You are on page 1of 59

‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.

fr‬‬

‫سورة لقمان‬
‫*تناسب خواتيم الروم مع فواتح لقمان*‬
‫ن (‪ ))58‬وفي أول‬ ‫ج ْئ َتهُ ْم بَِآيَةٍ َليَقُولَنّ اّلذِينَ َكفَرُوا إِنْ َأ ْنتُمْ إِلّا ُمبْطِلُو َ‬
‫ل مَثَلٍ وََلئِنْ ِ‬‫ن كُ ّ‬‫ن مِ ْ‬‫س فِي َهذَا ا ْلقُرْآَ ِ‬ ‫في أواخر سورة الروم (وَلَ َقدْ ضَ َر ْبنَا لِلنّا ِ‬
‫ن (‪ ،))3‬ولقد ضربنا للناس في هذ القرآن – تلك آيات الكتاب الحكيم‪ .‬قال في أواخر‬ ‫سنِي َ‬
‫حِ‬ ‫حكِي ِم (‪ُ )2‬هدًى َورَ ْ‬
‫حمَةً لِ ْلمُ ْ‬ ‫ب الْ َ‬‫لقمان (تِ ْلكَ َآيَاتُ ا ْل ِكتَا ِ‬
‫حدِيثِ‬ ‫شتَرِي َلهْوَ ا ْل َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫س مَ ْ‬ ‫ب اّلذِينَ لَا َيعَْلمُونَ (‪ ))59‬وفي أول لقمان علّق على قلوب الذين ل يعلمون ( َومِنَ النّا ِ‬ ‫طبَعُ اللّ ُه عَلَى قُلُو ِ‬ ‫الروم ( َكذَِلكَ يَ ْ‬
‫خ ّفّنكَ اّلذِينَ لَا‬
‫ستَ ِ‬
‫حقّ وَلَا يَ ْ‬ ‫عدَ اللّهِ َ‬ ‫ن (‪ .))6‬في أواخر الروم (فَا ْ‬
‫صبِرْ إِنّ وَ ْ‬ ‫ب ُمهِي ٌ‬‫عذَا ٌ‬‫خذَهَا ُهزُوًا أُوَل ِئكَ َلهُ ْم َ‬ ‫سبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِلْ ٍم َويَتّ ِ‬‫ل عَنْ َ‬ ‫ضّ‬ ‫ِليُ ِ‬
‫ن (‪ )4‬أُوَل ِئكَ عَلَى ُهدًى مِنْ َرّبهِمْ َوأُوَل ِئكَ‬ ‫ن (‪ ))60‬وفي لقمان بيّن الموقنين فقال (اّلذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَا َة َويُ ْؤتُونَ ال ّزكَاةَ وَ ُه ْم بِالَْآخِرَ ِة ُه ْم يُوقِنُو َ‬ ‫يُو ِقنُو َ‬
‫صبِرْ إِنّ‬ ‫حكِي ُم (‪( – ))9‬فَا ْ‬ ‫عدَ اللّ ِه حَقّا وَهُوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬ ‫ت النّعِي ِم (‪ )8‬خَاِلدِينَ فِيهَا وَ ْ‬ ‫جنّا ُ‬‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُ ْم َ‬ ‫ن (‪( .))5‬إِنّ اّلذِينَ َآ َمنُوا وَ َ‬ ‫ُهمُ ا ْلمُفِْلحُو َ‬
‫عدَ اللّ ِه حَقّ)‬ ‫وَ ْ‬
‫**هدف السورة‪ :‬تربية الولد**‬
‫سورة لقمان سورة مكيّة وهي تمثّل ب حق أف ضل طرق تربية الولد وجاءت آياتها في ها ر قة وح نو ول طف وهدوء‪ ،‬لقمان ين صح ابنه بكل مودة‬
‫ولطف ورقّة ويكثر من استخدام كلمة (يا بني) وقد أوصاه بوصايا هي قمة الداب الجتماعية والخلق الحميدة‪.‬‬
‫ك بِاللّهِ إِنّ الشّ ْركَ لَظُلْ ٌم عَظِيمٌ) آية ‪13‬‬ ‫أوصاه بعدم الشرك بال (وَِإ ْذ قَالَ ُل ْقمَانُ لِا ْبنِهِ وَهُ َو َيعِظُ ُه يَا ُبنَيّ لَا تُشْ ِر ْ‬ ‫‪.1‬‬
‫شكُرْ لِي َولِوَاِل َد ْيكَ إَِليّ ا ْلمَصِيرُ) آية ‪14‬‬ ‫ناْ‬ ‫حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا عَلَى وَهْنٍ َو ِفصَالُ ُه فِي عَا َميْنِ أَ ِ‬ ‫ن بِوَاِلدَيْهِ َ‬‫ص ْينَا الْإِنسَا َ‬
‫بر الوالدين (وَ َو ّ‬ ‫‪.2‬‬
‫صبِ ْر عَلَى مَا َأ صَا َبكَ‬ ‫ن ا ْلمُنكَرِ وَا ْ‬ ‫عبادة ال وحسن الخلق ومعرفة حقيقة الدنيا بالصبر‪( :‬يَا ُبنَيّ َأقِ مِ ال صّلَاةَ وَ ْأمُ ْر بِا ْل َمعْرُو فِ وَانْ هَ عَ ِ‬ ‫‪.3‬‬
‫ك مِنْ عَ ْزمِ ا ْلُأمُورِ) آية ‪17‬‬ ‫ن ذَِل َ‬‫إِ ّ‬
‫ل فَخُورٍ) آية ‪18‬‬ ‫ختَا ٍ‬‫ل مُ ْ‬‫ب كُ ّ‬‫ح ّ‬ ‫ن اللّهَ لَا يُ ِ‬
‫ض مَ َرحًا إِ ّ‬‫ش فِي ا ْلأَرْ ِ‬ ‫خ ّدكَ لِلنّاسِ َولَا َتمْ ِ‬ ‫صعّرْ َ‬ ‫الداب والخلق (وَلَا تُ َ‬ ‫‪.4‬‬
‫حمِيرِ) آية ‪19‬‬ ‫ض مِن صَ ْو ِتكَ إِنّ أَنكَرَ ا ْلأَصْوَاتِ َلصَوْتُ ا ْل َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ش ِيكَ وَاغْ ُ‬ ‫صدْ فِي مَ ْ‬ ‫الذوق وخفض الصوت (وَا ْق ِ‬ ‫‪.5‬‬
‫حمِيرِ) آ ية ‪ ،19‬لن‬ ‫ض مِن صَ ْو ِتكَ إِنّ أَنكَرَ الَْأ صْوَاتِ َل صَ ْوتُ الْ َ‬ ‫شيِ كَ وَاغْضُ ْ‬ ‫ص ْد فِي مَ ْ‬ ‫و ضع هدف للحياة وأهم ية التخط يط‪( :‬وَا ْق ِ‬ ‫‪.6‬‬
‫معنى القصد قد يكون أن يكون له هدف في الحياة‪.‬‬
‫فهذه السورة تضع للباء أسلوب وعظ البناء بحبّ ورقة حنان وتركز على أن السلم يرفض التباع العمى للباء (وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا أَنزَلَ‬
‫سعِيرِ) آية ‪ ،21‬لكن على الباء أن يساعدوا أبناءهم ويشرحوا لهم‬ ‫عذَا بِ ال ّ‬‫ن يَدْعُوهُ مْ ِإلَى َ‬ ‫شيْطَا ُ‬ ‫ج ْدنَا عََليْ هِ آبَاءنَا أَ َولَ ْو كَا نَ ال ّ‬
‫ل َنّتبِ عُ مَا وَ َ‬
‫اللّ ُه قَالُوا بَ ْ‬
‫حقيقة الحياة ويعظوهم لما فيه خيرهم بأسلوب رقيق لطيف‪.‬‬
‫خشَوْا يَ ْومًا لّا يَجْزِي وَاِل ٌد عَن وََلدِهِ َولَا مَوْلُو ٌد هُوَ جَا ٍز عَن‬ ‫س اتّقُوا َرّبكُمْ وَا ْ‬‫وتختم السورة بالتأكيد على علم ال تعالى وقدرته في الكون (يَا َأّيهَا النّا ُ‬
‫ل ا ْل َغيْ ثَ َو َيعْلَ مُ مَا فِي ا ْلأَرْحَا مِ َومَا‬ ‫حيَا ُة الدّ ْنيَا وَلَا َيغُ ّرّنكُم بِاللّ هِ ا ْل َغرُورُ * إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِلْ مُ ال سّاعَةِ َو ُينَزّ ُ‬‫ش ْيئًا إِنّ وَعْدَ اللّ هِ حَقّ فَلَا َتغُ ّرّنكُ مُ الْ َ‬
‫وَاِلدِ هِ َ‬
‫خبِي ٌر ) آية ‪ 33‬و ‪ 34‬وهذا ما يجب أن يربّي الباء أبناءهم عليه فل‬ ‫ض َتمُو تُ إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم َ‬ ‫س بِأَيّ َأرْ ٍ‬ ‫غدًا َومَا َتدْرِي نَ ْف ٌ‬ ‫سبُ َ‬ ‫س مّاذَا َتكْ ِ‬ ‫َتدْرِي نَ ْف ٌ‬
‫يغتروا بالحياة الدنيا وينسوا من وهب هذه الحياة ومن خلق الكون ابتداءً‪ .‬وذكرت الية الخيرة (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِلْ مُ ال سّاعَةِ وَ ُينَزّلُ ا ْل َغيْ ثَ َويَعْلَ مُ مَا‬
‫خبِيرٌ) آية ‪ 34‬خمس غيبيات ل يعلمها إل ال تعالى‪:‬‬ ‫ض َتمُو تُ إِنّ اللّ َه عَلِي مٌ َ‬ ‫س بَِأيّ أَرْ ٍ‬ ‫غدًا َومَا َتدْرِي نَفْ ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫س ُ‬‫س مّاذَا تَكْ ِ‬ ‫فِي الَْأرْحَا مِ َومَا َتدْرِي نَ ْف ٌ‬
‫علم الساعة‪ ،‬انزال الغيث‪ ،‬علم ما في الرحام‪ ،‬الرزق والكسب‪ ،‬ساعة ومكان الموت‪.‬‬

‫***اللمسات البيانية فى سورة لقمان(د‪.‬فاضل السامرائى)***‬


‫آية (‪:)3-1‬‬
‫ن (‪))3‬‬
‫سنِي َ‬
‫حكِيمِ (‪ُ )2‬هدًى وَرَحْمَ ًة ّللْمُحْ ِ‬
‫ت ا ْلكِتَابِ الْ َ‬
‫ك آيَا ُ‬
‫(الم (‪ِ )1‬تلْ َ‬
‫*الحرف المقطعة في القرآن الكريم كيف نفهمها وما هي اللمسات البيانية الموجودة فيها؟‬
‫تبدأ السورة الكريمة بقوله تعالى (ألم) وفيما أحسب أنه حصل سؤال قديم في الحرف المقطعة عموما وذكرنا ما ذكرنا فيها وما قيل فيها في‬
‫القديم ل يمكن أن أزيد عليه لكن أذكر بعض المور التي ذكرها القدماء‪ :‬قيل في عموم هذه الحرف قسم منهم قال المقصود شد انتباه السامع إلى‬
‫ما يلي بعد هذه الحرف لن العرب غير معتادين أن يقولوا ألم ثم تبدأ بالكلم فعندما يقول ألم أو حم ويبدأ بالحرف المقطعة السامع ل بد أن‬
‫ينتبه ما هذا المر؟ ما هذا الكلم؟ ما هذا الشيء؟ فيشد انتباهه إلى ما سيقال بعدها‪ .‬إذن قسم قال المقصود منها هو شد انتباه السامع لما يقال‬
‫بعدها‪ .‬وقسم قال هي من باب التحدي‪ ،‬القرآن الكريم هو مؤلف من جنس هذه الحرف التي تتكلمون بها وهي تتألف منها لغتكم والقرآن يأتي‬
‫بكلم معجز تحداكم بها وهو من المادة نفسها التي تتكلمون بها فاتوا بمثل هذا القرآن‪ ،‬إذن هي من باب التحدي لهم أن القرآن من جنس هذه‬
‫الحرف لكن يؤلف منه كلما معجزا أنتم أيها البلغاء والفصحاء اتوا بمثل هذا الكلم‪ .‬ثم القدماء نظروا في هذه الحرف وحاولوا أيضا أن يروا‬
‫فيها إشارات وأظن الزمخشري بدأ بهذا وقال هي أربعة عشر حرفا في تسع وعشرين سورة يعني نصف حروف المعجم موزعة على عدد‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫حروف المعجم‪ ،‬الذي ُذكِر منها هو أشهر الحروف‪ .‬هذه شملت نصف حروف المعجم وشملت أنصاف أنواع الحروف (مثلً شملت نصف‬
‫المهموسة‪ ،‬ونصف المجهورة‪ ،‬ونصف الشديدة‪ ،‬ونصف الرخوة‪ ،‬ونصف المُطبقة‪ ،‬ونصف المنفتحة‪ ،‬ونصف القلقلة‪ ،‬ونصف اللين‪ ،‬ونصف‬
‫المستعلية‪ ،‬ونصف المستفلة‪ ،‬ونصف الذلقة‪ ،‬ونصف حروف الحلق) كما جاء بنصف الحرف جاء أيضا بأنصاف أوصاف الحروف‪ .‬وقال أن‬
‫الحرف قسم منها من حرف واحد (ص‪ ،‬ق) قسم من حرفين (حم) قسم من ثلثة (ألم‪ ،‬ألر) قسم من أربعة (ألمص) قسم من خمسة (كهيعص)‬
‫وهذه الكلمات العربية هي هذه أي البنية إما يكون من حرف واحد كقسم من الضمائر والحروف كالكاف وقسم من الحروف كهمزة الستفهام‬
‫وباء الجر وواو العطف‪ ،‬وقسم من حرفين مثل ذو‪ ،‬وقسم من ثلث مثل الفعل الثلثي والسم الثلثي وقسم من أربعة وقسم من خمسة ثم ل شيء‬
‫بعد ذلك في العربية لنه ليس هناك سداسي أصيل وإنما مزيد فهي جاءت على أصول كلمات العربية‪ .‬والقدامى نظروا نظرة أخرى فقالوا مثلً‬
‫(ألم) لو لحظنا ألم الهمزة حرف حلقي واللم ذلقة من وسط اللسان والميم شفوي‪ ،‬كل السور التي تبدأ بألم كلها تبدأ أول الخلق‪ ،‬وسط الخلق‪،‬‬
‫عمَ ٍد تَرَ ْو َنهَا وَأَ ْلقَى فِي الْأَ ْرضِ رَوَاسِيَ أَن َتمِيدَ ِبكُمْ َوبَثّ‬ ‫ت ِب َغيْ ِر َ‬‫سمَاوَا ِ‬
‫خلَقَ ال ّ‬ ‫نهاية الخلق كأن بينها تناسب وبين مخارج الحروف‪ .‬في لقمان تبدأ ( َ‬
‫ح ْكمَةَ (‪ ))12‬وما ذكر‬ ‫سمَاء مَاء فَأَن َبتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَ ْوجٍ َكرِي ٍم (‪ ))10‬هذا الخلق الول ثم الوسط (وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ‬ ‫فِيهَا مِن كُلّ دَابّةٍ وَأَنزَ ْلنَا مِنَ ال ّ‬
‫س بَِأيّ‬
‫غدًا َومَا َتدْرِي نَفْ ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫س مّاذَا َتكْسِ ُ‬ ‫من إنزال الماء‪ ،‬ثم في الخر (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِ ْلمُ السّاعَةِ َويُنَزّلُ ا ْل َغيْثَ َو َيعْلَ ُم مَا فِي ا ْلأَ ْرحَامِ َومَا تَدْرِي نَفْ ٌ‬
‫خبِيرٌ (‪ ))34‬الخرة‪ .‬قالوا جميع السور التي تبدأ بـ ألم هكذا‪ .‬أيضا انتبه القدامى أن هذه التي تبدأ بهذه الحرف يكون‬ ‫ض َتمُوتُ إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم َ‬ ‫َأرْ ٍ‬
‫التعبير فيها طابع هذه الحرف يعني التي تبدأ بالصاد تكثر فيها الكلمات الصادية يعني هي تعطيك بداية فنية لما يكثر من الحرف في هذه‬
‫السورة‪ .‬مثل سورة ق تردد فيها الكلمات التي فيها قاف (ق والقرآن المجيد‪ ،‬إذ يتلقى المتلقيان‪ ،‬قعيد‪ ،‬سائق‪ ،‬تشقق)‪ ،‬في ص ذكر الخصومات‪،‬‬
‫الخصم‪ ،‬يختصمون‪ ،‬مناص‪ ،‬صيحة‪ ،‬اصبروا‪ ،‬صيحة‪ ،‬إصبر‪ ،‬الكلمات فيها صاد‪ .‬ثم استدلوا إلى الحصاء قالوا ضربوا مثالً في سورة يونس‬
‫تبدأ بـ ألر وفي هذه السورة تكررت الكلمات التي فيها راء كثيرا وأقرب السور إليها سورة النمل والنحل وهي أطول منها لكنها لم تتردد الراء‬
‫فيها كما في يونس ففيها (فيها ‪ 220‬راء) هكذا أحصوا‪ .‬ثم الملحظة أن كل السور التي تبدأ بالطاء (طه‪ ،‬طس‪ ،‬طسم) كلها تبدأ بقصة موسى‬
‫أولً‪ ،‬كلها بل استثناء‪ .‬سورة الشعراء والقصص وطه تبدأ أول ما تبدأ بالقصص تبدأ بقصة موسى وقد يذكر بعدها قصصا أخرى ففي الشعراء‬
‫ل تطبع طابع السورة‬ ‫يذكر قصة نوح بعد قصة موسى‪ .‬يبدو كما يقولون أن اللمسة البيانية إذا كان أنه هذه تشير إلى أن الحروف المذكورة أو ً‬
‫فيكون من باب السمة التعبيرية‪ .‬نحن نقول هناك سمة تعبيرية للسورة وسمة تعبيرية للسياق أي سورة تكثر فيها كلمات معينة مثل كلمة ال في‬
‫سورة البقرة وكلمة الرب في سورة آل عمران والرحمن والرحمة في سورة مريم أكثر سورة في القرآن تردد فيها الرحمة والرحمن‪ .‬قد تكون‬
‫سمة تعبيرية‪ .‬ليس هذا فقط ولكن قبل سنوات أخرج دكتور مهندس أخرج كتابا عن المناهج الرياضية في التعبير القرآني عملها على الكمبيوتر‬
‫وهو يقول أنه لحظ أن الحرف المذكورة في بداية السور تتناسب في السور تناسبا طبيعيا فالتي تبدأ بـ (ألم) يكون اللف أكثر تكرارا في‬
‫السورة ثم اللم ثم الميم وليس هذا فقط وإنما نسبة اللف إلى اللم مثل نسبة اللم إلى الميم‪ ،‬هذه معادلة رياضية حتى أنني ناقشته وسألته هل‬
‫راجعت الصحف وتكبقها عليه فقال نعم طبقتها على الصحف لكنه وجد القرآن متفردا بها‪.‬‬
‫* هل هناك علقة بين الحرف المقطعة في بداية السورة وبين السورة كلها؟ ففي مريم مثل ً لو‬
‫وضعنا مكان كهيعص طسم هل تتغير الدللة التعبيرية للسورة؟‬
‫هو ليست الدللة ولكن إذا كان كما يقال تفيد السمة التعبيرية للسورة معنى ذلك أنها تتغير‪ .‬ألم هي حروف متقطعة وليست كلمات وإن كان قسم‬
‫ل ولحظت أن كل طائفة تضع جملة تنصر بها طائفتها وقسم يقول لو جمعت‬ ‫من القدامى حاولوا أن يجمعوا هذه الحرف ويستخرجوا منها جم ً‬
‫الحرف تحصل على جملة "نص حكيم قاطع له سر"‪ .‬سألتمونيها‪ ،‬اليوم تنساه‪ ،‬وقسم يقول يا أوس هل نمت؟ الوسمي هتّان (أي المطر ينزل)‪،‬‬
‫هويت السُمان‪ ،‬تُجمع منها عبارات‪ ،‬يجمعون من الحرف بصور مختلفة كل واحدة لها معنى‪.‬‬
‫* هل كانت العرب تتكلم في لغتها العربية بالحرف المقطعة؟‬
‫كل ويقولون هذا لشد انتباههم لنه غير مألوف في كلمهم‪ ،‬هم يسمون الحرف‪.‬‬
‫القول الفصل فيها أنها حروف لها سر من قبل ال تعالى ل نعلمه وقسم قالوا هي من المتشابه الذي ل نعلمه‪ .‬قد يكون هذا الرأي ولكن هذه‬
‫الملحظات جديرة بالنتباه أيضا‪.‬‬
‫حكِيمِ) مقارنة بين بداية سورة لقمان‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ت الْكِتَا ِ‬ ‫ك آيَا ُ‬‫*بدأت السورة بقوله تبارك وتعالى (تِل ْ َ‬
‫ن (‪))2‬؟‬ ‫مت َّ ِ‬
‫قي َ‬ ‫ب فِيهِ هُدًى ل ِّل ْ ُ‬ ‫ب ل َ َري ْ َ‬‫ك الْكِتَا ُ‬
‫وبداية سورة البقرة (الم (‪ )1‬ذَل ِ َ‬
‫حكِيمِ) لم يشر إلى الكتاب كما في البقرة (ذلك الكتاب) لو لحظنا في سورة لقمان تردد كثير من اليات‬ ‫ب الْ َ‬
‫أشار إلى اليات (تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْل ِكتَا ِ‬
‫س َم ْعهَا (‪ ))7‬اليات الكونية (خلق السموات بغير عمد‪ ،‬إلقاء الرواسي‬ ‫س َت ْكبِرًا كَأَن لّ ْم يَ ْ‬
‫السمعية والكونية‪ ،‬مثلً قال (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا وَلّى مُ ْ‬
‫شكُو ٍر (‪ ))31‬هذه آيات‬ ‫صبّا ٍر َ‬‫ل َ‬ ‫ن آيَاتِهِ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآيَاتٍ ّلكُ ّ‬ ‫حرِ ِب ِن ْعمَتِ اللّهِ ِليُ ِر َيكُم مّ ْ‬
‫ك تَجْرِي فِي ا ْلبَ ْ‬ ‫وإخراج النبات) وسمّاها آيات (أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ‬
‫ختّا ٍر كَفُورٍ (‪ .))32‬ثم هنالك أمر وهو أن كلمة الكتاب ومشتقات الكتابة‬ ‫حدُ بِآيَاتِنَا ِإلّا كُلّ َ‬ ‫جَ‬‫كونية وتلك آيات سمعية (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا) ( َومَا يَ ْ‬
‫في البقرة أكثر من اليات وفي لقمان كلمة اليات أكثر من الكتابة‪ .‬في البقرة مشتقات الكتاب والكتابة ‪ 47‬مرة واليات ‪ 21‬مرة وفي لقمان ذكر‬
‫الكتاب مرتين واليات خمس مرات‪ ،‬هذه سمة تعبيرية أن التي بدأت بالكتاب ذكر فيها الكتاب أكثر والتي بدأ فيها باليات ذكر فيها اليات أكثر‪.‬‬
‫حكِيمِ) في البقرة لم يصف الكتاب‪ .‬ما معنى الحكيم؟ الحكيم محتمل أن يكون من الحكمة‬ ‫نلحظ أيضا أن هنالك أمر‪ :‬قال في لقمان (ا ْل ِكتَابِ ا ْل َ‬
‫ن يَ َديْهِ مِنَ‬‫ص ّدقًا ّلمَا َبيْ َ‬
‫ق مُ َ‬
‫ب بِالْحَ ّ‬‫ينطق بالحكمة ذو حكمة‪ ،‬ومحتمل أن يكون من الحُكم أي حاكم على غيره ومهيمن عليه (وَأَنزَ ْلنَا إَِل ْيكَ ا ْل ِكتَا َ‬
‫ن آيَاتِ اللّهِ‬ ‫ا ْلكِتَابِ َو ُم َهيْ ِمنًا عََليْ ِه (‪ )48‬المائدة) المهيمن حاكم إذن الحكيم هنا ينطق بالحكمة حتى أنه تعالى قال (وَا ْذكُرْنَ مَا ُيتْلَى فِي ُبيُو ِتكُنّ مِ ْ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫ح ْكمَ ِة (‪ )34‬الحزاب) هو حكمة ينطق بالحكمة‪ ،‬أو الحُكم على الكتب قبله أي مهيمنا‪ ،‬تلك الكتب بالنسبة له منسووخة وهو الن الحاكم ومن‬ ‫وَالْ ِ‬
‫كان يتبع الكتب السابقة فليتبع هذا الكتاب الن الكتاب المهيمن هو هذا الكتاب‪ .‬وأيضا يأتي فعيل بإسم المفعول مثل فعيل بمعنى مفعول‪ ،‬حكيم‬
‫خبِي ٍر (‪ )1‬هود) أحكمت آياته أي ليس فيها‬ ‫حكِيمٍ َ‬
‫ت مِن ّلدُنْ َ‬
‫ت آيَاتُ ُه ثُ ّم فُصَّل ْ‬ ‫ح ِكمَ ْ‬ ‫بمعنى مُحكم‪ ،‬حكيم من أحكم بمعنى مُحكَم‪ .‬قال تعالى (الَر ِكتَابٌ أُ ْ‬
‫خلل‪ .‬قد يكون من الحكمة أو من الحكم أو استواؤها وعدم وجود الخلل فيها وهذا من باب التوسع في المعنى‪ .‬لو أراد تعالى معنى محددا‬
‫ب فِيهِ‬ ‫ب لَ َريْ َ‬
‫لخصّص‪ .‬في سورة البقرة ما وصف الكتاب لن السورة فيها اتجاه آخر‪ .‬قال الحكيم ثم قال هدى ورحمة‪ ،‬وهنا قال (ذَِلكَ ا ْل ِكتَا ُ‬
‫ب فِيهِ ُهدًى لّ ْل ُمتّقِينَ)‬
‫حكَم‪( ،‬لَ َريْ َ‬ ‫ن (‪ )2‬البقرة)‪ .‬وصفه بالحكيم هو مناسب لما ورد في لقمان من الحكمة (آتينا لقمان الحكمة) وذكر ال ِ‬ ‫ُهدًى لّ ْل ُمتّقِي َ‬
‫عبْ ِدنَا فَ ْأتُو ْا بِسُورَ ٍة مّن ّمثْلِ ِه (‪ )23‬البقرة) في سورة البقرة وربنا وصف أن ال تعالى عزيز حكيم‬ ‫ب ّممّا نَزّ ْلنَا عَلَى َ‬
‫متناسب مع (وَإِن كُنتُمْ فِي َريْ ٍ‬
‫ح ْكمَ َة (‪ ))12‬وذكر الحكمة‪.‬‬ ‫في سورة لقمان أكثر من مرة فكلمة حكيم مناسبة لجو السورة تبدأ (وََل َقدْ آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ الْ ِ‬
‫* ما الفرق بين قوله تعالى (هدى للمتقين) (هدى ورحمة للمحسنين) ؟‬
‫سنِينَ (‪. ))3‬‬ ‫حمَةً لِ ْل ُمحْ ِ‬‫ب فِيهِ ُهدًى لِ ْل ُمتّقِينَ (‪ ))2‬وقال في سورة لقمان ( ُهدًى وَرَ ْ‬ ‫قال تعالى في سورة البقرة (ذَِلكَ ا ْل ِكتَابُ لَا َريْ َ‬
‫زاد تعالى في سورة لقمان الرحمة واختلف بيت المتقين والمحسنين‪ .‬المتّقي هو الذي يحفظ نفسه فمتقي النار هو الذي يحمي نفسه منها أما‬
‫المحسن فيُحسن إلى نفسه وإلى الخرين كما جاء في قوله تعالى (وأحسن كما أحسن ال إليك) و(بالوالدين إحسانا) فالحسان فيه جانب شخصي‬
‫وجانب للخرين‪ .‬إذن هناك فرق بين المتقي والمحسن ثم إن الحسان إلى الخرين من الرحمة فزاد تعالى في سورة لقمان الرحمة للمحسنين‬
‫فكما أن المحسن أحسن للخرين ورحمهم زاد ال تعالى له الرحمة فقال (هدى ورحمة للمحسنين)‪ .‬فالمحسن إذن زاد على المتقي فزاد ال تعالى‬
‫له الرحمة والحسان من الرحمة فزاد ال تعالى له الرحمة في الدنيا (هدى ورحمة للمحسنين) وفي الخرة أيضا (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)‪،‬‬
‫فكما زاد المحسنون في الدنيا زاد ال تعالى لهم الرحمة في الدنيا والخرةزالجزاء من جنس العمل ولهذا اقتضى في آية سورة لقمان أن يقول‬
‫تعالى (هدى ورحمة للمحسنين) ولو قال تعالى هدى للمحسنين لبخس حق المحسنين وكما نعلم إن المحسن يفضل المتّقي والحسان هو أن تعبد‬
‫ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك‪.‬‬
‫اليمان أع ّم من الحسان ول يمكن للنسان أن يكون متقيا حتى يكون مؤمنا وورود كلمة المتقين‪ ،‬المؤمنين‪ ،‬المحسنين والمسلمين يعود إلى سياق‬
‫اليات في كل سورة‪.‬‬
‫ن ُك ْنتُمْ صَا ِدقِينَ‬ ‫شهَدَاءكُم مّن دُونِ اللّهِ إِ ْ‬ ‫ع ْبدِنَا َف ْأتُو ْا بِسُورَ ٍة مّن ّمثْلِهِ وَادْعُواْ ُ‬ ‫ب ّممّا نَزّ ْلنَا عَلَى َ‬ ‫في البقرة قال ( ُهدًى لّ ْل ُمتّقِينَ) ثم قال (وَإِن كُنتُ ْم فِي َريْ ٍ‬
‫(‪َ )23‬فإِن لّ ْم تَ ْفعَلُواْ وَلَن تَ ْفعَلُو ْا فَاتّقُواْ النّا َر (‪ ))24‬اتقوا النار مقابل المتقين فإذن هناك مناسبة بين هدى للمتقين وكلمة التقوى ترددت كثيرا في‬
‫ب فِيهِ) متناسب مع قوله (وَإِن كُنتُ ْم فِي َريْبٍ) والمتقين واتقوا ال‪ .‬في لقمان قال هدى ورحمة للمحسنين وفي البقرة قال فقط‬ ‫البقرة‪ .‬فإذن (لَ َريْ َ‬
‫هدى للمتقين‪ .‬أولً ما الفرق بين المتقي والمحسن؟ المتقي هو الذي يحفظ نفسه يتقي الشياء‪ ،‬المُحسِن يحسن إلى نفسه وإلى غيره ( َوأَحْسِن َكمَا‬
‫َأحْسَنَ اللّ ُه إَِل ْيكَ (‪ )77‬القصص) ( َوبِالْوَاِل َديْنِ ِإحْسَانا (‪ )83‬البقرة) الحسان يتعداه إلى نفسه وإلى غيره‪ .‬إذن الحسان ل يقتصر على النفس أما‬
‫التقوى فتقتصر على النفس‪ ،‬الحسان إلى الخرين من الرحمة فلما رحموا الخرين وتعدى إحسانهم إلى غيرهم فرحموا الخرين ربنا يزيد‬
‫الرحمة‪ ،‬أما التقوى للنفس وهؤلء إحسان للنفس وإلى الخرين والحسان إلى الخرين هي الرحمة فلما زادوا هم زادهم والجزاء من جنس‬
‫سنَى َو ِزيَادَةٌ (‪ )26‬يونس) وهذه رحمة‪ ،‬فكما زاد الجزاء لهم في‬ ‫سنُواْ ا ْلحُ ْ‬
‫العمل‪ ،‬حتى في الخرة زاد لهم الجزاء قال تعالى في الخرة (لّّلذِينَ َأحْ َ‬
‫سنِينَ)‪.‬‬ ‫حِ‬‫حمَةً لّ ْلمُ ْ‬‫الخرة زاد لهم في الدنيا‪( ،‬هُدًى لّ ْل ُمتّقِينَ) و (هُدًى َورَ ْ‬
‫ولو لحظنا أن هذه الوصاف هدى ورحمة للمحسنين هي مناسبة لما ورد في عموم السورة وما شاع في جو السورة‪ ،‬قال هدى ورحمة‬
‫ي (‪ ))15‬الذي يسلك‬ ‫سبِيلَ مَنْ َأنَابَ إِلَ ّ‬ ‫ك عَلَى ُهدًى مّن ّرّبهِ ْم (‪( ))5‬وَا ّتبِعْ َ‬ ‫وإحسان‪ ،‬لو لحظنا مظاهر الهدى المذكورة في سورة لقمان قال (أُوَْل ِئ َ‬
‫ب ّمنِي ٍر (‪ ))20‬لم يكتف بالهدى والكتاب وإنما كتاب‬ ‫ل فِي اللّ ِه بِ َغيْ ِر عِلْمٍ َولَا ُهدًى وَلَا ِكتَا ٍ‬ ‫س مَن يُجَادِ ُ‬ ‫السبيل يبتغي الهداية‪ ،‬هذا هدى‪َ ( ،‬ومِنَ النّا ِ‬
‫منير والنسان يستعمل النارة للهداية وليس كتابا فقط‪( .‬بِ َغيْ ِر عِلْمٍ َولَا ُهدًى) العلم هدى والكتاب ليس فقط كتاب وإنما كتاب منير وموصوف‬
‫بالنارة والنارة لغرض الهداية لن النسان إذا مشى في الظلم ل يهتدي‪ .‬من مظاهر الهدى في لقمان النكير على الضالين والمضلين ( َو ِمنَ‬
‫ل ّمبِينٍ (‪ ))11‬الهداية في‬ ‫ضلَا ٍ‬
‫ن فِي َ‬ ‫سبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِلْ ٍم (‪ ))6‬الضلل نقيض الهداية‪( ،‬بَلِ الظّاِلمُو َ‬ ‫ل عَن َ‬ ‫ضّ‬ ‫حدِيثِ ِليُ ِ‬
‫شتَرِي َلهْوَ ا ْل َ‬ ‫س مَن يَ ْ‬ ‫النّا ِ‬
‫سعِيرِ (‬ ‫عذَابِ ال ّ‬ ‫ن َيدْعُو ُهمْ إِلَى َ‬ ‫شيْطَا ُ‬‫ج ْدنَا عََليْهِ آبَاءنَا َأوَلَ ْو كَانَ ال ّ‬ ‫ل اللّ ُه قَالُوا بَلْ َنّتبِعُ مَا وَ َ‬ ‫سورة لقمان يشيع بها الجو‪( ،‬وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا أَنزَ َ‬
‫‪ ))21‬إذن جو الهداية شائع في لقمان‪ .‬ثم الرحمة لما ذكر قوله تعالى (أن تميد بكم) هذا من الرحمة‪ ،‬ولما ذكر تسخير ما في السموات والرض‬
‫س مَن‬ ‫طنَةً َومِنَ النّا ِ‬ ‫سبَ َغ عََل ْيكُ ْم نِ َعمَهُ ظَا ِهرَةً َوبَا ِ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ا ْلأَ ْرضِ وَأَ ْ‬ ‫وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة‪( ،‬أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ‬
‫علْمٍ وَلَا ُهدًى وَلَا ِكتَابٍ ّمنِي ٍر (‪ ))20‬هل هناك أعظم من هذه الرحمة؟ من مظاهر الحسان إيتاء الزكاة أليست الزكاة إحسانا‬ ‫يُجَادِلُ فِي اللّ ِه ِب َغيْرِ ِ‬
‫ن (‪ ،))22‬الحسان في الوصية بالوالدين والحسان إليهما‪ ،‬إذن جو السورة كلها شائع فيه الهدى‬ ‫حسِ ٌ‬ ‫جهَهُ إِلَى اللّهِ وَهُ َو مُ ْ‬‫للخرين ( َومَن يُسِْلمْ وَ ْ‬
‫ن(‬ ‫ن بِا ْل َغيْبِ َويُقِيمُونَ الصّلةَ َو ِممّا رَ َز ْقنَا ُهمْ يُن ِفقُو َ‬ ‫والرحمة والحسان وهذه ليست في البقرة وإنما سورة البقرة ذكرت أمورا أخرى (اّلذِينَ يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫علَى ُهدًى مّن ّرّبهِمْ وَأُوْلَـ ِئكَ‬ ‫خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ (‪ ))4‬وصف كثير ثم انتهى (أُ ْولَـ ِئكَ َ‬ ‫ل مِن َقبِْلكَ َوبِال ِ‬ ‫ن يُ ْؤ ِمنُونَ ِبمَا أُنزِلَ ِإَل ْيكَ َومَا أُنزِ َ‬ ‫‪( ))3‬واّلذِي َ‬
‫ن (‪ ))5‬أما في لقمان فاختصر (اّلذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَا َة َويُ ْؤتُونَ ال ّزكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَ ِة ُه ْم يُوقِنُونَ)‪ .‬في لقمان كرر كلمة (هم) في البقرة لم‬ ‫ُهمُ ا ْلمُفِْلحُو َ‬
‫يكررها (وبالخرة هم يوقنون)‪.‬‬
‫ن (‪ )3‬لقمان) ما دللة نصب كلمة رحمة؟‬
‫سنِي َ‬
‫ح ِ‬ ‫ة ل ِّل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬
‫*(هُدًى وََر ْ‬
‫فيها وجهان هي إما مفعول لجله أو حال‪.‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫آية (‪:)5-4‬‬
‫ن (‪))5‬‬ ‫ك ُهمُ الْمُ ْفلِحُو َ‬‫علَى ُهدًى مّن رّ ّب ِه ْم وَُأ ْولَئِ َ‬ ‫ن (‪ُ )4‬أ ْولَ ِئكَ َ‬ ‫صلَا َة وَ ُيؤْتُونَ ال ّزكَاةَ َوهُم بِالْآخِ َر ِة ُهمْ يُوقِنُو َ‬ ‫(اّلذِينَ ُيقِيمُونَ ال ّ‬
‫أشرنا في اللقاء السابق إلى أوليّات الية فذكرنا أن المقصود بقوله (يقيمون الصلة) أداؤها على الوجه التم إقامة الصلة هي أداؤها على الوجه‬
‫التم وهي من الحسان إلى النفس وإيتاء الزكاة من الحسان إلى الغير‪ .‬وذكر اليقان بالخرة وهو مدعاة إلى الحسان إلى النفس وإلى الغير لن‬
‫خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ) وفي آية البقرة قال ( َوبِالخِ َرةِ ُه ْم يُو ِقنُونَ (‪ ))4‬أي‬ ‫الذي يوقن بالخرة يحسن إلى نفسه بإصلحها ويحسن إلى الغير‪( .‬وَهُم بِالْآ ِ‬
‫هنا كرر هم قبل (بالخرة) ذلك أنه لو لحظنا في سورة لقمان تردد في السورة ذكر الخرة وأحوالها والتوعد بها في زهاء نصف عدد آيات‬
‫خلْ ُقكُمْ َولَا َب ْعثُكُمْ إِلّا َكنَفْسٍ‬
‫السورة وأولها وآخرها (لهم عذاب مهين)‪( ،‬فبشره بعذاب أليم)‪( ،‬لهم جنات النعيم)‪( ،‬عذاب غليظ)‪( ،‬إليه المصير)‪( ،‬مّا َ‬
‫جزِي وَاِلدٌ عَن وََلدِه) في زهاء نصف آيات السورة يتعرض للخرة وأحوالها ثم هي بدأت بالخرة (يوقنون) وانتهت‬ ‫شوْا يَ ْومًا لّا يَ ْ‬
‫حدَ ٍة )‪( ،‬وَاخْ َ‬ ‫وَا ِ‬
‫بالخرة بقوله تعالى (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِ ْلمُ السّاعَةِ (‪ ))34‬فناسب زيادة (هم) توكيدا على طابع السورة وما جاء في السورة‪ .‬إضافة إلى أن هؤلء ذكر‬
‫أنهم محسنون والمحسنون كما علمنا أنهم يحسنون إلى أنفسهم وإلى غيرهم وزاد فيهم هدى ورحمة وليس كما في البقرة المتقين الذي يحفظ نفسه‪.‬‬
‫فزاد في وصف هؤلء الذين يعبدون ال كأنهم يرونه وهذا من الحسان "أن تعبد ال كأنك تراه" زاد في ذكر إيقانهم ويقينهم لما كانوا أعلى مرتبة‬
‫سنَى وَ ِزيَادَةٌ (‪ )26‬يونس) زاد في ذكر إيقانهم فقال (وَهُم بِالْآخِرَ ِة ُهمْ يُو ِقنُونَ) هم‬ ‫سنُواْ ا ْلحُ ْ‬
‫وزاد لهم في الرحمة وزاد لهم في الخرة (لّّلذِينَ َأحْ َ‬
‫ت عََل ْيهِ ْم آيَاتُهُ زَا َد ْتهُمْ إِيمَانًا (‪ )2‬النفال) فاليمان يزيد والطمئنان درجات واليقين‬ ‫أعلى في اليقين لن اليقين درجات واليمان درجات (وَِإذَا تُِليَ ْ‬
‫خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ) فأكدها على ما ذكر في سورة‬ ‫درجات والمحسنين يبعدون ال كأنهم يرونه إذن درجة يقينهم عالية فأكد هذا المر فقال (وَهُم بِالْآ ِ‬
‫خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ) ‪.‬السورة والية كلها يختلف ويستدعي ذكر الزيادة‪ .‬لكن الملحظ أنه في البقرة وفي لقمان قدم الجار والمجرور على‬ ‫البقرة ( َوبِال ِ‬
‫خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ) لم يقل وهم يوقنون بالخرة‪ .‬الصل في اللغة العربية أن يتقدم الفعل ثم تأتي المعمولت الفاعل والمفعول به‬ ‫الفعل ( َوبِال ِ‬
‫والمتعلق من جار ومجرور والتقديم ل بد أن يكون لسبب وهنا قدم (وبالخرة) وكذلك في البقرة ( َوبِالْآخِرَ ِة ُه ْم يُو ِقنُونَ) لن اليقان بالخرة‬
‫صعب ومقتضاه شاق أما اليمان بال كثير من الناس يؤمنون بال لكن قسم منهم مع إيمانه بال ل يؤمن بالخرة مثل كفار قريش (وَِإذَا قِيلَ إِنّ‬
‫ن كَفَرُوا‬ ‫جدِي ٍد (‪ )7‬سبأ) ( َوقَالَ اّلذِي َ‬ ‫خلْقٍ َ‬ ‫ل ُممَزّقٍ ِإّنكُمْ َلفِي َ‬ ‫ب فِيهَا قُ ْلتُم مّا نَدْرِي مَا السّاعَ ُة (‪ )32‬الجاثية) (ِإذَا مُ ّز ْقتُ ْم كُ ّ‬ ‫عدَ اللّ ِه حَقّ وَالسّاعَةُ لَا َريْ َ‬ ‫وَ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَا ْلأَ ْرضَ َليَقُولُنّ اللّ ُه (‪ )25‬لقمان) إذن هم‬ ‫ق ال ّ‬ ‫َأ ِئذَا ُكنّا تُرَابًا وَآبَا ُؤنَا َأئِنّا َلمُخْرَجُونَ (‪ )67‬النمل) وهم مؤمنون بال (وََلئِن سَأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَ َ‬
‫خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ) اليمان بال كأنه متسع لكن اليقين بالخرة‬ ‫مؤمنون بال لكن غير مؤمنين بالخرة ولذلك هنا قدم الخرة لهميتها فقال ( َوبِالْآ ِ‬
‫ليست متسعة والتقديم هنا للهتمام والقصر‪.‬‬
‫الية في لقمان تختلف عن الية في سورة البقرة‪ ،‬صفات الذين تحدثت عنهم سورة البقرة غير صفات الذين تحدثت عنهم سورة لقمان لكن كانت‬
‫ك هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ)‪.‬‬ ‫النهاية واحدة (أُوْلَـ ِئكَ عَلَى ُهدًى مّن ّرّبهِمْ َوأُوْلَـ ِئ َ‬
‫هؤلء المذكورون بهذه الصفات (أُوْلَـ ِئكَ عَلَى ُهدًى مّن ّرّبهِمْ) واقتران لفظ الرب مع الهداية اقتران في غاية اللطف والدقة لن الرب هو المربي‬
‫والموجه والمرشد والمعلم‪ ،‬هذا الرب في اللغة‪ .‬لم يقل على هدى من ال وإنما قال على هدى من ربهم وفيها أمران‪ :‬يمكن أن يقال هدى من ال‬
‫لن ال لفظ الجللة إسم العلم كل المور تنسب إليه يصح أن تُنسب إليه بإسمه العلم وأحيانا تنسب إلى صفاته بما يناسب المقام‪ ،‬ينسب ل ما يشاء‬
‫وكلها تنسب لسمه العلم ولكن هناك أشياء من الجميل أن تنسب إلى صفاته سبحانه وتعالى مثل أرحم الراحمين‪ ،‬الرحمن الرحيم فهنا قال على‬
‫هدى من ربهم والرب في اللغة هو أصلً المربي والموجه والمرشد فيناسب اللفظ مع الهداية واختيار لفظ الرب مع الهداية كثير في القرآن وهو‬
‫س َيهْدِينِ (‪ )62‬الشعراء) (قُلْ‬ ‫ي َربّي َ‬ ‫ل كَلّا إِنّ َمعِ َ‬ ‫يءٍ خَ ْلقَ ُه ثُ ّم َهدَى (‪ )50‬طه) (قَا َ‬ ‫مناسب من حيث الترتيب اللغوي (قَالَ َرّبنَا اّلذِي أَعْطَى كُلّ شَ ْ‬
‫ستَقِي ٍم (‪ )161‬النعام) كثيرا ما تقترن الهداية بالرب وهو اقتران مناسب لوظيفة المربي‪ .‬إضافة إلى أن ربهم‬ ‫ط مّ ْ‬ ‫ِإّننِي َهدَانِي َربّي إِلَى صِرَا ٍ‬
‫ك عَلَى ُهدًى مّن ّرّبهِمْ) ل شك أن ربهم يهدهم فيه إخلص الهداية وإخلص التوجيه‬ ‫أمحض لهم بالنصح والتوجيه والرشاد وإفادته هو‪( .‬أُوْلَـ ِئ َ‬
‫ورب النسان يعني مربيه أخلص له من غيره‪ ،‬هناك دللة لطيفة بين الرب والهدى وبين بالضافة ربهم هم‪ ،‬لو استعمل إسم العلم ليس فيه علقة‬
‫بهم وإنما عامة لكن على هدى من ربهم ل شك أن ربهم هو أرحم بهم وأرأف بهم لذا فاختيار كلمة رب مناسبة مع الهداية‪ .‬ثم إضافته إليهم أمر‬
‫آخر أنه أرأف بهم وأرحم بهم "على هدى من ربهم هم" لن ربه هو أرأف به وأرحم به وأطلب للخير له‪ .‬الهدى مقترن بالرب وفيه من الحنو‬
‫والرشاد والخوف على العباد ثم إضافة الضمير (ربهم) هذا فيه أن ال يحبهم ويقربهم إليه وفيه من الحنو والنصح والرشاد والتوجيه ول شك‬
‫ك عَلَى ُهدًى مّن ّرّبهِمْ) يستعمل مع الهداية لفظ (على) بعكس‬ ‫أن رب النسان أحنى عليه‪ .‬وناك أكر إلتفت إليه القدمون‪ :‬قال تعالى (أُوْلَـ ِئ َ‬
‫علَى ا ْلحَقّ‬ ‫ستَقِي ٍم (‪ )4‬يس) (ِإّنكَ َ‬ ‫ط مّ ْ‬‫صرَا ٍ‬‫للٍ ّمبِينٍ (‪ )8‬يوسف) هذا ملحظ في القرآن الكريم (عَلَى ِ‬ ‫الضلل يستعمل لها لفظ (في ) (َلفِي ضَ َ‬
‫ن (‪ )47‬يس) وليس فقط في الضلل وإنما ما يؤدي إلى الضلل ( َفهُمْ فِي‬ ‫ل ّمبِي ٍ‬ ‫ا ْلمُبِينِ (‪ )79‬النمل) ويستعمل في للضلل (إِنْ أَنتُمْ إِلّا فِي ضَلَا ٍ‬
‫ن (‪ )11‬يونس) كأن المهتدي هو مستعلي يبصر ما حوله ومتمكن‬ ‫ط ْغيَا ِنهِ ْم َيعْ َمهُو َ‬
‫ن لَ يَ ْرجُونَ ِلقَاءنَا فِي ُ‬ ‫ن (‪ )45‬التوبة) ( َف َنذَرُ اّلذِي َ‬ ‫َريْ ِبهِ ْم َيتَ َردّدُو َ‬
‫مما هو فيه مستعلي على الشيء ثابت يعلم ما حوله ويعلم ما أمامه أما الساقط في اللجة أو في الغمرة أو في الضلل ل يتبين ما حوله بصورة‬
‫صحيحة سليمة لذا يقولون يستعمل ربنا تعالى مع الهداية (على ) ومع الضلل (في)‪.‬‬
‫ل جاء بضمير الفصل (هم) وجاء بالتعريف (المفلحون) لم يقل أولئك مفلحون ولم يقل هم مفلحون‬ ‫ثم ختم الية بقوله (وَأُوْلَـ ِئكَ هُ ُم ا ْلمُفْلِحُونَ) أو ً‬
‫وإنما حصرا إن هؤلء هم المفلحون حصرا ليس هنالك مفلح آخر‪ .‬أولئك الصل إسم الشارة من الناحية الحسة المحسوسة إذا لم نرد المجاز أن‬
‫أولئك للبعيد وهؤلء للقريب هذا الصل مثل هذا وذلك‪ .‬ثم تأتي أمور أخرى مجازية كأن هؤلء أصحاب مرتبة عليا فيشار إليهم لعلو مرتبتهم‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫ل فيشار إليهم بما‬ ‫بفلحهم وعلة مرتبتهم بأولئك إشارة إلى علو منزلتهم وعلو ما هم فيه فالذي على هدى هو مستعلي فيما يسير هو مستعلي أص ً‬
‫هو بعيد وبما هو مرتفع وبما هو عالٍ ثم حصر الفلح فيهم قال (وَأُ ْولَـ ِئكَ ُهمُ ا ْلمُ ْفلِحُونَ) حصرا فمن أراد الفلح ول شك أن كل إنسان يريد‬
‫الفلح‪ .‬والذي يؤمن بالخرة يؤمن بكل شيء وبكل ما يتعلق بذلك وهي ليست كلمة تقال‪ .‬وذكر ركنين أساسيين واحدة في إصلح النفس وواحدة‬
‫في الحسان إلى الخرين‪ :‬إقامة الصلة وإيتاء الزكاة فإقامة الصلة هي أول ما يسأل عنه المرء ولذلك هو قال (وَأُ ْولَـ ِئكَ ُهمُ ا ْلمُ ْفلِحُونَ) حصرا‬
‫ل فلح في غير هؤلء ومن أراد الفلح فليسلك هذا السبيل أن يكون على هدى من ربه إذا أراد الفلح عليه أن يكون على هدى من ربه وليس‬
‫وراء ذلك فلح‪.‬‬
‫ل مِن َقبِْلكَ) ولم يقلها في لقمان‪،‬‬ ‫في البقرة قال (اّلذِينَ يُ ْؤ ِمنُونَ بِا ْل َغيْبِ) ما قالها في لقمان وقال في البقرة (واّلذِينَ يُ ْؤ ِمنُونَ ِبمَا أُن ِزلَ إَِل ْيكَ َومَا أُنزِ َ‬
‫وقال في لقمان ( َويُ ْؤتُونَ ال ّزكَاة) وفي البقرة قال ( َو ِممّا رَ َز ْقنَا ُه ْم يُن ِفقُونَ) وهذه أعم من الزكاة والزكاة من النفاق فإذن مما ينفقون تحت طياتها‬
‫الزكاة‪( .‬اّلذِينَ يُ ْؤ ِمنُونَ بِا ْل َغيْبِ) وهذا متعلق بالسورة نفسها كما ذكرنا أن في لقمان شاع فيها تردد اذكر لخرة وهنا جو السورة ومفتتح السورة‬
‫ل آ َمنّا‬‫س مَن يَقُو ُ‬ ‫غالبا ما يكون له علقة بطابع السورة من أولها إلى نهايتها‪ .‬في سورة البقرة‪ ،‬قال (اّلذِينَ يُ ْؤ ِمنُونَ بِا ْل َغيْبِ) وبعدها قال ( َومِنَ النّا ِ‬
‫بِاللّهِ َوبِا ْليَوْ ِم الخِرِ َومَا هُم بِمُ ْؤ ِمنِينَ (‪ ))8‬هذا من الغيب لم يؤمنوا ل بال ول باليوم الخر‪ .‬وقال على لسان بني إسرائيل (وَِإ ْذ قُ ْلتُ ْم يَا مُوسَى لَن‬
‫جهْرَ ًة (‪ ))55‬إذن هم ل يؤمنون بالغيب وطلبهم عكس الغيب لذلك هو قال (اّلذِينَ يُ ْؤ ِمنُونَ بِا ْل َغيْبِ) وليس مثل هؤلء الذين‬ ‫حتّى نَرَى اللّهَ َ‬ ‫نّ ْؤمِنَ َلكَ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ‬ ‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ‬ ‫يقولون آمنا وما هم بمؤمنين ول مثل هؤلء الذين طلبوا أن يروا ال جهرة بينما في لقمان قال (وََلئِن َ‬
‫ص ٌد (‪ )32‬لقمان)‬ ‫ل دَعَوُا اللّ َه مُخْلِصِينَ لَ ُه الدّينَ فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى ا ْلبَرّ َف ِم ْنهُم مّ ْقتَ ِ‬ ‫ج كَالظَّل ِ‬ ‫ش َيهُم مّ ْو ٌ‬
‫غِ‬ ‫اللّ ُه (‪ ))25‬إذن هم مؤمنون بالغيب وقال (وَِإذَا َ‬
‫إذن هم دعوا ال‪ ،‬يختلف الطابع‪ .‬الطابع العام في سورة البقرة اليمان بالغيب وطلب اليمان أو النكار على عدم اليمان بالغيب بينما في لقمان‬
‫سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ اللّهُ) إذن يؤمنون بجزء من الغيب بينما أولئك في سورة‬ ‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ‬‫اليمان بالغيب حتى الذين كفروا قال (وََلئِن َ‬
‫جهْرَةً) هذه ليست إيمانا بالغيب وربنا يريد اليمان بالغيب‪ .‬ونلحظ قال ( َويُ ْؤتُونَ ال ّزكَاةَ) وفي البقرة‬ ‫حتّى نَرَى اللّهَ َ‬ ‫البقرة ينكرون (لَن نّ ْؤمِنَ َلكَ َ‬
‫قال ( َو ِممّا رَ َز ْقنَا ُه ْم يُنفِقُونَ) لن تكرر في البقرة وذكر عدا الزكاة النفاق ‪ 17‬مرة في البقرة وذكر الزكاة في عدة مواطن وذكر النفاق ( ّمثَلُ‬
‫ن مَا أَن َفقُوُا َمنّا َولَ َأذًى (‬ ‫ل (‪( ))261‬اّلذِينَ يُن ِفقُونَ َأمْوَاَلهُ ْم فِي َ‬
‫سبِيلِ اللّ ِه ثُ ّم لَ ُي ْتبِعُو َ‬ ‫سنَابِ َ‬
‫سبْعَ َ‬ ‫حبّةٍ أَن َبتَتْ َ‬ ‫سبِيلِ اللّ ِه َك َمثَلِ َ‬‫ن يُن ِفقُونَ َأمْوَاَلهُ ْم فِي َ‬
‫اّلذِي َ‬
‫ل ِنيَ ًة (‪ 17 ))274‬مرة تكرر النفاق عدا المر بالزكاة في البقرة فإذن هذا أعم‪ .‬في لقمان ما‬ ‫ن يُنفِقُونَ َأمْوَاَلهُم بِالّليْلِ وَال ّنهَارِ سِرّا وَعَ َ‬ ‫‪( ))262‬اّلذِي َ‬
‫ل مِن َقبِْلكَ) لم يقل هذا في لقمان لنه في البقرة جرى هذا وطلب‬ ‫ن ِبمَا أُنزِلَ إَِل ْيكَ َومَا أُنزِ َ‬ ‫ن يُ ْؤمِنُو َ‬ ‫ذكر النفاق فطابع السورة يختلف‪ .‬حتى (واّلذِي َ‬
‫صدّقا ّلمَا َم َعكُ ْم (‪ )41‬البقرة) إذن يؤمنون بما‬ ‫ت مُ َ‬ ‫من أهل الكتاب أن يؤمنوا بما أُنزل إليه وما أنزل من قبلك في آيات كثيرة جدا (وَآمِنُو ْا ِبمَا أَنزَ ْل ُ‬
‫ن آ َمنُواْ قَالُو ْا آ َمنّا (‪( ))76‬وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم آ ِمنُو ْا ِبمَا‬ ‫طمَعُونَ أَن يُ ْؤ ِمنُواْ َل ُك ْم (‪( ))75‬وَِإذَا َلقُو ْا اّلذِي َ‬ ‫أنزل إليك وما أنزل من قبلك وهؤلء لم يؤمنوا (َأ َفتَ ْ‬
‫ل ِبمَا أُنزِلَ إَِليْ ِه مِن ّربّهِ‬ ‫أَن َزلَ اللّ ُه (‪ ))91‬هم ل يؤمنون بما أُنزل إليه بينما هو طلب يؤمنون بما أنزل إليك وحتى في آخر البقرة قال (آمَنَ الرّسُو ُ‬
‫ل ولذلك‬ ‫ح ٍد مّن رّسُلِ ِه (‪ ))285‬طابع السورة هكذا وفي لقمان لم يجد مثل هذا أص ً‬ ‫ق َبيْنَ أَ َ‬‫ل نُفَرّ ُ‬‫ن بِاللّهِ َومَل ِئ َكتِهِ َو ُكُتبِهِ َورُسُلِ ِه َ‬
‫ل آمَ َ‬
‫وَا ْلمُ ْؤ ِمنُونَ كُ ّ‬
‫مفتتح سورة البقرة فيها طابع السورة موجود في مفتتح سورة البقرة‪.‬‬
‫آية (‪:)6‬‬
‫ن (‪))6‬‬
‫عذَابٌ ّمهِي ٌ‬ ‫ك َل ُهمْ َ‬‫خ َذهَا هُ ُزوًا أُولَئِ َ‬
‫ع ْلمٍ َويَتّ ِ‬
‫ضلّ عَن سَبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْرِ ِ‬ ‫ث ِليُ ِ‬
‫حدِي ِ‬
‫(وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي َل ْهوَ الْ َ‬
‫اللهو كل باطل يلهي عن الخير‪ .‬لهو الحديث هو السمر بالساطير والحاديث وما ل خير فيه من الحديث قول الخنا (الفحش) وما إلى ذلك‪ .‬كل‬
‫ما ل خير فيه من الكلم وساقط القول والكلم في الساطير والخرافات هو من لهو الحديث‪ .‬مما ُذكِر في سبب نزول الية قيل أنها نزلت في‬
‫النضر بن الحارث كان تاجرا يخرج إلى فارس فيشتري من قصص العاجم ويأتي ويحدّث بها قريش ويقول محمد يحدثكم بأخبار عاد وثمود‬
‫وأنا أحدثكم بأخبار رستم والكاسرة فيقص عليهم قصصا فيستمعون له‪ .‬يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل ال وهي عامة يدخل فيها كل هؤلء‬
‫شتَرِي‬
‫س مَن يَ ْ‬
‫وكل من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل ال‪ .‬ولهو الحديث هو كل ما ل خير فيه من ساقط القول يدخل في اللهو‪َ ( .‬ومِنَ النّا ِ‬
‫سبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِ ْلمٍ) هل يشتريه بغير علم؟ أو ليضل بغير علم؟ المفسرون قالوا قسم منهم قال يشتري بغير علم بالتجارة‬ ‫ل عَن َ‬ ‫حدِيثِ ِليُضِ ّ‬
‫َلهْ َو الْ َ‬
‫ل يعلم ماذا يشتري هل هو في صالحه أم ل؟ لن النسان لما يشتري يشتري شيئا لصالحه وهذا لم يشتري لصالحه شيء هو المفروض أن‬
‫يشتري ما فيه نفع له لكن ما يشتريه ليس في صالحه وإنما سيورده موارد الهلكة والمفروض أن يشتري الحكمة وليس الساطير والخرافات فإذا‬
‫أراد أن يشتري المفروض أن يشتري ما فيه نفع له وللناس‪ ،‬فإذن قالوا هو يشتري من غير علم بالتجارة وماذا ستؤول إليه هذه البضاعة هل‬
‫تؤول إلى صالحه؟ هل تؤول إلى ما فيه خير؟ إلى فلحه في الدنيا والخرة؟ أم هو كلم ليس فيه فائدة وفيه خسارة له في الخرة؟‪ .‬يشتري بغير‬
‫علم بالتجارة وغير بصيرة بها‪ .‬كان أفضل لو اشترى ما فيه حكمة وما فيه منفعة‪ .‬وقسم قالوا ليضل الناس بغير علم وهو ل يعلم ماذا يتكلم؟ هو‬
‫يضل الناس ول يعلم ماذا يفعل؟ فهو يضلهم وهو ل يعلم ماذا يفعل وحتى لو علم فهذا ليس في صالحه لنه أدى إلى إضللهم وتكون عاقبة من‬
‫ن يُضِلّو َنهُم ِب َغيْرِ عِ ْل ٍم (‪ )25‬النحل)‪ .‬إذن هل‬
‫حمِلُواْ َأوْزَارَ ُه ْم كَامِلَ ًة يَوْمَ ا ْل ِقيَامَةِ َومِنْ أَوْزَارِ اّلذِي َ‬
‫أضل عليه ويحمل وزره ووزر من اضلهم (ِليَ ْ‬
‫المقصود يضل الناس بغير علم هو ل يعلم طريق الهدى فكيف يهديهم؟ إذن هو يضلهم عن سبيل ال‪ .‬إذن قسم قالوا يشتري بغير علم ل يعلم ماذا‬
‫يشتري غير بصير بالتجارة وقسم علقه يضل الناس بغير علم فأضلهم وهو ل يعلم ماذا يفعل وأنا أميل إلى أنه من التنازع أي الثنين معا أي‬
‫يشتري بغير علم ويضل بغير علم وهذا باب في النحو التنازع يعني مثل يسبحون ويحمدون ال أي يسبحون ال ويحمدون ال‪ ،‬أكرمت وأعطيت‬
‫زيدا فعلن يتنازعان على واحد المفروض أكرمت زيدا وأعطيت زيدا‪ ،‬هذا تنازع‪ .‬إذن يشتري بغير علم ويضل بغير علم كلهما وباب التنازع‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫موجود في النحو كثيرا‪ .‬كون أكثر من فعل أو أكثر من إسم يشتركان في متعلق واحد وفي معمول واحد يصير هناك تنازع "حضر وسافر‬
‫محمد"‪ ،‬الكلم فيه كثير في اللغة‪ .‬بغير علم مرتبطة بمن يشتري ومن يضل كليهما وتكون معمولة لكليهما ولهذا سموه تنازعا لن الفعلين‬
‫يتنازعان مفعولً واحدا‪ ،‬لما تقول أعطيت وأكرمت زيدا (زيدا) مفعول به للفعلين إذن بغير علم للثنين يشتري بغير علم ويضل بغير علم فتكون‬
‫الخسارة مضاعفة الذي يشتري بغير علم خاسر والذي يضل الناس يخسر فالخسارة مضاعفة وكونه بغير علم ل يعفيه من المسؤولية‪ .‬ربنا قال‬
‫ص ْنعًا (‪ )104‬الكهف) كونه ل يعلم ل‬
‫سنُونَ ُ‬‫سبُونَ َأّنهُ ْم يُحْ ِ‬
‫حيَا ِة ال ّد ْنيَا وَهُ ْم يَحْ َ‬ ‫عمَالًا (‪ )103‬اّلذِينَ ضَلّ َ‬
‫س ْع ُيهُ ْم فِي ا ْل َ‬ ‫خسَرِينَ أَ ْ‬
‫ل ُن َنبّ ُئكُ ْم بِا ْلأَ ْ‬
‫ل هَ ْ‬
‫(قُ ْ‬
‫سبُونَ َأّنهُم ّمهْ َتدُونَ (‪ )37‬الزخرف) ل ينفعه حسبانه أنه مهتدي ينبغي أن يكون‬ ‫سبِيلِ َويَحْ َ‬ ‫صدّو َنهُ ْم عَنِ ال ّ‬
‫يعفيه من المسؤولية‪ .‬قال إنهم (وَِإّنهُمْ َليَ ُ‬
‫على هدى من ربه‪( .‬ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) هذا ل يعفيه من المسؤولية ولذلك لما قال بغير علم فهذه خسارة أخرى هو‬
‫يضل نفسه ولكن يضل الخرين فيتحمل وزرين وزر نفسه ووزر الخرين وسيكون أخسر الخسرين‪.‬‬
‫* بدأ الية بالمفرد (من يشتري) وانتهى بالجمع (أولئك) فهل هنالك رابط؟‬
‫لما قال ليضل عن سبيل ال هذا سيكون تهديدا له ولمن يضلهم التهديد ليس له فقط هو فجمعهم في زمرته هو ومن يتبعه ال ُمضِل والضال إذن‬
‫ج ُبكَ‬
‫ب ّمهِينٌ)‪ .‬في آية أخرى قال تعالى ( َومِنَ النّاسِ مَن ُيعْ ِ‬ ‫عذَا ٌ‬ ‫ليسا واحدا وإنما أصبحت جماعة‪ .‬إذن هذا تهديد له ولكل من يضله (أُوَل ِئكَ َلهُ ْم َ‬
‫ج َهنّمُ وََل ِبئْسَ ا ْل ِمهَادُ (‬
‫سبُهُ َ‬
‫حْ‬‫لثْ ِم فَ َ‬ ‫خصَامِ (‪ )204‬وَِإذَا قِيلَ لَ ُه اتّقِ اللّهَ َأ َ‬
‫خذَتْهُ ا ْلعِزّ ُة بِا ِ‬ ‫ش ِهدُ اللّ َه عَلَى مَا فِي قَ ْلبِهِ وَهُوَ أََلدّ الْ ِ‬
‫حيَا ِة ال ّدنْيَا َويُ ْ‬
‫قَوْلُ ُه فِي الْ َ‬
‫‪ )206‬البقرة) قال (فحسبه جهنم) لنه لم يذكر أحدا معه بدأ بالمفرد وانتهى بالمفرد لنه لم يتعلق بالخر فقال فحسبه ولما هنا تعلق بالخرين فقال‬
‫أولئك لهم عذاب مهين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ض َّ‬
‫هُزوًا (‬‫خذَهَا ُ‬ ‫علْم ٍ وَيَت َّ ِ‬ ‫ل الل ّهِ بِغَيْرِ ِ‬
‫سبِي ِ‬ ‫ل عَن َ‬ ‫ث لِي ُ ِ‬‫حدِي ِ‬ ‫و ال ْ َ‬
‫شتَرِي لَهْ َ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م َ َ‬
‫ن الن ّا ِ‬ ‫(و ِ‬
‫*قال تعالى َ‬
‫جعَلْنَا‬‫‪ ))6‬عطف بدون اللم مع أنه في موضع آخر في القرآن عطف باللم مثل في قوله تعالى (وَ َ‬
‫َ‬ ‫اللَّي ْ َ‬
‫موا ْ عَدَدَ‬‫م وَلِتَعْل َ ُ‬ ‫من َّربِّك ُ ْ‬ ‫ضل ً ِّ‬‫صَرةً لِتَبْتَغُوا ْ فَ ْ‬
‫مب ْ ِ‬‫ة النَّهَارِ ُ‬
‫جعَلْنَا آي َ َ‬ ‫ة الل ّي ْ ِ‬
‫ل وَ َ‬ ‫حوْنَا آي َ َ‬
‫م َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫َ‬
‫ل وَالن ّهَاَر آيَتَي ْ ِ‬
‫صيل ً (‪ )12‬السراء) فما اللمسة البيانية في هذه الية؟‬ ‫صلْنَاهُ تَفْ ِ‬‫ي ٍء فَ َّ‬ ‫ل َ‬ ‫ب وك ُ َّ‬ ‫ن وَال ْ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫سا َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫سنِي َ‬
‫ال ِّ‬
‫خذَهَا ُهزُوًا أُوَل ِئ َ‬
‫ك‬ ‫سبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِلْ ٍم َويَتّ ِ‬ ‫ل عَن َ‬ ‫ضّ‬ ‫حدِيثِ ِليُ ِ‬ ‫شتَرِي َلهْوَ ا ْل َ‬
‫س مَن يَ ْ‬
‫الية التي كنا ذكرناها وبينا قسما منها هي قوله تعالى ( َومِنَ النّا ِ‬
‫ب ّمهِينٌ (‪ ))6‬لماذا لم يكرر اللم في (يتخذها)؟ المعلوم المقرر في قواعد النحو أن التكرار آكد من عدم التكرار مثلً عندما تقول مررت‬ ‫عذَا ٌ‬ ‫َل ُهمْ َ‬
‫بمحمد وبخالد أقوى من مررت بمحمد وخالد الذكر أقوى هذه قاعدة وآكد‪ .‬إذن عندنا هنا أمران‪ :‬هو لماذا يشتري لهو الحديث؟ ذكر أمران‪:‬‬
‫ليضل عن سبيل ال ويتخذها هزوا هل هما بمرتبة واحدة؟ الغرض الول هو ليضل عن سبيل ال أما إتخذت الهزو فليس بالضرورة أن يذهب‬
‫فيشتري فالهزو يهزأ في مكانه السخرية ل يحتاج أن يذهب ويتاجر ويشتري ل يحتاج إذن هما ليسا بمرتبة واحدة‪ ،‬إذن ليضل عن سبيل ال وهو‬
‫الشراء في الصل ليضل عن سبيل ال ويتخذها هزوا تأتي بعدها وليسا بنفس القوة وهذا الترتيب له غرض‪ .‬إذن عندنا أمران بعضهما أقوى من‬
‫خذَهَا ُهزُوًا) فحذف اللم‪ .‬أما في الية (ِل َت ْبتَغُو ْا فَضْلً‬ ‫سبِيلِ اللّ ِه ِب َغيْ ِر عِلْمٍ) والثاني دونه في التوكيد ( َويَتّ ِ‬ ‫ل عَن َ‬ ‫بعض وآكد من بعض‪ ،‬الول (ِليُضِ ّ‬
‫حسَابَ) هل‬ ‫سنِينَ وَالْ ِ‬ ‫عدَدَ ال ّ‬ ‫ل مّن ّرّبكُمْ وَِل َتعَْلمُو ْا َ‬ ‫حسَابَ) ذكر أمران كلهما له مكانة في الهمية (ِل َتبْ َتغُو ْا فَضْ ً‬ ‫سنِينَ وَالْ ِ‬ ‫عدَدَ ال ّ‬‫مّن ّرّبكُمْ وَِل َتعَْلمُو ْا َ‬
‫يمكن أن نعيش بدون معرفة السنين والحساب؟ والبتغاء؟ كلهما مهمان في الحياة علم السنين والحساب ضروري في الحياة وفي خارج القرآن‬
‫ل من ربكم وتعلموا عدد السنين والحساب تصبح دونها في التوكيد والهمية وهذه قاعدة‪ .‬مررت بمحمد وبخالد آكد‬ ‫لو قال في الية لتبتغوا فض ً‬
‫ك اليّا ُم ُندَاوُِلهَا َب ْينَ‬ ‫ح ّمثْلُهُ َوتِ ْل َ‬
‫ح فَ َق ْد مَسّ ا ْلقَوْ َم قَ ْر ٌ‬ ‫سكُ ْم قَ ْر ٌ‬‫من مررت بمحمد وخالد وآكد منهما مررت بمحمد ومررت بخالد‪ .‬مثال آخر‪( :‬إِن َيمْسَ ْ‬
‫حبّ الظّاِلمِينَ (‪ )140‬آل عمران) ليعلم ال باللم ويتخذ بدون لم (وَِل ُيمَحّصَ اللّ ُه اّلذِينَ‬ ‫ل يُ ِ‬
‫ش َهدَاء وَاللّهُ َ‬
‫خذَ مِنكُمْ ُ‬
‫النّاسِ وَِل َيعْلَ َم اللّهُ اّلذِينَ آ َمنُواْ َو َيتّ ِ‬
‫ن (‪ )141‬آل عمران) ليعلم ال الذين آمنوا منكم ل يتخلف منه أحد كل واحد ربنا تعالى يعلم علما يتعلق به الجزاء‪ .‬لكن هل‬ ‫ق ا ْلكَافِرِي َ‬
‫آ َمنُواْ َو َيمْحَ َ‬
‫يتخذ منهم كلهم شهداء؟ كل إذن ليسا بنفس المنزلة‪ ،‬يتخذ شهاد من قسم قليل منهم‪ .‬وليمحص ال الذين آمنوا ل يتخلف منه أحد لكن ويمحق‬
‫الكافرين فقط‪ .‬هذا يدرس في علم البلغة في غرض التوكيد الذكر والحذف‪ ،‬يذكر لعِلّة ويحذف لعِلّة‪ .‬عطف بدون تكرار للحرف الول وعندنا‬
‫خذَهَا ُهزُوًا)‪.‬‬ ‫سبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِ ْلمٍ َو َيتّ ِ‬
‫ل عَن َ‬ ‫قاعدة الذكر آكد من الحذف‪ .‬من هنا نفهم لماذا قال تعالى في آية لقمان (ِليُضِ ّ‬
‫َ‬ ‫ض َّ‬
‫علْم ٍ وَيَت َّ ِ‬
‫خذُهَا هُ ُ ً‬
‫زوا (‪ )6‬لقمان)‬ ‫ل الل ّهِ بِغَيْرِ ِ‬
‫سبِي ِ‬
‫ل عَن َ‬ ‫ث لِي ُ ِ‬ ‫شتَرِي لَهْوَ ال ْ َ‬
‫حدِي ِ‬ ‫من ي َ ْ‬
‫س َ‬ ‫م َ َ‬
‫ن الن ّا ِ‬ ‫*(وَ ِ‬
‫يتخذ ُها مرفوعة بقراءة ورش فلماذا جاءت يتخذها بالرفع؟‬
‫إذا كانت في المصحف فهي قراءة‪ ،‬يتخذُها بالرفع معطوفة على يشتري وإذا كانت بالنصب معطوفة على (ليضلّ) وكلهما صحيح فصيح‪.‬‬
‫آية (‪:)7‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫معْهَا‬
‫س َ‬ ‫ستَكْبًِرا كَأن ل ّ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫*ما دللة استعمال (إذا) دون (إن) في الية (وَإِذ َا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَل ّى ُ‬
‫م ْ‬
‫ب أَلِيم ٍ (‪))7‬؟‬ ‫ُ‬ ‫كَأ َ َّ‬
‫ن فِي أذ ُنَيْهِ وَقًْرا فَب َ ّ ِ‬
‫شْرهُ بِعَذ َا ٍ‬
‫إذا في اللغة أقوى من إن‪( ،‬إن) تستعمل للمور المحتملة الوقوع والمشكوك في حصولها ولفتراض المور التي قد ل تقع أو إذا وقعت فهي أقل‬
‫أما (إذا) فل تستعمل إل فيما هو واجب وقوع أو الذي يقع كثيرا مع أن كلهما شرط‪ .‬لما سأل موسى ربه (قَالَ َربّ أَ ِرنِي أَنظُرْ ِإَل ْيكَ قَالَ لَن‬
‫ف تَرَانِي (‪ )143‬العراف) أمر مشكوك فيه ليس بالضرورة أن يستقر‪( .‬قُلْ أَ َرَأيْتُمْ إِن َ‬
‫جعَلَ‬ ‫ستَ َقرّ َمكَانَ ُه فَسَ ْو َ‬
‫ل َفإِنِ ا ْ‬
‫جبَ ِ‬
‫تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْ َ‬
‫س ْرمَدًا إِلَى يَوْمِ ا ْل ِقيَامَ ِة (‪ )72‬القصص)‬ ‫ل اللّ ُه عََل ْيكُ ُم ال ّنهَارَ َ‬ ‫اللّ ُه عََل ْيكُمُ الّليْلَ سَ ْر َمدًا إِلَى يَ ْومِ الْ ِقيَامَةِ (‪ )71‬القصص) هذا افتراض‪( ،‬قُلْ أَرََأ ْيتُمْ إِن َ‬
‫جعَ َ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫ن مِنَ ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ ا ْق َتتَلُوا (‪ )9‬الحجرات) هذا ليس أمرا يوميا وإنما قلّ ما يقع وليس كأمر الصلة‬ ‫هو أمر افتراضي غير واقع في الحياة (وَإِن طَا ِئ َفتَا ِ‬
‫ض فَان ُفذُوا لَا‬ ‫سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْ ِ‬ ‫ط ْعتُمْ أَن تَن ُفذُوا مِنْ َأقْطَارِ ال ّ‬ ‫ستَ َ‬‫ض (‪ )10‬الجمعة)‪( .‬يَا َمعْشَرَ ا ْلجِنّ وَا ْلإِنسِ إِنِ ا ْ‬ ‫ت الصّلَا ُة فَانتَشِرُوا فِي ا ْلأَرْ ِ‬ ‫ضيَ ِ‬ ‫(فَِإذَا قُ ِ‬
‫ب عََل ْيكُمْ‬‫جنَحْ َلهَا (‪ )61‬النفال)‪ .‬أما إذا تستعمل للمقطوع بحصوله أو كثير الحصول ( ُكتِ َ‬ ‫جنَحُواْ لِلسّ ْل ِم فَا ْ‬‫ن (‪ )33‬الرحمن) (وَإِن َ‬ ‫تَن ُفذُونَ إِلّا بِسُ ْلطَا ٍ‬
‫ش ْمسَ ِإذَا طََلعَت تّزَاوَ ُر عَن َكهْ ِفهِ ْم ذَاتَ‬ ‫ن بِا ْل َمعْرُوفِ (‪ )180‬البقرة) ( َوتَرَى ال ّ‬ ‫صيّةُ لِلْوَاِل َديْنِ وَالقْ َربِي َ‬ ‫خيْرًا ا ْلوَ ِ‬
‫حدَكُ ُم ا ْلمَوْتُ إِن تَ َركَ َ‬ ‫حضَرَ َأ َ‬ ‫ِإذَا َ‬
‫شمَالِ) ولذلك كل أحداث يوم القيامة‬ ‫ضهُ ْم ذَاتَ ال ّ‬ ‫ا ْليَمِينِ (‪ )17‬الكهف) ل يمكن أن تقول إن طلعت الشمس إل في اليوم الغائم‪( ،‬وَِإذَا غَ َربَت تّقْ ِر ُ‬
‫ت (‪ )3‬وَِإذَا‬ ‫سيّرَ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ت (‪ )2‬وَِإذَا الْ ِ‬
‫جبَا ُ‬ ‫ت (‪ )1‬وَِإذَا النّجُو ُم ا ْن َكدَرَ ْ‬ ‫س كُوّ َر ْ‬ ‫شمْ ُ‬‫تأتي بـ (إذا) ول يصح أن تأتي بـ (إن) لنها واقعة ل محالة (ِإذَا ال ّ‬
‫ت (‪ )8‬التكوير) ل يمكن أن‬ ‫سئِلَ ْ‬ ‫ت (‪ )7‬وَِإذَا ا ْلمَ ْوءُودَةُ ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫س زُوّ َ‬‫ت (‪ )6‬وَِإذَا النّفُو ُ‬ ‫ت (‪ )5‬وَِإذَا ا ْلبِحَارُ سُجّرَ ْ‬ ‫شرَ ْ‬ ‫ت (‪ )4‬وَِإذَا الْوُحُوشُ حُ ِ‬ ‫عطّلَ ْ‬ ‫ا ْلعِشَا ُر ُ‬
‫شرُوا فِي‬ ‫ضيَتِ الصّلَا ُة فَانتَ ِ‬ ‫شهُ ُر الْحُ ُر ُم (‪ )5‬التوبة) ل بد أن تنسلخ‪( ،‬فَِإذَا ُق ِ‬ ‫خ الَ ْ‬ ‫يؤتى بإن ول يصح لنها واقعة ل محالة وهذه قاعدة‪( .‬فَِإذَا انسَلَ َ‬
‫ن آ َمنُواْ‬ ‫ن ِمنْهَا (‪ )86‬النساء) هل هناك يوم ل يحيي أحد أحد؟ (يَا َأّيهَا اّلذِي َ‬ ‫حسَ َ‬‫حيّو ْا بِأَ ْ‬‫حيّ ٍة فَ َ‬ ‫ض (‪ )10‬الجمعة) ل بد أن تنقضي‪( ،‬وَِإذَا ُ‬
‫حّييْتُم ِبتَ ِ‬ ‫الْأَ ْر ِ‬
‫ل هُ َو (‪ )282‬البقرة) هذه الحالة أقل من الولى‪( .‬يَا‬ ‫ستَطِيعُ أَن ُيمِ ّ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ضعِيفًا أَ ْو َ‬ ‫ق سَفِيهًا أَ ْو َ‬ ‫ِإذَا َتدَايَنتُم بِ َديْنٍ (‪ )282‬البقرة) (فَإن كَانَ اّلذِي عََليْهِ الْحَ ّ‬
‫ف مَا‬ ‫ن نِصْ ُ‬ ‫حشَ ٍة َفعََليْهِ ّ‬‫ن فَإِنْ َأ َتيْنَ بِفَا ِ‬
‫حصِ ّ‬ ‫ق (‪ )6‬المائدة) هذه أقل‪( .‬فَِإذَا أُ ْ‬ ‫ن آ َمنُواْ ِإذَا ُق ْمتُمْ إِلَى الصّل ِة فاغْسِلُواْ ُوجُو َهكُمْ وََأ ْي ِد َيكُمْ إِلَى ا ْلمَرَافِ ِ‬ ‫َأّيهَا اّلذِي َ‬
‫حدَكُمُ ا ْلمَ ْوتُ إِن تَ َركَ‬ ‫حضَرَ َأ َ‬ ‫ب عََل ْيكُمْ ِإذَا َ‬ ‫ب (‪ )25‬النساء) إذا أحصن أي البلوغ فإن أتين بفاحشة هذه قليلة الحدوث‪( .‬كُتِ َ‬ ‫ت مِنَ ا ْل َعذَا ِ‬‫صنَا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عَلَى ا ْلمُ ْ‬
‫حيَا َة ال ّد ْنيَا وَزِي َنتَهَا (‪)28‬‬ ‫ن تُ ِردْنَ ا ْل َ‬‫جكَ إِن كُنتُ ّ‬ ‫ي قُل لّأَزْوَا ِ‬ ‫ف (‪ )180‬البقرة) هذه قاعدة‪( .‬يَا َأّيهَا ال ّنبِ ّ‬ ‫ن بِا ْل َمعْرُو ِ‬
‫صيّةُ ِللْوَاِل َديْنِ وَالقْ َربِي َ‬
‫خيْرًا الْ َو ِ‬‫َ‬
‫صنًا (‪ )33‬النور) هذا افتراض‪ .‬إذا وإن تدلن على الشرط لكن (إذا) هي إما‬ ‫ن تَحَ ّ‬ ‫الحزاب) هذا افتراض‪( .‬وَلَا ُتكْرِهُوا َف َتيَا ِتكُ ْم عَلَى ا ْل ِبغَاء إِنْ أَ َردْ َ‬
‫لما هو واقع ل محالة أو كثير الوقوع أما (إن) فهي افتراض وقد يكون استحالة أو أمور ل تقع ولكن ليس هنالك لها في واقع الحياة حصول (وَإِن‬
‫ب مّ ْركُومٌ (‪ )44‬الطور) متى رأينا كسفا من السماء ساقطا؟ إذن (إذا) أقوى من (إن) من حيث الوقوع‬ ‫سمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَا ٌ‬ ‫يَرَوْا ِكسْفًا مّنَ ال ّ‬
‫وقد وردت في القرآن ‪ 362‬مرة ولم يرد في موطن واحد في افتراض أنها لم تقع بينما (إن) في افتراض‪ ،‬يمكن تقع أو ل تقع (وَإِن كُنتُ ْم فِي َريْبٍ‬
‫عبْ ِدنَا (‪ )23‬البقرة) لكنها ليست مثل (إذا)‪ .‬فإذن لما قال (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْ ِه آيَا ُتنَا) القراءة حاصلة‪ .‬هناك فرق بين (إن) الشرطية وإن‬ ‫ّممّا نَزّ ْلنَا عَلَى َ‬
‫النافية (إِنِ ا ْلكَافِرُونَ إِلّا فِي غُرُورٍ (‪ )20‬الملك) هذه بمعنى (ما) ونميز الشرطية بفعل الشرط وجواب الشرط وإذا دخلت على المضارع تجزم‬
‫وهي مختصة بالدخول على الفعال بينما (إن) النافية تدخل على السماء والفعال‬
‫الفرق بين (إذا) و(إذ)‪:‬‬
‫إذ ظرف للماضي في الغالب ول يعدونها من أدوات الشرط‪ ،‬إذما من أدوات الشرط (وَا ْذكُرُواْ ِإذْ كُنتُ ْم قَلِيلً َف َكثّ َركُ ْم (‪ )86‬العراف) (يَا َأّيهَا اّلذِينَ‬
‫جنُو ٌد (‪ )9‬الحزاب) النحاة يقولون إذ للماضي وإذا للمستقبل ونحن نقول (إذ) في الغالب للماضي وإذ‬ ‫آ َمنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّ ِه عََل ْيكُمْ ِإذْ جَاء ْتكُ ْم ُ‬
‫ليست شرطية‪( .‬إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب لجوابه مبني على السكون‪( .‬إذ) إسم‪ ،‬ظرف زمان للماضي في الغالب‬
‫عنَا ِقهِ ْم (‪ )71‬غافر) وهذه للمستقبل (سوف) في جهنم يسحبون في الحميم وإن كان له تأويل آخر أنه مستقبل منزّل‬ ‫ل فِي أَ ْ‬ ‫لنه في القرآن (ِإذِ الْأَغْلَا ُ‬
‫حتّى ِإذَا َأدْ َركَهُ‬
‫منزلة الماضي لكني أعتقد أنها في الغالب للماضي كما أن (إذا) في الغالب للمستقبل وقد تكون في الماضي كما في قوله تعالى ( َ‬
‫س (‪ )86‬الكهف) حتى في آية الجمعة (وَِإذَا رََأوْا تِجَارَةً أَوْ َلهْوًا ان َفضّوا‬ ‫شمْ ِ‬ ‫ق (‪ )90‬يونس) هو أدركه الغرق بالفعل‪َ ( .‬‬
‫حتّى ِإذَا بَلَغَ َمغْ ِربَ ال ّ‬ ‫ا ْلغَرَ ُ‬
‫ِإَليْهَا (‪ )11‬الجمعة) هذه الية نزلت بعد ما وقع المر‪ .‬النحاة ل يقولون غالبا ولكنهم يقولون أن أدوات الشرط كلها في الستقبال‪.‬‬
‫َ‬
‫*قال في الية تتلى بصيغة المضارع (وَإِذ َا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا) ولم تأتي بالماضي مع أنه قال (وَل ّى‬
‫ستَكْبًِرا)؟‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫ال أعلم الفعل الماضي كما يبدو لي في الشرط يفيد حصول الحدث مرة واحدة والمضارع يفيد تكرر الحدث مثلً نلحظ في آيتين متتابعتين ( َومَن‬
‫طئًا (‪َ ( )92‬ومَن َي ْقتُلْ مُ ْؤ ِمنًا ّم َت َعمّدًا (‪ ))93‬القتل الخطأ ليس من المفروض أن يتكرر فإذا كان يتقل مؤمنا متعمدا هذا يتكرر لذا في‬ ‫ل مُ ْؤ ِمنًا خَ َ‬ ‫َقتَ َ‬
‫س ْع َيهَا (‪ )19‬السراء) ( َومَن يُ ِر ْد ثَوَا َ‬
‫ب ال ّد ْنيَا‬ ‫سعَى َلهَا َ‬ ‫خرَةَ وَ َ‬
‫القتل الخطأ قال (قتل) وقال (يقتل) لما كان افتراض تكرر الحدث‪َ ( .‬ومَنْ َأرَادَ ال ِ‬
‫نُ ْؤتِ ِه ِمنْهَا َومَن يُ ِردْ ثَوَابَ الخِ َرةِ نُ ْؤتِ ِه ِم ْنهَا (‪ )145‬آل عمران) من أراد ماضي ومن يرد مضارع يتكرر‪ ،‬الثواب يتكرر‪ ،‬كل شيء متعلق‬
‫ع ْدنَا‬
‫ن عُدتّ ْم ُ‬ ‫ت (‪ )19‬النفال) (عَسَى َربّكُمْ أَن يَ ْر َ‬
‫ح َمكُمْ وَإِ ْ‬ ‫شيْئًا وَلَ ْو َكثُرَ ْ‬
‫ي عَنكُ ْم ِف َئتُكُ ْم َ‬
‫بالثواب يتكرر أما الخرة فواحدة‪( .‬وَإِن تَعُودُو ْا َنعُدْ وَلَن ُتغْنِ َ‬
‫عدْنَا) هذه في بني إسرائيل وقد ذكر‬ ‫ن عُدتّ ْم ُ‬‫(‪ )8‬السراء) لو لحظنا قال (وَإِن تَعُودُو ْا َنعُدْ) قالها في كفار قريش بعد وقعة بدر هم عادوا بينما (وَإِ ْ‬
‫حبْنِي (‪ )76‬الكهف) بقي له سؤالً واحدا‪،‬‬ ‫ي ٍء َبعْدَهَا فَلَا تُصَا ِ‬
‫ك عَن شَ ْ‬ ‫ل إِن سَأَ ْل ُت َ‬ ‫أنهم يفسدون في الرض مرتين إحداهما ذهبت وتبقى الخرى‪( .‬قَا َ‬
‫ضغَا َنكُ ْم (‪ )37‬محمد) هذا متكرر بينما في الولى سؤال واحد ثم تنقطع المصاحبة‪ .‬الماضي والمضارع مع‬ ‫ج أَ ْ‬‫(إِن يَسَْأ ْل ُكمُوهَا َفيُحْ ِفكُ ْم َتبْخَلُوا َويُخْرِ ْ‬
‫الشرط يدلن على الستقبال لكن الماضي مرة واحدة أو أقل والمضارع فيه توقع حدوث مرات كثيرة‪ .‬ولذلك هنا في آية لقمان قال (وَِإذَا ُتتْلَى‬
‫عََليْ ِه آيَا ُتنَا) دللة على تكرار التلوة الذي يفترض أن يؤدي إلى التأمل والتفكر والنتباه يدعوه للتأمل وهذا بخلف لو قال تليت عليه إحتمال أن‬
‫تكون تليت مرة واحدة‪ .‬وقال (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا) قال آياتنا بإضافة اليات إلى ضمير التعظيم ل تعالى لتعظيم فعلة هذا والتشنيع عليه أن آيات‬
‫ال ويستهزئ بها وولى مستكبرا كأن لم يسمعها‪.‬‬
‫ن فِي أُذ ُنَيْهِ وَقًْرا) وفي الجاثية تحدث عن هذا المعنى بصورة‬ ‫*قال تعالى في آية سورة لقمان (كَأ َ َّ‬
‫معْهَا‬
‫س َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬
‫َ‬
‫ستَكْبًِرا كَأ ْ‬ ‫صُّر ُ‬
‫م ْ‬ ‫ت اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ث ُ َّ‬
‫م يُ ِ‬ ‫معُ آَيَا ِ‬ ‫س َ‬
‫َ‬
‫ك أثِيم ٍ (‪ )7‬ي َ ْ‬
‫ل لِك ُ ّ َ‬
‫ل أفَّا ٍ‬‫ِ‬ ‫مختلفة (وَي ْ ٌ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫ب أَلِيم ٍ (‪ ))8‬لم يقل كأن في أذنيه وقرا ً فلم فذ آية لقمان بالتحديد وردت (كَأ َ َّ‬
‫ن فِي‬ ‫فَب َ ّ ِ‬
‫شْرهُ بِعَذ َا ٍ‬
‫أُذ ُنَيْهِ وَقًْرا)؟‬
‫ن فِي ُأ ُذ َنيْهِ َو ْقرًا َفبَشّرْ ُه ِبعَذَابٍ أَلِي ٍم (‪ ))7‬وفي الجاثية ( َويْلٌ ِلكُلّ‬
‫س َم ْعهَا كَأَ ّ‬
‫س َت ْكبِرًا كَأَن لّ ْم يَ ْ‬
‫نقرأ اليات في سورة لقمان (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا وَلّى مُ ْ‬
‫س َمعْهَا َفبَشّرْ ُه ِبعَذَابٍ أَلِي ٍم (‪ ))8‬كيف يكون في أذنيه وقر وهو يسمع كلم ال؟‬ ‫ستَ ْكبِرًا كَأَنْ َل ْم يَ ْ‬
‫صرّ ُم ْ‬
‫عَليْهِ ثُ ّم يُ ِ‬
‫ت اللّ ِه تُتْلَى َ‬ ‫َأفّاكٍ َأثِيمٍ (‪ )7‬يَ ْ‬
‫سمَعُ َآيَا ِ‬
‫في لقمان لم يقل يسمع آيات ال‪ ،‬قال تتلى عليه لكنه لم يقل يسمعها‪ .‬أما في الجاثية قال يسمع آيات ال تتلى عليه فكيف يقول في أذنيه وقرا؟ لما‬
‫ن فِي ُأ ُذ َنيْهِ َو ْقرًا) في لقمان‪ .‬السماع يأتي من التلوة هناك من يتلو حتى يسمع‪ .‬الوقر المانع يمنعه من السماع‬ ‫لم يقل يسمع ناسب أن يقول (كَأَ ّ‬
‫هنالك شيء في أذنه ل يسمع جيدا‪.‬‬
‫ب أَلِيمٍ) فبشره بضمير الفراد ولم يجمع الضمير مع أنه سبق‬ ‫*الملحظ بقوله تعالى (فَب َ ّ ِ‬
‫شْرهُ بِعَذ َا ٍ‬
‫ن) فلماذا؟‬‫مهِي ٌ‬‫ب ُّ‬‫م عَذ َا ٌ‬ ‫الخطاب بالجمع (أُولَئ ِ َ‬
‫ك لَهُ ْ‬
‫ن فِي ُأ ُذ َنيْهِ َو ْقرًا َفبَشّرْ ُه ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ) نلحظ هنا ذكره وحده لم يذكر معه أحدا‬ ‫س َم ْعهَا كَأَ ّ‬
‫س َت ْكبِرًا كَأَن لّ ْم يَ ْ‬
‫قال سبحانه (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا وَلّى مُ ْ‬
‫ن فِي ُأ ُذ َنيْهِ َو ْقرًا) إفراد‪ ،‬بينما الية‬ ‫س َم ْعهَا كَأَ ّ‬
‫س َت ْكبِرًا كَأَن لّ ْم يَ ْ‬
‫آخر ونلحظ سياق الية كلها تتكلم عن شخص واحد (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا وَلّى مُ ْ‬
‫خذَهَا هُزُوًا أُوَل ِئكَ َل ُهمْ‬
‫علْمٍ َو َيتّ ِ‬
‫سبِيلِ اللّ ِه ِب َغيْرِ ِ‬
‫ل عَن َ‬ ‫حدِيثِ ِليُضِ ّ‬ ‫شتَرِي َلهْوَ الْ َ‬ ‫س مَن يَ ْ‬ ‫قبلها التي جمع فيها يتكلم عليه وعلى من أضله ( َومِنَ النّا ِ‬
‫ب ّمهِينٌ) بالجمع وليس له وحده‪ ،‬فإذن هناك كان التهديد للجمع‬ ‫ب ّمهِينٌ (‪ ))6‬هناك أصبح جماعة تهديد له ولمن يضله فقال (أُوَل ِئكَ َلهُ ْم َ‬
‫عذَا ٌ‬ ‫عذَا ٌ‬
‫َ‬
‫(أولئك لهم عذاب مهين) له ولمن يضله وهنا لما كان الكلم هنا عليه وحده أفرد قال ( َفبَشّرْ ُه ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ) وقال بشره مع أن البشرى ل تكون إل‬
‫في الخير استهزاء به وسخرية منه فقال ( َفبَشّرْ ُه ِبعَذَابٍ َألِيمٍ)‪.‬‬
‫ن) فما‬ ‫ب ُّ ِ‬
‫مهي ٌ‬ ‫م عَذ َا ٌ‬ ‫ب أَلِيمٍ) وفي آية قبلها قال (أُولَئ ِ َ‬
‫ك لَهُ ْ‬ ‫*ختمت الية بقوله تعالى (فَب َ ّ ِ‬
‫شْرهُ بِعَذ َا ٍ‬
‫الفرق بين العذاب المهين والعذاب الليم؟‬
‫هذا ليس تعرضا وإنما وصف آخر‪ ،‬الهانة تكون إذا وقعت أمام الخرين‪ .‬يكون العذاب مهينا إذا كان هناك من يشهد العذاب إذا لم يكن هنالك‬
‫من يشهد فالهانة ليست ظاهرة وكلما كان المشاهدين والحاضرين أكثر كانت الهانة أكثر‪ .‬هذا ذكر هنالك من يُضلهم (عذاب مهين) لنه يشهد‬
‫بعضهم هذا الذي أضلهم سيعذب أمامهم فهي إذن هذه إهانة له هذا الذي كان يفعل هكذا ويضل هو الن يعذّب وله عذاب مهين يهينه أمام هؤلء‬
‫الذين أضلهم وهؤلء أيضا كلهم سيعذبون وكل منهم يشهد عذاب الخر فهم في عذاب مهين‪ .‬أما في الية الثانية فهو وحده له عذاب أليم ل‬
‫ل كونه مستهزئ جمع أمرين لن الذين يستهزئ بهم هو أهانهم وآلمهم‪ .‬الهانة بحد ذاتها‬ ‫ينطبق عليه مهين‪ .‬العذاب المهين قد يكون أليما وهو أو ً‬
‫قد يكون فيها إيلم للخريم فجمع ال تعالى له بين الهانة واللم‪ .‬وقد يكون العذاب المهين ليس مؤلما جسديا ولكن مؤلم نفسيا أما هنا فجمع له‬
‫ب ّمهِينٌ) هذه إهانة ثم قال ( َفبَشّرْ ُه ِبعَذَابٍ َألِيمٍ) هذا ألم إذن‬
‫عذَا ٌ‬
‫بين العذابين الهانة واليلم في مجموعهم (أليم ومهين)‪ .‬أول مرة قال (أُوَل ِئكَ َلهُ ْم َ‬
‫صار له عذابين إهانة وألم وليس مهينا فقط من دون إيلم‪ .‬قد يكون على سبيل المثال أن أحدا في سبيل المبدأ‪ ،‬في سبيل القرآن‪ ،‬في سبيل‬
‫السلم يُعذّب لكن ل يرى فيه إهانة بل يرى فيه فلحا وثباتا وعزة وصلحا وحسنة‪ .‬بينما هنا جمع له عذاب مهين وأليم كما استهزأ بالخرين‬
‫وأهانهم وآلمهم هنا جمع له عذاب مهين وأليم‪ .‬وقد يكون المهين غير مؤلم جسديا ل يشترط في اللغة أن يكون مؤلما جسديا فجمعهم مهين وأليم‪.‬‬
‫مهين يشهد بعضهم عذاب بعض والهانة وما إلى ذلك وما كان يضلهم فأهانه أمام جماعته وشهد بعضهم عذاب بعض وإهانة العذاب لهم وآلمهم‬
‫به فجمع بينهما‪.‬‬
‫*تقدير العذاب في القرآن الكريم (عذاب أليم‪ ،‬مهين‪ ،‬شديد) هل يرتبط نوع العذاب بصدر الية‬
‫القرآنية؟‬
‫يرتبط ويرتبط بفعل المعذب ماذا يقدم له من فعل المعذب وكيف قدم له؟ فيذكر بسبب السياق وفيما اقتضى العذاب‪.‬‬
‫آية (‪:)9-8‬‬
‫حكِي ُم (‪))9‬‬
‫حقّا َو ُه َو ا ْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ع َد اللّهِ َ‬
‫ن اّلذِينَ آ َمنُوا وَعَ ِملُوا الصّالِحَاتِ َل ُهمْ جَنّاتُ ال ّنعِي ِم (‪ )8‬خَا ِلدِينَ فِيهَا وَ ْ‬‫(إِ ّ‬
‫بعد أن ذكر الكافرين وأن لهم عذاب أليم مهين ذكر ما يقابلهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات‪ ،‬ذكر أن لهم جنات النعيم أضاف الجنات إلى النعيم‬
‫جنّاتُ ال ّنعِيمِ)‬
‫بمقابل ما يلقاه المُِضل من عذاب مهين وأليم هو الذي يلقى عذابا مهينا لو وضعته في الجنة وأنت تعذبه ل ينعم فهنا ربنا قال (َلهُ ْم َ‬
‫جنّاتُ ال ّنعِيمِ) وهذا من‬ ‫فهو إذن يتنعم في مقابل ما يلقاه ذاك من عذاب مهين هذا ينعم مقابل ذاك الذي يهان ويألم‪ .‬ثم تقديم الجار والمجرور (َلهُ ْم َ‬
‫باب الختصاص أي لهم ل لغيرهم‪ ،‬للذين آمنوا وعملوا الصالحات ل ينعم أحد في الجنة غير هؤلء حصرا‪.‬‬
‫كل الجنات هي نعيم وليس في الجنة بؤس ول شقاء كلها نعيم بمقابل ما يلقاه ذاك في النار من الهانة والعذاب‪ .‬خالدين فيها أي ليس فقط لهم‬
‫جنات النعيم كما تقول لك هذه الدار وإنما الخلود فيها‪ .‬معنى الخلود البقاء والدوام يقولون الخلود الطويل لكن بالنسبة للخرة ل ينقضي ولذلك‬
‫حقّا) ووعد ال حقا ل يتخلف‪( .‬وعدَ) مفعول مطلق‬ ‫عدَ اللّهِ َ‬ ‫يقول أحيانا أبدا أي ليس له نهاية عندما يقول خالدين فيها أبدا هذا تأكيد البدية‪( .‬وَ ْ‬
‫لفعل محذوف يعني يعدكم ال وعده حقا‪ .‬وحقا مفعول آخر مؤكّد لفعل محذوف‪.‬‬
‫أكد بالذين آمنوا وأكد بـ (حقا) وأكد بالمفعول المطلق مع أن كلها أشياء طيبة في الجنات ولم يؤكد في العذاب؟ كلها أمر مؤكد‪ .‬حسب ما يرد‬
‫جحِيمًا (‪ )12‬المزمل) وأكّد في أماكن أخرى‪.‬‬ ‫وورد قوله تعالى (إِنّ َلدَ ْينَا أَنكَالًا وَ َ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫*اختيار ختام الية العزيز الحكيم‪:‬‬


