسواها،
ومنهسا يحمسل إلى دهلي ،وحبوبسه طوال شديدة الصسفرة ضخمسة ،ولم أر قمحاً مثله إل
بأرض الصين .وتنسب هذه المدينة إلى المالوة " بفتح اللم " ،وهي قبيلة من قبائل
الهنود كبار الجسسسام عظام الخلق حسسسان الصسسور ،لنسسسائهم الجمال الفائق ،وهسسن
مشهورات بطيسب الخلوة ووفرة الحسظ مسن اللذة .وكذا نسساء المرهتسة ونسساء جزيرة
ذيبسة المهسل .ثسم سسافرنا إلى مدينسة علبور " وضبسط اسسمها بفتسح العيسن ولم وألف
وباء موحدة مضمومسة وواو وراء " مدينسة صسغيرة أكثسر سسكانها الكفار تحست الذمسة،
وعلى مسسيرة يوم منهسا سسلطان كافسر اسسمه قتسم " بفتسح القاف والتاء المعلوة " وهسو
سلطان جنبيل " بفتح الجيم وسكون النون وكسر الباء الموحدة وياء مد ولم " الذي
حكايسة كان هذا السسلطان الكافسر قسد حاصسر مدينسة رابري ،وهسي على نهسر اللجون،
كثيرة القرى والمزارع .وكان أميرها خطاب الفغاني ،وهو أحد الشجعان واستعان
السسلطان الكافسر بسسلطان كافسر مثله يسسمى رجسو " بفتسح الراء وضسم الجيسم " وبلده
يسسمى سسلطان بور ،وحاصسر مدينسة رابري ،فبعسث خطابٌس إلى السسلطان يطلب منسه
العانسة ،فأبطسأ عليسه المدد وهسو على مسسيرة أربعيسن مسن الحضرة ،فخاف أن يتغلب
الكفار عليسسه ،فجمسسع مسسن قسسبيلة الفغان نحسسو ثلثمائة ومثلهسسم مسسن المماليسسك ،ونحسسو
أربعمائة من سائر الناس ،وجعلوا العمائم في أعناق خيلهم ،وهي عادة أهل الهند إذا
أرادوا الموت وباعوا نفوسسسهم مسسن ال تعالى .وتقدم خطابسٌ وقسسبيلته وتبعهسسم الناس،
وفتحوا الباب عنسسسد الصسسسبح ،وحملوا على الكفار حملة واحدة ،وكانوا نحسسسو خمسسسس
عشسسر ألفاً ،فهزموهسسم بإذن ال وقتلوا سسسلطانيهم :قتسسم ورجسسو ،وبعثوا برأسسسيهما إلى
وكان أمير علبور بدر الحبشي من عبيد السلطان ،وهو من البطال الذين تضرب
بهم المثال ،وكان ل يزال يغير على الكفار منفرداً بنفسه ،فيقتل ويسبي ،حتى شاع
وكان طويلً ضخماً يأكسل الشاة عسن آخرهسا فسي أكلة .وأخسبرت أنسه كان يشرب نحسو
رطسل ونصسف مسن السسمن بعسد غذائه على عادة الحبشسة ببلدهسم ،وكان له ابسن يدانيسه
فسي الشجاعسة .فاتفسق أنسه أغار مرة فسي جماعسة مسن عسبيده على قريسة للكفار فوقسع بسه
الفرس فسسي مطمورة ،واجتمسسع عليسسه أهسسل القريسسة فضربسسه أحدهسسم بقتارة ،والقتارة "
بقاف معقود وتاء معلوة " حديدة شبسسه سسسكة الحرث ،يدخسسل الرجسسل يده فيهسسا فتكسسسو
ذراعسه ويفضسل منهسا مقدار ذراعيسن ،وضربتهسا ل تبقسي ،فقتله بتلك الضربسة ومات
فيهسسا .وقاتسسل عسسبيده أشسسد القتال ،فتغلبوا على القريسسة وقتلوا رجالهسسا وسسسبوا نسسساءها
وأخرجوا الفرس مسن المطمورة سسالماً ،فأتوا بسه ولده .فكان مسن التفاق الغريسب أنسه
ركسب الفرس وتوجسه إلى دهلي ،فخرج عليسه الكفار ،فقاتلهسم حتسى قتسل ،وعاد الفرس
إلى أصسحابه ،فدفعوه إلى أهله ،فركبسه صسهر له ،فقتله الكفار عليسه أيضاً .ثسم سسافرنا
إلى مدينسة كاليور " وضبسط اسسمها بفتسح الكاف المعقود وكسسر اللم وضسم الياء آخسر
الحروف وواو وراء " ويقال فيسه أيضاً :كياليسر ،وهسي مدينسة كسبيرة لهسا حصسن منيسع
منقطع في رأس شاهق ،على بابه صورة فيل وفيال من الحجارة ،وقد مر ذكره في
اسم السلطان قطب الدين .وأمير هذه المدينة أحمد بن سيرخان ،فاضل كان يكرمني
أيام إقامتسي عنده قبسل هذه السسفرة ،ودخلت عليسه يوماً وهسو يريسد توسسيط رجسل مسن
الكفار ،فقلت له :بال ل تفعسل ذلك ،فإنسي مسا رأيست أحداً قسط يقتسل بمحضري ،فأمسر
بسسسجنه .وكان ذلك سسسبب خلصسسه .ورحلنسسا مسسن مدينسسة كاليور إلى مدينسسة برون "
وضبسسط اسسسمها بفتسسح الباء المعقودة وسسسكون الراء وفتسسح الواو وآخره نون " مدينسسة
صسغيرة للمسسلمين بيسن بلد الكفار ،أميرهسا محمسد بسن بيرم التركسي الصسل .والسسباع
بهسا كثيرة ،وذكسر لي بعسض أهلهسا أن السسبع كان يدخسل إليهسا ليلً ،وأبوابهسا مغلقسة
فيفترس الناس .حتسسسسى قتسسسسل مسسسسن أهلهسسسسا كثيراً ،وكانوا يعجبون فسسسسي شأن دخوله.
وأخسبرني محمسد التوفيري مسن أهلهسا ،وكان جاراً لي بهسا أنسه دخسل داره ليلً وافترس
صسبياً مسن فوق السسرير .وأخسبرني غيره أنسه كان مسع جماعسة فسي دار عرس فخرج
أحدهسم لحاجسة فافترسسه أسسد فخرج أصسحابه فسي طلبسه ،فوجدوه مطرحاً بالسسوق وقسد
شرب دمسه ،ولم يأكسل لحمسه .وذكروا أنسه كذلك فعله بالناس .ومسن العجسب أن بعسض
الناس أخبرني أن الذي يفعل ذلك ليس بسبع ،وإنما هو آدمي من السحرة المعروفين
بالجوكية ،يتصور في صورة سبع .ولما أخبرت بذلك أنكرته ،وأخبرني به جماعة.
وهؤلء الطائفسسة تظهسسر منهسسم العجائب ،منهسسا أن أحدهسسم يقيسسم الشهسسر ل يأكسسل ول
يشرب ،وكثيسر منهسم تحفسر لهسم تحست الرض وتبنسى عليسه .فل يترك له إل موضسع
يدخسل منسه الهواء ،ويقيسم بهسا الشهور .وسسمعت أن بعضهسم يقيسم كذلك سسنة .ورأيست
بمدينسسة منجرور رجلً مسسن المسسسلمين ممسسن يتعلم منهسسم ،قسسد رفعسست له طبلة ،وأقام
بأعلها ،ل يأكل ول يشرب مدة خمسة وعشرين يوماً ،وتركته كذلك .فل أدري كم
أقام بعدي .والناس يذكرون أنهسسم يركبون حبوباً ،يأكلون الحبسسة منهسسا ليام معلومسسة
وأشهسسسر ،فل يحتاج فسسسي تلك المدة إلى طعام ول شراب .ويخسسسبرون بأمور معيبسسسة.
والسسلطان يعظمهسم ويجالسسهم .ومنهسم مسن يقتصسر فسي أكله على البقسل ،ومنهسم مسن ل
يأكسل اللحسم وهسم الكثرون .والظاهسر مسن حالهسم أنهسم عودوا أنفسسهم الرياضسة .ول
حاجسة لهسم فسي الدنيسا وزينتهسا .ومنهسم مسن ينظسر إلى النسسان فيقسع ميتاً مسن نظرتسه،
وتقول العامة :إنه إذا قتل بالنظر ،وشق عن صدر الميت ،وجد دون قلب .ويقولون:
أكسسل قلبسسه .وأكثسسر مسسا يكون هذا فسسي النسسساء .والمرأة التسسي تفعسسل ذلك تسسسمى كفتار.
حكاية لما وقعت المجاعة العظمى ببلد الهند بسبب القحط ،والسلطان ببلد التلنك،
نفسذ أمره أن يعطسى لهسل دهلي مسا يقوتهسم بحسساب رطسل ونصسف للواحسد فسي اليوم.
فجمعهم الوزير ،ووزع المساكين منهم على المراء والقضاة ليتولوا إطعامهم .فكان
عندي منهسم خمسسسمائة نفسسس ،فعمرت لهسم سسقائف فسي وادٍ ،وأسسكنتهم بهسسا .وكنست
أعطيتهم نفقتهم خمسة أيام .فلما كان في بعض اليام أتوني بامرأة منهم وقالوا :إنها
كفتارة .وقد أكلت قلب صبي كان إلى جانبها ،وأتوا بالصبي ميتاً .فأمرتهم أن يذهبوا
بهسسسا إلى نائب السسسسلطان ،فأمسسسر باختبارهسسسا .وذلك بأن ملوا أربسسسع جرات بالماء
وربطوهسا بيديهسا ورجليهسا وطرحوهسا فسي نهسر الجون ،فلم تغرق .فعلم أنهسا كفتار،
ولو لم تطسف على الماء لم تكسن بكفتار .فأمسر بإحراقهسا بالنار .وأتسى أهسل البلد رجالً
ونساء فأخذوا رمادها .وزعموا أنه من تبخر به أمن في تلك السنة من سحر كفتار.
حكايسسة بعسسث إلي السسسلطان يوماً وأنسسا عنده بالحضرة ،فدخلت عليسسه وهسسو فسسي خلوة،
وعنده بعسسض خواصسسه ورجلن مسسن هؤلء الجوكيسسة ،وهسسم يلتحفون بالملحسسف،
ويغطون رؤوسهم لنهم ينتفونها بالرماد ،كما ينتف الناس آباطهم .فأمرني بالجلوس
فجلست فقال لهما :إن هذا العزيز من بلد بعيدة ،فأرياه ما لم يره ،فقال :نعم .فتربع
أحدهمسا ،ثسم ارتفسع عسن الرض حتسى صسار فسي الهواء فوقنسا متربعاً ،فعجبست منسه،
وأدركنسي الوهسم فوقعست على الرض .فأمسر السسلطان أن أسسقى دواء عنده ،فأفقست
وقعدت ،وهو على حاله متربع .فأخذ صاحبه نعلً له من شكارة كانت معه فضرب
بهسا الرض كالمغتاظ فصسعدت إلى أن علت فوق عنسق المتربسع وجعلت تضرب فسي
ل قليلً حتسى جلس معنسا .فقال السسلطان :إن المتربسع هسو تلميسذ
عنقسه ،وهسو ينزل قلي ً
صسساحب النعسسل .ثسسم قال :لول أنسسي أخاف على عقلك لمرتهسسم أن يأتوا بأعظسسم ممسسا
رأيست .فانصسرفت عنسه ،وأصسابني الخفقان ،ومرضست ،حتسى أمسر لي بشربسة أذهبست
ذلك عنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسي.
ولنعسد لمسا كنسا بسسبيله فنقول :سسافرنا مسن مدينسة برون إلى منزل أمواري ثسم منزل
كجرا ،وبه حوض عظيم طوله نحو ميل ،وعليه الكنائس فيها الصنام ،قد مثل بها
المسسسلمون .وفسسي وسسسطه ثلث قباب مسسن الحجارة الحمسسر على ثلث طباق ،وعلى
أركانسسه الربسسع قباب .ويسسسكن هنالك جماعسسة مسسن الجوكيسسة ،وقسسد لبدوا شعورهسسم،
وطالت ،حتى صارت في طولهم ،وغلبت عليهم صفرة اللوان من الرياضة .وكثير
من المسلمين يتبعونهم ليتعلموا منهم ،ويذكرون أن من كانت به عاهة من برص أو
جذام يأوي إليهسم مدة طويلة فيسبرأ بإذن ال تعالى .وأول مسا رأيست هذه الطائفسة بمحلة
السسلطان طرمشيريسن ملك تركسستان ،وكانوا نحسو الخمسسين .فحفسر لهسم غاراً تحست
الرض ،وكانوا مقيمين به ل يخرجون إل لقضاء حاجة .ولهم شبه القرن يضربونه
أول النهار وآخره ،وبعسسد العتمسسة .وشأنهسسم كله عجسسب .ومنهسسم الرجسسل الذي صسسنع
السلطان غياث الدين الدامغاني سلطان بلد المعبر حبوباً يأكلها تقويه على الجماع،
وكان مسن أخلطهسا برادة الحديسد فأعجبسه فعلهسا ،فأكسل منهسا أزيسد مسن مقدار الحاجسة
فمات .وولي ابسن أخيسه ناصسر الديسن فأكرم هذا الجوكسي ورفسع قدره .ثسم سسافرنا إلى
مدينسسة جنديري " وضبسسط اسسسمها بفتسسح الجيسسم المعقود وسسسكون النون وكسسسر الدال
المهمل وياء مد وراء " مدينة عظيمة لها أسواق حافلة يسكنها أمير أمراء تلك البلد
عسز الديسن البنتانسي وهسو المدعسو بأعظسم ملك ،وكان خيراً فاضلً يجالس أهسل العلم.
وممن كان يجالسه الفقيه عز الدين الزبيري ،والفقيه العالم وجيه الدين البياني نسبة
إلى مدينسسة بيانسسة ،التسسي تقدم ذكرهسسا ،والفقيسسه القاضسسي المعروف بقاضسسي خاصسسة،
وإمامهم شمس الدين ،وكان النائب عنه على أمور المخزن يسمى قمر الدين ،ونائبه
على أمور العسسكر سسعادة التلنكسي مسن كبار الشجعان ،وبيسن يديسه تعرض العسساكر.
وأعظسم ملك ل يظهسر إل فسي يوم الجمعسة أو فسي غيرهسا نادراً .ثسم سسرنا مسن جنديري
إلى مدينسة ظهار " وضبسط اسسمها بكسسر الظاء المعجسم " ،وهسي مدينسة المالوة ،أكسبر
عمار تلك البلد ،وزرعهسا كثيسر ،خصسوصاً القمسح .ومسن هذه المدينسة تحمسل أوراق
التنبول إلى دهلي وبينهمسسسا أربعسسسة وعشرون يوماً ،وعلى الطريسسسق بينهمسسسا أعمدة
منقوش عليها عدد الميال فيما بين عمودين .فإذا أراد المسافر أن يعلم عدد ما سار
فسي يومسه ،ومسا بقسي له إلى المنزل وإلى المدينسة التسي يقصسدها قرأ النقسش الذي فسي
العمدة فعرفسسه .ومدينسسة ظهار إقطاع للشيسسخ إبراهيسسم الذي مسسن أهسسل ذيبسسة المهسسل.
حكايسة كان الشيسخ إبراهيسم قدم على هذه المدينسة ونزل بخارجهسا ،فأحيسا أرضاً مواتاً
هنالك .وصسار يزدرعهسا بطيخاً ،فتأتسي فسسي الغايسة مسن الحلوة .ليسس بتلك الرض
مثلهسسسسسا .ويزرع الناس بطيخًا فيمسسسسسا يجاوره فل يكون مثله ،وكان يطعسسسسسم الفقراء
والمسساكين .فلمسا قصسد السسلطان إلى بلد المعسبر أهدى إليسه هذا الشيسخ بطيخاً فقبله
واستطابه ،وأقطعه مدينة ظهار ،وأمره أن يعمر زاوية بربوة يشرف عليها .فعمرها
أحسن عمارة ،وكان يطعم بها الوارد والصادر ،وأقام على ذلك أعواماً .ثم قدم على
السلطان وحمل إليه ثلثة عشر لكاً ،فقال :هذا فضل مما كنت أطعمه الناس ،وبيت
المال أحسق بسه .فقبضسه منسه ولم يعجسب السسلطان فعله ،لكونسه جمسع المال ولم ينفسق
جميعه في إطعام الطعام .وبهذه المدينة أراد ابن أخت الوزير خواجه جهان أن يفتك
بخاله ،ويسستولي أمواله ،ويسسير إلى القائم ببلد المعسبر .فنمسى خسبره إلى خاله فقبسض
عليه ،وعلى جماعة المراء ،وبعثهم إلى السلطان ،فقتل المراء ،ورد ابن أخته إليه
فقتله الوزيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسر.
حكايسة ولمسا رد ابسن أخست الوزيسر إليسه أمسر بسه أن يقتسل كمسا قتسل أصسحابه ،وكانست له
جاريسة يحبهسا .فاسستحضرها وأطعمهسا التنبول وأطعمتسه ،وعانقهسا مودعاً ،ثسم طرح
للفيلة ،وسلخ جلده وملء تبناً .فلما كان من الليل ،خرجت الجارية من الدار ،فرمت
بنفسسسها فسسي بئر هنالك تقرب مسسن الموضسسع الذي قتسسل فيسسه ،فوجدت ميتسسة مسسن الغسسد.
فأخرجست ودفسن لحمسه معهسا فسي قسبر واحسد ،وسسمي قبور " كور " عاشقان .وتفسسير
ذلك بلسسانهم قسبر العاشقيسن .ثسم سسافرنا مسن مدينسة ظهار إلى مدينسة أجيسن " وظبسط
اسمها بضم الهمزة وفتح الجيم وياء ونون " مدينة حسنة كثيرة العمارة .وكا يسكنها
الملك ناصسر الديسن بسن عيسن الملك ،مسن الفضلء الكرماء العلماء ،اسستشهد بجزيرة
سسندابور حيسن افتتحهسا .وقسد زرت قسبره هنالك ،وسسنذكره .وبهذه المدينسة كان سسكنى
الفقيه الطبيب جمال الدين المغربي الغرناطي الصل .ثم سافرنا من مدينة أجين إلى
مدينسة دولة آباد ،وهسي المدينسة الضخمسة العظيمسة الشأن الموازيسة لحضرة دهلي ،فسي
رفعة قدرها واتساع خطتها .وهي منقسمة ثلثة أقسام :أحدها دولة آباد وهو مختص
بسكنى السلطان وعساكره ،والقسم الثاني اسمه الكتكة " بفتح الكافين والتاء المعلوة
التي بينهما " ،والقسم الثالث قلعتها التي ل مثل لها ول نظير في الحصانة وتسمى
الدويقيسر " بضسم الدال المهمسل وفتسح الواو وسسكون الياء وقاف معقود مكسسور وياء
مسسسد وراء " .وبهذه المدينسسسة سسسكنى الخان العظسسسم قطلوخان معلم السسسلطان وهسسو
أميرها ،والنائب عن السلطان بها ،وببلد صاغر وبلد التلنك وما أضيف إلى ذلك،
وعمالتهسا مسسيرة ثلثسة أشهسر ،عامرة كلهسا لحكمسه ونوابسه فيهسا .وقلعسة الدويقيسر التسي
ذكرناها في قطعة حجر في بسيط من الرض ،قد نحتت وبني بأعلها قلعة يصعد
إليهسسا بسسسلم مصسسنوع مسسن جلود ويرفسسع ليلً .ويسسسكن بهسسا المفردون وهسسم الزماميون
بأولدهم .وفيها سجن أهل الجرائم العظيمة في جيوب بها .وبها فيران ضخام أعظم
مسن القطوط ،والقطوط تهرب منهسا ،ول تطيسق مدافعتهسا لنهسا تغلبهسا .ول تصساد إل
حكاية أخبرني الملك خطاب الفغاني أنه سجن مرة في جب بهذه القلعة ،يسمى جب
الفيران .قال :فكانست تجتمسع علي ليلً لتأكلنسي .فأقاتلهسا ،وألقسى مسن ذلك جهداً .ثسم إنسي
رأيسسست فسسسي النوم قائلً يقول لي :إقرأ سسسسورة ألخلص مائة ألف مرة ،ويفرج ال
عنسك .قال :فقرأتهسا .فلمسا أتممتهسا أخرجست .وكان سسبب خروجسي أن ملك مسل كان
مسجوناً في جب يجاورني فمرض .وأكلت الفيران أصابعه وعينيه فمات .فبلغ ذلك
السسسلطان فقال :أخرجوا خطاباً لئل يتفسسق له مثسسل ذلك .وإلى هذه القلعسسة لجسسأ ناصسسر
الدين بن ملك مل المذكور ،والقاضي جلل ،حين هزمهما السلطان .وأهل بلد دولة
آباد هسسم قبيسسل المرهتسسة الذيسسن خسسص ال نسسساءهم بالحسسسن ،وخصسسوصاً فسسي النوف
والحواجب .ولهن من طيب الخلوة والمعرفة أكثر بحركات الجماع ماليس لغيرهن.
وكفار هذه المدينسة أصسحاب تجارة .وأكثسر تجارتهسم فسي الجواهسر ،وأموالهسم طائلة.
وهسم يسسمون السساهة وأحدهسم سساهٍ بإهمال السسين ،وهسم الكارم بديار مصسر .وبدولة
آباد العنسسب والرمان .ويثمران مرتيسسن فسسي السسسنة وهسسي مسسن أعظسسم البلد مجسسبى،
وأكبرهسا خراجاً ،لكثرة عمارتهسا واتسساع عمالتهسا .وأخسبرت أن بعسض الهنود التزم
مغارمهسسا وعمالتهسسا جميعاً .وهسسي كمسسا ذكرناهسسا مسسسيرة ثلثسسة أشهسسر ،بسسسبعة عشسسر
كروراً ،والكرور مائة لك ،واللك مائة ألف دينار .ولكنسسه لم يسسف بذلك ،فبقسسي عليسسه
وبمدينسسة دولة آباد سسسوق للمغنيسسن والمغنيات تسسسمى سسسوق طرب آباد ،مسسن أجمسسل
السسواق وأكبرهسا ،فيسه الدكاكيسن الكثيرة .كسل دكان له باب يفضسي إلى دار صساحبه.
وللدار باب سسسوى ذلك .والحانوت مزيسسن بالفرش ،وفسسي وسسسطه شكسسل مهسسد كسسبير،
تجلس فيسه المغنيسة أو ترقسد ،وهسي متزينسة بأنواع الحلي ،وجواريهسا يحركسن مهدهسا.
وفسي وسسط السسوق قبسة عظيمسة مفروشسة مزخرفسة ،يجلس فيهسا أميسر المطربيسن بعسد
صسلة العصسر مسن كسل يوم خميسس ،وبيسن يديسه خدامسه ومماليكسه .وتأتسي المغنيات
طائفسة بعسد أخرى ،فيغنيسن بيسن يديسه ويرقصسن إلى وقست المغرب ،ثسم ينصسرف .وفسي
تلك السسوق المسساجد للصسلة .ويصسلي ألئمسة فيهسا التراويسح فسي شهسر رمضان .وكان
بعسض سسلطين الكفار بالهنسد إذا مسر بهذه السسوق ينزل بقبتهسا ،وتغنسي المغنيات بيسن
يديسه .وقسد فعسل ذلك بعسض سسلطين المسسلمين أيضاً .ثسم سسافرنا إلى مدينسة نذربار "
وضبسط اسسمها بنون وبذال معجسم مفتوحيسن وراء مسسكن وباء موحدة مفتوحسة وألف
وراء " مدينسسة صسسغيرة يسسسكنها المرهتسسة ،وهسسم أهسسل التقان فسسي الصسسنائع والطباء
والمنجمون .وشرفاء المرهتسسة هسسم البراهمسسة ،وهسسم الكتريون أيضاً .وأكلهسسم الرز
والخضسر ودهسن السسمسم .ول يرون بتعذيسب الحيوان ول ذبحسه .ويغتسسلون للكسل
كغسل الجنابة ،ول ينكحون في أقاربهم إل فيمن كان بينهم سبعة أجداد .ل يشربون
الخمسر ،وهسي عندهسم أعظسم المعائب .وكذلك هسي ببلد الهنسد عنسد المسسلمين .ومسن
شربها من مسلم جلد ثمانين جلدة ،وسجن في مطمورة ثلثة أشهر ،ل تفتح عليه إل
حيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن طعامسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه.
ثسم سسافرنا مسن هذه المدينسة إلى مدينسة صساغر " وضبسط اسسمها بفتسح الصساد المهمسل
وفتسح الغيسن المعجسم وآخره راء " وهسي مدينسة كسبيرة على نهسر كسبير يسسمى أيضاً
صساغر كاسسمها .وعليسه النواعيسر والبسساتين .فيهسا العنسب والموز وقصسب السسكر.
وأهسل هذه المدينسة أهسل صسلح وديسن وأمانسة .وأحوالهسم كلهسا مرضيسة .ولهسم بسساتين
فيهسا الزوايسا للوارد والصسادر .وكسل مسن يبنسي زاويسة يحبسس البسستان عليهسا ،ويجعسل
النظسسر فيسسه لولده .فإن انقرضوا عاد النظسسر للقضاة .والعمارة بهسسا كثيرة .والناس
ثسسم سسسافرنا مسسن صسساغر المذكورة إلى مدينسسة كنبايسسة " وضبسسط اسسسمها بكسسسر الكاف
وسسسكون النون وفتسسح الباء الموحدة وألف وياء آخسسر الحروف مفتوحسسة " وهسسي على
خور مسسن البحسسر ،وهسسو شبسسه الوادي ،تدخله المراكسسب وبسسه المسسد والجزر .وعاينسست
المراكسب بسه مرسسا ًة فسي الوحسل حيسن الجزر ،فإذا كان المسد عامست فسي الماء .وهذه
المدينسسة مسسن أحسسسن المدن فسسي إتقان البناء وعمارة المسسساجد .وسسسبب ذلك أن أكثسسر
سسسسكانها التجار الغرباء .فهسسسم أبداً يبنون بهسسسا الديار الحسسسسنة والمسسسساجد العجيبسسسة،
ويتنافسسون فسي ذلك .ومسن الديار العظيمسة بهسا دار الشريسف السسامري الذي اتفقست لي
معسه قضيسة الحلواء ،وكذبسه ملك الندماء .ولم أر قسط أضخسم مسن الخشسب الذي رأيتسه
بهذه الدار وبابهسا كأنسه باب مدينسة .وإلى جانبهسا مسسجد عظيسم يعرف باسسمه .ومنهسا
دار ملك التجار الكازرونسي ،وإلى جانبهسا مسسجده ،ومنهسا دار التاجسر شمسس الديسن
حكايسة ولمسا وقسع مسا قدمناه مسن مخالفسة القاضسي جلل الفغانسي أراد شمسس الديسن
المذكور والناخوذة الياس ،وكان مسن كفار أهسل هذه المدينسة وملك الحكماء الذي تقدم
ذكره ،على أن يمتنعوا منسه بهذه المدينسة .وشرعوا فسي حفسر خندق عليهسا إذ ل سسور
لهسا ،فتغلب عليهسم ودخلهسا .واختفسى الثلثسة المذكورون فسسي دار واحدة ،وخافوا أن
يتطلع عليهسم .فاتفقوا على ان يقتلوا أنفسسهم فضرب كسل واحسد منهسم صساحبه بقتارة،
وقسد ذكرنسا صسفتها ،فمات اثنان منهسم ،ولم يمست ملك الحكماء .وكان مسن كبار التجار
أيضاً بهسسا نجسسم الديسسن الجيلنسسي ،وكان حسسسن الصسسورة كثيسسر المال ،وبنسسى بهسسا داراً
عظيمسة ومسسجداً .ثسم بعسث السسلطان عنسه وأمره عليهسا وأعطاه المراتسب .فكان ذلك
سبب تلف نفسه وماله .وكان أمير كنباية حين وصلنا إليها مقبل التلنكي ،وهو كبير
المنزلة عنسد السسلطان .وكان فسي صسحبته الشيسخ زاده الصسبهاني نائباً عنسه فسي جميسع
أموره .وهذا الشيسخ له أموال عظيمسة ،وعنده معرفسة بأمور السسلطنة .ول يزال يبعث
الموال إلى بلده ،ويتحيل في الفرار .وبلغ خبره إلى السلطان ،وذكر عنه أنه يروم
الهروب .فكتسب إلى مقبسل أن يبعثسه فبعثسه على البريسد ،وأحضسر بيسن يدي السسلطان
ووكل به .والعادة عنده أنه متى وكل بأحد فقلما ينجو .فاتفق هذا الشيخ مع الموكل
به على مال يعطيه إياه ،وهربا جميعاً .وذكر لي أحد الثقات أنه رآه في ركن مسجد
بمدينسة قلهات ،وأنسه وصسل بعسد ذلك إلى بلده ،فحصسل على أمواله ،وأمسن ممسا كان
يخافسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه.
حكايسسة وأضافنسسا الملك مقبسسل يوماً بداره ،فكان مسسن النادر أن جلس قاضسسي المدينسسة،
وهسو أعور العيسن اليمنسي ،وفسي مقابلتسه شريسف بغدادي شديسد الشبسه بسه فسي صسورته
وعوره ،إل أنه أعور اليسرى .فجعل الشريف ينظر إلى القاضي ويضحك .فزجره
القاضي ،فقال له :ل تزجرنسي ،فإنسي أحسسن منك .قال :كيسف ذلك ? قال :لنك أعور
اليمنسسى ،وأنسسا أعور اليسسسرى .فضحسسك الميسسر والحاضرون .وخجسسل القاضسسي ،ولم
يستطع أن يرد عليه .والشرفاء ببلد الهند معظمون أشد التعظيم .وكان بهذه المدينة
من الصالحين الحاج ناصر من أهل ديار بكر ،وسكناه بقبة من قباب الجامع .دخلنا
إليه ،وأكلنا من طعامه .واتفق له لما دخل القاضي جلل مدينة كنباية حين خلفه،
أنسه أتاه ،وذكسر للسسلطان أنسه دعسا له .فهرب لئل يقتسل كمسا قتسل الحيدري .وكان بهسا
أيضاً من الصالحين التاجر خواجه إسحاق ،وله زاوية يطعم فيها الوارد والصادر،
وينفسق على الفقراء والمسساكين .وماله على هذا ينمسو ويزيسد كثرة .وسسافرنا مسن هذه
المدينة إلى بلد كاوي ،وهي على خور فيه المد والجزر وهي من بلد الري جالنسي
الكافسسر ،وسسسنذكره .وسسسافرنا منهسسا إلى مدينسسة قندهار " وضبسسط اسسسمها بفتسسح القاف
وسسسكون النون وفتسسح الدال المهمسسل وهاء والف وراء " ،وهسسي مدينسسة كسسبيرة للكفار
سلطان قندهار كافر اسمه جالنسي " بفتح الجيم واللم وسكون النون وكسر السين
المهمل " ،وهو تحت حكم السلم ،ويعطي لملك الهند هدية كل عام .لما وصلنا إلى
قندهار خرج إلى اسستقبالنا ،وعظمنسا أشسد التعظيسم ،وخرج عسن قصسره فأنزلنسا بسه.
وجاء إلينسسسا مسسسن عنده مسسسن كبار المسسسسلمين كأولد خواجسسسه بهره .ومنهسسسم الناخوذة
إبراهيم ،له ستة من المراكب مختصة له .ومن هذه المدينة ركبنا البحر
وركبنسا فسي مركسب لبراهيسم المذكور تسسمى الجاكسر " بفتسح الجيسم والكاف المعقودة
" .وجعلنسا فيسه مسن خيسل الهديسة سسبعين فرسساً ،وجعلنسا باقيهسا مسع خيسل أصسحابنا فسي
مركسسب لخسسي إبراهيسسم المذكور يسسسمى منورت " بفتسسح الميسسم ونون وواو مسسد وراء
مسسسكن وتاء معلوة " وأعطانسسا جالنسسسي مركباً جعلنسسا فيسسه ظهيسسر الديسسن وسسسنبل
وأصسحابهما ،وجهزه لنسا بالماء والزاد والعلف .وبعسث معنسا ولداً فسي مركسب يسسمى
العكيري " بضسسم العيسسن المهمسسل وفتسسح الكاف وسسسكون الياء وراء " ،وهسسو شبسسه
الغراب ،إل أنسه أوسسع منسه .وفيسه سستون مجذافاً .ويسسقف حيسن القتال حتسى ل ينال
الجذافيسسن شيسسء مسسن السسسهم ول الحجارة .وكان ركوبسسي أنسسا فسسي الجاكسسر ،وكان فيسسه
خمسسسون راميًا وخمسسسون مسسن المقاتلة الحبشسسة ،وهسسم زعماء هذا البحسسر .وإذا كان
بالمركب أحد منهم تحاماه لصوص الهنود وكفارهم .ووصلنا بعد يومين إلى جزيرة
بيرم " وضبسط اسسمها بفتسح الباء الموحدة وسسكون الياء وفتسح الراء " ،وهسي خاليسة.
وبينهسا وبيسن البر أربعسة أميال .فنزلنسا بهسا ،واسستقينا الماء مسن حوض بهسا .وسسبب
خرابهسا أن المسسلمين دخلوهسا على الكفار فلم تعمسر بعسد .وكان ملك التجار الذي تقدم
ذكره أراد عمارتهسسا ،وبنسسى سسسورها ،وجعسسل بهسسا المجانيسسق ،وأسسسكن بهسسا بعسسض
المسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلمين.
ثسم سسافرنا منهسا ووصسلنا فسي اليوم الثانسي إلى مدينسة قوقسة وهسي " بضسم القاف الولى
وفتسح الثانيسة " ،وهسي مدينسة كسبيرة عظيمسة السسواق ،فرسسينا على أربعسة أميال منهسا
بسسبب الجزر ،ونزلت فسي عشاري مسع بعسض أصسحابي حيسن الجزر لدخسل إليهسا،
فوحسل العشاري فسي الطيسن ،وبقسي بيننسا وبيسن البلد نحسو ميسل .فكنست لمسا نزلنسا فسي
الوحل أتوكأ على رجلين من أصحابي وخوفني الناس من وصول المد قبل وصولي
إليها،وأنا ل أحسن السباحة ،ثم وصلت إليها ،وطفت بأسواق ،ورأيت بها مسجدها
ينسسب للخضسر وإلياس عليهمسا السسلم .صسليت بسه المغرب ووجدت بسه جماعسة مسن
وسسسلطانها كافسسر يسسسمى دنكول " بضسسم الدال المهمسسل وسسسكون النون وضسسم الكاف
وواو ولم " .وكان يظهسر الطاعسة لملك الهنسد ،وهسو فسي الحقيقسة عاص .ولمسا أقلعنسا
عسن هذه المدينسة ووصسلنا بعسد ثلثسة أيام إلى جزيرة سسندابور " وضبسط اسسمها بفتسح
السسين المهمسل وسسكون النون وفتسح الدال المهمسل والف وباء موحدة وواو مسد وراء
" ،وهي جزيرة في وسطها ست وثلثون قرية ،ويدور بها خور ،وإذا كان الجزر
فماؤهسا عذب طيسب ،وإذا كان المسد فهسو ملح أجاج .وفسي وسسطها مدينتان :إحداهمسا
قديمسة مسن بناء الكفار ،والثانيسة بناهسا المسسلمون عنسد اسستفتاحهم لهذه الجزيرة الفتسح
الول ،وفيهسسا مسسسجد جامسسع عظيسسم يشبسسه مسسساجد بغداد عمره الناخوذة حسسسن والد
السلطان جمال الدين محمد الهنوري ،وسيأتي ذكره .وذكر عند حضوري معه لفتح
هذه الجزيرة الفتسسسح الثانسسسي إن شاء ال .وتجاوزنسسسا هذه الجزيرة لمسسسا مررنسسسا بهسسسا،
وأرسسسينا على جزيرة صسسغيرة قريبسسة مسسن البر ،فيهسسا كنيسسسة وبسسستان وحوض ماء،
ولما نزلنا بهذه الجزيرة الصغرى وجدنا بها جوكياً مستنداً إلى حائط بدخانة ،وهي
بيست الصسنام ،وهسو فيمسا بيسن صسنمين منهسا ،وعليسه أثسر المجاهدة .فكلمناه فلم يتكلم،
ونظرنا هل معسه طعام ،فلم نر معه طعاماً .وفسي حين نظرنا ،صاح صيحة عظيمة
فسسقطت عنسد صسياحه جوزة مسن جوز النارجيسل بيسن يديسه ،ودفعهسا لنسا .فعجبنسا مسن
ذلك ،ودفعنسا له دنانيسر ودراهسم فلم يقبلهسا .وأتيناه بزاد فرده .وكانست بيسن يديسه عباءة
مسسن صسسوف الجمال مطروحسسة فقلبتهسسا بيدي ،فدفعهسسا لي .وكانسست بيدي سسسبحة زيلع
فقلبها في يدي فأعطيته إياها ،ففركها بيده وشمها وقبلها ،وأشار إلى السماء ،ثم إلى
سسمت القبلة .فلم يفهسم أصسحابي إشارتسه ،ففهمست أنسا عنسه أنسه أشار أنسه مسسلم يخفسي
إسلمه من أهل تلك الجزيرة ،ويتعيش من تلك الجوز .ولما ودعناه قبلت يده .فأنكر
أصسسحابي ذلك .ففهسسم إنكارهسسم .فأخسسذ يدي وقبلهسسا وتبسسسم ،وأشار لنسسا بالنصسسراف
فانصرفنا .وكنت آخر أصحابي خروجاً ،فجذب ثوبي فرددت رأسي إليه .فأعطاني
عشرة دنانير .فلما خرجنا عنه قال لي أصحابي :لم جذبك ? فقلت لهم :أعطاني هذه
الدنانير وأعطيت لظهير الدين ثلثة منها ،ولسنبل ثلثة ،وقلت لهما :الرجل مسلم،
أل ترون كيف أشار إلى السماء ? يشير إلى أنه يعرف ال تعالى ،وأشار إلى القبلة،
يشيسر إلى معرفسة الرسسول عليسه السسلم ،وأخذه السسبحة يصسدق ذلك .فرجعسا لمسا قلت
لهمسسا ذلك إليسسه فلم يجداه .وسسسافرنا تلك السسساعة .وبالغسسد وصسسلنا إلى مدينسسة هنور "
وضبط اسمها بكسر الهاء وفتح النون وسكون الواو وراء " ،وهي على خور كبير
تدخله المراكب الكبار .والمدبنة على نصف ميل من البحر .وفي أيام البشكال ،وهو
المطسر ،يشتسد هيجان هذا البحسر وطغيانسه ،فيبقسى مدة أربعسة أشهسر ل يسستطيع أحسد
ركوبسه إل للتصسيد فيسه .وفسي يوم وصسولنا إليهسا جاءنسي أحسد الجوكيسة مسن الهنود فسي
خلوة ،وأعطانسي سستة دنانيسر ،وقال لي :البرهمسي بعثهسا إليسك ،يعنسي الجوكسي الذي
أعطيتسسه السسسبحة .وأعطانسسي الدنانيسسر فأخذتهسسا منسسه ،وأعطيتسسه ديناراً منهسسا فلم يقبله،
وانصسرف .وأخسبرت صساحبي بالقضيسة ،وقلت لهمسا :إن شئتمسا فخذا نصسيبكما منهسا،
فأبيسا وجعل يعجبان مسن شأنسه .وقال لي :إن الدنانيسر السستة التسي أعطيتنسا إياهسا جعلنسا
معهسسا مثلهسسا ،وتركناهسسا بيسسن الصسسنمين حيسسث وجدناهسسا .فطال عجسسبي مسسن أمره،
واحتفظسست بتلك الدنانيسسر التسسي أعطانيهسسا .وأهسسل مدينسسة هنور شافعيسسة المذهسسب .لهسسم
صسلح وديسن وجهاد فسي الحرب وقوة ،وبذلك عرفوا ،حتسى أذلهسم الزمان بعسد فتحهسم
لسسندابور ،وسسنذكر ذلك .ولقيست مسن المتعبديسن بهذه المدينسة الشيسخ محمسد الناقوري،
أضافني بزاويته .وكان يطبخ الطعام بيده استقذاراً للجارية والغلم .ولقيت بها الفقيه
إسسماعيل معلم كتاب ال تعالى وهسو ورع حسسن الخلق كريسم النفسس ،والقاضسي بهسا
نور الديسسن علي ،والخطيسسب ل أذكسسر اسسسمه .ونسسساء هذه المدينسسة وجميسسع هذه البلد
السساحلية ل يلبسسن المخيسط ،وإنمسا يلبسسن ثياباً غيسر مخيطسة .تحتزم إحداهسن بأحسد
طرفسسي الثوب وتجعسسل باقيسسه على رأسسسها وصسسدرها .ولهسسن جمال وعفاف .وتجعسسل
إحداهن خرص ذهب في أنفها .ومن خصائصهن أنهن جميعاً يحفظن القرآن الكريم.
ورأيت بالمدينة ثلثة عشر مكتباً لتعليم البنات ،وثلثة وعشرين لتعليم الولد .ولم
أر ذلك فسي سسواها .ومعاش أهلهسا مسن التجارة فسي البحسر .ول زرع لهسم .وأهسل بلد
المليبار يعطون للسسلطان جمال الديسن فسي كسل عام شيئاً معلوماً ،خوفاً منسه لقوتسه فسي
وهو السلطان جمال الدين محمد بن حسن ،من خيار السلطين وكبارهم وهو تحت
حكم سلطان كافر يسمى هريب ،سنذكره .والسلطان جمال الدين مواظب للصلة في
الجماعسة .وعادتسه أن يأتسي إلى المسسجد قبسل الصسبح ،فيتلو فسي المصسحف حتسى يطلع
الفجسر ،فيصسلي أول وقست ،ثسم يركسب إلى خارج المدينسة .ويأتسي عنسد الضحسى فيبدأ
بالمسسجد ،فيركسع فيسه ثسم يدخسل فيسه ،ثسم يدخسل إلى قصسره .وهسو يصسوم اليام البيسض
وكان أيام إقامتسسي عنده يدعونسسي للفطار معسسه فأحضسسر لذلك ،ويحضسسر الفقيسسه علي
والفقيسه إسسماعيل .فتوضسع أربسع كراسسي صسغار على الرض .فيقعسد على إحداهسا،
وترتيبه أن يؤتى بمائدة نحاس يسمونها خونجة ،ويجعل عليها طبق نحاس يسمونه
الطالم " بفتح الطاء المهمل وفتح اللم " ،وتأتي جارية حسنة ملتحفة بثوب حرير،
فتقدم قدور الطعام بيسسن يديسسه ،ومعهسسا مغرفسسة نحاس كسسبيرة ،فتغرف بهسسا مسسن الرز
مغرفسة واحدة ،وتجعلهسا فسي الطالم ،وتصسب فوقهسا السسمن ،وتجعسل مسع ذلك عناقيسد
الفلفل المملوح والزنجبيل الخضر والليمون المملوح والعنبا ،فيأكل النسان لقمة،
ويتبعها بشيء من تلك الموالح .فإذا تمت الغرفة التي جعلها في الطالم غرفت غرفة
أخرى مسن الرز ،وأفرغست دجاجسة مطبوخسة فسي سسكرجة ،فيؤكسل بهسا الرز أيضاً.
فإذا تمت الغرفة الثانية ،وغرفت وأفرغت لوناً آخر من الدجاج تؤكل به .فإذا تمت
ألوان مسسن الدجاج ،أتوا بألوان مسسن السسسمك ،فيأكلون بهسسا الرز أيضاً .فإذا فرغسست
ألوان السسمك أتوا بالخضسر مطبوخسة بالسسمن ،واللباب فيأكلون بهسا الرز ،فإذا فرغ
ذلك كله أتوا بالكوشان ،وهسو اللبسن الرائب ،وبهذا يختمون طعامهسم .فإذا وضسع علم
أنسسه لم يبسسق شيسسء يؤكسسل بعده .ثسسم يشربون على ذلك الماء السسسخن ،لن الماء البارد
يضسر بهسم في فصسل نزول المطر .ولقد أقمت عند هذا السلطان فسي كرة أخرى أحد
عشسر شهراً لم آكسل خبزاً ،إنمسا طعامهسم الرز .وبقيست أيضاً بجزائر المهسل وسسيلن
وبلد المعسبر والمليبار ثلث سسنين ل آكسل فيهسا إل الرز ،حتسى كنست ل أسستسيغه إل
بالماء .ولباس هذا السلطان ملحف الحرير والكتان الرقاق ،يشد في وسطه فوطة،
ويلتحف ملحفتين :إحداهما فوق الخرى .ويقص شعره ،ويلف عليه عمامة صغيرة.
وإذا ركسسب لبسسس قباء ،والتحسسف بملحفتيسسن فوقسسه .وتضرب بيسسن يديسسه طبول وأبواق
يحملهسا الرجال .وكانست إقامتنسا عنده فسي هذه المرة ثلثسة أيام .وزودنسا وسسافرنا عنسه.
وبعسد ثلثسة أيام وصسلنا إلى بلد المليبار " بضسم الميسم وفتسح اللم وسسكون الياء آخسر
الحروف وفتسسسح الباء الموحدة وألف وراء " ،وهسسسي بلد الفلفسسسل .وطولهسسسا مسسسسيرة
شهريسن على سساحل البحسر مسن سسندابور إلى كولم ،والطريسق فسي جميعهسا بيسن ظلل
الشجار .وفسي كسل نصسف ميسل بيست مسن الخشسب فيسه دكاكيسن يقعسد عليهسا كسل وارد
وصسادر مسن مسسلم وكافسر .وعنسد كسل بيست منهسا بئر يشرب منهسا ورجسل كافسر موكسل
بهسا .فمسن كان كافراً سسقاه فسي الوانسي ،ومسن كان مسسلماً سسقاه فسي يديسه .ول يزال
يصسب له حتسى يشيسر له أن يكسف .ومن عادة الكفار ببلد المليبار أن ل يدخسل المسسلم
دورهم ،ول يطعم في أوانيهم .فإن طعم فيها كسروها وأعطوها للمسلمين .وإذا دخل
المسسسلم موضعاً منهسسا ل يكون فسسي دار للمسسسلمين ،طبخوا له الطعام وصسسبوه على
أوراق الموز وصبوا عليه الدام ،ومسا فضسل عنسه تأكله الكلب والطير ،وفسي جميع
المنازل بهذا الطريسق ديار المسسلمين ينزل عندهسم المسسلمون فيسبيعون منهسم جميسع مسا
يحتاجون إليسه ،ويطبخون لهسم الطعام .ولولهسم لمسا سسافر فيسه مسسلم .وهذا الطريسق
الذي ذكرنسا أنسه مسسيرة شهريسن ،ليسس فيسه موضسع شسبر فمسا فوقسه دون عمارة .وكسل
إنسان بستانه على حدة وداره في وسطه .وعلى الجميع حائط خشب .والطريق يمر
في البساتين .فإذا انتهى إلى حائط بستان كان هنالك درج خشب يصعد عليها ودرج
آخسر ينزل عليهسا إلى البسستان الخسر .هكذا مسسيرة الشهريسن .ول يسسافر أحسد فسي تلك
البلد بدابسة ،ول تكون الخيسل إل عنسد السسلطان .وأكثسر ركوب أهلهسا فسي دولة على
رقاب العبيسد أو المسستأجرين .ومسن لم يسستطع أن يركسب فسي دولة ،مشسى على قدميسه
كائناً مسن كان .ومسن كان له رحسل أو متاع مسن تجارة وسسواها اكترى رجالً يحملونسه
على ظهورهم .فنرى هنالك التاجر ومعه المائة فما دونها أو فوقها ،يحملون أمتعته،
وبيسد كسل واحسد منهسم عود غليسظ له زج حديسد ،وفسي أعله مخطاف حديسد ،فإذا أعيسا
ولم يجسد دكانةً يسستريح عليهسا ،ركسز عوده بالرض ،وعلق حمله منهسا ،فإذا اسستراح
أخسذ حمله مسن غيسر معيسن ،ومضسى بسه .ولم أر طريقاً آمسن مسن هذا الطريسق .وهسم
يقتلون السارق على الجوزة الواحدة .فإذا سقط شيء من الثمار لم يلتقطه أحد ،حتى
يأخذه صساحبه .وأخسبرت أن بعسض الهنود مروا على الطريسق فالتقسط أحدهسم جوزة.
وبلغ خسبره إلى الحاكسم ،فأمسر بعود ،فركسز فسي الرض وبرى طرفسه العلى وأدخسل
فسي لوح خشسب حتسى برز منسه .ومسد الرجسل على اللوح ،وركسز فسي العود وهسو على
بطنسسه حتسسى خرج مسسن ظهره ،وترك عسسبرة للناظريسسن .ومسسن هذه العيدان على هذه
الصورة بتلك الطرق كثير ليراها الناس فيتعظوا .ولقد كنا نلقى الكفار بالليل في هذه
الطريق فإذا رأونا تنحوا عن الطريق حتى نجوز .والمسلمون أعز الناس بها ،غير
أنهسسم كمسسا ذكرنسسا ل يؤاكلونهسسم ول يدخلونهسسم دورهسسم .وفسسي بلد المليبار اثنسسا عشسسر
سلطاناً من الكفار .منهم القوي الذي يبلغ عسكره خمسين ألفاً ،ومنهم الضعيف الذي
عسسكره ثلثسة آلف .ول فتنسة بينهسم ألبتسة ،ول يطمسع القوي منهسم فسي انتزاع مسا بيسد
الضعيسسف .وبيسسن بلد أحدهسسم وصسساحبه باب خشسسب منقوش فيسسه اسسسم الذي هسسو مبدأ
عمالته ،ويسمونه باب أمان فلن .وإذا فر مسلم أو كافر بسبب جناية من بلد أحدهم
ووصل إلى باب أمان الخر أمن على نفسه .ولم يستطع الذي هرب عنه أخذه ،وإن
كان القوي صاحب العدد والجيوش .وسلطين تلك البلد يورثون ابن الخت ملكهم
دون أولدهسم .ولم أر مسن يفعسل ذلك إل مسسوفة أهسل الثلم " اللثام " ،وسسنذكرهم فيمسا
بعسد .وإذا أراد السسلطان مسن أهسل بلد المليبار منسع الناس مسن البيسع أو الشراء أمسر
بعسض غلمانسه ،فعلق على الحوانيت بعسض أغصان الشجار بأوراقهسا ،فل يسبيع أحسد
ذكر الفلفل
وشجرات الفلفل شبيهة بدوالي العنب ،وهم يغرسونها إزاء النارجيل ،فتصعد فيها
كصسعود الدوالي إل أنهسا ليسس لهسا عسسلوج ،وهسو الغزل كمسا للدوالي ،وأوراق شجره
تشبسه آذان الخيسل .وبعضهسا يشبسه أوراق العليسق ،ويثمسر عناقيسد صسغاراً .حبهسا كحسب
أبسي قنينسة ،إذا كانست خضراء .وإذا كان أوان الخريسف قطفوه وفرشوه على الحصسر
في الشمس .كما يصنع بالعنب عند تزبيبه .ول يزالون يقلبونه حتى يستحكم يبسه،
ثسسم يسسبيعونه مسسن التجار .والعامسسة ببلدنسسا يزعمون أنهسسم يقلونسسه بالنار .وبسسسبب ذلك
يحدث فيسه التكريسش ،وليسس كذلك وإنمسا يحدث ذلك فيسه بالشمسس .ولقسد رأيتسه بمدينسة
قالقوط ،يصب للكيل ،كالذرة ببلدنا .وأول مدينة دخلناها من بلد المليبار مدينة أبي
سسسرور " بفتسسح السسسين " ،وهسسي صسسغيرة على خور كسسبير ،كثيرة أشجار النارجيسسل.
وكسبير المسسلمين بهسا الشيسخ جمعسه المعروف بأبسي سستة ،أحسد الكرماء .أنفسق أمواله
على الفقراء والمسساكين حتسى نفدت .وبعسد يوميسن منهسا وصسلنا إلى مدينسة فاكنور "
وضبسط اسسمها بفتسح الفاء والكاف والنون وآخره راء " مدينسة كسبيرة على خور بهسا
قصسب السسكر الكثيسر الطيسب لذي ل مثيسل له بتلك البلد .وبهسا جماعسة مسن المسسلمين
يسسمى كسبيرهم بحسسين السسلط ،وبهسا قاض وخطيسب .وعمسر بهسا حسسين المذكور
وسسسلطان فاكنور كافسسر اسسسمه باسسسدو " بفتسسح الباء الموحسسد والسسسين المهمسسل والدال
المهمسسل وسسسكون الواو " ،وله نحسسو ثلثيسسن مركباً حربياً قائدهسسا مسسسلم يسسسمى لول،
وكان مسن المفسسدين يقطسع بالبحسر ويسسلب التجار .ولمسا أرسسينا على فاكنور ،وبعسث
سسسلطانها إلينسسا ولده ،فأقام بالمركسسب كالرهينسسة ،ونزلنسسا إليسسه .فأضافنسسا ثلثاً بأحسسسن
ضيافسة تعظيماً لسسلطان الهنسد ،وقياماً بحقسه رغبسة فيمسا يسستفيده فسي التجارة مسع أهسل
مراكبنا .ومن عادتهم هنالك أن كل مركب يمر ببلد فل بد من إرسائه بها ،وإعطائه
هديسة إلى صساحب البلد ،يسسمونها حسق البندر .ومسن لم يفعسل ذلك خرجوا فسي اتباعسه
بمراكبهسم ،وأدخلوه المرسسى قهراً ،وضاعفوا عليسه المغرم ،ومنعوه عسن السسفر مسا
شاءوا .وسسافرنا منهسا ،فوصسلنا بعسد ثلثسة أيام إلى مدينسة منجرور " وضبسط اسسمها
بفتسح الميسم وسسكون النون وفتسح الجيسم وضسم الراء وواو وراء ثاينسة " مدينسة كسبيرة
على خور ،يسسمى خور الدنسب " بضسم الدال المهمسل وسسكون النون وباء موحدة "،
وهسسسو أكسسسبر خور ببلد المليبار .وبهذه المدينسسسة ينزل معظسسسم تجار فارس واليمسسسن.
