Professional Documents
Culture Documents
fr
سورة لقمان
*تناسب خواتيم الروم مع فواتح لقمان*
ن ( ))58وفي أول ج ْئ َتهُ ْم بَِآيَةٍ َليَقُولَنّ اّلذِينَ َكفَرُوا إِنْ َأ ْنتُمْ إِلّا ُمبْطِلُو َ
ل مَثَلٍ وََلئِنْ ِن كُ ّن مِ ْس فِي َهذَا ا ْلقُرْآَ ِ في أواخر سورة الروم (وَلَ َقدْ ضَ َر ْبنَا لِلنّا ِ
ن ( ،))3ولقد ضربنا للناس في هذ القرآن – تلك آيات الكتاب الحكيم .قال في أواخر سنِي َ
حِ حكِي ِم (ُ )2هدًى َورَ ْ
حمَةً لِ ْلمُ ْ ب الْ َلقمان (تِ ْلكَ َآيَاتُ ا ْل ِكتَا ِ
حدِيثِ شتَرِي َلهْوَ ا ْل َ ن يَ ْ
س مَ ْ ب اّلذِينَ لَا َيعَْلمُونَ ( ))59وفي أول لقمان علّق على قلوب الذين ل يعلمون ( َومِنَ النّا ِ طبَعُ اللّ ُه عَلَى قُلُو ِ الروم ( َكذَِلكَ يَ ْ
خ ّفّنكَ اّلذِينَ لَا
ستَ ِ
حقّ وَلَا يَ ْ عدَ اللّهِ َ ن ( .))6في أواخر الروم (فَا ْ
صبِرْ إِنّ وَ ْ ب ُمهِي ٌعذَا ٌخذَهَا ُهزُوًا أُوَل ِئكَ َلهُ ْم َ سبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِلْ ٍم َويَتّ ِل عَنْ َ ضّ ِليُ ِ
ن ( )4أُوَل ِئكَ عَلَى ُهدًى مِنْ َرّبهِمْ َوأُوَل ِئكَ ن ( ))60وفي لقمان بيّن الموقنين فقال (اّلذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَا َة َويُ ْؤتُونَ ال ّزكَاةَ وَ ُه ْم بِالَْآخِرَ ِة ُه ْم يُوقِنُو َ يُو ِقنُو َ
صبِرْ إِنّ حكِي ُم (( – ))9فَا ْ عدَ اللّ ِه حَقّا وَهُوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ ت النّعِي ِم ( )8خَاِلدِينَ فِيهَا وَ ْ جنّا ُعمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُ ْم َ ن (( .))5إِنّ اّلذِينَ َآ َمنُوا وَ َ ُهمُ ا ْلمُفِْلحُو َ
عدَ اللّ ِه حَقّ) وَ ْ
**هدف السورة :تربية الولد**
سورة لقمان سورة مكيّة وهي تمثّل ب حق أف ضل طرق تربية الولد وجاءت آياتها في ها ر قة وح نو ول طف وهدوء ،لقمان ين صح ابنه بكل مودة
ولطف ورقّة ويكثر من استخدام كلمة (يا بني) وقد أوصاه بوصايا هي قمة الداب الجتماعية والخلق الحميدة.
ك بِاللّهِ إِنّ الشّ ْركَ لَظُلْ ٌم عَظِيمٌ) آية 13 أوصاه بعدم الشرك بال (وَِإ ْذ قَالَ ُل ْقمَانُ لِا ْبنِهِ وَهُ َو َيعِظُ ُه يَا ُبنَيّ لَا تُشْ ِر ْ .1
شكُرْ لِي َولِوَاِل َد ْيكَ إَِليّ ا ْلمَصِيرُ) آية 14 ناْ حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا عَلَى وَهْنٍ َو ِفصَالُ ُه فِي عَا َميْنِ أَ ِ ن بِوَاِلدَيْهِ َص ْينَا الْإِنسَا َ
بر الوالدين (وَ َو ّ .2
صبِ ْر عَلَى مَا َأ صَا َبكَ ن ا ْلمُنكَرِ وَا ْ عبادة ال وحسن الخلق ومعرفة حقيقة الدنيا بالصبر( :يَا ُبنَيّ َأقِ مِ ال صّلَاةَ وَ ْأمُ ْر بِا ْل َمعْرُو فِ وَانْ هَ عَ ِ .3
ك مِنْ عَ ْزمِ ا ْلُأمُورِ) آية 17 ن ذَِل َإِ ّ
ل فَخُورٍ) آية 18 ختَا ٍل مُ ْب كُ ّح ّ ن اللّهَ لَا يُ ِ
ض مَ َرحًا إِ ّش فِي ا ْلأَرْ ِ خ ّدكَ لِلنّاسِ َولَا َتمْ ِ صعّرْ َ الداب والخلق (وَلَا تُ َ .4
حمِيرِ) آية 19 ض مِن صَ ْو ِتكَ إِنّ أَنكَرَ ا ْلأَصْوَاتِ َلصَوْتُ ا ْل َ ض ْ ش ِيكَ وَاغْ ُ صدْ فِي مَ ْ الذوق وخفض الصوت (وَا ْق ِ .5
حمِيرِ) آ ية ،19لن ض مِن صَ ْو ِتكَ إِنّ أَنكَرَ الَْأ صْوَاتِ َل صَ ْوتُ الْ َ شيِ كَ وَاغْضُ ْ ص ْد فِي مَ ْ و ضع هدف للحياة وأهم ية التخط يط( :وَا ْق ِ .6
معنى القصد قد يكون أن يكون له هدف في الحياة.
فهذه السورة تضع للباء أسلوب وعظ البناء بحبّ ورقة حنان وتركز على أن السلم يرفض التباع العمى للباء (وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا أَنزَلَ
سعِيرِ) آية ،21لكن على الباء أن يساعدوا أبناءهم ويشرحوا لهم عذَا بِ ال ّن يَدْعُوهُ مْ ِإلَى َ شيْطَا ُ ج ْدنَا عََليْ هِ آبَاءنَا أَ َولَ ْو كَا نَ ال ّ
ل َنّتبِ عُ مَا وَ َ
اللّ ُه قَالُوا بَ ْ
حقيقة الحياة ويعظوهم لما فيه خيرهم بأسلوب رقيق لطيف.
خشَوْا يَ ْومًا لّا يَجْزِي وَاِل ٌد عَن وََلدِهِ َولَا مَوْلُو ٌد هُوَ جَا ٍز عَن س اتّقُوا َرّبكُمْ وَا ْوتختم السورة بالتأكيد على علم ال تعالى وقدرته في الكون (يَا َأّيهَا النّا ُ
ل ا ْل َغيْ ثَ َو َيعْلَ مُ مَا فِي ا ْلأَرْحَا مِ َومَا حيَا ُة الدّ ْنيَا وَلَا َيغُ ّرّنكُم بِاللّ هِ ا ْل َغرُورُ * إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِلْ مُ ال سّاعَةِ َو ُينَزّ ُش ْيئًا إِنّ وَعْدَ اللّ هِ حَقّ فَلَا َتغُ ّرّنكُ مُ الْ َ
وَاِلدِ هِ َ
خبِي ٌر ) آية 33و 34وهذا ما يجب أن يربّي الباء أبناءهم عليه فل ض َتمُو تُ إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم َ س بِأَيّ َأرْ ٍ غدًا َومَا َتدْرِي نَ ْف ٌ سبُ َ س مّاذَا َتكْ ِ َتدْرِي نَ ْف ٌ
يغتروا بالحياة الدنيا وينسوا من وهب هذه الحياة ومن خلق الكون ابتداءً .وذكرت الية الخيرة (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِلْ مُ ال سّاعَةِ وَ ُينَزّلُ ا ْل َغيْ ثَ َويَعْلَ مُ مَا
خبِيرٌ) آية 34خمس غيبيات ل يعلمها إل ال تعالى: ض َتمُو تُ إِنّ اللّ َه عَلِي مٌ َ س بَِأيّ أَرْ ٍ غدًا َومَا َتدْرِي نَفْ ٌ ب َ س ُس مّاذَا تَكْ ِ فِي الَْأرْحَا مِ َومَا َتدْرِي نَ ْف ٌ
علم الساعة ،انزال الغيث ،علم ما في الرحام ،الرزق والكسب ،ساعة ومكان الموت.
حروف المعجم ،الذي ُذكِر منها هو أشهر الحروف .هذه شملت نصف حروف المعجم وشملت أنصاف أنواع الحروف (مثلً شملت نصف
المهموسة ،ونصف المجهورة ،ونصف الشديدة ،ونصف الرخوة ،ونصف المُطبقة ،ونصف المنفتحة ،ونصف القلقلة ،ونصف اللين ،ونصف
المستعلية ،ونصف المستفلة ،ونصف الذلقة ،ونصف حروف الحلق) كما جاء بنصف الحرف جاء أيضا بأنصاف أوصاف الحروف .وقال أن
الحرف قسم منها من حرف واحد (ص ،ق) قسم من حرفين (حم) قسم من ثلثة (ألم ،ألر) قسم من أربعة (ألمص) قسم من خمسة (كهيعص)
وهذه الكلمات العربية هي هذه أي البنية إما يكون من حرف واحد كقسم من الضمائر والحروف كالكاف وقسم من الحروف كهمزة الستفهام
وباء الجر وواو العطف ،وقسم من حرفين مثل ذو ،وقسم من ثلث مثل الفعل الثلثي والسم الثلثي وقسم من أربعة وقسم من خمسة ثم ل شيء
بعد ذلك في العربية لنه ليس هناك سداسي أصيل وإنما مزيد فهي جاءت على أصول كلمات العربية .والقدامى نظروا نظرة أخرى فقالوا مثلً
(ألم) لو لحظنا ألم الهمزة حرف حلقي واللم ذلقة من وسط اللسان والميم شفوي ،كل السور التي تبدأ بألم كلها تبدأ أول الخلق ،وسط الخلق،
عمَ ٍد تَرَ ْو َنهَا وَأَ ْلقَى فِي الْأَ ْرضِ رَوَاسِيَ أَن َتمِيدَ ِبكُمْ َوبَثّ ت ِب َغيْ ِر َسمَاوَا ِ
خلَقَ ال ّ نهاية الخلق كأن بينها تناسب وبين مخارج الحروف .في لقمان تبدأ ( َ
ح ْكمَةَ ( ))12وما ذكر سمَاء مَاء فَأَن َبتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَ ْوجٍ َكرِي ٍم ( ))10هذا الخلق الول ثم الوسط (وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ فِيهَا مِن كُلّ دَابّةٍ وَأَنزَ ْلنَا مِنَ ال ّ
س بَِأيّ
غدًا َومَا َتدْرِي نَفْ ٌ ب َ س مّاذَا َتكْسِ ُ من إنزال الماء ،ثم في الخر (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِ ْلمُ السّاعَةِ َويُنَزّلُ ا ْل َغيْثَ َو َيعْلَ ُم مَا فِي ا ْلأَ ْرحَامِ َومَا تَدْرِي نَفْ ٌ
خبِيرٌ ( ))34الخرة .قالوا جميع السور التي تبدأ بـ ألم هكذا .أيضا انتبه القدامى أن هذه التي تبدأ بهذه الحرف يكون ض َتمُوتُ إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم َ َأرْ ٍ
التعبير فيها طابع هذه الحرف يعني التي تبدأ بالصاد تكثر فيها الكلمات الصادية يعني هي تعطيك بداية فنية لما يكثر من الحرف في هذه
السورة .مثل سورة ق تردد فيها الكلمات التي فيها قاف (ق والقرآن المجيد ،إذ يتلقى المتلقيان ،قعيد ،سائق ،تشقق) ،في ص ذكر الخصومات،
الخصم ،يختصمون ،مناص ،صيحة ،اصبروا ،صيحة ،إصبر ،الكلمات فيها صاد .ثم استدلوا إلى الحصاء قالوا ضربوا مثالً في سورة يونس
تبدأ بـ ألر وفي هذه السورة تكررت الكلمات التي فيها راء كثيرا وأقرب السور إليها سورة النمل والنحل وهي أطول منها لكنها لم تتردد الراء
فيها كما في يونس ففيها (فيها 220راء) هكذا أحصوا .ثم الملحظة أن كل السور التي تبدأ بالطاء (طه ،طس ،طسم) كلها تبدأ بقصة موسى
أولً ،كلها بل استثناء .سورة الشعراء والقصص وطه تبدأ أول ما تبدأ بالقصص تبدأ بقصة موسى وقد يذكر بعدها قصصا أخرى ففي الشعراء
ل تطبع طابع السورة يذكر قصة نوح بعد قصة موسى .يبدو كما يقولون أن اللمسة البيانية إذا كان أنه هذه تشير إلى أن الحروف المذكورة أو ً
فيكون من باب السمة التعبيرية .نحن نقول هناك سمة تعبيرية للسورة وسمة تعبيرية للسياق أي سورة تكثر فيها كلمات معينة مثل كلمة ال في
سورة البقرة وكلمة الرب في سورة آل عمران والرحمن والرحمة في سورة مريم أكثر سورة في القرآن تردد فيها الرحمة والرحمن .قد تكون
سمة تعبيرية .ليس هذا فقط ولكن قبل سنوات أخرج دكتور مهندس أخرج كتابا عن المناهج الرياضية في التعبير القرآني عملها على الكمبيوتر
وهو يقول أنه لحظ أن الحرف المذكورة في بداية السور تتناسب في السور تناسبا طبيعيا فالتي تبدأ بـ (ألم) يكون اللف أكثر تكرارا في
السورة ثم اللم ثم الميم وليس هذا فقط وإنما نسبة اللف إلى اللم مثل نسبة اللم إلى الميم ،هذه معادلة رياضية حتى أنني ناقشته وسألته هل
راجعت الصحف وتكبقها عليه فقال نعم طبقتها على الصحف لكنه وجد القرآن متفردا بها.
* هل هناك علقة بين الحرف المقطعة في بداية السورة وبين السورة كلها؟ ففي مريم مثل ً لو
وضعنا مكان كهيعص طسم هل تتغير الدللة التعبيرية للسورة؟
هو ليست الدللة ولكن إذا كان كما يقال تفيد السمة التعبيرية للسورة معنى ذلك أنها تتغير .ألم هي حروف متقطعة وليست كلمات وإن كان قسم
ل ولحظت أن كل طائفة تضع جملة تنصر بها طائفتها وقسم يقول لو جمعت من القدامى حاولوا أن يجمعوا هذه الحرف ويستخرجوا منها جم ً
الحرف تحصل على جملة "نص حكيم قاطع له سر" .سألتمونيها ،اليوم تنساه ،وقسم يقول يا أوس هل نمت؟ الوسمي هتّان (أي المطر ينزل)،
هويت السُمان ،تُجمع منها عبارات ،يجمعون من الحرف بصور مختلفة كل واحدة لها معنى.
* هل كانت العرب تتكلم في لغتها العربية بالحرف المقطعة؟
كل ويقولون هذا لشد انتباههم لنه غير مألوف في كلمهم ،هم يسمون الحرف.
القول الفصل فيها أنها حروف لها سر من قبل ال تعالى ل نعلمه وقسم قالوا هي من المتشابه الذي ل نعلمه .قد يكون هذا الرأي ولكن هذه
الملحظات جديرة بالنتباه أيضا.
حكِيمِ) مقارنة بين بداية سورة لقمان ب ال ْ َ
ت الْكِتَا ِ ك آيَا ُ*بدأت السورة بقوله تبارك وتعالى (تِل ْ َ
ن ())2؟ مت َّ ِ
قي َ ب فِيهِ هُدًى ل ِّل ْ ُ ب ل َ َري ْ َك الْكِتَا ُ
وبداية سورة البقرة (الم ( )1ذَل ِ َ
حكِيمِ) لم يشر إلى الكتاب كما في البقرة (ذلك الكتاب) لو لحظنا في سورة لقمان تردد كثير من اليات ب الْ َ
أشار إلى اليات (تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْل ِكتَا ِ
س َم ْعهَا ( ))7اليات الكونية (خلق السموات بغير عمد ،إلقاء الرواسي س َت ْكبِرًا كَأَن لّ ْم يَ ْ
السمعية والكونية ،مثلً قال (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا وَلّى مُ ْ
شكُو ٍر ( ))31هذه آيات صبّا ٍر َل َ ن آيَاتِهِ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآيَاتٍ ّلكُ ّ حرِ ِب ِن ْعمَتِ اللّهِ ِليُ ِر َيكُم مّ ْ
ك تَجْرِي فِي ا ْلبَ ْ وإخراج النبات) وسمّاها آيات (أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ
ختّا ٍر كَفُورٍ ( .))32ثم هنالك أمر وهو أن كلمة الكتاب ومشتقات الكتابة حدُ بِآيَاتِنَا ِإلّا كُلّ َ جَكونية وتلك آيات سمعية (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا) ( َومَا يَ ْ
في البقرة أكثر من اليات وفي لقمان كلمة اليات أكثر من الكتابة .في البقرة مشتقات الكتاب والكتابة 47مرة واليات 21مرة وفي لقمان ذكر
الكتاب مرتين واليات خمس مرات ،هذه سمة تعبيرية أن التي بدأت بالكتاب ذكر فيها الكتاب أكثر والتي بدأ فيها باليات ذكر فيها اليات أكثر.
حكِيمِ) في البقرة لم يصف الكتاب .ما معنى الحكيم؟ الحكيم محتمل أن يكون من الحكمة نلحظ أيضا أن هنالك أمر :قال في لقمان (ا ْل ِكتَابِ ا ْل َ
ن يَ َديْهِ مِنَص ّدقًا ّلمَا َبيْ َ
ق مُ َ
ب بِالْحَ ّينطق بالحكمة ذو حكمة ،ومحتمل أن يكون من الحُكم أي حاكم على غيره ومهيمن عليه (وَأَنزَ ْلنَا إَِل ْيكَ ا ْل ِكتَا َ
ن آيَاتِ اللّهِ ا ْلكِتَابِ َو ُم َهيْ ِمنًا عََليْ ِه ( )48المائدة) المهيمن حاكم إذن الحكيم هنا ينطق بالحكمة حتى أنه تعالى قال (وَا ْذكُرْنَ مَا ُيتْلَى فِي ُبيُو ِتكُنّ مِ ْ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
ح ْكمَ ِة ( )34الحزاب) هو حكمة ينطق بالحكمة ،أو الحُكم على الكتب قبله أي مهيمنا ،تلك الكتب بالنسبة له منسووخة وهو الن الحاكم ومن وَالْ ِ
كان يتبع الكتب السابقة فليتبع هذا الكتاب الن الكتاب المهيمن هو هذا الكتاب .وأيضا يأتي فعيل بإسم المفعول مثل فعيل بمعنى مفعول ،حكيم
خبِي ٍر ( )1هود) أحكمت آياته أي ليس فيها حكِيمٍ َ
ت مِن ّلدُنْ َ
ت آيَاتُ ُه ثُ ّم فُصَّل ْ ح ِكمَ ْ بمعنى مُحكم ،حكيم من أحكم بمعنى مُحكَم .قال تعالى (الَر ِكتَابٌ أُ ْ
خلل .قد يكون من الحكمة أو من الحكم أو استواؤها وعدم وجود الخلل فيها وهذا من باب التوسع في المعنى .لو أراد تعالى معنى محددا
ب فِيهِ ب لَ َريْ َ
لخصّص .في سورة البقرة ما وصف الكتاب لن السورة فيها اتجاه آخر .قال الحكيم ثم قال هدى ورحمة ،وهنا قال (ذَِلكَ ا ْل ِكتَا ُ
ب فِيهِ ُهدًى لّ ْل ُمتّقِينَ)
حكَم( ،لَ َريْ َ ن ( )2البقرة) .وصفه بالحكيم هو مناسب لما ورد في لقمان من الحكمة (آتينا لقمان الحكمة) وذكر ال ِ ُهدًى لّ ْل ُمتّقِي َ
عبْ ِدنَا فَ ْأتُو ْا بِسُورَ ٍة مّن ّمثْلِ ِه ( )23البقرة) في سورة البقرة وربنا وصف أن ال تعالى عزيز حكيم ب ّممّا نَزّ ْلنَا عَلَى َ
متناسب مع (وَإِن كُنتُمْ فِي َريْ ٍ
ح ْكمَ َة ( ))12وذكر الحكمة. في سورة لقمان أكثر من مرة فكلمة حكيم مناسبة لجو السورة تبدأ (وََل َقدْ آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ الْ ِ
* ما الفرق بين قوله تعالى (هدى للمتقين) (هدى ورحمة للمحسنين) ؟
سنِينَ (. ))3 حمَةً لِ ْل ُمحْ ِب فِيهِ ُهدًى لِ ْل ُمتّقِينَ ( ))2وقال في سورة لقمان ( ُهدًى وَرَ ْ قال تعالى في سورة البقرة (ذَِلكَ ا ْل ِكتَابُ لَا َريْ َ
زاد تعالى في سورة لقمان الرحمة واختلف بيت المتقين والمحسنين .المتّقي هو الذي يحفظ نفسه فمتقي النار هو الذي يحمي نفسه منها أما
المحسن فيُحسن إلى نفسه وإلى الخرين كما جاء في قوله تعالى (وأحسن كما أحسن ال إليك) و(بالوالدين إحسانا) فالحسان فيه جانب شخصي
وجانب للخرين .إذن هناك فرق بين المتقي والمحسن ثم إن الحسان إلى الخرين من الرحمة فزاد تعالى في سورة لقمان الرحمة للمحسنين
فكما أن المحسن أحسن للخرين ورحمهم زاد ال تعالى له الرحمة فقال (هدى ورحمة للمحسنين) .فالمحسن إذن زاد على المتقي فزاد ال تعالى
له الرحمة والحسان من الرحمة فزاد ال تعالى له الرحمة في الدنيا (هدى ورحمة للمحسنين) وفي الخرة أيضا (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)،
فكما زاد المحسنون في الدنيا زاد ال تعالى لهم الرحمة في الدنيا والخرةزالجزاء من جنس العمل ولهذا اقتضى في آية سورة لقمان أن يقول
تعالى (هدى ورحمة للمحسنين) ولو قال تعالى هدى للمحسنين لبخس حق المحسنين وكما نعلم إن المحسن يفضل المتّقي والحسان هو أن تعبد
ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
اليمان أع ّم من الحسان ول يمكن للنسان أن يكون متقيا حتى يكون مؤمنا وورود كلمة المتقين ،المؤمنين ،المحسنين والمسلمين يعود إلى سياق
اليات في كل سورة.
ن ُك ْنتُمْ صَا ِدقِينَ شهَدَاءكُم مّن دُونِ اللّهِ إِ ْ ع ْبدِنَا َف ْأتُو ْا بِسُورَ ٍة مّن ّمثْلِهِ وَادْعُواْ ُ ب ّممّا نَزّ ْلنَا عَلَى َ في البقرة قال ( ُهدًى لّ ْل ُمتّقِينَ) ثم قال (وَإِن كُنتُ ْم فِي َريْ ٍ
(َ )23فإِن لّ ْم تَ ْفعَلُواْ وَلَن تَ ْفعَلُو ْا فَاتّقُواْ النّا َر ( ))24اتقوا النار مقابل المتقين فإذن هناك مناسبة بين هدى للمتقين وكلمة التقوى ترددت كثيرا في
ب فِيهِ) متناسب مع قوله (وَإِن كُنتُ ْم فِي َريْبٍ) والمتقين واتقوا ال .في لقمان قال هدى ورحمة للمحسنين وفي البقرة قال فقط البقرة .فإذن (لَ َريْ َ
هدى للمتقين .أولً ما الفرق بين المتقي والمحسن؟ المتقي هو الذي يحفظ نفسه يتقي الشياء ،المُحسِن يحسن إلى نفسه وإلى غيره ( َوأَحْسِن َكمَا
َأحْسَنَ اللّ ُه إَِل ْيكَ ( )77القصص) ( َوبِالْوَاِل َديْنِ ِإحْسَانا ( )83البقرة) الحسان يتعداه إلى نفسه وإلى غيره .إذن الحسان ل يقتصر على النفس أما
التقوى فتقتصر على النفس ،الحسان إلى الخرين من الرحمة فلما رحموا الخرين وتعدى إحسانهم إلى غيرهم فرحموا الخرين ربنا يزيد
الرحمة ،أما التقوى للنفس وهؤلء إحسان للنفس وإلى الخرين والحسان إلى الخرين هي الرحمة فلما زادوا هم زادهم والجزاء من جنس
سنَى َو ِزيَادَةٌ ( )26يونس) وهذه رحمة ،فكما زاد الجزاء لهم في سنُواْ ا ْلحُ ْ
العمل ،حتى في الخرة زاد لهم الجزاء قال تعالى في الخرة (لّّلذِينَ َأحْ َ
سنِينَ). حِحمَةً لّ ْلمُ ْالخرة زاد لهم في الدنيا( ،هُدًى لّ ْل ُمتّقِينَ) و (هُدًى َورَ ْ
ولو لحظنا أن هذه الوصاف هدى ورحمة للمحسنين هي مناسبة لما ورد في عموم السورة وما شاع في جو السورة ،قال هدى ورحمة
ي ( ))15الذي يسلك سبِيلَ مَنْ َأنَابَ إِلَ ّ ك عَلَى ُهدًى مّن ّرّبهِ ْم (( ))5وَا ّتبِعْ َ وإحسان ،لو لحظنا مظاهر الهدى المذكورة في سورة لقمان قال (أُوَْل ِئ َ
ب ّمنِي ٍر ( ))20لم يكتف بالهدى والكتاب وإنما كتاب ل فِي اللّ ِه بِ َغيْ ِر عِلْمٍ َولَا ُهدًى وَلَا ِكتَا ٍ س مَن يُجَادِ ُ السبيل يبتغي الهداية ،هذا هدىَ ( ،ومِنَ النّا ِ
منير والنسان يستعمل النارة للهداية وليس كتابا فقط( .بِ َغيْ ِر عِلْمٍ َولَا ُهدًى) العلم هدى والكتاب ليس فقط كتاب وإنما كتاب منير وموصوف
بالنارة والنارة لغرض الهداية لن النسان إذا مشى في الظلم ل يهتدي .من مظاهر الهدى في لقمان النكير على الضالين والمضلين ( َو ِمنَ
ل ّمبِينٍ ( ))11الهداية في ضلَا ٍ
ن فِي َ سبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِلْ ٍم ( ))6الضلل نقيض الهداية( ،بَلِ الظّاِلمُو َ ل عَن َ ضّ حدِيثِ ِليُ ِ
شتَرِي َلهْوَ ا ْل َ س مَن يَ ْ النّا ِ
سعِيرِ ( عذَابِ ال ّ ن َيدْعُو ُهمْ إِلَى َ شيْطَا ُج ْدنَا عََليْهِ آبَاءنَا َأوَلَ ْو كَانَ ال ّ ل اللّ ُه قَالُوا بَلْ َنّتبِعُ مَا وَ َ سورة لقمان يشيع بها الجو( ،وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا أَنزَ َ
))21إذن جو الهداية شائع في لقمان .ثم الرحمة لما ذكر قوله تعالى (أن تميد بكم) هذا من الرحمة ،ولما ذكر تسخير ما في السموات والرض
س مَن طنَةً َومِنَ النّا ِ سبَ َغ عََل ْيكُ ْم نِ َعمَهُ ظَا ِهرَةً َوبَا ِ
سمَاوَاتِ َومَا فِي ا ْلأَ ْرضِ وَأَ ْ وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة( ،أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ
علْمٍ وَلَا ُهدًى وَلَا ِكتَابٍ ّمنِي ٍر ( ))20هل هناك أعظم من هذه الرحمة؟ من مظاهر الحسان إيتاء الزكاة أليست الزكاة إحسانا يُجَادِلُ فِي اللّ ِه ِب َغيْرِ ِ
ن ( ،))22الحسان في الوصية بالوالدين والحسان إليهما ،إذن جو السورة كلها شائع فيه الهدى حسِ ٌ جهَهُ إِلَى اللّهِ وَهُ َو مُ ْللخرين ( َومَن يُسِْلمْ وَ ْ
ن( ن بِا ْل َغيْبِ َويُقِيمُونَ الصّلةَ َو ِممّا رَ َز ْقنَا ُهمْ يُن ِفقُو َ والرحمة والحسان وهذه ليست في البقرة وإنما سورة البقرة ذكرت أمورا أخرى (اّلذِينَ يُ ْؤ ِمنُو َ
علَى ُهدًى مّن ّرّبهِمْ وَأُوْلَـ ِئكَ خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ ( ))4وصف كثير ثم انتهى (أُ ْولَـ ِئكَ َ ل مِن َقبِْلكَ َوبِال ِ ن يُ ْؤ ِمنُونَ ِبمَا أُنزِلَ ِإَل ْيكَ َومَا أُنزِ َ ( ))3واّلذِي َ
ن ( ))5أما في لقمان فاختصر (اّلذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَا َة َويُ ْؤتُونَ ال ّزكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَ ِة ُه ْم يُوقِنُونَ) .في لقمان كرر كلمة (هم) في البقرة لم ُهمُ ا ْلمُفِْلحُو َ
يكررها (وبالخرة هم يوقنون).
ن ( )3لقمان) ما دللة نصب كلمة رحمة؟
سنِي َ
ح ِ ة ل ِّل ْ ُ
م ْ م ً
ح َ
*(هُدًى وََر ْ
فيها وجهان هي إما مفعول لجله أو حال.
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
آية (:)5-4
ن ())5 ك ُهمُ الْمُ ْفلِحُو َعلَى ُهدًى مّن رّ ّب ِه ْم وَُأ ْولَئِ َ ن (ُ )4أ ْولَ ِئكَ َ صلَا َة وَ ُيؤْتُونَ ال ّزكَاةَ َوهُم بِالْآخِ َر ِة ُهمْ يُوقِنُو َ (اّلذِينَ ُيقِيمُونَ ال ّ
أشرنا في اللقاء السابق إلى أوليّات الية فذكرنا أن المقصود بقوله (يقيمون الصلة) أداؤها على الوجه التم إقامة الصلة هي أداؤها على الوجه
التم وهي من الحسان إلى النفس وإيتاء الزكاة من الحسان إلى الغير .وذكر اليقان بالخرة وهو مدعاة إلى الحسان إلى النفس وإلى الغير لن
خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ) وفي آية البقرة قال ( َوبِالخِ َرةِ ُه ْم يُو ِقنُونَ ( ))4أي الذي يوقن بالخرة يحسن إلى نفسه بإصلحها ويحسن إلى الغير( .وَهُم بِالْآ ِ
هنا كرر هم قبل (بالخرة) ذلك أنه لو لحظنا في سورة لقمان تردد في السورة ذكر الخرة وأحوالها والتوعد بها في زهاء نصف عدد آيات
خلْ ُقكُمْ َولَا َب ْعثُكُمْ إِلّا َكنَفْسٍ
السورة وأولها وآخرها (لهم عذاب مهين)( ،فبشره بعذاب أليم)( ،لهم جنات النعيم)( ،عذاب غليظ)( ،إليه المصير)( ،مّا َ
جزِي وَاِلدٌ عَن وََلدِه) في زهاء نصف آيات السورة يتعرض للخرة وأحوالها ثم هي بدأت بالخرة (يوقنون) وانتهت شوْا يَ ْومًا لّا يَ ْ
حدَ ٍة )( ،وَاخْ َ وَا ِ
بالخرة بقوله تعالى (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِ ْلمُ السّاعَةِ ( ))34فناسب زيادة (هم) توكيدا على طابع السورة وما جاء في السورة .إضافة إلى أن هؤلء ذكر
أنهم محسنون والمحسنون كما علمنا أنهم يحسنون إلى أنفسهم وإلى غيرهم وزاد فيهم هدى ورحمة وليس كما في البقرة المتقين الذي يحفظ نفسه.
فزاد في وصف هؤلء الذين يعبدون ال كأنهم يرونه وهذا من الحسان "أن تعبد ال كأنك تراه" زاد في ذكر إيقانهم ويقينهم لما كانوا أعلى مرتبة
سنَى وَ ِزيَادَةٌ ( )26يونس) زاد في ذكر إيقانهم فقال (وَهُم بِالْآخِرَ ِة ُهمْ يُو ِقنُونَ) هم سنُواْ ا ْلحُ ْ
وزاد لهم في الرحمة وزاد لهم في الخرة (لّّلذِينَ َأحْ َ
ت عََل ْيهِ ْم آيَاتُهُ زَا َد ْتهُمْ إِيمَانًا ( )2النفال) فاليمان يزيد والطمئنان درجات واليقين أعلى في اليقين لن اليقين درجات واليمان درجات (وَِإذَا تُِليَ ْ
خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ) فأكدها على ما ذكر في سورة درجات والمحسنين يبعدون ال كأنهم يرونه إذن درجة يقينهم عالية فأكد هذا المر فقال (وَهُم بِالْآ ِ
خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ) .السورة والية كلها يختلف ويستدعي ذكر الزيادة .لكن الملحظ أنه في البقرة وفي لقمان قدم الجار والمجرور على البقرة ( َوبِال ِ
خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ) لم يقل وهم يوقنون بالخرة .الصل في اللغة العربية أن يتقدم الفعل ثم تأتي المعمولت الفاعل والمفعول به الفعل ( َوبِال ِ
والمتعلق من جار ومجرور والتقديم ل بد أن يكون لسبب وهنا قدم (وبالخرة) وكذلك في البقرة ( َوبِالْآخِرَ ِة ُه ْم يُو ِقنُونَ) لن اليقان بالخرة
صعب ومقتضاه شاق أما اليمان بال كثير من الناس يؤمنون بال لكن قسم منهم مع إيمانه بال ل يؤمن بالخرة مثل كفار قريش (وَِإذَا قِيلَ إِنّ
ن كَفَرُوا جدِي ٍد ( )7سبأ) ( َوقَالَ اّلذِي َ خلْقٍ َ ل ُممَزّقٍ ِإّنكُمْ َلفِي َ ب فِيهَا قُ ْلتُم مّا نَدْرِي مَا السّاعَ ُة ( )32الجاثية) (ِإذَا مُ ّز ْقتُ ْم كُ ّ عدَ اللّ ِه حَقّ وَالسّاعَةُ لَا َريْ َ وَ ْ
سمَاوَاتِ وَا ْلأَ ْرضَ َليَقُولُنّ اللّ ُه ( )25لقمان) إذن هم ق ال ّ َأ ِئذَا ُكنّا تُرَابًا وَآبَا ُؤنَا َأئِنّا َلمُخْرَجُونَ ( )67النمل) وهم مؤمنون بال (وََلئِن سَأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَ َ
خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ) اليمان بال كأنه متسع لكن اليقين بالخرة مؤمنون بال لكن غير مؤمنين بالخرة ولذلك هنا قدم الخرة لهميتها فقال ( َوبِالْآ ِ
ليست متسعة والتقديم هنا للهتمام والقصر.
الية في لقمان تختلف عن الية في سورة البقرة ،صفات الذين تحدثت عنهم سورة البقرة غير صفات الذين تحدثت عنهم سورة لقمان لكن كانت
ك هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ). النهاية واحدة (أُوْلَـ ِئكَ عَلَى ُهدًى مّن ّرّبهِمْ َوأُوْلَـ ِئ َ
هؤلء المذكورون بهذه الصفات (أُوْلَـ ِئكَ عَلَى ُهدًى مّن ّرّبهِمْ) واقتران لفظ الرب مع الهداية اقتران في غاية اللطف والدقة لن الرب هو المربي
والموجه والمرشد والمعلم ،هذا الرب في اللغة .لم يقل على هدى من ال وإنما قال على هدى من ربهم وفيها أمران :يمكن أن يقال هدى من ال
لن ال لفظ الجللة إسم العلم كل المور تنسب إليه يصح أن تُنسب إليه بإسمه العلم وأحيانا تنسب إلى صفاته بما يناسب المقام ،ينسب ل ما يشاء
وكلها تنسب لسمه العلم ولكن هناك أشياء من الجميل أن تنسب إلى صفاته سبحانه وتعالى مثل أرحم الراحمين ،الرحمن الرحيم فهنا قال على
هدى من ربهم والرب في اللغة هو أصلً المربي والموجه والمرشد فيناسب اللفظ مع الهداية واختيار لفظ الرب مع الهداية كثير في القرآن وهو
س َيهْدِينِ ( )62الشعراء) (قُلْ ي َربّي َ ل كَلّا إِنّ َمعِ َ يءٍ خَ ْلقَ ُه ثُ ّم َهدَى ( )50طه) (قَا َ مناسب من حيث الترتيب اللغوي (قَالَ َرّبنَا اّلذِي أَعْطَى كُلّ شَ ْ
ستَقِي ٍم ( )161النعام) كثيرا ما تقترن الهداية بالرب وهو اقتران مناسب لوظيفة المربي .إضافة إلى أن ربهم ط مّ ْ ِإّننِي َهدَانِي َربّي إِلَى صِرَا ٍ
ك عَلَى ُهدًى مّن ّرّبهِمْ) ل شك أن ربهم يهدهم فيه إخلص الهداية وإخلص التوجيه أمحض لهم بالنصح والتوجيه والرشاد وإفادته هو( .أُوْلَـ ِئ َ
ورب النسان يعني مربيه أخلص له من غيره ،هناك دللة لطيفة بين الرب والهدى وبين بالضافة ربهم هم ،لو استعمل إسم العلم ليس فيه علقة
بهم وإنما عامة لكن على هدى من ربهم ل شك أن ربهم هو أرحم بهم وأرأف بهم لذا فاختيار كلمة رب مناسبة مع الهداية .ثم إضافته إليهم أمر
آخر أنه أرأف بهم وأرحم بهم "على هدى من ربهم هم" لن ربه هو أرأف به وأرحم به وأطلب للخير له .الهدى مقترن بالرب وفيه من الحنو
والرشاد والخوف على العباد ثم إضافة الضمير (ربهم) هذا فيه أن ال يحبهم ويقربهم إليه وفيه من الحنو والنصح والرشاد والتوجيه ول شك
ك عَلَى ُهدًى مّن ّرّبهِمْ) يستعمل مع الهداية لفظ (على) بعكس أن رب النسان أحنى عليه .وناك أكر إلتفت إليه القدمون :قال تعالى (أُوْلَـ ِئ َ
علَى ا ْلحَقّ ستَقِي ٍم ( )4يس) (ِإّنكَ َ ط مّ ْصرَا ٍللٍ ّمبِينٍ ( )8يوسف) هذا ملحظ في القرآن الكريم (عَلَى ِ الضلل يستعمل لها لفظ (في ) (َلفِي ضَ َ
ن ( )47يس) وليس فقط في الضلل وإنما ما يؤدي إلى الضلل ( َفهُمْ فِي ل ّمبِي ٍ ا ْلمُبِينِ ( )79النمل) ويستعمل في للضلل (إِنْ أَنتُمْ إِلّا فِي ضَلَا ٍ
ن ( )11يونس) كأن المهتدي هو مستعلي يبصر ما حوله ومتمكن ط ْغيَا ِنهِ ْم َيعْ َمهُو َ
ن لَ يَ ْرجُونَ ِلقَاءنَا فِي ُ ن ( )45التوبة) ( َف َنذَرُ اّلذِي َ َريْ ِبهِ ْم َيتَ َردّدُو َ
مما هو فيه مستعلي على الشيء ثابت يعلم ما حوله ويعلم ما أمامه أما الساقط في اللجة أو في الغمرة أو في الضلل ل يتبين ما حوله بصورة
صحيحة سليمة لذا يقولون يستعمل ربنا تعالى مع الهداية (على ) ومع الضلل (في).
ل جاء بضمير الفصل (هم) وجاء بالتعريف (المفلحون) لم يقل أولئك مفلحون ولم يقل هم مفلحون ثم ختم الية بقوله (وَأُوْلَـ ِئكَ هُ ُم ا ْلمُفْلِحُونَ) أو ً
وإنما حصرا إن هؤلء هم المفلحون حصرا ليس هنالك مفلح آخر .أولئك الصل إسم الشارة من الناحية الحسة المحسوسة إذا لم نرد المجاز أن
أولئك للبعيد وهؤلء للقريب هذا الصل مثل هذا وذلك .ثم تأتي أمور أخرى مجازية كأن هؤلء أصحاب مرتبة عليا فيشار إليهم لعلو مرتبتهم
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
ل فيشار إليهم بما بفلحهم وعلة مرتبتهم بأولئك إشارة إلى علو منزلتهم وعلو ما هم فيه فالذي على هدى هو مستعلي فيما يسير هو مستعلي أص ً
هو بعيد وبما هو مرتفع وبما هو عالٍ ثم حصر الفلح فيهم قال (وَأُ ْولَـ ِئكَ ُهمُ ا ْلمُ ْفلِحُونَ) حصرا فمن أراد الفلح ول شك أن كل إنسان يريد
الفلح .والذي يؤمن بالخرة يؤمن بكل شيء وبكل ما يتعلق بذلك وهي ليست كلمة تقال .وذكر ركنين أساسيين واحدة في إصلح النفس وواحدة
في الحسان إلى الخرين :إقامة الصلة وإيتاء الزكاة فإقامة الصلة هي أول ما يسأل عنه المرء ولذلك هو قال (وَأُ ْولَـ ِئكَ ُهمُ ا ْلمُ ْفلِحُونَ) حصرا
ل فلح في غير هؤلء ومن أراد الفلح فليسلك هذا السبيل أن يكون على هدى من ربه إذا أراد الفلح عليه أن يكون على هدى من ربه وليس
وراء ذلك فلح.
ل مِن َقبِْلكَ) ولم يقلها في لقمان، في البقرة قال (اّلذِينَ يُ ْؤ ِمنُونَ بِا ْل َغيْبِ) ما قالها في لقمان وقال في البقرة (واّلذِينَ يُ ْؤ ِمنُونَ ِبمَا أُن ِزلَ إَِل ْيكَ َومَا أُنزِ َ
وقال في لقمان ( َويُ ْؤتُونَ ال ّزكَاة) وفي البقرة قال ( َو ِممّا رَ َز ْقنَا ُه ْم يُن ِفقُونَ) وهذه أعم من الزكاة والزكاة من النفاق فإذن مما ينفقون تحت طياتها
الزكاة( .اّلذِينَ يُ ْؤ ِمنُونَ بِا ْل َغيْبِ) وهذا متعلق بالسورة نفسها كما ذكرنا أن في لقمان شاع فيها تردد اذكر لخرة وهنا جو السورة ومفتتح السورة
ل آ َمنّاس مَن يَقُو ُ غالبا ما يكون له علقة بطابع السورة من أولها إلى نهايتها .في سورة البقرة ،قال (اّلذِينَ يُ ْؤ ِمنُونَ بِا ْل َغيْبِ) وبعدها قال ( َومِنَ النّا ِ
بِاللّهِ َوبِا ْليَوْ ِم الخِرِ َومَا هُم بِمُ ْؤ ِمنِينَ ( ))8هذا من الغيب لم يؤمنوا ل بال ول باليوم الخر .وقال على لسان بني إسرائيل (وَِإ ْذ قُ ْلتُ ْم يَا مُوسَى لَن
جهْرَ ًة ( ))55إذن هم ل يؤمنون بالغيب وطلبهم عكس الغيب لذلك هو قال (اّلذِينَ يُ ْؤ ِمنُونَ بِا ْل َغيْبِ) وليس مثل هؤلء الذين حتّى نَرَى اللّهَ َ نّ ْؤمِنَ َلكَ َ
سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ يقولون آمنا وما هم بمؤمنين ول مثل هؤلء الذين طلبوا أن يروا ال جهرة بينما في لقمان قال (وََلئِن َ
ص ٌد ( )32لقمان) ل دَعَوُا اللّ َه مُخْلِصِينَ لَ ُه الدّينَ فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى ا ْلبَرّ َف ِم ْنهُم مّ ْقتَ ِ ج كَالظَّل ِ ش َيهُم مّ ْو ٌ
غِ اللّ ُه ( ))25إذن هم مؤمنون بالغيب وقال (وَِإذَا َ
إذن هم دعوا ال ،يختلف الطابع .الطابع العام في سورة البقرة اليمان بالغيب وطلب اليمان أو النكار على عدم اليمان بالغيب بينما في لقمان
سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ اللّهُ) إذن يؤمنون بجزء من الغيب بينما أولئك في سورة سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّاليمان بالغيب حتى الذين كفروا قال (وََلئِن َ
جهْرَةً) هذه ليست إيمانا بالغيب وربنا يريد اليمان بالغيب .ونلحظ قال ( َويُ ْؤتُونَ ال ّزكَاةَ) وفي البقرة حتّى نَرَى اللّهَ َ البقرة ينكرون (لَن نّ ْؤمِنَ َلكَ َ
قال ( َو ِممّا رَ َز ْقنَا ُه ْم يُنفِقُونَ) لن تكرر في البقرة وذكر عدا الزكاة النفاق 17مرة في البقرة وذكر الزكاة في عدة مواطن وذكر النفاق ( ّمثَلُ
ن مَا أَن َفقُوُا َمنّا َولَ َأذًى ( ل (( ))261اّلذِينَ يُن ِفقُونَ َأمْوَاَلهُ ْم فِي َ
سبِيلِ اللّ ِه ثُ ّم لَ ُي ْتبِعُو َ سنَابِ َ
سبْعَ َ حبّةٍ أَن َبتَتْ َ سبِيلِ اللّ ِه َك َمثَلِ َن يُن ِفقُونَ َأمْوَاَلهُ ْم فِي َ
اّلذِي َ
ل ِنيَ ًة ( 17 ))274مرة تكرر النفاق عدا المر بالزكاة في البقرة فإذن هذا أعم .في لقمان ما ن يُنفِقُونَ َأمْوَاَلهُم بِالّليْلِ وَال ّنهَارِ سِرّا وَعَ َ ( ))262اّلذِي َ
ل مِن َقبِْلكَ) لم يقل هذا في لقمان لنه في البقرة جرى هذا وطلب ن ِبمَا أُنزِلَ إَِل ْيكَ َومَا أُنزِ َ ن يُ ْؤمِنُو َ ذكر النفاق فطابع السورة يختلف .حتى (واّلذِي َ
صدّقا ّلمَا َم َعكُ ْم ( )41البقرة) إذن يؤمنون بما ت مُ َ من أهل الكتاب أن يؤمنوا بما أُنزل إليه وما أنزل من قبلك في آيات كثيرة جدا (وَآمِنُو ْا ِبمَا أَنزَ ْل ُ
ن آ َمنُواْ قَالُو ْا آ َمنّا (( ))76وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم آ ِمنُو ْا ِبمَا طمَعُونَ أَن يُ ْؤ ِمنُواْ َل ُك ْم (( ))75وَِإذَا َلقُو ْا اّلذِي َ أنزل إليك وما أنزل من قبلك وهؤلء لم يؤمنوا (َأ َفتَ ْ
ل ِبمَا أُنزِلَ إَِليْ ِه مِن ّربّهِ أَن َزلَ اللّ ُه ( ))91هم ل يؤمنون بما أُنزل إليه بينما هو طلب يؤمنون بما أنزل إليك وحتى في آخر البقرة قال (آمَنَ الرّسُو ُ
ل ولذلك ح ٍد مّن رّسُلِ ِه ( ))285طابع السورة هكذا وفي لقمان لم يجد مثل هذا أص ً ق َبيْنَ أَ َل نُفَرّ ُن بِاللّهِ َومَل ِئ َكتِهِ َو ُكُتبِهِ َورُسُلِ ِه َ
ل آمَ َ
وَا ْلمُ ْؤ ِمنُونَ كُ ّ
مفتتح سورة البقرة فيها طابع السورة موجود في مفتتح سورة البقرة.
آية (:)6
ن ())6
عذَابٌ ّمهِي ٌ ك َل ُهمْ َخ َذهَا هُ ُزوًا أُولَئِ َ
ع ْلمٍ َويَتّ ِ
ضلّ عَن سَبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْرِ ِ ث ِليُ ِ
حدِي ِ
(وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي َل ْهوَ الْ َ
اللهو كل باطل يلهي عن الخير .لهو الحديث هو السمر بالساطير والحاديث وما ل خير فيه من الحديث قول الخنا (الفحش) وما إلى ذلك .كل
ما ل خير فيه من الكلم وساقط القول والكلم في الساطير والخرافات هو من لهو الحديث .مما ُذكِر في سبب نزول الية قيل أنها نزلت في
النضر بن الحارث كان تاجرا يخرج إلى فارس فيشتري من قصص العاجم ويأتي ويحدّث بها قريش ويقول محمد يحدثكم بأخبار عاد وثمود
وأنا أحدثكم بأخبار رستم والكاسرة فيقص عليهم قصصا فيستمعون له .يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل ال وهي عامة يدخل فيها كل هؤلء
شتَرِي
س مَن يَ ْ
وكل من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل ال .ولهو الحديث هو كل ما ل خير فيه من ساقط القول يدخل في اللهوَ ( .ومِنَ النّا ِ
سبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِ ْلمٍ) هل يشتريه بغير علم؟ أو ليضل بغير علم؟ المفسرون قالوا قسم منهم قال يشتري بغير علم بالتجارة ل عَن َ حدِيثِ ِليُضِ ّ
َلهْ َو الْ َ
ل يعلم ماذا يشتري هل هو في صالحه أم ل؟ لن النسان لما يشتري يشتري شيئا لصالحه وهذا لم يشتري لصالحه شيء هو المفروض أن
يشتري ما فيه نفع له لكن ما يشتريه ليس في صالحه وإنما سيورده موارد الهلكة والمفروض أن يشتري الحكمة وليس الساطير والخرافات فإذا
أراد أن يشتري المفروض أن يشتري ما فيه نفع له وللناس ،فإذن قالوا هو يشتري من غير علم بالتجارة وماذا ستؤول إليه هذه البضاعة هل
تؤول إلى صالحه؟ هل تؤول إلى ما فيه خير؟ إلى فلحه في الدنيا والخرة؟ أم هو كلم ليس فيه فائدة وفيه خسارة له في الخرة؟ .يشتري بغير
علم بالتجارة وغير بصيرة بها .كان أفضل لو اشترى ما فيه حكمة وما فيه منفعة .وقسم قالوا ليضل الناس بغير علم وهو ل يعلم ماذا يتكلم؟ هو
يضل الناس ول يعلم ماذا يفعل؟ فهو يضلهم وهو ل يعلم ماذا يفعل وحتى لو علم فهذا ليس في صالحه لنه أدى إلى إضللهم وتكون عاقبة من
ن يُضِلّو َنهُم ِب َغيْرِ عِ ْل ٍم ( )25النحل) .إذن هل
حمِلُواْ َأوْزَارَ ُه ْم كَامِلَ ًة يَوْمَ ا ْل ِقيَامَةِ َومِنْ أَوْزَارِ اّلذِي َ
أضل عليه ويحمل وزره ووزر من اضلهم (ِليَ ْ
المقصود يضل الناس بغير علم هو ل يعلم طريق الهدى فكيف يهديهم؟ إذن هو يضلهم عن سبيل ال .إذن قسم قالوا يشتري بغير علم ل يعلم ماذا
يشتري غير بصير بالتجارة وقسم علقه يضل الناس بغير علم فأضلهم وهو ل يعلم ماذا يفعل وأنا أميل إلى أنه من التنازع أي الثنين معا أي
يشتري بغير علم ويضل بغير علم وهذا باب في النحو التنازع يعني مثل يسبحون ويحمدون ال أي يسبحون ال ويحمدون ال ،أكرمت وأعطيت
زيدا فعلن يتنازعان على واحد المفروض أكرمت زيدا وأعطيت زيدا ،هذا تنازع .إذن يشتري بغير علم ويضل بغير علم كلهما وباب التنازع
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
موجود في النحو كثيرا .كون أكثر من فعل أو أكثر من إسم يشتركان في متعلق واحد وفي معمول واحد يصير هناك تنازع "حضر وسافر
محمد" ،الكلم فيه كثير في اللغة .بغير علم مرتبطة بمن يشتري ومن يضل كليهما وتكون معمولة لكليهما ولهذا سموه تنازعا لن الفعلين
يتنازعان مفعولً واحدا ،لما تقول أعطيت وأكرمت زيدا (زيدا) مفعول به للفعلين إذن بغير علم للثنين يشتري بغير علم ويضل بغير علم فتكون
الخسارة مضاعفة الذي يشتري بغير علم خاسر والذي يضل الناس يخسر فالخسارة مضاعفة وكونه بغير علم ل يعفيه من المسؤولية .ربنا قال
ص ْنعًا ( )104الكهف) كونه ل يعلم ل
سنُونَ ُسبُونَ َأّنهُ ْم يُحْ ِ
حيَا ِة ال ّد ْنيَا وَهُ ْم يَحْ َ عمَالًا ( )103اّلذِينَ ضَلّ َ
س ْع ُيهُ ْم فِي ا ْل َ خسَرِينَ أَ ْ
ل ُن َنبّ ُئكُ ْم بِا ْلأَ ْ
ل هَ ْ
(قُ ْ
سبُونَ َأّنهُم ّمهْ َتدُونَ ( )37الزخرف) ل ينفعه حسبانه أنه مهتدي ينبغي أن يكون سبِيلِ َويَحْ َ صدّو َنهُ ْم عَنِ ال ّ
يعفيه من المسؤولية .قال إنهم (وَِإّنهُمْ َليَ ُ
على هدى من ربه( .ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) هذا ل يعفيه من المسؤولية ولذلك لما قال بغير علم فهذه خسارة أخرى هو
يضل نفسه ولكن يضل الخرين فيتحمل وزرين وزر نفسه ووزر الخرين وسيكون أخسر الخسرين.
* بدأ الية بالمفرد (من يشتري) وانتهى بالجمع (أولئك) فهل هنالك رابط؟
لما قال ليضل عن سبيل ال هذا سيكون تهديدا له ولمن يضلهم التهديد ليس له فقط هو فجمعهم في زمرته هو ومن يتبعه ال ُمضِل والضال إذن
ج ُبكَ
ب ّمهِينٌ) .في آية أخرى قال تعالى ( َومِنَ النّاسِ مَن ُيعْ ِ عذَا ٌ ليسا واحدا وإنما أصبحت جماعة .إذن هذا تهديد له ولكل من يضله (أُوَل ِئكَ َلهُ ْم َ
ج َهنّمُ وََل ِبئْسَ ا ْل ِمهَادُ (
سبُهُ َ
حْلثْ ِم فَ َ خصَامِ ( )204وَِإذَا قِيلَ لَ ُه اتّقِ اللّهَ َأ َ
خذَتْهُ ا ْلعِزّ ُة بِا ِ ش ِهدُ اللّ َه عَلَى مَا فِي قَ ْلبِهِ وَهُوَ أََلدّ الْ ِ
حيَا ِة ال ّدنْيَا َويُ ْ
قَوْلُ ُه فِي الْ َ
)206البقرة) قال (فحسبه جهنم) لنه لم يذكر أحدا معه بدأ بالمفرد وانتهى بالمفرد لنه لم يتعلق بالخر فقال فحسبه ولما هنا تعلق بالخرين فقال
أولئك لهم عذاب مهين.
َ ض َّ
هُزوًا (خذَهَا ُ علْم ٍ وَيَت َّ ِ ل الل ّهِ بِغَيْرِ ِ
سبِي ِ ل عَن َ ث لِي ُ ِحدِي ِ و ال ْ َ
شتَرِي لَهْ َ من ي َ ْ س َ م َ َ
ن الن ّا ِ (و ِ
*قال تعالى َ
جعَلْنَا ))6عطف بدون اللم مع أنه في موضع آخر في القرآن عطف باللم مثل في قوله تعالى (وَ َ
َ اللَّي ْ َ
موا ْ عَدَدَم وَلِتَعْل َ ُ من َّربِّك ُ ْ ضل ً ِّصَرةً لِتَبْتَغُوا ْ فَ ْ
مب ْ ِة النَّهَارِ ُ
جعَلْنَا آي َ َ ة الل ّي ْ ِ
ل وَ َ حوْنَا آي َ َ
م َ ن فَ َ َ
ل وَالن ّهَاَر آيَتَي ْ ِ
صيل ً ( )12السراء) فما اللمسة البيانية في هذه الية؟ صلْنَاهُ تَفْ ِي ٍء فَ َّ ل َ ب وك ُ َّ ن وَال ْ ِ
ش ْ سا َ َ ح َ سنِي َ
ال ِّ
خذَهَا ُهزُوًا أُوَل ِئ َ
ك سبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِلْ ٍم َويَتّ ِ ل عَن َ ضّ حدِيثِ ِليُ ِ شتَرِي َلهْوَ ا ْل َ
س مَن يَ ْ
الية التي كنا ذكرناها وبينا قسما منها هي قوله تعالى ( َومِنَ النّا ِ
ب ّمهِينٌ ( ))6لماذا لم يكرر اللم في (يتخذها)؟ المعلوم المقرر في قواعد النحو أن التكرار آكد من عدم التكرار مثلً عندما تقول مررت عذَا ٌ َل ُهمْ َ
بمحمد وبخالد أقوى من مررت بمحمد وخالد الذكر أقوى هذه قاعدة وآكد .إذن عندنا هنا أمران :هو لماذا يشتري لهو الحديث؟ ذكر أمران:
ليضل عن سبيل ال ويتخذها هزوا هل هما بمرتبة واحدة؟ الغرض الول هو ليضل عن سبيل ال أما إتخذت الهزو فليس بالضرورة أن يذهب
فيشتري فالهزو يهزأ في مكانه السخرية ل يحتاج أن يذهب ويتاجر ويشتري ل يحتاج إذن هما ليسا بمرتبة واحدة ،إذن ليضل عن سبيل ال وهو
الشراء في الصل ليضل عن سبيل ال ويتخذها هزوا تأتي بعدها وليسا بنفس القوة وهذا الترتيب له غرض .إذن عندنا أمران بعضهما أقوى من
خذَهَا ُهزُوًا) فحذف اللم .أما في الية (ِل َت ْبتَغُو ْا فَضْلً سبِيلِ اللّ ِه ِب َغيْ ِر عِلْمٍ) والثاني دونه في التوكيد ( َويَتّ ِ ل عَن َ بعض وآكد من بعض ،الول (ِليُضِ ّ
حسَابَ) هل سنِينَ وَالْ ِ عدَدَ ال ّ ل مّن ّرّبكُمْ وَِل َتعَْلمُو ْا َ حسَابَ) ذكر أمران كلهما له مكانة في الهمية (ِل َتبْ َتغُو ْا فَضْ ً سنِينَ وَالْ ِ عدَدَ ال ّمّن ّرّبكُمْ وَِل َتعَْلمُو ْا َ
يمكن أن نعيش بدون معرفة السنين والحساب؟ والبتغاء؟ كلهما مهمان في الحياة علم السنين والحساب ضروري في الحياة وفي خارج القرآن
ل من ربكم وتعلموا عدد السنين والحساب تصبح دونها في التوكيد والهمية وهذه قاعدة .مررت بمحمد وبخالد آكد لو قال في الية لتبتغوا فض ً
ك اليّا ُم ُندَاوُِلهَا َب ْينَ ح ّمثْلُهُ َوتِ ْل َ
ح فَ َق ْد مَسّ ا ْلقَوْ َم قَ ْر ٌ سكُ ْم قَ ْر ٌمن مررت بمحمد وخالد وآكد منهما مررت بمحمد ومررت بخالد .مثال آخر( :إِن َيمْسَ ْ
حبّ الظّاِلمِينَ ( )140آل عمران) ليعلم ال باللم ويتخذ بدون لم (وَِل ُيمَحّصَ اللّ ُه اّلذِينَ ل يُ ِ
ش َهدَاء وَاللّهُ َ
خذَ مِنكُمْ ُ
النّاسِ وَِل َيعْلَ َم اللّهُ اّلذِينَ آ َمنُواْ َو َيتّ ِ
ن ( )141آل عمران) ليعلم ال الذين آمنوا منكم ل يتخلف منه أحد كل واحد ربنا تعالى يعلم علما يتعلق به الجزاء .لكن هل ق ا ْلكَافِرِي َ
آ َمنُواْ َو َيمْحَ َ
يتخذ منهم كلهم شهداء؟ كل إذن ليسا بنفس المنزلة ،يتخذ شهاد من قسم قليل منهم .وليمحص ال الذين آمنوا ل يتخلف منه أحد لكن ويمحق
الكافرين فقط .هذا يدرس في علم البلغة في غرض التوكيد الذكر والحذف ،يذكر لعِلّة ويحذف لعِلّة .عطف بدون تكرار للحرف الول وعندنا
خذَهَا ُهزُوًا). سبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِ ْلمٍ َو َيتّ ِ
ل عَن َ قاعدة الذكر آكد من الحذف .من هنا نفهم لماذا قال تعالى في آية لقمان (ِليُضِ ّ
َ ض َّ
علْم ٍ وَيَت َّ ِ
خذُهَا هُ ُ ً
زوا ( )6لقمان) ل الل ّهِ بِغَيْرِ ِ
سبِي ِ
ل عَن َ ث لِي ُ ِ شتَرِي لَهْوَ ال ْ َ
حدِي ِ من ي َ ْ
س َ م َ َ
ن الن ّا ِ *(وَ ِ
يتخذ ُها مرفوعة بقراءة ورش فلماذا جاءت يتخذها بالرفع؟
إذا كانت في المصحف فهي قراءة ،يتخذُها بالرفع معطوفة على يشتري وإذا كانت بالنصب معطوفة على (ليضلّ) وكلهما صحيح فصيح.