‫العزيز هو الغالب الممتنع والحكيم فيها احتمالين الحكيم قد يكون من الحكم ومن الحكمة‪ .‬العزيز الحيكم هو يفعل ذلك ل يمنع من تنفيذ وعده مانع‬
‫لنه الغالب الممتنع الحاكم وأحيانا يكون العزيز غير حاكم والعزة درجات‪ .‬حتى في حياتنا الدنيا أعلى درجات العزة أن يكون حاكما لكن ليس‬
‫كل عزيز حاكما‪ ،‬أعلى العزاء أن يكون حاكما هذا منتهى العزة وكل حاكم عزيز وليس كل عزيز حاكم‪ .‬فهنا جمع تعالى منتهى العزة العزيز‬
‫الحكيم‪ .‬والحكيم لها هنا دللتان‪ :‬الحكيم من الحُكم منتهى العزة ل يمنعه مانع لن بيده كل شيء ومن الحكمة عزيز حاكم حكيم في تصرفاته‬
‫وإراداته لن الحاكم إذا لم يكن حكيمُا كان ذلك تهورا‪ .‬الحكمة المفروض أنها من مستلزمات الحُكم فالنمرود كان حاكما لكنه لم يكن حكيما هنالك‬
‫كثير ممن نرى ونقرأ يكونوا حاكمين ليس ليس حكماء فإذن هذا حكمه سيكون وبالً على الخرين‪ .‬في الية الحكيم لها الدللتان للتوسع في‬
‫المعنى‪ .‬في اللغة قد يأتي بوصف له أكثر من دللة هي كلها مرادة إذا لم يكن قرينة سياقية تحدد معنى محددا‪ .‬مثلً قوله تعالى (بَلْ كَانُوا لَا‬
‫ل من الفقه أو قليلً من المور؟ هي كلها مرادة لنه لو أراد لقال فقها قليلً أو أمرا قليلً‪،‬‬ ‫ل من ماذا؟ قلي ً‬ ‫يَ ْف َقهُونَ إِلّا قَلِيلًا (‪ )15‬الفتح) قلي ً‬
‫حكُو ْا قَلِيلً وَ ْل َي ْبكُو ْا َكثِيرًا (‪ )82‬التوبة) هل هو قليل من الوقت أو قليل من الضحك لذا لما نعرب قليلً نعربها إما مفعول مطلق (ضحكا‬ ‫ضَ‬ ‫(فَ ْليَ ْ‬
‫قليلً‪ ،‬صفة وناب عن المصدر صفته هذا مفعول مطلق) وإما ظرف زمان اي وقتا طويلً‪ .‬لم يحدد وقتا قليلً أو ضحكا قليلً‪َ ( ،‬و ْليَ ْبكُو ْا َكثِيرًا)‬
‫بكاء كثير وزمن كثير طويل فجمع الثنين‪( .‬يَا َأّيهَا اّلذِينَ آ َمنُوا ا ْذكُرُوا اللّهَ ِذكْرًا َكثِيرًا (‪ )41‬الحزاب)هنا حدد الذكر وليس الوقت وقال (وَا ْذكُرُوا‬
‫ن (‪ )10‬الجمعة) الذكر والوقت وكل آية تتماشى مع السياق العام هل يريد الطلق والجمع أو التحديد فإذا حدد جاء بما‬ ‫اللّ َه َكثِيرًا ّلعَّلكُ ْم تُ ْفلِحُو َ‬
‫يحدد ويعيّن‪ .‬في العزيز الحكيم أراد العزة والحكم والحكمة‪.‬‬
‫حكِي ٌم (‪ .))27‬العزيز الحكيم ل يمنع مانع من تنفيذ وعده بالنسبة لولئك وهؤلء للمؤمنين‬ ‫عزِيزٌ َ‬
‫العزيز الحكيم بالتعريف ووردت نكرة (إِنّ اللّ َه َ‬
‫سبْعَةُ َأبْحُرٍ‬
‫ح ُر َيمُدّ ُه مِن َب ْعدِهِ َ‬ ‫جرَةٍ َأقْلَامٌ وَا ْلبَ ْ‬
‫ض مِن شَ َ‬
‫وغيرهم لنه هو العزيز الحكيم‪ .‬لو قرأنا الية الخرى في السورة نفسها (وَلَ ْو َأنّمَا فِي الَْأرْ ِ‬
‫حكِي ٌم (‪ ))27‬ليس وعدا لحد ومحاربة لحد ول جزاء لحد وليس هناك شخص معاند لم يذكر محارب بينما‬ ‫ن اللّ َه عَزِيزٌ َ‬‫مّا َن ِفدَتْ كَِلمَاتُ اللّهِ إِ ّ‬
‫س َتكْبِرًا‬
‫ذكر محاربا ومعاندا في الية الولى فلم يقتضي هذا الشيء‪ .‬هذا تعقيب بالعزة والحكم لنه ذكر جزاء وعقاب (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْ ِه آيَا ُتنَا وَلّى مُ ْ‬
‫س َم ْعهَا (‪ ))7‬ذاك جزاء الذين آمنوا وعقاب الذين كفروا ول يمنعه مانع هو العزيز الحكيم وكل من ترونه يتهاوون وليس هنالك أحد‪ .‬أما‬ ‫كَأَن لّ ْم يَ ْ‬
‫في الية الثانية فهي إخبار وليس فيها تهديد ول وعيد ولمحارب ول جزاء ول شيء فل يقتضي‪.‬‬
‫ل نفهم أن النكرة تدل على العموم والشمول والتعريف يدل على التعيين والتحديد كما في بعض الجوانب البلغية؟ التعريف أحيانا قد يكون جنس‬
‫ضعِيفًا (‪ )28‬النساء) ‪.‬‬ ‫حسب السياق يحدده‪ .‬التعريف إما يكون لعهد أو للجنس (إن النسان لفي خسر) (وَخُِلقَ الِنسَانُ َ‬
‫آية (‪:)10‬‬
‫ن ال سّمَاء مَاء َفأَن َبتْنَا فِيهَا مِن ُكلّ‬
‫سيَ أَن َتمِيدَ ِبكُ مْ وَبَثّ فِيهَا مِن ُك ّل دَابّ ٍة وَأَن َزلْنَا مِ َ‬
‫ق ال سّمَاوَاتِ ِب َغيْرِ عَ َمدٍ تَ َروْ َنهَا وََألْقَى فِي ا ْلأَرْ ضِ َروَا ِ‬
‫خلَ َ‬
‫(َ‬
‫ج كَرِي ٍم (‪))10‬‬
‫َز ْو ٍ‬
‫*على من يعود الضمير في (ترونها)؟‬
‫هذا بحثه القدامى في الناحية اللغوية وبحثه الفراء في كتابه معاني القرآن هذه تسمى التعبيرات الحتمالية يعني تحتمل أكثر من دللة ولذلك هم‬
‫قالوا يحتمل هذا التعبير أنه خلق السموات بغير عمد وهاأنتم ترونها بغير عمد فتكون ترونها جملة استئنافية فيكون السماء مرفوعة بغير عمد‬
‫وهاأنتم ترونها بغير عمد فيكون المعنى خارج القرآن خلق السموات ترونها بغير عمد‪ .‬الحتمال الخر ترونها صفة لعمد يعني بغير عمد مرئية‬
‫يعني خلقها بعمد غير مرئية لها أعمدة لكن ل تُرى هذه العمدة غير مرئية‪ .‬القدامى هكذا قالوا هذا التعبير يحتمل أمرين إما أن يكون خلقها بغير‬
‫عمد وهاأنتم ترونها مرفوعة بغير عمد (ترونها استئنافية) وإما ترونها صفة لعمد‪ ،‬أراد أن يجعلنا نفكر فيها وفي المستقبل سينتهون إلى ما‬
‫ينتهون إليه فقد تكون هي مرفوعة بغير عمد وقد تكون هنالك أعمدة غير مرئية كالجاذبية مثلً‪ .‬البعض في العجاز العلمي يقولون أن هنالك‬
‫أعمدة ولكن ل نراها‪ .‬أيهما أدل على القدرة؟ أن تكون بغير عمد أو تكون بعمد؟ كلها قدرة وهو سبحانه خلق السباب مثلً تقول أيها أدل على‬
‫القدرة أن يخلق النسان بأب وأم أو من غير أب وأم؟ كلها قدرة‪ .‬هو خلق السباب الخرى من المطر الذي ينبت الزرع‪ ،‬يخلق السباب أو يضع‬
‫أسباب أو ل يضع أسباب خلقها بغير عمد أو بعمد كما خلق آدم من غير أب ول أم وخلق حواء من ذكر بل أنثى وخلق عيسى من أم بل أب‬
‫وخلق من عقيم وخلق من غير زوج وهو سبحانه يفعل ما يشاء وال أعلم قد يأتي زمان نفهم هذه الية‪ .‬الية تحتمل المعنيين وأهل اللغة القدامى‬
‫قالوا تحتمل وتحتمل أنها استئنافية‪ .‬الذي يحدد المر هو المر العلمي والذي يقطع فيها ما يكتشف ويحدد من حقيقة علمية‪ .‬هذا التعبير بهذا‬
‫الشكل يسير على نهج العرب وأصل الجمل في العربية على قسمين تعبيرات ذات دللة احتمالية وتعبيرات ذات دللة قطعية‪( .‬وََأحَلّ اللّهُ ا ْل َبيْعَ‬
‫َوحَرّمَ ال ّربَا (‪ )275‬البقرة) هذه قطعية‪ ،‬ل رجلٌ حاضرا احتمالية‪ ،‬ل رجلَ حاض ٌر قطعية‪ ،‬ما رجلٌ حاضرا احتمالية‪ ،‬ما من رجل حاضر قطعية‪.‬‬
‫يقولون إشتريت قدح ماءٍ احتمالية‪ ،‬اشتريت قدحا ما ًء قطعية لنك إشتريت ماء بمقدار قدح ولم تشتر القدح‪ ،‬اشتريت قدح ما ٍء احتمالية قد تكون‬
‫اشتريت القدح وقد تكون اشتريت الماء‪ .‬إذن (ترونها) الضمير يعود على السماء أو على العمد تعبير احتمالي والناس في المستقبل يستنبطون‬
‫ق (‪ )53‬فصلت)‪.‬‬‫حتّى َي َت َبيّنَ َلهُمْ َأنّهُ ا ْلحَ ّ‬
‫سهِمْ َ‬
‫سنُرِيهِ ْم آيَا ِتنَا فِي الْآفَاقِ َوفِي أَنفُ ِ‬
‫(َ‬
‫ّ َ‬
‫ه ال ّذِي‬
‫مدٍ تََروْنَهَا) وفي سورة الرعد قال (الل ُ‬
‫ت بِغَيْرِ عَ َ‬
‫ماوَا ِ‬ ‫خلَقَ ال َّ‬
‫س َ‬ ‫*قال تعالى في سورة لقمان ( َ‬
‫مدٍ تََروْنَهَا) فما الفرق بين رفع وخلق؟‬ ‫ت بِغَيْرِ عَ َ‬
‫ماوَا ِ‬ ‫َرفَعَ ال َّ‬
‫س َ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫ل يُ ْؤ ِمنُونَ (‪ )1‬اللّ ُه‬


‫حقّ وَلَـكِنّ َأ ْكثَ َر النّاسِ َ‬ ‫ت ا ْلكِتَابِ وَاّلذِيَ أُن ِزلَ إَِل ْيكَ مِن ّرّبكَ الْ َ‬
‫ك آيَا ُ‬
‫كل تعبير مناسب لمكانه لو نظرنا في الرعد قال (المر تِ ْل َ‬
‫ل اليَاتِ َلعَّلكُم بِلِقَاء‬ ‫لمْرَ ُيفَصّ ُ‬
‫سمّى ُي َدبّ ُر ا َ‬
‫ل مّ َ‬‫جرِي لَجَ ٍ‬ ‫ل يَ ْ‬
‫شمْسَ وَالْ َقمَ َر كُ ّ‬ ‫ش وَسَخّرَ ال ّ‬ ‫ستَوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬ ‫ع َم ٍد تَرَ ْو َنهَا ثُمّ ا ْ‬
‫ت ِب َغيْرِ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫اّلذِي َرفَعَ ال ّ‬
‫ك مِن ّرّبكَ ا ْلحَقّ) النزال إنما يكون من فوق أي من مكان مرتفع فناسبها رفع السموات‪ .‬ثم استوى‬ ‫ن (‪ ))2‬لما قال (وَاّلذِيَ أُنزِلَ إَِل ْي َ‬ ‫َربّكُ ْم تُو ِقنُو َ‬
‫شمْسَ وَا ْل َقمَرَ) العرش فوق السموات إذن رفع السموات‬ ‫سخّرَ ال ّ‬ ‫ستَوَى عَلَى ا ْلعَ ْرشِ وَ َ‬ ‫عمَ ٍد تَرَ ْو َنهَا ثُمّ ا ْ‬
‫سمَاوَاتِ ِب َغيْ ِر َ‬ ‫على العرش (اللّهُ اّلذِي َرفَعَ ال ّ‬
‫شمْسَ وَا ْل َقمَرَ) وهي من الجرام السمواية وهي مرتفعة إذن يناسب رفع السموات‪ .‬أما في لقمان فليس فيها‬ ‫حتى تكون مرتفعة‪ .‬ثم قال ( َوسَخّ َر ال ّ‬
‫خلَقَ اّلذِينَ مِن دُونِ ِه (‪ ))11‬خلق ال مناسب لخلق السموات (خلق السموات)‬ ‫خلْقُ اللّ ِه َفأَرُونِي مَاذَا َ‬ ‫شيء من ذلك بعد هذه الية في لقمان قال (هَذَا َ‬
‫ق اللّهِ) فكل تعبير في مكانه‪.‬‬ ‫ق اللّهِ)‪ .‬إذن السياق في الرعد يناسبه رفع السموات والسياق في لقمان يناسبه خلق السموات وبعدها ( َهذَا خَلْ ُ‬ ‫( َهذَا خَلْ ُ‬
‫(بغير عمد) (غير) معناها اللغوي المغايرة ولها معاني كثيرة وأحيانا تكون نافية‪ .‬وقد يكون هذا المعنى محتملً في الية تنفي العمدة‪ .‬يقول بغير‬
‫علم ينفي العلم‪ .‬إذا نفت العمد في الية المسألة في (ترونها) هو نفى بعمد غير مرئية‪ .‬لما تقول ما جاءني رجل كريم تنفي الكريم من الرجال‬
‫وليس عموم الرجال‪ ،‬ما جاءني رجل يحمل حقيبة يحتمل أنه جاء رجل ل يحمل حقيبة‪ .‬هذا تقييد والقيد ل ينفي العموم‪ ،‬خلق السموات بغير عمد‬
‫مرئية أو بغير عمد أصلً‪ .‬تقول جاء بغير كتاب أجنبي‪ ،‬جاء فلن بغير كتاب مقرر‪ ،‬هل جاء بغير كتاب؟ محتمل‪ ،‬جاء بكتاب غير مقرر‪ ،‬إذن‬
‫جاء بكتاب إذن جاء بغير كتاب مقرر ما أطلق النفي لنه طالما جاء بصفة اصر قيدا‪ .‬هي تحتمل أيضا‪ ،‬الن تحتمل نفي القيد‪ .‬يقول تعالى (هَلْ‬
‫شيْئًا ّم ْذكُورًا (‪ )1‬النسان) هو لم يكن شيئا أصلً أو كان شيئا ولم يكن مذكورا؟ يحتمل أنه كان شيئا لكنه‬ ‫ن مّنَ الدّهْرِ لَ ْم َيكُن َ‬ ‫َأتَى عَلَى ا ْلإِنسَانِ حِي ٌ‬
‫ل مذكورا أو‬ ‫ل فيحتمل المعنيين‪ ،‬ذكرت القيد فيصير احتمالين حتى المفسرين يقولون لم يكن شيئا أص ً‬ ‫كان شيئا غير مذكور أو لم يكن شيئا أص ً‬
‫غير مذكورا‪ ،‬وقسم قالوا كان شيئا لكن غير مذكور‪ ،‬كيف كان شيئا غير مذكور؟ النفي يحتمل ولذلك قالوا لم يكن شيئا مذكورا لما لم ينفخ فيه‬
‫الروح‪ ،‬كان طينا قبل أن ينفخ فيها الروح كان شيئا لكنه لم يكن مذكورا أنت إذا ذكرت القيد يصير الحتمال لذكر القيد‪.‬‬
‫* ما دللة الية (ألقينا فيها رواسي) ألم تكن الجبال مخلوقة من قبل؟‬
‫سمَاءِ مَاءً‬‫ل دَابّةٍ وََأنْزَ ْلنَا مِنَ ال ّ‬‫ن كُ ّ‬‫ن َتمِي َد بِكُمْ َو َبثّ فِيهَا مِ ْ‬
‫عمَ ٍد تَرَ ْو َنهَا وَأَ ْلقَى فِي الَْأرْضِ رَوَاسِيَ أَ ْ‬
‫ت ِب َغيْ ِر َ‬
‫سمَاوَا ِ‬‫خلَقَ ال ّ‬
‫قال تعالى في سورة لقمان ( َ‬
‫ج كَرِي ٍم (‪ .))10‬هذا سؤال يجب أن يُوجّه إلى المعنيين بالعجاز العلمي‪ .‬لكن أقول وال أعلم أن الملحظ أنه تعالى يقول‬ ‫ن كُلّ زَ ْو ٍ‬‫َفَأنْ َب ْتنَا فِيهَا مِ ْ‬
‫أحيانا ألقينا وأحيانا يقول جعلنا في الكلم عن الجبال بمعنى أن التكوين ليس واحدا وقد درسنا أن بعض الجبال تُلقى إلقاء بالبراكين (جبال‬
‫جعَلَ‬
‫بركانية) والزلزل أو قد تأتي بها الجرام المساوية على شكل كُتل‪ .‬وهناك شكل آخر من التكوين كما قال تعالى في سورة النمل (َأمّنْ َ‬
‫ل َبيْنَ ا ْلبَحْ َريْنِ حَاجِزًا َأئِلَهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ َأ ْكثَرُ ُهمْ لَا َيعَْلمُونَ (‪ ))61‬وسورة الرعد (وَهُوَ‬ ‫جعَ َ‬‫سيَ وَ َ‬ ‫جعَلَ َلهَا رَوَا ِ‬ ‫جعَلَ خِلَاَلهَا َأ ْنهَارًا وَ َ‬ ‫ض قَرَارًا وَ َ‬
‫الْأَ ْر َ‬
‫ت لِقَ ْو ٍم يَتَ َفكّرُونَ (‪،))3‬‬ ‫ن فِي ذَِلكَ َلَآيَا ٍ‬ ‫ل ال ّنهَارَ إِ ّ‬
‫ن ُيغْشِي الّليْ َ‬ ‫ن ا ْثنَيْ ِ‬
‫جيْ ِ‬
‫جعَلَ فِيهَا زَوْ َ‬
‫ت َ‬
‫ن كُلّ ال ّثمَرَا ِ‬‫جعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ َوَأنْهَارًا َومِ ْ‬ ‫ض وَ َ‬‫اّلذِي َمدّ الَْأرْ َ‬
‫وهذا يدل وال أعلم على أن هناك أكثر من وسيلة لتكوين الجبال‪ .‬وكينونة الجبال تختلف عن كينونة الرض فالجبال ليست نوعا واحدا ول‬
‫تتكون بطريقة واحدة هذا وال أعلم‪.‬‬
‫ت بِغَيْرِ عَ َ‬
‫مدٍ تََروْنَهََا (‪ )10‬لقمان)؟ هَل يمكَن أن تعنَي اليَة وجود العمَد لكنهَا غيَر‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫خل ََقَ ال َ‬
‫سَّ َ‬ ‫*( َ‬
‫محسوسة؟‬
‫القدامى قالوا فيها احتمالن جعلوها من الجمل الحتمالية حتى الفرّاء قال يمكن أن تكون خلقها بغير عمد أو خلقها بعمد غير مرئية‪ .‬فيها احتمالن‬
‫من حيث التعبير‪ :‬بغير عمد وهاأنتم ترونها تصير (ترونها) جملة ابتدائية أو خلقها بعمد غير مرئية‪ .‬الهاء في ترونها تعود على السماء أو على‬
‫العمد‪ .‬إذا عاد الضمير على السماء تكون السماء بغير عمد‪ ،‬ها أنتم ترونها بغير عمد (ترونها تكون جملة ابتدائية) والحتمال الثاني بغير عمد‬
‫جمَل بعد النكرات صفات) هناك أعمدة لكن ل ترونها‪ .‬القدامى قالوا هذه الية فيها‬‫ترونها (ترونها) جملة صفة لعمد‪ ،‬بغير عمد مرئية (ال ُ‬
‫احتمالن وال أعلم‪.‬‬
‫*مرة يقول تعالى أن تميد بكم ومرة ل يقولها فما اللمسة البيانية فيها؟‬
‫سيَ أَن َتمِيدَ ِبكُمْ) أن تميد بكم أي كراهة أن تميد بكم أو لئل تميد بكم كما يقول النحاة‪ ،‬المعنى‬ ‫ض رَوَا ِ‬
‫الية سبق أن ذكرناها وقال (وَأَلْقَى فِي ا ْلأَرْ ِ‬
‫ن مِنَ الْجَاهِلِينَ (‪ )46‬هود) يعني لئل تكون من‬ ‫ظكَ أَن َتكُو َ‬ ‫عُ‬ ‫لماذا ألقى الرواسي؟ لئل تميد بكم يقولون كراهة أن تميد بكم أو لئل تميد بكم (ِإنّي أَ ِ‬
‫خرَى (‪ )282‬البقرة) كراهة أن‬ ‫حدَا ُهمَا الُ ْ‬
‫حدَاهُمَا َفُت َذكّرَ إِ ْ‬
‫ش َهدَاء أَن تَضِلّ ْإ ْ‬ ‫ن مِنَ ال ّ‬
‫ن ِممّن تَ ْرضَوْ َ‬
‫الجاهلين‪( ،‬فَإِن لّ ْم َيكُونَا َرجَُليْنِ َفرَجُلٌ وَامْرََأتَا ِ‬
‫تضل إحداهما أو لئل تضل‪ .‬إذن أن تميد بكم يعني لئل تميد بكم‪ .‬يبقى السؤال أحيانا يقول أن تميد بكم وأحيانا ل يقول أن تميد بكم (وَهُوَ اّلذِي‬
‫ي (‪ )3‬الرعد) من دون أن تميد بكم‪ .‬في مواضع قال أن تميد بكم أو تميد بهم وفي مواضع أخرى لم يقل هذا الشيء‬ ‫ل فِيهَا َروَاسِ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫لرْضَ وَ َ‬ ‫َمدّ ا َ‬
‫والسبب أنه إذا أراد بيان نعمة ال على النسان يقول أن تميد بكم وإذا أراد فقط أن يبين قدرة ال فيما صنع وليس له علقة بالنسان يعني إذا‬
‫اراد بيان النعمة على النسان لهذا المر قال أن تميد بكم لماذا خلقها؟ فيها نعمة لئل تميد بهم وإذا أراد مجرد بيان القدرة في الصنع وليس له‬
‫علقة بالنسان ل يقول هذا لن الكلم ل يتعلق بالنسان وإنما يتعلق بصنع الجبال والرواسي‪ .‬أن تميد بكم هنا لبيان نعمة ال على النسان هنا‬
‫سيَ أَن َتمِيدَ ِبكُمْ) هنا الغرض بيان نعمة ال على النسان في هذه الرواسي‪ .‬أولً هذه مرتبطة بقوله تعالى بدأ السورة‬ ‫ض رَوَا ِ‬ ‫قال (وَأَلْقَى فِي ا ْلأَرْ ِ‬
‫سنِينَ (‪ ))3‬عدم ميد الرض بهم أليست من الرحمة؟ بلى إذن هي مرتبطة بالرحمة التي ذكرها في أول السورة لما قال ( ُهدًى‬ ‫حمَةً لّ ْلمُحْ ِ‬‫( ُهدًى وَ َر ْ‬
‫حكِي ُم (‪ ))9‬إذن بيّن حكمة إلقاء الرواسي في الرض‪ ،‬الحكمة‬ ‫سنِينَ) وهذه من الرحمة‪ .‬وهي مرتبطة بالية السابقة (وَهُ َو ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫حِ‬ ‫حمَةً لّ ْلمُ ْ‬
‫َورَ ْ‬
‫سنِينَ)‬‫حمَةً لّ ْلمُحْ ِ‬
‫منها عدم ميد الرض‪ ،‬إذن هي مرتبطة بالرحمة وبالحكمة‪ .‬إذن هذه مناسبة للسم الحكيم‪ ،‬مناسبة في الولى للرحمة ( ُهدًى وَ َر ْ‬
‫ومناسبة لسمه الحكيم في الية التي قبلها ففيها ارتباط مناسب من الجهتين‪ .‬الرواسي رسى بمعنى ثبت‪ ،‬رواسي يعني ثابتة جبال تثبتها‪ .‬لم يقل‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫جبال مع أنه استخدمها في القرآن‪ .‬هو قال (وألقى في الرض رواسي) وأحيانا يقول (جعل في الرض رواسي) ألقى في الرض رواسي وقبلها‬
‫حكِيمُ) فإلقاء الرواسي مناسب للعِزّة لنه عزيز حكيم‪ .‬ألقى دللتها متقاربة من جعل‪ ،‬الجبال قسم منها ملقاة تأتي من فوق‬ ‫قال (وَهُوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫صخور تسقط من فوق وقسم يخرج من البراكين ثم تسقط‪ ،‬اختيار هنا اللقاء مناسب للعزيز الحكيم لما ذكر عزته وحكمه قال وألقى حاكم يلقي‬
‫الوامر كما يشاء ويلقي الجبال فهي مناسبة إذن للعزيز الحكيم وفيها قوة‪ .‬إذن ألقى في الرض مناسبة للعزيز وأن تميد بكم مناسب للحكيم‪ .‬فإذن‬
‫هي أيضا مناسبة للعزيز الحكيم‪ .‬يجب دراسة الكلمات في القرآن من سياقها وارتباطها ببعض والمقاصد العامة للسورة ول ينبغي أن نسلخ آية‬
‫من السياق العام‪ .‬قال رواسي هنا وفي آيات أخرى يذكر الجبال‪ .‬المقصود بالرواسي الثوابت حتى تثبت لما يذكر مجراها ومرساها (حين تقف)‪،‬‬
‫(بِسْ ِم اللّ ِه مَجْرَاهَا َومُرْسَاهَا (‪ )41‬هود) مسيرها وإرساؤها‪ .‬الرواسي أن تميد بكم أي تثبتها‪ .‬لما كان اختيار الرواسي بمعنى الثوابت ل يستخدمها‬
‫حدَ ًة (‪)14‬‬
‫ل َف ُدكّتَا َدكّةً وَا ِ‬‫جبَا ُ‬ ‫ت الْأَ ْرضُ وَا ْل ِ‬ ‫ت سَرَابًا (‪ )20‬النبأ) (وَ ُ‬
‫حمِلَ ِ‬ ‫ل َفكَانَ ْ‬
‫جبَا ُ‬
‫سيّرَتِ ا ْل ِ‬
‫سيّرت؟ (وَ ُ‬
‫يوم القيامة عند زوالها‪ ،‬كيف رواسي وكيف ُ‬
‫ش(‬‫ل كَا ْل ِعهْنِ ا ْلمَنفُو ِ‬
‫جبَا ُ‬
‫الحاقة) ولذلك في يوم القيامة ل يستعمل الرواسي مطلقا لن يوم القيامة الجبال فيها حركة ورفع ودك ونسف ( َو َتكُونُ ا ْل ِ‬
‫‪ )5‬القارعة) ل يستعمل في يوم القيامة الرواسي وإنما يستعمل الجبال‪ .‬هنا (أن تميد بكم) مناسب للرواسي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َزوٍْج كَرِيمٍ (‪ ))10‬قال في آيات أخرى‬
‫من ك ُ ِّ‬
‫ماء فَأنبَتْنَا فِيهَا ِ‬ ‫ماء َ‬ ‫ن ال َّ‬
‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫*يقول تعالى (وَأنَزلْنَا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َزوٍْج بَهِيٍج (‪ )7‬ق)؟‬ ‫من ك ُ ِّ‬‫ي وَأنبَتْنَا فِيهَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫(وَألْقَيْنَا فِيهَا َروَا ِ‬
‫أول مرة قال أنزلنا بإسناد النزال إلى نفسه سبحانه تعالى وهذا يسمونه إلتفات لهمية الماء للنسان‪ .‬أنزلنا فيها ضمير التعظيم مع أنه قال‬
‫(وألقى) أول مرة فالتفت تحول الضمير لبيان النعمة في إنزال الماء وإنبات ما ذكر من الزواج فهذا الللتفات حتى يبين سبحانه وتعالى نعمته‬
‫ج كَرِيمٍ)‪ .‬من كل زوج أي من كل صنف فالزوج تأتي بمعنى الصنف ( َوكُنتُمْ‬ ‫ل زَوْ ٍ‬‫سمَاء مَاء فَأَن َبتْنَا فِيهَا مِن كُ ّ‬ ‫على النسان فقال (وَأَنزَ ْلنَا مِنَ ال ّ‬
‫ن (‪ )22‬الصافات)‪ .‬لكن لماذا اختار هنا زوج كريم وفي مكان آخر‬ ‫جهُمْ َومَا كَانُوا َي ْعبُدُو َ‬ ‫َأزْوَاجًا ثَلَاثَ ًة (‪ )7‬الواقعة) (احْشُرُوا اّلذِينَ ظََلمُوا وَأَزْوَا َ‬
‫زوج بهيج؟‪ .‬الكريم هو بالغ الجودة والنفاسة كثير الخير والمنفعة‪ ،‬والبهيج الذي يدخل البهجة على النفوس‪ ،‬إختيار كل كلمة لماذا اختار هنا بهيج‬
‫ح ْكمَةَ مَن يَشَاء َومَن‬ ‫ح ْكمَ َة (‪ ))12‬والحكمة هي بالغة الخير والنفاسة (يُؤتِي ا ْل ِ‬ ‫وهنا كريم؟‪ .‬يذكر هنا أن لقمان آتاه ال الحكمة (وََل َقدْ آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ الْ ِ‬
‫خيْرًا َكثِيرًا (‪ )269‬البقرة) فإذن هذا الكرم مناسب لذلك الخير الكثير الذي في الحكمة‪ .‬هذا زوج كريم بالغ الخير والنفاسة‬ ‫ح ْكمَ َة فَ َقدْ أُوتِيَ َ‬
‫ت الْ ِ‬
‫يُؤْ َ‬
‫ح ْكمَةَ) والحكمة بالغة الخير والنفاسة والخير الكثير لنها مناسبة لما سيذكر بعدها من الحكمة‪ .‬قد يسأل‬ ‫والجودة هكذا قال تعالى (وََل َقدْ آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ الْ ِ‬
‫سمَاء فَ ْو َقهُ ْم َكيْفَ َب َن ْينَاهَا وَ َزّينّاهَا َومَا َلهَا مِن‬
‫سائل لم تعددت الوصاف والزوج واحد؟ ننظر ماذا قال تعالى في سورة ق (َأفََلمْ يَنظُرُوا إِلَى ال ّ‬
‫ل بَاسِقَاتٍ ّلهَا طَلْ ٌع نّضِيدٌ (‪ ))10‬لما قال‬ ‫ج بَهِيجٍ (‪ ))7‬إلى أن يقول (وَالنّخْ َ‬ ‫ض َمدَ ْدنَاهَا َوأَلْ َق ْينَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَن َب ْتنَا فِيهَا مِن كُلّ زَ ْو ٍ‬ ‫ج (‪ )6‬وَالَْأرْ َ‬ ‫فُرُو ٍ‬
‫ج بَهِيجٍ) هذه تدخل‬ ‫وزينها أليست الزينة لدخال البهجة على النفوس؟ بلى‪ ،‬إذن كلمة بهيج مناسبة للزينة التي ذكرها في السماء (مِن كُلّ زَ ْو ٍ‬
‫ل بَاسِقَاتٍ ّلهَا طَلْ ٌع نّضِيدٌ) كلها يدخل البهجة‪ .‬كما في سورة‬ ‫البهجة والزينة تدخل البهدة والزينة أصلً تدخل البهجة على النفوس ثم يقول (وَالنّخْ َ‬
‫ج بَهِيجٍ (‪ ))5‬ناسب بين الهمود وبين البهجة‪ ،‬هذه هامدة ل‬ ‫ت مِن كُلّ زَ ْو ٍ‬ ‫ض هَا ِمدَةً َفِإذَا أَن َز ْلنَا عََل ْيهَا ا ْلمَاء ا ْهتَزّتْ َو َربَتْ وَأَنبَتَ ْ‬ ‫الحج ( َوتَرَى ا ْلأَرْ َ‬
‫بهجة فيها مطلقا فالوصف بحسب السياق الذي ورد‪ ،‬هناك كل زوج كريم لما تكلم عن نفاسة الحكمة وما سيأتي من الخير الذي ذكره في الحكمة‬
‫قال من كل زوج كريم مناسب لما سيذكر ولما ذكر الزينة والنخل باسقات قال بهيج مناسب للبهجة‪ .‬الموصوف قد يكون واحدا لكن الصفات‬
‫تختلف وتتعدد بحسب ما تريد أن تذكره أنت في السيقا فإذا أردت أن تصف شخصا بالعلم تقول هو عالم‪ ،‬الكلم على أي شيء من الصفات‬
‫الكلم على الخلق تقول هذا صاحب خلق وإذا كان الكلم على الدين تقول هو تقي فالصفات تتعدد بحسب المقام والسياق‪.‬‬
‫آية (‪:)11‬‬
‫ن (‪))11‬‬‫ضلَالٍ مّبِي ٍ‬
‫خَلقَ اّلذِينَ مِن دُو ِنهِ َبلِ الظّالِمُونَ فِي َ‬
‫ق اللّهِ َفأَرُونِي مَاذَا َ‬
‫خلْ ُ‬
‫( َهذَا َ‬
‫كلمة خلق في الصل مصدر لكن هذا المصدر أحيانا يراد به إسم المفعول‪ ،‬الخلق بمعنى المخلوق لماذا ذكر مخلوقات قال هذا خلق ال‪ ،‬فهي‬
‫تحتمل أن هذا ما خلقه ال لن المصدر في اللغة أحيانا يراد به إسم الفاعل أو يراد به إسم المفعول‪ .‬الزرع يراد به المزروع وقد يراد به‬
‫خلْقُ اللّهِ) هنا تحتمل أن يراد بالمصدر إسم المفعول أي هذه مخلوقاته ويحتمل أن يراد بها هذا‬ ‫المصدر‪ ،‬زرعت الشجرة زرعا هذه مصدر‪( .‬هَذَا َ‬
‫صنعه يراد به المصدر كما ذكر وهذا من باب التساع في المعنى هذا صنعه العجيب وفعله العظيم وخلقه المتقن وهذه مخلوقاته كما ترى‪ .‬لو‬
‫قال مخلوقاته لكان معنى واحد لكن خلق ال تتسع لكل الخلق والمخلوق‪( .‬هذا) إشارة للقريب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من دُونِهِ)؟ ما قال (ما) مع أن كلهما للستفهام؟‬ ‫خلَقَ ال ّذِي َ‬
‫ن ِ‬ ‫*هنا قال (فَأُرونِي َ‬
‫ماذ َا َ‬
‫عتِيدٌ (‪ )23‬ق) بمعنى الذي‪( ،‬فَانكِحُواْ‬ ‫ي َ‬‫ل قَرِينُ ُه َهذَا مَا َلدَ ّ‬
‫ل (آكل ما تأكل وأشرب ما تشرب) ( َوقَا َ‬ ‫(ما) قد تكون للستفهام وقد تكون إسما موصو ً‬
‫مَا طَابَ َلكُم مّنَ النّسَاء مَ ْثنَى َوثُلَثَ َو ُربَاعَ (‪ )3‬النساء)‪( .‬ما) محتمل أن تكون إسم موصول وتحتمل أن تكون استفهام‪ .‬هنا لو قال فأروني ما‬
‫خلق الذين من دونه تحتمل دللتين‪ :‬الموصولية بمعنى الذي لو قال أروني الذي خلق قد يقال هو خلق فأرني الذي خلقه‪ ،‬هذه تحتمل تقول أرني‬
‫ما صنع فلن أي أرني الذي صنعه‪ ،‬هذا إسم الموصول واستفهام أرني ما فعل هذا استفهام‪( .‬ما) تحتمل الستفهامية وتحتمل إسم الموصول‪.‬‬
‫(ماذا) إسم إستفهام قطعا ل تحتمل الموصولية‪ .‬هو أراد هنا الستفهام إذن هم قطعا لم يفعلوا شيئا أرني ماذا فعل فلن؟ هذا فيه دللة على أنه لم‬
‫ق اللّ ِه فََأرُونِي‬
‫يفعل شيئا‪( .‬ما صنع) يحتمل أنه صنع (أرني ما صنعت‪ ،‬أرني ما كتبت) هناك شيء موجود يسأل عنه‪ .‬التعبير هنا قال ( َهذَا خَلْ ُ‬
‫خلَقَ اّلذِينَ مِن دُونِهِ) هذا خلقه ال تعالى أروني ماذا خلق الخرون؟ هذا صنعه ال تعالى وخلقه أروني ماذا خلق الخرون؟ لماذ أنتم‬ ‫مَاذَا َ‬
‫ل ّمبِينٍ) انتهى إلى مسألة أن الظالمون في ضلل‪.‬‬ ‫تشركون؟ ترقى من هذا السؤال إلى أمر آخر وقال (بَلِ الظّاِلمُونَ فِي ضَلَا ٍ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫*لماذا قال الظالمين؟‬