ذكر سلطانها
وهسو أكسبر سسلطين تلك البلد واسسمه رام دو " بفتسح الراء والميسم والدال المهمسل
وسسسكون الواو " ،وبهسسا نحسسو أربعسسة آلف مسسن المسسسلمين ،يسسسكنون ربضاً بناحيسسة
المدينسة .ربمسا وقعست الحرب بينهسم وبيسن أهسل المدينسة ،فيصسلح بينهسم لحاجتسه إلى
التجار .وبها قاض من الفضلء الكرماء شافعي المذهب يسمى بدر الدين المعيري،
وهسو يقرئ العلم .صسعد إلينسا ،إلى المركسب ،ورغسب منسا فسي النزول إلى بلده ،فقلنسا
حتسى يبعسث ولده يقيسم بالمركسب .فقال :إنمسا يفعسل ذلك سسلطان فاكنور ،لنسه ل قوة
للمسلمين في بلده .وأما نحن فالسلطان يخافنا .فأبينا عليه إلى أن بعث السلطان ولده،
كمسا فعسل الخسر ،ونزلنسا إليهسم .فأكرمونسا إكراماً عظيماً .وأقمنسا عنده ثلثسة أيام .ثسم
سسافرنا إلى مدينسة هيلي ،فوصسلناها بعسد يوميسن " وضبسط اسسمها بهاء مكسسورة وياء
مسد ولم مكسسور " ،وهسي كسبيرة حسسنة العمارة ،على خور عظيسم تدخله المراكسب
الكبار .وإلى هذه المدينسة تنتهسي مراكسب الصسين .ل تدخسل إل مرسساها ومرسسى كولم
وقالقوط .ومدينسة هيلي معظمسة عنسد المسسلمين والكفار بسسبب مسسجدها الجامسع ،فإنسه
عظيم البركة مشرق النور .وركاب البحر ينذرون له النذور الكثيرة .وله خزانة مال
عظيمسة تحست نظسر الخطيسب حسسين وحسسن الوزان كسبير المسسلمين .وبهذا المسسجد
جماعة من الطلبة يتعلمون العلم ،ولهم مرتبات من مال المسجد .وله مطبخة يصنع
فيها الطعام للوارد والصادر ،ولطعام الفقراء من المسلمين بها .ولقيت بهذا المسجد
فقيهاً صالحاً من أهل مقدشو يسمى سعيداً ،حسن اللقاء والخلق .يسرد الصوم .وذكر
أنسه جاور بمكسة أربسع عشرة سسنة ،ومثلهسا بالمدينسة .وأدرك الميسر بمكسة أبسا نمسي،
والميسر بالمدينسة منصسور بسن جماز ،وسسافر فسي بلد الهنسد والصسين .ثسم سسافرنا مسن
هيلي إلى مدينسة جرفتسن " وضبسط اسسمها بضسم الجيسم وسسكون الراء وفتسح الفاء وفتسح
التاء المعلوة وتشديدهسا وآخره نون " ،وبينسه وبيسن هيلي ثلثسة فراسسخ .ولقيست بهسا
فقيهاً مسسن أهسسل بغداد كسسبير القدر يعرف بالصسسرصري ،نسسسبة إلى بلدة على مسسسافة
عشرة أميال مسسن بغداد فسسي طريسسق الكوفسسة ،واسسسمها كاسسسم صسسرصر التسسي عندنسسا
بالمغرب .وكان له أخ بهذه المدينسسة كثيسسر المال ،له أولد صسسغار أوصسسى إليسسه بهسسم.
وتركتسسه آخذاً فسسي حملهسسم إلى بغداد .وعادة أهسسل الهنسسد كعادة السسسودان ل يتعرضون
لمال الميت ،ولو ترك اللف إنما يبقى ماله بيد كبير المسلمين ،حتى يأخذه مستحقه
شرعاً.
ذكر سلطانها
وهسو يسسمى بكويسل " بضسم الكاف على لفسظ التصسغير " ،وهسو مسن أكسبر سسلطين
المليبار .وله مراكسسسب كثيرة تسسسسافر إلى عمان وفارس واليمسسسن .ومسسسن بلده فتسسسن
وبدفتسسن ،وسسسنذكرهما .وسسسرنا مسسن جرفتسسن إلى مدينسسة ده فسسن " بفتسسح الدال المهمسسل
وسسسكون الهاء " ،وقسسد ذكرنسسا ضبسسط فتسسن .وهسسي مدينسسة كسسبيرة على خور ،كثيرة
البساتين .وبها النارجيل والفلفل والفوفسل والتنبول ،وبها القلقاص الكثير ،ويطبخون
بسه اللحسم .وأمسا الموز فلم أر فسي البلد أكثسر منسه بهسا ول أرخسص ثمناً .وفيهسا البايسن
العظسسم ،طوله خمسسسمائة خطوة وعرضسسه ثلثمائة خطوة .وهسسو مطوي بالحجارة
الحمسر المنحوتسة ،وعلى جوانبسه ثمانٍس وعشرون قبسة مسن الحجسر .فسي كسل قبسة أربعسة
مجالس مسن الحجسر .وكسل قبسة يصسعد إليهسا على درج حجارة .وفسي وسسطه قبسة كسبيرة
من ثلث طبقات ،في كل طبقة أربعة مجالس .وذكر لي أن والد هذا السلطان كويل
هو الذي عمر هذا الباين .وبإزائه مسجد جامع للمسلمين ،وله أدراج ينزل منها إليه
فيتوضسأ منسه الناس ويغتسسلون .وحدثنسي الفقيسه حسسين أن الذي عمسر المسسجد والبايسن
أيضاً هو أحد أجداد كويل ،وأنه كان مسلماً ،ولسلمه خبر عجيب نذكره.
ورأيست أنسا بإزاء الجامسع شجرة خضراء تشبسه أوراقهسا أوراق التيسن ،إل أنهسا لينسة.
وعليهسا حائط يطيسف بهسا ،وعندهسا محراب صسليت فيسه ركعتيسن .واسسم هذه الشجرة
عندهسم درخست الشهادة ودرخست " بفتسح الدال المهمسل والراء وسسكون الخاء المعجسم
وتاء معلوة " وأخبرت هنالك أنه إذا كان زمان الخريف من كل سنة ،تسقط من هذه
الشجرة ورقة واحدة بعد أن يستحيل لونها إلى الصفرة ،ثم إلى الحمرة ،ويكون فيها
مكتوباً بقلم القدرة :ل اله إل ال محمسد رسسول ال .وأخسبرني الفقيسه حسسين وجماعسة
مسسن الثقات أنهسسم عاينوا هذه الورقسسة ،وقرأوا المكتوب الذي فيهسسا .وأخسسبرني أنسسه إذا
كانسست أيام سسسقوطها قعسسد تحتهسسا الثقات مسسن المسسسلمين والكفار ،فإذا سسسقطت أخسسذ
المسسلمون نصسفها ،وجعسل نصسفها فسي خزانسة السسلطان الكافسر ،وهسم يسستشفون بهسا
للمرضى .وهذه الشجرة كانت سبب إسلم جد كويل الذي عمر المسجد والباين .فإنه
كان يقرأ الخط العربي .فلما قرأها وفهم ما فيها أسلم وحسن إسلمه .وحكايته عندهم
متواترة .وحدثنسي الفقيسه حسسين أن أحسد أولده كفسر بعسد أبيسه وطغسى ،وأمسر باقتلع
الشجرة مسن أصسلها فاقتلعست ،ولم يترك لهسا أثسر .ثسم نبتست بعسد ذلك ،وعادت كأحسسن
مما كانت عليه ،وهلك الكافر سريعاً .ثم سافرنا إلى مدينة بدفتن .وهي مدينة كبيرة
على خور كسبير ،وبخارجهسا مسسجد بمقربسة مسن البحسر يأوي إليسه غرباء المسسلمين.
لنه ل مسلم بهذه المدينة .ومرساها من أحسن المراسي ،وماؤها عذب ،والفوفل بها
كثيسر .ومنهسا يحمسل للهنسد والصسين .وأكثسر أهلهسا براهمسة .وهسم معظمون عنسد الكفار،
حكايسة أخسبرت أن سسبب تركهسم هذا المسسجد غيسر مهدوم ،أن أحسد البراهمسة خرب
سسقفه ليصسنع منسه سسقفاً لبيتسه ،فاشتعلت النار فسي بيتسه .فأحرق هسو وأولده ومتاعسه.
فاحترموا هذا المسسسجد ،ولم يتعرضوا له بسسسوء بعدهسسا ،وخدموه ،وجعلوا بخارجسسه
الماء ،يشرب منسسه الصسسادر والوارد وجعلوا على بابسسه شبكسسة لئل يدخله الطيسسر .ثسسم
سسافرنا مسن مدينسة بدفتسن إلى مدينسة فندرينسا " وضبسط اسسمها بفاء مفتوح ونون سساكن
ودال مهمسل وراء مفتوحسة وياء آخسر الحروف " ،مدينسة كسبيرة حسسنة ذات بسساتين
وأسسسواق .وبهسسا للمسسسلمين ثلث محلت ،فسسي كسسل محلة مسسسجد والجامسسع بهسسا على
الساحل ،وهو عجيب ،له مناظر ومجالس على البحر .وقاضيها وخطيبها رجل من
أهسل عمان ،وله أخ فاضسل .وبهذه البلدة تشتسو مراكسب الصسين .ثسم سسافرنا منهسا إلى
مدينسة قالقوط " وضبسط اسسمعا بقافيسن وكسسر اللم وضسم القاف الثانسي وآخره طاء
مهمسسل " ،وهسسي إحدى البنادر العظام ببلد المليبار .يقصسسدها أهسسل الصسسين والجاوة
وسيلن والمهل وأهل اليمن وفارس .ويجتمع بها تجار الفاق .ومرساها من أعظم
مراسي الدنيا.
وسلطانها كافر يعرف بالسامري ،شيخ مسن يحلق لحيته ،كما تفعل طائفة الروم،
رأيتسسه بهسسا ،وسسسنذكره إن شاء ال .وأميسسر التجار بهسسا إبراهيسسم شاه بندر مسسن أهسسل
البحريسن فاضسل ذو مكارم ،يجتمسع إليسه التجار ،ويأكلون فسي سسماطه .وقاضيهسا فخسر
الدين عثمان فاضل كريم ،وصاحب الزاوية بها الشيخ شهاب الدين الكازروني ،وله
تعطى النذور التي ينذر بها أهل الهند والصين للشيخ أبي إسحاق الكازروني نفع ال
به .وبهذه المدينة الناخوذة مثقال ،الشهير السم ،صاحب الموال الطائلة والمراكب
الكثيرة لتجارتسه بالهنسد والصسين واليمسن وفارس .ولمسا وصسلنا إلى هذه المدينسة ،خرج
إلينسسسا إبراهيسسسم شاه بندر ،والقاضسسسي ،والشيسسسخ شهاب الديسسسن ،وكبار التجار ،ونائب
السلطان الكافر والمسمى بقلج " ،بضم القاف وآخره جيم " ومعه الطبال والنفار
والبواق والعلم في مراكبهم .ودخلنا المرسى في بروز عظيم ما رأيت مثله بتلك
البلد .فكانسست فرحسسة تتبعهسسا ترحسسة .وأقمنسسا بمرسسساها ،وبسسه يومئذ ثلثسسة عشسسر مسسن
مراكسب الصسين ونزلنسا بالمدينسة .وجعسل كسل واحسد منسا فسي دار .وأقمنسا ننتظسر زمان
السفر إلى الصين ثلثة أشهر ،ونحن في ضيافة الكافر ،وبحر الصين ل يسافر فيه
ومراكسب الصسين ثلثسة أصسناف :الكبار منهسا تسسمى الجنوك ،واحدهسا جنسك " بجيسم
معقود مضموم ونون سسسساكن " ،والمتوسسسسطة اسسسسمها الزو " بفتسسسح الزاي وواو "،
والصسغار اسسم أحدهسا الككسم " بكافيسن مفتوحتيسن " .ويكون فسي المركسب الكسبير منهسا
اثنا عشر قلعًا فما دونها إلى ثلثة .وقلعها من قضبان الخيزران منسوجة كالحصر
ل تحسط أبداً ،ويديرونهسا بحسسب دوران الريسح .وإذا أرسسوا تركوهسا واقفسة فسي مهسب
الريسح ،ويخدم فسي المركسب منهسا ألف رجسل ،منهسم البحريسة سستمائة ،ومنهسم أربعمائة
مسسن المقاتلة تكون فيهسسم الرماة وأصسسحاب الدرق والجرخيسسة ،وهسسم الذيسسن يرمون
بالنفسط ،ويتبع كل مركسب كسبير منا ثلثة :النصفي والثلثسي والربعسي .ول تصنع هذه
المراكسسب إل بمدينسسة الزيتون مسسن الصسسين ،أو بصسسين كلن ،وهسسي صسسين الصسسين.
وكيفية إنشائها أنهم يصنعون حائطين من الخشب ،يصلون ما بينهما بخشب ضخام
جداً ،موصسولة بالعرض والطول بمسسامير ضخام ،طول المسسمار منهسا ثلثسة أذرع.
فإذا التأم الحائطان بهذه الخشسب صسنعوا على أعلهمسا فرش السسفل ،ودفعوهمسا فسي
البحسر ،وأتموا عمله ،وتبقسى تلك الخشسب والحائطان مواليسة الماء ينزلون فيغتسسلون
ويقضون حاجتهسسسسم .وعلى جوانسسسسب تلك الخشسسسسب تكون مجاذيفهسسسسم ،وهسسسسي كبار
كالصواري ،يجتمع على أحدها العشرة والخمسة عشر رجلً ،ويجذفون وقوفاً على
أقدامهسم .ويجعلون للمركسب أربعسة ظهور ،ويكون فيسه البيوت والمصساري والغرف
للتجار ،والمصسسسرية منهسسسا يكون فيسسسه البيوت والسسسسنداس ،وعليهسسسا المفتاح يسسسسدها
صاحبها ،ويحمل معه الجواري والنساء ،وربما كان الرجل في مصريته فل يعرف
بعسسه غيره ممسسن يكون بالمركسسب ،حتسسى يتلقيسسا إذا وصسسل بعسسض البلد .والبحريسسة
يسسكنون فيسه أولدهسم ويزدرعون الخضسر والبقول والزنجبيسل فسي أحواض خشسب،
ووكيسل المركسب كأنسه أميسر كسبير ،وإذا نزل إلى البر مشست الرماة والحبشسة بالحراب
والسسسيوف والطبال والبواق والنفار أمامسسه .وإذا وصسسل إلى المنزل الذي يقيسسم بسسه
ركزوا رماحهم عن جانبي بابه ،ول يزالون كذلك مدة إقامته .ومن أهل الصين من
تكون له المراكب الكثيرة ،يبعث بها وكلءه إلى البلد .وليس في الدنيا أكثر أموالً
ولمسا حان وقست السسفر إلى الصسين ،جهسز لنسا السسلطان السسامري جنكاً مسن الجنوك
الثلثسسة عشسسر التسسي بمرسسسى قالقوط .وكان وكيسسل الجنسسك يسسسمى بسسسليمان الصسسفدي
الشامسي ،وبينسي وبينسه معرفسة .فقلت له :أريسد مصسرية ل يشاركنسي فيهسا أحسد ،لجسل
الجواري .ومسسن عادتسسي أن ل أسسسافر إل بهسسن .فقال :إن تجار الصسسين قسسد اكتروا
المصساري ذاهسبين وراجعيسن .ولصسهري مصسرية أعطيكهسا ،لكنهسا ل سسنداس فيهسا.
العبيد والجواري إلى الجنك ،وذلك في يوم الخميس .وأقمت لصلي الجمعة وألحق
بهسم .وصسعد الملك سسنبل وظهيسر الديسن مسع الهديسة .ثسم إن فتسى لي يسسمى بهلل أتانسي
غدوة الجمعة فقال :إن المصرية التي أخدناها بالجنك ضيقة ل تصلح ،فذكرت ذلك
للناخوذة ،فقال :ليسس فسي ذلك حيلة ،فإن أحببست أن تكون فسي الككسم ففيسه المصساري
على اختيارك .فقلت :نعسسسم .وأمرت أصسسسحابي ،فنقلوا الجواري والمتاع إلى الككسسسم.
واسسستقروا بسسه قبسسل صسسلة الجمعسسة .وعادة هذا البحسسر أن يشتسسد هيجانسسه كسسل يوم بعسسد
العصر ،فل يستطيع أحد ركوبه .وكانت الجنوك قد سافرت ،ولم يبق منها إل الذي
فيسه الهديسة ،وجنسك عزم أصسحابه على ان يشتوا بفندرينسا ،والككسم المذكور ،فبتنسا ليلة
السسبت على السساحل ،ل نسستطيع الصسعود إلى الككسم ،ول يسستطيع مسن فيسه النزول
إلينا .ولم يكن بقي معي إل بساط أفترشه .وأصبح الجنك والككم يوم السبت على بعد
مسن المرسسى .ورمسى البحسر بالجنسك الذي كان أهله يريدون فندرينسا ،فتكسسر .ومات
بعسض أهله ،وسسلم بعضهسم ،وكانست فيسه جاريسة لبعسض التجار عزيزة عليسه ،فرغسب
فسي إعطاء عشرة دنانيسر ذهباً لمسن يخرجهسا .وكانست قسد التزمست خشبسة فسي مؤخسر
الجنسك .فانتدب لذلك بعسض البحريسة الهرمزييسن فأخرجهسا .وأبسى أن يأخسذ الدنانيسر،
وقال :إنمسا فعلت ذلك ل تعالى .ولمسا كان الليسل رمسى البحسر بالجنسك الذي كانست فيسه
الهديسة ،فمات جميسع مسن فيسه .ونظرنسا عنسد الصسباح إلى مصسارعهم ،ورأيست ظهيسر
الديسسن قسسد انشسسق رأسسسه ،وتناثسسر دماغسسه ،والملك سسسنبل قسسد ضرب مسسسمار فسسي أحسسد
صدغيه ،ونفذ من الخر .وصلينا عليهما ودفناهما .ورأيت الكافر سلطان قالقوط في
وسطه شقة بيضاء كبيرة قد لفها من سرته إلى ركبته ،وفسي رأسه عمامة صغيرة،
وهو حافي القدمين ،والشطر بيد غلم فوق رأسه ،والنار توقد بين يديه في الساحل،
وزبانيته يضربون الناس لئل ينتهبوا ما يرمسي البحر .وعادة بلد المليبار أن كسل ما
انكسسر مسن مركسب يرجسع مسا يخرج منسه للمخزن إل فسي هذا البلد خاصسة ،فإن ذلك
يأخذه أربابسه .ولذلك عمرت ،وكثسر تردد الناس إليهسا .ولمسا رأى أهسل الككسم مسا حدث
عسن الجنسك ،رفعوا قلعهسم وذهبوا ،ومعهسم جميسع متاعسي وغلمانسي وجواري ،وبقيست
منفرداً على السساحل ،ليسس معسي إل فتسى كنست أعتقتسه .فلمسا رأى مسا حسل بسي ذهسب
عني ،ولم يبق عندي إل العشرة الدنانير التي أعطانيها الجوكي ،والبساط الذي كنت
أفترشه .وأخبرني الناس أن ذلك الككم ل بد له أن يدخل مرسى كولم ،فعزمت على
السفر إليها ،وبينهما مسيرة عشر في البر أو في النهر أيضاً لمن أراد ذلك .فسافرت
فسي النهسر ،واكتريست رجلً مسن المسسلمين يحمسل لي البسساط .وعادتهسم إذا سسافروا فسي
ذلك النهسسسر أن ينزلوا بالعشسسسي فيسسسبيتوا بالقري التسسسي على حافتيسسسه ،ثسسسم يعودوا إلى
المركسسب بالغدو .فكنسسا نفعسسل ذلك .ولم يكسن بالمركسب مسسسلم إل الذي اكتريتسسه ،وكان
يشرب الخمسر عنسد الكفار إذا نزلنا ،ويعربسد علي ،فيزيسد خاطري .ووصسلنا فسي اليوم
الخامسسس مسن سسفرنا إلى كنجسسي كري " وضبسسط اسسسمها بكاف مضموم ونون سساكن
وجيسم وياء مسد وكاف مفتوح وراء مسسكور وياء " ،وهسي بأعلى جبسل هنالك .يسسكنها
اليهود ،ولهم أمير منهم ،ويؤدون الجزية لسلطان كولم.
وجميسسع الشجار التسسي على هذا النهسسر أشجار القرفسسة والبقسسم ،وهسسي حطبهسسم هنالك.
ومنهسا كنسا نقسد النار لطبسخ طعامنسا فسي ذلك الطريسق .وفسي اليوم العاشسر وصسلنا إلى
مدينسسة كولم " وضبسسط اسسسمها بفتسسح الكاف واللم وبينهمسسا واو " ،وهسسي أحسسسن بلد
المليبار ،وأسواقها حسان ،وتجارها يعرفون بالصوليين " .بضم الصاد " لهم أموال
عريضسة " ،يشتري أحدهسم المركسب بمسا فيسه ،ويوسسقه مسن داره بالسسلع .وبهسا مسن
التجار المسلمين جماعة ،كبيرهم علء الدين الوجي من أهل آوة ،من بلد العراق.
وهسو رافضسي ،ومعسه أصسحاب له على مذهبسه ،وهسو يظهرون ذلك .وقاضيهسا فاضسل
من أهل قزوين .وكبير المسلمين بها محمد شاه بندر ،وله أخ فاضل كريم اسمه تقيي
الديسن .والمسسجد الجامسع بهسا عجيسب ،عمره التاجسر خواجسه مهذب .وهذه المدينسة أول
مسسا يوالي الصسسين مسسن بلد المليبار ،وإليهسسا يسسسافر أكثرهسسم .والمسسسلمون بهسسا أعزة
محترمون.
وهسو كافسر يعرف بالتيروري " بكسسر التاء المعلوة وياء مسد وراء وواو مفتوحيسن
وراء مكسورة وياء " وهو معظم للمسلمين .وله أحكام شديدة على السراق والدعار.
حكاية
وممسسا شاهدت بكولم أن بعسسض الرماة العراقييسسن قتسسل آخسسر منهسسم ،وفسسر إلى دار
الوجسي ،وكان له مال كثيسر ،وأراد المسسلمون دفسن المقتول ،فمنعهسم نواب السسلطان
من ذلك ،وقالوا :ل يدفن حتى تدفعوا لنا قاتله فيقتل به .وتركوه في تابوته على باب
الوجسي ،حتسى أنتسن وتغيسر .فمكنهسم الوجسي مسن القاتسل ،ورغسب منهسم أن يعطيهسم
حكاية
أخبرت أن السلطان كولم ركب يوماً إلى خارجها ،وكان طريقه فيما بين البساتين،
ومعسه صسهره زوج بنتسه ،وهسو مسن أبناء الملوك ،فأخسذ حبسة واحدة مسن العنبسة سسقطت
مسن بعسض البسساتين .وكان السسلطان ينظسر إليسه فأمسر بسه عنسد ذلك ،فوسسط ،وقسسم
نصفين ،وصلب نصفه عن يمين الطريق ،ونصفه الخر عن يساره ،وقسمت حبة
العنبسسة نصسسفين ،فوضسسع على كسسل نصسسفٍ منسسه نصسسف منهسسا ،وترك هنالك عسسبرة
للناظرين.
حكاية
وممسا اتفسق نحسو ذلك بقالقوط أن ابسن أخسي النائب عسن سسلطانها غصسب سسيفاً لبعسض
تجار المسسلمين فشكسا بذلك إلى ابسن عمسه ،فوعده بالنظسر فسي أمره ،وقعسد على باب
داره .فإذا بابسن أخيسه متقلد ذلك السسيف .فدعاه ،فقال :هذا سسيف المسسلم ? قال :نعسم.
قال :اشتريته منه ? قال :ل .فقال لعوانه :أمسكوه .ثم أمر به .فضربت عنقه بذلك
السسسيف .وأقمسست بكولم مدة بزاويسسة الشيسسخ فخسسر الديسسن ابسسن الشيسسخ شهاب الديسسن
الكازروني ،شيخ زاوية قالقوط ،فلم أتعرف للككم خبراً .وفي أثناء مقامي بها ،دخل
إليهسسا أرسسسال ملك الصسسين الذيسسن كانوا معنسسا ،وكانوا مسسع أحسسد تلك الجنوك ،فانكسسسر
أيضاً ،فكسساهم تجار الصسين ،وعادوا إلى بلدهسم ،ولقيتهسم بهسا بعسد .وأردت أن أعود
من كولم إلى السلطان لعلمه بما اتفق على الهدية ،ثم خفت أن يتعقب فعلي ويقول:
لم فارقست الهديسة ? فعزمست على العودة إلى السسلطان جمال الديسن الهنوري ،وأقيسم
عنده ،حتسسى أتعرف خسسبر الككسسم ،فعدت إلى قالقوط ،ووجدت بهسسا بعسسض مراكسسب
السلطان .فبعث فيها أميراً من العرب يعرف بالسيد أبي الحسن ،وهو من البردارية،
وهسم خواص البوابيسن ،بعثسه السسلطان بأموال يسستجلب بهسا مسن قدر عليسه مسن العرب
مسن أرض هرمسز والقطيسف لمحبتسه فسي العرب ،فتوجهست إلى هذا الميسر ،ورأيتسه
عازماً على أن يشتسسو بقالقوط ،وحينئذ يسسسافر إلى بلد العرب .فشاورتسسه فسسي العودة
إلى السسسلطان فلم يوافسسق على ذلك .فسسسافرت بالبحسسر مسسن قالقوط ،وذلك آخسسر فصسسل
السفر فيه .فكنا نسير نصف النهار الول ثم نرسو إلى الغد .ولقينا في طريقنا أربعة
أجفان غزويسسة .فخفنسسا منهسسا ،ثسسم لم يتعرضوا لنسسا بشسسر .ووصسسلنا إلى مدينسسة هنور،
فنزلت إلى السلطان ،وسلمت عليه .فأنزلني بدار ،ولم يكن لي خديم .وطلب مني أن
أصلي معه الصلوات .فكان أكثر جلوسي في مسجده .وكنت أختم القرآن كل يوم ،ثم
كنست أختسم مرتيسن فسي اليوم .أبتدئ القراءة بعسد صسلة الصسبح فأختسم عنسد الزوال،
وأجدد الوضوء وأبتدء القراءة فأبتدئ الختمسسة الثانيسسة عنسسد الغروب .ولم أزل كذلك
مدة ثلثة أشهر ،واعتكفت فيها أربعين يوماً.
وكان السسلطان جمال الديسن قسد جهسز اثنيسن وخمسسين مركباً وسسفرته برسسم غزو
سندابور .وكان وقع بين سلطانها وولده خلف ،فكتب ولده إلى السلطان جمال الدين
أن يتوجه لفتح سندابور ،ويسلم الولد المذكور ،ويزوجه السلطان أخته .فلما تجهزت
المراكب ،ظهر لي أن أتوجه فيها إلى الجهاد .ففتحت المصحف أنظر فيه ،فكان في
أول الصفح يذكر فيه اسم ال كثيراً " ولينصرن ال من ينصره " فاستبشرت بذلك.
وأتسى السسلطان إلى صسلة العصسر ،فقلت له :إنسي أريسد السسفر .فقال :فأنست إذاً تكون
أميرهسسم .فأخسسبرته بمسسا خرج لي فسسي أول الصسسفح ،فأعجبسسه ذلك ،وعزم على السسسفر
بنفسسه .ولم يكسن ظهسر له ذلك مسن قبسل ،فركسب مركباً منهسا ،وأنسا معسه ،وذلك فسي يوم
السبت .فوصلنا عشي الثنين إلى سندابور ،ودخلنا خورها ،فوجدنا أهلها مستعدين
للحرب ،وقسد نصسبوا المجانيسق .فبتنسا عليهسا تلك الليلة .فلمسا أصسبح ضربست الطبول
والنفار والبواق ،وزحفست المراكسسب ،ورموا عليهسسا بالمجانيسسق .فلقسسد رأيسست حجراً
أصاب بعض الواقفين بمقربة من السلطان .ورمى أهل المراكب أنفسهم في الماء،
وبأيديهم الترسة والسيوف .ونزل السلطان إلى العكيري ،وهو شبه الشلير ،ورميت
بنفسسسي فسسي الماء فسسي جملة الناس .وكان عندنسسا طريدتان مفتوحتسسا المواخسسر ،فيهسسا
الخيسل .وهسي بحيسث يركسب الفارس فرسسه فسي جوفهسا ويتدرع ويخرج .ففعلوا ذلك.
وأذن ال فسسي فتحهسسا ،وأنزل النصسسر على المسسسلمين فدخلنسسا بالسسسيف ،ودخسسل معظسسم
الكفار فسي قصسر سلطانها .فرمينا النار فيسه فخرجوا ،وقبضنا عليهسم .ثم إن السلطان
أمنهسسم ،ورد لهسسم نسسساءهم وأولدهسسم ،وكانوا نحسسو عشرة آلف ،وأسسسكنهم بربسسض
المدينسة .وسكن السلطان القصر ،وأعطى الديار بمقربسة منسه لهل دولته ،وأعطاني
جاريسة منهسن ،تسسمى بلكسي ،فسسميتها مباركسة .وأراد زوجهسا فداءهسا فأبيست ،وكسساني
فرجيسة مصسرية ،وجدت فسي خزائن الكافسر .وأقمست عنده بسسندابور مسن يوم فتحهسا،
وهو الثالث عشر لجمادى الولى إلى منتصف شعبان .وطلبت منه الذن في السفر،
فأخسذ علي العهسد فسي العودة إليسه .وسسافرت فسي البحسر إلى هنور ،ثسم إلى فاكنور ،ثسم
إلى منجرور ،ثسم إلى هيلي ،ثسم إلى جرفتسن وده فتسن وبدفتسن وفندرينسا وقالقوط ،وقسد
تقدم ذكسر جميعهسا ،ثسم إلى مدينسة الشاليات " ،وهسي بالشيسن المعجسم والف ولم وياء
آخسسر الحروف وألف وتاء معلوة " ،مدينسسة مسسن حسسسان المدن ،تصسسنع بهسسا الثياب
المنسسوبة لهسا .وأقمست بهسا ،فطال مقامسي ،فعدت إلى قالقوط .ووصسل إليهسا غلمان
كانا لي بالككم ،فأخبراني أن الجارية التي كانت حاملً ،وبسببها كان تغير خاطري
توفيست وأخسذ صساحب الجاوة سسائر الجواري ،واسستولت اليدي على المتاع ،وتفرق
أصسسحابي إلى الصسسين والجاوة وبنجالة فعدت لمسسا تعرفسست هذا ،إلى هنور ثسسم إلى
سسندابور ،فوصسلتها فسي آخسر المحرم ،وأقمست بهسا إلى الثانسي مسن شهسر ربيسع الخسر.
وقدم سلطانهم الكافر الذي دخلنا عليه برسم أخذها ،وهرب إليه الكفار كلهم .وكانت
عسساكر السسلطان متفرقسة فسي القرى ،فانقطعوا عنسا ،وحصسرنا الكفار وضيقوا علينسا.
ولمسا اشتسد الحال خرجست عنهسا ،وتركتهسا محصسورة ،وعدت إلى قالقوط ،وعزمست
على السسفر إلى ذيبسسة المهسسل ،وكنست أسسمع بأخبارهسا .فبعسسد عشرة أيام مسن ركوبنسا
البحسر بقالقوط وصسلنا جزائر ذيبسة المهسل ،وذيبسة على لفسظ مؤنسث الذيسب ،والمهسل "
بفتسسح الميسسم والهاء " .وهذه الجزائر إحدى عجائب الدنيسسا ،وهسسي نحسسو ألفسسي جزيرة،
ويكون منها مائة فما دونها مجتمعات مستديرة كالحلقة ،لها مدخل كالباب ،ل تدخل
المراكب إل منه .وإذا وصل المركب إلى إحداها فل بد له من دليل من أهلها يسير
بسه إلى سسائر الجزائر .وهسي مسن التقارب بحيسث تظهسر رؤوس النخسل التسي بإحداهسا
عنسد الخروج مسن الخرى ،فإن أخطسأ المركسب سسمتها ،لم يمكنسه دخولهسا ،وحملتسه
الريح إلى المعبر أو سيلن .وهذه الجزائر أهلهسا كلهسم مسسلمون ذوو ديانسة وصلح.
وهسي منقسسمة إلى أقاليسم ،على كسل إقليسم والٍ يسسمونه الكردوبسي .ومسن أقاليمهسا إقليسم
بالبور " وهسسو بباءيسسن معقودتيسسن وكسسسر اللم وآخره راء " ،ومنهسسا كنلوس " بفتسسح
الكاف والنون مع تشديدها وضم اللم وواو وسين مهمل " ،ومنها إقليم المهل ،وبه
تعرف الجزائر كلها .وبها يسكن سلطينها .ومنها إقليم تلديب " بفتح التاء المعلوة
واللم والف ودال مهمسل وباء مسد وباء موحدة " ،ومنهسا إقليسم كارايدو " بفتسح الكاف
وسسسسكون الياء المسسسسفولة وضسسسم الدال المهمسسسل وواو " ،منهسسسا إقليسسسم التيسسسم " بفتسسح
التاء المعلوة وسسسكون الياء المسسسفولة " ،ومنهسسا إقليسسم تلدمتسسي " بفتسسح التاء المعلوة
الول واللم وضسم الدال المهمسل وفتسح الميسم وتشديدهسا وكسسر التاء الخرى وياء "،
ومنها إقليم هلدمتي ،وهو مثل اللفظ الذي قبله إل ان الهاء أوله ،ومنها إقليم برويدو
" بفتسح الباء الموحدة والراء وسسكون الياء وضسم الدال المهمسل وواو " ،ومنهسا إقليسم
كندكل " بفتح الكافين والدال المهمل ولم " ،ومنها إقليم ملوك " بضم الميم ،ومنها
إقليسم السسويد "بالسسين المهمسل " ،وهسو أقصساها .وهذه الجزائر كلهسا ل زرع بهسا ،إل
أن فسي إقليسم السسويد منهسا زرعاً يشبسة أتلي ،ويجلب منسه إلى المهسل .وإنمسا أكسل أهلهسا
سمك يشبه الليرون ،يسمونه قلب الماس "بضم القاف" ،ولحمه أحمر ،ول زفر له،
إنما ريحه كريح لحم النعام ،وإذا اصطادوه قطعوا السمكة منه أربع قطع ،وطبخوه
يسسيراً ثسم جعلوه فسي مكائيسل مسن سسعف النخسل ،وعلقوه للدخان .فإذا اسستحكم يبسسه
أكلوه .ويحمسل منهسا إلى الهنسد والصسين واليمسن ،ويسسمونه قلب الماس " بضسم القاف
".لوة وسكون الياء المسفولة " ،ومنها إقليم تلدمتي " بفتح التاء المعلوة الول واللم
وضسم الدال المهمسل وفتسح الميسم وتشديدهسا وكسسر التاء الخرى وياء " ،ومنهسا إقليسم
هلدمتي ،وهو مثل اللفظ الذي قبله إل ان الهاء أوله ،ومنها إقليم برويدو " بفتح الباء
الموحدة والراء وسكون الياء وضم الدال المهمل وواو " ،ومنها إقليم كندكل " بفتح
الكافيسن والدال المهمسل ولم " ،ومنهسا إقليسم ملوك " بضسم الميسم ،ومنهسا إقليسم السسويد
"بالسسين المهمسل " ،وهسو أقصساها .وهذه الجزائر كلهسا ل زرع بهسا ،إل أن فسي إقليسم
السسويد منهسا زرعاً يشبسة أتلي ،ويجلب منسه إلى المهسل .وإنمسا أكسل أهلهسا سسمك يشبسه
الليرون ،يسسمونه قلب الماس "بضسم القاف" ،ولحمسه أحمسر ،ول زفسر له ،إنمسا ريحسه
كريح لحم النعام ،وإذا اصطادوه قطعوا السمكة منه أربع قطع ،وطبخوه يسيراً ثم
جعلوه في مكائيل من سعف النخل ،وعلقوه للدخان .فإذا استحكم يبسه أكلوه .ويحمل
منها إلى الهند والصين واليمن ،ويسمونه قلب الماس " بضم القاف ".
ذكر أشجارها
ومعظم أشجار هذه الجزائر النارجيل ،وهو من أقواتهم مع السمك ،وقد تقدم ذكره.
وأشجار النارجيسل شأنهسا عجيسب .وتثمسر النخسل منهسا اثنسى عشسر عذقاً فسي السسنة،
يخرج فسي كسل شهسر عذق ،فيكون بعضهسا صسغيراً وبعضهسا كسبيراً وبعضهسا يابسساً
وبعضهسا أخضسر ،هكذا أبداً .ويصسنعون منهسا الحليسب والزيست والعسسل ،حسسب مسا
ذكرنسسا لك فسسي السسسفر الول .ويصسسنعون مسسن عسسسله الحلواء ،فيأكلونهسسا مسسع الجوز
اليابس منه .ولذلك كله ،وللسمك الذي يغتذون به قوة عجيبة في الباءة ،ل نظير لها.
ولهسل هذه الجزائر عجسب فسي ذلك .ولقسد كان لي بهسا أربسع نسسوة وجوار سسواهن،
فكنست أطوف على جميعهسن كسل يوم ،وأبيست عنسد مسن تكون ليلتهسا .وأقمست بهسا سسنة
ونصف أخرى على ذلك .ومن أشجارها الجموح والترج والليمون والقلقاص ،وهم
يصنعون من أصوله دقيقاً يعملون منه شبه الطرية ،ويطبخونها بحليب النارجيل،
وذكر مساكنهم
وأهسل هذه الجزائر أهسل صسلح وديانسة وإيمان صسحيح ونيسة صسادقة ،أكلهسم حلل،
دعاؤهسم مجاب .وإذا رأى النسسان أحدهسم قال له :ال ربسي ومحمسد نسبيي وأنسا أمسي
مسسكين .وأبدانهسم ضعيفسة ،ول عهسد لهسم بالقتال والمحاربسة ،وسسلحهم الدعاء .ولقسد
أمرت مرة بقطسسع يسسد سسسارق بهسسا ،فغشسسي على جماعسسة منهسسم كانوا بالمجلس .ول
تطرقهسسم لصسسوص الهنسسد ،ول تذرعهسسم لنهسسم جربوا أن مسسن أخسسذ لهسسم شيئاً أصسسابته
مصيبة عاجلة .وإذا أتت أجفان العدو إلى ناحيتهم أخذوا من وجدوا من غيرهم ،ولم
يتعرضوا لحسد منهسم بسسوء .وإن أخسذ أحسد الكفار ،ولو ليمونسة ،عاقبسه أميسر الكفار
وضربسه الضرب المسبرح ،خوفاً مسن عاقبسة ذلك .ولول هذا لكانوا أهون الناس على
قاصسدهم بالقتال لضعسف بنيتهسم .وفسي كسل جزيرة مسن جزائرهسم المسساجد الحسسنة،
وأكثسر عمارتهسم بالخشسب .وهسم أهسل نظافسة وتنزه عسن القذار .وأكثرهسم يغتسسلون
مرتين في اليوم تنظفاً لشدة الحر بها ،وكثرة العرق .ويكثرون من الدهان العطرية
كالصسندلية وغيرهسا ،ويتلطخون بالغاليسة المجلوبسة مسن مقدشسو .ومسن عادتهسم أنهسم إذا
صلوا الصبح أتت كل امرأة إلى زوجها أو ابنها بالمكحلة وماء الورد ودهن الغالية،
فيكحل عينيه ،ويدهن بماء الورد ودهن الغالية ،فتصقل بشرته ،وتزيل الشحوب عن
وجهسسسه .ولباسسسسهم فوط ،يشدون الفوطسسسة منهسسسا على أوسسسساطهم عوض السسسسراويل،
ويجعلون على ظهورهسم ثياب الوليان " بكسسر الواو وسسكون اللم وياء " وهسي شبسه
الحاريسم .وبعضهسم يجعسل عمامسة ،وبعضهسم منديلً صسغيراً عوضاً منهسا .وإذا لقسي
أحدهسم القاضسي أو الخطيسب ،وضسع ثوبسه على كتفيسه ،وكشسف ظهره ،ومضسى معسه
كذلك ،حتى يصل إلى منزله .ومن عوائدهم أنه إذا تزوج الرجل منهم ،ومضى إلى
دار زوجتسه ،بسسطت له ثياب القطسن مسن باب دارهسا إلى باب البيست ،وجعسل عليهسا
غرفات من الودع عن يمين طريقه إلى البيت وشماله ،وتكون المرأة واقفة عند باب
البيسست تنتظره .فإذا وصسسل إليهسسا رمسست على رجليسسه ثوباً يأخذه خدامسسه ،وإن كانسست
المرأة هسسي التسسي تأتسسي إلى منزل الرجسسل بسسسطت داره ،وجعسسل فيهسسا الودع ،ورمسست
المرأة عند الوصول إليه الثوب على رجليه .وكذلك عادتهم في السلم على السلطان
وبنيانهسسسم بالخشسسسب ،ويجعلون سسسسطوح البيوت مرتفعسسسة عسسسن الرض توقياً مسسسن
الرطوبات ،لن أرضهم ندية .وكيفية ذلك أن ينحتوا حجارة يكون طول الحجر منها
يصسنعون الحيطان مسن الخشسب .ولهسم صسناعة عجيبسة فسي ذلك ،ويبنون فسي إسسطوان
الدار بيتاً يسسسمونه المالم " بفتسسح اللم " ،يجلس الرجسسل بسسه مسسع أصسسحابه ،ويكون له
بابان :أحدهمسا إلى جهسة السسطوان يدخسل منسه الناس ،والخسر إلى جهسة الدار يدخسل
منه صاحبها .ويكون عند هذا البيت خابية مملوءة ماء ،ولها مستقى ،يسمونه الوالنج
" بفتسح الواو واللم وسسكون النون وجيسم " ،هسو مسن قشسر جوز النارجيسل ،وله
نصساب ،طوله ذراعان .وبسه يسسقون الماء مسن البار لقربهسا .وجميعهسم حفاة القدام
مسن رفيسع ووضيسع ،وأزقتهسم مكنوسسة نقيسة ،تظللهسا الشجار .فالماشسي بهسا كأنسه فسي
بسستان .ومسع ذلك ل بسد لكسل داخسل إلى الدار أن يغسسل رجليسه بالماء الذي فسي الخابيسة
بالمالم ،ويمسحها بحصير غليظ من الليف ،يكون هنالك ،ثم يدخل بيته .وكذلك يفعل
ومسسسن عوائدهسسسم إذا قدم عليهسسسم مركسسسب ،أن تخرج إليسسسه الكنادر ،وهسسسي القوارب
الصسغار ،واحدهسا كندرة " بضسم الكاف والدال " .وفيهسا أهسل الجزيرة معهسم التنبول
أو الكرنبسة ،وهسو جوز النارجيسل الخضسر ،فيعطسي النسسان منهسم ذلك لمسن شاء مسن
أهل المركب ،ويكون نزيله ،ويحمل أمتعته إلى داره ،كأنه بعض أقربائه .ومن أراد
التزوج من القادمين عليهم تزوج .فإذا حان سفره ،طلق المرأة لنهن ل يخرجن عن
بلدهسسن .ومسسن لم يتزوج ،فالمرأة التسسي ينزل بدارهسسا ،تطبسسخ له وتخدمسسه وتزوده إذا
سسسافر ،وترضسسى منسسه فسسي مقابلة ذلك بأيسسسر شيسسء مسسن الحسسسان .وفائدة المخزن،
ويسسمونه البندر ،أن يشتري مسن كسل سسلعة بالمركسب حظاً بسسوم معلوم ،سسواء كانست
السسلعة تسساوي ذلك أو أكثسر منسه ،ويسسمونه شرع البندر .ويكون للبندر بيست فسي كسل
جزيرة مسن الخشسب ،يسسمونه البجنصسار " بفتسح الباء الموحدة والجيسم وسسكون النون
وفتسح الصساد المهمسل وآخره راء " ،يجمسع بسه الوالي وهسو الكردوري جميسع سسلعه،
ويسبيع بهسا ويشتري .وهسم يشترون الفخار إذا جلب إليهسم بالدجاج .فتباع عندهسم القدر
بخمسسس دجاجات وسسست ،وتحمسسل المراكسسب مسسن هذه الجزائر السسسمك الذي ذكرناه
وجوز النارجيسل والفوط والوليان والعمائم ،وهسي مسن القطسن ،ويحملون منهسا أوانسي
النحاس .فإنها عندهم كثيرة ،ويحملون الودع ،ويحملون القنبر "بفتح القاف وسكون
النون وفتح الباء الموحدة والراء " ،وهو ليف جوز النارجيل .وهم يدبغونه في حفر
على الساحل ،ثم يضربونه بالمرازب ،ثم تغزله النساء ،وتصنع منه الحبال لخياطة
المراكسب ،وتحمسل إلى الصسين والهنسد واليمسن ،وهسو خيسر مسن القنسب .وبهذه الحبال
تخاط مراكب الهند واليمن ،لن ذلك البحر كثير الحجارة ،فإن كان المركب مسمراً
بمسامير الحديد صدم الحجارة فانكسر ،وإذا كان مخيطاً بالحبال أعطى الرطوبة فلم
ينكسسر .وصسرف أهسل الجزائر الودع ،وهسو حيوان يلتقطونسه فسي البحسر ،ويضعونسه
فسي حفسر هنالك ،فيذهسب لحمسه ،ويبقسى عظمسه أبيسض ،ويسسمون المائة منسه سسياه "
بسسسسين مهمسسسل وياء آخسسسر الحروف " ،ويسسسسمون السسسسبعمائة منسسسه الفال " بالفاء "،
ويسسمون الثنسي عشر ألفاً منسه الكتي " بضسم الكاف وتشديد التاء المعلوة " ،ويسمون
المائة ألف منسسه بسسستو " بضسسم الباء الموحدة والتاء المعلوة وبينهمسسا سسسين مهمسسل"،
ويباع بهسا بقيمسة أربعسة بسساتي بدينار مسن الذهسب ،وربمسا رخسص حتسى يباع عشسر
بسساتي منسه بدينار .ويسبيعونه مسن أهسل بنجالة بالرز ،وهسو أيضاً صسرف أهسل بلد
بنجالة .ويسبيعونه مسن أهسل اليمسن ،فيجعلونسه عوض الرمسل فسي مراكبهسم .وهذا الودع
أيضاً هسسو صسسرف السسسودان فسسي بلدهسسم ،رأيتسسه يباع بمالي وجوجسسو بحسسساب ألف
ذكر نسائها
ويجمعنهسا إلى جهسة واحدة .ول يلبسسن أكثرهسن إل فوطسة واحدة تسسترها مسن السسرة
إلى أسسفل ،وسسائر أجسسادهن مكشوفسة .وكذلك يمشيسن فسي السسواق وغيرهسا .ولقسد
جهدت لمسا وليست القضاء بهسا أن أقطسع تلك العادة وآمرهسن باللباس ،فلم أسستطع ذلك.
فكنت ل تدخل إلي منهن امرأة في خصومة إل مسترة الجسد ،وما عدا ذلك لم تكن
عليسسه قدرة .ولباس بعضهسسن قمسسص زائدة على الفوطسسة ،وقمصسسهن قصسسار الكمام
عراضهسا .وكان لي جوارٍ كسسوتهن لباس أهسل دهلي يغطيسن رؤوسسهن ،فعابهسن ذلك
أكثسسر مسسا زانهسسن إذ لم يتعودنسسه .وحليهسسن السسساور وتجعسسل المرأة منهسسا جملة فسسي
ذراعيهسا ،بحيسث تمل مسا بيسن الكوع والمرفسق ،وهسي مسن الفضسة .ول تحمسل أسساور
الذهسب إل نسساء السسلطان وأقاربسه .ولهسن الخلخيسل ،ويسسمونها البايسل " بباء موحدة
والف وياء آخسسسر الحروف مكسسسسورة " ،وقلئد ذهسسسب يجعلنهسسسا على صسسسدورهن،
ويسسمونها البسسدر " بالباء الموحدة وسسكن السسين المهمسل وفتسح الدال المهمسل والراء
" .ومسن عجيسب أفعالهسن أنهسن يؤجرن أنفسسهن للخدمسة بالديار على عدد معلوم مسن
خمسة دنانير فما دونها .وعلى مستأجرهن نفقتهن ،ول يرين ذلك عيباً ،ويفعله أكثر
بناتهسم .فتجسد فسي دار النسسان الغنسي منهسن العشرة والعشريسن .وكسل مسا تكسسره مسن
الواني يحسب عليها قيمته .وإذا أرادت الخروج من دار إلى دار أعطاها أهل الدار
التي تخرج إليها العدد الذي هي مرتهنة فيه ،فتدفعه لهل الدار التي خرجت منها،
ويبقسى عليهسا للخريسن .وأكثسر شغسل هؤلء المسسأجرات غزل القنسبر .والتزوج بهذه
الجزائر سسسهل ،لنزارة الصسسداق وحسسسن معاشرة النسسساء .وأكثسسر الناس ل يسسسمي
صسداقاً ،إنمسا تقسع الشهادة ،ويعطسى صسداق مثلهسا .وإذا قدمست المراكسب تزوج أهلهسا
النساء ،فإذا أرادوا السفر طلقوهن ،وذلك نوع من نكاح المتعة .وهن ل يخرجن عن
بلدهسن أبداً .ولم أر فسي الدنيسا أحسسن معاشرة منهسن .ول تكسل المرأة عندهسم خدمسة
زوجهسا لسسواها ،بسل هسي تأتيسه بالطعام ،وترفعسه بيسن يديسه ،وتغسسل يده ،وتأتيسه بالماء
للوضوء ،وتغسم رجليسه عنسد النوم .ومن عوائدهسن أن ل تأكسل المرأة مسع زوجهسا ،ول
يعلم الرجل ما تأكله المرأة .ولقد تزوجت بها نسوة ،فأكل معي بعضهن بعد محاولة،
وبعضهن لم تأكل معي ،ول استطعت أن أراها تأكل ،ول نفعتني حيلة في ذلك.
حدثني الثقات من أهلها كالفقيه عيسى اليمني ،والفقيه المعلم علي ،والقاضي عبد ال
وجماعسة سسواهم ،أن أهسل هذه الجزائر كانوا كفاراً ،وكان يظهسر لهسم فسي كسل شهسر
عفريست مسن الجسن ،يأتسي ناحيسة البحسر ،كأنسه مركسب مملوء بالقناديسل .وكانست عادتهسم
إذا رأوه ،أخذوا جاريسسة بكرأ فزينوهسسا وأدخلوهسسا إلى بدخانسسة .وهسسي بيسست الصسسنام،
وكان مبنياً على ضفسة البحسر ،وله طاق ينظسر إليسه ،ويتركونهسا هنالك ليلة ،ثسم يأتون
عنسد الصسباح فيجدونهسا مفتضسة ميتسة .ول يزالون فسي كسل شهسر يقترعون بينهسم ،فمسن
أصابته القرعة أعطى بنته .ثم إنهم قدم عليهم مغربي يسمى بأبي البركات البربري،
وكان حافظاُ للقرآن العظيسسم ،فنزل بدار عجوز منهسسم بجزيرة المهسسل ،فدخسسل عليهسسا
يوماً ،وقسد جمعست أهلهسا ،وهسن يبكيسن كأنهسن فسي مأتسم .فاسستفهمهن عسن شأنهسن ،فلم
يفهمنسه .فأتسى ترجمان فأخسبره أن العجوز كانست القرعسة عليهسا ،وليسس لهسا إل بنست
واحدة ،يقتلهسا العفريست .فقال لهسا أبسو البركات :أنسا أتوجسه عوضاً مسن بنتسك بالليسل.
وكان سسناطاً ،ل لحيسة له ،فاحتملوه تلك الليلة ،وأدخلوه إلى بدخانسة ،وهسو متوضسئ.
