You are on page 1of 5

‫لم يساهم أي مفكر نظري في سقوط الشيوعية –أو الشتراكية‪ -‬مثلما ساهم فيه فريدرك‬

‫أوجست فون هايك‪ .‬وقد فعل ذلك بأقصى فعالية في كتابه الصغير بعنوان "الطريق إلى‬
‫الرق"‪ ،‬الذي نشر أول ما نشر في عام ‪ ،1944‬عندما كانت نهاية الحرب العالمية الثانية‬
‫تلوح بالفق‪ .‬وقد اتبع ذلك بالعديد من المؤلفات‪ ،‬ما بين كتب ومقالت‪ .‬كان أهم تلك‬
‫المؤلفات مؤلف بعنوان "دستور الحرية" الذي نشر في عام ‪ ،1960‬والمجلدات الثلثة‬
‫بعناوين "القانون‪ ،‬والتشريع والحرية"‪ ،‬والتي نشرت ما بين سنوات ‪ 1973‬و‪.1979‬‬
‫وعندما كان في سن ‪ 89‬نشر بمساعدة من دبليو‪ .‬دبليو‪ .‬بارتلي‪ ،‬كتابا ً ناجحا ً جدا ً بعنوان‬
‫"الغرور القاتل" والذي نشر عام ‪ .1989‬هذه الكتب تشكل مجموعة تتسم بتميز علمي‬
‫فائق‪ ،‬كما أنها في الوقت ذاته كانت ضربات موجعة ضد النظم الشمولية الستبدادية‪ .‬وقد‬
‫أسهمت كثيرا ً في سقوط حائط برلين الذي شيد في عهد خروتشوف‪ ،‬وكذلك سقوط‬
‫‪.‬ستار ستالين الحديدي‬

‫بيد أن هايك لم يحصر نفسه في كتابة هذه الكتب السياسية ذات الثر القوي الذي يدعو‬
‫مميّزاً‪ ،‬متحفظا ً في نمط معيشته وتفكيره‬ ‫إلى الدهشة‪ .‬ومع أنه كان عالِما ً عظيما ً وإنسانا ً ُ‬
‫وتعليمه‪ ،‬وعزوفا ً عن اتخاذ نشاطات سياسية‪ ،‬فقد أنشأ بُعيد الحرب العالمية الثانية بقليل‪،‬‬
‫جمعية "مونت بيليرين"‪ .‬كان الهدف من إنشائها إقامة توازن مقابل العداد التي ل حصر‬
‫لها من المفكرين‪ ،‬الذين اختاروا الشتراكية‪ .‬وقد شعر هايك بأن المطلوب هو أكثر من‬
‫مجرد كتابة أبحاث وكتب‪ .‬لذا‪ ،‬فقد أسس جمعية من المفكرين وعلماء القتصاد العمليين‪،‬‬
‫الذين كانوا معارضين للتوجه الشتراكي السائد بين غالبية من المفكرين الذين آمنوا‬
‫بمستقبل اشتراكي‪ .‬وقد أسست الجمعية في سويسرا عام ‪ 1947‬على جبل بيليرين‪،‬‬
‫المطل على الشاطئ الجنوبي لبحيرة جنيف‪ .‬وقد تشرفت بأن أكون أحد الذين دعاهم‬
‫هايك ليكونوا المؤسسين لهذه الجمعية‪ .‬ومن بين المؤسسين الذين ما زالوا على قيد‬
‫الحياة ميلتون فريدمان وآرون دايركتر‪ .‬ما زالت هذه الجمعية قائمة؛ وعلى امتداد سنوات‬
‫طويلة كان لها تأثير كبير داخل صفوف المفكرين‪ ،‬وبالخص علماء القتصاد من بينهم‪ .‬لقد‬
‫كان أول وربما أعظم إنجازاتها‪ ،‬هو تشجيع أولئك الذين كانوا يحاربون نفوذ جون مينارد‬
‫كينز‪ ،‬الذي كان مهيمنا ً ومدرسته القتصادية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وحيث أنني لست عالم اقتصاد‪،‬‬
‫فإنني ربما لست مؤهل ً لتقييم التأثير التاريخي الذي كان لجميعة مونت بيليرين‪ .‬هذه مهمة‬
‫–أعتقد أنها ذات أهمية‪ -‬يتولى أمرها مؤرخو المستقبل فيما يتعلق بالنظريات والسياسات‬
‫القتصادية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ومن منطلق موقعي لسنوات طويلة عضوا ً في جامعة لندن‬
‫للقتصاد‪ ،‬فقد كان متاحا ً لي مشاهدة التقلص المستمر للتعاليم اليسارية‪ ،‬والتي كانت في‬
‫‪.‬السنوات القليلة الولى بعد الحرب‪ ،‬تتمتع بنفوذ هائل‬