‫ن مِن دُونِهِ) هؤلء الذين يعبدون من دون ال هؤلء مشركون فهنا أراد أن يبين لهم أن الشرك ظلم عظيم‪ .‬إختار‬ ‫لما قال (فََأرُونِي مَاذَا خََلقَ اّلذِي َ‬
‫ل لنه عبد ما ل يستحق أصلً والعبادة هي أعلى شيء فأنت أهنت‬ ‫الظالم لن المشرك ظالم لنفسه أولً وظالم لغيره‪ .‬الشرك مؤدّاه إلى الظلم أو ً‬
‫نفسك وعبدت ما ل يستحق وما هو دونك كالحجارة ثم أنت ظلمت نفسك لنك توردها مورد الهلكة إذا ظلمت نفسك ستدخلها النار‪ ،‬ظلمت نفسك‬
‫بأنك عبدت ما ل يستحق وأهنت نفسك هذا ظلم لها ثم أعطى ما ل يستحق شيئا أعظم الشياء‪ ،‬هذا ل يستحق العبادة ول يستحق أن يقدّر فأنت‬
‫تعطيه العبادة لذا قال بعد آيات (إِنّ الشّ ْركَ لَظُ ْل ٌم عَظِي ٌم (‪ )13‬لقمان) لماذا؟ قلنا أنه ظلمٌ لنفسه لكن أنت تسوي بين القادر والعاجز‪ ،‬بين المنعِم‬
‫المتفضل وبين المنعم عليه‪ ،‬هل هذا عدل؟! لو تقدم أشخاص للمتحان للتعيين في دائرة من الدوائر فكان أحدهم أجاب عن كل السئلة بأبلغ كلم‬
‫وأوفى تعبير وأحسن خط وآخر لم يحسن ل الكلم ول التعبير ول العلم ولك يحسن أن يكتب وساويت بينهما تكون ظالما بدون شك‪ .‬والفرق بين‬
‫ل ّمبِينٍ) ضلل بيّن ل يحتاج أصلً إلى إبانة‪.‬‬
‫الخالق والمخلوق أكبر من هذا‪ .‬إذن هو ظالم لن الشرك لظلم عظيم (بَلِ الظّاِلمُونَ فِي ضَلَا ٍ‬
‫ك الْ َقدِي ِم (‪ )95‬يوسف)‪ .‬ضل الطريق أي تنكّب الصراط‬ ‫الضلل في القرآن يأتي بمعان عدة كما وصف سيدنا يعقوب (قَالُو ْا تَاللّ ِه ِإّنكَ َلفِي ضَلَِل َ‬
‫عكس الهداية‪.‬‬
‫آية (‪:)12‬‬
‫غ ِنيّ حَمِي ٌد (‪))12‬‬
‫ن اللّهَ َ‬
‫سهِ وَمَن كَفَ َر َفإِ ّ‬
‫شكُ ُر لِنَفْ ِ‬
‫شكُرْ َفإِنّمَا يَ ْ‬
‫شكُرْ ِللّ ِه وَمَن يَ ْ‬
‫حكْمَةَ أَنِ ا ْ‬
‫ن الْ ِ‬
‫( َولَ َقدْ آ َتيْنَا لُقْمَا َ‬
‫*لماذا قال نشكر لله؟‬
‫*ما هي الحكمة أولً؟ الحكمة هي وضع الشيء في محله في القول والعمل‪ ،‬إحسان القول والعمل وتوفيق القول بالعمل إذن الحكمة لها‬
‫جانبين قولي وعملي فمن أحسن القول ولم يحسن العمل فليس بحكيم‪ .‬نلحظ ربنا سبحانه وتعالى أسند إيتاء الحكمة إلى نفسه (وََل َقدْ آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ‬
‫ح ْكمَةَ) وذلك لن ال تعالى يسند أفعال الخير لنفسه والحكمة ل يسندها قطعا إلى غير ال سبحانه وتعالى‪ .‬حتى لما قال ومن يؤتى الحكمة قال‬ ‫الْ ِ‬
‫خيْرًا َكثِيرًا (‪ )269‬البقرة) أسند إيتاء الحكمة لنفسه كما هو المعتاد في أفعال الخير‪ .‬يبقى‬ ‫ح ْكمَةَ َف َقدْ أُوتِيَ َ‬ ‫ت الْ ِ‬‫ح ْكمَ َة مَن يَشَاء َومَن يُؤْ َ‬ ‫قبلها (يُؤتِي الْ ِ‬
‫السؤال لماذا قال أن اشكر ل ولم يقل فاشكر؟ ما معنى أن اشكر ل؟ هناك فرق بين أن اشكر ل وفاشكر ل؟ ينبغي أن نعرف الفرق بين‬
‫التعبيرين حتى نفهم لماذا قال أن اشكر ولم يقل فاشكر‪ .‬قسم يقول (أن) تفسيرية‪ ،‬أن التفسيرية يسبقها ما فيه معنى القول دون حروفه أي دون‬
‫ص ْينَا اّلذِينَ أُوتُواْ‬ ‫حروف القول (ق‪ ،‬و‪ ،‬ل) مثل أوصى وأوحى يسبقها معنى القول أوصيناه أن افعل‪ ،‬لما تقول قال تصير مقول القول‪( .‬وََل َقدْ َو ّ‬
‫ضعِيهِ‬ ‫ح ْينَا إِلَى أُ ّم مُوسَى أَنْ أَ ْر ِ‬ ‫ن اتّقُو ْا اللّ َه (‪ )131‬النساء) هذه تفسيرية تفسر ما سبق‪ ،‬ما هي الوصية التي فسرها؟ ( َوأَوْ َ‬ ‫ب مِن َقبِْلكُمْ َوِإيّاكُمْ أَ ِ‬ ‫ا ْلكِتَا َ‬
‫ح ْكمَةَ) ماذا آتاه؟ أن اشكر ل؟‬ ‫(‪ )7‬القصص) ما هو الوحي؟ فهي تفسر الوحي الذي أوحاه‪ .‬الكثرون يذهبون إلى أنها تفسيرية (وَلَ َق ْد آ َتيْنَا لُ ْقمَانَ ا ْل ِ‬
‫لذلك قالوا هل هي الحكمة أو هي من الحكمة ولذلك قسم ذهب إلى أنها ليست تفسيرية وإنما هي وأوصيناه أن اشكر ل يعني هناك معطوف‬
‫محذوف‪ ،‬أن اشكر ل في تقديره لمحذوف أتيناه وأوصيناه‪ .‬هذا التعبير (أن اشكر) يفيد ثلث معاني أنه آتاه الحكمة وأوصاه بالشكر وآتينا لقمان‬
‫الحكمة يعني طلب منه الشكر يعني آتاك ال الحكمة فاشكر على ما آتاك‪ ،‬آتاك الحكمة فاشكره لن الحكمة من ال ِنعَم فاشكره وإن من الحكمة أن‬
‫شكَ ْرتُ ْم لَزِيدَ ّنكُ ْم (‪ )7‬إبراهيم)‪ .‬هو يشكر ال على أن آتاه الحكمة والشكر حكمة في حد ذاتها‪ .‬لما قال‬ ‫تشكر ربك ليزيد الخير (وَِإذْ َتَأذّنَ َرّبكُمْ َلئِن َ‬
‫(أن اشكر ل) تجمع ثلث معاني أولً أن أوصاه بالشكر والخر لقد آتاك الحكمة فاشكر ل على ما آتاك من نعمة لن الحكمة نعمة تستحق الشكر‬
‫ومن الحكمة أن تشكر ربك‪ .‬لو قال فاشكر ليس لها إل معنى واحد يشكر على إيتائه الحكمة بينما هذه إن من الحكمة أن تشكر ربك‪ ،‬هذا معنى‬
‫آخر جديد إن من الحكمة أن تشكر ربك لنه لئن شكرتم لزيدنكم إذن إن من الحكمة أن تشكر ربك حتى تستزيد من الخير في الدنيا والخرة‪،‬‬
‫إذن إن من الحكمة أن تشكر ربك وقال آتاك ال الحكمة فاشكره على هذه النعمة وهذا معنى آخر‪ ،‬والمر الخر آتيناه الحكمة وأوصيناه بالشكر‬
‫هذا كله في قوله تعالى (أن اشكر ل) لو قال فاشكر ل ل تعطي هذه المعاني وفيها ضعف‪ ،‬لو قال (ولقد آتينا لقمان الحكمة فاشكر ل) من الذي‬
‫يشكر؟ المخاكب‪ ،‬هو ل يخاطب لقمان وإنما يتكلم عن لقمان بضمير الغائب ليس بضمير المخاطب فيصبح الفعل فاشكر فعل أمر للمخاطب‪ ،‬لم‬
‫يؤتك شيئا فتشكره على أمر لم يؤتيك إياه وإنما أعطاه شخصا آخر؟‪ .‬إذن من كل النواحي التعبيرية (أن اشكر) وليس فاشكر‪ .‬ثم يأتي (وَلَ َق ْد آ َتيْنَا‬
‫حمََلتْهُ‬ ‫ن بِوَاِلدَيْهِ َ‬ ‫ص ْينَا الْإِنسَا َ‬
‫شكُرْ لِلّهِ) شكر لفلن أو شكر فلنا هل هو متعدي أو لزم؟ للشخص في القرآن يكون متعديا (وَ َو ّ‬ ‫ناْ‬ ‫ح ْكمَةَ أَ ِ‬
‫ُل ْقمَانَ ا ْل ِ‬
‫شكُرْ لِي وَلِوَاِلدَ ْيكَ إِلَيّ ا ْل َمصِي ُر (‪ )14‬لقمان)‪ ،‬العمل تعدية شكرت لفلن صنيعه للعمل يكون مفعول‬ ‫ُأمّهُ وَ ْهنًا عَلَى وَهْنٍ َوفِصَالُ ُه فِي عَا َميْنِ أَنِ ا ْ‬
‫به‪ ،‬وللشخص يتعدى باللم شكرت لفلن صنيعه‪ ،‬شكرت ل نعمته أو شكرت لفلن‪ ،‬لو شكرته على الفعل تقول شكرت عطاءك متعديا بذاته‬
‫أصل الفعل الذي تشكره بسببه يكون متعديا بذاته وإذا كان الشكر للمنعم يتعدى باللم‪ .‬لم يقل أن اشكر لنا لنه أراد أن يبين من المتكلم‪( .‬وََل َقدْ‬
‫شكُرْ لِلّهِ) هذا أمر والمر الخر أنه تعالى لم يذكر‬ ‫ح ْكمَةَ) يريد أن يبين من هو الذي آتاه الحكمة فذكره باسمه الصريح فقال (أَنِ ا ْ‬ ‫آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ الْ ِ‬
‫ضمير الجمع في موطن من المواطن في القرآن الكريم إل إذا كان قبله أو بعده ما يدل على الفراد لئل يتوهم الشرك أصلً ويزيل أي شائبة من‬
‫شوائب الشرك حتى ل يتصور أنه إذا قال آتينا يكون أكثر من إله لم يرد في القرآن موطن واحد في ضمير الجمع ل إل سبقه أو كان بعده ما‬
‫ي ا ْلمَصِي ُر (‪ )14‬لقمان) (ِإنّا‬ ‫شكُرْ لِي وَلِوَاِلدَ ْيكَ إِلَ ّ‬ ‫حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا عَلَى وَهْنٍ َوفِصَالُ ُه فِي عَامَيْنِ أَنِ ا ْ‬
‫ن بِوَاِل َديْهِ َ‬
‫ص ْينَا ا ْلإِنسَا َ‬
‫يذكر على أنه واحد (وَوَ ّ‬
‫ح فِيهَا بِِإذْنِ َرّبهِم مّن كُلّ َأمْ ٍر (‪ )4‬القدر) ‪.‬‬ ‫أَن َز ْلنَا ُه فِي َليْلَةِ ا ْل َقدْ ِر (‪َ )1‬تنَزّلُ ا ْلمَلَا ِئكَةُ وَالرّو ُ‬
‫*الشكر جاء في الية بصيغة المضارع بينما الكفر جاء بصيغة الماضي فهل لذلك من لمسة بيانية؟‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫حمِيدٌ) السؤال هو لماذا قال ومن يشكر بالمضارع ثم ومن كفر بالماضي؟ هو‬ ‫ي َ‬
‫غنِ ّ‬
‫شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ‬
‫قال تعالى ( َومَن يَ ْ‬
‫الشكر يتكرر وينبغي أن يتكرر لن كل نعمة تمر بك ل بد أن تشكرها ينبغي أن تشكرها‪ .‬إذن الشكر يتكرر بينما الكفر ليس كذلك يمكن للنسان‬
‫أن يكفر ويبقى على كفره ول يضطر لن يكفر ويكفر‪ ،‬يكفي أن يكفر في المعتقد أو في شيء أما الشكر فيتكرر‪ .‬في حلقة سابقة ذكرنا أنه إذا‬
‫طئًا (‪َ )92‬ومَن‬ ‫خَ‬ ‫ل مُ ْؤ ِمنًا َ‬ ‫ورد فعل الشرط مضارعا فهو مظنّة التكرار وإذا ورد ماضيا فهو ليس مظنة التكرار وضربنا أمثلة من جملتها ( َومَن َقتَ َ‬
‫ب ال ّد ْنيَا نُ ْؤتِهِ ِم ْنهَا َومَن يُ ِردْ‬‫س ْع َيهَا (‪ )19‬السراء) ( َومَن يُ ِر ْد ثَوَا َ‬ ‫سعَى َلهَا َ‬ ‫ل مُ ْؤ ِمنًا ّم َتعَ ّمدًا (‪ ))93‬فرقنا بين المتعمد والخطأ ( َومَنْ أَرَادَ ال ِ‬
‫خرَةَ وَ َ‬ ‫يَ ْقتُ ْ‬
‫ت (‪)19‬‬ ‫ش ْيئًا وََلوْ َكثُ َر ْ‬ ‫ي عَنكُ ْم ِفئَ ُتكُمْ َ‬‫ثَوَابَ الخِرَ ِة نُ ْؤتِ ِه ِمنْهَا (‪ )145‬آل عمران) الفرق بين الثواب وإرادة الخرة (وَإِن َتعُودُو ْا نَ ُعدْ وَلَن تُ ْغنِ َ‬
‫ح ْبنِي (‪ )76‬الكهف)‪( ،‬إِن يَ ْ‬
‫سأَ ْل ُكمُوهَا‬ ‫شيْ ٍء َب ْعدَهَا فَلَا تُصَا ِ‬ ‫ع ْدنَا (‪ )8‬السراء)‪( ،‬قَالَ إِن َ‬
‫سأَ ْل ُتكَ عَن َ‬ ‫ن عُدتّ ْم ُ‬
‫ح َمكُمْ وَإِ ْ‬‫النفال) (عَسَى َرّبكُمْ أَن يَ ْر َ‬
‫ضغَا َنكُمْ (‪ )37‬محمد) وذكرنا في حينها دللة أن ورود الفعل المضارع بعد أداة الشرط مظنة التكرار ووروده ماضيا ليس‬ ‫خرِجْ أَ ْ‬ ‫ح ِفكُ ْم َتبْخَلُوا َويُ ْ‬
‫َفيُ ْ‬
‫مظنة التكرار‪ .‬وهنا ورد مضارعا بعد أداة الشرط (من) إسم شرط وجوابه فإنما يشكر لنفسه‪ ،‬فهو مظنة التكرار وينبغي أن يتكرر لن الشكر‬
‫ينبغي أن يتكرر لن النِعم متكررة ل تنقطع بينما الكفر ينبغي أن يُقطع أصلً ولذلك جاء به بالفعل الماضي فخالف بين الفعلين‪ ،‬المضارع فيه‬
‫تجدد واستمرار في الغالب أما الماضي فانقطع في الصل وإن كان النحاة يرون أن الماضي إذا وقع في فعل الشرط يدل على الستقبال‪.‬‬
‫ن (‪ ))44‬فإذا قارنا‬
‫مهَدُو َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫حا فَِلَنْف ُ ِ‬
‫سهِ ْ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ن كَفََر فَعَلَي ْهِ كُفُْر هُ وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫*في سورة الروم قال ( َ‬
‫بين هذه الية وآية سورة لقمان فما اللمسة البيانية بين اليتين؟‬
‫ن(‬ ‫سهِ ْم َي ْمهَدُو َ‬
‫عمِلَ صَالِحًا فَلَِأنْ ُف ِ‬‫ن َ‬ ‫ن كَفَ َر َفعََليْ ِه كُفْرُهُ َومَ ْ‬ ‫هناك أكثر من اختلف بين اليتين‪ .‬نلحظ أنه في آية الروم قدّم الكفر وأخّر العمل (مَ ْ‬
‫ل من الفريقين في آية الروم بينما في لقمان ذكر فقط عاقبة الشكر ولم يذكر عاقبة الكفر‬ ‫‪ ))44‬ثم نلحظ أنه ليس هذا فقط وإنما ذكر عاقبة ك ٍ‬
‫ل صَاِلحًا‬ ‫عمِ َ‬‫حمِيدٌ) بينما في آية الروم ذكر عاقبة الثنين (مَنْ كَ َف َر َفعََليْهِ كُ ْفرُهُ َومَنْ َ‬ ‫ي َ‬ ‫غنِ ّ‬
‫شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ‬
‫( َومَن يَ ْ‬
‫سهِ ْم َي ْمهَدُونَ)‪ .‬أما في لقمان فذكر عاقبة الشكر ( َومَن‬ ‫سهِ ْم َي ْم َهدُونَ (‪ ))44‬ذكر عاقبة الكفر ( َفعََليْ ِه كُفْرُهُ) وعاقبة اليمان والعمل الصالح (فَلَِأ ْنفُ ِ‬ ‫فَِلَأنْفُ ِ‬
‫ش ُكرُ ِلنَفْسِهِ) يستفيد هو لن عاقبة الشكر يعود عليه نفعها أما في الكفر لم يذكر شيئا وما قال يعود عليه كفره‪ .‬بينما في الروم فقال‬ ‫شكُ ْر َفِإّنمَا يَ ْ‬‫يَ ْ‬
‫( َفعََليْهِ ُكفْرُهُ) ذكر العاقبة‪ ،‬هناك لم يذكر‪ .‬إذن صار الخلف أيضا من ناحية الجزاء ذكر في لقمان ذكر جزاء الشاكر ولم يذكر جزاء الكافر وفي‬
‫سهِ ْم َيمْ َهدُونَ (‬ ‫عمِلَ صَالِحًا فَلَِأنْ ُف ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن كَفَرَ َفعََليْ ِه كُفْرُهُ َومَ ْ‬ ‫الروم ذكر جزاء الثنين الكافر والعمل الصالح‪ .‬وفي الروم ذكر الفعلين بالماضي (مَ ْ‬
‫حمِيدٌ) الكفران بمقابل الشكر بينما في الروم قال (مَنْ‬ ‫ي َ‬ ‫غنِ ّ‬
‫شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن كَ َفرَ فَإِنّ اللّ َه َ‬ ‫‪ .))44‬حتى المقابلة في لقمان قال ( َومَن يَ ْ‬
‫شكُرْ فَِإّنمَا يَ ْ‬
‫سهِ ْم َي ْمهَدُونَ) اختلفت‪ .‬فهي إذن ليست مسألة واحدة بين اليتين وإنما أكثر من وجه للختلف بينهم‬ ‫ل صَاِلحًا فَِلَأنْفُ ِ‬
‫عمِ َ‬
‫كَ َفرَ َفعََليْهِ كُ ْفرُ ُه َومَنْ َ‬
‫والسياق هو الذي يحدد المر‪.‬‬
‫*لماذا قدّم الكفر على العمل الصالح في آية سورة الروم؟‬
‫ظهَرَ الْ َفسَا ُد فِي ا ْلبَ ّر‬ ‫ذكرنا أن التقديم والتأخير هو بحسب السياق وهو الذي يحدد هذا المر‪ .‬السياق في الروم هو في ذِكر الكافرين ومآلهم ( َ‬
‫ل كَانَ‬‫ن مِنْ َقبْ ُ‬ ‫ن عَا ِقبَةُ اّلذِي َ‬
‫ف كَا َ‬ ‫ن (‪ُ )41‬قلْ سِيرُوا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫ض فَانْظُرُوا كَيْ َ‬ ‫جعُو َ‬‫عمِلُوا َلعَّلهُ ْم يَرْ ِ‬‫سبَتْ َأ ْيدِي النّاسِ ِليُذِي َقهُ ْم َبعْضَ اّلذِي َ‬ ‫وَا ْلبَحْ ِر ِبمَا كَ َ‬
‫عمِلَ صَالِحًا‬ ‫ن َ‬‫صدّعُونَ (‪ )43‬مَنْ َكفَ َر َفعََليْهِ ُكفْرُهُ َومَ ْ‬ ‫ي يَوْمٌ لَا مَ َردّ لَ ُه مِنَ اللّ ِه يَ ْو َمئِ ٍذ يَ ّ‬‫ن يَ ْأتِ َ‬
‫ن َقبْلِ أَ ْ‬ ‫َأ ْكثَرُ ُهمْ ُمشْ ِركِينَ (‪َ )42‬فَأقِمْ َو ْ‬
‫ج َهكَ لِلدّينِ الْ َقيّ ِم مِ ْ‬
‫ش ُكرْ لِلّهِ) بدأ بالشكر فلما تقدم الشكر‬ ‫ن كَفَ َر َفعََليْهِ ُكفْرُهُ)‪ .‬في لقمان قال (أَنِ ا ْ‬ ‫سهِ ْم َي ْم َهدُونَ (‪ ))44‬إذن السياق في ذِكر الكافرين فقدّمهم وقال (مَ ْ‬ ‫فَِلَأنْفُ ِ‬
‫شكُرْ) التقديم والتأخير كله بحسب المناسبة لذلك نلحظ يقدّم الكلمة في موطن‬ ‫شكُرْ ِللّهِِ) بدأ بالشكر قال ( َومَن يَ ْ‬ ‫ح ْكمَةَ أَنِ ا ْ‬
‫(وََل َقدْ آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ الْ ِ‬
‫ويؤخّرها في موطن آخر بحسب السياق الذي ترد فيه‪.‬‬
‫شكُْر) بيَن مضارع وماضَي بينمَا فَي الروم بصَيغة الماضَي‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫*فَي الفعال فَي سَورة لقمان (وََ َ‬
‫َ‬
‫م التنوع فَي الصَيغة الزمنيَة‬
‫نَ (‪ ))44‬فل َِ َ‬
‫مهَدُو َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫حا فَِلنْفَُ ِ‬
‫سهِ ْ‬ ‫صال ِ ً‬
‫ل ََ‬ ‫م َ‬ ‫م نَْ كَفََر فَعَلَي َْهِ كُفُْره َُ وَ َ‬
‫م نَْ عَ ِ‬ ‫( َ‬
‫في الفعل؟‬
‫حمِي ٌد (‪ ))12‬هذه كلها في‬ ‫ي َ‬ ‫غنِ ّ‬
‫شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ‬ ‫شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ‬
‫شكُرْ لِلّهِ َومَن يَ ْ‬ ‫ناْ‬ ‫ح ْكمَةَ أَ ِ‬ ‫آية لقمان فيمن هو في الدنيا (وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ‬
‫عمِلَ‬ ‫ن َ‬ ‫صدّعُونَ (‪ )43‬مَنْ َكفَ َر َفعََليْهِ ُكفْرُهُ َومَ ْ‬ ‫ي يَوْمٌ لَا مَ َردّ لَ ُه مِنَ اللّ ِه يَ ْو َمئِ ٍذ يَ ّ‬
‫ن يَ ْأتِ َ‬
‫ن َقبْلِ أَ ْ‬
‫ج َهكَ لِلدّينِ الْ َقيّ ِم مِ ْ‬ ‫الدنيا‪ ،‬آية الروم في الخرة (فََأقِمْ َو ْ‬
‫ن (‪ ))44‬يومئذ يصدعون ومن كفر بعد هذا اليوم أي يوم القيامة ليس هنالك عمل انتهى‪ ،‬ذهب وسيأتي ما قدّم عاقبة من‬ ‫سهِ ْم َي ْمهَدُو َ‬
‫صَاِلحًا فَِلَأنْفُ ِ‬
‫ج َهكَ‬‫شكُرْ) هو يمكن أن يشكر طالما هو في الدنيا‪ .‬لكن آية الروم وقعت بعد قوله (فََأقِمْ َو ْ‬ ‫كفر ومن عمل‪ .‬أما في آية لقمان في الدنيا قال ( َومَن يَ ْ‬
‫سهِ ْم َيمْ َهدُونَ (‪ ))44‬انتهى هذا‬ ‫عمِلَ صَالِحًا فَلَِأنْ ُف ِ‬
‫ن َ‬ ‫صدّعُونَ (‪ )43‬مَنْ َكفَ َر َفعََليْهِ ُكفْرُهُ َومَ ْ‬ ‫ي يَوْمٌ لَا مَ َردّ لَ ُه مِنَ اللّ ِه يَ ْو َمئِ ٍذ يَ ّ‬ ‫ن يَ ْأتِ َ‬
‫ن َقبْلِ أَ ْ‬
‫لِلدّينِ الْ َقيّ ِم مِ ْ‬
‫ليس هنالك عمل‪ ،‬انقطع العمل‪ .‬في الروم يتحدث باعتبار ما كان وما مضى أما في لقمان فيتحدث في الدنيا ولهذا جاءت (يشكر) في لقمان‬
‫بالمضارع‪ .‬الكفر ينبغي أن يُقطع وليس مظنّة التكرار والكفر ليس كالشكر لن الشكر يتكرر‪.‬‬
‫ذكر عاقبة الكفر في الروم (مَنْ كَ َف َر َفعََليْهِ كُ ْفرُهُ) ولم يذكر عاقبة الكفر في لقمان‪ .‬السبب أنه ذكر عاقبة الكفر في الدنيا وعاقبة ذلك في الخرة‬
‫ض فَانْظُرُوا‬ ‫جعُونَ (‪ )41‬قُلْ سِيرُوا فِي ا ْلأَرْ ِ‬ ‫عمِلُوا َلعَّلهُ ْم يَ ْر ِ‬‫سبَتْ َأ ْيدِي النّاسِ ِلُيذِي َقهُ ْم َبعْضَ اّلذِي َ‬ ‫ظهَرَ ا ْلفَسَادُ فِي ا ْلبَرّ وَا ْلبَحْ ِر ِبمَا كَ َ‬ ‫وقبلها قال ( َ‬
‫ن (‪ ))42‬هذا من عقوبات الكفر وذكر العاقبة فناسب ذكر العاقبة أيضا في الكفر فلما ذكر‬ ‫ل كَانَ َأ ْكثَرُهُ ْم مُشْ ِركِي َ‬ ‫ن َقبْ ُ‬‫ن عَا ِقبَةُ اّلذِينَ مِ ْ‬ ‫ف كَا َ‬ ‫َكيْ َ‬
‫عاقبتهم في الدنيا ناسب أن يذكر عاقبتهم في الخرة‪ .‬في لقمان لم يذكر ولم يرد هذا الشيء وذكر فقط الشكر ولذلك ذكر عاقبة الكفر والعمل في‬
‫آية سورة الروم لن هذا وقت حساب‪.‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫ن) ولم يقل مهّدوا لنفسهم؟‬


