You are on page 1of 4

‫حسن الخلق‬

‫ورد في مختار الصحاح أن الخلق (لغة هو‪ :‬العادة‪ ,‬و السجية‬


‫‪ ,‬و الطبع ‪ ,‬و المروءة ‪ ,‬و الدين‪).‬‬
‫أما تعريف الخلق اصطلحا ‪ :‬فقد ورد في تعريفات‬
‫الجرجاني ‪ ,‬و كشاف التهانوي بأنه ‪ :‬ملكة تصدر بها عن النفس‬
‫الفعال بسهولة ‪ ,‬و يسر ‪ ,‬من غير تقدم فكر وروية و تكلف‬
‫فالخلق عبارة عن هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الفعال‬
‫بسهولة و يُسر من غير حاجة إلى فكر وروية ‪ ,‬فإن صدرت عن‬
‫ميت خلقا‬‫س ِّ‬
‫هذه الهيئة الفعال الجميلة المحدودة عقل و شرعا ُ‬
‫حسنا‪ .‬فشرط الخلق أن يكون راسخا في النفس ‪ ,‬فغير الراسخ‬
‫من صفات النفس ل يكون خلقا‪ :‬كغضب الحليم ‪ .‬و يوجد شرط‬
‫آخر للخلق هو السهولة و عدم التكلف ‪ ,‬لن من تكلف بذل المال‬
‫ل يقال خلقه السخاء‪ ,‬فالخلق غير الراسخ ليس خلقا كالبخيل إذا‬
‫حاول الكرم ‪ ,‬فل بد في الخلق الحسن من الرسوخ و عدم‬
‫التكلف‪.‬‬
‫و من حسن خلق المسلم أن يكون كريما‪,‬صابرا‪,‬صادقا‪,‬ل‬
‫يغش ‪ ,‬ول يخدع ‪,‬ول يغدر‪ ,‬ول يحسد ‪ ,‬و ناصحا للمسلمين‪ ,‬و‬
‫موفيا بالعهد‪ ,‬و متصفا بالحياء ‪ ,‬رحيما و رفيقا بالناس ‪ ,‬متسامحا‬
‫‪ ,‬و حليما ‪ ,‬ول يتدخل في ما ل يعنيه‪ ,‬و بعيدا عن الغيبة و النميمة‬
‫‪ ,‬مجتنبا لقول الزور و ظن السوء‪ ,‬و حافظا للسر‪ ,‬و متواضعا‪,‬‬
‫ول يسخر من أحد ‪ ,‬و يعاشر أفاضل الناس خلقا‪ ,‬و يحرص على‬
‫نفع الناس و دفع الضرر عنهم ‪ ,‬و يسعى بالصلح بين المسلمين‪,‬‬
‫ول ينافق ‪ ,‬و بعيدا عن الرياء‪ ,‬و مستقيما و عادل في حكمه ‪ .‬و‬
‫غير ذلك من الصفات التي تدل على خلق صاحبها‪.‬‬
‫فهنيئا لمن حله الله بهذه الصفات ‪ ,‬و هنيئا لمن عمل على‬
‫تحسين أخلقه‪ ,‬و اتخذ من رسول الله المثل العلى في حسن‬
‫الخلق‪.‬‬
‫و أثنى الله تعالى على نبيه الكريم بحسن خلقه فقال‪﴿ :‬و‬
‫إنك لعلى خلق عظيم﴾ (سورة القلم ‪ .)4:‬و قد قال عليه السلم‬
‫‪« :‬أدبني ربي فأحسن تأديبي» و قال ‪« :‬بعثت لتمم مكارم‬
‫الخلق» و في رواية مالك في المؤطأ‪« :‬بعثت لتمم حسن‬
‫الخلق»‪.‬‬
‫و كان الرسول الله معروفا بحسن الخلق قبل السلم ‪ ,‬و‬
‫كانت قريش تلقبه بالصادق المين ‪ ,‬و بعد السلم شهد له‬
‫الصحابة رضوان الله عليهم بحسن الخلق ‪ ,‬فاستطاع بحسن‬
‫خلقه أن ينشر الدين السلمي و يرسخ تعاليمه في نفوس‬
‫المسلمين إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫و إذا كانت سيرة النبي حافلة بالمثلة الواقعية على حسن‬
‫خلقه‪ ,‬فإن واحدا من هذه المثلة ‪ :‬إن رسول الله كان يوما‬
‫يمشي و معه أنس ‪ ,‬فأدركه أعرابي فجذبه جذبا شديدا و كان‬
‫عليه برد نجراني غليظ الحاشية‪ .‬قال أنس‪:‬حتى نظرت إلى عنق‬
‫رسول الله قد أثرت به حاشية البرد من شدة جذبه‪ ,‬فقال‪ «:‬يا‬
‫ت إليه رسول الله‬‫محمد هب لي من مال الله الذي عندك‪ ,‬فالتف َ‬
‫و ضحك ‪ :‬ثم أمر بإعطائه»‪ .‬و لما أكثرت قريش ضربه و إيذائه‪,‬‬
‫قال‪« :‬اللهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون»‪.‬‬