‫وتستدعيني العدالة أن أوضح بأن الحركة‪ ،‬التي أطلقها هايك في كتابه "الطريق إلى‬
‫الرق"‪ ،‬كان لها سابقة مهمة‪ .‬إنني أشير إلى أستاذ هايك لودفيغ فون ميزس‪ ،‬الذي قابلته‬
‫لول مرة في فيينا في أوائل عام ‪ ،1935‬بسبب اهتمامه بكتابي الول‪ .‬وقد قابلت هايك‬
‫بعد حوالي ستة أشهر في لندن‪ .‬لقد كان ميزس هو الذي قدم أول وأعمق انتقاد عصري‬
‫للشتراكية‪ :‬أن الصناعة الحديثة تقوم على قواعد السوق الحر‪ ،‬وأن الشتراكية‪ ،‬وبالخص‬
‫التخطيط الشتراكي يتعارض مع اقتصاد السوق الحر‪ ،‬وبالتالي فإن مصيره الفشل‪( .‬كان‬
‫التخطيط الشتراكي آنئذ‪ ،‬أكثر الشعارات رواجا ً واستثارة في الدوائر الفكرية)‪ .‬كانت‬
‫نظرية لودفيغ فون ميزس‪ ،‬كما يستطيع كل إنسان أن يرى اليوم‪ ،‬ذات أهمية جوهرية‪.‬‬
‫كان هايك مقتنعاً‪ ،‬بل‪ ،‬ربما كان مؤمناً‪ ،‬كما قال لي هو نفسه‪ ،‬بأنه مثلي‪ ،‬كان في أيام‬
‫شبابه ميال ً إلى الشتراكية‪ ،‬وربما أشار إلى ذلك في بعض مؤلفاته‪ .‬ومن المفيد أن نتذكر‪،‬‬
‫بأن هايك كان من أوائل من أخذوا على عاتقهم نظرية ميزس البالغة الهمية‪ ،‬وتطويرها‬
‫تطويرا ً كبيراً‪ ،‬والذي أضاف إليها نظرية ثانية ذات بعد مهم أل وهو الجابة على السؤال‪:‬‬
‫ماذا يحدث إذا ما حاولت حكومة قوية إدخال اقتصاد اشتراكي أي "تخطيط اشتراكي"؟‬
‫وكان الجواب هو‪ :‬ل يمكن أن يتم ذلك إل بالقوة‪ ،‬بالرهاب‪ ،‬بالستعباد السياسي‪ .‬هذه‬
‫النظرية الثانية‪ ،‬التي ل تقل أهمية عن الولى هي‪ ،‬في حدود علمي‪ ،‬من إنتاج هايك؛ وكما‬
‫أن النظرية التي سبقتها والتي وضعها لدفيج فون ميزس‪ ،‬قد قبلها هايك على الفور‪ ،‬فإن‬
‫‪.‬ميزس بدوره قبل نظرية هايك في الحال‬

‫أود أن أقول مرة أخرى أنا لست عالم اقتصاد‪ ،‬كما أنني لست مؤرخا ً للنظريات‬
‫القتصادية؛ والملحظات التاريخية التي أبديتها‪ ،‬ربما ل تثبت صحتها عندما تتم دراسة جميع‬
‫الوثائق التاريخية‪ ،‬وبالخص المراسلت‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد يكون من المور اللفتة للنظر‪ ،‬أن‬
‫المور قد بدت على الوجه الذي ذكرته لواحد وإن لم يكن عالم اقتصاد‪ ،‬فإنه ليس خارج‬
‫‪.‬الطار أيضاً‬