وأقام يتلو القرآن ،ثم ظهر له العفريت من الطاق ،فداوم التلوة ،فلما كان منه بحيث
يسسسمع القراءة غاص فسسي البحسسر .وأصسسبح المغربسسي ،وهسسو يتلو على حاله .فجاءت
العجوز وأهلهسا وأهسل الجزيرة ،ليسستخرجوا البنست على عادتهسم فيحرقوهسا ،فوجدوا
المغربسي يتلو ،فمضوا بسه إلى ملكهسم ،وكان يسسمى شنورازة " بفتسح الشيسن المعجسم
وضسسسم النون وواو وراء والف وزاي وهاء " ،وأعلموه بخسسسبره ،فعجسسسب .وعرض
المغربسي عليسه السسلم ،ورغبسه فيسه .فقال له أقسم عندنسا إلى الشهسر الخسر ،فإن فعلت
كفعلك ،ونجوت مسن العفريست أسسلمت .فأقام عندهسم .وشرح ال صسدر الملك للسسلم
فأسسلم قبسل تمام الشهسر ،وأسسلم أهله وأولده وأهسل دولتسه .ثسم حمسل المغربسي لمسا دخسل
الشهسسر إلى بدخانسسة ،ولم يأت العفريسست ،فجعسسل يتلو حتسسى الصسسباح .وجاء السسسلطان
والناس معسسه فوجدوه على حاله مسسن التلوة ،فكسسسروا الصسسنام ،وهدموا بدخانسسة،
وأسسلم أهسل الجزيرة ،وبعثوا إلى سسائر الجزائر فأسسلم أهلهسا .وأقام المغربسي عندهسم
معظماً ،وتمذهبوا بمذهبسسه مذهسسب المام مالك رضسسي ال عنسسه .وهسسم إلى هذا العهسسد
يعظمون المغاربسة بسسببه ،وبنسى مسسجداً هسو معروف باسسمه ،وقرأت على مقصسورة
الجامسسع منقوشاً فسسي الخشسسب أسسسلم السسسلطان أحمسسد شنورازة على يسسد أبسسي البركات
البربري المغربسسسي .وجعسسسل ذلك السسسسلطان ثلث مجابسسسي الجزائر صسسسدقة على أبناء
السسبيل ،إذ كان إسسلمه بسسببهم .فسسمي على ذلك حتسى الن .وبسسبب هذا العفريست
ولمسا دخلناهسا لم يكسن لي علم بشأنسه .فبينسا أنسا ذات ليلة فسي بعسض شأنسي ،إذ سسمعت
فقالوا :أل تنظسر إلى البحسر ? فنظرت فإذا مثسل المركسب الكسبير ،وكأنسه مملوء سسرجاً
ومشاعل .فقالوا :ذلك العفريت ،وعادته أن يظهر مرة في الشهر .فاذا فعلنا ما رأيت
ومن عجائبها أن سلطانتها امرأة ،وهي خديجة بنت السلطان جلل الدين عمر ابن
السلطان صلح الدين صالح البنجالي .وكان الملك لجدها ثم لبيها ،فلما مات أبوها
ولي أخوهسسا شهاب الديسسن ،وهسسو صسسغير السسسن .فتزوج الوزيسسر عبسسد ال ابسسن محمسسد
الحضرمسي أمسه ،وغلب عليسه ،وهسو الذي تزوج أيضاً هذه السسلطانة خديجسة بعسد وفاة
زوجها الوزير جمال الدين ،كما سنذكره .فلما بلغ شهاب الدين مبلغ الرجال ،أخرج
ربيبسسه الوزيسسر عبسسد ال ،ونفاه إلى جزائر السسسويد .واسسستقل بالملك ،واسسستوزر أحسسد
مواليه ،ويسمى علي كلكي ،ثم عزله بعد ثلثة أعوام ،ونفاه إلى السويد .وكان يذكر
عن السلطان شهاب الدين المذكور أنه يختلف إلى حرم أهل دولته وخواصه بالليل،
فخلعوه لذلك ونفوه إلى إقليسسم هلدتنسسي ،وبعثوا مسسن قتله بهسسا .ولم يكسسن بقسسي مسسن بيسست
الملك إل أخواتسه خديجسة الكسبرى ومريسم وفاطمسة ،فقدموا خديجسة سسلطانة ،وكانست
متزوجسة لخطيبهسم جمال الديسن ،فصسار وزيراً وغالباً على المسر ،وقدم ولده محمداً
للخطابسة عوضاً منسه .ولكن الوامر إنما تنفسذ باسسم خديجسة .وهسم يكتبون الوامر فسي
سسسعف النخسسل بحديدة معوجسسة شبسسه السسسكين .ول يكتبون فسسي الكاغسسد إل المصسساحف
وكتب العلم ،ويذكرها الخطيب يوم الجمعة ،وغيرها ،فيقول :اللهم انصر أمتك التي
اخترتها على علم على العالمين ،وجعلتها رحمة لكافة المسلمين ،أل وهي السلطانة
خديجسة بنست السسلطان جلل الديسن ابسن السسلطان صسلح الديسن .ومسن عادتهسم إذا قدم
الغريسب عليهسم ،ومضسى إلى المشور ،وهسم يسسمونه الدار ،فل بسد له أن يسستصحب
ثوبين ،فيخدم لجهة هذه السلطانة ،ويرمي بأحدهما ،ثم يخدم لوزيرها ،وهو زوجها
جمال الديسن ،ويرمسي بالثانسي .وجندهسا نحسو ألف نفسر مسن الغرباء ،وبعضهسم بلديون.
ويأتون كل يوم إلى الدار ،فيخدمون وينصرفون .ومرتبهم الرز يعطاهم من البندر
فسي كسل شهسر ،فإذا تسم الشهسر أتوا الدار ،وخدموا ،وقالوا للوزيسر :بلغ عنسا الخدمسة،
واعلم بأنا أتينا بطلب مرتبنا .فيؤمر لهم به عند ذلك .ويأتي أيضاً إلى الدار كل يوم
القاضسسي وأرباب الخطسسط ،وهسسم الوزراء عندهسسم ،فيخدمون ،ويبلغ خدمتهسسم الفتيان،
وينصرفون.
وهم يسمون الوزير الكبر النائب عن السلطانة كلكي " بفتح الكاف الولى واللم
" ،ويسسمون القاضسي فندريارقالوا " وضبسط ذلك بفاء مفتوح ونون مسسكن ودال
مهمسسسسسسسسل مفتوح وياء آخسسسسسسسسر الحروف والف وراء وقاف والف ولم مضموم "،
وأحكامهسم كلهسا راجعسة إلى القاضسي ،وهسو أعظسم عندهسم مسن الناس أجمعيسن ،وأمره
كأمسر السسلطان وأشسد ،ويجلس على بسساط فسي الدار .وله ثلث جزائر ،يأخسذ مجباهسا
لنفسسه .عادة قديمسة أجراهسا السسلطان أحمسد شنورازة .ويسسمون الخطيسب هنديجري "
بفتسح الهاء وسسكون النون وكسسر الدال وياء مسد وجيسم مفتوح وراء وياء " .ويسسمون
صسساحب الديوان الفاملداري " بفتسسح الفاء والميسسم والدال المهمسسل " ،واسسسم صسساحب
الشغال مافاكلو " بفتسح الميسم والكاف وضسم اللم " ،واسسم الحاكسم فتنايسك " بكسسر
الفاء وسسسسكون التاء المعلوة وفتسسسح النون والف وياء آخسسسر الحروف مفتوحسسسة أيضاً
وكاف " ،واسسسم قائد البحسسر مانايسسك " بفتسسح الميسسم والنون والياء " .وكسسل مسسن هؤلء
يسسمى وزيراً .ول سسجن عندهسم بتلك الجزائر ،إنمسا يحبسس أرباب الجرائم فسي بيوت
خشب ،هي معدة لمتعة التجار ،ويجعل أحدهم في خشبة ،كما يفعل عندنا بأسارى
الروم.
ولما وصلت إليها نزلت بجزيرة كنلوس ،وهي جزيرة حسنة فيها المساجد الكثيرة.
ونزلت بدار رجسل مسن صسلحائها ،وأضافنسي بهسا الفقيسه علي ،وكان فاضلً ،له أولد
مسن طلبسة العلم .ولقيست بهسا رجلً اسسمه محمسد مسن أهسل ظفار الحموض ،فأضافنسي
وقال لي :إن دخلت جزيرة المهل أمسكك الوزير بها .فإنهم ل قاضي عندهم .وكان
غرضسي أن أسسافر منهسا إلى المعسبر وسسرنديب وبنجالة ثسم إلى الصسين .وكان قدومسي
عليهسسسسا فسسسسي مركسسسسب الناخوذة عمسسسسر الهنوري ،وهسسسسو مسسسسن الحجاج الفضلء.
ولمسا وصسلنا كنلوس أقام بهسا عشراً ،ثسم اكترى كندرة يسسافر فيهسا إلى المهسل ،بهديسة
للسسلطانة وزوجهسا ،فأردت السسفر معسه ،فقال :ل تسسعك الكندرة أنست وأصسحابك .فإن
شئت السسفر منفرداً عنهسم فدونسك ،فأبيست ذلك ،وسسافر .فلعبست بسه الريسح ،وعاد إلينسا
بعسد أربعسة أيام ،وقسد لقسي شدائد .فاعتذر لي ،وعزم علي فسي السسفر معسه بأصسحابي،
فكنسا نرحسل غدوة ،فننزل فسي وسسط النهار لبعسض الجزائر ،ونرحسل فنسبيت بأخرى.
ووصسسلنا بعسسد أيام إلى إقليسسم التيسسم .وكان الكردوي يسسسمى بهسسا هللً ،فسسسلم علي
وأضافني .وجاء إلي ومعه أربعة رجال ،وقد جعل اثنان منهم ،عوداً على أكتافهما،
وعلقا منه أربع دجاجات ،وجعل الخران عوداً مثله ،وعلقا منه نحو عشر من جوز
النارجيل .فعجبت من تعظيمهم لهذا الشيء الحقير .فأخبرت أنهم صنعوه على جهة
الكرامة والجلل .ورحلنا عنهم فنزلنا في اليوم السادس بجزيرة عثمان ،وهو رجل
فاضسل مسن خيار الناس ،فأكرمنسا وأضافنسا .وفسي اليوم الثامسن نزلنسا بجزيرة الوزيسر،
يقال له التلمذي .وفسسسي اليوم العاشسسسر وصسسسلنا إلى جزيرة المهسسسل ،حيسسسث السسسسلطانة
لنسسا بالنزول ،وأردت التوجسسه إلى بعسسض المسسساجد فمنعنسسي الخدام الذيسسن بالسسساحل،
وكنست أوصسيت الناخوذة أن يقول إذا سسئل عنسي :ل أعرفسه ،خوفاً من إمسساكهم إياي.
ولم أعلم أن بعسض أهسل الفضول ،قسد كتسب إليهسم معرفاً بخسبري ،وأنسي كنست قاضياً
بدهلي ،فلمسا وصسلت إلى الدار ،وهسو المشور ،ونزلنسا فسي سسقائف على الباب الثالث
منه ،وجاء القاضي عيسى اليمني ،فسلم علي ،وسلمت على الوزير ،وجاء الناخوذة
إبراهيسم بعشرة أثواب ،فخدم لجهسة السسلطانة ،ورمسى بثوب منهسا ،ثسم خدم للوزيسر،
ورمى بثوب آخر ،ورمى بجميعها ،وسئل عني فقال :ل أعرفه .ثم أخرجوا التنبول
وماء الورد ،وذلك هو الكرامة عندهم ،وأنزلنا بدار ،وبعث إلينا الطعام ،وهو قصعة
كسبيرة فيهسا الرز ،وتدور بهسا صسحاف فيهسا اللحسم الخليسع والدجاج والسسمن والسسمك.
ولما كان بالغد مضيت مع الناخوذة والقاضي عيسى اليمني لزيارة زاوية في طرف
الجزيرة ،عمرهسا الشيسخ الصسالح نجيسب ،وعدنسا ليلً .وبعسث الوزيسر إلي صسبيحة تلك
الليلة كسوة وضيافة ،فيها الرز والسمن والخليع وجوز النارجيل والعسل المصنوع
منهسا ،وهسم يسسمونه القربانسي " بضسم القاف وسسكون الراء وفتسح الباء الموحدة والف
ونون وياء " ،ومعنى ذلك ماء السكر .وأتوا بمائة ودعة للنفقة .وبعد عشرة أيام قدم
مركسب مسن سسيلن فيسه فقراء مسن العرب والعجسم يعرفوننسي .فعرفوا خدام الوزيسر
بأمري ،فزاد اغتباطسسسي .وبعسسسث عنسسسي عنسسسد اسسسستهلل رمضان ،فوجدت المراء
والوزراء .وأحضسر الطعام فسي موائد ،يجتمسع على المائدة طائفسة .فأجلسسني الوزيسر
إلى جانبسسه ،ومعسسه القاضسسي عيسسسى ،والوزيسسر الفاملداري ؛ والوزيسسر عمسسر دهرد،
ومعناه مقدم العسسسكر .وطعامهسسم الرز والدجاج والسسسمن والسسسمك والخليسسع والموز
المطبوخ ،ويشربون بعده عسسسل النارجيسسل مخلوطاً بالفاويسسه ،وهسسو يهضسسم الطعام.
وفسسي التاسسسع مسسن شهسسر رمضان مات صسسهر الوزيسسر زوج بنتسسه ،وكانسست قبله عنسسد
السسسلطان شهاب الديسسن ،ولم يدخسسل بهسسا أحسسد منهمسسا لصسسغرها ،فردهسسا أبوهسسا لداره،
وأعطانسي دارهسا ،وهسي مسن أجمسل الدور .واسستأذنته فسي ضيافسة الفقراء القادميسن مسن
زيارة القدم فأذن لي في ذلك ،وبعث إلي خمساً من الغنم ،وهي عزيزة عندهم ،لنها
مجلوبسة مسن المعسبر والمليبار ومقدشسو ،وبعسث الرز والدجاج والسسمن والبازيسر.
فبعثست ذلك كله إلى دار الوزيسر سسليمان مانايسك ،فطبسخ لي بهسا ،فأحسسن فسي طبخسه
وزاد فيسسه ،وبعسسث الفرش وأوانسسي النحاس ،وأفطرنسسا على العادة بدار السسسلطانة مسسع
الوزيسر .واسستأذنته فسي حضور بعسض الوزراء بتلك الضيافسة ،فقال لي :وأنسا أحضسر
أيضاً ،فشكرتسسسه وانصسسسرفت إلى داري ،فإذا بسسسه قسسسد جاء ،ومعسسسه الوزراء وأرباب
الدولة .فجلس في قبة خشب مرتفعة .وكان كل من يأتي من المراء والوزراء يسلم
على الوزيسر ،ويرمسي بثوب غيسر مخيسط ،حتسى اجتمسع مائة ثوب أو نحوهسا ،فأخذهسا
الفقراء .وقدم الطعام فأكلوا ،ثم قرأ القراء بالصسوات الحسسان ،ثم أخذوا فسي السسماع
والرقسسسص .وأعدت النار ،فكان الفقراء يدخلونهسسسا ويطأونهسسسا بالقدام ،ومنهسسسم مسسسن
ولما تمت الليلة انصرف الوزير ،ومضيت معه ،فمررنا ببستان للمخزن .فقال لي
الوزيسر :هذا البسستان لك ،وسسأعمر لك فيسه داراً لسسكناك .فشكرت فعله ،ودعوت له.
ثم بعث لي من الغد بجارية وقال لي خديمه :يقول لك الوزير :إن أعجبتك هذه فهي
لك ،وإل بعثست لك جاريسة مرهتيسة ،وكانست الجواري المرهتيات تعجبنسي ،فقلت له:
إنما أريد المرهتية ،فبعثها لي ،وكان اسمها قل استان ،ومعناه زهر البستان ،وكانت
تعرف اللسسان الفارسسي فأعجبتنسي .وأهسل تلك الجزائر لهسم لسسان لم أكسن أعرفسه ،ثسم
بعسث إلي فسي غسد ذلك بجاريسة معبريسة تسسمى عنسبري .ولمسا كانست الليسة بعدهسا ،جاء
الوزيسر إلي بعسد العشاء الخيرة فسي نفسر مسن أصسحابه ،فدخسل الدار ،ومعسه غلمان
صسسغيران ،فسسسلمت عليسسه ،وسسسألني عسسن حالي ،فدعوت له وشكرتسسه ،فألقسسى أحسسد
الغلمين بين يديه لقشة "بقشة" ،وهي شبه السبنية ،وأخرج منها ثياب حرير ،وحقاً
فيسه جوهسر فأعطانسي ذلك ،وقال لي :لو بعثتسه لك مسع الجاريسة ،لقالت هسو مالي جئت
بسسه مسسن دار مولي ،والن هسسو مالك ،فأعطسسه إياه .فدعوت له وشكرتسسه ،وكان أهلً
وكان الوزير سليمان مانايك قد بعث إلي أن أتزوج بنته ،فبعثت إلى الوزير جمال
الديسسن مسسستأذنًا فسسي ذلك .فعاد إلي الرسسسول ،وقال :لم يعجبسسه ذلك ،وهسسو يحسسب أن
يزوجك بنته ،إذا انقضت عدتها .فأبيت أنا ذلك ،وخفت من شؤمها ،لنه مات تحتها
زوجان قبل الدخول ،وأصابتني أثناء ذلك حمى مرضت بها .ول بد لكل من يدخل،
تلك الجزيرة أن يحسم ،فقوي عزمسي علىالرحلة عنهسا ،فبعست بعسض الحلي بالودع،
واكتريسست مركباً أسسسافر فيسسه لبنجالة .فلمسسا ذهبسست لوداع الوزيسسر خرج إلي القاضسسي
فقال :الوزيسسر يقول لك :إن شئت السسسفر ،فأعطنسسا مسسا أعطيناك وسسسافر .فقلت له :إن
بعسض الحلي اشتريست بسه الودع ،فشأنكسم وإياه .فعاد إلي فقال :يقول :إنمسا أعطيناك
الذهسسب ولم نعطسسك الودع .فقلت له :أنسسا أبيعسسه ،وآتيكسسم بالذهسسب .فبعثسست إلى التجار
ليشتروه منسي ،فأمرهسم الوزيسر أن ل يفعلوا .وقصسده بذلك كله أن ل أسسافر عنسه .ثسم
بعسث إلي أحسد خواصسه وقال :الوزيسر يقول لك :أقسم عندنسا ،ولك كسل مسا أحببست .فقلت
فسي نفسسي :أنسا تحست حكمهسم ،وإن لم أقسم مختارًا أقمست مضطراً ،فالقامسة باختياري
أولى .وقلت لرسسسوله :نعسسم ،أنسسا أقيسسم معسسه .فعاد إليسسه ففرح بذلك ،واسسستدعاني .فلمسسا
دخلت إليه قام إلي وعانقني وقال :نحن نريد قربك ،وأنت تريد البعد عنا .فاعتذرت
له ،فقبسل عذري ،وقلت له :إن أردتسم مقامسي فأنسا اشترط عليكسم شروطاً .فقال :نقبلهسا
فاشترط .فقلت له :أنسا ل أسستطيع المشسي على قدمسي ،ومسن عادتهسم أن ل يركسب أحسد
هناك إل الوزيسسر .ولقسسد كنسست لمسسا أعطونسسي الفرس فركبتسسه ،يتبعنسسي الناس رجالً
وصسسبياناً ،يعجبون منسسي حتسسى شكوت له .فضربسست الدنقرة ،وبرح فسسي الناس أن ل
يتبعني أحد ،والدنقرة " بضم الدال المهمل وسكون النون وضم القاف وفتح الراء "
شبسسه الطسسست مسسن النحاس تضرب بحديدة ،فيسسسمع لهسسا صسسوت على البعسسد .فإذا
ضربوهسسا حينئذ يسسبرح فسسي الناس بمسسا يراد .فقال لي الوزيسسر :إن أردت أن تركسسب
الدولة وإل فعندنسا حصسان ورمكسة ،فاختسر أيهمسا شئت .فاخترت الرمكسة .فأتونسي بهسا
فسسي تلك السسساعة ،وأتونسسي بكسسسوة .فقلت له :وكيسسف أصسسنع بالودع الذي اشتريتسسه ?
فقال :ابعسث أحسد أصسحابك ليسبيعه لك ببنجالة ،فقلت له :على أن تبعسث أنست مسن يعينسه
على ذلك .فقال :نعسم .فبعسث حينئذ رفيقسي أبسا محمسد بسن فرحان ،وبعثوا معسه رجلً
يسسمى الحاج علياً ،فاتفسق أن هال البحسر ،فرموا بكسل مسا عندهسم ،حتسى الزاد والماء
والصسساري والقربسسة .وأقاموا سسست عشرة ليلة ل قلع لهسسم ول سسسكان ول غيره .ثسسم
خرجوا إلى جزيرة سسيلن ،بعسد جوع وعطش وشدائد وقدم علي صساحبي أبسو محمد
ولمسا تسم شهسر رمضان بعسث الوزيسر إلي بكسسوة ،وخرجنسا إلى المصسلى ،وقسد زينست
الطريق التي يمر الوزير عليها من داره إلى المصلى ،وفرشت الثياب فيها ،وجعلت
كتاتسسي الودع يمنسسة ويسسسرة .وكسسل مسسن له على طريقسسه دار مسسن المراء والكبار ،قسسد
غرس عندهسا النخسل الصسغار مسن النارجيسل وأشجار الفوفسل والموز ،ومسد مسن شجرة
إلى أخرى شرائط ،وعلق منها الجوز الخضر .ويقف صاحب الدار عند بابها ،فإذا
مسر الوزيسر رمسى على رجليسه ثوباً مسن الحريسر أو القطسن ،فيأخذه عسبيده مسع الودع
الذي يجعل على طريقه أيضاً ،والوزير ماش على قدميه ،وعليه فرجية مصرية من
المرعز ،وعمامة كبيرة ،وهو متقلد فوطة حرير ،وفوق رأسه أربعة شطور ،وفي
رجليسسه النعسسل ،وجميسسع الناس سسسواه حفاة .والبواق والنفار والطبال بيسسن يديسسه،
والعسساكر أمامسه وخلفسه ،وجميعهسم يكسبرون حتسى أتوا المصسلى ،فخطسب ولده بعسد
الصسلة .ثسم أتسي بمحفسة فركسب فيهسا الوزيسر وخدم المراء والوزراء ،ورموا بالثياب
على العادة .ولم يكسسن ركسسب فسسي المحفسسة قبسسل ذلك ،لن ذلك ل يفعله إل الملوك .ثسسم
رفعسسه الرجال ،وركبسست فرسسسي ودخلنسسا القصسسر .فجلس بموضسسع مرتفسسع ،وعنده
الوزراء والمراء ،ووقسف العبيسد بالترسسة والسسيوف والعصسي ،ثسم أتسي بالطعام ثسم
الفوفل والتنبول ،ثم أتي بصحفة صغيرة فيها الصندل المقاصري .فإذا أكلت جماعة
مسن الناس تلطخوا بالصسندل .ورأيست على بعسض طعامهسم يومئذ حوتاً مسن السسردين
مملوحاً غير مطبوخ ،أهدي لهم من كولم ،وهو في بلد المليبار كثير .فأخذ الوزير
سسردينة وجعسل يأكلهسا .وقال لي :كسل منسه ،فإنسه ليسس ببلدنسا .فقلت :كيسف آكله وهسو
غير مطبوخ? فقال :إنه مطبوخ .فقلت :أنا أعرف به ،فإنه ببلدي كثير.
وفي الثاني من شوال اتفقت مع الوزير سليمان مانايك على تزوج بنته ،فبعثت إلى
الوزيسسسر جمال الديسسسن أن يكون عقسسسد النكاح بيسسسن يديسسسه بالقصسسسر ،فأجاب إلى ذلك،
وأحضسسر التنبول على العادة والصسسندل ،وحضسسر الناس ،وأبطسسأ الوزيسسر سسسليمان،
فاسستدعي ،فلم يأت ،ثسم اسستدعي ثانيسة ،فاعتذر بمرض البنست .فقال لي الوزيسر سسراً:
إن بنتسسه امتنعسست ،وهسسي مالكسسة أمسسر نفسسسها .والناس قسسد اجتمعوا فهسسل لك أن تتزوج
بربيبة السلطان زوجة أبيها ،وهي التي ولده متزوج بنتها ? فقلت له :نعم .فاستدعى
القاضسي والشهود ،ووقعست الشهادة ،ودفسع الوزيسر الصسداق ،ورفعست إلي بعسد أام،
فكانست من خيار النسساء .وبلغ حسن معاشرتها أنهسا كانست إذا تزوجست عليهسا تطيبنسي
وتبخر أثوابي ،وهي ضاحكة ،ل يظهر عليها تغير .ولما تزوجتها أكرهني الوزير
على القضاء .وسسسبب ذلك اعتراضسسي على القاضسسي ،لكونسسه كان يأخسسذ العشسسر مسسن
التركات ،إذا قسسمها على أربابهسا فقلت له :إنمسا لك أجرة تتفسق بهسا مسع الورثسة ،ولم
يكن يحسن شيئاً ،فلما وليت ،اجتهدت جهدي في إقامة رسوم الشرع .وليست هنالك
خصسومات ،كمسا هسي ببلدنسا .فأول مسا غيرت مسن عوائد السسوء مكسث المطلقات فسي
ديار المطلقين .وكانت إحداهن ل تزال في دار المطلق حتى تتزوج غيره .فحسمت
علة ذلك .وأتي إلي بنحو خمسة وعشرين رجلً ممن فعل ذلك ،فضربتهم وشهرتهم
بالسواق ،وأخرجت النساء عنهم ،ثم اشتددت في إقامة الصلوات ،وأمرت الرجال
بالمبادرة إلى الئمسسة والسسسواق إثسسر صسسلة الجمعسسة ،فمسسن وجدوه لم يصسسل ضربتسسه
وكتبت إلى جميع الجزائر بنحو ذلك وجهدت أن أكسو النساء ،فلم أقدر على ذلك.
الذي نفاه السلطان شهاب الدين إلى السويد وما وقع بيني وبينه
كنت قد تزوجت ربيبته بنت زوجته ،وأحببتها حباً شديداً .ولما بعث الوزير عنه،
ورده إلى جزيرة المهسل ،بعثست له التحسف ،وتلقيتسه ومضيست معسه إلى القصسر فسسلم
على الوزيسسسر ،وأنزله فسسسي دار جيدة .فكنسسست أزوره بهسسسا .واتفسسسق أن اعتكفسسست فسسسي
رمضان .فزارني جميع الناس إل هو ،وزارني الوزير جمال الدين ،فدخل هو معه،
بحكسم الموافقسة .فوقعست بيننسا الوحشسة .فلمسا خرجست مسن العتكاف شكسا إلي أخوال
زوجتي ربيبته أولد الوزير جمال الدين السنجري ،فإن أباهم أوصى عليهم الوزير
عبسسسد ال ،وأن مسسسا لهسسسم باق بيده ،وقسسسد خرجوا عسسسن حجره بحكسسسم الشرع ،وطلبوا
إحضاره بمجلس الحكسم ،وكانست عادتسي إذا بعثست عسن خصسم مسن الخصسوم ،أبعسث له
قطعسسة كاغسسد مكتوبسسة ،فعندمسسا يقسسف عليهسسا يبادر إلى مجلس الحكسسم الشرعسسي ،وإل
عاقبته ،فبعثت إليه على العادة ،فأغضبه ذلك ،وحقدها لي ،وأضمر عداوتي ،ووكل
مسن يتكلم عنسه ،وبلغنسي عنسه كلم قبيسح .وكانست عادة الناس مسن صسغير وكسبير أن
يخدموا له كمسسا يخدمون للوزيسسر جمال الديسسن ،وخدمتهسسم أن يوصسسلوا السسسبابة إلى
الرض ،ثم يقبلونها ويضعونها على رؤوسهم .فأمرت المنادي فنادى بدار السلطان
على رؤوس الشهاد أنسسه مسسن خدم للوزيسسر عبسسد ال كمسسا يخدم للوزيسسر الكسسبير لزمسسه
العقاب الشديسسد .وأخذت عليسسه أن ل يترك الناس لذلك .فزادت عداوتسسه .وتزوجسست
أيضاً زوجة أخرى ،بنت وزير معظم عندهم ،كان جده السلطان داود حفيد السلطان
أحمد شنورازة .ثم تزوجت زوجة كانت تحت السلطان شهاب الدين ،وعمرت ثلث
ديار بالبسستان الذي أعطانيسه الوزيسر .وكانست الرابعسة هسي ربيبسة الوزيسر عبسد ال،
تسسكن فسي دارهسا ،وهسي أحبهسن إلي فلمسا صساهرت مسن ذكرتسه ،هابنسي الوزيسر وأهسل
الجزيرة ،وتخوفوا منسي لجسل ضعفهسم ،وسسعوا بينسي وبيسن الوزيسر بالنمائم ،وتولى
واتفسق فسي بعسض اليام أن عبداً مسن عبيسد السسلطان الذي شكتسه زوجتسه إلى الوزيسر،
وأعلمتسه أنسه عنسد سسرية مسن سسراري السسلطان يزنسي بهسا .فبعسث الوزيسر الشهود،
ودخلوا دار السسسرية ،فوجدوا الغلم نائمًا معهسسا فسسي فراش واحسسد ،وحبسسسوهما .فلمسسا
أصسبحت وعلمست بالخسبر ،توجهست إلى المشور ،وجلسست فسي موضسع جلوسسي ،لم
أتكلم فسسي شسسي مسسن أمرهسسا .فخرج إلي بعسسض الخواص فقال :يقول لك الوزيسسر :ألك
حاجة ? فقلت :ل .وكان قصده أن أتكلم في شأن السرية والغلم .إذ كانت عادتي أن
ل تقطسسع قضيسسة إلى حكمسست فيهسسا .فلمسسا وقسسع التغيسسر والوحشسسة قصسسرت فسسي ذلك.
فانصرفت إلى داري بعد ذلك ،وجلست بموضع الحكام .فإذا ببعض الوزراء ،فقال
الوزير :يقول لك :إنه وقع البارحة كيت وكيت ،لقضية السرية والغلم ،فاحكم فيهما
بالشرع فقلت له :هذه القضية ل ينبغي الحكم أن يكون فيها إل بدار السلطان ،فعدت
إليهسسسا واجتمسسسع الناس وأحضرت السسسسرية والغلم ،فأمرت بضربهمسسسا فسسسي الخلوة،
وأطلقسست سسسراح المرأة ،وحبسسست الغلم .وانصسسرفت إلى داري ،فبعسسث الوزيسسر إلى
جماعة من كبراء ناسه في شأن تسريح الغلم ،فقلت لهم :أتشفعون في غلم زنجي
يهتسسك حرمسسة موله ? وأنتسسم بالمسسس خلعتسسم السسسلطان شهاب الديسسن وقتلتموه بسسسبب
دخوله لدار غلم له ? وأمرت بالغلم عنسسد ذلك ،فضرب بقضبان الخيزران ،وهسسي
أشسسد وقعاً مسسن السسسياط ،وشهرتسسه بالجزيرة ،وفسسي عنقسسه حبسسل .فذهبوا إلى الوزيسسر
فأعلموه .فقام وقعسد ،واسستشاط غضباً ،وجمسع الوزراء ووجوه العسسكر ،وبعسث عنسي
فجئته .وكانت عادتي أن أخدم له ،فلم أخدم .وقلت :سلم عليكم .ثم قلت للحاضرين:
اشهدوا علي أنسسي قسسد عزلت نفسسسي عسسن القضاء لعجزي عنسسه .فكلمنسسي الوزيسسر،
فصسسعدت وقعدت بموضسسع أقابله فيسسه ،وجاوبتسسه أغلظ جواب .وأذن مؤذن المغرب،
فدخسل إلى داره وهسو يقول :ويقولون إنسي سسلطان .وهسا أنذا طلبتسه لغضسب عليسه،
فغضسب علي .وإنمسا كان اعتزازي عليهسم بسسبب سسلطان الهنسد ،لنهسم تحققوا مكانتسي
عنده ،وإن كانوا على بعسد منسه ،فخوفسه فسي قلوبهسم متمكسن .فلمسا دخلنسا إلى داره بعسث
إلي القاضسسي المعزول ،وكان جريسسء اللسسسان ،فقال لي :إن مولنسسا يقول لك :كيسسف
هتكست حرمتسه على رؤوس الشهاد ولم تخدم له ? فقلت له :إنمسا كنست أخدم له حيسن
كان قلبي له طيباً ،فلما وقع التغير تركت ذلك ،وتحية المسلمين إنما هي السلم ،وقد
سسسلمت .فبعثسسه إلي ثانيسسة فقال :إنمسا غرضسك الرحيسسل عنسا ،فأعسسط صسداقات النسساء
وديون الناس ،وانصسسرف إذا شئت .فخدمسست له على هذا القول ،وذهبسست إلى داري،
فخلصست ممسا علي مسن الديسن .وقسد أعطانسي فسي تلك اليام فرش دار وجهازهسا مسن
أوانسي نحاس وسسواها .وكان يعطينسي كسل مسا أطلبسه ،ويحبنسي ويكرمنسي ،ولكنسه غيسر
خاطره ،وتخوف مني .فلما عرف أني قد خلصت الدين وعزمت على الرحيل ،ندم
على مسا قاله ،وتلكسأ فسي الذن لي فسي الرحيسل .فحلفست باليمان المغلظسة أن ل بسد مسن
رحيلي .ونقلت مسا عندي إلى مسسجد على البحسر ،وطلقست إحدى الزوجات ،وكانست
إحداهسسن حاملً ،فجعلت لهسسا أجلً تسسسعة أشهسسر ،إن عدت فبهسسا ،وإل فأمرهسسا بيدهسسا.
وحملت معي زوجتي التي كانت امرأة السلطان شهاب الدين لسلمها لبيها بجزيرة
ملوك ،وزوجتي الولى التي بنتها أخت السلطانة .وتوافقت مع الوزير عمر دهرد،
والوزير حسن قائد البحر ،على أن أمضي إلى بلد المعبر .وكان ملكها سلفي فأبى
مدها بالعساكر لترجع الجزائر إلى حكمه ،وأنوب أنا عنه فيها .وجعلت بيني وبينهم
علمة :رفسع أعلم بيسض في المراكب .فإذا رأوها ثاروا فسي البحر .ولم أكن حدثت
نفسي بهذا قط ،حتى وقع ما وقع من التغير .وكان الوزير خائفاً مني يقول الناس :ل
بسد لهذا أن يأخسذ الوزارة ،إمسا فسي حياتسي وإمسا بعسد مماتسي .ويكثسر السسؤال عسن حالي،
ويقول :سسسمعت أن ملك الهنسسد بعسسث إليسسه الموال ليثور بهسسا علي .وكان يخاف مسسن
سسفري لئل آتسي بالجيوش مسن بلد المعسبر .فبعسث إلي أن أقيسم حتسى يجهسز لي مركباً
فأبيست .وشكست أخست السسلطانة إليهسا بسسفر أمهسا معسي ،فأرادت منعهسا فلم تقدر على
ذلك .فلمسا رأت عزمهسا على السسفر قالت لهسا :إن جميسع مسا عندك مسن الحلي هسو مسن
مال البندر ،فإن كان لك شهود بأن جلل الديسن وهبسه لك ،وإل فرديسه ،وكان حلياً له
خطسر فردتسه إليهسم ،وأتانسي الوزراء والوجوه ،وأنسا بالمسسجد ،وطلبوا منسي الرجوع
فقلت لهم :لول أني حلفت لعدت .فقالوا :تذهب لى بعض علماء الجزائر ليبر قسمك
وتعود .فقلت لهم :نعسم :إرضاء لهسم .فلمسا كانت الليلة التسي سافرت فيها ،أتيت لوداع
الوزيسسر فعانقنسسي وبكسسى حتسسى قطرت دموعسسه على قدمسسي ،وبات تلك الليسسة يحرس
الجزيرة بنفسسه خوفاً أن يثور عليسه أصسهاري وأصسحابي .ثسم سسافرت ووصسلت إلى
جزيرة الوزيسسر علي .فأصسسابت زوجتسسي أوجاع عظيمسسة ،وأحبسست الرجوع فطلقتهسسا،
وتركتها هنالك ،وكتبت للوزير بذلك لنها أم زوجة ولده ،وطلقت التي كنت ضربت
لهسا الجسل .وبعثست عسن جاريسة كنست أحبهسا ،وسسرنا فسي تلك الجزائر مسن إقليسم إلى
إقليسم .سسافرت فيهسا ،أتيست لوداع الوزيسر فعانقنسي وبكسى حتسى قطرت دموعسه على
قدمسسسي ،وبات تلك الليسسسة يحرس الجزيرة بنفسسسسه خوفاً أن يثور عليسسسه أصسسسهاري
وأصسحابي .ثسم سسافرت ووصسلت إلى جزيرة الوزيسر علي .فأصسابت زوجتسي أوجاع
عظيمسسة ،وأحبسست الرجوع فطلقتهسسا ،وتركتهسسا هنالك ،وكتبسست للوزيسسر بذلك لنهسسا أم
زوجسة ولده ،وطلقست التسي كنت ضربت لهسا الجسل .وبعثت عسن جاريسة كنت أحبهسا،
وفسسي بعسسض تلك الجزائر ،رأيسست امرأة لهسسا ثدي واحسسد فسسي صسسدرها ،ولهسسا ابنتان
إحداهما كمثلها ذات ثدي واحد ،والخرى ذات ثديين ،إل أن أحدهما كبير فيه اللبن،
والخر صغير ل لبن فيه .فعجبت من شأنهن ،ووصلنا إلى جزيرة من تلك الجزائر
ليس بها إل دار واحدة فيها رجل حائك له زوجة وأولد ،ونخيلت نارجيل ،وقارب
صسغير يصسطاد فيسه السسمك .ويسسير إلى حيسث أراد مسن الجزائر .وفسي جزيرتسه أيضاً
شجيرات موز .ولم نسسر فيهسسا مسسن طيور البر غيسسر غرابيسسن خرجسسا إلينسسا لمسسا وصسسلنا
الجزيرة وطافسا بمركبنسا .فغبطست وال ذلك الرجسل ،وودت أن لو كانست تلك الجزيرة
لي ،فانقطعت فيها إلى أن يأتيني اليقين .ثم وصلت إلى جزيرة ملوك ،حيث المركب
الذي للناخوذة إبراهيسم ،وهسو الذي عزمست على الرحيسل فيسه إلى المعسبر .فجاء إلي
ومعسه أصسحابه ،وأضافونسي ضيافسة حسسنة .وكان الوزيسر قسد كتسب لي أن أعطسي بهذه
الجزيرة مائة وعشرين بستوا من الكودة ،وهي الودع ،وعشرين قدحاً من الطوان،
وهسسي عسسسل النارجيسسل ،وعدداً معلوماً مسسن التنبول والفوفسسل والسسسمك فسسي كسسل يوم.
وأقمت بهذه الجزيرة سبعين يوماً ،وتزوجت بها امرأتين .وهي من أحسن الجزائر،
خضرة نضرة ،رأيسست مسسن عجائبهسسا أن الغصسسن ينقطسسع مسسن شجرهسسا ويركسسز على
الرض أو الحائط فيورق ويصير شجرة .ورأيت الرمان بها ل يقتطع له ثمر بطول
أيام السسسنة .وخاف أهسسل هذه الجزيرة مسسن الناخوذة إبراهيسسم أن ينهبهسسم عنسسد سسسفره،
فأرادوا إمسساك مسا فسي مركبسه مسن السسلح حتسى يوم سسفره ،فوقعست المشاجرة بسسبب
ذلك ،وعدنسسا إلى المهسسل ،ولم ندخلهسسا .وكتبسست إلى الوزيسسر معلماً بذلك ،فكتسسب أن ل
سسبيل لخسذ السسلح .وعدنسا إلى ملوك ،وسسافرنا منهسا فسي نصسف ربيسع الثانسي عام
خمسسة وأربعيسن .وفسي شعبان مسن هذه السسنة توفسي الوزيسر جمال الديسن رحمسه ال.
وكانت السلطانة حاملً منه ،فولدت إثر وفاته ،وتزوجها الوزير عبد ال .وسافرنا،
ولم يكن معنا رئيس عارف .ومسافة ما بين الجزائر والمعبر ثلثة أيام ،فسرنا نحو
تسسعة أيام .وفسي التاسسع منهسا خرجنسا إلى جزيرة سسيلن ،ورأينسا جبسل سسرنديب فيهسا
ذاهباً في السماء كأنه عمود دخان .ولما وصلناها قال البحرية :إن هذا المرسى ليس
فسسي بلد السسسلطان الذي يدخسسل التجار إلى بلده آمنيسسن ،إنمسسا هذا مرسسسى فسسي بلد
السلطان إيري شكروتي ،وهو من العتاة المفسدين .وله مراكب تقطع البحر ،فخفنا
أن ننزل بمرساه .ثم اشتدت الريح فخفنا الغرق فقلت للناخوذة :نزلني على الساحل،
وأنسا آخسذ لك المان مسن هذا السسلطان ،ففعسل ذلك ،وأنزلنسي بالسساحل .فأتانسا الكفار
فقالوا :مسن أنتسم ? فأخسبرتهم أنسي سسلف سسلطان المعسبر وصساحبه ،جئت لزيارتسه .وأن
الذي فسسسي هذا المركسسب هديسسسة له .فذهبوا إلى سسسسلطانهم فأعلموه بذلك ،فاسسسستدعاني
فذهبسست له إلى مدينسسة بطالة " وضبسسط اسسسمها بفتسسح الباء الموحدة والطاء المهمسسل
وتشديدهسسا " ،وهسسي حضرتسسه ،مدينسسة صسسغيرة حسسسنة ،عليهسسا سسسور خشسسب ،وأبراج
خشسب .وجميسع سسواحلها مملوءة بأعواد القرفسة .تأتسي بهسا السسيول فتجمسع بالسساحل،
كأنها الروابي ،ويحملها أهل المعبر والمليبار دون ثمن .إل أنهم يهدون للسلطان في
مقابلة ذلك الثوب ونحوه .وبيسسن بلد المعسسبر وهذه الجزيرة مسسسيرة يوم وليلة .وبهسسا
أيضاً مسسن خشسسب البقسسم كثيسسر ،ومسسن العود الهندي المعروف بالكلخسسي ،إل أنسسه ليسسس
واسمه إيري شكروتي " بفتح الهمزة وسكون الياء وكسر الراء ثم ياء وشين معجم
مفتوح وكاف مثله وراء مسسسسكنة وواو مفتوح وتاء معلوة مكسسسسورة وياء " ،وهسسسو
سلطان قوي في البحر .رأيت مرة وأنا بالمعبر ،مائة مركب من مراكبه بين صغار
وكبار .وصسلت إلى هنالك ،وكانست بالمرسسى ثمانيسة مراكسب للسسلطان برسسم السسفر
إلى اليمسن ،فأمسر السسلطان بالسستعداد ،وحشسد الناس لحمايسة أجفانسه .فلمسا يئسسوا مسن
انتهاز الفرصسة فيهسا ،قالوا :إنسا جئنسا لحمايسة مراكسب لنسا تسسير أيضاً إلى اليمسن .ولمسا
دخلت على هذا السسلطان الكافسر ،قام الي وأجلسسني إلى جانبسه وكلمنسي بأحسسن كلم،
وقال :ينزل أصسسسحابك على المان ،ويكونون فسسسي ضيافتسسسي إلى أن يسسسسافروا .فإن
سلطان المعبر ،بيني وبينه الصحبة ،ثم أمر بإنزالي ،فأقمت عدة ثلثة أيام في إكرام
عظيسم متزايسد ،فسي كسل يوم .وكان يفهسم اللسسان الفارسسي ،ويعجبسه مسا أحدثسه بسه عسن
الملوك والبلد .ودخلت عليه يوماً وعنده جواهسر كثيرة أتسى بها من مغاص الجوهر
الذي ببلده ،وأصسحابه يميزون النفيسس منهسا مسن غيره .فقال لي :هسل رأيست مغاص
الجوهسر فسي البلد التسي جئت منهسا ? فقلت له :نعسم ،رأيتسه بجزيرة قيسس ،وجزيرة
كسش ،التسي لبسن السسواملي .فقال :سسمعت بهسا ثسم أخذت منسه حبات .فقال :أيكون فسي
تلك الجزيرة مثسل هذه ? فقلت له :رأيست مسا هسو دونهسا .فأعجبسه ذلك .وقال :هسي لك.
وقال لي :ل تسستحي ،واطلب منسي مسا شئت .فقلت له :ليسس مرادي منسذ وصسلت هذه
الجزيرة إل زيارة القدم الكريمسسة ،قدم آدم عليسسه السسسلم ،وهسسم يسسسمونه " بابسسا "،
ويسمون حواء " ماما " .قال :هذا هين .نبعث معك من يوصلك .فقلت :ذلك أريد .ثم
قلت له :وهذا المركسب الذي جئت بسه ،يسسافر آمنسا إلى المعسبر ،وإذا عدت أنسا بعثتنسي
فسي مراكبسك .فقال نعسم .فلمسا ذكرت ذلك لصساحب المركسب ،قال لي :ل أسسافر حتسى
تعود ،ولو أقمست سسنة بسسببك .فأخسبرت السسلطان بذلك .فقال :يقيسم فسي ضيافتسي حتسى
تعود .فأعطانسي دولة يحملهسا عسبيده على أعناقهسم ،وبعسث معسي أربعسة مسن الجوكيسة
الذين عادتهم السفر كل عام إلى زيارة القدم ،وثلثة من البراهمة ،وعشرة من سائر
أصسسحابه .وخمسسسة عشسسر رجلً يحملون الزاد .وأمسسا الماء فهسسو بتلك الطريسسق كثيسسر.
ونزلنا ذلك اليوم على واد جزناه في معدية مصنوعة من قصب الخيزران ،ثم رحلنا
من هنالك إلى منار مندلي " وضبط ذلك بفتح الميم والنون وألف وراء مسكنة وميم
مفتوح ونون مسسكن ودال مهمسل مفتوح ولم مسسكور وياء " ،مدينسة حسسنة هسي آخسر
يصسسسطادونها بغابسسسة هنالك .ويأتون بهسسسا أحياء ،ويأتون بالرز والسسسسمن والحوت
والدجاج واللبسن .وليسس بالمدينسة مسسلم غيسر رجسل خراسساني انقطسع بسسبب مرضسه،
فسسافر معنسا .ورحلنسا إلى بندرسسلوات " وضبطسه بفتسح الباء الموحدة وسسكون النون
وفتسسح الدال المهمسسل وسسسكون الراء وفتسسح السسسين المعمسسل واللم والواو والف وتاء
معلوة " ،بلدة صغيرة .وسافرنا منها في أوعار كثيرة المياه ،وبها الفيلة الكثيرة ،إل
أنها ل تؤذي الزوار والغرباء .وذلك ببركة الشيخ أبي عبد ال بن خفيف رحمه ال،
وهسسسسو أول مسسسسن فتسسسسح هذا الطريسسسسق إلى زيارة القدم ،وكان هؤلء الكفار يمنعون
المسلمين من ذلك ،ويؤذونهم ول يؤاكلونهم ول يبايعونهم .فلما اتفق للشيخ أبي عبد
ال مسا ذكرنسا فسي السسفر الول مسن قتسل الفيلة لصسحابه ،وسسلمته مسن بينهسم ،وحمسل
الفيسسل له على ظهره ،صسسار الكفار مسسن ذلك العهسسد يعظمون المسسسلمين ،ويدخلونهسسم
دورهسم ،ويطعمون معهسم ويطمئنون لهسم بأهلهسم وأولدهسم .وهسم إلى الن يعظمون
الشيسخ المذكور أشسد تعظيماً ،ويسسمونه الشيسخ الكسبير .ثسم وصسلنا بعسد ذلك إلى مدينسة
كنكار " وضبسط اسسمها بضسم الكاف الول وفتسح النون والكاف الثانيسة وآخره راء "،
وهسي حضرة السسلطان الكسبير بتلك البلد ،وبناؤهسا فسي خندق بيسن جسبيلين على خور
كبير يسمى بخور الياقوت ،لن الياقوت يوجد به .وبخارج هذه المدينة مسجد الشيخ
عثمان الشيرازي المعروف بشاوش " بشينيسسسسن معجميسسسسن بينهمسسسسا واو مضموم "،
وسسلطان هذه المدينسة وأهلهسا يزورونسه ويعظمونسه .وهسو كان الدليسل إلى القدم ،فلمسا
قطعت يده ورجله ،صار الدلء أولده وغلمانه ،وسبب قطعه أنه ذبح بقرة ،وحكم
كفار الهنود أنسه مسن ذبسح بقرة ذبسح كمثلهسا ،أو جعسل فسي جلدهسا وحرق .وكان الشيسخ
وهو يعرف بالكنار " بضم الكاف وفتح النون وألف وراء " ،وعنده الفيل البيض.
ولم أر فسي الدنيسا فيلً أبيسض سسواه ،يركبسه فسي العياد ،ويجعسل على جبهتسه أحجار
الياقوت العظيمة .واتفق له أن قام عليه أهل دولته ،وسملوا عينيه ،وولوا ولده وهو
هنالك أعمى.
ذكر الياقوت
والياقوت العجيسب البهرمان إنمسا يكون بهذه البلدة .فمنسه مسا يخرج مسن الخور ،وهسو
عزيسز عندهسم ،ومنسه مسا يحفسر عنسه .وفسي جزيرة سسيلن يوجسد الياقوت فسي جميسع
مواضعهسا ،وهسي متملكسة .فيشتري النسسان القطعسة منهسا ،ويحفسر عسن الياقوت ،فيجسد
أحجاراً بيضاء مشعبسة ،وهسي التسي يتكون الياقوت فسي أجوافهسا ،فيعطيهسا الحكاكيسن،
فيحكونها حتى تنفلق عن أحجار الياقوت .فمنه الحمر ومنه الصفر ومنه الرزق
ويسسمونه النيلم " بفتسح النون واللم وسسكون الياء آخسر الحروف " ،وعادتهسم أن مسا
بلغ ثمنه من أحجار الياقوت إلى مائة فنم " بفتح الفاء والنون " فهو للسلطان ،يعطي
ثمنه ويأخذه .وما نقص عن تلك القيمة فهو لصحابه .وصرف مائة فنم ستة دنانير
مسن الذهسب .وجميسع النسساء بجزيرة سسيلن لهسن القلئد مسن الياقوت الملون ،ويجعلنسه
فسي أيديهسن وأرجلهسن عوضاً مسن السسورة والخلخيسل .وجواري السسلطان يصسنعن
منه شبكة يجعلنها على رؤوسهن .ولقد رأيت على جبهة الفيل البيض سبعة أحجار
منسسه .كسسل حجسسر أعظسسم مسسن بيضسسة الدجاج .ورأيسست عنسسد السسسلطان أيري شكروتسسي
سسكرجة على مقدار الكسف من الياقوت ،فيهسا دهن العود .فجعلت أعجسب منهسا ،فقال:
إن عندنسا مسا هسو أضخسم مسن ذلك .ثسم سسافرنا مسن كنكار فنزلنسا بمغارة تعرف باسسم
اسطا محمود اللوري " بضم اللم " ،وكان من الصالحين ،واحتفر تلك المغارة في
سسفح جبسل ،عنسد خور صسغير هنالك .ثسم رحلنسا عنهسا ونزلنسا بالخور المعروف بخور
بوزنه " بالباء الموحدة وواو وزاي ونون وهاء " ،وبوزنه هي القرود.
ذكر القرود
والقرود بتلك الجبال كثيرة جداً ،وهسسي سسسود اللوان ،لهسسا أذناب طوال .ولذكورهسسا
لحسى كمسا هسي للدمييسن .وأخسبرني الشيسخ عثمان وولده وسسواهما أن هذه القرود لهسا
مقدم تتبعسه كأنسه سسلطان ،يشسد على رأسسه عصسابة مسن أوراق الشجار ،يتوكسأ على
عصسا ،ويكون عسن يمينسه ويسساره أربعسة مسن القرود ولهسا عصسي بأيديهسا .وأنسه إذا
جلس القرد المقدم تقسسف القرود الربعسة على رأسسسه :وتأتسسي أنثاه وأولده فتقعسد بيسن
يديسسه كسسل يوم ،وتأتسسي القرود فتقعسسد على بعسسد منسسه .ثسسم يكلمهسسا أحسسد القرود الربعسسة
فتنصسرف القرود كلهسا .ثسم يأتسي كسل فرد منهسا بموزة أو ليمونسة أو شبسه ذلك ،فيأكسل
القرد المقدم وأولده والقرود الربعسسة .وأخسسبرني بعسسض الجوكيسسة أنسسه رأى القرود
الربعسة بيسن يدي مقدمهسا ،وهسي تضرب بعسض القرود بالعصسي ،ثسم نتفست وبره بعسد
ضربسه .وذكسر لي الثقات أنسه إذا ظفسر قرد مسن هذه القرود بصسبية ل تسستطيع الدفاع
عسسن نفسسسها جامعهسسا .وأخسسبرني بعسسض أهسسل هذه الجزيرة أنسسه كان بداره قرد منهسسا،
فدخلت بنت له بعض البيوت ،فدخل عليها ،فصاحت به ،فغلبها ،قال :ودخلنا عليها
وهسو بيسن رجليهسا فقتلناه .ثسم كان رحيلنسا إلى خور الخيزران .ومسن هذا الخور أخرج
أبسسو عبسسد ال بسسن خفيسسف الياقوتتيسسن اللتيسسن أعطاهمسسا لسسسلطان هذه الجزيرة ،حسسسبما
ذكرناه فسسي السسسفر الول .ثسسم رحلنسسا إلى موضسسع يعرف بسسبيت العجوز ،وهسسو آخسسر
العمارة .ثسم رحلنسا إلى مغارة بابسا طاهسر ،وكان مسن الصسالحين ،ثسم رحلنسا إلى مغارة
السسبيك " بفتسح السسين المهمسل وكسسر الباء الموحدة وياء مسد وكاف " ،وكان السسبيك
وبهذا الموضسع رأينسا العلق الطيار ،ويسسمونه الزلو " بضسم الزاي واللم " ،ويكون
بالشجار والحشائش التي تقرب من الماء .فاذا قرب النسان منه وثب عليه .فحيثما
وقسع مسن جسسده ،خرج منسه الدم الكثيسر .والناس يعدون له الليمون ،يعصسرونه عليسه،
فيسقط عنهم .ويجردون الموضع الذي يقع عليه بسكين خشب معه لذلك .ويذكر أن
بعسض الزوار مسر بذلك الموضسع فتعلقست بسه العلق ،فأظهسر الجلد ،ولم يعصسر عليهسا
الليمون ،فنزف دمسسسه ومات .وكان اسسسسمه بابسسسا خوزي " بالخاء المعجسسسم المضموم
والزاي " ،وهنالك مغارة تنسسسب إليسسه .ثسسم رحلنسسا إلى السسسبع مغارات ،ثسسم إلى عقبسسة
اسسسكندر ،ثسسم مغارة الصسسفهاني وعيسسن ماء ،وقلعسسة غيسسر عامرة تحتهسسا خور يعرف
بغوطسسسة كاه عارفان ،وهنالك مغارة النارنسسسج ،ومغارة السسسسلطان ،وعندهسسسا دروازة
الجبل أي بابه.