‫و قيل في علمات حسن الخلق و في صاحبه‪ ,‬أن يكون كثير‬
‫الحياء ‪ ,‬قليل الذى ‪ ,‬كثير الصلح ‪ ,‬صدوق اللسان‪ ,‬قليل الكرام‪,‬‬
‫صول‪ ,‬و قورا صبورا‪ ,‬شكورا‬ ‫كثير العمل‪ ,‬قليل الفضول‪ ,‬بّرا وَ ُ‬
‫شاشا‪ ,‬ل لعّانا و ل سبَّابا و ل‬‫شاشا ه َّ‬‫رضيا حليما‪ ,‬وفيا عفيفا‪ ,‬ب َّ‬
‫مغتابا‪ ,‬ول عجول ول حقودا‪ ,‬و ل بخيل ول حسودا‪ ,‬يجب في الله و‬
‫يبغض في الله ‪ ,‬و يرضى في الله‪ ,‬و يسخط الله‪.‬‬
‫وأعد الله سبحانه و تعالى للمؤمن الذي يتصف بحسن‬
‫الخلق الذين ثوابا جزيل‪ ,‬إذ يرفع الله تعالى العبد إلى أعلى‬
‫الدرجات بحسن الخلق الذين هو كمال اليمان‪ .‬و في هذا يقول‬
‫الرسول ‪« :‬أفضلكم إيمانا أحسنكم خلقا»‪ .‬فحسن الخلق من‬
‫اليمان‪ ,‬و يضيف الرسول الله قائل‪« :‬أثقل ما يوضع في الميزان‬
‫حسن الخلق» رواه أبو داود و الترمذي‪.‬‬ ‫يوم القيامة تقوى الله و ُ‬
‫و أيضا قال الرسول «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة‬
‫الصائم القائم» رواه أبو داود‪.‬‬
‫حسن الخلق يكفر عن سيئات المسلم‪ ,‬و في ذلك يقول‬ ‫و ُ‬
‫حسن الخلق ليُذِيب الخطيئة كما تُذِيب الشمس‬
‫الرسول ‪« :‬إن ُ‬
‫الجليد» رواه الطبراني‪ .‬و في مقابل ذلك فإن سوء الخلق يفسد‬
‫عمل المؤمن‪ ,‬حيث يقول الرسول‪« :‬سوء الخلق يفسد العمل‬
‫ل العسل» رواه ابن حبان و الحاكم‪ .‬و كفى‬ ‫كما يفسد الخ ُّ‬
‫صاحب الخلق أن يكون بجوار الرسول الكريم في دار الخلد و‬
‫النعيم‪ ,‬مع الصديقين و الشهداء و الصالحين‪ ,‬فهل بعد هذا عز‬
‫يُدانِيه‪ ,‬و شرف يضاهيه؟ و الذين يؤكد هذا حديث الرسول‪« :‬إن‬
‫ي‪ ,‬و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة‪ ,‬أحاسنكم‬ ‫من أحبكم إل ّ‬
‫أخلقا» رواه الترمذي‪.‬‬
‫و ليس حسن الخلق سبب سعادة النسان في الدنيا‬
‫فحسب‪ ,‬بل هو أساس السعادة‪ ,‬و أصل الغزة في الدنيا و النعيم‬
‫في الدار الخرة‪ ,‬و يؤكد ذلك حديث الرسول‪« :‬من سعادة المرء‬
‫حسن الخلق» رواه بيهقي‪ .‬و إذا كنا ل نشك في أن السلم إنما‬
‫جاء ليتمم مكارم الخلق‪ ,‬علمنا أن اتصاف المسلم بحسن الخلق‬
‫سيجعله‪-‬ل محالة‪-‬من المحبوبين المحترمين بين أفراد مجتمعه‪ ,‬و‬
‫من هنا نوَّه السلم بالخلق الحسن‪ ,‬و دعا إلى تربيته في‬
‫المسلمين ‪ ,‬و تنميته في نفوسهم‪ ,‬و اعتبر إيمان العبد‪ ,‬بفضائل‬
‫نفسه‪ ,‬و إسلمه‪ ,‬بحسن الخلق‪.‬‬
‫فما أغظم مكانة المسلم الذي يتصف بحسن الخلق!‪ .‬إذ‬
‫أشاد القرآن الكريم ‪ ,‬و أثنت السنة النبوية الشريفة على المسلم‬
‫المتحلي بحسن الخلق‪.‬‬
‫و حسن الخلق معيار تقدم ورقي المم‪ ,‬و عنوان عظمتنها و‬
‫خلودها‪ ,‬إذ المم ل تحيا بدون أخلق و هذا ما عبر عنه أمير‬
‫الشعراء (أحمد شوقي) حين قال ‪:‬‬
‫و إنما المم الخلق ما بقيت‬
‫فإن هم ذهبت أخلقهم ذهبوا‬
‫و الله سبحانه و تعالى أكد في كتابه العزيز على مكانة المة‬
‫السلمية ‪ ,‬لتصافها بحسن الخلق حين قال تعالى ‪﴿:‬كنتم خير‬
‫أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر﴾‬
‫صدق الله العظيم‪.‬‬

You might also like