‫كان لودفيغ فون ميزس‪ ،‬بعد هايك‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬أهم عضو مؤسس لجمعية مونت‬
‫بيليرين‪ .‬كنت على الدوام في منتهى الدراك لمساهمة ميزس الجوهرية المطلقة‪ ،‬وقد‬
‫كنت معجبا ً به إعجابا ً كبيراً‪ .‬أود أن أؤكد على هذه النقطة ذلك لن كلينا‪ ،‬هو وأنا‪ ،‬كنا ندرك‬
‫الهوة الكبيرة التي تفصل بين وجهات نظرنا‪ ،‬في ميدان نظرية المعرفة والمنهجية‪ .‬أظن‬
‫أن ميزس كان يراني خصما ً خطرا ً –ربما شخصا ً سلب منه التوافق المطلق مع أعظم‬
‫تلميذه‪ ،‬هايك‪ .‬كانت منهجية ميزس‪ ،‬بإيجاز‪ ،‬نظرية ذاتية غير موضوعية‪ ،‬وقادته إلى ادعاء‬
‫الحقيقة المطلقة بالنسبة لمبادئ علم القتصاد‪ .‬كانت منهجيتي موضوعية‪ ،‬وساقتني إلى‬
‫وجهة النظر القائلة بأن العلم غير معصوم من الخطأ‪ ،‬وأنه قابل للنمو عن طريق النقد‬
‫الذاتي والتصحيح الذاتي؛ أو‪ ،‬بتوضيح أعم عن طريق طرح الفكرة ومحاولة دحضها‪ .‬لقد‬
‫كنت أحترم ميزس الذي يكبرني سنا ً بكثير‪ ،‬بحيث لم يكن من المجدي الدخول في‬
‫مواجهة معه‪ .‬لقد كان يكلمني بين الحين والحين‪ ،‬ولكنه لم يذهب أبداً‪ ،‬أبعد من الشارة‬
‫إلى وجود خلف في الرأي‪ .‬إنه‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬لم يبدأ أبدا ً نقاشا ً حقيقيا ً ينطوي على‬
‫النتقاد المباشر‪ .‬ومثلما هو أنا‪ ،‬فقد كان يُقدُّر وجود أرضية مشتركة بعض الشيء‪ ،‬وكان‬
‫يعرف بأنني قد قبلت أكثر نظرياته أهمية‪ ،‬وأنني كنت كثير العجاب به بسبب ذلك‪ .‬ولكنه‬
‫أوضح‪ ،‬بالتلميحات‪ ،‬بأنني شخص خطر‪ ،‬على الرغم من أنني لم أنتقد آراءه أبدا ً حتى في‬
‫علقتي مع هايك؛ وأنني الن أيضاً‪ ،‬ل أرغب أن أفعل ذلك‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فقد ذكرت لعدة‬
‫أشخاص في غضون ذلك‪ ،‬حقيقة اختلفي معه‪ ،‬ولكن دون الدخول في حوارات نقدية‪.‬‬
‫‪.‬يكفي ما ذكرت بالنسبة لتلك اليام الخوالي‬

‫إمبراطورية تحكمها الكاذيب‬

‫أود الن أن أذهب خطوة أخرى متجاوزا ً تلك اليام‪ ،‬وأن أرسم معالم النظرية التي تقوم‬
‫‪.‬عليها هذه الدراسة؛ إنها كما يلي‬

‫إن زوال التحاد السوفييتي يمكن تفسيره في آخر المطاف بأنه نتج عن انهيار اقتصادي‪،‬‬
‫نتيجة غياب اقتصاد السوق الحر؛ أي نتيجة ما أسميته بالنظرية الولى التي وضعها ميزس‪.‬‬
‫ولكنني أعتقد بأن النظرية الثانية أل وهي نظرية العبودية التي وضعها هايك‪ ،‬هي حتى أكثر‬
‫أهمية لفهم ما قد جرى‪ ،‬وما زال يجري‪ ،‬في المبراطورية السوفييتية السابقة‪ .‬ذلك أن‬
‫‪:‬لهذه النظرية تتابع أو ملحق‪ .‬ويمكن إجمالها كما يلي‬