وهسسو مسسن أعلى جبال الدنيسسا .رأيناه مسسن البحسسر ،وبيننسسا وبينسسه مسسسيرة تسسسعة .ولمسسا
صسعدناه كنسا نرى السسحاب أسسفل ،قسد حال بيننسا وبيسن رؤيسة أسسفله .وفيسه كثيسر مسن
الشجار التسسي ل يسسسقط لهسسا ورق ،والزاهيسسر الملونسسة ،والورد الحمسسر على قدر
الكف .ويزعمون أن في ذلك الورد كتابة يقرأ منها اسم ال تعالى واسم رسوله عليه
الصسسلة والسسسلم .وفسسي الجبسسل طريقان إلى القدم :أحدهمسسا يعرف بطريسسق " بابسسا "،
والخر بطريق " ماما " .يعنون آدم وحواء عليهما السلم .فأما طريق ماما فطريق
سسهل ،عليسه يرجسع الزوار إذا رجعوا .ومسن مضسى عليسه فهسو عندهسم كمسن لم يزر،
وأمسا طريسق بابسا فصسعب ،وعسر المرتقسى .وفسي أسسفل الجبسل حيسث دروازتسه ،مغارة
تنسب أيضاً للسكندر وعين ماء .ونحت ألولون في الجبل شبه درج يصعد عليها،
وغرزوا فيهسا أوتاد الحديسد ،وعلقوا منهسا السسلسل ليتمسسك بهسا مسن يصسعده .وهسي
عشسر سسلسل ،اثنتان فسي أسسفل الجبسل إلى حيسث الدروازة ،وسسبع متواليسة بعدهسا،
والعاشرة هسي سسلسلة الشهادة .لن النسسان إذا وصسل إليهسا ونظسر إلى أسسفل الجبسل
أدركه الوهم خوف السقوط .ثم إذا جاوزت هذه السلسلة ،وجدت طريقاً مهملة .ومن
السسلسلة العاشرة إلى مغارة الخضسر سسبعة أميال .وهسي فسي موضسع فسسيح ،عندهسا
عين ماء تنسب إليه أيضاً ملى بالحوت ،ول يصطاده أحد .وبالقرب منها حوضان
ذكر القدم
وأثسر القدم الكريمسة قدم أبينسا آدم صسلى ال عليسه وسسلم فسي صسخرة سسوداء ،مرتفعسة
بموضسسع فسسسيح .وقسسد غاصسست القدم الكريمسسة فسسي الصسسخرة ،حتسسى عاد موضعهسسا
منخفضاً .وطولهسسا أحسسد عشسسر شسسبراً .وأتسسى إليهسسا أهسسل الصسسين قديماً ،فقطعوا مسسن
الصسخرة موضسع ألبهام ومسا يليسه ،وجعلوه فسي كنيسسة بمدينسة الزيتون ،ويقصسدونها
مسن أقصسى البلد .وفسي الصسخرة حيسث القدم تسسع حفسر منحوتسة ،يجعسل الزوار مسن
الكفار فيهسسا الذهسسب واليواقيسست والجواهسسر .فترى الفقراء إذا وصسسلوا مغارة الخضسسر
يتسابقون منها لخذ ما بالحفر ،ولم نجد نحن بها إل يسير حجيرات وذهباً أعطيناها
الدليسل .والعادة أن يقيسم الزوار بمغارة الخضسر ثلثسة أيام يأتون فيهسا إلى القدم غدوة
ولمسا تمت اليام الثلثسة ،عدنا على طريسق مامسا .فنزلنسا بمغارة شيسث وهسو شيسث ابن
آدم عليهمسا السسلم ،ثسم إلى خور السسمك ،ثسم إلى قريسة كرمله " بضسم الكاف وسسكون
الراء وضسم الميسم " ،ثسم إلى قريسة جسبركاوان " بفتسح الجيسم والباء الموحدة وسسكون
الراء وفتسسح الكاف والواو وآخره نون " ،ثسسم إلى قريسسة دل دينوة " بداليسسن مهمليسسن
مكسورين بينهما لم مسكن وياء مد ونون مفتوح وواو مفتوح وتاء تأنيث " ،ثم إلى
قريسسة آت قلنجسسة " بهمزة مفتوحسسة وتاء مثناة مسسسكنة وقاف ولم مفتوحتيسسن ونون
مسسكن وجيسم مفتوح " ،وهنالك " كان " يشتسو الشيسخ أبسو عبسد ال ابسن خفيسف .وكسل
هذه القرى والمنازل هسي بالجبسل .وعنسد أصسل الجبسل فسي هذا الطريسق درخست روان،
ودرخسست هسسي " بفتسسح الدال المهمسسل والراء وسسسكون الخاء المعجسسم وتاء معلوة "
وروان " بفتسح الراء والواو والف ونون " ،وهسي شجرة عاديسة ل يسسقط لهسا ورق.
ولم أر من رأى ورقها ،ويعرفونها أيضاً بالماشية ،لن الناظر إليها من أعلى الجبل
يراها بعيدة منه ،قريبة من أسفل الجبل ،والناظر إليها من أسفل الجبل يراها بعكس
ذلك .ورأيسست هنالك جملة مسسن الجوكييسسن ملزميسسن أسسسفل الجبسسل ينتظرون سسسقوط
ورقها ،وهي بحيث ل يمكن التوصل إليها ألبتة .ولهم أكاذيب في شأنها ،من جملتها
أن من أكل من أوراقها عاد له الشباب إن كان شيخاً .وذلك باطل .وتحت هذا الجبل
الخور الذي يخرج منسسسه الياقوت ،وماؤه يظهسسسر فسسسي رأي العيسسسن شديسسسد الزرقسسسة.
ورحلنا من هنالك يومين إلى مدينة دينور " وضبط اسمها بدال مهمل مكسور وياء
مسد ونون وواو مفتوحيسن وراء " ،مدينسة عظيمسة على البحسر ،يسسكنها التجار .وبهسا
الصنم المعروف بدينور ،في كنيسة عظيمة ،فيها نحو ألف من البراهمة والجوكية،
ونحسو خمسسمائة مسن النسساء بنات الهنود ،ويغنيسن كسل ليلة عنسد الصسنم ،ويرقصسن.
والمدينة ومجابيها وقف على الصنم .وكل من بالكنيسة ومن يرد عليها يأكلون ذلك،
والصسنم مسن ذهسب على قدر الدمسي ،وفسي موضسع العينيسن منسه ياقوتتان عظيمتان،
أخبرت أنهما تضيئان بالليل كالقنديل .ثم رحلنا إلى مدينة قالي " بالقاف وكسر اللم
" ،وهسي صسغيرة ،على سستة فراسسخ مسن دينور ،وبهسا رجسل مسن المسسلمين ،يعرف
بالناخوذة إبراهيسم .أضافنسا بموضعسه ورحلنسا إلى مدينسة كلنبسو " بفتسح الكاف واللم
وسكون النون وضم الباء الموحدة وواو " ،وهي من أحسن بلد سرنديب وأكبرها،
وبهسا يسسكن الوزيسر حاكسم البحسر ،جالسسني ،ومعسه نحسو خمسسمائة مسن الحبشسة .ثسم
رحلنا ،فوصلنا بعد ثلثة أيام إلى بطالة ،وقد تقدم ذكرها ،ودخلنا إلى سلطانها الذي
تقدم ذكره ،ووجدت الناخوذة إبراهيسسم فسسي انتظاري ،فسسسافرنا بقصسسد بلد المعسسبر.
وقويت الريح ،وكاد الماء يدخل في المركب ،ولم يكن لنا رئيس عارف .ثم وصلنا
إلى حجارة ،كاد المركسسب ينكسسسر فيهسسا .ثسسم دخلنسسا بحرًا قصسسيراً .فتجلس المركسسب،
ورأينسا الموت عياناً ،ورمسى الناس بمسا معهسم ،وتوادعوا ،وقطعنسا صساري المركسب،
فرمينسا بسه .وصسنع البحريسة معديسة مسن الخشسب .وكان بيننسا وبيسن البحسر فرسسخان.
فأردت أن أنزل فسسي المعديسسة .وكان لي جاريتان وصسساحبان مسسن أصسسحابي .فقال:
أتنزل وتتركنا ? فآثرتهما على نفسي ،وقلت انزل أنتما والجارية التي أحبها .فقالت
الجاريسة :إنسي أحسسن السسباحة ،فأتعلق بحبسل المعديسة ،وأعوم معهسم .فنزل رفيقاي،
وأحدهمسسا محمسسد بسسن فرحان التوزري ،والخسسر رجسسل مصسسري ،والجاريسسة معهسسم،
والخرى تعوم .وربط البحرية في المعدية حبالً وسبحوا بها .وجعلت معهم ما عز
علي مسسن المتاع والجواهسسر والعنسسبر ،فوصسسلوا إلى البر سسسالمين ،لن الريسسح كانسست
تسساعدهم .وأقمست بالمركسب ،ونزل صساحبه إلى البر على الدفسة .وشرع البحريسة فسي
عمسل أربسع مسن المعادي .فجاء الليسل قبسل تمامهسا ،ودخسل معنسا الماء ،فصسعدت إلى
المؤخسر ،وأقمست بسه حتسى الصسباح .وحينئذ جاء إلينسا بعسض الكفار فسي قارب لهسم،
ونزلنسا معهسم إلى السساحل ببلد المعسبر ،فأعلمناهسم أنسا مسن أصسحاب سسلطانهم ،وهسم
تحست ذمتسه ،فكتبوا إليسه بذلك .وهسو على مسسيرة يوميسن فسي الغزو ،كتبست أنسا إليسه بمسا
اتفسسق علي ،وأدخلنسسا أولئك الكفار إلى غيضسسة عظيمسسة ،فأتونسا بفاكهسسة تشبسسه البطيسسخ
تثمرها ،شجرة المقل .وفي داخلها شبه القطن ،فيه عسلية يستخرجونها ،ويصنعون
منها حلواء يسمونها التل ،وهي تشبه السكر .وأتوا بسمك طيب .وأقمنا ثلثة أيام .ثم
وصسل مسن جهسة السسلطان أميسر يعرف بقمسر الديسن معسه جماعسة مسن فرسسان ورجال،
وجاءوا بالدولة وبعشرة خيول ،فركبست وركسب أصسحابي وصساحب المركسب وإحدى
الجاريتيسن ،وحملت الثانيسة فسي الدولة ،ووصسلنا إلى حصسن هركاتسو " وضبسط اسسمه
بفتسسح الهاء وسسسكون الراء وفتسسح الكاف والف وتاء معلوة مضمومسسة وواو " ،وبتنسسا.
وتركسست فيسسه الجواري وبعسسض الغلمان والصسسحاب ،ووصسسلنا فسسي اليوم الثانسسي إلى
محلة السلطان.
ذكر سلطان بلد المعبر
هيو غياث الديين الدامغانيي ،وكان فيي أول أمره فارسيًا مين فرسيان الملك مجيير
ابيين أبييي الرجييا ،أحييد خدام السييلطان محمييد ،ثييم خدم المييير حاجييي ابيين السيييد
السييلطان جلل الدييين ،ثييم ولي الملك ،وكان يدعييى سييراج الدييين قبله .فلمييا ولي
تسيمى غياث الديين .وكانيت بلد المعيبر تحيت حكيم السيلطان محميد ملك دهلي ،ثيم
ثار بهيا صيهري الشرييف جلل الديين أحسين شاه ،وملك بهيا خمسية أعوام ،ثيم
قتل ،وولي أحد أمرائه وهو علء الدين أديجي " بضم الهمزة وفتح الدال المهمل
وسيكون الياء آخير الحروف وكسير الجييم " ،فملك سينة .ثيم خرج إلى غزو الكفار
فأخذ لهم أموالً كثيرة وغنائم واسعة ،وعاد إلى بلده .وغزاهم في السنة الثانية،
فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة .واتفق يوم قتله لهم أن رفع المغفر عن رأسه
ليشرب ،فأصيابه سيهم غرب ،فمات مين حينيه .فولوا صيهره قطيب الديين .ثيم لم
يحمدوا سيرته فقتلوه بعد أربعين يوماً .وولي بعده السلطان غياث الدين ،وتزوج
بنت السلطان الشريف جلل الدين التي كنت متزوجاً أختها بدهلي .ذكر وصولي إلى
ولمسا وصسلنا إلى قرب مسن منزله بعسث بعسض الحجاب لتلقينسا ،وكان قاعدًا فسي برج
خشسب ،وعادتهسم بالهنسد أن ل يدخسل أحسد على السسلطان دون خسف .ولم يكسن عندي
خسف ،فأعطانسي بعسض الكفار خفاً .وكان هنالك مسن المسسلمين جماعسة ،فعجبست مسن
كون الكافسر كان أتسم مروءة منهسم .ودخلت على السسلطان ،فأمرنسي بالجلوس ،ودعسا
القاضسي الحاج صسدر الزمان بهاء الديسن .وأنزلنسي فسي جواره فسي ثلثسة مسن الخبيسة،
وهم يسمونها الخيام .وبعث بالفرش وبطعامهم ،وهو الرز واللحم .وعادتهم هنالك
أن يسسسقوا اللبسسن الرائب على الطعام .كمسسا يفعسسل ببلدنسسا .ثسسم اجتمعسست بسسه بعسسد ذلك،
وألقيست له أمسر جزائر ذيبسة المهسل ،وأن يبعسث الجيسش إليهسا .فأخسذ فسي ذلك بالعزم،
وعيسن المراكسب لذلك .وعيسن الهديسة لسسلطانتها ،والخلع للوزراء والمراء ،والعطايسا
لهسم .وفوض إلي فسي عقسد نكاحسه مسع أخست السسلطانة ،وأمسر بوسسق ثلثسة مراكسب
بالصسسسدقة لفقراء الجزائر ،وقال لي :يكون رجوعسسسك بعسسسد خمسسسسة أيام .فقال له قائد
البحسسر سسسرلك :ل يمكسن السسفر إلى الجزائر إل بعسد ثلثسة أشهسسر مسن الن .فقال لي
السسلطان :أمسا إذا كان المسر هكذا ،فامسض إلى فتسن حتسى نقضسي هذه الحركسة ،وتعود
إلى حضرتنسا مترة ،ومنهسا تكون الحركسة .فأقمست معسه بخلل مسا بعثست إلى الجواري
والصحاب.
وكانت الرض التي نسلكها غيضة واحدة من الشجار والقصب ،بحيث ل يسلكها
أحسد .فأمسر السسلطان أن يكون مسع كسل واحسد ممسن فسي الجيسش مسن كسبير وصسغير قدوم
لقطع ذلك .فإذا نزلت المحلة ركب إلى الغابة والناس معه ،فقطعوا تلك الشجار من
غدوة النهار إلى الزوال .ثسم يؤتسى بالطعام فيأكسل جميسع الناس ،طائفسة بعسد أخرى ،ثسم
يعودون إلى قطسسع الشجار إلى العشسسي .وكسسل مسسن وجدوه مسسن الكفار فسسي الغيضسسة
أسسروه ،وصنعوا خشبسة محددة الطرفيسن ،فجعلوها على كتفيسه يحملهسا .ومعسه امرأته
وأولده .ويؤتى بهم إلى المحلة .وعادتهم أن يصنعوا على المحلة سوراً من خشب،
يكون له أربعسة أبواب ،ويسسمونه الكتكر " بفتح الكافين وسسكون التاء المعلوه وآخره
راء " ،ويصسنعون على دار السسلطان كتكراً ثانياً ،ويصسنعون خارج الكتكسر الكسبر
مصساطب ،ارتفاعهسا نحسو نصسف قامسة ،ويوقدون عليهسا النار بالليسل ،ويسبيت عندهسا
العبيسد والمشاءون ،ومسع كسل واحسد منهسم حزمسة مسن رقيسق القصسب .فإذا أتسى أحسد مسن
الكفار ليضربوا على المحلة ليلً ،أوقسد كسل واحسد منهسم الحزمسة التسي بيده ،فعاد الليسل
شبه النهار ،لكثرة الضياء .وخرجت الفرسان في اتباع الكفار ،فإذا كان عند الصباح
قسسم الكفار المأسسورون بالمسس أربعسة أقسسام ،وأتسي إلى كسل باب مسن أبواب الكتكسر
بقسم منهم .فركزت بالخشب التي كانوا يحملونها بالمس عنده ،ثم ركزوا فيها حتى
تنفذهسسم ،ثسسم تذبسسح نسسساؤهم ،ويربطسسن بشعورهسسن إلى تلك الخشاب ،ويذبسسح الولد
الصسسغار فسسي حجورهسسن ،ويتركون هنالك .وتنزل المحلة ،ويشتغلون بقطسسع غيضسسة
أخرى ،ويصسنعون بمسن أسسروه كذلك .وذلك أمسر شنيسع ،مسا علمتسه لحسد مسن الملوك.
وبسببه عجل ال حينه .ولقد رأيته يوماً ،والقاضي عن يمينه ،وأنا عن شماله ،وهو
يأكسل معنسا ،وقسد أتسي بكافسر معسه امرأتسه وولد سسنه سسبع ،فأشار إلى السسيافين بيده أن
يقطعوا رأسه .ثسم قال لهم :وزن أو بسر أو ،معناه :وابنه وزوجته ،فقطعت رقابهم.
وصسرفت بصسري عنهسم ،فلمسا قمست وجدت رؤوسسهم مطروحسة بالرض .وحضرت
عنده يوماً ،وقسد أتسي برجسل مسن الكفار ،فتكلم بمسا لم أفهمسه .فإذا بجماعسة مسن الزبانيسة
قسد اسستلوا سسكاكينهم ،فبادرت القيام ،فقال لي :إلى أيسن ? فقلت :أصسلي العصسر .ففهسم
عني وضحك وأمر بقطع يديه ورجليه .فلما عدت وجدته متشحطًا في دمائه.
وكان فيمسسا يجاور بلده سسسلطان كافسسر يسسسمى بلل ديسسو " بفتسسح الباء الموحدة ولم
وألف ولم ثانية ودال مهمل مكسور وياء آخر الحروف مفتوحة واو مسكن " ،وهو
مسن كبار سسلطين الكفار ،يزيسد عسسكره على مائة ألف ،ومعسه نحسو عشريسن ألفاً مسن
المسسلمين ،أهسل الدعارة وذوي الجنايات والعبيسد الفاريسن ،فطمسع فسي السستيلء على
بلد المعسسبر ،وكان عسسسكر المسسسلمين بهسسا سسستة آلف ،منهسسم النصسسف مسسن الجياد،
والنصسف الثانسي ل خيسر فيهسم ،ول غناء عندهسم .فلقوه بظاهسر مدينسة كبان ،فهزمهسم.
ورجعوا إلى حضرة مترة ،ونزل الكافسسسسر على كبان ،وهسسسسي مسسسسن أكسسسسبر مدنهسسسسم
وأحصسنها ،وحاصسرها عشرة أشهسر ،ولم يبسق لهسم مسن الطعام إل قوت أربعسة عشسر
يوماً .فبعث لهم الكافر أن يخرجوا على المان ،ويتركوا له البلد .فقالوا له :ل بد من
مطالعة سلطاننا بذلك .فوعدهم إلى تمام أربعة عشر يوماً .فكتبوا إلى السلطان غياث
الديسن بأمرهسم ،فقرأ كتابهسم على الناس يوم الجمعسة ،فبكوا ،وقالوا :نسبيع أنفسسنا مسن
ال .فإن الكافسر إن أخسذ تلك المدينسة انتقسل إلى حصسارنا ،فالموت تحت السسيوف أولى
بنسسسا .فتعاهدوا على الموت ،وخرجوا مسسسن الغسسسد ،ونزعوا العمائم عسسسن رؤوسسسسهم
وجعلوهسسا فسسي أعناق الخيسسل ،وهسسي علمسسة مسسن يريسسد الموت .وجعلوا ذوي النجدة
والبطال منهسسم فسسي المقدمسسة ،وكانوا ثلثمائة .وجعلوا على الميمنسسة سسسيف الديسسن
بهادور ،وكان فقيهاً ورعاً شجاعاً ،وعلى الميسسسرة الملك محمسسد السسسلحدار .وركسسب
السسسلطان فسسي القلب ومعسسه ثلث آلف ،وجعسسل الثلثسسة اللف الباقيسسن سسساقة لهسسم،
وعليهم أسد الدين كيخسرو الفارسي .وقصدوا محلة الكافر عند القايلة ،وأهلها على
غرة ،وخيلهسم فسي المرعسى .فأغاروا عليهسا .وظسن الكفار أنهسم سسراق .فخرجوا إليهسم
على غير تعبية ،وقاتلوهم .فوصل السلطان غياث الدين ،فانهزم الكفار شر هزيمة،
وأراد سسلطانهم أن يركسب ،وكان ابسن ثمانيسن سسنة ،فأدركسه ناصسر الديسن ابسن أخسي
السسسلطان الذي ولي الملك بعده ،فأراد قتله ،ولم يعرفسسه .فقال له أحسسد غلمانسسه :هسسو
السلطان .فأسره وحمله إلى عمه ،فأكرمه في الظاهر حتى جبى منه الموال والفيلة
والخيسسل ،وكان يعده السسسراح .فلمسسا اسسستصفى مسسا عنده ،ذبحسسه وسسسلخه ،ومل جلده
بالتبسن .فعلق على سسور مترة ،ورأيتسه بهسا معلقاً ،ولنعسد إلى كلمنسا فنقول :ورحلت
عسسن المحلة ،فوصسسلت إلى مدينسسة فتسسن " بفتسسح الفاء والتاء والمثناة المشددة ونون "،
وهسي كسبيرة حسسنة على السساحل ،ومرسساها عجيسب قسد صسنعت فيسه قبسة خشسب كسبيرة
قائمسة على الخشسب الضخام ،يصسعد إليهسا على طريسق خشسب مسسقف ،فإذا جاء العدو
ضموا إليهسسا الجفان التسسي تكون بالمرسسسى ،وصسسعدها الرجال والرماة ،فل يصسسيب
العدو فرصسسة .وبهذه المدينسسة مسسسجد حسسسن مبنسسي بالحجارة ،وبهسسا العنسسب الكثيسسر
والرمان الطيسسب .ولقيسست الشيسسخ الصسسالح محمداً النيسسسابوري أحسسد الفقراء المولهيسسن
الذين يسدلون شعورهم على أكتافهم ،ومعه سبع رباه ،يأكل مع الفقراء ويقعد معهم
وكان معسه نحسو ثلثيسن فقيراً ،لحدهسم غزالة تكون مسع السسد فسي موضسع واحسد فل
يعرض لها .وأقمت بمدينة فتن ،وكان السلطان غياث الدين قد صنع له أحد الجوكية
حبوباً لقوة على الجماع .وذكروا أن مسسن جملة أخلطهسسا برادة الحديسسد ،فأكسسل منهسسا
فوق الحاجسة فمرض ،ووصسل إلى فتسن .فخرجست إلى لقائه ،واهديست له هديسة .فلمسا
اسستقر بهسا بعسث عسن قائد البحسر خواجسه سسرور فقال له :ل تشتغسل بسسوى المراكسب
المعينسة للسسفر إلى الجزائر .وأراد أن يعطينسي قيمسة الهديسة فأبيست ،ثسم ندمست ،لنسه
مات .فلم آخسذ شيئاً .وأقام بفتسن نصسف شهسر ،ثسم رحسل إلى حضرتسه .وأقمست أنسا بعده
نصسف شهسر ،ثسم رحلت إلى حضرتسه ،وهسي مدينسة متره " بضسم الميسم وسسكون التاء
المعلوة وفتسسح الراء " ،مدينسسة كسسبيرة متسسسعة الشوارع .وأول مسسن اتخذهسسا حضرة
صسهري السسلطان الشريسف جلل الديسن أحسسن شاه .وجعلهسا شبيهسة بدهلي ،وأحسسن
بناءهسا .ولمسا قدمتهسا وجدت بهسا وباء يموت منسه الناس موتاً ذريعاً ،فمسن مرض مات
من ثاني يوم مرضه أو ثالثه ،وإن أبطأ موته فإلى الرابع .فكنت إذا خرجت ل أرى
إل مريضاً أو ميتاً .واشتريست بهسا جاريسة على أنهسا صسحيحة ،فماتست فسي يوم آخسر.
ولقسد جاءت إلي فسي بعسض اليام امرأة كان زوجهسا مسن وزراء السسلطان أحسسن شاه،
ومعها ابن لها سنه ثمانية أعوام ،نبيل كيس فطن .فشكت ضعف حالها ،فأعطيتهما
نفقة ،وهما صحيحان سويان .فلما كان من الغد جاءت تطلب لولدها كفناً ،وإذا به قد
توفي من حينه .وكنت أرى بمشور السلطان حين مات المئتين من الخدم اللتي أتي
بهسسن لدق الرز المعمول منسسه الطعام لغيسسر السسسلطان ،وهسسن مريضات قسسد طرحسسن
أنفسسهن فسي الشمسس .ولمسا دخسل السسلطلن مترة ،وجسد أمسه وامرأتسه وولده مرضسى.
فأقام بالمدينسسة ثلثسسة أيام ،ثسسم خرج إلى نهسسر على فرسسسخ منهسسا ،كانسست عليسسه كنيسسسة
للكفار .وخرجت إليه في يوم خميس ،فأمر بإنزالي إلى جانب القاضي .فلما ضربت
لي الخبية رأيت الناس يسرحون ،ويموج بعضهم في بعض .فمن قائل :إن السلطان
مات ،ومن قائل :إن ولده هو الميت .ثم تحققنا ذلك ،فكان الولد هو الميت ،ولم يكن
له سسسسواه .فكان موتسسسه ممسسسا زاد فسسسي مرضسسسه .وفسسسي الخميسسسس بعده توفيسسست أم
السسلطان.السسلطان حيسن مات المئتيسن مسن الخدم اللتسي أتسي بهسن لدق الرز المعمول
منه الطعام لغير السلطان ،وهن مريضات قد طرحن أنفسهن في الشمس .ولما دخل
السسلطلن مترة ،وجسد أمسه وامرأتسه وولده مرضسى .فأقام بالمدينسة ثلثسة أيام ،ثسم خرج
إلى نهسر على فرسخ منها ،كانت عليسه كنيسسة للكفار .وخرجت إليسه فسي يوم خميس،
فأمسر بإنزالي إلى جانسب القاضسي .فلمسا ضربست لي الخبيسة رأيست الناس يسسرحون،
ويموج بعضهسسم فسسي بعسسض .فمسسن قائل :إن السسسلطان مات ،ومسسن قائل :إن ولده هسسو
الميست .ثسم تحققنسا ذلك ،فكان الولد هسو الميست ،ولم يكسن له سسواه .فكان موتسه ممسا زاد
وانصرافي عنه
وفسي الخميسس الثالث توفسي السسلطان غياث الديسن ،وشعرت بذلك ،فباردت الدخول
إلى المدينسسة خوف الفتنسسة .ولقيسست ناصسسر الديسسن ابسسن أخيسسه الوالي بعده خارجاً إلى
المحلة ،قسد وجسه عنسه ،إذا ليسس للسسلطان ولد .فطلب إلي الرجوع معسه ،فأبيست .وأثسر
ذلك في قلبه .وكان ناصر الدين هذا .خديماً بدهلي قبل أن يملك عمه .فلما ملك عمه
هرب فسي زي الفقراء إليسه ،فكان مسن القدر ملكسه بعده .ولمسا بويسع ،مدحتسه الشعراء،
فأجزل لهسسم العطاء وأول مسسن قام منشداً القاضسسي صسسدر الزمان ،فأعطاه خمسسسمائة
دينار وخلعة ،ثم الوزير المسمى بالقاضي ،فأعطاه ألفي دينار دراهم ،وأعطاني أنا
ثلثمائة دينار وخلعسة .وبسث الصسدقات فسي الفقراء والمسساكين .ولمسا خطسب الخطيسب
أول خطبسة باسسمه ،نثرت عليسه الدنانيسر والدراهسم فسي أطباق الذهسب والفضسة .وعمسل
عزاء السسسسلطان غياث الديسسسن فكانوا يختمون القرآن على قسسسبره كسسسل يوم ،ثسسسم يقرأ
العشارون ،ثم يؤتى بالطعام فيأكل الناس ،ثم يعطون الدراهم ،كل إنسان على قدره.
وأقاموا على ذلك أربعين يوماً .ثم يفعلون ذلك في مثل يوم وفاته من كل سنة .وأول
ما بدأ به السلطان ناصر الدين أن عزل وزير عمه ،وطلبه بالموال .وولي الوزارة
الملك بدر الدين الذي بعثه عمه إلي وأنا بفتن ليتلقاني ،فتوفي سريعاً .فولي الوزارة
خواجسه سسرور قائد البحسر ،وأمسر أن يخاطسب بخواجسه جهان ،كمسا يخاطسب الوزيسر
بدهلي .ومن خاطبه بغير ذلك غرم دنانير معلومة .ثم إن السلطان ناصر الدين قتل
ابسسن عمتسسه المتزوج بنسست السسسلطان غياث الديسسن ،وتزوجهسسا بعده .وبلغسسه أن الملك
مسسسعوداً زاره فسسي محبسسسه قبسسل موتسسه ،فقتله أيضاً ،وقتسسل الملك بهادور ،وكان مسسن
الشجعان الكرماء الفضلء ،وأمسر لي بجميسع مسا كان عينسه عمسه مسن المراكسب برسسم
الجزائر .ثسم أصسابنتي الحمسى القاتلة هنالك ،فظننست أنهسا القاضيسة .وألهمنسي ال إلى
التمر الهندي ،وهو هنالك كثير ،فأخذت نحو رطل منه ،وجعلته في الماء ثم شربته.
فأسهلني ثلثة أيام ،وعافاني ال من مرضي .فكرهت تلك المدينة ،وطلبت الذن في
السسفر ،فقال لي السسلطان :كيسف تسسافر ولم يبسق ليام السسفر إلى الجزائر غيسر شهسر
واحد ? أقم حتى نعطيك جميع ما أمر لك به خوند عالم .فأبيت ،وكتب لي إلى فتن
لسسافر فسي أي مركسب أردت .وعدت إلى فتسن ،فوجدت ثمانيسة مسن المراكسب تسسافر
إلى اليمسن ،فسسافرت فسي أحدهسا ،ولقينسا أربعسة أجفان ،فقاتلتنسا يسسيراً ثسم انصسرفت.
ووصسلنا إلى كولم ،وكان فسي بقيسة مرض ،فأقمست بهسا ثلثسة أشهسر .ثسم ركبست فسي
مركسسسب بقصسسسد السسسسلطان جمال الديسسسن الهنوري ،فخرج علينسسسا الكفار بيسسسن هنور
وفاكنور.
ولمسا وصسلنا إلى الجزيرة الصسغرى بيسن هنور وفاكنور ،خرج علينسا الكفار فسي يوم
ممسا كنست أدخره للشدائد ،وأخذوا الجواهسر واليواقيست التسي أعطانيهسا ملك سسيلن،
وأخذوا ثيابسي والزرادات التسي كانست عندي ممسا أعطانيسه الصسالحون والولياء ،ولم
يتركوا لي سساتراً خل السسراويل ،وأخذوا مسا كان لجميسع الناس ،وأنزلونسا بالسساحل.
فرجعست إلى قالقوط ،فدخلت بعسض المسساجد .فبعسث إلي أحسد الفقهاء بثوب ،وبعسث
القاضي بعمامة ،وبعث بعض التجار بثوب آخر .وتعرفت هنالك بتزوج الوزير عبد
ال بالسسسلطانة خديجسسة بعسسد موت الوزيسسر جمال الديسسن ،وبأن زوجتسسي التسسي تركتهسسا
حاملً ولدت ولداً ذكرًا فخطسسر لي السسسفر إلى الجزائر .وتذكرت العداوة التسسي بينسسي
وبيسن الوزيسر عبسد ال ،ففتحست المصسحف ،فخرج لي " تتنزل عليهسم الملئكسة أن ل
تخافوا ول تحزنوا " فاسستخرت ال ،وسسافرت .فوصسلت بعسد عشرة أيام إلى جزائر
ذيبسسة المهسسسل ،ونزلت منهسسا بكلنوس .فأكرمنسسي واليهسسا عبسسد العزيسسز المقدوشاوي
وأضافنسي وجهسز لي كندرة .ووصسلت بعسد ذلك إلى هللي ،وهسي الجزيرة التسي تخرج
السسلطانة وأخواتها إليها برسسم التفرج والسباحة ،ويسسمون ذلك التتجسر .ويلعبون فسي
المراكب ،ويبعث لها الوزراء والمراء بالهدايا والتحف متى كانت بها .وجدت بها
أخست السسلطانة وزوجهسا الخطيسب محمسد ابسن الوزيسر جمال الديسن وأمهسا التسي كانست
زوجتسي .فجاء الخطيسب إلي ،وأتوا بالطعام .ومسر بعسض أهسل الجزيرة إلى الوزيسر
عبد ال فأعلموه بقدومي .فسأل عن حالي ،وعمن قدم معي .وأخبر أني جئت برسم
حمل ولدي ،وكان سنه نحو عامين .وأتته أمه تشكو من ذلك .فقال لها :أنا ل أمنعه
مسسن حمسسل ولده .وصسسادرني فسسي دخول الجزيرة ،وأنزلنسسي بدار تقابسسل برج قصسسره،
ليتطلع على حالي .وبعسسسث إلي بكسسسسوة كاملة ،وبالتنبول وماء الورد على عادتهسسسم.
وجئت بثوبسسي حريسسر للرمسسي عنسسد السسسلم ،فأخذوهمسسا ،ولم يخرج الوزيسسر إلي ذلك
اليوم .وأتسسي إلي بولدي فظهسسر لي أن إقامتسسه معهسسم خيسسر له .فرددتسسه إليهسسم ،وأقمسست
خمسسسة أيام وظهسسر لي أن تعجيسسل السسسفر أولى .فطلبسست الذن فسسي ذلك ،فاسسستدعاني
الوزيسر ،ودخلت عليسه وأتونسي بالثوبيسن اللذيسن أخذوهمسا منسي ،فرميتهمسا عنسد السسلم
على العادة .وأجلسسني إلى جانبسه ،وسسألني عسن حالي ،وأكلت معسه الطعام ،وغسسلت
يدي معسسه فسسي الطسسست ،وذلك شيسسء ل يفعله مسسع أحسسد .وأتوا بالتنبول وانصسسرفت،
وبعسث إلي بأثواب وبسساتي مسن الودع ،وأحسسن فسي أفعاله وأجمسل .وسسافرت ،فأقمنسا
على ظهر البحر ثلثاً وأربعين ليلة ،ثم وصلنا إلى بلد بنجالة " وضبطها بفتح الباء
الموحدة وسسسكون النون وجيسسم معقود وألف ولم مفتوح " ،وهسسي بلد متسسسعة كثيرة
الرز .ولم أر في الدنيا أرخص أسعاراً منها ،لكنها مظلمة .وأهل خراسان يسمونها
دوزخسست " دوزخ " بور " بر " نعمسة ،معناه جهنسم ملى بالنعسم .رأيست الرز يباع
فسي أسسواقها خمسسة وعشريسن رطلً دهليسة بدينار فضسي ،والدينار الفضسي هسو ثمانيسة
دراهسم ،ودرهمهسم كالدرهسم النقرة سسواء ،والرطسل الدهلي عشرون رطلً مغربيسة.
وسسمعتهم يقولن :إن ذلك غلء عندهسم .وحدثنسي محمسد المصسمودي المغربسي ،وكان
من الصالحين وسكن هذا البلد قديماً ومات عندي بدهلي ،أنه كانت له زوجة وخادم،
فكان يشتري قوت ثلثتهسسم فسسي السسسنة بثمانيسسة رداهسسم ،وأنسسه كان يشتري الرز فسسي
قشره بحسساب ثمانيسن رطلً دهليسة بثمانيسة دراهسم ،فإذا دقسه خرج منسه خمسسون رطلً
صسسافية ،وهسسي عشرة قناطيسسر .ورأيسست البقرة تباع بهسسا للحلب بثلثسسة دنانيسسر فضيسسة
وبقرهسم الجواميسس ،ورأيت الدجاج السسمان تباع بحسساب ثمانٍس بدرهسم واحسد ،وفراخ
الحمام ،تباع خمسسة عشسر بدرهسم ،ورأيست الكبسش السسمين يباع بدرهميسن .ورطسل
السكر بأربعة دراهم ،وهو رطل دهلي ورطل الجلب بثمانية دراهم ورطل السمن
بأربعسة دراهسم ورطسل السسيرج بدرهميسن ،ورأيست ثوب القطسن الرقيسق الجيسد الذي
ذرعه ثلثون ذراعاً يباع بدينارين ،ورأيت الجارية المليحة للفراش تباع بدينار من
الذهب الواحد ،وهو ديناران ونصف دينار من الذهب المغربي ،واشتريت بنحو هذه
القيمة جارية تسمى عاشورة ،وكان لها جمال بارع .واشترى بعض أصحابي غلماً
صسغير السسن حسسناً اسسمه لؤلؤ بديناريسن مسن الذهسب .وأول مدينسة دخلناهسا مسن بلد
بنجالة مدينسة سسدكاوان ،وضبسط اسسمها " بضسم السسين وسسكون الدال المهمليسن وفتسح
الكاف والواو وآخره نون " ،وهسسي مدينسسة عظيمسسة على سسساحل البحسسر العظسسم،
ويجتمسع بهسا نهسر الكنسك الذي يحسج إليسه الهنود ،ونهسر الجون ،ويصسبان فسي البحسر.
ولهسم فسي النهسر مراكسب كثيرة يقاتلون بهسا أهسل بلد اللكنوتسي.ة عظيمسة على سساحل
البحر العظم ،ويجتمع بها نهر الكنك الذي يحج إليه الهنود ،ونهر الجون ،ويصبان
في البحر .ولهم في النهر مراكب كثيرة يقاتلون بها أهل بلد اللكنوتي.
وهسو السسلطان فخسر الديسن الملقسب بفخره " بالفاء والخاء المعجسم والراء " ،سسلطان
فاضسل محسب فسي الغرباء ،وخصسوصاً الفقراء والمتصسوفة .وكانست مملكسة هذه البلد
للسلطان ناصر الدين ابن السلطان غياث الدين بلبن ،وهو الذي ولي ولده معز الدين
الملك بدهلي ،فتوجسه لقتاله والتقيسا بالنهسر ،وسسمي لقاؤهمسا لقاء السسعدين ،وقسد ذكرنسا
ذلك ،وأنسسه ترك الملك لولده وعاد إلى بنجالة ،فأقام بهسسا إلى أن توفسسي ،وولي ابنسسه
شمسسس الديسسن إلى أن توفسسي فولي ابنسسه شهاب الديسسن إلى أن غلب عليسسه أخوه غياث
الدين بهادوربور ،فاستنصر شهاب الدين بالسلطان غياث الدين تغلق فنصره ،وأخذ
بهادوربور أسيراً ،ثم أطلقه ابنه محمد لما ملك ،على أن يقاسمه ملكه ،فنكث عليه،
فقاتله حتسسسى قتله ،وولي على هذه البلد صسسسهراً ،له فقتله العسسسسكر ،واسسسستولى على
ملكها علي شاه ،وهو إذ ذاك ببلد اللكنوتي .فلما رأى فخر الدين أن الملك قد خرج
عسسن أولد السسسلطان ناصسسر الديسسن ،وهسسو مولى لهسسم ،خالف بسسسكاوان وبلد بنجالة،
واسستقل بالملك .واشتدت الفتنسة بينسه وبيسن علي شاه .فإذا كانست أيام الشتاء والوحسل،
أغار فخسر الديسن على بلد اللكنوتسي فسي البحسر لقوتسه فيسه ،وإذا عادت اليام التسي ل
مطر فيها أغار علي شاه على بنجالة في البر لقوته فيه.
حكاية
وانتهسى حسب الفقراء بالسسلطان فخسر الديسن إلى أن جعسل أحدهسم نائباً عنسه فسي الملك
بسسدكاوان ،وكان يسسمى شيدا " بفتسح الشيسن المعجسم والدال المهمسل بينهمسا ياء آخسر
الحروف " ،وخرج إلى قتال عدو له .فخالف عليسسسه شيدا ،وأراد السسسستبداد بالملك،
وقتسسل ولد السسسلطان فخسسر الديسسن ،ولم يكسسن له ولد غيره .فعلم بذلك فكسسر عائداً إلى
حضرتسه ،ففسر شيدا ومسن اتبعسه إلى مدينسة سسنرهكاوان ،وهسي منيعسة .فبعسث السسلطان
بالعسسساكر إلى حصسساره ،فخاف أهلهسسا على أنفسسسهم ،فقبضوا على شيدا وبعثوا إلى
عسسكر السسلطان ،فكتبوا إليسه بأمره .فأمرهسم أن يبعثوا له رأسسه فبعثوه .وقتسل بسسببه
جماعسة كسبيرة مسن الفقراء .ولمسا دخلت سسدكاوان لم أر سسلطانها ،ول لقيتسه ،وعلمست
أنسه مخالف على ملك الهنسد .فخفست عاقبسة ذلك ،وسسافرت مسن سسدكاوان بقصسد جبال
كامرو ،وهسسي " بفتسسح الكاف والميسسم وضسسم الراء " .وبينهسسا وبيسسن سسسدكاوان مسسسيرة
شهسر ،وهسي جبال متسسعة متصسلة بالصسين ،وتتصسل أيضاً ببلد التبست حيسث غزلن
المسك .وأهل هذا الجبل يشبهون الترك ،ولم قوة على الخدمة .والغلم منهم يساوي
أضعاف ما يساويه الغلم من غيرهم .وهم مشهورون بمعاناة السحر والشتغال به.
وكان قصسدي بالمسسير إلى هذه الجبال لقاء ولي مسن الولياء بهسا وهسو الشيسخ جلل
الدين التبريزي.
وهذا الشيسسسسسخ مسسسسسن كبار الولياء وأفراد الرجال .له الكرامات الشهيرة والمآثسسسسسر
العظيمسسة ،وهسسو مسسن المعمريسسن .أخسسبرني رحمسسه ال أنسسه أدرك الخليفسسة المعتصسسم
المسسستعصم بال العباسسسي ببغداد ،وكان بهسسا حيسسن قتله ،وأخسسبرني أصسسحابه بعسسد هذه
المدة أنه مات ،وهو ابن مائة وخمسين ،وأنه كان له نحو أربعين سنة يسرد الصوم،
ول يفطر إل بعد مواصلة عشر ،وكانت له بقرة يفطر على حليبها ،ويقوم الليل كله.
وكان نحيسسف الجسسسم طوالً خفيسسف العارضيسسن .وعلى يديسسه أسسسلم أهسسل تلك الجبال،
كرامسة له :أخسبرني بعسض أصسحابه أنسه اسستدعاهم قبسل موتسه بيوم واحسد ،وأوصساهم
بتقوى ال ،وقال لهم :إني أسافر عنكم غداً إن شاء ال وخليفتي عليكم ال الذي ل إله
إل هو ،فلما صلى الظهر من الغد قبضه ال في آخر سجدة منها ،ووجدوا في جانب
الغار الذي كان يسسكنه قسبراً محفوراً عليسه الكفسن والحنوط ،فغسسلوه وكفنوه وصسلوا
يوميسن مسن موضسع سسكناه ،فأخسبروي أن الشيسخ قال للفقراء الذيسن معسه :قسد جاءكسم
سسائح مسن المغرب فاسستقبلوه ،وأنهسم أتوا لذلك بأمسر الشيسخ .ولم يكسن عنده علم مسن
أمري ،وإنمسا كوشسف بسه ،وسسرت معهسم إلى الشيسخ فوصسلت زاويتسه خارج الغار ول
عمارة عندهسا وأهسل تلك البلد مسن مسسلم وكافسر يقصسدون زبارتسه ،ويأتون بالهدايسا
والتحف فيأكل منها الفقراء والواردون .وأما الشيخ فقد اقتصر على بقرة يفطر على
حليبهسا بعسد عشسر كمسا قدمناه ،ولمسا دخلت عليسه قام إلي وعانقنسي وسسألني عسن بلدي
وأسسفاري ،فأخسبرته .فقال لي :أنست مسسافر العرب .فقال له مسن حضسر مسن أصسحابه:
والعجسم يسا سسيدنا .فقال :والعجسم ،فأكرموه .فاحتملونسي إلى الزاويسة وأضافونسي ثلثسة
أيام.
حكايسة عجيبسة فسي ضمنهسا كرامات له ولمسا كان يوم دخولي إلى الشيسخ رأيست عليسه
فرجيسة مرعسز فأعجبتنسي ،وقلت فسي نفسسي :ليست الشيسخ أعطانيهسا .فلمسا دخلت عليسه
للوداع ،قام إلى جانسب الغار وجرد الفرجيسة وألبسسنيها مسع طاقيسة مسن رأسسه ،ولبسس
مرقعة ،فأخبرني الفقراء أن الشيخ لم تكن عادته أن يلبس تلك الفرجية ،وإنما لبسها
عند قدومي ،وأنه قال لهم هذه الفرجية يطلبها المغربي ،ويأخذها منه سلطان كافر،
ويعطيهسا لخينسا برهان الديسن الصساغرجي ،وهسي له وبرسسمه كانست .فلمسا أخسبرني
الفقراء بذلك ،قلت لهم :لقد حصلت لي بركة الشيخ ،بأن كساني لباسه .وأنا ل أدخل
بهذه الفرجية على سلطان كافر ول مسلم ،وانصرفت عن الشيخ .فاتفق لي بعد مدة
طويلة أنسي دخلت بلد الصسين ،وانتهيست إلى مدينسة الخنسسا .فافترق منسي أصسحابي
لكثرة الزحام ،وكانسست الفرجيسسة علي .فبينسسا أنسسا فسسي بعسسض الطرق إذا بالوزيسسر فسسي
موكسب عظيسم .فوقسع بصسره علي فاسستدعاني وأخسذ بيدي وسسألني عسن مقدمسي ،ولم
يفارقنسي حتسى وصسلت إلى دار السسلطان معسه فأردت النفصسال ،فمنعنسي وأدخلنسي
على السلطان ،فسألني عن سلطين السلم فأجبته ،ونظر إلى الفرجية فاستحسنها.
فقال لي الوزير :جردها ،فلم يمكني خلف ذلك .فأخذها وأمر لي بعشر خلع وفرس
مجهسز ونفقسة .وتغيسر خاطري لذلك .ثسم ذكرت قول الشيسخ إنسه يأخذهسا سسلطان كافسر.
فطال عجسسبي مسسن ذلك .ولمسسا كان فسسي السسسنة الخرى دخلت دار ملك الصسسين بخان
بالق ،فقصسدت زاويسة الشيسخ برهان الديسن الصساغرجي فوجدتسه يقرأ ،والفرجيسة عليسه
بعينهسا ،فعجبست مسن ذلك وقلبتهسا بيدي ،فقال لي :لم تقلبهسا وأنست تعرفهسا ? فقلت له:
نعسم ،هسي التسي أخذهسا منسي سسلطان الخنسسا .فقال لي هذه الفرجيسة صسنعها أخسي جلل
الديسسن برسسسمي .وكتسسب إلي أن الفرجيسسة تصسسلك على يسسد فلن .ثسسم أخرج لي الكتاب
فقرأته .وعجبت من صدق يقين الشيخ ،وأعلمته بأول الحكاية .فقال لي :أخي جلل
الديسن أكسبر مسن ذلك كله ،وهسو يتصسرف فسي الكون ،وقسد انتقسل إلى رحمسة ال تعالى.
ثسم قال :بلغنسي أنسه كان يصسلي الصسبح كسل يوم بمكسة ،وأنسه يحسج كسل عام .لنسه كان
يغيسب على الناس يومسي عرفسة والعيسد ،فل يعرف أيسن ذهسب .ولمسا وادعست الشيسخ
جلل الديسسن سسسافرت إلى مدينسسة حبنسسق " وضبسسط اسسسمها بفتسسح الحاء المهملة والباء
الموحدة .وسسكون النون وقاف " ،وهسي مسن أكسبر المدن وأحسسنها .يشقهسا النهسر الذي
ينزل مسسسن جبال كامرو ،ويسسسسمى النهسسسر الزرق ،ويسسسسافر فيسسسه إلى بنجالة وبلد
اللكنوتي ،وعليه النواعير والبساتين والقرى يمنة ويسرة ،كما هي على نيل مصر.
وأهلهسسا كفار تحسست الذمسسة ،يؤخسسذ منهسسم نصسسف مسسا يزدرعون ووظائف سسسوى ذلك.
وسافرنا في هذا النهر خمسة عشر يوماً بين القرى والبساتين فكأنما نمشي في سوق
من السواق ،وفيه من المراكب ما ل يحصى كثرة ،وفي كل مركب منها طبل ،فإذا
التقسى المركبان ضرب كسل واحسد طبله ،وسسلم بعضهسم على بعسض .وأمسر السسلطان
فخر الدين المذكور أن ل يؤخذ بذلك النهر من الفقراء نول ،وأن يعطى الزاد لمن ل
زاد له منهسم .وإذا وصسل الفقيسر إلى مدينسة أعطسي نصسف دينار .وبعسد خمسسة عشسر
يوماً من سفرنا في النهر ،كما ذكرناه ،وصلنا إلى مدينة سنرهكاوان وسنر " بضم
السسين المهمسل والنون وسسكون الراء " ،وهسي المدينسة التسي قبسض أهلهسا على الفقيسر
شيدا عندمسا لجسأ إليهسا .ولمسا وصسلناها وجدنسا بهسا جنكاً يريسد السسفر إلى بلد الجاوة.
وبينهمسا أربعون يوماً .فركبنسا فيسه وصسلنا بعسد خمسسة عشسر يوماً إلى بلد البرهنكار
الذيسن أفواههسم كأفواه الكلب " وضبطهسا بفتسح الباء الموحدة والراء والنون والكاف
وسكون الهاء " ،وهذه الطائفة من الهمج ل يرجعون إلى دين الهنود ول إلى غيره،
وسسكناهم فسي بيوت قصسب مسسقفة بحشيسش الرض على شاطسئ البحسر .وعندهسم مسن
أشجار الموز والفوفسسل والتنبول كثيسسر .ورجالهسسم على مثسسل صسسورنا إل أن أفواهسسم
كأفواه الكلب .وأمسسا نسسساؤهم فلسسسن كذلك ،ولهسسن جمال بارع .ورجالهسسم عرايسسا ل
يستترون .إل أن الواحد يجعل ذكره وأنثييه في جعبة من القصب منقوشة معلقة في
بطنه ،وتستتر نساؤهم بأوراق الشجر .ومعهم جماعة من المسلمين من أهل بنجالة
والجاوة سساكنون فسي حارة على حدة .أخبرونسا أنهسم يتناكحون كالبهائم ،ل يسستترون
بذلك .ويكون للرجل منهم ثلثون امرأة فما دون ذلك أو فوقه ،وأنهم ل يزنون .وإذا
زنسسا الرجسسل منهسسم فحسسد الرجسسل أن يصسسلب حتسسى يموت ،أو يؤتسسى بصسساحبه أو عبده
فيصسسلب عوضاً منسسه ،ويسسسرح هسسو .وحسسد المرأة أن يأمسسر السسسلطان جميسسع خدامسسه
فينكحونهسا واحسد بعسد واحسد بحضرتسه حتسى تموت ،ويرمون بهسا فسي البحسر .ولجسل
ذلك ل يتركون أحداً مسن أهسل المراكسب ينزل إليهسم ،إل إن كان مسن المقيميسن عندهسم.
وإنمسسا يبايعون الناس ويشارونهسسم على السسساحل ،ويسسسوقون إليهسسم الماء على الفيلة،
لنه بعيد من الساحل .ول يتركونهم لستقائه خوفاً على نسائهم ،لنهن يطمحن إلى
الرجال الحسان .والفيلة كثيرة عندهم ،ول يسعها أحد غير سلطانهم .ثم يشترى منهم
بالثواب .ولهم كلم غريب ليفقهه إل من ساكنهم ،وأكثر التردد إليهم .ولما وصلنا
إلى سسساحلهم أتوا إلينسسا فسسي قوارب صسسغار ،كسسل قارب مسسن خشبسسة واحدة منحوتسسة،
ذكر سلطانهم
وأتسى إلينسا سسلطانهم رأكباً على فيسل ،عليسه شبسه بردعسة من الجلود ،ولباس السسلطان
ثوب من جلود المعزى ،وقد جعل الوبر إلى خارج ،وفوق رأسه ثلث عصائب من
الحريسر ملونات ،وفسي يده حربسة مسن القصسب ،ومعسه نحسو عشريسن مسن أقاربسه على
الفيلة .فبعثنسا إليسه هديسة مسن الفلفسل والزنجبيسل والقرفسة والحوت الذي يكون بجزائر
ذيبسة المهسل وأثواباً من بنجاليسة .وهم ل يلبسسونها إنما يكسسونها الفيلة فسي أيام عيدهم.
ولهذا السسسلطان على كسسل مركسسب ينزل ببلده جاريسسة ومملوك وثياب لكسسسوة الفيسسل
وحلي ذهسب تجعله زوجتسه فسي محزمهسا وأصسابع رجليهسا .ومسن لم يعسط هذه الوظيفسة
حكايسة واتفسق فسي ليلة مسن ليالي إقامتنسا بمرسساهم أن غلماً لصساحب المركسب ممسن
تردد إلى هؤلء الطائفسة نزل مسن المركسب ليلً ،وتواعسد مسع امرأة أحسد كسبرائهم إلى
موضع شبه الغار على الساحل .وعلم بذلك زوجها ،فجاء في جمع من أصحابه إلى
الغار فوجدهمسا بسه .فحمل إلى سسلطانهم ،فأمسر بالغلم فقطعست أنثياه وصسلب .وأمسر
المرأة فجامعهسا الناس حتسى ماتست .ثسم جاء السسلطان إلى السساحل فاعتذر عمسا جرى،
وقال :إنسا ل نجسد بداً مسن إمضاء أحكامنسا .ووهسب لصساحب المركسب غلماً عوض
الغلم المطلوب ،ثسسم سسسافرنا عسسن هؤلء .وبعسسد خمسسسة وعشريسسن يوماً وصسسلنا إلى
جزيرة الجاوة " بالجيم " ،وهي التي ينسب إليها اللبان الجاوي .رأيناها على مسيرة
نصف يوم .وهي خضرة نضرة.وأكثر أشجارها النارجيل والفوفل والقرنفل والعود
الهندي والشكسي والبركسي والعنبسة والجمون والنارنسج الحلو وقصسب الكافور .وبيسع
أهلهسا وشراؤهسم بقطسع قصسدير وبالذهسب الصسيني التسبر غيسر المسسبوك .والكثيسر مسن
أفاويه الطيب التي ببلد الكفار إنما هو منها ،وأما ببلد المسلمين فهو أقل من ذلك.