آية (:)7
َ َ َ
معْهَا
س َ ستَكْبًِرا كَأن ل ّ ْ
م يَ ْ *ما دللة استعمال (إذا) دون (إن) في الية (وَإِذ َا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَل ّى ُ
م ْ
ب أَلِيم ٍ ())7؟ ُ كَأ َ َّ
ن فِي أذ ُنَيْهِ وَقًْرا فَب َ ّ ِ
شْرهُ بِعَذ َا ٍ
إذا في اللغة أقوى من إن( ،إن) تستعمل للمور المحتملة الوقوع والمشكوك في حصولها ولفتراض المور التي قد ل تقع أو إذا وقعت فهي أقل
أما (إذا) فل تستعمل إل فيما هو واجب وقوع أو الذي يقع كثيرا مع أن كلهما شرط .لما سأل موسى ربه (قَالَ َربّ أَ ِرنِي أَنظُرْ ِإَل ْيكَ قَالَ لَن
ف تَرَانِي ( )143العراف) أمر مشكوك فيه ليس بالضرورة أن يستقر( .قُلْ أَ َرَأيْتُمْ إِن َ
جعَلَ ستَ َقرّ َمكَانَ ُه فَسَ ْو َ
ل َفإِنِ ا ْ
جبَ ِ
تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْ َ
س ْرمَدًا إِلَى يَوْمِ ا ْل ِقيَامَ ِة ( )72القصص) ل اللّ ُه عََل ْيكُ ُم ال ّنهَارَ َ اللّ ُه عََل ْيكُمُ الّليْلَ سَ ْر َمدًا إِلَى يَ ْومِ الْ ِقيَامَةِ ( )71القصص) هذا افتراض( ،قُلْ أَرََأ ْيتُمْ إِن َ
جعَ َ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
ن مِنَ ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ ا ْق َتتَلُوا ( )9الحجرات) هذا ليس أمرا يوميا وإنما قلّ ما يقع وليس كأمر الصلة هو أمر افتراضي غير واقع في الحياة (وَإِن طَا ِئ َفتَا ِ
ض فَان ُفذُوا لَا سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْ ِ ط ْعتُمْ أَن تَن ُفذُوا مِنْ َأقْطَارِ ال ّ ستَ َض ( )10الجمعة)( .يَا َمعْشَرَ ا ْلجِنّ وَا ْلإِنسِ إِنِ ا ْ ت الصّلَا ُة فَانتَشِرُوا فِي ا ْلأَرْ ِ ضيَ ِ (فَِإذَا قُ ِ
ب عََل ْيكُمْجنَحْ َلهَا ( )61النفال) .أما إذا تستعمل للمقطوع بحصوله أو كثير الحصول ( ُكتِ َ جنَحُواْ لِلسّ ْل ِم فَا ْن ( )33الرحمن) (وَإِن َ تَن ُفذُونَ إِلّا بِسُ ْلطَا ٍ
ش ْمسَ ِإذَا طََلعَت تّزَاوَ ُر عَن َكهْ ِفهِ ْم ذَاتَ ن بِا ْل َمعْرُوفِ ( )180البقرة) ( َوتَرَى ال ّ صيّةُ لِلْوَاِل َديْنِ وَالقْ َربِي َ خيْرًا ا ْلوَ ِ
حدَكُ ُم ا ْلمَوْتُ إِن تَ َركَ َ حضَرَ َأ َ ِإذَا َ
شمَالِ) ولذلك كل أحداث يوم القيامة ضهُ ْم ذَاتَ ال ّ ا ْليَمِينِ ( )17الكهف) ل يمكن أن تقول إن طلعت الشمس إل في اليوم الغائم( ،وَِإذَا غَ َربَت تّقْ ِر ُ
ت ( )3وَِإذَا سيّرَ ْ ل ُ ت ( )2وَِإذَا الْ ِ
جبَا ُ ت ( )1وَِإذَا النّجُو ُم ا ْن َكدَرَ ْ س كُوّ َر ْ شمْ ُتأتي بـ (إذا) ول يصح أن تأتي بـ (إن) لنها واقعة ل محالة (ِإذَا ال ّ
ت ( )8التكوير) ل يمكن أن سئِلَ ْ ت ( )7وَِإذَا ا ْلمَ ْوءُودَةُ ُ ج ْ س زُوّ َت ( )6وَِإذَا النّفُو ُ ت ( )5وَِإذَا ا ْلبِحَارُ سُجّرَ ْ شرَ ْ ت ( )4وَِإذَا الْوُحُوشُ حُ ِ عطّلَ ْ ا ْلعِشَا ُر ُ
شرُوا فِي ضيَتِ الصّلَا ُة فَانتَ ِ شهُ ُر الْحُ ُر ُم ( )5التوبة) ل بد أن تنسلخ( ،فَِإذَا ُق ِ خ الَ ْ يؤتى بإن ول يصح لنها واقعة ل محالة وهذه قاعدة( .فَِإذَا انسَلَ َ
ن آ َمنُواْ ن ِمنْهَا ( )86النساء) هل هناك يوم ل يحيي أحد أحد؟ (يَا َأّيهَا اّلذِي َ حسَ َحيّو ْا بِأَ ْحيّ ٍة فَ َ ض ( )10الجمعة) ل بد أن تنقضي( ،وَِإذَا ُ
حّييْتُم ِبتَ ِ الْأَ ْر ِ
ل هُ َو ( )282البقرة) هذه الحالة أقل من الولى( .يَا ستَطِيعُ أَن ُيمِ ّ ل يَ ْ ضعِيفًا أَ ْو َ ق سَفِيهًا أَ ْو َ ِإذَا َتدَايَنتُم بِ َديْنٍ ( )282البقرة) (فَإن كَانَ اّلذِي عََليْهِ الْحَ ّ
ف مَا ن نِصْ ُ حشَ ٍة َفعََليْهِ ّن فَإِنْ َأ َتيْنَ بِفَا ِ
حصِ ّ ق ( )6المائدة) هذه أقل( .فَِإذَا أُ ْ ن آ َمنُواْ ِإذَا ُق ْمتُمْ إِلَى الصّل ِة فاغْسِلُواْ ُوجُو َهكُمْ وََأ ْي ِد َيكُمْ إِلَى ا ْلمَرَافِ ِ َأّيهَا اّلذِي َ
حدَكُمُ ا ْلمَ ْوتُ إِن تَ َركَ حضَرَ َأ َ ب عََل ْيكُمْ ِإذَا َ ب ( )25النساء) إذا أحصن أي البلوغ فإن أتين بفاحشة هذه قليلة الحدوث( .كُتِ َ ت مِنَ ا ْل َعذَا ِصنَا ِ ح َ عَلَى ا ْلمُ ْ
حيَا َة ال ّد ْنيَا وَزِي َنتَهَا ()28 ن تُ ِردْنَ ا ْل َجكَ إِن كُنتُ ّ ي قُل لّأَزْوَا ِ ف ( )180البقرة) هذه قاعدة( .يَا َأّيهَا ال ّنبِ ّ ن بِا ْل َمعْرُو ِ
صيّةُ ِللْوَاِل َديْنِ وَالقْ َربِي َ
خيْرًا الْ َو َِ
صنًا ( )33النور) هذا افتراض .إذا وإن تدلن على الشرط لكن (إذا) هي إما ن تَحَ ّ الحزاب) هذا افتراض( .وَلَا ُتكْرِهُوا َف َتيَا ِتكُ ْم عَلَى ا ْل ِبغَاء إِنْ أَ َردْ َ
لما هو واقع ل محالة أو كثير الوقوع أما (إن) فهي افتراض وقد يكون استحالة أو أمور ل تقع ولكن ليس هنالك لها في واقع الحياة حصول (وَإِن
ب مّ ْركُومٌ ( )44الطور) متى رأينا كسفا من السماء ساقطا؟ إذن (إذا) أقوى من (إن) من حيث الوقوع سمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَا ٌ يَرَوْا ِكسْفًا مّنَ ال ّ
وقد وردت في القرآن 362مرة ولم يرد في موطن واحد في افتراض أنها لم تقع بينما (إن) في افتراض ،يمكن تقع أو ل تقع (وَإِن كُنتُ ْم فِي َريْبٍ
عبْ ِدنَا ( )23البقرة) لكنها ليست مثل (إذا) .فإذن لما قال (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْ ِه آيَا ُتنَا) القراءة حاصلة .هناك فرق بين (إن) الشرطية وإن ّممّا نَزّ ْلنَا عَلَى َ
النافية (إِنِ ا ْلكَافِرُونَ إِلّا فِي غُرُورٍ ( )20الملك) هذه بمعنى (ما) ونميز الشرطية بفعل الشرط وجواب الشرط وإذا دخلت على المضارع تجزم
وهي مختصة بالدخول على الفعال بينما (إن) النافية تدخل على السماء والفعال
الفرق بين (إذا) و(إذ):
إذ ظرف للماضي في الغالب ول يعدونها من أدوات الشرط ،إذما من أدوات الشرط (وَا ْذكُرُواْ ِإذْ كُنتُ ْم قَلِيلً َف َكثّ َركُ ْم ( )86العراف) (يَا َأّيهَا اّلذِينَ
جنُو ٌد ( )9الحزاب) النحاة يقولون إذ للماضي وإذا للمستقبل ونحن نقول (إذ) في الغالب للماضي وإذ آ َمنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّ ِه عََل ْيكُمْ ِإذْ جَاء ْتكُ ْم ُ
ليست شرطية( .إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب لجوابه مبني على السكون( .إذ) إسم ،ظرف زمان للماضي في الغالب
عنَا ِقهِ ْم ( )71غافر) وهذه للمستقبل (سوف) في جهنم يسحبون في الحميم وإن كان له تأويل آخر أنه مستقبل منزّل ل فِي أَ ْ لنه في القرآن (ِإذِ الْأَغْلَا ُ
حتّى ِإذَا َأدْ َركَهُ
منزلة الماضي لكني أعتقد أنها في الغالب للماضي كما أن (إذا) في الغالب للمستقبل وقد تكون في الماضي كما في قوله تعالى ( َ
س ( )86الكهف) حتى في آية الجمعة (وَِإذَا رََأوْا تِجَارَةً أَوْ َلهْوًا ان َفضّوا شمْ ِ ق ( )90يونس) هو أدركه الغرق بالفعلَ ( .
حتّى ِإذَا بَلَغَ َمغْ ِربَ ال ّ ا ْلغَرَ ُ
ِإَليْهَا ( )11الجمعة) هذه الية نزلت بعد ما وقع المر .النحاة ل يقولون غالبا ولكنهم يقولون أن أدوات الشرط كلها في الستقبال.
َ
*قال في الية تتلى بصيغة المضارع (وَإِذ َا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا) ولم تأتي بالماضي مع أنه قال (وَل ّى
ستَكْبًِرا)؟
م ْ
ُ
ال أعلم الفعل الماضي كما يبدو لي في الشرط يفيد حصول الحدث مرة واحدة والمضارع يفيد تكرر الحدث مثلً نلحظ في آيتين متتابعتين ( َومَن
طئًا (َ ( )92ومَن َي ْقتُلْ مُ ْؤ ِمنًا ّم َت َعمّدًا ( ))93القتل الخطأ ليس من المفروض أن يتكرر فإذا كان يتقل مؤمنا متعمدا هذا يتكرر لذا في ل مُ ْؤ ِمنًا خَ َ َقتَ َ
س ْع َيهَا ( )19السراء) ( َومَن يُ ِر ْد ثَوَا َ
ب ال ّد ْنيَا سعَى َلهَا َ خرَةَ وَ َ
القتل الخطأ قال (قتل) وقال (يقتل) لما كان افتراض تكرر الحدثَ ( .ومَنْ َأرَادَ ال ِ
نُ ْؤتِ ِه ِمنْهَا َومَن يُ ِردْ ثَوَابَ الخِ َرةِ نُ ْؤتِ ِه ِم ْنهَا ( )145آل عمران) من أراد ماضي ومن يرد مضارع يتكرر ،الثواب يتكرر ،كل شيء متعلق
ع ْدنَا
ن عُدتّ ْم ُ ت ( )19النفال) (عَسَى َربّكُمْ أَن يَ ْر َ
ح َمكُمْ وَإِ ْ شيْئًا وَلَ ْو َكثُرَ ْ
ي عَنكُ ْم ِف َئتُكُ ْم َ
بالثواب يتكرر أما الخرة فواحدة( .وَإِن تَعُودُو ْا َنعُدْ وَلَن ُتغْنِ َ
عدْنَا) هذه في بني إسرائيل وقد ذكر ن عُدتّ ْم ُ( )8السراء) لو لحظنا قال (وَإِن تَعُودُو ْا َنعُدْ) قالها في كفار قريش بعد وقعة بدر هم عادوا بينما (وَإِ ْ
حبْنِي ( )76الكهف) بقي له سؤالً واحدا، ي ٍء َبعْدَهَا فَلَا تُصَا ِ
ك عَن شَ ْ ل إِن سَأَ ْل ُت َ أنهم يفسدون في الرض مرتين إحداهما ذهبت وتبقى الخرى( .قَا َ
ضغَا َنكُ ْم ( )37محمد) هذا متكرر بينما في الولى سؤال واحد ثم تنقطع المصاحبة .الماضي والمضارع مع ج أَ ْ(إِن يَسَْأ ْل ُكمُوهَا َفيُحْ ِفكُ ْم َتبْخَلُوا َويُخْرِ ْ
الشرط يدلن على الستقبال لكن الماضي مرة واحدة أو أقل والمضارع فيه توقع حدوث مرات كثيرة .ولذلك هنا في آية لقمان قال (وَِإذَا ُتتْلَى
عََليْ ِه آيَا ُتنَا) دللة على تكرار التلوة الذي يفترض أن يؤدي إلى التأمل والتفكر والنتباه يدعوه للتأمل وهذا بخلف لو قال تليت عليه إحتمال أن
تكون تليت مرة واحدة .وقال (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا) قال آياتنا بإضافة اليات إلى ضمير التعظيم ل تعالى لتعظيم فعلة هذا والتشنيع عليه أن آيات
ال ويستهزئ بها وولى مستكبرا كأن لم يسمعها.
ن فِي أُذ ُنَيْهِ وَقًْرا) وفي الجاثية تحدث عن هذا المعنى بصورة *قال تعالى في آية سورة لقمان (كَأ َ َّ
معْهَا
س َ ن لَ ْ
م يَ ْ
َ
ستَكْبًِرا كَأ ْ صُّر ُ
م ْ ت اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ث ُ َّ
م يُ ِ معُ آَيَا ِ س َ
َ
ك أثِيم ٍ ( )7ي َ ْ
ل لِك ُ ّ َ
ل أفَّا ٍِ مختلفة (وَي ْ ٌ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
ب أَلِيم ٍ ( ))8لم يقل كأن في أذنيه وقرا ً فلم فذ آية لقمان بالتحديد وردت (كَأ َ َّ
ن فِي فَب َ ّ ِ
شْرهُ بِعَذ َا ٍ
أُذ ُنَيْهِ وَقًْرا)؟
ن فِي ُأ ُذ َنيْهِ َو ْقرًا َفبَشّرْ ُه ِبعَذَابٍ أَلِي ٍم ( ))7وفي الجاثية ( َويْلٌ ِلكُلّ
س َم ْعهَا كَأَ ّ
س َت ْكبِرًا كَأَن لّ ْم يَ ْ
نقرأ اليات في سورة لقمان (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا وَلّى مُ ْ
س َمعْهَا َفبَشّرْ ُه ِبعَذَابٍ أَلِي ٍم ( ))8كيف يكون في أذنيه وقر وهو يسمع كلم ال؟ ستَ ْكبِرًا كَأَنْ َل ْم يَ ْ
صرّ ُم ْ
عَليْهِ ثُ ّم يُ ِ
ت اللّ ِه تُتْلَى َ َأفّاكٍ َأثِيمٍ ( )7يَ ْ
سمَعُ َآيَا ِ
في لقمان لم يقل يسمع آيات ال ،قال تتلى عليه لكنه لم يقل يسمعها .أما في الجاثية قال يسمع آيات ال تتلى عليه فكيف يقول في أذنيه وقرا؟ لما
ن فِي ُأ ُذ َنيْهِ َو ْقرًا) في لقمان .السماع يأتي من التلوة هناك من يتلو حتى يسمع .الوقر المانع يمنعه من السماع لم يقل يسمع ناسب أن يقول (كَأَ ّ
هنالك شيء في أذنه ل يسمع جيدا.
ب أَلِيمٍ) فبشره بضمير الفراد ولم يجمع الضمير مع أنه سبق *الملحظ بقوله تعالى (فَب َ ّ ِ
شْرهُ بِعَذ َا ٍ
ن) فلماذا؟مهِي ٌب ُّم عَذ َا ٌ الخطاب بالجمع (أُولَئ ِ َ
ك لَهُ ْ
ن فِي ُأ ُذ َنيْهِ َو ْقرًا َفبَشّرْ ُه ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ) نلحظ هنا ذكره وحده لم يذكر معه أحدا س َم ْعهَا كَأَ ّ
س َت ْكبِرًا كَأَن لّ ْم يَ ْ
قال سبحانه (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا وَلّى مُ ْ
ن فِي ُأ ُذ َنيْهِ َو ْقرًا) إفراد ،بينما الية س َم ْعهَا كَأَ ّ
س َت ْكبِرًا كَأَن لّ ْم يَ ْ
آخر ونلحظ سياق الية كلها تتكلم عن شخص واحد (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا وَلّى مُ ْ
خذَهَا هُزُوًا أُوَل ِئكَ َل ُهمْ
علْمٍ َو َيتّ ِ
سبِيلِ اللّ ِه ِب َغيْرِ ِ
ل عَن َ حدِيثِ ِليُضِ ّ شتَرِي َلهْوَ الْ َ س مَن يَ ْ قبلها التي جمع فيها يتكلم عليه وعلى من أضله ( َومِنَ النّا ِ
ب ّمهِينٌ) بالجمع وليس له وحده ،فإذن هناك كان التهديد للجمع ب ّمهِينٌ ( ))6هناك أصبح جماعة تهديد له ولمن يضله فقال (أُوَل ِئكَ َلهُ ْم َ
عذَا ٌ عذَا ٌ
َ
(أولئك لهم عذاب مهين) له ولمن يضله وهنا لما كان الكلم هنا عليه وحده أفرد قال ( َفبَشّرْ ُه ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ) وقال بشره مع أن البشرى ل تكون إل
في الخير استهزاء به وسخرية منه فقال ( َفبَشّرْ ُه ِبعَذَابٍ َألِيمٍ).
ن) فما ب ُّ ِ
مهي ٌ م عَذ َا ٌ ب أَلِيمٍ) وفي آية قبلها قال (أُولَئ ِ َ
ك لَهُ ْ *ختمت الية بقوله تعالى (فَب َ ّ ِ
شْرهُ بِعَذ َا ٍ
الفرق بين العذاب المهين والعذاب الليم؟
هذا ليس تعرضا وإنما وصف آخر ،الهانة تكون إذا وقعت أمام الخرين .يكون العذاب مهينا إذا كان هناك من يشهد العذاب إذا لم يكن هنالك
من يشهد فالهانة ليست ظاهرة وكلما كان المشاهدين والحاضرين أكثر كانت الهانة أكثر .هذا ذكر هنالك من يُضلهم (عذاب مهين) لنه يشهد
بعضهم هذا الذي أضلهم سيعذب أمامهم فهي إذن هذه إهانة له هذا الذي كان يفعل هكذا ويضل هو الن يعذّب وله عذاب مهين يهينه أمام هؤلء
الذين أضلهم وهؤلء أيضا كلهم سيعذبون وكل منهم يشهد عذاب الخر فهم في عذاب مهين .أما في الية الثانية فهو وحده له عذاب أليم ل
ل كونه مستهزئ جمع أمرين لن الذين يستهزئ بهم هو أهانهم وآلمهم .الهانة بحد ذاتها ينطبق عليه مهين .العذاب المهين قد يكون أليما وهو أو ً
قد يكون فيها إيلم للخريم فجمع ال تعالى له بين الهانة واللم .وقد يكون العذاب المهين ليس مؤلما جسديا ولكن مؤلم نفسيا أما هنا فجمع له
ب ّمهِينٌ) هذه إهانة ثم قال ( َفبَشّرْ ُه ِبعَذَابٍ َألِيمٍ) هذا ألم إذن
عذَا ٌ
بين العذابين الهانة واليلم في مجموعهم (أليم ومهين) .أول مرة قال (أُوَل ِئكَ َلهُ ْم َ
صار له عذابين إهانة وألم وليس مهينا فقط من دون إيلم .قد يكون على سبيل المثال أن أحدا في سبيل المبدأ ،في سبيل القرآن ،في سبيل
السلم يُعذّب لكن ل يرى فيه إهانة بل يرى فيه فلحا وثباتا وعزة وصلحا وحسنة .بينما هنا جمع له عذاب مهين وأليم كما استهزأ بالخرين
وأهانهم وآلمهم هنا جمع له عذاب مهين وأليم .وقد يكون المهين غير مؤلم جسديا ل يشترط في اللغة أن يكون مؤلما جسديا فجمعهم مهين وأليم.
مهين يشهد بعضهم عذاب بعض والهانة وما إلى ذلك وما كان يضلهم فأهانه أمام جماعته وشهد بعضهم عذاب بعض وإهانة العذاب لهم وآلمهم
به فجمع بينهما.
*تقدير العذاب في القرآن الكريم (عذاب أليم ،مهين ،شديد) هل يرتبط نوع العذاب بصدر الية
القرآنية؟
يرتبط ويرتبط بفعل المعذب ماذا يقدم له من فعل المعذب وكيف قدم له؟ فيذكر بسبب السياق وفيما اقتضى العذاب.
آية (:)9-8
حكِي ُم ())9
حقّا َو ُه َو ا ْلعَزِي ُز الْ َ
ع َد اللّهِ َ
ن اّلذِينَ آ َمنُوا وَعَ ِملُوا الصّالِحَاتِ َل ُهمْ جَنّاتُ ال ّنعِي ِم ( )8خَا ِلدِينَ فِيهَا وَ ْ(إِ ّ
بعد أن ذكر الكافرين وأن لهم عذاب أليم مهين ذكر ما يقابلهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ،ذكر أن لهم جنات النعيم أضاف الجنات إلى النعيم
جنّاتُ ال ّنعِيمِ)
بمقابل ما يلقاه المُِضل من عذاب مهين وأليم هو الذي يلقى عذابا مهينا لو وضعته في الجنة وأنت تعذبه ل ينعم فهنا ربنا قال (َلهُ ْم َ
جنّاتُ ال ّنعِيمِ) وهذا من فهو إذن يتنعم في مقابل ما يلقاه ذاك من عذاب مهين هذا ينعم مقابل ذاك الذي يهان ويألم .ثم تقديم الجار والمجرور (َلهُ ْم َ
باب الختصاص أي لهم ل لغيرهم ،للذين آمنوا وعملوا الصالحات ل ينعم أحد في الجنة غير هؤلء حصرا.
كل الجنات هي نعيم وليس في الجنة بؤس ول شقاء كلها نعيم بمقابل ما يلقاه ذاك في النار من الهانة والعذاب .خالدين فيها أي ليس فقط لهم
جنات النعيم كما تقول لك هذه الدار وإنما الخلود فيها .معنى الخلود البقاء والدوام يقولون الخلود الطويل لكن بالنسبة للخرة ل ينقضي ولذلك
حقّا) ووعد ال حقا ل يتخلف( .وعدَ) مفعول مطلق عدَ اللّهِ َ يقول أحيانا أبدا أي ليس له نهاية عندما يقول خالدين فيها أبدا هذا تأكيد البدية( .وَ ْ
لفعل محذوف يعني يعدكم ال وعده حقا .وحقا مفعول آخر مؤكّد لفعل محذوف.
أكد بالذين آمنوا وأكد بـ (حقا) وأكد بالمفعول المطلق مع أن كلها أشياء طيبة في الجنات ولم يؤكد في العذاب؟ كلها أمر مؤكد .حسب ما يرد
جحِيمًا ( )12المزمل) وأكّد في أماكن أخرى. وورد قوله تعالى (إِنّ َلدَ ْينَا أَنكَالًا وَ َ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
جبال مع أنه استخدمها في القرآن .هو قال (وألقى في الرض رواسي) وأحيانا يقول (جعل في الرض رواسي) ألقى في الرض رواسي وقبلها
حكِيمُ) فإلقاء الرواسي مناسب للعِزّة لنه عزيز حكيم .ألقى دللتها متقاربة من جعل ،الجبال قسم منها ملقاة تأتي من فوق قال (وَهُوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ
صخور تسقط من فوق وقسم يخرج من البراكين ثم تسقط ،اختيار هنا اللقاء مناسب للعزيز الحكيم لما ذكر عزته وحكمه قال وألقى حاكم يلقي
الوامر كما يشاء ويلقي الجبال فهي مناسبة إذن للعزيز الحكيم وفيها قوة .إذن ألقى في الرض مناسبة للعزيز وأن تميد بكم مناسب للحكيم .فإذن
هي أيضا مناسبة للعزيز الحكيم .يجب دراسة الكلمات في القرآن من سياقها وارتباطها ببعض والمقاصد العامة للسورة ول ينبغي أن نسلخ آية
من السياق العام .قال رواسي هنا وفي آيات أخرى يذكر الجبال .المقصود بالرواسي الثوابت حتى تثبت لما يذكر مجراها ومرساها (حين تقف)،
(بِسْ ِم اللّ ِه مَجْرَاهَا َومُرْسَاهَا ( )41هود) مسيرها وإرساؤها .الرواسي أن تميد بكم أي تثبتها .لما كان اختيار الرواسي بمعنى الثوابت ل يستخدمها
حدَ ًة ()14
ل َف ُدكّتَا َدكّةً وَا ِجبَا ُ ت الْأَ ْرضُ وَا ْل ِ ت سَرَابًا ( )20النبأ) (وَ ُ
حمِلَ ِ ل َفكَانَ ْ
جبَا ُ
سيّرَتِ ا ْل ِ
سيّرت؟ (وَ ُ
يوم القيامة عند زوالها ،كيف رواسي وكيف ُ
ش(ل كَا ْل ِعهْنِ ا ْلمَنفُو ِ
جبَا ُ
الحاقة) ولذلك في يوم القيامة ل يستعمل الرواسي مطلقا لن يوم القيامة الجبال فيها حركة ورفع ودك ونسف ( َو َتكُونُ ا ْل ِ
)5القارعة) ل يستعمل في يوم القيامة الرواسي وإنما يستعمل الجبال .هنا (أن تميد بكم) مناسب للرواسي.
َ َ
ل َزوٍْج كَرِيمٍ ( ))10قال في آيات أخرى
من ك ُ ِّ
ماء فَأنبَتْنَا فِيهَا ِ ماء َ ن ال َّ
س َ م َ *يقول تعالى (وَأنَزلْنَا ِ
َ َ
ل َزوٍْج بَهِيٍج ( )7ق)؟ من ك ُ ِّي وَأنبَتْنَا فِيهَا ِ س َ (وَألْقَيْنَا فِيهَا َروَا ِ
أول مرة قال أنزلنا بإسناد النزال إلى نفسه سبحانه تعالى وهذا يسمونه إلتفات لهمية الماء للنسان .أنزلنا فيها ضمير التعظيم مع أنه قال
(وألقى) أول مرة فالتفت تحول الضمير لبيان النعمة في إنزال الماء وإنبات ما ذكر من الزواج فهذا الللتفات حتى يبين سبحانه وتعالى نعمته
ج كَرِيمٍ) .من كل زوج أي من كل صنف فالزوج تأتي بمعنى الصنف ( َوكُنتُمْ ل زَوْ ٍسمَاء مَاء فَأَن َبتْنَا فِيهَا مِن كُ ّ على النسان فقال (وَأَنزَ ْلنَا مِنَ ال ّ
ن ( )22الصافات) .لكن لماذا اختار هنا زوج كريم وفي مكان آخر جهُمْ َومَا كَانُوا َي ْعبُدُو َ َأزْوَاجًا ثَلَاثَ ًة ( )7الواقعة) (احْشُرُوا اّلذِينَ ظََلمُوا وَأَزْوَا َ
زوج بهيج؟ .الكريم هو بالغ الجودة والنفاسة كثير الخير والمنفعة ،والبهيج الذي يدخل البهجة على النفوس ،إختيار كل كلمة لماذا اختار هنا بهيج
ح ْكمَةَ مَن يَشَاء َومَن ح ْكمَ َة ( ))12والحكمة هي بالغة الخير والنفاسة (يُؤتِي ا ْل ِ وهنا كريم؟ .يذكر هنا أن لقمان آتاه ال الحكمة (وََل َقدْ آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ الْ ِ
خيْرًا َكثِيرًا ( )269البقرة) فإذن هذا الكرم مناسب لذلك الخير الكثير الذي في الحكمة .هذا زوج كريم بالغ الخير والنفاسة ح ْكمَ َة فَ َقدْ أُوتِيَ َ
ت الْ ِ
يُؤْ َ
ح ْكمَةَ) والحكمة بالغة الخير والنفاسة والخير الكثير لنها مناسبة لما سيذكر بعدها من الحكمة .قد يسأل والجودة هكذا قال تعالى (وََل َقدْ آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ الْ ِ
سمَاء فَ ْو َقهُ ْم َكيْفَ َب َن ْينَاهَا وَ َزّينّاهَا َومَا َلهَا مِن
سائل لم تعددت الوصاف والزوج واحد؟ ننظر ماذا قال تعالى في سورة ق (َأفََلمْ يَنظُرُوا إِلَى ال ّ
ل بَاسِقَاتٍ ّلهَا طَلْ ٌع نّضِيدٌ ( ))10لما قال ج بَهِيجٍ ( ))7إلى أن يقول (وَالنّخْ َ ض َمدَ ْدنَاهَا َوأَلْ َق ْينَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَن َب ْتنَا فِيهَا مِن كُلّ زَ ْو ٍ ج ( )6وَالَْأرْ َ فُرُو ٍ
ج بَهِيجٍ) هذه تدخل وزينها أليست الزينة لدخال البهجة على النفوس؟ بلى ،إذن كلمة بهيج مناسبة للزينة التي ذكرها في السماء (مِن كُلّ زَ ْو ٍ
ل بَاسِقَاتٍ ّلهَا طَلْ ٌع نّضِيدٌ) كلها يدخل البهجة .كما في سورة البهجة والزينة تدخل البهدة والزينة أصلً تدخل البهجة على النفوس ثم يقول (وَالنّخْ َ
ج بَهِيجٍ ( ))5ناسب بين الهمود وبين البهجة ،هذه هامدة ل ت مِن كُلّ زَ ْو ٍ ض هَا ِمدَةً َفِإذَا أَن َز ْلنَا عََل ْيهَا ا ْلمَاء ا ْهتَزّتْ َو َربَتْ وَأَنبَتَ ْ الحج ( َوتَرَى ا ْلأَرْ َ
بهجة فيها مطلقا فالوصف بحسب السياق الذي ورد ،هناك كل زوج كريم لما تكلم عن نفاسة الحكمة وما سيأتي من الخير الذي ذكره في الحكمة
قال من كل زوج كريم مناسب لما سيذكر ولما ذكر الزينة والنخل باسقات قال بهيج مناسب للبهجة .الموصوف قد يكون واحدا لكن الصفات
تختلف وتتعدد بحسب ما تريد أن تذكره أنت في السيقا فإذا أردت أن تصف شخصا بالعلم تقول هو عالم ،الكلم على أي شيء من الصفات
الكلم على الخلق تقول هذا صاحب خلق وإذا كان الكلم على الدين تقول هو تقي فالصفات تتعدد بحسب المقام والسياق.
آية (:)11
ن ())11ضلَالٍ مّبِي ٍ
خَلقَ اّلذِينَ مِن دُو ِنهِ َبلِ الظّالِمُونَ فِي َ
ق اللّهِ َفأَرُونِي مَاذَا َ
خلْ ُ
( َهذَا َ
كلمة خلق في الصل مصدر لكن هذا المصدر أحيانا يراد به إسم المفعول ،الخلق بمعنى المخلوق لماذا ذكر مخلوقات قال هذا خلق ال ،فهي
تحتمل أن هذا ما خلقه ال لن المصدر في اللغة أحيانا يراد به إسم الفاعل أو يراد به إسم المفعول .الزرع يراد به المزروع وقد يراد به
خلْقُ اللّهِ) هنا تحتمل أن يراد بالمصدر إسم المفعول أي هذه مخلوقاته ويحتمل أن يراد بها هذا المصدر ،زرعت الشجرة زرعا هذه مصدر( .هَذَا َ
صنعه يراد به المصدر كما ذكر وهذا من باب التساع في المعنى هذا صنعه العجيب وفعله العظيم وخلقه المتقن وهذه مخلوقاته كما ترى .لو
قال مخلوقاته لكان معنى واحد لكن خلق ال تتسع لكل الخلق والمخلوق( .هذا) إشارة للقريب.
َ َ
من دُونِهِ)؟ ما قال (ما) مع أن كلهما للستفهام؟ خلَقَ ال ّذِي َ
ن ِ *هنا قال (فَأُرونِي َ
ماذ َا َ
عتِيدٌ ( )23ق) بمعنى الذي( ،فَانكِحُواْ ي َل قَرِينُ ُه َهذَا مَا َلدَ ّ
ل (آكل ما تأكل وأشرب ما تشرب) ( َوقَا َ (ما) قد تكون للستفهام وقد تكون إسما موصو ً
مَا طَابَ َلكُم مّنَ النّسَاء مَ ْثنَى َوثُلَثَ َو ُربَاعَ ( )3النساء)( .ما) محتمل أن تكون إسم موصول وتحتمل أن تكون استفهام .هنا لو قال فأروني ما
خلق الذين من دونه تحتمل دللتين :الموصولية بمعنى الذي لو قال أروني الذي خلق قد يقال هو خلق فأرني الذي خلقه ،هذه تحتمل تقول أرني
ما صنع فلن أي أرني الذي صنعه ،هذا إسم الموصول واستفهام أرني ما فعل هذا استفهام( .ما) تحتمل الستفهامية وتحتمل إسم الموصول.
(ماذا) إسم إستفهام قطعا ل تحتمل الموصولية .هو أراد هنا الستفهام إذن هم قطعا لم يفعلوا شيئا أرني ماذا فعل فلن؟ هذا فيه دللة على أنه لم
ق اللّ ِه فََأرُونِي
يفعل شيئا( .ما صنع) يحتمل أنه صنع (أرني ما صنعت ،أرني ما كتبت) هناك شيء موجود يسأل عنه .التعبير هنا قال ( َهذَا خَلْ ُ
خلَقَ اّلذِينَ مِن دُونِهِ) هذا خلقه ال تعالى أروني ماذا خلق الخرون؟ هذا صنعه ال تعالى وخلقه أروني ماذا خلق الخرون؟ لماذ أنتم مَاذَا َ
ل ّمبِينٍ) انتهى إلى مسألة أن الظالمون في ضلل. تشركون؟ ترقى من هذا السؤال إلى أمر آخر وقال (بَلِ الظّاِلمُونَ فِي ضَلَا ٍ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
حمِيدٌ) السؤال هو لماذا قال ومن يشكر بالمضارع ثم ومن كفر بالماضي؟ هو ي َ
غنِ ّ
شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ
شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ
قال تعالى ( َومَن يَ ْ
الشكر يتكرر وينبغي أن يتكرر لن كل نعمة تمر بك ل بد أن تشكرها ينبغي أن تشكرها .إذن الشكر يتكرر بينما الكفر ليس كذلك يمكن للنسان
أن يكفر ويبقى على كفره ول يضطر لن يكفر ويكفر ،يكفي أن يكفر في المعتقد أو في شيء أما الشكر فيتكرر .في حلقة سابقة ذكرنا أنه إذا
طئًا (َ )92ومَن خَ ل مُ ْؤ ِمنًا َ ورد فعل الشرط مضارعا فهو مظنّة التكرار وإذا ورد ماضيا فهو ليس مظنة التكرار وضربنا أمثلة من جملتها ( َومَن َقتَ َ
ب ال ّد ْنيَا نُ ْؤتِهِ ِم ْنهَا َومَن يُ ِردْس ْع َيهَا ( )19السراء) ( َومَن يُ ِر ْد ثَوَا َ سعَى َلهَا َ ل مُ ْؤ ِمنًا ّم َتعَ ّمدًا ( ))93فرقنا بين المتعمد والخطأ ( َومَنْ أَرَادَ ال ِ
خرَةَ وَ َ يَ ْقتُ ْ
ت ()19 ش ْيئًا وََلوْ َكثُ َر ْ ي عَنكُ ْم ِفئَ ُتكُمْ َثَوَابَ الخِرَ ِة نُ ْؤتِ ِه ِمنْهَا ( )145آل عمران) الفرق بين الثواب وإرادة الخرة (وَإِن َتعُودُو ْا نَ ُعدْ وَلَن تُ ْغنِ َ
ح ْبنِي ( )76الكهف)( ،إِن يَ ْ
سأَ ْل ُكمُوهَا شيْ ٍء َب ْعدَهَا فَلَا تُصَا ِ ع ْدنَا ( )8السراء)( ،قَالَ إِن َ
سأَ ْل ُتكَ عَن َ ن عُدتّ ْم ُ
ح َمكُمْ وَإِ ْالنفال) (عَسَى َرّبكُمْ أَن يَ ْر َ
ضغَا َنكُمْ ( )37محمد) وذكرنا في حينها دللة أن ورود الفعل المضارع بعد أداة الشرط مظنة التكرار ووروده ماضيا ليس خرِجْ أَ ْ ح ِفكُ ْم َتبْخَلُوا َويُ ْ
َفيُ ْ
مظنة التكرار .وهنا ورد مضارعا بعد أداة الشرط (من) إسم شرط وجوابه فإنما يشكر لنفسه ،فهو مظنة التكرار وينبغي أن يتكرر لن الشكر
ينبغي أن يتكرر لن النِعم متكررة ل تنقطع بينما الكفر ينبغي أن يُقطع أصلً ولذلك جاء به بالفعل الماضي فخالف بين الفعلين ،المضارع فيه
تجدد واستمرار في الغالب أما الماضي فانقطع في الصل وإن كان النحاة يرون أن الماضي إذا وقع في فعل الشرط يدل على الستقبال.
ن ( ))44فإذا قارنا
مهَدُو َ
م يَ ْ حا فَِلَنْف ُ ِ
سهِ ْ صال ِ ً م َ
ل َ ن عَ ِ ن كَفََر فَعَلَي ْهِ كُفُْر هُ وَ َ
م ْ م ْ
*في سورة الروم قال ( َ
بين هذه الية وآية سورة لقمان فما اللمسة البيانية بين اليتين؟
ن( سهِ ْم َي ْمهَدُو َ
عمِلَ صَالِحًا فَلَِأنْ ُف ِن َ ن كَفَ َر َفعََليْ ِه كُفْرُهُ َومَ ْ هناك أكثر من اختلف بين اليتين .نلحظ أنه في آية الروم قدّم الكفر وأخّر العمل (مَ ْ
ل من الفريقين في آية الروم بينما في لقمان ذكر فقط عاقبة الشكر ولم يذكر عاقبة الكفر ))44ثم نلحظ أنه ليس هذا فقط وإنما ذكر عاقبة ك ٍ
ل صَاِلحًا عمِ َحمِيدٌ) بينما في آية الروم ذكر عاقبة الثنين (مَنْ كَ َف َر َفعََليْهِ كُ ْفرُهُ َومَنْ َ ي َ غنِ ّ
شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ
شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ
( َومَن يَ ْ
سهِ ْم َي ْمهَدُونَ) .أما في لقمان فذكر عاقبة الشكر ( َومَن سهِ ْم َي ْم َهدُونَ ( ))44ذكر عاقبة الكفر ( َفعََليْ ِه كُفْرُهُ) وعاقبة اليمان والعمل الصالح (فَلَِأ ْنفُ ِ فَِلَأنْفُ ِ
ش ُكرُ ِلنَفْسِهِ) يستفيد هو لن عاقبة الشكر يعود عليه نفعها أما في الكفر لم يذكر شيئا وما قال يعود عليه كفره .بينما في الروم فقال شكُ ْر َفِإّنمَا يَ ْيَ ْ
( َفعََليْهِ ُكفْرُهُ) ذكر العاقبة ،هناك لم يذكر .إذن صار الخلف أيضا من ناحية الجزاء ذكر في لقمان ذكر جزاء الشاكر ولم يذكر جزاء الكافر وفي
سهِ ْم َيمْ َهدُونَ ( عمِلَ صَالِحًا فَلَِأنْ ُف ِ
ن َ ن كَفَرَ َفعََليْ ِه كُفْرُهُ َومَ ْ الروم ذكر جزاء الثنين الكافر والعمل الصالح .وفي الروم ذكر الفعلين بالماضي (مَ ْ
حمِيدٌ) الكفران بمقابل الشكر بينما في الروم قال (مَنْ ي َ غنِ ّ
شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن كَ َفرَ فَإِنّ اللّ َه َ .))44حتى المقابلة في لقمان قال ( َومَن يَ ْ
شكُرْ فَِإّنمَا يَ ْ
سهِ ْم َي ْمهَدُونَ) اختلفت .فهي إذن ليست مسألة واحدة بين اليتين وإنما أكثر من وجه للختلف بينهم ل صَاِلحًا فَِلَأنْفُ ِ
عمِ َ
كَ َفرَ َفعََليْهِ كُ ْفرُ ُه َومَنْ َ
والسياق هو الذي يحدد المر.
*لماذا قدّم الكفر على العمل الصالح في آية سورة الروم؟
ظهَرَ الْ َفسَا ُد فِي ا ْلبَ ّر ذكرنا أن التقديم والتأخير هو بحسب السياق وهو الذي يحدد هذا المر .السياق في الروم هو في ذِكر الكافرين ومآلهم ( َ
ل كَانَن مِنْ َقبْ ُ ن عَا ِقبَةُ اّلذِي َ
ف كَا َ ن (ُ )41قلْ سِيرُوا فِي الْأَ ْر ِ
ض فَانْظُرُوا كَيْ َ جعُو َعمِلُوا َلعَّلهُ ْم يَرْ ِسبَتْ َأ ْيدِي النّاسِ ِليُذِي َقهُ ْم َبعْضَ اّلذِي َ وَا ْلبَحْ ِر ِبمَا كَ َ
عمِلَ صَالِحًا ن َصدّعُونَ ( )43مَنْ َكفَ َر َفعََليْهِ ُكفْرُهُ َومَ ْ ي يَوْمٌ لَا مَ َردّ لَ ُه مِنَ اللّ ِه يَ ْو َمئِ ٍذ يَ ّن يَ ْأتِ َ
ن َقبْلِ أَ ْ َأ ْكثَرُ ُهمْ ُمشْ ِركِينَ (َ )42فَأقِمْ َو ْ
ج َهكَ لِلدّينِ الْ َقيّ ِم مِ ْ
ش ُكرْ لِلّهِ) بدأ بالشكر فلما تقدم الشكر ن كَفَ َر َفعََليْهِ ُكفْرُهُ) .في لقمان قال (أَنِ ا ْ سهِ ْم َي ْم َهدُونَ ( ))44إذن السياق في ذِكر الكافرين فقدّمهم وقال (مَ ْ فَِلَأنْفُ ِ
شكُرْ) التقديم والتأخير كله بحسب المناسبة لذلك نلحظ يقدّم الكلمة في موطن شكُرْ ِللّهِِ) بدأ بالشكر قال ( َومَن يَ ْ ح ْكمَةَ أَنِ ا ْ
(وََل َقدْ آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ الْ ِ
ويؤخّرها في موطن آخر بحسب السياق الذي ترد فيه.
شكُْر) بيَن مضارع وماضَي بينمَا فَي الروم بصَيغة الماضَي من ي َ ْ *فَي الفعال فَي سَورة لقمان (وََ َ
َ
م التنوع فَي الصَيغة الزمنيَة
نَ ( ))44فل َِ َ
مهَدُو َ
م يَ ْ حا فَِلنْفَُ ِ
سهِ ْ صال ِ ً
ل ََ م َ م نَْ كَفََر فَعَلَي َْهِ كُفُْره َُ وَ َ
م نَْ عَ ِ ( َ
في الفعل؟
حمِي ٌد ( ))12هذه كلها في ي َ غنِ ّ
شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ
شكُرْ لِلّهِ َومَن يَ ْ ناْ ح ْكمَةَ أَ ِ آية لقمان فيمن هو في الدنيا (وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ
عمِلَ ن َ صدّعُونَ ( )43مَنْ َكفَ َر َفعََليْهِ ُكفْرُهُ َومَ ْ ي يَوْمٌ لَا مَ َردّ لَ ُه مِنَ اللّ ِه يَ ْو َمئِ ٍذ يَ ّ
ن يَ ْأتِ َ
ن َقبْلِ أَ ْ
ج َهكَ لِلدّينِ الْ َقيّ ِم مِ ْ الدنيا ،آية الروم في الخرة (فََأقِمْ َو ْ
ن ( ))44يومئذ يصدعون ومن كفر بعد هذا اليوم أي يوم القيامة ليس هنالك عمل انتهى ،ذهب وسيأتي ما قدّم عاقبة من سهِ ْم َي ْمهَدُو َ
صَاِلحًا فَِلَأنْفُ ِ
ج َهكَشكُرْ) هو يمكن أن يشكر طالما هو في الدنيا .لكن آية الروم وقعت بعد قوله (فََأقِمْ َو ْ كفر ومن عمل .أما في آية لقمان في الدنيا قال ( َومَن يَ ْ
سهِ ْم َيمْ َهدُونَ ( ))44انتهى هذا عمِلَ صَالِحًا فَلَِأنْ ُف ِ
ن َ صدّعُونَ ( )43مَنْ َكفَ َر َفعََليْهِ ُكفْرُهُ َومَ ْ ي يَوْمٌ لَا مَ َردّ لَ ُه مِنَ اللّ ِه يَ ْو َمئِ ٍذ يَ ّ ن يَ ْأتِ َ
ن َقبْلِ أَ ْ
لِلدّينِ الْ َقيّ ِم مِ ْ
ليس هنالك عمل ،انقطع العمل .في الروم يتحدث باعتبار ما كان وما مضى أما في لقمان فيتحدث في الدنيا ولهذا جاءت (يشكر) في لقمان
بالمضارع .الكفر ينبغي أن يُقطع وليس مظنّة التكرار والكفر ليس كالشكر لن الشكر يتكرر.
ذكر عاقبة الكفر في الروم (مَنْ كَ َف َر َفعََليْهِ كُ ْفرُهُ) ولم يذكر عاقبة الكفر في لقمان .السبب أنه ذكر عاقبة الكفر في الدنيا وعاقبة ذلك في الخرة
ض فَانْظُرُوا جعُونَ ( )41قُلْ سِيرُوا فِي ا ْلأَرْ ِ عمِلُوا َلعَّلهُ ْم يَ ْر ِسبَتْ َأ ْيدِي النّاسِ ِلُيذِي َقهُ ْم َبعْضَ اّلذِي َ ظهَرَ ا ْلفَسَادُ فِي ا ْلبَرّ وَا ْلبَحْ ِر ِبمَا كَ َ وقبلها قال ( َ
ن ( ))42هذا من عقوبات الكفر وذكر العاقبة فناسب ذكر العاقبة أيضا في الكفر فلما ذكر ل كَانَ َأ ْكثَرُهُ ْم مُشْ ِركِي َ ن َقبْ ُن عَا ِقبَةُ اّلذِينَ مِ ْ ف كَا َ َكيْ َ
عاقبتهم في الدنيا ناسب أن يذكر عاقبتهم في الخرة .في لقمان لم يذكر ولم يرد هذا الشيء وذكر فقط الشكر ولذلك ذكر عاقبة الكفر والعمل في
آية سورة الروم لن هذا وقت حساب.
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
أن يكون قد قتل بالفعل ،ل يمكن أن تقول لمن سيقتل قتيل ول تقال إل لمن وقع عليه الفعل حقا .أما (مفعول) فليس بالضرورة وتقال لما وقع أو
جرِح في أُنملته جريح وإنما مجروح .فعيل يقال على وجه التساع والشمول ولما لما سيقع .ثم فعيل أبلغ في كيفية الحدث ،يقولون ل تقولوا لمن ُ
هو أبلغ .جريح يعني جرح بالغ ،مجروح يقال للجرح البسيط أو البليغ وهو عام أما جريح (فعيل) فل تقال إل للوصف البليغ ،جريح ل تقال إل
للمثخن بالجراح على وجه المبالغة والشمول والتساع ولمن وقع عليه ،مجروح ل تقال ،إذن ربنا غني حميد.
ه لَغَن ِ ٌّ من ف ِي الَْر َ
ميدٌ
ح ِ
ي َ ن الل ّ َ ميع ًا فَإ ِ َّج ِ
َ
ض َِ َ َ مو
ْ سى إِن تَكْفُُروا ْ أنت ُ
َ
مو َ *ورد في سورة إبراهيم (وَقَا َ
ل ُ
ي ال ْ َ و الْغَن ِ ُّ َ
ميد ُ ())26 ح ِ ه هُ َن الل ّ َ ت وَاْلْرض إ ِ َّ
ِ ماوَا ِ س َ ما فِي ال َّ في مكان آخر قال (لِل ّهِ َ َ
( ))8وفي لقمان
ميدٌ) فكيَف نفهَم الفروق البيانيَة الدلليَة الموجودة بيَن الثلث اليات ح ِ
ي َه غَن َِ ٌّ َّ وهنَا قال (فَإ َِ َّ
ن الل َ
ونظهر اللمسات البيانية فيها؟
حمِيدٌ) ،في لقمان جمِيعًا َفإِنّ اللّهَ َل َغنِيّ َ
ض َ
ل مُوسَى إِن َتكْ ُفرُواْ أَنتُمْ َومَن فِي الَرْ ِ ربنا سبحانه وتعالى قال في سورة إبراهيم على لسان موسى ( َوقَا َ
حمِيدٌ) أكد بإنّ واللم في (إن ال ي َ
حمِيدٌ) فأكد في سورة إبراهيم فقال (فَإِنّ اللّهَ َل َغنِ ّ غنِيّ َ ش ُكرُ ِلنَفْسِهِ َومَن كَفَ َر َفإِنّ اللّ َه َ
شكُ ْر َفِإّنمَا يَ ْ
قال ( َومَن يَ ْ
حمِيدٌ) في إبراهيم زاد اللم وفي لقمان التوكيد فقط بإنّ .وقلنا أن السياق هو الذي يوضح غنِيّ َ ن اللّ َه َ لغني) ،في لقمان أكد بإنّ وحدها وقال (فَإِ ّ
حمِيدٌ) إذن قسّم العباد إلى قسمين قسم شاكر وقسم كافر، غنِيّ َ
ش ُكرُ ِلنَفْسِهِ َومَن كَفَ َر َفإِنّ اللّ َه َ
شكُ ْر َفِإّنمَا يَ ْ
هذا المر .لو نقرأ الية في لقمان ( َومَن يَ ْ
من يشكر ومن كفر إذن قسم العباد إلى قمسين .في إبراهيم إفترض كفر أهل الرض جميعا ولم يقسمهم إلى قسمين (إِن َتكْفُرُواْ أَنتُمْ َومَن فِي
جمِيعًا) إذن في لقمان افترض العباد قسمين وفي إبراهيم افترض كفر أهل الرض جميعا فنلحظ الختلف بين التعبيرين في ثلثة الَ ْرضِ َ
أمور :أولً في لقمان جرى على التبعيض (بعضهم مؤمن وبعضهم كافر باعتبار من يشكر ومن كفر) بينما في إبراهيم على الشمول شملهم كلهم
ولم يستثني أحدا .ونلحظ في لقمان قال (ومن كفر) بالماضي ،في إبراهيم قال (إن تكفروا) بالمضارع ،في لقمان فعل الشرط ماضي (ومن كفر)
وفي إبراهيم فعل الشرط مضارع (إن تكفروا) والفرق واضح لنه ذكرنا في حلقة ماضية أنه إذا كان فعل الشرط ماضيا إفتراض وقوع الحدث
مرة وإن كان مضارعا افتراض تكرر الحدث فهنا قال (إن تكفروا) يعني إذا داومتم واستمررتم على الكفر دللة على تكرر الكفر وتجدده (إن
تكفروا) يعني تستمرون على الكفر وتداوموا عليه وفي لقمان قال ومن كفر .ثم قال (جميعا) جاء بالحال المؤكدة .إذن إفتراض كفر أهل الرض
حمِيدٌ) ال
بل استثناء لم يجعلهم قمسمين ثم افتراض الكفر مستمر ثم أكد ذلك بـ (جميعا) فاقتضى ذلك زيادة التأكيد في إبراهيم ( َفإِنّ اللّهَ َل َغنِيّ َ
تعالى ل يحتاج إلى غني لما ذكر هذه المور افتراض ليكفر أهل الرض جميعا وليداموا على الكفر جميعا هذه كلها مؤكدات .ربنا تعالى لم يؤكد
غني في لقمان لن الناس فئتان ولما كان الناس على ملة واحدة أكّد لنه تعالى ل يحتاج إليهم حتى لو كانوا كلهم كفار ويداومون ويستمرون على
ذلك .فائدة التأكيد هنا فائدة بلغية أن ال تعالى غني عن العباد كلهم لو كفروا كلهم جميعا واستمروا ربنا غني عنهم ،تأكيد الغنى.
*هل نفهم أنه – والعياذ بالله -في لقمان ليس غنيا ً بدرجة غناه في سورة إبراهيم؟
هو التأكيد ليس معنى ذلك لكن الموقف يحتاج لهذا الشيء فال تعالى يقول عن نفسه عالم ومرة يقول عليم ومرة يقول وال غفور رحيم ،إن ربك
لغفور رحيم ،حسب ما يقتضي السياق وهو سبحانه وتعالى غني عن العباد في جميع الحوال.
حمِيدُ ( ))26جاء بضمير الفصل (هو) وعرّف الغني .ضمير الفصل ن اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ ا ْل َ
سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضِ إِ ّ
في لقمان أيضا قال تعالى (لِلّ ِه مَا فِي ال ّ
ن وخبرها ،بين إسم كان وخبرها ،بين مفعولين ،ظنّ وأخواتها يفيد التوكيد ويفيد الحصر يقع بين المبتدأ والخبر وأصله مبتدأ وخبر بين إسم إ ّ
حمِيدٌ) لم
ي َ
غنِ ّ
شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ
شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ
أحيانا فقوله إن ال هو الغني الحميد يعني ليس في الحقيقة غنيّ سواه .لمّا قال ( َومَن يَ ْ
سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضِ) والمعروف أن الغني في كل العالم هو الذي يملك .في الية الولى يذكر له مُلك بينما في تلك الية ذكر له ملك (لِلّ ِه مَا فِي ال ّ
ي عنك وعن شكرك كما إذا قلت لحد أعطني لمدحك يقول لك أنا غني عن شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ) كأنه يقول أنا غن ّ شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ لم يذكر الملك قال ( َومَن يَ ْ
ذلك ،ليس بالضرورة أن تكون مالكا وحتى في حينها استشهدنا بقول الخليل لما أرسل له أمير الهواز بِغالً محمّلة وطلب منه أن يأتي إليه فقال
الخليل:
وفي غنى غير أني لست ذا مال جدَةٍ
أبلغ سليمان أني عنه في ِ
حمِيدٌ) يعني ذكر غنِيّ َ ربنا لم يذكر في آية لقمان الولى أن له ملك والية الخرى ذكر له ملك ول شك أن الذي يملك هو الغني لنه (فَإِنّ اللّ َه َ
أنه غني والغنى درجات والناس يتفاوتون في الغنى وعندما تقول فلن غني يعني هو أحد الإنياء وقد يكون هناك أغنياء آخرون وقد يكون هناك
سمَاوَاتِ وَالَْأرْضِ) لم يبق شيء للخرين ،فهو في من هو أغنى منه ،هو أحد الغنياء .لكن هو الغني أي ل أحد سواه .فلما ذكر (لِلّ ِه مَا فِي ال ّ
الحقيقة هو الغني وحده فكل تعبير في مكانه أنسب وأيّ واحد عنده شيء من البلغة يضع كل تعبير في مكانه كما هو في القرآن ول يصح أن
يضع هو الغني الحميد في مكان ليس فيه ملك وإنما كل كلمة في مكانها المناسب.
آية (:)13
ظ ْلمٌ عَظِيمٌ ())13
شرِكْ بِاللّهِ إِنّ الشّرْكَ لَ ُ
(وَِإذْ قَا َل لُقْمَانُ لِابْنِ ِه َو ُهوَ َيعِظُهُ يَا ُب َنيّ لَا تُ ْ
فكرة عامة على الية :قال ربنا (وَِإذْ قَالَ لُ ْقمَانُ لِا ْبنِهِ وَهُ َو َيعِظُهُ) إذن هذه من حكمة لقمان وهي ليست فقط في كلمه يعني ما ذكر من الكلم
وإنما في موقفه من توجيه ابنه لم يتركه (وهو يعظه) وهذه فيها توجيه للباء أن ل يتركوا أبناءهم لصدقاء السوء في الطرقات يتعلمون منهم ما
يضرهم ول ينفعهم وإنما ينبغي للباء أن يتعهدوا ابناءهم ويوجهوهم ويعلموهم ما هو خير لهم فمن حكمة لقمان أنه ليس في ما قاله من الكلم
فقط وإنما في وعظه ابنه أيضا والوعظ بحد ذاته هذه في حد ذاتها حكمة .هذا يقول الولون أن حكمة لقمان فيها جانبان :تكميل لنفسه بالشكر (أَنِ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
شكُرْ لِلّهِ) وتكميل لغيره بوعظ ابنه .فيها جانبان إذا الحكمة لها جانبان في تكميل النفس وتكميل الخرين ،في إصلح النفس وإصلح الخرين اْ
ش ُكرْ لِلّهِ) إشارة إلى الكمال وقوله (وهو يعظه) إشارة إلى التكميل تكميل ابنه .إذن ربنا لما قال (وَِإ ْذ قَالَ والقرب هو البن .فإذن قوله (أَنِ ا ْ
ح ْكمَةَ) إذن الحكمة لها جانبان جانب ما قاله شكر ال على إعطائه الحكمة وجانب النصح .حتى فيها ُل ْقمَانُ لِابْنِهِ) قبلها ذكر (وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ
ل وفعلً ،توفيق العلم بالعمل ،كان ممكنا أن يقول (هذا خلق ال) دللة أخرى وهو (ولقد آتينا لقمان الحكمة) الحكمة هي وضع الشيء في محله قو ً
ح ْكمَةَ) لكنه صدّر الية بها لماذا؟ ذكرنا أن الحكمة أنه كلم ابنه ونصحه وهناك أمر آخر يدلنا على أن لقمان كان مباشرة بدون (وََل َقدْ آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ الْ ِ
يعمل بما يقول بمعنى أنه هل من الحكمة أن يعطي النسان إنسانا وهو مخالف لقوله؟ لو خالف النسان قوله فعله فإن كلمه ل يمكن أن ينفع ولو
ح ْكمَةَ) يعني أن كل ما قاله لبنه هو كان جاء بأبلغ الحِكم .إذن ليس من الحكمة أن ينصح أحدا ثم يخالف هذا النصح .لما قال (وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ
ل لماذا ل تصلي؟ فقال له يا أبي ل صالحا لبنه ول يجعل له ثغرة .أذكر أحد أساتذتي قال لي :قلت لبني ص ّ يطبقه على نفسه بحيث يكون مثا ً
ح ْكمَةَ) ليس من الحكمة أن يخالف قوله فعله .إذن هذه لماذا ل تصلي؟ قلت لبني لماذا تدخّن؟ قال يا أبت لم تدخن؟ فلما قال (وََل َقدْ آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ الْ ِ
فيها إشارة إلى أن لقمان عندما وعظ ابنه كان يطبق كل ما قاله على نفسه فيكون قدوة صالحة لبنه .إذن فيها دللة أخرى وليست الحكمة فقط
في القوال التي قالها وإنما أيضا جملة أمور فيها الحكمة أولً تكملة لنفسه بالشكر ل ونصحه لبنه وأن يطبق ما قاله على نفسه؟
ل دللة .واو الحالية أي (وهو يعظه) :الواو تحتمل أمرين :تحتمل أن تكون واو الحال وصاحب الحال لقمان ،وتحتمل أن تكون الواو استنافية ولك ٍ
قال لبنه واعظا أي في حالة وعظ وهذه إشارة إلى أنه لم يقلها هكذا بسرعة وإنما توخّى الوقت المناسب وتوخّى فراغ ابنه وهو استعداده فاختار
الوقت المناسب والحال المناسبة فبدأ يعظه وليست نصيحة طارئة بسرعة إنما قال لبنه في حالة وعظ توخى الحالة التي يرى فيها استعداد ابنه
لقبول النصيحة وإنما اختيار الوقت المناسب للوعظ ،هذه حالة هو مستعد وابنه مستعد .واو الستئنافية (وهو يعظه) هو من عادة لقمان أن يعظ
ابنه ل يتركه .واو الستئنافية تعني جملة جديدة ،الجملة (وإذ قال لقمان لبنه يا بني ل تشرك بال) هذا مقول القول وتكون (هو يعظه) استئنافية،
إذن من شأن لقمان أن يعظ ابنه ل يتركه فيصير لها دللتان أنه يختار الحالة المناسبة للوعظ وهو يتعهده ل يتركه ..لو بدل الجملة إلى الحال لو
قال (واعظا) تدل دللة واحدة الحالية بينما لما حولها إلى جملة اكتسب معنيين معنى الستئناف ومعنى الحالية فاكتسب معنيين أنه اختيار الوقت
المناسب للوعظ والخر هو ل يترك ابنه وهو من شأنه أن يعظ ابنه وهذه فيها توجيه للباء في الحالتين أن يختاروا الوقت المناسب لوعظ أبنائهم
وأن يتعاهدوهم فل يتركوهم.