‫الطريق إلى الرق يقود إلى اختفاء النقاش الحر والعقلني؛ أو بعبارة أخرى‪ ،‬السوق الحرة‬
‫مون‬‫للفكار‪ .‬ولكن ذلك يترك أشد المؤثرات المدمرة على كل إنسان‪ ،‬بما في ذلك من يُس ّ‬
‫‪.‬بالقادة‬

‫إنها تؤدي إلى مجتمع تكون فيه العبارات الفارغة سيدة الموقف‪ .‬تعابير تتشكل في‬
‫معظمها من أكاذيب تصدر عن قادة ل لسبب وجيه في معظم الحالت‪ ،‬بل لتأكيد الذات‬
‫وتمجيدها‪ .‬ولكن ذلك مؤشر على نهاية قدرتهم على التفكير‪ .‬إنهم أنفسهم يصبحون عبيداً‬
‫لكاذيبهم‪ ،‬مثل الخرين‪ .‬إنها كذلك‪ ،‬نهاية قدرتهم على الحكم‪ .‬إنهم يختفون حتى وإن كانوا‬
‫‪.‬مستبدين‬

‫بطبيعة الحال‪ ،‬هذه أيضا ً مسائل تعود‪ ،‬إلى حد كبير‪ ،‬إلى قدرات الفراد الشخصية‪ .‬ولكنني‬
‫أعتقد بأنها تتوقف بالدرجة الولى على طول الفترة الزمنية للستعباد‪ .‬إن القبول‬
‫‪.‬بالكاذيب كعملة فكرية عالمية تطرد الحقيقة مثلما تطرد العملة المزيفة العملة الصحيحة‬

‫غورباتشوف كان أول سكرتير عام للحزب الشيوعي في التحاد السوفييتي يقوم بعدة‬
‫زيارات شخصية إلى الغرب‪ .‬أعتقد أن من غير المحتمل أن يكون قد فهم كثيرا ً في زيارته‬
‫الولى أو الثانية‪ .‬ولكنه أحب الستقبال الذي قوبل به وعاد المرة تلو المرة‪ .‬وبعدها لحظ‬
‫شيئاً‪ .‬إنني ل أعني بأن الغرب غني وأن العامل المريكي كان أحسن حال ً بما ل يقبل‬
‫المقارنة‪ ،‬مع العامل السوفييتي‪ .‬أعني أنه لحظ بأن المبراطورية السوفييتية لم تكن "بلداً‬
‫طبيعياً"‪ ،‬كما عبر عن ذلك هو نفسه عندما قال بأنه يأمل بأن يجعل من روسيا السوفييتية‬
‫"بلدا ً طبيعياً"‪ .‬فقد لحظ بشكل ما‪ ،‬وربما في عقله الباطني بأن إمبراطوريته نفسها تعاني‬
‫من نوع من المرض العقلي المكبوت‪ ،‬كما كانت في الحقيقة والواقع‪ ،‬وكذلك الحال مع‬
‫‪.‬جميع قادتها‪ .‬لقد كان الحكم قائما ً على الكاذيب‬

‫إن فقدان الحرية نتيجة الخوف الدائم من الرهاب‪ ،‬هو في الحقيقة أمر مفجع‪ ،‬والذي‬
‫يفقد الذين يعيشون في ظله‪ ،‬من جزء من إنسانيتهم؛ ومن مسؤوليتهم الفكرية وكذلك‪،‬‬
‫من جزء من مسؤوليتهم الخلقية‪ .‬أولً‪ ،‬إنهم ل يستطيعون الحتجاج عندما يتطلب الموقف‬
‫منهم ذلك؛ ثم إنهم ل يستطيعون المساعدة حيث يتوجب أن يساعدوا‪ ،‬ول حتى‬
‫لصدقائهم‪ .‬فإبان حكم ستالين كان هذا الحال ينطبق على كل إنسان‪ ،‬حتى أولئك الذين‬
‫كانوا في قمة هرم السلطة‪ .‬فجميع التفكير الواقعي والحقيقي‪ ،‬وجميع التفكير الذي ل‬
‫مَركّزا ً على ضمان البقاء‬
‫ينطوي على الكذب‪ ،‬على القل ضمن هيكل السلطة‪ ،‬كان ُ‬
‫الشخصي‪ .‬وقد تبدت صورة عن ذلك الوضع –وإن لم تكن تكشف الحقيقة كاملة‪ -‬في‬
‫خطاب خروتشوف الجامع (الذي نشرته وزارة الخارجية المريكية) في ‪ 4‬حزيران ‪1954‬‬
‫والذي ينتهي بمقولة "فلنعش الراية المتصورة لحزبنا – اللينينية"‪( .‬تصفيق صاخب متواصل‬
‫‪(.‬انتهى بالهتاف وقوفاً‬