ولمسا وصسلنا المرسسى خرج إلينسا أهلهسا فسي مراكسب صسغار ،ومعهسم جوز النارجيسل
والموز والعنبسة والسسسمك .وعادتهسسم أن يهدوا ذلك للتجار ،فيكافئهسسم كسسل إنسسان على
قدره .وصسعد إلينسا أيضاً نائب صساحب البحسر ،وشاهسد مسن معنسا مسن التجار ،وأذن لنسا
في النزول إلى البر .فنزلنا إلى البندر ،وهي قرية كبيرة على ساحل البحر ،بها دور
اسسمها السسرحى " بفتسح السسين المهمسل وسسكون الراء وفتسح الحاء المهمسل " ،وبينهسا
وبيسن البلد أربعسة أميال .ثسم كتسب بهروز نائب صساحب البحسر إلى السسلطان فعرفسه
بقدومسي ،فأمسر الميسر دولسسة بلقائي ،والقاضسي الشريسف أميسر سسيد الشيرازي ،وتاج
الديسن الصسفهاني ،وسسواهم مسن الفقهاء ،فخرجوا لذلك وجاءوا بفرس مسن مراكسب
السسلطان ،وأفراس سسواه فركبست ،وركسب أصسحابي ،ودخلنسا إلى حضرة السسلطان،
وهي مدينة سمطرة " بضم السين المهمل وسكون الطاء وفتح الراء " ،مدينة حسنة
وهسو السسلطان الملك الظاهسر مسن فضلء الملوك وكرمائهسم ،شافعسي المذهسب محسب
في الفقهاء يحضرون مجلسه للقراءة والمذاكرة وهو كثير الجهاد والغزو ومتواضع
يأتسسي إلى صسسلة الجمعسسة ماشياً على قدميسسه وأهسسل بلده شافعيسسة محبون فسسي الجهاد
يخرجون معسسه تطوعاً وهسسم غالبون على مسسن يليهسسم مسسن الكفار والكفار يعطونهسسم
ولمسسا قصسسدنا إلى دار السسسلطان وجدنسسا بالقرب منسسه رماحاً مركوزة على جانسسبي
الطريق ،وهي علمة على نزول الناس ،فل يتجاوزها من كان راكباً .فنزلنا عندها
ودخلنسسا المشور ،فوجدنسسا نائب السسسلطان .وهسسو يسسسمى عمدة الملك .فقام إلينسسا وسسسلم
علينسا ،وسسلمهم بالمصسافحة وقعدنسا معسه .وكتسب بطاقسة إلى السسلطان يعلمسه بذلك،
وختمها ودفعها لبعض الفتيان .فأتاه الجواب على ظهرها .ثم جاء أحد الفتيان ببقشة
والبقشسة " بضسم الباء الموحدة وسسكون القاف وفتسح الشيسن المعجسم " ،هسي السسبنية
فأخذهسسا النائب بيده ،وأخسسذ بيدي وأدخلنسي إلى دويرة يسسمونها فردخانسة ،على وزن
زردخانة " إل أن أولها فاء " ،وهي موضع راحته بالنهار فإن العادة أن يأتي نائب
السسسلطان إلى المشور بعسسد الصسسبح ،ول ينصسسرف إل بعسسد العشاء الخرة ،وكذلك
الوزراء والمراء الكبار .وأخرج مسسسن البقشسسسة ثلث فوط :إحداهمسسسا مسسسن خالص
الحريسسر ،والخرى حريسسر وقطسسن ،وأخرى حريسسر وكتان .وأخرج ثلثسسة أثواب،
يسسسمونها التحتانيات مسسن جنسسس الفوط ،وأخرج ثلثسسة مسسن الثياب مختلفسسة الجناس،
تسسمى الوسسطانيات ،وأخرج ثلثسة أثواب مسن الرمسك ،أحدهسا أبيسض ،وأخرج ثلث
عمائم .فلبسست فوطسة منهسا عوضاً عسن السسراويل على عادتهسم ،وثوباً مسن كسل جنسس.
ثسسم جاءوا بالطعام ،أكثره الرز ،ثسسم أتوا بنوع مسسن الفقاع ،ثسسم أتوا بالتنبول ،وهسسو
علمة النصراف ،فأخذناه وقمنا ،وقام النائب لقيامنا ،وخرجنا عن المشور ،فركبنا
وركب النائب معنا .وأتوا بنا إلى بستان عليه حائط خشب ،وفي وسطها دار بناؤها
بالخشسسب ،مفروشسسة بقطائف قطسسن يسسسمونها المخملت " بالميسسم والخاء المعجسسم "،
ومنها مصبوغ وغير مصبوغ .وفي البيت أسره من الخيزران ،فوقها مضربات من
الحرير ،ولحف خفاف ،ومخاد ،يسمونها البوالشت ،فجلسنا بالدار ،ومعنا النائب .ثم
جاء المير دولسة بجاريتين وخادمين ،وقال لي :يقول لك السلطان هذا على قدرنا،
ل على قدر السسلطان محمسد ،ثسم خرج النائب ،وبقسي الميسر دولسسة عندي .وكانست
بينسي وبينسه معرفسة .لنسه كان ورد رسسولً على السسلطان بدهلي .فقلت له :متسى تكون
رؤيسة السسلطان ? فقال لي :إن العادة عندنسا أن ل يسسلم القادم على السسلطان .إل بعسد
ثلثسة أيام ليذهسب عنسه تعسب السسفر .ويثوب إليسه ذهنسه .فأقمنسا ثلثسة أيام ،يأتسي إلينسا
بالطعام ثلث مرات فسسي اليوم ،وتأتينسسا الفواكسسه والطرف مسسساء وصسسباحاً .فلمسسا كان
اليوم الرابسسع ،وهسسو يوم الجمعسسة ،أتانسسي الميسسر دولسسسة فقال لي :يكون سسسلمك على
السلطان بمقصورة الجامع بعد الصلة .فأتيت الجامع وصليت به الجمعة مع حاجبه
قيران " بفتسح القاف وسسكون الياء آخسر الحروف والراء " ،ثسم دخلت إلى السسلطان،
فوجدت القاضسي أميسر سسيد ،والطلبسة عسن يمينسه وشماله .فصسافحني وسسلمت عليسه،
وأجلسني عن شماله ،وسألني عن السلطان محمد ،وعن أسفاري فأجبته ،وعاد إلى
المذاكرة فسي الفقسه على مذهسب المام الشافعسي .ولم يزل كذلك إلى صسلة العصسر،
فلما صلها دخل بيتاً هنالك ،فنزع الثياب التي كانت عليه ،وهي ثياب الفقهاء ،وبها
يأتسسي الجامسسع يوم الجمعسسة ماشياً ،ثسسم لبسسس ثياب الملك ،وهسسي القبيسسة مسسن الحريسسر
والقطن.
ولمسا خرج مسن الجامسع وجسد الفيلة والخيسل على بابسه ،والعادة عندهسم أنسه إذا ركسب
السسلطان الفيسل ،ركسب مسن معسه الخيسل .وإذا ركسب الفرس ،ركبوا الفيلة .ويكون أهسل
العلم عن يمينه ،فركب ذلك اليوم على الفيل ،وركبنا الخيل وسرنا معه إلى المشور.
فنزلنسسا حيسسث العادة ،ودخسسسل السسسسلطان راكبًا وقسسسد اصسسسطف فسسسي المشور الوزراء
والمراء والكتاب وأرباب الدولة ووجوه العسسسكر صسسفوفاً ،فأول الصسسفوف صسسف
الوزراء والكتاب ،ووزراؤه أربعة ،فسلموا عليه وانصرفوا إلى موضع وقوفهم ،ثم
صسسف المراء فسسسلموا وموضوا إلى مواقفهسسم .وكذلك تفعسسل كسسل طائفسسة ،ثسسم صسسف
الشارفاء والفقهاء ،ثم صف الندماء والحكماء والشعراء ،ثم صف وجوه العسكر ،ثم
صسسف الفتيان والمماليسسك .ووقسسف السسسلطان على فيسسه إزاء قبسسة الجلوس ،ورفسسع فوق
رأسه شطر مرصع ،وجعل عن يمينه خمسون فيلً مزينة ،وعن شماله مثلها ،وعن
يمينسسه أيضاً مائة فرس ،وعسسن شماله مثلهسسا ،وهسسي خيسسل النوبسسة ،ووقسسف بيسسن يديسسه
خواص الحجاب .ثم أتى أهل الطرب من الرجال فغنوا بين يديه ،وأتى بخيل مجللة
بالحريسر ،لهسا خلخيسل ذهسب وأرسسان حريسر مزركشسة ،فرقصست الخيسل بيسن يديسه.
فعجبست مسن شأنسه ،وكنست رأيست ذلك عنسد ملك الهنسد .ولمسا كان عنسد الغروب دخسل
وكان له ابسن أخ متزوج ببنتسه ،فوله بعسض البلد .وكان الفتسى بتعشسق بنتاً لبعسض
المراء ،ويريد تزوجها .والعادة هنالك أنه إذا كانت لرجل من الناس أمير أو سوقي
أو سسواه بنست قسد بلغست مبلغ النكاح ،فلبسد أن يسستأمر للسسلطان فسي شأنهسا ،ويبعسث
السلطان من النساء من تنظر إليها ،فإن أعجبته صفتها تزوجها ،وإل تركها يزوجها
أولياؤهسسسا ممسسسن شاءوا .والناس هنالك يرغبون فسسسي تزوج السسسسلطان بناتهسسسم ،لمسسسا
يحوزون بسسه مسسن الجاه والشرف .ولمسسا اسسستأمر والد البنسست التسسي تعشقهسسا ابسسن أخسسي
السسلطان ،بعسث السسلطان مسن نظسر إليهسا وتزوجهسا .واشتسد شغسف الفتسى بهسا ولم يجسد
سبيلً إليها .ثم إن السلطان خرج إلى الغزو ،وبينه وبين الكفار مسيرة شهر .فخالفه
ابن أخيه إلى سسمطرة ،ودخلهسا إذ لم يكون عليهسا سسور حينئذ ،وادعى الملك ،وبايعه
بعسض الناس ،وامتنسع آخرون .وعلم عمسه بذلك ،فقفسل راجعاً عائداً إليهسا فأخسذ ابسن
أخيسه مسا قدر عليسه مسن الموال والذخائر ،وأخسذ الجاريسة التسي تعشقهسا ،وقصسد بلد
الكفار بمل جاوه .ولهذا بنى عمه السور على سمطرة .وكانت إقامتي عنده بسمطرة
خمسة عشر يوماً ،ثم طلبت منه السفر إذ كان أوانه .ول يتهيأ السفر إلى الصين في
كسل وقست .فجهسز لنا جنكاً ،وزودنا ،وأحسن وأجمل جزاه ال خيراً ،وبعث معنا من
أصحابه من يأتي لنا بالضيافة إلى الجنك .وسافرنا بطول بلده إحدا وعشرين ليلة،
ثسم وصسلنا إلى مسل جاوه " بضسم الميسم " ،وهسي بلد الكفار وطولهسا مسسيرة شهريسن،
وبهسسا الفاويسسه العطره والعود الطيسسب القاقلي والقماري ،وقاقلة وقمارة مسسن بعسسض
بلدها ،وليسس ببلد السلطان الظاهر بالجاوة إل اللبان والكافور وشيسء من القرنفل
وشيسسء مسسن العود الهندي ،وإنمسسا معظسسم ذلك بمسسل جاوه .ولنذكسسر مسسا شهدناه منهسسا،
ذكر اللبان
وشجرة اللبان صسسسغيرة تكون بقدر قامسسسة النسسسسان إلى مسسسا دون ذلك ،وأغصسسسانها
كأغصان الخرشف ،وأوراقها صغار رقاق ،وربما سقطت فبقيت الشجرة منها دون
ورقسة .واللبان صسمغية تكون فسي أغصسانها .وهسي فسي بلد المسسلمين أكثسر منهسا فسي
بلد الكفار.
ذكر الكافور
وأما شجرة الكافور فهي قصب كقصب بلدنا ،إل أن النابيب منها أطول وأغلظ.
ويكون الكافور داخسل النابيسب ،فإذا كسسرت القصسبة وجسد فسي داخسل النبوب مثسل
شكله من الكافور .والسر العجيب فيه أنه ل يتكون في تلك القصب ،حتى يذبح عند
أصسولها شيسء مسن الحيوان ،وإل لم يتكون شيسء منسه .والطيسب المتناهسي فسي البرودة
الذي يقتسل منسه وزن الدرهسم ،بتجميسد الروح ،وهسو المسسمى عندهسم بالحردالة ،وهسو
الذي يذبح عند قصبه الدمي ،ويقوم مقام الدمي في ذلك الفيلة الصغار.
ذكر العود الهندي
وأما العود الهندي فشجره يشبه شجر البلوط ،إل أن قشره رقيق ،وأوراقه كأوراق
البلوط سسسواء ،ول ثمسسر له .وشجرتسسه ل تعظسسم كسسل العظسسم ،وعروقسسه طويلة ،وفيهسسا
الرائحسسة العطرة .وأمسسا عيدان شجرتسسه وورقهسسا ،فل عطريسسة فيهسسا .وكسسل مسسا ببلد
المسسسلمين مسسن شجره فهسسو متملك .وأمسسا الذي فسسي بلد الكفار فأكثره غيسسر متملك.
والمتملك منسسه مسسا كان بقاقلة ،وهسسو أطيسسب العود .وكذلك القماري هسسو أطيسسب أنواع
العود ،ويبيعونه لهل الجاوة بالثواب .ومن القماري صنف يطبع عليه الشمع .وأما
العطاس فإنه يقطع العرق منه ،ويدفن في التراب أشهراً ،فتبقى فيه قوته ،وهو من
أعجب أنواعه.
ذكر القرنفل
وأمسسا أشجار القرنفسسل فهسسي عاديسسة ضخمسسة ،وهسسي ببلد الكفار أكثسسر منهسسا ببلد
السسلم ،وليسست بمتملكسة لكثرتهسا .والمجلوب إلى بلدنسا منهسا هسو العيدان ،والذي
يسميه أهل بلدنا نوار القرنفل ،هو الذي يسقط من زهره ،وهو شبيه بزهر النارنج.
وثمر القرنفل هو جوز بوا المعروفة في بلدنا بجوزة الطيب ،والزهر المتكون فيها
هسو البسسباسة ،رأيست ذلك كله وشاهدتسه .ووصسلنا إلى مرسسى قاقلة ،فوجدناه بسه جملة
من الجنوك معد للسرقة .ولمن يستعصي عليهم من الجنوك ،فإن لهم على كل جنك
وظيفسة .ثسم نزلنسا مسن الجنسك إلى مدينسة قاقلة " وهسي بقافيسن آخرهسا مضموم ولمهسا
مفتوح " ،وهسي مدينسة حسسنة ،عليهسا سسور مسن حجارة منحوتسة ،عرضسه بحيث تسسير
فيسه ثلثسة مسن الفيلة .وأول مسا رأيست بخارجهسا الفيلة عليهسا الحمال مسن العود الهندي
يوقدونسه فسي بيوتهسم ،وهسو بقيمسة الحطسب عندنسا أو أرخسص ثمناً ،هذا إذا ابتاعوا فيمسا
بينهم .وأما للتجار فيبيعون الحمل منه بثوب من ثياب القطن ،وهي أغلى عندهم من
ثياب الحريسسر .والفيلة بهسسا كثيرة جداً ،عليهسسا يركبون ويحملون .وكسسل إنسسسان يربسسط
فيلتسه على بابسه ،وكسل صساحب حانوت يربسط فيله عنده ،يركبسه إلى داره ويحمسل له.
وهسو كافسر ،رأيتسه خارج قصسره جالسساً على قبسة ليسس بينسه وبيسن الرض بسساط،
ومعسسسه أرباب دولتسسسه .والعسسسساكر يعرضون عليسسسه مشاة ،ول خيسسسل هنالك إل عنسسسد
السسسلطان ،وإنمسسا يركبون الفيلة ،وعليهسسا يقاتلون .فعرف شأنسسي ،فاسسستدعاني فجئت
وقلت :السسلم على مسن اتبسع الهدى ،فلم يفقهوا إل لفسظ السسلم .فرحسب بسي ،وأمسر أن
يفرش لي ثوب اقعسد عليسه .فقلت للترجمان :كيسف أجلس على الثوب والسسلطان قاعسد
على الرض ? فقال :هكذا عادتسه يقعسد على الرض تواضعاً ،وأنست ضيسف ،وجئت
من سلطان كبير ،فيجب إكرامك ،فجلست ،وسألني عن السلطان ،فأوجز في سؤاله،
وقال لي :تقيسسسسسم عندنسسسسا فسسسسسي الضيافسسسسسة ثلثسسسسة أيام ،وحينئذ يكون انصسسسسسرافك.
ذكسر عجيبسة رأيتهسا بمجلسسه ورأيست فسي مجلس هذا السسلطان رجلً بيده سسكين شبسه
سسكين المسسفر ،قسد وضعسه على رقبسة نفسسه ،وتكلم بكلم كثيسر لم أفهمسه ،ثسم أمسسك
السسسكين بيديسسه معًا وقطسسع عنسسق نفسسسه ،فوقسسع رأسسسه لحدة السسسكين ،وشدة إمسسساكه
بالرض .فعجبت من شأنه ،وقال لي السلطان :أيفعل أحد هذا عندكم ? فقلت له :ما
رأيت هذا قط .فضحك وقال :هؤلء عبيدنا ،يقتلون أنفسهم في محبتنا .وأمر به فرفع
وأحرق .وخرج لحراقسه النواب وأرباب الدولة والعسساكر والرعايسا .وأجرى الرزق
الواسسع على أولده وأهله وإخوانسه ،وعظموا لجسل فعله .وأخسبرني مسن كان حاضراً
في ذلك المجلس أن الكلم الذي تكلم به ،كان تقريراً لمحبته في السلطان ،وأنه يقتل
نفسسه فسي حبسه ،كمسا قتسل أبوه نفسسه فسي حسب أبيسه ،وجده قتسل نفسسه فسي حسب جده ،ثسم
انصرفت عن المجلس .وبعث إلي بضيافة ثلثة أيام .وسافرنا في البحر فوصلنا بعد
أربعة وثلثين يوماً إلى البحر الكاهل ،وهو الراكد وفيه حمرة زعموا أنها من تربة
أرض تجاوره .ول ريح فيه ول موج ول حركة مع اتساعه .ولجل هذا البحر تتبع
كل جنك من جنوك الصين ثلثة مراكب ،كما ذكرناه ،تجذف به فتجره .ويكون في
الجنسك مسع ذلك نحسو عشريسن مجذافاً كباراً كالصسواري ،يجتمسع على المجذاف منهسا
ثلثون رجلً أو نحوهسسا ،ويقومون قياماً صسسفين ،كسسل صسسف يقابسسل الخسسر .وفسسي
المجذاف حبلن عظيمان كالطوابيسسس .فتجذف إحدى الطائفتيسسن الحبسسل ،ثسسم تتركسسه،
وتجذف الطائفة الخرى .وهم يغنون عند ذلك بأصواتهم الحسان ،وأكثر ما يقولون:
لعلى لعلى .وأقمنسا على ظهسر هذا البحسر سسبعة وثلثيسن يوماً ،وعجبست البحريسة مسن
التسسسهيل فيسسه ،فإنهسسم يقيمون فيسسه خمسسسين يوماً إلى أربعيسسن ،وهسسي أنهسسى مسسا يكون
التيسير عليهم .ثم وصلنا إلى بلد طوالسي وهي " بفتح الطاء المهمل والواو وكسر
السين المهمل " ،وملكها هو المسمى بطوالسي .وهي بلد عريضة ،وملكها يضاهي
ملك الصسين .وله الجنوك الكثيرة ،يقاتسل بهسا أهسل الصسين حتسى يصسالحوه على شيسء.
وأهسسل هذه البلد عبدة أوثان ،حسسسان الصسسور ،أشبسسه الناس بالترك فسسي صسسورهم،
والغالب على ألوانهم الحمرة ،ولهم شجاعة ونجدة .ونساؤهم يركبن الخيل ،ويحسن
الرماية ،ويقاتلن كالرجال سواء .وأرسينا من مراسيهم بمدينة كيلوكري " وضبطها
بكاف مفتوح وياء آخسسر الحروف مسسسكنة ولم مضموم وراء مكسسسور " ،وهسسي مسسن
أحسسن مدنهسم وأكبرهسا ،وكان يسسكن بهسا ابسن ملكهسم .فلمسا أرسسينا بالمرسسى جاءت
عسساكرهم ،ونزل الناخوذة إليهسم ،ومعسه هديسة لبسن الملك ،فسسألهم عنسه ،فأخسبروه أن
أباه وله بلداً غيرهم ،وولى بنته بتلك المدينة واسمها أردجا " بضم الهمزة وسكون
ذكسر هذه الملكسة ولمسا كان فسي اليوم الثانسي مسن حلولنسا بمرسسي كيلوكري ،اسستدعت
هذه الملكسة الناخوذة صساحب المركسب والكرانسي ،وهسو الكاتسب ،والتجار ،والرؤسساء،
والتنديسل ،وهسو مقدم الرجال ،وسسباه سسالر ،وهسو مقدم الرماة ،لضيافسة صسنعتها لهسم
على عادتهسا .ورغسب الناخوذة منسي أن أحضسر معهسم .فأتيست ،لنهسم كفار ل يجوز
أكسل طعامهسم .فلمسا حضروا عندهسا ،قالت لهسم :هسل بقسي أحسد منكسم لم يحضسر ? فقال
لهسا الناخوذة :لم يبسق إل رجسل واحسد بخشسي وهسو القاضسي بلسسانهم ،وبخشسي " بفتسح
الباء الموحدة وسكون الحاء وكسر الشين المعجمة " ،وهو ل يأكل طعامكم .فقالت:
ادعوه .فجاء جنادرتهسسا وأصسسحاب الناخوذة ،فقالوا :أجسسب الملكسسة .فأتيتهسسا ،وهسسي
بمجلسسها العظسم ،وبيسن يديهسا نسسوة ،بأيديهسن الزمسة ،يعرضسن ذلك عليهسا ،وحولهسا
النسساء القواعسد ،وهسن وزيراتهسا ،وقسد جلسسن تحست السسرير على كراسسي الصسندل،
وبيسن يديهسا الرجال .ومجلسسها مفروش بالحريسر ،وعليسه سستور حريسر وخشبسه مسن
الصسندل ،وعليسه صسفائح الذهسب .وبالمجلس مسساطب خشسب ،منقوش عليهسا أوانسي
ذهسب كثيرة مسن كبار وصسغار كالخوابسي والقلل والبواقيسل .أخسبرني الناخوذة أنهسا
مملوءة بشراب مصسنوع مسن السسكر مخلوط بالفاويسه ،يشربونسه بعسد الطعام ،وأنسه
عطسر الرائحسة حلو المطعسم ،يفرح ويطيسب النكهسة ،ويهضسم ،ويعيسن على الباءة .فلمسا
سسسلمت على الملكسسة قالت لي بالتركيسسة :حسسسن مسسسن يخشسسي مسسسن " خوشميسسسن
يخشميسسن " ،ومعناه :كيسف حالك ? كيسف أنست ? وأجلسستني على قرب منهسا وكانست
تحسسسن الكتاب العربسسي ،فقالت لبعسسض خدامهسسا :دواة وبتسسك كاتور " كتور " معناه:
الدواة والكاغد .فأتي بذلك فكتبت فيه بسم ال الرحمن الرحيم .فقالت :ما هذا ? فقلت
لهسسا :تنضري " تنكري " نام ،وتنضري " بفتسسح التاء المعلوة وسسسكون النون وفتسسح
الضاد وراء وياء " ونام " بنون والف وميم " ،ومعنى ذلك اسم ال .فقالت :خشن "
خوش " ،ومعناه جيسسد .ثسسم سسسألتني مسسن أي البلد قدمسست ،فقلت لهسسا مسسن بلد الهنسسد.
فقالت :بلد الفلفسسسسل .فقلت :نعسسسم .فسسسسسألتني عسسسن تلك البلد وأخبارهسسسا فأجبتهسسسسا.
فقالت :ل بد أن أغزوها وآخذهسا لنفسسي ،فإنسي يعجبنسي كثرة مالهسا وعساكرها .فقلت
لهسسا :افعلي .وأمرت لي بأثواب وحمسسل فيليسسن مسسن الرز وبجاموسسستين وعشسسر مسسن
الضأن وأربعسسسة أرطال جلب وأربسسسع مرطبانات ،وهسسسي أوان سسٍ ضخمسسسة ،مملوءة
بالزنجبيسل والفلفسل والليمون والعنبسا .كسل ذلك مملوح ممسا يسستعد بسه للبحسر ،وأخسبرني
الناخوذة أن هذه الملكسسة فسسي عسسسكرها نسسسوة وخدم وجوارٍ يقاتلن كالرجال ،وأنهسسا
تخرج فسي العسساكر مسن رجال ونسساء ،فتغيسر على عدوهسا ،وتشاهسد القتال ،وتبارز
البطال .وأخسبرني أنهسا وقسع بينهسا وبيسن بعسض أعدائهسا قتال شديسد ،وقتسل كثيسر مسن
عسسكرها ،وكادوا ينهزمون ،فدفعست بنفسسها ،وخرقست الجيوش ،حتسى وصسلت إلى
الملك الذي كانست تقاتله ،فطعنتسه طعنسة كان فيهسا حتفسه فمات ،وانهزمست عسساكره.
وجاءت برأسسه على رمسح فافتكسه أهله منهسا بمال كثيسر .فلمسا عادت إلى أبيهسا ملكهسا
تلك المدينسة التسي كانست بيسد أخيهسا .وأخسبرني أن أبناء الملوك يخطبونهسا ،فتقول :ل
أتزوج إل مسن يبارزنسي فيغلبنسي .فيتحامون مبارزتهسا ،خوف المعرة إن غلبتهسم .ثسم
سسافرنا عسن بلد طوالسسي فوصسلنا بعسد سسبعة عشسر يوماً والريسح مسساعدة لنسا ،ونحسن
نسسير بهسا أشسد السسير وأحسسنه إلى بلد الصسين .وإقليسم الصسين متسسع ،كثيسر الخيرات
والفواكسه والزرع والذهسب والفضسة ،ل يضاهيسه فسي ذلك إقليسم مسن أقاليسم الرض.
ويخترقه النهر المعروف بآب حياة ،معنى ذلك ماء الحياة ،ويسمى أيضاً نهر السبر
" السسرو " ،كاسسم النهسر الذي بالهنسد ومنبعسه مسن جبال بقرب مدينسة خان بالق تسسمى
كوه بوزنسه ،معناه جبسل القرود ،ويمسر فسي وسسط الصسين مسسيرة سستة أشهسر إلى أن
ينتهي إلى صين الصين .وتكتنفه القرى والمزارع والبساتين والسواق كنيل مصر،
إل أن هذا اكثسسر عمارة وعليسسه النواعيسسر الكثيرة .وببلد الصسسين السسسكر الكثيسسر ممسسا
العثمانسي الذي بدمشسق ل نظيسر له ،حتسى رأيست الجاص الذي بالصسين .وبهسا البطيسخ
العجيب ،يشبه بطيخ خوارزم وأصفهان .وكل ما ببلدنا من الفواكه فإن بها ما هو
مثله وأحسسسن منسسه .والقمسسح بهسسا كثيسسر جداً ،ولم أر قمحاً أطيسسب منسسه ،وكذلك العدس
والحمص.
وأمسا الفخار الصسيني فل يصسنع منسه إل بمدينسة الزيتون وبصسين كلن .وهسو مسن
تراب جبال هنالك ،تقسسسد فيسسسه النار كالفحسسسم ،وسسسسنذكر ذلك ،ويضيفون إليسسسه حجارة
عندهم .ويوقدون النار عليها ثلثة أيام ،ثم يصبون عليها الماء ،فيعود الجميع تراباً،
ثسم يخمرونسه .فالجيسد منسه مسا خمسر شهراً كاملً ،ول يزاد على ذلك .والدون مسا خمسر
عشرة أيام .وهسسو هنالك بقيمسسة الفخار ببلدنسسا أو أرخسسص ثمناً .ويحمسسل إلى الهنسسد
وسائر القاليم ،حتى يصل إلى بلدنا بالمغرب .وهو أبدع أنواع الفخار.
ودجاج الصسسين وديوكهسسا ضخمسسة جداً ،أضخسسم مسسن الوز عندنسسا .وبيسسض الدجاج
عندهسسم أضخسسم مسسن بيسسض الوز عندنسسا .وأمسسا الوز عندهسسم فل ضخامسسة لهسسا .ولقسسد
اشترينسسا دجاجسسة ،فأردنسسا طبخهسسا ،فلم يسسسع لحمهسسا فسسي برمسسة واحدة ،فجعلناهسسا فسسي
برمتيسن .ويكون الديسسك بهسسا على قدر النعامسسة .وربمسسا انتتسسف ريشهسسا ،فيبقسسى بضعسسة
حمراء .وأول ما رأيت الديك الصيني بمدينة كولم ،فظننته نعامة وعجبت منه ،فقال
لي صسساحبه :إن ببلد الصسسين مسسا هسسو أعظسسم منسسه .فلمسسا وصسسلت إلى الصسسين رأيسست
وأهسسل الصسسين كفار يعبدون الصسسنام ،ويحرقون موتاهسسم كمسسا تفعسسل الهنود .وملك
الصين تتري من ذرية تنكيز خان .وفي كل مدينة من مدن الصين مدينة للمسلمين،
ينفردون بسسسكناهم .ولهسسم فيهسسا المسسساجد لقامسسة الجمعات وسسسواها .وهسسم معظمون
محترمون .وكفار الصسين يأكلون لحوم الخنازيسر والكلب ،ويبيعونهسا فسي أسسواقهم.
وهسسم أهسسل رفاهيسسة وسسسعة عيسسش ،إل أنهسسم ل يحتفلون فسسي مطعسسم ول ملبسسس .وترى
التاجسر الكسبير منهسم الذي ل تحصسى أمواله كثرة ،وعليسه جبسة قطسن خشنسة .وجميسع
أهسل الصسين إنمسا يحتفلون فسي أوانسي الذهسب والفضسة .ولكسل واحسد منهسم عكاز يعتمسد
عليه في المشي ،ويقولون هو الرجل الثالثة .والحرير عندهم كثير جداً ،لن الدودة
تتعلق بالثمار وتأكل منها فل تحتاج إلى كثير مؤونة ،ولذلك كثر ،وهو لباس الفقراء
والمسسساكين بهسسا ،ولول التجار لمسسا كانسست له قيمسسة .ويباع الثوب الواحسسد مسسن القطسسن
عندهسم بالثواب الكثيرة مسن الحريسر .وعادتهسم أن يسسبك التاجسر مسا يكون عنده مسن
الذهب والفضة قطعاً ،تكون القطعة منها من قنطار فما فوقه وما دونه ،ويجعل ذلك
على باب داره .ومن كان له خمس قطع منها ،جعل في إصبعه خاتماً ،ومن كانت له
عشسر جعسل خاتميسن ،ومسن كان له خمسس عشرة سسموه السستي " بفتسح السسين المهمسل
وكسسر التاء المعلوة " وهسو بمعنسى الكارمسي بمصسر .ويسسمون القطعسة الواحدة منهسا
بركالة " بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الكاف واللم ".
ذكر دراهم الكاغد التي بها يبيعون ويشترون
وأهسل الصسين ل يتبايعون بدينار ول درهسم .وجميسع مسا يتحصسل ببلدهسم مسن ذلك
يسبكونه قطعاً ،كما ذكرناه ،وإنما بيعهم وشراؤهم .بقطع كاغد ،كل قطعة منها بقدر
الكسف ،مطبوعسة بطابسع السسلطان ،وتسسمى الخمسس والعشرون قطعسة منهسا ،بالشست "
بباء موحدة والف ولم مكسسسور وسسسين معجسسم مسسسكن وتاء معلوة " ،وهسسو بمعنسسى
الدينار عندنسا .وإذا تمزقست تلك الكواغسد فسي يسد إنسسان حملهسا إلى دار كدار السسكة
عندنسسا ،فأخسسذ عوضهسسا جددًا ودفسسع تلك .ول يعطسسى على ذلك أجرة ول سسسواها ،لن
الذيسن يتولون عملهسا لهسم الرزاق الجاريسة مسن قبسل السسلطان ،وقسد وكسل بتلك الدار
أميسر مسن كبار المراء .وإذا مضسى النسسان إلى السسوق بدرهسم فضسة أو دينار يريسد
شراء شيء ،لم يؤخذ منه ،ول يلتفت عليه ،حتى يصرفه بالبالشت ،ويشتري به ما
أراد.
وجميع أهل الصين والخطا ،إنما فحمهم تراب عندهم ،منعقد كالطفل عندنا ،ولونه
لون الطفسل ،تأتسي الفيلة بالحمال منسه ،فيقطعونسه قطعاً على قدر قطسع الفحسم عندنسا،
ويشعلون النار فيسه .فيقسد كالفحسم ،وهسو أشسد حرارة مسن نار الفحسم .وإذا صسار رماداً
عجنوه بالماء ويبسوه وطبخوا به ثانية .ول يزالون يفعلون به كذلك إلى أن يتلشى.
ومن هذا التراب يصسنعون أواني الفخار الصسيني ،ويضيفون إليسه حجارة سسواه ،كما
قلنا.
ذكر ما خصوا به من إحكام الصناعات
وأهل الصين أعظم المم إحكاماً للصناعات ،وأشدهم إتقاناً فيها ،وذلك مشهور من
حالهسم ،قسد وصسفه الناس فسي تصسانيفهم فأطنبوا فيسه ،وأمسا التصسوير فل يجاريهسم أحسد
فسي إحكامسه ،مسن الروم ول مسن سسواهم .فإن لهسم فيسه اقتداراً عظيماً .ومسن عجيسب مسا
شاهدت لهم من ذلك ،أني ما دخلت قط مدينة من مدنهم ،ثم عدت إليها ،إل ورأيت
ولقسد دخلت إلى مدينسة السسلطان فمررت على سسوق النقاشيسن ،ووصسلت إلى قصسره
مسسع أصسسحابي ،ونحسسن على زي العراقييسسن .فلمسسا عدت مسسن القصسسر عشياً ،مررت
بالسسوق المذكورة ،فرأيست صسورتي وصسور أصسحابي منقوشسة فسي كاغسد قسد ألصسقوه
بالحائط .فجعسسل الواحسسد منسسا ينظسسر إلى صسسورة صسساحبه ل تخطسسئ شيئاً مسسن شبهسسه.
وذكر لي أن السلطان أمرهم بذلك ،وأنهم أتوا إلى قصره ونحن به ،فجعلوا ينظرون
إلينسا ويصسورون صسورنا ،ونحن لم نشعسر بذلك ،وتلك عادة لهسم فسي تصسوير كسل من
يمر بهم .وتنتهي حالهم في ذلك إلى أن الغريب إذا فعل ما يوجب فراره عنهم ،بعث
صورته إلى البلد ،وبحث عنه .فحيثما وجد شبه تلك الصورة أخذ .قال ابن جزي:
هذا مثسل مسا حكاه أهسل التأريسخ مسن قضيسة سسابور ذي الكتاف ،ملك الفرس ،حيسن
دخسل إلى بلد الروم متنكراً ،وحضسر وليمسة صسنعها ملكهسم ،وكانست صسورته على
بعسض الوانسي فنظسر إليهسا بعسض خدام قيصسر ،فانطبعست على صسورة سسابور .فقال
لملكسه :إن هذه الصسورة تخسبرني أن كسسرى معنسا فسي هذا المجلس .فكان المسر على
وعادة أهسل الصسين إذا أراد جنسك مسن جنوكهسم السسفر ،صسعد إليسه صساحب البحسر
وكتابسه ،وكتبوا مسن يسسافر فيسه مسن الرماة والخدم والبحريسة ،وحينئذ يباح لهسم السسفر.
فإذا عاد الجنك إلى الصين ،صعدوا إليه أيضاً وقابلوا ما قيدوه بأشخاص الناس ،فإن
فقدوا أحداً ممسن قيدوه ،طالبوا صساحب الجنسك .فإمسا أن يأتسي بسبرهان على موتسه أو
فراره ،أو غيسسر ذلك ممسسا يحدث عليسسه ،وإل أخسسذ فيسسه .فإذا فرغوا مسسن ذلك أمروا
صاحب المركب أن يملي عليهم تفصيلً بجميع ما فيه من السلع ،قليلها وكثيرها ،ثم
ينزل مسن فيسه ،ويجلس حفاظ الديوان لمشاهدة مسا عندهسم .فإن عثروا على سسلعة قسد
كتمست عنهسم ،عاد الجنسك بجميسع مسا فيسه مالً للمخزن وذلك نوع مسن الظلم مسا رأيتسه
ببلد الكفار ول المسسلمين إل بالصسين ،اللهسم إل أنسه كان بالهنسد مسا يقرب منسه ،وهسو
أن مسن عثسر على سسلعة له قسد غاب على مغرمهسا ،أغرم احسد عشسر مغرماً ،ثسم رفسع
وإذا قدم التاجسر المسسلم على بلد مسن بلد الصسين خيسر فسي النزول عنسد تاجسر مسن
المسلمين المتوطنين معين أو في الفندق ،فإن أحب النزول عند التاجر حصر ماله،
وضمنسه التاجسر المسستوطن ،وأنفسق عليسه منسه بالمعروف .فإذا أراد السسفر بحسث عسن
ماله ،فإن وجسد شيئاً منسه قسد ضاع ،أغرمسه التاجسر المسستوطن الذي ضمنسه ،وإن أراد
النزول بالفندق ،سسسسلم ماله لصسسساحب الفندق وضمنسسسه ،وهسسسو يشتري له مسسسا أحسسسب
ويحاسسبه ،فإن أراد التسسري اشترى له جاريسة ،وأسسكنه بدار يكون بابهسا فسي الفندق،
وأنفسق عليهمسا .والجواري رخيصسات الثمان ،إل أن أهسل الصسين أجمعيسن يسبيعون
أولدهسسم وبناتهسسم ،وليسسس ذلك عيباً عندهسسم غيسسر أنهسسم ل يجسسبرون على السسسفر مسسع
مشتريهسسم ،ول يمنعون أيضاً منسسه إن اختاروه .وكذلك إن أراد التزوج تزوج .وأمسسا
إنفاق ماله فسي الفسساد فشيسء ل سسبيل له إليسه .ويقولون :ل نريسد أن يسسمع فسي بلد
مسيرة تسعة شهور ،وتكون معه الموال الطائلة ،فل يخاف عليها .وترتيب ذلك أن
لهسسم فسسي كسسل منزل ببلدهسسم فندقاً ،عليسسه حاكسسم يسسسكن بسسه فسسي جماعسسة مسسن الفرسسسان
والرجال ،فإذا كان بعسسد المغرب أو العشاء ،جاء الحاكسسم إلى الفندق ،ومعسسه الكاتسسب
لكتابسة أسسماء جميسع مسن يسبيت بسه مسن المسسافرين ،وختسم عليهسا ،وأقفسل باب الفندق
عليهسسم .فإذا كان بعسسد الصسسبح جاء ومعسسه كاتبسسه فدعسسا كسسل واحسسد باسسسمه ،وكتسسب بسسه
تفصيلً ،وبعث معهم من يوصلهم إلى المنزل الثاني له ،ويأتيه ببراءة من حاكمه أن
الجميسع قسد وصسلوا إليسه .وإن لم يفعسل طلبسه بهسم .وهكذا العمسل فسي كسل منزل ببلدهسم
مسن صسين الصسين إلى خان بالق .وفسي هذه الفنادق جميسع مسا يحتاج إليسه المسسافر مسن
الزواد ،وخصسوصاً الدجاج والوز .وأمسا الغنسم فهسي قليلة عندهسم .ولنعسد إلى ذكسر
سسفرنا فنقول :لمسا قطعنسا البحسر ،كانست أول مدينسة وصسلنا إليهسا مدينسة الزيتون .وهذه
المدينة ليس بها زيتون ،ول بجميع بلد أهل الصين والهند ،ولكنه اسم وضع عليها،
وهي مدينة عظيمة كبيرة ،تصنع بها ثياب الكمخا والطلس ،وتعرف بالنسبة إليها،
وتفضسل على الثياب الخنسساوية والخنبالقيسة .ومرسساها مسن أعظسم مراسسي الدنيسا ،أو
هسو أعظمهسا .رأيست بهسا نحسو مائة جنسك كبار ،وأمسا الصسغار فل تحصسى كثرة .وهسو
خور كبير من البحر يدخل في البر حتى يختلط بالنهر العظم .وهذه المدينة وجميع
بلد الصسين ،يكون للنسسان بهسا البسستان والرض وداره فسي وسسطها .كمثسل مسا هسي
بلدة سسجلماسة ببلدنسا .وبهذا عظمست بلدهسم .والمسسلمون سساكنون بمدينسة على حدة.
وفسسي يوم وصسسولي إليهسسا رأيسست بهسسا الميسسر الذي توجسسه إلى الهنسسد رسسسولً بالهديسسة،
ومضسى فسي صسحبتنا وغرق بسه الجنسك ،فسسلم علي ،وعرف صساحب الديوان بسي،
فأنزلني في منزل حسن .وجاء إلي قاضي المسلمين تاج الدين الردويلي ،وهو من
الفاضسسل الكرماء ،وشيسسخ السسسلم كمال الديسسن عبسسد ال الصسسفهاني ،وهسسو مسسن
الصسسلحاء ،وجاء إلي كبار التجار ،فيهسسم شرف الديسسن التسسبريزي ،أحسسد التجار الذيسسن
استدنت منهم حين قدومي على الهند ،وأحسنهم معاملة ،حافظ القرآن ،مكثر للتلوة.
وهؤلء التجار لسسكناهم فسي بلد الكفار ،إذا قدم عليهسم المسسلم فرحوا بسه أشسد الفرح،
وقالوا :جاء مسسن أرض السسسلم .وله يعطون زكوات أموالهسسم ،فيعود غنياً ،كواحسسد
منهسسم .وكان بهسسا مسسن المشايسسخ الفضلء برهان الديسسن الكازرونسسي ،له زاويسسة خارج
البلد ،وإليسه يدفسع التجار النذور التسي ينذرونهسا للشيسخ أبسي إسسحق الكازرونسي .ولمسا
عرف صاحب الديوان أخباري ،كتب إلى القان ،وهو ملكهم العظم ،يخبره بقدومي
مسن جهسة ملك الهنسد .فطلبست منسه أن يبعسث معسي مسن يوصسلني لبلد الصسين " صسين
الصين " ،وهم يسمونه صين كلن ،لشاهد تلك البلد ،وهي في عمالته ،بخلل ما
يعود جواب القان .فأجاب إلى ذلك ،وبعث معي من أصحابي من يوصلني .وركبت
في النهر ،في مركب يشبه أجفان بلدنا الغزوية ،إل أن الجذافين يجذفون فيه قياماً،
بثياب تصسسنع مسسن نبات بلدهسسم ،يشبسسه الكتان ،وليسسس بسسه ،وهسسو أرق مسسن القنسسب.
وسافرنا في هذا النهر سبعة وعشرين يوماً .وفي كل يوم نرسو عند الزوال بقرية،
نشتري بهسا مسا نحتاج إليسه ،ونصسلي الظهسر .ثسم ننزل بالعشسي إلى أخرى .وهكذا إلى
أن وصلنا مدينة صين كلن " بفتح الكاف " ،وهي مدينة صين الصين ،وبها يصنع
الفخار ،وبالزيتون أيضاً .وهنالك يصسسب نهسسر آب حياة فسسي البحسسر ،يسسسمونه مجمسسع
البحرين .وهي من أكبر المدن ،وأحسنها أسواقاً .ومن أعظم أسواقها سوق الفخار،
ومنهسا يحمسل إلى سسائر بلد الصسين والهنسد واليمسن .وفسي وسسط هذه المدينسة كنيسسة
عظيمة ،لها تسعة أبواب ،داخل كل باب أسطوان ومصاطب ،يقعد عليها الساكنون
بهسسا ،وبيسسن البابيسسن الثانسسي والثالث منهسسا موضسسع فيسسه بيوت يسسسكنها العميان ،وأهسسل
الزمانات .ولكسسل واحسسد منهسسم نفقتسسه وكسسسوته مسسن أوقاف الكنيسسسة .وكذلك فيمسسا بيسسن
البواب كلهسا .وفسي داخلهسا المارسستان للمرضسى ،والمطبخسة لطبسخ الغذيسة ،وفيهسا
الطباء والخدام .وذكسر لي أن الشيوخ الذيسن ل قدرة لهسم على التكسسب ،لهسم نفقتهسم
وكسوتهم بهذه الكنيسة ،وكذلك اليتام والرامل ممن ل مال لهم .وعمر هذه الكنيسة
بعض ملوكهم ،وجعل هذه المدينة وما إليها من القرى والبساتين وقفاً عليها .وصور
ذلك الملك مصورة بالكنيسة المذكورة ،وهم يعبدونها .وفي بعض جهات هذه المدينة
بلدة المسلمين ،لهم بها المسجد الجامع والزاوية والسوق ،ولهم قاض وشيخ .ول بد
في كل بلد من بلد الصين من شيخ السلم ،تكون أمور المسلمين كلها راجعة إليه،
وقاض يقضسي بينهسم .وكان نزولي عنسد أوحسد الديسن السسنجاري ،وهسو أحسد الفضلء
الكابر ذو الموال الطائلة ،وأقمست عنده أربعسة عشسر يوماً ،وتحسف القاضسي وسسائر
المسسسلمين تتوالى علي .وكسسل يوم يصسسنعون دعوة جديدة ،ويأتون إليهسسا بالعشاريسسن
الحسسان والمغنيسن .وليسس وراء هذه المدينسة مدينسة ،ل للكفار ول للمسسلمين .وبينهسا
وبين سد يأجوج ومأجوج ستون يوماً فيما ذكر لي ،يسكنها كفار رحالة يأكلون بني
آدم إذا ظفروا بهسم .ولذلك ل تسسلك بلدهسم ول يسسافر إليهسا .ولم أر بتلك البلد مسن
حكاية عجيبة ولما كنت بصين كلن ،سمعت أن بها شيخاً كبيراً قد أناف على مائتي
سسنة ،وأنسه ل يأكسل ول يشرب ول يحدث ،ول يباشسر النسساء ،مسع قوتسه التامسة .وأنسه
ساكن في غار بخارجها يتعبد فيه .فتوجهت إلى الغار ،فرأيته على بابه ،وهو نحيف
شديسد الحمرة ،عليسه أثسر عبادة ،ول لحيسة له .فسسلمت عليسه فأمسسك يدي وشمهسا وقال
للترجمان :هذا مسن طرف الدنيسا ،كمسا نحسن مسن طرفهسا الخسر .ثسم قال :لقسد رأيست
عجباً .أتذكسر يوم قدومسك الجزيرة التسي فيهسا الكنيسسة ،والرجسل الذي كان جالسساً بيسن
الصسسنام وأعطاك عشرة دنانيسسر مسسن الذهسسب ? فقلت نعسسم :فقال :أنسسا هسسو .فقبلت يده
وفكسر سساعة ،ثسم دخسل الغار ،فلم يخرج إلينسا .كأنسه ظهسر منسه الندم على مسا تكلم بسه،
فتهجمنسا ودخلنسا الغار عليسه فلم نجده ،ووجدنسا بعسض أصسحابه ،ومعسه جملة بوالشست
مسن الكاغسد .فقال :هذه ضيافتكسم .فانصسرفوا .فقلنسا له :ننتظسر الرجسل .فقال :لو أقمتسم
عشسر سسنين لم تروه .فإن عادتسه إذا طلع أحسد على سسر مسن أسسراره ل يراه بعده .ول
تحسسب أنسه غاب عنسك ،بسل هسو حاضسر معسك .فعجبست مسن ذلك .وانصسرفت .فأعلمست
القاضي وشيخ السلم وأوحد الدين السنجاري بقضيته ،فقالوا :كذلك عادته مع من
يأتسسي إليسسه مسسن الغرباء ،ول يعلم أحسسد مسسا ينتحله مسسن الديان ،والذي ظننتموه أحسسد
أصسحابه هسو هسو .وأخسبروني أنسه قسد غاب عسن هذه البلد نحسو خمسسين سسنة ثسم قدم
عليهسا منسذ سسنة ،وكان السسلطين والمراء والكسبراء يأتونسه زائريسن ،فيعطيهسم التحسف
على أقدارهسم .ويأتيسه الفقراء كسل يوم ،فيعطسي لكسل واحسد على قدره .وليسس بالغار
الذي هسو بسه مسا يقسع عليسه البصسر .وأنسه يحدث عسن السسنين الماضيسة ،ويذكسر النسبي
صسسلى ال عليسه وسسسلم ،ويقول :لو كنست معسه لنصسسرته .ويذكسسر الخليفتيسن عمسر بسن
الخطاب وعلي ابن أبي طالب بأحسن الذكر ،ويثني عليهما ،ويلعن يزيد بن معاوية،
ويقع في معاوية .وحدثوني عنه بأمور كثيرة ،وأخبرني أوحد الدين السنجاري قال:
دخلت عليسه الغار ،فأخسذ بيدي .فخيسل إلي أنسي فسي قصسر عظيسم ،وأنسه قاعسد فيسه على
سسرير ،وفوق رأسسه تاج ،وعلى جانسبيه الوصسائف الحسسان ،والفواكسه تتسساقط فسي
أنهار هنالك ،وتخيلت أنسسي أخذت تفاحسسة لكلهسسا ،فإذا أنسسا بالغار ،وبيسسن يديسسه ،وهسسو
يضحسسسسك منسسسسي .وأصسسسسابني مرض شديسسسسد لزمنسسسسي شهوراً ،فلم أعسسسسد إليسسسسه.
وأهسل تلك البلد يعتقدن أنسه مسسلم .لكسن لم يره أحسد يصسلي .أمسا الصسيام فهسو صسائم
أبداً .وقال لي القاضسي :ذكرت له الصسلة فسي بعسض اليام ،فقال لي :أتدري أنست مسا
أصسنع ? إن صسلتي غيسر صسلتك .وأخباره جميعهسا غريبسة .وفسي اليوم الثانسي مسن
ثسسسم بعسسسد وصسسسولي إليهسسسا بأيام ،جاء أمسسسر القان بوصسسسولي إلى حضرتسسسه على البر
والكرامسة .إن شئت فسي النهسر ،وإل ففسي البر .فاخترت السسفر فسي النهسر .فجهزوا لي
مركباً حسسسناً مسسن المراكسسب المعدة لركوب المراء ،وبعسسث الميسسر معنسسا أصسسحابه،
ووجسه لنسا الميسر والقاضسي والتجار المسسلمون أزواداً كثيرة .ثسم سسرنا فسي الضيافسة
نتغدى بقريسة ،ونتعشسى بأخرى ،فوصسلنا بعسد سسفر عشرة أيام إلى مدينسة قنجنفسو "
وضبط اسمها بفتح القاف وسكون النون وفتح الجيم وسكون النون الخر وضم الفاء
وواو " وهي مدينة كبيرة حسنة في بسيط أفيح ،والبساتين محدقة بها ،فكأنها غوطة
دمشسق .وعنسد وصسولنا ،خرج إلينسا القاضسي وشيسخ السسلم والتجار ،ومعهسم العلم
الطبول والبواق والنفار وأهل الطرب .وأتونا بالخيل فركبنا ،ومشوا بين أيدينا ،لم
يركسسب معنسسا غيسسر القاضسسي والشيسسخ .وخرج أميسسر البلد وخدامسسه .وضيسسف السسسلطان
عندهسم معظسم أشسد التعظيسم .دخلنسا المدينسة ،ولهسا أربعسة أسسوار .يسسكن مسا بيسن السسور
الول والثانسي عبيسد السسلطان ،مسن حراس المدينسة وسسمارها ،يسسمون البصسوانان "
الباسسسوانان " " بفتسسح الباء الموحدة وسسسكون الصسساد المهمسسل وواو وألف ونون "،
ويسسكن مابيسن السسور الثانسي والثالث الجنود المركبون ،والميسر الحاكسم على البلد،
ويسسسكن داخسسل السسسور الثالث المسسسلمون .وهنالك نزلنسسا عنسسد شيخهسسم ظهيسسر الديسسن
القرلنسي " بضسم القاف وسسكون الراء " ،ويسسكن داخسل السسور الرابسع الصسينيون،
وهسو أعظسم المدن الربعسة .ومقدار مسا بيسن كسل باب منهسا والذي يليسه ثلثسة أميال أو
حكاية وبينا أنا يوماً في دار ظهير الدين القرلبي ،إذا بمركب عظيم لبعض الفقهاء
المعظميسن عندهسم .فاسستؤذن له علي ،وقالوا :مولنسا قوام الديسن السسبتي .فعجبست مسن
اسسمه ،ودخسل إلي .فلمسا حصسلت المؤانسسة بعسد التحيسة ،سسنح لي أن أعرفسه .فأطلت
النظسر إليسه ،فقال :أراك تنظسر إلي نظسر مسن يعرفنسي ،فقلت له :مسن أي البلد أنست ?
فقال :من سبتة .فقلت له :وأنا من طنجة .فجدد السلم علي وبكى حتى بكيت لبكائه.