َ
ك بِالل ّهِ) بدأ بالشرك فهل لهذا من دللة؟ ي َل ت ُ ْ
شرِ ْ *(يَا بُن َ َّ
ي يعني ابني) فيها تحبيب ورفق وتلطف كما في نوح ( َونَادَى ل بدأ بقوله (يا بني) بُنيّ معناها تصغير ابن وإضافة إلى النفس (بُن ّ هذه حكمة أو ً
ل َتكُن مّعَ ا ْلكَافِرِينَ ( )42هود) فيها شفقة به ورحمة .لما قال له (يا بني) الوعظ بدأ فيما ذكر فيما ي ا ْركَب ّمعَنَا َو َ
ل يَا ُبنَ ّ
ن فِي َمعْزِ ٍح ا ْبنَهُ َوكَا َ
نُو ٌ
ش ِركْ بِاللّهِ) ولكن أراد أن يفتح قلبه وهذا توجيه للدعاة وللباء أن يبدأوا بكلمة رفيقة فيها حنان وشفقة ورأفة لن الكلم اللين يفتح القلوب بعد (لَا تُ ْ
والنفوس ل يصيح بابنه وإنما يأتي إلى ابنه بكلم لطيف ويضع يده على كتفه ويبدأ بالكلم اللطيف الهين عند ذلك ينتفع البن باللطف والحنان
خشَى ( )44طه) اللين في طغَى (َ )43فقُولَا لَ ُه قَوْلًا ّلّينًا ّلعَلّ ُه َي َتذَكّرُ أَ ْو يَ ْأكثر مما ينتفع بالقول .حتى ربنا سبحانه وتعالى قال (اذْ َهبَا إِلَى فِرْعَوْنَ ِإنّهُ َ
القول يفتح القلوب العصية ويفتح النفوس لذا قال لقمان (يا بني) حنان ورفق ولطف وشفقة وحتى لو كان البن ينوي المخالفة يخجل من المخالفة.
ك بِاللّهِ) قبل العبادة .التوحيد رأس اليمان وأول ما ينبغي أن يغرس في النفوس التوحيد لن أساس الصلح هو التوحيد .النهي ثم بدأ (لَا تُشْ ِر ْ
عن الشرك مقدّم على العبادة لنه ل تنفع عبادة مع الشرك فإذن بدأ بما هو أهمّ .ثم النهي عن الشرك يتعلمه الصغير والكبير يمكن أن تعلم
الصغير ل إله إل ال أما العبادة فل تكون إل بعد التكليف .لم يثبت كم كان عمر ابنه .ثم النتهاء عن الشرك أيسر من العبادة وأسهل وكثير من
الموحّدين يتهاونون في العبادة .النتهاء عن الشرك أيسر من القيام بالعبادة فبدأ بما هو أهم وأعمّ يعم الصغير والكبير وأيسر.
م) كيف يكون الشرك ظلم عظيم؟ ك لَظُل ْ ٌ
م عَظِي ٌ شْر َ *(إ ِ َّ
ن ال ّ ِ
م ّر بنا مثل هذا من حلقات ،هو ظلم لنه يسوي بين القادر والعاجز ،العالم والجاهل ،المنعِم والمحتاج إلى النعمة هذا ظلم وذكرنا في حينها أنه لو
تقدّم جماعة لشغال وظيفة في الدولة وقدموا اختبارا وأحدهم أجاب عن السئلة بأحسن إجابة وبأوضح كلم وآخر لم يجب عن ذلك ول بكلمة
واحدة صحيحة ولم يحسن الكلم ولم يحسن القول وسوّيت بينهما تكون ظالما والفرق بين الخالق والمخلوق أكبر من هذا .إذن هو ظلم لنك
ل لنك عبدت من ل يستحق العبادة سويت بين العاجز وبين القادر ،بين العالِم والجاهل ،بين المنعِم والمحتاج للنعمة .الظلم واقع على النفس أو ً
فأهنت نفسك وقد يكون المعبود هو أقل فإذن أنت ظلمت نفسك .هذا امر ثم أنت أوردتها الهلك أدخلتها النار ،ظلمتها بأن حططت من قدرها
وأهنتها وأدخلتها النار وأوردتها موارد الهلك فكنت ظالما .لماذا اختار الظلم؟ فطرة النسان تكره الظالم وحتى الظالم إذا وقع عليه ظلم يكرهه
فهو يستسيغه من نفسه ول يسيغه إذا وقع عليه .إذن طبيعة النفس تكره الظلم والظالمين حتى في الفلم لما نرى إنسانا ظالما يتحزّب المشاهدون
ن الشّ ْركَ
ك بِاللّهِ إِ ّ
ضده .أراد ذكر الظلم لن النفس تكره الظلم فقال ظلم حتى تشمئز نفس ابنه .إضافة إلى أنه في تقديرنا لما قال (يَا بُنَيّ لَا تُشْ ِر ْ
َلظُلْ ٌم عَظِيمٌ) في تقديرنا أن الموجه والناصح والمعلم والداعية ينبغي أن يعلل الوامر ول يذكر هذا من دون تعليل ،ل تكن أوامر فقط حتى يقبل
كلمك لماذا ل تشرك بال؟ لن الشرك لظلم عظيم وهذا الظلم يقع عليك وعلى الخرين فهذا التعليل من أدب الوعظ والتوجيه وأن ل تعطى
الوامر بدون تعليل.
آية (:)14
شكُ ْر لِي َو ِلوَا ِلدَيْكَ ِإ َليّ الْ َمصِي ُر ())14
ن وَ ِفصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ا ْ
علَى َوهْ ٍ
( َووَصّ ْينَا ا ْلإِنسَانَ ِبوَا ِلدَيْهِ حَ َمَلتْهُ أُمّ ُه َوهْنًا َ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
*هذا كلم الله تعالى مع أن لقمان لم ينتهي بعد من الوصية فلماذا هذه المداخلة؟
أراد ال سبحانه تعالى أن يتولى المر بالمصاحبة بالمعروف لعظيم منزلة البوين عند ال .ربنا هو الذي أراد أن يأمر ويوصي بالحسان إلى
الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف وليس لقمان وهذه فيها أكثر من حالة :أولً لو قال لقمان لو أوصى ابنه أنه أطع أبويك لتصور البن أن الب
أراد أن يستغله ويستفيد منه ويجعله تابعا له كما الن عندما يقدم أحد لك نصيحة تنظر هل يستفيد هو منها أو ل؟ الذي وصى هو ال وهذا المر
ل ينفعه ول يفيده فإذن ربنا أراد أنه هو الذي يأمر بالحسان إلى الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف ل لقمان لعظيم منزلة البوين عند ال فهو
الذي تولى هذا المر ،هذا أمر والمر الخر حتى ل يظن إبن لقمان أن أباه هو المنتفع.
قد يسأل سائل لم يجعل لقمان ينتهي من الوصية ثم يأتي بهذه الية؟ وضع الوصية بعد النهي عن الشرك بال ربنا سبحانه وتعالى يضع الوصية
بالوالدين بعد النهي عن الشرك أو بعد المر بعبادته وطاعته ول يجعلها في آخر الوصايا .هو ل يريد أن يقول (إِنّ أَنكَرَ ا ْلأَصْوَاتِ لَصَ ْوتُ
حسَانًا ( )151النعام) ش ْيئًا َوبِالْوَاِلدَيْنِ إِ ْ
ل تُشْ ِركُو ْا بِهِ َ
ن بِوَاِلدَيْهِ) لكنه وضعها بعد النهي عن الشرك بال (َأ ّ ص ْينَا الْإِنسَا َحمِي ِر ( ))19ثم يقول (وَ َو ّ الْ َ
ل تُشْ ِركُواْ ل َتعْ ُبدُونَ ِإلّ اللّهَ َوبِالْوَاِلدَيْنِ إِحْسَانا ( )83البقرة) (وَا ْ
عُبدُواْ اللّهَ َو َ حسَانًا ( )23السراء) ( َ
ل تَ ْعُبدُواْ ِإلّ ِإيّاهُ َوبِالْوَاِلدَيْنِ إِ ْ
و( َو َقضَى َرّبكَ َأ ّ
حسَانًا ( )36النساء) يضعها بعد عبادة ال تعالى وكأنها منزلة تالية بعد العبادة مباشرة الحسان إلى الوالدين .هذه فيها إشارة ش ْيئًا َوبِا ْلوَاِل َديْنِ إِ ْ
بِهِ َ
إلى عظيم منزلة البوين عند ال كون ربنا هو الذي وصى ولم يجعل لقمان يوصي وتدخّل في مكانها بعد النهي عن الشرك تدخل ربنا وأمر
وكانت وصية ربنا تعالى بالحسان إلى الوالدين ثم لم يدع لقمان ينتهي من الكلم فتكن في آخر الكلم وإنما وضعها بعد النهي عن الشرك أو
تأتي بعد المر بعبادته سبحانه وتعالى.
م الوالديَن
*ينزل الله تبارك وتعالى منزلة كريمَة بعَد عبادة الله أو النهَي عَن الشرك بالله لكَن ل َِ َ
تحديدا ً وليس البوين مثل؟
الية فيها جوانب كثيرة :أولً استعمل وصّى المشددة ولم يقل أوصينا وذلك للتشديد على الوصية والمبالغة فيها وصّى فيها تشديد على الوصية
ص ْينَا اّلذِينَ أُوتُواْ والمبالغة فيها .ومن الملحظ في القرآن أنه يستعمل وصّى في أمور الدين والمور المعنوية وأوصى في المور المادية( .وََل َقدْ َو ّ
صيّةٍ يُوصِي ِبهَا ( )11النساء) .لم ترد أوصى في ن اتّقُو ْا اللّ َه ( )131النساء) ويستعمل أوصى في المواريث (مِن َب ْعدِ َو ِ ب مِن َقبِْلكُمْ َوِإيّاكُمْ أَ ِا ْلكِتَا َ
المور المعنوية وفي أمور الدين إل في موطن واحد اقترنت بأمر مادي عبادي وهو قوله تعالى على لسان المسيح (وَأَ ْوصَانِي بِالصّلَاةِ وَال ّزكَا ِة مَا
حيّا ( )31مريم) قال أوصاني لنها اقترنت بأمر مادي وعبادي وهو الزكاة والمر الخر أن القائل هو غير مكلّف لذلك خفّف من الوصية ُدمْتُ َ
لنه الن ليس مكلفا ل بالصلة ول بالزكاة فخفف لنه ل تكاليف عليه.
وقال (وصينا) بإسناد التوصية إلى نفسه سبحانه بضمير التعظيم وربنا في أمور الخير وفي المور المهمة يسند الفعال إلى نفسه لم يقل وصيّ
شكُرْ لِي وَلِوَاِل َد ْيكَ ِإلَيّ ن بِوَاِلدَيْهِ) بإسناد الفعل إليه سبحانه بضمير التعظيم .واستمر ورجع إلى الفراد (أَنِ ا ْ ص ْينَا الْإِنسَا َ النسان وإنما قال (وَ َو ّ
ش ُكرْ لِي) لم يقل ان اشكر لنا. ا ْلمَصِيرُ) وقلنا أنه من عادة القرآن إذا ذكر ضمير التعظيم يذكر قبله أو بعده ما يدل على الفراد (أَنِ ا ْ
الوالدين :هو لم يقل أبوين لكثر من سبب :أولً لو لحظنا الوالدين والبوين :الوالدين تثنية الوالد والوالدة لكن غلّب المذكر ،البوين تثنية الب
والم لكن غلّب الب إذن في الحالتين غلّب المذكر البوين تغليب الب وفي الوالدين تغليب الوالد .لكن لماذا اختار الوالدين؟ الولدة تقوم بها
المرأة وليس الرجل أما تسمية الوالد يقول أهل اللغة على النسب والوالدة على الفعل هي التي تلد .إذن اختار لفظ الوالدين التي هي من الولدة
التي تقوم بها الم لكنه لم يختر البوين واختار لفظ الولدة ولم يختر لفظ البوة .الوالدين (الوالد والوالدة) مأخوذة من الولدة أما البوين فليست
ق ( )6يوسف) ويستعمل أبوين لدم وحواء سحَ َمن الولدة من حيث اللفظ والقرآن يستعمل أبوين للجدّين (كَمَا َأتَ ّمهَا عَلَى َأبَ َو ْيكَ مِن َقبْلُ ِإبْرَاهِيمَ وَإِ ْ
جنّ ِة ( )27العراف) خرَجَ َأبَ َو ْيكُم مّنَ الْ َ( َكمَا أَ ْ
حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا عَلَى وَهْنٍ َوفِصَالُهُ ن بِوَاِل َديْهِ َ
ص ْينَا ا ْلإِنسَا َ
إذن هو اختار لفظ الولدة لماذا؟ جملة دواعي لسبب الختيار :الول لو نقرأ السياق (وَوَ ّ
فِي عَا َميْنِ ( ))14ذكر الحمل والفصال والفصال هو الفطام من الرضاعة ،ماذا بين الحمل والرضاع؟ الولدة .فهو ذكر الحمل والفصال أي
الفطام من الرضاعة بينهما الولدة فاختار لفظ الوالدين .ثم فيه تذكير بولدته وهو جاء إلى الدنيا صعيفا عاجزا حال ولدتك وهما أحسنا إليك
وربياك يذكره بالحالة الولى التي يكون فيها أعجز ما يكون .وفيها تعبير إحسان الصحبة إلى الم أكثر من الب .الولدة هي للم وليس للب
ن بِوَاِلدَيْهِ) فيها إشارة إلى أن إحسان الصحبة والوصية للم أكثر من الب وحتى شرعا وفي الحديث (من أحق الناس ص ْينَا الْإِنسَا َ
فلما قال (وَ َو ّ
بحسن صحبتي؟ فقال أمك ثم أمك ثم أمك) الولدة تقوم بها الم فيها إشارة إلى أن حسن الصحبة ينبغي أن تكون للم أكثر من الب فقال
(الوالدين) .وهناك خط ل يتخلف في جميع القرآن عندما يذكر الحسان إلى البوين والبر بهما والدعاء لهما يذكر لفظ الوالدين ول يذكر البوين
ل َتعَالَوْ ْا َأتْلُ مَا حَرّمَ َرّبكُمْ ي ( )28نوح) ( َوبِالْوَاِلدَيْنِ إِحْسَانا) ليس البوين (قُ ْ لم يقل رب اغفر لي ولبوي وإنما الوالدين ( َربّ اغْفِ ْر لِي وَلِوَاِلدَ ّ
حسَانًا ( )151النعام) لم يرد مرة واحدة في القرآن في إحسان الصحبة أو البر أو الدعاء بلفظ البوين وإنما ش ْيئًا َوبِا ْلوَاِل َديْنِ إِ ْ
ل تُشْ ِركُو ْا بِهِ َعََل ْيكُمْ َأ ّ
كله بلفظ الوالدين .ويستخدم البوين في المواريث ولعل ذلك لن نصيب الب أكبر من نصيب الم فيغلّبه لكن الوالدين يغلّب الم لن الم أولى
خرّواْ علَى ا ْلعَ ْرشِ وَ َ بالدعاء وحسن الصحبة .في المواريث يذكر أبويه لن نصيب الذكر أكثر من نصيب النثى .أما في يوسف قال (وَ َرفَعَ َأبَ َويْهِ َ
جدًا ( )100يوسف) قيل هذا من باب الكرام لهم قد يظن ظان أن هذا من باب الكرام .لماذا لم يقل (رفع والديه)؟ هو رفع أبويه على لَ ُه سُ ّ
العرش لكثر من سبب :على الرجح أنهما كانا أمه وأباه وهذه مسألة خلفية .أولً لم يرد في قصة يوسف ذكر للم وإنما ذكر الب وهو الذي
حتّى َتكُونَ حَرَضًا أَ ْو َتكُونَ مِنَ ا ْلهَاِلكِينَ ( )85يوسف) ف َ حزن وفقد بصره ،لم يرد ذكر للم في قصة يوسف حتى قال (قَالُو ْا تَال تَ ْفتَُأ تَ ْذكُ ُر يُوسُ َ
فإذن كونه لم يرد ذكر للم معناه الب يتغلب .هذا أمر والمر الخر أنه لما قال (وَ َرفَعَ َأبَ َويْهِ عَلَى ا ْلعَ ْرشِ) هذا إكرام للم وليس للب هو إلماح
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
جدًا) أي عظموه والمفروض أن البن يعظم البوين فلما كان فيها تعظيم البوين لبنهما إختار أقلّهما وهو سّخرّواْ لَهُ ُ
إلى تكريم الم فقال (وَ َ
خرّواْ
جدًا) هذا تعظيم والمفروض أن البن يعظّم أبويه فلما ذكر (وَ َ
البوين أقلّهما بحسن الصحبة وهذا أدل على إكرام الم لما قال (وَخَرّواْ لَهُ سُ ّ
جدًا ً) لم يذكر والديه إشارة إلى تعظيم الم ومنزلتها ثم إلماح أن العرش للب وليس للم. لَ ُه سُ ّ
*قال تعالى (أن اشكر لي) ولم يقل اشكر لنا مع أنه قال (ووصينا)؟
ذكرنا في الحلقة السابقة شيئا عن هذه الية قلنا قال (وصّينا) ولم يقل أوصينا وقلنا أسند اليصاء إلى نفسه سبحانه للمور المهمة قال وصّينا
بضمير التعظيم وقلنا قال بوالديه ولم يقل بأبويه وذكرنا أن هذا خط عام في القرآن أن الوصية والبر والدعاء يذكر لفظ الوالدين .نلحظ في هذه
التوصية أنه ذكر الم ولم يذكر الب لن الحمل والفصال هو للم وليس للب وهذه إشارة أنها أولى بحسن الصحبة مع أنه قال والديه وقلنا أن
حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا عَلَى وَهْنٍ َوفِصَالُهُ فِي عَا َميْنِ) ثم هو لم يقل وهنا فقط
كلمة والديه تدل على أن الم أولى بحسن الصحبة من الولدة وهنا قال ( َ
وإنما قال وهنا على وهن أي ذكر الضعف المستمر .الوهن هو الضعف يعني هو يثقل عليها دائما وباستمرار ثم ذكر مدة الفصال ولم يذكر مدة
ل لن الفصال بيد المرأة تستطيع أن تفطم الرضيع متى ما تريد .حدد مدة للفصال عامين لو لم تلتزم المرأة تزيد أو تقل ،بينما الحمل لم الحمل أو ً
ل لن الحمل ليس بيد المرأة كالفطام ثم الحمل قد يزيد وقد ينقص قد يكون مدة الحمل ستة أشهر أو سبعة أشهر أو ثمانية أشهر يذكر له مدة أو ً
شهْرًا ( )15الحقاف) وابن عباس استند من هذه الية أن الحمل قد يكون ستة أشهر لنه قال في آية أخرى ( َوفِصَالُ ُه فِي حمْلُهُ َوفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ َ
( َو َ
عَا َميْنِ) إذن بقي مدة الحمل ستة أشهر معناه يصح الحمل في ستة أشهر ،قد تضع المرأة حملها في ستة أشهر .لم يذكر الحمل هنا لنه ليس بيد
المرأة الفصال بيد المرأة .هنا الوهن وصف الحمل لن كل يوم يمر عليها يكون ثقيلً عليها يوهنها ويضعفها وهو ليس على وتيرة واحدة كلما
كبر الجنين يثقل عليها إذن هو وهن على وهن .كل المدة وهن على وهن لكنه لم يذكر كم مدة الحمل لن المرأة ل دخل لها في مدة الحمل لكن
لها دخل في مدة الرضاعة تستطيع أن تفصل الطفل من الرضاعة في أقل من عامين إذا شاءت لكن أفضل مدة للفصال في عامين كما قال القرآن
الكريم.
* قال تعالى أن اشكر لي ولوالديك ولم يقل أن اشكر لنا؟
وصاه بالشكر للمنعم الول الذي هو ال الذي أوجد من العدم وهيأ له أسباب الحياة وهيا له من يحمله ويرضعه وهو ضعيف عاجز .ثم وصاه
بالشكر لوالديه .ونحن قلنا هذا خط عام في القرآن أنه إذا ذكر ضمير التعظيم يذكر قبله أو بعده ما يدل على التوحيد( .ووصينا أن اشكر لي)
وصينا ضمير تعظيم ،أن اشكر لي ضمير الفراد توحيد .ما المقصود بالشكر؟ هل تقول بلسانك الحمد ل؟ ليس الشكر مطلق القول باللسان لن
شكُو ُر ( )13سبأ) يعني من لم يؤد حق النعمة فليس بشاكر ولو بقي الليل عبَادِيَ ال ّ
ن ِ
ل مّ ْ
شكْرًا َوقَلِي ٌ
ل دَاوُودَ ُ
عمَلُوا آ َ
الشكر عمل كما قال تعالى (ا ْ
ش ُكرْ لِي وَلِوَاِلدَ ْيكَ
والنهار يقول الحمد ل يعني من آتاه ال مالً ولم يؤد حقه فليس بشاكر وإن شكر بلسانه ،الشكر عمل ويكون معه القول( .أَنِ ا ْ
شكُرْ لِي وَلِوَاِل َد ْيكَ ِإلَيّ ا ْلمَصِيرُ) إشارة إلى أن الحياة
ِإلَيّ ا ْلمَصِيرُ) اشكر لي حق ال تعالى أن يقوم بتأدية نعم ال تعالى عليه عملً وقولً إذن (أَنِ ا ْ
ل تنتهي وأن هذه مرحلة وإشارة إلى الحياة الخرة في (إليّ المصير) أي المرجع إذن إشارة إلى الحياة الخرة
صيُر) بصدر الية؟ ي ال ْ َ
م ِ *ما علقة (إِل َ َّ
مآل ذلك فيما إن خالفت إليّ سيجزيك بما تعمل وبما أوصاك به ربك كأن هذه تذكير بالمآل ،مآل ذلك ماذا سيكون؟ ثم قال (إليّ) بتقديم الجار
والمجرور ،الجملة خارج القرآن المصير إليّ ،قدّم الخبر للدللة على الحصر إليه ل إلى غيره وفي هذا نفي للشرك وإثبات للمعاد .نفي للشرك
ط ْع ُهمَا) نفي للشرك وإثبات للمعاد
ك بِهِ عِ ْل ٌم فَلَا تُ ِ
ش ِركَ بِي مَا َليْسَ َل َ
إليه حصرا لن المصير إليه وحده ،ل شريك مع ال (وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن تُ ْ
ي ل يفيد الحصر إذن المصير إليّ غير إليّ المصير. إليه حصرا .ولو قال المصير إل ّ
ن بِوَالِدَي َْهِ) ثَم يتحول إلى المخاطَب (أن صيْنَا اْلِن ََ
سا َ * في صَدر اليَة نفهَم أن الكلم عن غائب (وَوََ َّ
اشكر لي)؟ من المخاطب؟
علَى
حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا َ
ص ْينَا ا ْلإِنسَانَ) عموما ،بماذا وصاه؟ بأن اشكر لي ولوالديك ،إذن الوصية هي أن اشكر لي ولوالديك .جملة ( َ
هو قال (وَوَ ّ
وَهْنٍ) هذا مما يوجب الشكر لهما لنهما أنعما عليه من حمله وإرضاعه وتعهده .أصل التركيبة ووصينا النسان بوالديه أن اشكر لي ولوالديك.
*هل في القرآن جملة اعتراضية؟ الجملة العتراضية مصطلح نحوي.
*هل تعني الية أن الب مهضوم الحق؟
ل قال بوالديه لكن أيهما أولى بحسن الصحبة؟ قال بوالديه ولم يقل بأمه وهي أولى بحسن الصحبة كما في الحديث .ذكرنا في الحلقة الماضية أن
أبوين ووالدين كلهما من حيث اللغة تغليب المذكر ،الوالدان هما الوالد والوالدة تثنية الوالد والوالدة لكن غُلّب فيها لفظ المذكر وهو الوالد
والبوان هما الب والم لكن غُلّب بلفظ المذكر الذي هو الب إذن كلهما تغليب المذكر وهذا ورد في اللغة يقولون القمران أي الشمس والقمر
لكن قلنا في الخط القرآني العام يذكر مع الوصية والدعاء البر يذكر الوالدين أما في المال فيذكر لفظ البوين لن لفظ الب له نصيبه في الميراث
صيّةٍ يُوصِي ِبهَا ( )11النساء) .في
ظ الُن َث َييْنِ ( )11النساء) (مِن َب ْعدِ َو ِ
حّل ِدكُمْ لِل ّذكَرِ ِمثْلُ َأكثر .ال َذكَر عموما أكثر من الناث (يُوصِيكُ ُم اللّ ُه فِي أَ ْو َ
أمور الدين والطاعات يقول يوصّي وفي غير ذلك يقول يوصي والوالدان يستعملها في البر والدعاء لهما ولم يأت في القرآن في الدعاء والبر
ق ( )6يوسف) واستخدم أبويكم في الجنة لدم وحواء ( َكمَا بلفظ البوين وقلنا ويستعمل البوين للجد ( َكمَا َأ َت ّمهَا عَلَى َأبَ َو ْيكَ مِن َقبْلُ ِإبْرَاهِيمَ وَِإسْحَ َ
جنّةِ ( )27العراف) .وذكرنا قصة يوسف وقلنا فيها ما قلنا وهناك سؤال قد يثار في الذهن :لماذا لم تذكر أم يوسف مع أنها َأخْ َرجَ َأبَ َويْكُم مّنَ ا ْل َ
كانت حزينة على يوسف؟ في القصة كلها الب هو مثار الحزن وفقد بصره ثم هناك حقيقة أن هذا من حسن التقدير لم أم يوسف لنها أم يوسف
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
وأم أخيه وليست أم البناء الخرين فل تستطيع أن تواجههم بالكلم وقد يُسمعونها كلما ل يرضيها لنها ليست أمهم وبمثابة الغريبة بينما هو
أبوهم يستطيع أن يقرّعهم وهذا من حسن التقدير لها فقد تكتم في نفسها ول تستطيع أن تقول.
الحاضرة الت ألقاها فضيلة العال الستاذ الدكتور فاضل صال السامرائي ف جائزة دب الدولية للقرآن الكري عام 1423هـ الوافق 2002م
لمحات قرآنية تربوية (نظرات بيانية في وصية لقمان لبنه)
حمِي ٌد ( )12وَِإ ْذ قَالَ ُل ْقمَا ُ
ن ي َغنِ ّ
شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَنْ َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َشكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْن يَ ْ شكُرْ لِلّهِ َومَ ْ ناْ تبدأ الوصية من قوله تعالى( :وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ
ح ْكمَةَ أَ ِ
شكُرْ حمََلتْهُ ُأمّهُ وَهْنا عَلَى وَهْنٍ َوفِصَالُ ُه فِي عَا َميْنِ أَنِ ا ْ ن بِوَاِل َديْهِ َ ك بِاللّهِ إِنّ الشّ ْركَ لَظُ ْل ٌم عَظِيم( )13وَوَ ّ
ص ْينَا ا ْلِأنْسَا َ ش ِر ْي ل تُ ْ ل ْبنِهِ وَ ُهوَ َيعِظُ ُه يَا ُبنَ ّ ِ
ل مَنْ َأنَابَ سبِي َ
ح ْب ُهمَا فِي ال ّدنْيَا َمعْرُوفا وَا ّتبِعْ َ
ط ْع ُهمَا وَصَا ِك بِ ِه عِلْ ٌم فَل تُ ِ ك بِي مَا َليْسَ َل َ ن تُشْ ِر َ لِي وَلِوَاِلدَ ْيكَ إِلَيّ ا ْل َمصِيرُ( )14وَإِنْ جَا َهدَاكَ عَلَى أَ ْ
ض يَأْتِسمَاوَاتِ أَ ْو فِي الْأَ ْر ِ خرَةٍ أَ ْو فِي ال ّ ل َف َتكُنْ فِي صَ ْ حبّ ٍة مِنْ خَ ْردَ ٍ ن َتكُ ِمثْقَالَ َ ج ُعكُ ْم فَُأ َنّبُئكُمْ ِبمَا ُك ْنتُ ْم َتعْمَلُونَ( )15يَا ُبنَيّ ِإّنهَا إِ ْ ي مَرْ ِ ي ثُمّ إَِل ّ ِإلَ ّ
ن عَ ْزمِ الُْأمُورِ( )17وَل ن ذَِلكَ مِ ْ صبِ ْر عَلَى مَا أَصَا َبكَ إِ ّ خبِيرٌ( )16يَا ُبنَيّ َأقِمِ الصّلةَ وَ ْأمُ ْر بِا ْل َمعْرُوفِ وَانْ َه عَنِ ا ْل ُمنْكَرِ وَا ْ ف َ ِبهَا اللّهُ إِنّ اللّهَ لَطِي ٌ
ض مِنْ صَ ْو ِتكَ إِنّ َأ ْنكَرَ ا ْلأَصْوَاتِ ض ْ ش ِيكَ وَاغْ ُ صدْ فِي مَ ْل فَخُورٍ( )18وَا ْق ِ ختَا ٍل مُ ْ ب كُ ّ ض مَرَحا إِنّ اللّ َه ل يُحِ ّ خ ّدكَ لِلنّاسِ وَل َتمْشِ فِي الَْأرْ ِ صعّ ْر َ تُ َ
حمِيرِ())19 ت الْ َ َلصَوْ ُ
تلك هي الوصية وقد بدأت بذكر إتيان لقمان الحكمة
حمِيدٌ" 12 ي َ غنِ ّ
شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَنْ َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ ن يَ ْ
شكُرْ لِلّهِ َومَ ْ ناْ ح ْكمَةَ أَ ِ
"وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ
الحكمة
والحكمة هي وضع الشيء في محله قول وعمل ،أو هي توفيق العلم بالعمل ،فل بد من المرين معا :القول والعمل ،فمن أحسن القول ولم يحسن
العمل فليس بحكيم ،ومن أحسن العمل ولم يحسن القول فليس بحكيم.فالحكمة لها جانبان :جانب يتعلق بالقول ،وجانب يتعلق بالعمل .والحكمة خير
كثير كما قال ال تعالى" :ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" البقرة .269
ح ْكمَةَ".ال تعالى مؤتي الحكمة ولذلك نلحظ أنه تعالى قال " :وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ
قال (آتينا) بإسناد الفعل إلى نفسه ،ولم يقل :لقد أوتي لقمان الحكمة ،بل نسب التيان لنفسه .وال تعالى في القرآن الكريم يسند المور إلى ذاته
ن فِي ا ْلأَ ْرضِ أَمْ أَرَادَ ِبهِمْالعلية في المور المهمة وأمور الخير ،ول ينسب الشر والسوء إلى نفسه ألبتة .قال تعالى" :وََأنّا ل َندْرِي َأشَرّ ُأرِي َد ِبمَ ْ
َربّهُ ْم رَشَدا "10الجـن .
فعندما ذكر الشر بناه للمجهول ،وعندما ذكر الخير ذكر ال تعالى نفسه.وهذا مطرد في القرآن الكريم ،ونجده في نحو" :آتيناهم الكتاب" و "أوتوا
الكتاب" فيقول الولى في مقام الخير ،وإن قال الثانية فهو في مقام السوء والذم .وقال تعالى " :وَِإذَا َأ ْن َعمْنَا عَلَى الْإنْسَانِ أَعْ َرضَ َونَأَى بِجَا ِنبِهِ وَِإذَا
ن يَؤُوسا "83السراء فعندما ذكر النعمة قال( :أنعمنا) بإسناد النعمة إلى نفسه تعالى .وعندما ذكر الشر قال" :وإذا مسه الشر" ولم مَسّ ُه الشّ ّر كَا َ
يقل :إذا مسسناه بالشر.ولم ترد في القرآن مطلقا :زينا لهم سوء أعمالهم ،وقد نجد :زينا لهم أعمالهم ،بدون السوء ،لن ال تعالى ل ينسب السوء
إلى نفسه ،ولما كانت الحكمة خيرا محضا نسبها إلى نفسه.
ـ إن قيل :فقد قال في موضع" :ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" البقرة .269
خيْرا َكثِيرا َومَا َي ّذكّرُ ِإلّا أُولُو الَْأ ْلبَابِ" فنسب إتيان الحكمة ح ْكمَ َة فَ َقدْ أُوتِيَ َ ن يَشَاءُ َومَنْ يُ ْؤتَ الْ ِ ح ْكمَةَ مَ ْفالرد أنه عز وجل قد قال قبلها" :يُ ْؤتِي ا ْل ِ
إلى نفسه ،ثم أعادها عامة بالفعل المبني للمجهول.
مقام الشكر
شكُرْ لِلّهِ) ـ( أَنِ ا ْ
لها دللتان:
الولى ـ أن الحكمة لما كانت تفضل ونعمة فعليه أن يشكر النعم ،كما تقول :لقد آتاك ال نعمة فاشكره عليها .وال آتاه الحكمة فعليه أن يشكره
لن النعم ينبغي أن تقابل بالشكر لموليها( .آتاك نعمة الحكمة فاشكره عليها)
شدِيدٌ ")7 عذَابِي َل َ
ن َ
شكَ ْرتُمْ َلأَزِي َدنّكُمْ َوَلئِنْ كَ َف ْرتُمْ إِ ّ
الثانية ـ أن من الحكمة أن تشكر ربك ،فإذا شكرت ربك زادك من نعمه "وَِإ ْذ تََأذّنَ َرّبكُمْ َلئِنْ َ
ابراهيم ولو قال غير هذا ،مثل (فاشكر ل) لكان فيه ضعف ،ولم يؤد هذين المعنيين .وضعف المعنى يكون لن ال تعالى آتاه النعمة "وَلَ َق ْد آ َتيْنَا
ح ْكمَةَ" فإن قال بعدها( :فاشكرل ) فهذا أمر موجه لشخص آخر وهو الرسول ،فيصير المعنى :آتى ال لقمان الحكمة فاشكر أنت!! ُل ْقمَانَ ا ْل ِ
كيف يكون؟ المفروض أن من أوتي الحكمة يشكر ولذلك قال" :أن اشكر ل" فجاء بأن التفسيرية ولو قال أي تعبير آخر لم يؤد هذا المعنى.
الشكر والكفر
حمِيدٌ())12
ي َ
غنِ ّ
شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَنْ َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ
شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْن يَ ْ( َومَ ْ
"يشكر" قال الشكر بلفظ المضارع ،والكفران قاله بالفعل الماضي "ومن كفر" من الناحية النحوية الشرط يجعل الماضي استقبال ،مثال (إذا جاء
نصر ال) ،فكلهما استقبال .ويبقى السؤال :لماذا اختلف زمن الفعلين فكان الشكر بالمضارع والكفر بالمشي على أن الدللة هي للستقبال؟
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
من تتبعنا للتعبير القرآني وجدنا أنه إذا جاء بعد أداة الشرط بالفعل الماضي فذلك الفعل يُفعل مرة واحدة أو قليل ،وما جاء بالفعل المضارع
يتكرر فعله
ل مُ ْؤمِنا ُمتَ َعمّدا َفجَزَاؤُهُ ن يَ ْقتُ ْص ّدقُوا "92النساء وبعدها قالَ " :ومَ ْ ن يَ ّ طًأ َفتَحْرِيرُ َر َقبَ ٍة مُ ْؤمِنَةٍ َو ِديَةٌ مُسَّلمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلّا أَ ْ
ل مُ ْؤمِنا خَ َن َقتَ َ مثالَ " :ومَ ْ
ج َهنّمُ خَالِدا فِيهَا "93النساء فعندما ذكر القتل الخطأ جاء بالفعل الماضي لن هذا خطأ غير متعمد ،إذن هو ل يتكرر وعندما جاء بالقتل العمد جاء َ
بالفعل المضارع (ومن يقتل) لنه ما دام يتعمد قتل المؤمن فكلما سنحت له الفرصة فعل .فجاء بالفعل المضارع الذي يدل على التكرار.
شكُورا "19السراء . س ْعيُهُ ْم مَ ْ
ن َ س ْعيَهَا وَ ُه َو مُ ْؤمِنٌ فَأُوَل ِئكَ كَا َسعَى َلهَا َ مثال آخرَ " :ومَنْ أَرَادَ الْآخِ َرةَ وَ َ
ب ال ّدنْيَا نُ ْؤتِ ِه ِمنْهَا َومَنْ يُ ِردْن يُ ِردْ ثَوَا َ
فذكر الخرة وجاء بالفعل الماضي لن الخرة واحدة وهي تراد .لكن عندما تحدث عن الدنيا قالَ " :ومَ ْ
سنَجْزِي الشّاكِرِينَ "145آل عمران. ثَوَابَ الْآخِرَ ِة نُ ْؤتِ ِه ِمنْهَا َو َ
لن إرادة الثواب تتكرر دائما.
ن َت ُعدّوا ِن ْعمَتَ اللّهِ كل عمل تفعله تريد الثواب ،فهو إذن يتكرر والشيء المتكرر جاء به بالمضارع يشكر ،فالشكر يتكرر لن النعم ل تنتهي " وَإِ ْ
ل تُحْصُوهَا إِنّ ا ْلِأنْسَانَ َلظَلُو ٌم كَفّا ٌر "34إبراهيم.
فالشكر يتكرر ،كلما أحدث لك نعمة وجب عليك أن تحدث له شكرا أما الكفر فهو أمر واحد حتى إن لم يتكرر ،فإن كفر النسان بأمر ما فقد
كفر ،إن كفر بما يعتقد من الدين بالضرورة فقد كفر ،ل ينبغي أن يكرر هذا المر لنه إن أنكر شيئا من الدين بالضرورة واعتقد ذلك فقد كفر
وانتهى ول يحتاج إلى تكرار ،أما الشكر فيحتاج إلى تكرار لن النعم ل تنتهي .وفيه إشارة إلى أن الشكر ينبغي أن يتكرر وأن الكفر ينبغي أن
يقطع ،فخالف بينهما في التعبير فجاء بأحدهما في الزمن الحاضر الدال على التجدد والستمرار وجاء بالخر في الزمن الماضي الذي ينبغي أن
ينتهي.
ال غني حميد
حمِيدٌ())12 غنِيّ َ ن اللّ َه َ
ن كَفَ َر فَإِ ّ
شكُرُ ِل َنفْسِهِ َومَ ْ
(فَِإّنمَا يَ ْ
جاء بإنما التي تفيد الحصر ،أي الشكر ل يفيد إل صاحبه ول ينفع ال ول يفيد إل صاحبه حصرا أما ال فل ينفعه شكر ول تضره معصية
( يا عبادي ،لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ،يا عبادي لو أن أولكم
وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا ،يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في
صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إل كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر )
حمِيدٌ) غنِيّ َ ن اللّ َه َ
لذلك قال (فَإِ ّ
جمع بين هاتين الصفتين الجليلتين الحميد أي المحمود على وجه الدوام والثبوت وهو تعالى غني محمود في غناه
ـ قد يكون الشخص غنيا غير محمود
ـ أو محمودا غير غني
ـ أو محمودا وهو ليس غنيا بعد ،فإن اغتنى انقلب لن المال قد يغير الشخاص وقد يغير النفوس كما أن الفقر قد يغير النفوس
ـ وقد يكون الشخص غنيا وغير محمود لنه ل ينفع في غناه ،ول يؤدي حق ال عليه ول يفيد الخرين ،بل قد يجر المصالح لنفسه على غناه
ـ وقد يكون محمودا غير غني ،ولو كان غنيا لما كان محمودا ،فإن اجتمع المران فكان غنيا محمودا فذلك منتهى الكمال
حمِيدُ ()26سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضِ إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ الْ َوفي آية أخرى في السورة نفسها قال " :لِلّ ِه مَا فِي ال ّ
نقول :فلن غني أي هو من جملة الغنياء ،وقد يكون ملكا معه أغنياء فإذا قلت هو الغني فكأن الخرين ليسوا شيئا بالنسبة إلى غناه وهو
صاحب الغنى وحده.
فلماذا قال ها هنا فإن ال غني حميد وهناك في السورة نفسها هو الغني الحميد؟
نلحظ أن في هذه الية لم يذكر له ملكا ول شيئا وهذا حتى في حياتنا اليومية نستعمله نقول أنا غني عنك كما قال الخليل:
وفي غنى غير أني لست ذا مال أبلغ سليمان أني عنه في جو
فقد تقول :أنا غني عنك ،ولكن ليس بالضرورة أن تكون ذا ثروة ومال فهنا لم يذكر ال سبحانه لنفسه ملكا المعنى أن ال غني عن الشكر وعن
الكفر ل ينفعه شكر ول يضره كفر.
حمِي ُد ()26
ي الْ َسمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِ ّ
أما في الية الخرى فقد ذكر له ملكا " لِلّ ِه مَا فِي ال ّ
حمِيدُ)فعندما ذكر له ملك السموات والرض المتسع ،فمن أغنى منه؟ فقال (هُوَ ا ْل َغنِيّ ا ْل َ
أهمية الحكمة في الوعظ
عظِيمٌ())13
ش ِركْ بِاللّهِ إِنّ الشّ ْركَ لَظُ ْلمٌ َ
ي ل تُ ْ
ل ْبنِهِ وَهُ َو َيعِظُ ُه يَا ُبنَ ّ
ن ِ
(وَِإ ْذ قَالَ ُل ْقمَا ُ
من هنا بدأت الوصية ،فلماذا صدر بقوله" :ولقد آتينا "..وكان يمكن مثل أن يحذفها؟
الحكمة لها جانبان :جانب قولي وجانب عملي ،وحكمة لقمان ليست فيما ذكره من أحاديث وأقوال وما قاله لبنه من الوصية ،وإنما أيضا في
العمل الذي فعله وهو تعهده لبنه وعدم تركه بل وعظ أو إرشاد ،وفي هذا توجيه للباء أن يتعهدوا أبناءهم ول يتركوهم لمعلمي سوء ول
للطرقات.
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
وصدّر بالحكمة وهي ذات جانبين قولي وعملي لمر آخر مهم ،فعندما وصى ابنه فهل من الحكمة أن يوصي ابنه بشيء ويخالفه؟ هذا ليس من
الحكمة ولو فعله فلن تنفع وصيته ،لو خالف الوعظ عمل الواعظ والموجه لم تنفع الوصية بل ل بد أن يطبق ذلك على نفسه ،فعندما قال آتينا
لقمان الحكمة علمنا من هذا أن كل ما قاله لقمان لبنه فقد طبقه على نفسه أول حتى يكون كلمه مؤثرا لذلك كان لهذا التصدير دور مهم في
التربية والتوجيه.
ففي هذا القول ولقد آتينا لقمان الحكمة عدة دروس مهمة:
الول فيما قاله من الحكمة،
الثاني في تعهده لبنه وتربيته وتعليمه وعدم تركه لهل السوء والجهالة يفعلون في نفسه وعقله ما يشاء،
الثالث قبل أن يعظ ابنه طبق ذلك على نفسه فرأى البن في أبيه كل ما يقوله وينصحه به من خير ،لذلك كان لهذا التصدير ملمح
تربوي مهم وهو توجيه الوعاظ والمرشدين والناصحين والباء أن يبدؤوا بأنفسهم فإن ذلك من الحكمة وإل سقطت جميع أقوالهم.
التعهد بالنصح مع حسن اختيار الوقت
(وَهُ َو َيعِظُهُ)
نحن نعرف أنه يعظه ويتضح أنه وعظ من خلل اليات والوامر وسياق الكلم ،فلماذا قال (وَهُ َو َيعِظُهُ)
فيها دللتان:
من حيث اللغة :الحال والستئناس للدللة على الستمرار .وهو يعظه اختار الوقت المناسب للوعظ ،ليس كلما طارئا يفعله هكذا، .1
أو في وقت ل يكون البن فيه مهيأ للتلقي ،ول يلقيه بغير اهتمام فل تبلغ الوصية عند ذلك مبلغا لكنه جاء به في وقت مناسب للوعظ
فيلقي ونفسه مهيأة لقبول الكلم فهو إذن اختار الوقت المناسب للوعظ والتوجيه
والمر الثاني (وَهُ َو َيعِظُهُ) .فهذا من شأن لقمان أن يعظ ابنه ،هو ل يتركه ،وليست هذه هي المرة الولى ،هو من شأنه أل يترك ابنه .2
بل يتعاهده دائما ،وهكذا ينبغي أن يكون المربي.
فكل كلمة فيها توجيه تربوي للمربين والواعظين والناصحين والباء.
الرفق في الموعظة
(يا بني)
كلمة تصغير للتحبيب ،أي ابدأ بالكلم اللين اللطيف الهين للبن وليس بالتعنيف والزجر .بل بحنان و ِرقّة لن الكلمة الطيبة الهينة اللينة تفتح
القلوب المقفلة وتلين النفوس العصية ،عكس الكلمة الشديدة المنفرة التي تقفل النفوس .لذلك قال ربنا لموسى عن فرعون" :فَقُول لَ ُه قَ ْولً َليّنا
خشَى "44طـه . َلعَلّ ُه َي َتذَكّرُ أَ ْو يَ ْ
وأنت أيها الب إن أجلست ولدك إلى جانبك ووضعت يدك على رأسه وكتفه ،وقلت له يا بني ،فتأكد أن هذه الكلمة بل هذه الحركة من المسح
تؤثر أضعاف الكلم الذي تقوله ،وتؤثر في نفسه أكثر بكثير من كل كلم تقوله وتزيل أي شيء بينك وبينه من حجاب وتفتح قلبه للقبول.
وعندها فهو إن أراد أن يخالفك فهو يخجل أن يخالفك ،بهذه الكلمة اللطيفة الشفيقة تزيل ما بينك وبينه من حجاب ،ويكون لك كتابا مفتوحا أمامك،
وعندها سيقبل كلمك والكلمة الطيبة صدقة .
لذلك بدأ بهذه الكلمة مع أنه من الممكن أن يبدأ الب بالمر مباشرة ولكن لها أثُرها الذي ل ينكر وليترك ،فأراد ربنا أن يوجهنا إلى الطريقة
اللطيفة الصحيحة المنتجة في تربية البناء وتوجيههم وإزالة الحجاب بيننا بينهم من دون تعنيف أو قسوة أو شدة ،وبذلك تريح نفسه وتزيل كل
حجاب بينك وبينه ونحن في حياتنا اليومية نعلم أن كلمة واحدة قد تؤدي إلى أضعاف ما فيها من السوء ،وكلمة أخرى تهون المور العظيمة
وتجعلها يسيرة.
ولقد تعلمت درسا في هذه الحياة قلته لبني مرة وقد اشتد في أمر من المور في موقف ما ،وأنا أتجاوز الستين بكثير ،وكان الموقف شديدا جدا،
خبّرت بذلك فجئت به ووضعته إلى جنبي وقلت له :يا فلن تعلمت من الحياة درسا أحب أن تتعلمه وهو أنه بالكلمة وقد فعل فعلته في جهة ما و ُ
الشديدة الناهرة ربما ل أستطيع أن أحصل على حقي ولكن تعلمت أنه بالكلمة الهينة اللينة آخذ أكثر من حقي.
أس الوصية
ش ِركْ بِاللّهِ إِنّ الشّ ْركَ لَظُ ْل ٌم عَظِيم(())13ي ل تُ ْ (يَا ُبنَ ّ
لم يبدأ بالعبادة ولم يقل له اعبد ال وإنما بدأ بالنهي عن الشرك ،وذلك لما يلي:
أول :التوحيد أس المور ،ول تقبل عبادة مع الشرك ،فالتوحيد أهم شيء.
ثانيا :العبادة تلي التوحيد وعدم الشرك فهي أخص منه .التوحيد تعلمه الصغير والكبير ،فالمعتقدات تُتعلم في الصغر وما تعلم في
الصغر فمن الصعب فيما بعد أن تجتثه من نفسه ،ولن يترك ما تعلمه حتى لو كان أستاذا جامعيا في أرقى الجامعات ،هذا ما شهدناه
وعايناه بأنفسنا فهذا المر يكون للصغير والكبير ،تعلمه لبنك وهو صغير ،ويحتاجه وهو كيبر ،أما العبادة فتكون بعد التكليف.
ثالثا :أمر آخر أنه أيسر ،فالمر بعدم الشرك (أي بالتوحيد) هو أيسر من التكليف بالعبادة ،العبادة ثقيلة ولذلك نرى كثيرا من الناس
موحدين ولكنهم يقصرون بالعبادة ،فبدأ بما هو أعم وأيسر؛ أعم لنه يشمل الصغير والكبير ،وأيسر في الداء والتكليف.
ثم قال (إِنّ الشّ ْركَ َلظُلْ ٌم عَظِيمٌ)
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
لماذا اختار الظلم؟ لماذا لم يختر :إثم عظيم ،ولماذا لم يقل كبير؟
لو تقدم شخصان إلى وظيفة أحدهما يعلم أمر الوظيفة ودقائقها وأمورها وحدودها ،ويعبر عن ذلك بأسلوب واضح سهل بين ،والثاني تقدم معه
ولكنه ل يعلم شيئا ول يحسنها وهو فيه عبء ،وعنده قصور فهم وإدراك ،فإن سوينا بينهما أفليس ذلك ظلما؟
ولو تقدم اثنان للدراسات العليا وأحدهما يعرف المور بدقة ويجيب على كل شيء ،وله أسلوب فصيح بليغ لطيف ،وآخر ل يعلم شيئا ول يفقه
شيئا ولم يجب عن سؤال ول يحسن أن يبين عن نفسه ،فإن سويت بينهما أفليس ذلك ظلما؟
والفرق بين ال وبين المعبود الخر أكبر بكثير ،ليست هناك نسبة بين الخالق والمخلوق ،بين مولي النعمة ومن ليس له نعمة ،فإن كان ذاك الظلم
ل نرضى به في حياتنا اليومية فكيف نرضى فيما هو أعظم منه فهذا إذن ظلم ،وهو ظلم عظيم.
والنسان المشرك يحط من قدر نفسه لن اللهة التي يعبدها تكون أحط منه ،وقصارى المر أن تكون مثله ،فهو يعبد من هو أدنى منه ،أو
بمنزلته ،فهذا حط وظلم للنفس بالحط من قدرها ،إنه ظلم لنه يورد نفسه موارد التهلكة ويخلدها في النار وهذا ظلم عظيم.
وأمر آخر أن النسان بطبيعته يكره الظلم ،قد يرتضيه لنفسه لكن ل يرضى أن يقع عليه ظلم ،فاختار المر الذي تكرهه نفوس البشر (الظلم)
وإن كان المرء بنفسه ظالما.
ك بِاللّهِ) وسكت ،وإنما علل له ،وهذا توجيه للباء أن يعللوا ل أن يقتصروا على الوامر والنواهي وفي هذا القول تعليل ،فهو لم يقل له( :ل تُشْ ِر ْ
بل تعليل ،ل بد من ذكر السبب حتى يفهم لماذا ،ل بد أن يعرف حتى يقتنع فهو بهذه النهاية (إِنّ الشّ ْركَ َلظُلْ ٌم عَظِيمٌ) أفادنا أمورا كثيرة في
التوجيه والنصح والتعليم والتربية.
عظم حق الوالدين
شكُرْ لِي َولِوَاِل َد ْيكَ إَِليّ ا ْلمَصِيرُ())14 ناْ حمََلتْهُ ُأمّهُ وَهْنا عَلَى وَهْنٍ َو ِفصَالُ ُه فِي عَا َميْنِ أَ ِ ن بِوَاِلدَيْهِ َ ص ْينَا الِْأنْسَا َ
(وَ َو ّ
(ووصينا) من قائلها؟ هذه ليست وصية لقمان ،هذا كلم ال ،لقمان لم ينه وصيته ،هذه مداخلة ،وستتواصل الوصية فيما بعد .قبل أن يتم الوصية
ن بِوَاِل َديْه)ِ ،ولم يدع لقمان يتم الوصية ،بل تدخل سبحانه بهذا الكلم ،وذلك لسباب: ص ْينَا ا ْلِأنْسَا َ
قال ال (وَوَ ّ
أول :أمر الوالدين أمر عظيم ،والوصية بهما كذلك ،فال تعالى هو الذي تولى هذا المر ،ولم يترك لقمان يوصي ابنه به ،فلما كان
شأن الوالدين عظيما تولى ربنا تعالى أمرهما ،لعظم منزلتهما عند ال تعالى.
ثانيا :لو ترك لقمان يوصي ابنه يا بني أطع والديك لكان المر مختلفا .لننا عادة في النصح والتوجيه ننظر للشخص الناصح هل له
في هذا النصح نفع؟ فإن نصحك شخص ما فأنت تنظر هل في هذا النصح نفع يعود على الناصح؟ فإن كان فيه نفع يعود على الناصح
فأنت تتريث وتفكر وتقول :قد يكون نصحني لمر في نفسه ،قد ينفعه ،لو لم ينفعه لم ينصحني هذه النصيحة .لو ترك ال تعالى لقمان
يوصي ابنه لكان ممكنا أن يظن الولد أن الوالد ينصحه بهذا لينتفع به ،ولكن انتفت المنفعة هنا فالموصي هو ال وليست له فيه مصلحة.
وقال( :ووصينا) ،ولم يقل :وأوصينا.
وال تعالى يقول (وصّى) بالتشديد إذا كان أمر الوصية شديدا ومهما ،لذلك يستعمل وصى في أمور الدين ،وفي المور المعنوية"( :وَوَصّى ِبهَا
ب مِنْ َقبِْلكُمْ ن "132البقرة ) ("وََل َقدْ َو ّ
ص ْينَا اّلذِينَ أُوتُوا ا ْل ِكتَا َ طفَى َلكُ ُم الدّينَ فَل َتمُوتُنّ ِإلّا وََأ ْنتُ ْم مُسِْلمُو َ
ب يَا َبنِيّ إِنّ اللّ َه اصْ َ
ِإبْرَاهِي ُم بَنِيهِ َو َيعْقُو ُ
ن اتّقُوا اللّ َه "131النساء). َوِإيّاكُمْ أَ ِ
ظ الُْأ ْن َثيَيْنِ" النساء.
أما (أوصى) فيستعملها ال تعالى في المور المادية " :يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْل ِدكُمْ لِلذّكَ ِر ِمثْلُ حَ ّ
جعََلنِي ُمبَارَكا َأيْنَ مَا ُكنْتُ لم ترد في القرآن أوصى في أمور الدين إل في مكان واحد اقترنت بالمور المادية وهو قول السيد المسيح " :وَ َ
حيّا "31مريم. ت َ
َوأَوْصَانِي بِالصّل ِة وَال ّزكَا ِة مَا دُمْ ُ
في غير هذه الية لم ترد أوصى في أمور الدين ،أما في هذا الموضع الوحيد فقد اقترنت الصلة بالمور المادية وقد قالها السيد المسيح في المهد
وهو غير مكلف أصل.
قال وصّى وأسند الوصية إلى ضمير التعظيم (ووصينا) وال تعالى ينسب المور إلى نفسه في المور المهمة وأمور الخير.
ولم يقل بأبويه بل اختار بوالديه:
الوالدان مثنى الوالد والوالدة ،وهو تغليب للمذكر كعادة العرب في التغليب إذ يغلبون المذكر كالشمس والقمر يقولون عنهما (القمران).
والبوان هما الب والم ولكنه أيضا بتغليب المذكر ولو غلب الوالدة لقال الوالدتين ،فسواء قال بأبويه أو بوالديه فهو تغليب للمذكر ،ولكن لماذا
اختار الوالدين ولم يقل البوين؟
علَى وَهْنٍ َوفِصَالُ ُه فِي عَا َميْنِ) حمََلتْهُ ُأمّهُ وَهْنا َ
لو نظرنا إلى الية لوجدناه يذكر الم ل البَ ( :
فذكر أول ا لحمل والفطام من الرضاع (وفصاله) ولم يذكر الب أصل ذكر ما يتعلق بالم (الحمل والفصال) وبينهما الولدة والوالدان من
الولدة ،والولدة تقوم بها الم.إذن:
أول (المناسبة) فعندما ذكر الحمل والفصال ناسب ذكر الولدة.
ثانيا :ذكره بالولدة وهو عاجز ضعيف ،ولول والداه لهلك فذكره به.
ثالثا إشارة إلى انه ينبغي الحسان إلى الم أكثر من الب ،ومصاحبة الم أكثر من الب ،لن الولدة من شأن الم وليست من شأن
الب.
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
لذلك فعندما قال (بوالديه) ذكر ما يتعلق في الصل بالم ،ولذلك فهذه الناحية تقول :ينبغي الحسان إلى الوالدة قبل الب وأكثر من الب .ولذلك
ل تجد في القرآن الكريم البر أو الدعاء أو التوصية إل بذكر الوالدين ل البوين
أمثلة :
ل كَرِيما "23
حدُ ُهمَا أَ ْو كِل ُهمَا فَل تَقُلْ َل ُهمَا ُأفّ وَل َت ْنهَرْ ُهمَا َوقُلْ َل ُهمَا قَ ْو ً عنْ َدكَ ا ْل ِكبَرَ أَ َ
ن ِحسَانا ِإمّا يَبُْلغَ ّ " َوقَضَى َرّبكَ أَلّا َتعْ ُبدُوا إِلّا ِإيّاهُ َوبِالْوَاِلدَيْنِ إِ ْ
السراء.
شيْئا َوبِالْوَاِل َديْنِ ِإحْسَانا "36النساء. ش ِركُوا بِهِ َ عبُدُوا اللّهَ وَل تُ ْ " وَا ْ
حسَانا "151النعام . شيْئا َوبِالْوَاِلدَيْنِ إِ ْ حرّمَ َرّبكُ ْم عََل ْيكُمْ أَلّا تُشْ ِركُوا بِهِ َ ل مَا َ " ُقلْ َتعَالَوْا َأتْ ُ
وكذلك البر والدعاء والحسان.
ب "41ابراهيم. حسَا ُ ن يَوْ َم يَقُومُ الْ ِ " َرّبنَا اغْفِ ْر لِي وَلِوَاِلدَيّ وَلِ ْلمُ ْؤ ِمنِي َ
ل َب ْيتِيَ مُ ْؤمِنا وَِل ْلمُ ْؤمِنِينَ وَا ْلمُ ْؤ ِمنَاتِ وَل تَ ِزدِ الظّاِلمِينَ إِلّا تَبَارا "28نوح. ن دَخَ َ غفِرْ لِي وَلِوَاِلدَيّ وَِلمَ ْ " رَبّ ا ْ
ن بِوَاِل َديْهِ حُسْنا "8العنكبوت. ص ْينَا ا ْلِأنْسَا َ
"وَوَ ّ
ن بِوَاِل َديْهِ ِإحْسَانا "15الحقاف. ص ْينَا ا ْلِأنْسَا َ
" وَوَ ّ
لم يرد استعمال (البوين) إل مرة في المواريث ،حيث نصيب الب أكثر من نصيب الم ،أو التساوي في النصبة .لكن في البر والتوصية
والدعاء لم يأت إل بلفظ الوالدين إلماحا إلى أن نصيب الم ينبغي أن يكون أكثر من نصيب الب.
ق "6يوسف ن َقبْلُ ِإبْرَاهِيمَ وَِإسْحَا َ
علَى َأبَ َو ْيكَ مِ ْ
ب َكمَا َأ َت ّمهَا َل َيعْقُو َ كما ان لفظ (البوان) قد يأتي للجدين َ " :ويُتِ ّم ِن ْع َمتَهُ عََل ْيكَ وَعَلَى آ ِ
جنّ ِة "27العراف ن َكمَا َأخْرَجَ َأبَ َو ْيكُ ْم مِنَ الْ َ شيْطَا ُويأتي لدم وحواء" :يَا بَنِي آدَ َم ل يَ ْف ِت َننّكُمُ ال ّ
فاختيار الوالدين له دللت مهمة.
ثم هو هنا لم يأت بالب أصل بل قال ( حملته أمه وهنا )..ولم يرد ذكر للب أبدا ،لذلك كان اختيار الوالدين انسب من كل ناحية.
سجّدا "100يوسف فاختار البوين .الجواب: قد تقول إن هذا المر تخلف في قصة سيدنا يوسف عندما قال" :وَ َرفَعَ َأبَ َويْهِ عَلَى ا ْلعَ ْرشِ وَخَرّوا لَهُ ُ
لم يتخلف هذا المر ،فعندما قال رفع أبويه لم يتخلف وإنما هو على الخط نفسه ،وذلك لما يلي:
أول :في قصة يوسف لم يرد ذكر لم مطلقا ورد ذكر الب فهو الحزين وهو الذي ذهب بصره ..الخ ولم يرد ذكر للم أصل في
قصة يوسف.