‫ولكن‪ ،‬وكما يعرف جميعنا‪ ،‬تم النقلب سريعا ً على خروتشوف من قبل بيروقراطية‬
‫جل خروجه في التراجع الفكري لهرم السلطة في الحزب الشيوعي‪ ،‬داخل‬ ‫الحزب‪ ،‬وقد ع َّ‬
‫المبراطورية وخارجها‪ .‬وعلى الرغم من التعليم الجباري لليديولوجية الماركسية–اللينينية‬
‫المعقدة‪ ،‬بما في ذلك فلسفة يطلق عليها الديالكتيكية (الجدلية) المادية‪ ،‬فكل ما بقي من‬
‫")‪" :‬إن‬ ‫تلك النظرية هو التي من تلك العقيدة‪( ،‬وأنا هنا أنقل عن "‬
‫‪".‬تصفية النظام الرأسمالي هو المسألة الرئيسية في تطور المجتمع‬

‫تدمير الرأسمالية – والعالم‬

‫كثيرا ً ما يصف علماء القتصاد مجتمعاتنا الغربية "بمجتمعات رأسمالية"‪ ،‬ويعنون‬


‫"بالرأسمالية" مجتمعا ً يستطيع الناس فيه شراء وبيع المنازل والراضي والسهم بحّرية؛‬
‫وإذا ما رغبوا في ذلك‪ ،‬أن يغامروا بوفوراتهم في سوق الوراق المالية "البورصة"‪ .‬ولكنهم‬
‫ينسون بأن مصطلح رأس مال قد أصبح مصطلحا ً شائعا ً من خلل ماركس والماركسية‪،‬‬
‫وأنه في التعابير الماركسية‪ ،‬فإنها تعني شيئا ً آخر‪ .‬ففي اللغة والنظرية الماركسية‪،‬‬
‫الرأسمالية هي نظام اجتماعي يستعبد جميع الناس‪ ،‬عن طريق الطباق عليهم في مخالبه‬
‫–ليس فقط العمال ولكن‪ ،‬أيضا ً الرأسماليين؛ فجميعهم مرغمون بآلية الرأسمالية لعمل ما‬
‫يجب أن يعملوا‪ ،‬وليس ما يرغبون في عمله‪ ،‬إنهم مرغمون على ذلك‪ .‬وتفسر الرأسمالية‬
‫كآلية اقتصادية لها آثار أقصى ما تكون بشاعة‪ ،‬ول يمكن النعتاق منها‪ :‬شقاء متواصل‬
‫للعمال‪ ،‬وتحويل غالبية الرأسماليين إلى طبقة عمالية كادحة‪ .‬ففي صراع المنافسة "يقوم‬
‫مركّزا ً في أيدي قليلة‬
‫رأسمالي بقتل كثيرين غيره" كما يقول ماركس‪ .‬ويصبح رأس المال ُ‬
‫جدا ً –عدد قليل من أصحاب الثراء الفاحش‪ ،‬تقابلهم أعداد هائلة من طبقة البروليتاريا‬
‫‪.‬البائسة والجائعة‪ .‬هكذا يتصور ماركس الرأسمالية‬

‫من الواضح تماما ً أن مثل هذه "الرأسمالية" لم تتواجد أبداً‪ .‬لقد كانت خداعا ً في الرؤية –ل‬
‫أكثر ول أقل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فمثل ذلك الخداع في الرؤية‪ ،‬قد ترك آثاره على الجنس البشري‬
‫‪.‬على امتداد التاريخ‬