فقلت له :هسسل دخلت بلد الهنسسد ? فقال لي :نعسسم ،دخلت حضرة دهلي .فلمسسا قال لي
ذلك تذكرت له ،وقلت :أأنت البشري ? قال :نعم .وكان قد وصل إلى دهلي مع خاله
أبسي القاسسم المرسسي ،وهسو يومئذ شاب ،ل نبات بعارضيسه ،مسن حذاق الطلبسة ،يحفسط
الموطسأ .وكنست أعلمست سسلطان الهنسد بأمره ،فأعطاه ثلثسة آلف دينار ،وطلب منسه
القامسة عنده فأبسى .وكان قصسده فسي بلد الصسين ،فعظسم شأنسه بهسا ،واكتسسب الموال
الطائلة .أخسبرني أن له نحسو خمسسين غلماً ومثلهسم مسن الجواري .وأهدى إلي منهسم
غلميسسن وجاريتيسسن وتحفاً كثيرة .ولقيسست أخاه بعسسد ذلك ببلد السسسودان فيمسسا بعسسد مسسا
بينهمسسسسسسسسسا .وكانسسسسسسسسست إقامتسسسسسسسسسي بقنجنفسسسسسسسسسو خمسسسسسسسسسسة عشسسسسسسسسسر يوماً.
وسسافرت منهسا إلى بلد الصسين ،على مسا فيهسا مسن الحسسن لم تكسن تعجبنسي ،بسل كان
خاطري شديسسد التغيسسر بسسسبب غلبسسة الكفسسر عليهسسا .فمتسسى خرجسست مسسن منزلي رأيسست
المنكرات الكثيرة ،فأقلقنسسي ذلك ،حتسسى كنسست ألزم المنزل ،فل أخرج إل لضرورة.
وكنست إذا رأيست المسسلمين بهسا ،فكأنسي لقيست أهلي وأقاربسي .ومسن تمام فضيلة هذا
الفقيسه البشري ،أن سسافر معسي لمسا رحلت عسن قنجنفسو أربعسة أيام ،حتسى وصسلت إلى
مدينسسسة بيوم قطلو " وهسسسي بباء موحدة مفتوحسسسة وياء آخسسسر الحروف سسسساكنة وواو
مفتوحسسة وميسسم وقاف مضموم وطاء مسسسكنة ولم مضموم وواو " مدينسسة صسسغيرة
يسكنها الصينيون من جند وسوقة ،وليس بها للمسلمين إل أربعة من الدور أهلها من
جهسسة الفقيسسه المذكور .نزلنسسا بدار أحدهسسم وأقمنسسا عنده ثلثسسة أيام .ثسسم ودعسست الفقيسسه
وانصسرفت .فركبست النهسر على العادة ،نتغدى بقريسة ونتعشسى بأخرى إلى أن وصسلنا
بعسد سسبعة عشسر يوماً إلى مدينسة الخنسساء ،واسسمها على نحسو اسسم الخنسساء الشاعرة،
ول أدري ،أعربسي هسو أم وافسق العربسي .وهذه المدينسة أكسبر مدينسة رأيتهسا على وجسه
الرض .طولهسا مسسيرة ثلثسة أيام يرحسل المسسافر فيهسا وينزل .وهسي على ماذكرناه
مسن ترتيسب عمارة الصسين ،كسل واحسد له بسستانه وداره .وهسي منقسسمة إلى سست مدن،
سسنذكرها .وعنسد وصسولنا إليهسا ،خرج إلينسا قاضيهسا فخسر الديسن ،وشيسخ السسلم بهسا،
وأولد عثمان بسسن عفان المصسسري ،وهسسم كسسبراء المسسسلمين بهسسا ،ومعهسسم علم أبيسسض
والطبال والنفار والبواق ،وخرج أميرهسا فسي موكبسه ،ودخلنسا المدينسة .وهسي سست
مدن ،على كسل مدينسة سسور ،ومحدق بالجميسع سسور واحسد .فأول مدينسة منهسا يسسكنها
حراس المدينسسة وأميرهسسم .حدثنسسي القاضسسي وسسسواه أنهسسم اثنسسا عشسسر ألفًا فسسي زمام
العسكرية .وبتنا ليلة دخولنا في دار أميرهم .وفي اليوم الثاني دخلنا المدينة الثانية،
على باب يعرف بباب اليهود ،ويسسكن بسه اليهود والنصسارى والترك عبدة الشمسس،
وهسسسم كثيسسسر .وأميسسسر هذه المدينسسسة مسسسن أهسسسل الصسسسين .وبتنسسسا عنده الليلة الثانيسسسة.
وفي اليوم الثالث دخلنا المدينة الثالثة ،ويسكنها المسلمون .ومدينتهم حسنة وأسواقهم
مرتبة كترتيبها في بلد السلم .وبها المساجد والمؤذنون سمعناهم يؤذنون بالظهر،
عنسد دخولنسا .ونزلنسا منهسا بدار أولد عثمان بسن عفان المصسري ،وكان أحسد التجار
الكبار .استحسن هذه المدينة فاستوطنها ،وعرفت بالنسبة إليه وأورث عقبه به الجاه
والحرمة على ما كان عليه أبوهم من اليثار على الفقراء والعانة للمتحاجين .ولهم
زاوية تعرف بالعثمانية ،حسنة العمارة ،لها أوقاف كثيرة .وبها طائفة من الصوفية.
وبنى عثمان المذكور المسجد الجامع بهذه المدينة ،ووقف عليه وعلى الزاوية أوقافاًَ
وكانست إقامتنسا عندهسم خمسسة عشسر يوماً .فكنسا كسل يوم وليلة فسي دعوة جديدة .ول
يزالون يختلفون فسسي أطعمتهسسم ،ويركبون معنسسا كسسل يوم للنزهسسة فسسي أقطار المدينسسة.
وركبوا معي يوماً ،فدخلنا إلى المدينة الرابعة ،وهي دار المارة .وبها سكنى المير
الكبير قرطي .ولما دخلنا من بابها ،ذهب عني أصحابي ،ولقيني الوزير وذهب بي
إلى دار الميسر الكسبير قرطسي .فكان مسن أخذه الفرجيسة التسي أعطانيهسا ولي ال جلل
الديسن الشيرازي مسا قسد ذكرتسه .وهذه المدينسة منفردة لسسكنى عبيسد السسلطان وخدامسه،
وهسي مسن أحسسن المدن السست .ويشقهسا أنهار ثلثسة :أحدهسا خليسج يخرج مسن النهسر
العظم ،وتأتي فيه القوارب الصغار إلى هذه المدينة بالمرافق من الطعام ،وأحجار
الوقسد .وفيسه السسفن للنزهسة .والمشور فسي وسسط هذه المدينسة ،وهسو كسبير جداً .ودار
المارة فسي وسسطه ،وهسو يحسف بهسا مسن جميسع الجهات .وفيسه سسقائف ،فيهسا الصسناع
يصسسنعون الثياب النفيسسسة وآلت الحرب .أخسسبرني الميسسر قرطسسي أن عددهسسم ألف
وسستمائة معلم .كسل واحسد منهسم يتبعسه الثلثسة والربعسة مسن المتعلميسن .وهسم أجمعون
عبيسد القان .وفسي أرجلهسم القيود ،ومسساكنهم خارج القصسر .ويباح لهسم الخروج إلى
أسواق المدينة ،دون الخروج على بابها .ويعرضون كل يوم على المير مائة مائة.
فإن نقسص أحدهسم ،طلب بسه أميره .وعادتهسم أنسه إذا خدم أحدهسم عشسر سسنين فسك عنسه
قيده ،وكان يخير في النظرين :إما أن يقيم في الخدمة غير مقيد ،وإما أن يسير حيث
شاء مسن بلد القان ،ول يخرج عنهسا .وإذا بلغ سسنه خمسسين عاماً أعتسق مسن الشغال
وأنفق عليه .كذلك ينفق على من بلغ هذه السن أو نحوها من سواهم .ومن بلغ ستين
سسسنة عدوه كالصسسبي ،فلم تجسسر عليسسه الحكام .والشيوخ بالصسسين يعظمون تعظيماً
وضبسسط اسسسمه " بضسسم القاف وسسسكون الراء وفتسسح الطاء المهمسسل وسسسكون الياء "،
وهسو أميسر أمراء الصسين ،أضافنسا بداره ،وصسنع الدعوة ،ويسسمونها الطوى " بضسم
الطاء المهمسسل وفتسسح الواو " ،وحضرهسسا كبار المدينسسة .وأتسسى بالطباخيسسن المسسسلمين
فذبحوا وطبخوا الطعام .وكان هذا الميسسر على عظمتسسه يناولنسسا الطعام بيده ،ويقطسسع
اللحسم بيده .وأقمنسا فسي ضيافتسه ثلثسة أيام ،وبعسث ولده معنسا إلى الخليسج .فركبنسا فسي
سسسفينة تشبسسه الحراقسسة ،وركسسب ابسسن الميسسر فسسي أخرى ،ومعسسه أهسسل الطرب وأهسسل
الموسسيقى ،وكانوا يغنون بالصسيني وبالعربسي وبالفارسسي ،وكان ابسن الميسر معجباً
بالغناء الفارسسسسي ،فغنوا شعراً منسسسه .وأمرهسسسم بتكريره مراراً ،حتسسسى حفظتسسسه مسسسن
منقوشسة بأبدع نقسش .وجعلوا يتحاملون ويترامون بالنارنسج والليمون .وعدنسا بالعشسي
إلى دار المير ،فبتنا بها .وحضر أهل الطرب فغنوا بأنواع من الغناء العجيب.
حكاية المشعوذ
وفي تلك الليلة حضر أحد المشعوذة ،وهي من عبيد القان ،فقال له المير :أرنا من
عجائبك .فأخذ كرة خشب لها ثقب فيها سيور طوال ،فرمى بها إلى الهواء فارتفعت
حتى غابت عن البصار ،ونحن في وسط المشور أيام الحر الشديد .فلما لم يبق من
السسير فسي يده إل يسسير ،أمسر متعلماً له فتعلق بسه وصسعد فسي الهواء إلى أن غاب عسن
أبصارنا .فدعاه فلم يجبه ثلثاً .فأخذ سكيناً بيده كالمغتاظ وتعلق بالسير إلى أن غاب
أيضاً ،ثم رمى بيد الصبي إلى الرض ،ثم رمى برجله ،ثم بيده الخرى ،ثم برجله
الخرى ،ثسم بجسسسده ،ثسم برأسسه ،ثسسم هبسسط ،وهسو ينفسخ ،وثيابسه ملطخسسة بالدم .فقبسل
الرض بين يدي المير ،وكلمه بالصيني وأمر له المير بشيء .ثم إنه أخذ أعضاء
الصسبي ،فألصسق بعضهسا ببعسض ،وركله برجله فقام سسوياً .فعجبست منسه .وأصسابني
خفقان القلب ،كمثسل مسا كان أصسابني عنسد ملك الهنسد ،حيسن رأيست مثسل ذلك .فسسقوني
دواء أذهب عني ما وجدت .وكان القاضي أفخر الدين إلى جانبي ،فقال لي :وال ما
كان مسن صسعود ول نزول ول قطسع عضسو ،وإنمسا ذلك شعوذة .وفسي غسد تلك الليلة
دخلنا من باب المدينة الخامسة ،وهي من أكبر المدن ،يسكنها عامة الناس .وأسواقها
حسسسان ،وبهسسا الحذاق بالصسسنائع ،وبهسسا تصسسنع الثياب الخنسسساوية .ومسسن عجيسسب مسسا
يصسنعون بهسا أطباق يسسمونها الدسست ،وهسي مسن القصسب ،وقسد ألصسقت قطعسة أبدع
إلصساق ،ودهنست بصسبغ أحمسر مشرق .وتكون هذه الطباق عشرة :واحسد فسي جوف
آخسر لرقتهسا .تظهسر لرائبهسا كأنهسا طبسق واحسد ،ويصسنعون غطاء يغطسي جميعهسا.
ويصسنعون مسن هذا القصسب صسحافاً ،ومسن عجائبهسا أن تقسع مسن العلو فل تنكسسر،
ويجعسسل فيهسسا الطعام السسسخن فل يتغيسر صسباغها ،ول يحول .وتجلب مسن هنالك إلى
ولمسا دخلنسا هذه المدينسة بتنسا ليلة فسي ضيافسة أميرهسا .وبالغسد دخلنسا مسن باب يسسمى
والنجارون ،ويدعون دودكاران " درود كران " ،والصسسباهية وهسسم الرماة ،والبيادة
وهم الرجالة ،وجميعهم عبيد السلطان .ول يسكن معهم سواهم ،وعددهم كثير .وهذه
المدينة على ساحل النهر العظم .بتنا بها ليلة في ضيافة أميرها ،وجهز لنا المير
قرطسي مركباً بمسا يحتاج إليسه مسن زاد وسسواه ،وبعسث معنسا أصسحابه برسسم التضييسف.
وسسافرنا مسن هذه المدينسة وهسي آخسر أعمال الصسين ،زدخلنسا إلى بلد الخطسا " بكسسر
الخاء المعجسم وطاء مهمسل " ،وهسي أحسسن بلد الدنيسا عمارة .ول يكون فسي جميعهسا
موضسع غيسر معمور ،فإنسه إن بقسي موضسع غيسر معمور ،طلب أهله أو مسن يواليهسم
بخراجسه .والبسساتين والقرى والمزارع منتظمسة بجانسبي هذا النهسر ،مسن مدينسة الخنسسا
إلى مدينسة خان بالق .وذلك مسسيرة أربعسة وسستين يوماً .وليسس بهسا أحسد مسن المسسلمين
إل من كان حاضراً غير مقيم ،لنها ليست بدار مقام ،وليس بها مدينة مجتمعة ،إنما
هي قرى وبسائط ،فيها الزرع والفواكه والسكر .ولم أر في الدنيا مثلها ،غير مسيرة
أربعسة أيام مسن النبار إلى عانسة .وكنسا كسل ليلة ننزل بالقرى لجسل الضيافسة ،حتسى
وصسسلنا إلى مدينسسة خان بالق " وضبسسط اسسسمها بخاء معجسسم والف ونون مسسسكن وباء
معقود والف ولم مكسسسسور وقاف " ،وتسسسسمى أيضاً خانقسسسو " بخاء معجسسسم ونون
مكسسسور وقاف وواو " ،وهسسي حضرة القان ،والقان هسسو سسسلطانهم العظسسم ،الذي
مملكتسه بلد الصسين والخطسا .ولمسا وصسلنا إليهسا أرسسينا على عشرة أميال منهسا ،على
العادة عندهم .وكتب إلى أمراء البحر بخبرنا ،فأذنوا لنا في دخول مرساها ،فدخلناه
ثم نزلنا إلى المدينة ،وهي من أعظم مدن الدنيا .وليست على ترتيب بلد الصين في
كون البسساتين داخلهسا .إنمسا هسي كسسائر البلد والبسساتين بخارجهسا ،ومدينسة السسلطان
فسي وسسطها كالقصسبة حسسبما نذكره .ونزلت عنسد الشيسخ برهان الديسن الصساغرجي،
وهسو الذي بعسث إليسه ملك الهنسد بأربعيسن ألف دينار ،واسستدعاه فأخسذ الدنانيسر وقضسى
بهسسا دينسسه ،وأبسسى أن يسسسير إليسسه .وقدم على بلد الصسسين فقدمسسه القان على جميسسع
والقان عندهسم سسمة لكسل مسن يلي ملك القطار ،كمثسل مسا يسسمى كسل مسن ملك بلد
اللور بأتابسك واسسمه باشاي " بفتسح الباء المعقود والشيسن المعجمسة وسسكون الياء ".
ذكر قصره
وقصره في وسط المدينة المختصة بسكناه .وأكثر عمارته بالخشب المنقوش ،وله
ترتيب عجيب .وعليه سبعة أبواب :فالباب الول منها يجلس به الكتوال ،وهو أمير
البوابيسن .وله مصساطب مرتفعسة عسن يميسن الباب ويسساره ،فيهسا المماليسك البردداريسة،
وهم حفاظ باب القصر ،وعددهم خمسمائة رجل .وأخبرت أنهم كانوا فيما تقدم ألف
رجل .والباب الثاني يجلس عليه الصباهية ،وهم الرماة ،وعددهم خمسمائة .والباب
الثالث يجلس عليسسه النزداريسسة " بالنون والزاي " ،وهسسم أصسسحاب الرماح ،وعددهسسم
خمسسسمائة .والباب الرابسسع يجلس عليسسه التغداريسسة " بالتاء المثناة والغيسسن المعجسسم "،
وهسم أصسحاب السسيوف والترسسة .والباب الخامسس فيسه ديوان الوزارة ،وبسه سسقائف
كثيرة .فالسسقيفة العظمسى يقعسد بهسا الوزيسر ،على مرتبسة هائلة مرتفعسة ،ويسسمون ذلك
الموضسع المسسند .وبيسن يدي الوزيسر دواة عظيمسة مسن الذهسب .وتقابسل هذه السسقيفة
سسقيفة كاتسب السسر ،وعسن يمينهسا سسقيفة كتاب الرسسائل ،وعسن يميسن سسقيفة الوزيسر
سسسقيفة كتاب الشغال .وتقابسسل هذه السسسقائف سسسقائف أربسسع .إحداهسسا تسسسمى ديوان
الشراف ،يقعسد بهسا المشرف ،والثانيسة سسقيفة ديوان المسستخرج ،وأميرهسا مسن كبار
المراء ،والمستخرج هسو مسا يبقى قبسل العمال وقبسل المراء مسن إقطاعاتهم ،والثالثسة
ديوان الغوث ،ويجلس فيهسا أحسد المراء الكبار ،ومعسه الفقهاء والكتاب .فمسن لحقتسه
مظلمسة اسستغاث بهسم .والرابعسة ديوان البريسد ،يجلس فيهسا أميسر الخبارييسن .والباب
السسداس مسن أبواب القصسر يجلس عليسه الجنداريسة ،وأميرهسم العظسم .والباب السسابع
يجلس عليه الفتيان ،ولهم ثلث شقائف :إحداها سقيفة الحبشان منهم ،والثانية سقيفة
ولمسسا وصسسلنا حضرة خان بالق ،وجدنسسا القان غائباً عنهسسا إذ ذاك .وخرج للقاء ابسسن
عمسسه فيروز القائم عليسسه ،بناحيسسة قراقوم وبسسش بالغ ،مسسن بلد الخطسسا .وبينهسسا وبيسسن
الحضرة مسسسسيرة ثلثسسسة أشهسسسر عامرة .وأخسسسبرني صسسسدر الجهان برهان الديسسسن
الصساغرجي ،أن القان لمسا جمسع الجيوش وحشسد الحشود ،اجتمسع عليسه مسن الفرسسان
مائة فوج ،كسسل فوج منهسسا مسسن عشرة آلف فارس .وأميرهسسم يسسسمى أميسسر طومان،
وكان من خواص السلطان ،وأهل دخلته خمسين ألفاً زائداً إلى ذلك .وكانت الرجالة
خمسمائة ألف .ولما خرج خالف عليه أكثر المراء ،واتفقوا على خلعه .لنه كان قد
غيسر أحكام اليسساق ،وهسي الحكام التسي وضعهسا تنكيسز خان جدهسم الذي خرب بلد
السسلم .فمضوا إلى ابسن عمسه القائم ،وكتبوا إلى القان أن يخلع نفسسه ،وتكون مدينسة
الخنسسساء إقطاعاً له .فأبسسى ذلك ،وقاتلهسسم فانهزم وقتسسل .وبعسسد أيام مسسن وصسسولنا إلى
حضرتسسه ورد الخسسبر بذلك .فزينسست المدينسسة وضربسست الطبول والبواق والنفار،
ثم جيء بالقان المقتول ،وبنحو مائة من المقتولين بني عمه وأقاربه وخواصه .فحفر
للقان ناووس عظيم ،وهو بيت تحت الرض ،وفرش بأحسن الفرش وجعل به القان
بسسلحه ،وجعسل معسه مسا كان فسي داره مسن أوانسي الذهسب والفضسة ،وجعسل معسه أربسع
مسن الجواري ،وسستة مسن خواص المماليسك ،معهسم أوانسي الشراب .وبنسي باب البيست،
ثسم جاءوا بأربعسة أفراس فأجروهسا عنسد قسبره حتسى وقفست ،ونصسبوا خشباً على القسبر،
وعلقوها عليه .بعد أن أدخلوا في دبر كل فرس خشبة حتى خرجت من فمه ،وجعل
أقارب القان المذكورون في نواويس ومعهم سلحهم وأواني دورهم ،وصلبوا على
قبورهسم كبارهسم .وكانوا عشرة :ثلثسة مسن الخيسل على كسل قسبر ،وعلى قبور الباقيسن
فرساً فرساً .وكان هذا اليوم يومًا مشهوداً لم يتخلف عنه أحد من الرجال ول النساء
المسسلمين والكفار ،وقسد لبسسوا أجمعون ثياب العزاء ،وهسي الطيالسسة البيسض للكفار
والثياب البيسسض للمسسسلمين .وأقام خواتيسسن القان وخواصسسه فسسي الخبيسسة على قسسبره
أربعيسن يوماً ،وبعضهسم يزيسد على ذلك إلى سسنة .وصسنعت هنالك سسوق يباع فيسه مسا
يحتاجون إليسه مسن طعام وسسواه .وهذه الفعال ل أذكسر أن أمسة تفعلهسا سسواهم فسي هذا
العصسر .فأمسا الكفار مسن الهنود وأهسل الصسين فيحرقون موتاهسم ،وسسواهم مسن المسم
يدفنون الميست ول يجعلون معسه أحداً .لكسن أخسبرني الثقات ببلد السسودان أن الكفار
منهسسم ،إذا مات ملكهسسم صسسنعوا له ناووسساً ،وأدخلوا معسسه بعسسض خواصسسه وخدامسسه،
وثلثين من أبناء كبارهم وبناتهم ،بعد أن يكسروا أيديهم وأرجلهم ،ويجعلون معهسم
أوانسي الشراب .وأخسبرني بعسض كبار مسسوفة ،ممسن يسسكن بلد كوبر مسع السسودان،
واختصه سلطانهم ،أنه كان له ولد .فلما مات سلطانهم أرادوا أن يدخلوا ولده مع من
أدخلوه مسن أولدهسم ،قال :فقلت لهسم :كيسف تفعلون ذلك وليسس على دينكسم ،ول مسن
ولدكسم ? وفديتسه منهسم بمال عريسض .ولمسا قتسل القان كمسا ذكرنسا ،واسستولى ابسن عمسه
فيروز على الملك ،اختار أن تكون حضرتسسه مدينسسة قراقرم " وضبطهسسا بفتسسح القاف
الول والراء وضسم الثانيسة وضسم الراء الثانيسة " ،لقربهسا مسن بلد بنسي عمسه ملوك
تركستان وما وراء النهر .ثم خالفت عليه المراء مما لم يحضر لقتل القان ،وقطعوا
ولمسا وقسع الخلف وتسسعرت الفتسن ،أشار علي الشيسخ برهان الديسن وسسواه أن أعود
إلى الصسين قبسل تمكسن الفتسن ،ووقفوا معسي إلى نائب السسلطان فيروز ،فبعسث معسي
ثلثة من أصحابه ،وكتب لي بالضيافة .وسرنا منحدرين في النهر إلى الخنساء ،ثم
إلى قنجنفو ،ثم إلى الزيتون .فلما وصلتها وجدت الجنوك على السفر إلى الهند ،وفي
جملتهسا جنسك للملك الظاهسر ،صساحب الجاوة ،وأهله مسسلمون .وعرفنسي وكيله ،وسسر
بقدومسسي .وصسسادفنا الريسسح الطيبسسة عشرة أيام ،فلمسسا قاربنسسا بلد طوالسسسي ،تغيرت
الريح ،وأظلم الجو ،وكثر المطر ،وأقمنا عشرة أيام ل نرى الشمس .ثم دخلنا بحراً
ل نعرفسه ،وخاف أهسل الجنسك فأرادوا الرجوع إلى الصسين ،فلم يتمكسن ذلك .وأقمنسا
ذكر الرخ
ولمسا كان فسي اليوم الثالث والربعيسن ،ظهسر لنسا بعسد طلوع الفجسر جبسل فسي البحسر،
بيننا وبينه نحو عشرين ميلً ،والريح تحملنا إلى صوبه .فعجب البحرية وقالوا :لسنا
بقرب من البر ،ول يعهد في البحر جبل ،وإن اضطرتنا الريح إليه هلكنا فلجاً الناس
إلى التضرع والخلص ،وجددوا التوبسسة ،وابتهلنسسا إلى ال بالدعاء ،وتوسسسلنا بنسسبيه
صسلى ال عليسه وسسلم ،ونذر التجار الصسدقات الكثيرة ،وكتبتهسا لهسم فسي زمام بخطسي
وسسكنت الريسح بعسض سسكون ،ثسم رأينسا ذلك الجبسل عنسد طلوع الشمسس قسد ارتفسع فسي
الهواء ،وظهر الضوء فيما بينه وبين البحر ،فعجبنا من ذلك .ورأيت البحرية يبكون
ويودعون بعضهسم بعضاً ،فقلت :مسا شأنكسم ? فقالوا :إن الذي تخيلناه جبلً هسو الرخ.
وإن رآنا أهلكنا .وبيننا وبينه إذ ذاك اقل من عشرة أميال .ثم إن ال تعالى من علينا
بريسح طيبسة ،صسرفتنا عسن صسوبه ،فلم نره ،ول عرفنسا حقيقسة صسورته .وبعسد شهريسن
من ذلك اليوم وصلنا الجاوة ،ونزلنا إلى سمطرة ،فوجدنا سلطانها الملك الظاهر قد
قدم مسن غزوة له ،وجاء بسسبي كثيسر .فبعسث لي جاريتيسن وغلميسن ،وأنزلنسي على
وشاهدت يوم الجلوة ،فرأيتهسم قسد نصسبوا فسي وسسط المشور منسبراً كسبيراً ،وكسسوه
بثياب الحريسر .وجاءت العروس مسن داخسل القصسر على قدميهسا باديسة الوجسه ،ومعهسا
نحسو أربعيسن مسن الخواتيسن ،يرفعسن أذيالهسا ،مسن نسساء السسلطان وأمرائه ووزرائه،
وكلهن باديات الوجوه ،ينظر إليهن كل من حضر من رفيع أو وضيع .وليست تلك
عادة لهسسن إل فسسي العراس خاصسسة .وصسسعدت العروس المنسسبر ،وبيسسن يديهسسا أهسسل
الطرب رجالً ونسساء ،يلعبون ويغنون .ثسم جاء الزوج على فيسل مزيسن ،على ظهره
سسسرير وفوقسسه قبسسة شسسبيه البوجسسة ،والتاج على رأس العروس المذكور ،عسسن يمينسسه
ويسسساره نحسسو مائة مسسن أبناء الملوك والمراء ،قسسد لبسسسوا البياض وركبوا الخيسسل
المزينسة ،وعلى رؤوسسهم الشواشسي المرصسعة ،وهسم أتراب العروس ليسس فيهسم ذو
لحيسة .ونثرت الدنانيسر والدراهسم على الناس عنسد دخوله .وقعسد السسلطان بمنظرة له
يشاهد ذلك .ونزل ابنه فقبل رجله ،وصعد المنبر إلى العروس فقامت إليه وقبلت يده
وجلس إلى جانبهسسا ،والخواتيسسن يروحسسن عليهسسا ،وجاءوا بالفوفسسل والتنبول .فأخذه
الزوج بيده ،وجعل منه في فمها .ثم أخذت هي بيديها وجعلت في فمه .ثم أخذ الزوج
بفمه ورقة تنبول وجعلها في فمها ،وذلك كله على أعين الناس ،ثم فعلت هي كفعله.
ثسسم وضسع عليهسا السسستر ،ورفسع المنسسبر وهمسا فيسه ،إلى داخسسل القصسسر .وأكسسل الناس
وانصسرفوا .ثسم لمسا كان مسن الغسد جمسع الناس ،وأجرى له أبوه وليسة العهسد ،وبايعسه
الناس ،وأعطاهسم العطاء الجزل مسن الثياب والذهسب .وأقمست بهذه الجزيرة شهريسن،
عنسه ،فوصسلت بعسد أربعيسن يوماً إلى كولم ،فنزلت بهسا فسي جوار القزوينسي ،قاضسي
المسسسلمين .وذلك فسسي رمضان .وحضرت بهسسا صسسلة العيسسد ،فسسي مسسسجدها الجامسسع.
وعادتهسم أن يأتوا المسسجد ليلً .فل يزالون يذكرون ال إلى الصسبح .ثسم يذكرون إلى
حين صلة العيد ،ثم يصلون ويخطب الخطيب وينصرفون .ثم سافرنا من كولم إلى
قالقوط ،وأقمنسا بهسا أياماً .وأردت العودة إلى دهلي .ثسم خفست مسن ذلك ،فركبست البحسر
فوصسسلت بعسسد ثمان وعشريسسن ليلة إلى ظفار .وذلك فسسي محرم سسسنة ثمان وأربعيسسن.
ووجدت سسلطانها فسي هذه الكرة الملك الناصسر ابسن الملك المغيسث ،الذي كان ملكاً
بهسا حيسن وصسولي إليهسا فيمسا تقدم ،ونائبسه سسيف الديسن عمسر أميسر جندر ،التركسي
الصسل .وأنزلنسي هذا السسلطان ،وأكرمنسي .ثسم ركبست البحسر ،فوصسلت إلى مسسقط "
بفتح الميم " ،وهي بلدة صغيرة بها السمك الكثير المعروف بقلب الماس ،ثم سافرنا
إلى مرسسى القريات " وضبطهسا بضسم القاف وفتسح الراء والياء آخسر الحروف وألف
وتاء مثناة " .ثسم سسافرنا إلى مرسسى شبسة " وضبسط اسسمها بفتسح الشيسن المعجسم وفتسح
الباء الموحدة وتشديدهسا " ،ثسم إلى مرسسى كلبسة ،ولفظهسا على لفسظ مؤنثسة الكلب ،ثسم
إلى قلهات ،وقسد تقدم ذكرهسا .وهذه البلد كلهسا مسن عمالة هرمسز ،وهسي محسسوبة مسن
بلد عمان .ثم سافرنا إلى هرمز ،وأقمنا بها ثلثاً .وسافرنا في البر إلى كورستان ثم
إلى اللر ثسم إلى خنسج بال ،وقسد تقدم ذكسر جميعهسا .ثسم سسافرنا إلى كارزي " وضبسط
اسسسسسسمها بفتسسسسسح الكاف وسسسسسسكون الراء وكسسسسسسر الزاي " ،وأقمنسسسسسا بهسسسسسا ثلثاً.
ثم سافرنا إلى جمكان " وضبط اسمها بفتح الجيم والميم والكاف وآخره نون " ،ثم
سسافرنا منهسم إلى ميمسن " وضبسط اسسمها بفتسح الميميسن وبينهمسا ياء آخسر الحروف
مسكنة وآخره نون " ،ثم سافرنا إلى بسا " وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة والسين
المهمسل مسع تشديدهسا " ،ثسم إلى مدينسة شيراز .فوجدنسا سسلطانها أبسا إسسحاق على ملكسه
إل أنسه كان غائباً عنهسا .ولقيست بهسا شيخنسا الصسالح العالم مجسد الديسن قاضسي القضاة،
وهسو قسد كسف بصسره ،نفعسه ال ونفسع بسه .ثسم سسافرت إلى مايسن ،ثسم إلى يزدخاص ،ثسم
إلى كليسل ،ثسم إلى كشسك زر ،ثسم إلى أصسبهان ،ثسم إلى تسستر ،ثسم إلى الحويزا ،ثسم إلى
البصرة ،وقد تقدم ذكر جميعها .وزرت بالبصرة القبور الكريمة التي بها ،وهي قبر
الزبيسر بسن العوام ،وطلحسة بسن عبيسد ال ،وحليمسة السسعدية ،وأبسي بكرة ،وأنسس بسن
مالك ،والحسسسن البصسسري ،وثابسست البنانسسي ،ومحمسسد بسسن سسسيرين ،ومالك بسسن دينار،
ومحمسد بسن واسسع ،وحسبيب العجمسي ،وسسهل بسن عبسد ال التسستري ،رضسي ال تعالى
عنهم أجمعين .ثم سافرنا من البصرة ،فوصلنا إلى مشهد علي بن أبي طالب رضي
ال عنسسه ،وزرناه .ثسسم توجهنسسا إلى الكوفسسة ،فزرنسسا مسسسجدها المبارك ،ثسسم إلى الحلة،
حيسث مشهسد صساحب الزمان ،واتفسق فسي بعسض تلك اليام أن وليهسا بعسض المراء
فمنسع أهلهسا مسن التوجسه على عادتهسم إلى مسسجد صساحب الزمان ،وانتظاره هنالك.
ومنع عنهم الدابة التي كانوا يأخذونها كل ليلة من المير ،فأصابت ذلك الوالي علة
مات منهسا سسريعاً .فزاد ذلك فسي فتنسة الرافضسة ،وقالوا :إنمسا أصسابه ذلك لجسل منعسه
الدابة ،فلم تمنع بعد .ثم سافرت إلى صرصر ،ثم إلى مدينة بغداد .وصلتها في شوال
سسنة ثمان وأربعيسن ،ولقيست بهسا بعسض المغاربسة فعرفنسي بكائنسة طريسف ،واسستيلء
وكان سلطان بغداد والعراق في عهد دخولي إليها في التاريخ المذكور الشيخ حسن
ابسن عمسة السسلطان أبسي سسعيد رحمسه ال .ولمسا مات أبسو سسعيد اسستولى على ملكسه
بالعراق ،وتزوج زوجته دلشاد بنت دمشق خواجة ابن المير الجوبان ،حسبما كان
فعله السلطان أبو سعيد من تزوج زوجة الشيخ حسن.وكان السلطان حسن غائباً عن
بغداد فسي هذه المدة ،متوجهاً لقتال السسلطان أتابسك افراسسياب ،صساحب بلد اللور .ثسم
رحلت مسن بغداد فوصسلت إلى مدينسة النبار ،ثسم إلى هيست ،ثسم إلى الحديثسة ،ثسم إلى
عانة .وهذه البلد من أحسن البلد وأخصبها .والطريق فيما بينها كثير العمارة ،كأن
الماشسي فسي سسوق مسن السسواق ،وقسد ذكرنسا أنسا لم نسر مسا يشبسه البلد التسي على نهسر
الصسين إل هذه البلد .ثسم وصسلت إلى مدينسة الرحبسة ،وهسي التسي تنسسب إلى مالك بسن
طوق .ومدينسة الرحبسة أحسسن بلد العراق ،وأول بلد الشام .ثسم سسافرنا إلى السسخنة،
وهسي بلدة حسسنة ،أكثسر سسكانها الكفار مسن النصسارى .وإنمسا سسميت السسخنة لحرارة
مائهسسا .وفيهسسا بيوت للرجال وبيوت للنسسساء ،يسسستحمون فيهسسا ،ويسسستقون الماء ليلً،
ويجعلونسه فسي السسطوح ليسبرد .ثسم سسافرنا إلى تدمسر ،مدينسة نسبي ال سسليمان عليسه
وكنسست تركسست بهسسا زوجسسة لي حاملً ،وتعرفسست وأنسسا ببلد الهنسسد أنهسسا ولدت لي ولداً
ذكراَ ،فبعث حينئذ إلى جده للم ،وكان من أهل مكناسة المغرب أربعين ديناراً ذهباً
هندياً .فحين وصولي إلى دمشق في هذه الكرة ،لم يكن لي همٌ إل السؤال عن ولدي.
فدخلت الجامسع ،فوفسق لي نور الديسن السسخاوي إمام المالكيسة وكسبيرهم ،فسسلمت عليسه
فلم يعرفنسسي .فعرفتسسه بنفسسسي ،وسسسألته عسسن الولد .فقال مات منسسذ اثنتسسي عشرة سسسنة.
وأخسبرني أن فقيهاً من أهسل طنجسة يقيسم بالمدرسسة الظاهريسة ،فسسرت إليسه لسسأله عن
ولدي وأهلي ،فوجدتسسه شيخاً كسسبيراً ،فسسسلمت عليسسه وانتسسسبت له ،فأخسسبرني أن ولدي
توفي منذ خمس عشرة سنة ،وأن الوالدة بقيد الحياة .وأقمت بدمشق الشام بقية العام
والغلء شديسد ،والخبسز قسد انتهسى إلى قيمسة سسبع أواقسى بدرهسم نقرة ،وأوقيتهسم أربسع
أوا قٍ مغربية .وكان قاضي القضاة المالكية إذ ذاك جمال الدين المسلتي ،وكان من
أصسحاب الشيسخ علء الديسن القونوي ،وقدم معسه دمشسق ،فعرف بهسا .ثسم ولي القضاء
وقاضسي قضاة الشافعيسة تقسي الديسن بسن السسبكي ،وأميسر دمشسق ملك المراء أرغون
شاه.
حكاية
ومات فسي تلك اليام بعسض كسبراء دمشسق ،وأوصسى بمال للمسساكين .فكان المتولي
لنفاذ الوصية يشتري الخبز ويفرقه عليهم كل يوم بعد العصر .فاجتمعوا في بعض
الليالي وتزاحموا واختطفوا الخبسسسسز الذي يفرق عليهسسسسم ،ومدوا أيديهسسسسم إلى خبسسسسز
الخبازيسن .وبلغ ذلك الميسر أرغون شاه .فأخرج زبانيتسه ،فكانوا حيسث مسا لقوا أحداً
مسسن المسسساكين ،قالوا له :تعال تأخسسذ الخبسسز .فاجتمسسع منهسسم عدد كثيسسر .فحبسسسهم تلك
الليلة ،وركب من الغد ،وأحضرهم تحت القلعة ،وأمر بقطع أيديهم وأرجلهم .وكان
أكثرهسسم براء عسسن ذلك .وأخرج طائفسسة الحرافيسسش عسسن دمشسسق فانتقلوا إلى حمسسص
وحماة وحلب .وذكسر لي أنسه لم يعسش بعسد ذلك إل قليلً وقتسل .ثسم سسافرت مسن دمشسق
إلى حمص ثم إلى حماة ثم إلى المعرة ثم إلى سرمين ثم إلى حلب .وكان أمير حلب
في هذا العهد الحاج رغطي " بضم الراء وسكون الغين المعجم وفتح الطاء المهمل
حكاية
واتفسق فسي تلك اليام أن فقيراً يعرف بشيسخ المشايسخ ،وهسو سساكن فسي جبسل خارج
مدينسسة عنتاب ،والناس يقصسسدونه ويتسسبركون بسسه .وله تلميسسذ ملزم له ،وكان متجرداً
عزباً ل زوجسسة له ،قال فسسي بعسسض كلمسسه :إن النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم كان ل
يصسبر عسن النسساء ،وأنسا أصسبر عنهسن .فشهسد عليسه بذلك ،وثبست عنسد القاضسي ،ورفسع
أمره إلى ملك المراء ،وأتسسسي بسسسه وبتلميذه الموافسسسق له على قوله ،فأفتسسسى القضاة
الربعسسة ،وهسسم شهاب الديسسن المالكسسي ،وناصسسر الديسسن العديسسم الحنفسسي ،وتقسسي الديسسن
الصائغ الشافعي ،وعز الدين الدمشقي الحنبلي ،بقتلهما معاً ،فقتل .وفي أوائل شهر
ربيسع الول عام تسسعة وأربعيسن ،بلغنسي الخسبر فسي حلب أن الوباء وقسع بغزة ،وأنسه
انتهسى عدد الموتسى فيهسا إلى زائد على اللف فسي يوم واحسد .فسسافرت إلى حمسص،
فوجدت الوباء قسد وقسع بهسا ،ومات يوم دخولي إليهسا نحسو ثلثمائة إنسسان ،ثسم سسافرت
إلى دمشق ووصلتها يوم الخميس ،وكان أهلها قد صاموا ثلثة أيام ن وخرجوا يوم
الجمعسة إلى جامسع القدام ،حسسبما ذكرناه فسي السسفر الول .فخفسف ال الوباء عنهسم،
فانتهى عدد الموتى عندهم إلى ألفين وأربعمائة في اليوم ،ثم سافرت إلى عجلون ثم
إلى بيت المقدس ،ووجدت الوباء قد ارتفع عنهم .ولقيت خطيبه عز الدين بن جماعة
ابسن عسم عسز الديسن قاضسي القضاة بمصسر ،وهسو مسن الفضلء الكرماء .ومرتبسه على
حكاية
وصنع الخطيب عز الدين يوماً دعوة ،ودعاني فيمن دها إليها ،فسألته عن سببها،
فأخسبرني أنسه نذر أيام الوباء ،أنسه إن ارتفسع ذلك ،ومسر عليسه يوم ل يصسلى فيسه على
ميست ،صسنع الدعوة .ثسم قال لي :ولمسا كان بالمسس ،لم أصسل على ميست ،فصسنعت
الدعوة التي نذرت .ووجدت من كنت أعهده من جميع الشياخ بالقدس قد انتقلوا إلى
جوار ال تعالى رحمهسسم ال ،فلم يبسسق منهسسم إل القليسسل ،مثسسل المحدث العالم المام
صسلح الديسن خليسل بسن كيكلدي العلئي ،ومثسل الصسالح شرف الديسن الخشسي شيسخ
زاويسة المسسجد القصسى ،ولقيست الشيسخ سسليمان الشيرازي ،فأضافنسي .ولم ألق بالشام
ثسسم سسسافرت عسسن القدس ،ورافقنسسي الواعسسظ المحدث شرف الديسسن سسسليمان المليانسسي،
وشيسخ المغاربسة بالقدس الصسوفي الفاضسل طلحسة العبسد الوادي .فوصسلنا إلى مدينسة
الخليل عليه السلم .وزرناه ومن معه من النبياء عليهم السلم .ثم سرنا إلى غزة،
فوجدنسا معظمهسا خالياً مسن كثرة مسن مات بهسا فسي الوباء .وأخبرنسا قاضيهسا أن العدول
بهسا كانوا ثمانيسن ،فبقسي منهسم الربسع ،وأن عدد الموتسى بهسا انتهسى إلى ألف ومائة فسي
اليوم.
ثسم سسافرنا فسي البر ،فوصسلت إلى دمياط ،ولقيست بهسا قطسب الديسن النفشوانسي ،وهسو
صائم الدهر ،ورافقني منها إلى فارسكور وسمنود ثم إلى أبي صير " بكسر الصاد
حكاية
وبينمسا نحسن بتلك الزاويسة إذ دخسل علينسا أحسد الفقراء فسسلم ،وعرضنسا عليسه الطعام
فأبى وقال :إنما قصدت زيارتكم ،ولم يزل ليلته تلك ساجداً وراكعاً .ثم صلينا الصبح
واشتغلنسسا بالذكسسر ،والفقيسسر بركسسن الزاويسسة .فجاء الشيسسخ بالطعام ،ودعاه فلم يجبسسه.
فمضى إليه فوجده ميتاً .فصلينا عليه ودفناه ،رحمة ال عليه .ثم سافرت إلى المحلة
الكبيرة ،ثم إلى نحرارية ،ثم إلى أبيار ،ثم إلى دمنهور ،ثم إلى السكندرية .فوجدت
الوباء قسد خسف بهسا ،بعسد أن بلغ عدد الموتسى إلى ألف وثمانيسن فسي اليوم .ثسم سسافرت
إلى القاهرة ،وبلغنسي أن عدد الموتسى أيام الوباء انتهسى فيهسا إلى واحسد وعشريسن ألفاً
في اليوم .ووجدت جميع من كان بها من المشايخ الذين أعرفهم قد ماتوا ،رحمهم ال
تعالى.
وكان ملك ديار مصسر فسي هذا العهسد الملك الناصسر حسسن ابسن الملك الناصسر محمسد
بسن الملك المنصسور قلوون .وبعسد ذلك خلع عسن الملك ،وولي أخوه الملك الصسالح.
ولما وصلت القاهرة ،وجدت قاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القضاة بدر الدين
بسن جماعسة ،قسد توجسه إلى مكسة فسي ركسب عظيسم يسسمونه الرجسبي ،لسسفرهم فسي شهسر
رجب .وأخبرت أن الوباء لم يزل معهم حتى وصلوا إلى عقبة أيلة ،فارتفع عنهم .ثم
سسافرت مسن القاهرة إلى بلد الصسعيد ،وقسد تقدم ذكرهسا ،إلى عيذاب .وركبست منهسا
البحسسر ،فوصسسلت إلى جدة ،ثسسم سسسافرت منهسسا إلى مكسسة ،شرفهسسا ال تعالى وكرمهسسا،
فوصسلتها فسي الثانسي والعشريسن لشعبان سسنة تسسع وأربعيسن .ونزلت فسي جوار إمام
المالكية الصالح الولي الفاضل أبي عبد ال محمد بن عبد ال المدعو بخليل .فصمت
شهسر رمضان بمكسة .وكنست أعتمسر كسل يوم على مذهسب الشافعسي .ولقيست ممسن أعهسد
من أشياخها شهاب الدين الحنفي ،وشهاب الدين الطبري ،وأبا محمد اليافعي ،ونجم
الديسن الصسفوني ،والحرازي .وحججست ذلك العام ،ثسم سسافرت مسع الركسب الشامسي
إلى طيبة ،مدينة رسول ال صلى ال عليه وسلم .وزرت قبره المكرم ،زاده ال طيباً
وتشريفاً ،وصسليت فسي المسسجد الكريسم ،طهره ال وزاده تعظيماً ،وزرت مسن بالبقيسع
من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ورضي عنهم ،ولقيت من الشياخ أبا محمد
بن فرحون .ثم سافرنا من المدينة الشريفة إلى العل وتبوك ،ثم إلى بيت المقدس ،ثم
إلى مدينة الخليل صلى ال عليه وسلم ،ثم إلى غزة ،ثم إلى منازل الرمل ،وقد تقدم
ذكر ذلك كله ،ثم إلى القاهرة .وهنالك تعرفنا أن مولنا أمير المؤمنين وناصر الدين
المتوكسسل على رب العالميسسن أبسسا عنان أيده ال تعالى ،قسسد ضسسم ال بسسه نشسسر الدولة
المرينية ،وشفى ببركته بعد إشفائها البلد المغربية ،وأفاض الحسان على الخاص
والعام ،وغمر جميع الناس بسابغ النعام .فتشوقت النفوس إلى المثول ببابه ،وأملت
لثسم ركابسه .فعنسد ذلك قصسدت القدوم على حضرتسه العليسة ،مسع مسا شاقنسي مسن تذكار
الوان ،والحنيسسن إلى الهسسل والخلن ،والمحبسسة إلى بلدي التسسي لهسسا الفضسسل عندي
على البلدان.
وسسسرت حتسسى نزلت بجربسسة .وسسسافر المركسسب المذكور إلى تونسسس ،فاسسستولى العدو
عليه .ثم سافرت في مركب صغير إلى قابس ،فنزلت في ضيافة الخوين الفاضلين
أبسي مروان وأبسي العباس ابنسي مكسي أميري جربسة وقابسس .وحضرت عندهمسا مولد
رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ،ثسم ركبست فسي مركسب إلى سسفاقس ،ثسم توجهست فسي
البحسر إلى بليانسة ،ومنهسا سسرت فسي البر مسع العرب ،فوصسلت بعسد مشقات إلى مدينسة
وكانست تونسس فسي إيالة مولنسا أميسر المسسلمين ،وناصسر الديسن ،المجاهسد فسي سسبيل
رب العالميسسن ،علم العلم ،وأوحسسد الملوك الكرام ،أسسسد السسساد ،وجواد الجواد،
القانت الواب ،الخاشع العادل ،أبي الحسن مولنا أمير المسلمين ،المجاهد في سبيل
رب العالميسن ،ناصسر ديسن السسلم ،الذي سسارت المثال بجوده ،وشاع فسي القطار
أثسر كرمسه وفضله ،ذي المناقسب والمفاخسر والفضائل والمآثسر ،الملك العادل الفاضسل
أبسي سسعيد مولنسا أميسر المسسلمين وناصسر الديسن ،المجاهسد فسي سسبيل رب العالميسن،
قاهسر الكفار ومبيدهسا ،ومبدي آثار الجهاد ومعيدهسا ،ناصسر اليمان ،الشديسد السسطوة
فسي ذات الرحمسن ،العابسد الزاهسد ،الراكسع السساجد ،الخاشسع الصسالح ،أبسي يوسسف ابسن
عبسد الحسق ،رضسي ال عنهسم أجمعيسن ،وأبقسى الملك فسي عقبهسم إلى يوم الديسن .ولمسا
وصلت تونس قصدت الحاج أبا الحسن الناميسي لما بيني وبينه من مودات القرابة
والبلديسة .فأنزلنسي بداره ،وتوجسه معسي إلى المشور ،فدخلت المشور الكريسم وقبلت يسد
مولنسا أبسي الحسسن رضسي ال عنسه ،وأمرنسي بالقعود فقعدت .وسسألني عسن الحجاز
الشريسسف وسسسلطان مصسسر فأجبتسسه .وسسسألني عسسن ابسسن تيفراجيسسن فأخسسبرته بمسسا فعلت
المغاربة معه .وإرادتهم قتله بالسكندرية ،وما لقي من أذيتهم ،انتصاراً منهم لمولنا
أبي الحسن رضي ال عنه ،وكان في مجلسه من الفقهاء المام أبو عبد ال السطي،
والمام أبسو عبسد ال محمسد بسن الصسباغ .ومسن أهسل تونسس قاضيهسا أبسو علي عمسر بسن
عبد الرفيع ،وأبو عبد ال بن هارون .وانصرفت عن المجلس الكريم .فلما كان بعد
العصسر اسستدعاني مولنسا أبسو الحسسن ،وهسو بسبرج يشرف على موضسع القتال ،ومعسه
الشيوخ الجلة أبسسو عمسسر عثمان بسسن عبسسد الواحسسد التنالفتسسي ،وأبسسو حسسسون زيان بسسن
أمريون العلوي ،وأبسسو زكرياء يحيسسى ابسسن سسسليمان العسسسكري ،والحاج أبسسو الحسسسن
ولم أزل أتردد إلى مجلسسه الكريسسم أيام إقامتسي بتونسس ،وكانست سستة وثلثيسن يوماً.
ولقيست بتونسس إذ ذاك الشيسخ المام خاتمسة العلماء وكسبيرهم أبسا عبسد ال البلي ،وكان
ثسم سسافرت مسن تونسس فسي البحسر مسع القطلنييسن ،فوصسلنا إلى جزيرة سسردانية ،مسن
جزر الروم ،ولهسا مرسسى عجيسب ،عليسه خشسب كبار دائرة بسه .وله مدخسل كأنسه باب،
ل يفتسح إل باذن منهسم ،وفيهسا حصسون .دخلنسا أحدهسا ،وبسه أسسواق كثيرة ،ونذرت ل
تعالى إن خلصسنا ال منهسا صسوم شهريسن متتابعيسن .لننسا تعرفنسا أن أهلهسا عازمون
ثم خرجنا عنها فوصلنا بعد عشر إلى مدينة تنس ،ثم إلى مازونة ،ثم إلى مستغانم،
ثسم إلى تلمسسان .فقصسدت العباد ،وزرت الشيسخ أبا مديسن رضسي ال عنسه ونفسع بسه ،ثسم
خرجست عنهسا على طريسق مدرومسة ،وسسلكت طريسق أخندقان .وبست بزاويسة الشيسخ
إبراهيم .ثم سافرنا منها ،فبينما نحن بقرب أزغنغان ،إذا خرج علينا خمسون راجلً
وفارسسان .وكان معسي الحاج ابسن قريعات الطنجسي وأخوه محمسد ،المسستشهد بعسد ذلك
فسي البحسر .فعزمنسا على قتالهسم ،ورفعنسا علماً ،ثسم سسالمونا وسسالمناهم ،والحمسد ل،
ووصلت إلى مدينة تازي ،وبها تعرفت خبر موت والدتي بالوباء رحمها ال تعالى.