‫مهَدُو َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م قال (فَِلَن ْ ُف ِ‬
‫سهِ ْ‬ ‫*ل ِ َ‬
‫ن (‪)91‬‬ ‫ل فَِلمَ َت ْقتُلُونَ أَن ِبيَاء اللّ ِه مِن َقبْلُ إِن كُنتُم مّ ْؤ ِمنِي َ‬
‫أحيانا نعبر عن المضارع للدللة على المُضيّ ويسمونه حكاية الحال الماضية مثلً (قُ ْ‬
‫ل (‪)18‬‬‫شمَا ِ‬
‫ت ا ْليَمِينِ َوذَاتَ ال ّ‬ ‫ن (‪ )102‬البقرة) المفروض تلت‪َ ( ،‬ونُقَّل ُبهُ ْم ذَا َ‬ ‫ن عَلَى مُ ْلكِ سَُل ْيمَا َ‬
‫شيَاطِي ُ‬
‫البقرة) المفروض قتلتم‪( ،‬وَا ّتبَعُو ْا مَا َتتْلُواْ ال ّ‬
‫الكهف) المفروض قلّبناهم‪ .‬يستخدم المضارع أحيانا للدللة على المضي‪ ،‬هذه تسمى حكاية الحال الماضية هي للشياء المهمة التي تريد أن تركّز‬
‫عليها تأتي بها بالمضارع إذا كنت تتحدث عن أمر ماضي‪ ،‬القتل أمر مهم جدا فقال (قُلْ َفلِ َم تَ ْقتُلُونَ أَن ِبيَاء اللّهِ) قد تُحدث نوعا من أنواع لفت‬
‫النظر وهم يقولون إما أن تأتي بالماضي فتضعه حاضرا للمخاطب كأنه يشاهده تنقل الصورة الماضية إلى الحاضر بصيغة فعل مضارع فيكون‬
‫المخاطَب كأنما الن يشاهده أمامه أو أنك تنقل المخاطَب إلى الماضي فتجعله كأنه من أصحاب ذلك الزمن فيشاهد ما حدث‪ .‬لذلك حتى البلغيين‬
‫يستشهدون بمن قتل أبا رافع اليهودي في السيرة لما يقصون القصة كيف قتل أبا رافع يحكي القصة يتكلم عن أمر مضى فيقول‪ :‬فناديت أبا رافع‬
‫فقال نعم‪ ،‬فأهويت عليه بالسيف فأضربه وأنا دهِش‪( ،‬قال فأضربه أبرز حالة اللقطة لم يقل فضربته)‪ .‬هذه تُدرس في علم المعاني وأحيانا في‬
‫النحو في زمن الفعال‪.‬‬
‫َ‬
‫ي‬ ‫ن الل َّ َ‬
‫ه غَن َِ ٌّ‬ ‫من كَفََر فَإ َِ َّ‬ ‫شكُُر لِنَفَْ ِ‬
‫سهِ وََ َ‬ ‫شكُْر فَإِن ََّ َ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫من ي َ ْ‬
‫*ذكَر فَي لقمان بمقابَل الكفَر الشكَر (وََ َ‬
‫ميدٌ) بينما في الروم ذكر الكفر والعمل فاختلف‪.‬لماذا؟‬ ‫ح ِ‬
‫َ‬
‫سبِيلَ ِإمّا شَاكِرًا وَِإمّا كَفُورًا (‪ )3‬النسان) ( َفمَن‬ ‫ن (‪ )152‬البقرة) (ِإنّا َهدَ ْينَاهُ ال ّ‬ ‫ل َتكْفُرُو ِ‬ ‫شكُرُواْ لِي َو َ‬ ‫الكفر لغ ًة له دللتان‪ :‬الكفر بما يقابل الشكر (وَا ْ‬
‫س ْعيِهِ (‪ )94‬النبياء) إذن شكر يقابلها كفر وكفر النعمة أي جحدها‪ .‬الكفر هو الستر في الدللة العامة‬ ‫ن فَلَا كُ ْفرَانَ لِ َ‬ ‫ل مِنَ الصّالِحَاتِ وَهُ َو مُ ْؤمِ ٌ‬ ‫َي ْعمَ ْ‬
‫لما تأتي إلى التفصيل شكر يقابلها كفر‪ ،‬شكر النعمة يقابلها كفر النعمة‪ ،‬كفر بالنعمة أي جحد بها وعندنا اليمان أيضا يقابله الكفر وهذه دللة‬
‫أخرى‪ .‬إذن كلمة كفر إما تكون مقابل الشكر وإما تكون مقابل اليمان‪ .‬إذا كان المر متصلً بالنعمة فهي مقابلة للشكر وإذا كانت متصلة بالعقيدة‬
‫أو عدم اليمان فمقابلها اليمان‪ .‬العمل يأتي من متممات اليمان آمن بالقلب وصدّقه العمل "اليمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل"‪ ،‬لذلك هو‬
‫حمِيدٌ) في الروم مقابل الكفر اليمان‬ ‫ي َ‬ ‫غنِ ّ‬
‫شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ‬ ‫شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ‬‫السؤال المقابلة تختلف في لقمان مقابل الكفر الشكر ( َومَن يَ ْ‬
‫حمِيدٌ)‪ .‬الن في الروم ذكر‬ ‫غنِيّ َ‬ ‫شكُرُ ِلنَفْسِهِ) مقابل الشكر الكفر ( َومَن كَفَ َر َفإِنّ اللّ َه َ‬ ‫ش ُكرْ َفِإّنمَا يَ ْ‬ ‫ش ُكرْ لِلّهِ َومَن يَ ْ‬ ‫والعمل لنه لما ذكر الشكر (أَنِ ا ْ‬
‫ن َقبْلُ كَانَ َأ ْكثَرُ ُه ْم مُشْ ِركِينَ (‪ ))42‬مقابل هؤلء مؤمنين‬ ‫ن عَا ِقبَةُ اّلذِينَ مِ ْ‬
‫ف كَا َ‬ ‫ض فَانْظُرُوا َكيْ َ‬ ‫الكافرين والمشركين قبلها قال (قُلْ سِيرُوا فِي ا ْلأَرْ ِ‬
‫ن (‪ ))45‬فإذن‬ ‫حبّ ا ْلكَافِرِي َ‬‫ت مِنْ َفضْلِهِ ِإنّهُ لَا يُ ِ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬ ‫سهِ ْم َيمْ َهدُونَ (‪ِ )44‬ليَجْ ِزيَ اّلذِينَ َآ َمنُوا وَ َ‬ ‫عمِلَ صَالِحًا فَلَِأنْ ُف ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن كَفَ َر َفعََليْهِ ُكفْرُهُ َومَ ْ‬
‫(مَ ْ‬
‫ش ِركِينَ) حتى مقصود الية يؤدي إلى تغيّر‬ ‫قابل في لقمان الشكر بالكفر وهو يتحدث عن النِعم‪ .‬أما في الروم يتحدث عن العقيدة (كَانَ َأ ْكثَرُهُ ْم مُ ْ‬
‫ن (‪ُ )41‬قلْ سِيرُوا فِي‬ ‫جعُو َ‬‫عمِلُوا َلعَّلهُ ْم يَرْ ِ‬ ‫سبَتْ َأ ْيدِي النّاسِ ِلُيذِي َقهُ ْم َبعْضَ اّلذِي َ‬ ‫ظهَ َر الْ َفسَادُ فِي ا ْلبَرّ وَا ْل َبحْ ِر ِبمَا كَ َ‬ ‫اللفاظ وتغيّر دللتها‪ .‬في الروم ( َ‬
‫ي يَوْمٌ لَا مَ َردّ لَ ُه مِنَ اللّ ِه يَ ْو َمئِذٍ‬
‫ن يَ ْأتِ َ‬
‫ن َقبْلِ أَ ْ‬ ‫ن (‪َ )42‬فَأقِمْ َو ْ‬
‫ج َهكَ لِلدّينِ الْ َقيّ ِم مِ ْ‬ ‫ش ِركِي َ‬ ‫ل كَانَ َأ ْكثَرُهُ ْم مُ ْ‬ ‫ن َقبْ ُ‬‫ن عَا ِقبَةُ اّلذِينَ مِ ْ‬ ‫ف كَا َ‬ ‫ض فَانْظُرُوا َكيْ َ‬ ‫الْأَ ْر ِ‬
‫حبّ‬‫ت مِنْ َفضْلِهِ ِإنّهُ لَا يُ ِ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬ ‫سهِ ْم َيمْ َهدُونَ (‪ِ )44‬ليَجْ ِزيَ اّلذِينَ َآ َمنُوا وَ َ‬ ‫عمِلَ صَالِحًا فَلَِأنْ ُف ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن (‪ )43‬مَنْ َكفَ َر َفعََليْهِ ُكفْرُهُ َومَ ْ‬ ‫صدّعُو َ‬ ‫يَ ّ‬
‫ن (‪ ))45‬كل واحدة بمقابلها‪ .‬لما ذكر الكفر مقابل الشكر ذكر الكفر بما يقابل ذلك‪ .‬لما ذكر الشكر في لقمان ذكر الكفر بما يقابل ذلك فقابل‬ ‫ا ْلكَافِرِي َ‬
‫الكفر في الروم باليمان والعمل الصالح وقابله في لقمان بالشكر‪ .‬ل نستطيع أن نفهم آية من آي القرآن الكريم إل من خلل السياق العام الذي‬
‫تتحدث عنه الية لذلك يقولون السياق هو أعظم القرائن‪.‬‬
‫شكُرُ ِلنَفْسِهِ) جاء بـ (إنما) للدللة على الحصر لنها تفيد الحصر‪ ،‬سيشكر لنفسه حصرا لنه هو الذي سيستفيد ألن ال تعالى ل‬ ‫قال ( َفِإّنمَا يَ ْ‬
‫شكَ ْرُتمْ‬
‫شكُرُ ِل َنفْسِهِ) لن الشكر ينفع صاحبه في الدنيا والخرة (وَِإ ْذ تََأذّنَ َرّبكُمْ َلئِن َ‬ ‫يستفيد من شكر الشاكرين ول يضره كفر الكافرين (فَِإّنمَا يَ ْ‬
‫شكُرُ ِل َنفْسِهِ) (إنما) أداة حصر‪،‬‬ ‫لَزِي َدنّكُ ْم (‪ )7‬إبراهيم) وهذه الزيادة تكون في الدنيا والخرة إذن هي مآلها إليه الشاكر يعود شكره عليه (فَِإّنمَا يَ ْ‬
‫حصرا ويسميها النُحاة كافّة مكفوفة‪.‬‬
‫َ َ َ‬
‫ميدٌ) ما دللة الجمع بين غني وحميد؟ وما دللة حميد في اللغة؟‬
‫ح ِ‬
‫ي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَن ِ ٌّ‬ ‫*في لقمان قال (فإ ِ ّ‬
‫الحميد هو ابتداءً الذي يستحق الحمد على الدوام‪( .‬غني حميد) من ألطف الجمع في الدنيا لن الشخص عموما حتى في حياتنا الدنيا قد يكون غنيا‬
‫غير محمود‪ ،‬غنيا ل يُحمد في غناه قد يكون بخيلً ومحمود غير غني‪ .‬فإذا اجتمع أنه غني وحميد في آن واحد فهذا من الكمال أن يكون غنيا‬
‫وحميدا لنه لحظنا أناسا نعرفهم لم يكونوا أغنياء لكنهم كانوا محمودي السيرة وكانوا يُمدحون فلما اغتنوا تغيّرت طباعهم فربنا جمع بين الغنى‬
‫وأنه محمود على الدوام‪ .‬هو محمود وحميد لكن هناك فرق بين الصيغتين‪ :‬حميد فعيل بمعنى مفعول على الرجح مثل جريح وقتيل وكسير‬
‫وأسير‪ .‬لكن ما الفرق بين هاتين الصيغتين محمود وحميد؟ عندنا قاعدة أن فعيل أبلغ من مفعول‪ .‬حميد ومحمود هذه إسم مفعول وليست صيغة‬
‫مبالغة‪ ،‬حميد إسم مفعول أي الذي يُحمد كثيرا على الدوام وإن يقول البعض أنه قد تكون بمعنى حامد والرجح في كتب اللغة أن حميد أي محمود‬
‫الذي يُحمد على ِنعَمه‪ .‬إذن كلهما إسم مفعول‪ ،‬قتيل ومقتول كلهما إسم مفعول‪ ،‬جريح ومجروح كلهما إسم مفعول‪ .‬بين فعيل ومفعول فعيل‬
‫أبلغ من مفعول عموما يعني كأنما الوصف أصبح في صاحبه ملزما له خِلقة‪ .‬هناك فرق بين كفّ مخضوب (بالحنّاء) قد يكون مرة وقد يكون‬
‫ليس من عادته أن يخضب كفّه بينما كفّ خضيب مستمر‪ ،‬فيه إستمرار‪ .‬طرف كحيل وطرف مكحول يقال أين الطرف الكحيل من المكحول؟‬
‫الطرف المكحول قد يكون كُحل مرة في السبوع أو الشهر أما كحيل فهو يستمر صاحبه على كحله كأنه خِلقة‪ ،‬وطرف أكحل هذا خِلقة‪ .‬إذن‬
‫كحيل كأنه خِلقة من الكثرة والدوام‪ .‬ثم (مفعول) تحتمل الحال والستقبال لما تقول أراك مقتولً هذا اليوم وبعده لم يُقتل‪ ،‬وكما قال تعالى (وَِإنّي‬
‫ن َمثْبُورًا (‪ )102‬السراء) لم يقع بعد هذا ولما قال عبد ال بن الزبير‪ :‬إعلمي يا أماه أني مقتول من يومي هذا‪ .‬صيغة مفعول تقال‬ ‫ك يَا فِرْعَو ُ‬
‫ظّن َ‬
‫َلأَ ُ‬
‫لما حصل أو لما لم يحصل في المستقبل عندما تقول هو مقتول قد يكون هو فعلً مقتول وقد يكون ليس مقتولً لكن سيقتل لكن فعيل ل يمكن إل‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫أن يكون قد قتل بالفعل‪ ،‬ل يمكن أن تقول لمن سيقتل قتيل ول تقال إل لمن وقع عليه الفعل حقا‪ .‬أما (مفعول) فليس بالضرورة وتقال لما وقع أو‬
‫جرِح في أُنملته جريح وإنما مجروح‪ .‬فعيل يقال على وجه التساع والشمول ولما‬ ‫لما سيقع‪ .‬ثم فعيل أبلغ في كيفية الحدث‪ ،‬يقولون ل تقولوا لمن ُ‬
‫هو أبلغ‪ .‬جريح يعني جرح بالغ‪ ،‬مجروح يقال للجرح البسيط أو البليغ وهو عام أما جريح (فعيل) فل تقال إل للوصف البليغ‪ ،‬جريح ل تقال إل‬
‫للمثخن بالجراح على وجه المبالغة والشمول والتساع ولمن وقع عليه‪ ،‬مجروح ل تقال‪ ،‬إذن ربنا غني حميد‪.‬‬
‫ه لَغَن ِ ٌّ‬ ‫من ف ِي الَْر‬ ‫َ‬
‫ميدٌ‬
‫ح ِ‬
‫ي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ميع ًا فَإ ِ َّ‬‫ج ِ‬
‫َ‬
‫ض َ‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مو‬
‫ْ‬ ‫سى إِن تَكْفُُروا ْ أنت ُ‬
‫َ‬
‫مو َ‬ ‫*ورد في سورة إبراهيم (وَقَا َ‬
‫ل ُ‬
‫ي ال ْ َ‬ ‫و الْغَن ِ ُّ‬ ‫َ‬
‫ميد ُ (‪))26‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ه هُ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ت وَاْلْرض إ ِ َّ‬
‫ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما فِي ال َّ‬ ‫في مكان آخر قال (لِل ّهِ َ‬ ‫َ‬
‫(‪ ))8‬وفي لقمان‬
‫ميدٌ) فكيَف نفهَم الفروق البيانيَة الدلليَة الموجودة بيَن الثلث اليات‬ ‫ح ِ‬
‫ي َ‬‫ه غَن َِ ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫وهنَا قال (فَإ َِ َّ‬
‫ن الل َ‬
‫ونظهر اللمسات البيانية فيها؟‬
‫حمِيدٌ)‪ ،‬في لقمان‬ ‫جمِيعًا َفإِنّ اللّهَ َل َغنِيّ َ‬
‫ض َ‬
‫ل مُوسَى إِن َتكْ ُفرُواْ أَنتُمْ َومَن فِي الَرْ ِ‬ ‫ربنا سبحانه وتعالى قال في سورة إبراهيم على لسان موسى ( َوقَا َ‬
‫حمِيدٌ) أكد بإنّ واللم في (إن ال‬ ‫ي َ‬
‫حمِيدٌ) فأكد في سورة إبراهيم فقال (فَإِنّ اللّهَ َل َغنِ ّ‬ ‫غنِيّ َ‬ ‫ش ُكرُ ِلنَفْسِهِ َومَن كَفَ َر َفإِنّ اللّ َه َ‬
‫شكُ ْر َفِإّنمَا يَ ْ‬
‫قال ( َومَن يَ ْ‬
‫حمِيدٌ) في إبراهيم زاد اللم وفي لقمان التوكيد فقط بإنّ‪ .‬وقلنا أن السياق هو الذي يوضح‬ ‫غنِيّ َ‬ ‫ن اللّ َه َ‬ ‫لغني)‪ ،‬في لقمان أكد بإنّ وحدها وقال (فَإِ ّ‬
‫حمِيدٌ) إذن قسّم العباد إلى قسمين قسم شاكر وقسم كافر‪،‬‬ ‫غنِيّ َ‬
‫ش ُكرُ ِلنَفْسِهِ َومَن كَفَ َر َفإِنّ اللّ َه َ‬
‫شكُ ْر َفِإّنمَا يَ ْ‬
‫هذا المر‪ .‬لو نقرأ الية في لقمان ( َومَن يَ ْ‬
‫من يشكر ومن كفر إذن قسم العباد إلى قمسين‪ .‬في إبراهيم إفترض كفر أهل الرض جميعا ولم يقسمهم إلى قسمين (إِن َتكْفُرُواْ أَنتُمْ َومَن فِي‬
‫جمِيعًا) إذن في لقمان افترض العباد قسمين وفي إبراهيم افترض كفر أهل الرض جميعا فنلحظ الختلف بين التعبيرين في ثلثة‬ ‫الَ ْرضِ َ‬
‫أمور‪ :‬أولً في لقمان جرى على التبعيض (بعضهم مؤمن وبعضهم كافر باعتبار من يشكر ومن كفر) بينما في إبراهيم على الشمول شملهم كلهم‬
‫ولم يستثني أحدا‪ .‬ونلحظ في لقمان قال (ومن كفر) بالماضي‪ ،‬في إبراهيم قال (إن تكفروا) بالمضارع‪ ،‬في لقمان فعل الشرط ماضي (ومن كفر)‬
‫وفي إبراهيم فعل الشرط مضارع (إن تكفروا) والفرق واضح لنه ذكرنا في حلقة ماضية أنه إذا كان فعل الشرط ماضيا إفتراض وقوع الحدث‬
‫مرة وإن كان مضارعا افتراض تكرر الحدث فهنا قال (إن تكفروا) يعني إذا داومتم واستمررتم على الكفر دللة على تكرر الكفر وتجدده (إن‬
‫تكفروا) يعني تستمرون على الكفر وتداوموا عليه وفي لقمان قال ومن كفر‪ .‬ثم قال (جميعا) جاء بالحال المؤكدة‪ .‬إذن إفتراض كفر أهل الرض‬
‫حمِيدٌ) ال‬
‫بل استثناء لم يجعلهم قمسمين ثم افتراض الكفر مستمر ثم أكد ذلك بـ (جميعا) فاقتضى ذلك زيادة التأكيد في إبراهيم ( َفإِنّ اللّهَ َل َغنِيّ َ‬
‫تعالى ل يحتاج إلى غني لما ذكر هذه المور افتراض ليكفر أهل الرض جميعا وليداموا على الكفر جميعا هذه كلها مؤكدات‪ .‬ربنا تعالى لم يؤكد‬
‫غني في لقمان لن الناس فئتان ولما كان الناس على ملة واحدة أكّد لنه تعالى ل يحتاج إليهم حتى لو كانوا كلهم كفار ويداومون ويستمرون على‬
‫ذلك‪ .‬فائدة التأكيد هنا فائدة بلغية أن ال تعالى غني عن العباد كلهم لو كفروا كلهم جميعا واستمروا ربنا غني عنهم‪ ،‬تأكيد الغنى‪.‬‬
‫*هل نفهم أنه – والعياذ بالله ‪ -‬في لقمان ليس غنيا ً بدرجة غناه في سورة إبراهيم؟‬
‫هو التأكيد ليس معنى ذلك لكن الموقف يحتاج لهذا الشيء فال تعالى يقول عن نفسه عالم ومرة يقول عليم ومرة يقول وال غفور رحيم‪ ،‬إن ربك‬
‫لغفور رحيم‪ ،‬حسب ما يقتضي السياق وهو سبحانه وتعالى غني عن العباد في جميع الحوال‪.‬‬
‫حمِيدُ (‪ ))26‬جاء بضمير الفصل (هو) وعرّف الغني‪ .‬ضمير الفصل‬ ‫ن اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ ا ْل َ‬
‫سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضِ إِ ّ‬
‫في لقمان أيضا قال تعالى (لِلّ ِه مَا فِي ال ّ‬
‫ن وخبرها‪ ،‬بين إسم كان وخبرها‪ ،‬بين مفعولين‪ ،‬ظنّ وأخواتها يفيد التوكيد ويفيد الحصر‬ ‫يقع بين المبتدأ والخبر وأصله مبتدأ وخبر بين إسم إ ّ‬
‫حمِيدٌ) لم‬
‫ي َ‬
‫غنِ ّ‬
‫شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ‬
‫أحيانا فقوله إن ال هو الغني الحميد يعني ليس في الحقيقة غنيّ سواه‪ .‬لمّا قال ( َومَن يَ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضِ) والمعروف أن الغني في كل العالم هو الذي يملك‪ .‬في الية الولى‬ ‫يذكر له مُلك بينما في تلك الية ذكر له ملك (لِلّ ِه مَا فِي ال ّ‬
‫ي عنك وعن شكرك كما إذا قلت لحد أعطني لمدحك يقول لك أنا غني عن‬ ‫شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ) كأنه يقول أنا غن ّ‬ ‫شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ‬ ‫لم يذكر الملك قال ( َومَن يَ ْ‬
‫ذلك‪ ،‬ليس بالضرورة أن تكون مالكا وحتى في حينها استشهدنا بقول الخليل لما أرسل له أمير الهواز بِغالً محمّلة وطلب منه أن يأتي إليه فقال‬
‫الخليل‪:‬‬
‫وفي غنى غير أني لست ذا مال‬ ‫جدَةٍ‬
‫أبلغ سليمان أني عنه في ِ‬
‫حمِيدٌ) يعني ذكر‬ ‫غنِيّ َ‬ ‫ربنا لم يذكر في آية لقمان الولى أن له ملك والية الخرى ذكر له ملك ول شك أن الذي يملك هو الغني لنه (فَإِنّ اللّ َه َ‬
‫أنه غني والغنى درجات والناس يتفاوتون في الغنى وعندما تقول فلن غني يعني هو أحد الإنياء وقد يكون هناك أغنياء آخرون وقد يكون هناك‬
‫سمَاوَاتِ وَالَْأرْضِ) لم يبق شيء للخرين‪ ،‬فهو في‬ ‫من هو أغنى منه‪ ،‬هو أحد الغنياء‪ .‬لكن هو الغني أي ل أحد سواه‪ .‬فلما ذكر (لِلّ ِه مَا فِي ال ّ‬
‫الحقيقة هو الغني وحده فكل تعبير في مكانه أنسب وأيّ واحد عنده شيء من البلغة يضع كل تعبير في مكانه كما هو في القرآن ول يصح أن‬
‫يضع هو الغني الحميد في مكان ليس فيه ملك وإنما كل كلمة في مكانها المناسب‪.‬‬
‫آية (‪:)13‬‬
‫ظ ْلمٌ عَظِيمٌ (‪))13‬‬
‫شرِكْ بِاللّهِ إِنّ الشّرْكَ لَ ُ‬
‫(وَِإذْ قَا َل لُقْمَانُ لِابْنِ ِه َو ُهوَ َيعِظُهُ يَا ُب َنيّ لَا تُ ْ‬
‫فكرة عامة على الية‪ :‬قال ربنا (وَِإذْ قَالَ لُ ْقمَانُ لِا ْبنِهِ وَهُ َو َيعِظُهُ) إذن هذه من حكمة لقمان وهي ليست فقط في كلمه يعني ما ذكر من الكلم‬
‫وإنما في موقفه من توجيه ابنه لم يتركه (وهو يعظه) وهذه فيها توجيه للباء أن ل يتركوا أبناءهم لصدقاء السوء في الطرقات يتعلمون منهم ما‬
‫يضرهم ول ينفعهم وإنما ينبغي للباء أن يتعهدوا ابناءهم ويوجهوهم ويعلموهم ما هو خير لهم فمن حكمة لقمان أنه ليس في ما قاله من الكلم‬
‫فقط وإنما في وعظه ابنه أيضا والوعظ بحد ذاته هذه في حد ذاتها حكمة‪ .‬هذا يقول الولون أن حكمة لقمان فيها جانبان‪ :‬تكميل لنفسه بالشكر (أَنِ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫شكُرْ لِلّهِ) وتكميل لغيره بوعظ ابنه‪ .‬فيها جانبان إذا الحكمة لها جانبان في تكميل النفس وتكميل الخرين‪ ،‬في إصلح النفس وإصلح الخرين‬ ‫اْ‬
‫ش ُكرْ لِلّهِ) إشارة إلى الكمال وقوله (وهو يعظه) إشارة إلى التكميل تكميل ابنه‪ .‬إذن ربنا لما قال (وَِإ ْذ قَالَ‬ ‫والقرب هو البن‪ .‬فإذن قوله (أَنِ ا ْ‬
‫ح ْكمَةَ) إذن الحكمة لها جانبان جانب ما قاله شكر ال على إعطائه الحكمة وجانب النصح‪ .‬حتى فيها‬ ‫ُل ْقمَانُ لِابْنِهِ) قبلها ذكر (وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ‬
‫ل وفعلً‪ ،‬توفيق العلم بالعمل‪ ،‬كان ممكنا أن يقول (هذا خلق ال)‬ ‫دللة أخرى وهو (ولقد آتينا لقمان الحكمة) الحكمة هي وضع الشيء في محله قو ً‬
‫ح ْكمَةَ) لكنه صدّر الية بها لماذا؟ ذكرنا أن الحكمة أنه كلم ابنه ونصحه وهناك أمر آخر يدلنا على أن لقمان كان‬ ‫مباشرة بدون (وََل َقدْ آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ الْ ِ‬
‫يعمل بما يقول بمعنى أنه هل من الحكمة أن يعطي النسان إنسانا وهو مخالف لقوله؟ لو خالف النسان قوله فعله فإن كلمه ل يمكن أن ينفع ولو‬
‫ح ْكمَةَ) يعني أن كل ما قاله لبنه هو كان‬ ‫جاء بأبلغ الحِكم‪ .‬إذن ليس من الحكمة أن ينصح أحدا ثم يخالف هذا النصح‪ .‬لما قال (وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ‬
‫ل لماذا ل تصلي؟ فقال له يا أبي‬ ‫ل صالحا لبنه ول يجعل له ثغرة‪ .‬أذكر أحد أساتذتي قال لي‪ :‬قلت لبني ص ّ‬ ‫يطبقه على نفسه بحيث يكون مثا ً‬
‫ح ْكمَةَ) ليس من الحكمة أن يخالف قوله فعله‪ .‬إذن هذه‬ ‫لماذا ل تصلي؟ قلت لبني لماذا تدخّن؟ قال يا أبت لم تدخن؟ فلما قال (وََل َقدْ آ َت ْينَا لُ ْقمَانَ الْ ِ‬
‫فيها إشارة إلى أن لقمان عندما وعظ ابنه كان يطبق كل ما قاله على نفسه فيكون قدوة صالحة لبنه‪ .‬إذن فيها دللة أخرى وليست الحكمة فقط‬
‫في القوال التي قالها وإنما أيضا جملة أمور فيها الحكمة أولً تكملة لنفسه بالشكر ل ونصحه لبنه وأن يطبق ما قاله على نفسه؟‬
‫ل دللة‪ .‬واو الحالية أي‬ ‫(وهو يعظه)‪ :‬الواو تحتمل أمرين‪ :‬تحتمل أن تكون واو الحال وصاحب الحال لقمان‪ ،‬وتحتمل أن تكون الواو استنافية ولك ٍ‬
‫قال لبنه واعظا أي في حالة وعظ وهذه إشارة إلى أنه لم يقلها هكذا بسرعة وإنما توخّى الوقت المناسب وتوخّى فراغ ابنه وهو استعداده فاختار‬
‫الوقت المناسب والحال المناسبة فبدأ يعظه وليست نصيحة طارئة بسرعة إنما قال لبنه في حالة وعظ توخى الحالة التي يرى فيها استعداد ابنه‬
‫لقبول النصيحة وإنما اختيار الوقت المناسب للوعظ‪ ،‬هذه حالة هو مستعد وابنه مستعد‪ .‬واو الستئنافية (وهو يعظه) هو من عادة لقمان أن يعظ‬
‫ابنه ل يتركه‪ .‬واو الستئنافية تعني جملة جديدة‪ ،‬الجملة (وإذ قال لقمان لبنه يا بني ل تشرك بال) هذا مقول القول وتكون (هو يعظه) استئنافية‪،‬‬
‫إذن من شأن لقمان أن يعظ ابنه ل يتركه فيصير لها دللتان أنه يختار الحالة المناسبة للوعظ وهو يتعهده ل يتركه‪ ..‬لو بدل الجملة إلى الحال لو‬
‫قال (واعظا) تدل دللة واحدة الحالية بينما لما حولها إلى جملة اكتسب معنيين معنى الستئناف ومعنى الحالية فاكتسب معنيين أنه اختيار الوقت‬
‫المناسب للوعظ والخر هو ل يترك ابنه وهو من شأنه أن يعظ ابنه وهذه فيها توجيه للباء في الحالتين أن يختاروا الوقت المناسب لوعظ أبنائهم‬
‫وأن يتعاهدوهم فل يتركوهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ك بِالل ّهِ) بدأ بالشرك فهل لهذا من دللة؟‬ ‫ي َل ت ُ ْ‬
‫شرِ ْ‬ ‫*(يَا بُن َ َّ‬
‫ي يعني ابني) فيها تحبيب ورفق وتلطف كما في نوح ( َونَادَى‬ ‫ل بدأ بقوله (يا بني) بُنيّ معناها تصغير ابن وإضافة إلى النفس (بُن ّ‬ ‫هذه حكمة أو ً‬
‫ل َتكُن مّعَ ا ْلكَافِرِينَ (‪ )42‬هود) فيها شفقة به ورحمة‪ .‬لما قال له (يا بني) الوعظ بدأ فيما ذكر فيما‬ ‫ي ا ْركَب ّمعَنَا َو َ‬
‫ل يَا ُبنَ ّ‬
‫ن فِي َمعْزِ ٍ‬‫ح ا ْبنَهُ َوكَا َ‬
‫نُو ٌ‬
‫ش ِركْ بِاللّهِ) ولكن أراد أن يفتح قلبه وهذا توجيه للدعاة وللباء أن يبدأوا بكلمة رفيقة فيها حنان وشفقة ورأفة لن الكلم اللين يفتح القلوب‬ ‫بعد (لَا تُ ْ‬
‫والنفوس ل يصيح بابنه وإنما يأتي إلى ابنه بكلم لطيف ويضع يده على كتفه ويبدأ بالكلم اللطيف الهين عند ذلك ينتفع البن باللطف والحنان‬
‫خشَى (‪ )44‬طه) اللين في‬ ‫طغَى (‪َ )43‬فقُولَا لَ ُه قَوْلًا ّلّينًا ّلعَلّ ُه َي َتذَكّرُ أَ ْو يَ ْ‬‫أكثر مما ينتفع بالقول‪ .‬حتى ربنا سبحانه وتعالى قال (اذْ َهبَا إِلَى فِرْعَوْنَ ِإنّهُ َ‬
‫القول يفتح القلوب العصية ويفتح النفوس لذا قال لقمان (يا بني) حنان ورفق ولطف وشفقة وحتى لو كان البن ينوي المخالفة يخجل من المخالفة‪.‬‬
‫ك بِاللّهِ) قبل العبادة ‪ .‬التوحيد رأس اليمان وأول ما ينبغي أن يغرس في النفوس التوحيد لن أساس الصلح هو التوحيد‪ .‬النهي‬ ‫ثم بدأ (لَا تُشْ ِر ْ‬
‫عن الشرك مقدّم على العبادة لنه ل تنفع عبادة مع الشرك فإذن بدأ بما هو أهمّ‪ .‬ثم النهي عن الشرك يتعلمه الصغير والكبير يمكن أن تعلم‬
‫الصغير ل إله إل ال أما العبادة فل تكون إل بعد التكليف‪ .‬لم يثبت كم كان عمر ابنه‪ .‬ثم النتهاء عن الشرك أيسر من العبادة وأسهل وكثير من‬
‫الموحّدين يتهاونون في العبادة‪ .‬النتهاء عن الشرك أيسر من القيام بالعبادة فبدأ بما هو أهم وأعمّ يعم الصغير والكبير وأيسر‪.‬‬
‫م) كيف يكون الشرك ظلم عظيم؟‬ ‫ك لَظُل ْ ٌ‬
‫م عَظِي ٌ‬ ‫شْر َ‬ ‫*(إ ِ َّ‬
‫ن ال ّ ِ‬
‫م ّر بنا مثل هذا من حلقات‪ ،‬هو ظلم لنه يسوي بين القادر والعاجز‪ ،‬العالم والجاهل‪ ،‬المنعِم والمحتاج إلى النعمة هذا ظلم وذكرنا في حينها أنه لو‬
‫تقدّم جماعة لشغال وظيفة في الدولة وقدموا اختبارا وأحدهم أجاب عن السئلة بأحسن إجابة وبأوضح كلم وآخر لم يجب عن ذلك ول بكلمة‬
‫واحدة صحيحة ولم يحسن الكلم ولم يحسن القول وسوّيت بينهما تكون ظالما والفرق بين الخالق والمخلوق أكبر من هذا‪ .‬إذن هو ظلم لنك‬
‫ل لنك عبدت من ل يستحق العبادة‬ ‫سويت بين العاجز وبين القادر‪ ،‬بين العالِم والجاهل‪ ،‬بين المنعِم والمحتاج للنعمة‪ .‬الظلم واقع على النفس أو ً‬
‫فأهنت نفسك وقد يكون المعبود هو أقل فإذن أنت ظلمت نفسك‪ .‬هذا امر ثم أنت أوردتها الهلك أدخلتها النار‪ ،‬ظلمتها بأن حططت من قدرها‬
‫وأهنتها وأدخلتها النار وأوردتها موارد الهلك فكنت ظالما‪ .‬لماذا اختار الظلم؟ فطرة النسان تكره الظالم وحتى الظالم إذا وقع عليه ظلم يكرهه‬
‫فهو يستسيغه من نفسه ول يسيغه إذا وقع عليه‪ .‬إذن طبيعة النفس تكره الظلم والظالمين حتى في الفلم لما نرى إنسانا ظالما يتحزّب المشاهدون‬
‫ن الشّ ْركَ‬
‫ك بِاللّهِ إِ ّ‬
‫ضده‪ .‬أراد ذكر الظلم لن النفس تكره الظلم فقال ظلم حتى تشمئز نفس ابنه‪ .‬إضافة إلى أنه في تقديرنا لما قال (يَا بُنَيّ لَا تُشْ ِر ْ‬
‫َلظُلْ ٌم عَظِيمٌ) في تقديرنا أن الموجه والناصح والمعلم والداعية ينبغي أن يعلل الوامر ول يذكر هذا من دون تعليل‪ ،‬ل تكن أوامر فقط حتى يقبل‬
‫كلمك لماذا ل تشرك بال؟ لن الشرك لظلم عظيم وهذا الظلم يقع عليك وعلى الخرين فهذا التعليل من أدب الوعظ والتوجيه وأن ل تعطى‬
‫الوامر بدون تعليل‪.‬‬
‫آية (‪:)14‬‬
‫شكُ ْر لِي َو ِلوَا ِلدَيْكَ ِإ َليّ الْ َمصِي ُر (‪))14‬‬
‫ن وَ ِفصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ا ْ‬
‫علَى َوهْ ٍ‬
‫( َووَصّ ْينَا ا ْلإِنسَانَ ِبوَا ِلدَيْهِ حَ َمَلتْهُ أُمّ ُه َوهْنًا َ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫*هذا كلم الله تعالى مع أن لقمان لم ينتهي بعد من الوصية فلماذا هذه المداخلة؟‬
‫أراد ال سبحانه تعالى أن يتولى المر بالمصاحبة بالمعروف لعظيم منزلة البوين عند ال‪ .‬ربنا هو الذي أراد أن يأمر ويوصي بالحسان إلى‬
‫الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف وليس لقمان وهذه فيها أكثر من حالة‪ :‬أولً لو قال لقمان لو أوصى ابنه أنه أطع أبويك لتصور البن أن الب‬
‫أراد أن يستغله ويستفيد منه ويجعله تابعا له كما الن عندما يقدم أحد لك نصيحة تنظر هل يستفيد هو منها أو ل؟ الذي وصى هو ال وهذا المر‬
‫ل ينفعه ول يفيده فإذن ربنا أراد أنه هو الذي يأمر بالحسان إلى الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف ل لقمان لعظيم منزلة البوين عند ال فهو‬
‫الذي تولى هذا المر‪ ،‬هذا أمر والمر الخر حتى ل يظن إبن لقمان أن أباه هو المنتفع‪.‬‬
‫قد يسأل سائل لم يجعل لقمان ينتهي من الوصية ثم يأتي بهذه الية؟ وضع الوصية بعد النهي عن الشرك بال ربنا سبحانه وتعالى يضع الوصية‬
‫بالوالدين بعد النهي عن الشرك أو بعد المر بعبادته وطاعته ول يجعلها في آخر الوصايا‪ .‬هو ل يريد أن يقول (إِنّ أَنكَرَ ا ْلأَصْوَاتِ لَصَ ْوتُ‬
‫حسَانًا (‪ )151‬النعام)‬ ‫ش ْيئًا َوبِالْوَاِلدَيْنِ إِ ْ‬
‫ل تُشْ ِركُو ْا بِهِ َ‬
‫ن بِوَاِلدَيْهِ) لكنه وضعها بعد النهي عن الشرك بال (َأ ّ‬ ‫ص ْينَا الْإِنسَا َ‬‫حمِي ِر (‪ ))19‬ثم يقول (وَ َو ّ‬ ‫الْ َ‬
‫ل تُشْ ِركُواْ‬ ‫ل َتعْ ُبدُونَ ِإلّ اللّهَ َوبِالْوَاِلدَيْنِ إِحْسَانا (‪ )83‬البقرة) (وَا ْ‬
‫عُبدُواْ اللّهَ َو َ‬ ‫حسَانًا (‪ )23‬السراء) ( َ‬
‫ل تَ ْعُبدُواْ ِإلّ ِإيّاهُ َوبِالْوَاِلدَيْنِ إِ ْ‬
‫و( َو َقضَى َرّبكَ َأ ّ‬
‫حسَانًا (‪ )36‬النساء) يضعها بعد عبادة ال تعالى وكأنها منزلة تالية بعد العبادة مباشرة الحسان إلى الوالدين‪ .‬هذه فيها إشارة‬ ‫ش ْيئًا َوبِا ْلوَاِل َديْنِ إِ ْ‬
‫بِهِ َ‬
‫إلى عظيم منزلة البوين عند ال كون ربنا هو الذي وصى ولم يجعل لقمان يوصي وتدخّل في مكانها بعد النهي عن الشرك تدخل ربنا وأمر‬
‫وكانت وصية ربنا تعالى بالحسان إلى الوالدين ثم لم يدع لقمان ينتهي من الكلم فتكن في آخر الكلم وإنما وضعها بعد النهي عن الشرك أو‬
‫تأتي بعد المر بعبادته سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫م الوالديَن‬
‫*ينزل الله تبارك وتعالى منزلة كريمَة بعَد عبادة الله أو النهَي عَن الشرك بالله لكَن ل َِ َ‬
‫تحديدا ً وليس البوين مثل؟‬
‫الية فيها جوانب كثيرة‪ :‬أولً استعمل وصّى المشددة ولم يقل أوصينا وذلك للتشديد على الوصية والمبالغة فيها وصّى فيها تشديد على الوصية‬
‫ص ْينَا اّلذِينَ أُوتُواْ‬ ‫والمبالغة فيها‪ .‬ومن الملحظ في القرآن أنه يستعمل وصّى في أمور الدين والمور المعنوية وأوصى في المور المادية‪( .‬وََل َقدْ َو ّ‬
‫صيّةٍ يُوصِي ِبهَا (‪ )11‬النساء) ‪ .‬لم ترد أوصى في‬ ‫ن اتّقُو ْا اللّ َه (‪ )131‬النساء) ويستعمل أوصى في المواريث (مِن َب ْعدِ َو ِ‬ ‫ب مِن َقبِْلكُمْ َوِإيّاكُمْ أَ ِ‬‫ا ْلكِتَا َ‬
‫المور المعنوية وفي أمور الدين إل في موطن واحد اقترنت بأمر مادي عبادي وهو قوله تعالى على لسان المسيح (وَأَ ْوصَانِي بِالصّلَاةِ وَال ّزكَا ِة مَا‬
‫حيّا (‪ )31‬مريم) قال أوصاني لنها اقترنت بأمر مادي وعبادي وهو الزكاة والمر الخر أن القائل هو غير مكلّف لذلك خفّف من الوصية‬ ‫ُدمْتُ َ‬
‫لنه الن ليس مكلفا ل بالصلة ول بالزكاة فخفف لنه ل تكاليف عليه‪.‬‬
‫وقال (وصينا) بإسناد التوصية إلى نفسه سبحانه بضمير التعظيم وربنا في أمور الخير وفي المور المهمة يسند الفعال إلى نفسه لم يقل وصيّ‬
‫شكُرْ لِي وَلِوَاِل َد ْيكَ ِإلَيّ‬ ‫ن بِوَاِلدَيْهِ) بإسناد الفعل إليه سبحانه بضمير التعظيم‪ .‬واستمر ورجع إلى الفراد (أَنِ ا ْ‬ ‫ص ْينَا الْإِنسَا َ‬ ‫النسان وإنما قال (وَ َو ّ‬
‫ش ُكرْ لِي) لم يقل ان اشكر لنا‪.‬‬ ‫ا ْلمَصِيرُ) وقلنا أنه من عادة القرآن إذا ذكر ضمير التعظيم يذكر قبله أو بعده ما يدل على الفراد (أَنِ ا ْ‬
‫الوالدين‪ :‬هو لم يقل أبوين لكثر من سبب‪ :‬أولً لو لحظنا الوالدين والبوين‪ :‬الوالدين تثنية الوالد والوالدة لكن غلّب المذكر‪ ،‬البوين تثنية الب‬
‫والم لكن غلّب الب إذن في الحالتين غلّب المذكر البوين تغليب الب وفي الوالدين تغليب الوالد‪ .‬لكن لماذا اختار الوالدين؟ الولدة تقوم بها‬
‫المرأة وليس الرجل أما تسمية الوالد يقول أهل اللغة على النسب والوالدة على الفعل هي التي تلد‪ .‬إذن اختار لفظ الوالدين التي هي من الولدة‬
‫التي تقوم بها الم لكنه لم يختر البوين واختار لفظ الولدة ولم يختر لفظ البوة‪ .‬الوالدين (الوالد والوالدة) مأخوذة من الولدة أما البوين فليست‬
‫ق (‪ )6‬يوسف) ويستعمل أبوين لدم وحواء‬ ‫سحَ َ‬‫من الولدة من حيث اللفظ والقرآن يستعمل أبوين للجدّين (كَمَا َأتَ ّمهَا عَلَى َأبَ َو ْيكَ مِن َقبْلُ ِإبْرَاهِيمَ وَإِ ْ‬
‫جنّ ِة (‪ )27‬العراف)‬ ‫خرَجَ َأبَ َو ْيكُم مّنَ الْ َ‬‫( َكمَا أَ ْ‬
‫حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا عَلَى وَهْنٍ َوفِصَالُهُ‬ ‫ن بِوَاِل َديْهِ َ‬
‫ص ْينَا ا ْلإِنسَا َ‬
‫إذن هو اختار لفظ الولدة لماذا؟ جملة دواعي لسبب الختيار‪ :‬الول لو نقرأ السياق (وَوَ ّ‬
‫فِي عَا َميْنِ (‪ ))14‬ذكر الحمل والفصال والفصال هو الفطام من الرضاعة‪ ،‬ماذا بين الحمل والرضاع؟ الولدة‪ .‬فهو ذكر الحمل والفصال أي‬
‫الفطام من الرضاعة بينهما الولدة فاختار لفظ الوالدين‪ .‬ثم فيه تذكير بولدته وهو جاء إلى الدنيا صعيفا عاجزا حال ولدتك وهما أحسنا إليك‬
‫وربياك يذكره بالحالة الولى التي يكون فيها أعجز ما يكون‪ .‬وفيها تعبير إحسان الصحبة إلى الم أكثر من الب‪ .‬الولدة هي للم وليس للب‬
‫ن بِوَاِلدَيْهِ) فيها إشارة إلى أن إحسان الصحبة والوصية للم أكثر من الب وحتى شرعا وفي الحديث (من أحق الناس‬ ‫ص ْينَا الْإِنسَا َ‬
‫فلما قال (وَ َو ّ‬
‫بحسن صحبتي؟ فقال أمك ثم أمك ثم أمك) الولدة تقوم بها الم فيها إشارة إلى أن حسن الصحبة ينبغي أن تكون للم أكثر من الب فقال‬
‫(الوالدين)‪ .‬وهناك خط ل يتخلف في جميع القرآن عندما يذكر الحسان إلى البوين والبر بهما والدعاء لهما يذكر لفظ الوالدين ول يذكر البوين‬
‫ل َتعَالَوْ ْا َأتْلُ مَا حَرّمَ َرّبكُمْ‬ ‫ي (‪ )28‬نوح) ( َوبِالْوَاِلدَيْنِ إِحْسَانا) ليس البوين (قُ ْ‬ ‫لم يقل رب اغفر لي ولبوي وإنما الوالدين ( َربّ اغْفِ ْر لِي وَلِوَاِلدَ ّ‬
‫حسَانًا (‪ )151‬النعام) لم يرد مرة واحدة في القرآن في إحسان الصحبة أو البر أو الدعاء بلفظ البوين وإنما‬ ‫ش ْيئًا َوبِا ْلوَاِل َديْنِ إِ ْ‬
‫ل تُشْ ِركُو ْا بِهِ َ‬‫عََل ْيكُمْ َأ ّ‬
‫كله بلفظ الوالدين‪ .‬ويستخدم البوين في المواريث ولعل ذلك لن نصيب الب أكبر من نصيب الم فيغلّبه لكن الوالدين يغلّب الم لن الم أولى‬
‫خرّواْ‬ ‫علَى ا ْلعَ ْرشِ وَ َ‬ ‫بالدعاء وحسن الصحبة‪ .‬في المواريث يذكر أبويه لن نصيب الذكر أكثر من نصيب النثى‪ .‬أما في يوسف قال (وَ َرفَعَ َأبَ َويْهِ َ‬
‫جدًا (‪ )100‬يوسف) قيل هذا من باب الكرام لهم قد يظن ظان أن هذا من باب الكرام‪ .‬لماذا لم يقل (رفع والديه)؟ هو رفع أبويه على‬ ‫لَ ُه سُ ّ‬
‫العرش لكثر من سبب‪ :‬على الرجح أنهما كانا أمه وأباه وهذه مسألة خلفية‪ .‬أولً لم يرد في قصة يوسف ذكر للم وإنما ذكر الب وهو الذي‬
‫حتّى َتكُونَ حَرَضًا أَ ْو َتكُونَ مِنَ ا ْلهَاِلكِينَ (‪ )85‬يوسف)‬ ‫ف َ‬ ‫حزن وفقد بصره‪ ،‬لم يرد ذكر للم في قصة يوسف حتى قال (قَالُو ْا تَال تَ ْفتَُأ تَ ْذكُ ُر يُوسُ َ‬
‫فإذن كونه لم يرد ذكر للم معناه الب يتغلب‪ .‬هذا أمر والمر الخر أنه لما قال (وَ َرفَعَ َأبَ َويْهِ عَلَى ا ْلعَ ْرشِ) هذا إكرام للم وليس للب هو إلماح‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫جدًا) أي عظموه والمفروض أن البن يعظم البوين فلما كان فيها تعظيم البوين لبنهما إختار أقلّهما وهو‬ ‫سّ‬‫خرّواْ لَهُ ُ‬
‫إلى تكريم الم فقال (وَ َ‬
‫خرّواْ‬
‫جدًا) هذا تعظيم والمفروض أن البن يعظّم أبويه فلما ذكر (وَ َ‬
‫البوين أقلّهما بحسن الصحبة وهذا أدل على إكرام الم لما قال (وَخَرّواْ لَهُ سُ ّ‬
‫جدًا ً) لم يذكر والديه إشارة إلى تعظيم الم ومنزلتها ثم إلماح أن العرش للب وليس للم‪.‬‬ ‫لَ ُه سُ ّ‬
‫*قال تعالى (أن اشكر لي) ولم يقل اشكر لنا مع أنه قال (ووصينا)؟‬
‫ذكرنا في الحلقة السابقة شيئا عن هذه الية قلنا قال (وصّينا) ولم يقل أوصينا وقلنا أسند اليصاء إلى نفسه سبحانه للمور المهمة قال وصّينا‬
‫بضمير التعظيم وقلنا قال بوالديه ولم يقل بأبويه وذكرنا أن هذا خط عام في القرآن أن الوصية والبر والدعاء يذكر لفظ الوالدين‪ .‬نلحظ في هذه‬
‫التوصية أنه ذكر الم ولم يذكر الب لن الحمل والفصال هو للم وليس للب وهذه إشارة أنها أولى بحسن الصحبة مع أنه قال والديه وقلنا أن‬
‫حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا عَلَى وَهْنٍ َوفِصَالُهُ فِي عَا َميْنِ) ثم هو لم يقل وهنا فقط‬
‫كلمة والديه تدل على أن الم أولى بحسن الصحبة من الولدة وهنا قال ( َ‬
‫وإنما قال وهنا على وهن أي ذكر الضعف المستمر‪ .‬الوهن هو الضعف يعني هو يثقل عليها دائما وباستمرار ثم ذكر مدة الفصال ولم يذكر مدة‬
‫ل لن الفصال بيد المرأة تستطيع أن تفطم الرضيع متى ما تريد‪ .‬حدد مدة للفصال عامين لو لم تلتزم المرأة تزيد أو تقل‪ ،‬بينما الحمل لم‬ ‫الحمل أو ً‬
‫ل لن الحمل ليس بيد المرأة كالفطام ثم الحمل قد يزيد وقد ينقص قد يكون مدة الحمل ستة أشهر أو سبعة أشهر أو ثمانية أشهر‬ ‫يذكر له مدة أو ً‬
‫شهْرًا (‪ )15‬الحقاف) وابن عباس استند من هذه الية أن الحمل قد يكون ستة أشهر لنه قال في آية أخرى ( َوفِصَالُ ُه فِي‬ ‫حمْلُهُ َوفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ َ‬
‫( َو َ‬
‫عَا َميْنِ) إذن بقي مدة الحمل ستة أشهر معناه يصح الحمل في ستة أشهر‪ ،‬قد تضع المرأة حملها في ستة أشهر‪ .‬لم يذكر الحمل هنا لنه ليس بيد‬
‫المرأة الفصال بيد المرأة‪ .‬هنا الوهن وصف الحمل لن كل يوم يمر عليها يكون ثقيلً عليها يوهنها ويضعفها وهو ليس على وتيرة واحدة كلما‬
‫كبر الجنين يثقل عليها إذن هو وهن على وهن‪ .‬كل المدة وهن على وهن لكنه لم يذكر كم مدة الحمل لن المرأة ل دخل لها في مدة الحمل لكن‬
‫لها دخل في مدة الرضاعة تستطيع أن تفصل الطفل من الرضاعة في أقل من عامين إذا شاءت لكن أفضل مدة للفصال في عامين كما قال القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬
‫* قال تعالى أن اشكر لي ولوالديك ولم يقل أن اشكر لنا؟‬
‫وصاه بالشكر للمنعم الول الذي هو ال الذي أوجد من العدم وهيأ له أسباب الحياة وهيا له من يحمله ويرضعه وهو ضعيف عاجز‪ .‬ثم وصاه‬
‫بالشكر لوالديه‪ .‬ونحن قلنا هذا خط عام في القرآن أنه إذا ذكر ضمير التعظيم يذكر قبله أو بعده ما يدل على التوحيد‪( .‬ووصينا أن اشكر لي)‬
‫وصينا ضمير تعظيم‪ ،‬أن اشكر لي ضمير الفراد توحيد‪ .‬ما المقصود بالشكر؟ هل تقول بلسانك الحمد ل؟ ليس الشكر مطلق القول باللسان لن‬
‫شكُو ُر (‪ )13‬سبأ) يعني من لم يؤد حق النعمة فليس بشاكر ولو بقي الليل‬ ‫عبَادِيَ ال ّ‬
‫ن ِ‬
‫ل مّ ْ‬
‫شكْرًا َوقَلِي ٌ‬
‫ل دَاوُودَ ُ‬
‫عمَلُوا آ َ‬
‫الشكر عمل كما قال تعالى (ا ْ‬
‫ش ُكرْ لِي وَلِوَاِلدَ ْيكَ‬
‫والنهار يقول الحمد ل يعني من آتاه ال مالً ولم يؤد حقه فليس بشاكر وإن شكر بلسانه‪ ،‬الشكر عمل ويكون معه القول‪( .‬أَنِ ا ْ‬
‫شكُرْ لِي وَلِوَاِل َد ْيكَ ِإلَيّ ا ْلمَصِيرُ) إشارة إلى أن الحياة‬
‫ِإلَيّ ا ْلمَصِيرُ) اشكر لي حق ال تعالى أن يقوم بتأدية نعم ال تعالى عليه عملً وقولً إذن (أَنِ ا ْ‬
‫ل تنتهي وأن هذه مرحلة وإشارة إلى الحياة الخرة في (إليّ المصير) أي المرجع إذن إشارة إلى الحياة الخرة‬
‫صيُر) بصدر الية؟‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫*ما علقة (إِل َ َّ‬
‫مآل ذلك فيما إن خالفت إليّ سيجزيك بما تعمل وبما أوصاك به ربك كأن هذه تذكير بالمآل‪ ،‬مآل ذلك ماذا سيكون؟ ثم قال (إليّ) بتقديم الجار‬
‫والمجرور‪ ،‬الجملة خارج القرآن المصير إليّ‪ ،‬قدّم الخبر للدللة على الحصر إليه ل إلى غيره وفي هذا نفي للشرك وإثبات للمعاد‪ .‬نفي للشرك‬
‫ط ْع ُهمَا) نفي للشرك وإثبات للمعاد‬
‫ك بِهِ عِ ْل ٌم فَلَا تُ ِ‬
‫ش ِركَ بِي مَا َليْسَ َل َ‬
‫إليه حصرا لن المصير إليه وحده‪ ،‬ل شريك مع ال (وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن تُ ْ‬
‫ي ل يفيد الحصر إذن المصير إليّ غير إليّ المصير‪.‬‬ ‫إليه حصرا‪ .‬ولو قال المصير إل ّ‬
‫ن بِوَالِدَي َْهِ) ثَم يتحول إلى المخاطَب (أن‬ ‫صيْنَا اْلِن ََ‬
‫سا َ‬ ‫* في صَدر اليَة نفهَم أن الكلم عن غائب (وَوََ َّ‬
‫اشكر لي)؟ من المخاطب؟‬
‫علَى‬
‫حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا َ‬
‫ص ْينَا ا ْلإِنسَانَ) عموما‪ ،‬بماذا وصاه؟ بأن اشكر لي ولوالديك‪ ،‬إذن الوصية هي أن اشكر لي ولوالديك‪ .‬جملة ( َ‬
‫هو قال (وَوَ ّ‬
‫وَهْنٍ) هذا مما يوجب الشكر لهما لنهما أنعما عليه من حمله وإرضاعه وتعهده‪ .‬أصل التركيبة ووصينا النسان بوالديه أن اشكر لي ولوالديك‪.‬‬
‫*هل في القرآن جملة اعتراضية؟ الجملة العتراضية مصطلح نحوي‪.‬‬
‫*هل تعني الية أن الب مهضوم الحق؟‬
‫ل قال بوالديه لكن أيهما أولى بحسن الصحبة؟ قال بوالديه ولم يقل بأمه وهي أولى بحسن الصحبة كما في الحديث‪ .‬ذكرنا في الحلقة الماضية أن‬
‫أبوين ووالدين كلهما من حيث اللغة تغليب المذكر‪ ،‬الوالدان هما الوالد والوالدة تثنية الوالد والوالدة لكن غُلّب فيها لفظ المذكر وهو الوالد‬
‫والبوان هما الب والم لكن غُلّب بلفظ المذكر الذي هو الب إذن كلهما تغليب المذكر وهذا ورد في اللغة يقولون القمران أي الشمس والقمر‬
‫لكن قلنا في الخط القرآني العام يذكر مع الوصية والدعاء البر يذكر الوالدين أما في المال فيذكر لفظ البوين لن لفظ الب له نصيبه في الميراث‬
‫صيّةٍ يُوصِي ِبهَا (‪ )11‬النساء)‪ .‬في‬
‫ظ الُن َث َييْنِ (‪ )11‬النساء) (مِن َب ْعدِ َو ِ‬
‫حّ‬‫ل ِدكُمْ لِل ّذكَرِ ِمثْلُ َ‬‫أكثر‪ .‬ال َذكَر عموما أكثر من الناث (يُوصِيكُ ُم اللّ ُه فِي أَ ْو َ‬
‫أمور الدين والطاعات يقول يوصّي وفي غير ذلك يقول يوصي والوالدان يستعملها في البر والدعاء لهما ولم يأت في القرآن في الدعاء والبر‬
‫ق (‪ )6‬يوسف) واستخدم أبويكم في الجنة لدم وحواء ( َكمَا‬ ‫بلفظ البوين وقلنا ويستعمل البوين للجد ( َكمَا َأ َت ّمهَا عَلَى َأبَ َو ْيكَ مِن َقبْلُ ِإبْرَاهِيمَ وَِإسْحَ َ‬
‫جنّةِ (‪ )27‬العراف)‪ .‬وذكرنا قصة يوسف وقلنا فيها ما قلنا وهناك سؤال قد يثار في الذهن‪ :‬لماذا لم تذكر أم يوسف مع أنها‬ ‫َأخْ َرجَ َأبَ َويْكُم مّنَ ا ْل َ‬
‫كانت حزينة على يوسف؟ في القصة كلها الب هو مثار الحزن وفقد بصره ثم هناك حقيقة أن هذا من حسن التقدير لم أم يوسف لنها أم يوسف‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫وأم أخيه وليست أم البناء الخرين فل تستطيع أن تواجههم بالكلم وقد يُسمعونها كلما ل يرضيها لنها ليست أمهم وبمثابة الغريبة بينما هو‬
‫أبوهم يستطيع أن يقرّعهم وهذا من حسن التقدير لها فقد تكتم في نفسها ول تستطيع أن تقول‪.‬‬
‫الحاضرة الت ألقاها فضيلة العال الستاذ الدكتور فاضل صال السامرائي ف جائزة دب الدولية للقرآن الكري عام ‪ 1423‬هـ الوافق ‪ 2002‬م‬
‫لمحات قرآنية تربوية (نظرات بيانية في وصية لقمان لبنه)‬
‫حمِي ٌد (‪ )12‬وَِإ ْذ قَالَ ُل ْقمَا ُ‬
‫ن‬ ‫ي َ‬‫غنِ ّ‬
‫شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَنْ َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ‬‫شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ‬‫ن يَ ْ‬ ‫شكُرْ لِلّهِ َومَ ْ‬ ‫ناْ‬ ‫تبدأ الوصية من قوله تعالى‪( :‬وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ‬
‫ح ْكمَةَ أَ ِ‬
‫شكُرْ‬ ‫حمََلتْهُ ُأمّهُ وَهْنا عَلَى وَهْنٍ َوفِصَالُ ُه فِي عَا َميْنِ أَنِ ا ْ‬ ‫ن بِوَاِل َديْهِ َ‬ ‫ك بِاللّهِ إِنّ الشّ ْركَ لَظُ ْل ٌم عَظِيم(‪ )13‬وَوَ ّ‬
‫ص ْينَا ا ْلِأنْسَا َ‬ ‫ش ِر ْ‬‫ي ل تُ ْ‬ ‫ل ْبنِهِ وَ ُهوَ َيعِظُ ُه يَا ُبنَ ّ‬ ‫ِ‬
‫ل مَنْ َأنَابَ‬ ‫سبِي َ‬
‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّدنْيَا َمعْرُوفا وَا ّتبِعْ َ‬
‫ط ْع ُهمَا وَصَا ِ‬‫ك بِ ِه عِلْ ٌم فَل تُ ِ‬ ‫ك بِي مَا َليْسَ َل َ‬ ‫ن تُشْ ِر َ‬ ‫لِي وَلِوَاِلدَ ْيكَ إِلَيّ ا ْل َمصِيرُ(‪ )14‬وَإِنْ جَا َهدَاكَ عَلَى أَ ْ‬
‫ض يَأْتِ‬‫سمَاوَاتِ أَ ْو فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫خرَةٍ أَ ْو فِي ال ّ‬ ‫ل َف َتكُنْ فِي صَ ْ‬ ‫حبّ ٍة مِنْ خَ ْردَ ٍ‬ ‫ن َتكُ ِمثْقَالَ َ‬ ‫ج ُعكُ ْم فَُأ َنّبُئكُمْ ِبمَا ُك ْنتُ ْم َتعْمَلُونَ(‪ )15‬يَا ُبنَيّ ِإّنهَا إِ ْ‬ ‫ي مَرْ ِ‬ ‫ي ثُمّ إَِل ّ‬ ‫ِإلَ ّ‬
‫ن عَ ْزمِ الُْأمُورِ(‪ )17‬وَل‬ ‫ن ذَِلكَ مِ ْ‬ ‫صبِ ْر عَلَى مَا أَصَا َبكَ إِ ّ‬ ‫خبِيرٌ(‪ )16‬يَا ُبنَيّ َأقِمِ الصّلةَ وَ ْأمُ ْر بِا ْل َمعْرُوفِ وَانْ َه عَنِ ا ْل ُمنْكَرِ وَا ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ِبهَا اللّهُ إِنّ اللّهَ لَطِي ٌ‬
‫ض مِنْ صَ ْو ِتكَ إِنّ َأ ْنكَرَ ا ْلأَصْوَاتِ‬ ‫ض ْ‬ ‫ش ِيكَ وَاغْ ُ‬ ‫صدْ فِي مَ ْ‬‫ل فَخُورٍ(‪ )18‬وَا ْق ِ‬ ‫ختَا ٍ‬‫ل مُ ْ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ض مَرَحا إِنّ اللّ َه ل يُحِ ّ‬ ‫خ ّدكَ لِلنّاسِ وَل َتمْشِ فِي الَْأرْ ِ‬ ‫صعّ ْر َ‬ ‫تُ َ‬
‫حمِيرِ(‪))19‬‬ ‫ت الْ َ‬ ‫َلصَوْ ُ‬
‫تلك هي الوصية وقد بدأت بذكر إتيان لقمان الحكمة‬
‫حمِيدٌ" ‪12‬‬ ‫ي َ‬ ‫غنِ ّ‬
‫شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَنْ َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ‬ ‫شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫شكُرْ لِلّهِ َومَ ْ‬ ‫ناْ‬ ‫ح ْكمَةَ أَ ِ‬
‫"وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ‬
‫الحكمة‬
‫والحكمة هي وضع الشيء في محله قول وعمل‪ ،‬أو هي توفيق العلم بالعمل‪ ،‬فل بد من المرين معا‪ :‬القول والعمل‪ ،‬فمن أحسن القول ولم يحسن‬
‫العمل فليس بحكيم‪ ،‬ومن أحسن العمل ولم يحسن القول فليس بحكيم‪.‬فالحكمة لها جانبان‪ :‬جانب يتعلق بالقول‪ ،‬وجانب يتعلق بالعمل‪ .‬والحكمة خير‬
‫كثير كما قال ال تعالى‪" :‬ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" البقرة ‪.269‬‬
‫ح ْكمَةَ"‪.‬‬‫ال تعالى مؤتي الحكمة ولذلك نلحظ أنه تعالى قال‪ " :‬وَلَ َق ْد آ َتيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ‬
‫قال (آتينا) بإسناد الفعل إلى نفسه‪ ،‬ولم يقل‪ :‬لقد أوتي لقمان الحكمة‪ ،‬بل نسب التيان لنفسه‪ .‬وال تعالى في القرآن الكريم يسند المور إلى ذاته‬
‫ن فِي ا ْلأَ ْرضِ أَمْ أَرَادَ ِبهِمْ‬‫العلية في المور المهمة وأمور الخير‪ ،‬ول ينسب الشر والسوء إلى نفسه ألبتة‪ .‬قال تعالى‪" :‬وََأنّا ل َندْرِي َأشَرّ ُأرِي َد ِبمَ ْ‬
‫َربّهُ ْم رَشَدا‪ "10‬الجـن ‪.‬‬
‫فعندما ذكر الشر بناه للمجهول‪ ،‬وعندما ذكر الخير ذكر ال تعالى نفسه‪.‬وهذا مطرد في القرآن الكريم‪ ،‬ونجده في نحو‪" :‬آتيناهم الكتاب" و "أوتوا‬
‫الكتاب" فيقول الولى في مقام الخير‪ ،‬وإن قال الثانية فهو في مقام السوء والذم‪ .‬وقال تعالى‪ " :‬وَِإذَا َأ ْن َعمْنَا عَلَى الْإنْسَانِ أَعْ َرضَ َونَأَى بِجَا ِنبِهِ وَِإذَا‬
‫ن يَؤُوسا ‪ "83‬السراء فعندما ذكر النعمة قال‪( :‬أنعمنا) بإسناد النعمة إلى نفسه تعالى‪ .‬وعندما ذكر الشر قال‪" :‬وإذا مسه الشر" ولم‬ ‫مَسّ ُه الشّ ّر كَا َ‬
‫يقل‪ :‬إذا مسسناه بالشر‪.‬ولم ترد في القرآن مطلقا‪ :‬زينا لهم سوء أعمالهم‪ ،‬وقد نجد‪ :‬زينا لهم أعمالهم‪ ،‬بدون السوء‪ ،‬لن ال تعالى ل ينسب السوء‬
‫إلى نفسه‪ ،‬ولما كانت الحكمة خيرا محضا نسبها إلى نفسه‪.‬‬
‫ـ إن قيل‪ :‬فقد قال في موضع‪" :‬ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" البقرة ‪.269‬‬
‫خيْرا َكثِيرا َومَا َي ّذكّرُ ِإلّا أُولُو الَْأ ْلبَابِ" فنسب إتيان الحكمة‬ ‫ح ْكمَ َة فَ َقدْ أُوتِيَ َ‬ ‫ن يَشَاءُ َومَنْ يُ ْؤتَ الْ ِ‬ ‫ح ْكمَةَ مَ ْ‬‫فالرد أنه عز وجل قد قال قبلها‪" :‬يُ ْؤتِي ا ْل ِ‬
‫إلى نفسه‪ ،‬ثم أعادها عامة بالفعل المبني للمجهول‪.‬‬
‫مقام الشكر‬
‫شكُرْ لِلّهِ)‬ ‫ـ( أَنِ ا ْ‬
‫لها دللتان‪:‬‬
‫الولى ـ أن الحكمة لما كانت تفضل ونعمة فعليه أن يشكر النعم‪ ،‬كما تقول‪ :‬لقد آتاك ال نعمة فاشكره عليها‪ .‬وال آتاه الحكمة فعليه أن يشكره‬
‫لن النعم ينبغي أن تقابل بالشكر لموليها‪( .‬آتاك نعمة الحكمة فاشكره عليها)‬
‫شدِيدٌ ‪")7‬‬ ‫عذَابِي َل َ‬
‫ن َ‬
‫شكَ ْرتُمْ َلأَزِي َدنّكُمْ َوَلئِنْ كَ َف ْرتُمْ إِ ّ‬
‫الثانية ـ أن من الحكمة أن تشكر ربك‪ ،‬فإذا شكرت ربك زادك من نعمه "وَِإ ْذ تََأذّنَ َرّبكُمْ َلئِنْ َ‬
‫ابراهيم ولو قال غير هذا ‪ ،‬مثل (فاشكر ل) لكان فيه ضعف‪ ،‬ولم يؤد هذين المعنيين‪ .‬وضعف المعنى يكون لن ال تعالى آتاه النعمة "وَلَ َق ْد آ َتيْنَا‬
‫ح ْكمَةَ" فإن قال بعدها‪( :‬فاشكرل ) فهذا أمر موجه لشخص آخر وهو الرسول‪ ،‬فيصير المعنى ‪ :‬آتى ال لقمان الحكمة فاشكر أنت!!‬ ‫ُل ْقمَانَ ا ْل ِ‬
‫كيف يكون؟ المفروض أن من أوتي الحكمة يشكر ولذلك قال‪" :‬أن اشكر ل" فجاء بأن التفسيرية ولو قال أي تعبير آخر لم يؤد هذا المعنى‪.‬‬
‫الشكر والكفر‬
‫حمِيدٌ(‪))12‬‬
‫ي َ‬
‫غنِ ّ‬
‫شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَنْ َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ‬‫ن يَ ْ‬‫( َومَ ْ‬
‫"يشكر" قال الشكر بلفظ المضارع ‪ ،‬والكفران قاله بالفعل الماضي "ومن كفر" من الناحية النحوية الشرط يجعل الماضي استقبال ‪ ،‬مثال (إذا جاء‬
‫نصر ال)‪ ،‬فكلهما استقبال‪ .‬ويبقى السؤال ‪ :‬لماذا اختلف زمن الفعلين فكان الشكر بالمضارع والكفر بالمشي على أن الدللة هي للستقبال؟‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫من تتبعنا للتعبير القرآني وجدنا أنه إذا جاء بعد أداة الشرط بالفعل الماضي فذلك الفعل يُفعل مرة واحدة أو قليل‪ ،‬وما جاء بالفعل المضارع‬
‫يتكرر فعله‬
‫ل مُ ْؤمِنا ُمتَ َعمّدا َفجَزَاؤُهُ‬ ‫ن يَ ْقتُ ْ‬‫ص ّدقُوا ‪ "92‬النساء وبعدها قال‪َ " :‬ومَ ْ‬ ‫ن يَ ّ‬ ‫طًأ َفتَحْرِيرُ َر َقبَ ٍة مُ ْؤمِنَةٍ َو ِديَةٌ مُسَّلمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلّا أَ ْ‬
‫ل مُ ْؤمِنا خَ َ‬‫ن َقتَ َ‬ ‫مثال‪َ " :‬ومَ ْ‬
‫ج َهنّمُ خَالِدا فِيهَا ‪ "93‬النساء فعندما ذكر القتل الخطأ جاء بالفعل الماضي لن هذا خطأ غير متعمد‪ ،‬إذن هو ل يتكرر وعندما جاء بالقتل العمد جاء‬ ‫َ‬
‫بالفعل المضارع (ومن يقتل) لنه ما دام يتعمد قتل المؤمن فكلما سنحت له الفرصة فعل‪ .‬فجاء بالفعل المضارع الذي يدل على التكرار‪.‬‬
‫شكُورا ‪ "19‬السراء ‪.‬‬ ‫س ْعيُهُ ْم مَ ْ‬
‫ن َ‬ ‫س ْعيَهَا وَ ُه َو مُ ْؤمِنٌ فَأُوَل ِئكَ كَا َ‬‫سعَى َلهَا َ‬ ‫مثال آخر‪َ " :‬ومَنْ أَرَادَ الْآخِ َرةَ وَ َ‬
‫ب ال ّدنْيَا نُ ْؤتِ ِه ِمنْهَا َومَنْ يُ ِردْ‬‫ن يُ ِردْ ثَوَا َ‬
‫فذكر الخرة وجاء بالفعل الماضي لن الخرة واحدة وهي تراد‪ .‬لكن عندما تحدث عن الدنيا قال‪َ " :‬ومَ ْ‬
‫سنَجْزِي الشّاكِرِينَ ‪ "145‬آل عمران‪.‬‬ ‫ثَوَابَ الْآخِرَ ِة نُ ْؤتِ ِه ِمنْهَا َو َ‬
‫لن إرادة الثواب تتكرر دائما‪.‬‬
‫ن َت ُعدّوا ِن ْعمَتَ اللّهِ‬ ‫كل عمل تفعله تريد الثواب‪ ،‬فهو إذن يتكرر والشيء المتكرر جاء به بالمضارع يشكر‪ ،‬فالشكر يتكرر لن النعم ل تنتهي " وَإِ ْ‬
‫ل تُحْصُوهَا إِنّ ا ْلِأنْسَانَ َلظَلُو ٌم كَفّا ٌر ‪ "34‬إبراهيم‪.‬‬
‫فالشكر يتكرر‪ ،‬كلما أحدث لك نعمة وجب عليك أن تحدث له شكرا أما الكفر فهو أمر واحد حتى إن لم يتكرر‪ ،‬فإن كفر النسان بأمر ما فقد‬
‫كفر‪ ،‬إن كفر بما يعتقد من الدين بالضرورة فقد كفر‪ ،‬ل ينبغي أن يكرر هذا المر لنه إن أنكر شيئا من الدين بالضرورة واعتقد ذلك فقد كفر‬
‫وانتهى ول يحتاج إلى تكرار‪ ،‬أما الشكر فيحتاج إلى تكرار لن النعم ل تنتهي‪ .‬وفيه إشارة إلى أن الشكر ينبغي أن يتكرر وأن الكفر ينبغي أن‬
‫يقطع‪ ،‬فخالف بينهما في التعبير فجاء بأحدهما في الزمن الحاضر الدال على التجدد والستمرار وجاء بالخر في الزمن الماضي الذي ينبغي أن‬
‫ينتهي‪.‬‬
‫ال غني حميد‬
‫حمِيدٌ(‪))12‬‬ ‫غنِيّ َ‬ ‫ن اللّ َه َ‬
‫ن كَفَ َر فَإِ ّ‬
‫شكُرُ ِل َنفْسِهِ َومَ ْ‬
‫(فَِإّنمَا يَ ْ‬
‫جاء بإنما التي تفيد الحصر‪ ،‬أي الشكر ل يفيد إل صاحبه ول ينفع ال ول يفيد إل صاحبه حصرا أما ال فل ينفعه شكر ول تضره معصية‬
‫( يا عبادي ‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ‪ ،‬يا عبادي لو أن أولكم‬
‫وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا ‪ ،‬يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في‬
‫صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إل كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر )‬
‫حمِيدٌ)‬ ‫غنِيّ َ‬ ‫ن اللّ َه َ‬
‫لذلك قال (فَإِ ّ‬
‫جمع بين هاتين الصفتين الجليلتين الحميد أي المحمود على وجه الدوام والثبوت وهو تعالى غني محمود في غناه‬
‫ـ قد يكون الشخص غنيا غير محمود‬
‫ـ أو محمودا غير غني‬
‫ـ أو محمودا وهو ليس غنيا بعد‪ ،‬فإن اغتنى انقلب لن المال قد يغير الشخاص وقد يغير النفوس كما أن الفقر قد يغير النفوس‬
‫ـ وقد يكون الشخص غنيا وغير محمود لنه ل ينفع في غناه‪ ،‬ول يؤدي حق ال عليه ول يفيد الخرين‪ ،‬بل قد يجر المصالح لنفسه على غناه‬
‫ـ وقد يكون محمودا غير غني‪ ،‬ولو كان غنيا لما كان محمودا‪ ،‬فإن اجتمع المران فكان غنيا محمودا فذلك منتهى الكمال‬
‫حمِيدُ (‪)26‬‬‫سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضِ إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ الْ َ‬‫وفي آية أخرى في السورة نفسها قال‪ " :‬لِلّ ِه مَا فِي ال ّ‬
‫نقول‪ :‬فلن غني أي هو من جملة الغنياء‪ ،‬وقد يكون ملكا معه أغنياء فإذا قلت هو الغني فكأن الخرين ليسوا شيئا بالنسبة إلى غناه وهو‬
‫صاحب الغنى وحده‪.‬‬
‫فلماذا قال ها هنا فإن ال غني حميد وهناك في السورة نفسها هو الغني الحميد؟‬
‫نلحظ أن في هذه الية لم يذكر له ملكا ول شيئا وهذا حتى في حياتنا اليومية نستعمله نقول أنا غني عنك كما قال الخليل‪:‬‬
‫وفي غنى غير أني لست ذا مال‬ ‫أبلغ سليمان أني عنه في جو‬
‫فقد تقول‪ :‬أنا غني عنك‪ ،‬ولكن ليس بالضرورة أن تكون ذا ثروة ومال فهنا لم يذكر ال سبحانه لنفسه ملكا المعنى أن ال غني عن الشكر وعن‬
‫الكفر ل ينفعه شكر ول يضره كفر‪.‬‬
‫حمِي ُد (‪)26‬‬
‫ي الْ َ‬‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِ ّ‬
‫أما في الية الخرى فقد ذكر له ملكا " لِلّ ِه مَا فِي ال ّ‬
‫حمِيدُ)‬‫فعندما ذكر له ملك السموات والرض المتسع ‪ ،‬فمن أغنى منه؟ فقال (هُوَ ا ْل َغنِيّ ا ْل َ‬
‫أهمية الحكمة في الوعظ‬
‫عظِيمٌ(‪))13‬‬
‫ش ِركْ بِاللّهِ إِنّ الشّ ْركَ لَظُ ْلمٌ َ‬
‫ي ل تُ ْ‬
‫ل ْبنِهِ وَهُ َو َيعِظُ ُه يَا ُبنَ ّ‬
‫ن ِ‬
‫(وَِإ ْذ قَالَ ُل ْقمَا ُ‬
‫من هنا بدأت الوصية‪ ،‬فلماذا صدر بقوله‪" :‬ولقد آتينا‪ "..‬وكان يمكن مثل أن يحذفها؟‬
‫الحكمة لها جانبان ‪ :‬جانب قولي وجانب عملي‪ ،‬وحكمة لقمان ليست فيما ذكره من أحاديث وأقوال وما قاله لبنه من الوصية‪ ،‬وإنما أيضا في‬
‫العمل الذي فعله وهو تعهده لبنه وعدم تركه بل وعظ أو إرشاد‪ ،‬وفي هذا توجيه للباء أن يتعهدوا أبناءهم ول يتركوهم لمعلمي سوء ول‬
‫للطرقات‪.‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫وصدّر بالحكمة وهي ذات جانبين قولي وعملي لمر آخر مهم‪ ،‬فعندما وصى ابنه فهل من الحكمة أن يوصي ابنه بشيء ويخالفه؟ هذا ليس من‬
‫الحكمة ولو فعله فلن تنفع وصيته‪ ،‬لو خالف الوعظ عمل الواعظ والموجه لم تنفع الوصية بل ل بد أن يطبق ذلك على نفسه‪ ،‬فعندما قال آتينا‬
‫لقمان الحكمة علمنا من هذا أن كل ما قاله لقمان لبنه فقد طبقه على نفسه أول حتى يكون كلمه مؤثرا لذلك كان لهذا التصدير دور مهم في‬
‫التربية والتوجيه‪.‬‬
‫ففي هذا القول ولقد آتينا لقمان الحكمة عدة دروس مهمة‪:‬‬
‫‪ ‬الول فيما قاله من الحكمة‪،‬‬
‫‪ ‬الثاني في تعهده لبنه وتربيته وتعليمه وعدم تركه لهل السوء والجهالة يفعلون في نفسه وعقله ما يشاء‪،‬‬
‫‪ ‬الثالث قبل أن يعظ ابنه طبق ذلك على نفسه فرأى البن في أبيه كل ما يقوله وينصحه به من خير ‪ ،‬لذلك كان لهذا التصدير ملمح‬
‫تربوي مهم وهو توجيه الوعاظ والمرشدين والناصحين والباء أن يبدؤوا بأنفسهم فإن ذلك من الحكمة وإل سقطت جميع أقوالهم‪.‬‬
‫التعهد بالنصح مع حسن اختيار الوقت‬
‫(وَهُ َو َيعِظُهُ)‬
‫نحن نعرف أنه يعظه ويتضح أنه وعظ من خلل اليات والوامر وسياق الكلم‪ ،‬فلماذا قال (وَهُ َو َيعِظُهُ)‬
‫فيها دللتان‪:‬‬
‫من حيث اللغة‪ :‬الحال والستئناس للدللة على الستمرار‪ .‬وهو يعظه اختار الوقت المناسب للوعظ ‪ ،‬ليس كلما طارئا يفعله هكذا‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أو في وقت ل يكون البن فيه مهيأ للتلقي‪ ،‬ول يلقيه بغير اهتمام فل تبلغ الوصية عند ذلك مبلغا لكنه جاء به في وقت مناسب للوعظ‬
‫فيلقي ونفسه مهيأة لقبول الكلم فهو إذن اختار الوقت المناسب للوعظ والتوجيه‬
‫والمر الثاني (وَهُ َو َيعِظُهُ)‪ .‬فهذا من شأن لقمان أن يعظ ابنه‪ ،‬هو ل يتركه‪ ،‬وليست هذه هي المرة الولى‪ ،‬هو من شأنه أل يترك ابنه‬ ‫‪.2‬‬
‫بل يتعاهده دائما‪ ،‬وهكذا ينبغي أن يكون المربي‪.‬‬
‫فكل كلمة فيها توجيه تربوي للمربين والواعظين والناصحين والباء‪.‬‬
‫الرفق في الموعظة‬
‫(يا بني)‬
‫كلمة تصغير للتحبيب‪ ،‬أي ابدأ بالكلم اللين اللطيف الهين للبن وليس بالتعنيف والزجر‪ .‬بل بحنان و ِرقّة لن الكلمة الطيبة الهينة اللينة تفتح‬
‫القلوب المقفلة وتلين النفوس العصية‪ ،‬عكس الكلمة الشديدة المنفرة التي تقفل النفوس ‪ .‬لذلك قال ربنا لموسى عن فرعون‪" :‬فَقُول لَ ُه قَ ْولً َليّنا‬
‫خشَى ‪ "44‬طـه ‪.‬‬ ‫َلعَلّ ُه َي َتذَكّرُ أَ ْو يَ ْ‬
‫وأنت أيها الب إن أجلست ولدك إلى جانبك ووضعت يدك على رأسه وكتفه‪ ،‬وقلت له يا بني ‪ ،‬فتأكد أن هذه الكلمة بل هذه الحركة من المسح‬
‫تؤثر أضعاف الكلم الذي تقوله ‪ ،‬وتؤثر في نفسه أكثر بكثير من كل كلم تقوله وتزيل أي شيء بينك وبينه من حجاب وتفتح قلبه للقبول‪.‬‬
‫وعندها فهو إن أراد أن يخالفك فهو يخجل أن يخالفك‪ ،‬بهذه الكلمة اللطيفة الشفيقة تزيل ما بينك وبينه من حجاب‪ ،‬ويكون لك كتابا مفتوحا أمامك‪،‬‬
‫وعندها سيقبل كلمك والكلمة الطيبة صدقة ‪.‬‬
‫لذلك بدأ بهذه الكلمة مع أنه من الممكن أن يبدأ الب بالمر مباشرة ولكن لها أثُرها الذي ل ينكر وليترك‪ ،‬فأراد ربنا أن يوجهنا إلى الطريقة‬
‫اللطيفة الصحيحة المنتجة في تربية البناء وتوجيههم وإزالة الحجاب بيننا بينهم من دون تعنيف أو قسوة أو شدة‪ ،‬وبذلك تريح نفسه وتزيل كل‬
‫حجاب بينك وبينه ونحن في حياتنا اليومية نعلم أن كلمة واحدة قد تؤدي إلى أضعاف ما فيها من السوء‪ ،‬وكلمة أخرى تهون المور العظيمة‬
‫وتجعلها يسيرة‪.‬‬
‫ولقد تعلمت درسا في هذه الحياة قلته لبني مرة وقد اشتد في أمر من المور في موقف ما‪ ،‬وأنا أتجاوز الستين بكثير‪ ،‬وكان الموقف شديدا جدا‪،‬‬
‫خبّرت بذلك فجئت به ووضعته إلى جنبي وقلت له‪ :‬يا فلن تعلمت من الحياة درسا أحب أن تتعلمه وهو أنه بالكلمة‬ ‫وقد فعل فعلته في جهة ما و ُ‬
‫الشديدة الناهرة ربما ل أستطيع أن أحصل على حقي ولكن تعلمت أنه بالكلمة الهينة اللينة آخذ أكثر من حقي‪.‬‬
‫أس الوصية‬
‫ش ِركْ بِاللّهِ إِنّ الشّ ْركَ لَظُ ْل ٌم عَظِيم((‪))13‬‬‫ي ل تُ ْ‬ ‫(يَا ُبنَ ّ‬
‫لم يبدأ بالعبادة ولم يقل له اعبد ال وإنما بدأ بالنهي عن الشرك‪ ،‬وذلك لما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬أول‪ :‬التوحيد أس المور‪ ،‬ول تقبل عبادة مع الشرك‪ ،‬فالتوحيد أهم شيء‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬العبادة تلي التوحيد وعدم الشرك فهي أخص منه‪ .‬التوحيد تعلمه الصغير والكبير‪ ،‬فالمعتقدات تُتعلم في الصغر وما تعلم في‬
‫الصغر فمن الصعب فيما بعد أن تجتثه من نفسه ‪ ،‬ولن يترك ما تعلمه حتى لو كان أستاذا جامعيا في أرقى الجامعات‪ ،‬هذا ما شهدناه‬
‫وعايناه بأنفسنا فهذا المر يكون للصغير والكبير ‪ ،‬تعلمه لبنك وهو صغير‪ ،‬ويحتاجه وهو كيبر‪ ،‬أما العبادة فتكون بعد التكليف‪.‬‬
‫‪ ‬ثالثا ‪ :‬أمر آخر أنه أيسر‪ ،‬فالمر بعدم الشرك (أي بالتوحيد) هو أيسر من التكليف بالعبادة‪ ،‬العبادة ثقيلة ولذلك نرى كثيرا من الناس‬
‫موحدين ولكنهم يقصرون بالعبادة‪ ،‬فبدأ بما هو أعم وأيسر؛ أعم لنه يشمل الصغير والكبير‪ ،‬وأيسر في الداء والتكليف‪.‬‬
‫ثم قال (إِنّ الشّ ْركَ َلظُلْ ٌم عَظِيمٌ)‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫لماذا اختار الظلم؟ لماذا لم يختر ‪ :‬إثم عظيم‪ ،‬ولماذا لم يقل كبير؟‬
‫لو تقدم شخصان إلى وظيفة أحدهما يعلم أمر الوظيفة ودقائقها وأمورها وحدودها‪ ،‬ويعبر عن ذلك بأسلوب واضح سهل بين‪ ،‬والثاني تقدم معه‬
‫ولكنه ل يعلم شيئا ول يحسنها وهو فيه عبء‪ ،‬وعنده قصور فهم وإدراك‪ ،‬فإن سوينا بينهما أفليس ذلك ظلما؟‬
‫ولو تقدم اثنان للدراسات العليا وأحدهما يعرف المور بدقة ويجيب على كل شيء‪ ،‬وله أسلوب فصيح بليغ لطيف‪ ،‬وآخر ل يعلم شيئا ول يفقه‬
‫شيئا ولم يجب عن سؤال ول يحسن أن يبين عن نفسه‪ ،‬فإن سويت بينهما أفليس ذلك ظلما؟‬
‫والفرق بين ال وبين المعبود الخر أكبر بكثير‪ ،‬ليست هناك نسبة بين الخالق والمخلوق‪ ،‬بين مولي النعمة ومن ليس له نعمة‪ ،‬فإن كان ذاك الظلم‬
‫ل نرضى به في حياتنا اليومية فكيف نرضى فيما هو أعظم منه فهذا إذن ظلم‪ ،‬وهو ظلم عظيم‪.‬‬
‫والنسان المشرك يحط من قدر نفسه لن اللهة التي يعبدها تكون أحط منه‪ ،‬وقصارى المر أن تكون مثله‪ ،‬فهو يعبد من هو أدنى منه‪ ،‬أو‬
‫بمنزلته‪ ،‬فهذا حط وظلم للنفس بالحط من قدرها‪ ،‬إنه ظلم لنه يورد نفسه موارد التهلكة ويخلدها في النار وهذا ظلم عظيم‪.‬‬
‫وأمر آخر أن النسان بطبيعته يكره الظلم‪ ،‬قد يرتضيه لنفسه لكن ل يرضى أن يقع عليه ظلم ‪ ،‬فاختار المر الذي تكرهه نفوس البشر (الظلم)‬
‫وإن كان المرء بنفسه ظالما‪.‬‬
‫ك بِاللّهِ) وسكت‪ ،‬وإنما علل له‪ ،‬وهذا توجيه للباء أن يعللوا ل أن يقتصروا على الوامر والنواهي‬ ‫وفي هذا القول تعليل‪ ،‬فهو لم يقل له‪( :‬ل تُشْ ِر ْ‬
‫بل تعليل‪ ،‬ل بد من ذكر السبب حتى يفهم لماذا‪ ،‬ل بد أن يعرف حتى يقتنع فهو بهذه النهاية (إِنّ الشّ ْركَ َلظُلْ ٌم عَظِيمٌ) أفادنا أمورا كثيرة في‬
‫التوجيه والنصح والتعليم والتربية‪.‬‬
‫عظم حق الوالدين‬
‫شكُرْ لِي َولِوَاِل َد ْيكَ إَِليّ ا ْلمَصِيرُ(‪))14‬‬ ‫ناْ‬ ‫حمََلتْهُ ُأمّهُ وَهْنا عَلَى وَهْنٍ َو ِفصَالُ ُه فِي عَا َميْنِ أَ ِ‬ ‫ن بِوَاِلدَيْهِ َ‬ ‫ص ْينَا الِْأنْسَا َ‬
‫(وَ َو ّ‬
‫(ووصينا) من قائلها؟ هذه ليست وصية لقمان‪ ،‬هذا كلم ال ‪ ،‬لقمان لم ينه وصيته‪ ،‬هذه مداخلة‪ ،‬وستتواصل الوصية فيما بعد ‪.‬قبل أن يتم الوصية‬
‫ن بِوَاِل َديْه)ِ ‪ ،‬ولم يدع لقمان يتم الوصية‪ ،‬بل تدخل سبحانه بهذا الكلم ‪ ،‬وذلك لسباب‪:‬‬ ‫ص ْينَا ا ْلِأنْسَا َ‬
‫قال ال (وَوَ ّ‬
‫‪ ‬أول‪ :‬أمر الوالدين أمر عظيم‪ ،‬والوصية بهما كذلك‪ ،‬فال تعالى هو الذي تولى هذا المر‪ ،‬ولم يترك لقمان يوصي ابنه به‪ ،‬فلما كان‬
‫شأن الوالدين عظيما تولى ربنا تعالى أمرهما‪ ،‬لعظم منزلتهما عند ال تعالى‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬لو ترك لقمان يوصي ابنه يا بني أطع والديك لكان المر مختلفا‪ .‬لننا عادة في النصح والتوجيه ننظر للشخص الناصح هل له‬
‫في هذا النصح نفع؟ فإن نصحك شخص ما فأنت تنظر هل في هذا النصح نفع يعود على الناصح؟ فإن كان فيه نفع يعود على الناصح‬
‫فأنت تتريث وتفكر وتقول‪ :‬قد يكون نصحني لمر في نفسه‪ ،‬قد ينفعه‪ ،‬لو لم ينفعه لم ينصحني هذه النصيحة‪ .‬لو ترك ال تعالى لقمان‬
‫يوصي ابنه لكان ممكنا أن يظن الولد أن الوالد ينصحه بهذا لينتفع به‪ ،‬ولكن انتفت المنفعة هنا فالموصي هو ال وليست له فيه مصلحة‪.‬‬
‫وقال‪( :‬ووصينا) ‪ ،‬ولم يقل‪ :‬وأوصينا‪.‬‬
‫وال تعالى يقول (وصّى) بالتشديد إذا كان أمر الوصية شديدا ومهما‪ ،‬لذلك يستعمل وصى في أمور الدين‪ ،‬وفي المور المعنوية‪"( :‬وَوَصّى ِبهَا‬
‫ب مِنْ َقبِْلكُمْ‬ ‫ن ‪ "132‬البقرة ) ("وََل َقدْ َو ّ‬
‫ص ْينَا اّلذِينَ أُوتُوا ا ْل ِكتَا َ‬ ‫طفَى َلكُ ُم الدّينَ فَل َتمُوتُنّ ِإلّا وََأ ْنتُ ْم مُسِْلمُو َ‬
‫ب يَا َبنِيّ إِنّ اللّ َه اصْ َ‬
‫ِإبْرَاهِي ُم بَنِيهِ َو َيعْقُو ُ‬
‫ن اتّقُوا اللّ َه ‪ "131‬النساء)‪.‬‬ ‫َوِإيّاكُمْ أَ ِ‬
‫ظ الُْأ ْن َثيَيْنِ" النساء‪.‬‬
‫أما (أوصى) فيستعملها ال تعالى في المور المادية ‪" :‬يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْل ِدكُمْ لِلذّكَ ِر ِمثْلُ حَ ّ‬
‫جعََلنِي ُمبَارَكا َأيْنَ مَا ُكنْتُ‬ ‫لم ترد في القرآن أوصى في أمور الدين إل في مكان واحد اقترنت بالمور المادية وهو قول السيد المسيح ‪" :‬وَ َ‬
‫حيّا ‪ "31‬مريم‪.‬‬ ‫ت َ‬
‫َوأَوْصَانِي بِالصّل ِة وَال ّزكَا ِة مَا دُمْ ُ‬
‫في غير هذه الية لم ترد أوصى في أمور الدين‪ ،‬أما في هذا الموضع الوحيد فقد اقترنت الصلة بالمور المادية وقد قالها السيد المسيح في المهد‬
‫وهو غير مكلف أصل‪.‬‬
‫قال وصّى وأسند الوصية إلى ضمير التعظيم (ووصينا) وال تعالى ينسب المور إلى نفسه في المور المهمة وأمور الخير‪.‬‬
‫ولم يقل بأبويه بل اختار بوالديه‪:‬‬
‫الوالدان مثنى الوالد والوالدة‪ ،‬وهو تغليب للمذكر كعادة العرب في التغليب إذ يغلبون المذكر كالشمس والقمر يقولون عنهما (القمران)‪.‬‬
‫والبوان هما الب والم ولكنه أيضا بتغليب المذكر ولو غلب الوالدة لقال الوالدتين‪ ،‬فسواء قال بأبويه أو بوالديه فهو تغليب للمذكر‪ ،‬ولكن لماذا‬
‫اختار الوالدين ولم يقل البوين؟‬
‫علَى وَهْنٍ َوفِصَالُ ُه فِي عَا َميْنِ)‬ ‫حمََلتْهُ ُأمّهُ وَهْنا َ‬
‫لو نظرنا إلى الية لوجدناه يذكر الم ل الب‪َ ( :‬‬
‫فذكر أول ا لحمل والفطام من الرضاع (وفصاله) ولم يذكر الب أصل ذكر ما يتعلق بالم (الحمل والفصال) وبينهما الولدة والوالدان من‬
‫الولدة‪ ،‬والولدة تقوم بها الم‪.‬إذن‪:‬‬
‫‪ ‬أول (المناسبة) فعندما ذكر الحمل والفصال ناسب ذكر الولدة‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬ذكره بالولدة وهو عاجز ضعيف‪ ،‬ولول والداه لهلك فذكره به‪.‬‬
‫‪ ‬ثالثا إشارة إلى انه ينبغي الحسان إلى الم أكثر من الب‪ ،‬ومصاحبة الم أكثر من الب‪ ،‬لن الولدة من شأن الم وليست من شأن‬
‫الب‪.‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫لذلك فعندما قال (بوالديه) ذكر ما يتعلق في الصل بالم‪ ،‬ولذلك فهذه الناحية تقول ‪ :‬ينبغي الحسان إلى الوالدة قبل الب وأكثر من الب‪ .‬ولذلك‬
‫ل تجد في القرآن الكريم البر أو الدعاء أو التوصية إل بذكر الوالدين ل البوين‬
‫أمثلة ‪:‬‬
‫ل كَرِيما ‪"23‬‬
‫حدُ ُهمَا أَ ْو كِل ُهمَا فَل تَقُلْ َل ُهمَا ُأفّ وَل َت ْنهَرْ ُهمَا َوقُلْ َل ُهمَا قَ ْو ً‬ ‫عنْ َدكَ ا ْل ِكبَرَ أَ َ‬
‫ن ِ‬‫حسَانا ِإمّا يَبُْلغَ ّ‬ ‫" َوقَضَى َرّبكَ أَلّا َتعْ ُبدُوا إِلّا ِإيّاهُ َوبِالْوَاِلدَيْنِ إِ ْ‬
‫السراء‪.‬‬
‫شيْئا َوبِالْوَاِل َديْنِ ِإحْسَانا ‪ "36‬النساء‪.‬‬ ‫ش ِركُوا بِهِ َ‬ ‫عبُدُوا اللّهَ وَل تُ ْ‬ ‫" وَا ْ‬
‫حسَانا ‪ "151‬النعام ‪.‬‬ ‫شيْئا َوبِالْوَاِلدَيْنِ إِ ْ‬ ‫حرّمَ َرّبكُ ْم عََل ْيكُمْ أَلّا تُشْ ِركُوا بِهِ َ‬ ‫ل مَا َ‬ ‫" ُقلْ َتعَالَوْا َأتْ ُ‬
‫وكذلك البر والدعاء والحسان‪.‬‬
‫ب ‪ "41‬ابراهيم‪.‬‬ ‫حسَا ُ‬ ‫ن يَوْ َم يَقُومُ الْ ِ‬ ‫" َرّبنَا اغْفِ ْر لِي وَلِوَاِلدَيّ وَلِ ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫ل َب ْيتِيَ مُ ْؤمِنا وَِل ْلمُ ْؤمِنِينَ وَا ْلمُ ْؤ ِمنَاتِ وَل تَ ِزدِ الظّاِلمِينَ إِلّا تَبَارا‪ "28‬نوح‪.‬‬ ‫ن دَخَ َ‬ ‫غفِرْ لِي وَلِوَاِلدَيّ وَِلمَ ْ‬ ‫" رَبّ ا ْ‬
‫ن بِوَاِل َديْهِ حُسْنا ‪ "8‬العنكبوت‪.‬‬ ‫ص ْينَا ا ْلِأنْسَا َ‬
‫"وَوَ ّ‬
‫ن بِوَاِل َديْهِ ِإحْسَانا ‪ "15‬الحقاف‪.‬‬ ‫ص ْينَا ا ْلِأنْسَا َ‬
‫" وَوَ ّ‬
‫لم يرد استعمال (البوين) إل مرة في المواريث‪ ،‬حيث نصيب الب أكثر من نصيب الم‪ ،‬أو التساوي في النصبة‪ .‬لكن في البر والتوصية‬
‫والدعاء لم يأت إل بلفظ الوالدين إلماحا إلى أن نصيب الم ينبغي أن يكون أكثر من نصيب الب‪.‬‬
‫ق ‪ "6‬يوسف‬ ‫ن َقبْلُ ِإبْرَاهِيمَ وَِإسْحَا َ‬
‫علَى َأبَ َو ْيكَ مِ ْ‬
‫ب َكمَا َأ َت ّمهَا َ‬‫ل َيعْقُو َ‬ ‫كما ان لفظ (البوان) قد يأتي للجدين ‪َ " :‬ويُتِ ّم ِن ْع َمتَهُ عََل ْيكَ وَعَلَى آ ِ‬
‫جنّ ِة ‪ "27‬العراف‬ ‫ن َكمَا َأخْرَجَ َأبَ َو ْيكُ ْم مِنَ الْ َ‬ ‫شيْطَا ُ‬‫ويأتي لدم وحواء‪" :‬يَا بَنِي آدَ َم ل يَ ْف ِت َننّكُمُ ال ّ‬
‫فاختيار الوالدين له دللت مهمة‪.‬‬
‫ثم هو هنا لم يأت بالب أصل بل قال ( حملته أمه وهنا ‪ )..‬ولم يرد ذكر للب أبدا‪ ،‬لذلك كان اختيار الوالدين انسب من كل ناحية‪.‬‬
‫سجّدا‪ "100‬يوسف فاختار البوين‪ .‬الجواب‪:‬‬ ‫قد تقول إن هذا المر تخلف في قصة سيدنا يوسف عندما قال‪" :‬وَ َرفَعَ َأبَ َويْهِ عَلَى ا ْلعَ ْرشِ وَخَرّوا لَهُ ُ‬
‫لم يتخلف هذا المر‪ ،‬فعندما قال رفع أبويه لم يتخلف وإنما هو على الخط نفسه‪ ،‬وذلك لما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬أول‪ :‬في قصة يوسف لم يرد ذكر لم مطلقا ورد ذكر الب فهو الحزين وهو الذي ذهب بصره ‪ ..‬الخ ولم يرد ذكر للم أصل في‬
‫قصة يوسف‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا في هذا الختيار أيضا تكريم للم لنه قال‪َ " :‬و َرفَعَ َأبَ َويْهِ عَلَى ا ْلعَرْشِ َوخَرّوا لَهُ سُجّدا‪ "100‬فالعادة أن يكرم البن أبويه‪ ،‬ليس أن‬
‫يكرم البوان البن ولكن هنا هم خروا له سجدا فالتكريم هنا حصل بالعكس من البوين للبن ولذلك جاء بلفظ البوين ل الوالدين إكراما‬
‫للم فلم يقل‪ :‬ورفع والديه‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها إلماح آخر أن العرش ينبغي أن يكون للرجال‪.‬‬
‫فلما قال أبويه هنا ففيه تكريم للم‪ ،‬ويلمح أن لعرش ينبغي أن يكون للرجال ‪ ،‬ويناسب ما ذكر عن الب إذ القصة كلها مع الب‪ ،‬فهو النسب من‬
‫كل ناحية‪.‬‬
‫وهنا قد يرد سؤال‪ :‬إن الم هي التي تتأثر وتتألم أكثر وتحزن فلماذا لم يرد ذكرها هنا؟ ألم تكن بمنزلة أبيه في اللوعة والحسرة؟‬
‫ل ‪ ..‬المسألة أمر آخر‪ ،‬أم يوسف ليست أم بقية الخوة‪ ،‬هي أم يوسف وأخيه فقط‪ ،‬ولذلك فيكون كلمها حساسا مع إخوته‪ ،‬أما يعقوب عليه السلم‬
‫فهو أبوهم جميعا‪ ،‬فإذا عاتبهم أو كلمهم فهو أبوهم‪ ،‬أما الم فليست أمهم‪ ،‬فإذا تكلمت ففي المر حساسية‪ ،‬وهذا من حسن تقديرها للمور فكتمت‬
‫ما في نفسها وأخفت لوعتها حتى ل تثير هذه الحساسية في نفوسهم وهذا من حسن التقدير والدب‪ ،‬فلننظر كيف يختار القرآن التعبيرات في‬
‫مكانها ويعلمنا كيف نربي ونتكلم مع أبنائنا‪{ .‬نظرا لنتهاء الوقت المخصص للمحاضرة فقد اضطر العالم الفاضل الستاذ فاضل السامرائي‬
‫للوقوف عند هذا الحد}‪.‬‬
‫سنًا ﴿‪﴾8‬‬‫ح َْ‬‫ن بِوَالِدَي َْهِ ُ‬ ‫صيْنَا اْلِن َْ َ‬
‫سا َ‬ ‫(ووََ َّ‬
‫*فَى إجابَة للدكتور أحمَد الكبيسَى عَن الفرق بيَن قوله تعالى َ‬
‫ن‬
‫سا َ‬ ‫ْ‬ ‫سانًا﴿‪ ﴾15‬الحقاف) هذه اثنتان ثم (وَوَ َّ‬
‫صيْنَا الِن ْ َ‬ ‫ح َ‬‫ن بِوَالِدَيْهِ إ ِ ْ‬ ‫صيْنَا اْلِن ْ َ‬
‫سا َ‬ ‫العنكبوت) هذه كلمة (وَوَ َّ‬
‫ه ﴿‪ ﴾14‬لقمان) بدون ل حسن ول إحسان؟‬ ‫ه أ ُ ُّ‬
‫م ُ‬ ‫ملَت ْ ُ‬
‫ح َ‬
‫بِوَالِدَيْهِ َ‬
‫لحظ قبل كل شيء ال ما قال وصينا المؤمنين بل وصينا النسان عموما‪ .‬يريد ال عز وجل أن يقول أن هذا علقة البناء بالباء وعلقة الباء‬
‫بالبناء هي من خصائص هذا النسان ل تجد هذه العلقة بين كل الحياء الخرى‪ ،‬الحيوانات نعم هناك أمٌ تعرف أطفالها ولكن الب ل يهتم من‬
‫هو ابنه والبن ل يهتم من هو أبوه بل أن البن ل يهتم من هي أمه وحينئذٍ الم فقط في المخلوقات الحية هي التي تهتم بأطفالها إلى حين‪ .‬من‬
‫أجل هذا هذا من خصائص النسان إحترام البوين وتقديرهما وتقديسهما وحسن التعامل معهما هذا من خصائص النسان لن ال تعالى وصاه‬
‫بذلك‪ ،‬رب العالمين هو الذي غرس في هذا النسان من جملة عناصر أنسنته عندما خرج من المملكة الحيوانية فوهبه ال سبحانه وتعالى العلم‬
‫حنَا ﴿‪ ﴾12‬التحريم) وحينئذٍ تأنسن الحيوان وحينئ ٍذ من عناصر أنسنة هذا المخلوق هو أن‬ ‫سمَا َء كُّلهَا﴿‪ ﴾31‬البقرة) ( َفنَ َف ْ‬
‫خنَا فِيهِ مِنْ رُو ِ‬ ‫(وَعَلّمَ َآدَمَ الَْأ ْ‬
‫ن بِوَاِل َديْهِ ِإحْسَانًا) أي العطاء أن تطعمه وأن تسقيه وأن تقدم حاجاته أن‬ ‫خرَ ﴿‪ ﴾14‬المؤمنون)‪( .‬وَ َو ّ‬
‫ص ْينَا الِْإنْسَا َ‬ ‫ش ْأنَا ُه خَلْقًا آَ َ‬
‫يكون بارا بوالديه (ثُمّ َأنْ َ‬
‫سنًا) هذا ل يكون بالعطاء وإنما بحسن‬ ‫ن بِوَاِل َديْهِ حُ ْ‬
‫ص ْينَا ا ْلِإنْسَا َ‬
‫تقدم له حاجاته ما يحتاجه من مأكلٍ ومطعمٍ وملبس هذا الحسان‪ .‬وفي الية (وَوَ ّ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫التعامل‪ ،‬كيف تحترمه؟ أنت قد تعطي أباك لكنك تشتمه ول تحترمه أو تتكلم معه بدون احترام هذا أنت أعطيته أنت بريّت به وهذا الفرق بين‬
‫الحسن والبر‪ .‬البِرّ أن تعطيها ما تحتاجه وأن تعطي أباك ما يحتاجه‪ ،‬الحسان أن تعطيه بشكلٍ جيد هذا الفرق بين البر والحسان‪ .‬البِرّ أن توفر‬
‫له حاجاته لكن قد تقدمها بشكل غير لئق فيها شيء من الغلظة أو الخشونة وقد تشتم أباك وقد تزدريه من ِكبَره أو تزدري أمك لكن الحسان أن‬
‫تعطي هذين البوين هذا البر بشكل في غاية الدقة والناقة والجمال من حيث أنك تكون خادما لهما وتقريبا وبل مبالغة ول مباهاة ‪ %99‬من هذه‬
‫ح الذّلّ ﴿‪ ﴾24‬السراء)‬ ‫جنَا َ‬ ‫المة يتعاملون مع آبائهم وأمهاتهم عند العطاء بهذا الخضوع والذل‪ .‬وهذا الذل من أعظم أنواع العز (وَاخْ ِفضْ َل ُهمَا َ‬
‫هذا الذل هو من أعظم أنواع العز في الرض‪ .‬ولهذا ملوك الرض والذين فتحوا البلدان والذين قاموا بأنواع من الحضارات والتحضّر أمام‬
‫والديه كالعبد هذا الذل العبقري الذي هو أعلى قيمة النسان العظيم العزيز‪ .‬هذا الحسان‪ ،‬فحينئذٍ كلمة الحسان ما يتعلق بالعطاء توفر له حاجاته‬
‫لكن ليس فقط مجرد بِرّ وإنما تقدم هذا العطاء لهما بشكل لئق يدل على احترامك لهما وعلى عدم ال ِمنّة أن ل تمنّ عليهما كأن تقول أنا أعطيتك‬
‫وجئت لك الخ ل إطلقا وحينئذٍ وصاك ال بهما حسنا أي كيف تتكلم معهما؟ إذا جاء أبوك أو جاءت أمك تقوم بوجههما وإذا تكلمت معهما تكون‬
‫في غاية الخضوع يعني إنتبه إلى الحديث المتفق على صحته عن الثلثة الذين أغلق عليهم الغار مسافرون ثلثة ودخلوا غارا عندما جاءت‬
‫عاصفة فالعاصفة جاءت بحجر ثقيل فأغلقت باب الغار ولم يستطع أح ٌد منهم أن يزحزح هذا الحجر ونفذ ما معهم من ما ٍء وطعام وأوشكوا على‬
‫الهلك فتح ل على أحدهم وقال يا جماعة تعالوا نتوسل إلى ال عز وجل بأحسن عملٍ عملناه في حياتنا وكل واحد جاء بعمل الثالث قال يا ربي‬
‫أنت تعرف أن لي أم وأب وصارا كبيرين وأنا عندما أعود من العمل والعمل كان بين البل وبين الغنم يعني كان صاحب إبلٍ وغنم كنت آتي‬
‫لهما باللبن لكي يتعشيا لكي يناما وكنت ل أعشي أطفالي إل بعد أن أعشي والدي‪-‬وطبعا نحن نتكلم بالمعنى وليس بلغة الحديث‪ -‬ل يعشي أولده‬
‫إل بعد أن تشرب الم والب هذا اللبن ثم يناما ثم يذهب ويوقظ أطفاله حتى يعشيهم‪ ،‬يوم من اليام جاء وقد وجد أبويه نائمين وهو يحمل لهم‬
‫غبوقهما يعني كأسين من اللبن فلما وجد البوين نائمين بقي يحمل هذين القدحين إلى أن استيقظا عند الفجر وهو يحمل هذين القدحين وهو واقف‬
‫أمام رأسيهما وأولده جائعون ولم يعشهم إل بعد أن استيقظ البوان فقدم لهما هذا العشاء البسيط وهذا هو عشاؤهما كل يوم ل يشربان غيره‬
‫ص ْينَا الِْإنْسَانَ‬
‫وبكل أدب بكل خدمة سقاهما كما تسقي الم المرضعة طفلها ثم عاد بعد أن صليا وعادا وذهب وأيقظ أطفاله لكي يعشيهم‪ ،‬هذا (وَوَ ّ‬
‫ف هذا من الحسن وليس من الحسان‪ .‬فالحسان هو العطاء عشاء وغداء‬ ‫ف ﴿‪ ﴾23‬السراء) ول أ ّ‬ ‫سنًا) كيف تتعامل (فَلَا َتقُلْ َل ُهمَا أُ ّ‬ ‫بِوَاِل َديْهِ حُ ْ‬
‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّدنْيَا َمعْرُوفًا ﴿‪ ﴾15‬لقمان) حينئذٍ كل‬ ‫ط ْعهُمَا وَصَا ِ‬
‫س َلكَ بِ ِه عِلْ ٌم فَلَا تُ ِ‬
‫ك بِي مَا َليْ َ‬
‫ن تُشْ ِر َ‬
‫ك عَلى أَ ْ‬ ‫ن جَا َهدَا َ‬
‫ولباس الخ هذا من الحسن (وَإِ ْ‬
‫تصرفاتك أبدا أنت عبدٌ عندهما وكلما ازدادت عبوديتك لهما ازدادت عبوديتك ل عز وجل وكنت عبدا صالحا عند ال سبحانه وتعالى‪ .‬لن‬
‫رضى ال عز وجل من رضاهما ل يرضى ال عنك إل إذا رضي عنك أبواك‪ .‬فكلما أمعنت في الخدمة والذل لهما وخفضت لهما جناح الذل إذا‬
‫هذا هو الفرق بين الحسان العطاء سواء كان إذا كان مجرد عطاء يسمى بِرّا إذا كان عطاء مع هذا الحترام والجلل والتقديس والتكريم يسمى‬
‫إحسانا إذا كان بكل يومك يعني عندما تتحدث معه بأدب تجلس بين يديه بأدب عندما يقوم تقوم عندما تستقبله تنهض للقائه إذا ناداك تقول له‬
‫ن بِوَاِل َديْهِ ِإحْسَانًا) وهو طعام وشراب وبين‬ ‫ص ْينَا الِْإنْسَا َ‬
‫لبيك‪ ،‬بهذه العبودية التي جعلها ال جائزة للبوين أنت قدمت لهما حُسنا هذا الفرق بين (وَ َو ّ‬
‫ن بِوَاِل َديْهِ) وسكتت هذا يعني الثنين‪،‬‬ ‫ص ْينَا ا ْلِإنْسَا َ‬
‫سنًا) وهو تعامل رقيق وأنيق في غاية الذل لهما‪ .‬الية التي تقول (وَوَ ّ‬ ‫حْ‬‫ن بِوَاِلدَيْهِ ُ‬
‫ص ْينَا الِْإنْسَا َ‬
‫(وَ َو ّ‬
‫حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا عَلَى وَهْنٍ َوفِصَالُهُ فِي‬ ‫ن بِوَاِل َديْهِ) لماذا؟ قال ( َ‬ ‫ص ْينَا ا ْلِإنْسَا َ‬
‫رب العالمين أجمل هذه الحالة وهذه الحالة أجملها بآية واحدة وقال (وَوَ ّ‬
‫عَا َميْنِ ﴿‪ ﴾14‬لقمان) لم يذكر فضائل الب لن فضائل الب أنت تدركها وأنت كبير أبوك يبدأ دوره معك عندما تميّز قبل هذا أنت عند أمك‬
‫شقاؤها وسهرها وتعبها وحملها أنت ل تدركه لم تره ولهذا ربما تذهل عن أفضال أمك عليك وأنت ل تذهل عن أفضال أبيك ولهذا رب العالمين‬
‫يقتصر على فضائل الم على أولدها‪ .‬إذا هكذا هو الحسن والفرق بين الحُسن والجمال أن الجمال شي ٌء متميز عن غيره من حيث قيمته‬
‫الجمالية‪ ،‬الحُسن هو الجمال إذا كثر واشتد وتعمق حتى صار مبهجا‪ .‬إذا الحسان جمالٌ مبهج أحيانا جمال عادي هذا كأس جميل هذا بيت جميل‬
‫لكن هناك جمال عندما تراه تقف وتقول سبحان الخلق العظيم! ما هذا الجمال! إذا انبهرت بذلك وابتهجت نفسك به يسمى حسنا‪ .‬من أجل هذا‬
‫ن مبهج عجائب‪ .‬ولهذا اقصر طريقٍ إلى الجنة هو التعامل مع الوالدين بحُسن هو البِ ّر ومن‬ ‫التاريخ ينقل لنا عن بعض الذين عاملوا أبويهم بحس ٍ‬
‫ن مِنْ حَ َرجٍ ﴿‪ ﴾78‬الحج ) رب العالمين تكلم عن بر الوالدين حتى ل ييأس أحد أنت ما‬ ‫عَليْكُ ْم فِي الدّي ِ‬
‫جعَلَ َ‬ ‫رحمة ال رب العالمين قال ( َومَا َ‬
‫دمت تكفي والديك أنت بخير لكن هذا الخير يتفاوت الجنة يا جماعة مائة درجة كل درجة بينها وبين الخرى كما بين السموات والرض وكل‬
‫درجة عن درجة في النعيم كما بين الكوخ والقصر من أجل هذا قال (فَأُوَل ِئكَ َلهُ ُم الدّرَجَاتُ ا ْلعُلَا ﴿‪ ﴾75‬طه) (وَلَ ْلآَ ِ‬
‫خرَةُ َأ ْكبَرُ دَ َرجَاتٍ وََأ ْكبَ ُر تَفْضِيلًا‬
‫﴿‪ ﴾21‬السراء) إذا أردت أن تدخل الجنة فبالبِرّ‪ ،‬وإذا أحببت أن تترقى في الدرجات العلى التي هي منازل النبياء والصديقين والشهداء فعليك‬
‫بالحسان أولً ثم تنتقل إلى الحُسن‪ ،‬تكون في غاية الذل وأن تقدم لهم ثم في غاية الجمال والحسن المبهج لنفس البوين‪ .‬فالبوان عندما يرونك‬
‫كيف تقبل يده كيف تقوم كيف تحترمهم يشعرون ببهجة‪ .‬من أجل هذا أنت أعظم أنواع النسان يوم القيامة إذا جئت وأبواك راضيان عنك من‬
‫حيث أنك بلغت القمة في التعامل معهما لنك قدمت لهما ما قدمت بحسنٍ وليس بمجرد إحسان بل ترقيت من البِرّ إلى الحسان إلى الحُسن‬
‫أصبحت أنت مبهجا لهما إلى أن ماتا بين يديك وهما في غاية البهجة حينئ ٍذ ل عليك ما فعلت‪" .‬ثلثةً ل ينفع معهنّ عمل عقوق الوالدين وثلثة ل‬
‫يض ّر معهن ذنب ومنها بر الوالدين" فكيف الحسن إلى الوالدين؟! هذا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‪ .‬هذه القمم يوم القيامة‬
‫معدودات‪ ،‬عندك أصحاب الذكر‪ ،‬أصحاب العلم‪ ،‬طبعا دعك من النبياء والصديقين والشهداء هؤلء قضية أخرى أيضا‪ ،‬السخاء‪ ،‬الحاكم العادل‪،‬‬
‫ل تنفق ول بحاكم تحكم بالعدل ول ول الخ فلتكن مع أبويك مبهجا لهما بأن تتعامل معهما بحسن‪.‬‬ ‫قمم يوم القيامة من ضمنهم إذا لم تكن أنت بما ٍ‬
‫آية (‪:)15‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫ج ُعكُمْ َفأُ َنبّ ُئكُم‬