‫لقد كانت مهمة الحزب الماركسي العظمى‪ ،‬مهمة السياسة الماركسية‪ ،‬قتل أو تصفية هذا‬
‫النظام الجتماعي الموهوم‪ .‬تهيأت الفرصة لدى خروتشوف لعمل ذلك‪ .‬وكان الخط هو‬
‫قنبلة أندريه ساكاروف الكبيرة‪ .‬كان ساكاروف وقتها ‪ 39‬سنة‪ ،‬وكان قد أمضى سنوات‬
‫عديدة‪ ،‬وواجه العديد من أنصاف الفشل‪ ،‬في بناء قنبلة ذرية تكون أقوى بمراحل من‬
‫القنبلة المريكية‪ .‬وفي خريف عام ‪ 1961‬نجح‪ :‬فقد جاءت نتيجة تجربة قنبلته الكبيرة‪،‬‬
‫إيجابية‪ .‬لقد كانت القنبلة كما كتب "أقوى عدة آلف المرات من القنبلة التي ألقيت على‬
‫هيروشيما"‪ .‬فقط فكِّر بما يعني هذا‪ :‬كانت هيروشيما قبل ضربها مدينة يقطنها أكثر من‬
‫‪ 340000‬نسمة‪ .‬فهل يعني عدة آلف مرات أقوى‪ ،‬أن منطقة كثيفة السكان يقطنها‬
‫‪ 340‬مليون نسمة أو أكثر‪ ،‬يمكن تدميرها بقنبلة واحدة؟ أكثر كثيرا ً من عدد سكان‬
‫الوليات المتحدة؟ ربما ل‪ :‬ل يوجد في العالم مثل هذه الكثافة السكانية‪ .‬وفي جميع‬
‫الحوال‪ ،‬فإن أية منطقة كثيفة السكان في العالم يمكن تدميرها كليا ً بمثل تلك القنبلة‬
‫‪.‬الواحدة‬

‫ويبدو أن خروتشوف كان في بلغاريا عندما سمع بنجاح تجربة قنبلة ساكاروف الكبيرة‪.‬‬
‫" لعام ‪ 1971‬ما يلي‪" :‬لقد كان خلل زيارتي‬ ‫وقد كتب في مذكراته "‬
‫إلى بلغاريا أن تكونت لدي فكرة وضع صواريخ ذات رؤوس نووية في كوبا‪ ،‬دون إفساح‬
‫المجال أمام الوليات المتحدة لمعرفة أنها وضعت هناك إل بعد فوات الوان لعمل أي‬
‫شيء إزاء ذلك"‪ .‬لقد كانت فكرة جنونية‪ .‬ففي الوقت الذي كان عليه إعادة نقلها‪ ،‬كان قد‬
‫سبق نقل ‪ 38‬صاروخا ً نووياً‪ ،‬كل واحد منه يعادل عدة آلف المرات‪ ،‬القنبلة التي ألقيت‬
‫على هيروشيما‪ .‬وإذا افترضنا أن "عدة" تعني مجرد ثلثة صواريخ‪ :‬فإن ذلك يعني‬
‫‪ 114000‬قنبلة من قنابل هيروشيما‪ .‬لحسن الحظ‪ ،‬لم تكن تلك القنابل قد اكتمل تأهيلها‬
‫بعد‪ .‬ويقول خروتشوف‪ ،‬بطبيعة الحال‪" ،‬عندما وضعنا صواريخنا البالستية في كوبا‪ ،‬لم‬
‫تكن لدينا رغبة في إشعال حرب"‪ .‬إنني أصدقه‪ :‬فلم تكن رغبته إشعال حرب‪ ،‬بل إلغاء‬
‫‪ 150000‬ألف قنبلة هيروشيمية في ضربة واحدة؛ ذلك أن ‪ 12‬أو أكثر من الصواريخ‬
‫والقنابل البالستية كانت في طريقها إلى كوبا‪ .‬وقد كتب يقول‪" :‬ل أظن أن أمريكا قد‬
‫واجهت أبدا ً مثل هذا التهديد الحقيقي في الدمار‪ ،‬كما واجهت في تلك اللحظة"‪ .‬أنا أوافق‪.‬‬
‫وفي الحقيقة‪ ،‬فقد كانت أخطر تهديد للبشرية في تاريخها حتى ذلك الحين‪ .‬كان باستطاعة‬
‫خروتشوف تدمير أمريكا بضربة واحدة‪ .‬ولكن‪ ،‬وعلى الرغم من الجراح القاتلة التي تكون‬
‫قد نزلت‪ ،‬فإن صواريخ الوليات المتحدة كانت ستنطلق أيضاً‪ ،‬وكانت ستدمر روسيا أيضاً‪،‬‬
‫‪.‬والنتائج‪ ،‬وبالخص الشعاعات‪ ،‬كانت ستدمر البشرية جمعاء‬