ثسم سسافرت عسن تازي ،فوصسلت يوم الجمعسة فسي أواخسر شهسر شعبان المكرم مسن عام
خمسسين وسسبعمائة إلى حضرة فاس ،فمثلت بيسن يدي مولنسا العظسم ،المام الكرم،
أميسسر المؤمنيسسن ،المتوكسسل على رب العالميسسن ،أبسسي عنان ،وصسسل ال علوه ،وكبسست
عدوه .فأنستني هيبته هيبة سلطان العراق ،وحسنه حسن ملك الهند ،وحسن أخلقه
حسسسسن خلق ملك اليمسسسن ،وشجاعتسسسه شجاعسسسة ملك الترك ،وحلمسسسه حلم ملك الروم،
وديانته ديانة ملك تركستان ،وعلمه علم ملك الجاوة .وكان بين يديه وزيره الفاضل
ذو المكارم الشهيرة والمآثسسسر الكثيرة أبسسسو زيان ابسسسن ودرار ،فسسسسألني عسسسن الديار
المصرية ،إذ كان قد وصل إليها فأجبته عما سأل .وغمرني من إحسان مولنا أيده
ال تعالى بمسسا أعجزنسسي شكره .وال ولي مكافأتسسه .وألقيسست عصسسا التسسسيار ببلده
الشريفة ،بعد أن تحققت بفضل النصاف أنها أحسن البلدان.لن الفواكه بها متيسرة،
والمياه والقوات غير متعذرة .وقل إقليم يجمع ذلك ،ولقد أحسن من قال:
والشام ظهسر لك الحسق فسي ذلك ،ولح فضسل بلد المغرب .فأقول :إن لحوم الغنام
بديار مصر تباع بحساب ثماني عشرة أوقية بدرهم نقرة ،والدرهم النقرة ستة دراهم
مسسسن دراهسسسم المغرب ،وبالمغرب يباع اللحسسسم إذا غل سسسسعره ثمانسسسي عشرة أوقيسسسة
بدرهميسن ،وهمسا ثلث النقرة .وأمسا السسمن فل يوجسد بمصسر فسي أكثسر الوقات .والذي
يسستعمله أهسل مصسر مسن أنواع الدام ل يلتفست إليسه بالمغرب ،ولن أكثسر ذلك العدس
والحمص يطبخونه في قدور راسيات ،ويجعلون عليه السيرج والبسل ،وهو صنف
مسن الجلبان ،يطبخونسه ويجعلون عليسه الزيست ،والقرع يطبخونسه ويخلطونسه باللبسن،
والبقلة الحمقاء يطبخونهسسا كذلك ،وأعيسسن أغصسسان اللوز يطبخونهسسا ويجعلون عليهسسا
اللبن ،والقلقاس يطبخونه .وهذا كله متيسر بالمغرب ،لكن أغنى ال عنه بكثرة اللحم
والسسمن والزبسد والعسسل وسسوى ذلك .وأمسا الخضسر فهسي أقسل الشياء ببلد مصسر،
وأمسا الفواكسه فأكثرهسا مجلوبسة مسن الشام ،وأمسا العنسب فإذا كان رخيصساً بيسع عندهسم
ثلثة أرطال من أرطالهم بدرهم نقرة ،ورطلهم اثنا عشرة أوقية .وأما في بلد الشام
فالفواكسه بهسا كثيرة ،إل أنهسا ببلد المغرب أرخسص منهسا ثمناً ،فإن العنسب يباع بهسا
بحساب رطل من أرطالهم بدرهم نقرة ،ورطلهم ثلثة أرطال مغربية .وإذا رخص
ثمنسه بيسع بحسساب رطليسن بدرهسم نقرة ،والجاص يباع بحسساب عشسر أواق بدرهسم
نقرة ،وأمسسا الرمان والسسسفرجل فتباع الحبسسة منهمسسا بثمانيسسة قلوس ،وهسسي درهسسم مسسن
دراهسسم المغرب .وأمسا الخضسر فيباع بالدرهسم النقرة منهسا أقسسل ممسسا يباع فسي بلدنسسا
بالدرهسم الصسغير .وأمسا اللحسم فيباع فيهسا الرطسل منسه مسن أرطالهسم بدرهميسن ونصسف
درهسسسم نقرة .فإذا تأملت ذلك كله تسسسبين لك أن بلد المغرب أرخسسسص البلد أسسسسعاراً
وأكثرهسسا خيرات ،وأعظمهسسسا مرافسسسق وفوائد .ولقسسسد زاد ال بلد المغرب شرفًا إلى
ل إلى فضلها ،بإمامة مولنا أمير المؤمنين ،الذي مد ظلل المن في
شرفها ،وفض ً
أقطارهسسا ،وأطلع شمسسس العدل فسسي أرجائهسسا ،وأفاض سسسحاب الحسسسان فسسي باديتهسسا
وحاضرتهسا ،وطهرهسا مسن المفسسدين ،وأقام بهسا رسسوم الدنيسا والديسن .وأنسا أذكسر مسا
عاينتسسه وتحققتسسه مسسن عدله وحلمسسه وشجاعتسسه ،واشتغاله بالعلم ،وتفقهسسه ،وصسسدقته
أمسا عدله فأشهسر مسن أن يسسطر فسي كتاب .فمسن ذلك جلوسسه للمشتكيسن مسن رعيتسه،
وتخصسيصه يوم الجمعسة للمسساكين منهسم ،وتقسسيمه ذلك اليوم بيسن الرجال والنسساء،
وتقديمسسه النسسساء لضعفهسسن .فتقرأ قصسسصهن بعسسد صسسلة الجمعسسة إلى العصسسر ،ومسسن
وصلت نوبتها نودي باسمها ،ووقفت بين يديه الكريمتين ،يكلمها دون واسطة .فإن
كانست متظلمسة عجسل إنصسافها ،أو طالبسة إحسسان وقسع إسسعافها .ثسم إذا صسليت العصسر
قرئت قصص الرجال ،وفعل مثل ذلك فيها .ويحضر المجلس الفقهاء والقضاة ،فيرد
إليهسسم ماتعلق بالحكام الشرعيسسة ،وهذا شيسسء لم أر فسسي الملوك مسسن يفعله على هذا
التمام ،ويظهسر فيسه مثسل هذا العدل .فإن ملك الهنسد عيسن بعسض أمرائه لخسذ القصسص
مسن الناس ،وتلخيصسها ورفعهسا إليسه ،دون حضور أربابهسا بيسن يديسه .وأمسا حلمسه فقسد
شاهدت منسسه العجائب .فإنسسه أيده ال عفسسا عسسن الكثيسسر ممسسن تعرض لقتال عسسساكره
والمخالفسة عليسه ،وعسن أهسل الجرائم الكبار الذيسن ل يعفسو عسن جرائمهسم إل مسن وثسق
بريه .وعلم علم اليقين معنى قوله تعالى " :والعافين عن الناس " قال ابن جزي :من
أعجب ما شاهدته من حلم مولنا أيده ال ،أني منذ قدومي على بابه الكريم في آخر
عام ثلثسة وخمسسين إلى هذا العهسد ،وهسو أوائل عام سسبعة وخمسسين ،لم أشاهسد أحداً
أمسسر بقتله إل مسسن قتله الشرع فسسي حسسد مسسن حدود ال تعالى قصسساص أو حرابسسة ،هذا
ولم يسسمع بمثسل ذلك فسي مسا تقدم مسن العصسار ،ول فيمسا تباعسد مسن القطار .وأمسا
شجاعته فقد علم ما كان منه في المواطن الكريمة من الثبات والقدام ،مثل يوم قتال
بني عبد الوادي وغيرهم .ولقد سمعت خبر ذلك اليوم ببلد السودان ،وذكر ذلك عند
قال ابسسسن جزي :لم يزل الملوك القدمون تتفاخسسسر بقتسسسل السسسساد وهزائم العادي،
ومولنا أيده ال كان قتل السسد أهون عليه من قتل الشاة على السد ،فإنه لما خرج
السسسد على الجيسسش بوادي النجاريسسن مسسن المعمورة بحوز سسسل ،وتحامتسسه البطال،
وفرت أماه الفرسسان والرجال ،برز إليسه مولنسا أيده ال غيسر محتفسل بسه ،ول متهيسب
منسه ،فطعنسه بالرمسح مسا بيسن عينيسه طعنسة خسر بهسا صسريعاً لليديسن وللفسم .وأمسا هزائم
العادي فإنهسسا اتفقسست للملوك بثبوت جيوشهسسم وإقدام فرسسسانهم ،فيكون حسسظ الملوك
الثبوت والتحريسسض على القتال .وأمسسا مولنسسا أيده ال فإنسسه أقدم على عدوه منفرداً
بنفسه الكريمة ،بعد علمه بفرار الناس ،وتحققه أنه لم يبق معه من يقاتل .فعند ذلك
وقسع الرعسب فسي قلوب العداء ،وانهزموا أمامسه .فكان مسن العجائب فرار المسم أمام
واحد .وذلك فضل ال يؤتيه من يشاء ،والعاقبة للمتقين ،وما هو إل ثمرة ما يمتاز به
أعلى مقامسه مسن التوكسل على ال والتفويسض إليسه .وأمسا اشتغاله بالعلم فهسا هسو أيده ال
تعالى يعقد مجالس العلم في كل يوم بعد صلة الصبح ،ويحضر لذلك أعلم الفقهاء
ونجباء الطلبسة بمسسجد قصسره الكريسم ،فيقرأ بيسن يديسه تفسسير القرآن العظيسم ،وحديسث
المصسسطفى صسسلى ال عليسسه وسسسلم ،وفروع مذهسسب مالك رضسسي ال عنسسه ،وكتسسب
المتصسوفة .وفسي كسل علم منهسا .له القدح المعلى ،يجلو مشكلتسه بنور فهمسه ،ويلقسى
نكتسسسسه الرائقسسسسة مسسسسن حفظسسسسه .وهذا شأن الئمسسسسة المهتديسسسسن والخلفاء الراشديسسسسن.
ولم أر من ملوك الدنيا من باغت عنايته بالعلم إلى هذه النهاية .فقد رأيت ملك الهند
يتذاكر بين يديه بعد صلة الصبح في العلوم المعقولت خاصة ،ورأيت ملك الجاوة
يتذاكسر بين يديسه بعسد صسلة الجمعسة فسي الفروع على مذهب الشافعسي ،وكنت أعجب
من ملزمة ملك تركستان لصلتي العشاء الخرة والصبح في الجماعة ،حتى رأيت
ملزمسسة مولنسسا ،أيده ال ،فسسي الصسسلوات كلهسسا فسسي الجماعسسة وقيام رمضان " :وال
قال ابسسن جزي :لو أن عالماً ليسسس له شغسسل إل بالعلم ليلً ونهاراً ،لم يكسسن يصسسل إلى
أدنسى مراتسب مولنسا أيده ال فسي العلوم ،مسع اشتغاله بأمور المسة ،وتدبيره لسسياسة
القاليسم النائيسة ،ومباشرتسه مسن حال ملكسه مالم يباشره أحسد مسن الملوك ،ونظره بنفسسه
في شكايات المظلومين .ومع ذلك كله فل تقع بمجلسه الكريم مسألة علم في أي علم
كان ،إل جل مشكلهسا ،وباحسث فسي دقائقهسا ،واسستخرج غوامضهسا ،واسستدرك على
علماء مجلسسه مسا فاتهسم مسن مغلقاتهسا .ثسم سسما أيده ال إلى العلم الشريسف التصسوفي،
ففهسم إشارات القوم ،وتخلق بأخلقهسم .وظهرت آثار ذلك فسي تواضعسه مسع رفعتسه،
وشفقتسه على رعيتسه ،ورفقسه فسي أمره كله .وأعطسى للداب حظاً جزيلً مسن نفسسه،
فاستعمل أحسنها منزعاً ،وأعظمها موقعاً ،وصارت عنه الرسالة الكريمة والقصيدة
اللتان بعثهما إلى الروضة الشريفة المقدسة الطاهرة ،روضة سيد المرسلين وشفيع
المذنسبين رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ،وكتبهمسا بخسط يده الذي يخجسل الروض
حسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسناً.
وذلك شيسسء لم يتعاط أحسسد مسسن ملوك الزمان إنشاءه ،ول رام إدراكسسه .ومسسن تأمسسل
التوقيعات الصسسادرة عنسسه أيده ال تعالى ،وأحاط علماً بحصسسولها ،لح له فضسسل مسسا
وهسب ال لمولنسا مسن البلغسة التسي فطره عليهسا ،وجمسع له بيسن الطسبيعي والمكتسسب
منهسا .وأمسا صسدقاته الجاريسة ،ومسا أمسر بسه مسن عمارة الزوايسا بجميسع بلده لطعام
الطعام للوارد والصسسادر ،فذلك مسسا لم يفعله أحسسد مسسن الملوك ،غيسسر السسسلطان أتابسسك
أحمسسد .وقسسد زاد عليسسه مولنسسا أيده ال بالتصسسدق على المسسساكين بالطعام كسسل يوم
قال ابسسن جزي :اخترع مولنسسا أيده ال فسسي الكرم والصسسدقات أموراً لم تخطسسر فسسي
الوهام ،ول اهتدت إليها السلطين .فمنها إجراء الصدقات على المساكين بكل بلد
من بلده علىالدوام .ومنها تعيين الصدقة الوافرة للمسجونين في جميع البلد أيضاً،
ومنهسا كون تلك الصسدقات خبزاً مخبوزاً متيسسراً للنتفاع بسه ،ومنهسا كسسوة المسساكين
أبواب بلده يوم سسبعة وعشرين مسن رمضان إكراماً لذلك اليوم الكريسم وقياماً بحقسه،
ومنهسا إطعام الناس فسي جميسع البلد ليلة المولد الكريسم ،واجتماعهسم لقامسة رسسمه،
ومنهسسا إعذار اليتامسسى مسسن الصسسبيان وكسسسوتهم يوم عاشوراء ،ومنهسسا صسسدقته على
الزمنى والضعفاء بأزواج الحرث ،يقيمون بها أودهم ،ومنها صدقته على المساكين
وتلك مكرمة ل يعلم لها نظير ،ومنها بناء المرستانات في كل بلد من بلده ،وتعيين
الوقاف الكثيرة لمؤن المرضسى ،وتعييسن الطباء لمعالجتهسم والتصسرف فسي طلبهسم،
إلى غيسسر ذلك ممسسا أبدع فيسسه مسسن أنواع المكاره ،وضروب المآثسسر ،كافسسأ ال أياديسسه،
وشكسسر نعمسسه .وأمسسا رفعسسه للمظالم عسسن الرعيسسة ،فمنهسسا الرتسسب التسسي كانسست تؤخسسذ
بالطرقات ،أمسر أيده ال بمحسو رسسمها ،وكان لهسا مجسبى عظيسم ،فلم يلتفست إليسه ،ومسا
عنسد ال خيسر وأبقسى ،وأمسا كفسه أيدي الظلم فأمسر مشهور ،وقسد سسمعته أيده ال يقول
قال ابن جزي :ولو لم يكن من رفق مولنا أيده ال برعيته إلى رفعه التضييف الذي
كانست عمال الزكاة وولة البلد تأخذه مسن الرعايسا ،لكفسى ذلك أثرًا فسي العدل ظاهراً
ونوراً في الرفق باهراً ،فكيف وقد رفع من المظالم وبسط من المرافسق ما ل يحيط
به الحصر .وقد صدر في أيام تصنيف هذا من أمره الكريم في الرفق بالمسجونين،
ورفع الوظائف الثقيلة التي كانت تؤخذ منهم ،ما هو اللئق بإحسانه ،والمعهود من
رأفتسه ،وشمسل المسر بذلك جميسع القطار ،وكذلك صسدر مسن التنكيسل بمسن ثبست جوره
وأمسسسا فعله فسسسي معاونسسسة أهسسسل الندلس على الجهاد ،ومحافظتسسسه على إمداد الثغور
بالموال والقوات والسلح ،وفته في عضد العدو بإعداد العدد وإظهار القوة ،فذلك
أمر شهير ،لم يغب علمه عن أهل المغرب والمشرق ،ول سبق إليه أحد من الملوك.
قال ابن جزي :حسسب المتشوف إلى علم مسا عنسد مولنسا أيده ال من سسداد القطسر إلى
المسسلمين ،ودفاع القوم الكافريسن ،مسا فعله فسي فداء مدينسة طرابلس أفريقيسة .فإنهسا لمسا
اسستولى العدو عليهسا ،ومسد يسد العدوان إليهسا ،ورأى ،أيده ال ،أن بعسث الجيوش إلى
نصسسرتها ل يتأتسسى لبعسسد القطار ،كتسسب إلى خدامسسه ببلد إفريقيسسة أن يفدوهسسا بالمال.
ففديت بخمسين ألف دينار من الذهب العين .فلما بلغه خبر ذلك قال :الحمد ل الذي
اسسسترجعها مسسن أيدي الكفار بهذا النزر اليسسسير .وأمسسر للحيسسن ببعسسث ذلك العدد إلى
إفريقية ،وعادت المدينة إلى السلم على يديه .ولم يخطر في الوهام أن أحداً تكون
عنده خمسسة قناطيسر مسن الذهسب نزراً يسسيراً حتسى جاء بهسا مولنسا أيده ال مكرمسة
بعيدة ،ومأثرة فائقسة ،قسل فسي الملوك أمثالهسا وعسز عليهسم مثالها .وممسا شاع مسن أفعال
مولنسسا أيده ال فسسي الجهاد إنشاؤه الجفان بجميسسع السسسواحل ،واسسستكثاره مسسن عدد
البحسر ،وهذا في زمان الصسلح والمهادنسة ،إعداداً ليام الغزاة .وأخذ بالحزم فسي قطع
أطماع الكفار ،وأكسد ذلك بتوجهسه ،أيده ال ،بنفسسه إلى جبال جاناتسه فسي العام الفارط
ليباشسر قطسع الخشسب للنشاء ،ويظهسر قدر مسا له بذلك مسن العتناء ،ويتولى بذاتسه
أعمال الجهاد ،مترجياً ثواب ال تعالى ،وموقناً بحسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن الجزاء.
ومسسن أعظسسم حسسسناته ،أيده ال ،عمارة المسسسجد الجديسسد بالمدينسسة البيضاء ،دار ملكسسه
العلي ،وهو الذي امتاز بالحسن واتقان البناء وإشراق النور وبديع الترتيب ،وعمارة
المدرسة الكبرى بالموضع المعروف بالقصر مما يجاور قصبه فاس ،ول نظير لها
فسي المعمورة اتسساعاً وحسسناً وإبداعاً وكثرة ماء وحسسن وضسع .ولم أر فسي مدارس
الشام ومصسر والعراق وخراسسان مسا يشبههسا .وعمارة الزاويسة العظمسى على غديسر
الحمسسص ،خارج المدينسسة البيضاء ،فل مثسسل لهسسا أيضًا فسسي عجيسسب وضعهسسا وبديسسع
صسنعها .وأبدع زاويسة رأيتهسا بالشرق زاويسة سسرياقص " سسرياقوس " التسي بناهسا
الملك الناصسر .وهذه أبدع منهسا وأشسد إحكاماً وإتقاناً .وال سسبحانه ينفسع مولنسا ،أيده
ال ،بمقاصسده الشريفسة ،ويكافسئ فضائله المنيفسة ،ويديسم للسسلم والمسسلمين أيامسه،
ولنعسد إلى ذكسر الرحلة فنقول :ولمسا حصسلت لي مشاهدة هذا المقام الكريسم ،وعمنسي
فضسل إحسسانه العميسم ،قصسدت زيارة قسبر الوالدة .فوصسلت إلى بلدة طنجسة وزرتهسا،
وتوجهت إلى مدينة سبتة ،فأقمت بها أشهراً ،وأصابني بها المرض ثلثة أشهر ،ثم
عافاني ال .فأردت أن يكون لي حظ من الجهاد والرباط ،فركبت البحر من سبتة في
شطسسي لهسسل أصسسيل ،فوصسسلت إلى بلد الندلس ،حرسسسها ال تعالى ،حيسسث الجسسر
موفور للساكن ،والثواب مذخور للمقيم والظاعن .وكان ذلك إثر موت طاغية الروم
ألفونسس ،وحصساره الجبسل عشرة أشهسر ،وظنسه أنسه يسستولي على مسا بقسي مسن بلد
الندلس للمسسسلمين .فأخذه ال مسسن حيسسث لم يحتسسسب ،ومات بالوباء الذي كان أشسسد
الناس خوفاً منسه .وأول بلد شاهدتسه مسن البلد الندلسسية جبسل الفتسح .فلقيست بسه خطيبسه
الفاضل أبا زكريا يحيى بن السراج الرندي ،وقاضيه عيسى البربري ،وعنده نزلت
وتطوفست معه على الجبل ،فرأيت عجائب ما بني بسه مولنا أبو الحسن ،رضسي ال
عنسه ،وأعسد فيسه مسن العدد ،ومسا زاد على ذلك مولنسا ،أيده ال .وودت لو كنست ممسن
الصسنام ،حسسنة مولنسا أبسي الحسسن ،رضسي ال عنسه ،المنسسوبة إليسه ،وقربتسه التسي
قدمهسا نوراً بيسن يديسه ،محسل عدد لجهاد ،ومقسر آسساد الجناد ،والثغسر الذي افتسر عسن
نصسر اليمان ،وأذاق أهسل الندلس بعد مرارة الخوف حلوة المان ،ومنه كان مبدأ
الفتح الكبر ،وبه نزل طارق بن زياد ،مولى موسى بن نصير ،عند جوازه ،فنسب
إليه ،فيقال له :جبل طارق ،وجبل الفتح ،لن مبدأه كان منه .وبقايا السور الذي بناه
مسن معسه باقيسة إلى الن ،تسسمى بسسور العرب .شاهدتهسا أيام إقامتسي بسه عنسد حصسار
الجزيرة ،أعادها ال ،ثم فتحه مولنا أبو الحسن ،رضوان ال عليه ،واسترجعه من
أيدي الروم بعد تملكهم له عشرين سنة ونيفاً ،وبعث إلى حصاره ولده المير الجليل
أبسسا مالك ،وأيده بالموال الطائلة والعسسساكر الجرارة .وكان فتحسسه بعسسد حصسسار سسستة
أشهر ،وذلك في عام ثلثة وثلثين وسبعمائة ،ولم يكن حينئذٍ على ما هو الن عليه.
فبنى به مولنا أبو الحسن ،رحمة ال عليه ،المأثرة العظمى بأعلى الحصن ،وكانت
قبل ذلك برجاً صغيراً ،تهدم بأحجار المجانيق ،فبناها مكانه ،وبنى به دار الصناعة،
ولم يكن به دار صنعة ،وبنى السور العظم المحيط بالتربة الحمراء ،الخذ من دار
الصنعة إلى القرمدة .ثم جدد مولنا أمير المؤمنين أبو عنان ،أيده ال ،عهد تحصينه
وتحسسينه ،وزاد بناء السسور بطرف الفتسح ،وهسو أعظسم أسسواره غناء ،وأعمهسا نفعاً.
وبعسث إليسه العدد الوافرة والقوات والمرافسق العامسة ،وعامسل ال تعالى فيسه بحسسن
النية ،وصدق الخلص .ولما كان في الشهر الخيرة من عام ستة وخمسين ،وقع
بجبل الفتح ما ظهر فيه أثر يقين مولنا ،أيده ال ،وثمرة توكله في أموره على ال،
وبان مصسداق مسا اطرد له مسن السسعادة الكافيسة .وذلك أن عامسل الجبسل الخائن الذي
ختسسم له بالشقاء عيسسسى بسسن الحسسسن بسسن أبسسي منديسسل نزع يده المغلولة عسسن الطاعسسة،
وفارق عصمة الجماعة ،وأظهر النفاق ،وجمح في الغدر والشقاق ،وتعاطى ما ليس
من رجاله ،وعمي عن مبدأ حاله السيء ومآله ،وتوهم الناس أن ذلك مبدأ فتنة تنفق
على إطفائهسسا كرائم الموال ،ويسسستعد لتقائهسسا بالفرسسسان والرجال .فحكمسست سسسعادة
مولنسسا ،أيده ال ببطلن هذا التوهسسم ،وقضسسى صسسدق يقينسسه بانخراق العادة فسسي هذه
الفتنسة ،فلم تكسن إل أيام يسسيرة ،وراجسع أهسل الجبسل بصسائرهم ،وثاروا على الثائر،
وخالفوا الشقسسي المخالف ،وقاموا بالواجسسب مسسن الطاعسسة ،وقبضوا عليسسه وعلى ولده
المسساعد له فسي النفاق ،وأتسي بهمسا مصسفدين إلى الحضرة العليسة ،فنفسذ فيهمسا حكسم ال
في المحاربين ،وأراح ال من شرهما .ولما خمدت نار الفتنة أظهر مولنا ،أيده ال
مسن العنايسة ببلد الندلس مسا لم يكسن فسي حسساب أهلهسا ،وبعسث إلى جبسل الفتسح ولده
السسعد المبارك الرشسد أبسا بكسر ،المدعسو مسن السسمات السسلطانية بالسسعيد ،أسسعده ال
تعالى ،وبعسسسسث معسسسسه أنجاد الفرسسسسسان ووجوه القبائل وكفاة الرجال ،وأدر عليهسسسسم
الرزاق ،ووسسسسع لهسسسم القطاع ،وحرر بلدهسسسم مسسسن المغارم ،وبذل لهسسسم جزيسسسل
الحسسان .وبلغ مسن اهتمامسه بأمور الجبسل أن أمسر ،أيده ال ،ببناء شكسل يشبسه شكسل
الجبسل المذكور ،فمثسل فيسه أشكال أسسواره وأبراجسه وحصسنه وأبوابسه ودار صسنعته
ومسساجده ومخازن عدده وأهريسة زرعسه وصسورة الجبسل ،ومسا اتصسل بسه مسن التربسة
الحمراء .فصسنع ذلك بالمشور السسعيد ،فكان شكلً عجيباً أتقنسه الصسناع إتقاناً يعرف
قدره مسسسن شاهسسسد الجبسسسل ،وشاهسسسد هذا المثال ،ومسسسا ذلك إل لتشوقسسسه ،أيده ال ،إلى
اسسسستطلع أحواله وتهممسسسه بتحصسسسينه وإعداده .وال تعالى يجعسسسل نصسسسر السسسسلم
بالجزيرة الغربية على يديه ،ويحقق ما يؤمله في فتح بلد الكفار ،وشت شمل عباد
الصسليب .وتذكرت حيسن هذا التقييسد قول الديسب البليسغ المفلق أبسي عبسد ال محمسد بسن
غالب الرصسافي البلنسسي ،رحمسه ال ،فسي وصسف هذا الجبسل المبارك مسن قصسيدته
لو جئت نار الهدى من جانب الطور قبست ما شئت من علم ومن نسور
وفيها يقول في وصف الجبل ،وهو من البديع الذي لم يسبق إليه ،بعد وصفه السفن
وجوازها:
قال ابن جزي :ولنعد إلى كلم الشيخ أبي عبد ال قال :ثم خرجت من جبل الفتح إلى
مدينسة رندة ،وهسي مسن أمنسع معاقسل المسسلمين وأجملهسا وضعاً ،وكان قائدهسا إذ ذاك
الشيسخ أبسو الربيسع سسليمان بسن داود العسسكري ،وقاضيهسا ابسن عمسي الفقيسه أبسو القاسسم
محمد بن يحيى بن بطوطة .ولقيت بها الفقيه القاضي الديب أبا الحجاج يوسف بن
موسسسى المنتشاقري ،وأضافنسسي بمنزله ،ولقيسست بهسسا أيضاً خطيبهسسا الصسسالح الحاج
الفاضسل أبسا إسسحاق إبراهيسم المعروف بالشندرخ ،المتوفسى بعسد ذلك بمدينسة سسل مسن
بلد المغرب ،ولقيت بها جماعة من الصالحين منهم عبد ال الصفار وسواه .وأقمت
ثسسم سسسافرت منهسسا إلى مدينسسة مربلة ،والطريسسق فيمسسا بينهمسسا صسسعب شديسسد الوعورة،
ومربلة بليدة حسسنة خصسبة .ووجدت بهسا جماعسة مسن الفرسسان متوجهيسن إلى مالقسة،
فأردت التوجه في صحبتهم .ثم إن ال تعالى عصمني بفضله فتوجهوا قبلي ،فأسروا
فسي الطريسق ،كمسا سسنذكره .وخرجست فسي أثرهسم ،فلمسا جاوزت حوز مربلة ،ودخلت
فسسي حوز سسسهيل ،مررت بفرس ميسست فسسي بعسسض الخنادق ،ثسسم مررت بقفسسة حوات
مطروحسسة بالرض ،فرابنسسي ذلك ،وكان أمامسسي برج الناظور .فقلت فسسي نفسسسي :لو
ظهسر هسا هنسا عدو لنذر بسه صساحب البرج .ثسم تقدمست إلى دار هنالك ،فوجدت فرسساً
مقتولً .فبينمسا أنسا هنالك ،إذا سسمعت الصسياح مسن خلفسي ،وكنست قسد تقدمست أصسحابي،
فعدت إليهسسم ،فوجدت معهسسم قائد حصسسن سسسهيل ،فأعلمنسسي أن أربعسسة أجفان للعدو
ظهرت هنالك ،ونزل بعسض عمارتهسا إلى البر .ولم يكسن الناظور .بالبرج ،فمسر بهسم
الفرسسسان الخارجون مسسن مربلة ،وكانوا اثنسسي عشسسر ،فقتسسل النصسسارى أحدهسسم ،وفسسر
واحسد ،وأسسر العشرة .وقتسل معهسم رجسل حوات ،وهسو الذي وجدت قفتسه مطروحسة
بالرض .وأشار علي ذلك القائد بالمبيت معه في موضعه ليوصلني منه إلى مالقة،
فبست عنده بحصسن الرابطسة المنسسوب إلى سسهيل .والجفان المذكورة مرسساة عليسه.
وركب معي بالغد ،فوصلنا إلى مدينة مالقة ،إحدى قواعد الندلس ،وبلدها الحسان
جامعسة بيسن مرافسسق البر والبحسسر ،كثيرة الخيرات والفواكسه .رأيست العنسب يباع فسسي
أسواقها بحساب ثمانية أرطال بدرهم صغير .ورمانها المرسي الياقوتي ل نظير له
في الدنيا .وأما التين واللوز فيجلبان منها ومن أحوازها إلى بلد المشرق والمغرب.
قال ابسن جزي :وإلى ذلك أشار الخطيسب أبسو محمسد عبسد الوهاب بسن علي المالقسي فسي
كسبير السساحة ،شهيسر البركسة ،وصسحنه ل نظيسر له فسي الحسسن ،فيسه أشجار النارنسج
البعيدة .ولمسا دخلت مالقسة ،وجدت قاضيهسا الخطيسب الفاضسل أبسا عبسد ال ابسن خطيبهسا
الفاضسل أبسي جعفسر ابسن خطيبهسا ولي ال تعالى أبسي عبسد ال الطنجالي قاعداً بالجامسع
العظسم ،ومعسه الفقهاء ووجوه الناس ،يجمعون مالً برسسم فداء السسارى الذيسن تقدم
ذكرهسم .فقلت له :الحمسد ل الذي عافانسي ،ولم يجعلنسي منهسم .وأخسبرته بمسا اتفسق لي
بعدهم ،فعجب من ذلك ،وبعث إلي بالضيافة ،رحمه ال .وأضافني أيضاً خطيبها أبو
ثسم سسافرت منهسا إلى مدينسة بلش ،وبينهمسا أربعسة وعشرون ميلً .وهسي مدينسة حسسنة،
بها مسجد عجيب ،وفيها العناب والفواكه والتين ،كمثل ما بمالقة .ثم سافرنا منها
إلى الحمسة ،وهسي بلدة صسغيرة ،لهسا مسسجد بديسع الوضسع عجيسب البناء .وبهسا العيسن
الحارة على ضفسة واديهسا ،وبينهسا وبيسن البلد ميسل أو نحوه .وهنالك بيست لسستحمام
ثم سافرت منها إلى مدينة غرناطة ،قاعدة بلد الندلس ،وعروس مدنها ،وخارجها
ل نظيسر له فسي بلد الدنيسا ،وهسو مسسيرة أربعيسن ميلً ،يخترقسه نهسر شنيسل المشهور،
بهسسا مسسن كسسل جهسسة .ومسسن عجيسسب مواضعهسسا عيسسن الدمسسع ،وهسسو جبسسل فيسسه الرياض
والبسساتين ،ل مثسل لهسا بسسواها .قال ابسن جزي :لول خشيست أن أنسسب إلى العصسبية
لطلت القول في وصف غرناطة ،فقد وجدت مكانه .ولكن ما اشتهر كاشتهارها ،ل
معنسى لطالة القول فيسه .ول در شيخنا أبسي بكر محمسد بسن أحمسد بن شيرين البسستي،
نزيل غرناطة ،حيث يقول:
وكان ملك غرناطسة فسي عهسد دخولي إليها السسلطان أبسا الحجاج يوسسف بن السسلطان
أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر .ولم ألقه بسبب مرض
كان به .وبعثت إلى والدته الحرة الصالحة الفاضلة بدنانير ذهب ارتفقت بها .ولقيت
بغرناطسة جملة مسن فضلئهسا ،منهسم قاضسي الجماعسة بهسا الشريسف البليسغ أبسو القاسسم
محمد بن أحمد بن محمد الحسيني السبتي ،ومنهم فقيهها المدرس الخطيب العالم أبو
عبسد ال محمسد بسن إبراهيسم البيانسي ،ومنهسم قاضيهسا وعالمهسا ومقرئهسا الخطيسب أبسو
سعيد فرج بن قاسم ،الشهير بابن لب ،ومنهم قاضي الجماعة ،نادرة العصر وطرفة
الدهسر أبسو البركات محمسد بسن محمسد بسن إبراهيسم السسلمي البلعبعسي .قدم عليهسا مسن
المرية في تلك اليام ،فوقع الجتماع به في بستان بالفقيه أبي القاسم محمد ابن الفقيه
الكاتسسسسب الجليسسسسل أبسسسسي عبسسسسد ال بسسسسن عاصسسسسم .واقمنسسسسا هنالك يوميسسسسن وليلة.
قال ابن جزي :كنت معهم في ذلك البستان ،ومتعنا الشيخ أبو عبد ال بأخبار رحلته،
وقيدت عنه أسماء العلم الذين لقيهم فيها ،واستفدنا منه الفوائد العجيبة .وكان معنا
جملة مسن وجوه أهسل غرناطسة ،منهسم الشاعسر المجيسد الغريسب الشأن أبسو جعفسر أحمسد
بن رضوان بن عبد العظيم الجذامي .ولهذا الفتى أمر عجيب ،فإنه نشأ بالبادية ،ولم
يطلب العلم ،ول مارس الطلبسة .ثسم إنسه نبسغ بالشعسر الجيسد الذي يندر وقوعسه مسن كبار
الولي أبسي عبسد ال محمسد بسن المحروق ،وأقمست أياماً بزاويتسه التسي بخارج غرناطسة،
وتوجهت معه إلى زيارة الزاوية الشهيرة البركة المعروفة برابطة العقاب ،والعقاب
جبسسل مطسسل على خارج غرناطسسة ،وبينهمسسا نحسسو ثمانيسسة أميال ،وهسسو مجاور لمدينسسة
التيرة الخربسة .ولقيست أيضاً ابسن أخيسه الفقيسه أبسا الحسسن علي بسن أحمسد بسن المحروق
بزاويتسسه المنسسسوبة للجام ،بأعلى ربسسض نجسسد ،مسسن خارج غرناطسسة ،المتصسسل بجبسسل
وبغرناطة جملة من فقراء العجم ،استوطنوها لشبهها ببلدهم .ومنهم الحاج أبو عبد
ال السسمرقندي ،والحاج أحمسد التسبريزي ،والحاج إبراهيسم القونوي ،والحاج حسسين
ثم رحلت من غرناطة إلى الحمة ،ثم إلى بلش ،ثم إلى مالقة ،ثم إلى حصن ذكوان،
وهو حصن حسن كثير المياه والشجار والفواكه ،ثم سافرت منه إلى رندة ،ثم إلى
قريسة بنسي رياح .فأنزلنسي شيخهسا أبسو الحسسن علي بسن سسليمان الرياحسي ،وهسو أحسد
كرماء الرجال وفضلء العيان ،يطعسم الصسادر والوارد ،وأضافنسي ضيافسة حسسنة.
ثم سافرت إلى جبل الفتح ،وركبت البحر في الجفن الذي جزت فيه أولً ،وهو لهل
أصسيل ،فوصسلت إلى سسبتة .وكان قائدهسا إذ ذاك الشيسخ أبسو مهدي عيسسى بسن سسليمان
بسن منصسور ،وقاضيهسا الفقيسه أبسا محمسد الزجندري .ثسم سسافرت منهسا إلى أصسيل،
وأقمست بهسا شهوراً .ثسم سسافرت منهسا إلى مدينسة سسل ،فوصسلت إلى مدينسة مراكسش.
وهسسي مسسن أجمسسل المدن ،فسسسيحة الرجاء ،متسسسعة القطار .كثيرة الخيرات ،بهسسا
الهائلة العجيبة ،صعدتها ،وظهر لي جميع البلد منها .وقد استولى عليه الخراب .فما
وبمراكسش المدرسسة العجيبسة التسي تميزت بحسسن الوضسع وإتقان الصسنعة وهسي مسن
بناء المام مولنسا أميسر المسسلمين أبسي الحسسن رضوان ال عليسه .قال ابسن جزي :فسي
مراكش يقول قاضيها المام التاريخي أبو عبد ال محمد بن عبد الملك الوسي:
مدينسة سسل ،ثسم إلى مدينسة مكناسسة العجيبسة الخضرة النضرة ذات البسساتين والجنات،
المحيطة بها بحائر الزيتون من جميع نواحيها .ثم وصلنا إلى حضرة فاس ،حرسها
ال تعالى ،فوادعست بهسا مولنسا أيده ال ،وتوجهست برسسم السسفر إلى بلد السسودان،
فوصسلت إلى مدينسة سسجلماسة .وهسي مسن أحسسن المدن ،وبهسا التمسر الكثيسر الطيسب،
وتشبههسا مدينسة البصسرة فسي كثرة التمسر .لكسن تمسر سسجلماسة أطيسب ،وصسنف إيرار
منسه ل نظيسر له فسي البلد .ونزلت منهسا عنسد الفقيسه أبسي محمسد البشري ،وهسو الذي
لقيت أخاه بمدينة قنجنفو من بلد الصين .فيا شد ما تباعدا ،فأكرمني غاية الكرام،
ثم سافرت في غرة شهر ال المحرم سنة ثلث وخمسين ،في رفقة مقدمها أبو محمد
يندكان المسسسوفي رحمسسه ال تعالى ،وفيهسسا جماعسسة مسسن تجار سسسجلماسة وغيرهسسم.
فوصسلنا بعسد خمسسة وعشريسن يوماً إلى تغازى ،وضبسط اسسمها " بفتسح التاء المثناة
والغين المعجم وألف وزاي مفتوح أيضاً " ،وهي قرية لخير فيها .ومن عجائبها أن
بناء بيوتهسا ومسسجدها مسن حجارة الملح ،وسسقفها مسن جلول الجمال .ول شجسر بهسا،
إنمسا هسي رمسل فسي معدن الملح ،يحفسر عليسه فسي الرض ،فيوجسد منسه ألواح ضخام
متراكبسة ،كأنهسا قسد نحتست ووضعست تحست الرض ،يحمسل الجمسل منهسا لوحيسن .ول
يسسكنها إل عبيسد مسسوفة ،وهسم الذيسن يحفرون على الملح ،ويتعيشون بمسا يجلب إليهسم
مسسن تمسسر درعسسة وسسسجلماسة ،ومسسن لحوم الجمال ،ومسسن أنلي المجلوب مسسن بلد
السسسودان ،ويصسسل السسسودان مسسن بلدهسسم ،فيحملون منهسسا الملح .ويباع الحمسسل منسسه
بأيوالتن بعشرة مثاقيل إلى ثمانية ،وبمدينة مالي بثلثين مثقالً إلى عشرين ،وربما
ويتبايعون به .وقرية تغازى على حقارتها يتعامل فيها بالقناطير المقنطرة من التبن.
وأقمنا بها عشرة أيام في جهد ،لن ماءها زعاق .وهي أكثر المواضع ذباباً ،ومنها
يرفسع الماء لدخول الصسحراء التسي بعدهسا .وهسي مسسيرة عشرة ،ل ماء فيهسا إل فسي
النادر .ووجدنسا نحسن بهسا ماء كثيرًا فسي غدران أبقاهسا المطسر .ولقسد وجدنسا فسي بعسض
اليام غديراً بيسن تليسن مسن حجارة ،ماؤه عذب ،فتروينسا منسه ،وغسسلنا ثيابنسا .والكمأة
بتلك الصسحراء كثيرة ،ويكثسر القمسل بهسا ،حتسى يجعسل الناس فسي أعناقهسم خيوطًا فيهسا
الزئبق ،فيقتلها .وكنا في تلك اليام نتقدم أمام القافلة ،فإذا وجدنا مكاناً يصلح للرعي
رعينا الدواب به .ولم نزل كذلك حتى ضاع في الصحراء رجل يعرف بابن زيري،
فلم أتقدم بعد ذلك ،ول تأخرت .وكان ابن زيري وقعت بينه وبين ابن خاله ،ويعرف
بابن عدي منازعة ومشاتمة ،فتأخر عن الرفقة ،فضل .فلما نزل الناس ،لم يظهر له
خبر .فأشرت على ابن خاله بأن يكتري من مسوفة ،من يقص أثره لعله يجده فأبى،
وانتدب فسي اليوم الثانسي رجسل مسن مسسوفة دون أجرة لطلبسه ،فوجسد أثره ،وهسو يسسلك
الجادة طوراً ،ويخرج عنهسا تارة ،ولم يقسع له على خسبر .ولقسد لقينسا قافلة فسي طريقنسا،
فأخبرونسسا أن بعسسض رجال انقطعوا عنهسسم .فوجدنسسا أحدهسسم ميتاً تحسست شجيرة مسسن
أشجار الرمسسل ،وعليسسه ثيابسسه ،وفسسي يده سسسوط .وكان الماء على نحسسو ميسسل منسسه .ثسسم
وصسسلنا إلى تاسسسرهل " بفتسسح التاء المثناة والسسسين المهمسسل والراء وسسسكون الهاء "،
وهسي احسساء ماء ،تنزل القوافسل عليهسا ،ويقيمون ثلثسة أيام .فيسستريحون ويصسلحون
أسسقيتهم ويملونهسا بالماء ويخيطون عليهسا التلليسس خوف الريسح ،ومن هنالك يبعسث
التكشيف.
ذكر التكشيف
التكشيسف اسسم لكسل رجسل مسن مسسوفة يكتريسه أهسل القافلة ،فيتقدم إلى أيوالتسن يكتسب
الناس إلى أصحابهم بها ،ليكتروا لهم الدور ،ويخرجون للقائهم بالماء ،مسيرة أربع.
ومسسن لم يكسسن له صسساحب بأيوالتسسن ،كتسسب إلى مسسن شهسسر بالفضسسل مسسن التجار بهسسا،
فيشاركسه فسي ذلك .وربمسا هلك التكشيسف فسي هذه الصسحراء ،فل يعلم أهسل أيوالتسن
بالقافلة ،فيهلك أهلهسسا ،أو الكثيسسر منهسسم .وتلك الصسسحراء كثيرة الشياطيسسن ،فإن كان
التكشيسف منفرداً لعبست بسه ،واسستهوته حتسى يضسل عسن قصسده فيهلك ،إذ ل طريسق
يظهر بها ول أثر ،إنما هي رمال تسفيها الريح ،فترى جبالً من الرمل في مكان ،ثم
تراها قد انتقلت إلى سواه ،والدليل هنالك من كثر تردده ،وكان له قلب ذكي .ورأيت
مسن العجائب أن الدليسل الذي كان لنسا هسو أعور العيسن الواحدة ،مريسض الثانيسة ،وهسو
أعرف الناس بالطريسق .واكترينسا التكشيسف فسي هذه السسفرة بمائة مثقال مسن الذهسب،
وهو من مسوفة .وفي ليلة اليوم السابع رأينا نيران الذين خرجوا للقائنا ،فاستبشرنا
بذلك .وهذه الصحراء منيرة مشرقة ،ينشرح الصدر فيها ،وتطيب النفس .وهي آمنة
مسن السسراق .والبقسر الوحشيسة بهسا كثيراً ،يأتسي القطيسع منهسا حتسى يقرب مسن الناس
فيصسسطادونه بالكلب والنشاب .لكسسن لحمهسسا يولد أكله العطسسش ،فيتحاماه كثيسسر مسسن
الناس لذلك .ومسسن العجائب أن هذه البقرة إذا قتلت ،وجسسد فسسي كروشهسسا الماء .ولقسسد
رأيت أهل مسوفة يعصرون الكرش منها ،ويشربون الماء الذي فيه .والحيات أيضاً
وكان فسسي القافلة تاجسسر تلمسسساني يعرف بالحاج زيان .ومسسن عادتسسه أن يقبسسض على
الحيات ،ويعبسث بهسا .وكنست أنهاه عسن ذلك ،فل ينتهسي .فلمسا كان ذات يوم أدخسل يده
في حجر ضب ليخرجه ،فوجد مكانه حية ،فأخذها بيده .وأراد الركوب ،فلسعته في
سبابته اليمنى ،وأصابه وجع شديد .فكويت يده ،وزاد ألمه عشي النهار ،فنحر جملً
وأدخسل يده في كرشه وتركها كذلك ليلة ،ثم تناثر لحم إصبعه ،فقطعها من الصسل.
وأخبرنسا أهسل مسسوفة ان تلك الحيسة كانست قسد شربست الماء قبسل لسسعه ،ولو لم تكسن
شربت لقتلته .ولما وصل إلينسا الذيسن اسستقبلونا بالماء شربت خيلنا .ودخلنا صحراء
شديدة الحر ،ليست كالتي عهدنا .وكنا نرحل بعد صلة العصر ،ونسري الليل كله
وننزل عند الصباح .وتأتي الرجال من مسوفة وبردامة وغيرهم بأحمال الماء للبيع.
ثم وصلنا إلى مدينة إيوالتن في غرة شهر ربيع الول ،بعد سفر شهرين كاملين من
سجلماسة .وهي أول عمالة السودان ،ونائب السلطان بها فربا حسين ،وفربا " بفتح
الفاء وسسكون الواو وفتسح الباء الموحدة " ومعناه النائب .ولمسا وصسلناها جعسل التجار
أمتعتهسم فسي رحبسة ،وتكفسل لسسودان بحفظهسا ،وتوجهوا إلى الفربسا ،وهسو جالس على
بسساط فسي سسقيف ،أعوانسه بيسن يديسه بأيديهسم الرماح والقسسي ،وكسبراء مسسوفة مسن
ورائه .ووقف التجار بين يديه ،وهو يكلمهم بترجمان على قربهم منه ،احتقاراً لهم.
فعند ذلك ندمت على قدومي بلدهم ،لسوء أدبهم ،واحتقارهم للبيض .وقصدت دار
ابسن بداء ،وهسو رجسل فاضسل مسن أهسل سسل ،كنست كتبست له أن يكتري لي داراً ،ففعسل
ذلك .ثسم إن مشرف أيوالتسن ،ويسسمى منشاجسو " ،بفتسح الميسم وسسكون النون وفتسح
الشين المعجم والف وجيم مضموم وواو " استدعى من جاء في القافلة إلى ضيافته،
فأبيست حضور ذلك .فعزم الصسحاب علي أشسد العزم ،فتوجهست فيمسن توجسه .ثسم أتسي
بالضيافسة ،وهسي جريسش أنلي مخلوطاً بيسسير عسسل ولبسن ،قسد وضعوه فسي نصسف
قرعسة صسيروه شبسه الجفنسة ،فشرب الحاضرون وانصسرفوا .فقلت لهسم :ألهذا دعانسا
السود ? قالوا :نعم ،وهي الضيافة الكبيرة عندهم .فأيقنت حينئذ أن ل خير يرتجى
منهسم ،وأردت أن أسسافر مسع حجاج أيوالتسن ،ثسم ظهسر لي أن أتوجسه لمشاهدة حضرة
ملكهسم .وكانست إقامتسي بأيوالتسن نحسو خمسسين يوماً .وأكرمنسي أهلهسا ،وأضافونسي.
منهسسم قاضيهسسا محمسسد بسسن عبسسد ال بسسن ينومسسر ،وأخوه الفقيسسه المدرس يحيسسى .وبلدة
أيوالتن شديدة الحر ،وفيها يسير نخيلت ،يزرعون في ظللها البطيخ .وماؤهم من
أحسساء بها ،ولحسم الضأن كثيسر بهسا .وثياب أهلها حسسان مصسرية ،وأكثر السسكان بهسا
وشأن هؤلء القوم عجيسسب ،وأمرهسسم غريسسب ،فأمسسا رجالهسسم فل غيرة لديهسسم ،ول
ينتسسب أحدهسم إلى أبيسه ،بسل ينتسسب لخاله ،ول يرث الرجسل إل أبناء أختسه دون بنيسه.
وذلك شيء ما رأيته في الدنيا إل عند كفار بلد المليبار من الهنود .وأما هؤلء فهم
مسسسلمون محافظون على الصسسلوات وتعلم الفقسسه وحفسسظ القرآن .وأمسسا نسسساؤهم فل
يحتشمسن مسن الرجال ،ول يحتجبسن مسع مواظبتهسن على الصسلوات .ومسن أراد التزوج
منهسن تزوج ،لكنهسن ل يسسافرن مسع الزوج ،ولو أرادت إحداهسن ذلك لمنعهسا أهلهسا.
والنسسساء هنالك يكون لهسسن الصسسدقاء والصسسحاب مسسن الرجال الجانسسب ،وكذلك
للرجال صسواحب مسن النسساء الجنسبيات .ويدخسل أحدهسم داره ،فيجسد امرأتسه ومعهسا
حكايسة دخلت يوماً على القاضسي بأيوالتسن بعسد إذنسه فسي الدخول ،فوجدت عنده امرأة
صغيرة السن بديعة الحسن ،فلما رأيتها ارتبت وأردت الرجوع ،فضحكت مني ولم
يدركها خجل .وقال لي القاضي :لم ترجع ? إنها صاحبتي .فعجبت من شأنهما ،فإنه
مسسن الفقهاء الحجاج ،واخسسبرت أنسسه اسسستأذن السسسلطان فسسي الحسسج فسسي ذلك العام مسسع
حكايسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة نحوهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا
دخلت يوماً على أبسي محمسد يندكان المسسوفي الذي قدمنسا فسي صسحبته ،فوجدتسه قاعداً
على بسسساط ،وفسسي وسسسط داره سسسرير مظلل ،عليسسه امرأة معهسسا رجسسل قاعسسد ،وهمسسا
يتحدثان .فقلت له :مسسن هذه المرأة ? فقال :هسسي زوجتسسي .فقلت :ومسسن الرجسسل الذي
معها ? فقال :هو صاحبها .فقلت له :أترضى بهذا ? وأنت قد سكنت بلدنا ،وعرفت
أمور الشرع .فقال لي :مصساحبة النسساء للرجال عندنسا على خيسر وأحسسن طريقسة ،ل
تهمة فيها ،ولسن كنساء بلدكم .فعجبت من رعونته ،وانصرفت عنه ،فلم أعد إليه
بعدهسا .واسستدعاني فسي مرات ،فلم أجبسه .ولمسا عزمست على السسفر إلى مالي ،وبينهسا
وبيسن أيوالتسن مسسيرة أربعسة وعشريسن يوماً للمجسد ،اكتريست دليلً مسن مسسوفة ،إذ ل
حاجسة إلى السسفر فسي رفقسة إل مسن تلك الطريسق ،وخرجست فسي ثلثسة مسن أصسحابي.
وتلك الطريسسق كثيرة الشجار ،وأشجارهسسا عاديسسة ضخمسسة ،تسسستظل القافلة بظسسل
الشجرة منها ،وبعضها ل أغصان لها ول ورق ،لكن ظل جسدها بحيث يستظل به
النسسان ،وبعسض تلك الشجار قسد اسستأسن داخلهسا ،واسستنقع فيسه ماء المطسر ،فكأنهسا
بئر ،ويشرب الناس من الماء الذي فيها .ويكون في بعضها النحل والعسل ،فيشتاره
الناس منها .ولقد مررت بشجرة منها .فوجدت في داخلها رجلً حائكاً ،قد نصب بها
مرمتسسه ،وهسسو ينسسسج .فعجبسست منسسه .قال ابسسن جزي :إن ببلد الندلس شجرتيسسن مسسن
شجر القسطل ،في جوف كل واحدة منهما حائك ،ينسج الثياب إحداهما بسندا وادي
وفسي أشجار هذه الغابسة التسي بيسن أيوالتسن ومالي مسا يشبسه ثمرة الجاص ،والتفاح
والخوخ والمشمسش ،وليسست بهسا .وفيهسا أشجار تثمسر شبسه الفقوس ،فإذا طاب انفلق
عن شيء شبه الدقيق ،فيطبخونه ويأكلونه ،ويباع بالسواق .ويستخرجون من هذه
الرض حبات كالفول ،فيقلونهسا ويأكلونهسا ،وطعمهسا كطعسم الحمسص المقلو .وربمسا
طحنوها وصنعوا منها شبه السفنج ،وقلوه بالغرتي ،والغرتي " بفتح الغين المعجم
وسسسسكون الراء وكسسسسر التاء المثناة " هسسسو ثمسسسر كالجاص ،شديسسسد الحلوة مضسسسر
بالبيضان إذا أكلوه ،ويدق عظمسه ،فيسستخرج منسه زيست لهسم فيسه منافسع ،فمنهسا أنهسم
يطبخون بسه ،ويسسرجون السسرج ويقلون بسه هذا السسفنج ،ويدهنون بسه ،ويخلطونسه
بتراب عندهسم ،ويسسطحون بسه الدور ،كمسا تسسطح بالجيسر .وهسو عندهسم كثيسر متيسسر،
ويحمسل مسن بلد إلى بلد فسي قرع كبار ،تسسع القرعسة منهسا قدر مسا تسسعه القلة ببلدنسا.
والقرع ببلد السسسودان يعظسسم ،ومنسسه يصسسنعون الجفان .يقطعون القرعسسة نصسسفين،
فيصسسنعون منهسسا جفنتيسسن ،وينقشونهسسا نقشاً حسسسناً .وإذا سسسافر أحدهسسم يتبعسسه عسسبيده
وجواريسسه ،يحملون فرشسسه وأوانيسسه التسسي يأكسسل ويشرب فيهسسا ،وهسسي مسسن القرع.