‫ح ْبهُمَا فِي الدّنْيَا َمعْرُوفًا وَاتّبِ ْع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ ِإ َليّ ُثمّ ِإ َليّ مَ ْر ِ‬
‫ط ْعهُمَا وَصَا ِ‬
‫علْمٌ َفلَا تُ ِ‬
‫س لَكَ بِهِ ِ‬
‫(وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْ َ‬
‫ن (‪))15‬‬ ‫بِمَا كُن ُتمْ َتعْ َملُو َ‬
‫فكرة عامة عن الية‪ :‬جاهداك أي بذل جهدهما على أن تشرك بال‪ ،‬إذا بذل جهدهما وحاول على أن تشرك بال فل تطعهما‪ .‬ثم قال (بي) مقام‬
‫توحيد هذا لن هذا موطن التوحيد نفي الشك والقرآن ل يستعمل في مثل هذا إل مقام الفراد‪ .‬في مقام التوحيد ونفي الشرك ل يستعمل إل ضمير‬
‫خفِيهَا (‪ )15‬طه) في القرآن كله في كل مواطن التوحيد‬ ‫عُبدْنِي وََأ ِقمِ الصّلَاةَ ِل ِذكْرِي (‪ )14‬إِنّ السّاعَةَ ءَاتِيَةٌ َأكَادُ أُ ْ‬
‫المفرد (ِإنّنِي َأنَا اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا َأنَا فَا ْ‬
‫ك بِ ِه عِلْمٌ) أبطل الشك من جميع نواحيه وأقسامه‪ .‬المعلومات على قسمين‬ ‫ش ِركَ بِي) (مَا َليْسَ َل َ‬
‫يذكر ضمير الفراد‪ ،‬قال (وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن تُ ْ‬
‫إما أن يعلم النسان أن هذا ل يصلح أن يكون شريكا ل إما أن يعلم أو ل يعلم‪ .‬كل ما في الوجود النسان أحد أمرين إما أن يعلم أن هذا يكون‬
‫شريكا أو ل يكون فإن علِم أنه ل يصح أن يكون شريكا يكون علِم بقي النفي عما ل يعلم‪ ..‬كل ما في الوجود بالنسبة للنسان أحد أمرين إما يعلم‬
‫ك بِ ِه عِلْمٌ) تعود‬
‫أو ل يعلم‪ ،‬إما أن يعلم أن هذا ل يصلح أن يكون شريكا ل أو ل يعلم بذلك‪ .‬الذي ل يعلم يعلمه وبقي الذي ل يعلم فقال (مَا َليْسَ َل َ‬
‫على الذي يريد أن يشركه بال وهو ل يعلم‪ .‬إذا كنت تعلم أن هذا ليس ل يصلح فأنت تعلم بقي الذي ل يعلم (فل تطعهما) الذي حصل أنه نهاه‬
‫عن كل الشرك وكل أقسامه ما علِم وما لم يعلم‪ .‬إذا نفى ما ليس له به علم فالمنطق أن يكون نفى الذي له به علم لنه يعرفه‪( .‬وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى‬
‫ك بِهِ عِ ْلمٌ) (ما) هنا مفعول به للفعل تشرك‪ ،‬الذي تعرفه إشراك‪ ،‬الذي تعرفه أنه ل يصلح فأنت تعرفه‪ .‬إن جاهداك على‬ ‫ش ِركَ بِي مَا َليْسَ َل َ‬ ‫أَن تُ ْ‬
‫ح ْب ُهمَا فِي الدّ ْنيَا َمعْرُوفًا) الدنيا يحملها المفسرون على أمرين إما في الحياة الدنيا لن هذه المصاحبة ستنتهي ستكون في‬ ‫الشرك فل تطعهما‪َ ( .‬وصَا ِ‬
‫الدنيا ثم ستنتهس ويفترقان في الخرة وإنما المصاحبة في أمور الدنيا ل في أمور الدين يعني أمور الدين ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق‪.‬‬
‫في أمور الدين ل تطعهما بينما في أمور الدنيا قد تطيعهما‪ ،‬صاحبهما في أمور الدنيا ل في أمور الدين‪ .‬إما في الحياة الدنيا أي ما داما على قيد‬
‫الحياة فصاحبهما معروفا إلى أن يقضي ال بينهما وتفترقا المقصود تصاحبهما في أمور الدنيا ول يعارض ذلك الدين أما إذا المر تعلق بالدين‬
‫فل تطعهما‪ .‬إذن هي صاحبهما في الدنيا معروفا لها حالتين‪ :‬في الدنيا كلها أو في أمور الدنيا‪.‬‬
‫سكُوهُ َّ‬ ‫*حينما يتحدث الله تعالى عن العلقة بين الفراد والمعاشرات يقول (فَإذ َا بلَغ ن أ َجلَه َ َ‬
‫ن‬ ‫ن فَأ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ِ َ ْ َ َ ُ ّ‬
‫ف (‪ )2‬الطلق) وهنا قال (معروفاً) لم يقل بمعروف فلماذا؟‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫ف أَوْ فَارِقُوهُ َّ‬
‫ن بِ َ‬ ‫معُْرو ٍ‬
‫بِ َ‬
‫هذا التعبير تدل على عظيم منزلة البوين عند ال يعني تصاحبهما في الدنيا مصاحبة هي المعروف بعينه‪ .‬صحابا معروفا يعني ليست مصاحبة‬
‫للمعروف‪ .‬لو قال صاحبهما بمعروف يعني أن تكون المصاحبة مع المعروف والباء لللصاق أو قد تكون للمعية أي مصاحبة للمعروف وليست‬
‫ف (‪)231‬‬
‫ن ِبمَعْرُو ٍ‬
‫ف أَوْ سَرّحُوهُ ّ‬
‫سكُوهُنّ ِب َمعْرُو ٍ‬
‫جَلهُنّ َفَأمْ ِ‬
‫هي المعروف كله وإنما مصاحبة للمعروف لما قال تعالى (وَِإذَا طَلّ ْقتُ ُم النّسَاء َفبََلغْنَ أَ َ‬
‫البقرة) مصاحبة الزوج للزوجة تختلف فأنت تستطيع أن تنهر زوجتك أو ترفع صوتك عليها أو تعضلها أو تضربها أما مع البوين فل يمكن أن‬
‫يحصل شيء من هذا‪ .‬قد تصاحب المرأة بمعروف لكن مع هذه المصاحبة بالمعروف قد تنهرها وتزجرها وتؤدبها لكن ل يمكن أن يكون هذا مع‬
‫الوالدين‪ .‬إذن هذه معروف وليست بمعروف‪ ،‬صاحبهما مصاحبة هي المعروف بعينه‪( .‬معروفا) تُعرَب مفعولً مطلق‪ ،‬هو في الصل وصف‬
‫للمصدر صِحابا معروفا‪ ،‬صاحب فاعل مصدر فاعل فعال ومفاعلة مثل قاتل القتال والمقاتلة‪ ،‬جاهد الجهاد والمجاهدة‪.‬‬
‫ما لَي ْ َ‬
‫س‬ ‫ك ب ِي َ‬ ‫شر ِ َ‬ ‫جاهَدَا َ‬
‫ك لِت ُ ْ‬ ‫سنًا وَإِن َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن بِوَالِدَي ْهِ ُ‬ ‫صيْنَا اْلِن َ‬
‫سا َ‬ ‫(وو َ َّ‬
‫*في سورة العنكبوت قال تعالى َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ما إِل َ َّ‬
‫ن‬‫سا َ‬ ‫ن ( ‪ ))8‬وفي الحقاف (وَو َ َّ‬
‫صيْنَا الِن َ‬ ‫ملو َ‬ ‫م تَعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫م فَأنَبِّئُك م ب ِ َ‬ ‫جعُك ُ ْ‬
‫مْر ِ‬
‫ي َ‬ ‫م فََل تُطِعْهُ َ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫ك بِهِ ِ‬ ‫لَ َ‬
‫ُ‬
‫شهًْرا (‪ ))15‬ولكَن هنَا قال‬ ‫ه ثََلثُو َ‬
‫نَ َ‬ ‫صال ُ ُ‬
‫ه وَفَِ َ‬ ‫مل َُ ُ‬‫ح ْ‬‫ه كُْرهًَا وَ َ‬ ‫ضعَت َْ ُ‬ ‫م ُهَ كُْرهًَا َووَ َ‬
‫ه أ ُّ‬ ‫ملَت َْ ُ‬
‫ح َ‬‫سانًا َ‬
‫ح ََ‬‫بِوَالِدَي َْهِ إ ِ ْ‬
‫حسنا ً وإحسانا؟ً‬ ‫معُْروفًا) فما اللمسة البيانية في اختيار ُ‬ ‫ُ‬
‫ما فِي الد ّنْيَا َ‬ ‫حب ْ ُه َ‬
‫صا ِ‬‫(وَ َ‬
‫ح ْب ُهمَا فِي الدّ ْنيَا َمعْرُوفًا) لم يرد مثل هذا التعبير في آيتي العنكبوت أو في الحقاف لم يقل‬ ‫ذكر ربنا سبحانه وتعالى في سورة لقمان قال ( َوصَا ِ‬
‫سنًا) وفي الحقاف قال‬ ‫ن بِوَاِل َديْهِ حُ ْ‬
‫ص ْينَا الْإِنسَا َ‬
‫وصاحبهما في الدنيا معروفا وإنما ورد التعبير بأسلوب وتعبير آخر‪ .‬في العنكبوت قال (وَ َو ّ‬
‫ن بِوَاِلدَيْهِ) ما قال ل حُسنا ول إحسانا ولكن ذكر المصاحبة بدل الحسن والحسان‬ ‫ص ْينَا الْإِنسَا َ‬
‫حسَانًا) في لقمان قال (وَ َو ّ‬ ‫ن بِوَاِلدَيْ ِه إِ ْ‬
‫ص ْينَا الْإِنسَا َ‬
‫(وَ َو ّ‬
‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّدنْيَا َمعْرُوفًا) لم يذكر المصاحبة في آيتي العنكبوت والحقاف وكل تعبير هو في مكانه أنسب ومناسب للسياق‪.‬‬ ‫ذكر المصاحبة (وَصَا ِ‬
‫ح ْب ُهمَا فِي الدّ ْنيَا َمعْرُوفًا) ل شك هو أنسب مع السياق لن السياق في المصاحبات مصاحبة البن لبنه وكيف وجهه وكيف ينبغي‬ ‫هو قوله ( َوصَا ِ‬
‫أن يصاحب البن لبويه وعلّمه مصاحبة الخرين في المجتمع أن ل يصعّر خدّه وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هذه كلها في‬
‫المصاحبات‪ ،‬فالسياق في لقمان في آداب المصاحبات الب مع ابنه ينبغي أن يوجهه ويعلمه وأن ل يتركه والبن مع والديه كيف ينبغي أن يتعامل‬
‫ثم الشخص مع عموم المجتمع كيف ينبغي أن يتعامل في المجتمع مع الخرين لم يرد مثل هذا السياق ل في الحقاف ول في العنكبوت‪ .‬إذن‬
‫ح ْب ُهمَا فِي الدّ ْنيَا َمعْرُوفًا) هو أنسب مع سياق المصاحبة‪.‬‬ ‫( َوصَا ِ‬
‫ك بِهِ عِ ْل ٌم فَلَا‬ ‫ش ِركَ بِي مَا َليْسَ َل َ‬ ‫لماذا قال حسنا وإحسانا؟ في لقمان ذكر أن افتراض أبويه يجاهدانه على أن يشرك بال (وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن تُ ْ‬
‫ك بِي مَا َليْسَ‬ ‫ط ْع ُهمَا) إذن إفتراض أن أبويه يجاهدانه على الشرك بال فطلب المصاحبة بالمعروف‪ .‬في العنكبوت أيضا قال ( َوإِن جَا َهدَاكَ ِلتُشْ ِر َ‬ ‫تُ ِ‬
‫ط ْع ُهمَا)‬ ‫ك بِهِ عِ ْل ٌم فَلَا تُ ِ‬
‫ش ِركَ بِي مَا َليْسَ َل َ‬ ‫ك بِ ِه عِلْ ٌم فل تطعهما) فلماذا قال حسنا في آية العنكبوت؟ مثلما قال في لقمان (وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن تُ ْ‬ ‫َل َ‬
‫ك بِ ِه عِلْ ٌم فل تطعهما) فما الفرق؟ المجاهدة في لقمان أشد على الشرك (وَإِن جَا َهدَاكَ‬ ‫ك بِي مَا َليْسَ َل َ‬ ‫في العنكبوت قال أيضا (وَإِن جَا َهدَاكَ ِلتُشْ ِر َ‬
‫ل على المجاهدة وأقوى من جاهداك‬ ‫ش ِركَ بِي) وجاهداك على أن تشرك بي أشد حم ً‬ ‫ك بِي) وفي العنكبوت قال (وَإِن جَا َهدَاكَ ِلتُ ْ‬ ‫عَلى أَن تُشْ ِر َ‬
‫ت عليه لينجح وأنفقتُ عليه على أن ينجح (هذا شرط النفاق) وأما‬ ‫لتشرك (اللم للتعليل) و(على) فيها معنى الحمل والشدة‪ .‬مثال‪ :‬لما تقول أنفق ُ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫ل ِإنّي أُرِيدُ‬ ‫الولى (لينجح هذه لم التعليل)‪ ،‬زوّجتك ابنتي لتعينني (هذه لم التعليل) وزوّجتك ابنتي على أن تعينني (هذا شرط) فيه إشتراط‪( ،‬قَا َ‬
‫حجَجٍ (‪ )27‬القصص) هذا شرط وفيها إشتراط‪ .‬فإذن (على أن تشرك بي) المجاهدة فيها أشد‬ ‫ن عَلَى أَن تَ ْأجُ َرنِي َثمَانِيَ ِ‬ ‫ي هَا َتيْ ِ‬ ‫حدَى ا ْب َنتَ ّ‬ ‫حكَ ِإ ْ‬ ‫أَنْ أُنكِ َ‬
‫ح ْب ُهمَا فِي الدّ ْنيَا َمعْرُوفًا) وفي العنكبوت لم يقل‬ ‫سنًا) ومع الشدة الكثر قال ( َوصَا ِ‬ ‫ن بِوَاِل َديْهِ حُ ْ‬
‫ص ْينَا ا ْلإِنسَا َ‬
‫من (لتشرك بي)‪ .‬مع الشدة القل قال (وَوَ ّ‬
‫ح ْب ُهمَا‬
‫ح ْب ُهمَا فِي الدّ ْنيَا َمعْرُوفًا) هذا مع الجهاد الشديد ولم يقل حسنا‪ .‬السياق في المصاحبات قال ( َوصَا ِ‬ ‫صاحبهما في الدنيا معروفا‪ ،‬إذن قال ( َوصَا ِ‬
‫فِي الدّ ْنيَا َمعْرُوفًا) وفي العنكبوت ليس السياق في المصاحبات فقط الوصية والمجاهدة أقل ولهذا حدد الوصية بـ(حسنا)‪ .‬في لقمان قال (بوالديه)‬
‫هذا معناه العموم والطلق‪ .‬فلما كان في العنكبوت الجهاد أقل قال حُسنا لكن لم يذكر المصاحبة بالمعروف وفي الجهاد الشد قال (بوالديه) لم‬
‫يذكر حُسنا وإنما ذكر المصاحبة بالمعروف في سورة لقمان‪ .‬في لقمان ما ذكر حُسنا ول إحسانا ولكن ذكر المصاحبة بالمعروف مع الجهاج بشدة‬
‫ص ْينَا‬
‫ومع الجهاد القل في العنكبوت قال (حُسنا) ولم يذكر المصاحبة لن السياق في العنكبوت في الحسن من العمال‪ .‬في العنكبوت قال (وَوَ ّ‬
‫سنًا) كيف قال وصاحبهما في‬ ‫ن بِوَاِل َديْهِ حُ ْ‬‫ص ْينَا ا ْلإِنسَا َ‬
‫ن بِوَاِل َديْهِ إِحْسَانًا) حتى التعبير ( َووَ ّ‬ ‫ص ْينَا ا ْلإِنسَا َ‬‫سنًا) وفي الحقاف قال (وَوَ ّ‬ ‫الْإِنسَانَ بِوَاِلدَيْهِ حُ ْ‬
‫سنًا) يعني الوصية هي‬ ‫ن بِوَاِلدَيْ ِه حُ ْ‬‫ص ْينَا الْإِنسَا َ‬‫الدنيا معروفا ولم يقل بمعروف لنه أراد أن المصاحبة هي المعروف بعينه وهنا لما قال (وَ َو ّ‬
‫الحُسن بعينه لم يقل بالحُسن ولم يقل وصيناه بشيء حسن وإنما جاء بالمصدر (حُسنا)‪ .‬التيان بالمصدر له دللة بيانية أن الوصف أو التيان أو‬
‫ب (‪ )18‬يوسف) كذب مصدر أي هو الكذب‬ ‫الخبار أو الحال بالمصدر يدل على المبالغة لذلك ليست عندهم قياس (وَجَآؤُوا عَلَى َقمِيصِ ِه ِبدَمٍ َكذِ ٍ‬
‫بعينه‪ .‬ومحتمل في غير القرآن أن يقال بدم كاذب أو بالكذب كما يقال هذا رجل زور وهذا رجل صوم وهذا رجل عدل‪ ،‬تقول هذا رجل صائم‬
‫أي قد يكون صام يوما أما لو قلنا هذا رجل صوم ل تقال إل إذا كان الصوم عادة طاغية ظاهرة عنده وهذا يستعمل للمفرد والمثنى والجمع‬
‫والمذكر والجمع لفظا واحدا لنه مصدر يقال رجال صوم ونساء صوم ورجل صوم وامرأة صوم‪ .‬المصدر (ووصفوا بمصدرٍ كثيرا فالتزموا‬
‫سنًا) ليس فيها حُسن وليست حسنة‬ ‫ن بِوَاِل َديْهِ حُ ْ‬‫ص ْينَا ا ْلإِنسَا َ‬
‫الفراد والتذكيرا)‪ .‬هذا من المبالغة يعني المعاملة في الوصية هي الحُسن بعينه ( َووَ ّ‬
‫جيدة وإنما هي الحُسن بعينه‪.‬‬
‫حسُن من الفعل الثلثي وإحسانا‬ ‫يبقى السؤال لماذا قال حسنا وإحسانا وكلهما مصدر؟ يجوز للكلمة أن يكون لها أكثر من مصدر (حُسنا مصدر َ‬
‫مصدر أحسن‪ ،‬أفعل إفعال هذا قياس مثل أكرم إكرام‪ ،‬أعظم إعظام‪ ،‬أجبر إجبار‪ ،‬أكره إكراه) هذان مصدران مختلفان لفعلين مختلفين‪ .‬حسُن فعل‬
‫ك (‪ )77‬القصص) فرق بين‬ ‫حسَنَ اللّهُ إَِل ْي َ‬‫لزم حسُن الشيء في نفسه حًسنا‪ ،‬إحسان أن يتعدى خيره للخرين أحسنت إليه إحسانا (وََأحْسِن َكمَا أَ ْ‬
‫أحسنت إليه وبين عاملته حُسنا‪ ،‬عاملته حُسنا أي المعاملة أو اللقاء كان حسنا لكن لم تفعل له شيئا أما الحسان فيتعدى خيره للخرين أحسنت إليه‬
‫أي قدمت له معروفا قدمت له خيرا‪ .‬ووصينا النسان بوالديه حسنا أي عاملهما حسنا أما إحسانا أن تقدم لهما الخير إذن إحسانا أقوى من حُسنا‪.‬‬
‫ط ْع ُهمَا إَِليّ‬
‫ك بِهِ عِ ْل ٌم فَلَا تُ ِ‬
‫ش ِركَ بِي مَا َليْسَ َل َ‬ ‫سنًا وَإِن جَا َهدَاكَ ِلتُ ْ‬ ‫حْ‬ ‫ن بِوَاِلدَيْهِ ُ‬
‫ص ْينَا الْإِنسَا َ‬
‫يبقى لماذا استعمل كل واحدة في مكانها؟ آية العنكبوت (وَ َو ّ‬
‫حتّى ِإذَا‬ ‫شهْرًا َ‬‫حمْلُهُ َوفِصَالُ ُه ثَلَاثُونَ َ‬ ‫ض َعتْهُ كُرْهًا وَ َ‬ ‫حمََلتْهُ ُأمّهُ كُرْهًا وَ َو َ‬ ‫ن بِوَاِل َديْهِ ِإحْسَانًا َ‬ ‫ص ْينَا ا ْلإِنسَا َ‬
‫ج ُعكُ ْم فَُأ َنبّ ُئكُم ِبمَا كُنتُ ْم َت ْعمَلُونَ) هذه الية ( َووَ ّ‬ ‫مَ ْر ِ‬
‫صلِحْ لِي فِي ذُ ّرّيتِي ِإنّي‬ ‫عمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَ ْ‬ ‫ت عََليّ وَعَلَى وَاِلدَيّ وَأَنْ أَ ْ‬ ‫شكُ َر ِنعْ َم َتكَ اّلتِي َأ ْنعَمْ َ‬ ‫عنِي أَنْ َأ ْ‬ ‫سنَةً قَالَ َربّ أَوْزِ ْ‬ ‫شدّهُ َوبَلَغَ أَ ْر َبعِينَ َ‬ ‫بَلَغَ أَ ُ‬
‫ُتبْتُ إَِل ْيكَ وَِإنّي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ (‪ )15‬الحقاف) نلحظ في هذه الية حملته كُرها ووضعته كُرها ولم يقل هذا في العنكبوت ولم يقل هذا في لقمان‬
‫حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا عَلَى وَهْنٍ) وإنما ذكر الحمل دون الوضع أما هنا فذكر الحمل والوضع وكلهما كُره فأيهما أشدّ على المرأة؟ قد تحمل شيئا‬ ‫(َ‬
‫كرها وتضعه بيُسر إذن ذكر في الحقاف أمرين الحمل والوضع وكلهما كره ومشقة‪ .‬هذا فيه مشقة في الحمل والوضع ولم يذكر الحمل أصلً‬
‫علَى وَهْنٍ) لم يذكر آلم الوضع ول مشقة الوضع لكن ذكر جزءا‬ ‫حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا َ‬‫في العنكبوت وفي لقمان ذكر الحمل ولم يذكر الوضع وقال ( َ‬
‫علَى وَهْنٍ)‪ ،‬في الحقاف ذكر الحمل والوضع وكلهما كُره وفي العنكبوت لم‬ ‫حمََلتْهُ ُأمّهُ وَ ْهنًا َ‬ ‫من آلم الحمل‪ .‬في لقمان ذكر الحمل وحده وقال ( َ‬
‫شكُرَ‬ ‫عنِي أَنْ أَ ْ‬ ‫ل رَبّ أَ ْوزِ ْ‬ ‫يذكر الحمل والوضع‪ ،‬إذن أيهما يستحق الحسان؟ الحقاف‪ .‬هذا أمر والمر الخر أنه في الحقاف الوالدان مؤمنان (قَا َ‬
‫خرَجَ‬ ‫ل صَاِلحًا تَ ْرضَاهُ) هذان البوان مؤمنان وبعدها قال (وَاّلذِي قَالَ لِوَاِل َديْهِ أُفّ ّل ُكمَا َأ َتعِدَا ِننِي أَنْ أُ ْ‬ ‫عمَ َ‬
‫ت عَلَيّ وَعَلَى وَاِلدَيّ وَأَنْ أَ ْ‬ ‫ِن ْع َمتَكَ اّلتِي َأ ْن َعمْ َ‬
‫ل مَا َهذَا إِلّا َأسَاطِي ُر الْأَوّلِينَ (‪ )17‬الحقاف)‬ ‫ق َفيَقُو ُ‬ ‫عدَ اللّهِ حَ ّ‬ ‫ك آمِنْ إِنّ وَ ْ‬ ‫س َتغِيثَانِ اللّهَ َويَْل َ‬
‫ن مِن َقبْلِي وَ ُهمَا يَ ْ‬ ‫َو َقدْ خََلتْ الْ ُقرُو ُ‬
‫ط ْع ُهمَا)‬
‫ك بِهِ عِ ْل ٌم فَلَا تُ ِ‬
‫ش ِركَ بِي مَا َليْسَ َل َ‬ ‫في الحقاف الوالدن مؤمنان وفي العنكبوت ولقمان الوالدان كافران في لقمان (وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن تُ ْ‬
‫طعْ ُهمَا) بينما في الحقاف لم يذكر هذا وإنما ذكر آلم الحمل وآلم الوضع وأن‬ ‫ك بِ ِه عِلْ ٌم فَلَا تُ ِ‬‫ك بِي مَا َليْسَ َل َ‬ ‫وفي العنكبوت (وَإِن جَا َهدَاكَ ِلتُشْ ِر َ‬
‫البوين مؤمنان فمن الذين يستحق الحسان؟ المؤمن يستحق الحسان‪ .‬هل يصح في البلغة أن نضع الحسان في آية العنكبوت والحُسن في آية‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ‬ ‫الحقاف؟ ل يمكن‪ .‬هذا إضافة إلى أن ذكر الحُسن في سياق آية العنكبوت أنسب من الحسان‪ .‬في العنكبوت قال (وَاّلذِينَ آ َمنُوا وَ َ‬
‫ن (‪ )7‬ووصينا النسان ) حتى يتناسب مع الجزاء‪ ،‬هذا في سياق الحسن من العمال‪ .‬في‬ ‫ج ِز َينّهُ ْم َأحْسَنَ اّلذِي كَانُوا َي ْعمَلُو َ‬ ‫سّيئَا ِتهِمْ وََلنَ ْ‬
‫ع ْنهُمْ َ‬ ‫َلُنكَفّرَنّ َ‬
‫عدُونَ (‪ ))16‬هذا في‬ ‫صدْقِ اّلذِي كَانُوا يُو َ‬ ‫عدَ ال ّ‬ ‫جنّةِ وَ ْ‬‫صحَابِ الْ َ‬ ‫سّيئَا ِتهِمْ فِي أَ ْ‬‫عمِلُوا َو َنتَجا َو ُز عَن َ‬ ‫حسَنَ مَا َ‬ ‫ع ْنهُ ْم أَ ْ‬
‫ل َ‬‫الحقاف قال (أُ ْوَل ِئكَ اّلذِينَ َنتَ َقبّ ُ‬
‫سياق الحسن من العمال‪ .‬فإذن العنكبوت والحقاف السياق في الحُسن من العمال فذكر حسنا وإحسانا وفي لقمان السياق في المصاحبة بين‬
‫الناس والمعاشرة بين الناس فذكر المصاحبة بالمعروف‪ .‬إذن سواء كان من ناحية السياق أو من ناحية واقع الوالدين كل تعبير هو أنسب في‬
‫مكانه‪ :‬الحُسن في العنكبوت والحسان في الحقاف والمصاحبة بالمعروف في لقمان‪.‬‬
‫*هََل يجوز للرجََل العادي الذي ليََس له علم بالعربيََة والبيان والبلغََة كيََف له أن يفهََم بهذا‬
‫الشكل؟‬
‫هو ليس مكلفا بأن يفهم بهذا الشكل لكن المهم أن يقرأ لكن إذا كان الشخص يتعالم فينبغي أن يُبين له ما يجهله‪ .‬هناك أناس يتكلمون بما ل يعلمون‬
‫فيُبين لهم حتى تقوم الحجة عليه‪.‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫ي (‪ )15‬لقمان) ل سبيلهما‪ ،‬صاحبهما في أمور الدنيا وليس في أمور الخرة ول تتبع سبيلهما وإنما اتبع سبيل المنيبين‬ ‫سبِيلَ مَنْ َأنَابَ إِلَ ّ‬ ‫(وَا ّتبِعْ َ‬
‫إلى ال في الطاعة والعبادة والمعاملة في إقامة شرع ال فيما أنت مكلف به واتّبع سبيل المنيبين إلى ال ل سبيلهما لنهما مشركان لكن ينبغي‬
‫ي لن ال سبحانه وتعالى خلق‬ ‫المصاحبة بالمعروف‪ .‬برغم أنه ذكر المصاحبة بالمعروف والوصية بالوالدين إل أنه يقول واتبع سبيل من أناب إل ّ‬
‫الجن والنس للعبادة والطاعة ول طاعة لمخلوق في معصية الخالق فكيف تتبع سبيلهما وهما قد عصيا؟ تصاحبهما في الدنيا معروفا في أمور‬
‫الدنيا وهم قالوا المصاحبة إما في أمور الدنيا أو في الدنيا ثم تنقطع المصاحبة وكل واحد يذهب في حال سبيله‪.‬‬
‫ي حصرا ل ترجعون إلى جهة أخرى ول إلى ذات أخرى وفي هذا إبطال للشرك ل يرجعون إل إليه حصرا‬ ‫ج ُعكُ ْم (‪ )15‬لقمان) إل ّ‬ ‫ي مَرْ ِ‬ ‫(ثُمّ إَِل ّ‬
‫فلماذا الشرك وما يفعل الشركاء؟ إليّ مرجعكم مثل إلي المصير تقديم الجار والمجرور والمبتدأ معرفة وهنا ابتدأ بالخبر ويجوز التقديم‪.‬‬
‫ن (‪ )15‬لقمان) أي أخبركم ولم يقل فأجزيكم مثلً لن ربنا قد ينبئ النسان بما عمل ثم يغفر له في الخرة‪ ،‬يستر عليه قد‬ ‫(فَُأ َنّبُئكُم ِبمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو َ‬
‫جمِيعًا‬‫ينبئ النسان بما عمل ثم يجزيه خيرا منه‪ .‬لم يذكر الجزاء هنا وإنما ذكر الخبار‪ ،‬قد يكون أحصاها وقد يكون نسيها (يَوْ َم َي ْبعَ ُثهُمُ اللّ ُه َ‬
‫حصَا ُه اللّهُ َونَسُو ُه (‪ )6‬المجادلة) ربنا ينبئه بما كان يعمل من خير أو شر المؤمن قد يفعل معصية ولمم فينبئه بما عمل ثم يغفر‬ ‫عمِلُوا أَ ْ‬ ‫َف ُي َنبّ ُئهُم ِبمَا َ‬
‫شرُ َأ ْمثَاِلهَا (‪ )160‬النعام)‬ ‫خيْ ٌر ّم ْنهَا (‪ )89‬النمل) أو بعشر أمثالها (مَن جَاء بِالْحَ َ‬
‫سنَ ِة فَلَ ُه عَ ْ‬ ‫سنَ ِة فَلَهُ َ‬ ‫له والحسنة يجزيه بخير منها (مَن جَاء بِالْحَ َ‬
‫شرّا يَرَ ُه (‪ )8‬الزلزلة) إذن هو ينبئ ما ذكر الجزاء ما قال يجزى به وإنما قال يره‪.‬‬ ‫ل ذَرّةٍ َ‬ ‫خيْرًا يَرَ ُه (‪َ )7‬ومَن َي ْعمَلْ ِمثْقَا َ‬ ‫ل ذَرّ ٍة َ‬ ‫ل ِمثْقَا َ‬ ‫( َفمَن َي ْعمَ ْ‬
‫هذا حكم عام أن يرى الرجل عمله ليس هذا الجزاء فإن كان مؤمنا يجزيه ال تعالى خيرا مما رأى أو يغفر له يدنيه فيغفر له (سترتها عليك في‬
‫الدنيا وأنا أسترها عليك اليوم) ويسترها عليه في الخرة كما سترها عليه في الدنيا‪ .‬في نفس السورة في مكان آخر لم يكتف بالتنبيه وإنما ذكر‬
‫صدُو ِر (‪ُ )23‬نمَ ّت ُعهُ ْم قَلِيلًا ثُ ّم نَضْ َ‬
‫طرّهُمْ إِلَى‬ ‫عمِلُوا إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم ِبذَاتِ ال ّ‬
‫ج ُعهُ ْم َفُن َنبّ ُئهُم ِبمَا َ‬
‫حزُنكَ كُ ْفرُهُ إَِل ْينَا مَرْ ِ‬
‫الجزاء مع الكافرين ( َومَن كَ َف َر فَلَا يَ ْ‬
‫ظ (‪ ))24‬لم يكتف بالتنبيء لن هؤلء كفروا‪ ،‬ينبئهم ثم يجزيهم بما عملوا‪ .‬هناك لم يذكر كفر وإنما كان حكما عاما‪.‬‬ ‫ب غَلِي ٍ‬ ‫عذَا ٍ‬ ‫َ‬
‫آية (‪:)16‬‬
‫ن اللّهَ لَطِيفٌ خَبِي ٌر (‪))16‬‬
‫حبّةٍ مّنْ خَ ْر َدلٍ َف َتكُن فِي صَخْ َرةٍ َأوْ فِي السّمَاوَاتِ َأوْ فِي ا ْلأَ ْرضِ َيأْتِ ِبهَا اللّهُ إِ ّ‬
‫(يَا بُ َنيّ إِ ّنهَا إِن تَكُ ِمثْقَالَ َ‬
‫*قال (إن تك) ثم قال (فتكن) ما الفرق في حذف النون وإثباتها في الفعل المضارع؟‬
‫ن بِوَاِلدَيْهِ) التي جاءت بين كلم لقمان لبنه وعاد لوصية لقمان لبنه (يَا بُنَيّ) للتحبيب حتى تكون مظنّة‬ ‫ص ْينَا الْإِنسَا َ‬
‫انتهت وصية ربنا (وَ َو ّ‬
‫الستماع والقبول بلطف وحنان بالتصغير وإضافته إلى نفسه (يَا بُنَيّ) حتى يزيل أي حجاب بينهما‪ .‬مقام الحب بين الب وابنه وفي قصة نوح مع‬
‫ل َتكُن مّعَ ا ْلكَافِرِينَ (‪ )42‬هود) هذه عاطفة الب أراد أن ينقذه وكان ابنه مع الكافرين لعله عندما يأتي انبه‬ ‫ي ا ْركَب ّمعَنَا َو َ‬ ‫ابته العاصي قال (يَا ُبنَ ّ‬
‫للجماعة المسلمة ويتركه الذين أضلوه قد يستفيد وبرغم تعارض الموقفين إل أن عاطفة البوة واحدة ل تختلف‪ .‬إذن (يَا بُنَيّ) للتحبيب والتقريب‪.‬‬
‫حبّ ٍة مّنْ خَ ْردَلٍ) (إنها) قسم قال هو ضمير القصة أي المر أو المسألة أو الفعلة أو الخصلة‪( .‬فتكن في صخرة) بإثبات‬ ‫(يَا ُبنَيّ ِإّنهَا إِن َتكُ ِمثْقَالَ َ‬
‫صخْرَةٍ أَ ْو فِي‬‫خ ْردَلٍ) ولما قال (تكن) ذكر مكانا لها ( َفتَكُن فِي َ‬ ‫حبّةٍ مّنْ َ‬
‫ل َ‬
‫ك ِمثْقَا َ‬
‫النون‪ .‬لما قال (إن تك) لم يذكر مكانا لها (يَا بُنَيّ ِإّنهَا إِن َت ُ‬
‫سمَاوَاتِ أَ ْو فِي الْأَ ْرضِ)‪ ،‬لم يذكر المكان فلم يذكر النون وذكر المكان فذكر النون‪ .‬حذف النون له ضوابط ولكن في الجواز ول يجب الحذف‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫حبّةٍ مّنْ خَ ْردَلٍ)‬‫ل َ‬
‫ك مِثْقَا َ‬
‫هذا الفعل (يكون) إذا كان مضارعا مجزوما علمة جزمه السكون (هذا شرط) وبعده حرف متحرك (يَا ُبنَيّ ِإّنهَا إِن َت ُ‬
‫ك َب ِغيّا (‪ )20‬مريم) مضارع مجزوم بالسكون بعده متحرك‪َ ( ،‬ولَمْ‬ ‫ل مثل (ت ُكنْهُ) في هذه الحالة يجوز الحذف (وَلَمْ َأ ُ‬ ‫على أن ل يكون ضميرا متص ً‬
‫َأكُن ِبدُعَا ِئكَ َربّ شَ ِقيّا (‪ )4‬مريم) يجوز ومواطن الجواز تلمس لها القدامى أسبابا بيانية‪ .‬لما حذف الماكن حذف النون‪( ،‬إنها إن تك) ل مكان لها‬
‫(فتكن في صخرة) استقرت فصار لها مكان‪ .‬هناك أمر آخر هي فيها قراءة أخرى (فتكِن) من َوكَن يكِن أي دخل الطائر عُشّه وال َوكْن هو ال ُعشّ‬
‫يعني تستر في صخرة وفي قراءة (فتكِنّ في صخرة) من كنّ يكِنّ‪ ،‬كلها مما يقوي ذكر النون‪ ،‬إذا كانت تكِن من وكن وإذا كانت تكِنّ تذكر النون‬
‫وتكن النون مذكورة فكل القراءات النون مذكورة‪.‬‬
‫لماذا الصخرة؟ الصخرة ل بد أن تكون في السموات والرض هناك صخور في السموات في المشتري وزحل‪( .‬في صخرة) يعني استخلص‬
‫الشيء من باطن الصخرة أمر عسير‪ .‬إذا أردت أن تحفظ شيئا ل ترميه في ساحة الدار وإنما تضعه في صندوق وإذا أردت المبالغة في حفظه‬
‫تضعه في حقيبة ثم في خزانة وإذا أردت المبالغة أكثر تضعه في حقيبة داخل حقيبة في خزانة وإذا أردت أن ل يصل إليه أحد قد تأتي بقفل‬
‫يصعب فتحه وقد تضعها في مكان ليس له مفتاح أصلً‪ .‬الصخرة عبارة عن محفظة ليس فيها مفتاح‪ ،‬ما قال على صخرة وإنما قال (في صخرة)‬
‫مثلها مثل محفظة ليس لها مفتاح وبداخلها مثقال حبة من خردل‪ ،‬كيف يخرجها ربنا تعالى من دون تحطيم للصخرة؟! بلطفه وخبرته يأتي بها ال‬
‫لم يقل يعلمها لنك قد تعلم المكان لكن ل تقدر أن تأتي بها‪ .‬إذن يأتي بها ال أدل على العلم والقدرة‪ ،‬وإن كانت صغيرة في مكان صغير عميق‬
‫شديد وصلب وليس فيها مفتاح يأتي بها ال تعالى من دون تكسير للصخرة يستخرجها بلطفه وقدرته‪.‬‬
‫*تك وتكن‪:‬‬
‫ذكرنا في الحلقة الماضية قال (إنها إن تك) ثم قال (فتكن) وذكرنا في حينها أنه لما قال (تك) لم تكن في مكان معين وإنما ذكرها هباء تائهة في‬
‫صخْرَةٍ)‪ .‬وقلنا أنه قال في صخرة‬
‫خ ْردَلٍ) ثم ذكر مكانها فلما ذكر مكانها أنها استقرت ذكر النون ( َفتَكُن فِي َ‬
‫حبّةٍ مّنْ َ‬
‫ك ِمثْقَالَ َ‬
‫الوجود (ِإّنهَا إِن َت ُ‬
‫ولم يقل على صخرة وقلنا أنها مثل المحفظة التي يكون في باطنها شيء ثم يستخرجها ربنا تعالى بدون أن يفتحها بلطفه وخبرته من غير مفتاح‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ أَ ْو فِي الَْأرْضِ) يعني هي في باطن الرض (في ظرفية هنا)‪ .‬يقولون الخفاء يكون‬ ‫ثم قال في الرض ولم يقل على الرض (أَ ْو فِي ال ّ‬
‫بطرق‪ ،‬طرق الخفاء استوفاها هنا إما أنها تكون في غاية الصغر (مثقال حبة) أو يكون بعيدا في السموات مثلً أو في مكان مظلم (في الرض)‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫لنه ل يوجد نور أو من وراء حجاب (في صخرة) هذه طرق الخفاء استوفاها كلها‪ ،‬تكون بعيدة صغيرة في ظلمة من وراء حجاب كلها‬
‫استوفاها‪ :‬صغيرة (مثقال حبة من خردل)‪ ،‬البعد (في السموات) ‪ ،‬الظلمة (في الرض) ‪ ،‬الحجاب (في صخرة) استوفاها كلها‪ .‬ثم قال (يأتي بها‬
‫ال) ولم يقل يعلمها لن العلم ل يدل على القدرة‪ ،‬الفعل يأتي يدل على طلقة القدرة ل تعالى لنه يعلمها ويأتي بها فأنت قد تعلم شيئا في مكان‬
‫لكن ل تستطيع أن تأتي به‪ ،‬التيان علم وقدرة علم مكانها وجاء بها صار علما وقدرة ولو قال يعلمها ال لدل على العلم لكن ل يدل على القدرة‬
‫هناك أكمور كثيرة نعلم مكانها لكن ل نستطيع أن نأتي بها‪ ،‬يأتي بها ال إن ال لطيف خبير‪ .‬لذلك قال تعالى تحديدا الصخرة‪ .‬ثم ترتيب اليات‬
‫وذكر هذه الشياء فيها‪ ،‬هذا الترتيب له دللة محددة فالصخرة مشتركة قد تكون في السماء وقد تكون في الرض‪ ،‬السماء يعني الجرام السماوية‬
‫كثير منها فيها صخور وقد تكون هناك صخور سابحة في الفضاء‪ .‬هو ما قال في السموات ولكن قال في صخرة أو في السموات ولم يقل‬
‫الصخرة في السموات‪ ،‬نكّر كلمة صخرة ولم يذكر لها مكان جعلها جزءا من المكنة‪ ،‬صخرة سموات‪ ،‬أرض‪ ،‬ذكر ثلثة أمكان صخرة‪،‬‬
‫السموات‪ ،‬الرض ولم يقل في الرض لنها عامة والصخرة قد تكون في السماء وقد تكون في الرض قد تكون في الجرام السماوية وقد تكون‬
‫صخور سابحة في الفضاء إذن الصخرة وجودها مشترك لهذا لم يقيدها تعالى بمكان قد تكون في السموات وقد تكون في الرض‪ .‬لم يقيدها بمكان‬
‫ولم يقل الصخرة في الرض‪ِ ،‬لمَ لم تقيد؟ لو قيدها وقال صخرة في الرض تصير في الرض لكنه قال صخرة وقد تكون في الرض وقد تكون‬
‫في غير الرض وقد تكون سابحة في الفضاء زقد تكون في أحد الجرام السماوية‪ ،‬في المشتري صخور أو المريخ صخور‪ .‬إذن تنكير كلمة‬
‫صخرة له دللة وعدم تقييدها له دللة‪ ،‬قال في صخرة وليس على صخرة وهو بدأ بالمشترك (صخرة) ثم قال في السموات‪ ،‬في السموات هو‬
‫ع َمدٍ تَرَ ْو َنهَا َوأَلْقَى فِي‬ ‫ت ِبغَيْ ِر َ‬‫سمَاوَا ِ‬
‫ق ال ّ‬ ‫الخط الجاري في السورة أنه في كل السورة إذا ذكر السموات والرض قدّم السموات في كل السورة (خَلَ َ‬
‫ل فِي اللّهِ)‬ ‫س مَن يُجَادِ ُ‬ ‫طنَةً َومِنَ النّا ِ‬ ‫سبَغَ عََل ْيكُ ْم ِن َعمَهُ ظَاهِرَةً َوبَا ِ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْضِ وََأ ْ‬ ‫ن اللّهَ سَخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ‬ ‫الْأَ ْرضِ رَوَاسِيَ) (أَلَ ْم تَرَوْا أَ ّ‬
‫حمِيدُ)‬‫ض إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ ا ْل َ‬‫سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْ ِ‬ ‫حمْدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْكثَرُهُمْ لَا َيعَْلمُونَ) (لِلّ ِه مَا فِي ال ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ اللّ ُه قُلِ ا ْل َ‬
‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ‬ ‫(وََلئِن َ‬
‫حيث جرى ذكر السموات والرض قدّم السموات وأخّر الرض وهذا التأخير أيضا له غرض وهو أنه عندما يؤخرها يذكر بجانب الرض أمور‬
‫ل دَابّةٍ) (يَا ُبنَيّ‬ ‫ث فِيهَا مِن كُ ّ‬ ‫عمَ ٍد تَرَ ْو َنهَا وَأَ ْلقَى فِي الْأَ ْرضِ رَوَاسِيَ أَن َتمِيدَ ِبكُمْ َوبَ ّ‬ ‫ت ِب َغيْ ِر َ‬‫سمَاوَا ِ‬ ‫خلَقَ ال ّ‬ ‫تتعلق بالرض أو بأهل الرض مثل‪َ ( :‬‬
‫سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضَ َل َيقُولُنّ اللّ ُه قُلِ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَ َ‬‫سمَاوَاتِ أَ ْو فِي الَْأرْضِ) (وََلئِن َ‬ ‫خرَةٍ أَ ْو فِي ال ّ‬ ‫خ ْردَلٍ َف َتكُن فِي صَ ْ‬‫حبّةٍ مّنْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ك ِمثْقَا َ‬
‫ِإّنهَا إِن َت ُ‬
‫طنَةً َومِنَ النّاسِ مَن‬ ‫سبَ َغ عََل ْيكُمْ ِن َعمَهُ ظَا ِهرَةً َوبَا ِ‬
‫ض وَأَ ْ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ا ْلأَرْ ِ‬ ‫ح ْمدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْكثَرُ ُهمْ لَا َيعَْلمُونَ) (أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ‬
‫الْ َ‬
‫يُجَادِلُ فِي اللّهِ) هذا ترتيب متناسق مع كل السورة حيث اجتمعت السموات والرض قدّم السموات وأخر الرض وذكر بجانب الرض ما يتعلق‬
‫بالرض وسكان الرض إذن الترتيب مقصود ويتناسب مع سياق السورة عموما وجو السورة عموما‪.‬‬
‫كلمة صخرة جاءت نكرة والسموات والرض معرفة لن الصخرة غير معروفة والسموات والرض معروفة‪.‬‬
‫*هل للتكرار (في) دللة محددة؟ هل يجوز أن أقول في السموات أو الرض؟‬
‫هذا آكد وهو موطن توكيد وهذا من إحاطة علم ال بالشياء‪.‬‬
‫خرد َ‬
‫ن (‪))47‬‬
‫سبِي َ‬ ‫ل أتَيْن ََا بِهََا وَكَفََى بِن ََا َ‬
‫حا َِ‬ ‫ن َ ْ َ ٍ‬ ‫حبَّةٍ ِّ‬
‫م َْ‬ ‫مثْقَا َ‬
‫ل َ‬ ‫*فَي سَورة النَبياء قال تعالى (وَإِن كَا ََ‬
‫ن ِ‬
‫مقارنة بين اليتين؟ فعل الشرط وجوابه في لقمان مضارعان وفي النبياء ماضيان فلماذا؟‬
‫ن (‪))47‬‬ ‫سبِي َ‬‫خ ْردَلٍ َأتَ ْينَا ِبهَا َوكَفَى بِنَا حَا ِ‬ ‫حبّةٍ مّنْ َ‬
‫ل َ‬ ‫ن ِمثْقَا َ‬
‫ش ْيئًا وَإِن كَا َ‬
‫لو قرأنا آية النبياء ( َونَضَعُ ا ْلمَوَازِينَ ا ْلقِسْطَ ِليَوْ ِم الْ ِقيَامَ ِة فَلَا تُظْلَ ُم نَ ْفسٌ َ‬
‫يتضح الجواب‪ .‬آية لقمان في الدنيا يخاطب ابنه (يا بني إنها) (إنها) إما ضمير القصة أو ضمير الشأن إذا كان للمؤنث يسمى ضمير القصة‬
‫وللمذكر ضمير الشأن (إنه)‪ .‬ضمير الشأن العائد فيه يكون بعده ل يكون قبله وهذه قاعدة (قل هو ال أحد) (هو) ضمير الشأن‪ ،‬ال أحد هو‬
‫المقصود‪ ،‬ضمير الشأن هناك ضمائر تعود على ما بعدها وليس على ما قبلها وهي سبعة مواطن منها ضمير الشأن (هي الدنيا تغرر تابعيها)‬
‫(هي) تعود على الدنيا والدنيا بعد هي لما كانت الدنيا مؤنث قال هي (هي مبتدأ والدنيا خبر) ضمير الشأن يكون ما بعده جملة ول يكون مفردا‬
‫ويُخبر عنه بجملة‪( .‬يا بني إنها إن تك) (إنها) ضمير الشأن‪( ،‬فإنها ل تعمى البصار) إنها أي الشأن أو المسألة أو المر أو القصة أنها ل تعمى‬
‫البصار‪ .‬في لقمان المسألة يا بني أنها إن تك مثقال حبة من خردل‪ .‬ضمير الشأن يعود على ما بعده ل على ما قبله ويُخبر عنه بجملة هذه‬
‫قاعدة‪ .‬قسم قالوا يقصد بـ (إنها) أي الفعلة أو الخصلة‪.‬‬
‫حبّ ٍة مّنْ خَ ْردَلٍ) تلك في يوم‬ ‫فلما أنّث فعل الشرط وجوابه مضارعان ولما كان المر في الدنيا وهذه أمور مستمرة قال (يَا ُبنَيّ ِإّنهَا إِن َتكُ ِمثْقَالَ َ‬
‫سطَ ِليَوْمِ ا ْل ِقيَامَ ِة فَلَا تُظَْلمُ‬
‫القيامة العمال انتهت والوقت وقت حساب وإن كان العمل مثقال حبة جئنا به وكفى بنا حاسبين ( َونَضَعُ ا ْلمَوَازِينَ الْقِ ْ‬
‫حبّ ٍة ّمنْ‬ ‫ن ِمثْقَالَ َ‬ ‫سبِينَ (‪ ))47‬هذه قطعا ماضية وليست مضارعة لذلك قال (وَإِن كَا َ‬ ‫حبّ ٍة مّنْ خَ ْردَلٍ َأ َتيْنَا ِبهَا َوكَفَى ِبنَا حَا ِ‬ ‫ن ِمثْقَالَ َ‬
‫ش ْيئًا وَإِن كَا َ‬ ‫نَ ْفسٌ َ‬
‫سبِينَ) بالماضي لن الن الموقف موقف حساب بينما تلك لقمان يخبر ابنه ويعلمه بقدرة ال (يَا ُبنَيّ ِإّنهَا إِن َتكُ ِمثْقَالَ‬ ‫خَ ْردَلٍ َأ َتيْنَا ِبهَا َوكَفَى ِبنَا حَا ِ‬
‫خ ْردَلٍ) متى ما شاءت‪ ،‬متى ما وقعت‪ ،‬متى ما تكون فهذه يأتي بها مضارع وهذه يأتي بها ماضي‪.‬‬ ‫حبّةٍ مّنْ َ‬ ‫َ‬
‫*فعل الكينونة في لقمان مؤنث (إن تك) وفي النبياء مذكر (كان) لماذا؟‬
‫ل في مثل هذا التعبير يجوز فيه التأنيث والتذكير (مثقال حبة من خردل)‪ .‬كقاعدة نحوية في مثل هذا التعبير يجوز فيه الوجهان‬ ‫أولً للعلم أص ً‬
‫تأنيثا إن كان لحذف موهل‬ ‫وربما أكسب ثانٍ أولً‬
‫المضاف إليه يكسب المضاف التأنيث وطبعا يكسبه التذكير وإنما ذكر التأنيث لن الشعر قال تأنيثا وتذكيرا‪ ،‬إن كان لحذف موهل إذا كان‬
‫سنِينَ) قال قريب ولم يقل قريبة‪.‬‬
‫ب مّنَ ا ْلمُحْ ِ‬
‫ت اللّ ِه قَرِي ٌ‬
‫حمَ َ‬
‫المضاف يمكن تحذفه بأن كان جزءا أو كالجزء أيضا واستشهدوا بقوله تعالى (إِنّ رَ ْ‬
‫ف بطوع هوى) ما قال مكسوفة‪ .‬مثقال حبة من خردل مثقال مذكر وحبة مؤنث يجوز أن يكتسب هذه كقاعدة نحوية (وما حب‬ ‫(إنارة العقل مكسو ٌ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫الديار شغفن قلبي) حب مذكر وشغفن مؤنثة جاءت من الديار من المضاف إليه‪ .‬في التركيب الضافي يجوز التذكير والتأنيث لكن بشرط في‬
‫سهَا (‪ )111‬النحل) ك ّل مذكر ونفس مؤنث‬ ‫ل عَن نّفْ ِ‬‫س تُجَادِ ُ‬ ‫ل نَ ْف ٍ‬
‫مواطن‪ ،‬بشرط أن يكون المضاف جزء أو كالجزء في الستغناء عنه (يَوْ َم تَ ْأتِي كُ ّ‬
‫فقال تأتي‪ .‬بشرط أن يكون المضاف جزء أو كالجزء في الستغناء عنه يعني ممكن تستغني عنه ويُفهم مثل (قُطعت بعض أصابعي) يمكن أن‬
‫يقال قُطعت أصابعي‪ ،‬مثقال حبة يعني حبة‪( .‬لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخُشّع) سور مذكر وتواضعت مؤنثة‪ .‬إذن من‬
‫ش ْيئًا) شيئا مذكر (وإن كان مثقال حبة ) وإن‬‫ل قال في النبياء (فَلَا تُظْلَ ُم نَ ْفسٌ َ‬ ‫حيث الحكم النحوي ليس فيه إشكال يبقى طبيعة الستخدام هنا‪ :‬أص ً‬
‫كان الشيء مثقال حبة فذكّر أي إن كان الشيء مع أنه يجوز التأنيث أما في لقمان (مثقال حبة) قد يكون الحبة أو الفِعلة أو قد يكون العمل‪ .‬إذن‬
‫سبِينَ) وإن كان هذا الشيء مثقال حبة إذن ذكّر مع أنه يجوز التأنيث‪ .‬في‬ ‫خ ْردَلٍ َأ َت ْينَا ِبهَا َوكَفَى ِبنَا حَا ِ‬
‫حبّةٍ مّنْ َ‬
‫ل َ‬
‫ن ِمثْقَا َ‬
‫ش ْيئًا وَإِن كَا َ‬
‫س َ‬
‫ظلَ ُم نَفْ ٌ‬
‫(فَلَا تُ ْ‬
‫النبياء قال بصيغة فعل الكيونة بالماضي لنه يدل على حالة محددة وهي حالة الحساب يوم القيامة للدللة على عمل كان في الدنيا وانتهى وأتى‬
‫به مذكرا لمناسبته مع ما قبله وهو مذكر‪.‬‬
‫ت أَوْ فَِي‬
‫ماوَا ِ‬
‫َ‬
‫خَرةٍ أوْ فَِي ال ََّ‬
‫س َ‬ ‫*فَي لقمان ذكَر تعالى أماكَن وجود المتحدث عنَه (فَتَك َُن فَِي ََ‬
‫ص ْ‬
‫ض) في النبياء لم يذكر مكان وجودها فلماذا؟‬ ‫َْ‬
‫الْر ِ‬
‫في لقمان هو يبين لبنه قدرة ال سبحانه وتعالى‪ ،‬يريد أن يعلم ابنه أما في النبياء فليس الغرض في هذا المر فالسياق سياق وزن العمال‬
‫وليس في أماكن ذكر هذا المثقال الحبة أين يكون وإنما في سياق وزن العمال فل يحتاج لذكر هذا الشيء أما في لقمان فهو يعلم ابنه ويعرفه‬
‫بقدرة ال (إنها إن تك) يذكر الماكن‪ ،‬أما في النبياء أتينا بها أينما كانت لن السياق ليس في ذلك ول هو في بيان للخلق أن قدرتي كذا والخلق‬
‫يعرفون قدرته وقد جيء بهم الن أعلم حالتهم بال تعالى الحساب موجود والجامع هو ال ول يشك أحد في قدرته أما في لقمان فيعلم لقمان ابنه‬
‫أمرا من أمور الدنيا‪ ،‬يوم القيامة ليس المر مجهولً لي أحد وإنما المر معلوم لكل أحد‪.‬‬
‫َ َ‬
‫ن) فما الفرق؟‬
‫سبِي َ‬ ‫خبِيٌر) وفي النبياء (وَكَفَى بِنَا َ‬
‫حا ِ‬ ‫ه لَطِي ٌ‬
‫ف َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫*ختام الية في لقمان (إ ِ ّ‬
‫في النبياء مكان حساب ووقت حساب (ونضع الموازين القسط) فقال (وكفى بنا حاسبين) لنه مقام حساب وليس في مقام اسخلص المثقال من‬
‫مكانه أما في لقمان ففي مكان استخلص الحبة ومكان الحبة فقال (لطيف خبير)‪.‬‬
‫ل فَتَك َُن فَِي‬
‫خْرد َ ٍ‬
‫ن َ‬ ‫حبَّةٍ ِّ‬
‫م َْ‬ ‫ل َ‬‫مثْقَا َ‬ ‫إِن ت ََ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫ي إِنَّهََا‬ ‫*فَي سَورة لقمان عندمَا يوصَي ابنَه قال (ي ََا بُن ََ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫خَرةٍ أَوْ فَِي ال َ‬
‫خبِيٌر) لم يقَل مثل ً عليَم لنَه‬ ‫ف َ‬ ‫ه لَطِي ٌَ‬ ‫الل َّ َ‬ ‫ه إ َِ َّ‬
‫ن‬ ‫ت بِهََا الل َّ ُ‬ ‫ت أوْ فَِي اْلَْر ضَِ يَأ ِ‬
‫ماوَا ِ‬
‫سَّ َ‬ ‫صَ ْ‬
‫َ‬
‫يعلم أماكن وجود ضمير الشأن فما دللة اللطف؟‬
‫استخلص هذا المثقال من هذا المكان يحتاج إلى لطف وإلى خبرة والخبرة هي العلم ببواطن المور والخبير هو العليم ببواطن المور‪ .‬واللطيف‬
‫ف ِب ِعبَادِ ِه (‪ )19‬الشورى) بمعنى آخر أنه يلطف بهم‬
‫هو الذي يتوصل إلى أشياء بالخفاء‪ .‬وقسم قال اللطيف أي الذي ل يُرى وقالوا (اللّهُ لَطِي ٌ‬
‫ويرأف بهم‪ .‬اللطيف هو الذي يأتي بأمور بخفاء يستخلصها بخبرته وبطريق الخفاء ويأتي بها من دون أن يحطم الصخرة بلطف وخفاء تمتد‬
‫ل يعلمه أنه إذا كان رب العالمين سحانه وتعالى يأتي بمثقال حبة من خردل من هذه‬ ‫قدرته إليها فيستخلصها‪ .‬ذكر هذا المر من لقمان لبنه أو ً‬
‫الماكن فلماذا الشرك؟ ماذا يفعل الشريك؟ ل شيء إذن لماذا الشرك؟ الشريك ل يستطيع أن يمنع هذه الحبة الصعيرة من أن يأتي بها ال فلماذا‬
‫الشرك‪ .‬ثم هناك أمر آخر أن لقمان يبين المسألة ويوضح قدرة ال لبنه وفي هذا يعلمنا لقمان بحكمته أن ليست المسألة فقط في الوامر والنواهي‬
‫ل تفعل كذا ل تفعل كذا وإنما يضرب له المثال ويبين له بالحجج حتى يقتنع ويستوعب المسألة وهذا فيه توجيه للباء والوعاظ والمرشدين بأن‬
‫ل يكثروا فقط من الوامر والنواهي هكذا وإنما ينبغي أن يعلّلوا ويبينوا حتى يقتنع السامع بعقله ويقبل هذ الشيء أما أن تذكر فقط أوامر ونواهي‬
‫هكذا فل‪ .‬هذا التعليم من حسن التربية أولً الرفق دائما يردد قول (يا بني) وعندما يذكر المر يعلل له العلة حتى يقتنع بما يقول وحتى يستوعب‬
‫المسألة وحتى تتضح له المسألة وليس مجرد أوامر وهذا توجيه للباء والمرشدين عموما أولً أن يحسنوا في القول ويلطفوا في القول ل يكونوا‬
‫أشداء‪ ،‬اللطف واللين في القول والمر الخر أن المر ليس مجرد أمور ونواهي وإنما عليهم أن يوضحوا ويبينوا ويأتوا بالحجج المبينة حتى يقبل‬
‫العقل ما يقولون‪.‬‬
‫آية (‪:)17‬‬
‫ن َذلِكَ مِنْ عَ ْز ِم ا ْلأُمُورِ (‪))17‬‬
‫علَى مَا َأصَابَكَ إِ ّ‬‫صبِرْ َ‬ ‫ن الْمُنكَ ِر وَا ْ‬
‫صلَاةَ وَأْمُ ْر بِالْ َمعْرُوفِ وَانْهَ عَ ِ‬ ‫(يَا بُ َنيّ أَ ِقمِ ال ّ‬
‫ك مِنْ عَ ْزمِ ا ْلُأمُو ِر (‪ .))17‬بعد أن نهاه عن‬ ‫ن ذَِل َ‬
‫صبِ ْر عَلَى مَا أَصَا َبكَ إِ ّ‬
‫هذه الية فيها أوامر (يَا بُنَيّ َأ ِقمِ الصّلَاةَ وَ ْأ ُمرْ بِا ْل َمعْرُوفِ وَانْ َه عَنِ ا ْلمُنكَرِ وَا ْ‬
‫الشرك وأمره بالتوحيد بعد ذلك بدأ بأهم العبادات‪ .‬أول مرة أقام العقيدة السليمة وهو التوحيد لنه ل تصح عبادة مع الشرك فبعد أن جاءه بأهم‬
‫المور وأعمها وأيسرها نفي الشرك بال وترسيخ عقيدة التوحيد الن أمره بالعبادات فقال له وبدأ بأهم العبادات وأوجبها هي الصلة وهي التي ل‬
‫جعَلُو ْا ُبيُو َتكُ ْم ِقبْلَةً‬
‫تسقط بحال من الحوال وهي أول ما يُسأل عنه المرء يوم القيامة‪ .‬الصلة اسماعيل كان يأمر أهله بالصله وموسى (وَا ْ‬
‫َوَأقِيمُواْ الصّلَ َة (‪ )87‬يونس) الصلة هي عبادة أوجبها ال تعالى منذ البدء وهي آخر ما يُرفع من العمال قبل يوم القيامة هي الصلة‪ ،‬فبدأ بأهم‬
‫العبادات وأوجبها وهي العبادة التي ل تسقط في حال من الحوال في المرض أو غيره وأول ما يسأل عنه المرء يوم القيامة‪ .‬ولم يقل له صلي‬
‫وإنما قال أقم الصلة أي التيان بها على أتم حالتها بكل سكناتها وحركاتها وخشوعها‪ .‬نلحظ أنه بعد المر بإقامة الصلة ما قال أمورا أخرى‬
‫ف وَانْهَ عَنِ ا ْلمُنكَرِ) إذن هو أمره بنوعين من العبادات عبادة فردية شخصية (الصلة) وعبادة عامة اجتماعية (المر‬ ‫وإنما قال (وَ ْأمُ ْر بِا ْل َمعْرُو ِ‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر) هذه علقته بالمجتمع‪ ،‬بالخرين‪ ،‬عبادة اجتماعية‪ .‬الصلة عبادة فردية والثانية عبادة اجتماعية كما قال القدامى‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫إحداهما تكميل للنفس (الصلة) والثانية تكميل للمجتمع (المر بالمعروف والنهي عن المنكر) إذن عبادتين إحداهما للنفس وتكميلها والثانية‬
‫للمجتمع لن من حق المجتمع على الفرد أن يحفظه ويرسي قواعد الخير فيه ويجتث أمور الشر فيه‪ ،‬المر بالمعروف يرسي قواعد الخير والنهي‬
‫صبِ ْر عَلَى مَا أَصَا َبكَ) الذي يتصدى للمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدركه الذى من‬
‫عن المنكر يجتث قواعد التخريب وقواعد الهدم‪( .‬وَا ْ‬
‫الخرين وهكذا قال القدامى لنك تتعرض للخرين تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر فقد تسمع منهم كلما يؤذيك وقد يكونوا أذوك بأشد‬
‫الذى ولقمان أدرك بحكمته أن ابنه إذا فعل هذا سيتعرض للذى لنه من أمر بالمعروف عليه أن يتوقع أن يصيبه أذى‪ .‬والغريب أنه من حكمة‬
‫لقمان أنه أمر ابنه بذلك ‪ -‬مع أنه يدرك أن ابنه سيصيبه أذى ‪ -‬أن الباء عادة يقولون لبنائهم اتركوا الناس بشأنهم ل عليكم منهم‪ ،‬يخشون على‬
‫أبنائهم من الذى فيقولون لهم اتركوا الناس أما لقمان بحكمته الثاقبة مع أنه يعلم أن ابنه سيصيبه الذى لكن علم أن هذا المر أولى من راحة ابنه‬
‫أن إرساء قواعد الخير في المجتمع واجتثاث عوامل الشر منه أولى من راحة ابنه لنه المجتمع إذا انهار ينهار عليه وعلى ابنه وأسرته النهيار‬
‫ل يختص بواحد وإنما يعم الجميع إذن هو أولى من راحة البن فليتعب ابنه لنه قد يؤذى فردا فل بأس لكن هو يرسي قواعد الخير فلو كان كل‬
‫الباء يوجهون أبناءهم هذا التوجيه لصاروا كلهم مثل ابن لقمان فالمجتمع يصير يثبت فيه قواعد الخير وينجو من عوامل التفكك والتخريب وفي‬
‫ذلك سلمته وسلمة المجتمع وراحته وراحة المجتمع بخلف لو تُرِك المجتمع على عواهنه فإنه هو أيضا سيدمر البن والعائلة ستدمر‪ .‬ولذلك‬
‫هو مع معرفته بذلك أوصاه بفعل ذلك وهذا من حكمة لقمان الثاقبة فهم كم يحب ابنه ويتمنى له الخير وهو يعلم أنه سيصيبه أذى لكن هذا الذى‬
‫أهون من ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫(إن ذلك) أي الصبر على إقامة الصلة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها من المور الواجبة المقطوعة التي ل ينبغي التخلي عنها ل‬
‫صبِرْ‬
‫الصلة (تكميل للنفس) ول المر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه كلها تحتاج عزم وعزيمة وقوة وإن كانت الثانية أكثر لنها مواجهة (وَا ْ‬
‫عزْمِ ا ْلُأمُورِ) ذلك تعود على البعيد‪ .‬إن ذلك من عزم المور أي المور التي ل ينبغي التخلي عنها مهما أوذي في‬‫ك مِنْ َ‬
‫ن ذَِل َ‬
‫عَلَى مَا أَصَا َبكَ إِ ّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ُ‬
‫صبََر وَغَفََر‬ ‫مورِ) و في سورة الشورى (وَل َ َ‬
‫من ََ‬ ‫م نَْ عَْزم ِ اْل ُ‬ ‫*ختمَت الية في سَورة لقمان (إ ِ َّ‬
‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك ِ‬
‫ُ‬
‫مور (‪ ))43‬فما اللمسة البيانية في الختلف بينها؟‬ ‫ن عَْزم ِ اْل ُ ِ‬ ‫ك لَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫إ ِ َّ‬
‫ن ذَل ِ َ‬
‫ي الشد‬ ‫ن عَ ْزمِ الُْأمُو ِر (‪ ))43‬أ ّ‬ ‫ن ذَِلكَ َلمِ ْ‬‫غفَرَ إِ ّ‬
‫صبَرَ وَ َ‬
‫ك مِنْ عَ ْزمِ ا ْلُأمُورِ) في الشورى قال (وََلمَن َ‬ ‫ن ذَِل َ‬‫صبِ ْر عَلَى مَا أَصَا َبكَ إِ ّ‬ ‫في لقمان قال (وَا ْ‬
‫أن تصبر وتغفر أو أن تصبر فقط؟ أن تصبر وتغفر لنها أشق على النفس‪ .‬يطالبنا ربنا بالصبر والمغفرة لن هذا أسدى إلى الخير وأكمل‬
‫سّيئَةُ ا ْدفَ ْع بِاّلتِي ِهيَ‬
‫سنَةُ وَلَا ال ّ‬
‫ستَوِي ا ْلحَ َ‬ ‫للمعروف ويؤلف قلوب الخرين ول يثير فيهم الضغائن وإذا فعلت لهم الحسنة فقد جمعت قلوبهم (وَلَا تَ ْ‬
‫حمِيمٌ (‪ )34‬فصلت) حميم أي قريب فأنت تعامل بالصبر والمغفرة مع أنها شاقة على النفس الصبر‬ ‫ي َ‬ ‫عدَاوَ ٌة كََأنّهُ وَلِ ّ‬‫ن فَِإذَا اّلذِي َب ْينَكَ َو َب ْينَهُ َ‬
‫َأحْسَ ُ‬
‫وحده شاق فكيف الصبر والمغفرة وما هو أعلى وهو الحسان‪ .‬لذلك فيما فيه مشقة قال (لمن عزم المور) فيه صبر ومغفرة فأكد باللم وإنّ‪.‬‬
‫زيادة حرف في اللغة للتوكيد له وقع خاص من الناحية البيانية‪.‬‬
‫إجابة د‪.‬حسام النعيمى عن نفس السؤال‪:‬‬
‫ن عَزْ ِم الُْأمُو ِر (‪ )17‬لقمان) هذه وصية من‬ ‫ن ذَِلكَ مِ ْ‬
‫صبِ ْر عَلَى مَا َأصَا َبكَ إِ ّ‬
‫ن ا ْلمُنكَرِ وَا ْ‬ ‫في قوله تعالى (يا ُبنَيّ َأقِمِ الصّلَاةَ وَ ْأمُ ْر بِا ْل َمعْرُوفِ وَانْهَ عَ ِ‬
‫ب يوصي ولده فل يحتاج لتوكيدات‪ ،‬نصيحة أب لبنه ما يقتضي التأكيد‪( .‬يا بُنيّ) بفتح الياء (رواية حفص عن عاصم)‪ ،‬شُعبة قرأ (يا‬ ‫أبٍ لولده‪ .‬أ ٌ‬
‫بُنيّ)‪ .‬نافع وسائر القراء (يا بنيّ) إذن إنفرد عاصم بها من القراء السبعة‪ .‬هي لغتان للعرب‪ ،‬معناه بعض العرب كان إذا نادى ولده يقول يا بنيّ‬
‫وبعض العرب يقول يا بُنيّ والكثرون كانوا يقولون (يا بُنيّ) بدليل أن القراء الستة والسابع بروايتين‪ ،‬رواية وافقت الستة يعني بإثني عشر راويا‬
‫يعني ثلثة عشر راويا يروون يا بنيّ‪ ،‬يعني جمهور العرب يقولون بنيّ‪ ،‬هذه لهجة وهذه لهجة‪ ،‬هذه لهجة أقرها الرسول بأمر من ربه أو قرأ‬
‫بها وهذه لهجة أقرها الرسول بأمر من ربه وقرأ بها وقرأت بها القبائل‪ .‬لكن علماء الصرف يوجهون أنه كيف هذا قال هكذا وكيف هذا قال‬
‫هكذا؟‪( :‬إبن) أصلها بنو لما تُصغّر تصير (بنيو) اجتمعت الياء والواو والول منهما أصلي ذاتا وسكونا فانقلبت إلى ياء وأدغمت الياء في الياء‬
‫ي مثل كلمة نَهَر لما تُصغّر تصير نُهير لكن بدل الراء هناك ياء أخرى فصار بياءين أضيفت إليها ياء المتكلم‪.‬‬ ‫فصارت بن ّ‬
‫ض ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ أُ ْوَل ِئكَ‬
‫ن النّاسَ َو َي ْبغُونَ فِي الَْأرْ ِ‬ ‫ل عَلَى اّلذِينَ يَظِْلمُو َ‬ ‫ل (‪ِ )41‬إنّمَا ال ّ‬
‫سبِي ُ‬ ‫سبِي ٍ‬
‫ظ ْلمِهِ َفأُوَْل ِئكَ مَا عََل ْيهِم مّن َ‬‫في الشورى ( َوَلمَنِ انتَصَ َر َب ْعدَ ُ‬
‫ن عَ ْزمِ الُْأمُورِ (‪ ))43‬نلحظ هنا في البداية توجد لم التوكيد‪ ،‬لم مؤكدة وبعض العلماء يرى‬ ‫ن ذَِلكَ َلمِ ْ‬‫غفَرَ إِ ّ‬‫صبَرَ وَ َ‬ ‫ب أَلِي ٌم (‪ )42‬وََلمَن َ‬ ‫عذَا ٌ‬ ‫َلهُم َ‬
‫ن عَزْ ِم الُْأمُورِ)‪( .‬من عزم المور) و (لمن عزم المور)‪ .‬اللم هنا في‬ ‫أنها في جواب قَسَم محذوف يعني كأنه "وال لمن انتصر"‪( ،‬إِنّ ذَِلكَ َلمِ ْ‬
‫جواب (إنّ) في (إن ذلك لمن عزم المور) التي هي اللم المزحلقة‪ .‬لكننا وقفنا عند قراءة (يا بُنيّ) بالفتح وقلنا الفتح هنا هو من القراء السبعة‬
‫لراوٍ واحد وهو حفص عن عاصم هذه التي نقرأ بها‪ .‬ونحن حريصون على ذكر قراءة نافع من أجل إخواننا في المغرب العربي لنهم يتابعون‬
‫البرنامج من خلل كثرة أسئلتهم‪ .‬نافع وسائر القراء بل شعبة عن عاصم يقرأون (يا بُنيّ) بالكسر وليس بالفتح‪ ،‬الفتح عند عاصم‪ .‬وذكرنا أن كلمة‬
‫(بُني) هي تصغير كلمة (إبن) مثل كلمة نهر تُصغّر فتصير نُهير فتأتي ياء‪( .‬بنو) لما تصغر تصير (بنيو) – لن إبن أصلها بنو والهمزة زائدة‬
‫في الول‪ ،‬همزة وصل – لما تصير بنيو تجتمع الياء والواو والول منهما أصلي ذاتا وسكونا يُدغمان في ياء واحدة‪ ،‬مثل كلمة سيد من ساد‬
‫يسود فصارت سيود تصير سيد‪ ،‬لوى يلوي لويا صارت ليّا‪ ،‬طوى يطوي طيّا‪ ،‬وهكذا إذا اجتمعت الياء والواو والول منهما أصلي ذاتا وسكونا‬
‫أي غير منقلب عن غيره وساكن وليس سكونا عارضا أيضا تصير ياء وتدغم الياء في الياء‪ .‬فلما صارت بنيو صارت بنيّ أي عندنا ياءان مثل‬
‫نهير تخيل أن الراء ياء تصير نهيي لما ينسبه إلى نفسه‪ :‬هذا نهير زيدٍ تصير ياء أخرى نهيري إجعل الراء ياء فتصير نهييي ثلث ياءات‪.‬‬
‫فبعض قبائل العرب حذفت ياء المتكلم وهم الغلبية واكتفوا بالكسرة فقالوا (بنيّ) فإذن هنا ياء ومحذوفة اكتفاء بالكسرة التي تشير إلى الياء‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫وعليها جمهور القراء كما قلنا‪ .‬بعض قبائل العرب لم تحذف ياء المتكلم أو حذفت الياء التي قبلها أو حذفت ياء المتكلم وأجرت على الياء الباقية‬
‫ي هذه فتحة التخفيف على ما‬ ‫ي بفتح ياء المتكلم‪ .‬فيا بُن ّ‬ ‫ما يُجرى على ياء المتكلم من الفتح في التخفيف فتقول‪ :‬هذا لي أو هذا ليَ‪ ،‬كتابي أو كتاب َ‬
‫قرأ الرسول على قبائل من العرب بلهجتها بإذن من ربه‪ .‬و(يا بُنيّ) هذا بالنسبة لختلف القراء والنتيجة واحدة هي تصغير البن للتحبيب‬
‫للمتكلم هو نسبه إلى نفسه ثم بدأ يعظه ويوصيه‪ :‬أقم الصلة‪ ،‬أُمر بالمعروف‪ ،‬إنه عن المنكر‪.‬‬
‫إقامة الصلة تكوين أن تُكوّن نفسك ثم تنتقل مرحلة ثانية تدعو الناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر هذا سيؤدي إلى الضرار بك فاصبر‬
‫على ما أصابك فهي نصيحة ومتدرجة وليس الموضع موضع تأكيد زائد فقال له (إن ذلك من عزم المور) فأكّد بـ (إنّ) وحدها‪ ،‬أن الصبر على‬
‫ما يصيبك هو من عزم المور‪ ،‬من الرادة القوية‪.‬‬
‫ل (‪ ))41‬من أولها فيها توكيد كما قلنا ج ّو الية‬ ‫سبِي ٍ‬‫ن انتَصَ َر َبعْدَ ظُ ْلمِ ِه فَُأوَْل ِئكَ مَا عََل ْيهِم مّن َ‬ ‫لما نأتي إلى الية الخرى نجد أنها من البداية (وََلمَ ِ‬
‫سبِيلٍ) إنسان اعتُدي عليه والدولة أخذت له حقه بأنه أصر على أخذ حقه ما أراد‬ ‫ن انتَصَ َر َبعْدَ ظُ ْلمِهِ ظُ ْلمِ ِه فَُأوَْل ِئكَ مَا عََل ْيهِم مّن َ‬
‫جو توكيد‪( .‬وََلمَ ِ‬
‫ظلِم ولم يتنازل عن حقه‪ ،‬قد يكون في نفس الذي أُخِذ منه الحق أو من أهله أو من أقاربه نوع من الغضب والحقد على النسان الذي‬ ‫أن يتنازل ف ُ‬
‫سبِيلٍ) ما يحاول أحد‬ ‫ك مَا عََل ْيهِم مّن َ‬‫ص َر بَ ْعدَ ظُ ْلمِهِ َفأُوَْل ِئ َ‬‫أخذ حقه فبدأت الية بالتأكيد أوالقسم المحذوف الذي هو لم القسم على قولين (وََلمَنِ انتَ َ‬
‫ض ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ‬
‫ن النّاسَ َو َي ْبغُونَ فِي الَْأرْ ِ‬ ‫علَى اّلذِينَ يَظِْلمُو َ‬ ‫سبِيلُ َ‬‫أن يعتدي على هؤلء الذين أخذوا حقهم أو أخذت الدولة حقهم إنما حصرا (ِإنّمَا ال ّ‬
‫عذَابٌ َألِيمٌ)‪ ،‬هذه توصية سواء للذي أخذ حقه أو الذي ُاخِذ الحق منهم (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم المور) لنه فيه صبر وفيه‬ ‫ُأوَْل ِئكَ َلهُم َ‬
‫عفو عن الساءة بالنسبة لمن ظلم أنه إذا عفا الفضل حتى ل يثير حفيظة الخرين ل يثير حقدهم والعفو أحيانا ل يكون سهلً‪ ،‬ألم يقل الشاعر‪:‬‬
‫فإذا رميت أصابني سهمي‬ ‫قومي هم قتلوا أميم أخي‬
‫ولئن رميت لوهنن عظمي‬ ‫ولئن عفوت لعفون جللً‬
‫هو متردد بين حالين لن الذي قتل أخاه قومه يأخذ الثأر منهم‪ ،‬يعني يجعل الدولة تقتص منهم؟ سيُضعف قومه فهم متحير‪ .‬لذا لما كان الصبر‬
‫ل عَلَى‬ ‫سبِي ُ‬
‫ن عَ ْزمِ الُْأمُورِ)‪ .‬وفيها (ِإّنمَا ال ّ‬ ‫ن ذَِلكَ َلمِ ْ‬ ‫غفَرَ إِ ّ‬‫صبَرَ وَ َ‬
‫على هذا الذى والمغفرة يحتاج إلى توكيد والجو كله جو تأكيد من البداية (وََلمَن َ‬
‫ن ذَِلكَ َلمِنْ عَ ْزمِ‬‫ب أَلِيمٌ) بمعنى الحصر والحصر فيه معنى التوكيد فجاءت (إِ ّ‬ ‫عذَا ٌ‬ ‫ض ِب َغيْرِ الْحَقّ ُأوَْل ِئكَ َلهُم َ‬
‫ن يَظِْلمُونَ النّاسَ َو َي ْبغُونَ فِي ا ْلأَرْ ِ‬ ‫اّلذِي َ‬
‫ن عَزْ ِم الُْأمُورِ) بينما النصيحة‬ ‫الُْأمُورِ) معناه أكّد بمؤكدين هنا لمناسبة الحالة لن الكلم على صبر على عدوان يحتاج إلى تأكيد (إِنّ ذَِلكَ َلمِ ْ‬
‫الطبيعية ل تحتاج لهذا التأكيد (إن ذلك من عزم المور)‪.‬‬
‫آية (‪:)18‬‬
‫ب ُكلّ مُخْتَالٍ َفخُورٍ (‪))18‬‬
‫ن اللّ َه لَا يُحِ ّ‬
‫س َولَا تَمْشِ فِي ا ْلأَرْضِ مَ َرحًا إِ ّ‬
‫ك لِلنّا ِ‬
‫خدّ َ‬
‫صعّرْ َ‬
‫( َولَا تُ َ‬
‫نلحظ أن لقمان انتقل بابنه إلى الداب في معاملة الناس وكيف ينبغي أن يعامل الناس فنهاه عن التكبر وتصعير الخد (ول تصعر) والتصعير هو‬
‫إمالة الخد كِبرا يشيح بوجهه تكبرا وإعراضا‪ ،‬صعّر خده أي أماله كِبرا والمرح هو النشاط مع الخيلء والزهو‪ ،‬يعني هو معجب بنفسه‪ .‬المختال‬
‫هو المتكبر وقالوا المختال هو الصلِف المتباهي الجهول المُعجَب بنفسه‪.‬‬
‫َْ‬
‫حا) لم يقل على الرض؟‬
‫مَر ً‬
‫ض َ‬
‫ش فِي الْر ِ‬ ‫*قال تعالى (وََل ت َ ْ‬
‫م ِ‬
‫ل بناتك الضرر) إختال زيادة في الختيال في‬ ‫ل (خا َ‬ ‫مختال أولً هو إسم فاعل يصلح أن يكون إسم فاعل وإسم مفعول‪ .‬مختال فعله الثلثي خا َ‬
‫التكبر فيها مبالغة‪ ،‬إذن المختال هو المبالغ الصل هو خال خائل‪ ،‬إختال أبلغ في هذا الوصف ومختال أبلغ في هذا الوصف‪ .‬فخور صفة مبالغة‬
‫(فعول) إذن مختال مبالغة وفخور مبالغة‪.‬‬
‫ض هَ ْونًا (‪ )63‬الفرقان)‪.‬‬ ‫ن عَلَى ا ْلأَرْ ِ‬ ‫ن َيمْشُو َ‬
‫حمَنِ اّلذِي َ‬
‫عبَادُ الرّ ْ‬
‫قال ل تمش في الرض ولم يقل على الرض مع أنه قال في موطن آخر قال (وَ ِ‬
‫ض مَرَحًا ِإّنكَ لَن‬
‫لرْ ِ‬ ‫ش فِي ا َ‬ ‫(في) تفيد الظرفية و(على) للستعلء كأن هذا المختال يريد أن يخرق الرض وهو يمشي كما قال تعالى ( َولَ َتمْ ِ‬
‫ض (‪ )37‬السراء) فالمختال يمشي في الرض هكذا‪ .‬أما عباد الرحمن يمشون على الرض هونا بوقار وسكينة وليس في الرض‬ ‫ق الَرْ َ‬ ‫خرِ َ‬
‫تَ ْ‬
‫كما يفعل أولئك‪( .‬على) تفيد الستعلء و(في) تفيد الظرفية قال تعالى (أُوَْل ِئكَ عَلَى ُهدًى مّن ّربّهِ ْم (‪ )5‬لقمان) (وَِإنّا أَوْ ِإيّاكُمْ َلعَلَى ُهدًى َأ ْو فِي‬
‫ضَلَالٍ ّمبِينٍ (‪ )24‬سبأ) فالهدى استعلء‪ ،‬إستعلء على السوء وعلى الشر وعلى السفاسف‪ .‬لذها قال تعالى (في الرض) لنه فيها تكبر وخيلء‬
‫وفخر و(على) فيها استعلء وهذه صفة عباد الرحمن‪ .‬نلحظ أن البنية في الية كلها تفيد المبالغة (ول تمش في الرض‪ ،‬مرحا) مرحا حال جاء‬
‫بها على وزن المصدر (مرح) هذا يفيد المبالغة إذا أتيت بالحال مصدرا فهو المبالغة قطعا عندما تقول جاء ركضا أبلغ من جاءك راكضا وكما‬
‫س ْعيًا (‪ )260‬البقرة) أبلغ من ساعيات لن أخبرت عن الذات بالحدث المجرد كأنه ليس شيء يثقله من الذات أصبح‬ ‫عهُنّ يَ ْأتِي َنكَ َ‬
‫قال تعالى (ثُ ّم ادْ ُ‬
‫ن توكيد‪ ،‬ومختال فيه المبالغة من افتعل‪ ،‬وفخور مبالغة يعني كل أبنتيها وكل‬ ‫حدثا مجردا‪ .‬في الرض مبالغة في المشي‪ ،‬ومرحا مبالغة‪ ،‬ثم إ ّ‬
‫ترتيبها للمبالغة‪.‬‬
‫آية (‪:)19‬‬
‫ت الْحَمِي ِر (‪))19‬‬
‫صوْ ُ‬ ‫ت لَ َ‬‫صوَا ِ‬ ‫ص ْوتِكَ إِنّ أَنكَ َر ا ْلأَ ْ‬
‫ضضْ مِن َ‬ ‫ك وَاغْ ُ‬ ‫صدْ فِي مَشْيِ َ‬
‫(وَا ْق ِ‬
‫حمِيرِ) اقصد يعني توسّط في المشي بين السراع‬ ‫ض مِن صَ ْو ِتكَ إِنّ أَنكَرَ ا ْلأَصْوَاتِ َلصَوْتُ ا ْل َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ش ِيكَ وَاغْ ُ‬
‫صدْ فِي مَ ْ‬‫هذه الية الكريمة (وَا ْق ِ‬
‫ل فَخُو ٍر (‪ ))18‬والن يوجهنا إلى الطريق‬
‫ختَا ٍ‬
‫ل مُ ْ‬
‫ب كُ ّ‬
‫ض مَرَحًا إِنّ اللّهَ لَا يُحِ ّ‬
‫ش فِي الَْأرْ ِ‬ ‫خ ّدكَ لِلنّاسِ وَلَا تَمْ ِ‬ ‫صعّ ْر َ‬
‫والبطاء‪ ،‬قال تعالى قبلها (وَلَا تُ َ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫المستقيم الصحيح في القصد والعتدال في المشي وفي الكلم‪ .‬القصد هو التوسّط بين السراع والبطاء وإذا احتجت إلى السراع فأسرِع بقدر ما‬
‫ض مِن‬‫غضُ ْ‬‫تحتاج ل تمشي مشيا متماوتا وإنما مشية القصد والمتوسط ل مشية المتماوت ول مشية المسرع كأنه يسابق بدون سبب ول داع‪( .‬وَا ْ‬
‫صَ ْو ِتكَ) اغضض يعني اخفض‪ ،‬جاء بـ (من) ما قال اغضض صوتك‪ ،‬قال اغضض من صوتك للتبعيض فيخفض منه بحيث ل يكون مرتفعا‬
‫فيؤذي ول يكون همسا فل يُسمَع‪ .‬لما نقول اغضض من صوتك أي اخفض منه قليلً ولذلك عند الرسول قال تعالى (إن الذين يغضون‬
‫أصواتهم عند رسول ال) ولذلك كان الصحابة ل يكاد يُسمع أصواتهم عند رسول ال ‪ .‬فرق بين خطاب عموم الناس غض من الصوت وأما‬
‫عند الرسول فتغض صوتك‪ .‬قال (واغضض من صوتك) أي توسط في الصوت والحديث مثل التوسط في المشي‪ .‬ثم ذكّره بما تستقبحه الذان‬
‫حمِيرِ) ذكّر من يرفع صوته أكثر مما يحتاج إليه السامعون ذكّره بصوت الحمار ونُكره في النفس‪ .‬إذن‬ ‫فقال (إِنّ أَنكَرَ ا ْلأَصْوَاتِ لَصَ ْوتُ ا ْل َ‬
‫اغضض من صوتك أي اخفضه بعض الشيء أما يغضون أصواتهم فيعني يخفضه تماما وحتى بعد نزول هذه الية كان الصحابة ل يكاد يُسمع‬
‫ن َيغُضّوا مِنْ َأ ْبصَارِ ِه ْم (‪ )30‬النور) استخدم القرآن الفعل غضّ مع البصر يغض من بصره أي‬
‫صوتهم أمام رسول ال ‪ .‬ولذلك (قُل لّ ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫يقلل أما يغض بصره فل يرى شيئا‪.‬‬
‫ََ‬ ‫*قال تعالى (إ َ َ‬
‫ميرِ) اسَتخدم الحميَر فَي اليَة مَع أنَه فَي مكان آخَر‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ت ل ََ َ‬
‫صوْ ُ‬ ‫ن أنكََر اْل ْ‬
‫صوَا ِ‬ ‫َِ ّ‬
‫مر) فما دللة استخدام (الحمير)؟‬ ‫ح ُ‬
‫استخدم ( ُ‬
‫حمِيرَ ِلتَ ْر َكبُوهَا‬
‫خيْلَ وَا ْل ِبغَالَ وَا ْل َ‬
‫حمُر للوحشية هكذا خصصها‪ .‬قال (وَالْ َ‬ ‫حمُر الهلية وال ُ‬ ‫كلهما جمع حمار‪ ،‬لكن القرآن استعمل كلمة الحمير لل ُ‬
‫ستَنفِرَ ٌة (‪ )50‬فَرّتْ مِن‬ ‫حمُ ٌر مّ ْ‬ ‫حمُر خصصها بالوحشية (كََأّنهُمْ ُ‬ ‫حمُر الهلية وال ُ‬ ‫ن (‪ )8‬النحل) خصص هذا الجمع بال ُ‬ ‫ق مَا لَ َتعَْلمُو َ‬
‫َوزِينَةً َويَخُْل ُ‬
‫سوَرَ ٍة (‪ )51‬المدثر) هذه الوحشية التي في الغابة‪ .‬اللغة العربية ل تفرق بين الكلمتين ولكن هذا من خواص الستعمال القرآني‪ .‬في القرآن كثيرا‬ ‫قَ ْ‬
‫من المور خصصها بالجمع مثل العين والعيون‪ ،‬العيون عيون الماء والعين استعملها للعين الباصرة أو الرعاية‪ ،‬واستخدام الموتى والموات‬
‫ن (‪ )30‬الزمر)‪ .‬كذلك القعود والقاعدين القعود استخدمها في‬ ‫ك َميّتٌ وَِإّنهُم ّمّيتُو َ‬‫والميتون‪ ،‬الموتى للميّت حقيقة والميّتون لمن لم يمت بعد (ِإّن َ‬
‫القعود الحقيقي نقيض القيام والقاعدون في القاعدون عن الجهاد فقط هذا من خواص الستعمال القرآني‪ .‬اللغة العربية قد تخصص مثلً تخصص‬
‫الخال وهي مشتركة بين الشامة وأخ الم‪ ،‬تستخدم خيلن جمع خال الشامة وأخوال لجمع حال أخو الم‪ .‬الركاب والركبان‪ ،‬الركاب عامة للسفينة‬
‫حمُر للوحشية والحمير للهلية المستأنسة‪.‬‬ ‫والخيل وغيرها أما الركبان فللبل فقط‪ ،‬هذا تخصيص العرب والقرآن يخصص في الستعمال‪ .‬فال ُ‬
‫آية (‪:)20‬‬
‫علْ مٍ َولَا‬
‫طنَ ًة وَمِ نَ النّا سِ مَن يُجَا ِدلُ فِي اللّ هِ ِبغَيْرِ ِ‬
‫علَ ْيكُ مْ ِنعَمَ هُ ظَاهِ َرةً وَبَا ِ‬
‫ض وَأَ سْ َبغَ َ‬
‫ت وَمَا فِي ا ْلأَ ْر ِ‬
‫سخّ َر َلكُم مّا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫(َألَ مْ تَ َروْا أَنّ اللّ َه َ‬
‫ُهدًى َولَا كِتَابٍ مّنِي ٍر (‪))20‬‬
‫ُ‬
‫*مَا تعل ّق هذه اليَة وتواصَلها بمَا قبلهَا خاصَة بعَد انتهاء وصَايا لقمان لبنَه فكيَف نربَط بيَن هذه‬
‫الية وما سبقها من آيات؟‬
‫حمِي ِر (‪ ))19‬وبدأ الن كلما آخر‬ ‫ض مِن صَ ْو ِتكَ إِنّ أَنكَرَ الَْأصْوَاتِ لَصَ ْوتُ الْ َ‬ ‫ش ِيكَ وَاغْضُ ْ‬ ‫ص ْد فِي مَ ْ‬ ‫انتهت وصية لقمان بالية التي ذكرناها (وَاقْ ِ‬
‫طنَةً َومِنَ النّا ِ‬
‫س‬ ‫سبَ َغ عََل ْيكُ ْم نِ َعمَهُ ظَا ِهرَةً َوبَا ِ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ا ْلأَ ْرضِ وَأَ ْ‬ ‫وهو كلم رب العالمين وخطابه للخلق (أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ‬
‫سيَ‬‫ع َمدٍ تَرَ ْو َنهَا َوأَلْقَى فِي ا ْلأَرْضِ َروَا ِ‬ ‫ت ِبغَيْ ِر َ‬‫سمَاوَا ِ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫ب ّمنِيرٍ (‪ ))20‬هو قبل وصية لقمان قال (خَلَ َ‬ ‫ل فِي اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِ ْلمٍ وَلَا ُهدًى وَلَا ِكتَا ٍ‬‫مَن يُجَادِ ُ‬
‫ج كَرِي ٍم (‪ ))10‬ذكر خلق السموات وإلقاء الرواسي في الرض‬ ‫سمَاء مَاء َفأَنبَ ْتنَا فِيهَا مِن كُلّ َزوْ ٍ‬ ‫ل دَابّةٍ وَأَن َز ْلنَا مِنَ ال ّ‬‫ث فِيهَا مِن كُ ّ‬‫أَن َتمِي َد ِبكُمْ َوبَ ّ‬
‫ث فيها من كل دابة قبل وصية لقمان وهنا ذكر النِعم التي أنعمها في السموات والتسخير وأسباب النِعم‪ ،‬هناك الخلق وهنا المرحلة الخرى‬ ‫وما ب ّ‬
‫ع َمدٍ تَرَ ْو َنهَا)‬
‫ت ِبغَيْ ِر َ‬‫سمَاوَا ِ‬ ‫ق ال ّ‬‫وهي التسخير بعد الخلق هناك خلق السموات وهنا تسخيرها لن التسخير يكون بعد الخلق‪ ،‬بدأ هناك بالخلق (خَلَ َ‬
‫والن إسباغ النعم والتسخير في النِعم فالخلق أولً ثم التسخير والنِعم التي أنعمها رب العالمين علينا فهو الخالق وهو المسخر وهو المُفيض بالنِعم‪،‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ َليَقُوُلنّ‬ ‫هذه من حيث الرتباط‪ .‬ومن حيث المضمون الناس هم يعلمون أن ال خالق السموات والرض (وََلئِن سَأَ ْل َتهُم مّنْ خََلقَ ال ّ‬
‫اللّ ُه (‪ )38‬الزمر) كان المتوقع أن معرفة هذا المر تدعو الناس إلى عبادته سبحانه لكن مع ذلك ذكر مع هذا (أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي‬
‫ب ّمنِيرٍ) قال قسم من الناس‬ ‫ل فِي اللّ ِه ِب َغيْ ِر عِلْمٍ وَلَا ُهدًى وَلَا ِكتَا ٍ‬ ‫س مَن يُجَادِ ُ‬‫طنَةً َومِنَ النّا ِ‬ ‫سبَ َغ عََل ْيكُ ْم ِنعَمَهُ ظَاهِرَةً َوبَا ِ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْضِ وَأَ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫يجادلون في ال بغير علم ول هدى ول كتاب مبين‪ .‬هذه الية ليست فقط لها ارتباط بالية التي سبقت وصية لقمان فهي كأنها مكملة لها خلق‬
‫سنِينَ (‪))3‬‬ ‫حكِي ِم (‪ُ )2‬هدًى وَ َر ْ‬
‫حمَةً لّ ْلمُحْ ِ‬ ‫ت ا ْلكِتَابِ ا ْل َ‬
‫ك آيَا ُ‬‫السموات وما إلى ذلك ثم بعدها التسخير وحتى يبدو أن لها ارتباطا بأول السورة (تِ ْل َ‬
‫وصف الكتاب بأنه حكيم وذكر بأنه هدى ورحمة للمحسنين وذكر أن هؤلء يجادلون في ال بغير علم ول هدى ول كتاب منير‪ ،‬هناك ذكر‬
‫الكتاب وذكر أنه حكيم‪ ،‬وهنا ذكر أنهم يجادلون بغير علم ولو اطلعوا على الكتاب لكان عندهم علم لن حكيم من الحِكمة توفيق العلم بالعمل‪ ،‬يعلم‬
‫ل وفعلً‪ .‬إذن بغير علم يقابل وصف الكتاب بأنه حكيم لنهم لو اطلعوا وقرأوا‬ ‫ثم يعمل بمقتضى العلم‪ ،‬الحكمة أن يضع الشيء في محله قو ً‬
‫الكتاب لكانوا يتكلمون بعلم‪ ،‬ثم قال (ول هدى) وقد وصف الكتب بأنه هدى قال (هدى ورحمة)‪( .‬ول كتاب منير) وهو أثبت أنه كتاب حكيم (تلك‬
‫آيات الكتاب الحكيم) إذن هنا قال (ورحمة للمحسنين) وهنا لم يحسنوا في الجدال يجادلون بغير علم ول هدى ول كتاب منير إذن لم يحسنوا في‬
‫الجدال وأما الرحمة المذكورة فرحمته بخلقه وما أفاض عليهم من النِعم في السورة‪ .‬فهي إذا كما هي مرتبطة كأنما هي تأتي بعد الوصية هي‬
‫ن (‪.))3‬‬ ‫سنِي َ‬
‫حِ‬ ‫حكِي ِم (‪ُ )2‬هدًى َورَ ْ‬
‫حمَةً لّ ْلمُ ْ‬ ‫ب الْ َ‬
‫مرتبطة بفاتحة السورة (تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْل ِكتَا ِ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫اللمسات البيانية في الية‪:‬‬