ثانيا في هذا الختيار أيضا تكريم للم لنه قالَ " :و َرفَعَ َأبَ َويْهِ عَلَى ا ْلعَرْشِ َوخَرّوا لَهُ سُجّدا "100فالعادة أن يكرم البن أبويه ،ليس أن
يكرم البوان البن ولكن هنا هم خروا له سجدا فالتكريم هنا حصل بالعكس من البوين للبن ولذلك جاء بلفظ البوين ل الوالدين إكراما
للم فلم يقل :ورفع والديه.
وفيها إلماح آخر أن العرش ينبغي أن يكون للرجال.
فلما قال أبويه هنا ففيه تكريم للم ،ويلمح أن لعرش ينبغي أن يكون للرجال ،ويناسب ما ذكر عن الب إذ القصة كلها مع الب ،فهو النسب من
كل ناحية.
وهنا قد يرد سؤال :إن الم هي التي تتأثر وتتألم أكثر وتحزن فلماذا لم يرد ذكرها هنا؟ ألم تكن بمنزلة أبيه في اللوعة والحسرة؟
ل ..المسألة أمر آخر ،أم يوسف ليست أم بقية الخوة ،هي أم يوسف وأخيه فقط ،ولذلك فيكون كلمها حساسا مع إخوته ،أما يعقوب عليه السلم
فهو أبوهم جميعا ،فإذا عاتبهم أو كلمهم فهو أبوهم ،أما الم فليست أمهم ،فإذا تكلمت ففي المر حساسية ،وهذا من حسن تقديرها للمور فكتمت
ما في نفسها وأخفت لوعتها حتى ل تثير هذه الحساسية في نفوسهم وهذا من حسن التقدير والدب ،فلننظر كيف يختار القرآن التعبيرات في
مكانها ويعلمنا كيف نربي ونتكلم مع أبنائنا{ .نظرا لنتهاء الوقت المخصص للمحاضرة فقد اضطر العالم الفاضل الستاذ فاضل السامرائي
للوقوف عند هذا الحد}.
سنًا ﴿﴾8ح َْن بِوَالِدَي َْهِ ُ صيْنَا اْلِن َْ َ
سا َ (ووََ َّ
*فَى إجابَة للدكتور أحمَد الكبيسَى عَن الفرق بيَن قوله تعالى َ
ن
سا َ ْ سانًا﴿ ﴾15الحقاف) هذه اثنتان ثم (وَوَ َّ
صيْنَا الِن ْ َ ح َن بِوَالِدَيْهِ إ ِ ْ صيْنَا اْلِن ْ َ
سا َ العنكبوت) هذه كلمة (وَوَ َّ
ه ﴿ ﴾14لقمان) بدون ل حسن ول إحسان؟ ه أ ُ ُّ
م ُ ملَت ْ ُ
ح َ
بِوَالِدَيْهِ َ
لحظ قبل كل شيء ال ما قال وصينا المؤمنين بل وصينا النسان عموما .يريد ال عز وجل أن يقول أن هذا علقة البناء بالباء وعلقة الباء
بالبناء هي من خصائص هذا النسان ل تجد هذه العلقة بين كل الحياء الخرى ،الحيوانات نعم هناك أمٌ تعرف أطفالها ولكن الب ل يهتم من
هو ابنه والبن ل يهتم من هو أبوه بل أن البن ل يهتم من هي أمه وحينئذٍ الم فقط في المخلوقات الحية هي التي تهتم بأطفالها إلى حين .من
أجل هذا هذا من خصائص النسان إحترام البوين وتقديرهما وتقديسهما وحسن التعامل معهما هذا من خصائص النسان لن ال تعالى وصاه
بذلك ،رب العالمين هو الذي غرس في هذا النسان من جملة عناصر أنسنته عندما خرج من المملكة الحيوانية فوهبه ال سبحانه وتعالى العلم
حنَا ﴿ ﴾12التحريم) وحينئذٍ تأنسن الحيوان وحينئ ٍذ من عناصر أنسنة هذا المخلوق هو أن سمَا َء كُّلهَا﴿ ﴾31البقرة) ( َفنَ َف ْ
خنَا فِيهِ مِنْ رُو ِ (وَعَلّمَ َآدَمَ الَْأ ْ
ن بِوَاِل َديْهِ ِإحْسَانًا) أي العطاء أن تطعمه وأن تسقيه وأن تقدم حاجاته أن خرَ ﴿ ﴾14المؤمنون)( .وَ َو ّ
ص ْينَا الِْإنْسَا َ ش ْأنَا ُه خَلْقًا آَ َ
يكون بارا بوالديه (ثُمّ َأنْ َ
سنًا) هذا ل يكون بالعطاء وإنما بحسن ن بِوَاِل َديْهِ حُ ْ
ص ْينَا ا ْلِإنْسَا َ
تقدم له حاجاته ما يحتاجه من مأكلٍ ومطعمٍ وملبس هذا الحسان .وفي الية (وَوَ ّ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
التعامل ،كيف تحترمه؟ أنت قد تعطي أباك لكنك تشتمه ول تحترمه أو تتكلم معه بدون احترام هذا أنت أعطيته أنت بريّت به وهذا الفرق بين
الحسن والبر .البِرّ أن تعطيها ما تحتاجه وأن تعطي أباك ما يحتاجه ،الحسان أن تعطيه بشكلٍ جيد هذا الفرق بين البر والحسان .البِرّ أن توفر
له حاجاته لكن قد تقدمها بشكل غير لئق فيها شيء من الغلظة أو الخشونة وقد تشتم أباك وقد تزدريه من ِكبَره أو تزدري أمك لكن الحسان أن
تعطي هذين البوين هذا البر بشكل في غاية الدقة والناقة والجمال من حيث أنك تكون خادما لهما وتقريبا وبل مبالغة ول مباهاة %99من هذه
ح الذّلّ ﴿ ﴾24السراء) جنَا َ المة يتعاملون مع آبائهم وأمهاتهم عند العطاء بهذا الخضوع والذل .وهذا الذل من أعظم أنواع العز (وَاخْ ِفضْ َل ُهمَا َ
هذا الذل هو من أعظم أنواع العز في الرض .ولهذا ملوك الرض والذين فتحوا البلدان والذين قاموا بأنواع من الحضارات والتحضّر أمام
والديه كالعبد هذا الذل العبقري الذي هو أعلى قيمة النسان العظيم العزيز .هذا الحسان ،فحينئذٍ كلمة الحسان ما يتعلق بالعطاء توفر له حاجاته
لكن ليس فقط مجرد بِرّ وإنما تقدم هذا العطاء لهما بشكل لئق يدل على احترامك لهما وعلى عدم ال ِمنّة أن ل تمنّ عليهما كأن تقول أنا أعطيتك
وجئت لك الخ ل إطلقا وحينئذٍ وصاك ال بهما حسنا أي كيف تتكلم معهما؟ إذا جاء أبوك أو جاءت أمك تقوم بوجههما وإذا تكلمت معهما تكون
في غاية الخضوع يعني إنتبه إلى الحديث المتفق على صحته عن الثلثة الذين أغلق عليهم الغار مسافرون ثلثة ودخلوا غارا عندما جاءت
عاصفة فالعاصفة جاءت بحجر ثقيل فأغلقت باب الغار ولم يستطع أح ٌد منهم أن يزحزح هذا الحجر ونفذ ما معهم من ما ٍء وطعام وأوشكوا على
الهلك فتح ل على أحدهم وقال يا جماعة تعالوا نتوسل إلى ال عز وجل بأحسن عملٍ عملناه في حياتنا وكل واحد جاء بعمل الثالث قال يا ربي
أنت تعرف أن لي أم وأب وصارا كبيرين وأنا عندما أعود من العمل والعمل كان بين البل وبين الغنم يعني كان صاحب إبلٍ وغنم كنت آتي
لهما باللبن لكي يتعشيا لكي يناما وكنت ل أعشي أطفالي إل بعد أن أعشي والدي-وطبعا نحن نتكلم بالمعنى وليس بلغة الحديث -ل يعشي أولده
إل بعد أن تشرب الم والب هذا اللبن ثم يناما ثم يذهب ويوقظ أطفاله حتى يعشيهم ،يوم من اليام جاء وقد وجد أبويه نائمين وهو يحمل لهم
غبوقهما يعني كأسين من اللبن فلما وجد البوين نائمين بقي يحمل هذين القدحين إلى أن استيقظا عند الفجر وهو يحمل هذين القدحين وهو واقف
أمام رأسيهما وأولده جائعون ولم يعشهم إل بعد أن استيقظ البوان فقدم لهما هذا العشاء البسيط وهذا هو عشاؤهما كل يوم ل يشربان غيره
ص ْينَا الِْإنْسَانَ
وبكل أدب بكل خدمة سقاهما كما تسقي الم المرضعة طفلها ثم عاد بعد أن صليا وعادا وذهب وأيقظ أطفاله لكي يعشيهم ،هذا (وَوَ ّ
ف هذا من الحسن وليس من الحسان .فالحسان هو العطاء عشاء وغداء ف ﴿ ﴾23السراء) ول أ ّ سنًا) كيف تتعامل (فَلَا َتقُلْ َل ُهمَا أُ ّ بِوَاِل َديْهِ حُ ْ
ح ْب ُهمَا فِي ال ّدنْيَا َمعْرُوفًا ﴿ ﴾15لقمان) حينئذٍ كل ط ْعهُمَا وَصَا ِ
س َلكَ بِ ِه عِلْ ٌم فَلَا تُ ِ
ك بِي مَا َليْ َ
ن تُشْ ِر َ
ك عَلى أَ ْ ن جَا َهدَا َ
ولباس الخ هذا من الحسن (وَإِ ْ
تصرفاتك أبدا أنت عبدٌ عندهما وكلما ازدادت عبوديتك لهما ازدادت عبوديتك ل عز وجل وكنت عبدا صالحا عند ال سبحانه وتعالى .لن
رضى ال عز وجل من رضاهما ل يرضى ال عنك إل إذا رضي عنك أبواك .فكلما أمعنت في الخدمة والذل لهما وخفضت لهما جناح الذل إذا
هذا هو الفرق بين الحسان العطاء سواء كان إذا كان مجرد عطاء يسمى بِرّا إذا كان عطاء مع هذا الحترام والجلل والتقديس والتكريم يسمى
إحسانا إذا كان بكل يومك يعني عندما تتحدث معه بأدب تجلس بين يديه بأدب عندما يقوم تقوم عندما تستقبله تنهض للقائه إذا ناداك تقول له
ن بِوَاِل َديْهِ ِإحْسَانًا) وهو طعام وشراب وبين ص ْينَا الِْإنْسَا َ
لبيك ،بهذه العبودية التي جعلها ال جائزة للبوين أنت قدمت لهما حُسنا هذا الفرق بين (وَ َو ّ
ن بِوَاِل َديْهِ) وسكتت هذا يعني الثنين، ص ْينَا ا ْلِإنْسَا َ
سنًا) وهو تعامل رقيق وأنيق في غاية الذل لهما .الية التي تقول (وَوَ ّ حْن بِوَاِلدَيْهِ ُ
ص ْينَا الِْإنْسَا َ
(وَ َو ّ
حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا عَلَى وَهْنٍ َوفِصَالُهُ فِي ن بِوَاِل َديْهِ) لماذا؟ قال ( َ ص ْينَا ا ْلِإنْسَا َ
رب العالمين أجمل هذه الحالة وهذه الحالة أجملها بآية واحدة وقال (وَوَ ّ
عَا َميْنِ ﴿ ﴾14لقمان) لم يذكر فضائل الب لن فضائل الب أنت تدركها وأنت كبير أبوك يبدأ دوره معك عندما تميّز قبل هذا أنت عند أمك
شقاؤها وسهرها وتعبها وحملها أنت ل تدركه لم تره ولهذا ربما تذهل عن أفضال أمك عليك وأنت ل تذهل عن أفضال أبيك ولهذا رب العالمين
يقتصر على فضائل الم على أولدها .إذا هكذا هو الحسن والفرق بين الحُسن والجمال أن الجمال شي ٌء متميز عن غيره من حيث قيمته
الجمالية ،الحُسن هو الجمال إذا كثر واشتد وتعمق حتى صار مبهجا .إذا الحسان جمالٌ مبهج أحيانا جمال عادي هذا كأس جميل هذا بيت جميل
لكن هناك جمال عندما تراه تقف وتقول سبحان الخلق العظيم! ما هذا الجمال! إذا انبهرت بذلك وابتهجت نفسك به يسمى حسنا .من أجل هذا
ن مبهج عجائب .ولهذا اقصر طريقٍ إلى الجنة هو التعامل مع الوالدين بحُسن هو البِ ّر ومن التاريخ ينقل لنا عن بعض الذين عاملوا أبويهم بحس ٍ
ن مِنْ حَ َرجٍ ﴿ ﴾78الحج ) رب العالمين تكلم عن بر الوالدين حتى ل ييأس أحد أنت ما عَليْكُ ْم فِي الدّي ِ
جعَلَ َ رحمة ال رب العالمين قال ( َومَا َ
دمت تكفي والديك أنت بخير لكن هذا الخير يتفاوت الجنة يا جماعة مائة درجة كل درجة بينها وبين الخرى كما بين السموات والرض وكل
درجة عن درجة في النعيم كما بين الكوخ والقصر من أجل هذا قال (فَأُوَل ِئكَ َلهُ ُم الدّرَجَاتُ ا ْلعُلَا ﴿ ﴾75طه) (وَلَ ْلآَ ِ
خرَةُ َأ ْكبَرُ دَ َرجَاتٍ وََأ ْكبَ ُر تَفْضِيلًا
﴿ ﴾21السراء) إذا أردت أن تدخل الجنة فبالبِرّ ،وإذا أحببت أن تترقى في الدرجات العلى التي هي منازل النبياء والصديقين والشهداء فعليك
بالحسان أولً ثم تنتقل إلى الحُسن ،تكون في غاية الذل وأن تقدم لهم ثم في غاية الجمال والحسن المبهج لنفس البوين .فالبوان عندما يرونك
كيف تقبل يده كيف تقوم كيف تحترمهم يشعرون ببهجة .من أجل هذا أنت أعظم أنواع النسان يوم القيامة إذا جئت وأبواك راضيان عنك من
حيث أنك بلغت القمة في التعامل معهما لنك قدمت لهما ما قدمت بحسنٍ وليس بمجرد إحسان بل ترقيت من البِرّ إلى الحسان إلى الحُسن
أصبحت أنت مبهجا لهما إلى أن ماتا بين يديك وهما في غاية البهجة حينئ ٍذ ل عليك ما فعلت" .ثلثةً ل ينفع معهنّ عمل عقوق الوالدين وثلثة ل
يض ّر معهن ذنب ومنها بر الوالدين" فكيف الحسن إلى الوالدين؟! هذا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .هذه القمم يوم القيامة
معدودات ،عندك أصحاب الذكر ،أصحاب العلم ،طبعا دعك من النبياء والصديقين والشهداء هؤلء قضية أخرى أيضا ،السخاء ،الحاكم العادل،
ل تنفق ول بحاكم تحكم بالعدل ول ول الخ فلتكن مع أبويك مبهجا لهما بأن تتعامل معهما بحسن. قمم يوم القيامة من ضمنهم إذا لم تكن أنت بما ٍ
آية (:)15
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
ل ِإنّي أُرِيدُ الولى (لينجح هذه لم التعليل) ،زوّجتك ابنتي لتعينني (هذه لم التعليل) وزوّجتك ابنتي على أن تعينني (هذا شرط) فيه إشتراط( ،قَا َ
حجَجٍ ( )27القصص) هذا شرط وفيها إشتراط .فإذن (على أن تشرك بي) المجاهدة فيها أشد ن عَلَى أَن تَ ْأجُ َرنِي َثمَانِيَ ِ ي هَا َتيْ ِ حدَى ا ْب َنتَ ّ حكَ ِإ ْ أَنْ أُنكِ َ
ح ْب ُهمَا فِي الدّ ْنيَا َمعْرُوفًا) وفي العنكبوت لم يقل سنًا) ومع الشدة الكثر قال ( َوصَا ِ ن بِوَاِل َديْهِ حُ ْ
ص ْينَا ا ْلإِنسَا َ
من (لتشرك بي) .مع الشدة القل قال (وَوَ ّ
ح ْب ُهمَا
ح ْب ُهمَا فِي الدّ ْنيَا َمعْرُوفًا) هذا مع الجهاد الشديد ولم يقل حسنا .السياق في المصاحبات قال ( َوصَا ِ صاحبهما في الدنيا معروفا ،إذن قال ( َوصَا ِ
فِي الدّ ْنيَا َمعْرُوفًا) وفي العنكبوت ليس السياق في المصاحبات فقط الوصية والمجاهدة أقل ولهذا حدد الوصية بـ(حسنا) .في لقمان قال (بوالديه)
هذا معناه العموم والطلق .فلما كان في العنكبوت الجهاد أقل قال حُسنا لكن لم يذكر المصاحبة بالمعروف وفي الجهاد الشد قال (بوالديه) لم
يذكر حُسنا وإنما ذكر المصاحبة بالمعروف في سورة لقمان .في لقمان ما ذكر حُسنا ول إحسانا ولكن ذكر المصاحبة بالمعروف مع الجهاج بشدة
ص ْينَا
ومع الجهاد القل في العنكبوت قال (حُسنا) ولم يذكر المصاحبة لن السياق في العنكبوت في الحسن من العمال .في العنكبوت قال (وَوَ ّ
سنًا) كيف قال وصاحبهما في ن بِوَاِل َديْهِ حُ ْص ْينَا ا ْلإِنسَا َ
ن بِوَاِل َديْهِ إِحْسَانًا) حتى التعبير ( َووَ ّ ص ْينَا ا ْلإِنسَا َسنًا) وفي الحقاف قال (وَوَ ّ الْإِنسَانَ بِوَاِلدَيْهِ حُ ْ
سنًا) يعني الوصية هي ن بِوَاِلدَيْ ِه حُ ْص ْينَا الْإِنسَا َالدنيا معروفا ولم يقل بمعروف لنه أراد أن المصاحبة هي المعروف بعينه وهنا لما قال (وَ َو ّ
الحُسن بعينه لم يقل بالحُسن ولم يقل وصيناه بشيء حسن وإنما جاء بالمصدر (حُسنا) .التيان بالمصدر له دللة بيانية أن الوصف أو التيان أو
ب ( )18يوسف) كذب مصدر أي هو الكذب الخبار أو الحال بالمصدر يدل على المبالغة لذلك ليست عندهم قياس (وَجَآؤُوا عَلَى َقمِيصِ ِه ِبدَمٍ َكذِ ٍ
بعينه .ومحتمل في غير القرآن أن يقال بدم كاذب أو بالكذب كما يقال هذا رجل زور وهذا رجل صوم وهذا رجل عدل ،تقول هذا رجل صائم
أي قد يكون صام يوما أما لو قلنا هذا رجل صوم ل تقال إل إذا كان الصوم عادة طاغية ظاهرة عنده وهذا يستعمل للمفرد والمثنى والجمع
والمذكر والجمع لفظا واحدا لنه مصدر يقال رجال صوم ونساء صوم ورجل صوم وامرأة صوم .المصدر (ووصفوا بمصدرٍ كثيرا فالتزموا
سنًا) ليس فيها حُسن وليست حسنة ن بِوَاِل َديْهِ حُ ْص ْينَا ا ْلإِنسَا َ
الفراد والتذكيرا) .هذا من المبالغة يعني المعاملة في الوصية هي الحُسن بعينه ( َووَ ّ
جيدة وإنما هي الحُسن بعينه.
حسُن من الفعل الثلثي وإحسانا يبقى السؤال لماذا قال حسنا وإحسانا وكلهما مصدر؟ يجوز للكلمة أن يكون لها أكثر من مصدر (حُسنا مصدر َ
مصدر أحسن ،أفعل إفعال هذا قياس مثل أكرم إكرام ،أعظم إعظام ،أجبر إجبار ،أكره إكراه) هذان مصدران مختلفان لفعلين مختلفين .حسُن فعل
ك ( )77القصص) فرق بين حسَنَ اللّهُ إَِل ْي َلزم حسُن الشيء في نفسه حًسنا ،إحسان أن يتعدى خيره للخرين أحسنت إليه إحسانا (وََأحْسِن َكمَا أَ ْ
أحسنت إليه وبين عاملته حُسنا ،عاملته حُسنا أي المعاملة أو اللقاء كان حسنا لكن لم تفعل له شيئا أما الحسان فيتعدى خيره للخرين أحسنت إليه
أي قدمت له معروفا قدمت له خيرا .ووصينا النسان بوالديه حسنا أي عاملهما حسنا أما إحسانا أن تقدم لهما الخير إذن إحسانا أقوى من حُسنا.
ط ْع ُهمَا إَِليّ
ك بِهِ عِ ْل ٌم فَلَا تُ ِ
ش ِركَ بِي مَا َليْسَ َل َ سنًا وَإِن جَا َهدَاكَ ِلتُ ْ حْ ن بِوَاِلدَيْهِ ُ
ص ْينَا الْإِنسَا َ
يبقى لماذا استعمل كل واحدة في مكانها؟ آية العنكبوت (وَ َو ّ
حتّى ِإذَا شهْرًا َحمْلُهُ َوفِصَالُ ُه ثَلَاثُونَ َ ض َعتْهُ كُرْهًا وَ َ حمََلتْهُ ُأمّهُ كُرْهًا وَ َو َ ن بِوَاِل َديْهِ ِإحْسَانًا َ ص ْينَا ا ْلإِنسَا َ
ج ُعكُ ْم فَُأ َنبّ ُئكُم ِبمَا كُنتُ ْم َت ْعمَلُونَ) هذه الية ( َووَ ّ مَ ْر ِ
صلِحْ لِي فِي ذُ ّرّيتِي ِإنّي عمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَ ْ ت عََليّ وَعَلَى وَاِلدَيّ وَأَنْ أَ ْ شكُ َر ِنعْ َم َتكَ اّلتِي َأ ْنعَمْ َ عنِي أَنْ َأ ْ سنَةً قَالَ َربّ أَوْزِ ْ شدّهُ َوبَلَغَ أَ ْر َبعِينَ َ بَلَغَ أَ ُ
ُتبْتُ إَِل ْيكَ وَِإنّي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ ( )15الحقاف) نلحظ في هذه الية حملته كُرها ووضعته كُرها ولم يقل هذا في العنكبوت ولم يقل هذا في لقمان
حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا عَلَى وَهْنٍ) وإنما ذكر الحمل دون الوضع أما هنا فذكر الحمل والوضع وكلهما كُره فأيهما أشدّ على المرأة؟ قد تحمل شيئا (َ
كرها وتضعه بيُسر إذن ذكر في الحقاف أمرين الحمل والوضع وكلهما كره ومشقة .هذا فيه مشقة في الحمل والوضع ولم يذكر الحمل أصلً
علَى وَهْنٍ) لم يذكر آلم الوضع ول مشقة الوضع لكن ذكر جزءا حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا َفي العنكبوت وفي لقمان ذكر الحمل ولم يذكر الوضع وقال ( َ
علَى وَهْنٍ) ،في الحقاف ذكر الحمل والوضع وكلهما كُره وفي العنكبوت لم حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا َ من آلم الحمل .في لقمان ذكر الحمل وحده وقال ( َ
شكُرَ عنِي أَنْ أَ ْ ل رَبّ أَ ْوزِ ْ يذكر الحمل والوضع ،إذن أيهما يستحق الحسان؟ الحقاف .هذا أمر والمر الخر أنه في الحقاف الوالدان مؤمنان (قَا َ
خرَجَ ل صَاِلحًا تَ ْرضَاهُ) هذان البوان مؤمنان وبعدها قال (وَاّلذِي قَالَ لِوَاِل َديْهِ أُفّ ّل ُكمَا َأ َتعِدَا ِننِي أَنْ أُ ْ عمَ َ
ت عَلَيّ وَعَلَى وَاِلدَيّ وَأَنْ أَ ْ ِن ْع َمتَكَ اّلتِي َأ ْن َعمْ َ
ل مَا َهذَا إِلّا َأسَاطِي ُر الْأَوّلِينَ ( )17الحقاف) ق َفيَقُو ُ عدَ اللّهِ حَ ّ ك آمِنْ إِنّ وَ ْ س َتغِيثَانِ اللّهَ َويَْل َ
ن مِن َقبْلِي وَ ُهمَا يَ ْ َو َقدْ خََلتْ الْ ُقرُو ُ
ط ْع ُهمَا)
ك بِهِ عِ ْل ٌم فَلَا تُ ِ
ش ِركَ بِي مَا َليْسَ َل َ في الحقاف الوالدن مؤمنان وفي العنكبوت ولقمان الوالدان كافران في لقمان (وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن تُ ْ
طعْ ُهمَا) بينما في الحقاف لم يذكر هذا وإنما ذكر آلم الحمل وآلم الوضع وأن ك بِ ِه عِلْ ٌم فَلَا تُ ِك بِي مَا َليْسَ َل َ وفي العنكبوت (وَإِن جَا َهدَاكَ ِلتُشْ ِر َ
البوين مؤمنان فمن الذين يستحق الحسان؟ المؤمن يستحق الحسان .هل يصح في البلغة أن نضع الحسان في آية العنكبوت والحُسن في آية
عمِلُوا الصّاِلحَاتِ الحقاف؟ ل يمكن .هذا إضافة إلى أن ذكر الحُسن في سياق آية العنكبوت أنسب من الحسان .في العنكبوت قال (وَاّلذِينَ آ َمنُوا وَ َ
ن ( )7ووصينا النسان ) حتى يتناسب مع الجزاء ،هذا في سياق الحسن من العمال .في ج ِز َينّهُ ْم َأحْسَنَ اّلذِي كَانُوا َي ْعمَلُو َ سّيئَا ِتهِمْ وََلنَ ْ
ع ْنهُمْ َ َلُنكَفّرَنّ َ
عدُونَ ( ))16هذا في صدْقِ اّلذِي كَانُوا يُو َ عدَ ال ّ جنّةِ وَ ْصحَابِ الْ َ سّيئَا ِتهِمْ فِي أَ ْعمِلُوا َو َنتَجا َو ُز عَن َ حسَنَ مَا َ ع ْنهُ ْم أَ ْ
ل َالحقاف قال (أُ ْوَل ِئكَ اّلذِينَ َنتَ َقبّ ُ
سياق الحسن من العمال .فإذن العنكبوت والحقاف السياق في الحُسن من العمال فذكر حسنا وإحسانا وفي لقمان السياق في المصاحبة بين
الناس والمعاشرة بين الناس فذكر المصاحبة بالمعروف .إذن سواء كان من ناحية السياق أو من ناحية واقع الوالدين كل تعبير هو أنسب في
مكانه :الحُسن في العنكبوت والحسان في الحقاف والمصاحبة بالمعروف في لقمان.
*هََل يجوز للرجََل العادي الذي ليََس له علم بالعربيََة والبيان والبلغََة كيََف له أن يفهََم بهذا
الشكل؟
هو ليس مكلفا بأن يفهم بهذا الشكل لكن المهم أن يقرأ لكن إذا كان الشخص يتعالم فينبغي أن يُبين له ما يجهله .هناك أناس يتكلمون بما ل يعلمون
فيُبين لهم حتى تقوم الحجة عليه.
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
ي ( )15لقمان) ل سبيلهما ،صاحبهما في أمور الدنيا وليس في أمور الخرة ول تتبع سبيلهما وإنما اتبع سبيل المنيبين سبِيلَ مَنْ َأنَابَ إِلَ ّ (وَا ّتبِعْ َ
إلى ال في الطاعة والعبادة والمعاملة في إقامة شرع ال فيما أنت مكلف به واتّبع سبيل المنيبين إلى ال ل سبيلهما لنهما مشركان لكن ينبغي
ي لن ال سبحانه وتعالى خلق المصاحبة بالمعروف .برغم أنه ذكر المصاحبة بالمعروف والوصية بالوالدين إل أنه يقول واتبع سبيل من أناب إل ّ
الجن والنس للعبادة والطاعة ول طاعة لمخلوق في معصية الخالق فكيف تتبع سبيلهما وهما قد عصيا؟ تصاحبهما في الدنيا معروفا في أمور
الدنيا وهم قالوا المصاحبة إما في أمور الدنيا أو في الدنيا ثم تنقطع المصاحبة وكل واحد يذهب في حال سبيله.
ي حصرا ل ترجعون إلى جهة أخرى ول إلى ذات أخرى وفي هذا إبطال للشرك ل يرجعون إل إليه حصرا ج ُعكُ ْم ( )15لقمان) إل ّ ي مَرْ ِ (ثُمّ إَِل ّ
فلماذا الشرك وما يفعل الشركاء؟ إليّ مرجعكم مثل إلي المصير تقديم الجار والمجرور والمبتدأ معرفة وهنا ابتدأ بالخبر ويجوز التقديم.
ن ( )15لقمان) أي أخبركم ولم يقل فأجزيكم مثلً لن ربنا قد ينبئ النسان بما عمل ثم يغفر له في الخرة ،يستر عليه قد (فَُأ َنّبُئكُم ِبمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو َ
جمِيعًاينبئ النسان بما عمل ثم يجزيه خيرا منه .لم يذكر الجزاء هنا وإنما ذكر الخبار ،قد يكون أحصاها وقد يكون نسيها (يَوْ َم َي ْبعَ ُثهُمُ اللّ ُه َ
حصَا ُه اللّهُ َونَسُو ُه ( )6المجادلة) ربنا ينبئه بما كان يعمل من خير أو شر المؤمن قد يفعل معصية ولمم فينبئه بما عمل ثم يغفر عمِلُوا أَ ْ َف ُي َنبّ ُئهُم ِبمَا َ
شرُ َأ ْمثَاِلهَا ( )160النعام) خيْ ٌر ّم ْنهَا ( )89النمل) أو بعشر أمثالها (مَن جَاء بِالْحَ َ
سنَ ِة فَلَ ُه عَ ْ سنَ ِة فَلَهُ َ له والحسنة يجزيه بخير منها (مَن جَاء بِالْحَ َ
شرّا يَرَ ُه ( )8الزلزلة) إذن هو ينبئ ما ذكر الجزاء ما قال يجزى به وإنما قال يره. ل ذَرّةٍ َ خيْرًا يَرَ ُه (َ )7ومَن َي ْعمَلْ ِمثْقَا َ ل ذَرّ ٍة َ ل ِمثْقَا َ ( َفمَن َي ْعمَ ْ
هذا حكم عام أن يرى الرجل عمله ليس هذا الجزاء فإن كان مؤمنا يجزيه ال تعالى خيرا مما رأى أو يغفر له يدنيه فيغفر له (سترتها عليك في
الدنيا وأنا أسترها عليك اليوم) ويسترها عليه في الخرة كما سترها عليه في الدنيا .في نفس السورة في مكان آخر لم يكتف بالتنبيه وإنما ذكر
صدُو ِر (ُ )23نمَ ّت ُعهُ ْم قَلِيلًا ثُ ّم نَضْ َ
طرّهُمْ إِلَى عمِلُوا إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم ِبذَاتِ ال ّ
ج ُعهُ ْم َفُن َنبّ ُئهُم ِبمَا َ
حزُنكَ كُ ْفرُهُ إَِل ْينَا مَرْ ِ
الجزاء مع الكافرين ( َومَن كَ َف َر فَلَا يَ ْ
ظ ( ))24لم يكتف بالتنبيء لن هؤلء كفروا ،ينبئهم ثم يجزيهم بما عملوا .هناك لم يذكر كفر وإنما كان حكما عاما. ب غَلِي ٍ عذَا ٍ َ
آية (:)16
ن اللّهَ لَطِيفٌ خَبِي ٌر ())16
حبّةٍ مّنْ خَ ْر َدلٍ َف َتكُن فِي صَخْ َرةٍ َأوْ فِي السّمَاوَاتِ َأوْ فِي ا ْلأَ ْرضِ َيأْتِ ِبهَا اللّهُ إِ ّ
(يَا بُ َنيّ إِ ّنهَا إِن تَكُ ِمثْقَالَ َ
*قال (إن تك) ثم قال (فتكن) ما الفرق في حذف النون وإثباتها في الفعل المضارع؟
ن بِوَاِلدَيْهِ) التي جاءت بين كلم لقمان لبنه وعاد لوصية لقمان لبنه (يَا بُنَيّ) للتحبيب حتى تكون مظنّة ص ْينَا الْإِنسَا َ
انتهت وصية ربنا (وَ َو ّ
الستماع والقبول بلطف وحنان بالتصغير وإضافته إلى نفسه (يَا بُنَيّ) حتى يزيل أي حجاب بينهما .مقام الحب بين الب وابنه وفي قصة نوح مع
ل َتكُن مّعَ ا ْلكَافِرِينَ ( )42هود) هذه عاطفة الب أراد أن ينقذه وكان ابنه مع الكافرين لعله عندما يأتي انبه ي ا ْركَب ّمعَنَا َو َ ابته العاصي قال (يَا ُبنَ ّ
للجماعة المسلمة ويتركه الذين أضلوه قد يستفيد وبرغم تعارض الموقفين إل أن عاطفة البوة واحدة ل تختلف .إذن (يَا بُنَيّ) للتحبيب والتقريب.
حبّ ٍة مّنْ خَ ْردَلٍ) (إنها) قسم قال هو ضمير القصة أي المر أو المسألة أو الفعلة أو الخصلة( .فتكن في صخرة) بإثبات (يَا ُبنَيّ ِإّنهَا إِن َتكُ ِمثْقَالَ َ
صخْرَةٍ أَ ْو فِيخ ْردَلٍ) ولما قال (تكن) ذكر مكانا لها ( َفتَكُن فِي َ حبّةٍ مّنْ َ
ل َ
ك ِمثْقَا َ
النون .لما قال (إن تك) لم يذكر مكانا لها (يَا بُنَيّ ِإّنهَا إِن َت ُ
سمَاوَاتِ أَ ْو فِي الْأَ ْرضِ) ،لم يذكر المكان فلم يذكر النون وذكر المكان فذكر النون .حذف النون له ضوابط ولكن في الجواز ول يجب الحذف. ال ّ
حبّةٍ مّنْ خَ ْردَلٍ)ل َ
ك مِثْقَا َ
هذا الفعل (يكون) إذا كان مضارعا مجزوما علمة جزمه السكون (هذا شرط) وبعده حرف متحرك (يَا ُبنَيّ ِإّنهَا إِن َت ُ
ك َب ِغيّا ( )20مريم) مضارع مجزوم بالسكون بعده متحركَ ( ،ولَمْ ل مثل (ت ُكنْهُ) في هذه الحالة يجوز الحذف (وَلَمْ َأ ُ على أن ل يكون ضميرا متص ً
َأكُن ِبدُعَا ِئكَ َربّ شَ ِقيّا ( )4مريم) يجوز ومواطن الجواز تلمس لها القدامى أسبابا بيانية .لما حذف الماكن حذف النون( ،إنها إن تك) ل مكان لها
(فتكن في صخرة) استقرت فصار لها مكان .هناك أمر آخر هي فيها قراءة أخرى (فتكِن) من َوكَن يكِن أي دخل الطائر عُشّه وال َوكْن هو ال ُعشّ
يعني تستر في صخرة وفي قراءة (فتكِنّ في صخرة) من كنّ يكِنّ ،كلها مما يقوي ذكر النون ،إذا كانت تكِن من وكن وإذا كانت تكِنّ تذكر النون
وتكن النون مذكورة فكل القراءات النون مذكورة.
لماذا الصخرة؟ الصخرة ل بد أن تكون في السموات والرض هناك صخور في السموات في المشتري وزحل( .في صخرة) يعني استخلص
الشيء من باطن الصخرة أمر عسير .إذا أردت أن تحفظ شيئا ل ترميه في ساحة الدار وإنما تضعه في صندوق وإذا أردت المبالغة في حفظه
تضعه في حقيبة ثم في خزانة وإذا أردت المبالغة أكثر تضعه في حقيبة داخل حقيبة في خزانة وإذا أردت أن ل يصل إليه أحد قد تأتي بقفل
يصعب فتحه وقد تضعها في مكان ليس له مفتاح أصلً .الصخرة عبارة عن محفظة ليس فيها مفتاح ،ما قال على صخرة وإنما قال (في صخرة)
مثلها مثل محفظة ليس لها مفتاح وبداخلها مثقال حبة من خردل ،كيف يخرجها ربنا تعالى من دون تحطيم للصخرة؟! بلطفه وخبرته يأتي بها ال
لم يقل يعلمها لنك قد تعلم المكان لكن ل تقدر أن تأتي بها .إذن يأتي بها ال أدل على العلم والقدرة ،وإن كانت صغيرة في مكان صغير عميق
شديد وصلب وليس فيها مفتاح يأتي بها ال تعالى من دون تكسير للصخرة يستخرجها بلطفه وقدرته.
*تك وتكن:
ذكرنا في الحلقة الماضية قال (إنها إن تك) ثم قال (فتكن) وذكرنا في حينها أنه لما قال (تك) لم تكن في مكان معين وإنما ذكرها هباء تائهة في
صخْرَةٍ) .وقلنا أنه قال في صخرة
خ ْردَلٍ) ثم ذكر مكانها فلما ذكر مكانها أنها استقرت ذكر النون ( َفتَكُن فِي َ
حبّةٍ مّنْ َ
ك ِمثْقَالَ َ
الوجود (ِإّنهَا إِن َت ُ
ولم يقل على صخرة وقلنا أنها مثل المحفظة التي يكون في باطنها شيء ثم يستخرجها ربنا تعالى بدون أن يفتحها بلطفه وخبرته من غير مفتاح.
سمَاوَاتِ أَ ْو فِي الَْأرْضِ) يعني هي في باطن الرض (في ظرفية هنا) .يقولون الخفاء يكون ثم قال في الرض ولم يقل على الرض (أَ ْو فِي ال ّ
بطرق ،طرق الخفاء استوفاها هنا إما أنها تكون في غاية الصغر (مثقال حبة) أو يكون بعيدا في السموات مثلً أو في مكان مظلم (في الرض)
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
لنه ل يوجد نور أو من وراء حجاب (في صخرة) هذه طرق الخفاء استوفاها كلها ،تكون بعيدة صغيرة في ظلمة من وراء حجاب كلها
استوفاها :صغيرة (مثقال حبة من خردل) ،البعد (في السموات) ،الظلمة (في الرض) ،الحجاب (في صخرة) استوفاها كلها .ثم قال (يأتي بها
ال) ولم يقل يعلمها لن العلم ل يدل على القدرة ،الفعل يأتي يدل على طلقة القدرة ل تعالى لنه يعلمها ويأتي بها فأنت قد تعلم شيئا في مكان
لكن ل تستطيع أن تأتي به ،التيان علم وقدرة علم مكانها وجاء بها صار علما وقدرة ولو قال يعلمها ال لدل على العلم لكن ل يدل على القدرة
هناك أكمور كثيرة نعلم مكانها لكن ل نستطيع أن نأتي بها ،يأتي بها ال إن ال لطيف خبير .لذلك قال تعالى تحديدا الصخرة .ثم ترتيب اليات
وذكر هذه الشياء فيها ،هذا الترتيب له دللة محددة فالصخرة مشتركة قد تكون في السماء وقد تكون في الرض ،السماء يعني الجرام السماوية
كثير منها فيها صخور وقد تكون هناك صخور سابحة في الفضاء .هو ما قال في السموات ولكن قال في صخرة أو في السموات ولم يقل
الصخرة في السموات ،نكّر كلمة صخرة ولم يذكر لها مكان جعلها جزءا من المكنة ،صخرة سموات ،أرض ،ذكر ثلثة أمكان صخرة،
السموات ،الرض ولم يقل في الرض لنها عامة والصخرة قد تكون في السماء وقد تكون في الرض قد تكون في الجرام السماوية وقد تكون
صخور سابحة في الفضاء إذن الصخرة وجودها مشترك لهذا لم يقيدها تعالى بمكان قد تكون في السموات وقد تكون في الرض .لم يقيدها بمكان
ولم يقل الصخرة في الرضِ ،لمَ لم تقيد؟ لو قيدها وقال صخرة في الرض تصير في الرض لكنه قال صخرة وقد تكون في الرض وقد تكون
في غير الرض وقد تكون سابحة في الفضاء زقد تكون في أحد الجرام السماوية ،في المشتري صخور أو المريخ صخور .إذن تنكير كلمة
صخرة له دللة وعدم تقييدها له دللة ،قال في صخرة وليس على صخرة وهو بدأ بالمشترك (صخرة) ثم قال في السموات ،في السموات هو
ع َمدٍ تَرَ ْو َنهَا َوأَلْقَى فِي ت ِبغَيْ ِر َسمَاوَا ِ
ق ال ّ الخط الجاري في السورة أنه في كل السورة إذا ذكر السموات والرض قدّم السموات في كل السورة (خَلَ َ
ل فِي اللّهِ) س مَن يُجَادِ ُ طنَةً َومِنَ النّا ِ سبَغَ عََل ْيكُ ْم ِن َعمَهُ ظَاهِرَةً َوبَا ِ
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْضِ وََأ ْ ن اللّهَ سَخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ الْأَ ْرضِ رَوَاسِيَ) (أَلَ ْم تَرَوْا أَ ّ
حمِيدُ)ض إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ ا ْل َسمَاوَاتِ وَا ْلأَرْ ِ حمْدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْكثَرُهُمْ لَا َيعَْلمُونَ) (لِلّ ِه مَا فِي ال ّ
سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ اللّ ُه قُلِ ا ْل َ
سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ (وََلئِن َ
حيث جرى ذكر السموات والرض قدّم السموات وأخّر الرض وهذا التأخير أيضا له غرض وهو أنه عندما يؤخرها يذكر بجانب الرض أمور
ل دَابّةٍ) (يَا ُبنَيّ ث فِيهَا مِن كُ ّ عمَ ٍد تَرَ ْو َنهَا وَأَ ْلقَى فِي الْأَ ْرضِ رَوَاسِيَ أَن َتمِيدَ ِبكُمْ َوبَ ّ ت ِب َغيْ ِر َسمَاوَا ِ خلَقَ ال ّ تتعلق بالرض أو بأهل الرض مثلَ ( :
سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضَ َل َيقُولُنّ اللّ ُه قُلِ ق ال ّ سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَ َسمَاوَاتِ أَ ْو فِي الَْأرْضِ) (وََلئِن َ خرَةٍ أَ ْو فِي ال ّ خ ْردَلٍ َف َتكُن فِي صَ ْحبّةٍ مّنْ َ ل َ ك ِمثْقَا َ
ِإّنهَا إِن َت ُ
طنَةً َومِنَ النّاسِ مَن سبَ َغ عََل ْيكُمْ ِن َعمَهُ ظَا ِهرَةً َوبَا ِ
ض وَأَ ْ
سمَاوَاتِ َومَا فِي ا ْلأَرْ ِ ح ْمدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْكثَرُ ُهمْ لَا َيعَْلمُونَ) (أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ
الْ َ
يُجَادِلُ فِي اللّهِ) هذا ترتيب متناسق مع كل السورة حيث اجتمعت السموات والرض قدّم السموات وأخر الرض وذكر بجانب الرض ما يتعلق
بالرض وسكان الرض إذن الترتيب مقصود ويتناسب مع سياق السورة عموما وجو السورة عموما.
كلمة صخرة جاءت نكرة والسموات والرض معرفة لن الصخرة غير معروفة والسموات والرض معروفة.
*هل للتكرار (في) دللة محددة؟ هل يجوز أن أقول في السموات أو الرض؟
هذا آكد وهو موطن توكيد وهذا من إحاطة علم ال بالشياء.
خرد َ
ن ())47
سبِي َ ل أتَيْن ََا بِهََا وَكَفََى بِن ََا َ
حا َِ ن َ ْ َ ٍ حبَّةٍ ِّ
م َْ مثْقَا َ
ل َ *فَي سَورة النَبياء قال تعالى (وَإِن كَا ََ
ن ِ
مقارنة بين اليتين؟ فعل الشرط وجوابه في لقمان مضارعان وفي النبياء ماضيان فلماذا؟
ن ())47 سبِي َخ ْردَلٍ َأتَ ْينَا ِبهَا َوكَفَى بِنَا حَا ِ حبّةٍ مّنْ َ
ل َ ن ِمثْقَا َ
ش ْيئًا وَإِن كَا َ
لو قرأنا آية النبياء ( َونَضَعُ ا ْلمَوَازِينَ ا ْلقِسْطَ ِليَوْ ِم الْ ِقيَامَ ِة فَلَا تُظْلَ ُم نَ ْفسٌ َ
يتضح الجواب .آية لقمان في الدنيا يخاطب ابنه (يا بني إنها) (إنها) إما ضمير القصة أو ضمير الشأن إذا كان للمؤنث يسمى ضمير القصة
وللمذكر ضمير الشأن (إنه) .ضمير الشأن العائد فيه يكون بعده ل يكون قبله وهذه قاعدة (قل هو ال أحد) (هو) ضمير الشأن ،ال أحد هو
المقصود ،ضمير الشأن هناك ضمائر تعود على ما بعدها وليس على ما قبلها وهي سبعة مواطن منها ضمير الشأن (هي الدنيا تغرر تابعيها)
(هي) تعود على الدنيا والدنيا بعد هي لما كانت الدنيا مؤنث قال هي (هي مبتدأ والدنيا خبر) ضمير الشأن يكون ما بعده جملة ول يكون مفردا
ويُخبر عنه بجملة( .يا بني إنها إن تك) (إنها) ضمير الشأن( ،فإنها ل تعمى البصار) إنها أي الشأن أو المسألة أو المر أو القصة أنها ل تعمى
البصار .في لقمان المسألة يا بني أنها إن تك مثقال حبة من خردل .ضمير الشأن يعود على ما بعده ل على ما قبله ويُخبر عنه بجملة هذه
قاعدة .قسم قالوا يقصد بـ (إنها) أي الفعلة أو الخصلة.
حبّ ٍة مّنْ خَ ْردَلٍ) تلك في يوم فلما أنّث فعل الشرط وجوابه مضارعان ولما كان المر في الدنيا وهذه أمور مستمرة قال (يَا ُبنَيّ ِإّنهَا إِن َتكُ ِمثْقَالَ َ
سطَ ِليَوْمِ ا ْل ِقيَامَ ِة فَلَا تُظَْلمُ
القيامة العمال انتهت والوقت وقت حساب وإن كان العمل مثقال حبة جئنا به وكفى بنا حاسبين ( َونَضَعُ ا ْلمَوَازِينَ الْقِ ْ
حبّ ٍة ّمنْ ن ِمثْقَالَ َ سبِينَ ( ))47هذه قطعا ماضية وليست مضارعة لذلك قال (وَإِن كَا َ حبّ ٍة مّنْ خَ ْردَلٍ َأ َتيْنَا ِبهَا َوكَفَى ِبنَا حَا ِ ن ِمثْقَالَ َ
ش ْيئًا وَإِن كَا َ نَ ْفسٌ َ
سبِينَ) بالماضي لن الن الموقف موقف حساب بينما تلك لقمان يخبر ابنه ويعلمه بقدرة ال (يَا ُبنَيّ ِإّنهَا إِن َتكُ ِمثْقَالَ خَ ْردَلٍ َأ َتيْنَا ِبهَا َوكَفَى ِبنَا حَا ِ
خ ْردَلٍ) متى ما شاءت ،متى ما وقعت ،متى ما تكون فهذه يأتي بها مضارع وهذه يأتي بها ماضي. حبّةٍ مّنْ َ َ
*فعل الكينونة في لقمان مؤنث (إن تك) وفي النبياء مذكر (كان) لماذا؟
ل في مثل هذا التعبير يجوز فيه التأنيث والتذكير (مثقال حبة من خردل) .كقاعدة نحوية في مثل هذا التعبير يجوز فيه الوجهان أولً للعلم أص ً
تأنيثا إن كان لحذف موهل وربما أكسب ثانٍ أولً
المضاف إليه يكسب المضاف التأنيث وطبعا يكسبه التذكير وإنما ذكر التأنيث لن الشعر قال تأنيثا وتذكيرا ،إن كان لحذف موهل إذا كان
سنِينَ) قال قريب ولم يقل قريبة.
ب مّنَ ا ْلمُحْ ِ
ت اللّ ِه قَرِي ٌ
حمَ َ
المضاف يمكن تحذفه بأن كان جزءا أو كالجزء أيضا واستشهدوا بقوله تعالى (إِنّ رَ ْ
ف بطوع هوى) ما قال مكسوفة .مثقال حبة من خردل مثقال مذكر وحبة مؤنث يجوز أن يكتسب هذه كقاعدة نحوية (وما حب (إنارة العقل مكسو ٌ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
الديار شغفن قلبي) حب مذكر وشغفن مؤنثة جاءت من الديار من المضاف إليه .في التركيب الضافي يجوز التذكير والتأنيث لكن بشرط في
سهَا ( )111النحل) ك ّل مذكر ونفس مؤنث ل عَن نّفْ ِس تُجَادِ ُ ل نَ ْف ٍ
مواطن ،بشرط أن يكون المضاف جزء أو كالجزء في الستغناء عنه (يَوْ َم تَ ْأتِي كُ ّ
فقال تأتي .بشرط أن يكون المضاف جزء أو كالجزء في الستغناء عنه يعني ممكن تستغني عنه ويُفهم مثل (قُطعت بعض أصابعي) يمكن أن
يقال قُطعت أصابعي ،مثقال حبة يعني حبة( .لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخُشّع) سور مذكر وتواضعت مؤنثة .إذن من
ش ْيئًا) شيئا مذكر (وإن كان مثقال حبة ) وإنل قال في النبياء (فَلَا تُظْلَ ُم نَ ْفسٌ َ حيث الحكم النحوي ليس فيه إشكال يبقى طبيعة الستخدام هنا :أص ً
كان الشيء مثقال حبة فذكّر أي إن كان الشيء مع أنه يجوز التأنيث أما في لقمان (مثقال حبة) قد يكون الحبة أو الفِعلة أو قد يكون العمل .إذن
سبِينَ) وإن كان هذا الشيء مثقال حبة إذن ذكّر مع أنه يجوز التأنيث .في خ ْردَلٍ َأ َت ْينَا ِبهَا َوكَفَى ِبنَا حَا ِ
حبّةٍ مّنْ َ
ل َ
ن ِمثْقَا َ
ش ْيئًا وَإِن كَا َ
س َ
ظلَ ُم نَفْ ٌ
(فَلَا تُ ْ
النبياء قال بصيغة فعل الكيونة بالماضي لنه يدل على حالة محددة وهي حالة الحساب يوم القيامة للدللة على عمل كان في الدنيا وانتهى وأتى
به مذكرا لمناسبته مع ما قبله وهو مذكر.
ت أَوْ فَِي
ماوَا ِ
َ
خَرةٍ أوْ فَِي ال ََّ
س َ *فَي لقمان ذكَر تعالى أماكَن وجود المتحدث عنَه (فَتَك َُن فَِي ََ
ص ْ
ض) في النبياء لم يذكر مكان وجودها فلماذا؟ َْ
الْر ِ
في لقمان هو يبين لبنه قدرة ال سبحانه وتعالى ،يريد أن يعلم ابنه أما في النبياء فليس الغرض في هذا المر فالسياق سياق وزن العمال
وليس في أماكن ذكر هذا المثقال الحبة أين يكون وإنما في سياق وزن العمال فل يحتاج لذكر هذا الشيء أما في لقمان فهو يعلم ابنه ويعرفه
بقدرة ال (إنها إن تك) يذكر الماكن ،أما في النبياء أتينا بها أينما كانت لن السياق ليس في ذلك ول هو في بيان للخلق أن قدرتي كذا والخلق
يعرفون قدرته وقد جيء بهم الن أعلم حالتهم بال تعالى الحساب موجود والجامع هو ال ول يشك أحد في قدرته أما في لقمان فيعلم لقمان ابنه
أمرا من أمور الدنيا ،يوم القيامة ليس المر مجهولً لي أحد وإنما المر معلوم لكل أحد.
َ َ
ن) فما الفرق؟
سبِي َ خبِيٌر) وفي النبياء (وَكَفَى بِنَا َ
حا ِ ه لَطِي ٌ
ف َ ن الل ّ َ
*ختام الية في لقمان (إ ِ ّ
في النبياء مكان حساب ووقت حساب (ونضع الموازين القسط) فقال (وكفى بنا حاسبين) لنه مقام حساب وليس في مقام اسخلص المثقال من
مكانه أما في لقمان ففي مكان استخلص الحبة ومكان الحبة فقال (لطيف خبير).
ل فَتَك َُن فَِي
خْرد َ ٍ
ن َ حبَّةٍ ِّ
م َْ ل َمثْقَا َ إِن ت ََ ُ
ك ِ ي إِنَّهََا *فَي سَورة لقمان عندمَا يوصَي ابنَه قال (ي ََا بُن ََ َّ
َ َ َْ َ خَرةٍ أَوْ فَِي ال َ
خبِيٌر) لم يقَل مثل ً عليَم لنَه ف َ ه لَطِي ٌَ الل َّ َ ه إ َِ َّ
ن ت بِهََا الل َّ ُ ت أوْ فَِي اْلَْر ضَِ يَأ ِ
ماوَا ِ
سَّ َ صَ ْ
َ
يعلم أماكن وجود ضمير الشأن فما دللة اللطف؟
استخلص هذا المثقال من هذا المكان يحتاج إلى لطف وإلى خبرة والخبرة هي العلم ببواطن المور والخبير هو العليم ببواطن المور .واللطيف
ف ِب ِعبَادِ ِه ( )19الشورى) بمعنى آخر أنه يلطف بهم
هو الذي يتوصل إلى أشياء بالخفاء .وقسم قال اللطيف أي الذي ل يُرى وقالوا (اللّهُ لَطِي ٌ
ويرأف بهم .اللطيف هو الذي يأتي بأمور بخفاء يستخلصها بخبرته وبطريق الخفاء ويأتي بها من دون أن يحطم الصخرة بلطف وخفاء تمتد
ل يعلمه أنه إذا كان رب العالمين سحانه وتعالى يأتي بمثقال حبة من خردل من هذه قدرته إليها فيستخلصها .ذكر هذا المر من لقمان لبنه أو ً
الماكن فلماذا الشرك؟ ماذا يفعل الشريك؟ ل شيء إذن لماذا الشرك؟ الشريك ل يستطيع أن يمنع هذه الحبة الصعيرة من أن يأتي بها ال فلماذا
الشرك .ثم هناك أمر آخر أن لقمان يبين المسألة ويوضح قدرة ال لبنه وفي هذا يعلمنا لقمان بحكمته أن ليست المسألة فقط في الوامر والنواهي
ل تفعل كذا ل تفعل كذا وإنما يضرب له المثال ويبين له بالحجج حتى يقتنع ويستوعب المسألة وهذا فيه توجيه للباء والوعاظ والمرشدين بأن
ل يكثروا فقط من الوامر والنواهي هكذا وإنما ينبغي أن يعلّلوا ويبينوا حتى يقتنع السامع بعقله ويقبل هذ الشيء أما أن تذكر فقط أوامر ونواهي
هكذا فل .هذا التعليم من حسن التربية أولً الرفق دائما يردد قول (يا بني) وعندما يذكر المر يعلل له العلة حتى يقتنع بما يقول وحتى يستوعب
المسألة وحتى تتضح له المسألة وليس مجرد أوامر وهذا توجيه للباء والمرشدين عموما أولً أن يحسنوا في القول ويلطفوا في القول ل يكونوا
أشداء ،اللطف واللين في القول والمر الخر أن المر ليس مجرد أمور ونواهي وإنما عليهم أن يوضحوا ويبينوا ويأتوا بالحجج المبينة حتى يقبل
العقل ما يقولون.
آية (:)17
ن َذلِكَ مِنْ عَ ْز ِم ا ْلأُمُورِ ())17
علَى مَا َأصَابَكَ إِ ّصبِرْ َ ن الْمُنكَ ِر وَا ْ
صلَاةَ وَأْمُ ْر بِالْ َمعْرُوفِ وَانْهَ عَ ِ (يَا بُ َنيّ أَ ِقمِ ال ّ
ك مِنْ عَ ْزمِ ا ْلُأمُو ِر ( .))17بعد أن نهاه عن ن ذَِل َ
صبِ ْر عَلَى مَا أَصَا َبكَ إِ ّ
هذه الية فيها أوامر (يَا بُنَيّ َأ ِقمِ الصّلَاةَ وَ ْأ ُمرْ بِا ْل َمعْرُوفِ وَانْ َه عَنِ ا ْلمُنكَرِ وَا ْ
الشرك وأمره بالتوحيد بعد ذلك بدأ بأهم العبادات .أول مرة أقام العقيدة السليمة وهو التوحيد لنه ل تصح عبادة مع الشرك فبعد أن جاءه بأهم
المور وأعمها وأيسرها نفي الشرك بال وترسيخ عقيدة التوحيد الن أمره بالعبادات فقال له وبدأ بأهم العبادات وأوجبها هي الصلة وهي التي ل
جعَلُو ْا ُبيُو َتكُ ْم ِقبْلَةً
تسقط بحال من الحوال وهي أول ما يُسأل عنه المرء يوم القيامة .الصلة اسماعيل كان يأمر أهله بالصله وموسى (وَا ْ
َوَأقِيمُواْ الصّلَ َة ( )87يونس) الصلة هي عبادة أوجبها ال تعالى منذ البدء وهي آخر ما يُرفع من العمال قبل يوم القيامة هي الصلة ،فبدأ بأهم
العبادات وأوجبها وهي العبادة التي ل تسقط في حال من الحوال في المرض أو غيره وأول ما يسأل عنه المرء يوم القيامة .ولم يقل له صلي
وإنما قال أقم الصلة أي التيان بها على أتم حالتها بكل سكناتها وحركاتها وخشوعها .نلحظ أنه بعد المر بإقامة الصلة ما قال أمورا أخرى
ف وَانْهَ عَنِ ا ْلمُنكَرِ) إذن هو أمره بنوعين من العبادات عبادة فردية شخصية (الصلة) وعبادة عامة اجتماعية (المر وإنما قال (وَ ْأمُ ْر بِا ْل َمعْرُو ِ
بالمعروف والنهي عن المنكر) هذه علقته بالمجتمع ،بالخرين ،عبادة اجتماعية .الصلة عبادة فردية والثانية عبادة اجتماعية كما قال القدامى
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
إحداهما تكميل للنفس (الصلة) والثانية تكميل للمجتمع (المر بالمعروف والنهي عن المنكر) إذن عبادتين إحداهما للنفس وتكميلها والثانية
للمجتمع لن من حق المجتمع على الفرد أن يحفظه ويرسي قواعد الخير فيه ويجتث أمور الشر فيه ،المر بالمعروف يرسي قواعد الخير والنهي
صبِ ْر عَلَى مَا أَصَا َبكَ) الذي يتصدى للمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدركه الذى من
عن المنكر يجتث قواعد التخريب وقواعد الهدم( .وَا ْ
الخرين وهكذا قال القدامى لنك تتعرض للخرين تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر فقد تسمع منهم كلما يؤذيك وقد يكونوا أذوك بأشد
الذى ولقمان أدرك بحكمته أن ابنه إذا فعل هذا سيتعرض للذى لنه من أمر بالمعروف عليه أن يتوقع أن يصيبه أذى .والغريب أنه من حكمة
لقمان أنه أمر ابنه بذلك -مع أنه يدرك أن ابنه سيصيبه أذى -أن الباء عادة يقولون لبنائهم اتركوا الناس بشأنهم ل عليكم منهم ،يخشون على
أبنائهم من الذى فيقولون لهم اتركوا الناس أما لقمان بحكمته الثاقبة مع أنه يعلم أن ابنه سيصيبه الذى لكن علم أن هذا المر أولى من راحة ابنه
أن إرساء قواعد الخير في المجتمع واجتثاث عوامل الشر منه أولى من راحة ابنه لنه المجتمع إذا انهار ينهار عليه وعلى ابنه وأسرته النهيار
ل يختص بواحد وإنما يعم الجميع إذن هو أولى من راحة البن فليتعب ابنه لنه قد يؤذى فردا فل بأس لكن هو يرسي قواعد الخير فلو كان كل
الباء يوجهون أبناءهم هذا التوجيه لصاروا كلهم مثل ابن لقمان فالمجتمع يصير يثبت فيه قواعد الخير وينجو من عوامل التفكك والتخريب وفي
ذلك سلمته وسلمة المجتمع وراحته وراحة المجتمع بخلف لو تُرِك المجتمع على عواهنه فإنه هو أيضا سيدمر البن والعائلة ستدمر .ولذلك
هو مع معرفته بذلك أوصاه بفعل ذلك وهذا من حكمة لقمان الثاقبة فهم كم يحب ابنه ويتمنى له الخير وهو يعلم أنه سيصيبه أذى لكن هذا الذى
أهون من ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(إن ذلك) أي الصبر على إقامة الصلة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها من المور الواجبة المقطوعة التي ل ينبغي التخلي عنها ل
صبِرْ
الصلة (تكميل للنفس) ول المر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه كلها تحتاج عزم وعزيمة وقوة وإن كانت الثانية أكثر لنها مواجهة (وَا ْ
عزْمِ ا ْلُأمُورِ) ذلك تعود على البعيد .إن ذلك من عزم المور أي المور التي ل ينبغي التخلي عنها مهما أوذي فيك مِنْ َ
ن ذَِل َ
عَلَى مَا أَصَا َبكَ إِ ّ
ذلك.