‫بيد أن خروتشوف خسر‪ .‬ولما كانت الوليات المتحدة كاملة التسلح‪ ،‬فقد خسر التحاد‬
‫السوفييتي السباق‪ ،‬ورفع شيفرنادزيه العلم البيض‪ .‬وفي تلك الحالة‪ ،‬سمحت هنغاريا‬
‫بخروج الشباب من ألمانيا الشرقية‪ .‬واضح أن الوضع جعل من المستحيل على‬
‫‪.‬غورباتشوف أن يتدخل وهكذا جاء انهيار ألمانيا الشرقية‪ ،‬وكل شيء تبع ذلك‬

‫كل ذلك بسبب أن مهمة الماركسية كانت تصفية جحيم رأسمالي لم يكن موجودا ً أصلً‪.‬‬
‫ويمكن للمرء أن يقول بأن الماركسية قد سقطت في حفرة فكرية سوداء عميقة –في‬
‫‪.‬صفر تام من الخيال‬

‫يجب أن نأخذ العبرة مما حدث‪ ،‬كإنذار لما يمكن ليديولوجية أن تحقق‪ .‬ومن الواضح أن‬
‫‪.‬الخطر لم يزل بعد‪ .‬تحتاج المسألة إلى مسؤولية فكرية لنقاذنا من ذلك‬

‫حكم القانون‬

‫بالنسبة لجمهوريات التحاد السوفييتي السابقة‪ ،‬ل يمكن لي تخطيط اقتصادي تقوم به‬
‫الدولة أن يساعد‪ .‬المساعدة التي تحتاج إليها لن تأتي من علماء القتصاد‪ ،‬ول حتى من‬
‫‪.‬هايك‪ ،‬عالم القتصاد‪ .‬وإنما يمكن أن تأتي فقط من هايك‪ ،‬الفيلسوف السياسي‬

‫ل يتوجب على أية دولة أن تبني نظاما ً اقتصاديا ً ناجحاً‪ .‬ولكن‪ ،‬يتوجب على كل دولة واجب‬
‫إقامة حكم القانون‪ .‬نستطيع أن نتعلم هذا من هايك‪ .‬لم يكن هنالك حكم قانون في التحاد‬
‫السوفييتي‪ ،‬ول يوجد مثل هذا القانون حتى الن؛ ول توجد قوانين مقبولة وصالحة‬
‫للتطبيق‪ ،‬كما ل يوجد قضاة مقبولون؛ هنالك فقط رواسب من حكم الحزب‪ ،‬وهنالك قضاة‬
‫ارتباطاتهم بالحزب‪ .‬وما دام الوضع على ما هو عليه‪ ،‬فليس هنالك فرق بين الشرعية‬
‫والجرام‪ .‬يتوجب الن بناء حكم القانون من نقطة الصفر‪ .‬ففي غياب حكم القانون‪،‬‬
‫الحرية تصبح مستحيلة‪ ،‬وبدون حكم القانون يصبح اقتصاد السوق الحر أمرا ً مستحيلً‪ .‬إن‬
‫‪.‬هذا الجانب من أعمال هايك‪ ،‬هو أكثر المور إلحاحا ً وحاجة في التحاد السوفييتي السابق‬

You might also like