‫س مَن يُجَادِلُ فِي اللّ ِه ِب َغيْرِ‬ ‫ن النّا ِ‬ ‫طنَةً َومِ َ‬ ‫سبَ َغ عََل ْيكُ ْم نِ َعمَهُ ظَا ِهرَةً َوبَا ِ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ا ْلأَ ْرضِ وَأَ ْ‬ ‫الية الكريمة (أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ‬
‫ب ّمنِيرٍ) قال ألم تروا ولم يقل ألم تر أي الخطاب لعموم العقلء وليس المفرد‪ ،‬خاطب جمع العقلء‪( .‬ألم تروا) أي ألم‬ ‫عِ ْلمٍ وَلَا ُهدًى َولَا ِكتَا ٍ‬
‫ل (‪ )45‬الفرقان) ربنا ل يُرى فيعني ألم تعلم‪ .‬ورأى قد يكون قلبيا أو‬ ‫ف َمدّ الظّ ّ‬ ‫ك كَيْ َ‬ ‫تبصروا‪ ،‬ألم تر إلى يصير علما يعني ألم تعلم (أَلَ ْم تَرَ إِلَى َرّب َ‬
‫بصريا‪ ،‬فإذن (ألم تروا) الخطاب لعموم العقلء ثم قال (سخر لكم) ذكر نعمته بالتسخير لعموم الخلق ثم قال (ما في السموات وما في الرض)‬
‫شمل عموم ما فيهما ما في السموات وما في الرض وهذا أعمّ تسخير (ما في السموات وما في الرض) (ما بمعنى الذي) لم يقل كما قال في‬
‫ل ْنهَا َر (‪ )32‬إبراهيم) ( َوسَخّ َر َلكُمُ‬ ‫ش ْمسَ وَا ْل َقمَ َر دَآ ِئبَينَ َوسَخّرَ َل ُكمُ الّليْلَ وَال ّنهَارَ (‪ )33‬إبراهيم) تحديدا‪( ،‬وَسَخّرَ َلكُ ُم ا َ‬ ‫مواطن أخرى (وَسَخّر َلكُمُ ال ّ‬
‫الّليْلَ وَا ْلّنهَا َر (‪ )12‬النحل) (اللّهُ اّلذِي سخّرَ َلكُ ُم ا ْلبَحْ َر (‪ )12‬الجاثية) هذه جزيئات وهنا قال (ما في السموات وما في الرض)‪ ،‬إذن ألم تروا‬
‫جمع‪ ،‬سخر لكم جمع ثم ما في السموات وما في الرض أعم تسخير ثم قال (وأسبغ) معناها أفاض في العطاء وليس العطاء فقط‪ ،‬كلها في الزيادة‬
‫والمبالغة في الشيء‪ .‬ثم قال (نِعمه) جمع الكثرة لم يقل أنعمه لن أنعم جمع قلة وجمع القِلّة معدود بين الثلثة والعشرة ونِعم جمع كثرة غير‬
‫ك مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ (‪ )120‬شَاكِرًا لَّأنْ ُعمِ ِه (‪ )121‬النحل) لم‬ ‫حنِيفًا وََلمْ َي ُ‬ ‫معدود لما أثنى ال تعالى على إبراهيم قال (إِنّ ِإبْرَاهِي َم كَانَ ُأمّ ًة قَا ِنتًا لِلّ ِه َ‬
‫يقل لنعمه‪ ،‬ل يستطيع لنها ل تُحصى (وَإِن َتعُدّو ْا ِن ْعمَتَ اللّ ِه لَ ُتحْصُوهَا (‪ )34‬إبراهيم) نعمة هنا جنس وحتى النعمة الواحدة فيها نِعم‪ .‬النِعم‬
‫حصُوهَا) نعمة‬ ‫عامة والنعمة قد تكون للجنس مثل النسان فتشمل جميع النِعم وحتى لو كانت واحدة فهي ل تُحصى‪( .‬وَإِن َت ُعدّو ْا ِنعْمَتَ اللّ ِه لَ تُ ْ‬
‫هنا إسم جنس يعني النعمة على العموم مثل كلمة رجل أحيانا يراد به فرد وأحيانا يراد به جنس‪ .‬هنا قال ربنا تعالى نِعمه ولم يقل أنعمه‪ .‬ثم قال‬
‫(ظاهرة وباطنة) دللة على شمول النِعم لكافة أنواعها ظاهرة وباطنة‪ .‬ولو قال وأسبغ عليكم نعمه قد يظن ظان أنها ظاهرة وغير باطنة مثلً؟‬
‫ذكر ظاهرة وباطنة للشمول لن من النعم ما هو باطن مثل العقل والقلب وما أودعه ال تعالى فينا من القوة والشياء باطنة لن النسان قد ل‬
‫يحس إل بالنعم الظاهرة فقال (ظاهرة وباطنة) وهذه كلها متناسبة مع الشمول الذي يذكره‪ .‬ثم قال (بغير علم ول هدى ول كتاب منير) فأفاض في‬
‫ذكر مركّب الجهل‪ ،‬عناصر الجدل‪ .‬هو أوسع وأفاض في عموم المسخر لهم عموم الخلق (ألم تروا‪ ،‬سخر لكم‪ ،‬أسبغ عليكم) وأوسع وأفاض فيما‬
‫سخره لهم (ما في السموات وما في الرض) وأوسع وأفاض في الفعل (أسبغ) وأوسع وأفاض في النعم (نعمه) وأوسع وأفاض في الشمول‬
‫(ظاهرة وباطنة) وأوسع وأفاض في ذكر عناصر الجهل (بغير علم ول هدى ول كتاب مبين) هذه تشمل عناصر الجهل المركّب الظاهر والباطن‪.‬‬
‫العلم هذا باطني أنت ترى إنسانا لكن ل تحدد علمه من الرؤية وقد تظهر بعض الثار إذا تكلم الشخص‪ ،‬هذا أمر باطني‪ .‬والهدى قسمين قد يكون‬
‫ظاهرا وقد يكون باطنا‪ ،‬ظاهرا في الكتب ورب العالمين سمى الكتب هدى التوراة والنجيل والقرآن هدى ورحمة‪ ،‬والهدى الظاهر أدلء الطريق‬
‫لرْضِ رَوَاسِيَ أَن َتمِي َد بِكُمْ َوَأ ْنهَارًا‬ ‫جدُ عَلَى النّا ِر ُهدًى (‪ )10‬طه) من يهديه وذكر النجوم (وَأَ ْلقَى فِي ا َ‬ ‫ت نَارًا ّلعَلّي آتِيكُم ّم ْنهَا بِ َقبَسٍ أَوْ َأ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫(ِإنّي آنَ ْ‬
‫ن (‪ )16‬النحل) هذا هدى ظاهر والهدى الباطن هو توفيق ال وما يقذفه من نور في قلب‬ ‫ن (‪ )15‬وَعَلمَاتٍ َوبِالنّجْ ِم هُ ْم َي ْهتَدُو َ‬ ‫سبُلً ّلعَّلكُ ْم َت ْهتَدُو َ‬
‫َو ُ‬
‫ل نَ ْفسٍ ُهدَاهَا (‪)13‬‬ ‫النسان (ِإّنهُ ْم ِف ْتيَةٌ آ َمنُوا بِ َرّبهِمْ وَ ِز ْدنَاهُ ْم ُهدًى (‪ )13‬الكهف) ( َويَزِيدُ اللّهُ اّلذِينَ ا ْه َتدَوْا ُهدًى (‪ )76‬مريم) (وَلَوْ ِ‬
‫ش ْئنَا لَآتَ ْينَا كُ ّ‬
‫السجدة) وقوله (ول كتاب منير) هذا كتاب ظاهر مقروء‪ .‬إذن نفى عناصر الجهل وتدرج في ذكر العناصر من الباطن إلى المشترك إلى الظاهر‪،‬‬
‫الباطن هو العلم والمشترك هو الهدى والباطن هو الكتاب‪ .‬ثم وصف الكتاب بأنه منير لم يقل فقط ول كتاب لن هؤلء قد يرجعون إلى كتب غير‬
‫سبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِلْ ٍم (‪ )6‬لقمان) وقد يرجعون إلى الكتب المحرفة‪ ،‬إذن كلمة منير أفادت أنها‬ ‫ل عَن َ‬ ‫ضّ‬ ‫حدِيثِ ِليُ ِ‬ ‫شتَرِي َلهْوَ ا ْل َ‬ ‫س مَن يَ ْ‬ ‫منيرة ( َومِنَ النّا ِ‬
‫حددت كتاب ال‪ .‬علقة منير بالوصف الذي قبله من الجهل المركّب الذين هم فيه أنهم في ظلمات ويخرجهم من الظلمات إلى النور‪ .‬واللطيفة أن‬
‫هذه المجادلة في ال بغير علم ول هدى ول كتاب منير هي أنكر المجادلت وهي مثل أنكار صوت الحمير فمن اللطيفة أن تكون بعدها‪ ،‬فهي‬
‫مناسبة لما قبلها‪ .‬جعل كلهما من المستنكرات المستنكر في العقول أن يرفع النسان صوته والمستنكر في الجدال والنقاش أنه بغير علم ول هدى‬
‫ول كتاب منير‪.‬‬
‫القرآن كله وحدة واحدة مترابطة دائما ول يمكن تفسير القرآن بما هو خارج عنه وهناك كلم أن القرآن يفسر بعضه بعضا ومن السس الذي‬
‫يتصدى لعلم التفسير أن يرجع إلى ما في القرآن من نحو التعبيرات والمعاني حتى يتبين له كثير من المور‪ .‬وهناك رسالة دكتوراة بعنوان وحدة‬
‫السورة في القرآن الكريم تناولت هذه الجوانب‪.‬‬
‫ستَقِيم ٍ (‪ ))121‬وفي سورة‬ ‫م ْ‬‫ط ُ‬
‫صَرا ٍ‬‫جتَبَا هُ وَهَدَا هُ إِلَى ِ‬ ‫شاكًِرا ِلَنْعُ ِ‬
‫م هِ ا ْ‬ ‫*قال تعالى في سورة النحل ( َ‬
‫م ُهَ ظَاهَِرةً وَبَاطِن َ ً‬ ‫ََ‬
‫ة (‪ ))20‬فمَا الفرق بيَن أنعَُم ونِعََم؟ نِعمَه هَل هَي نِعََم‬ ‫سبَغَ عَلَيْك َُ ْ‬
‫م نِعَ َ‬ ‫لقمان (وَأ ْ‬
‫واحدة؟‬
‫أنعم جمع قِلّة على وزن أفعُل‪ ،‬نِعم جمع كثرة‪ .‬ونعم ال تعالى ل تحصى ول يمكن أن تُشكر ول نستطيع شكرها فال تعالى مدح ابراهيم على أنه شكر‬
‫النعم أي القليل من النِعم فمدحه على ذلك لنه ل يمكن لحد أن يشكر ِنعَم ال تعالى التي ل تُحصى فأثنى على ابراهيم لنه كان شاكرا لنعم ال تعالى‪.‬‬
‫وال تعالى لم يسبغ علينا أنعما ولكنه أسبغ نعما ظاهرة وباطنة ل تُحصى‪.‬‬
‫والسباغ هو الفاضة في ذكر النِِعم‪ .‬قال تعالى في سورة النسان (إِنّا َه َديْنَاهُ السّبِيلَ ِإمّا شَاكِرًا وَِإمّا كَفُورًا (‪ ))3‬شاكرا اسم فاعل والكفور مبالغ في الكفر‪.‬‬
‫وتوجد نِعم مستديمة منها ما نعلم وما ل نعلم وال تعالى أفاض علينا بالنعم الكثيرة ولو شكرنا نشكر باللسان وهو بحد ذاته نعمة‪.‬‬