ُ
صبََر وَغَفََر مورِ) و في سورة الشورى (وَل َ َ
من ََ م نَْ عَْزم ِ اْل ُ *ختمَت الية في سَورة لقمان (إ ِ َّ
ن ذ َل ِ َ
ك ِ
ُ
مور ( ))43فما اللمسة البيانية في الختلف بينها؟ ن عَْزم ِ اْل ُ ِ ك لَ ِ
م ْ إ ِ َّ
ن ذَل ِ َ
ي الشد ن عَ ْزمِ الُْأمُو ِر ( ))43أ ّ ن ذَِلكَ َلمِ ْغفَرَ إِ ّ
صبَرَ وَ َ
ك مِنْ عَ ْزمِ ا ْلُأمُورِ) في الشورى قال (وََلمَن َ ن ذَِل َصبِ ْر عَلَى مَا أَصَا َبكَ إِ ّ في لقمان قال (وَا ْ
أن تصبر وتغفر أو أن تصبر فقط؟ أن تصبر وتغفر لنها أشق على النفس .يطالبنا ربنا بالصبر والمغفرة لن هذا أسدى إلى الخير وأكمل
سّيئَةُ ا ْدفَ ْع بِاّلتِي ِهيَ
سنَةُ وَلَا ال ّ
ستَوِي ا ْلحَ َ للمعروف ويؤلف قلوب الخرين ول يثير فيهم الضغائن وإذا فعلت لهم الحسنة فقد جمعت قلوبهم (وَلَا تَ ْ
حمِيمٌ ( )34فصلت) حميم أي قريب فأنت تعامل بالصبر والمغفرة مع أنها شاقة على النفس الصبر ي َ عدَاوَ ٌة كََأنّهُ وَلِ ّن فَِإذَا اّلذِي َب ْينَكَ َو َب ْينَهُ َ
َأحْسَ ُ
وحده شاق فكيف الصبر والمغفرة وما هو أعلى وهو الحسان .لذلك فيما فيه مشقة قال (لمن عزم المور) فيه صبر ومغفرة فأكد باللم وإنّ.
زيادة حرف في اللغة للتوكيد له وقع خاص من الناحية البيانية.
إجابة د.حسام النعيمى عن نفس السؤال:
ن عَزْ ِم الُْأمُو ِر ( )17لقمان) هذه وصية من ن ذَِلكَ مِ ْ
صبِ ْر عَلَى مَا َأصَا َبكَ إِ ّ
ن ا ْلمُنكَرِ وَا ْ في قوله تعالى (يا ُبنَيّ َأقِمِ الصّلَاةَ وَ ْأمُ ْر بِا ْل َمعْرُوفِ وَانْهَ عَ ِ
ب يوصي ولده فل يحتاج لتوكيدات ،نصيحة أب لبنه ما يقتضي التأكيد( .يا بُنيّ) بفتح الياء (رواية حفص عن عاصم) ،شُعبة قرأ (يا أبٍ لولده .أ ٌ
بُنيّ) .نافع وسائر القراء (يا بنيّ) إذن إنفرد عاصم بها من القراء السبعة .هي لغتان للعرب ،معناه بعض العرب كان إذا نادى ولده يقول يا بنيّ
وبعض العرب يقول يا بُنيّ والكثرون كانوا يقولون (يا بُنيّ) بدليل أن القراء الستة والسابع بروايتين ،رواية وافقت الستة يعني بإثني عشر راويا
يعني ثلثة عشر راويا يروون يا بنيّ ،يعني جمهور العرب يقولون بنيّ ،هذه لهجة وهذه لهجة ،هذه لهجة أقرها الرسول بأمر من ربه أو قرأ
بها وهذه لهجة أقرها الرسول بأمر من ربه وقرأ بها وقرأت بها القبائل .لكن علماء الصرف يوجهون أنه كيف هذا قال هكذا وكيف هذا قال
هكذا؟( :إبن) أصلها بنو لما تُصغّر تصير (بنيو) اجتمعت الياء والواو والول منهما أصلي ذاتا وسكونا فانقلبت إلى ياء وأدغمت الياء في الياء
ي مثل كلمة نَهَر لما تُصغّر تصير نُهير لكن بدل الراء هناك ياء أخرى فصار بياءين أضيفت إليها ياء المتكلم. فصارت بن ّ
ض ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ أُ ْوَل ِئكَ
ن النّاسَ َو َي ْبغُونَ فِي الَْأرْ ِ ل عَلَى اّلذِينَ يَظِْلمُو َ ل (ِ )41إنّمَا ال ّ
سبِي ُ سبِي ٍ
ظ ْلمِهِ َفأُوَْل ِئكَ مَا عََل ْيهِم مّن َفي الشورى ( َوَلمَنِ انتَصَ َر َب ْعدَ ُ
ن عَ ْزمِ الُْأمُورِ ( ))43نلحظ هنا في البداية توجد لم التوكيد ،لم مؤكدة وبعض العلماء يرى ن ذَِلكَ َلمِ ْغفَرَ إِ ّصبَرَ وَ َ ب أَلِي ٌم ( )42وََلمَن َ عذَا ٌ َلهُم َ
ن عَزْ ِم الُْأمُورِ)( .من عزم المور) و (لمن عزم المور) .اللم هنا في أنها في جواب قَسَم محذوف يعني كأنه "وال لمن انتصر"( ،إِنّ ذَِلكَ َلمِ ْ
جواب (إنّ) في (إن ذلك لمن عزم المور) التي هي اللم المزحلقة .لكننا وقفنا عند قراءة (يا بُنيّ) بالفتح وقلنا الفتح هنا هو من القراء السبعة
لراوٍ واحد وهو حفص عن عاصم هذه التي نقرأ بها .ونحن حريصون على ذكر قراءة نافع من أجل إخواننا في المغرب العربي لنهم يتابعون
البرنامج من خلل كثرة أسئلتهم .نافع وسائر القراء بل شعبة عن عاصم يقرأون (يا بُنيّ) بالكسر وليس بالفتح ،الفتح عند عاصم .وذكرنا أن كلمة
(بُني) هي تصغير كلمة (إبن) مثل كلمة نهر تُصغّر فتصير نُهير فتأتي ياء( .بنو) لما تصغر تصير (بنيو) – لن إبن أصلها بنو والهمزة زائدة
في الول ،همزة وصل – لما تصير بنيو تجتمع الياء والواو والول منهما أصلي ذاتا وسكونا يُدغمان في ياء واحدة ،مثل كلمة سيد من ساد
يسود فصارت سيود تصير سيد ،لوى يلوي لويا صارت ليّا ،طوى يطوي طيّا ،وهكذا إذا اجتمعت الياء والواو والول منهما أصلي ذاتا وسكونا
أي غير منقلب عن غيره وساكن وليس سكونا عارضا أيضا تصير ياء وتدغم الياء في الياء .فلما صارت بنيو صارت بنيّ أي عندنا ياءان مثل
نهير تخيل أن الراء ياء تصير نهيي لما ينسبه إلى نفسه :هذا نهير زيدٍ تصير ياء أخرى نهيري إجعل الراء ياء فتصير نهييي ثلث ياءات.
فبعض قبائل العرب حذفت ياء المتكلم وهم الغلبية واكتفوا بالكسرة فقالوا (بنيّ) فإذن هنا ياء ومحذوفة اكتفاء بالكسرة التي تشير إلى الياء
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
وعليها جمهور القراء كما قلنا .بعض قبائل العرب لم تحذف ياء المتكلم أو حذفت الياء التي قبلها أو حذفت ياء المتكلم وأجرت على الياء الباقية
ي هذه فتحة التخفيف على ما ي بفتح ياء المتكلم .فيا بُن ّ ما يُجرى على ياء المتكلم من الفتح في التخفيف فتقول :هذا لي أو هذا ليَ ،كتابي أو كتاب َ
قرأ الرسول على قبائل من العرب بلهجتها بإذن من ربه .و(يا بُنيّ) هذا بالنسبة لختلف القراء والنتيجة واحدة هي تصغير البن للتحبيب
للمتكلم هو نسبه إلى نفسه ثم بدأ يعظه ويوصيه :أقم الصلة ،أُمر بالمعروف ،إنه عن المنكر.
إقامة الصلة تكوين أن تُكوّن نفسك ثم تنتقل مرحلة ثانية تدعو الناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر هذا سيؤدي إلى الضرار بك فاصبر
على ما أصابك فهي نصيحة ومتدرجة وليس الموضع موضع تأكيد زائد فقال له (إن ذلك من عزم المور) فأكّد بـ (إنّ) وحدها ،أن الصبر على
ما يصيبك هو من عزم المور ،من الرادة القوية.
ل ( ))41من أولها فيها توكيد كما قلنا ج ّو الية سبِي ٍن انتَصَ َر َبعْدَ ظُ ْلمِ ِه فَُأوَْل ِئكَ مَا عََل ْيهِم مّن َ لما نأتي إلى الية الخرى نجد أنها من البداية (وََلمَ ِ
سبِيلٍ) إنسان اعتُدي عليه والدولة أخذت له حقه بأنه أصر على أخذ حقه ما أراد ن انتَصَ َر َبعْدَ ظُ ْلمِهِ ظُ ْلمِ ِه فَُأوَْل ِئكَ مَا عََل ْيهِم مّن َ
جو توكيد( .وََلمَ ِ
ظلِم ولم يتنازل عن حقه ،قد يكون في نفس الذي أُخِذ منه الحق أو من أهله أو من أقاربه نوع من الغضب والحقد على النسان الذي أن يتنازل ف ُ
سبِيلٍ) ما يحاول أحد ك مَا عََل ْيهِم مّن َص َر بَ ْعدَ ظُ ْلمِهِ َفأُوَْل ِئ َأخذ حقه فبدأت الية بالتأكيد أوالقسم المحذوف الذي هو لم القسم على قولين (وََلمَنِ انتَ َ
ض ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ
ن النّاسَ َو َي ْبغُونَ فِي الَْأرْ ِ علَى اّلذِينَ يَظِْلمُو َ سبِيلُ َأن يعتدي على هؤلء الذين أخذوا حقهم أو أخذت الدولة حقهم إنما حصرا (ِإنّمَا ال ّ
عذَابٌ َألِيمٌ) ،هذه توصية سواء للذي أخذ حقه أو الذي ُاخِذ الحق منهم (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم المور) لنه فيه صبر وفيه ُأوَْل ِئكَ َلهُم َ
عفو عن الساءة بالنسبة لمن ظلم أنه إذا عفا الفضل حتى ل يثير حفيظة الخرين ل يثير حقدهم والعفو أحيانا ل يكون سهلً ،ألم يقل الشاعر:
فإذا رميت أصابني سهمي قومي هم قتلوا أميم أخي
ولئن رميت لوهنن عظمي ولئن عفوت لعفون جللً
هو متردد بين حالين لن الذي قتل أخاه قومه يأخذ الثأر منهم ،يعني يجعل الدولة تقتص منهم؟ سيُضعف قومه فهم متحير .لذا لما كان الصبر
ل عَلَى سبِي ُ
ن عَ ْزمِ الُْأمُورِ) .وفيها (ِإّنمَا ال ّ ن ذَِلكَ َلمِ ْ غفَرَ إِ ّصبَرَ وَ َ
على هذا الذى والمغفرة يحتاج إلى توكيد والجو كله جو تأكيد من البداية (وََلمَن َ
ن ذَِلكَ َلمِنْ عَ ْزمِب أَلِيمٌ) بمعنى الحصر والحصر فيه معنى التوكيد فجاءت (إِ ّ عذَا ٌ ض ِب َغيْرِ الْحَقّ ُأوَْل ِئكَ َلهُم َ
ن يَظِْلمُونَ النّاسَ َو َي ْبغُونَ فِي ا ْلأَرْ ِ اّلذِي َ
ن عَزْ ِم الُْأمُورِ) بينما النصيحة الُْأمُورِ) معناه أكّد بمؤكدين هنا لمناسبة الحالة لن الكلم على صبر على عدوان يحتاج إلى تأكيد (إِنّ ذَِلكَ َلمِ ْ
الطبيعية ل تحتاج لهذا التأكيد (إن ذلك من عزم المور).
آية (:)18
ب ُكلّ مُخْتَالٍ َفخُورٍ ())18
ن اللّ َه لَا يُحِ ّ
س َولَا تَمْشِ فِي ا ْلأَرْضِ مَ َرحًا إِ ّ
ك لِلنّا ِ
خدّ َ
صعّرْ َ
( َولَا تُ َ
نلحظ أن لقمان انتقل بابنه إلى الداب في معاملة الناس وكيف ينبغي أن يعامل الناس فنهاه عن التكبر وتصعير الخد (ول تصعر) والتصعير هو
إمالة الخد كِبرا يشيح بوجهه تكبرا وإعراضا ،صعّر خده أي أماله كِبرا والمرح هو النشاط مع الخيلء والزهو ،يعني هو معجب بنفسه .المختال
هو المتكبر وقالوا المختال هو الصلِف المتباهي الجهول المُعجَب بنفسه.
َْ
حا) لم يقل على الرض؟
مَر ً
ض َ
ش فِي الْر ِ *قال تعالى (وََل ت َ ْ
م ِ
ل بناتك الضرر) إختال زيادة في الختيال في ل (خا َ مختال أولً هو إسم فاعل يصلح أن يكون إسم فاعل وإسم مفعول .مختال فعله الثلثي خا َ
التكبر فيها مبالغة ،إذن المختال هو المبالغ الصل هو خال خائل ،إختال أبلغ في هذا الوصف ومختال أبلغ في هذا الوصف .فخور صفة مبالغة
(فعول) إذن مختال مبالغة وفخور مبالغة.
ض هَ ْونًا ( )63الفرقان). ن عَلَى ا ْلأَرْ ِ ن َيمْشُو َ
حمَنِ اّلذِي َ
عبَادُ الرّ ْ
قال ل تمش في الرض ولم يقل على الرض مع أنه قال في موطن آخر قال (وَ ِ
ض مَرَحًا ِإّنكَ لَن
لرْ ِ ش فِي ا َ (في) تفيد الظرفية و(على) للستعلء كأن هذا المختال يريد أن يخرق الرض وهو يمشي كما قال تعالى ( َولَ َتمْ ِ
ض ( )37السراء) فالمختال يمشي في الرض هكذا .أما عباد الرحمن يمشون على الرض هونا بوقار وسكينة وليس في الرض ق الَرْ َ خرِ َ
تَ ْ
كما يفعل أولئك( .على) تفيد الستعلء و(في) تفيد الظرفية قال تعالى (أُوَْل ِئكَ عَلَى ُهدًى مّن ّربّهِ ْم ( )5لقمان) (وَِإنّا أَوْ ِإيّاكُمْ َلعَلَى ُهدًى َأ ْو فِي
ضَلَالٍ ّمبِينٍ ( )24سبأ) فالهدى استعلء ،إستعلء على السوء وعلى الشر وعلى السفاسف .لذها قال تعالى (في الرض) لنه فيها تكبر وخيلء
وفخر و(على) فيها استعلء وهذه صفة عباد الرحمن .نلحظ أن البنية في الية كلها تفيد المبالغة (ول تمش في الرض ،مرحا) مرحا حال جاء
بها على وزن المصدر (مرح) هذا يفيد المبالغة إذا أتيت بالحال مصدرا فهو المبالغة قطعا عندما تقول جاء ركضا أبلغ من جاءك راكضا وكما
س ْعيًا ( )260البقرة) أبلغ من ساعيات لن أخبرت عن الذات بالحدث المجرد كأنه ليس شيء يثقله من الذات أصبح عهُنّ يَ ْأتِي َنكَ َ
قال تعالى (ثُ ّم ادْ ُ
ن توكيد ،ومختال فيه المبالغة من افتعل ،وفخور مبالغة يعني كل أبنتيها وكل حدثا مجردا .في الرض مبالغة في المشي ،ومرحا مبالغة ،ثم إ ّ
ترتيبها للمبالغة.
آية (:)19
ت الْحَمِي ِر ())19
صوْ ُ ت لَ َصوَا ِ ص ْوتِكَ إِنّ أَنكَ َر ا ْلأَ ْ
ضضْ مِن َ ك وَاغْ ُ صدْ فِي مَشْيِ َ
(وَا ْق ِ
حمِيرِ) اقصد يعني توسّط في المشي بين السراع ض مِن صَ ْو ِتكَ إِنّ أَنكَرَ ا ْلأَصْوَاتِ َلصَوْتُ ا ْل َ ض ْ ش ِيكَ وَاغْ ُ
صدْ فِي مَ ْهذه الية الكريمة (وَا ْق ِ
ل فَخُو ٍر ( ))18والن يوجهنا إلى الطريق
ختَا ٍ
ل مُ ْ
ب كُ ّ
ض مَرَحًا إِنّ اللّهَ لَا يُحِ ّ
ش فِي الَْأرْ ِ خ ّدكَ لِلنّاسِ وَلَا تَمْ ِ صعّ ْر َ
والبطاء ،قال تعالى قبلها (وَلَا تُ َ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
المستقيم الصحيح في القصد والعتدال في المشي وفي الكلم .القصد هو التوسّط بين السراع والبطاء وإذا احتجت إلى السراع فأسرِع بقدر ما
ض مِنغضُ ْتحتاج ل تمشي مشيا متماوتا وإنما مشية القصد والمتوسط ل مشية المتماوت ول مشية المسرع كأنه يسابق بدون سبب ول داع( .وَا ْ
صَ ْو ِتكَ) اغضض يعني اخفض ،جاء بـ (من) ما قال اغضض صوتك ،قال اغضض من صوتك للتبعيض فيخفض منه بحيث ل يكون مرتفعا
فيؤذي ول يكون همسا فل يُسمَع .لما نقول اغضض من صوتك أي اخفض منه قليلً ولذلك عند الرسول قال تعالى (إن الذين يغضون
أصواتهم عند رسول ال) ولذلك كان الصحابة ل يكاد يُسمع أصواتهم عند رسول ال .فرق بين خطاب عموم الناس غض من الصوت وأما
عند الرسول فتغض صوتك .قال (واغضض من صوتك) أي توسط في الصوت والحديث مثل التوسط في المشي .ثم ذكّره بما تستقبحه الذان
حمِيرِ) ذكّر من يرفع صوته أكثر مما يحتاج إليه السامعون ذكّره بصوت الحمار ونُكره في النفس .إذن فقال (إِنّ أَنكَرَ ا ْلأَصْوَاتِ لَصَ ْوتُ ا ْل َ
اغضض من صوتك أي اخفضه بعض الشيء أما يغضون أصواتهم فيعني يخفضه تماما وحتى بعد نزول هذه الية كان الصحابة ل يكاد يُسمع
ن َيغُضّوا مِنْ َأ ْبصَارِ ِه ْم ( )30النور) استخدم القرآن الفعل غضّ مع البصر يغض من بصره أي
صوتهم أمام رسول ال .ولذلك (قُل لّ ْلمُ ْؤ ِمنِي َ
يقلل أما يغض بصره فل يرى شيئا.
ََ *قال تعالى (إ َ َ
ميرِ) اسَتخدم الحميَر فَي اليَة مَع أنَه فَي مكان آخَر ت ال ْ َ
ح ِ ت ل ََ َ
صوْ ُ ن أنكََر اْل ْ
صوَا ِ َِ ّ
مر) فما دللة استخدام (الحمير)؟ ح ُ
استخدم ( ُ
حمِيرَ ِلتَ ْر َكبُوهَا
خيْلَ وَا ْل ِبغَالَ وَا ْل َ
حمُر للوحشية هكذا خصصها .قال (وَالْ َ حمُر الهلية وال ُ كلهما جمع حمار ،لكن القرآن استعمل كلمة الحمير لل ُ
ستَنفِرَ ٌة ( )50فَرّتْ مِن حمُ ٌر مّ ْ حمُر خصصها بالوحشية (كََأّنهُمْ ُ حمُر الهلية وال ُ ن ( )8النحل) خصص هذا الجمع بال ُ ق مَا لَ َتعَْلمُو َ
َوزِينَةً َويَخُْل ُ
سوَرَ ٍة ( )51المدثر) هذه الوحشية التي في الغابة .اللغة العربية ل تفرق بين الكلمتين ولكن هذا من خواص الستعمال القرآني .في القرآن كثيرا قَ ْ
من المور خصصها بالجمع مثل العين والعيون ،العيون عيون الماء والعين استعملها للعين الباصرة أو الرعاية ،واستخدام الموتى والموات
ن ( )30الزمر) .كذلك القعود والقاعدين القعود استخدمها في ك َميّتٌ وَِإّنهُم ّمّيتُو َوالميتون ،الموتى للميّت حقيقة والميّتون لمن لم يمت بعد (ِإّن َ
القعود الحقيقي نقيض القيام والقاعدون في القاعدون عن الجهاد فقط هذا من خواص الستعمال القرآني .اللغة العربية قد تخصص مثلً تخصص
الخال وهي مشتركة بين الشامة وأخ الم ،تستخدم خيلن جمع خال الشامة وأخوال لجمع حال أخو الم .الركاب والركبان ،الركاب عامة للسفينة
حمُر للوحشية والحمير للهلية المستأنسة. والخيل وغيرها أما الركبان فللبل فقط ،هذا تخصيص العرب والقرآن يخصص في الستعمال .فال ُ
آية (:)20
علْ مٍ َولَا
طنَ ًة وَمِ نَ النّا سِ مَن يُجَا ِدلُ فِي اللّ هِ ِبغَيْرِ ِ
علَ ْيكُ مْ ِنعَمَ هُ ظَاهِ َرةً وَبَا ِ
ض وَأَ سْ َبغَ َ
ت وَمَا فِي ا ْلأَ ْر ِ
سخّ َر َلكُم مّا فِي ال سّمَاوَا ِ
(َألَ مْ تَ َروْا أَنّ اللّ َه َ
ُهدًى َولَا كِتَابٍ مّنِي ٍر ())20
ُ
*مَا تعل ّق هذه اليَة وتواصَلها بمَا قبلهَا خاصَة بعَد انتهاء وصَايا لقمان لبنَه فكيَف نربَط بيَن هذه
الية وما سبقها من آيات؟
حمِي ِر ( ))19وبدأ الن كلما آخر ض مِن صَ ْو ِتكَ إِنّ أَنكَرَ الَْأصْوَاتِ لَصَ ْوتُ الْ َ ش ِيكَ وَاغْضُ ْ ص ْد فِي مَ ْ انتهت وصية لقمان بالية التي ذكرناها (وَاقْ ِ
طنَةً َومِنَ النّا ِ
س سبَ َغ عََل ْيكُ ْم نِ َعمَهُ ظَا ِهرَةً َوبَا ِ
سمَاوَاتِ َومَا فِي ا ْلأَ ْرضِ وَأَ ْ وهو كلم رب العالمين وخطابه للخلق (أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ
سيَع َمدٍ تَرَ ْو َنهَا َوأَلْقَى فِي ا ْلأَرْضِ َروَا ِ ت ِبغَيْ ِر َسمَاوَا ِ ق ال ّ ب ّمنِيرٍ ( ))20هو قبل وصية لقمان قال (خَلَ َ ل فِي اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِ ْلمٍ وَلَا ُهدًى وَلَا ِكتَا ٍمَن يُجَادِ ُ
ج كَرِي ٍم ( ))10ذكر خلق السموات وإلقاء الرواسي في الرض سمَاء مَاء َفأَنبَ ْتنَا فِيهَا مِن كُلّ َزوْ ٍ ل دَابّةٍ وَأَن َز ْلنَا مِنَ ال ّث فِيهَا مِن كُ ّأَن َتمِي َد ِبكُمْ َوبَ ّ
ث فيها من كل دابة قبل وصية لقمان وهنا ذكر النِعم التي أنعمها في السموات والتسخير وأسباب النِعم ،هناك الخلق وهنا المرحلة الخرى وما ب ّ
ع َمدٍ تَرَ ْو َنهَا)
ت ِبغَيْ ِر َسمَاوَا ِ ق ال ّوهي التسخير بعد الخلق هناك خلق السموات وهنا تسخيرها لن التسخير يكون بعد الخلق ،بدأ هناك بالخلق (خَلَ َ
والن إسباغ النعم والتسخير في النِعم فالخلق أولً ثم التسخير والنِعم التي أنعمها رب العالمين علينا فهو الخالق وهو المسخر وهو المُفيض بالنِعم،
سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ َليَقُوُلنّ هذه من حيث الرتباط .ومن حيث المضمون الناس هم يعلمون أن ال خالق السموات والرض (وََلئِن سَأَ ْل َتهُم مّنْ خََلقَ ال ّ
اللّ ُه ( )38الزمر) كان المتوقع أن معرفة هذا المر تدعو الناس إلى عبادته سبحانه لكن مع ذلك ذكر مع هذا (أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي
ب ّمنِيرٍ) قال قسم من الناس ل فِي اللّ ِه ِب َغيْ ِر عِلْمٍ وَلَا ُهدًى وَلَا ِكتَا ٍ س مَن يُجَادِ ُطنَةً َومِنَ النّا ِ سبَ َغ عََل ْيكُ ْم ِنعَمَهُ ظَاهِرَةً َوبَا ِ
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْضِ وَأَ ْ ال ّ
يجادلون في ال بغير علم ول هدى ول كتاب مبين .هذه الية ليست فقط لها ارتباط بالية التي سبقت وصية لقمان فهي كأنها مكملة لها خلق
سنِينَ ())3 حكِي ِم (ُ )2هدًى وَ َر ْ
حمَةً لّ ْلمُحْ ِ ت ا ْلكِتَابِ ا ْل َ
ك آيَا ُالسموات وما إلى ذلك ثم بعدها التسخير وحتى يبدو أن لها ارتباطا بأول السورة (تِ ْل َ
وصف الكتاب بأنه حكيم وذكر بأنه هدى ورحمة للمحسنين وذكر أن هؤلء يجادلون في ال بغير علم ول هدى ول كتاب منير ،هناك ذكر
الكتاب وذكر أنه حكيم ،وهنا ذكر أنهم يجادلون بغير علم ولو اطلعوا على الكتاب لكان عندهم علم لن حكيم من الحِكمة توفيق العلم بالعمل ،يعلم
ل وفعلً .إذن بغير علم يقابل وصف الكتاب بأنه حكيم لنهم لو اطلعوا وقرأوا ثم يعمل بمقتضى العلم ،الحكمة أن يضع الشيء في محله قو ً
الكتاب لكانوا يتكلمون بعلم ،ثم قال (ول هدى) وقد وصف الكتب بأنه هدى قال (هدى ورحمة)( .ول كتاب منير) وهو أثبت أنه كتاب حكيم (تلك
آيات الكتاب الحكيم) إذن هنا قال (ورحمة للمحسنين) وهنا لم يحسنوا في الجدال يجادلون بغير علم ول هدى ول كتاب منير إذن لم يحسنوا في
الجدال وأما الرحمة المذكورة فرحمته بخلقه وما أفاض عليهم من النِعم في السورة .فهي إذا كما هي مرتبطة كأنما هي تأتي بعد الوصية هي
ن (.))3 سنِي َ
حِ حكِي ِم (ُ )2هدًى َورَ ْ
حمَةً لّ ْلمُ ْ ب الْ َ
مرتبطة بفاتحة السورة (تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْل ِكتَا ِ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
آية (:)21
سعِي ِر ())21
عذَابِ ال ّ
علَيْهِ آبَاءنَا َأ َو َل ْو كَانَ الشّيْطَانُ َيدْعُو ُهمْ ِإلَى َ
ج ْدنَا َ
(وَِإذَا قِي َل َل ُهمُ اتّ ِبعُوا مَا أَن َز َل اللّهُ قَالُوا َبلْ نَتّ ِبعُ مَا وَ َ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
سؤال :الجاهليون كانوا يعلمون هذا الكلم ألفى ووجد والفروق الدللية؟
هم قطعا يستعملون ألفى في المور المادية المحسوسة أكثر ولذلك قال قسم من النحاة أنه ليس من أفعال القلوب.
سؤال :إذن كل كلمة في القرآن تحتاج إلى دراسة وإلى علم غزير وليس إلى وجهة نظر أو انطباع القارئ أو الباحث في القرآن الكريم وهناك
علقات ترابطية ودللية ل بد أن تحتاج إلى علم وأي علم.
الجتهاد مبني على علم وأصحاب علوم القرآن يذكرون شروط للذي يتصدى لهذا العلم ،ل يأتي أحد ويقول أنا أفسر القرآن الكريم.
آية (:)22
ستَمْسَكَ بِا ْلعُ ْر َوةِ ا ْلوُثْقَى وَِإلَى اللّهِ عَاقِ َب ُة ا ْلأُمُورِ ())22
جهَهُ ِإلَى اللّهِ َو ُهوَ مُحْسِنٌ فَ َقدِ ا ْ
س ِل ْم وَ ْ
(وَمَن يُ ْ
*مَا هَو السَلوك التركيَبي للفعَل ي َُسلم مَن حيَث التعدّي واللزوم؟هنَا جاء الفعَل ي َُسلم متعدياً
بََحرف الجَر (إلى) وفَي مواطَن أخرى فَي القرآن متعديا ً بحرف الجَر اللم (فَل ََ ََ
موا وَب َ ّ ِ ِ
شر سل ِ ُ
هأ ْ ُ
خبتِي ن ( )34الحج) (فَقُ ْ َ
ي لِل ّهِ ( )20آل عمران) فما الفرق بين تعديه باللم وتعديه جه ِ َ
ت َو ْ سل َ ْ
م ُ لأ ْ م ْ ِ َ ال ْ ُ
بإلى؟
جهَهُ إِلَى اللّهِ) ،البقية باللم أو من أكثر ما ورد في القرآن متعديا باللم ولم ترد إل هذه الية بإلى فقط هذه الية في سورة لقمان ( َومَن يُسْلِمْ َو ْ
ن ( )44النمل) (قَالَ ت مَعَ سَُل ْيمَانَ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِي َ دون حرف جر (وََلكِن قُولُوا أَسَْل ْمنَا ( )14الحجرات) .ما الفرق بين أسلم إلى وأسلم لـ؟ (وََأسَْلمْ ُ
ب ا ْلعَاَلمِينَ ( )66غافر) ما الفرق بينهما في الدللة؟ أسلم إليه معناه دفعه إليه ،تسليم ن ( )131البقرة) (وَُأمِ ْرتُ أَنْ أُسِْلمَ لِرَ ّ َأسَْلمْتُ لِ َربّ ا ْلعَاَلمِي َ
دفعه إليه أو فوّض أمره إليه هذ المشهور ،من التوكل .أسلم بمعنى انقاد وخضع ومنها السلم النقياد .أسلم الشيء إليه أي دفعه إليه ،أعطاه إليه
بانقياد هذه أسلمه إليه أو فوض أمره إليه وهذا أشهر معنى لسلم إليه .أسلم ل معناه انقاد له وجعل نفسه سالما له أي خالصا له ،جعل نفسه ل
ت مَعَ سَُل ْيمَانَ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ ( )44النمل) انقدت له وخضعت وجعلت نفسي سالمة له خالصة سَلمْ ُ
خالصا أخلص إليه .لما قالت ملكة سبأ (وَأَ ْ
ليس لحد فيه شيء .وإبراهيم قال (قَالَ أَسَْلمْتُ ِلرَبّ ا ْلعَاَلمِينَ) أسلم له أي انقاد له وجعل نفسه خالصة له أما أسلم إليه معناها دفعه إليه لذا
يقولون أسلم ل أعلى من أسلم إليه لنه لم يجعل معه لحد شيء ،ومن يسلم وجهه إلى ال اختلفت الدللة أسلم إليه أي فوّض أمره إليه يعني في
الشدائد (وَُأفَوّضُ َأمْرِي إِلَى اللّ ِه ( )44غافر) أو في النقياد أما أسلم ل فجعل نفسه خالصا ليس لحد شيء .لذلك قال القدامى أسلم له أعلى من
أسلم إليه لنه إذا دفعه إليه قد يكون لم يصل لكن سلّم له اختصاص واللم للملك (أسلم ل) ملّك نفسه ل ولذلك قالوا هي أعلى .الدللة فيها انقياد
جدْنَا عََليْهِ ل َنتّبِ ُع مَا َو َ
لكن السؤال يبقى لماذا قال هنا في آية لقمان (إلى)؟ السياق يحدد ،قبل هذه الية قال (وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا أَنزَلَ اللّ ُه قَالُوا بَ ْ
سعِي ِر ( ))21التباع أن يسير المتبِع خلف المتبَع كأنما يسلم أمره إليه وذاك يسلم قياده إلى ال ،هذا عذَابِ ال ّ ن يَدْعُوهُمْ ِإلَى َ
شيْطَا ُ
آبَاءنَا أَ َولَ ْو كَانَ ال ّ
أسلم قياده إلى الشيطان اتّبعه وأي واحد اتبع أحدا يسلم قياده إليه وهذا أسلم قياده ووجهه إلى ال ،ذاك يقوده الشيطان وهذا أسلم قياده إلى ال ،هذا
سكَ بِا ْلعُرْوَةِ ا ْل ُوثْقَى وَِإلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُس َتمْ َ
ن فَ َقدِ ا ْ
حسِ ٌجهَهُ إِلَى اللّهِ وَهُ َو مُ ْ
أمر .أسلم إليه بمعنى فوض أمره إليه وانقاد ولو قرأنا الية ( َومَن يُسِْلمْ وَ ْ
سكَ بِا ْلعُرْوَةِ الْ ُو ْثقَى) هذا الذي يفوض س َتمْ َ
الُْأمُورِ) النسان لماذا يفوض أمره إلى ال؟ في حال الشدائد يفوض أمره إلى ال فقال ربنا تعالى (فَ َقدِ ا ْ
أمره إلى ال ل تناله الشدائد فقد استمسك بالعروة الوثقى ،العروة الوثقى تعصمه من الشدائد وهي إسلم وجهه إلى ال ،ثم قال النتيجة ماذا يحدث
من عاقبة المور؟ فوضت أمرك إلى ال في الشدائد ولكن ماذا سيحصل (إلى ال عاقبة المور) .إذن (من يسلم وجهه إلى ال) اقتضى هذا
التعبير أمران :اقتضى التباع ما قبله لنهم قالوا (بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) بإزاء أولئك (ومن يسلم وجهه إلى ال) ،بالمعنى الخر (وأفوض
أمري إلى ال) بمعنى التفويض والتوكل عليه يأتي (فقد استمسك بالعروة الوثقى) أيضا يقتضي السلم إلى ال وهو تفويض المر إلى ال ،بهذا
المعنى فقد استمسك بالعروة الوثقى وبالمعنى الخر أسلم قياده إلى ال بإزاء أولئك الذين اتبعوا الشيطان .فإذن أسلم وجهه إلى ال يقتضيها التعبير
من كل ناحية .ثم قال (وإلى ال عاقبة المور) يعني من يستمسك بالعروة الوثقى واستمسك بها أما العاقبة ماذا سيحصل فيما بعد هذا إلى ال
عاقبة المور يحسمها فيما بعد .العورة هي ما يُمسك به.
ََ
ن) ورد الفعَل أسَلم بالماضَي
سَ ٌ
ح ِ ه لِل َّهِ وَهُوَ ُ
م ْ جهََ ُ سل َ َ
م َو ْ *فَي سَورة البقرة قال تعالى (بَلَى َ
م نَْ أ ْ
وفي لقمان بالمضارع فما الفرق بينهما؟
جهَهُ ِللّهِ وَهُ َوسلَمَ َو ْ
ك بِا ْلعُ ْروَةِ الْ ُوثْقَى وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ) وآية البقرة (بَلَى مَنْ أَ ْ
سَس َتمْ َ
ن َف َقدِ ا ْ
جهَهُ إِلَى اللّهِ وَهُ َو مُحْسِ ٌ
في لقمان ( َومَن يُسْلِمْ َو ْ
ح َزنُونَ ( ))112هناك أكثر من اختلف بين اليتين :الماضي والمضارع ،واللم وإلى ،ثم ل هُ ْم يَ ْ ف عََل ْيهِمْ َو َ
ن فَلَهُ أَجْ ُر ُه عِندَ َربّهِ َولَ خَوْ ٌ
حسِ ٌ مُ ْ
تأتي أمور أخرى (فقد استمسك بالعروة الوثقى) في لقمان ولم يقلها في البقرة واختلف الجواب (فله أجره عند ربه) في البقرة ولم يقلها في لقمان.
المضارع والماضي سياق اليتين يوضح الستعمال .أسلم إلى قلنا بمعنى التباع وتفويض المر إذا كان بمعنى التباع فأمور التباع كثيرة وإذا
كان بمعنى التفويض وما يقع للنسان من حوادث ونوازل كثيرة وهذا يقتضي إذن التعدد وقلنا سابقا أنه إذا وقع فعل الشرط مضارعا بعد أداة
جدْنَا عََليْ ِه آبَاءنَا)
ل َنّتبِعُ مَا َو َ
الشرط فهذا يفيد التكرار غالبا وإذا وقع بالماضي يفيد وقوع الحدث مرة في الغالب .آية لقمان يتعلق بالتباع (قَالُوا بَ ْ
وأمور التباع كثيرة في الحياة ما يتعلق بالحلل والحرام وإذا كان بمعنى التفويض إلى ال في حال النوازل والشدائد هذه كثيرة إذن يقتضي تكرر
ن هُودا أَ ْو نَصَارَى ( ))111قال ربنا تعالى (تِ ْلكَ ل مَن كَا َ جنّةَ ِإ ّ
المسألة .في آية البقرة جاءت في الرد على اليهود والنصارى ( َوقَالُواْ لَن َيدْخُلَ ا ْل َ
ن(ف عََل ْيهِمْ َولَ ُه ْم يَحْ َزنُو َخوْ ٌ ن فَلَهُ َأجْرُ ُه عِندَ َربّهِ َولَ َ ل هَاتُو ْا بُرْهَا َنكُمْ إِن كُنتُ ْم صَا ِدقِينَ ( )111بَلَى مَنْ َأسْلَمَ َو ْ
جهَهُ لِلّهِ وَهُ َو مُحْسِ ٌ َأمَانِ ّيهُ ْم قُ ْ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
))112يدخلها المسلم في مقابل اليهود والنصارى الذين قالوا (لن يدخل الجنة إل من كان هودا أو نصارى) القرآن رد عليهم (تِ ْلكَ َأمَا ِنيّهُ ْم قُ ْ
ل
ن ( ))112يعني بلى ف عََل ْيهِمْ َولَ ُه ْم يَحْ َزنُو َ
خوْ ٌ
ن فَلَهُ َأجْرُ ُه عِندَ َربّهِ َولَ َ هَاتُو ْا بُرْهَا َنكُمْ إِن كُنتُ ْم صَا ِدقِينَ ( )111بَلَى مَنْ َأسْلَمَ َو ْ
جهَهُ لِلّهِ وَهُ َو مُحْسِ ٌ
يدخلها كل مسلم والسلم كم مرة يدخل النسان به؟ مرة واحدة من قال أشهد أن ل إله ال مرة واحدة فهو مسلم أما تفويض المر والتباع كثير
فلما يتعلق المر بالتفويض والتباع يقول (يسلم) بالمضارع لنها تتكرر ولما يذكر الدخول في السلم فهو مرة واحدة فيستعمل الماضي (أسلم).
الحاكم في السياق هو المسرح الذي تتم فيه الحداث.
في آية البقرة لم يقل (فقد استمسك بالعروة الوثقى) كما ذكر في آية لقمان وإنما ذكر الجر لنه ليس في الية تفويض أمر ،ذكر الجر .قال (من
يسلم وجهه ل فقد استمسك بالعروة الوثقى) وقال (ومن أسلم وجهه ل فله أجره عند ربه) أيها أعلى العاقبتين؟ العاقبة في البقرة أعلى ،جعل
الجر مع السلم ل والخلص ل أن يكون سالما خالصا ل جعل عاقبته الجر (فله أجره عند ربه) ناسب بين علو الجر وبين معنى دللة
السلم لما جعل نفسه خالصا له لننا قلنا أسلم ل أي جعل نفسه خالصا ل ليس لحد آخر فيه نصيب هذا عاقبته (فله أجره عند ربه) ذاك بمعنى
التفويض قال (فقد استمسك بالعروة الوثقى) ،لما جعل نفسه خالصا ل قال (فله أجره عند ربه) جعل هذه عاقبته .بالمناسبة أذكر مسألة عرضا في
السابق أذكر حادثة كثيرا ما كنت أدعو ال إني أسألك الفردوس العلى فجاءني زمن كنت دائما أقول هذا الدعاء رأيت في المنام كأني في يدي
كتاب من كتاب ال ليس هو القرآن ول التوراة ول النجيل (وقد قرأتها جميعا عندما ألّفت كتاب نبوءة محمد من الشك إلى اليقين) كأني أقرأ
كتاب من كتاب ال مكتوب فيها " إن الذي يسأل الفردوس العلى عليه أن ل يدع حظا لنفسه" بمعنى أن تجعل كل شيء ل خالصا أن يجعل نفسه
خالصة ل وأن ل يدع حظا لنفسه ،هذا ما قرأت.
في كل اليتين من أسلم ل وأسلم إلى ال كلهما محسن لذلك قال القدامى أسلم ل أعلى من أسلمت إلى ال كما قال الرازي واختلف الجر وكل
أجر مناسب لكل واحد ذاك فوض أمره إلى ال فقد استمسك بالعروة الوثقى وذاك جعل نفسه خالصا ل فله أجره عند ربه وكونه مسلم دخل في
السلم.
َ
ه إِلَى الل ّهِ وَهُوَ محسن) أ ّ
خر لفظ الجللة بعد ي ُسلم مع أن م َو ْ
جه َ ُ سل ِ ْ *في لقمان قال تعالى (و َ َ
من ي ُ ْ
الملحظ أنه في آيات كثيرة يقدّم (فله أسلموا)؟ فلم؟
سِلمُوا لَ ُه مِنن ( ))34وفي الزمر (وََأنِيبُوا إِلَى َرّبكُمْ وَأَ ْ خ ِبتِي َ
حدٌ فَلَهُ َأسِْلمُوا َوبَشّ ِر ا ْلمُ ْ
السياق والمقام هو الذي يحدد .في سورة الحج (فَإَِل ُهكُمْ إِلَهٌ وَا ِ
ن ( ))54إذا كان المقام في مقام التوحيد يُقدّم وإذا لم يكن في مقام التوحيد ل يقدم إل إذا اقتضى المقام .قال ب ثُمّ لَا تُنصَرُو َ َقبْلِ أَن يَ ْأ ِت َيكُمُ ا ْل َعذَا ُ
سِلمُوا) في مقام التوحيد والنهي عن الشرك فخصص وجاء التقديم للقصر حصرا .هناك دللت حدٌ فَلَهُ أَ ْ
تعالى في سورة الحج ( َفإَِل ُهكُمْ إِلَهٌ وَا ِ
ن آ َمنّا بِهِ وَعََليْ ِه تَ َوكّ ْلنَا ()29
حمَ ُ
ل هُوَ الرّ ْللتقديم والتأخير في البلغة في اللغة العربية .التقديم في آية الحج للحصر حصر التسليم ل فقط( ،قُ ْ
الملك) عليه توكلنا حصرا وقال آمنا به ما قال به آمنا ،مرة يؤخر الجار والمجرور عن الفعل ومرة يقدم في آية واحدة ،لو آمن الواحد بال
حصرا ولم يؤمن بغيره لكفر لن اليمان أن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقدر خيره وشره ،ل يصح أن يقال (به آمنا) من
الناحية اللغوية لنه إذا كان يؤمن بال فقط يكون كفر بما عداه ،التقديم على العامِل في الغالب يفيد الحصر إل إذا كان المقام يدل على غير ذلك
بمعنى السياق المتحدث عنه ولذلك التوكل على ال حصرا فقال (وعليه توكلنا) قدم الجار والمجرور أما اليمان فليس منحصرا بال فإذا قال أحد
أؤمن بال ول أؤمن بالرسل هذا كفر ،كفار قريش يؤمنون بال لكن ل يؤمنون بالساعة ول بالرسل (إنما نعبدهم ليقربونا إلى ال زلفى) (ولئن
سألتهم من خلق السموات والرض ليقولن ال) ل يؤمنون بغير ال (ما أنزل ال على بشر من شيء) .لما نسمع قوله تعالى (آمنا به وعليه توكلنا)
حمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَس ِهمْ لَا تَ ْقنَطُوا مِن رّ ْ عبَادِيَ اّلذِينَ أَسْ َرفُوا عَلَى أَنفُ ِ ل يَا ِ يفهم أن هذه لها دللة وتلك لها دللة والعرب تفهم هذا الكلم لنها لغتهم( .قُ ْ
ن ( )54الزمر) ليس في مقام ب ثُمّ لَا تُنصَرُو َ جمِيعًا ِإنّهُ هُ َو ا ْلغَفُو ُر الرّحِي ُم ( )53وََأنِيبُوا إِلَى َرّبكُمْ َوأَسِْلمُوا لَ ُه مِن َقبْلِ أَن َي ْأتِ َيكُمُ ا ْل َعذَا ُ ب َ َيغْفِ ُر الذّنُو َ
توحيد ل يقتضي التقديم أما في مقام التوحيد والنهي عن الشرك يقدّم حصرا.
َ َ
ن﴿
س ٌَ
ح ِم ْه لِل ّهِ وَهُوَ ُ
جه َ ُ
م وَ ْسل َ َنأ ْ م ْ الفرق بين قوله تعالى(بَلَى َ َ
*فى إجابة ل(د.أحمد الكبيسى)عن
َّ َ ْ ْ
ك بِالعُْروَةِ الوُثْقََى وَإِلى الل هِ س َ م َست َ ْن فَقَدِ ا َْ
س ٌ
ح َِ
م ْ َّ َ
ه إِلى الل هِ َوهُوَ ُ
جهََ ُ
م َو ْ
سل ِ ْ
ن ي َُ ْ
م َْ
﴾112البقرة) ( -وَ َ
عَاقِب َ ُ ُ
مورِ ﴿ ﴾22لقمان) ة اْل ُ
سكَستَمْ َ
ن َف َقدِ ا ْ جهَ ُه لِلّهِ وَهُ َو ُمحْسِنٌ ﴿ ﴾112البقرة) ل لم حرف جر ل ،أخرى ( َومَنْ يُسِْلمْ وَ ْ
جهَ ُه إِلَى اللّهِ وَهُ َو مُحْسِ ٌ قال تعالى (بَلَى مَنْ أَسَْلمَ وَ ْ
بِا ْلعُرْوَةِ الْ ُو ْثقَى وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُو ِر ﴿ ﴾22لقمان) مرة لم ومرة إلى ،هناك واحد أسلم وجهه إلى ال والخر أسلم وجهه ل طبعا ربما لم
تخطر على بال أحد لماذا؟ مرة واحد أسلم وجهه إلى ال وواحد أسلم وجهه ل .مثلً أنا أقول أعطيت ألف درهمٍ إلى فلن أو أقول أعطيت ألف
دره ٍم لفلن ما الفرق؟ حروف الجر هذه معجزة اللغة العربية هذه هي العكوس للحنفيّات يعني هذا البوري الذي تشرب أنت منه الماء هذا يخرج
يمين ويسار ويصعد هذا يربط بعكس هذا العِكس هو الذي يوجه الماء بدونه الماء ل يصل ينفرط الماء في كل مكان الذي يمسك الماء ويوجهه
توجيها صحيحا هذه العكوس التي تربط المواسير ببعضها هذا العكس الصغير كحرف الجر هو الذي يوجه معنى اللغة العربية وخاصة لغة
الكتاب العزيز .فرق كبير بين كما علمتم (أُنزِل علينا) على حرف جر و(أُنزِل إلينا) إلى حرف جر هنا أيضا فرق كبير بين أسلمت وجهي ل
للذي فطرني وبين أسلمت وجهي إلى ال .كما قلنا أعطيت إلى فلن ألف درهم أنت لم تعطيه بيدك ولكن بعثته مع شخص يا فلن خذ هذا المال
وأعطه إلى فلن فالعطاء تم لكن طريقته أني أرسلته إليه من بعدي بواسطة من بعيد وقد يكون لم يصل بعد .لكن لما أقول أعطيته لفلن وصل
ووضعه في جيبه .هذا الفرق بين كما يقول الدكتور نجيب الفرق بين أسلمت وجهي إلى ال واحد أسلم حديثا هو مسلم لكن إلى الن لم يصل فل
يزال في بداياته تعلم كيف يصلي وتعلم كيف يتوضأ وكيف يتقرب من رب العالمين وكيف يتقدم درجات درجات ويتدرج من مسلم عام إلى مسلم
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
عنْدَ َرّبكَ ( )206العراف) وصلوا من هذا ن ِ كذا إلى مؤمن عام إلى مؤمن خاص إلى تقي إلى أن ينتقل من البعد إلى العند إلى أن يصير (اّلذِي َ
جهَ ُه لِلّهِ وَهُوَ
الطريق إلى أن صار عند ربك .هذا طبعا من البداية اسلم وجهه إلى ال ولكن بعد ما وصل ولكن عندما يقول (بَلَى مَنْ أَسَْلمَ وَ ْ
جهَ ُه إِلَى حسِنٌ) .الخرى ( َومَنْ يُسِْلمْ وَ ْ جهَهُ لِلّهِ وَهُ َو مُ ْ
حسِنٌ) هذا وصل .حينئذٍ هذا وصل للقمة بدليل الحسان حينئذٍ عندما تقرأ (بَلَى مَنْ أَسْلَ َم وَ ْ مُ ْ
ك بِا ْلعُ ْروَةِ الْ ُوثْقَى) ما زال متمسكا وانظر القرآن هذا نهايات اليات أعجوبة (إِلَى اللّهِ) يعني هو ما زال بادئا يقول سَ ستَمْ َ
ن َف َقدِ ا ْ
اللّهِ وَهُ َو مُحْسِ ٌ
ك بِا ْلعُ ْروَةِ الْ ُوثْقَى) ما زال هو بتسلق يعني أنت ما زلت تصعد لكن هذا بأسلوب عروة وثقى وأنت ماسك ويسحبونك أو أنت تندفع بمصعد سَ س َتمْ َ
(ا ْ
كهربائي إلى الجبال كما رأينا هذا في بعض دول العالم تطلع هكذا بشكل عامودي حينئ ٍذ هذا إلى ال متجه إلى ال متوجه حينئذٍ كما قلنا عن إلينا
سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ طرَ ال ّ ي ِلّلذِي فَ َ
جهِ َ
جهْتُ وَ ْ جهَهُ لِلّهِ) سيدنا إبراهيم بعد ما عرف قال (ِإنّي َو ّ وعلينا .فحينئ ٍذ إذا قرأت في القرآن الكريم (أَسَْلمَ وَ ْ
ش ِركِينَ ﴿ ﴾79النعام) للذي وليس إلى الذي هذا في البداية عندما كان يبحث عن ربه كان إلى ال إلى ربه الن وصل. حنِيفًا َومَا َأنَا مِنَ ا ْلمُ ْ َ
س َيهْدِينِ ﴿﴾99 جهَهُ لِلّهِ) كما قال سيدنا إبراهيم ( َوقَالَ ِإنّي ذَاهِبٌ إِلَى َربّي َ جهَهُ إِلَى اللّهِ) وبين (مَنْ َأسْلَمَ َو ْ
لحظ هذا الفرق بين ( َومَنْ يُسِْلمْ وَ ْ
ي لِّلذِي) مش إلى الذي هكذا وعلى هذا النسق نفس اليتين واحدة تقول (وَِللّهِ عَا ِقبَةُ جهِ َجهْتُ وَ ْالصافات) إلى لسه في الطريق في الخير وصل ( َو ّ
الُْأمُو ِر ( )41الحج) وتقول الخرى (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ) الذي قال (ل) وصل أمري الن بيد ال وأنا معه أنا مع عبدي (اّلذِينَ ِ
ع ْندَ َرّبكَ)
وصل هذا (وَلِلّ ِه عَا ِقبَةُ الُْأمُو ِر ( )41الحج) .الخر (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ الُْأمُورِ) لسه عاد لما نوصل المور تعود إلى ال في النهاية .هذا الفرق بين
التعبير القرآني المعجز.
*فَي آيَة البقرة يقول تعالى (فقَد اسَتمسك بالعروة الوثقَى ل انفصَام لهَا) ولم يقَل فَي لقمان ل
انفصام لها؟
سكَ
س َتمْ َ
ن َيكْفُ ْر بِالطّاغُوتِ َويُ ْؤمِن بِاللّ ِه فَ َقدِ ا ْ
ي َفمَ ْ
شدُ مِنَ ا ْلغَ ّ
ن قَد ّت َبيّنَ الرّ ْ
السياق هو الذي يحدد ،قال تعالى في سورة البقرة (لَ ِإكْرَا َه فِي الدّي ِ
سمِي ٌع عَلِي ٌم ( ))256قال (فمن يكفر بالطاغوت) والطاغوت رأس كل طغيان من ظالم أو غيره ،هذا معنى ى لَ انفِصَامَ َلهَا وَاللّهُ َ
بِا ْلعُرْوَةِ الْ ُو ْثقَ َ
الطاغوت من كان رأسا في الطغيان مثل فرعون والشيطان وجمعها طواغيت .فمن يكفر بالطاغوت أحيانا الكفر بالطاغوت يؤدي إلى أذى شديد
وهلكة إذن تحتاج إلى (ل انفصام لها) يعني ل يحصل فيها أي خدش أو انفصال أو شيء .لما ذكر الكفر بالطاغوت الذي قد يؤدي إلى مظلمة
كبيرة أو إلى عذاب أو إلى هلكة أكّد ربنا تعالى فقال (ل انفصام لها) أما في لقمان فهي اتباع (ومن يسلم وجهه إلى ال فقد استمسك بالعروة
الوثقى) ل تحتاج .لذلك لما ذكر الكفر بالطاغوت الذي قد يؤدي إلى هلكة (فرعون صلّبهم في جذوع النخل) قال (ل انفصام لها) تستمسك ول
تنفصم ول تنفصل وكأنها تحفيز للستعصام والستمساك بال سبحانه وتعالى.
*ما دللة (فقد) في قوله تعالى (فقد استمسك بالعروة الوثقى)؟
(قد) حرف تحقيق على الماضي وإن كان على المضارع حصل أكثر من سؤال هل هي تفيد التقليل؟ هي من معانيها التقليل( ،قد) إذا دخلت على
سمَاء ( )144البقرة) (قَ ْد َيعْلَمُ اللّهُ ا ْل ُمعَ ّوقِينَ ج ِهكَ فِي ال ّ المضارع تفيد التحقيق والتكثير ومن معانيها الشك .تفيد التوكيد والتكثير ( َقدْ نَرَى تَ َقلّبَ َو ْ
مِنكُمْ وَا ْلقَائِلِينَ لِِإخْوَا ِنهِ ْم هَلُمّ ِإَليْنَا ( )18الحزاب) .أحيانا يسألون أليست (قد) للتقليل إذا دخلت على المضارع؟ هذا من أحد معانيها وليس معناها
الكامل كما يذكر النحاة( .قد نرى تقلب وجهك) هذا يقين ،للتحقيق إذا عرفنا أن الفعل متحقق إذن (قد) تفيد التحقيق .ال تعالى يرى ويعلم سبحانه
وتعالى .إذا دخلت (قد) على الماضي فهي للتحقيق أن المر تحقق وأحيانا قد تغير معنى الفعل من دعاء إلى خبر مثلً تقول رزقك ال محتمل
أنك تدعو له بالرزق وتحتمل أنك تخبر أن ال رزقه وأعطاه لكن لو قلت (قد رزقك ال) ل يمكن أن تكون دعاء وإنما إخبار لذا ل يصح أن تقول
قد غفر ال لك وإنما تقول غفر ال لك أنت مخبر ولست داعيا .إذن (قد) تفيد التحقيق إذن (فقد استمسك بالعروة الوثقى) تعني تحقق استمساكه.
أقري من بعضي السلم لبعضي أيها الراكب الميمم أرضي
وفؤادي وساكنيه بأرضِ إن جسمي كما علمت بأرضٍ
فعسى باجتماعنا سوف يقضي قد قضى ال بالفراق علينا
غير محتاج إلى السُرُج إن بيتا أنت ساكنه
قد أتاه ال بالفرج ومريضا أنت عائده
إذن (فقد استمسك) تحقق استمساكه ،هذا تحقق لنه في الغالب الفعل الماضي بعد جواب الشرط في الغالب استقبال (درست نجحت) إذا قلت فقد
ن ( )1المؤمنون) هذا إخبار وتحقق. نجحت أي تحقق المر مثل الدعاء تقول :غفر ال له يعني تدعو له ،قد غفر ال له تحقق( .قَدْ َأفْلَحَ ا ْلمُ ْؤ ِمنُو َ
إذن (فقد استمسك بالعروة الوثقى) تحقق استمساكه.
ذكرنا يسلم واختيار الفعل المضارع ووقفنا عند (فقد) وهو قال استمسك ولم يقل أمسك (فقد استمسك) .استمسك استفعل قد تفيد المبالغة في
صرُوكُ ْم فِي الدّينِ ستَن َ التمسك والستمساك ،أحيانا إستفعل لها معاني قد تكون للطلب (اللف والسين والتاء) مثل استنصره أي طلب نصره (وَإِنِ ا ْ
ل ()110 سُ س الرّ ُ س َتيْأَ َ صرُ ( )72النفال) استنجد به أي طلب النجدة ،استغفر طلب المغفرة .وقد تكون للمبالغة مثل استيأس ( َ
حتّى ِإذَا ا ْ َفعََل ْيكُمُ النّ ْ
يوسف) فيها مبالغة في اليأس ،ومثل استقر فيها مبالغة في الستقرار (ق ّر واستقرّ) ،استمسك المبالغة في الستمساك .قد تكون بمعنى الوجود على
الشيء استصغره يعني وجده صغيرا .المحدّد الدللي هو السياق فاستمسك هنا للمبالغة في المساك .وثد تأتي للصيرورة بمعنى التحوّل مثل
استنوق الجمل ،لها معاني متعددة ،مثل استحجر الطين أي صار حجرا .فإذن استمسك هو المبالغة في الستمساك .للعلم الستمساك في القرآن ل
ستَقِيمٍ ( )43الزخرف) كلمة استمسك هذه وردت في أمور الدين (أَمْ ط مّ ْ
ك عَلَى صِرَا ٍ
ي إَِل ْيكَ ِإّن َ
سكْ بِاّلذِي أُوحِ َس َتمْ ِ
يأتي إل في أمور الدين (فَا ْ
ن ( )21الزخرف) وهذا من خصوصيات الستعمال القرآني واستمسك في اللغة تأتي بمعاني عدة .ثم سكُو َ س َتمْ ِ
آ َت ْينَاهُ ْم ِكتَابًا مّن َقبْلِهِ َفهُم بِ ِه مُ ْ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
وصف العروة بأنها الوثقى ولم يقل الوثيقة لحظ المبالغات لم يقل العروة الوثيقة وإنما هي أوثق العرى وهي أعلى درجات التفضيل .العروة هي
ما يُمسك به والوثقى هي أقواها وأمتنها لم يقل وثيقة .وثيقة وثيق تأتي صفة مشبهة وتأتي صيغة مبالغة وتأتي فعيل بمعنى مفعول ،وثقى فُعلى
مؤنث الوثق ،مذكّر الوثقى الوثق ،العظم – العظمى ،الفضل – الفضلى ،الكبر – الكبرى (نقول الكبرى أو كبرى بالضافة مثل كبرى
النساء) الفُعلى تأتيث الفعل ،الوثق هو الدرجة العليا في التفضيل تقول أكبر من فلن لكن تقول فلن الكبر أي الكبر من كل من عداه ول
يصح أن تأتي بـ (من) فل يقال فلن الكبر من فلن .الوثقى تأنيث الوثق وليست تأنيث أوثق.
(وإلى ال عاقبة المور) تقديم الجار والمجرور للحصر لن المور عاقبتها ترجع إليه وحده سبحانه وتعالى ولو قال عاقبة المور إلى ال ل تدل
على الحصر .استمسك فيها مبالغة والوثقى فيها مبالغة والتقديم فيه حصر ،من كل المؤشرات نستدل على أن نسلم وجوهنا إلى ال تعالى ونفوض
أمورنا إلى ال ونسلم انقيادنا إليه مع الحسان لنه تعرّف إلى ال في الرخاء يعرفك في الشدة تسلم وجهك ليس فقط في حالة وقوعك في أمر
وإنما ينبغي أن تكون محسنا حتى يكون الستمساك بالعروة الوثقى ينبغي أن ل يكون في حالة شدة فقط.