والمسسافر بهذه البلد ل يحمسل زاداً ول إداماً ول ديناراً ول درهماً .إنمسا يحمسل قطسع
الملح ،وحلي الزجاج الذي يسسميه الناس النظسم ،وبعسض السسلع العطريسة .وأكثسر مسا
يعجبهسم منهسا القرنفسل والمصسطكي وتاسسرغنت ،وهسو بخورهسم ،فإذا وصسل قريسة،
جاءت نسسساء السسسودان بأنلي واللبسسن والدجاج ودقيسسق النبسسق والرز والفونسسي ،وهسسو
كحسب الخردل يصسنع مسن الكسسكسو ،والعصسيدة ،ودقيسق اللوبيسا ،فيشتري منهسن مسا
أحسب مسن ذلك .إل أن الرز يضسر أكله بالبيضان ،والفونسي خيسر منسه .وبعسد مسسيرة
عشرة أيام مسن أيوالتسن وصسلنا إلى قريسة زاغري " وضبطهسا بفتسح الزاي والغيسن
المعجم وكسر الراء " ،وهي قرية كبيرة يسكنها تجار السودان ،ويسمون ونجراته "
بفتح الواو وسكون النون وفتح الجيم والراء والف وتاء مثناة وتاء تأنيث " ،ويسكن
" بفتسح الصساد المهمسل والغيسن المعجسم الول والنون وضسم الغيسن الثانسي وواو "،
والسنيون المالكيون من البيض يسمون عندهم توري " بضم التاء المثناة وواو وراء
بفتسح الكاف وسسكون الراء وفتسح السسين المهمسل وضسم الخاء المعجسم وواو " ،والنيسل
ينحدر منهسسا إلى كابرة " بفتسسح الباء الموحدة والراء " ،ثسسم إلى زاغسسة " بفتسسح الزاي
والغيسن المعجسم " ،ولكابرة وزاغسة سسلطانان يؤديان الطاعسة لملك مالي .وأهسل زاغسة
قدماء في السلم .ولهم ديانة وطلب للعلم ،ثم ينحدر النيل من زاغة إلى تنبكتو ،ثم
إلى كوكسسو ،وسسسنذكرهما ،ثسسم إلى بلدة مولي " بضسسم الميسسم وكسسسر اللم " مسسن بلد
الليمييسن ،وهسي آخسر عمالة مالي ،ثسم إلى يوفسي واسسمها " بضسم الياء آخسر الحروف
وواو مكسورة " ،وهي من أكبر بلد السودان ،وسلطانها من أعظم سلطينهم .ول
يدخلهسا البيسض مسن الناس ،لنهسم يقتلونسه قبسل الوصسول إليهسا ،ثسم ينحدر إلى بلد
النوبسة ،وهسم على دين النصسراينة ،ثسم إلى دنقلة ،وهسي أكسبر بلدهسم " وضبطهسا ضسم
الدال والقاف وسسكون النون بينهمسا وفتسح اللم " ،وسسلطانها يدعسي بابسن كنسز الديسن،
أسلم على أيام الملك الناصر ،ثم ينحدر إلى جنادل ،وهي آخر عمالة السودان ،وأول
عمالة أسوان من صعيد مصر ،ورأيت التمساح بهذا الموضع من النيل بالقرب من
السسساحل ،كأنسسه قارب صسسغير .ولقسسد نزلت يوماً إلى النيسسل لقضاء حاجسسة ،فإذا بأحسسد
السسودان قسد جاء ،ووقسف فيمسا بينسي وبيسن النهسر .فعجبست مسن سسوء أدبسه .وقلة حيائه،
وذكرت ذلك لبعض الناس فقال :إنما يفعل ذلك خوفاً عليك من التمساح ،فحال بينك
وبينسه .ثسم سسرنا مسن كارسسخو فوصسلنا إلى نهسر صسنصرة " بفتسح الصسادين المهمليسن
والراء وسسكون النون " ،وهسو على نحسو عشرة أميال مسن مالي .وعادتهسم أن يمنسع
الناس من دخولها إل بإذن .وكنت كتبت قبل ذلك لجماعة البيضان ،وكبيرهم محمد
بسسن الفقيسسه الجزولي ،وشمسسس الديسسن بسسن النقويسسش المصسسري ،ليكتروا لي داراً ،فلمسسا
وصلت إلى النهر المذكور ،جزت في المعدية ،ولم يمنعني أحد ،فوصلت إلى مدينة
مالي حضرة ملك السسسسودان ،فنزلت عنسسسد مقبرتهسسسا ،ووصسسسلت إلى محلة البيضان،
وقصسسدت محمسسد بسن الفقيسسه ،فوجدتسسه قسسد اكترى لي داراً إزاء داره ،فتوجهسست إليهسا.
وجاء صسهره الفقيسه المقرئ عبسد الواحسد بشمعسة وطعام ،ثسم جاء ابسن الفقيسه إلي مسن
الغسد وشمسس الديسن بن النقويسش ،وعلي الزودي المراكشسي ،وهسو مسن الطلبسة ،ولقيست
القاضسسي بمالي عبسسد الرحمسسن ،جاءنسسي وهسسو مسسن السسسودان ،حاج فاضسسل ،له مكارم
أخلق ،بعث إلي بقرة في ضيافته .ولقيت الترجمان دوغا " بضم الدال وواو وغين
معجم " ،وهو من أفاضل السودان وكبارهم ،وبعث إلي بثور ،وبعث إلي الفقيه عبد
الواحسسد غرارتيسسن مسسن الفونسسي ،وقرعسسة مسسن الغرتسسي ،وبعسسث إلي ابسسن الفقيسسه الرز
والفونسسي ،وبعسسث إلي شمسسس الديسسن ضيافسسة وقاموا بحقسسي أتسسم قيام .شكسسر ال حسسسن
أفعالهسم .وكان ابسن الفقيسه متزوجاً ببنست عسم السسلطان ،فكانست تتفقدنسا بالطعام وغيره.
وأكلنا بعد عشرة أيام من وصولنا عصيدة تصنع شيء شبه القلقاس ،يسمى القافي "
بقاف والف وفاء " ،وهسسسسي عندهسسسسم مفضلة على سسسسسائر الطعام .فأصسسسسبحنا جميعاً
مرضسسى ،وكنسسا سسستة .فمات أحدنسسا ،وذهبسست أنسسا لصسسلة الصسسبح ،فغشسسي علي فيهسسا،
وطلبسست مسسن بعسسض المصسسريين دواء مسسسهلً فأتسسى بشيسسء يسسسمى بيدر " بفتسسح الباء
الموحدة وتسكين الياء آخر الحروف وفتح الدال المهمل وراء " ،وهو عروق نبات،
وخلطه بالنيسون والسكر ،ولته بالماء فشربته ،وتقيأت ما أكلته مع صفراء كثيرة.
وهسو السسلطان منسسى سسليمان ،ومنسسى " بفتسح الميسم وسسكون النون وفتسح السسين
المهمل " معناه السلطان ،وسليمان اسمه وهو ملك بخيل ل يرجى منه كبير عطاء،
واتفسق أنسي أقمست هذه المدة ولم أره بسسبب مرضسي ،ثسم إنسه صسنع له طعاماً برسسم
عزاء مولنسسا أبسسي الحسسسن رضسسي ال عنسسه ،واسسستدعى المراء والفقهاء والقاضسسي
والخطيب ،وحضرت معهم فأتوا بالربعات وختم القرآن ،ودعوا لمولنا أبي الحسن
رحمسه ال ،ودعوا المنسسى سسليمان ،ولمسا فرغ مسن ذلك ،تقدمست فسسلمت على منسسى
سسليمان ،وأعلمسه القاضسي والخطيسب وابسن الفقيسه بحالي ،فأجابهسم بلسسانهم فقالوا لي:
ولما انصرفت بعث إلي الضيافة فوجهت إلى دار القاضي ،وبعث القاضي بها مع
رجاله إلى دار ابسن الفقيسه .فخرج ابسن الفقيسه مسن داره مسسرعاً ،حافسي القدميسن ،فدخسل
علي وقال :قم ،قد جاءك قماش السلطان وهديته .فقمت ،وظننت أنها الخلع والموال
فإذا هسي ثلثسة أقراص مسن الخبسز وقطعسة لحسم بقري مقلو بالغرتسي وقرعسة فيهسا لبسن
رائب ،فعندمسا رأيتهسا ضحكست ،وطال تعجسبي مسن ضعسف عقولهسم ،وتعظيمهسم لهذا
الشيء الحقير.
ذكر كلمي للسلطان بعد ذلك وإحسانه إلي
وأقمت بعد بعث هذه الضيافة شهرين ،لم يصل إلي فيهما شيء من قبل السلطان.
ودخسل شهسر رمضان ،وكنست خلل ذلك أتردد إلى المشور ،وأسسلم عليسه ،وأقعسد مسع
القاضسي والخطيسب ،فتكلمست مسع دوغسا الترجمان ،فقال :تكلم عنده ،وأنسا أعسبر عنسك
بمسسا يجسسب فجلس فسسي أوائل رمضان ،وقمسست بيسسن يديسسه ،وقلت له إنسسي سسسافرت بلد
الدنيسا ،ولقيست ملوكهسا ،ولي ببلدك أربعسة أشهسر ،ولم تضفنسي ،ول أعطيتنسي شيئاً.
فماذا أقول عنسك عنسد السسلطين ? فقال :إنسي لم أرك ،ول علمست بسك فقام القاضسي
وابن الفقيه فردا عليه ،وقال :إنه قد سلم عليك ،وبعثت إليه الطعام فأمر لي عند ذلك
بدار أنزل بها ،ونفقة تجري علي ثم فرق على القاضي والخطيب والفقهاء مالً ،ليلة
سسبع وعشريسن مسن رمضان ،يسسمونه الزكاة وأعطانسي معهسم ثلثسة وثلثيسن مثقالً
وله قبسة مرتفعسة بابهسا بداخسل داره ،يقعسد فيهسا أكثسر الوقات ولهسا مسن جهسة المشور
طبقات ثلث مسسن الخشسسب ،مغطاة بصسسفائح الفضسسة ،وتحتهسسا ثلث مغشاة بصسسفائح
الذهب ،أو هي فضة مذهبة ،وعليها ستور ملف فإذا كان يوم جلوسه بالقبة ،رفعت
السستور فعلم أنسه يجلس .فإذا جلس أخرج من شباك إحدى الطاقات شرابسة حريسر ،قسد
ربسسسط فيهسسسا منديسسسل مصسسسري مرقوم ،فإذا رأى الناس المنديسسسل ،ضربسسست الطبال
والبواق ،ثسسم يخرج مسسن باب القصسسر نحسسو ثلثمائة مسسن العبيسسد ،فسسي أيدي بعضهسسم
القسسي ،وفسي أيدي بعضهسم الرماح الصسغار والدرق ،فيقسف أصسحاب الرماح منهسم
ميمنسة وميسسرة ،ويجلس أصسحاب القسسي كذلك ثسم يؤتسى بفرسسين مسسرجين ملجميسن،
وعنسد جلوسسه يخرج ثلثسة مسن عسبيده مسسرعين ،فيدعون نائبسه قنجاه موسسى وتأتسي
الفراريسسسة " بفتسسسح الفاء " ،وهسسسم المراء ،ويأتسسسي الخطيسسسب والفقهاء ،فيقعدون أمام
السسسلحدارية يمنسسة ويسسسرة فسسي المشور ،ويقسسف دوغسسا الترجمان على باب المشور،
وعليه الثياب الفاخرة من الزردخانة وغيرها ،وعلى رأسه عمامة ذات حوا شٍ ،لهم
فسي تعميمهسا صسنعة بديعسة ،وهسو متقلد سسيفاً غمده مسن الذهسب ،وفسي رجليسه الخسف
والمهاميسسز ،ول يلبسسس أحسسد ذلك اليوم خفاً غيره .ويكون فسسي يده رمحان صسسغيران
ويجلس الجناد والولة والفتيان ومسسوفة وغيرهسم خارج المشور ،فسي شارع هنالك
متسسسع ،فيسسه أشجار وكسسل فراري بيسسن يديسسه أصسسحابه بالرماح والقسسسي والطبال
والبواق ،بوقاتهسم مسن أنياب الفيلة ،وآلت الطرب المصسنوعة مسن القصسب والقرع
وتضرب بالسطاعة ،ولها صوت عجيب وكسل فراري له كنانة قد علقها بين كتفيه،
وقوسه بيده ،وهو راكب فرسه ،وأصحابه بين مشاة وركبان ويكون بداخل المشور
تحست الطيقان رجسل واقسف ،فمسن أراد أن يكلم السسلطان كلم دوغسا ،ويكلم دوغسا لذلك
ويجلس أيضًا فسسي بعسسض اليام بالمشور ،وهنالك مصسسطبة تحسست شجرة لهسسا ثلث
درجات ،يسسمونها البنسبي " بفتسح الباء المعقودة الولى وكسسر الثانيسة وسسكون النون
بينهما " ،وتفرش بالحرير ،ويجعل المخاد عليها ،ويرفع الشطر ،وهو شبه قبة من
الحرير ،وعليه طائر من ذهب على قدر البازي ،ويخرج السلطان من باب في ركن
القصر ،وقوسه بيده ،وكنانته بين كتفيه ،وعلى رأسه شاشية ذهب ،مشدودة بعصابة
ذهسب ،لهسا أطراف مثسل السسكاكين رقاق ،طولهسا أزيسد مسن شسبر ،وأكثسر لباسسه جبسة
حمراء موبرة ،من الثياب الرومية التي تسمى المطنفس ،ويخرج بين يديه المغنون،
بأيديهسسم قنابر الذهسسب والفضسسة ،وخلفسسه نحسسو ثلثمائة مسسن العبيسسد أصسسحاب السسسلح.
ويمشسي مشياً رويداً ،ويكثسر التأنسي وربمسا وقسف ،فإذا وصسل إلى البنسبي وقسف ينظسر
في الناس ،ثم يصعد برفق ،كما يصعد الخطيب المنبر وعند جلوسه تضرب الطبول
والبواق والنفار ،ويخرج ثلثسسة مسسن العبيسسد مسسسرعين ،فيدعون النائب والفراريسسة،
فيدخلون ويجلسسسون ويؤتسسى بالفرسسسين والكبشيسسن معهمسسا ،ويقسسف دوغسسا على الباب،
والسسودان أعظسم الناس تواضعاً لملكهسم ،وأشدهسم تذللً له ويحلفون باسسمه فيقولون:
منسسى سسليمان كسي ،فإذا دعسا بأحدهسم عنسد جلوسسه بالقبسة لتسي ذكرناهسا ،نزع المدعسو
ثيابسه ،ولبسس ثياباً خلقسة ،ونزع عمامتسه ،وجعسل شاشسسة وسسخة ،ودخسل رافعاً ثيابسه
وسسسراويله إلى نصسف سسساقه ،وتقدم بذلة ومسسكنة ،وضرب الرض بمرفقيسه ضرباً
وإذا كلم أحدهسم السسلطان ،فرد عليسه جوابسه ،كشسف ثيابسه عسن ظهره ،ورمسى بالتراب
على رأسسه وظهره ،كمسا يفعسل المغتسسل بالماء ،وكنست أعجسب منهسم ،كيسف ل تعمسى
أعينهسسم .وإذا تكلم السسسلطان فسسي مجلسسسه بكلم ،وضسسع الحاضرون عمائمهسسم عسسن
رؤوسسهم ،وأنصستوا للكلم ،وربمسا قام أحدهسم بيسن يديسه ،فيذكسر أفعاله فسي خدمتسه،
ويقول :فعلت كذا يوم كذا ،وقتلت كذا يوم كذا ،فيصسدقه مسن علم ذلك وتصسديقهم أن
ينزع أحدهسسم وتسسر قوسسسهم ،ثسسم يرسسسلها ،كمسسا يفعسسل إذا رمسسى ،فإذا قال له السسسلطان:
صسسدقت ،أو شكره ،نزع ثيابسسه وترب وتربسسع ،وذلك عندهسسم مسسن الدب .قال ابسسن
جزي ،وأخبرني الصاحب العلمة الفقيه أبو القاسم بن رضوان أعزه ال أنه لما قدم
الحاج موسى الونجراتي رسولً من منسى سليمان إلى مولنا أبي الحسن رضي ال
عنه ،كان إذا دخل المجلس الكريم ،حمل بعض ناسه معه قفة تراب فيترب لهما قال
وحضرت بمالي عيدي الضحى والفطسر فخرج الناس إلى المصلى ،وهو بمقربسة
مسن قصسر السسلطان ،وعليهسم الثياب البيسض الحسسان ،وركسب السسلطان ،وعلى رأسسه
الطيلسسان والسسودان ل يلبسسون الطيلسسان إل فسي العيسد ،مسا عدا القاضسي والخطيسب
والفقهاء ،فإنهسم يلبسسونه فسي سسائر اليام وكانوا يوم العيسد بيسن يدي السسلطان ،وهسم
يهللون ويكسبرون ،وبيسن يديسه العلمات الحمسر مسن الحريسر ،ونصسب عنسد المصسلى
خباء فدخسل السسلطان إليسه وأصسلح مسن شأنسه ثسم خرج إلى المصسلى ،فقضيست الصسلة
والخطبة ،ثم نزل الخطيب ،وقعد بين يدي السلطان ،وتكلم بكلم كثير وهنالك رجل
بيده رمسسح ،يسسبين للناس بلسسسانهم كلم الخطيسسب ،وذلك وعسسظ وتذكيسسر وثناء على
السلطان ،وتحريض على لزوم طاعته ،وأداء حقه .ويجلس السلطان في أيام الهيدين
بعسد العصسر على البنسبي ويأتسي السسلحدارية بالسسلح العجيسب مسن تراكسش الذهسب
والفضسة والسسيوف المحلة بالذهسب وأغمادهسا منسه ورماح الذهسب والفضسة ودبابيسس
البلور ،ويقف على رأسه أربعة من المراء ،يشردون الذباب ،وفي أيديهم حلية من
الفضة ،تشبه ركاب السرج ويجلس الفرارية والقاضي والخطيب على العادة ،ويأتي
دوغسا الترجمان بنسسائه الربسع وجواريسه ،وهسن نحسو مائة عليهسن الملبسس الحسسان،
وعلى رؤوسهن عصائب الذهب والفضة ،فيها مفاتيح ذهب وفضة ،وينصب لدوغا
كرسسي يجلس عليسه ،ويضرب باللة التسي هسي مسن قصسب ،وتحتهسا قريعات ويغنسي
بشعسر يمدح السسلطان فيسه ،ويذكسر غزواتسه وأفعاله ،ويغنسي النسساء والجواري معسه،
ويلعبسن بالقسسي ،ويكون معسه نحسو ثلثيسن مسن غلمانسه ،عليهسم جباب الملف والحمسر،
وفي رؤوسهم الشواشي البيض وكل واحد منهم متقلد طبله يضربه ثم يأتي أصحابه
مسن الصسبيان ،فيلعبون ويتقلبون فسي الهواء كمسا يفعسل السسندي ،ولهسم فسي ذلك رشاقسة
وخفسة بديعسة ،ويلعبون بالسسيوف أجمسل لعبٍس ويلعسب دوغسا بالسسيف لعباً بديعاً .وعنسد
ذلك يأمسر السسلطان له بالحسسان ،فيأتسي بصسرة فيهسا مائتسا مثقال مسن التسبر ،وينثسر مسا
فيهسا على رؤوس الناس وتقوم الفراريسة ،فينزعون فسي قسسيهم شكرًا للسسلطان وبالغسد
يعطى كل واحد منهم لدوغا عطاء على قدره وفي كل يوم جمعة بعد العصر ،يفعل
وإذا كان يوم عيد ،وأتم دوغا لعبه ،جاء الشعراء ،ويسمون الجل " بضم الجيم "،
وأحدهم جالي ،وقد دخل كل واحد منهم في جوف صورة مصنوعة من الريش تشبه
الشقشاق ،وجعسل لهسا رأس مسن الخشسب له منقار أحمسر كأنسه رأس الشقشاق ،ويقفون
بيسن يدي السسلطان بتلك الهيئة المضحكسة ،فينشدون أشعارهسم .وذكسر لي أن شعرهسم
نوع مسسن الوعسسظ ،يقولون فيسسه للسسسلطان :إن هذا البنسسبي الذي عليسسه جلس فوقسسه مسسن
الملوك فلن ،وكان مسن حسسن أفعاله كذا ،وفلن كان مسن أفعاله كذا ،فافعسل أنست مسن
الخيسر مسا يذكسر بعدك .ثسم يصسعد كسبير الشعراء على درج البنسبي ،ويضسع رأسسه فسي
حجر السلطان ،ثم يصعد إلى أعلى البنبي فيضع رأسه على كتف السلطان اليمن،
ثسم على كتفسه اليسسر ،وهسو يتكلم بلسسانهم ،ثسم ينزل .وأخسبرت أن هذا الفعسل لم يزل
حكاية وحضرت مجلس السلطان في بعض اليام ،فأتى أحد فقهائهم ،وكان قدم من
بلد بعيدة ،وقام بيسسن يدي السسسلطان ،وتكلم كلماً كثيراً فقام القاضسسي فصسسدقه ،ثسسم
صسدقهما السسلطان فوضسع كسل واحسد منهسم عمامتسه عسن رأسسه ،وترب بيسن يديسه وكان
إلى جانسسبي رجسسل مسسن البيضان ،فقال :أتعرف مسسا قالوه ? فقلت :ل أعرف فقال :إن
الفقيسه قسد أخسبر أن الجراد وقسع ببلدهسم ،فخرج أحسد صسلحائهم إلى موضسع الجراد،
فهاله أمره ،فقال :هذا جراد كثيسر .فأجابتسه جرادة منهسا ،وقالت إن البلد التسي يكثسر
فيهسسا الظلم ،يبعثنسسا ال لفسسساد زرعهسسا .فصسسدقه القاضسسي والسسسلطان ،وقال عنسسد ذلك
للمراء :إني برئ من الظلم ،ومن ظلم منكم عاقبته ،ومن علم بظالم ولم يعلمني له،
فذنوب ذلك الظالم فسسي عنقسسه ،وال حسسسيبه وسسسائله .ولمسسا قال هذا الكلم ،وضسسع
حكايسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة
وحضرت الجمعة يوماً فقام أحد التجار من طلبة مسوفة ،ويسمى بأبي حفص ،فقال:
يا أهل المسجد ،أشهدكم أن منسى سليمان في دعوتي إلى رسول ال صلى ال عليه
وسسلم فلمسا قال ذلك ،خرج إليسه جماعسة رجال مسن مقصسورة السسلطان فقالوا له :مسن
ظلمك ? من أخذ لك شيئاً ? فقال :منشاجو أيوالتن ،يعني مشرفها أخذ مني ما قيمته
سستمائة مثقال ،وأراد أن يعطينسي فسي مقابلتسه مائة مثقال خاصسة فبعسث السسلطان إليسه
عنسه للحيسن فحضسر بعسد أيام ،وصسرفها للقاضسي ،فثبست للتاجسر حقسه فأخذه ،وبعسد ذلك
حكايسة واتفسق فسي يوم إقامتسي بمالي أن السسلطان غضسب على زوجتسه الكسبرى بنست
عمسه المدعوة بقاسسا ،ومعنسى قاسسا عندهسم الملكسة وهسي شريكتسه فسي الملك على عادة
السسودان ،ويذكسر اسسمها مسع اسسمه على المنسبر ،وسسجنها عنسد بعسض الفراريسة ،وولى
فسي مكانهسا زوجتسه الخرى بنجسو ،ولم تكسن مسن بنات الملوك فأكثسر الناس الكلم فسي
ذلك ،وأنكروا فعله ،ودخسسل بنات عمسسه على بنجسسو يهنئنهسسا بالمملكسسة ،فجعلن الرماد
على أذرعهن ،ولم يتربن رؤوسهن ثم إن السلطان سرح قاسا من ثقافها فدخل عليها
بنات عمسسه يهنئنهسسا بالسسسراح ،وتربسسن على العادة فشكسست بنجسسو إلى السسسلطان بذلك.
فغضسب على بنات عمسه فخفسن منسه ،واسستجرن بالجامسع فعفسا عنهسن ،واسستدعاهن،
وعادتهسسن إذا دخلن على السسسلطان ،أن يتجردن عسسن ثيابهسسن ،ويدخلن عرايسسا ،ففعلن
ذلك ورضسي عنهسن ،وصسرن يأتيسن باب السسلطان غدواً وعشياً مدة سسبعة أيام وكذلك
يفعل كل من عفا عنه السلطان .وصارت قاسا تركب كل يوم في جواريها وعبيدها،
وعلى رؤوسسهم التراب ،وتقسف عنسد المشور متنقبسة ل يرى وجههسا وأكثسر المراء
الكلم فسي شأنهسا ،فجمعهسم السسلطان فسي المشور وقال لهسم دوغسا على لسسانه :إنكسم قسد
ثسم أتسي بجاريسة مسن جواريهسا مقيدة مغلولة ،فقيسل لهسا :تكلمسي بمسا عندك .فأخسبرت أن
قاسسا بعثتهسا إلى جاطسل ابسن عسم السسلطان الهارب عنسه إلى كنسبرني ،واسستدعته ليخلع
السسلطان عسن ملكسه ،وقالت له :أنسا وجميسع العسساكر طوع أمرك ،فلمسا سسمع المراء
ذلك قالوا :إن هذا ذنسسب كسسبير ،وهسسي تسسستحق القتسسل عليسسه .فخافسست قاسسسا مسسن ذلك
فبدار الخطيسب وكان السسودان يكرهون منسسى سسليمان لبخله ،وكان قبله منسسى مغسا،
وقبسل منسسى مغسا منسسى موسسى ،وكان كريماً فاضلً يحسب البيضان ويحسسن إليهسم،
وهو الذي أعطى لبي إسحاق الساحلي في يوم واحد أربعة آلف مثقال ،وأخبرني
بعض الثقات أنه أعطى لمدرك بن فقوص ثلثة آلف مثقال في يوم واحد وكان جده
حكاية وأخبرني الفقيه مدرك هذا أن رجلً من أهل تلمسان ،يعرف بابن شيخ اللبن،
كان قد أحسن إلى السلطان منسى موسى في صغره بسبعة مثاقيل وثلث ،وهو يومئذ
صسبي غيسر معتسبر ،ثسم اتفسق أن جاء إليسه فسي خصسومة ،وهسو سسلطان ،فعرفسه ،وأدناه
منسه ،حتسى جلس معسه على البنسبي ،ثسم قرره على فعله معسه ،وقال للمراء :مسا جزاء
مسن فعسل مسا فعله مسن الخيسر ? فقالوا له الحسسنة بعشسر أمثالهسا ،فأعطسه سسبعين مثقالً،
فأعطاه عنسسد ذلك سسسبعمائة مثقال وكسسسوة وعسسبيداً وخدماً ،وأمره أن ل ينقطسسع عنسسه،
وأخسسبرني بهذه الحكايسسة أيضاً ولد ابسسن شيسسخ اللبسسن المذكور ،وهسسو مسسن الطلبسسة يعلم
القرآن بمالي.
فمسن أفعالهسم الحسسنة قلة الظلم فهسم أبعسد الناس عنسه ،وسسلطانهم ل يسسامح أحداً فسي
شيسء منسه .ومنهسا شمول المسن فسي بلدهسم ،فل يخاف المسسافر فيهسا ول المقيسم مسن
سارق ول غاصب .ومنها عدم تعرضهم لمال من يموت ببلدهم من البيضان ،ولو
كان القناطيسر المقنطرة ،إنمسا يتركونسه بيسد ثقسة مسن البيضان ،حتسى يأخذه مسستحقه،
ومنها مواظبتهسم للصلوات ،والتزامهسم لها فسي الجماعات ،وضربهم أولدهسم عليها،
وإذا كان يوم الجمعسسة ،ولم يبكسسر النسسسان إلى المسسسجد ،لم يجسسد أيسسن يصسسلي لكثرة
الزحام .ومسن عادتهسسم أن يبعسسث كسسل إنسسسان غلمسسه بسسسجادته ،فيبسسسطها له بموضسسع
يستحقه بها ،حتى يذهب إلى المسجد ،وسجاداتهم من سعف شجر يشبه النخل ،ول
ثمسر له ،ومنهسا لباسسهم الثياب البيسض الحسسان يوم الجمعسة ،ولو لم يكسن لحدهسم إل
قميسص خلق غسسله ونظفسه وشهسد بسه الجمعسة ،ومنهسا عنايتهسم بحفسظ القرآن العظيسم،
وهسم يجعلون لولدهسم القيود إذا ظهسر فسي حقهسم التقصسير فسي حفظسه ،فل تفسك عنهسم
حتسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسى يحفظوه.
ولقسد دخلت على القاضسي يوم العيسد ،وأولده مقيدون ،فقلت له :أل تسسرحهم ? فقال:
ل أفعسل حتسى يحفظوا القرآن ،ومررت يوماً بشاب منهسم حسسن الصسورة ،عليسه ثياب
فاخرة ،وفسي رجله قيسد ثقيسل .فقلت لمسن كان معسي ،مسا فعسل هذا ? أقتسل ? ففهسم عسن
الشاب وضحسك وقيسل لي :إنمسا قيسد حتسى يحفسظ القرآن .ومسن مسساوئ أفعالهسم كون
الخدم والجواري والبنات الصسغار يظهرن للناس عرايسا باديات العورات .ولقسد كنست
أرى في رمضان كثيراً منهن على تلك الصورة .فإن عادة الفرارية أن يفطروا بدار
السسلطان ،ويأتسي كسل واحسد منهسم بطعامسه ،تحمله العشرون فمسا فوقهسن مسن جواريسه،
وهن عرايا .ومنها دخول النساء على السلطان عرايا غير مستترات ،وتعري بناته،
ولقد رأيت في ليلة سبع وعشرين من رمضان نحو مائة جارية خرجن بالطعام من
قصسسره عرايسسا ،ومعهسسن بنتان له ناهدان ليسسس عليهمسسا سسستر ،ومنهسسا جعلهسسم التراب
والرماد على رؤوسسسهم تأدباً ومنهسسا مسسا ذكرتسسه مسسن الضحوكسسة فسسي إنشاد الشعراء،
ومنها أن كثيراً منهم يأكلون الجيف والكلب والحمير.
وكان دخولي إليها في الرابع عشر لجمادى الولى سنة ثلث وخمسين ،وخروجي
عنهسا فسي الثانسي والعشريسن لمحرم سسنة أربسع وخمسسين .ورافقنسي تاجسر يعرف بأبسي
بكسسر ابسسن يعقوب .وقصسسدنا طريسسق ميمسسة .وكان لي جمسسل أركبسسه .لن الخيسسل غاليسسة
الثمان ،يساوي أحدها مائة مثقال ،فوصلنا إلى خليج كبير يخرج من النيل ،ل يجاز
إل فسي المراكسب .وذلك الموضسع كثير البعوض ،فل يمسر أحسد بسه إل بالليل .ووصسلنا
ولما وصلنا الخليج رأيت على ضفته ست عشرة دابة ضخمة الخلقة ،فعجبت منها،
وظننتهسا فيلة لكثرتهسا هنالك .ثسم إنسي رأيتهسا دخلت فسي النهسر .فقلت لبسي بكسر ابسن
يعقوب :ما هذه الدواب ? فقال :هي خيل البحر ،خرجت ترعى في البر ،وهي أغلظ
من الخيل .ولها أعراف وأذناب ،ورؤوسها كرؤوس الخيل ،وأرجلها كأرجل الفيلة.
ورأيست هذه الخيسل مرة أخرى لمسا ركبنسا النيسل مسن تنبكتسو إلى كوكسو ،وهسي تعوم فسي
الماء ،وترفع رؤوسها وتنفخ .وخاف منها أهل المركب فقربوا من البر لئل تغرقهم.
ولهم حيلة في صيدها حسنة ،وذلك أن لهم رماحاً مثقوبة ،قد جعل في ثقبها شرائط
وثيقسة ،فيضربون الفرس منهسا .فإن صسادفت الضربسة رجله أو عنقسه أنفذتسه ،وجذبوه
بالحبسل حتسى يصسل إلى السساحل ،فيقتلونسه ويأكلون لحمسه .ومسن عظامهسا بالسساحل
كثيسر .وكان نزولنسا عنسد هذا الخليسج بقريسة كسبيرة ،عليهسا حاكسم مسن السسودان حاج
فاضسل يسسمى فربامغسا " بفتسح الميسم والغيسن المعجسم " ،وهسو ممسن حسج مسع السسلطان
حكاية أخبرني فربامغا أن منسى موسى لما وصل إلى هذا الخليج ،كان معه قاض
مسن البيضان يكنسى بأبسي العباس ،ويعرف بالدكالي ،فأحسسن إليسه بأربعسة آلف مثقال
لنفقتسه .فلمسا وصسلوا إلى ميمسة ،شكسا إلى السسلطان بأن الربعسة آلف مثقال سسرقت له
مسن داره .فاسستحضر السسلطان أميسر ميمسة ،وتوعده بالقتسل إن لم يحضسر مسن سسرقها.
وطلب الميسسسر السسسسارق فلم يجسسسد أحداً ،ول سسسسارق يكون بتلك البلد .فدخسسسل دار
القاضسي ،واشتسد على خدامسه ،وهددهسم .فقالت له إحدى جواريسه :مسا ضاع له شيسء،
وإنما دفنها بيده في ذلك الموضع ،وأشارت له إلى الموضع .فأخرجها المير ،وأتى
بهسسا السسسلطان ،وعرفسسه الخسسبر ،فغضسسب على القاضسسي ،ونفاه إلى بلد الكفار الذيسسن
يأكلون بنسسي آدم ،فأقام عندهسسم أربسسع سسسنين ،ثسسم رده إلى بلده .وإنمسسا لم يأكله الكفار
لبياضه ،لنهم يقولون :إن أكل البيض مضر ،لنه لم ينضج .والسود هو النضج
بزعمهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسم.
حكايسة قدمست على السسلطان منسسى سسليمان جماعسة مسن هؤلء السسودان الذيسن يأكلون
بنسي آدم ،معهسم أميسر لهسم .وعادتهسم أن يجعلوا فسي آذانهسم أقراطاً كباراً ،وتكون فتحسة
القرط منهسا نصسف شسبر ،ويلتحفون فسي ملحسف الحريسر .وفسي بلدهسم يكون معدن
عليسه أن يفعلوا ذلك .وذكسر لي عنهسم أنهسم يقولون إن أطيسب مسا فسي لحوم الدميات
الكسسف والثدي .ثسسم رحلنسسا مسسن هذه القريسسة التسسي عنسسد الخليسسج ،فوصسسلنا إلى بلدة قري
منسسا ،وقري " بضسم القاف وكسسر الراء " ،ومات لي بهسا الجمسل الذي كنست أركبسه،
فأخسبرني راعيسه بذلك ،فخرجست لنظسر إليسه ،فوجدت السسودان قسد أكلوه كعادتهسم فسي
أكسسل الجيسسف .فبعثسست غلميسسن كنسست اسسستأجرتهما على خدمتسسي ليشتريسسا لي جملً
بزاغري ،وهي على مسيرة يومين .وأقام معي بعض أصحاب أبي بكر ابن يعقوب،
وتوجسسه هسو لينتظرنسا بميمسة .فأقمست سسسبعة أيام ،أضافنسي فيهسسا بعسض الحجاج بهذه
حكاية وفي أيام إقامتي بهذه البلدة رأيت ليلة فيما يرى النائم كأن إنساناً يقول لي :يا
محمد بن بطوطة لماذا ل تقرأ سورة يس في كل يوم ? فمن يومئذ ما تركت قراءتها
كسل يوم ،فسي سسفر ول حضسر .ثسم رحلت إلى بلدة ميمسة " بكسسر الميسم الول وفتسح
ثسم سسافرنا منهسا إلى مدينسة تنبكتسو " وضبسط اسسمها بضسم التاء المعلوة وسسكون النون
وضسم الباء الموحدة وسسكون الكاف وضسم التاء المعلوة الثانيسة وواو " ،وبينهسا وبيسن
النيسل أربعسة أميال .وأكثسر سسكانها مسسوفة أهسل اللثام ،وحاكمهسا يسسمى فربسا موسسى.
حضرت عنده يوماً ،وقد قدم أحد مسوفة أميراً على جماعة ،فجعل عليه ثوبا وعمام
وسسروالً ،كلهسا مصسبوغة ،وأجلسسه على درقسة ،ورفعسه كسبراء قسبيلته على رؤوسسهم.
وبهذه البلدة قسسبر الشاعسسر المفلق أبسسي إسسسحاق السسساحلي الغرناطسسي المعروف ببلده
بالطويجن ،وبها قبر سراج الدين بن الكويك ،أحد كبار التجار من أهل السكندرية.
حكايسة كان السسلطان منسسى موسسى لمسا حسج ،نزل بروض لسسراج الديسن هذا ،ببركسة
الحبسسش خارج مصسسر ،وبهسسا ينزل السسسلطان .واحتاج إلى مال ،فتسسسلفه مسسن سسسراج
الديسن ،وتسسلف منسه أمراؤه أيضاً .وبعسث معهسم سسراج الديسن وكيله يقتضسى المال،
فأقام بمالي .فتوجسسه سسسراج الديسسن بنفسسسه لقتضاء ماله ،ومعسسه ابسسن له .فلمسسا وصسسل
تنبكتسو أضافسه ابسو إسسحاق السساحلي ،فكان مسن القدر موتسه تلك الليلة .فتكلم الناس فسي
ذلك ،واتهموا أنسه سسم .فقال لهسم ولده :إنسي أكلت معسه ذلك الطعام بعينسه .فلو كان فيسه
سسسم لقتلنسسا جميعاً ،لكنسسه انقضسسى أجله .ووصسسل الوالي إلى مالي ،واقتضسسى ماله،
وانصسرف إلى ديار مصسر .ومسن تنبكتسو ركبست النيسل فسي مركب صسغير منحوت مسن
خشبة واحدة .وكنا ننزل كل ليلة بالقرى ،فنشتري ما نحتاج إليه من الطعام والسمن،
بالملح وبالعطريات وبحلي الزجاج .ثم وصلت إلى بلد أنسيت اسمه ،له أمير فاضل
حاج يسسسمى فربسسا سسسليمان ،مشهور بالشجاعسسة والشدة .ل يتعاطسسى أحسسد النزع فسسي
قوسسه ،ولم أر فسي السسودان أطول منسه ول أضخسم جسسماً ،واحتجست بهذا البلدة إلى
شيء من الذرة ،فجئت إليه ،وذلك يوم مولد رسول ال صلى ال عليه وسلم فسلمت
عليسه ،وسسألني عسن مقدمسي .وكان معسه فقيسه يكتسب له .فأخذت لوحاً كان بيسن يديسه،
وكتبست فيسه :يسا فقيسه ،قسل لهذا الميسر :إنسا نحتاج إلى شيسء مسن الذرة للزاد ،والسسلم.
وناولت الفقيسسه اللوح يقرأ مسسا فيسسه سسسراً ،ويكلم الميسسر فسسي ذلك بلسسسانه .فقرأه جهراً،
وفهمه المير .فأخذ بيدي ،وأدخلني إلى مشوره ،وبه سلح كثير من الدرق والقسي
والرماح ،ووجدت عنده كتاب المدهسسسسسسسش لبسسسسسسسن الجوزي ،فجعلت أقرأ فيسسسسسسسه.
ثسم أتسي بمشروب لهسم يسسمى الدقنسو " بفتسح الدال المهمسل وسسكون القاف وضسم النون
وواو " ،وهسسو ماء فيسسه جريسسش الذرة مخلوط بيسسسير عسسسل أو لبسسن ،وهسسم يشربونسسه
عوض الماء .لنهسسم إن شربوا الماء خالصسًا أضسسر بهسسم ،وإن لم يجدوا الذرة خلطوه
بالعسسل أو اللبسن .ثسم أتسي ببطيسخ أخضسر فأكلنسا منسه ،ودخسل غلم خماسسي فدعاه وقال
لي :هذا ضيافتك ،واحفظه لئل يفر .فأخذته وأردت النصراف ،فقال :أقم حتى يأتي
الطعام .وجاءت إلينسا جاريسة له دمشقيسة عربيسة ،فكلمتنسي بالعربسي .فبينمسا نحسن فسي
ذلك ،إذ سمعنا صراخاً بداره .فوجه الجارية لتعرف خبر ذلك ،فعادت إليه ،فأعلمته
أن بنتاً له قسد توفيست ،فقال :إنسي ل أحسب البكاء ،فتعال نمسش إلى البحسر ،يعنسي النيسل.
وله على سساحله ديار .فأتسي بالفرس فقال لي :إركسب .فقلت :ل أركبسه ،وأنست ماش.
فمشينسسسا جميعاً ،ووصسسسلنا إلى دياره على النيسسسل .وأتسسسي بالطعام فأكلنسسسا .وودعتسسسه
وانصسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسرفت.
ولم أر في السودان أكرم منه ول أفضل .والغلم الذي أعطانيه باقٍ عندي إلى الن.
ثسم سسرت إلى مدينسة كوكسو ،وهسي مدينسة كسبيرة على النيسل ،مسن أحسسن مدن السسودان
وأكبرها وأخصبها .فيها الرز الكثير واللبن والدجاج والسمك ،وبها الفقوس العناني
الذي ل نظير له .وتعامل أهلها في البيع والشراء بالودع ،وكذلك أهل مالي .وأقمت
بهسا نحسو شهسر .وأضافنسي بهسا محمسد بسن عمسر ،مسن أهسل مكناسسة ،وكان ظريفاً مزاحاً
فاضلً ،وتوفسي بهسا بعسد خروجسي عنهسا .وأضافنسي بهسا الحاج محمسد الوجدي التازي،
وهسسسسو ممسسسسن دخسسسسل اليمسسسسن ،والفقيسسسسه محمسسسسد الفيللي إمام مسسسسسجد البيضان.
ثسم سسافرت منهسا برسسم تكدا فسي البر ،مسع قافلة كسبيرة للغدامسسيين .دليلهسم ومقدمهسم
الحاج وجيسن " بضسم الواو وتشديسد الجيسم المعقودة " ،ومعناه الذئب بلسسان السسودان.
وكان لي جمل لركوبي ،وناقة لحمل الزاد .فلما رحلنا أول مرحلة وقفت الناقة .فأخذ
الحاج وجيسن مسا كان عليهسا ،وقسسمه على أصسحابه ،فتوزعوا حمله .وكان فسي الرفقسة
مغربي من أهل تادلي ،فأبى أن يرفع من ذلك شيئاً كما فعل غيره .وعطش غلمي
يوماً ،فطلبست منسه الماء ،فلم يسسمح بسه .ثسم وصسلنا إلى بلد بردامسة ،وهسي قسبيلة مسن
البربر " وضبطها بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهمل وميم مفتوح
وتاء تأنيث " .ول تسير القوافل إل في خفارتهم .والمرأة عندهم في ذلك أعظم شأناً
مسسن الرجسسل .وهسسم رحالة ل يقيمون ،وبيوتهسسم غريبسسة الشكسسل ،ويقيمون أعواداً مسسن
الخشب ،ويضعون عليها الحصر ،وفوق ذلك أعواد مشتبكة ،وفوقها الجلود أو ثياب
القطسن .ونسساؤهم أتسم النسساء جمالً ،وأبدعهسن صسوراً ،مسع البياض الناصسع والسسمن.
ولم أر في البلد من يبلغ مبلغهن في السمن .وطعامهن حليب البقر وجريش الذرة،
يشربنه مخلوطاً بالماء غير مطبوخ ،عند المساء والصباح .ومن أراد التزوج منهن،
سسكن بهسن فسي أقراب البلد إليهسن ،ول يتجاوز بهسن كوكسو ول أيوالتسن .وأصسابني
المرض فسي هذه البلد ،لشتداد الحسر وغلبسة الصسفراء .واجتهدنسا فسي السسير إلى أن
وصلنا إلى مدينة تكدا " وضبطها بفتح التاء المعلوة والكاف المعقودة والدال المهمل
مع تشديده " .ونزلت بها في جوار شيخ المغاربة سعيد بن علي الجزولي .وأضافني
قاضيها أبو إبراهيم إسحاق الجاناتي ،وهو من الفاضل ،وأضافني جعفر بن محمد
المسسسوفي .وديار تكدا مبنيسسة بالحجارة الحمسسر ،وماؤهسسا يجري على معادن النحاس،
فيتغيسر لونسه وطعمسه بذلك ،ول زرع بهسا إل يسسير مسن القمسح ،يأكله التجار والغرباء.
ويباع بحساب عشرين مداً من أمدادهم بمثقال ذهب ،ومدهم ثلث المد ببلدنا .وتباع
الذرة عندهسم بحسساب تسسعين مداً بمثقال ذهسب .وهسي كثيرة العقارب .وعقاربهسا تقتسل
ولقسسد لدغسست يوماً وأنسسا بهسسا ولداً للشيسسخ سسسعيد بسسن علي عنسسد الصسسبح فمات لحينسسه،
وحضرت جنازتسه .ول شغسل لهسل تكدا غيسر التجارة .يسسافرون كسل عام إلى مصسر،
ويجلبون مسن كسل مسا بهسا مسن حسسان الثياب وسسواها .ولهلهسا رفاهيسة وسسعة بال،
ويتفاخرون بكثرة العبيسد والخدم ،وكذلك أهسل مالي وأيوالتسن .ول يسبيعون المعلمات
حكايسة أردت لمسا دخلت تكدا شراء خادم معلمسة فلم أجدهسا ،ثسم بعسث إلي القاضسي أبسو
إبراهيسم بخادم لبعسض أصسحابه ،فاشتريتهسا بخمسسة وعشريسن مثقالً .ثسم إن صساحبها
ندم ورغب في القالة ،فقلت له :إن دللتني على سواها أقلتك .فدلني على خادم لعلي
أغيول ،وهو المغربي التادلي الذي أبى أن يرفع شيئاً من أسبابي حين وقعت ناقتي،
وأبسى أن يسسقي غلمسي الماء حيسن عطسش .فاشتريتهسا منسه ،وكانست خيراً مسن الولى،
وأقلت صاحبي الول .ثم ندم هذا المغربي على بيع الخادم ،ورغب في القالة ،وألح
في ذلك .فأبيت ال أن أجازيه بسوء فعله ،فكاد أن يجن أو يهلك أسفاً .ثم أقلته بعد.
ومعدن النحاس بخارج تكدا يحفرون عليه في الرض ،ويأتون إلى البلد ،فيسبكونه
فسي دورهسم .ويفعسل ذلك عسبيدهم وخدمهسم .فإذا سسبكوه نحاسساً أحمسر ،صسنعوا منسه
قضبانًا فسي طول شسبر ونصسف ،بعضهسا رقاق ،وبعضهسا غلظ .فتباع الغلظ منهسا
بحسسساب أربعمائة قضيسسب بمثقال ذهسسب ،وتباع الرقاق بحسسساب سسستمائة وسسسبعمائة
مثقال .وهسي صسرفهم ،يشترون برقاقهسا اللحسم والحطسب ،ويشترون بغلظهسا العبيسد
والخدم والذرة والسسسمن والقمسسح .ويحملون النحاس منهسسا إلى مدينسسة كوبر مسسن بلد
الكفار ،وإلى زغاي ،وإلى بلد برنسسو ،وهسسي على مسسسيرة أربعيسسن يوماً مسسن تكدا.
وأهلهسا مسسلمون ،لهسم ملك اسسمه إدريسس ،ل يظهسر للناس ،ول يكلمهسم إل مسن وراء
حجاب.
ومن هذه البلد يؤتى بالجواري الحسان والفتيان وبالثياب المجسدة .ويحمل النحاس
وفسي أيام إقامتي بها ،توجسه القاضسي أبو إبراهيسم ،والخطيسب محمسد ،والمدرس أبسو
حفسص ،والشيسخ سسعيد بسن علي ،إلى سسلطان تكدا ،وهسو بربري يسسمى إزار " بكسسر
الهمزة وزاي والف وراء " ،وكان على مسسسسيرة يوم منهسسسا ،ووقعسسست بينسسسه وبيسسسن
التكركري ،وهسو مسن سسلطين البربر أيضاً منازعسة ،فذهبوا إلى الصسلح بينهمسا.
فأردت أن ألقاه .فاكتريسست دليلً وتوجهسست إليسسه ،وأعلمسسه المذكورون بقدومسسي .فجاء
وقسد جعسل عوض السسرج طنفسسة حمراء بديعسة ،وعليسه ملحفسة وسسراويل وعمامسة،
كلها زرق ،ومعه أولد أخته ،وهم الذين يرثون ملكه .فقمنا إليه ،وصافحناه .وسأل
عن حالي ومقدمي ،فأعلم بذلك .وأنزلني ببيت من بيوت اليناطبين ،وهم كالوصفان
عندنسسا .وبعسسث برأس غنسسم مشوي فسسي السسسفود ،وقعسسب مسسن حليسسب البقسسر .وكان فسسي
جوارنا بيت أمه وأخته ،فجاءتا إلينا ،وسلمتا علينا .وكانت أمه تبعث لنا الحليب بعد
العتمسة ،وهسو وقست حلبهسم ،ويشربونسه ذلك الوقست وبالغدو .وأمسا الطعام فل يأكلونسه
ول يعرفونسه .واقمست عندهسم سستة أيام .وفسي كسل يوم يبعسث بكبشيسن مشوييسن ،عنسد
الصسباح والمسساء .وأحسسن إلي بناقسة وعشرة مثاقيسل مسن الذهسب ،وانصسرفت عنسه،
ولما عدت إلى تكدا ،وصل غلم الحاج محمد بن سعيد السجلماسي ،بأمر مولنا أمير
المؤمنين وناصر الدين المتوكل على رب العالمين آمراً لي بالوصول إلى حضرته العلية.
فقبلته وامتثلته على الفور.
واشتريت جملين لركوبي بسبعة وثلثين مثقالً .وثلث ،وقصدت السفر إلى توات .ورفعت
زاد سبعين ليلة ،إذ ل يوجد الطعام فيما بين تكدا وتوات ،وإنما يوجد اللحم واللبن والسمن
يشترى بالثواب ،وخرجت من تكدا يوم الخميس الحادي عشر لشعبان سنة أربع وخمسين،
في رفقة كبيرة ،فيهم جعفر التواني ،وهو من الفضلء ،ومعنا الفقيه محمد بن عبد ال
قاضي تكدا .وفي الرفقة نحو ستمائة خادم .فوصلنا إلى كاهر من بلد السلطان الكركري،
وهي أرض كثيرة العشاب ،يشتري بها الناس من برابرها الغنم ،ويقددون لحمها ،ويحمله
أهل توات إلى بلدهم .ودخلنا منها إلى برية ل عمارة بها ول ماء ،وهي مسيرة ثلثة أيام.
ثم سرنا بعد ذلك خمسة عشر يومًا في برية ل عمارة بها ،أل أن بها الماء .ووصلنا إلى
الموضع الذي يفترق به طريق غات الخذ إلى ديار مصر وطريق توات .وهنالك أحساء
ماء يجري على الحديد ،فإذا غسل به الثوب البيض اسود لونه.
وسرنا من هنالك عشرة أيام ،ووصلنا إلى بلد هكار ،وهم طائفة من البربر ملثمون ل
خير عندهم ،ولقينا أحد كبرائهم ،فحبس القافلة حتى غرموا له أثواباً وسواها .وكان وصولنا
إلى بلدهم في شهر رمضان .وهم ل يغبرون فيه ول يعترضون القوافل ،وإذا وجد سراقها
المتاع بالطريق في رمضان لم يعرضوا له ،وكذلك جميع من بهذه الطريق من البرابر.
وسرنا في بلد هكار شهراً ،وهي قليلة النبات ،كثيرة الحجارة ،طريقها وعر .ووصلنا يوم
عيد الفطر إلى بلد برابر ،أهل لثام كهؤلء .فأخبرونا بأخبار بلدنا ،وأعلمونا أن أولد
خراج وابن يغمور خالفوا ،وسكنوا تسابيت من توات .فخاف أهل القافلة من ذلك .ثم وصلنا
إلى بودا " بضم الباء الموحدة " ،وهي من أكبر قرى توات ،وأرضها رمال وسباخ،
وثمرها كثير ليس بطيب ،لكن أهلها يفضلونه على ثمر سجلماسة .ول زرع بها ول سمن
ول زيت ،وإنما يجلب لها ذلك من بلد المغرب .وأكل أهلها التمر والجراد ،وهو كثير
عندهم ،يختزنونه كما يختزن التمر ،ويقتاتون به ،ويخرجون إلى صيده قبل طلوع الشمس،
فإنه ل يطير إذ ذاك لجل البرد .وأقمنا ببودا أياماً ثم سافرنا في قافلة ،ووصلنا في أوسط
ذي القعدة إلى مدينة سجلماسة .وخرجت منها في ثاني ذي الحجة ،وذلك أوان البرد الشديد،
ونزل بالطريق ثلج كثير .ولقد رأيت الطرق الصعبة والثلج الكثير ببخارى وسمرقند
وخراسان وبلد التراك ،فلم أر أصعب من طريق أم جنيبة .ووصلنا ليلة عيد الضحى إلى
دار الطمع ،فأقمت هنالك يوم عيد الضحى ،ثم خرجت ،فوصلت إلى حضرة فاس ،حضرة
مولنا أمير المؤمنين أيده ال ،فقبلت يده الكريمة وتيمنت بمشاهدة وجهه المبارك ،وأقمت
في كنف إحسانه بعد طول الرحلة .وال تعالى يشكر ما أولنيه من جزيل إحسانه ،وسابغ
امتنانه ،ويديم أيامه ،ويمتع المسلمين بطول بقائه .وههنا انتهت الرحلة المسماة تحفة النظار
في غرائب المصار وعجائب السفار .وكان الفراغ من تقييدها في ثالث ذي الحجة عام
ستة وخمسين وسبعمائة.
والحمد ل وسلم على عباده الذين اصطفى قال ابن جزي :انتهى ما لخصته من تقييد الشيخ
أبي عبد ال محمد بن بطوطة ،أكرمه ال .ول يخفى على ذي عقل أن هذا الشيخ هو رحال
العصر .ومن قال :رحال هذه الملة لم يبعد ،ولم يجعل بلد الدنيا للرحلة .واتخذ حضرة فاس
مقراً ومستوطناً بعد طول جولنه ،لما تحقق أن مولنا ،أيده ال ،أعظم ملوكها شأناً،
وأعمهم فضائل ،وأكرمهم إحساناً ،وأشدهم بالواردين عليه عناية ،وأتمهم بمن ينتمي إلى
طلب العلم حماية .فيجب على مثلي أن يحمد ال تعالى ،لن وفقه في أول حاله وترحاله
لستيطان هذه الحضرة التي اختارها هذا الشيخ ،بعد رحلة خمسة وعشرين عاماً .إنها
لنعمة ل يقدر قدرها ،ول يوفى شكرها .وال تعالى يرزقنا العانة على خدمة مولنا أمير
المؤمنين ،ويبقي علينا ظل حرمته ورحمته ،ويجزيه عنا معشر الغرباء المنقطعين إليه
أفضل جزاء المحسنين .اللهم وكما فضلته على الملوك بفضيلتي العلم والدين ،وخصصته
بالحلم والعقل الرصين ،فمد لملكه أسباب التأييد والتمكين ،وعرفه عوارف النصر العزيز
والفتح المبين ،وأجعل الملك في عقبه إلى يوم الدين ،وأره قرة العين في نفسه وبنيه وملكه
ورعايته ،يا أرحم الراحمين .وصلى ال وسلم على سيدنا ونبينا ومولنا محمد خاتم النبيين،
وإمام المرسلين .والحمد ل رب العالمين.