‫آية (‪:)21‬‬
‫سعِي ِر (‪))21‬‬
‫عذَابِ ال ّ‬
‫علَيْهِ آبَاءنَا َأ َو َل ْو كَانَ الشّيْطَانُ َيدْعُو ُهمْ ِإلَى َ‬
‫ج ْدنَا َ‬
‫(وَِإذَا قِي َل َل ُهمُ اتّ ِبعُوا مَا أَن َز َل اللّهُ قَالُوا َبلْ نَتّ ِبعُ مَا وَ َ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫اللمسات البيانية في الية‪:‬‬


‫أراد أن يبين ضللهم وجهلهم بعد أن ذكر مجادلتهم في ال بغير علم ول هدى ول كتاب منير أراد أن يبين ضللهم وجهلهم وقلة إدراكهم‪ ،‬ما قال‬
‫اتبعوا ما عندنا أو اتبعوا سبيلنا وإنما قال (اتبعوا ما أنزل ال) لو قال اتبعوا سبيلنا لقالوا سبيلنا أفضل‪ ،‬قال (اتبعوا ما أنزل ال) هذه محايدة هل ما‬
‫عندهم أفضل مما أنزل ال؟ بالطبع ل‪ .‬لو قال لهم اتبعوا سبيلنا أو ما عندنا لقالوا ما عندنا أفضل وفيه الكفاية‪ .‬ثم قال (وإذا قيل لهم) بني الفعل‬
‫ل معينا لنه ل يتعلق المر بذكره وحتى ل يُظن أن رفضهم بسبب هذا القائل لنك أحيانا ترفض القول‬ ‫لما لم يسمى فاعله (قيل) لو يذكر فاع ً‬
‫ن عَظِي ٍم (‪ )31‬الزخرف) حتى في حياتنا قد تقبل القول من أحدهم ول تقبله من آخر‬ ‫ل مّنَ ا ْلقَ ْر َي َتيْ ِ‬
‫ن عَلَى رَجُ ٍ‬
‫ل َهذَا ا ْلقُرْآ ُ‬
‫بسبب قائله ( َوقَالُوا لَ ْولَا نُزّ َ‬
‫ولذلك قال (وإذا قيل لهم) للمحايدة حتى ل تأخذهم العزة بالثم‪ .‬ثم قال (بل نتبع ما وجدنا عليهم آباءنا) أي جعلوا آباءهم بإزاء ال تعالى‪ ،‬لو قالوا‬
‫لو نعلم أن هذا أنزله ال لتبعناه لو قالوا ذلك كان يعذرهم السامع حتى يقيم عليهم الحجة‪ ،‬لكنهم قيل لهم (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل ال) هم‬
‫يرفضون الرسالة بحد ذاتها آثروا اتباع آباءهم على ما أنزل ال بغير علم ول هدى ول كتاب منير‪ .‬ثم قال (أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب‬
‫السعير) هذا سؤال تعجيب من حالهم‪ ،‬هذا كلم رب العالمين يتعجب من حال هؤلء (أولو كان) استفهام يُنكر عليهم يثير العجب من حالهم‪ .‬هم‬
‫قالوا (بل نتبع ما وجدنا عليهم آباءنا) بإزاء ما أنزل ال‪( ،‬أولو كان الشيطان) هذا تعجيب من حالهم لن معتنق كل فكرة يبتغي المآل السعيد‬
‫والعاقبة الحسنة‪ ،‬وهو ذكر أمرين‪ :‬الشيطان يدعوهم والشيطان ل شك أنه عدو للنسان ثم عاقبة من اتبعه عذاب السعير فكيف يتبعونه؟! الداعي‬
‫هو الشيطان والمآل عذاب السعير فكيف يتبوعه؟ هذه إهانة لكل عاقل أن ينجو بجلده ويفر مما هو فيه إلى ما أنزل ال‪ .‬الشيطان غرّهم كما غرّ‬
‫أباهم آدم ‪ .‬الشياطين يدعون إلى عذاب السعير‪ .‬انتهى كلمهم عند (بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) (أولو كان الشيطان) هذا كلم ال تعالى‪ ،‬لما‬
‫قالوا (بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) الشيطان هو الذي يمنعهم من اليمان إذن هو منعهم ودعاهم ووسوس لهم وترك ورفض ما دعاهم إليه ال‬
‫سبحانه وتعالى وفي الحقيقة الشيطان دعاهم إلى عذاب السعير وإلى جهنم‪ .‬في هذا القول الشيطان دعاهم إلى عذاب السعير‪ .‬التركيب (أولو) يعني‬
‫أولو كان ذلك؟ تقول لفلن سأفعل كذا فيقول أول كان كذا؟ تقول ولو كان كذا‪ ،‬ولو فعلت كذا؟ لو فعلت كذا‪ ،‬أولو كان فذ ذلك أذى؟ قال ولو كان‬
‫في ذلك أذى‪ ،‬برغم أن الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير‪ .‬الجابة على أولو كان؟ نقول ولو كان‪ ،‬هذا إصرار عجيب وما التفتوا ول انتبهوا‬
‫لن الشيطان ع ّم عليهم‪.‬‬
‫َ َ َ‬
‫ما وَ َ‬
‫جدْن َا‬ ‫ل نَتَّب ِعُ َ‬
‫ه قَالُوا ب َ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَز‬‫م اتَّبِعُوا َ‬‫ل لَه ُ ُ‬‫*ما الفرق بين وجدنا وألفينا في القرآن (وَإِذ َا قِي َ‬
‫نَ ال َّ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫م اتَّبِعُوا ََ‬
‫ل لَهَُ ُ‬ ‫سَّعِيرِ (‪ )21‬لقمان) (وَإِذ َا قِي َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫م إِلَى عَذ َا َِ‬ ‫نَ يَدْعُوهَُ ْ‬ ‫شيْطَا ُ‬ ‫عَلَي َْهِ آبَاءن ََا أ َولَوْ كَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَنَز َ‬
‫ن (‪)170‬‬ ‫شيْئا ً وَل َ يَهْتَدُو ََ‬ ‫ن َ‬ ‫قلُو ََ‬ ‫م ل َ يَعْ ِ‬
‫ن آبَاؤُهَُ ْ‬‫ما ألْفَيْن ََا عَلَي َْهِ آبَاءن ََا أ َولَوْ كَا ََ‬
‫ل نَتَّب َِعُ ََ‬
‫ه قَالُوا ْ ب َ ْ‬‫ل الل َّ ُ‬
‫البقرة)؟‬
‫شيْئا َولَ‬ ‫ل َيعْقِلُونَ َ‬ ‫ن آبَاؤُهُ ْم َ‬ ‫ل َنّتبِعُ مَا أَلْ َف ْينَا عََليْهِ آبَاءنَا أَوَلَ ْو كَا َ‬
‫نقرأ الية التي فيها ألفينا والتي فيها وجدنا (وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُو ْا بَ ْ‬
‫عذَابِ‬‫ن َيدْعُوهُمْ إِلَى َ‬ ‫شيْطَا ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ج ْدنَا عََليْهِ آبَاءنَا أَوَلَ ْو كَا َ‬ ‫ل َنتّبِ ُع مَا وَ َ‬ ‫ن (‪ )170‬البقرة) وفي الخرى (وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا أَنزَلَ اللّ ُه قَالُوا بَ ْ‬ ‫َي ْهتَدُو َ‬
‫ش ْيئًا َولَ‬ ‫ن آبَاؤُ ُه ْم لَ َيعَْلمُونَ َ‬ ‫ج ْدنَا عََليْهِ آبَاءنَا أَ َولَ ْو كَا َ‬ ‫س ُبنَا مَا وَ َ‬
‫ل قَالُواْ حَ ْ‬ ‫ل اللّهُ وَإِلَى الرّسُو ِ‬ ‫سعِي ِر (‪ )21‬لقمان) (وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم َتعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن (‪ )104‬المائدة)‪ .‬آية ألفينا وآيتين وجدنا‪ .‬في القرآن الكريم لم يرد الفعل ألفى إل فيما هو مشاهد محسوس ولذلك قال بعض النحاة أنه ليس‬ ‫َي ْهتَدُو َ‬
‫من أفعال القلوب‪ ،‬قسم يدخلوه في أفعال القلوب وقسم يقولون ل ليس من أفعال القلوب وإنما في الفعال المحسوسة المشاهدة‪ .‬أفعال القلوب قلبية‬
‫سّيدَهَا َلدَى‬ ‫يستشعر بها‪ .‬وهي فعلً في القرآن لم ترد إل مشاهدة‪ .‬في هذه اليات في القرآن (ِإنّهُمْ َألْفَوْا آبَاء ُهمْ ضَالّينَ (‪ )69‬الصافات) (وَأَ ْل َفيَا َ‬
‫ل َنّتبِعُ مَا َألْ َف ْينَا عََليْهِ آبَاءنَا (‪ )170‬البقرة)‪( .‬وجدنا) في القرآن وفي غير القرآن وردت قلبية وغير قلبية ومشاهدة وغير‬ ‫ب (‪ )25‬يوسف) (بَ ْ‬ ‫ا ْلبَا ِ‬
‫جدَ اللّ َه عِندَ ُه (‪)39‬‬ ‫جدَ عِندَهَا قَ ْومًا (‪ )86‬الكهف) (وَ َو َ‬ ‫جدَ عِندَهَا رِزْقا (‪ )37‬آل عمران) ( َووَ َ‬ ‫حرَابَ َو َ‬ ‫ل عََل ْيهَا َزكَ ِريّا ا ْلمِ ْ‬ ‫خَ‬ ‫ل (كُّلمَا دَ َ‬ ‫مشاهدة مث ً‬
‫سنّةِ اللّ ِه َت ْبدِيلًا (‪ )62‬الحزاب) ( َومَن َي ْعمَلْ سُوءًا‬ ‫جدَ لِ ُ‬ ‫ع ْهدٍ (‪ )102‬العراف) يعني وجدهم يخلفون الميعاد‪َ ( ،‬ولَن تَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫لكْثَرِهِم مّ ْ‬ ‫ج ْدنَا َ‬ ‫النور) ( َومَا وَ َ‬
‫جدِ اللّ َه غَفُورًا رّحِيمًا (‪ )110‬النساء) وجد هي أشمل وتستعمل للمور القلبية وألفينا للمور المحسوسة هذا في‬ ‫س َتغْ ِفرِ اللّ َه يَ ِ‬
‫ظلِ ْم نَفْسَ ُه ثُ ّم يَ ْ‬
‫َأوْ يَ ْ‬
‫القرآن أما في غير القرآن ففيها كلم‪ .‬من حيث اللغة قسم من النحاة يقول هي ليست من أفعال القلوب أصلً‪ ،‬هذا حكم عند قسم من النحاة‪.‬‬
‫والنحاة في (وجد) هذه ل يختلفون فيها ويقولون هي من أفعال القلوب الفعال المحسوسة أما (ألفى) فهم مختلفون فيها قسم يقول هي قد تأتي من‬
‫أفعال القلوب وقسم يقول هي ليست من أفعال القلوب‪ .‬في القرآن لم ترد في أفعال القلوب وإنما هي محسوسة‪ .‬ماذا ينبني على هذا؟ التعبير كيف‬
‫اختلف بالنسبة لهذا المر؟ الذي ل يؤمن إل بما هو مشاهد وحسوس معناه هو أقل علما ومعرفة وإطلعا بمن هو أوسع إدراكا‪ ،‬أقل‪ ،‬ولذلك‬
‫عندما يستعمل (ما ألفينا عليها آباءنا) يستعملها في الذم أكثر من (وجدنا)‪ ،‬يعني يستعمل (ألفى) إذا أراد أن يذم آباءهم أشد من الحالة‪ ،‬الذم محتلف‬
‫ل نَ ّتبِ ُع مَا أَ ْل َفيْنَا عََليْهِ‬
‫وقد تكون حالة أشد من حالة في الحالة الشديدة يستعمل ألفينا‪ ،‬يستعملها أشد في الذم‪( .‬وَِإذَا قِيلَ َل ُه ُم ا ّتبِعُوا مَا أَن َزلَ اللّ ُه قَالُو ْا بَ ْ‬
‫ن (‪ )170‬البقرة) نفى عنهم العقل‪( ،‬وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم َتعَاَلوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ َوإِلَى الرّسُولِ قَالُو ْا حَ ْ‬
‫س ُبنَا‬ ‫شيْئا َولَ َي ْهتَدُو َ‬ ‫ن آبَاؤُ ُه ْم لَ َيعْقِلُونَ َ‬ ‫آبَاءنَا أَ َولَ ْو كَا َ‬
‫ن (‪ )104‬المائدة) نفى عنهم العلم‪ .‬أيّ الشد تنفي العقل أو تنفي العلم؟ نفي العقل‬ ‫ل َي ْهتَدُو َ‬
‫شيْئًا َو َ‬‫ل َيعَْلمُونَ َ‬ ‫جدْنَا عََليْ ِه آبَاءنَا أَوَلَ ْو كَانَ آبَاؤُهُ ْم َ‬ ‫مَا َو َ‬
‫أشد‪ .‬فاستعمل ألفى في نفي العقل ونفي العقل يعني نفي العلم‪ .‬نفى العقل وفي الثانية نفى العلم‪ ،‬العاقل يمكن أن يعلم لكن غير العاقل ل يعلم‪.‬‬
‫سعِيرِ (‪)21‬‬ ‫عذَابِ ال ّ‬ ‫ن يَدْعُوهُ ْم إِلَى َ‬ ‫شيْطَا ُ‬ ‫ج ْدنَا عََليْهِ آبَاءنَا َأوَلَ ْو كَانَ ال ّ‬ ‫ل اللّ ُه قَالُوا بَلْ َنّتبِعُ مَا وَ َ‬ ‫وحتى في الية الخرى (وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا أَنزَ َ‬
‫لقمان) الشيطان يدعو العاقل أو غير العاقل" يدعو العاقل لن غير العاقل غير مكلف‪ ،‬يدعوهم معناه هم أصحاب عقل إذن هو يستعمل ألفى إذا‬
‫أراد أن يذم أشد بنفي العقل ويستعمل وجد لما هو أقل‪.‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫سؤال‪ :‬الجاهليون كانوا يعلمون هذا الكلم ألفى ووجد والفروق الدللية؟‬
‫هم قطعا يستعملون ألفى في المور المادية المحسوسة أكثر ولذلك قال قسم من النحاة أنه ليس من أفعال القلوب‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬إذن كل كلمة في القرآن تحتاج إلى دراسة وإلى علم غزير وليس إلى وجهة نظر أو انطباع القارئ أو الباحث في القرآن الكريم وهناك‬
‫علقات ترابطية ودللية ل بد أن تحتاج إلى علم وأي علم‪.‬‬
‫الجتهاد مبني على علم وأصحاب علوم القرآن يذكرون شروط للذي يتصدى لهذا العلم‪ ،‬ل يأتي أحد ويقول أنا أفسر القرآن الكريم‪.‬‬
‫آية (‪:)22‬‬
‫ستَمْسَكَ بِا ْلعُ ْر َوةِ ا ْلوُثْقَى وَِإلَى اللّهِ عَاقِ َب ُة ا ْلأُمُورِ (‪))22‬‬
‫جهَهُ ِإلَى اللّهِ َو ُهوَ مُحْسِنٌ فَ َقدِ ا ْ‬
‫س ِل ْم وَ ْ‬
‫(وَمَن يُ ْ‬
‫*مَا هَو السَلوك التركيَبي للفعَل ي َُسلم مَن حيَث التعدّي واللزوم؟هنَا جاء الفعَل ي َُسلم متعدياً‬
‫بََحرف الجَر (إلى) وفَي مواطَن أخرى فَي القرآن متعديا ً بحرف الجَر اللم (فَل ََ ََ‬
‫موا وَب َ ّ ِ ِ‬
‫شر‬ ‫سل ِ ُ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ‬
‫خبتِي ن (‪ )34‬الحج) (فَقُ ْ َ‬
‫ي لِل ّهِ (‪ )20‬آل عمران) فما الفرق بين تعديه باللم وتعديه‬ ‫جه ِ َ‬
‫ت َو ْ‬ ‫سل َ ْ‬
‫م ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫م ْ ِ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫بإلى؟‬
‫جهَهُ إِلَى اللّهِ)‪ ،‬البقية باللم أو من‬ ‫أكثر ما ورد في القرآن متعديا باللم ولم ترد إل هذه الية بإلى فقط هذه الية في سورة لقمان ( َومَن يُسْلِمْ َو ْ‬
‫ن (‪ )44‬النمل) (قَالَ‬ ‫ت مَعَ سَُل ْيمَانَ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِي َ‬ ‫دون حرف جر (وََلكِن قُولُوا أَسَْل ْمنَا (‪ )14‬الحجرات)‪ .‬ما الفرق بين أسلم إلى وأسلم لـ؟ (وََأسَْلمْ ُ‬
‫ب ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )66‬غافر) ما الفرق بينهما في الدللة؟ أسلم إليه معناه دفعه إليه‪ ،‬تسليم‬ ‫ن (‪ )131‬البقرة) (وَُأمِ ْرتُ أَنْ أُسِْلمَ لِرَ ّ‬ ‫َأسَْلمْتُ لِ َربّ ا ْلعَاَلمِي َ‬
‫دفعه إليه أو فوّض أمره إليه هذ المشهور‪ ،‬من التوكل‪ .‬أسلم بمعنى انقاد وخضع ومنها السلم النقياد‪ .‬أسلم الشيء إليه أي دفعه إليه‪ ،‬أعطاه إليه‬
‫بانقياد هذه أسلمه إليه أو فوض أمره إليه وهذا أشهر معنى لسلم إليه‪ .‬أسلم ل معناه انقاد له وجعل نفسه سالما له أي خالصا له‪ ،‬جعل نفسه ل‬
‫ت مَعَ سَُل ْيمَانَ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )44‬النمل) انقدت له وخضعت وجعلت نفسي سالمة له خالصة‬ ‫سَلمْ ُ‬
‫خالصا أخلص إليه‪ .‬لما قالت ملكة سبأ (وَأَ ْ‬
‫ليس لحد فيه شيء‪ .‬وإبراهيم قال (قَالَ أَسَْلمْتُ ِلرَبّ ا ْلعَاَلمِينَ) أسلم له أي انقاد له وجعل نفسه خالصة له أما أسلم إليه معناها دفعه إليه لذا‬
‫يقولون أسلم ل أعلى من أسلم إليه لنه لم يجعل معه لحد شيء‪ ،‬ومن يسلم وجهه إلى ال اختلفت الدللة أسلم إليه أي فوّض أمره إليه يعني في‬
‫الشدائد (وَُأفَوّضُ َأمْرِي إِلَى اللّ ِه (‪ )44‬غافر) أو في النقياد أما أسلم ل فجعل نفسه خالصا ليس لحد شيء‪ .‬لذلك قال القدامى أسلم له أعلى من‬
‫أسلم إليه لنه إذا دفعه إليه قد يكون لم يصل لكن سلّم له اختصاص واللم للملك (أسلم ل) ملّك نفسه ل ولذلك قالوا هي أعلى‪ .‬الدللة فيها انقياد‬
‫جدْنَا عََليْهِ‬ ‫ل َنتّبِ ُع مَا َو َ‬
‫لكن السؤال يبقى لماذا قال هنا في آية لقمان (إلى)؟ السياق يحدد‪ ،‬قبل هذه الية قال (وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا أَنزَلَ اللّ ُه قَالُوا بَ ْ‬
‫سعِي ِر (‪ ))21‬التباع أن يسير المتبِع خلف المتبَع كأنما يسلم أمره إليه وذاك يسلم قياده إلى ال‪ ،‬هذا‬ ‫عذَابِ ال ّ‬ ‫ن يَدْعُوهُمْ ِإلَى َ‬
‫شيْطَا ُ‬
‫آبَاءنَا أَ َولَ ْو كَانَ ال ّ‬
‫أسلم قياده إلى الشيطان اتّبعه وأي واحد اتبع أحدا يسلم قياده إليه وهذا أسلم قياده ووجهه إلى ال‪ ،‬ذاك يقوده الشيطان وهذا أسلم قياده إلى ال‪ ،‬هذا‬
‫سكَ بِا ْلعُرْوَةِ ا ْل ُوثْقَى وَِإلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ‬‫س َتمْ َ‬
‫ن فَ َقدِ ا ْ‬
‫حسِ ٌ‬‫جهَهُ إِلَى اللّهِ وَهُ َو مُ ْ‬
‫أمر‪ .‬أسلم إليه بمعنى فوض أمره إليه وانقاد ولو قرأنا الية ( َومَن يُسِْلمْ وَ ْ‬
‫سكَ بِا ْلعُرْوَةِ الْ ُو ْثقَى) هذا الذي يفوض‬ ‫س َتمْ َ‬
‫الُْأمُورِ) النسان لماذا يفوض أمره إلى ال؟ في حال الشدائد يفوض أمره إلى ال فقال ربنا تعالى (فَ َقدِ ا ْ‬
‫أمره إلى ال ل تناله الشدائد فقد استمسك بالعروة الوثقى‪ ،‬العروة الوثقى تعصمه من الشدائد وهي إسلم وجهه إلى ال‪ ،‬ثم قال النتيجة ماذا يحدث‬
‫من عاقبة المور؟ فوضت أمرك إلى ال في الشدائد ولكن ماذا سيحصل (إلى ال عاقبة المور)‪ .‬إذن (من يسلم وجهه إلى ال) اقتضى هذا‬
‫التعبير أمران‪ :‬اقتضى التباع ما قبله لنهم قالوا (بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) بإزاء أولئك (ومن يسلم وجهه إلى ال)‪ ،‬بالمعنى الخر (وأفوض‬
‫أمري إلى ال) بمعنى التفويض والتوكل عليه يأتي (فقد استمسك بالعروة الوثقى) أيضا يقتضي السلم إلى ال وهو تفويض المر إلى ال‪ ،‬بهذا‬
‫المعنى فقد استمسك بالعروة الوثقى وبالمعنى الخر أسلم قياده إلى ال بإزاء أولئك الذين اتبعوا الشيطان‪ .‬فإذن أسلم وجهه إلى ال يقتضيها التعبير‬
‫من كل ناحية‪ .‬ثم قال (وإلى ال عاقبة المور) يعني من يستمسك بالعروة الوثقى واستمسك بها أما العاقبة ماذا سيحصل فيما بعد هذا إلى ال‬
‫عاقبة المور يحسمها فيما بعد‪ .‬العورة هي ما يُمسك به‪.‬‬
‫ََ‬
‫ن) ورد الفعَل أسَلم بالماضَي‬
‫سَ ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫ه لِل َّهِ وَهُوَ ُ‬
‫م ْ‬ ‫جهََ ُ‬ ‫سل َ َ‬
‫م َو ْ‬ ‫*فَي سَورة البقرة قال تعالى (بَلَى َ‬
‫م نَْ أ ْ‬
‫وفي لقمان بالمضارع فما الفرق بينهما؟‬
‫جهَهُ ِللّهِ وَهُ َو‬‫سلَمَ َو ْ‬
‫ك بِا ْلعُ ْروَةِ الْ ُوثْقَى وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ) وآية البقرة (بَلَى مَنْ أَ ْ‬
‫سَ‬‫س َتمْ َ‬
‫ن َف َقدِ ا ْ‬
‫جهَهُ إِلَى اللّهِ وَهُ َو مُحْسِ ٌ‬
‫في لقمان ( َومَن يُسْلِمْ َو ْ‬
‫ح َزنُونَ (‪ ))112‬هناك أكثر من اختلف بين اليتين‪ :‬الماضي والمضارع‪ ،‬واللم وإلى‪ ،‬ثم‬ ‫ل هُ ْم يَ ْ‬ ‫ف عََل ْيهِمْ َو َ‬
‫ن فَلَهُ أَجْ ُر ُه عِندَ َربّهِ َولَ خَوْ ٌ‬
‫حسِ ٌ‬ ‫مُ ْ‬
‫تأتي أمور أخرى (فقد استمسك بالعروة الوثقى) في لقمان ولم يقلها في البقرة واختلف الجواب (فله أجره عند ربه) في البقرة ولم يقلها في لقمان‪.‬‬
‫المضارع والماضي سياق اليتين يوضح الستعمال‪ .‬أسلم إلى قلنا بمعنى التباع وتفويض المر إذا كان بمعنى التباع فأمور التباع كثيرة وإذا‬
‫كان بمعنى التفويض وما يقع للنسان من حوادث ونوازل كثيرة وهذا يقتضي إذن التعدد وقلنا سابقا أنه إذا وقع فعل الشرط مضارعا بعد أداة‬
‫جدْنَا عََليْ ِه آبَاءنَا)‬
‫ل َنّتبِعُ مَا َو َ‬
‫الشرط فهذا يفيد التكرار غالبا وإذا وقع بالماضي يفيد وقوع الحدث مرة في الغالب‪ .‬آية لقمان يتعلق بالتباع (قَالُوا بَ ْ‬
‫وأمور التباع كثيرة في الحياة ما يتعلق بالحلل والحرام وإذا كان بمعنى التفويض إلى ال في حال النوازل والشدائد هذه كثيرة إذن يقتضي تكرر‬
‫ن هُودا أَ ْو نَصَارَى (‪ ))111‬قال ربنا تعالى (تِ ْلكَ‬ ‫ل مَن كَا َ‬ ‫جنّةَ ِإ ّ‬
‫المسألة‪ .‬في آية البقرة جاءت في الرد على اليهود والنصارى ( َوقَالُواْ لَن َيدْخُلَ ا ْل َ‬
‫ن(‬‫ف عََل ْيهِمْ َولَ ُه ْم يَحْ َزنُو َ‬‫خوْ ٌ‬ ‫ن فَلَهُ َأجْرُ ُه عِندَ َربّهِ َولَ َ‬ ‫ل هَاتُو ْا بُرْهَا َنكُمْ إِن كُنتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ )111‬بَلَى مَنْ َأسْلَمَ َو ْ‬
‫جهَهُ لِلّهِ وَهُ َو مُحْسِ ٌ‬ ‫َأمَانِ ّيهُ ْم قُ ْ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫‪ ))112‬يدخلها المسلم في مقابل اليهود والنصارى الذين قالوا (لن يدخل الجنة إل من كان هودا أو نصارى) القرآن رد عليهم (تِ ْلكَ َأمَا ِنيّهُ ْم قُ ْ‬
‫ل‬
‫ن (‪ ))112‬يعني بلى‬ ‫ف عََل ْيهِمْ َولَ ُه ْم يَحْ َزنُو َ‬
‫خوْ ٌ‬
‫ن فَلَهُ َأجْرُ ُه عِندَ َربّهِ َولَ َ‬ ‫هَاتُو ْا بُرْهَا َنكُمْ إِن كُنتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ )111‬بَلَى مَنْ َأسْلَمَ َو ْ‬
‫جهَهُ لِلّهِ وَهُ َو مُحْسِ ٌ‬
‫يدخلها كل مسلم والسلم كم مرة يدخل النسان به؟ مرة واحدة من قال أشهد أن ل إله ال مرة واحدة فهو مسلم أما تفويض المر والتباع كثير‬
‫فلما يتعلق المر بالتفويض والتباع يقول (يسلم) بالمضارع لنها تتكرر ولما يذكر الدخول في السلم فهو مرة واحدة فيستعمل الماضي (أسلم)‪.‬‬
‫الحاكم في السياق هو المسرح الذي تتم فيه الحداث‪.‬‬
‫في آية البقرة لم يقل (فقد استمسك بالعروة الوثقى) كما ذكر في آية لقمان وإنما ذكر الجر لنه ليس في الية تفويض أمر‪ ،‬ذكر الجر‪ .‬قال (من‬
‫يسلم وجهه ل فقد استمسك بالعروة الوثقى) وقال (ومن أسلم وجهه ل فله أجره عند ربه) أيها أعلى العاقبتين؟ العاقبة في البقرة أعلى‪ ،‬جعل‬
‫الجر مع السلم ل والخلص ل أن يكون سالما خالصا ل جعل عاقبته الجر (فله أجره عند ربه) ناسب بين علو الجر وبين معنى دللة‬
‫السلم لما جعل نفسه خالصا له لننا قلنا أسلم ل أي جعل نفسه خالصا ل ليس لحد آخر فيه نصيب هذا عاقبته (فله أجره عند ربه) ذاك بمعنى‬
‫التفويض قال (فقد استمسك بالعروة الوثقى)‪ ،‬لما جعل نفسه خالصا ل قال (فله أجره عند ربه) جعل هذه عاقبته‪ .‬بالمناسبة أذكر مسألة عرضا في‬
‫السابق أذكر حادثة كثيرا ما كنت أدعو ال إني أسألك الفردوس العلى فجاءني زمن كنت دائما أقول هذا الدعاء رأيت في المنام كأني في يدي‬
‫كتاب من كتاب ال ليس هو القرآن ول التوراة ول النجيل (وقد قرأتها جميعا عندما ألّفت كتاب نبوءة محمد من الشك إلى اليقين) كأني أقرأ‬
‫كتاب من كتاب ال مكتوب فيها " إن الذي يسأل الفردوس العلى عليه أن ل يدع حظا لنفسه" بمعنى أن تجعل كل شيء ل خالصا أن يجعل نفسه‬
‫خالصة ل وأن ل يدع حظا لنفسه‪ ،‬هذا ما قرأت‪.‬‬
‫في كل اليتين من أسلم ل وأسلم إلى ال كلهما محسن لذلك قال القدامى أسلم ل أعلى من أسلمت إلى ال كما قال الرازي واختلف الجر وكل‬
‫أجر مناسب لكل واحد ذاك فوض أمره إلى ال فقد استمسك بالعروة الوثقى وذاك جعل نفسه خالصا ل فله أجره عند ربه وكونه مسلم دخل في‬
‫السلم‪.‬‬
‫َ‬
‫ه إِلَى الل ّهِ وَهُوَ محسن) أ ّ‬
‫خر لفظ الجللة بعد ي ُسلم مع أن‬ ‫م َو ْ‬
‫جه َ ُ‬ ‫سل ِ ْ‬ ‫*في لقمان قال تعالى (و َ َ‬
‫من ي ُ ْ‬
‫الملحظ أنه في آيات كثيرة يقدّم (فله أسلموا)؟ فلم؟‬
‫سِلمُوا لَ ُه مِن‬‫ن (‪ ))34‬وفي الزمر (وََأنِيبُوا إِلَى َرّبكُمْ وَأَ ْ‬ ‫خ ِبتِي َ‬
‫حدٌ فَلَهُ َأسِْلمُوا َوبَشّ ِر ا ْلمُ ْ‬
‫السياق والمقام هو الذي يحدد‪ .‬في سورة الحج (فَإَِل ُهكُمْ إِلَهٌ وَا ِ‬
‫ن (‪ ))54‬إذا كان المقام في مقام التوحيد يُقدّم وإذا لم يكن في مقام التوحيد ل يقدم إل إذا اقتضى المقام‪ .‬قال‬ ‫ب ثُمّ لَا تُنصَرُو َ‬ ‫َقبْلِ أَن يَ ْأ ِت َيكُمُ ا ْل َعذَا ُ‬
‫سِلمُوا) في مقام التوحيد والنهي عن الشرك فخصص وجاء التقديم للقصر حصرا‪ .‬هناك دللت‬ ‫حدٌ فَلَهُ أَ ْ‬
‫تعالى في سورة الحج ( َفإَِل ُهكُمْ إِلَهٌ وَا ِ‬
‫ن آ َمنّا بِهِ وَعََليْ ِه تَ َوكّ ْلنَا (‪)29‬‬
‫حمَ ُ‬
‫ل هُوَ الرّ ْ‬‫للتقديم والتأخير في البلغة في اللغة العربية‪ .‬التقديم في آية الحج للحصر حصر التسليم ل فقط‪( ،‬قُ ْ‬
‫الملك) عليه توكلنا حصرا وقال آمنا به ما قال به آمنا‪ ،‬مرة يؤخر الجار والمجرور عن الفعل ومرة يقدم في آية واحدة‪ ،‬لو آمن الواحد بال‬
‫حصرا ولم يؤمن بغيره لكفر لن اليمان أن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقدر خيره وشره‪ ،‬ل يصح أن يقال (به آمنا) من‬
‫الناحية اللغوية لنه إذا كان يؤمن بال فقط يكون كفر بما عداه‪ ،‬التقديم على العامِل في الغالب يفيد الحصر إل إذا كان المقام يدل على غير ذلك‬
‫بمعنى السياق المتحدث عنه ولذلك التوكل على ال حصرا فقال (وعليه توكلنا) قدم الجار والمجرور أما اليمان فليس منحصرا بال فإذا قال أحد‬
‫أؤمن بال ول أؤمن بالرسل هذا كفر‪ ،‬كفار قريش يؤمنون بال لكن ل يؤمنون بالساعة ول بالرسل (إنما نعبدهم ليقربونا إلى ال زلفى) (ولئن‬
‫سألتهم من خلق السموات والرض ليقولن ال) ل يؤمنون بغير ال (ما أنزل ال على بشر من شيء)‪ .‬لما نسمع قوله تعالى (آمنا به وعليه توكلنا)‬
‫حمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ‬‫س ِهمْ لَا تَ ْقنَطُوا مِن رّ ْ‬ ‫عبَادِيَ اّلذِينَ أَسْ َرفُوا عَلَى أَنفُ ِ‬ ‫ل يَا ِ‬ ‫يفهم أن هذه لها دللة وتلك لها دللة والعرب تفهم هذا الكلم لنها لغتهم‪( .‬قُ ْ‬
‫ن (‪ )54‬الزمر) ليس في مقام‬ ‫ب ثُمّ لَا تُنصَرُو َ‬ ‫جمِيعًا ِإنّهُ هُ َو ا ْلغَفُو ُر الرّحِي ُم (‪ )53‬وََأنِيبُوا إِلَى َرّبكُمْ َوأَسِْلمُوا لَ ُه مِن َقبْلِ أَن َي ْأتِ َيكُمُ ا ْل َعذَا ُ‬ ‫ب َ‬ ‫َيغْفِ ُر الذّنُو َ‬
‫توحيد ل يقتضي التقديم أما في مقام التوحيد والنهي عن الشرك يقدّم حصرا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن﴿‬
‫س ٌَ‬
‫ح ِ‬‫م ْ‬‫ه لِل ّهِ وَهُوَ ُ‬
‫جه َ ُ‬
‫م وَ ْ‬‫سل َ َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫الفرق بين قوله تعالى(بَلَى َ‬ ‫َ‬
‫*فى إجابة ل(د‪.‬أحمد الكبيسى)عن‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ك بِالعُْروَةِ الوُثْقََى وَإِلى الل هِ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬‫ست َ ْ‬‫ن فَقَدِ ا َْ‬
‫س ٌ‬
‫ح َِ‬
‫م ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ه إِلى الل هِ َوهُوَ ُ‬
‫جهََ ُ‬
‫م َو ْ‬
‫سل ِ ْ‬
‫ن ي َُ ْ‬
‫م َْ‬
‫‪ ﴾112‬البقرة) ‪( -‬وَ َ‬
‫عَاقِب َ ُ ُ‬
‫مورِ ﴿‪ ﴾22‬لقمان)‬ ‫ة اْل ُ‬
‫سكَ‬‫ستَمْ َ‬
‫ن َف َقدِ ا ْ‬ ‫جهَ ُه لِلّهِ وَهُ َو ُمحْسِنٌ ﴿‪ ﴾112‬البقرة) ل لم حرف جر ل‪ ،‬أخرى ( َومَنْ يُسِْلمْ وَ ْ‬
‫جهَ ُه إِلَى اللّهِ وَهُ َو مُحْسِ ٌ‬ ‫قال تعالى (بَلَى مَنْ أَسَْلمَ وَ ْ‬
‫بِا ْلعُرْوَةِ الْ ُو ْثقَى وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُو ِر ﴿‪ ﴾22‬لقمان) مرة لم ومرة إلى‪ ،‬هناك واحد أسلم وجهه إلى ال والخر أسلم وجهه ل طبعا ربما لم‬
‫تخطر على بال أحد لماذا؟ مرة واحد أسلم وجهه إلى ال وواحد أسلم وجهه ل‪ .‬مثلً أنا أقول أعطيت ألف درهمٍ إلى فلن أو أقول أعطيت ألف‬
‫دره ٍم لفلن ما الفرق؟ حروف الجر هذه معجزة اللغة العربية هذه هي العكوس للحنفيّات يعني هذا البوري الذي تشرب أنت منه الماء هذا يخرج‬
‫يمين ويسار ويصعد هذا يربط بعكس هذا العِكس هو الذي يوجه الماء بدونه الماء ل يصل ينفرط الماء في كل مكان الذي يمسك الماء ويوجهه‬
‫توجيها صحيحا هذه العكوس التي تربط المواسير ببعضها هذا العكس الصغير كحرف الجر هو الذي يوجه معنى اللغة العربية وخاصة لغة‬
‫الكتاب العزيز‪ .‬فرق كبير بين كما علمتم (أُنزِل علينا) على حرف جر و(أُنزِل إلينا) إلى حرف جر هنا أيضا فرق كبير بين أسلمت وجهي ل‬
‫للذي فطرني وبين أسلمت وجهي إلى ال‪ .‬كما قلنا أعطيت إلى فلن ألف درهم أنت لم تعطيه بيدك ولكن بعثته مع شخص يا فلن خذ هذا المال‬
‫وأعطه إلى فلن فالعطاء تم لكن طريقته أني أرسلته إليه من بعدي بواسطة من بعيد وقد يكون لم يصل بعد‪ .‬لكن لما أقول أعطيته لفلن وصل‬
‫ووضعه في جيبه‪ .‬هذا الفرق بين كما يقول الدكتور نجيب الفرق بين أسلمت وجهي إلى ال واحد أسلم حديثا هو مسلم لكن إلى الن لم يصل فل‬
‫يزال في بداياته تعلم كيف يصلي وتعلم كيف يتوضأ وكيف يتقرب من رب العالمين وكيف يتقدم درجات درجات ويتدرج من مسلم عام إلى مسلم‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫عنْدَ َرّبكَ (‪ )206‬العراف) وصلوا من هذا‬ ‫ن ِ‬ ‫كذا إلى مؤمن عام إلى مؤمن خاص إلى تقي إلى أن ينتقل من البعد إلى العند إلى أن يصير (اّلذِي َ‬
‫جهَ ُه لِلّهِ وَهُوَ‬
‫الطريق إلى أن صار عند ربك‪ .‬هذا طبعا من البداية اسلم وجهه إلى ال ولكن بعد ما وصل ولكن عندما يقول (بَلَى مَنْ أَسَْلمَ وَ ْ‬
‫جهَ ُه إِلَى‬ ‫حسِنٌ)‪ .‬الخرى ( َومَنْ يُسِْلمْ وَ ْ‬ ‫جهَهُ لِلّهِ وَهُ َو مُ ْ‬
‫حسِنٌ) هذا وصل‪ .‬حينئذٍ هذا وصل للقمة بدليل الحسان حينئذٍ عندما تقرأ (بَلَى مَنْ أَسْلَ َم وَ ْ‬ ‫مُ ْ‬
‫ك بِا ْلعُ ْروَةِ الْ ُوثْقَى) ما زال متمسكا وانظر القرآن هذا نهايات اليات أعجوبة (إِلَى اللّهِ) يعني هو ما زال بادئا يقول‬ ‫سَ‬ ‫ستَمْ َ‬
‫ن َف َقدِ ا ْ‬
‫اللّهِ وَهُ َو مُحْسِ ٌ‬
‫ك بِا ْلعُ ْروَةِ الْ ُوثْقَى) ما زال هو بتسلق يعني أنت ما زلت تصعد لكن هذا بأسلوب عروة وثقى وأنت ماسك ويسحبونك أو أنت تندفع بمصعد‬ ‫سَ‬ ‫س َتمْ َ‬
‫(ا ْ‬
‫كهربائي إلى الجبال كما رأينا هذا في بعض دول العالم تطلع هكذا بشكل عامودي حينئ ٍذ هذا إلى ال متجه إلى ال متوجه حينئذٍ كما قلنا عن إلينا‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ‬ ‫طرَ ال ّ‬ ‫ي ِلّلذِي فَ َ‬
‫جهِ َ‬
‫جهْتُ وَ ْ‬ ‫جهَهُ لِلّهِ) سيدنا إبراهيم بعد ما عرف قال (ِإنّي َو ّ‬ ‫وعلينا‪ .‬فحينئ ٍذ إذا قرأت في القرآن الكريم (أَسَْلمَ وَ ْ‬
‫ش ِركِينَ ﴿‪ ﴾79‬النعام) للذي وليس إلى الذي هذا في البداية عندما كان يبحث عن ربه كان إلى ال إلى ربه الن وصل‪.‬‬ ‫حنِيفًا َومَا َأنَا مِنَ ا ْلمُ ْ‬ ‫َ‬
‫س َيهْدِينِ ﴿‪﴾99‬‬ ‫جهَهُ لِلّهِ) كما قال سيدنا إبراهيم ( َوقَالَ ِإنّي ذَاهِبٌ إِلَى َربّي َ‬ ‫جهَهُ إِلَى اللّهِ) وبين (مَنْ َأسْلَمَ َو ْ‬
‫لحظ هذا الفرق بين ( َومَنْ يُسِْلمْ وَ ْ‬
‫ي لِّلذِي) مش إلى الذي هكذا وعلى هذا النسق نفس اليتين واحدة تقول (وَِللّهِ عَا ِقبَةُ‬ ‫جهِ َ‬‫جهْتُ وَ ْ‬‫الصافات) إلى لسه في الطريق في الخير وصل ( َو ّ‬
‫الُْأمُو ِر (‪ )41‬الحج) وتقول الخرى (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ) الذي قال (ل) وصل أمري الن بيد ال وأنا معه أنا مع عبدي (اّلذِينَ ِ‬
‫ع ْندَ َرّبكَ)‬
‫وصل هذا (وَلِلّ ِه عَا ِقبَةُ الُْأمُو ِر (‪ )41‬الحج)‪ .‬الخر (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ الُْأمُورِ) لسه عاد لما نوصل المور تعود إلى ال في النهاية‪ .‬هذا الفرق بين‬
‫التعبير القرآني المعجز‪.‬‬
‫*فَي آيَة البقرة يقول تعالى (فقَد اسَتمسك بالعروة الوثقَى ل انفصَام لهَا) ولم يقَل فَي لقمان ل‬
‫انفصام لها؟‬
‫سكَ‬
‫س َتمْ َ‬
‫ن َيكْفُ ْر بِالطّاغُوتِ َويُ ْؤمِن بِاللّ ِه فَ َقدِ ا ْ‬
‫ي َفمَ ْ‬
‫شدُ مِنَ ا ْلغَ ّ‬
‫ن قَد ّت َبيّنَ الرّ ْ‬
‫السياق هو الذي يحدد‪ ،‬قال تعالى في سورة البقرة (لَ ِإكْرَا َه فِي الدّي ِ‬
‫سمِي ٌع عَلِي ٌم (‪ ))256‬قال (فمن يكفر بالطاغوت) والطاغوت رأس كل طغيان من ظالم أو غيره‪ ،‬هذا معنى‬ ‫ى لَ انفِصَامَ َلهَا وَاللّهُ َ‬
‫بِا ْلعُرْوَةِ الْ ُو ْثقَ َ‬
‫الطاغوت من كان رأسا في الطغيان مثل فرعون والشيطان وجمعها طواغيت‪ .‬فمن يكفر بالطاغوت أحيانا الكفر بالطاغوت يؤدي إلى أذى شديد‬
‫وهلكة إذن تحتاج إلى (ل انفصام لها) يعني ل يحصل فيها أي خدش أو انفصال أو شيء‪ .‬لما ذكر الكفر بالطاغوت الذي قد يؤدي إلى مظلمة‬
‫كبيرة أو إلى عذاب أو إلى هلكة أكّد ربنا تعالى فقال (ل انفصام لها) أما في لقمان فهي اتباع (ومن يسلم وجهه إلى ال فقد استمسك بالعروة‬
‫الوثقى) ل تحتاج‪ .‬لذلك لما ذكر الكفر بالطاغوت الذي قد يؤدي إلى هلكة (فرعون صلّبهم في جذوع النخل) قال (ل انفصام لها) تستمسك ول‬
‫تنفصم ول تنفصل وكأنها تحفيز للستعصام والستمساك بال سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫*ما دللة (فقد) في قوله تعالى (فقد استمسك بالعروة الوثقى)؟‬
‫(قد) حرف تحقيق على الماضي وإن كان على المضارع حصل أكثر من سؤال هل هي تفيد التقليل؟ هي من معانيها التقليل‪( ،‬قد) إذا دخلت على‬
‫سمَاء (‪ )144‬البقرة) (قَ ْد َيعْلَمُ اللّهُ ا ْل ُمعَ ّوقِينَ‬ ‫ج ِهكَ فِي ال ّ‬ ‫المضارع تفيد التحقيق والتكثير ومن معانيها الشك‪ .‬تفيد التوكيد والتكثير ( َقدْ نَرَى تَ َقلّبَ َو ْ‬
‫مِنكُمْ وَا ْلقَائِلِينَ لِِإخْوَا ِنهِ ْم هَلُمّ ِإَليْنَا (‪ )18‬الحزاب)‪ .‬أحيانا يسألون أليست (قد) للتقليل إذا دخلت على المضارع؟ هذا من أحد معانيها وليس معناها‬
‫الكامل كما يذكر النحاة‪( .‬قد نرى تقلب وجهك) هذا يقين‪ ،‬للتحقيق إذا عرفنا أن الفعل متحقق إذن (قد) تفيد التحقيق‪ .‬ال تعالى يرى ويعلم سبحانه‬
‫وتعالى‪ .‬إذا دخلت (قد) على الماضي فهي للتحقيق أن المر تحقق وأحيانا قد تغير معنى الفعل من دعاء إلى خبر مثلً تقول رزقك ال محتمل‬
‫أنك تدعو له بالرزق وتحتمل أنك تخبر أن ال رزقه وأعطاه لكن لو قلت (قد رزقك ال) ل يمكن أن تكون دعاء وإنما إخبار لذا ل يصح أن تقول‬
‫قد غفر ال لك وإنما تقول غفر ال لك أنت مخبر ولست داعيا‪ .‬إذن (قد) تفيد التحقيق إذن (فقد استمسك بالعروة الوثقى) تعني تحقق استمساكه‪.‬‬
‫أقري من بعضي السلم لبعضي‬ ‫أيها الراكب الميمم أرضي‬
‫وفؤادي وساكنيه بأرضِ‬ ‫إن جسمي كما علمت بأرضٍ‬
‫فعسى باجتماعنا سوف يقضي‬ ‫قد قضى ال بالفراق علينا‬
‫غير محتاج إلى السُرُج‬ ‫إن بيتا أنت ساكنه‬
‫قد أتاه ال بالفرج‬ ‫ومريضا أنت عائده‬
‫إذن (فقد استمسك) تحقق استمساكه‪ ،‬هذا تحقق لنه في الغالب الفعل الماضي بعد جواب الشرط في الغالب استقبال (درست نجحت) إذا قلت فقد‬
‫ن (‪ )1‬المؤمنون) هذا إخبار وتحقق‪.‬‬ ‫نجحت أي تحقق المر مثل الدعاء تقول‪ :‬غفر ال له يعني تدعو له‪ ،‬قد غفر ال له تحقق‪( .‬قَدْ َأفْلَحَ ا ْلمُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫إذن (فقد استمسك بالعروة الوثقى) تحقق استمساكه‪.‬‬
‫ذكرنا يسلم واختيار الفعل المضارع ووقفنا عند (فقد) وهو قال استمسك ولم يقل أمسك (فقد استمسك)‪ .‬استمسك استفعل قد تفيد المبالغة في‬
‫صرُوكُ ْم فِي الدّينِ‬ ‫ستَن َ‬ ‫التمسك والستمساك‪ ،‬أحيانا إستفعل لها معاني قد تكون للطلب (اللف والسين والتاء) مثل استنصره أي طلب نصره (وَإِنِ ا ْ‬
‫ل (‪)110‬‬ ‫سُ‬ ‫س الرّ ُ‬ ‫س َتيْأَ َ‬ ‫صرُ (‪ )72‬النفال) استنجد به أي طلب النجدة‪ ،‬استغفر طلب المغفرة‪ .‬وقد تكون للمبالغة مثل استيأس ( َ‬
‫حتّى ِإذَا ا ْ‬ ‫َفعََل ْيكُمُ النّ ْ‬
‫يوسف) فيها مبالغة في اليأس‪ ،‬ومثل استقر فيها مبالغة في الستقرار (ق ّر واستقرّ)‪ ،‬استمسك المبالغة في الستمساك‪ .‬قد تكون بمعنى الوجود على‬
‫الشيء استصغره يعني وجده صغيرا‪ .‬المحدّد الدللي هو السياق فاستمسك هنا للمبالغة في المساك‪ .‬وثد تأتي للصيرورة بمعنى التحوّل مثل‬
‫استنوق الجمل‪ ،‬لها معاني متعددة‪ ،‬مثل استحجر الطين أي صار حجرا‪ .‬فإذن استمسك هو المبالغة في الستمساك‪ .‬للعلم الستمساك في القرآن ل‬
‫ستَقِيمٍ (‪ )43‬الزخرف) كلمة استمسك هذه وردت في أمور الدين (أَمْ‬ ‫ط مّ ْ‬
‫ك عَلَى صِرَا ٍ‬
‫ي إَِل ْيكَ ِإّن َ‬
‫سكْ بِاّلذِي أُوحِ َ‬‫س َتمْ ِ‬
‫يأتي إل في أمور الدين (فَا ْ‬
‫ن (‪ )21‬الزخرف) وهذا من خصوصيات الستعمال القرآني واستمسك في اللغة تأتي بمعاني عدة‪ .‬ثم‬ ‫سكُو َ‬ ‫س َتمْ ِ‬
‫آ َت ْينَاهُ ْم ِكتَابًا مّن َقبْلِهِ َفهُم بِ ِه مُ ْ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫وصف العروة بأنها الوثقى ولم يقل الوثيقة لحظ المبالغات لم يقل العروة الوثيقة وإنما هي أوثق العرى وهي أعلى درجات التفضيل‪ .‬العروة هي‬
‫ما يُمسك به والوثقى هي أقواها وأمتنها لم يقل وثيقة‪ .‬وثيقة وثيق تأتي صفة مشبهة وتأتي صيغة مبالغة وتأتي فعيل بمعنى مفعول‪ ،‬وثقى فُعلى‬
‫مؤنث الوثق‪ ،‬مذكّر الوثقى الوثق‪ ،‬العظم – العظمى‪ ،‬الفضل – الفضلى‪ ،‬الكبر – الكبرى (نقول الكبرى أو كبرى بالضافة مثل كبرى‬
‫النساء) الفُعلى تأتيث الفعل‪ ،‬الوثق هو الدرجة العليا في التفضيل تقول أكبر من فلن لكن تقول فلن الكبر أي الكبر من كل من عداه ول‬
‫يصح أن تأتي بـ (من) فل يقال فلن الكبر من فلن‪ .‬الوثقى تأنيث الوثق وليست تأنيث أوثق‪.‬‬
‫(وإلى ال عاقبة المور) تقديم الجار والمجرور للحصر لن المور عاقبتها ترجع إليه وحده سبحانه وتعالى ولو قال عاقبة المور إلى ال ل تدل‬
‫على الحصر‪ .‬استمسك فيها مبالغة والوثقى فيها مبالغة والتقديم فيه حصر‪ ،‬من كل المؤشرات نستدل على أن نسلم وجوهنا إلى ال تعالى ونفوض‬
‫أمورنا إلى ال ونسلم انقيادنا إليه مع الحسان لنه تعرّف إلى ال في الرخاء يعرفك في الشدة تسلم وجهك ليس فقط في حالة وقوعك في أمر‬
‫وإنما ينبغي أن تكون محسنا حتى يكون الستمساك بالعروة الوثقى ينبغي أن ل يكون في حالة شدة فقط‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫﴿‪﴾53‬‬ ‫اْل ُ‬
‫موُر‬ ‫صيُر‬ ‫صيُر ﴿ ‪ ﴾28‬آل عمران) ‪( -‬إِلَى الل َّهِ ت ََ ِ‬
‫َ‬
‫م َِ‬‫َ‬ ‫ه ال ْ‬
‫*مَا الفرق بيََن قوله تعالى (وَإِلَى الل َّ ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫﴿‪﴾22‬‬ ‫مورِ‬ ‫اْل ُ‬ ‫موُر ﴿‪ ﴾109‬آل عمران) ‪( -‬وَإِلَى الل َََََََّهِ عَاقِب َ ُ‬
‫ة‬ ‫جعََََََ َُ اْل ُ‬ ‫الشورى) ‪( -‬وَإِلَى الل َََََََّهِ تُْر َ‬
‫لقمان)؟(د‪.‬أحمد الكبيسى)‬
‫(إلى ال المصير) فيما يتعلق بنهاية رحلتنا نحن كبشر من عباد ال من بني آدم رحلتنا طريقة وطويلة مما كنا في ظهور آدم في عالم المر ورب‬
‫ت بِ َرّبكُ ْم قَالُوا بَلَى ﴿‪ ﴾172‬العراف) ثم بقينا هناك إلى أن تزوج آباؤنا بأمهاتنا ثم حملوا بنا ثم ولدنا ثم مشينا في الطريق‬ ‫العالمين خاطبنا (أََلسْ ُ‬
‫إلى أن متنا ثم ذهبنا إلى البرزخ والبرزخ عالم تحدثنا عنه طويلً ثم سوف نبعث يوم القيامة ثم سوف نحشر مسيرة طويلة جدا إلى أن تصل‬
‫أجسامنا وأجسادنا إلى ساحة المحشر هذا مصيرنا (وَِإلَى اللّ ِه ا ْلمَصِيرُ) تبقى الخطوة الخيرة عندما نتوجه إما إلى الجنة وإما إلى النار ذاك ممشى‬
‫س ا ْلمَصِيرُ ﴿‪ ﴾126‬البقرة) المصير في أجسادنا عندما نقف أمام ال وبين يديه (إلى ال المصير) انتهت الرحلة‪ .‬عندما‬ ‫آخر‪ .‬إذا صار ( َوبِئْ َ‬
‫أصبحنا في المصير النهائي لمن تصير المور؟ في الدنيا كان المر لبيك لختك لمك للملك للحاكم للمعلّم للمدرس للمؤدب للنبياء الخ‪ ،‬في تلك‬
‫الساعة لمن تصير المور؟ أنت جسدك صار إلى النهاية (وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ) أمرك بيد من؟ مصيرك بيد من؟ بيد ال إذا صار (إلى ال المصير)‬
‫بجسدك (إِلَى اللّ ِه تَصِيرُ ا ْلُأمُورُ) بالحكم عليك وشؤونك وأحوالك كلها إلى ما ل نهاية‪ .‬هذا الفرق بين مصيرك أنت كإنسان وبين أن تصير أمورك‬
‫كلها مباشرة بدون أسباب بيد ال عز وجل هذا الفرق بين (وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ) وبين (إِلَى اللّ ِه تَصِي ُر الُْأمُورُ)‪ .‬نحن وقفنا أما رب العالمين فهذا‬
‫المصير رب العالمين سبحانه وتعالى في تلك الساعة سوف يحاسبنا‪ ،‬من الذي يملك المحاكمة؟ ومن الذي يملك أن يحكم عليك بالخلود في النار‬
‫أو بالخلود في الجنة؟ هذا يسمى مرجعية الحكم‪ .‬من هي المرجعية التي يكون كلمها هي الفصل؟ عند الخصومة في الدنيا القاضي هو الذي‬
‫ترجع إليه المور تذهب أنت والخصم عندك محامي وهو عنده محامي وتذهب إلى المحكمة وأوراق ودعاوى ثم يقف الخصمان أمام القاضي‬
‫فالقاضي هو الذي يحكم بينكما فترجع المور إلى القاضي الذي يقوله القاضي هو الصح ليس هناك غيره‪ ،‬هذا في الدنيا إلى القاضي ترجع‬
‫المور يوم القيامة لمن ترجع المور؟ إلى ال عز وجل‪ .‬فهذه تتكلم لما رب العالمين ينزل كما في الحديث ثم بعد المحشر ينزل ال سبحانه‬
‫وتعالى للفصل بين العباد‪ ،‬هذا الفصل الحساب ثم إصدار الحكم هذا (وَإِلَى اللّ ِه تُرْجَعُ ا ْلُأمُورُ) ثم حكم عليه‪ ،‬صدر الحكم المرجعي صدر الحكم‬
‫من مرجعيته المباشرة وهو ال عز وجل إلى أين نتوجه؟ قال ستتوجهون حتى النهاية (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ) إما خالدٌ في الجنة أو خالد في‬
‫النار‪ ،‬فلما تمشي من ساعة الحساب ثم تعبر الصراط وعلى الصراط هناك مشاكل وبعد الصراط حوض الكوثر وبعد حوض الكوثر دخول الجنة‬
‫ثم يستقبلونك على الباب ويكون لديك مدير أعمال يأخذوك إلى دارك هذا الممشى (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ الُْأمُورِ) العاقبة آخر شيء‪ ،‬عقب النسان آخر‬
‫شيء‪ ،‬إلى ال في الطريق وأنت ذاهب إلى أن تستقر استقرارا نهائيا إما في الجنة خالدا أو في النار خالدا (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ) الذي يدخل‬
‫النار ثم يخرج منها هذا إلى العاقبة على أن يخرج من النار ثم يغتسل ثم يذهب إلى الجنة في الطريق كل هذا إلى ال (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ الُْأمُورِ)‬
‫المرحلة النهائية لما يصل كل واحد منا إلى داره إلى سكناه ويدخل القصر واستقبال حافل كما جاء في الكتاب والسنة (وَلِلّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ ﴿‪﴾41‬‬
‫ل بَابٍ ﴿‬ ‫ن عََل ْيهِ ْم مِنْ كُ ّ‬‫الحج)‪ .‬هذا الفرق بين (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ) وبين (وَلِلّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُورِ)‪ .‬وهناك انتهى المر وأصبحنا (وَا ْلمَلَا ِئكَةُ َيدْخُلُو َ‬
‫صبَ ْرتُ ْم َف ِنعْ َم عُ ْقبَى الدّا ِر ﴿‪ ﴾24‬الرعد) هذه العاقبة آخر شيء (فَ ِنعْ َم عُ ْقبَى الدّارِ) هذا هو الفرق بين (وَإِلَى اللّهِ ا ْلمَصِيرُ)‬ ‫‪ ﴾23‬سَلَا ٌم عََل ْيكُ ْم ِبمَا َ‬
‫(إِلَى اللّ ِه تَصِيرُ ا ْلُأمُورُ) (وَإِلَى اللّ ِه تُرْجَعُ ا ْلُأمُورُ) (وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ الُْأمُورِ) و (وَِللّهِ عَا ِقبَةُ الُْأمُورِ)‪.‬‬
‫آية (‪:)23‬‬
‫صدُورِ (‪))23‬‬ ‫علِي ٌم ِبذَاتِ ال ّ‬
‫ن اللّهَ َ‬
‫ج ُع ُهمْ فَ ُننَبّ ُئهُم بِمَا عَ ِملُوا إِ ّ‬
‫ك كُفْ ُرهُ ِإلَيْنَا مَرْ ِ‬
‫(وَمَن كَفَرَ َفلَا يَحْزُن َ‬
‫شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ (‪ )40‬النمل) الشكر يتجدد‬ ‫شكَ َر فَِإّنمَا يَ ْ‬
‫قال (من كفر) بالماضي وقبلها قال (ومن يسلم) بالمضارع‪ .‬في آية سابقة قال تعالى ( َومَن َ‬
‫وينبغي أن يتكرر لن النعم متكررة متجددة فكل نعمة تستوجب شكر فقال ومن يشكر أما الكفر يكفي أن يكفر فمسألة واحدة (ومن كفر)‪ .‬قلنا من‬
‫يسلم وجهه إلى ال‪ ،‬يفوض أمره إلى ال أو يتبع أوامر ال التّباع مسائل كثيرة وما يقتضي التفويض إلى ال أمور كثيرة متعددة في الحياة فقال‬
‫جهَهُ إِلَى اللّ ِه (‪)22‬‬
‫(ومن يسلم) أما من كفر ليس بالضرورة أن يتجدد الكفر لو كفر في العتقاد مرة واحدة فل يحتاج إلى التكرار‪َ ( .‬ومَن يُسْلِمْ َو ْ‬
‫لقمان) قلنا إما يتبع أوامر ال أو يفوض أمره إلى ال وقلنا التباع في أمور كثيرة والتفويض تفويض المور إلى ال وما يحصل فيها والمصائب‬
‫التي تقع عليه وما يحذره وما يخافه أمور كثيرة جدا فقال (ومن يسلم وجهه)‪.‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫ك كُفُْرهَُ) ثَم مَا دللة هذا التعَبير بالذات ومَا اللمسَات‬ ‫من كَفََر فََل ي َ ْ‬
‫حُزن ََ‬ ‫*مَا دللة الفاء فَي (وََ َ‬
‫البيانية فيها؟‬
‫ك كُفْرُهُ) لو تأملنا فيه فهو تعبير غريب وليس مثل فل تحزن لكفره‪ ،‬الكفر فاعل والكاف المخاطب مفعول به (المخاطَب هو‬ ‫( َومَن كَفَ َر فَلَا يَحْزُن َ‬
‫الرسول )‪ ،‬في اللغة المنهي هو الفاعل لما أقول ل يضرب محمد خالدا المنهي هو محمد‪ ،‬المنهي هو الفاعل ففي الية الكفر هو المنهي وليس‬
‫الرسول ‪ .‬المعنى العام ل تحزن لكفره هذا أصل المعنى لكن كيف اختار التعبير؟ لماذا لم يقل فل تحزن لكفره‪ .‬في اللغة المنهي هو الفاعل إلى‬
‫ك كُفْ ُرهُ) الكاف مفعول به‪ .‬لو قال ل تحزن يكون الفاعل المخاطب (أنت) لكن في الية‬ ‫المفعول‪ .‬لم يقل تعالى فل تحزن وإنما قال (فَلَا يَحْزُن َ‬
‫المنهي هو الكفر‪ .‬المنهي في الية هو الكفر يعني أيها الكفر ل تُحزِن رسول ال ‪ ،‬ينهى تعالى الكفر أل يُحزن رسول ال إشفاقا على رسول‬
‫ال وكأن الكفر يريد أن يُحزِن رسول ال ‪ .‬هذه فيها تعبير مجازي كأن الكفر ذات عاقلة تريد أن تحزن الرسول فينهاه تعالى (فَلَا َيحْزُنكَ‬
‫ق ّممّا َي ْمكُرُونَ (‪ )127‬النحل) ليس هنا مفعول‬ ‫ضيْ ٍ‬‫ل َتكُ فِي َ‬‫حزَنْ عََل ْيهِمْ َو َ‬ ‫كُ ْفرُهُ) تعبير في غاية اللطافة والرقة‪ .‬قال تعالى في آيات أخرى ( َولَ تَ ْ‬
‫حيَا ُة الدّ ْنيَا وَلَا يَغُ ّرّنكُم بِاللّهِ ا ْلغَرُو ُر (‪ )5‬فاطر) لن الشيطان يغرّ المسلم‪ ،‬المنهي هو إبليس لكن المقصود به‬ ‫به منهي‪ .‬في القرآن (فَلَا َتغُ ّرنّكُ ُم الْ َ‬
‫النسان أن ل يغتر بإبليس‪( .‬فَلَا َيحْزُنكَ ُكفْرُهُ) المنهي هو الكفر أن ل يُحزِن رسول ال‪.‬‬
‫الفاء في (فَلَا َيحْزُنكَ) الفاء يمكن حذفها‪ .‬ذكرها له معنى وحذفها له معنى‪ .‬الفاء هنا عرّفتنا جواب الشرط ولو حذف الفاء ل تكون شرطية‪ ،‬هناك‬
‫ضوابط لقتران الفاء بجواب الشرط‪ .‬الفاء تحتمل أن تكون موصولة وتحتمل أن تكون شرطية والذي يحدد أحيانا ضابط لفظي كأن يكون الجزم‬
‫(من يدرس ينجح) هذا شرط للن إسم الموصول ل يجزم‪ .‬هذا الذي يحدد الفاء الموطن موطن وجوب اقتران الفاء بالشرط لن هذا نهي (ل)‬
‫الناهية إذا كانت (من) شرطية فالفاء ل بد أن تأتي‪ ,‬وإذا كانت (من) موصولة ل تأتي الفاء‪ .‬لو لم تأتي بالفاء في الية تكون موصولة‪ ،‬الفاء‬
‫شرطية وهذا هو المقصود‪ .‬وإذا كانت موصولة ومن كفر ل يحزنك كفره المعنى ليس واحدا‪ .‬الشرط يفيد العموم قطعا (من يستعن بال يعنه) ل‬
‫خلَ ْقتُ وَحِيدًا (‪)11‬‬ ‫يقصد شخص معين‪ .‬أما الموصول فل يدل على الغموم لن الموصول معرفة وقد يكون المعرفة للجنس أو للواحد (ذَ ْرنِي َومَنْ َ‬
‫صعُودًا (‬‫عنِيدًا (‪ )16‬سَُأرْهِقُهُ َ‬ ‫طمَعُ أَنْ أَزِيدَ (‪ )15‬كَلّا ِإنّهُ كَانَ لَِآيَا ِتنَا َ‬ ‫شهُودًا (‪َ )13‬و َمهّدْتُ لَ ُه َت ْمهِيدًا (‪ )14‬ثُ ّم يَ ْ‬ ‫جعَلْتُ لَ ُه مَالًا َممْدُودًا (‪َ )12‬و َبنِينَ ُ‬ ‫َو َ‬
‫ل َكيْفَ َقدّ َر (‪ )20‬المدثر) شخص معين واحد هو الوليد بن المغيرة‪ .‬الموصول ل يقتضي أن‬ ‫ف َقدّرَ (‪ )19‬ثُ ّم ُقتِ َ‬‫ل َكيْ َ‬ ‫‪ِ )17‬إنّ ُه َفكّرَ َو َقدّرَ (‪ )18‬فَ ُقتِ َ‬
‫ي أعتدي عليه‪ .‬الشرط يدل على العموم‬ ‫يكون جنسا يحتمل أن يكون واحدا معينا أو جنسا (أكرمت من زارني) من يزورني أكرمه‪ ،‬من يعتدي عل ّ‬
‫والكوصول ليس بالضرورة وفي الية أراد تعالى العموم وليس جماعة معينة في الكفر وإنما الكلم على الطلق وفهمنا الطلق من الفاء‪ .‬هذه‬
‫الفاء عيّنت أن (من) شرطية والشرط يفيد العموم إطلقا لنه لو قال ل يحزنك يحتمل أن يكون جماعة معينة بينهم مشادة أو أذى ل تعني غيرهم‬
‫لكن عندما جاء بالفاء صارت للعموم ولو حذفها ليست بالضرورة للعموم إذن ذكرها ليس كحذفها‪ ،‬وجود الفاء يحدد معنى الشرطية لـ (من)‬
‫وهذا فيه العموم وهذا هو المقصود بالية‪.‬‬
‫جعُك َُ ْ‬
‫م (‪)15‬‬ ‫مْر ِ‬ ‫م إِل ََ َّ‬
‫ي َ‬ ‫م (‪ ))23‬بالجمَع وفَي آيَة سَابقة قال (ث َُ َّ‬
‫جعُهَُ ْ‬ ‫*قال تعالى فَي اليَة (إِلَيْن ََا َ‬
‫مْر ِ‬
‫لقمان) بالمفرد واضافة (ثم) فما الفرق؟‬
‫ح ْبهُمَا فِي ال ّدنْيَا‬
‫ط ْعهُمَا َوصَا ِ‬
‫ك بِ ِه عِلْ ٌم فَلَا تُ ِ‬
‫ك بِي مَا َليْسَ َل َ‬
‫(إلينا) ضمير التعظيم‪ ،‬إليّ ضمير الفراد‪ .‬الية السابقة (وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن تُشْ ِر َ‬
‫ن (‪ ))15‬الية السابقة في مقام الوحدانية والنهي عن الشرك فجاء بضمير‬ ‫ج ُعكُ ْم فَُأ َنّبُئكُم ِبمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو َ‬
‫ي مَرْ ِ‬
‫ي ثُمّ إَِل ّ‬
‫ل مَنْ َأنَابَ ِإلَ ّ‬
‫سبِي َ‬
‫َمعْرُوفًا وَا ّتبِعْ َ‬
‫ج ُعكُمْ)‪ .‬أما الية الثانية فليست‬ ‫ي مَ ْر ِ‬ ‫ج ُعكُمْ) (وإن جاهداك على أن تشرك بي) كلها في مقام التوحيد والنهي عن الشرك فيقول (إِلَ ّ‬ ‫ي مَ ْر ِ‬
‫الوحدة (إِلَ ّ‬
‫ج ُعهُمْ) للحصر أي إلينا مرجعهم ل إلى غيرهم‪.‬‬ ‫في مقام التوحيد فجاء كضير التعظيم وأيضا قدم الجار والمجرور (إَِل ْينَا مَ ْر ِ‬
‫ملُو ََ‬
‫ن ( ‪)60‬‬ ‫ما كُنت َُ ْ‬
‫م تَعْ َ‬ ‫م يُنَب ِّئُك َُم ب َِ َ‬ ‫جعُك َُ ْ‬
‫م ث َُ َّ‬ ‫م إِلَي َْهِ َ‬
‫مْر ِ‬ ‫*هنَا قال (فَنُنَب ِّئُهَُم) وفَي مواطَن أخرى قال (ث َُ َّ‬
‫النعام) فما الفرق؟‬
‫ج ُعكُمْ)‪ .‬في الية‬ ‫ج ُعكُمْ َفُأ َنبّ ُئكُم (‪( ))15‬ثم) عاطفة تفيد التراخي‪ .‬في الية لم يأتي بـ (ثم) قال (إَِل ّ‬
‫ي مَرْ ِ‬ ‫ي مَ ْر ِ‬
‫في الية السابقة في لقمان قال (ثُمّ إِلَ ّ‬
‫ج ُعهُمْ) هنالك مهلة أما في الية لم يكن هناك مهلة وإنما جعل المرجع أقرب‪ .‬لماذا‬ ‫الولى الكلم على التراخي معناها تقريب المرجع (إَِل ْينَا مَ ْر ِ‬
‫جعل هناك مهلة وهنا لم يجعل مهلة بدون (ثم)؟ هو جاء بـ (ثم) هناك أكثر من سبب قال (وَإِن جَا َهدَاكَ) المجاهدة قد تسغرق وقتا وقال‬
‫ل مَنْ َأنَابَ إَِليّ) فيها وقت وهذا يناسب (ثم)‪ .‬أما في هذه الية ليس فيها ما يدل على التراخي‬ ‫سبِي َ‬‫ح ْب ُهمَا فِي الدّ ْنيَا َمعْرُوفًا) فيها وقت (وَا ّتبِعْ َ‬
‫( َوصَا ِ‬
‫ج ُعهُمْ) وقت قليل‬ ‫ما يقتضي التراخي أما في تلك الية ما يدل على التراخي‪ .‬السياق في هذه الية ليس فيه تراخي كأن فيه تقريب المر (إَِل ْينَا مَرْ ِ‬
‫ج ُعهُمْ)‬
‫وينتهي لما نهاه عن الحزن فقال له الوقت قريب ول يعقل أن ينهاه عن الحزن وأن ل يهتم بهذا ثم يقول له هناك وقت طويل فقال (إَِل ْينَا مَ ْر ِ‬
‫إذن هناك أكثر من مسألة استدعت استعمال (ثم)‪ .‬عندما ترى صاحبك في ضيق وتريد أن تخفف عنه تقول له الدنيا قصيرة فتقلل المر في عينه‬
‫ج ُعهُمْ) المهم أن تهون المسألة عليه ل العكس‪ ،‬ال‬ ‫حتى يخف فلما قال تعالى (فَلَا َيحْزُنكَ ُكفْرُهُ) يريد أن يصبره فقال أن الوقت قصير (إَِل ْينَا مَرْ ِ‬
‫تعالى ينهاه عن الحزن فل يطيل الوقت عليه‪.‬‬
‫العرب كان تعرف هذا وهم كانوا إذا أرادوا أو يواسوا شخصا يقولون له الدنيا قصيرة‪.‬‬
‫*قال تعالى (فأنبئكم) وفي مواطن أخرى لم يستعمل الفاء فلماذا؟‬
‫في مواطن قال (فأنبئكم) (فينبئهم) (ثم ينبئهم) المر الساسي في فهم التعبير هو السياق ووضعه في مكانه‪ .‬أصل السياق في الدنيا (إِنّ اّلذِينَ‬
‫ش َيعًا (‪ )159‬النعام) لم يذكر إلينا مرجعهم‪ .‬هناك لما ذكر المرجع صار بين الدنيا والتنبيه وقت طويل قال (ثم ينبئهم) وهناك‬‫فَ ّرقُو ْا دِي َنهُمْ َوكَانُواْ ِ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫ف يُ َنّبُئهُمُ اللّ ُه ِبمَا‬