ُ َ َ
﴿﴾53 اْل ُ
موُر صيُر صيُر ﴿ ﴾28آل عمران) ( -إِلَى الل َّهِ ت ََ ِ
َ
م ََِ ه ال ْ
*مَا الفرق بيََن قوله تعالى (وَإِلَى الل َّ ِ
َ
ُ ُ
﴿﴾22 مورِ اْل ُ موُر ﴿ ﴾109آل عمران) ( -وَإِلَى الل َََََََّهِ عَاقِب َ ُ
ة جعََََََ َُ اْل ُ الشورى) ( -وَإِلَى الل َََََََّهِ تُْر َ
لقمان)؟(د.أحمد الكبيسى)
(إلى ال المصير) فيما يتعلق بنهاية رحلتنا نحن كبشر من عباد ال من بني آدم رحلتنا طريقة وطويلة مما كنا في ظهور آدم في عالم المر ورب
ت بِ َرّبكُ ْم قَالُوا بَلَى ﴿ ﴾172العراف) ثم بقينا هناك إلى أن تزوج آباؤنا بأمهاتنا ثم حملوا بنا ثم ولدنا ثم مشينا في الطريق العالمين خاطبنا (أََلسْ ُ
إلى أن متنا ثم ذهبنا إلى البرزخ والبرزخ عالم تحدثنا عنه طويلً ثم سوف نبعث يوم القيامة ثم سوف نحشر مسيرة طويلة جدا إلى أن تصل
أجسامنا وأجسادنا إلى ساحة المحشر هذا مصيرنا (وَِإلَى اللّ ِه ا ْلمَصِيرُ) تبقى الخطوة الخيرة عندما نتوجه إما إلى الجنة وإما إلى النار ذاك ممشى
س ا ْلمَصِيرُ ﴿ ﴾126البقرة) المصير في أجسادنا عندما نقف أمام ال وبين يديه (إلى ال المصير) انتهت الرحلة .عندما آخر .إذا صار ( َوبِئْ َ
أصبحنا في المصير النهائي لمن تصير المور؟ في الدنيا كان المر لبيك لختك لمك للملك للحاكم للمعلّم للمدرس للمؤدب للنبياء الخ ،في تلك
الساعة لمن تصير المور؟ أنت جسدك صار إلى النهاية (وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ) أمرك بيد من؟ مصيرك بيد من؟ بيد ال إذا صار (إلى ال المصير)
بجسدك (إِلَى اللّ ِه تَصِيرُ ا ْلُأمُورُ) بالحكم عليك وشؤونك وأحوالك كلها إلى ما ل نهاية .هذا الفرق بين مصيرك أنت كإنسان وبين أن تصير أمورك
كلها مباشرة بدون أسباب بيد ال عز وجل هذا الفرق بين (وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ) وبين (إِلَى اللّ ِه تَصِي ُر الُْأمُورُ) .نحن وقفنا أما رب العالمين فهذا
المصير رب العالمين سبحانه وتعالى في تلك الساعة سوف يحاسبنا ،من الذي يملك المحاكمة؟ ومن الذي يملك أن يحكم عليك بالخلود في النار
أو بالخلود في الجنة؟ هذا يسمى مرجعية الحكم .من هي المرجعية التي يكون كلمها هي الفصل؟ عند الخصومة في الدنيا القاضي هو الذي
ترجع إليه المور تذهب أنت والخصم عندك محامي وهو عنده محامي وتذهب إلى المحكمة وأوراق ودعاوى ثم يقف الخصمان أمام القاضي
فالقاضي هو الذي يحكم بينكما فترجع المور إلى القاضي الذي يقوله القاضي هو الصح ليس هناك غيره ،هذا في الدنيا إلى القاضي ترجع
المور يوم القيامة لمن ترجع المور؟ إلى ال عز وجل .فهذه تتكلم لما رب العالمين ينزل كما في الحديث ثم بعد المحشر ينزل ال سبحانه
وتعالى للفصل بين العباد ،هذا الفصل الحساب ثم إصدار الحكم هذا (وَإِلَى اللّ ِه تُرْجَعُ ا ْلُأمُورُ) ثم حكم عليه ،صدر الحكم المرجعي صدر الحكم
من مرجعيته المباشرة وهو ال عز وجل إلى أين نتوجه؟ قال ستتوجهون حتى النهاية (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ) إما خالدٌ في الجنة أو خالد في
النار ،فلما تمشي من ساعة الحساب ثم تعبر الصراط وعلى الصراط هناك مشاكل وبعد الصراط حوض الكوثر وبعد حوض الكوثر دخول الجنة
ثم يستقبلونك على الباب ويكون لديك مدير أعمال يأخذوك إلى دارك هذا الممشى (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ الُْأمُورِ) العاقبة آخر شيء ،عقب النسان آخر
شيء ،إلى ال في الطريق وأنت ذاهب إلى أن تستقر استقرارا نهائيا إما في الجنة خالدا أو في النار خالدا (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ) الذي يدخل
النار ثم يخرج منها هذا إلى العاقبة على أن يخرج من النار ثم يغتسل ثم يذهب إلى الجنة في الطريق كل هذا إلى ال (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ الُْأمُورِ)
المرحلة النهائية لما يصل كل واحد منا إلى داره إلى سكناه ويدخل القصر واستقبال حافل كما جاء في الكتاب والسنة (وَلِلّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ ﴿﴾41
ل بَابٍ ﴿ ن عََل ْيهِ ْم مِنْ كُ ّالحج) .هذا الفرق بين (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ) وبين (وَلِلّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ) .وهناك انتهى المر وأصبحنا (وَا ْلمَلَا ِئكَةُ َيدْخُلُو َ
صبَ ْرتُ ْم َف ِنعْ َم عُ ْقبَى الدّا ِر ﴿ ﴾24الرعد) هذه العاقبة آخر شيء (فَ ِنعْ َم عُ ْقبَى الدّارِ) هذا هو الفرق بين (وَإِلَى اللّهِ ا ْلمَصِيرُ) ﴾23سَلَا ٌم عََل ْيكُ ْم ِبمَا َ
(إِلَى اللّ ِه تَصِيرُ ا ْلُأمُورُ) (وَإِلَى اللّ ِه تُرْجَعُ ا ْلُأمُورُ) (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ الُْأمُورِ) و (وَِللّهِ عَا ِقبَةُ الُْأمُورِ).
آية (:)23
صدُورِ ())23 علِي ٌم ِبذَاتِ ال ّ
ن اللّهَ َ
ج ُع ُهمْ فَ ُننَبّ ُئهُم بِمَا عَ ِملُوا إِ ّ
ك كُفْ ُرهُ ِإلَيْنَا مَرْ ِ
(وَمَن كَفَرَ َفلَا يَحْزُن َ
شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ ( )40النمل) الشكر يتجدد شكَ َر فَِإّنمَا يَ ْ
قال (من كفر) بالماضي وقبلها قال (ومن يسلم) بالمضارع .في آية سابقة قال تعالى ( َومَن َ
وينبغي أن يتكرر لن النعم متكررة متجددة فكل نعمة تستوجب شكر فقال ومن يشكر أما الكفر يكفي أن يكفر فمسألة واحدة (ومن كفر) .قلنا من
يسلم وجهه إلى ال ،يفوض أمره إلى ال أو يتبع أوامر ال التّباع مسائل كثيرة وما يقتضي التفويض إلى ال أمور كثيرة متعددة في الحياة فقال
جهَهُ إِلَى اللّ ِه ()22
(ومن يسلم) أما من كفر ليس بالضرورة أن يتجدد الكفر لو كفر في العتقاد مرة واحدة فل يحتاج إلى التكرارَ ( .ومَن يُسْلِمْ َو ْ
لقمان) قلنا إما يتبع أوامر ال أو يفوض أمره إلى ال وقلنا التباع في أمور كثيرة والتفويض تفويض المور إلى ال وما يحصل فيها والمصائب
التي تقع عليه وما يحذره وما يخافه أمور كثيرة جدا فقال (ومن يسلم وجهه).
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
ك كُفُْرهَُ) ثَم مَا دللة هذا التعَبير بالذات ومَا اللمسَات من كَفََر فََل ي َ ْ
حُزن ََ *مَا دللة الفاء فَي (وََ َ
البيانية فيها؟
ك كُفْرُهُ) لو تأملنا فيه فهو تعبير غريب وليس مثل فل تحزن لكفره ،الكفر فاعل والكاف المخاطب مفعول به (المخاطَب هو ( َومَن كَفَ َر فَلَا يَحْزُن َ
الرسول ) ،في اللغة المنهي هو الفاعل لما أقول ل يضرب محمد خالدا المنهي هو محمد ،المنهي هو الفاعل ففي الية الكفر هو المنهي وليس
الرسول .المعنى العام ل تحزن لكفره هذا أصل المعنى لكن كيف اختار التعبير؟ لماذا لم يقل فل تحزن لكفره .في اللغة المنهي هو الفاعل إلى
ك كُفْ ُرهُ) الكاف مفعول به .لو قال ل تحزن يكون الفاعل المخاطب (أنت) لكن في الية المفعول .لم يقل تعالى فل تحزن وإنما قال (فَلَا يَحْزُن َ
المنهي هو الكفر .المنهي في الية هو الكفر يعني أيها الكفر ل تُحزِن رسول ال ،ينهى تعالى الكفر أل يُحزن رسول ال إشفاقا على رسول
ال وكأن الكفر يريد أن يُحزِن رسول ال .هذه فيها تعبير مجازي كأن الكفر ذات عاقلة تريد أن تحزن الرسول فينهاه تعالى (فَلَا َيحْزُنكَ
ق ّممّا َي ْمكُرُونَ ( )127النحل) ليس هنا مفعول ضيْ ٍل َتكُ فِي َحزَنْ عََل ْيهِمْ َو َ كُ ْفرُهُ) تعبير في غاية اللطافة والرقة .قال تعالى في آيات أخرى ( َولَ تَ ْ
حيَا ُة الدّ ْنيَا وَلَا يَغُ ّرّنكُم بِاللّهِ ا ْلغَرُو ُر ( )5فاطر) لن الشيطان يغرّ المسلم ،المنهي هو إبليس لكن المقصود به به منهي .في القرآن (فَلَا َتغُ ّرنّكُ ُم الْ َ
النسان أن ل يغتر بإبليس( .فَلَا َيحْزُنكَ ُكفْرُهُ) المنهي هو الكفر أن ل يُحزِن رسول ال.
الفاء في (فَلَا َيحْزُنكَ) الفاء يمكن حذفها .ذكرها له معنى وحذفها له معنى .الفاء هنا عرّفتنا جواب الشرط ولو حذف الفاء ل تكون شرطية ،هناك
ضوابط لقتران الفاء بجواب الشرط .الفاء تحتمل أن تكون موصولة وتحتمل أن تكون شرطية والذي يحدد أحيانا ضابط لفظي كأن يكون الجزم
(من يدرس ينجح) هذا شرط للن إسم الموصول ل يجزم .هذا الذي يحدد الفاء الموطن موطن وجوب اقتران الفاء بالشرط لن هذا نهي (ل)
الناهية إذا كانت (من) شرطية فالفاء ل بد أن تأتي ,وإذا كانت (من) موصولة ل تأتي الفاء .لو لم تأتي بالفاء في الية تكون موصولة ،الفاء
شرطية وهذا هو المقصود .وإذا كانت موصولة ومن كفر ل يحزنك كفره المعنى ليس واحدا .الشرط يفيد العموم قطعا (من يستعن بال يعنه) ل
خلَ ْقتُ وَحِيدًا ()11 يقصد شخص معين .أما الموصول فل يدل على الغموم لن الموصول معرفة وقد يكون المعرفة للجنس أو للواحد (ذَ ْرنِي َومَنْ َ
صعُودًا (عنِيدًا ( )16سَُأرْهِقُهُ َ طمَعُ أَنْ أَزِيدَ ( )15كَلّا ِإنّهُ كَانَ لَِآيَا ِتنَا َ شهُودًا (َ )13و َمهّدْتُ لَ ُه َت ْمهِيدًا ( )14ثُ ّم يَ ْ جعَلْتُ لَ ُه مَالًا َممْدُودًا (َ )12و َبنِينَ ُ َو َ
ل َكيْفَ َقدّ َر ( )20المدثر) شخص معين واحد هو الوليد بن المغيرة .الموصول ل يقتضي أن ف َقدّرَ ( )19ثُ ّم ُقتِ َل َكيْ َ ِ )17إنّ ُه َفكّرَ َو َقدّرَ ( )18فَ ُقتِ َ
ي أعتدي عليه .الشرط يدل على العموم يكون جنسا يحتمل أن يكون واحدا معينا أو جنسا (أكرمت من زارني) من يزورني أكرمه ،من يعتدي عل ّ
والكوصول ليس بالضرورة وفي الية أراد تعالى العموم وليس جماعة معينة في الكفر وإنما الكلم على الطلق وفهمنا الطلق من الفاء .هذه
الفاء عيّنت أن (من) شرطية والشرط يفيد العموم إطلقا لنه لو قال ل يحزنك يحتمل أن يكون جماعة معينة بينهم مشادة أو أذى ل تعني غيرهم
لكن عندما جاء بالفاء صارت للعموم ولو حذفها ليست بالضرورة للعموم إذن ذكرها ليس كحذفها ،وجود الفاء يحدد معنى الشرطية لـ (من)
وهذا فيه العموم وهذا هو المقصود بالية.
جعُك َُ ْ
م ()15 مْر ِ م إِل ََ َّ
ي َ م ( ))23بالجمَع وفَي آيَة سَابقة قال (ث َُ َّ
جعُهَُ ْ *قال تعالى فَي اليَة (إِلَيْن ََا َ
مْر ِ
لقمان) بالمفرد واضافة (ثم) فما الفرق؟
ح ْبهُمَا فِي ال ّدنْيَا
ط ْعهُمَا َوصَا ِ
ك بِ ِه عِلْ ٌم فَلَا تُ ِ
ك بِي مَا َليْسَ َل َ
(إلينا) ضمير التعظيم ،إليّ ضمير الفراد .الية السابقة (وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن تُشْ ِر َ
ن ( ))15الية السابقة في مقام الوحدانية والنهي عن الشرك فجاء بضمير ج ُعكُ ْم فَُأ َنّبُئكُم ِبمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو َ
ي مَرْ ِ
ي ثُمّ إَِل ّ
ل مَنْ َأنَابَ ِإلَ ّ
سبِي َ
َمعْرُوفًا وَا ّتبِعْ َ
ج ُعكُمْ) .أما الية الثانية فليست ي مَ ْر ِ ج ُعكُمْ) (وإن جاهداك على أن تشرك بي) كلها في مقام التوحيد والنهي عن الشرك فيقول (إِلَ ّ ي مَ ْر ِ
الوحدة (إِلَ ّ
ج ُعهُمْ) للحصر أي إلينا مرجعهم ل إلى غيرهم. في مقام التوحيد فجاء كضير التعظيم وأيضا قدم الجار والمجرور (إَِل ْينَا مَ ْر ِ
ملُو ََ
ن ( )60 ما كُنت َُ ْ
م تَعْ َ م يُنَب ِّئُك َُم ب َِ َ جعُك َُ ْ
م ث َُ َّ م إِلَي َْهِ َ
مْر ِ *هنَا قال (فَنُنَب ِّئُهَُم) وفَي مواطَن أخرى قال (ث َُ َّ
النعام) فما الفرق؟
ج ُعكُمْ) .في الية ج ُعكُمْ َفُأ َنبّ ُئكُم (( ))15ثم) عاطفة تفيد التراخي .في الية لم يأتي بـ (ثم) قال (إَِل ّ
ي مَرْ ِ ي مَ ْر ِ
في الية السابقة في لقمان قال (ثُمّ إِلَ ّ
ج ُعهُمْ) هنالك مهلة أما في الية لم يكن هناك مهلة وإنما جعل المرجع أقرب .لماذا الولى الكلم على التراخي معناها تقريب المرجع (إَِل ْينَا مَ ْر ِ
جعل هناك مهلة وهنا لم يجعل مهلة بدون (ثم)؟ هو جاء بـ (ثم) هناك أكثر من سبب قال (وَإِن جَا َهدَاكَ) المجاهدة قد تسغرق وقتا وقال
ل مَنْ َأنَابَ إَِليّ) فيها وقت وهذا يناسب (ثم) .أما في هذه الية ليس فيها ما يدل على التراخي سبِي َح ْب ُهمَا فِي الدّ ْنيَا َمعْرُوفًا) فيها وقت (وَا ّتبِعْ َ
( َوصَا ِ
ج ُعهُمْ) وقت قليل ما يقتضي التراخي أما في تلك الية ما يدل على التراخي .السياق في هذه الية ليس فيه تراخي كأن فيه تقريب المر (إَِل ْينَا مَرْ ِ
ج ُعهُمْ)
وينتهي لما نهاه عن الحزن فقال له الوقت قريب ول يعقل أن ينهاه عن الحزن وأن ل يهتم بهذا ثم يقول له هناك وقت طويل فقال (إَِل ْينَا مَ ْر ِ
إذن هناك أكثر من مسألة استدعت استعمال (ثم) .عندما ترى صاحبك في ضيق وتريد أن تخفف عنه تقول له الدنيا قصيرة فتقلل المر في عينه
ج ُعهُمْ) المهم أن تهون المسألة عليه ل العكس ،ال حتى يخف فلما قال تعالى (فَلَا َيحْزُنكَ ُكفْرُهُ) يريد أن يصبره فقال أن الوقت قصير (إَِل ْينَا مَرْ ِ
تعالى ينهاه عن الحزن فل يطيل الوقت عليه.
العرب كان تعرف هذا وهم كانوا إذا أرادوا أو يواسوا شخصا يقولون له الدنيا قصيرة.
*قال تعالى (فأنبئكم) وفي مواطن أخرى لم يستعمل الفاء فلماذا؟
في مواطن قال (فأنبئكم) (فينبئهم) (ثم ينبئهم) المر الساسي في فهم التعبير هو السياق ووضعه في مكانه .أصل السياق في الدنيا (إِنّ اّلذِينَ
ش َيعًا ( )159النعام) لم يذكر إلينا مرجعهم .هناك لما ذكر المرجع صار بين الدنيا والتنبيه وقت طويل قال (ثم ينبئهم) وهناكفَ ّرقُو ْا دِي َنهُمْ َوكَانُواْ ِ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
وضح أنه شمل علمه ما ظهر وما بطن ولو قال عليم به لم تشمل هذا الشيء.ثم قال عليم ولم يقل عالم ،عليم صيغة مبالغة .في أكثر من مناسبة
قلنا أن كلمة عالم في القرآن لم ترد إل في علم الغيب خصوصا والمفرد (عالم الغيب) أو الغيب والشهادة (عالم الغيب والشهادة) وعلّم للغيوب
وعليم مطلقة لكل شيء .لهذا قال عليم بذات الصدور وما قال علم ول عالم وهذا من خصوصية استعمال القرآن الكريم لنه خصص كلمة عالِم
بهذا المعنى لكن من حيث الستخدام اللغوي يتعاور بعض هذه الكلمات مكان البعض الخر عدا المبالغة وإسم الفاعل ،المبالغة فيها تكثير وإسم
الفاعل ليس فيه تكثير هذا من حيث اللغة .وكذلك أكّد هذه المسألة بـ (إنّ) في قوله (إن ال عليم بذات الصدور) واستخدم عليم دونما عالم أو
علم وقال بذات الصدور وليس به.
آية (:)24
ظ ())24
غلِي ٍ
عذَابٍ َ
ضطَ ّر ُهمْ ِإلَى َ
( ُنمَ ّت ُع ُهمْ َقلِيلًا ُثمّ نَ ْ
*كلمة (قليلً) ما دللتها وما إعرابها؟
(قليلً) فيها احتمالن في العراب محتمل أن نعربها مفعول مطلق يعني تمتيعا قليلً أي قليل وصف للمصدر أو نعربها ظرف زمان أي زمنا
قليلً .فإذن من حيث العراب تحتمل الحدث وهو تمتيعا قليلً وتحتمل الزمن زمنا قليلً ،وهو حذف الموصوف لنه لو ذكر الموصوف لتحدد
بشيء واحد لو قال زمنا أو تمتيعا لحدد .حذف والن يشمل الثنين معناه يمتعهم تمتيعا قليلً زمنا قليلً فجمع المعنيين بالحذف ،الن اتسع
واستفدنا أنه يمتعهم تمتيعا قليلً زمنا قليلً ولو ذكر لخصص الذي ذكره وأطلق الخر .لو أراد أن يقول تمتيعا قليلً زمنا قليلً ،الحذف أغنى عن
جزَاء
حكُو ْا قَلِيلً وَ ْل َي ْبكُواْ َكثِيرًا َ
ل فشمل المعنيين وقال (نمتعهم قليلً) .بدل العبارة الطويلة حذف فتوسع المعنى (فَ ْليَضْ َ
أن يقول تمتيعا قليلً زمنا قلي ً
ن ( )82التوبة) بدل أن يقول فليضحكوا ضحكا قليلً زمنا قليلً وليبكوا بكاء كثيرا زمنا كثيرا حذف فجمع المعنيين وأحيانا يكون سبُو َ
ِبمَا كَانُو ْا َيكْ ِ
الحذف أبلغ من الذكر وقد يكون الحذف للتوسع في المعنى وأحيانا الذكر يكون للتخصيص مثل (هو يُكرم) إطلق و (هو يكرم فلنا) تحديدا .إذن
حينما يحذف ل بد أن تدل (قليلً) على المعنيين نمتعهم تمتيعا قليلً زمنا قليلً ولما تُعرب تُعرب باحتمالين ،والحذف هنا جائز.
*فَي البقرة قال (ث َُ َ َ
صيُر ( ))126بضميَر المفرد وفَي لقمان س ال ْ َ
م َِ ب الن َّ ِ
ار وَبِئ َْ َ ضطَُّره َُ إِلَى عَذ َا َِ مأ ْ ّ
ظ) فما الفرق بينهما؟ ب غَلِي ٍ ٍ َا ذ َ ع ى َ ل إ مُ ه
ْ ّ ْ ِ ُ
ر َ ضطَ ن َ
م م قَلِيًل ّ
ُ ث مت ِّ ُعهُ ْ
بالجمع (ن ُ َ
ن آ َمنَت مَ ْ
ل هَـذَا بََلدًا آ ِمنًا وَا ْرزُقْ أَهْلَ ُه مِنَ ال ّثمَرَا ِ جعَ ْ حتى نفهم المسألة نقرأ سياق آية البقرة لن السياق هو الذي يوضح (وَِإذْ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ َربّ ا ْ
ل هَـذَا جعَ ْباْعذَابِ النّارِ َو ِبئْسَ ا ْلمَصِي ُر ( ))126إذن آية البقرة في مكة (رَ ّ ِم ْنهُم بِاللّهِ وَا ْليَوْمِ الخِ ِر قَالَ َومَن كَفَ َر َفُأ َمتّعُ ُه قَلِيلً ثُمّ َأضْطَرّهُ إِلَى َ
ل هَـذَا ا ْلبََلدَ آ ِمنًا ( )35إبراهيم) هذا بعد البناء بعد أن صارت بلدا .فإذن آية جعَ ْ
باْ بََلدًا آ ِمنًا) وقبل أن توجد مكة ،ولما قال (وَِإ ْذ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ رَ ّ
البقرة في مكة وآية لقمان عامة (نمتعهم قليلً) كلما عاما وليس في بلد معين ول أناس معينين .أيها الكثر؟ الية في لقمان ،فجاء بضمير الكثرة
وتسمى الكثرة النسبية (نمتعهم قليلً) يعني يُعبّر عن الكثر بالضمير الذي يدل على الكثرة والجمع ويعبر عن القل بالمفرد .و (من) تحتمل ذلك
إذن فمن كفر فأمتعه قليلً وهؤلء أقل من الذين قال فيهم أمتعه قليلً هذا أقل من الذين نمتعهم فجاء بضمير الجمع .في القرآن يراعي هذا الشيء
ن ()43 صرُو َ
ت َتهْدِي ا ْل ُعمْيَ َولَ ْو كَانُو ْا لَ ُيبْ ِ ن (َ )42ومِنهُم مّن يَن ُ
ظرُ إَِل ْيكَ َأ َفأَن َ ل َيعْقِلُو َ
سمِعُ الصّمّ وَلَ ْو كَانُو ْا َ ت تُ ْ
س َت ِمعُونَ إَِل ْيكَ َأ َفأَن َ
( َو ِم ْنهُم مّن يَ ْ
يونس) الذين يستمعون أكثر من الذين ينظرون فقال يستمعون هذه تسمى مناسبة وهذا ما جعل المفعول في لقمان بالجمع وفي البقرة بالمفرد.
ُ
ه قَلِيلً) في آية البقرة ونمتعهم بالجمع في آية لقمان؟ من كَفََر فَأ َ
متِّعُ ُ *قال تعالى(وَ َ
هذا يدخل فيه أكثر من مسألة .مسألة التعظيم ذكرنا أنه لماذا قال (إن ال عليم بذات الصدور) وقلنا أن قبلها جاء بالجمع (إلينا مرجعهم) ثم هنا
طهّرَا بَ ْيتِيَ لِلطّائِفِينَ سمَاعِيلَ أَن َع ِه ْدنَا إِلَى ِإبْرَاهِيمَ وَإِ ْ
جاء بالمفرد وفي البقرة بالعكس ذكر الفراد أولً ثم الجمع .هذه فيها أكثر من مناسبة (وَ َ
عهِ ْدنَا إِلَى ِإبْرَاهِيمَ) .والمر وَا ْلعَاكِفِينَ وَال ّركّعِ السّجُو ِد ( )125البقرة) هذه جمع سيأتي بعدها مفرد ،بعد الجمع يأتي المفرد ،ضمير التعظيم (وَ َ
طهّرَا بَ ْيتِيَ) البيت نسبه تعالى إلى نفسه وصاحب البيت يتولى المر وربنا صاحب البيت يتولى هذا فقال ( َومَن كَفَ َر فَُأ َمّتعُ ُه قَلِيلً) الخر قال (أَن َ
وهو قال طهرا بيتي للطائفين هو صاحب البيت ويتولى من يسيء فهي أنسب من كل ناحية وقال بيتي فمناسبة أكثر للفراد.
*في لقمان قال (إلينا مرجعهم) ولم يقلها في البقرة؟
ن ال ّثمَرَاتِ) والرزق فيه تمتيع ق أَهْلَ ُه مِنَ الثّمَرَاتِ) إذن لما قال فأمتعه قليلً كان من دعاء إبراهيم لما قال (وَارْزُقْ أَ ْهلَهُ مِ َ إبراهيم سأل ربه (وَارْزُ ْ
ل هَـذَا بََلدًا آ ِمنًا وَارْزُقْ أَ ْهلَ ُه مِنَ ال ّثمَرَاتِ) الجواب
جعَ ْ
باْ إذن هذه المسألة ليست متعلقة بالتبليغ وإنما هو طلب الرزق (وَِإ ْذ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ رَ ّ
(فأمتعه قليلً) لنه طلب الرزق فالجواب يكون فأمتعه قليلً وهذه ليست في التبليغ أما آية لقمان ففي التبليغ (ومن كفر) والسياق مختلف تماما.
عمِلُوا) أما في آية البقرة ليست في التبليغ فقال (فأمتعه ج ُعهُ ْم َفنُ َنّبئُهُم ِبمَا َ
ك كُفْرُهُ ِإَليْنَا مَ ْر ِفإذن لما كانت الية في التبليغ قال ( َومَن كَفَ َر فَلَا يَحْزُن َ
صدُورِ) ولم يقلها في البقرة أيضا ،هؤلء في عمِلُوا إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم ِبذَاتِ ال ّ ج ُعهُ ْم َفُن َنبّ ُئهُم ِبمَا َحزُنكَ كُ ْفرُهُ إَِل ْينَا مَرْ ِ
قليلً) .في لقمان قال ( َومَن كَ َف َر فَلَا يَ ْ
آية لقمان الكفار موجودين أما هؤلء الذين قال فيهم الية في سورة البقرة لم يخلقوا بعد هذا باعتبار ما سيكون هم ليسوا مخلوقين أصلً قال
(اجعل هذا بلدا آمنا) فكيف يقول فل يحزنك كفره هم غير موجودين ويأتون بعده بقرون ،أما في آية لقمان فهو معاصر لهم يبلغهم.
من كَفََر م إِلَى عَذ َا ٍَ
ب غَلِي ٍَ
ظ ( ))24وفَي البقرة قال (وََ َ ضطَُّرهَُ ْم نَ ْم قَلِيًل ث َُ َّ متِّعُهَُ ْ *فَي لقمان قال (ن ُ َ
ْ َ َ َ فَأ ُمتِعه قَلِيل ً ث ُ َ َ
صيُر ())126؟ م ِ ار وَبِئ ْ َ
س ال َ ب الن ّ ِ ضطُّرهُ إِلى عَذ َا ِ مأ ْ ّ َ ُّ ُ
أيها الشد أن تقول إلى عذاب غليظ أو إلى عذاب النار وبئس المصير؟ عذاب النار .عندما يقول عذاب غليظ هل معناه أنك ستحرقه؟ كل لنك لم
تصرح أنه بالنار ،عندما تقول سأعذبه عذابا غليظا هل معناه أنك ستحرقه؟ لم تصرح أنه بالنار ،أما عذاب النار فيها حرق فأيها الشد؟ عذاب
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
النار .لم يذكر نار في لقمان وفي البقرة ذكر نارا وبئس المصير إذن هذا العذاب أشد ،ذكر النار وقال أنه بئس المصير .عذاب غليظ ل يشترط
أن يكون بالنار قد يكون بعضا غليظة .قال عذاب النار في أهل مكة وإبراهيم يطلب البلد المن والرزق ،السيئة في مكة تتضاعف أكثر بكثير من
مكان آخر وكذلك الحسنة تتضاعف في مكة والسيئة في مكة تتضاعف فمن أساء في مكة في بلد ال الحرام ليس كمن أساء في غيرها ،نفس
السيئة إذا فعلها شخص في مكة ليست عقوبتها كمن أساء في غير مكة السيئة فيها تتضاعف والحسنة فيها تتضاعف فإذن عندما تكون السيئة
تتضاعف فالعذاب يتضاعف ويشتد لذا قال عذاب النار وبئس المصير لن ذكر السيئة والكفر في مكة ليس كالكفر في غير مكة والمعصية في
مكة ليست كالمعصية في غير مكة الحسنة أكثر والسيئة أكثر ولذلك شدّد العذاب فقال عذاب النار وبئس المصير.
آية (:)25
ن ())25
ن اللّهُ ُق ِل الْحَ ْم ُد ِللّهِ َبلْ َأكْثَ ُر ُهمْ لَا َي ْعلَمُو َ
ض لَيَقُولُ ّ
ت وَا ْلأَرْ َ
خَلقَ السّمَاوَا ِ
س َألْ َتهُم مّنْ َ
( َولَئِن َ
*في هذه الية لم يقل الله تعالى ليقولن خلقهن الله مع أنه في سورة الزخرف قال تعالى (وَلَئِن
ن الْعَزِيُز الْعَلِي ُ
م ( ))9فما الفرق؟ خلَقَهُ َّ ض لَيَقُول ُ َّ
ن َ َ
ت وَاْلْر َ
ماوَا ِ خلَقَ ال َّ
س َ ن َ سأَلْتَهُم َّ
م ْ َ
كل اليات التي سألهم فيها نحو هذا السؤال من خلق السموات والرض أو من خلقهم يقولون ال من دون ذكر خلقهن ال أو خلقنا ال إل آية
سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضَ َل َيقُولُنّ خََل َقهُنّ ا ْلعَزِيزُ ا ْلعَلِيمُ) المعنى معلوم سواء ذكر فعل خلق أو لم يذكر .ول شك أنه سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ
الزخرف فقط ( َوَلئِن َ
(ليقولن ال) أوجز من حيث اليجاز الكلم أوجز و(ليقولن خلقهن العزيز العليم) هذا فيه توسع إذن هو المقام والبلغة مطابقة الكلم لمقتضى
سمَاوَاتِ الحال ففي مقام اليجاز يوجز وفي مقام التوسع يتوسع .في الزخرف أراد أن يتوسع في الكلم على الخلق (وََلئِنْ سََأ ْلتَهُ ْم مَنْ خََلقَ ال ّ
سمَا ِء مَاءً ِب َقدَرٍل مِنَ ال ّ ن ( )10وَاّلذِي نَزّ َ سبُلًا َلعَّلكُ ْم َت ْهتَدُو َ
جعَلَ َلكُ ْم فِيهَا ُ ض َمهْدًا َو َل َلكُمُ الَْأرْ َ ن خَلَ َقهُنّ ا ْلعَزِي ُز ا ْلعَلِيمُ ( )9اّلذِي َ
جعَ َ وَالَْأرْضَ َليَقُولُ ّ
جعَلَ َلكُ ْم مِنَ ا ْلفُ ْلكِ وَالَْأ ْنعَا ِم مَا تَ ْر َكبُونَ ( ))12فذكر ما يتعلق بالخلق لم يقل ج كُّلهَا وَ َ ن ( )11وَاّلذِي خََلقَ الَْأزْوَا َ ك تُخْ َرجُو َ َفَأنْشَ ْرنَا بِ ِه بَلْدَ ًة َم ْيتًا كَذَِل َ
فقط خلق السموات والرض ،في اليات الخرى التي لم يذكر خلقهن لم يذكر شيئا في الخلق ولم يتوسع وقد تكون آية وحيدة وليس بعدها شيء
ن ( )61العنكبوت) بعدها مباشرة شمْسَ وَالْ َقمَرَ َليَقُولُنّ اللّ ُه فََأنّى يُ ْؤ َفكُو َ سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضَ َوسَخّ َر ال ّ سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّيدل على الخلق مثلً (وََلئِن َ
سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّي ٍء عَلِي ٌم ( ))62ليس فيها خلق( ،وََلئِن َ عبَادِهِ َو َي ْقدِرُ لَهُ إِنّ اللّ َه ِبكُلّ شَ ْ
ن ِق ِلمَن يَشَاء مِ ْ ط الرّزْ َ (اللّ ُه َيبْسُ ُ
سمَاوَاتِ سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ حمِيدُ ( )26لقمان) (وََلئِن َ سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضِ إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ الْ َ ن ( )25لِلّ ِه مَا فِي ال ّ ح ْمدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْكثَرُهُمْ لَا يَعَْلمُو َ
اللّ ُه قُلِ الْ َ
ح َمتِهِ ُقلْ ت رَ ْسكَا ُ ن ُممْ ِ ل هُ ّحمَ ٍة هَ ْشفَاتُ ضُرّ ِه أَوْ أَرَا َدنِي بِرَ ْ ن كَا ِل هُ ّ ض ّر هَ ْن اللّ ُه قُلْ َأفَرََأ ْيتُم مّا َتدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ إِنْ أَرَا َدنِيَ اللّ ُه بِ ُ وَالَْأرْضَ َليَقُولُ ّ
ن ()88 ن هَؤُلَاء قَ ْومٌ لّا يُ ْؤ ِمنُو َ سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَ َقهُ ْم َليَقُولُنّ اللّ ُه َفَأنّى يُ ْؤ َفكُونَ (َ )87وقِيلِهِ يَارَبّ إِ ّ سبِيَ اللّ ُه عََليْ ِه َيتَ َوكّلُ ا ْل ُمتَ َوكّلُونَ ( )38الزمر) (وََلئِن َ حَ ْ
الزخرف) آية الزخرف هي الية الوحيدة من بين ما ورد التي توسع فيها بالسياق ذكر الخلق فناسب لهذا التوسع والتفصيل أن يقول (خلقهن
العزيز العليم) فالبلغة هي مطابقة الكلم لمقتضى الحال.
َ
ت ن بَعْدِ ال ْ َ
مو ْ ِ م ْ ن ِمبْعُوثُو َ م َ ت إِنَّك ُ ْن قُل ْ َبالنصب في آية سورة هود (وَلَئ ِ ْ َ
* لماذا جاء الفعل (ليقول ّن)
َ َ َ
ن ( ))7بينما جاءت بالضم في آية أخرى في سورة لقمان ٌ مبِي
ُ حٌر ن هَذ َا إ ِ ّل ِ
س ْ ن كَفَُروا إ ِ َْ ن ال ّذِي
لَيَقُول ّ
َ َ َ َ َ
ن(مو ََ م َل يَعْل َ ُ مد ُ لِل َّهِ ب َ ْ
ل أكْثَُرهَُ ْ ح ْل ال ْ َ
ه قُ ِ ض لَيَقُول َُ َّ
ن الل َّ ُ ت وَاْلْر ََ ماوَا ِ خل ََقَ ال ََّ
س َ ن َ م َْم َسألْتَهُ ْن ََ (وَلَئ َِ ْ
))25؟
في الية الولى في سورة هود الفعل يُبنى على الفتح لن نون التوكيد باشرت الفعل المضارع لنه مُسند إلى اسم ظاهر (الذين كفروا) والفعل
يُفرد مع الفاعل وهذه قاعدة إذا كان الفاعل ظاهرا فنأتي بالفعل في حالة الفراد ويُبنى على الفتح لن نون التوكيد باشرته كما في قوله تعالى
(وإذا جاءك الذين كفروا) ول نقول جاءوك الذين كفروا.
أما في الية الثانية فالفعل مُسند إلى واو الجماعة ولم تباشره نون التوكيد وأصل الفعل إذا حذفنا نون التوكيد (يقولون) ومثلها اليات 61و 63
ب قُلْن ِإّنمَا ُكنّا نَخُوضُ َونَ ْلعَ ُ في سورة العنكبوت والية 9و 87في الزخرف والية 38في الزمر والية 65من سورة التوبة (وََلئِنْ سَأَ ْل َتهُ ْم َل َيقُولُ ّ
حبِسُهُ أَلَا يَوْ َم يَ ْأتِيهِمْ
ن مَا يَ ْ ن ( ))65والية 8من سورة هود (وََلئِنْ َأخّ ْرنَا َ
ع ْنهُمُ ا ْل َعذَابَ إِلَى ُأمّ ٍة َمعْدُودَةٍ َل َيقُولُ ّ س َتهْ ِزئُو َ
َأبِاللّهِ وََآيَاتِهِ وَ َرسُولِ ِه ُك ْنتُمْ تَ ْ
س َتهْ ِزئُونَ (.))8
ق ِبهِ ْم مَا كَانُوا بِ ِه يَ ْع ْنهُمْ َوحَا َ س َمصْرُوفًا َ َليْ َ
ولهذا فل بد أن يكون الفعل في الية الولى مبني على الفتح لنه مُسند إلى اسم ظاهر (ليقولّن) والثاني مُسند إلى واو الجماعة (ليقولُنّ) مرفوع
بالنون المحذوفة لتوالي المثال والواو المحذوفة للتقاء الساكنين .أصل الفعل يقولون مرفوع بثبات النون وعندما جاءت نون التوكيد الثقيلة يصبح
عندنا 3نونات ويصبح هذا كثيرا فيحذفون نون الرفع وتبقى نون التوكيد واللم لم الفعل.
وفي الية الولى اللم في (ليقولنّ) واقعة في جواب القسم( .لئن) اللم موطّئة للقسم و(إن) الشرطية و(لئن) قسم .واللم في الثبات ل بد أن تأتي
في الجواب (حتى يكون الفعل مثبتا) .فإذا قلنا لئن سألتهم من خلق السموات والرض يقولون يُصبح الفعل منفيّا .في جواب القسم إذا أجبنا القسم
بفعل مضارع إذا كان الفعل مثبتا فل بد من أن نأتي باللم سواء معه نون أو لم يكن معه نون كأن نقول "وال لذهب الن ،أو وال لذهبنّ" فلو
حتّى َتكُونَ حُذفت اللم فتعني النفي قطعا فّإذا قلنا وال أذهب معناها ل أذهب كما في قوله تعالى في سورة يوسف (قَالُوا تَاللّ ِه تَ ْف َتأُ َت ْذكُ ُر يُوسُفَ َ
حَرَضًا أَ ْو َتكُونَ مِنَ ا ْلهَاِلكِينَ ( ))85بمعنى ل تفتأ .فمتى أجبت القسم بالفعل المضارع ولم تأت باللم فهو نفي قطعا كما في هذه البيات:
مناقب تُفسد الرجل الكريما رأيت الخمر صالحة وفيها
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
َ َ َ
ميد ُ ( ))64فمَا ي ال ْ َ
ح ِ ه لَهُوَ الْغَن َِ ُّ
ن الل َّ َ
ميدُ) وقال فَي الحَج (وَإ َِ َّ ي ال ْ َ
ح ِ ه هُوَ الْغَن َِ ُّ
ن الل َّ َ
*قال تعالى هنَا (إ َِ ّ
الفرق بين اليتين؟
ح ْمدُ لِلّهِ) معناه أنه حميد ،الذي له الحمد هو لما ذكر أن له ما في السموات والرض معناه أنه غني هذا ابتداءً .وفي الية السابقة لما قال (قُلِ الْ َ
ش ُكرُ ِلنَفْسِهِ َومَن كَفَ َر َفإِنّ اللّهَ شكُ ْر َفِإّنمَا يَ ْالحميد فهو الغني الحميد أي الغني المحمود في غناه وعلى وجه الطلق .ذكرنا سابقا في قوله ( َومَن يَ ْ
حمِيدٌ) لم يقل إن ال هو الغني ي َ غنِ ّ
شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ حمِيدٌ ( ))12وتعرضنا لهذه الية سابقا ،هنالك في الية ( َومَن يَ ْ
شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ ي َغنِ ّ
َ
الحميد من دون تعريف ومن دون ضمير فصل وهنا قال (إن ال هو الغني الحميد) بالتعريف (الغني الحميد) وضمير الفصل (هو) .في آية الحج
التي ذكرناها (وإن ال لهو الغني الحميد) زيادة على هذه الية باللم (لهو) .إذن صار عندنا ثلث آيات :إن ال غني حميد ،إن ال هو الغني
ش ُكرُ
شكُ ْر َفِإّنمَا يَ ْ الحميد ،إن ال لهو الغني الحميد .في الية الولى الغني في عُرف الناس هو الذي يملك .في الية الولى عندما قال ( َومَن يَ ْ
حمِيدٌ) وضربنا مثلً قول غنِيّ َ ش ُكرُ ِلنَفْسِهِ َومَن كَفَ َر َفإِنّ اللّ َه َ شكُ ْر َفِإّنمَا يَ ْ حمِيدٌ) لم يذكر له ملك وإنما قال ( َومَن يَ ْ غنِيّ َ
ن اللّ َه َ
ِل َنفْسِهِ َومَن كَفَ َر فَإِ ّ
أحدهم أعطني حتى أكتب عنك وأذكرك في الصحف أو أثني عليك في قصيدة فيقول أنا غني عن مدحك ،إذن إن يشكر أو يكفر فإن ال غني عن
ذلك وذكرنا سليمان عندما أرسل إلى الخليل ابن أحمد بغال محمّلة وجاء إلى الخليل بن أحمد وهو في البصرة يأكل الخبز اليابس وقال له يقول
المير تحوّل إلينا نكرمك وأتى له ببغال محمّلة قال الخليل:
وفي غنى غير أني لست ذا مال جدَة
أبلِغ سليمان أني عنه في ِ
غني عن هذا يكتفي بما هو عنده وغني عما يدفعه سليمان أو غيره من نعمة العيش ويكفيه رغيف خبز يابس وقال هذا عندي ما يكفيني .غني
يستغني عما في أيدي الناس يرى في نفسه أنه مكتف عن غيره ،هذه مرحلة أولى لذلك في الية الولى التي لم يذكر له ملك .في هذه الية ذكر
حمِيدُ) أيها الغنى أن تقول فلن غني أو فلن هو الغني؟ فلن هو الغني .لما ذكر له ي الْ َ
سمَاوَاتِ وَالَْأرْضِ إِنّ اللّ َه هُ َو ا ْلغَنِ ّ
ملك قال (لِلّ ِه مَا فِي ال ّ
حمِيدُ) فلما زاد الملك زاد في الغنى تخصيصا ومعرّفا ما في السموات والرض ليس مثل تلك التي لم يذكر له ملك ،هنا قال (إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ ا ْل َ
حمِيدُ) أي ل غني غير ال وحصرا لم يبق شيء لغيره الخرون ما يسمون أغنياء هم يملكون أشياء مالكها ال تعالى إذن (إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ ا ْل َ
حمِيدُ ( سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْضِ وَإِنّ اللّ َه َلهُوَ ا ْل َغنِيّ الْ َ سبحانه وتعالى .نأتي إلى آية الحج (وإن ال لهو الغني الحميد) قال في الحج (لَ ُه مَا فِي ال ّ
)64الحج) أولً كرر (ما) والتكرار يفيد التوكيد والسعة ولم يكتف بهذا وإنما قال وإنما جاء بالواو (وإن ال لهو الغني الحميد) .آية لقمان التي
نحن بصددها جعل ما في السموات والرض دليلً على غناه ،استدل على غناه بأن له ما في السموات والرض وفي آية الحج جعلها من غناه
وليست الدليل على غناه ،جعلها من جملة ما يملك وليست السموات والرض دليل على غناه وإنما هو غني بأشياء أخرى .تقول فلن يملك مائة
دار وألف بستان إنه غني وفلن يملك مائة دار وألف بستان وإنه غني يعني لو زالت هذه هو يبقى غنيا وهذه من جملة ما يملك ،إذن الدور
والبساتين هي من جملة ما يملك لو ذهبت هو يبقى غنيا وليست هي كل غناه أما تلك لما قلنا إنه غني جعلته بما ذكرت له مما يملك .في سورة
لقمان جعل غنى ال مرتبطا بملك السموات والرض وفي آية الحج جعلها من جملة ما يملك ،هذه الواو استئناف وليست عاطفة( ،وإنه غني)
يعني حتى لو ذهبت ل يؤثر على غناه .أيها الولى بالتوكيد؟ الية في سورة الحج لذا ل يمكن أن نضع تعبيرا مكان تعبير بلغيا بيانيا لن
الموازين في التعبير دقيقة جدا (إن ال غني حميد) (إن ال هو الغني الحميد) (وإن ال لهو الغني الحميد) المشركون لم يكونوا يتكلمون بهذه
البلغة وهي متفاوتة عندهم لكنهم كانوا يفهمون هذا الكلم ويستشعرون الفروق الموجودة واللمسات أكثر مما يستشعر كل كلمة عاشقة مكانها،
في أماكن متباعدة كأنها لمحة واحدة بينما كل كلمة نزلت في آية نزلت في زمن متباعد بينما هي كلها وضعت في وقت واحد ،ل يمكن أن
نتصدى لية مبتورة عن السياق ل بد أن نضعها في السياق.
*مرة يقول (لله ملك السموات والرض) ومرة يقول (لله ما في السموات والرض) فما الفرق؟
ص َر ( )51الزخرف) يعني الحكم وليس ل يَا قَ ْومِ أََليْسَ لِي مُ ْلكُ مِ ْ
ن فِي قَ ْومِ ِه قَا َ
هناك فرق بين مُلك ومِلك ،المُلك الحُكم فرعون قال ( َونَادَى ِفرْعَوْ ُ
مملوكة له .والمِلك من التملّك فصاحب المُلك مَلِك وصاحب المِلك مالك في الفاتحة نقول ملك يوم الدين ومالك يوم الدين لنه تعالى الملك
والمالك .لما يقول (ملك السموات والرض) يعني هو الحاكم ولما يقول (له ما في السموات والرض) هذا التملك مملوكة له .فإذن في مجموعة
ل الّلهُمّ
هذه اليات أنه هو المالك وهو الملك ،كل آية ل تدل على الخرى (له ما في السموات) من التملك فهو ملكهما ومالكهما كما قال تعالى (قُ ِ
مَاِلكَ ا ْلمُ ْلكِ ( )26آل عمران) المُلك هو مِلكه (تُؤْتِي ا ْلمُ ْلكَ مَن تَشَاء َوتَن ِزعُ ا ْلمُ ْلكَ ِممّن تَشَاء) بيده التصرف فهي ملكه .في الفاتحة هنالك قراءتان
متواتران ملك يوم الدين ومالك يوم الدين ،الية نزلت مرتين مرة ملك يوم الدين ومرة مالك يوم الدين وهي قراءات نزل بها جبريل وأقرها
رسول ال بأمر من ربه .هناك عشر قراءات متواترة عن الرسول أقرها الرسول بأمر من ربه.
آية (:)27
حكِي ٌم ())27
عزِيزٌ َ
ن اللّهَ َ
ت اللّهِ إِ ّ
ت َكلِمَا ُ
س ْبعَةُ َأبْحُرٍ مّا نَ ِفدَ ْ
( َو َلوْ َأنّمَا فِي ا ْلأَرْضِ مِن شَجَ َرةٍ َأ ْقلَا ٌم وَالْبَحْ ُر يَ ُم ّدهُ مِن َب ْع ِدهِ َ
فكرة عامة عن الية :لما ذكر قبل هذه الية أن له ما في السموات والرض لربما يظن ظان أن هذا جميع ملكه ،لكن جاءت بعدها (وَلَ ْو َأنّمَا فِي
ت كَِلمَاتُ اللّهِ) كلماته ما يريد أن يعمل ويخلق وكل شيء إذن ل حدود لملكه س ْبعَةُ َأبْحُ ٍر مّا نَ ِفدَ ْ
شجَرَةٍ َأ ْقلَا ٌم وَا ْلبَحْ ُر َي ُمدّهُ مِن َبعْدِهِ َ
ض مِن َ الْأَ ْر ِ
وخزائنه لعله يفهم أن ما سبق هو كل ما يملك فذكر لنا أن هذا ليس شيئا إذا ربنا شاء أن يفعل فهذا شيء من كلماته سبحانه وتعالى .الية (وَلَوْ
ض مِن شَجَ َرةٍ َأقْلَامٌ) معناها لو تتبعنا شجر الرض شجرة شجرة ولذلك حتى الزمخشري قال لماذا لم يقل من شجر؟ لو تتبعناها َأّنمَا فِي الَْأرْ ِ
شجرة شجرة وجعلنا من أغصانها كل واحدة أقلم والشجرة فيها عدد ل يحصى من القلم وكل ما في الرض ل نترك شجرة نصنع منها
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
أقلما ،جميع أشجار الرض تتبع وإحصاء وإنما شدرة شجرة بحيث ل تترك شجرة في الرض ويضنع منها أقلم والبحر يمده من بعده سبعة
ج ْئنَا ِبمِثْلِ ِه َمدَدًا ( )109الكهف) يكتب به كلمات ،الشياء
حرُ َقبْلَ أَن تَن َفدَ كَِلمَاتُ َربّي َولَوْ ِ
أبحر بمداد (قُل لّ ْو كَانَ ا ْلبَحْ ُر ِمدَادًا ّلكَِلمَاتِ َربّي َلنَ ِفدَ ا ْلبَ ْ
التي عنده تعالى في خزائنه ،القلم تفنى والبحر ينفد ويجف ول تنفذ كلمات الرحمن .اختار كلمات مع أنها جمع قلة واستخدم القرآن كلِم بالجمع
ضعِ ِه ( )46النساء) أن كلماته ل تفي بها البحار فكيف بالكلِم؟! ما قل من كلمة ل تفي بها هذه البحار ح ّرفُونَ ا ْلكَلِ َم عَن مّوَا ِ ن هَادُو ْا يُ َ
(مّنَ اّلذِي َ
والقلم فكيف بالكلِم؟! حتى نعلم أن ما ذكر قبلها من الية هي شيء من كلماته سبحانه ،ما في السموات والرض مجرد شيء.
َ َ
م) وفي نفس السورة قال (العزيز الحكيم) بتعريف العزيز الحكيم فما الفرق
حكِي ٌ ن الل ّ َ
ه عَزِيٌز َ *(إ ِ ّ
بين اليتين؟
هو سبحانه عزيز بقدرته التي ل تحد وعلمه الذي ل ينتهي وبخزائنه التي ل تنفد وحكيم ل يصدر فعله إل عن حكمة .لو قرأنا الية (وَلَ ْو َأنّمَا فِي
حكِيمٌ) والية السابقة قال تعالى (وهو العزيز الحكيم) عزِيزٌ َ
ت كَِلمَاتُ اللّهِ إِنّ اللّهَ َ
س ْبعَةُ َأبْحُ ٍر مّا نَ ِفدَ ْ
شجَرَةٍ َأ ْقلَا ٌم وَا ْلبَحْ ُر َي ُمدّهُ مِن َبعْدِهِ َ ض مِن َ الْأَ ْر ِ
حكِي ُم ())9 عدَ اللّ ِه حَقّا وَهُوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َت النّعِي ِم ( )8خَاِلدِينَ فِيهَا وَ ْ
جنّا ُ
عمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُ ْم َ من دون تأكيد .هذه الية في الخرة (إِنّ اّلذِينَ آ َمنُوا وَ َ
في الخرة معلوم واضح أنه ل يبقى عزيز إل هو ول حاكم إل هو حصرا أما في الدنيا نرى أشخاصا أعزة وحكام وملوك يتداولون هذا في الدنيا
أما في الخرة فهو العزيز الوحد وهو الحكيم الوحد وهذا معلوم للجميع هذا يوم ل ينطقون يوم يقوم الروح والملئكة صفا ل يتكلمون ،هناك
يظهر للجميع وهو معلوم أنه العزيز الوحد ل عزيز سواه ول حكيم سواه لذلك عرّف (هو العزيز الحكيم) حصرا ل عزيز سواه حصرا
فالتعريف هنا يفيد الحصر .لما نقول هو عزيز يحتمل أن يكون هنالك عزيز آخر أما لما نقول هو العزيز أي ل عزيز غيره وفي الخرة قال
حكِيمُ) ولم يؤكد لن التوكيد يكون عند المخاطب عنده شك أو ظنّ فيحتاج للتوكيد لكن هذا أمر ظاهر للجميع في الخرة المر (وَهُ َو ا ْلعَزِيزُ الْ َ
حكِيمُ) حصرا بينما في الدنيا هناك من يخالف هناك من يشك هناك من يظن هناك من يقول ل هناك من ينكر ظاهر ل يحتاج فقال (وَهُوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ
حكِيمٌ) وهنالك أعزة وهناك حكماء وهناك حكام وهنالك ملوك أما في الخرة فالجميع يرون أنه ليس هنالك عزيز أصلً ل أحد قال (إِنّ اللّ َه عَزِيزٌ َ
حكِيمُ) حصرا وقصرا بما يتمكن أن يتكلم أو ينطق إل إذا أراد ال فهو الحاكم والحكيم حصرا ل أحد يحكم سواه ،في الخرة قال (وَهُ َو ا ْلعَزِيزُ الْ َ
ل شك فيه .إذن ربنا تعالى يؤكد ما له إذا اقتضى المقام التأكيد ول يؤكد إذا لم يقتض لتأكيد وهذا من البلغة .لغويا يجوز لكن بلغيا فيها كلم.
يجب أن نضع الية في مسرحها هذه الية في الدنيا أو في الخرة ول نقول أن عزيز في اللغة تعني كذا وحكيم تعني كذا لن هذا أمر معجمي
نأخذ المعاني من المعجم لنفهمها أما أمر بياني فيوضع في النص أنت تأخذ المعاني من المعجم لتفهمها أما في التركيب فشيء آخر .على سبيل
المثال فسق خرج عن الطاعة ،عندنا في القرآن المصدر ِفسْق وفسوق في اللغة تعني الخروج عن الطاعة لكن القرآن يستعمل الفسق في سياق
ن ( )11الحجرات) ق َبعْدَ الْإِيمَا ِ
س الِسْمُ ا ْلفُسُو ُ ق ( )121النعام) أما الفسوق فعام ( ِبئْ َ الطعمة مطلقا ( َولَ َت ْأكُلُو ْا ِممّا لَ ْم ُي ْذكَرِ اسْ ُم اللّ ِه عََليْهِ َوِإنّهُ َلفِسْ ٌ
الفسوق عامة والفسق فقط في الطعمة وهذا من خصوصية الستعمال في القرآن .أيها الكثر في الحروف الفسق أو الفسوق؟ الفسوق فجعلها
عامة في كل عموم الفسق ،هناك مواءمة بين أحرف الكلمات والدللة.
آية (:)28
ن اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ())28
ح َدةٍ إِ ّ
س وَا ِ
خلْ ُق ُكمْ َولَا َبعْ ُث ُكمْ ِإلّا َكنَفْ ٍ
(مّا َ
َ ُ َُ َّ
صيٌر ( )28لقمان) مَا اللمسَة البيانيَة فَي
ميعٌ ب ََ ِ
سَ ِ
ه َن الل َّ َ
حدَةٍ إ َِ َّ
س وَا ِ م وََل بَعْثك ْ
م إ ِل كَنَفَْ ٍ خلْقُك َُ ْ *( ََّ
ما َ
الية وما هو ارتباط هذه الية بما قبلها وما بعدها؟
ت كَِلمَاتُ اللّهِ إِنّ س ْبعَةُ َأبْحُ ٍر مّا نَ ِفدَ ْ
شجَرَةٍ َأقْلَامٌ وَا ْلبَحْ ُر َي ُمدّهُ مِن َبعْدِهِ َهذه الية أولً من الناحية البيانية ارتبطت بما قبلها (وَلَوْ َأّنمَا فِي ا ْلأَ ْرضِ مِن َ
سمِي ٌع بَصِي ٌر ( )28لقمان) خلق الناس من كلمات ال وبعثة من كلمات ال، حدَةٍ إِنّ اللّهَ َ خلْ ُقكُمْ َولَا َب ْعثُكُمْ إِلّا َكنَفْسٍ وَا ِ حكِي ٌم (( ))27مّا َ اللّ َه عَزِيزٌ َ
حكِيمٌ) ما قبلها عزِيزٌ َ سمِيعٌ بَصِيرٌ) وقبلها قال (إِنّ اللّ َه َ خلقكم كنفس واحدة من كلمات ال وبعثهم كنفس واحدة من كلمات ال .ختم الية (إِنّ اللّ َه َ
قال (عزيز حكيم) .لحظ كيف ارتبطت هذه الية بخاتمة الية السابقة من الناحية البيانية الخالق عزيز حكيم ،الخالق له العزة والمخلوقات كلها
من صنعه وهي له طائعة إذن هذا مرتبط باسمه (عزيز) .الخالق حكيم ،حكيم في خلقه وصنعه وخلقهم لحكمة أرادها ( َومَا خَلَ ْقتُ الْجِنّ وَالْإِنسَ ِإلّا
ن ( )56الذاريات) إذن هو حكيم في الصنع وحكيم في الغرض ،إذن (مّا خَ ْل ُقكُمْ) ارتبط بقوله العزيز من حيث الحكمة والعزة .الذي يبعث ِل َي ْعبُدُو ِ
عبَا ِدكَن ِ ح ُكمُ َبيْ َ
ت تَ ْ
الخلق (وَلَا َبعْ ُثكُمْ) عزيز حكيم ،عزيز لنه يجازي ويعذّب ول رادّ لمره ،حكيم بمعنى الحكم هو الحاكم ،هكذا هو الحاكم (أَن َ
جعُونَ ( )115المؤمنون) إذن هو حكيم بمعنى الحكم وبمعنى الحكمة .إذن ع َبثًا وََأّنكُمْ إَِل ْينَا لَا تُ ْر َ
س ْبتُمْ َأّنمَا خََل ْقنَاكُ ْم َ
حِ ( )46الزمر) وهو الحكمة (َأفَ َ
ارتبطت هذه بالية وأيضا بخاتمة الية (مّا خَ ْل ُقكُمْ وَلَا بَ ْعُثكُمْ) لن الخالق والباعث عزيز حكيم من الحكم ومن الحكمة .وارتبطت هذه الية بما
سمّى ( ))29هذ الجل مسمى هو البعث الذي يبعث ال فيه الخلئق الذي ذكره (مّا خَ ْل ُقكُمْ وَلَا جلٍ مّ َ جرِي إِلَى أَ َ ل يَ ْ س وَالْ َقمَ َر كُ ّ
شمْ َ
بعدها (وَسَخّرَ ال ّ
سمِي ٌع بَصِي ٌر ( )28لقمان) وهم يجرون كجري الشمس والقمر إلى منتهاه. حدَةٍ إِنّ اللّهَ َ س وَا َِب ْعُثكُمْ إِلّا َكنَفْ ٍ
خلْقُ اللّ ِه َفأَرُونِي مَاذَا خََلقَ اّلذِينَ مِن عمَ ٍد تَرَ ْو َنهَا (( ))10هَذَا َ ت ِب َغيْ ِر َسمَاوَا ِخلَقَ ال ّ وارتبطت بجو السورة التي شاع فيها ذكر الخلق والبعث قال ( َ
ت وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ اللّ ُه ( .))25والبعث شائع من أولها إلى آخرها أول السورة قال (وَهُم بِالْآخِرَ ِة ُهمْ سمَاوَا ِ خلَقَ ال ّ سأَ ْل َتهُم مّنْ َدُونِهِ (( ))11وََلئِن َ
ق فَلَا
شيْئًا إِنّ وَعْدَ اللّ ِه حَ ّ خشَوْا يَ ْومًا لّا َيجْزِي وَاِلدٌ عَن وََلدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُ َو جَازٍ عَن وَاِلدِهِ َ س اتّقُوا َرّبكُمْ وَا ْ ن ( ))4وفي آخرها (يَا َأّيهَا النّا ُ يُو ِقنُو َ
سمِيعٌ بَصِي ٌر ( ))28الخلق أل حدَةٍ إِنّ اللّهَ َ حيَا ُة ال ّدنْيَا َولَا َيغُ ّرّنكُم بِاللّهِ ا ْلغَرُو ُر ( ))23ارتبط بالبعث .قال (مّا خَ ْل ُقكُمْ وَلَا بَ ْعُثكُمْ إِلّا َكنَ ْفسٍ وَا ِ َتغُ ّرّنكُمُ الْ َ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
يكون سميعا بصيرا؟ ل بد أن يكون ،والذي يبعث ل بد أن يكون سميعا بصيرا وإل كيف يحاسبهم على أقوالهم وعلى أفعالهم ويسمع أقوالهم؟
بصير بأعماهم والعمال قسم ظاهرة وقسم مضمرة ،بصير بأعمالهم الظاهرة والمضمرة لن البصير قد يكون من البصيرة .فإذن هي مرتبطة
سمِيعٌ بَصِيرٌ) ولم يقل (إن ال هو السميع بالية التي قبلها والية التي بعدها والجو العام للسورة وبخاتمة السورة .ثم نلحظ أنه قال (إِنّ اللّ َه َ
ض ( ))20هذا بصر( ،أَلَ ْم تَرَ سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْ ِ سخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ البصير) لنه أثبت السمع والبصر بخلقه في السورة فقال (أَلَ ْم تَرَوْا أَنّ اللّهَ َ
ن آيَاتِ ِه ( ))31هذا جرِي فِي ا ْلبَحْ ِر ِب ِنعْمَتِ اللّهِ ِليُ ِر َيكُم مّ ْ ل ( ))29هذا بصر( ،أََل ْم تَرَ أَنّ الْ ُف ْلكَ تَ ْ ل فِي ال ّنهَارِ َويُولِجُ ال ّنهَا َر فِي الّليْ ِ ن اللّ َه يُولِجُ الّليْ َ
أَ ّ
جدْنَا عََليْهِ س َم ْعهَا ( ))7هذا سمع( ،وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا أَنزَلَ اللّ ُه قَالُوا بَ ْ
ل َنتّبِ ُع مَا َو َ س َتكْبِرًا كَأَن لّ ْم يَ ْ
بصر ،السمع (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْ ِه آيَا ُتنَا وَلّى مُ ْ
ت وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ اللّ ُه ( ))25إذن أثبت لهم السمع والبصر. سمَاوَا ِ
خلَقَ ال ّ آبَاءنَا (( ))21وََلئِن َ
سأَ ْل َتهُم مّنْ َ
*حينما نتأمل في هذه الية المتبادر إلى الذهن للوهلة الولى أنها تعبر عن القدرة اللهة في الخلق
والبعَث والقريَب للعقَل أن تختتَم اليَة إن الله على كَل شيَء قديَر ولكَن اليَة ختمَت (سَميع
بصير) فكيف نفهم الخاتمة في سياقيات الية؟
الية قد تحتمل أكثر من خاتمة فيمكن أن تجعل "إن ال على كل شيء قدير" وهذه يمكن أن تصلح لخاتمة أكثر من آية في السورة مثلً يمكن أن
سخّرَ عمَ ٍد تَرَ ْو َنهَا وَأَ ْلقَى فِي الْأَ ْرضِ رَوَاسِيَ أَن َتمِيدَ ِبكُمْ) (أَلَ ْم تَ َروْا أَنّ اللّهَ َ ت ِب َغيْ ِر َ
سمَاوَا ِ خلَقَ ال ّ نختم اليات التالية بـإن ال على كل شيء قدير ( َ
جرَةٍ َأقْلَامٌ) تحتمل أن تكون هذه خاتمتها وكذلك في السور الخرى قد تحتمل ض مِن شَ َ سمَاوَاتِ َومَا فِي ا ْلأَرْضِ) (وَلَوْ َأّنمَا فِي الَْأرْ ِ َلكُم مّا فِي ال ّ
السورة أكثر من خاتمة لكن اختيار الخاتمة ينبغي أن يكون مناسبا للسياق الذي وردت فيه الية والغرض الذي ذكرت من أجله الية .هذه ليست
كقتطعة وإنما الية موضوعة في سياقها فلماذا ُذكِرت الية؟ مثلً في عموم اليات أيّ آية ننظر هل هي واردة في سياق بيان القدرة اللهية؟ أو
بيان الحكمة؟ في عموم ما يرد في اليات ننظر أي آية لي غرض وردت؟ هل السياق لبيان القدرة أو بيان الحكمة أو بيان التفضل والنعمة،
عموم اليات ،الية عندما ننظر فيها لي غرض وردت وفي أي سياق؟ بيان الغنى؟ بيان صفة اللهية؟ بيان موقف النسان منها؟ مثلً إنزال
الماء من السماء وإخراج الزرع والفاكهة والحبوب هذا يمكن أن يساق في بيان قدرة ال ويمكن أن يساق في بيان نعمة ال على النسان
والحيوان ،زرع وحبوب وفاكهة هذا أمر آخر ويمكن أن يساق في أمر آخر للستدلل على البعث والنشور ويمكن أن يساق في بيان جحود
النسان لنعمة ربه وهذا كله ممكن في مسألة واحدة وهي إنزال الماء من السماء وإخراج النبات وكلها تحتمل ،كيف تأتي الخاتمة؟ الخاتمة تختلف
سيّئَا ِتنَا َوتَ َو ّفنَا مَ َع البْرَا ِر ( )193آل عمران) قال (وتوفنا مع عنّا َ بحسب السياق والغرض .مثال :قال تعالى ( َرّبنَا فَاغْفِرْ َلنَا ُذنُو َبنَا َوكَفّ ْر َ
ن ( )147آل عمران) هنا علَى ا ْلقَوْ ِم ا ْلكَافِرِي َ
غفِرْ َلنَا ُذنُو َبنَا وَإِسْرَا َفنَا فِي َأمْ ِرنَا َو َثبّتْ َأ ْقدَا َمنَا وانصُ ْرنَا َ
ن قَوَْل ُهمْ ِإلّ أَن قَالُواْ ر ّبنَا ا ْ البرار)َ ( ،ومَا كَا َ
غفِرْ َلنَا
ن قَوَْلهُمْ ِإلّ أَن قَالُواْ ر ّبنَا ا ْ ختم الية بـ(انصرنا على القوم الكافرين) ،لو أخذناها مقتطعة لسألنا لماذا اختلف الخاتمة؟ لكن الية ( َومَا كَا َ
ن َكثِي ٌر َفمَا
ل َمعَهُ ِرّبيّو َ ُذنُوبَنَا َوإِسْرَا َفنَا فِي َأمْ ِرنَا َو َثبّتْ َأ ْقدَا َمنَا وانصُ ْرنَا عَلَى ا ْلقَوْمِ ا ْلكَافِرِينَ ( )147آل عمران) قبلها مباشرة ( َوكََأيّن مّن ّنبِيّ قَاتَ َ
ن ( ))146هل يمكن في القتال أن تقول توفّنا؟ تقول في القتال س َتكَانُواْ وَاللّهُ ُيحِبّ الصّابِرِي َ ضعُفُواْ َومَا ا ْ سبِيلِ اللّهِ َومَا َ وَ َهنُواْ ِلمَا أَصَا َبهُمْ فِي َ
انصرنا ،لذا ل يجوز أن نقتطعها ونضع لها خاتمة .ول يمكن أن تضع خاتمة تلك الية في هذه الية لن كل منها في سيقا واحدة في سياق حرب
وقتال وطلب الثبات .والقدامى يضربون لنا مثالً (ون تعدوا نعمت ال ل تحصوها) وردت مرتين كل مرة بخاتمة ،الية الواردة في سورة النحل
(وَإِن َت ُعدّواْ ِن ْعمَةَ اللّ ِه لَ ُتحْصُوهَا إِنّ اللّهَ َلغَفُورٌ رّحِي ٌم ( ))18هي في بيان صفات ال فختمها بقوله (إن ال لغفور رحيم) أما الثانية ففي بيان
ن الِنسَانَ لَظَلُو ٌم كَفّا ٌر ()34 ل تُحْصُوهَا إِ ّ صفات النسان وجحوده ،فلما كانت في بيان صفات النسان وجحوده ختمها (وَإِن َتعُدّو ْا ِن ْعمَتَ اللّ ِه َ
إبراهيم) النعم ل تحصى لكن النسان ظلوم كفار مع أن ِنعَم ال إن النسان متتالية عليه ومتتابعة لكنه ظلوم كفار ،السياق هكذا واحدة في صفات
ال وواحدة في صفات النسان فل يصح أن تؤخذ الية مقتطعة من سياقها .حتى في حياتنا اليومية نذكر أمرا لكن الغرض من ذكره يختلف ،مثلً
تذكر حادثة غريبة تدل على كسل شخص لكنك تذكر الحادثة لبيان صفة الشخص أو للتندر منها أو لبيان أن هذا الشخص ل يصلح في المكان
عهِد به إليه أو سيفرّط في المسألة ،هي مسألة واحدة لكن ما الغرض من الذي ذكرته؟ التعقيب يكون بحسب الغرض من الذكر في حادثة الذي ُ
واحدة يمكن أن نذكرها في أماكن متعدة وفي جلسات متعددة وهكذا ينبغي أن يكون النظر في خواتيم اليات عموما ل نقتطعها وإنما نضعها في
سياقها وننظر الغرض في هذه الية.
سمِيعٌ بَصِيرٌ) كيف اتفقت خاتمة الية بسياقها؟ ابتدأت بالخلق والبعث وختمت بالسمع حدَةٍ إِنّ اللّهَ َ ننظر في الية (مّا خَ ْل ُقكُمْ وَلَا َبعْ ُثكُمْ إِلّا كَنَ ْفسٍ وَا ِ
والبصر ،الخالق أل بد أن يكون سميعا بصيرا؟ ل بد أن يكون سميعا بصيرا ،الذي يبعث الخلق من مدافنها ل بد أن يكون سميعا بصيرا ،الخالق
ل ل بد أن يكون سميعا لقوالهم بصيرا بأعمالهم ،الذي يبعثهم ليحاسبهم على أعمالهم ل بد أن الذي يخلق عباده ليعبدوه وليبلوهم أيهم أحسن عم ً
يكون سميعا لما قالوه في الدنيا وما يحتجون به في الخرة ،وبصير بأعمالهم في الدنيا وبما كانوا يعملون وبما أعد لهم ل بد أن يكون بصيرا بهذا
سمِي ٌع بَصِيرٌ) استوفى الشيء وأنه ل يبقى منهم أحد ل يحاسب .أعمال النسان منها ما يُسمَع ومنها ما يُبصَر ومنها ما يُضمَر ولما قال (إِنّ اللّهَ َ
ن عَلَى نَفْسِ ِه بَصِيرَ ٌة ()14 ما يُسمع وما يُبصر وما يُضمر ،السميع يسمع والبصير يحتمل رؤية العين ويحتمل أن يكون من البصيرة (بَلِ ا ْلإِنسَا ُ
القيامة) (وَُأفَوّضُ َأمْرِي إِلَى اللّهِ إِنّ اللّ َه بَصِي ٌر بِا ْل ِعبَا ِد ( )44غافر) البصير تحتمل من البصر ومن البصيرة إذن سميع يشمل ما يُسمع وبصير
صدُو ِر ( ))23فإذن ذكر ما يُضمر تنصيصا إذن هذه الية شملت ما يُسمع وما يُبصر يشمل ما يُبصر وما يُضمر وقبلها قال (إِنّ اللّ َه عَلِيمٌ ِبذَاتِ ال ّ
وما يُضمر وهذا يتلءم مع الخلق والبعث ول بد للخالق أن يكون كذلك والباعث ل بد أن يكون كذلك سميع بصير .ونفهم القدرة اللهية من
ل لكنه أضاف معنى جديد آخر. الخلق والبعث السمع والبصر ولو قال إن ال على كل شيء قدير هذا مفهوم أص ً
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
َ َ
صيٌر) ولم يقل إن الله هو السميع البصير فما دللة عدم توكيد سميع
ميعٌ ب َ ِ
س ِ ن الل ّ َ
ه َ *قال تعالى (إ ِ ّ
بصير؟
لما يقول (هو السميع البصير) يعني المتفرد بالسمع والبصر لكنه أثبت لنا في السورة أنه سميع بصير في قوله (أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي
جرِي
ك تَ ْ ل (( ))29أََل ْم تَرَ أَنّ الْفُ ْل َ ج ال ّنهَا َر فِي الّليْ ِ
ل فِي ال ّنهَارِ َويُولِ ُ ض ( ))20يعني النسان يُبصر( ،أََل ْم تَرَ أَنّ اللّ َه يُولِجُ الّليْ َ سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْ ِ ال ّ
ن فِي ُأ ُذ َنيْهِ س َم ْعهَا كَأَ ّ ت اللّهِ ِليُ ِر َيكُم مّنْ آيَاتِهِ ( ))31إذن أثبت البصر للنسان .وقال (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا وَلّى مُ ْ
س َت ْكبِرًا كَأَن لّ ْم يَ ْ فِي ا ْلبَحْ ِر ِب ِنعْمَ ِ
ب ّمنِي ٍر ( ))20الذي يجادل يسمع س مَن يُجَادِلُ فِي اللّ ِه ِب َغيْرِ عِ ْلمٍ وَلَا ُهدًى وَلَا ِكتَا ٍ َو ْقرًا ( ))7يعني يجعل نفسه كأنه ل يسمع هو يسمع ( َومِنَ النّا ِ
ت وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ اللّ ُه ())25 سمَاوَا ِ خلَقَ ال ّسأَ ْل َتهُم مّنْ َ جدْنَا عََليْ ِه آبَاءنَا (( ))21وََلئِن َ ل َنتّبِ ُع مَا َو َ
الكلم( ،وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا أَنزَلَ اللّ ُه قَالُوا بَ ْ
أجابوا عن السؤال إذن أثبت لهم السمع وأثبت لهم الرؤية فكيف يكون متفردا في السمع والبصر؟ السياق ل يتحمل هذا ،في السورة أثبت لهم
السمع والبصر .أحد معاني البصير من البصر وهي الشهر فطالما أثبتها للعباد ل يتناسب أن يقول إن ال هو السميع البصير لن السورة مليئة
بالسمع والبصر.
* ما دللة تقديم السمع على البصر.؟
جعَ ْلنَاهُج ّن ْبتَلِي ِه فَ َ سمِيعُ ا ْلبَصِي ُر ( )56غافر) (ِإنّا خََل ْقنَا ا ْلإِنسَا َ
ن مِن نّطْفَةٍ َأمْشَا ٍ س َتعِ ْذ بِاللّهِ ِإنّ ُه هُوَ ال ّ
الكثر في القرآن تقديم السمع على البصر (فَا ْ
ع ْميَانًا ( )73الفرقان) القدامى يقولون أن السمع أفضل واستدلوا صمّا وَ ُت َرّبهِمْ لَ ْم يَخِرّوا عََل ْيهَا ُ سمِيعًا بَصِيرًا ( )2النسان) (وَاّلذِينَ ِإذَا ُذكّرُوا بِآيَا ِ َ
ي لكنه لم يفقد السمع) ،الظاهر أن السمع بالنسبة لتلقي الرسالة أفضل من البصر لن فاقد البصر على أنه تعالى لم يبعث نبيا أصمّ (يعقوب عم َ
يسمع الرسالة ،القرآن يسمعه العمى ويفهم مقاصده أما الصم فل يفهم .إذن بالنسبة إلى تلقي الرسالة السمع أفضل وفاقد البصر يسمع .وقد
يكون سبب آخر أن مدى السمع أقل من مدى الرؤية أنت ترى أشياء من بعيد لكن ل تسمعها تسمع الصوت أقرب فإذا اقتضى هذا الشيء قدم
سمَعُ وَأَرَى ( )46طه) يشير إلى معنى قريب منكم ،مدى السمع أقرب فمعناها أنه قريب .وقد يقدّم البصر لكن في المواطن السمع (إنّنِي َم َع ُكمَا أَ ْ
ن ()12 ج ْعنَا نَ ْعمَلْ صَالِحًا ِإنّا مُو ِقنُو َس ِم ْعنَا فَا ْر ِ
سهِ ْم عِندَ َرّبهِمْ َرّبنَا َأبْصَ ْرنَا وَ َ
ن نَاكِسُو رُؤُو ِ التي تقتضي ،على سبيل المثال (وَلَ ْو تَرَى ِإذِ ا ْلمُجْ ِرمُو َ
س ِم ْعنَا) كانوا في الدنيا يسمعون عن جهنم ص ْرنَا وَ َ السجدة) قدّم البصر لكثر من سبب أولً قال (وَلَ ْو تَرَى) والرؤية تحتاج إلى بصر ،هم قالوا (َأبْ َ
والخرة ولكن ل يبصروها والن أبصروها وسمعوا ،قدّم البصر لولويته في هذا المقام والبصار هنا أهم من السمع لن السمع يدخل في باب
ج ْعنَا َنعْمَلْ صَاِلحًا ِإنّا مُو ِقنُونَ) يقين .إذن التقديم والتأخير هو السمع على البصر س ِم ْعنَا فَا ْر ِ
ص ْرنَا وَ َ
الظن الشك أما البصار فهو يقين قال ( َرّبنَا َأبْ َ
على العموم لكن إذا اقتضى المر تقديم البصر على السمع يقدّم ،وفي الخِلقة يخلق ال تعالى السمع قبل البصر.
آية (:)29
ن اللّهَ بِمَا َتعْ َملُونَ خَبِي ٌر ())29 جلٍ مّسَمّى وَأَ ّ س وَالْقَمَ َر ُكلّ يَجْرِي ِإلَى أَ َ ج اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ َويُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْي ِل وَسَخّرَ الشّمْ َ ن اللّهَ يُولِ ُ (َأ َلمْ تَرَ أَ ّ
ل فِي ال ّنهَا ِر َويُولِجُ ال ّنهَا َر فِي الّليْلِ وَسَخّرَ ج الّليْ َفكرة عامة عن الية وموقعها في السياق :الية الكريمة وهي قوله تعالى (أَلَ ْم تَرَ أَنّ اللّهَ يُولِ ُ
خبِي ٌر ( ))29هو ذكر في السورة قبل هذا الموضع خلق السموات وذكر ما يتعلق سمّى َوأَنّ اللّ َه ِبمَا َتعْمَلُونَ َ ل مّ َ ل يَجْرِي إِلَى َأجَ ٍ شمْسَ وَا ْل َقمَ َر كُ ّ ال ّ
سيَ أَن َتمِيدَ ِبكُ ْم ( ))10فذكر خلق ع َمدٍ تَرَ ْو َنهَا َوأَلْقَى فِي ا ْلأَرْضِ َروَا ِ ت ِبغَيْ ِر َسمَاوَا ِ
ق ال ّ
بالرض على العموم من إلقاء الرواسي وغيرها (خَلَ َ
سمَاوَاتِ َومَا سخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ السموات والرض على العموم وما ألقى في الرض ثم ذكر تسخير ما فيها على العموم أيضا (أَلَ ْم تَرَوْا أَنّ اللّهَ َ
ض ( ))20إذن ذكر الخلق وما أودع فيهما على العموم وذكر ما فيهما على العموم وهنا ذكر تسخير بعض ما فيهما هناك تسخير ما فيهما فِي الَْأرْ ِ
سمَاوَاتِ َومَا فِي ا ْلأَ ْرضِ) على العموم وهنا ذكر تسخير بعض ما فيهما يعني قال (أََل ْم تَرَ أَنّ اللّ َه يُولِجُ الّليْلَ (أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ
شمْسَ وَا ْل َقمَرَ) هذه بعض ما في السموات ليس الكل ،هناك تسخير عام وهنا تسخير خاص ،وبعدها قال فِي ال ّنهَارِ َويُولِجُ ال ّنهَارَ فِي الّليْلِ َوسَخّ َر ال ّ
جرِي فِي ا ْلبَحْ ِر ِب ِنعْمَتِ اللّ ِه ( ))31وهناك تسخير بعض ما في الرض .هناك لما قال (أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي (أََل ْم تَرَ أَنّ الْ ُف ْلكَ تَ ْ
جرِي فِي ا ْلبَحْ ِر ِب ِنعْمَتِ اللّهِ) هذا بعض ما في الرض .إذن سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْضِ) وهنا ذكر بعض ما في السموات ثم قال (أََل ْم تَرَ أَنّ الْ ُف ْلكَ تَ ْ ال ّ
ذكر العموم في الخلق والتسخير ثم انتقل إلى الخصوص فذكر بعض ما فيهما وهو تسخير الليل والنهار والشمس والقمر من بعض ما في السماء
حرِ ِب ِن ْعمَتِ اللّهِ) هذا بعض ما في الرض .إذن ذكر العموم ثم انتقل إلى الخاص ،هكذا المنهج الذي سار عليه ك تَجْرِي فِي ا ْلبَ ْوقال (أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ
في كيفية ترتيب اليات.
س َّ َ ج اللَّي ْ َ ن الل ََّ م تََر أ ََ َّ *مَا وجَه ارتباط هذه اليَة (أَل ََ
خَر ج الن َّ َهاَر فَِي الل ّي ْ ِ
ل وََ َ ل فَِي الن َّ َهارِ وَيُول َِ ُ
َ
ه يُول َِ ُ
َ ْ
خبِيٌر ( )29لقمان) بمَا قبلهَا ن َ ملُو ََما تَعْ َ ن الل َّ َ
ه ب َِ َ مى وَأ ََ َّ س ًّ م ََل ُّ ج ٍ
َ
جرِي إِلَى أ َ شم س والْقَمر ك ُ ٌّ
ل يَ ْ َ َ
َ
ال ّ ْ ََ َ
وبأول السورة؟
سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ َليَقُوُل ّ
ن سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ هي ليست مرتبطة فقط بأول السورة وإنما مرتبطة بما قبلها ومرتبطة بأول السورة .قبلها قال (وََلئِن َ
حمِيدُ ( )26لقمان) إلى قبلها مباشرة قال (مّا خَلْ ُقكُمْ سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضِ إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ الْ َ ن ( )25لِلّ ِه مَا فِي ال ّ ح ْمدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْكثَرُهُمْ لَا يَعَْلمُو َ
اللّ ُه قُلِ الْ َ
شمْسَ ل فِي ال ّنهَا ِر َويُولِجُ ال ّنهَا َر فِي الّليْلِ وَسَخّرَ ال ّ سمِي ٌع بَصِي ٌر ( ))28ثم تأتي هذه الية (أَلَ ْم تَرَ أَنّ اللّهَ يُولِ ُ
ج الّليْ َ حدَةٍ إِنّ اللّهَ َ َولَا َب ْعثُكُمْ إِلّا َكنَفْسٍ وَا ِ
ل (ولئن سألتهم ) والليل والنهار والشمس والقمر أليس مما في الرض؟ خبِي ٌر ( .))29أو ً سمّى وَأَنّ اللّ َه ِبمَا َت ْعمَلُونَ َ ل مّ َ جرِي إِلَى أَجَ ٍ ل يَ ْ وَالْ َقمَ َر كُ ّ
حدَةٍ) متى سيكون البعث؟ في الجل المسمى الذي ذكره سمّى) وقبلها (مّا خَلْ ُقكُمْ َولَا َب ْعثُكُمْ ِإلّا َكنَفْسٍ وَا ِ ل مّ َ ل يَجْرِي إِلَى َأجَ ٍ بلى .الجل المسمى (كُ ّ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
الفعل المضارع مع يولج لنه يتجدد ،اليلج يتجدد في كل لحظة والتسخير ربنا منذ خلقها سخّرها وليست هي كل لحظة مسخرة ابتداءً ،بينما
يولج في كل لحظة وفي كل يوم هو يولج فالمضارع يفيد التجدد والستمرار أما سخرها فمنذ خلقها سخرها ال تعالى وهذا أنسب تعبير ولو قال
يسخر الشمس والقمر لفهم أنه كل يوم يسخّرها.
َ َ َ َ خر ال َّ
ن الل ّ َ
ه مَر) ولم يقل سخر لكم كما جاء في آية قبلها (أل َ ْ
م تََروْا أ ّ س وَالْقَ َ م َ ش ْ س َّ َ
*قال تعالى (و َ َ
ض ())20؟ َ ْ ما فِي ال َّ س َّ
خَر لَكُم َّ
ما ِفي الْر ِ ت َو َماوَا ِ س َ َ
ل فِي س مَن يُجَادِ ُ طنَةً َومِنَ النّا ِ سبَغَ عََل ْيكُ ْم ِن َعمَهُ ظَاهِرَةً َوبَا ِ
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْضِ وََأ ْ سخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ
تلك في مقام تعداد النعم (أَلَ ْم تَرَوْا أَنّ اللّهَ َ
ن آيَاتِ ِه
حرِ ِب ِن ْعمَتِ اللّهِ ِليُ ِر َيكُم مّ ْك تَجْرِي فِي ا ْلبَ ْ ب ّمنِيرٍ ( ))20أما هذه الية ففي سياق إظهار اليات (أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِلْ ٍم وَلَا ُهدًى وَلَا ِكتَا ٍ
( ))31فلما كان السياق في تعداد النعم على النسان قال (سخر لكم) ولما كان الكلم لمطلق القدرة وليست لها علقة بالنعم قال (سخر) .لما يقول
سمّى ( ))29ذكر أن لهما أجلً ل مّ َ
ل يَجْرِي إِلَى َأجَ ٍ شمْسَ وَا ْل َقمَ َر كُ ّ
سخّرَ ال ّ
شمْسَ وَا ْل َقمَرَ) عامة وليست في باب تعداد النعم .قال (وَ َ سخّرَ ال ّ (وَ َ
مسمى وهذا ل يناسب النعم لن من تمام النعم الدوام بينما في الثانية ذكر انقطاع ولذلك للعلم حيثما قال (سخر الشمس والقمر) لم يقل إلى أجل
مسمى في جميع القرآن مما يُفهم دوام النعمة لنه ل يناسب النقطاع مع دوام النعمة ولذلك لم يرد في القرآن سخر لكم مع أجل مسمى مطلقا لن
شمْسَ وَا ْل َقمَرَ) يحدد معها إلى أجل مسمى أما (سخر لكم) فلنها في تعداد النعم ل يقول فيها أجل مسمى. سخّرَ ال ّ فيها إشعار بالنقطاع( .وَ َ
مى) عدى الفعَل بإلى مَع أنَه فَي مواطَن أخرى عداه باللم (ك ُ ٌّ َ * (ك ُ ٌّ
جرِي
ل يَ ْ سَ ًّ ل ُّ
م َ جرِي إِلَى أ َ
ج ٍ ل يَ ْ
مى ( )13فاطر)؟ س ًّم َل ُّ ج ٍِل َ َ
القدامى لفت انتباههم هذا المر طريقة تعدية الفعل بإلى واللم( .إلى) تفيد النتهاء( ،اللم) قد تفيد النتهاء وقد تكون للتعليل قد تكون للغرض
لغرض الوصول وبيان العلّة .مثال :أدرس لنجح هذه اللم لبيان العلة والسبب ،تأتي اللم بمعنى النتهاء والصل أن دللة (إلى) النتهاء واللم
قد تأتي للنتهاء وقد تأتي للملك والختصاص و للتعليل .قال القدامى حيث ورد فيها التنبيه على النتهاء والحشر يوم القيامة جاء بـ (إلى)
سمّى) هذه الية في لقمان وقال قبلها (مّا خَلْ ُقكُمْ َولَا َب ْعثُكُمْ ِإلّا َكنَفْسٍ ل مّ َجٍجرِي إِلَى أَ َ وحيث كان الكلم على بداية الخلق يأتي باللم .قال (كُلّ يَ ْ
شيْئًا إِنّ
خشَوْا يَ ْومًا لّا َيجْزِي وَاِلدٌ عَن وََلدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُ َو جَازٍ عَن وَاِلدِهِ َ س اتّقُوا َرّبكُمْ وَا ْ سمِي ٌع بَصِي ٌر ( ))28وبعدها (يَا َأّيهَا النّا ُ حدَةٍ إِنّ اللّهَ َ وَا ِ
ج ال ّنهَا َر فِيل فِي ال ّنهَارِ َويُولِ ُ حيَا ُة ال ّدنْيَا َولَا َيغُ ّرّنكُم بِاللّهِ ا ْلغَرُو ُر ( ))33الكلم عن الحشر ،بينما في فاطر (يُولِجُ الّليْ َ ق فَلَا َتغُ ّرّنكُمُ الْ َ
عدَ اللّ ِه حَ ّوَ ْ
طمِي ٍر ( ))13هذه بدايات ن مِن ِق ْ سمّى ذَلِكُ ُم اللّهُ َرّبكُمْ لَهُ ا ْلمُ ْلكُ وَاّلذِينَ َتدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا َيمِْلكُو َل مّ َجرِي ِلأَجَ ٍ ل يَ ْ ش ْمسَ وَالْ َق َمرَ كُ ّ الّليْلِ وَسَخّرَ ال ّ
سمّى) .عندما يذكر نهاية الخلق يكون ل مّ َسمّى) ،أما في آية لقمان يتكلم عن الخرة فقال (إِلَى َأجَ ٍ ل مّ َ جٍالخلق ،الكلم في بدايات الخلق فقال (لِأَ َ
أقرب ،الجل سينتهي إلى أجل مسمى ،هو ذكر انتهاء الغاية وذكر الحشر هو انتهاء الغاية فعندما ذكر انتهاء الغاية من حياة الناس يذكر (إِلَى
سمّى) وعندما يذكر بداية الخلق وليس انتهاء الخلق ،مع البداية يذكر اللم وعندما يذكر النهاية يذكر النتهاء (إلى)( .إلى) هي الصل في ل مّ َ
َأجَ ٍ
معناها الساسي ،واللم للشبه والملك ولها كثير من المعاني
واللم للمِلْك وشبهه وفي تعدية أيضا وتعليل قفى وزيد
ستَخْ ِرجُونَ حِ ْليَ ًة تَ ْلبَسُو َنهَا َوتَرَى ط ِريّا َوتَ ْ
حمًا َ ل تَ ْأكُلُونَ لَ ْ
ب فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَ َهذَا مِلْحٌ ُأجَاجٌ َومِن كُ ّ عذْ ٌن َهذَا َ حرَا ِ ستَوِي ا ْلبَ ْ حتى في فاطر ( َومَا يَ ْ
سخّرَل فِي ال ّنهَارِ َويُولِجُ ال ّنهَا َر فِي الّليْلِ وَ َ ن ( ))12هذا ليس في نهاية الخلق وبعدها (يُولِجُ الّليْ َ شكُرُو َ ك فِيهِ مَوَاخِرَ ِل َت ْب َتغُوا مِن فَضْلِ ِه وََلعَّلكُ ْم تَ ْ الْفُ ْل َ
سمّى ( ))13الكلم ليس في نهاية الخلق .عندما يذكر النتهاء يذكر (إلى) وعندما بدايات الخلق ل يأتي بـ ل مّ َ ل يَجْرِي لَِأجَ ٍ شمْسَ وَا ْل َقمَ َر كُ ّال ّ
(إلى) وإنما يأتي بما يدل على الغرض والتعليل.
َ َ َ
خبِيٌر) فما دللة تقديم العمل على الخبرة اللهية؟ ملُو َ
ن َ ما تَعْ َ ن الل ّ َ
ه بِ َ * ختمت الية (وَأ ّ
مر هذا السؤال معنا في سورة الحديد .هنالك قاعدة استنبطت مما ورد في القرآن الكريم :إذا كان السياق في عمل النسان قدم عمله (وال بما
تعملون خبير) لو كان السياق في غير العمل أو كان في المور القلبية أو كان الكلم على ال سبحانه وتعالى قدّم صفة ال خبير (خبير بما
خبِي ٌر ()271 سيّئَا ِتكُمْ وَاللّ ُه ِبمَا َتعْمَلُونَ َ
خيْرٌ ّلكُمْ َو ُيكَفّ ُر عَنكُم مّن َ ت َف ِنعِمّا ِهيَ وَإِن تُخْفُوهَا َوتُ ْؤتُوهَا ا ْلفُ َقرَاء َفهُ َو َ ص َدقَا ِ
تعملون) .مثال( :إِن تُ ْبدُواْ ال ّ
ستَوِي سمَاوَاتِ وَالَْأرْضِ لَا يَ ْ سبِيلِ اللّهِ وَِللّهِ مِيرَاثُ ال ّ البقرة) هذا عمل ،لما ذكر عمل النسان قدّم عمله (بما تعملون خبير)َ ( ،ومَا َلكُمْ َألّا تُنفِقُوا فِي َ
خبِي ٌر ( )10الحديد) سنَى وَاللّ ُه ِبمَا َتعْمَلُونَ َ عدَ اللّهُ ا ْلحُ ْظمُ دَ َرجَ ًة مّنَ اّلذِينَ أَنفَقُوا مِن َب ْعدُ َوقَاتَلُوا َوكُلّا وَ َ ق مِن َقبْلِ ا ْل َفتْحِ َوقَاتَلَ أُوَْل ِئكَ أَعْ َ مِنكُم مّنْ أَنفَ َ
سهِنّ ن بِأَن ُف ِ
ن مِنكُمْ َو َيذَرُونَ أَزْوَاجًا َيتَ َربّصْ َ هذا عمل ،قتال وإنفاق ختمها (وال بما تعملون خبير) لما ذكر عمل النسان قدّم عمله( .وَاّلذِينَ ُيتَ َوفّوْ َ
خبِي ٌر ( )234البقرة) هذا عمل فقدّم (وال ن بِا ْل َمعْرُوفِ وَاللّ ُه ِبمَا تَ ْعمَلُونَ َ سهِ ّ
ن فِي أَنفُ ِ ح عََل ْيكُ ْم فِيمَا َفعَلْ َ
جنَا َ
جَلهُنّ فَلَ ُ شهُرٍ وَعَشْرًا َفِإذَا بََلغْنَ أَ َ َأ ْر َبعَةَ َأ ْ
عمِ ْلتُمْ َوذَِلكَ عَلَى اللّ ِه يَسِي ٌر ( )7فَآ ِمنُوا بِاللّهِ وَ َرسُولِهِ ن ثُمّ َلُت َنبّؤُنّ ِبمَا َ
ن كَفَرُوا أَن لّن ُي ْب َعثُوا ُقلْ بَلَى وَ َربّي َلُت ْب َعثُ ّ بما تعملون خبير)( .زَعَ َم اّلذِي َ
صنْعَ اللّهِ اّلذِي َأ ْتقَنَ ي َتمُ ّر مَرّ السّحَابِ ُ س ُبهَا جَا ِمدَةً وَهِ َ ل تَحْ َ خبِي ٌر ( )8التغابن) هذا عمل أيضاَ ( .وتَرَى ا ْل ِ
جبَا َ ن َ وَالنّورِ اّلذِي أَنزَ ْلنَا وَاللّ ُه ِبمَا َتعْمَلُو َ
ن ( )88النمل) هذا ليس عمل النسان فقدّم الخبرة على العمل وقال خبير بما تفعلون .أو لما يكون المر قلبيا غير خبِي ٌر ِبمَا تَ ْفعَلُو َشيْءٍ ِإنّهُ َ كُلّ َ
ن ( )18الحشر) فهذا على العموم أنه إذا كان خبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُو َس مّا َق ّدمَتْ ِلغَدٍ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ ظاهر (يَا َأّيهَا اّلذِينَ آ َمنُوا اتّقُوا اللّهَ َو ْلتَنظُ ْر َنفْ ٌ
المر في عمل النسان قدم العمل وإذا كان في غير عمل النسان أو في المور القلبية أو عن الكلم عن ال سبحانه وتعالى يقدم خبير .العرب
كان تعي هذه المعاني والقواعد من حيث البلغة ،البليغ هو الذي يراعي ،هذه أمور بلغية فوق قصد الفهام يتفنن في صوغ العبارة ومراعاة
البلغة .على سبيل المثال عندما تضيف إلى ياء المتكلم (هذا كتابي ،أستاذي ،قلمي) بدون نون ،بالنسبة للفعل تقول أعطاني ،أضاف نون الوقاية،
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
عموم الكلمات نأتي بنون الوقاية مع الفعل مثل ضربني وظلمني أما مع السم فل تأتي هذه قاعدة وعموم الناس يتكلمون بها دون أن يفطنوا إلى
أن هذا إسم وهذا فعل ،الناس يقولونها وهي قواعد أخذوها على السليقة .الناس يتفاوتون في البلغة العرب كلهم كانوا يتكلمون كلما فصيحا من
حيث صحة الكلم ولذلك يؤخذ من كلم المجانين عندهم لن المجانين يتكلمون بلغة قومهم ويستشهدون بأشعار المجانين لن كلمهم يجري على
نسق اللغة أما البلغة فمتفاوتة ويقول :أنا أفصح من نطق بالضاد .صحة الكلم كل واحد يتكلم على لغة قومه أما من ناحية البلغة فهناك
تفاوت .ال تعالى تحداهم في البلغة وفي طريقة النظم والتعبير وتحداهم بأن يأتوا بسورة والسورة تشمل قصار السور مثل العصر والكوثر
سورة ،الخلص سورة قبل التشريع وهناك إعجاز كثير في القرآن في الخبار عن المغيبات والمستقبل وعندما تحداهم ال تعالى تحداهم بسورة
ليس فيها تشريع وليس فيها إخبار عن الغائب أو عن الماضي.
سمّى ( )29لقمان) ما هو هذا
جلٍ مّ َ
جرِي إِلَى أَ َ
ل يَ ْ
س وَالْ َقمَ َر كُ ّ
شمْ َ
ل فِي ال ّنهَا ِر َويُولِجُ ال ّنهَا َر فِي الّليْلِ وَسَخّرَ ال ّ
ج الّليْ َ
في الية قال (أَلَ ْم تَرَ أَنّ اللّهَ يُولِ ُ
الجل؟ يوم القيامة .وهذا موعد النظر في العمال فقد العمل لنه موعد النظر في العمال فقدم عمل النسان على الخبير فمن كل ناحية ناسب
خبِيرٌ). تقديم عمل النسان (وَأَنّ اللّ َه ِبمَا َت ْعمَلُونَ َ
سؤال :إذن السياق القرآني له خصوصية خاصة؟
ل بد من النظر في السياق قبل إعطاء الحكم.
آية (:)30
ن اللّهَ ُه َو ا ْل َع ِليّ ا ْلكَبِي ُر ())30
ط ُل وَأَ ّ
ق وَأَنّ مَا َيدْعُونَ مِن دُونِ ِه الْبَا ِ
حّن اللّ َه ُهوَ الْ َ
( َذلِكَ ِبأَ ّ
فكرة عامة عن الية :ذكر أمور إيلج الليل في النهار وصفات ربنا تعالى وما ذكر من إيلج الليل في النهار وتسخير الشمس والقمر وما إلى
ذلك هذا كله سبب أن ال هو الحق الموجد الول الذي أوجد هذا الكون( .ذلك) تعود على ما ذكر سابقا ،كيف حصلت؟ لن ال الموجد الول هو
الذي فعّل ذلك هو الحق ،وما يدعون من دونه الباطل لنه ل يمكن أن تصنع مثل ذلك وما أمر به ونهى عنه هو الحق لن ربنا لما كان هو الحق
المبين فما فعله هو الحق ليس الباطل وما أمر به هو الحق وكل أوامره ونواهيه لزمة بسبب أنه الحق ،فهو الحق تعليل لكل أفعاله وصفاته
وتعليل للزوم طاعته سبحانه لنه الحق والنسان ينبغي أن يطيع ما هو حق وال هو الحق أوامره هي الحق ينبغي أن يُطاع ،صفاته هي الحق
ينبغي أن يُعبَد ،ال هو الحق ينبغي أن يُعبد .اختيار كلمة الحق تحديدا كل هذا التسخير معناه أن ال هو الحقيقة الوحيدة الموجودة في الكون
المستحقة للعبادة وليس ما يدعون من دونه أصنام وتماثيل التي هي الباطل بعينه وال هو الحق وحده وليس هناك حق بمنزلة هذا الحق ،الباقي
حق بما خلقه ربنا الجنة حق والنار حق كون ربنا خلقها وأوجدها وهو الحق فهي حق.
* كيف نفهم تعريف الحق والباطل في الية؟
فرق بين أن تقول هو حق فيكون من جملة ما هو حق أنت قلت هذا تلفاز فهو حق وهذا وهذا قدح وهو حق ،هو حق لكن ليس هو الحق ،الحق
الول الموجب لجميع الشياء والذي أفاض على كل الشياء الموجودة بالوجود ،هي حق لن الحق الول أوجدها والرض حق والسموات حق
والجنة حق والنار حق والنبيون حق وهذه مخلوقات ل تعالى وهي حق لن الحق الول هو الذي أوجدها لو لم يكن الحق الول موجود لما وُجِد
شيئ ولهذا تفرّد سبحانه وتعالى بالحق بالتعريف أنه هو الحق المطلق الواحد بهذا المعنى ل يتعداه .وأن ما يدعون من دونه من آلهة هو الباطل.
الباطل بالتنكير على العموم والشمول لنها بمقابل الحق سبحانه وتعالى ليست أن تقول هذه شجرة ،هذا حيوان وهذا باطل ،ليست بمنزلتها ولكن
هذا جعل ل ندا وهو أعلى من منزلة ال (يدعون من دونه) هذا أكبر من الشرك فالشرك أن تجعل ل ندا كفار قريش مشركين لكن قالوا (ما
نعبدهم إل ليقربونا إلى ال زلفى) أما هؤلء يعبدون من دونه يعني جعلوا ال تعالى جانبا (من دونه ل تعني أقل منه ،من دونه غير ممن هو
ل يعبدون من دونه أي ينحّون ال جانبا جعلوه بإزاء ال سبحانه وتعالى هذا هو الباطل بعينه ولو قال باطل لكان من دونه) هم ل يعبدون ال أص ً
جملة ما هو باطن فأراد تعالى أن يفخم فعلتهم هذه فقال الباطل العبادة أعلى شيء لنها الغاية من خلق المكلّفين ( َومَا خََلقْتُ ا ْلجِنّ وَا ْلإِنسَ إِلّا
ن ( )56الذاريات) .يدعون من دونه ويعبدون من دونه فهذه ليست مسألة جزئية ،هذه مراعاة حالة محددة عند أناس كفروا بال تعالى. ِل َي ْعبُدُو ِ
ن مَا َيدْعُونَ مِن دُونِهِ ا ْلبَاطِلُ) قال ما يدعون ولم يقل من يدعون إظهارا لجهلهم وسوء معتقدهم لن (ما) لغير العاقل لنهم يدعون غير عاقل (وَأَ ّ
ويتخذونه إلها.
ل) في آيَة الحَج من دُون َِهِ الْبَاط ِ ُ نَ َِ
ما يَدْعُو َ ََ حق َُّ وَأ ََ َّ
ن و ال ْ َ
َ ه هُ
َ ن الل ََّ ك بِأ ََ َّ*في هذه اليَة قال تعالى (ذَل َِ َ
َ َ َ َ َ َ َ
ي الْكَبِيُر (
ه هُوَ الْعَل ِ ُّن الل ّ َل وَأ َّو الْبَاط ِ ُ
من دُون ِهِ هُ َ ن ِ ما يَدْعُو َ ن َ حق ُّ وَأ َّ و ال ْ َ ن الل ّ َ
ه هُ َ قال تعالى (ذ َل ِك بِأ ّ
))62بضمير الفصل (هو) فلماذا هذا الفرق؟
ل شك أن هو الباطل أقوى لن ضم ير الف صل يفيد التوكيد الح صر والسياق يوضح سبب اختيار كل تعبير .في سورة ال حج ال صراع مع أ هل
جحِي ِم ( ))51ثم قال (وَاّلذِينَ هَاجَرُوا صحَابُ الْ َ سعَوْا فِي آيَا ِتنَا ُمعَاجِزِينَ أُوَْلئِكَ أَ ْ الباطل ،أهل الباطل متمكنون يشردون المؤمنين ويقتلونهم (وَاّلذِينَ َ
ن ( ))58إذن أصحاب الباطل يقتلون المؤمنين ويجبرونهم على خيْرُ الرّا ِزقِي َ
سنًا وَإِنّ اللّ هَ َلهُ َو َ سبِيلِ اللّ ِه ثُمّ ُقتِلُوا أَ ْو مَاتُوا َليَ ْر ُز َقنّهُمُ اللّهُ رِ ْزقًا حَ َ
فِي َ
ترك ديارهـم ويهاجرون فـي سـبيل ال إذن هـم متمكنون ول تجـد مثـل هذا فـي لقمان ،فلمـا كانوا كذلك بهذه القوة ووهذا التسـلط فأكـد ال تعالى
ن مِن دُونِ ِه هُوَ ا ْلبَاطِلُ) ل يغرنكم ما ترونه من تسلطهم وقوتهم فإذن هذا هو الباطل بعينه بإزاء قوة ال تعالى .في لقمان بطلنهم (وَأَنّ مَا َيدْعُو َ
سعِيرِ ()21 عذَابِ ال ّ شيْطَانُ َيدْعُوهُمْ إِلَى َ ج ْدنَا عََليْهِ َآبَا َءنَا أَوَلَ ْو كَانَ ال ّ
ليس فيها هذا الشيء ،قال (وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا َأنْزَلَ اللّ ُه قَالُوا بَلْ َنّتبِ ُع مَا وَ َ
ج ُعهُ ْم َفُننَ ّبُئهُ مْ سكَ بِا ْلعُرْوَةِ الْ ُو ْثقَى وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُو ِر (َ )22ومَ نْ كَ َف َر فَلَا يَ ْ
ح ُزنْ كَ ُكفْرُ هُ إَِل ْينَا مَ ْر ِ س َتمْ َ
ن فَ َقدِ ا ْح سِ ٌجهَ هُ ِإلَى اللّ هِ وَهُ َو مُ ْ َومَ نْ يُ سِْلمْ وَ ْ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضَ َليَقُوُلنّ اللّ ُه سأَ ْل َتهُمْ مَنْ خَلَقَ ال ّظ ( )24وََلئِنْ َ ب غَلِي ٍعذَا ٍصدُو ِر (ُ )23ن َمّتعُهُ ْم قَلِيلًا ثُمّ نَضْطَرّ ُهمْ إِلَى َ عمِلُوا إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِذَاتِ ال ِّبمَا َ
ح ْمدُ ِللّ هِ بَلْ َأ ْكثَرُ ُه مْ لَا َيعَْلمُو نَ ( ))25كلها فيها أخذ ورد وسؤال وجواب ليس فيها صورة الباطل المتمكن الذي يعاند المعاجز المعاند الذي ل الْ َقُ ِ
يق تل المؤمن ين ويضطر هم إلى الهجرة فاحتاج ال مر إلى زيادة ت ثبيت للمؤمن ين وعدم افتتان هم ب سلطة أ صحاب البا طل ول شك أن لل سلطان فت نة
وره بة فاقت ضى ال سياق أن هؤلء عل يه هو البا طل وتوك يد ذلك هذا أ مر و هو ال مر الول و هو أن أ صحاب البا طل في آ ية ال حج هم متمكنون
متسلطون معاجزون معاندون يفتنون المؤمنين إذن احتاج إلى تثبيت المؤمنين في هذه الناحية فأكد أن ما عليه هؤلء هو الباطل .هذا أمر وسبب
ضرّ ُه َومَا لَا يَن َفعُ هُ ذَلِ كَ هُوَ الضّلَالُ آخر أنه تقدم في سورة الحج ذكر ما يدعون من دون ال من المعبودات الباطلة (يَدْعُو مِن دُو نِ اللّ ِه مَا لَا يَ ُ
سمَاء ك بِاللّهِ َفكََأّنمَا خَ ّر مِنَ ال ّ ن بِ ِه َومَن يُشْرِ ْ غيْرَ ُمشْ ِركِي َ س ا ْلعَشِي ُر (ُ )13
حنَفَاء لِلّ ِه َ ب مِن نّ ْفعِهِ َل ِبئْسَ ا ْلمَوْلَى وََل ِبئْ َ ا ْلبَعِيدُ (َ )12يدْعُو َلمَن ضَرّهُ َأقْرَ ُ
ل بِ ِه سُلْطَانا َومَا َليْ سَ َلهُم بِ ِه عِلْ مٌ َومَا لِلظّاِلمِي نَ مِن ق (َ ( )31و َي ْعبُدُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ مَا َل ْم ُينَزّ ْ ن سَحِي ٍ ح فِي َمكَا ٍ طيْرُ أَ ْو َتهْوِي بِ هِ الرّي ُ
طفُ ُه ال َّفتَخْ َ
ش ْيئًا لّا
ج َت َمعُوا لَ ُه وَإِن يَ سُْل ْبهُ ُم ال ّذبَا بُ َ
ن مِن دُو نِ اللّ هِ لَن يَخُْلقُوا ُذبَابًا وَلَوِ ا ْ س َت ِمعُوا لَ هُ إِنّ اّلذِي نَ َتدْعُو َل فَا ْ نّ صِي ٍر {( )}71يَا َأيّهَا النّا سُ ضُ ِر َ
ب َمثَ ٌ
ب ( ))73الكلم على المعبودات الباطلة جاري في آية الحج فأكد أن هؤلء هو الباطل وليس ذلك في لقمان. ضعُفَ الطّاِلبُ وَا ْلمَطْلُو ُستَن ِقذُوهُ ِمنْهُ َ يَ ْ
فهنالك أمران دعيا إلى التأكيد في سورة الحج أولً قوة وتسلط أصحاب الباطل في سياق آية الحج وذكر معبوداتهم التي يعبدونها فذكر أنهم على
باطل وأن معبوداتهم باطلة ل تنفع شيئا فأكد هذا المر وليس في لقمان هذا السياق فلم يقتضي هذا المر .إذن آي القرآن الكريم تغطي كل حالة
بقدر ها و كل ت عبير منا سب ل ما ورد ف يه .مع أن اليتان تبدوان متشابهتان إل في ضم ير الف صل الذي اقتضاه ال سياق من أك ثر من ج هة ال سياق
اقتضى تأكيد أن أهل الباطل ما يدعون من دونه هو الباطل لنه ذكر عدة مرات ما يدعون من دون ال ولم يذكر هذا المر في لقمان وذكر تمكن
أصحاب الباطل وقوتهم .لو قال في الحج وأن ما يدعون الباطل الية صحيحة لكن بلغة التعبير تكون أقل والبلغة توزن بالميزان الدقيق لن
البلغة هي مطابقة الكلم لمقتضى الحال ومقتضى الحال في كل آية مختلف.
وال مر ال خر أن الضم ير ( هو) من الناح ية اللفظ ية في سمة الت عبير ورد في سورة ال حج 13مرة و في لقمان ورد 7مرات ف قط لن ال سمة
ل ذكر في الحج 8مرات التعبيرية في السياق لها أثرها أيضا فكأنما ورد في سورة الحج ضعف ما ورد في سورة لقمان .وضمير الفصل أص ً
وفي لقمان 3مرات .إذن فمن كل النواحي السمة التعبيرية أو البلغية أو غيرها ذكر (هو) في آية سورة الحج أكثر مما يقتضيه في سورة لقمان.
َ َ َ
ي الْكَبِيُر ( ))30ماذا عن هذه الفاصلة؟
ه هُوَ الْعَل ِ ُّ
ن الل ّ َ
(وأ ّ
* ختمت الية َ
خبِي ُر ()18
حكِيمُ الْ َ
عبَادِهِ وَهُوَ ا ْل َ
ق ِ
جاء بضمير الفصل في اليتين وعرف العلي الكبير ،والعلي هو القاهر الذي ليس فوقه شيء (وَهُ َو الْقَاهِ ُر فَوْ َ
النعام) والكبير السلطان العظيم الشأن .إذن بعد أن وصف ربنا تعالى نفسه بأنه هو الحق ووصف ما يدعون من دونه الباطل ذكر أن هذا الحق
هو عالي على وجه الثبوت والدوام والحق هو العالي دائما والباطل هو سافل مهين ،الحق هو العالي فالحق هو العالي الذي يزهق الباطل وهو
العالي على وجه الدوام والثبوت وظاهر وهو القاهر والباطل هو سافل مهين يزهقه الحق فالحق كبير والباطل صغير صغرا وصغارا صغير في
صغَا ٌر عِندَ اللّ ِه ( )124النعام) الصغار بمعنى الذلة مهما انتفش ومهما انتفخ فهو صغير ج َرمُواْ َ
سُيصِيبُ اّلذِينَ أَ ْ
الحجم وصغار في الحقيقة ( َ
وذليل.
َ َ َ َ َ
ه هُوَ ال ْ َ
حقُّ) أنه العلي الكبير؟ وكلمة العلي أل توحي بأنه كبير؟ ن الل ّ َ
* أل توحي كلمة (ذل ِك بِأ ّ
ق ( )53فصلت) .الية الكريمة أرادت أن حتّى َي َت َبيّنَ َلهُمْ َأنّهُ ا ْلحَ ّ
سهِمْ َ
سنُرِيهِ ْم آيَا ِتنَا فِي الْآفَاقِ َوفِي أَنفُ ِ
الحق أحيانا يأتي في موطن الموت مثلً ( َ
جدَ اللّ َه عِندَ ُه فَ َوفّا ُه حِسَابَ ُه ( )39النار) هنا ال هو الحق
تعلي ال تعالى وتضعه في مكانه اللئق بجلله وعزيم سلطانه في مثل هذا السياق( .وَ َو َ
لكن غير هذا الحق ،غير سياق .إذن حتى تعدد صفات ال وأسمائه كل إسم يضيف دللة جديدة حسب السياق الذي يرد فيه.
آية (:)31
شكُو ٍر ())31ت ّل ُكلّ صَبّارٍ َك لَآيَا ٍ
ن فِي َذلِ َ ن آيَاتِهِ إِ ّت اللّ ِه لِيُ ِر َيكُم مّ ْ ن الْ ُفلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْ ِر بِ ِنعْمَ ِ(َأ َلمْ تَرَ أَ ّ
فكرة عامة عن الية :ربنا تعالى أول مرة ذكر خلق السموات على العموم وما فيها وذكر تسخير السموات والرض على العموم ثم ذكر بعض
شمْسَ وَا ْل َقمَ َر ( )29لقمان) هذه من آيات السماء وهنا في الية ذكر تسخير بعض سخّرَ ال ّ ما فيهما فذكر في الية السابقة تسخير الشمس والقمر (وَ َ
ض ( ))20إجمالً ثم ذكر بعض ما في السماء والن يذكر سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْ ِ سخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ ما في الرض لنه قبلهما قال (أَلَ ْم تَرَوْا أَنّ اللّهَ َ
جرِي فِي ا ْلبَحْ ِر ِب ِنعْمَتِ اللّ ِه ( ))31فذكر هناك جريان الشمس والقمر وذكر هنا جريان قسما مما في الرض ما سخره ربنا قال (أََل ْم تَرَ أَنّ الْ ُف ْلكَ تَ ْ
سمّى) وهنا ذكر بعض آيات الرض وهو ل مّ َ
جٍجرِي إِلَى أَ َسمّى ( ))29وهنا (كُلّ يَ ْ جلٍ مّ َ جرِي إِلَى أَ َ ل يَ ْس وَالْ َقمَ َر كُ ّشمْ َ
الفلك ،هناك (وَسَخّرَ ال ّ
حرِ ِب ِن ْعمَتِك تَجْرِي فِي ا ْلبَ ْجرِي فِي ا ْلبَحْ ِر ِب ِنعْمَتِ اللّهِ) وذكر الشمس والقمر .هنا قال (أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ الفلك التي سخرها لنا ربنا (أََل ْم تَرَ أَنّ الْ ُف ْلكَ تَ ْ
اللّهِ) ما المقصود بنعمة ال؟ هنا فيها احتمالن :يعني تجري بسبب نعمة ال هو الذي سخرها فتسخيرها من نعم ال يعني جريانها نعمة من ال،
والباء هنا سبب يعني تجري بسبب نعمة ال ،والحتمال الثاني تجري بنعمة ال بما تحمله من البضائع مما أنعم ال به على النسان ،البضائع من
ل ( )42هود) تجري بهم أي تحملهم .فإذن تجري بنعمة ال فيها احتمالن بسبب ال وجريانها نعمة من جبَا ِ
ج كَالْ ِجرِي ِبهِ ْم فِي مَوْ ٍ ي تَ ْ
نعم ال (وَهِ َ
ي فِي ا ْلبَحْ ِر بَِأمْ ِرهِ ( )32إبراهيم) (اللّهُ اّلذِي سخّرَ َل ُكمُ ا ْلبَحْرَ نعم ال لو لم يسخرها لم تجري ،سخرها وسخر البحر ( َوسَخّرَ َل ُكمُ الْ ُف ْلكَ ِل َتجْرِ َ
ك فِيهِ ِبَأمْرِ ِه ( )12الجاثية) هذا أمر والحتمال الثاني تجري بما تحمله من النعم ،من البضائع وهي كلها من نعمة ال .المران جرِيَ ا ْلفُ ْل ُ
ِلتَ ْ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
مقصودان في الية وهذا من باب التوسع في المعنى والمعنيين مرادان أنها تجري بنعمة ال أي بسبب نعمة ال سخرها ولول نعمة ال لم تجري.
جبَالِ).
في قصة نوح حدد دللة واحدة للجريان بمعنى تحملهم (وَ ِهيَ َتجْرِي ِبهِ ْم فِي مَ ْوجٍ كَالْ ِ
*ما دللة اقتران صبار مع شكور في الية؟
ن آيَاتِ ِه ( ))31ما هذه اليات التي يرنا إياها ال تعالى في البحر؟ منها آيات في التسخير ومنها آيات في أسرار البحار التي قبلها قال (ِليُ ِر َيكُم مّ ْ
ل مَن تَدْعُونَ ِإلّ حرِ ضَ ّ س ُكمُ الْضّ ّر فِي ا ْلبَ ْ يطلع عليها الناس وما فيها من العجائب ومنها آيات في ضعف النسان إذا ركب البحر وعجزه (وَِإذَا مَ ّ
ن كَفُورًا ( )67السراء) النسان وخوفه وهذه كلها آيات كيف يعتري الخوف راطب البحر ويتبين لنْسَا ُ ناِ ضتُمْ َوكَا َ ِإيّا ُه فََلمّا نَجّا ُكمْ إِلَى ا ْلبَرّ أَعْرَ ْ
حرِ ِب ِن ْعمَتِ اللّهِ ك تَجْرِي فِي ا ْلبَ ْ ضعف النسان وعجزه أمام هذا المخلوق الكبير ،وآيات في قدرة ال إذا شاء ينجي وإذا شاء يغرق( .أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ
شكُورٍ) صبار على طاعة ال وعلى الشدائد ،صبّار (على وزن فعال) من صبر على وزن فعال من صبّا ٍر َ ن فِي ذَِلكَ لَآيَاتٍ ّلكُلّ َ ن آيَاتِهِ إِ ّ ِليُ ِر َيكُم مّ ْ
صيغ المبالغة إما صبار على طاعة ال أو على ما يصيبه من الشدائد .والشكور على ما أفاض به عليه من النعم ،وشكور على وزن فعول كثير
الشكر .الصبر عام قد يكون صبر عن المعصية أو صبر على الطاعة أو صبر على الشدة فالطاعات تحتاج إلى صبر مثل الصلة والصوم
طبِ ْر عََل ْيهَا ( )132طه) والصوم نصف الصبر والصبر نصف اليمان ،الطاعات تحتاج إلى صبر والشدائد تحتاج إلى (وَ ْأمُرْ أَ ْهَلكَ بِالصّلَاةِ وَاصْ َ
ك بَِأمْرِهِ َوِلتَ ْب َتغُوا مِن َفضْلِهِ ي الْفُ ْل ُح َمتِهِ وَِل َتجْرِ َ ح ُمبَشّرَاتٍ وَِلُيذِي َقكُم مّن رّ ْ ن آيَاتِهِ أَن يُ ْرسِلَ ال ّريَا َ صبر وال تعالى يطلب منا أن نشكر على النعم ( َومِ ْ
عمَلُوا آلَ ن ( )12الجاثية) (ا ْ شكُرُو َ ك فِيهِ بَِأمْ ِرهِ وَِل َتبْ َتغُوا مِن َفضْلِهِ وََلعَّلكُ ْم تَ ْجرِيَ ا ْلفُ ْل ُ ن ( )46الروم) (اللّهُ اّلذِي سخّرَ َلكُ ُم ا ْلبَحْرَ ِلتَ ْ شكُرُو َ َوَلعَّلكُ ْم تَ ْ
ل مَن يُنَجّيكُم مّن شكُو ُر ( )13سبأ) وقد يكون الشكر على النجاة وقال تعالى على لسان الناجين من البحر (قُ ْ عبَادِيَ ال ّ ن ِل مّ ْ شكْرًا َوقَلِي ٌ دَاوُودَ ُ
ن مِنَ الشّاكِرِينَ ( )63النعام) والنجاة أيضا نعمة. ن هَـذِهِ َل َنكُونَ ّ خ ْفيَةً ّلئِنْ أَنجَانَا مِ ْ ضرّعا وَ ُ ت ا ْلبَرّ وَا ْلبَحْ ِر َتدْعُونَهُ تَ َ ظُلمَا ِ ُ
حمَ ْلنَا مَ َع نُوحٍ ِإنّ ُه كَانَ هل يقترن الصبار مع الشكور دائما؟ الصبار لم يرد في القرآن كله إل مع الشكور بينما الشكور قد تأتي منفردة (ذُ ّريّةَ مَنْ َ
شكُورٌ ( )34فاطر) الشكور تأتي منفردة وغير منفردة أما الصبار فلم تأتي في جميع القرآن وحدها شكُورًا ( )3السراء) (إِنّ َرّبنَا َل َغفُورٌ َ ع ْبدًا َ َ
حرِ ِب ِن ْعمَتِ ك تَجْرِي فِي ا ْلبَ ْ وإنما مقترنة بالشكور .لماذا اقترن الصبار بالشكور في هذه الية طكالما أن الشكر ينفرد؟ لما قال تعالى (أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ
ح ُد بِآيَا ِتنَا إِلّاصدٌ َومَا يَجْ َ ل دَعَوُا اللّ َه مُخْلِصِينَ لَ ُه الدّينَ فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى ا ْلبَرّ َف ِم ْنهُم مّ ْقتَ ِ ج كَالظَّل ِ ش َيهُم مّ ْو ٌ غِ اللّهِ) هذا اقتضى شكر بعدها مباشرة (وَِإذَا َ
ج كَالظَّللِ ش َيهُم مّ ْو ٌ غِختّا ٍر كَفُو ٍر ( ))32هذا اختبار الصبر ،ذكر اختبار الصبر وليس الشكر إذن لما ذكر أمرين ذكر النعم وذكر التهديد (وَِإذَا َ ل َ كُ ّ
ختّا ٍر كَفُورٍ) قرن الصبر بالشكر وجاء بالوصفين على ل َ حدُ بِآيَا ِتنَا إِلّا كُ ّ
صدٌ َومَا يَجْ َ خلِصِينَ لَ ُه الدّينَ فََلمّا نَجّاهُمْ إِلَى ا ْلبَ ّر َف ِم ْنهُم مّ ْقتَ ِ دَعَوُا اللّ َه مُ ْ
صيغة مبالغة لن النسان يحتاج الصبر على وجه الدوام ويحتاج الشكر على وجه الدوام .هناك ملحظة عامة في القرآن إذا ذكر تهديدا في
ك تَجْرِي فِي البحر أو خوفا فيه قرن الصبر والشكر وإن لم يذكر التهديد والتخويف ذكر الشكر وحده .قال تعالى في سورة لقمان (أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ
شكُو ٍر ( ))31ذكر الصبر والشكر ،في سورة الشورى ( َومِنْ آيَاتِهِ ا ْلجَوَا ِر فِي صبّارٍ َ ن فِي ذَِلكَ لَآيَاتٍ ّلكُلّ َ ن آيَاتِهِ إِ ّا ْلبَحْ ِر ِبنِ ْعمَتِ اللّهِ ِليُ ِر َيكُم مّ ْ
ف عَن سبُوا َو َيعْ ُ شكُو ٍر ( )33أَ ْو يُوبِ ْقهُنّ ِبمَا كَ َ صبّارٍ َن فِي ذَِلكَ لَآيَاتٍ ّلكُلّ َ ظهْرِهِ إِ ّ سكِنِ الرّيحَ َفيَظْلَلْنَ َروَاكِ َد عَلَى َ ا ْلبَحْ ِر كَا ْلأَعْلَا ِم ( )32إِن يَشَ ْأ يُ ْ
َكثِي ٍر ( ))34اي يهلكهم ،هذا تهديد يهلكهم ويهلك من فيها .ذكر أمرين لما هددهم ذكر الصبر والشكر .إذا لم يذكر التهديد يذكر الشكر وحده (وَهُوَ
ن ( )14النحل) شكُرُو َ ك مَوَاخِ َر فِيهِ وَِل َتبْ َتغُو ْا مِن َفضْلِهِ وََلعَّلكُ ْم تَ ْ س َتخْرِجُو ْا مِنْهُ حِ ْليَ ًة تَ ْلبَسُو َنهَا َوتَرَى الْفُ ْل َ حمًا طَ ِريّا َوتَ ْ اّلذِي سَخّ َر ا ْلبَحْرَ ِلتَ ْأكُلُو ْا مِنْهُ لَ ْ
ح َمتِهِ وَِلتَجْ ِريَ الْ ُف ْلكُ بَِأ ْمرِهِ وَِل َتبْ َتغُوا مِن فَضْلِهِ وََلعَّلكُمْ ل ال ّريَاحَ ُمبَشّرَاتٍ وَِلُيذِي َقكُم مّن رّ ْ ن آيَاتِهِ أَن يُرْسِ َ لم يذكر صبّار لن الية كلها نعمَ ( ،ومِ ْ
ستَخْرِجُونَ حِ ْليَةً حمًا طَ ِريّا َوتَ ْ ل تَ ْأكُلُونَ َل ْ شرَابُهُ وَ َهذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ َومِن كُ ّ ب فُرَاتٌ سَائِغٌ َ عذْ ٌستَوِي ا ْلبَحْرَانِ َهذَا َ ن ( )46الروم) كلها نعمَ ( ،ومَا يَ ْ شكُرُو َ تَ ْ
ك فِيهِ ِبَأمْرِهِ وَِل َت ْبتَغُوا مِن ي الْفُ ْل ُن ( )12فاطر) (اللّ ُه اّلذِي سخّ َر َلكُمُ ا ْلبَحْرَ ِل َتجْرِ َ شكُرُو َ خرَ ِل َتبْ َتغُوا مِن َفضْلِهِ وََلعَّلكُ ْم تَ ْ تَ ْلبَسُو َنهَا َوتَرَى الْ ُف ْلكَ فِي ِه مَوَا ِ
ن ( )12الجاثية) إذا لم يذكر تهديدا ذكر الشكر وحده وإذا ذكر التهديد قرن صبّار مع شكور في جميع القرآن وقدّم صبار شكُرُو َ َفضْلِهِ وََلعَّلكُ ْم تَ ْ
على شكور.
*من المخاطب في الية (ألم تر)؟
بالخطاب. كل من يصح خطابه من المكلّفين .بدأ الخطاب بالمفرد (ألم تر) ثم جاء بالجمع (لنريكم) هذه عامة ولم يخص النبي
آية (:)32
ختّارٍ كَفُو ٍر ())32 حدُ بِآيَاتِنَا ِإلّا ُكلّ َ
جَص ٌد وَمَا يَ ْ
ن لَ ُه الدّينَ َفلَمّا َنجّاهُمْ ِإلَى الْبَرّ فَ ِم ْنهُم مّقْتَ ِ
خلِصِي َ
عوُا اللّهَ مُ ْ
ظ َللِ دَ َ
(وَِإذَا غَشِ َيهُم ّم ْوجٌ كَال ّ
فكرة عامة عن الية :هذه آية عظيمة من آيات ال في النسان .ال تعالى فطر النسان على التوحيد ،على اليمان به وتوحيده لكن فطرة النسان
قد تغطيها أتربة الحياة والمنطق العقلي ينكر أحيانا وجود ال أو يشرك به لكن إذا وقع في مهلكة وأصابه مرض وانقطعت به السباب وانقطعت
به كل أسباب الرجاء وأيقن بالهلك وخاب أمله في كل من كان يرجو منه العون وعجز الجميع عن تنجيته انزاح عن الفطرة ما كان يغطيها من
ل مَن تَ ْدعُونَ
س ُكمُ الْضّرّ فِي ا ْلبَحْ ِر ضَ ّ
التربة واتجه إلى ال تعالى وظهرت الفطرة التي فطره ال تعالى عليها مستغيثة بالواحد الحد فقط (وَِإذَا مَ ّ
ن كَفُورًا ( )67السراء) هذه آية عظيمة من آيات ال وقد رأينا وسمعنا في حياتنا أناسا من أشد لنْسَا ُضتُمْ َوكَانَ ا ِ
عرَ ِْإلّ ِإيّاهُ َفَلمّا نَجّاكُ ْم إِلَى ا ْلبَرّ أَ ْ
الناس إلحادا فلما انقطعت بهم السباب قالوا يا رب يا حفيظ وطلبوا ممن معهم أن يدعوا لهم بالشفاء ،هذه آية عظيمة .الظُلل جمع ظلة وهو
الجبل أو السحاب أو كل ما أظلّك ،يعني إذا جاءهم الموج كالجبال وغطاهم وأيقنوا بالهلك دعوا ال مخلصين له الدين ،وكأن الية تصورهم في
البحر في عزلة تامة ل أحد يتمكن من الوصول إليهم في هذا البحر العظيم المتلطم .فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ،من المقتصد؟ هو مقتصد
في الخلص يعني لم يكن على إخلصه عندما وقع به الحال كان يدعو ربه ويستغيث كان مخلصا له الدين فلما خرج لم يكن على هذا
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
الخلص قلّ إخلصه ومنهم مقتصد في الكفر كان كافرا لكن لما نجا قال لعلي أرجع مرة أخرى يقلل غلواءه في الكفر فيقتصد ،يقتصد في
الطاعة وإما يقتصد في الكفر ويرتدع بعض الشيء المسألة ل تزال قريبة من نفسه وهناك هزة عنيفة فينزجر بعض النزجار ويرتدع ،هذا
ختّا ٍر كَفُورٍ ( )32لقمان) ،هو أخلص ل
حدُ بِآيَاتِنَا ِإلّا كُلّ َ
جَالمقتصد .أما الختار ،الختر هو أشد الغدر والخيانة ،ختر بمعنى غدر وخانَ ( .ومَا يَ ْ
عندما دعا ربه في البحر الن خرج .والجحود هو إنكار ما تعلم من الحق ،ينكر حقا يعلم أنه حق ،هذا معنى الجحود وهو إنكار ما تعلم من الحق
لو شخص مدين إلى شخص والمدين يعلم أنه مدين وقال لست مدينا هذا جحود لكن لو نسي ل يسمى جاحدا .الجحود إنكار ما يعلم من الحق
ن ( )14النمل) بآياتنا أي بما رأى وما حدث وما حصل بهذه اليات سدِي َ
ن عَا ِقبَةُ ا ْلمُ ْف ِ
ف كَا َ
سهُ ْم ظُ ْلمًا وَعُلُوّا فَانظُ ْر َكيْ َ
س َتيْ َق َن ْتهَا أَنفُ ُ
حدُوا ِبهَا وَا ْ
( َوجَ َ
عموما كفور جاحد خان العهد الذي قطعه على نفسه سيخلص له دينه ويطيعه لكنه غدر وخان.
َ
م إِلَى الْب َ ّ ِ
ر جاه ُ ْ ن فَل َ َّ
ما ن َ َّ ن لَ ُ
ه الدِّي َ صي َ
خل ِ ِ
م ْ ك دَعَوُا الل ّ َ
ه ُ *في سورة العنكبوت قال (فَإِذ َا َركِبُوا ف ِي الْفُل ْ ِ
ن ( ))65وفي لقمان قال مقتصد فما الفرق بينهما؟ شرِكُو َ
م يُ ْ
إِذ َا هُ ْ
ل دَعَوُا اللّ َه مُخْلِصِينَ لَ ُه الدّينَ فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى ا ْلبَرّ َف ِم ْنهُم ج كَالظَّل ِ
ش َيهُم مّ ْو ٌغِ لو قرأنا اليتين ،آية لقمان الخطر فيها أكبر والهول فيها أعظم (وَِإذَا َ
ختّا ٍر كَفُورٍ ( ))32هنا لم يذكر (فَِإذَا َر ِكبُوا فِي الْفُ ْلكِ) لم يذكر خطرا أصابهم وإنما هذا خوف يعتري راكب البحر حدُ بِآيَاتِنَا ِإلّا كُلّ َ جَ صدٌ َومَا يَ ْ مّ ْق َت ِ
ج كَالظَّللِ) قال فمنهم مقتصد خفف من غلوائه ،هناك لما نجاهم من البر ( َف ِم ْنهُم ش َيهُم مّ ْو ٌ
غِ عموما فإذن الهول أكبر وأعظم في آية لقمان (وَِإذَا َ
صدٌ) آية لقمان تصور نوعا من الهول ولهذا ناسب معه مقتصد وفي آية العنكبوت فيها فقط ركوب ،في عدم وجود الهوال لن يرى شيئاً مّ ْق َت ِ
يزجره ،ركب في البحر ولم ير آية وكأنه شيء طبيعي ركب في الفلك ،هذا أمر وهناك أمر آخر والسياق في العنكبوت يختلف والسياق يتكلم في
ن ( ))61هو يعتقد بال لكن ينصرف إلى غير شمْسَ وَا ْل َقمَرَ َليَقُولُنّ اللّ ُه فََأنّى يُ ْؤ َفكُو َ سخّرَ ال ّ سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ وَ َ سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ المشركين (وََلئِن َ
حمْدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْكثَرُهُمْ لَا َيعْقِلُونَن اللّ ُه قُلِ ا ْل َ
ض مِن َب ْعدِ مَ ْو ِتهَا َليَقُولُ ّ حيَا بِهِ الْأَ ْر َسمَاء مَاء فََأ ْ ل مِنَ ال ّ سأَ ْل َتهُم مّن نّزّ َ
ال (يؤفكون يعني يصرفون) (وََلئِن َ
ف َيعَْلمُونَ ( ))66إذن هذا السياق في العنكبوت في سياق المشركين أما في لقمان فليس في سياق (ِ( ))63ل َيكْفُرُوا بِمَا آ َت ْينَاهُ ْم وَِل َيتَ َمّتعُوا َفسَوْ َ
خبِيرٌ
ن اللّ َه ِبمَا تَ ْعمَلُونَ َ سمّى وَأَ ّ ل مّ َ ل يَجْرِي إِلَى َأجَ ٍ شمْسَ وَا ْل َقمَ َر كُ ّسخّرَ ال ّ ل فِي ال ّنهَارِ َويُولِجُ ال ّنهَا َر فِي الّليْلِ وَ َ المجرمين (أََل ْم تَرَ أَنّ اللّ َه يُولِجُ الّليْ َ
شكُو ٍر ( .))31إذا كان المتحدث عنهم في صبّارٍ َ ن فِي ذَِلكَ لَآيَاتٍ ّلكُلّ َ ن آيَاتِهِ إِ ّ
جرِي فِي ا ْلبَحْ ِر ِبنِ ْعمَتِ اللّهِ ِليُ ِر َيكُم مّ ْ ك تَ ْ (( ))29أََل ْم تَرَ أَنّ الْفُ ْل َ
ن ِبهِمحتّى ِإذَا كُنتُمْ فِي ا ْلفُ ْلكِ وَجَ َريْ َ سيّ ُر ُك ْم فِي ا ْلبَرّ وَا ْلبَحْرِ َ العنكبوت هم المشركون وفي لقمان لم تصور الية أنهم مشركون قال تعالى (هُ َو اّلذِي يُ َ
ج ْي َتنَا مِنْ هَـذِهِ ط ِبهِ ْم دَعَوُ ْا اللّ َه مُخْلِصِينَ لَ ُه الدّينَ َلئِنْ أَن َ ظنّواْ َأّنهُمْ أُحِي َل َمكَانٍ َو َ ج مِن كُ ّ طّيبَةٍ َو َفرِحُو ْا ِبهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ َوجَاءهُ ُم ا ْلمَوْ ُ بِرِيحٍ َ
ن ( )22يونس) كلهما دعا في اليتين تحسبا لما قد يقع يعني لعله يتم شيء غير متوقع ففي الحالتين دعوا ال .غشيهم الموج َل َنكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِي َ
اقتضى مقتصد وعدم ذكر غشيهم الموج اقتضى مشركون ما جاءهم شيء يدعوهم إلى النزجار أو يردعهم.
َ ُ
ه الدِّي نََ ( )32لقمان) تقديَم الجار والمجرور على ن ل ََ ُ
صي َ
خل َِ ِ
م ْ ل دَعَوُا الل َّ َ
ه ُ ج كَالظ ّل َ ِ شيَهَُم َّ
موَْ ٌ *(وَإِذ َا غَ ِ
م لِلّهِ ( )146النساء)؟ َ
صوا ْ دِينَهُ ْ
خل َ ُ
الدين وفي آيات أخرى قدم الدين على الجار والمجرور (وَأ ْ
صمُو ْا بِاللّ ِه وَأَخَْلصُو ْا دِي َنهُمْ لِلّهِ عتَ َ في عموم اليات في القرآن الكريم يقدم الجار والمجرور على الدين عدا آية النساء (ِإلّ اّلذِينَ تَابُواْ وََأصْلَحُواْ وَا ْ
( ))146قدم الدين على الجار والمجرور .التقديم والتأخير حسب ما يقتضيه السياق .السياق في سورة النساء في الكلم على المنافقين يبدأ من
جمِيعًا ( عنْدَهُمُ ا ْلعِزّةَ َفإِنّ ا ْلعِزّةَ ِللّهِ َ ن ِ ن دُونِ ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ َأ َيبْ َتغُو َ ن َيتّخِذُونَ ا ْلكَافِرِينَ َأوِْليَا َء مِ ْ عذَابًا أَلِيمًا ( )138اّلذِي َ ن بِأَنّ َلهُ ْم َ قوله تعالى (بَشّرِ ا ْل ُمنَافِقِي َ
غيْرِهِ ِإّنكُمْ ِإذًا ِمثْلُهُمْ ِإنّ ث َ حدِي ٍ حتّى يَخُوضُوا فِي َ س َتهْزَُأ ِبهَا فَلَا تَ ْق ُعدُوا َم َعهُمْ َ س ِم ْعتُمْ َآيَاتِ اللّ ِه ُيكْفَ ُر ِبهَا َويُ ْ ل عََل ْيكُمْ فِي ا ْل ِكتَابِ أَنْ ِإذَا َ َ )139و َقدْ نَزّ َ
ن نَصِيبٌ ن كَانَ ِل ْلكَافِرِي َ ح مِنَ اللّ ِه قَالُوا أَلَ ْم َنكُنْ َم َعكُمْ وَإِ ْ ن كَانَ َلكُ ْم َفتْ ٌ ن ِبكُ ْم فَإِ ْجمِيعًا ( )140اّلذِينَ َيتَ َربّصُو َ جهَنّ َم َ ن فِي َ اللّهَ جَامِعُ ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلكَافِرِي َ
سبِيلًا ( )141إِنّ ا ْل ُمنَا ِفقِينَ ن عَلَى ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ َ جعَلَ اللّ ُه لِ ْلكَافِرِي َن يَ ْ حكُ ُم َبيْ َنكُ ْم يَوْمَ ا ْل ِقيَامَةِ وَلَ ْ
ستَحْ ِوذْ عََل ْيكُمْ َو َن ْم َنعْكُ ْم مِنَ ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ فَاللّ ُه يَ ْ
قَالُوا أََل ْم نَ ْ
ن ذَِلكَ لَا إِلَى هَ ُؤلَاءِ وَلَا يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ َوِإذَا قَامُوا إِلَى الصّلَا ِة قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النّاسَ وَلَا يَ ْذكُرُونَ اللّهَ ِإلّا قَلِيلًا (ُ )142مذَ ْبذَبِينَ َبيْ َ
جعَلُوا لِلّ ِه عََل ْيكُمْ ن تَ ْسبِيلًا ( )143يَا َأّيهَا اّلذِينَ َآ َمنُوا لَا َتتّخِذُوا ا ْلكَافِرِينَ أَوِْليَا َء مِنْ دُونِ ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ َأتُرِيدُونَ أَ ْ جدَ لَ ُه َ ن تَ ِ ل اللّ ُه فَلَ ْ ن يُضْلِ ِ ِإلَى هَؤُلَاءِ َومَ ْ
صمُوا بِاللّ ِه وَأَخَْلصُوا دِي َنهُمْ عتَ َجدَ َلهُ ْم نَصِيرًا ( )145إِلّا اّلذِينَ تَابُوا وََأصْلَحُوا وَا ْ ن تَ ِل مِنَ النّا ِر وَلَ ْ سفَ ِ سُلْطَانًا مُبِينًا ( )144إِنّ ا ْل ُمنَا ِفقِينَ فِي الدّ ْركِ الْأَ ْ
ف يُ ْؤتِ اللّهُ ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ َأجْرًا عَظِيمًا ( 9 ))146آيات تتعلق بذكر المنافقين فلما كان الكلم على ذكر المنافقين قدم ما ك مَعَ ا ْلمُ ْؤمِنِينَ وَسَوْ َ ِللّهِ َفأُوَل ِئ َ
يتعلق بالمنافقين وهو كلمة دين المضافة إلى ضميرهم (وَأَخَْلصُو ْا دِي َنهُمْ لِلّهِ) دينهم مضافة إليهم ،دينهم أي معتقدهم ،أخلصوه ل .اليات الخرى
كلها الكلم على ال تعالى هنا الكلم على المنافقين فقدم ما يتعلق به واليات الخرى الكلم على ال تعالى فقدم ما يتعلق به مثالِ( :إنّا أَن َز ْلنَا إَِل ْيكَ
عُبدَ اللّهَ ص ( )3الزمر) الكلم على ال تعالى ،ويستمر الكلم (قُلْ ِإنّي ُأمِرْتُ أَنْ أَ ْ عُبدِ اللّ َه مُخْلِصًا لّ ُه الدّينَ ( )2أَلَا لِلّ ِه الدّينُ الْخَالِ ُ ق فَا ْ
ب بِا ْلحَ ّا ْلكِتَا َ
عُبدُ مُخِْلصًا لّهُ ب يَوْ ٍم عَظِي ٍم (ُ )13قلِ اللّهَ أَ ْ عذَا َ ت َربّي َ صيْ ُ ن عَ َ ن ( )11وَُأمِ ْرتُ لِأَنْ َأكُونَ أَوّلَ ا ْلمُسِْلمِينَ (( ))12قُلْ ِإنّي أَخَافُ إِ ْ خلِصًا لّهُ الدّي َ مُ ْ
حمْدُ خلِصِينَ لَ ُه الدّينَ ا ْل َ حيّ لَا إِلَ َه إِلّا هُ َو فَادْعُوهُ مُ ْ دِينِي ( )14الزمر) الكلم على ال تعالى فما كان الكلم على ال قدم ضميره ما يتعلق به( ،هُوَ الْ َ
ِللّهِ رَبّ ا ْلعَاَلمِينَ ( )65غافر) لما كان الكلم على ال قدم ما يتعلق به وهو مضيره ولما كان الكلم على المنافقين قدم ما يتعلق بهم وهو
ضميرهم (دينهم) هكذا في جميع القرآن.
آية (:)33
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
َ َ
س اتَّقُوا
ه بِوَلَدَِهِ ( )233البقرة) وفي سَورة لقمان (ي َا أيُّه َا النَّا ُ موْلُود ٌ ل ّ ُ
ضآَّر وَالِدَةٌ بِوَلَدِ َه َا وَل َ َ
*(ل َ ت ُ َ
شيْئًا ( ))33فمَا دللة هذه موْلُود ٌ هُوَ َ ٍ
جاز عََن وَالِدَِهِ َ جزِي وَالِد ٌ عََن وَلَدَِهِ وََل َ ما ّل ي َ ْ خ َ
شوْا يَوَْ ً م وَا ْ َربَّك َُ ْ
الصيغة؟
الولد يقع على الولد وولد الولد أي الحفاد أما المولود ل يقع إل على من ولِد منك .فقول عندي ولد غير قول عندي مولود والولد تستعمله العرب
لمن ولِد منك ولمن بعده .الولد يعني ابني أو ابن ابني أما المولود فهو ابني .في الية الولد لو شفع للب الدنى أي لبيه الذي ولِد منه لن تقبل
ش ْيئًا) هذه خاصة ،الب القرب( .لّا يَجْزِي وَاِل ٌد عَن وََلدِهِ) هذه عامة سواء كان ابنه أو شفاعته فكيف بالخرين؟!( ،وَلَا مَوْلُو ٌد هُوَ جَا ٍز عَن وَاِلدِهِ َ
ش ْيئًا) يعني ل يشفع لبيه القرب فكيف حفيده ويقولون أحيانا الحفيد أعز من الولد .لكن المولود خاصة فجاءت (وَلَا مَوْلُو ٌد هُوَ جَا ٍز عَن وَاِلدِهِ َ
بغيره؟! فإن كان ل يشفع للقرب فلن يشفع لغيره.
ل عن الجانب سؤال :أليست اللغة العربية تبدو عصيّة على الفهم من خلل ما تفضلتم به الن؟ نزل بها القرآن الكريم ومعظمنا ل يجيدها فض ً
الذين ل يتعلمون الفصحى فكيف يفهمون كتاب ال عز وجل؟
هناك الفهم العام المارد به العمل المكلف به هذا ليس فيه إشكال لكن النحو والشتقاق مثلً ففيه لكل واحد طريقة فطالب النحو غير طالب
الصرف غير طالب الشتقاق غير طالب البلغة وهكذا كل واحد له طريقه في هذه المسألة وليس كل الناس مكلفون بهذا المر إنما هم مكلفون
بسلمة العتقاد وحسن العمل .ومن أراد أن يتذوق كلم ال فعليه أن يتعلم اللغة العربية فهي متسعة ولكن ليست صعبة فنحن مهما تعلّمنا نجهل
أكثر بكثير مما نعلم ،هذا هو الواقع وكلنا تلميذ وكل واحد في مرحلة.
َ َ َ
س
س عََن ن ّفَْ ٍ جزِي وَالِد ٌ عََن وَلَدَِهِ) وفَي البقرة قال (وَاتَّقُوا ْ يَوْما ً ل ّ ت َ ْ
جزِي نَفَْ ٌ ما ّل ي َ ْ خ َ
شوْا يَوَْ ً * (وَا ْ
شيْئا ً ( )48البقرة) فما الفرق بين الوالد والولد والنفس؟ َ
ح ْب ُهمَا فِي ال ّدنْيَا َمعْرُوفًا) والسورة تحمل إسم لقمان (والد) وهي ل ننسى أنه في هذه السورة نفسها في لقمان ذكر الوالدين والوصية بهما (وَصَا ِ
ل مع إسم السورة مأخوذة من موقف وموعظة لقمان لبنه وكيف أوصاه ووصية ربنا بالوالدين وهي داخل وصية لقمان لبنه ،إذن هذه أنسب أو ً
ومع ما ورد في السورة من الحسان إلى الوالدين والبر بهما ومصاحبتهما في الدنيا معروفا ،في البقرة لم يذكر هذا .فإذن ذكر الوالد والولد في
ح ْب ُهمَا فِي ال ّدنْيَا َمعْرُوفًا) ذكّر هنا أن هذا ل يمتد إلى
آية لقمان مناسب لما ورد في السورة من الحسان إلى الوالدين والبر ومع أنه قال (وَصَا ِ
الخرة وإنما خاص بالدنيا .في هذه الية (لّا يَجْزِي وَاِل ٌد عَن وََلدِهِ) هذا في الخرة إذن المصاحبة بالمعروف والحسان إليهما وما وصى به في
ك بِهِ
ش ِركَ بِي مَا َليْسَ َل َ
السورة ل يمتد إلى الخرة (وَاخْشَوْا يَ ْومًا لّا يَجْزِي وَاِل ٌد عَن َوَلدِهِ) إذن الحسان مرتبط بالدنيا فقط (وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن تُ ْ
ج ُعكُ ْم َفُأ َنبّ ُئكُم ِبمَا كُنتُ ْم َت ْعمَلُونَ) إذن ل يتوقع الب أن ولده
ي مَرْ ِ
ي ثُمّ ِإلَ ّ
سبِيلَ مَنْ َأنَابَ إِلَ ّ
ح ْب ُهمَا فِي ال ّد ْنيَا َمعْرُوفًا وَا ّتبِعْ َ
ط ْع ُهمَا وَصَا ِ
عِ ْل ٌم فَلَا تُ ِ
سيجزي عنه في الخرة ،عليه أن ل يتوقع ذلك وأن هذه المصاحبة ستنقطع في الدنيا وهي في أمور الدنيا وليست في أمور الخرة فإذن هذه
مناسبة لقطع أطماع الوالدين المشركين أنه إذا كان ولدهما مؤمنا فل ينفع عنهما ول يدفع ول يجزي عنهما شيئا في الخرة فإذن هي مناسبة لما
ورد في السورة من ذكر الوالدين والمر بالمصاحبة لهما ونحوه.
َ
شيْئًا) قدم الوالد على موْلُود ٌ هُوَ َ
جازٍ ع َن َوالِد ِهِ َ جزِي وَالِد ٌ ع َن وَلَد ِهِ وََل َ
ما ّل ي َ ْ خ َ
شوْا يَو ْ ً *في الية (وَا ْ
الولد فلماذا؟
لن الوالد أكثر شفقة على الولد فالوالد يتمنى أن ينقذ ابنه بأي سبيل من السبل ،أية وسيلة بدافع الشفقة وليس بدافع التكليف ،أي أب يتمنى أن
يدفع عن ابنه الضر إذا رأى أنه سيصيبه فقدم الوالد بدافع الشفقة لن الب أحرص على ابنه وأحرص على نفعه وأحرص على دفع الضر عنه.
ن أَ ِ
خي هِ ( م ْ م يَفُِّر ال ْ َ
مْر ُء ِ سؤال من المقدم :في مكان آخر في نفس تصوير الموقف قال تعالى (يَو ْ َ
حبَتِهِ وَبَنِيهِ ( )36عبس) المرء هو الذي يفر من والديه ،فما الفرق؟ صا ِ َ ُ
مهِ َوأبِيهِ ( )35وَ َ
)34وَأ ِّ
فرق بين الجزاء والفرار ،هذا النسان يريد أن يخلو بنفسه وليس في موقف جزاء هذا ول إنقاذ ،حتى الن في البيت أحيانا يقول أحدهم اتركوني
ن يُ ْغنِيهِ ( )37عبس) فهذا موقف فرار يريد أن يخلو بنفسه ،ماذا قدّم؟ ماذا شأْ ٌ
ئ ّمنْهُ ْم يَ ْو َمئِذٍ َ
ل امْ ِر ٍ
وحدي ،عنده ما يشغله ،عنده شيء يفكر فيه (ِلكُ ّ
هناك؟ كيف يفعل؟ هذا موقف آخر غير هذا الموقف ،موقف ثاني هذا ،هذا موقف جزاء وذاك موقف الفرار لينظر ماذا هناك؟ كيف سينجو؟ ماذا
ح َبتِهِ َو َبنِيهِ ( )36عبس) والفرار المعلوم في الدنيا أولً المرء يفر من الباعد ثم ينتهي قدّم (يَوْ َم يَفِ ّر ا ْلمَرْ ُء مِنْ أَخِي ِه ( )34وَُأمّهِ وََأبِيهِ ( )35وَصَا ِ
ل من البعيد فالخ هو أبعد المذكورين (يَوْ َم يَ ِفرّ ا ْلمَرْ ُء مِنْ َأخِيهِ ( )34وَُأمّهِ وََأبِيهِ ( )35وَصَا ِ
ح َبتِهِ َو َبنِيهِ بأقرب الناس إليه ،هكذا عندما تفرّ تفر أو ً
( )36عبس) آخر من يفر منهم هم البناء لنهم ألصق الناس بقلبه .وقدّم الفرار من الم على الفرار من الب لن الب أقدر على النفع والدفع
من الم ،في الدنيا الب هو الذي يدفع أما الم يمكن أن تبكي وتصيح والب هو الذي يدفع ،هذا العرابي الذي بشر بمولودة فقالوا جاءتك
مولودة فقال وال ما هي بنعِم الولد نصرُها بكاء وبِرّها سرقة (تأخذ من مال زوجها وتعطي) .إذن الفرار رتب بهذا الترتيب ،الفرار من أخيه لنه
أبعد المذكورين قد ل يلتقي به مدة طويلة ولو كانا في مكان واحد في مدينة واحدة وحتى مع الم والب هناك بيت شرعي وحده خارج عن امه
وأبيه هو يوميا مع زوجه وبنيه لكن قد تمر أشهر دون أن يرى أمه وأبيه ،فإذن يوم المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ،الصاحبة هو
يوميا يأوي إليها وبنيه لنه قد يفارق النسان زوجته ولكن يبقى أولده معه ،الصاحبة هنا بمعنى الزوجة وأحيانا يصير خلف على البناء ،إذن
البنين آخر من يفر منهم .كل كلمة في اللغة لها دللة وقد يكون لها أكثر من دللة مثل المشترك اللفظي والضداد لكن السياق هو الذي يحددها
حتى المترادفات توضع في سياقها.
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
َ
شيْئًا) يجزي جاء بصيغة بالفعل موْلُود ٌ هُوَ َ
جازٍ ع َن وَالِدِهِ َ جزِي وَالِد ٌ ع َن وَلَدِهِ وََل َ
ما ّل ي َ ْ خ َ
شوْا يَوْ ً * (وَا ْ
وجازٍ بصيغة إسم الفعل فما دللة اختلف الصيغة؟
القوى هو السم لنه يدل على الثبوت ،ربنا وصّى البناء بالباء إذن هذا تكليف شرعي يعني الحسان إلى البوين تكليف شرعي ثابت .الب
ليس مكلفا النفاق على الولد إذا بلغ سن الرشد فإذن بعد البلوغ يصير البن مكلفا بنفسه وبأبيه ،إذن بعد البلوغ البن هو المكلّف وهو المطلوب
منه الحسان إلى والديه وليس العكس فهذا والب على وجه الشفقة،الحسان إلى البوين البناء هم مكلفون فيه على وجه التكليف والباء إحسانهم
على وجه الشفقة وليس على وجه التكليف .بعد البلوغ الب ليس مكلفا شرعا بالحسان إلى أبنائه والنفاق عليهم وإنما البن هو مكلف شرعا
ش ْيئًا) بالسمية الدالّة على الثبوت ولكن بدافع الشفقة أما هذه بالحسان إلى والديه إذن الثبت هو الحكم الشرعي (وَلَا مَوْلُو ٌد هُوَ جَا ٍز عَن وَاِلدِهِ َ
ش ْيئًا)
بدافع التكليف الشرعي ربنا أجبره وكلّف به الفرد( .وَاخْشَوْا يَ ْومًا لّا يَجْزِي وَاِل ٌد عَن َوَلدِهِ) هذا بدافع الشفقة و (وَلَا مَوْلُو ٌد هُوَ جَا ٍز عَن وَاِلدِهِ َ
هذا بدافع التكليف لن البن هو مكلّف بالحسان إلى الب .أصلً المصاحبة ليست واحدة فل يمكن أن يساوي بينهما ،واحدة مصاحبة واجبة من
البن لبيه بدافع التكليف وواحدة بدافع الشفقة من الب لبنه وليس مكلفا شرعا.
* هل هناك لمسات أخرى في هذه الية؟
شيْئًا) ما معنى شيئا؟ شيئا فيها احتمالن إما شيئا من خشَوْا يَ ْومًا لّا َيجْزِي وَاِلدٌ عَن وََلدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُ َو جَازٍ عَن وَاِلدِهِ َ س اتّقُوا َرّبكُمْ وَا ْ
(يَا َأّيهَا النّا ُ
الجزاء معناه سيصير (شيئا) مفعول مطلق لفعل (يجزي) يجزي شيئا من الجزاء أنا ل أجزيك شيئا من الجزاء ،هذه يسمونها البعضية والكُلية:
ضربته كل الضرب ،ضربته بعض الضرب ،يسير الضرب ،شيئا من الضرب هذه كلها مفعول مطلق( .شيئا) فيها احتمالن إما ل يجزي شيئا
شيْئًا ( )36النساء) شيئا فيها احتمالن وليست مثل (ول ش ِركُو ْا بِهِ َ
عبُدُواْ اللّهَ َولَ تُ ْمن الجزاء أو ل يجزي شيئا من الشياء الملموسة مثل (وَا ْ
يشرك به أحدا) أحدا يعني شخص( .شيئا) فيها دللتان إما شيئا من الشرك لن الشرك هو درجات هناك شرك أصغر وشرك أكبر أو شيئا من
الشياء كل شيء سواء كان أحدا من الناس أو الصنام أو غيره .إذن (ل تشركوا به شيئا) فيها دللتان :ل تشركوا به شيئا من الشرك ول شيئا
من الشياء ،ل شيئا من الشرك بأن تستعين بغير ال فالشرك درجات كما أن اليمان درجات ول شيئا من الشياء( .شيئا) إما ل شيئا من الجزاء
ب واحدا أو قذف واحدا هذا يتعلق بالشخاص .اشتريت شيئا من السوق (شيئا أو شيئا من الشياء مثلً هو مدين لواحد أو تعدّى على واحد أو س ّ
هنا مفعول به)( ،أنا ل أظلمك شيئا من الظلم) يعني ل أظلمك ظلما ولو كان قليلً ،كيف نعرب (ظلما)؟ مفعول مطلق .ل أظلمك شيئا إذا قصدت
به شيئا من الظلم فهو مفعول مطلق وإذا قصدت به شيئا من الشياء فهو مفعول به .بحسب ما يقصد من الكلم وهذا من باب التوسع في المعنى،
هو لم يرد أن يحدد معنى واحدا ولو أراد لجاء بشيء يحدده لو قال شيئا من الجزاء أو شيئا من البناء لصار مفعول مطلق تحديدا هو أراد
الطلق العام سواء في الجزاء أو في ما يجزى به من الشياء( .شيئا) نفهمها هنا للوالد والولد معا .إذن يحتمل معنييان المصدرية والمفعول به
سبُونَ ( )82التوبة) وقلنا أنها تحتمل المصدر وتحتمل الظرف ،وقتا قليلً أو حكُو ْا قَلِيلً وَ ْل َيبْكُو ْا َكثِيرًا جَزَاء ِبمَا كَانُو ْا َيكْ ِ
ل (فَ ْليَضْ َ
وضربنا سابقا مث ً
ل (بَلْ كَانُوا لَا يَ ْف َقهُونَ إِلّا قَلِيلًا ( )15الفتح) هل قليل من المور أو قليل من الفقه؟ فِقهم قليل أو المور التي يفقهها قليلة؟ ضحكا قلي ً
* أي المعنيين أفضل؟
أنت ماذا تريد؟ هل تريد الطلق؟ هل تريد كليهما أو تريد أن يخصص؟ إذا لم يوجد قرينة سياقية يجمع المعاني ويكون هناك توسع في المعنى
ما لم يكن هناك قرينة تحدد أحدهما.
حقّ َفلَا َتغُرّ ّن ُكمُ الْحَيَا ُة الدّ ْنيَا َولَا َيغُرّ ّنكُم بِاللّ ِه ا ْلغَرُورُ ())33
ع َد اللّهِ َ
ن وَ ْ
(إِ ّ
ل تغرنّكم هذا نهي عن الغترار بالحياة الدنيا .وأولً هو نسب الغر للحياة الدنيا أصلها فل تغتروا بالحياة الدنيا فكأن الحياة الدنيا والشيطان
ينصبان الشَرَك لغرّ النسان ،لو قال ل تغتروا فقط سيكون النهي متعلقا بالنسان( .ل) ناهية ،هو ينهي الحياة الدنيا عن أن تغرّ النسان وينهي
الشيطان عن غرّه والمعنى ل تغتروا لن الحياة الدنيا تنصب لكم الشرك كأنما الحياة الدنيا والشيطان هما قائمان على نصب الشراك ليقاع
النسان بالعداوة .المعنى ل يغتر النسان بهذه الحياة لكن والصيغة نهى الحياة الدنيا عن أن ل تغر المسلم .الغرور هو الشيطان وما قال
الشيطان ،هنالك فرق بين الغُرور والغَرور ،الغرور مصدر والغَرور صيغة مبالغة على وزن فعول أي كثير الغرّ للخرين فهو لم يقل الشيطان
لن الشيطان أشهر من يغرّ النسان لكن كل من يغ ّر يدخل في ذلك قد يغر شخصٌ شخصا آخر فيخدعه ويغره فإذن اختار الغرور وليس الشيطان
حتى يشمل ويعم كل من يغر شخصا آخر ،ونلحظ أنه أكّد الفعلين بالنون (فَلَا َتغُ ّرّنكُمُ) ( ،وَلَا َيغُ ّرنّكُم) في خارج القرآن فل تغرّكم أو تغرركم
بفك الدغام ،هذه النون نون التوكيد الثقيلة مثل (ليسجنّنّ) والخفيفة مثل (وليكوننّ) .المعنى أنه نهي مؤكد ،لماذا نهي مؤكد؟ لن الدنيا والشيطان
يغرّان النسان قطعا ل محالة إذن النهي ينبغي أن يكون مؤكدا فلما كان غرهما مؤكد ينبغي أن يكون النهي مؤكدا وقدم الحياة الدنيا على
ل يَا آدَمُ
شيْطَانُ قَا َ
الشيطان لنها مبتغى النسان الول حتى لما يغرّه الشيطان يغرّه بالدنيا ،هو يكدح من أجل الدنيا والشيطان قال (فَوَسْ َوسَ إَِليْهِ ال ّ
ل َأدُّلكَ عَلَى شَجَ َرةِ الْخُ ْلدِ َومُ ْلكٍ لّا َيبْلَى ( )120طه) عموم ما في السعادة والراحة والدنيا ،دنيا فقدمها لنها مبتغى النسان والشيطان إذا أراد أن هَ ْ
يغر النسان فبسببها .لم يقل ل تغرنكم الدنيا وإنما قال الحياة الدنيا لن الحياة هي المطلب الول.
*ما الفرق بين الغَرور والغُرور؟
الغَرور هو الشيطان والغُرور هو المصدر (وَلَا َيغُ ّرنّكُم بِاللّهِ ا ْلغَرُورُ ( )33لقمان) الغَرور صيغة مبالغة وإسم للشيطان أما الغرور فهو المصدر.
آية (:)34
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
علِي مٌ
س ِب َأيّ أَرْ ضٍ تَمُو تُ ِإنّ اللّ هَ َ
غدًا وَمَا َتدْرِي نَفْ ٌ
ث وَ َي ْعلَ مُ مَا فِي ا ْلأَرْحَا ِم وَمَا َتدْرِي نَفْ سٌ مّاذَا َتكْ سِبُ َ
علْ مُ ال سّاعَ ِة وَيُنَ ّز ُل ا ْلغَيْ َ
(إِنّ اللّ هَ عِندَ هُ ِ
خبِي ٌر ())34 َ
يقولون إن هذه الية الكريمة ذكرت مفاتح الغيب فبدأت بعلم الساعة وهذا أمر اختص ال تعالى به بنفسه لم يطلع عليه أحد قال تعالى (يَسْأَُلكَ
س عَنِ السّاعَ ِة قُلْ ِإّنمَا عِ ْل ُمهَا عِندَ اللّهِ َومَا يُدْرِيكَ َلعَلّ السّاعَ َة َتكُونُ قَرِيبًا ( )63الحزاب) في أكثر من موطن (يَسْأَلُو َنكَ عَنِ السّاعَةِ َأيّانَ النّا ُ
ع ْنهَا قُلْ ِإّنمَا عِ ْل ُمهَا
ي َ
حفِ ّ
ل َبغْتَ ًة يَسَْألُو َنكَ كََأّنكَ َ
ض لَ َت ْأتِيكُمْ ِإ ّ
سمَاوَاتِ وَالَرْ ِ ت فِي ال ّ ل هُ َو ثَقُلَ ْ
ل يُجَلّيهَا لِ َو ْق ِتهَا ِإ ّ
مُ ْرسَاهَا قُلْ ِإّنمَا عِ ْل ُمهَا عِندَ َربّي َ
ن ذِكْرَاهَا ( )43إِلَى َرّبكَ ُم ْن َتهَاهَا ( ت مِ ْ ن مُ ْرسَاهَا ( )42فِيمَ َأنْ َ ن ( )187العراف) (يَسَْألُو َنكَ عَنِ السّاعَةِ َأيّا َ س لَ َيعَْلمُو َ
عِندَ اللّهِ وَلَـكِنّ َأ ْكثَرَ النّا ِ
)44النازعات) فإذن الساعة ربنا اختص بها حتى تركيب الية (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِ ْلمُ السّاعَةِ) قدّم الخبر (عنده) على المبتدأ (علم الساعة) والجملة
كلها خبر (إنّ) أصلها علم الساعة عنده ،هذا التقديم يفيد الختصاص أي عند ال فقط حصرا تقديم الخبر على المبتدأ إذا كان النبتدأ معرفة يفيد
الحصر في الغالب ،قدم الخبر على المبتدأ أفادت الختصاص أي ل يعلمه إل هو ،و(إنما) أداة حصر وأكد الجملة بـ (إنّ) وهو يفيد تأكيد
القصر ،إذن التقديم والتأكيد يفيد القصر والحصر بأن علم الساعة منتهاه إلى ال تعالى حصرا.
* ما دللة العطف في الية؟
ربنا سبحانه وتعالى استأثر بالعلم والقدرة لنه أول مرة ذكر علم الساعة (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِلْمُ السّاعَةِ) ثم قال بعدها ( َويُنَزّلُ ا ْل َغيْثَ) يعني هو لم
يذكر علة نزول الغيث ما قال ويعلم نزول الغيث لكن قال ( َو َيعْلَ ُم مَا فِي الَْأرْحَامِ) لن تنزيل الغيث هو الذي يعني العباد وليس العلم به بمعنى
تنزيل الغيث هو الذي فيه حياتهم ومعاشهم فإذن هو ذكر ما هو أمس بحياة الناس ونعمة ال عليهم الغيث تتم به مصالحهم وحياتهم فاختار ما هو
أدل على النعم قال ( َو ُينَزّلُ ا ْل َغيْثَ) .علم الساعة بعد زوال هؤلء وذهباهم بقرون ،في حياتهم الحالية يعنيهم للتذكر وأخذ العبرة أما موعدها فل
يعنيهم ،نزول الغيث يعنيهم هم لذلك ذكر ما هو أدل على النعمة فقال ( َو ُينَزّلُ ا ْل َغيْثَ) قال ينزل بالمضارع لن هذا يتكرر ويتجدد وكذلك قال
( َو َيعْلَ ُم مَا فِي الَْأرْحَامِ) لن هذا متجدد أيضا الرحام مستمرة في كل لحظة يحصل ما في الرحام .ثم إن هذا العلم البعض يقولون أن الناس قد
يعلمون علم الجنة بالسونار وغيره ،ليس المقصود فقط علم الجنس ذكر أو أنثى وإنما هذا شيء من العلم ،يعلم ما في الرحام يعلم الجنس وغير
ذلك كونه تام أو ناقص ،ذكي أو بليغ شقي أو سعيد ما استعدادته البدنية هذه ل يمكن أن يعلم بها أحد فليس المقصود الجنس وإنما الستعداد
الجنسي والنفسي ولون العين أخرس أو غير أخرس وحتى علم الجنة يعلم فقط عندما يستكمل الجنين ول يعلمون جنسه عندما يكون علقة ول
يمكن أن يعلموا ما في الرحام من الية الولى وإنما يعلمونه بعد التشكل بينما ربنا تعالى يعلم ما في الرحام من بدايته والرحام ل تعني
ي ٍء عِندَ ُه ِبمِ ْقدَا ٍر ( )8الرعد) ليس فقط ما لرْحَامُ َومَا تَ ْزدَادُ َوكُلّ شَ ْ
ل كُلّ أُنثَى َومَا َتغِيضُ ا َ
حمِ ُ
النسان فقط وإنما تشمل كل شيئء (اللّ ُه َيعْلَ ُم مَا تَ ْ
ض ( )4التغابن)َ ( .و َيعْلَ ُم مَا فِي الَْأرْحَامِ) في كل الكرة سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْ ِ
يتعلق بالنسان ،ربنا يتكلم عنا يعلم في السموات والرض ( َيعْلَ ُم مَا فِي ال ّ
الرضية وهو مستمر وليس الجنس فقط وإنما العلم بهذه السعة والشمول والدقة في كل الحوال على مدى الزمن وفي كل لحظة يحصل فيها ال
تعالى فقط يعلم بها.
َ
عل َْ ُ
م ال ََّ
ساعَةِ) قصَر وحصَر أن علم السَاعة لله تعالى دون غيره فهَل باقَي اليَة عند ََهُ ِ ن الل َّ َ
ه ِ *(إ َِ َّ
تفيد القصر والحصر أيضاً؟
قسم يقول إذا دخلت (إنّ) ليس بالضرورة تفيد القصر لنها معطوفة على خبر (إن) وقسم قال كما أنه أفاد القصر في الول فالمعطوف عليه يفيد
القصر أيضا وقسم قال ليس بالضرورة المعطوف يكون نفس المعطوف عليه ،نقول محمد حضر وحضر فلن معه عطف جملة فعلية على جملة
إسمية وقد تعطف جملة مؤكدة على جملة غير مؤكدة أو جملة مثبتة على جملة منفية أو العكس :حضر فلن ولم يحضر أخوه ،هذا ممكن .ربنا
قال تعالى عن نفسه ( َو َيعْلَ ُم مَا فِي الَْأرْحَامِ) لكن ليس فيها قصر على نفسه فإذن ل غرابة في أن يتحدث أحد يقول نعلم ذكرا أو أنثى لكنه علم
ناقص وفي وقت محدد عند الستكمال .نحن نفهم الية عامة بهذه الدللة أن ما في الرحام في كل لحظة وفي كل الحوال وهذا ل يمكن أن
يكون إل ل تعالى .ذكر الرسول " أجله ورزقه ،شقي أو سعيد" هذا ل يعلمه إل ال تعالى.
( َو ُينَزّلُ ا ْل َغيْثَ) تأتي إلى نفس الشكال إذا كانت تفيد القصر لغة قسم قالوا تفيد وقسم قالوا ل.
هل يستطيع النسان أن ينزل الغيث الن؟ ربنا ينزل الغيث ،يسوق السحاب وينزل الغيث ،الناس تصلي صلة الستسقاء والبلد الخرى التي
فيها جفاف من ينزل الغيث؟ فلينزلوا غيثهم إذا استطاعوا ،الجفاف يأكل الرض فمن ينزل الغيث إل ال تعالى فإذن ربنا سبحانه وتعالى هو الذي
ينزل الغيث ربنا سبحانه وتعالى هو القادر على ذلك وهو الذي يفعل ذلك إن شاء.
*ما دللة الترتيب في الية؟
غدًا) قسم كان يقول أنا موظف وراتبي محدود فيقول أنا أعلم ما أكسبه اليوم وغدا ،أولً الكسب ل ب َس مّاذَا َتكْسِ ُ قبل الترتيبَ ( ،ومَا تَدْرِي نَفْ ٌ
ت(سبَ ْ
سبَتْ وَعََل ْيهَا مَا ا ْكتَ َ
يتعلق بأمور المعاش فقط ،المعاش كسب لكن ربنا تعالى ذكر الكسب في العمال من الحسنات والسيئات قال (َلهَا مَا كَ َ
ت قُلُو ُبكُ ْم ( )225البقرة) سبَ ْ ت بِهِ خَطِيـ َئتُهُ ( )81البقرة) الكسب قد يكون للقلب (وََلكِن يُؤَا ِ
خ ُذكُم ِبمَا كَ َ سّيئَةً وََأحَاطَ ْ سبَ َ )286البقرة) (بَلَى مَن كَ َ
سبَتْ َأ ْيدِيكُمْ ( )30الشورى) فالكسب عام وحتى أصحاب الجور الثابتة قد يأتيهم ما ليس في البال، والكسب لليد ( َومَا أَصَا َبكُم مّن مّصِيبَةٍ َف ِبمَا كَ َ
بهذا المعنى المطلق ل يمكن أن يعلم أحد ماذا سيكسب غدا لن الكسب متعلق بالعمال من حسنات وسيئات وكسب القلب وما إلى ذلك والذي
يأتيه من مال .الرزق واحد من معاني الكسب فالكسب عام فلماذا يحدد بشيء واحد؟ ومن يعلم ذلك؟ ل يستطيع أحد أن يعلم ماذا سيكسب غدا
ض َتمُوتُ) هذا مكان الجل. س بِأَيّ َأرْ ٍ وماذا لو توفاه ال؟ ( َومَا َتدْرِي نَ ْف ٌ
]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[ nilkheireddine@yahoo.fr
خشَوْا يَ ْومًا لّا َيجْزِي وَاِلدٌ س اتّقُوا َرّبكُمْ وَا ْل بدأ بالساعة وهي رأس المغيبات وجعلها بعد قوله تعالى (يَا َأّيهَا النّا ُ حكمة الترتيب في الية :هو أو ً
ش ْيئًا) هذه الساعة فناسب ذكر ما تقدّم قبلها (وَاخْشَوْا يَ ْومًا لّا يَجْزِي وَاِل ٌد عَن َوَلدِهِ) هذه الساعة فلما قال عَن وََلدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُ َو جَا ٍز عَن وَاِلدِهِ َ
عنده علم الساعة ناسب ما قبلها هذا اليوم الذي طلب منا أن نخشاه .هذا أمر ثم ذكر بعد ذكر الساعة تنزيل الغيث ( َو ُينَزّلُ ا ْل َغيْثَ) وهو أسبق
المذكورات بعده وجودا ،بعده ما في الرحام وما تدري نفس ماذا تكسب أسبقها نزول الغيث ،المطر أسبق لن النسان ل يعيش من دون زرع.
المطر أسبق المذكورات بعده وجودا فإذن بدأ بالسبق هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ربنا تعالى كثيرا ما يستدل في القرآن بنزول الغيث على
سقَاتٍ َلهَا طَلْ ٌع نَضِيدٌ (ِ )10ر ْزقًا لِ ْل ِعبَادِ وَأَ ْ
ح َي ْينَا بِهِ بَ ْلدَ ًة َميْتًا ل بَا ِ
خَب الْحَصِي ِد ( )9وَالنّ ْ ت وَحَ ّ
جنّا ٍ
سمَا ِء مَا ًء ُمبَا َركًا َفَأ ْنبَ ْتنَا بِهِ َ
الساعة ( َونَزّ ْلنَا مِنَ ال ّ
ج ( )11ق) إذن صارت مرتبطة بما قبلها ،إذن تنزيل الغيث ارتبط بما قبلها وهي الساعة وارتبط بما بعده وهو ما في الرحام لن َكذَِلكَ الْخُرُو ُ
ما في الرحام يعيشون على الزروع إذن ينزل الغيث له ارتباط بما قبله وما بعده ،ارتبط بعلم الساعة أنه تعالى يستدل به على علم الساعة
ويستدل به على اليوم الخر ومرتبط بما بعدها ( َو َيعْلَ ُم مَا فِي ا ْلأَ ْرحَامِ) لن ما في الرحام كثيرا ما يعيشون على الزروع وما تنبت الرض سواء
كان إنسان أو حيوان ثم ذكر ماذا تكسب غدا هذا بعد الولدة وبعد ما في الرحام ثم ذكر الموت في الخر ،فإذن رتبها ترتيب أسبقية الوجود
والرتباط ،فيها إثبات لعلم ال ونفي لما عداه ،إثبات لعلم ال (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِلْمُ السّاعَةِ َو ُينَزّلُ ا ْل َغيْثَ َو َيعْلَ ُم مَا فِي الَْأرْحَامِ) ونفي ما عداه ( َومَا
خبِيرٌ) فأثبت له العلم والخبرة على صفة ض َتمُوتُ) .ثم ختمها ختمها بقوله (إِنّ اللّ َه عَلِيمٌ َ س بِأَيّ َأرْ ٍ غدًا َومَا َتدْرِي نَ ْف ٌ سبُ َ س مّاذَا َتكْ ِ َتدْرِي نَ ْف ٌ
المبالغة وهذا من اجتماع العلم والخبرة ،عليم بالمور خبير ببواطنها .خبير تضيف إلى عليم.
****عندنا في مزايا اللغة العربية التي ل يمكن التعبير عنها في اللغات الخرى تعدد أدوات النفي .تقول أنا ما أذهب ،أنا ل أذهب ،أنا إن
أذهب ،أنا لست أذهب ،كلها تقولها في النجليزية ( .I don’t goإن أذهب) وردت مثلها في القرآن في قوله (وَإِنْ َأدْرِي َأقَرِيبٌ أَم َبعِيدٌ مّا
س بَِأيّ ل بِي َولَا ِبكُ ْم ( )9الحقاف) نفاها بـ (ما)َ ( ،ومَا تَدْرِي نَفْ ٌ عدُونَ ( )109النبياء) بمعنى نفي (ما) .في القرآن قال ( َومَا َأدْرِي مَا يُ ْفعَ ُ تُو َ
حدِثُ َب ْعدَ ذَِلكَ َأمْرًا ( )1الطلق) قال ما أدري وقال إن أدري وقال ل أدري ،نفاها كلها .الفرق من ت ( )34لقمان) قال (َلعَلّ اللّهَ ُي ْ ض َتمُو ُ َأرْ ٍ
ل على الحال يعني ما أدري الن ،ل أدري أكثر النحاة يخصصوها حيث الدللة المعلوم المشهور أنه إذا نفيت الفعل المضارع بـ (ما) د ّ
للستقبال لكن قسم من النحاة يقول هي للحال والستقبال مطلقة وأكثرهم يخصصوها بالستقبال والزمخشري يقول ل ولن أختان في نفي
المستقبل وهذا عليه أكثر النحاة وأنا أميل أنها تكون للحال والستقبال وأستدل بما استدل به بعض النحاة في القرآن (مَا ِليَ لَا َأرَى ا ْل ُهدْهُ َد ()20
شيْئا ( )48البقرة) للستقبال فهي إذن مطلقة .خاصة هي منتهية س عَن نّ ْفسٍ َ ل تَجْزِي نَفْ ٌالنمل) حال( ،أنا ل أفهم ما تقول) حال( ،وَاتّقُو ْا يَوْما ّ
باللف واللف حرف مطلق ل يمتد به الصوت فهي ممتدة( .إن أذهب) إن أقوى كما يقول النحاة( .لست أذهب) ليس فيها الكثير أنها تنفي الحال
لكن فيها جملة إسمية وفعلية فهي مركبة( .لم أذهب) هذا المضارع ،ما ذهبت ،لمّا أذهب ،إن ذهبت ،لست قد ذهبت ،كلها نقولها بالنجليزية I
didn’t doصيغة واحدة( ،ما) جواب القسم أصلً( ،لمّا) اللم كما بدأ بها سيبويه في باب نفي الفعل قال فعلت نفيه لم أفعل ،وال لقد فعل نفيه ما
ن نفيه ل يفعل ،سوف يفعل نفيه لن يفعل ،هذه النصوص موجودة وكل واحدة لها دللة. فعل ،قد فعل نفيه لمّا يفعل ،ليفعل ّ
* هل الله سبحانه وتعالى في حاجة إلى كل هذا التأكيد ونحن نقّر له بالعلم؟
لنه قسم يقر له بالعلم وهناك من من لم يقر له بالعلم وإنما هناك من يعبد الحجر وهناك من يعبد الشجر وهناك من يعبد الحيوان وهناك وهناك.
فهذا الكلم للجميع .أنت علمت بعد أن علمت من القرآن بعدما أعلمك ال تعالى ولم يكن هناك اختلف في شيء إل اختلف على ال سبحانه
عمّا
ب ا ْلعِزّ ِة َ ن ( )151وََلدَ اللّهُ وَِإّنهُمْ َلكَا ِذبُونَ ( )152الصافات) وربنا قال تعالى ( ُ
س ْبحَانَ َرّبكَ رَ ّ وتعالى قسم قالوا (أَلَا ِإّنهُ ْم مِنْ ِإ ْف ِكهِمْ َليَقُولُو َ
ن ( )180الصافات) يصفونه بأشياء ل ينبغي أن يوصف بها فمن أهمّ الشياء ينبغي أن نعلم أن ربنا عليم وخبير وقدير وحليم والسماء صفُو َ
يَ ِ
الحسنى.
حدد المكان ولم يُحدد الزمان في الية الخيرة من سورة لقمان؟
*لماذا ُ
س بَِأ ّ
ي ب غَدا َومَا َتدْرِي نَفْ ٌ س مّاذَا َتكْسِ ُ قال تعالى في آخر سورة لقمان (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِ ْلمُ السّاعَةِ َويُنَزّلُ ا ْل َغيْثَ َو َيعْلَ ُم مَا فِي ا ْلأَ ْرحَامِ َومَا تَدْرِي نَفْ ٌ
خبِي ٌر { )}34وإذا نظرنا إلى سياق اليات نجد أن النتقال من أرض إلى أرض والنتقال في الفلك هو السياق ثم بعدها ض َتمُوتُ إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم َ
َأرْ ٍ
ح ُد بِآيَا ِتنَا
صدٌ َومَا يَجْ َ
ل دَعَوُا اللّ َه مُخْلِصِينَ لَ ُه الدّينَ فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى ا ْلبَرّ َف ِم ْنهُم مّ ْقتَ ِ ج كَالظَّل ِش َيهُم مّ ْو ٌ
غِقال تعالى ماذا غشيهم (موج) في قوله (وَِإذَا َ
ختّا ٍر كَفُو ٍر { )}32فلما نجاهم إلى البر أي أن كل سياق اليات تفيد النتقال من مكان إلى مكان لذا ناسب ذكر المكان في الية وجاءت ِإلّا كُلّ َ
بأي أرض تكوت هل في البحر أم في الرض.
الخبير؟ بلى ،إذن هي مرتبطة وهذا خط عام في القرآن ارتباط خواتيم السور بأوائلها .العرب كانت تعي هذا المر ربما لم ينظروا في أوائل
السور وخواتيمها ولكنهم كانوا يعلمون أكثر مما نعلم في ترتيب اليات في القرآن وإعجازه.
*في بناء القصيدة هناك وحدة الموضوع أو وحدة بناء القصيدة فهل هذا موجود في القرآن؟
هناك رسالة دكتوراه "وحدة السورة في القرآن الكريم" إذن هنالك ترابط بين سور القرآن في موضوعاتها.
تم بحمد ال وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة لقمان كما تفضل بها الدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما
ال علما ونفع بهما السلم والمسلمين والدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الخت الفاضلة سمر الرناؤوط فى موقعها إسلميات جزاهم ال
ل فمن ال وما كان من خطأٍ أوسه ٍو فمن نفسى ومن الشيطان. عنا خير الجزاء ..فما كان من فض ٍ
أسأل ال تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى
يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعا يوم تقوم الشهاد ول الحمد والمنة .وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى ال أن يرزقنا حسن الخاتمة
ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس العلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء ال وجزى ال كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والخرة.