‫قال (إلي مرجعهم) فلما رجعوا سيكون التنبيه أقرب وهنا لم يقل الرجوع (فَأَغْ َر ْينَا َبيْ َنهُمُ ا ْل َعدَاوَةَ وَا ْل َبغْضَاء ِإلَى يَوْمِ ا ْل ِقيَامَةِ وَسَ ْو َ‬
‫ن (‪ )14‬المائدة) إلى يوم القيامة الوقت ممتد فيقول سوف‪ ،‬السياق هو الذي يحدد‪ .‬لما يذكر الكلم إذا كان السياق مبني على التأخير‬ ‫ص َنعُو َ‬
‫كَانُو ْا يَ ْ‬
‫خيْرُ ا ْلفَاصِلِينَ (‪ )57‬النعام) ليس‬ ‫ق وَهُوَ َ‬‫حكْمُ ِإلّ لِلّ ِه يَ ُقصّ الْحَ ّ‬ ‫ن الْ ُ‬ ‫ن بِهِ إِ ِ‬
‫س َتعْجِلُو َ‬
‫يقول (ثم)‪( .‬قُلْ ِإنّي عَلَى َبّينَةٍ مّن ّربّي َو َك ّذبْتُم بِ ِه مَا عِندِي مَا تَ ْ‬
‫لمْ ُر َبيْنِي َو َب ْي َنكُمْ وَاللّهُ أَعَْل ُم بِالظّاِلمِينَ (‪ )58‬النعام)‬ ‫ياَ‬ ‫ن بِهِ لَ ُقضِ َ‬ ‫س َتعْجِلُو َ‬‫هناك استعجال فل يقول فأنبئكم‪ .‬في نفس السياق (قُل لّوْ أَنّ عِندِي مَا تَ ْ‬
‫يقول (ثم) لن المقام ليس في الستعجال‪ .‬السياق الذي يحدد ول ينبغي أن نقطع كلمة من سياقها‪.‬‬
‫*قال تعالى بما عملوا وفي آية سابقة في السورة قال بما كنتم تعملون فما الفرق بين اليتين؟‬
‫صدُورِ) ذكرنا بعض المور التي تتعلق‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ن اللّ َه عَلِي ٌم بِذَا ِ‬
‫عمِلُوا إِ ّ‬‫ج ُعهُ ْم َفنُ َنّبئُهُم ِبمَا َ‬
‫ك كُفْرُهُ ِإَليْنَا مَ ْر ِ‬
‫الية الكريمة قوله تعالى ( َومَن كَفَ َر فَلَا يَحْزُن َ‬
‫ك بِي مَا‬‫عمِلُوا)‪ .‬ربنا تعالى في آية سابقة في السورة نفسها قال (وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن تُشْ ِر َ‬ ‫بالية فيما سبق ووقفنا عند قوله تعالى ( َفُننَ ّبُئهُم ِبمَا َ‬
‫ن (‪( ))15‬كنتم تعملون)‬ ‫ج ُعكُ ْم فَُأ َنّبُئكُم ِبمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو َ‬
‫ي مَرْ ِ‬ ‫ي ثُمّ إَِل ّ‬
‫ل مَنْ َأنَابَ ِإلَ ّ‬ ‫سبِي َ‬ ‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّدنْيَا َمعْرُوفًا وَا ّتبِعْ َ‬ ‫ط ْعهُمَا وَصَا ِ‬
‫س َلكَ بِ ِه عِلْ ٌم فَلَا تُ ِ‬
‫َليْ َ‬
‫هذا الماضي المستمر‪ ،‬كان يعمل مستمر‪ ،‬كنتم تعملون أي كنتم مستمرون على العمل في الماضي يسمى الماضي المستمر و(عملوا) هذا الماضي‬
‫المنقطع‪ .‬هناك أكثر من ماضي وأنواعه متعددة لكن في الية (بما كنتم تعملون) بالماضي المستمر وهذه الية بالماضي المنقطع (بما عملوا)‪.‬‬
‫السبب كما ذكرنا أكثر من مرة أن السياق يحدد المسألة‪ ،‬في الية السابقة ذكر استكرار المجاهدة (وإن جاهداك) واستمرار المصاحبة بالمعروف‬
‫(وصاحبهما في الدنيا معروفا) واستمرار التباع اتباع المنيبين إليه (واتبع سبيل من أناب إليّ) ثم قال (ثم إلي مرجعكم) و (ثم) تفيد المهلة‬
‫عمِلُوا) ما ذكر‬ ‫ج ُعهُ ْم َفنُ َنّبئُهُم ِبمَا َ‬
‫ك كُفْرُهُ ِإَليْنَا مَ ْر ِ‬
‫والتراخي‪ ،‬هذه المور تحتاج إلى استمرار عمل‪ ،‬هنا ليس فيها استمرار عمل ( َومَن كَفَ َر فَلَا يَحْزُن َ‬
‫ل إذن هناك‬ ‫أمورا فيها دللة على استمرار العمل لكن المصاحبة والمجاهدة واتباع سبيل المؤمنين ثم إلي مرجعكم أما هنا ما قال (ثم) فيها أص ً‬
‫سياق الية يدل على استمرار العمل قال بما كنتم تعملون جاء بالماضي المستمر وهنا ليس فيها استمرار عمل فقال بما عملوا فإذن هذه مناسبة‬
‫لهذا الموضع وتلك مناسبة للموضع الذي وردت فيه‪.‬‬
‫الماضي المستمر له دللت سياقية‪ .‬مسألة الماضي فيها أكثر من ستة عشر زمن في الماضي‪ ،‬يُدرّس للطفال الفعلل ماضي أنه ما مضى‬
‫وانقطع فقط وتبقى هذه المعلومة ثابتة بينما الماضي كثير هناك الماضي المنقطع‪ ،‬وأحيانا الماضي بحد ذاته هكذا عملوا‪ ،‬هو الن ماضي منقطع‬
‫أي انقطع وانتهى لن الماضي بهذه الصورة قد يكون ماضي واستمر عليه لم ينقطع ( َونَزّ ْلنَا عََل ْيكُمُ ا ْلمَنّ وَالسّ ْلوَى (‪ )80‬طه) ليس مرة واحدة‬
‫ل (‪)15‬‬ ‫صحِينَ (‪ )79‬العراف) وأحيانا المنقطع لما يكون مسبوقا بـ (كان) مثل قد كان فعل (وَلَ َق ْد كَانُوا عَا َهدُوا اللّ َه مِن َقبْ ُ‬ ‫حبّونَ النّا ِ‬ ‫ل تُ ِ‬‫(وََلكِن ّ‬
‫الحزاب)‪ .‬وأيضا هناك الماضي المعتاد كان رسول ال يفعل كذا أي معتاد عليه كان رسول ال يمسح كذا ثلثا ماضي معتاد بمعنى الماضي‬
‫المستمر يسمونه المعتاد أي ما اعتاد عليه‪ .‬هناك كلم كثير في الماضي‪.‬‬
‫ما كَانُواْ‬ ‫م الل ّ َ ُ‬
‫ه ب َِ َ‬ ‫ف يُنَبِّئُهُ َ ُ‬ ‫ملُوا) بالفاء وفََي سََورة المائدة قال (وَ َ َ‬
‫سوْ َ‬ ‫*قال تعالى (فَنُنَبِّئُهُ َم ب ِ َ َ‬
‫ما عَ ِ‬
‫ن (‪))14‬؟‬ ‫صنَعُو َ‬
‫يَ ْ‬
‫ذكرنا هذا المر في الحلقة السابقة أنه في بعضها لم يذكر إلينا مرجعهم وهنا ذكر إلينا مرجعهم فلما يكون المدة بين الرجوع والتنبيء ليست‬
‫طويلة بينما لم يذكر أصلً المرجع فيكون المسافة أطول وشرحنا أمثلة في حينها‪.‬‬
‫*في قوله تعالى (إن الله عليم بذات الصدور) لم يقل إننا مع أنه قال قبلها (إلينا مرجعهم) بضمير‬
‫الجمع؟‬
‫في أكثر من مناسبة ذكرنا أنه إذا ورد ضمير التعظيم ل بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على الفراد وهذا سمت في القرآن الكريم لم يتخلف في‬
‫أي موطن من المواطن في جميع القرآن‪ .‬لما كان ما سبق هو في ضمير التعظيم (إلينا مرجعهم فننبئهم) يأتي بعده ما يدل على المرد لئل تبقى‬
‫في الذهن شائبة شرك فقال (إن ال عليم بذات الصدور) وهذا ثابت في القرآن واضح في جميع القرآن لم يتخلف في موطن واحد حيث ذكر‬
‫ضمير التعظيم ل بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على أنه مفرد‪.‬‬
‫*(إن الله عليم بذات الصدور) مع أن الية تتكلم عن الذي كفر ومع هذا لم يقل عليم به؟‬
‫صدُورِ) كأنما المناسب أن ال عليم به أي بالكافر على‬ ‫ت ال ّ‬
‫ن اللّ َه عَلِي ٌم بِذَا ِ‬
‫عمِلُوا إِ ّ‬
‫ج ُعهُ ْم َفنُ َنّبئُهُم ِبمَا َ‬
‫ك كُفْرُهُ ِإَليْنَا مَ ْر ِ‬
‫قال تعالى ( َومَن كَفَ َر فَلَا يَحْزُن َ‬
‫القل‪ .‬لو قال إن ال عليم به سيقصر العلم الن على من كفر لكن لما قال عليم بذات الصدور صارت أشمل ودخل فيها الذي كفر وغيره‪ .‬عليم‬
‫بالذي كفر فيها تخصيص بالذي كفر تحديدا لو قال عليم به يعود الضمير على من كفر‪ ،‬إنما قال عليم بذات الصدور دخل فيها من كفر ومن لم‬
‫سكُونَ بِا ْل ِكتَابِ‬
‫يكفر وال تعالى ليس فقط عليم بالذي كفر بل هو عليم بذات الصدور عموما فهذا حتى يفيد العموم وهذا في القرآن كثير (وَاّلذِينَ ُيمَ ّ‬
‫ن (‪ )170‬العراف) ما قال إنا ل نضيع أجرهم وهذا أفاد أن هؤلء من المصلحين معناه أن الذين‬ ‫ل نُضِيعُ َأجْرَ ا ْل ُمصْلِحِي َ‬ ‫َوَأقَامُواْ الصّلَةَ ِإنّا َ‬
‫يمسكون الكتاب وأقاموا الصلة من المصلحين ثم هنالك مصلحون آخرون دخلوا فيهم فدخل فيهم هؤءل وهؤلء‪ .‬من اعتدى على فلن فإننا‬
‫نعاقب المعتدين فدخل فيهم من اعتدى على فلن وعلى غيره فهذا أفاد الشمول فدخل فيه هؤلء ودخل فيه صار عموما أن ال عليم بذات‬
‫الصدور ولو قال عليم به المعنى يختلف من ناحية أخرى‪ ،‬هو قال بذات الصدور وذات الصدور يعني خفايا الصدور لو قال عليم به ستكون‬
‫للشياء الظاهرة إن ال عليم به أي بالشحص الذي كفر لكن لما قال بذات الصدور صار الخفايا يعني ما في داخل الصدور‪ .‬فإذن شمل علمه ما‬
‫في الصدور‪( ،‬فننبئهم بما عملوا) هذا أمر ظاهر (إن ال عليم بذات الصدور) بذات الصدور هذا أمر خفي إذن هذا الكلم للظاهر والخفي‪ ،‬إذن‬
‫لما قال بذات الصدور شملت الظاهر والباطن ولو قال عليم به أفادت الظاهر فقط‪ .‬إذن أولً أفادت الية عموم العموم وليس الخصوص هؤلء‬
‫وغيرهم من كفر ومن لم يكفر وأيضا الظاهر والباطن‪ ،‬المور الظاهرة وخفايا الصدور ولو قال عليم به ل تشمل هذا فإذن هذا توسع كثير والن‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫وضح أنه شمل علمه ما ظهر وما بطن ولو قال عليم به لم تشمل هذا الشيء‪.‬ثم قال عليم ولم يقل عالم‪ ،‬عليم صيغة مبالغة‪ .‬في أكثر من مناسبة‬
‫قلنا أن كلمة عالم في القرآن لم ترد إل في علم الغيب خصوصا والمفرد (عالم الغيب) أو الغيب والشهادة (عالم الغيب والشهادة) وعلّم للغيوب‬
‫وعليم مطلقة لكل شيء‪ .‬لهذا قال عليم بذات الصدور وما قال علم ول عالم وهذا من خصوصية استعمال القرآن الكريم لنه خصص كلمة عالِم‬
‫بهذا المعنى لكن من حيث الستخدام اللغوي يتعاور بعض هذه الكلمات مكان البعض الخر عدا المبالغة وإسم الفاعل‪ ،‬المبالغة فيها تكثير وإسم‬
‫الفاعل ليس فيه تكثير هذا من حيث اللغة‪ .‬وكذلك أكّد هذه المسألة بـ (إنّ) في قوله (إن ال عليم بذات الصدور) واستخدم عليم دونما عالم أو‬
‫علم وقال بذات الصدور وليس به‪.‬‬
‫آية (‪:)24‬‬
‫ظ (‪))24‬‬
‫غلِي ٍ‬
‫عذَابٍ َ‬
‫ضطَ ّر ُهمْ ِإلَى َ‬
‫( ُنمَ ّت ُع ُهمْ َقلِيلًا ُثمّ نَ ْ‬
‫*كلمة (قليلً) ما دللتها وما إعرابها؟‬
‫(قليلً) فيها احتمالن في العراب محتمل أن نعربها مفعول مطلق يعني تمتيعا قليلً أي قليل وصف للمصدر أو نعربها ظرف زمان أي زمنا‬
‫قليلً‪ .‬فإذن من حيث العراب تحتمل الحدث وهو تمتيعا قليلً وتحتمل الزمن زمنا قليلً‪ ،‬وهو حذف الموصوف لنه لو ذكر الموصوف لتحدد‬
‫بشيء واحد لو قال زمنا أو تمتيعا لحدد‪ .‬حذف والن يشمل الثنين معناه يمتعهم تمتيعا قليلً زمنا قليلً فجمع المعنيين بالحذف‪ ،‬الن اتسع‬
‫واستفدنا أنه يمتعهم تمتيعا قليلً زمنا قليلً ولو ذكر لخصص الذي ذكره وأطلق الخر‪ .‬لو أراد أن يقول تمتيعا قليلً زمنا قليلً‪ ،‬الحذف أغنى عن‬
‫جزَاء‬
‫حكُو ْا قَلِيلً وَ ْل َي ْبكُواْ َكثِيرًا َ‬
‫ل فشمل المعنيين وقال (نمتعهم قليلً)‪ .‬بدل العبارة الطويلة حذف فتوسع المعنى (فَ ْليَضْ َ‬
‫أن يقول تمتيعا قليلً زمنا قلي ً‬
‫ن (‪ )82‬التوبة) بدل أن يقول فليضحكوا ضحكا قليلً زمنا قليلً وليبكوا بكاء كثيرا زمنا كثيرا حذف فجمع المعنيين وأحيانا يكون‬ ‫سبُو َ‬
‫ِبمَا كَانُو ْا َيكْ ِ‬
‫الحذف أبلغ من الذكر وقد يكون الحذف للتوسع في المعنى وأحيانا الذكر يكون للتخصيص مثل (هو يُكرم) إطلق و (هو يكرم فلنا) تحديدا‪ .‬إذن‬
‫حينما يحذف ل بد أن تدل (قليلً) على المعنيين نمتعهم تمتيعا قليلً زمنا قليلً ولما تُعرب تُعرب باحتمالين‪ ،‬والحذف هنا جائز‪.‬‬
‫*فَي البقرة قال (ث َُ َ َ‬
‫صيُر (‪ ))126‬بضميَر المفرد وفَي لقمان‬ ‫س ال ْ َ‬
‫م َِ‬ ‫ب الن َّ ِ‬
‫ار وَبِئ َْ َ‬ ‫ضطَُّره َُ إِلَى عَذ َا َِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ّ‬
‫ظ) فما الفرق بينهما؟‬ ‫ب غَلِي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َا‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ه‬
‫ْ ّ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ضط‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م قَلِيًل ّ‬
‫ُ‬ ‫ث‬ ‫مت ِّ ُعهُ ْ‬
‫بالجمع (ن ُ َ‬
‫ن آ َمنَ‬‫ت مَ ْ‬
‫ل هَـذَا بََلدًا آ ِمنًا وَا ْرزُقْ أَهْلَ ُه مِنَ ال ّثمَرَا ِ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫حتى نفهم المسألة نقرأ سياق آية البقرة لن السياق هو الذي يوضح (وَِإذْ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ َربّ ا ْ‬
‫ل هَـذَا‬ ‫جعَ ْ‬‫باْ‬‫عذَابِ النّارِ َو ِبئْسَ ا ْلمَصِي ُر (‪ ))126‬إذن آية البقرة في مكة (رَ ّ‬ ‫ِم ْنهُم بِاللّهِ وَا ْليَوْمِ الخِ ِر قَالَ َومَن كَفَ َر َفُأ َمتّعُ ُه قَلِيلً ثُمّ َأضْطَرّهُ إِلَى َ‬
‫ل هَـذَا ا ْلبََلدَ آ ِمنًا (‪ )35‬إبراهيم) هذا بعد البناء بعد أن صارت بلدا‪ .‬فإذن آية‬ ‫جعَ ْ‬
‫باْ‬ ‫بََلدًا آ ِمنًا) وقبل أن توجد مكة‪ ،‬ولما قال (وَِإ ْذ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ رَ ّ‬
‫البقرة في مكة وآية لقمان عامة (نمتعهم قليلً) كلما عاما وليس في بلد معين ول أناس معينين‪ .‬أيها الكثر؟ الية في لقمان‪ ،‬فجاء بضمير الكثرة‬
‫وتسمى الكثرة النسبية (نمتعهم قليلً) يعني يُعبّر عن الكثر بالضمير الذي يدل على الكثرة والجمع ويعبر عن القل بالمفرد‪ .‬و (من) تحتمل ذلك‬
‫إذن فمن كفر فأمتعه قليلً وهؤلء أقل من الذين قال فيهم أمتعه قليلً هذا أقل من الذين نمتعهم فجاء بضمير الجمع‪ .‬في القرآن يراعي هذا الشيء‬
‫ن (‪)43‬‬ ‫صرُو َ‬
‫ت َتهْدِي ا ْل ُعمْيَ َولَ ْو كَانُو ْا لَ ُيبْ ِ‬ ‫ن (‪َ )42‬ومِنهُم مّن يَن ُ‬
‫ظرُ إَِل ْيكَ َأ َفأَن َ‬ ‫ل َيعْقِلُو َ‬
‫سمِعُ الصّمّ وَلَ ْو كَانُو ْا َ‬ ‫ت تُ ْ‬
‫س َت ِمعُونَ إَِل ْيكَ َأ َفأَن َ‬
‫( َو ِم ْنهُم مّن يَ ْ‬
‫يونس) الذين يستمعون أكثر من الذين ينظرون فقال يستمعون هذه تسمى مناسبة وهذا ما جعل المفعول في لقمان بالجمع وفي البقرة بالمفرد‪.‬‬
‫ُ‬
‫ه قَلِيلً) في آية البقرة ونمتعهم بالجمع في آية لقمان؟‬ ‫من كَفََر فَأ َ‬
‫متِّعُ ُ‬ ‫*قال تعالى(وَ َ‬
‫هذا يدخل فيه أكثر من مسألة‪ .‬مسألة التعظيم ذكرنا أنه لماذا قال (إن ال عليم بذات الصدور) وقلنا أن قبلها جاء بالجمع (إلينا مرجعهم) ثم هنا‬
‫طهّرَا بَ ْيتِيَ لِلطّائِفِينَ‬ ‫سمَاعِيلَ أَن َ‬‫ع ِه ْدنَا إِلَى ِإبْرَاهِيمَ وَإِ ْ‬
‫جاء بالمفرد وفي البقرة بالعكس ذكر الفراد أولً ثم الجمع‪ .‬هذه فيها أكثر من مناسبة (وَ َ‬
‫عهِ ْدنَا إِلَى ِإبْرَاهِيمَ)‪ .‬والمر‬ ‫وَا ْلعَاكِفِينَ وَال ّركّعِ السّجُو ِد (‪ )125‬البقرة) هذه جمع سيأتي بعدها مفرد‪ ،‬بعد الجمع يأتي المفرد‪ ،‬ضمير التعظيم (وَ َ‬
‫طهّرَا بَ ْيتِيَ) البيت نسبه تعالى إلى نفسه وصاحب البيت يتولى المر وربنا صاحب البيت يتولى هذا فقال ( َومَن كَفَ َر فَُأ َمّتعُ ُه قَلِيلً)‬ ‫الخر قال (أَن َ‬
‫وهو قال طهرا بيتي للطائفين هو صاحب البيت ويتولى من يسيء فهي أنسب من كل ناحية وقال بيتي فمناسبة أكثر للفراد‪.‬‬
‫*في لقمان قال (إلينا مرجعهم) ولم يقلها في البقرة؟‬
‫ن ال ّثمَرَاتِ) والرزق فيه تمتيع‬ ‫ق أَهْلَ ُه مِنَ الثّمَرَاتِ) إذن لما قال فأمتعه قليلً كان من دعاء إبراهيم لما قال (وَارْزُقْ أَ ْهلَهُ مِ َ‬ ‫إبراهيم سأل ربه (وَارْزُ ْ‬
‫ل هَـذَا بََلدًا آ ِمنًا وَارْزُقْ أَ ْهلَ ُه مِنَ ال ّثمَرَاتِ) الجواب‬
‫جعَ ْ‬
‫باْ‬ ‫إذن هذه المسألة ليست متعلقة بالتبليغ وإنما هو طلب الرزق (وَِإ ْذ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ رَ ّ‬
‫(فأمتعه قليلً) لنه طلب الرزق فالجواب يكون فأمتعه قليلً وهذه ليست في التبليغ أما آية لقمان ففي التبليغ (ومن كفر) والسياق مختلف تماما‪.‬‬
‫عمِلُوا) أما في آية البقرة ليست في التبليغ فقال (فأمتعه‬ ‫ج ُعهُ ْم َفنُ َنّبئُهُم ِبمَا َ‬
‫ك كُفْرُهُ ِإَليْنَا مَ ْر ِ‬‫فإذن لما كانت الية في التبليغ قال ( َومَن كَفَ َر فَلَا يَحْزُن َ‬
‫صدُورِ) ولم يقلها في البقرة أيضا‪ ،‬هؤلء في‬ ‫عمِلُوا إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم ِبذَاتِ ال ّ‬ ‫ج ُعهُ ْم َفُن َنبّ ُئهُم ِبمَا َ‬‫حزُنكَ كُ ْفرُهُ إَِل ْينَا مَرْ ِ‬
‫قليلً)‪ .‬في لقمان قال ( َومَن كَ َف َر فَلَا يَ ْ‬
‫آية لقمان الكفار موجودين أما هؤلء الذين قال فيهم الية في سورة البقرة لم يخلقوا بعد هذا باعتبار ما سيكون هم ليسوا مخلوقين أصلً قال‬
‫(اجعل هذا بلدا آمنا) فكيف يقول فل يحزنك كفره هم غير موجودين ويأتون بعده بقرون‪ ،‬أما في آية لقمان فهو معاصر لهم يبلغهم‪.‬‬
‫من كَفََر‬ ‫م إِلَى عَذ َا ٍَ‬
‫ب غَلِي ٍَ‬
‫ظ (‪ ))24‬وفَي البقرة قال (وََ َ‬ ‫ضطَُّرهَُ ْ‬‫م نَ ْ‬‫م قَلِيًل ث َُ َّ‬ ‫متِّعُهَُ ْ‬ ‫*فَي لقمان قال (ن ُ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَأ ُمتِعه قَلِيل ً ث ُ َ َ‬
‫صيُر (‪))126‬؟‬ ‫م ِ‬ ‫ار وَبِئ ْ َ‬
‫س ال َ‬ ‫ب الن ّ ِ‬ ‫ضطُّرهُ إِلى عَذ َا ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُّ ُ‬
‫أيها الشد أن تقول إلى عذاب غليظ أو إلى عذاب النار وبئس المصير؟ عذاب النار‪ .‬عندما يقول عذاب غليظ هل معناه أنك ستحرقه؟ كل لنك لم‬
‫تصرح أنه بالنار‪ ،‬عندما تقول سأعذبه عذابا غليظا هل معناه أنك ستحرقه؟ لم تصرح أنه بالنار‪ ،‬أما عذاب النار فيها حرق فأيها الشد؟ عذاب‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫النار‪ .‬لم يذكر نار في لقمان وفي البقرة ذكر نارا وبئس المصير إذن هذا العذاب أشد‪ ،‬ذكر النار وقال أنه بئس المصير‪ .‬عذاب غليظ ل يشترط‬
‫أن يكون بالنار قد يكون بعضا غليظة‪ .‬قال عذاب النار في أهل مكة وإبراهيم يطلب البلد المن والرزق‪ ،‬السيئة في مكة تتضاعف أكثر بكثير من‬
‫مكان آخر وكذلك الحسنة تتضاعف في مكة والسيئة في مكة تتضاعف فمن أساء في مكة في بلد ال الحرام ليس كمن أساء في غيرها‪ ،‬نفس‬
‫السيئة إذا فعلها شخص في مكة ليست عقوبتها كمن أساء في غير مكة السيئة فيها تتضاعف والحسنة فيها تتضاعف فإذن عندما تكون السيئة‬
‫تتضاعف فالعذاب يتضاعف ويشتد لذا قال عذاب النار وبئس المصير لن ذكر السيئة والكفر في مكة ليس كالكفر في غير مكة والمعصية في‬
‫مكة ليست كالمعصية في غير مكة الحسنة أكثر والسيئة أكثر ولذلك شدّد العذاب فقال عذاب النار وبئس المصير‪.‬‬
‫آية (‪:)25‬‬
‫ن (‪))25‬‬
‫ن اللّهُ ُق ِل الْحَ ْم ُد ِللّهِ َبلْ َأكْثَ ُر ُهمْ لَا َي ْعلَمُو َ‬
‫ض لَيَقُولُ ّ‬
‫ت وَا ْلأَرْ َ‬
‫خَلقَ السّمَاوَا ِ‬
‫س َألْ َتهُم مّنْ َ‬
‫( َولَئِن َ‬
‫*في هذه الية لم يقل الله تعالى ليقولن خلقهن الله مع أنه في سورة الزخرف قال تعالى (وَلَئِن‬
‫ن الْعَزِيُز الْعَلِي ُ‬
‫م (‪ ))9‬فما الفرق؟‬ ‫خلَقَهُ َّ‬ ‫ض لَيَقُول ُ َّ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ت وَاْلْر َ‬
‫ماوَا ِ‬ ‫خلَقَ ال َّ‬
‫س َ‬ ‫ن َ‬ ‫سأَلْتَهُم َّ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫كل اليات التي سألهم فيها نحو هذا السؤال من خلق السموات والرض أو من خلقهم يقولون ال من دون ذكر خلقهن ال أو خلقنا ال إل آية‬
‫سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضَ َل َيقُولُنّ خََل َقهُنّ ا ْلعَزِيزُ ا ْلعَلِيمُ) المعنى معلوم سواء ذكر فعل خلق أو لم يذكر‪ .‬ول شك أنه‬ ‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ‬
‫الزخرف فقط ( َوَلئِن َ‬
‫(ليقولن ال) أوجز من حيث اليجاز الكلم أوجز و(ليقولن خلقهن العزيز العليم) هذا فيه توسع إذن هو المقام والبلغة مطابقة الكلم لمقتضى‬
‫سمَاوَاتِ‬ ‫الحال ففي مقام اليجاز يوجز وفي مقام التوسع يتوسع‪ .‬في الزخرف أراد أن يتوسع في الكلم على الخلق (وََلئِنْ سََأ ْلتَهُ ْم مَنْ خََلقَ ال ّ‬
‫سمَا ِء مَاءً ِب َقدَرٍ‬‫ل مِنَ ال ّ‬ ‫ن (‪ )10‬وَاّلذِي نَزّ َ‬ ‫سبُلًا َلعَّلكُ ْم َت ْهتَدُو َ‬
‫جعَلَ َلكُ ْم فِيهَا ُ‬ ‫ض َمهْدًا َو َ‬‫ل َلكُمُ الَْأرْ َ‬ ‫ن خَلَ َقهُنّ ا ْلعَزِي ُز ا ْلعَلِيمُ (‪ )9‬اّلذِي َ‬
‫جعَ َ‬ ‫وَالَْأرْضَ َليَقُولُ ّ‬
‫جعَلَ َلكُ ْم مِنَ ا ْلفُ ْلكِ وَالَْأ ْنعَا ِم مَا تَ ْر َكبُونَ (‪ ))12‬فذكر ما يتعلق بالخلق لم يقل‬ ‫ج كُّلهَا وَ َ‬ ‫ن (‪ )11‬وَاّلذِي خََلقَ الَْأزْوَا َ‬ ‫ك تُخْ َرجُو َ‬ ‫َفَأنْشَ ْرنَا بِ ِه بَلْدَ ًة َم ْيتًا كَذَِل َ‬
‫فقط خلق السموات والرض‪ ،‬في اليات الخرى التي لم يذكر خلقهن لم يذكر شيئا في الخلق ولم يتوسع وقد تكون آية وحيدة وليس بعدها شيء‬
‫ن (‪ )61‬العنكبوت) بعدها مباشرة‬ ‫شمْسَ وَالْ َقمَرَ َليَقُولُنّ اللّ ُه فََأنّى يُ ْؤ َفكُو َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضَ َوسَخّ َر ال ّ‬ ‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ‬‫يدل على الخلق مثلً (وََلئِن َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ‬ ‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ‬‫ي ٍء عَلِي ٌم (‪ ))62‬ليس فيها خلق‪( ،‬وََلئِن َ‬ ‫عبَادِهِ َو َي ْقدِرُ لَهُ إِنّ اللّ َه ِبكُلّ شَ ْ‬
‫ن ِ‬‫ق ِلمَن يَشَاء مِ ْ‬ ‫ط الرّزْ َ‬ ‫(اللّ ُه َيبْسُ ُ‬
‫سمَاوَاتِ‬ ‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ‬ ‫حمِيدُ (‪ )26‬لقمان) (وََلئِن َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضِ إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ الْ َ‬ ‫ن (‪ )25‬لِلّ ِه مَا فِي ال ّ‬ ‫ح ْمدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْكثَرُهُمْ لَا يَعَْلمُو َ‬
‫اللّ ُه قُلِ الْ َ‬
‫ح َمتِهِ ُقلْ‬ ‫ت رَ ْ‬‫سكَا ُ‬ ‫ن ُممْ ِ‬ ‫ل هُ ّ‬‫حمَ ٍة هَ ْ‬‫شفَاتُ ضُرّ ِه أَوْ أَرَا َدنِي بِرَ ْ‬ ‫ن كَا ِ‬‫ل هُ ّ‬ ‫ض ّر هَ ْ‬‫ن اللّ ُه قُلْ َأفَرََأ ْيتُم مّا َتدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ إِنْ أَرَا َدنِيَ اللّ ُه بِ ُ‬ ‫وَالَْأرْضَ َليَقُولُ ّ‬
‫ن (‪)88‬‬ ‫ن هَؤُلَاء قَ ْومٌ لّا يُ ْؤ ِمنُو َ‬ ‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَ َقهُ ْم َليَقُولُنّ اللّ ُه َفَأنّى يُ ْؤ َفكُونَ (‪َ )87‬وقِيلِهِ يَارَبّ إِ ّ‬ ‫سبِيَ اللّ ُه عََليْ ِه َيتَ َوكّلُ ا ْل ُمتَ َوكّلُونَ (‪ )38‬الزمر) (وََلئِن َ‬ ‫حَ ْ‬
‫الزخرف) آية الزخرف هي الية الوحيدة من بين ما ورد التي توسع فيها بالسياق ذكر الخلق فناسب لهذا التوسع والتفصيل أن يقول (خلقهن‬
‫العزيز العليم) فالبلغة هي مطابقة الكلم لمقتضى الحال‪.‬‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ن بَعْدِ ال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫مبْعُوثُو َ‬ ‫م َ‬ ‫ت إِنَّك ُ ْ‬‫ن قُل ْ َ‬‫بالنصب في آية سورة هود (وَلَئ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫* لماذا جاء الفعل (ليقول ّن)‬
‫َ َ َ‬
‫ن (‪ ))7‬بينما جاءت بالضم في آية أخرى في سورة لقمان‬ ‫ٌ‬ ‫مبِي‬
‫ُ‬ ‫حٌر‬ ‫ن هَذ َا إ ِ ّل ِ‬
‫س ْ‬ ‫ن كَفَُروا إ ِ ْ‬‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬
‫لَيَقُول ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‬‫مو ََ‬ ‫م َل يَعْل َ ُ‬ ‫مد ُ لِل َّهِ ب َ ْ‬
‫ل أكْثَُرهَُ ْ‬ ‫ح ْ‬‫ل ال ْ َ‬
‫ه قُ ِ‬ ‫ض لَيَقُول َُ َّ‬
‫ن الل َّ ُ‬ ‫ت وَاْلْر ََ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫خل ََقَ ال ََّ‬
‫س َ‬ ‫ن َ‬ ‫م َْ‬‫م َ‬‫سألْتَهُ ْ‬‫ن ََ‬ ‫(وَلَئ َِ ْ‬
‫‪ ))25‬؟‬
‫في الية الولى في سورة هود الفعل يُبنى على الفتح لن نون التوكيد باشرت الفعل المضارع لنه مُسند إلى اسم ظاهر (الذين كفروا) والفعل‬
‫يُفرد مع الفاعل وهذه قاعدة إذا كان الفاعل ظاهرا فنأتي بالفعل في حالة الفراد ويُبنى على الفتح لن نون التوكيد باشرته كما في قوله تعالى‬
‫(وإذا جاءك الذين كفروا) ول نقول جاءوك الذين كفروا‪.‬‬
‫أما في الية الثانية فالفعل مُسند إلى واو الجماعة ولم تباشره نون التوكيد وأصل الفعل إذا حذفنا نون التوكيد (يقولون) ومثلها اليات ‪ 61‬و ‪63‬‬
‫ب قُلْ‬‫ن ِإّنمَا ُكنّا نَخُوضُ َونَ ْلعَ ُ‬ ‫في سورة العنكبوت والية ‪ 9‬و ‪ 87‬في الزخرف والية ‪ 38‬في الزمر والية ‪ 65‬من سورة التوبة (وََلئِنْ سَأَ ْل َتهُ ْم َل َيقُولُ ّ‬
‫حبِسُهُ أَلَا يَوْ َم يَ ْأتِيهِمْ‬
‫ن مَا يَ ْ‬ ‫ن (‪ ))65‬والية ‪ 8‬من سورة هود (وََلئِنْ َأخّ ْرنَا َ‬
‫ع ْنهُمُ ا ْل َعذَابَ إِلَى ُأمّ ٍة َمعْدُودَةٍ َل َيقُولُ ّ‬ ‫س َتهْ ِزئُو َ‬
‫َأبِاللّهِ وََآيَاتِهِ وَ َرسُولِ ِه ُك ْنتُمْ تَ ْ‬
‫س َتهْ ِزئُونَ (‪.))8‬‬
‫ق ِبهِ ْم مَا كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬‫ع ْنهُمْ َوحَا َ‬ ‫س َمصْرُوفًا َ‬ ‫َليْ َ‬
‫ولهذا فل بد أن يكون الفعل في الية الولى مبني على الفتح لنه مُسند إلى اسم ظاهر (ليقولّن) والثاني مُسند إلى واو الجماعة (ليقولُنّ) مرفوع‬
‫بالنون المحذوفة لتوالي المثال والواو المحذوفة للتقاء الساكنين‪ .‬أصل الفعل يقولون مرفوع بثبات النون وعندما جاءت نون التوكيد الثقيلة يصبح‬
‫عندنا ‪ 3‬نونات ويصبح هذا كثيرا فيحذفون نون الرفع وتبقى نون التوكيد واللم لم الفعل‪.‬‬
‫وفي الية الولى اللم في (ليقولنّ) واقعة في جواب القسم‪( .‬لئن) اللم موطّئة للقسم و(إن) الشرطية و(لئن) قسم‪ .‬واللم في الثبات ل بد أن تأتي‬
‫في الجواب (حتى يكون الفعل مثبتا)‪ .‬فإذا قلنا لئن سألتهم من خلق السموات والرض يقولون يُصبح الفعل منفيّا‪ .‬في جواب القسم إذا أجبنا القسم‬
‫بفعل مضارع إذا كان الفعل مثبتا فل بد من أن نأتي باللم سواء معه نون أو لم يكن معه نون كأن نقول "وال لذهب الن‪ ،‬أو وال لذهبنّ" فلو‬
‫حتّى َتكُونَ‬ ‫حُذفت اللم فتعني النفي قطعا فّإذا قلنا وال أذهب معناها ل أذهب كما في قوله تعالى في سورة يوسف (قَالُوا تَاللّ ِه تَ ْف َتأُ َت ْذكُ ُر يُوسُفَ َ‬
‫حَرَضًا أَ ْو َتكُونَ مِنَ ا ْلهَاِلكِينَ (‪ ))85‬بمعنى ل تفتأ‪ .‬فمتى أجبت القسم بالفعل المضارع ولم تأت باللم فهو نفي قطعا كما في هذه البيات‪:‬‬
‫مناقب تُفسد الرجل الكريما‬ ‫رأيت الخمر صالحة وفيها‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫ول أشفي بها أبدا سقيما‬ ‫فل وال أشربها حياتي‬


‫وكذلك‪:‬‬
‫ب يأكله في القرية السوس‬
‫والحَ ّ‬ ‫ب العراق الدهر أطعمه‬‫آليت حَ ّ‬
‫فالقاعدة تقول أن اللم في جواب القسم دللة على إثبات الفعل‪.‬‬
‫َ‬
‫مد ُ لِل ّهِ) ما دللة الحمد لله في الية الكريمة؟‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫*قال تعالى (قُ ِ‬
‫لكثر من سبب أولً أن الحجة قامت عليهم هو يدعوهم ويبلغهم هم يعلمون لكن لما قالوا (ليقولن ال) صار إقرارا لذا يجب أن يعبدوا ال الذي‬
‫خلقهم ل يشركون به شيئا إذن الحجة لزمتهم وأبرأ نفسه فأقام الحجة عليهم‪ .‬ثم الحمد ل الذي هدانا للحق اننا لم نكن مثلهم ممن يدعوهم الشيطان‬
‫إلى عذاب السعير‪ ،‬إذن الحمد لن الحجة قامت عليهم ‪,‬الزمتهم الحجة وأبرأ نفسه والحمد ل الذي هدانا إلى الحق ولم يجعلنا مثلهم أن نكون من‬
‫سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ اللّ ُه قُلِ‬
‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ‬
‫أصحاب السعير والحمد ل الذي خلق السموات والرض فهو سبحانه يستحق الحمد (وََلئِن َ‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ) إذن الحمد ل مناسبة لعدة جهات‪.‬‬
‫الْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سأَلْتَهُم َّ‬
‫مد ُ لِل َّ ِ‬
‫ه‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ن الل َّ ُ‬
‫ه قُ‬ ‫ضَ لَيَقُول َُ َّ‬
‫َ‬ ‫ت َواْلَْر‬‫ماوَا ِ‬ ‫ق ال َ‬
‫سَّ َ‬ ‫خل ََ َ‬‫م نَْ َ‬ ‫(ولَئِن ََ‬ ‫*قال تعالى فَي آيَة لقمان َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫حي ََا ب َِ ِ‬‫ماء فَأ ْ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ََّ‬ ‫م ََ‬‫ل ِ‬ ‫من نََّّز َ‬ ‫سألْتَهُم ََّ‬ ‫ن (‪ ))25‬وفَي العنكبوت قال (وَلَئِن ََ‬ ‫مو ََ‬ ‫ُ‬ ‫م َل يَعْل َ‬
‫ْ‬ ‫ل أَكْثَُرهَُ‬ ‫بَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن (‪ ))63‬فما الفرق بينهما؟‬ ‫م َل يَعْقِلُو َ‬ ‫ل أكْثَُرهُ ْ‬ ‫مد ُ لِل ّهِ ب َ ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه قُ ِ‬ ‫موْتِهَا لَيَقُول ُ َّ‬ ‫من بَعْدِ َ‬ ‫ض ِ‬‫اْلْر َ‬
‫ل يعلمون يعني ل يعلمون أن الذي خلق السموات والرض هو وحده المستحق للعبادة مع أنهم يعرفون أن ال هو الذي خلق السموات والرض‬
‫لكن ل يعلمون ماذا ينبني على هذا العلم‪ .‬من آمن بال ووحّده هذا علِم أن الذي خلق السموات والرض هو مستحق لن يُفرد ويوحّد ول يُشرك‬
‫به وهنالك آخرون يعلمون أن ال هو الذي خلق السموات والرض لكن ل يعلمون ماذا ينبني على هذا العلم؟ مثل الذي يعلم البديهيات لكن ل يعلم‬
‫ما ينبني عليها ل يعلمون أن ال مستحق للعبادة يعلمون الساس ول يعلمون ما ينبني عليه وما هو المطلوب منهم‪ .‬هم يعلمون أن ال خلقهم لكن‬
‫ما الذي ينبني على هذا العلم؟ هل ينبني عليه التوحدي؟ أكثرهم ل يعلمون هذا‪ .‬مثلً واحد يعرف أباه ويعلم أنه هو الذي رباه وأنفق عليه أغدق‬
‫عليه النعم لكن ل يعلم أن عليه أن يطيعه ول يعصيعه فيطيع ويشكر من ل فضل عليه‪ .‬هذا الول ثم نأتي للسؤال في العنكبوت قال (ل يعقلون)‬
‫نفي عنهم العقل‪ ،‬طبعا الذ ّم بعدم العقل أشد من عدم العلم لن نفي العقل معناه مساواة بالبهائم لنه يتعلم بالعقل‪ .‬ننظر في السياق‪ :‬قال في لقمان‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ‬
‫حمْدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْكثَرُهُمْ لَا َيعَْلمُونَ) وفي العنكبوت قال (وََلئِن َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ اللّ ُه قُلِ ا ْل َ‬‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ‬
‫(وََلئِن َ‬
‫ي ٍء عَلِي ٌم (‪ )62‬وََلئِن‬
‫عبَادِهِ َو َي ْقدِرُ لَ ُه إِنّ اللّ َه ِبكُلّ شَ ْ‬ ‫شمْسَ وَا ْل َقمَرَ َليَقُولُنّ اللّ ُه فََأنّى يُ ْؤ َفكُونَ (‪ )61‬اللّ ُه َيبْسُطُ الرّزْقَ ِلمَن يَشَاء مِ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫سخّرَ ال ّ‬‫وَالَْأرْضَ وَ َ‬
‫ن (‪ ))63‬في لقمان سألهم سؤالً واحدا‬ ‫ح ْمدُ ِللّهِ بَلْ َأ ْكثَرُ ُهمْ لَا َيعْقِلُو َ‬
‫ل الْ َ‬
‫ض مِن َبعْ ِد مَ ْوتِهَا َل َيقُولُنّ اللّ ُه قُ ِ‬ ‫حيَا بِهِ ا ْلأَرْ َ‬
‫سمَاء مَاء َفأَ ْ‬
‫ل مِنَ ال ّ‬
‫سَأَ ْل َتهُم مّن نّزّ َ‬
‫(من خلق السموات والرض) وفي العنكبوت سألهم أكثر من سؤال‪ ،‬عن كلها قالوا ال يعني معرفتهم بكل هذه المسلّمات ثم ل يوحّدوه هذا عدم‬
‫عقل‪ .‬معناه ليس عندهم من العقل ما يترقون به من المسلمات إلى التوحيد‪ .‬في لقمان سألهم سؤالً واحدا من السئلة التي سألها في العنكبوت إذن‬
‫كان المر في لقمان أيسر فقرنهم بما هو أيسر (ل يعلمون) وفي العنكبوت قرنهم بما هو أشد فقال (ل يعقلون)‪.‬‬
‫آية (‪:)26‬‬
‫ن اللّ َه ُه َو ا ْلغَ ِنيّ الْحَمِي ُد (‪))26‬‬
‫( ِللّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضِ إِ ّ‬
‫حمِي ُد (‪ ))26‬نلحظ ابتدا ًء أنه قدّم الجار والمجرور قال (ل‬ ‫ي الْ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَْأرْضِ إِنّ اللّ َه هُ َو ا ْلغَنِ ّ‬ ‫فكرة عامة عن الية‪ :‬الية الكريمة (لِلّ ِه مَا فِي ال ّ‬
‫ما في السموات والرض) الذي هو الخبر على المبتدأ (ل) خبر و(ما في السموات) مبتدأ أصلها ما في السموات والرض ل‪ ،‬فقدّم الجار‬
‫والمجرور للحصر هذا من باب تقديم العامل على المعمول في الغالب يفيد الحصر أو القصر يعني ل ما في السموات والرض حصرا ل ليس‬
‫ع َمدٍ تَرَ ْو َنهَا) ذكر هنالك خلق السموات‬ ‫ت ِبغَيْ ِر َ‬‫سمَاوَا ِ‬
‫ق ال ّ‬
‫لحد غيره‪ .‬نلحظ هنا أنه ذكر أن له ما في السموات والرض وقبل هذه الية قال (خَلَ َ‬
‫وهنا قال ل ما في السموات وهذا يدل على أن له السموات والرض وما فيهما هنا ذكر ما فيهما لم يذكر السموات والرض وإنما ذكر ما فيهما‬
‫وهناك خلقهما إذن هو الصانع لهما فدل على أن له السموات والرض وما فيهما باعتبار خالقا وصانعا ومالكا لما فيهما لن الشخص قد يكون‬
‫يملك الظرف لكن ل يملك ما فيه‪( ،‬ل) اللم تفيد الملكية‪ .‬قد يملك النسان الظرف ول يملك ما فيه فقد يملك أحدهم بيتا وآخر يملك الثاث‬
‫فالثاث للساكن والبيت لصاحب البيت‪ .‬إذن ل نفهم من خلق السموات والرض أنه يملك ما فيهما فالخلق شيء والملك شيء‪ .‬هو خلق السموات‬
‫والرض إذن هما ملكه وذكر أن ما فيهما أيضا ملكه إذن صار السموات والرض وما فيهما ملكه حتى ل يظن ظان أنه مجرد خالق للسموات‬
‫والرض أما المالك فشخص آخر كمن عنده مخزن يؤجره لشخص يضع فيه بضاعة البضاعة لشخص والمالك شخص آخر‪ ،‬السموات الظرف‬
‫والمظروف كله ل سبحانه وتعالى‪ .‬إذن دل بهذه الية ما قبلها أن ال تعالى مالك السموات والرض ومالك ما فيهما‪ .‬وقال سابقا (أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّهَ‬
‫ك ِمثْقَالَ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ا ْلأَرْضِ) وقوله (يَا بُنَيّ ِإّنهَا إِن َت ُ‬
‫سخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ا ْلأَرْضِ) تسخير‪ ،‬نستفيد من قوله ( َ‬ ‫سَخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ‬
‫ت ِبهَا اللّهُ) على أنه المتصرف فيهما وليس فقط أنه المالك‪ .‬هناك خلق وهنالك‬ ‫ض يَأْ ِ‬
‫سمَاوَاتِ أَ ْو فِي الَْأرْ ِ‬ ‫خرَةٍ أَ ْو فِي ال ّ‬
‫خ ْردَلٍ َف َتكُن فِي صَ ْ‬‫حبّةٍ مّنْ َ‬‫َ‬
‫مِلك وهنالك تصرف‪ .‬الخلق ل يغني عن الملك والتصرف‪ .‬إذن هو المالك للسموات والرض وما فيهما والمتصرف فيهما‪ .‬أنت تملك دارا بنيتها‬
‫وأثثتها فصارت الدار وما فيها لك والحاكم يريد أن يقيم شارعا فرأى أن يهدم البيت فالحاكم هو المتصرف وليس أنت لنه يحدد المصلحة العليا‪.‬‬
‫إذن هنا المالك للسموات والرض وما فيهما والمتصرف فيهما هو ال سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ميد ُ (‪ ))64‬فمَا‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ه لَهُوَ الْغَن َِ ُّ‬
‫ن الل َّ َ‬
‫ميدُ) وقال فَي الحَج (وَإ َِ َّ‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ه هُوَ الْغَن َِ ُّ‬
‫ن الل َّ َ‬
‫*قال تعالى هنَا (إ َِ ّ‬
‫الفرق بين اليتين؟‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ) معناه أنه حميد‪ ،‬الذي له الحمد هو‬ ‫لما ذكر أن له ما في السموات والرض معناه أنه غني هذا ابتداءً‪ .‬وفي الية السابقة لما قال (قُلِ الْ َ‬
‫ش ُكرُ ِلنَفْسِهِ َومَن كَفَ َر َفإِنّ اللّهَ‬ ‫شكُ ْر َفِإّنمَا يَ ْ‬‫الحميد فهو الغني الحميد أي الغني المحمود في غناه وعلى وجه الطلق‪ .‬ذكرنا سابقا في قوله ( َومَن يَ ْ‬
‫حمِيدٌ) لم يقل إن ال هو الغني‬ ‫ي َ‬ ‫غنِ ّ‬
‫شكُرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن َكفَ َر فَإِنّ اللّهَ َ‬ ‫حمِيدٌ (‪ ))12‬وتعرضنا لهذه الية سابقا‪ ،‬هنالك في الية ( َومَن يَ ْ‬
‫شكُ ْر فَِإّنمَا يَ ْ‬ ‫ي َ‬‫غنِ ّ‬
‫َ‬
‫الحميد من دون تعريف ومن دون ضمير فصل وهنا قال (إن ال هو الغني الحميد) بالتعريف (الغني الحميد) وضمير الفصل (هو)‪ .‬في آية الحج‬
‫التي ذكرناها (وإن ال لهو الغني الحميد) زيادة على هذه الية باللم (لهو)‪ .‬إذن صار عندنا ثلث آيات‪ :‬إن ال غني حميد‪ ،‬إن ال هو الغني‬
‫ش ُكرُ‬
‫شكُ ْر َفِإّنمَا يَ ْ‬ ‫الحميد‪ ،‬إن ال لهو الغني الحميد ‪ .‬في الية الولى الغني في عُرف الناس هو الذي يملك‪ .‬في الية الولى عندما قال ( َومَن يَ ْ‬
‫حمِيدٌ) وضربنا مثلً قول‬ ‫غنِيّ َ‬ ‫ش ُكرُ ِلنَفْسِهِ َومَن كَفَ َر َفإِنّ اللّ َه َ‬ ‫شكُ ْر َفِإّنمَا يَ ْ‬ ‫حمِيدٌ) لم يذكر له ملك وإنما قال ( َومَن يَ ْ‬ ‫غنِيّ َ‬
‫ن اللّ َه َ‬
‫ِل َنفْسِهِ َومَن كَفَ َر فَإِ ّ‬
‫أحدهم أعطني حتى أكتب عنك وأذكرك في الصحف أو أثني عليك في قصيدة فيقول أنا غني عن مدحك‪ ،‬إذن إن يشكر أو يكفر فإن ال غني عن‬
‫ذلك وذكرنا سليمان عندما أرسل إلى الخليل ابن أحمد بغال محمّلة وجاء إلى الخليل بن أحمد وهو في البصرة يأكل الخبز اليابس وقال له يقول‬
‫المير تحوّل إلينا نكرمك وأتى له ببغال محمّلة قال الخليل‪:‬‬
‫وفي غنى غير أني لست ذا مال‬ ‫جدَة‬
‫أبلِغ سليمان أني عنه في ِ‬
‫غني عن هذا يكتفي بما هو عنده وغني عما يدفعه سليمان أو غيره من نعمة العيش ويكفيه رغيف خبز يابس وقال هذا عندي ما يكفيني‪ .‬غني‬
‫يستغني عما في أيدي الناس يرى في نفسه أنه مكتف عن غيره‪ ،‬هذه مرحلة أولى لذلك في الية الولى التي لم يذكر له ملك‪ .‬في هذه الية ذكر‬
‫حمِيدُ) أيها الغنى أن تقول فلن غني أو فلن هو الغني؟ فلن هو الغني‪ .‬لما ذكر له‬ ‫ي الْ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَْأرْضِ إِنّ اللّ َه هُ َو ا ْلغَنِ ّ‬
‫ملك قال (لِلّ ِه مَا فِي ال ّ‬
‫حمِيدُ) فلما زاد الملك زاد في الغنى تخصيصا ومعرّفا‬ ‫ما في السموات والرض ليس مثل تلك التي لم يذكر له ملك‪ ،‬هنا قال (إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ ا ْل َ‬
‫حمِيدُ) أي ل غني غير ال‬ ‫وحصرا لم يبق شيء لغيره الخرون ما يسمون أغنياء هم يملكون أشياء مالكها ال تعالى إذن (إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ ا ْل َ‬
‫حمِيدُ (‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْضِ وَإِنّ اللّ َه َلهُوَ ا ْل َغنِيّ الْ َ‬ ‫سبحانه وتعالى‪ .‬نأتي إلى آية الحج (وإن ال لهو الغني الحميد) قال في الحج (لَ ُه مَا فِي ال ّ‬
‫‪ )64‬الحج) أولً كرر (ما) والتكرار يفيد التوكيد والسعة ولم يكتف بهذا وإنما قال وإنما جاء بالواو (وإن ال لهو الغني الحميد)‪ .‬آية لقمان التي‬
‫نحن بصددها جعل ما في السموات والرض دليلً على غناه‪ ،‬استدل على غناه بأن له ما في السموات والرض وفي آية الحج جعلها من غناه‬
‫وليست الدليل على غناه‪ ،‬جعلها من جملة ما يملك وليست السموات والرض دليل على غناه وإنما هو غني بأشياء أخرى‪ .‬تقول فلن يملك مائة‬
‫دار وألف بستان إنه غني وفلن يملك مائة دار وألف بستان وإنه غني يعني لو زالت هذه هو يبقى غنيا وهذه من جملة ما يملك‪ ،‬إذن الدور‬
‫والبساتين هي من جملة ما يملك لو ذهبت هو يبقى غنيا وليست هي كل غناه أما تلك لما قلنا إنه غني جعلته بما ذكرت له مما يملك‪ .‬في سورة‬
‫لقمان جعل غنى ال مرتبطا بملك السموات والرض وفي آية الحج جعلها من جملة ما يملك‪ ،‬هذه الواو استئناف وليست عاطفة‪( ،‬وإنه غني)‬
‫يعني حتى لو ذهبت ل يؤثر على غناه‪ .‬أيها الولى بالتوكيد؟ الية في سورة الحج لذا ل يمكن أن نضع تعبيرا مكان تعبير بلغيا بيانيا لن‬
‫الموازين في التعبير دقيقة جدا (إن ال غني حميد) (إن ال هو الغني الحميد) (وإن ال لهو الغني الحميد) المشركون لم يكونوا يتكلمون بهذه‬
‫البلغة وهي متفاوتة عندهم لكنهم كانوا يفهمون هذا الكلم ويستشعرون الفروق الموجودة واللمسات أكثر مما يستشعر كل كلمة عاشقة مكانها‪،‬‬
‫في أماكن متباعدة كأنها لمحة واحدة بينما كل كلمة نزلت في آية نزلت في زمن متباعد بينما هي كلها وضعت في وقت واحد‪ ،‬ل يمكن أن‬
‫نتصدى لية مبتورة عن السياق ل بد أن نضعها في السياق‪.‬‬
‫*مرة يقول (لله ملك السموات والرض) ومرة يقول (لله ما في السموات والرض) فما الفرق؟‬
‫ص َر (‪ )51‬الزخرف) يعني الحكم وليس‬ ‫ل يَا قَ ْومِ أََليْسَ لِي مُ ْلكُ مِ ْ‬
‫ن فِي قَ ْومِ ِه قَا َ‬
‫هناك فرق بين مُلك ومِلك‪ ،‬المُلك الحُكم فرعون قال ( َونَادَى ِفرْعَوْ ُ‬
‫مملوكة له‪ .‬والمِلك من التملّك فصاحب المُلك مَلِك وصاحب المِلك مالك في الفاتحة نقول ملك يوم الدين ومالك يوم الدين لنه تعالى الملك‬
‫والمالك‪ .‬لما يقول (ملك السموات والرض) يعني هو الحاكم ولما يقول (له ما في السموات والرض) هذا التملك مملوكة له‪ .‬فإذن في مجموعة‬
‫ل الّلهُمّ‬
‫هذه اليات أنه هو المالك وهو الملك‪ ،‬كل آية ل تدل على الخرى (له ما في السموات) من التملك فهو ملكهما ومالكهما كما قال تعالى (قُ ِ‬
‫مَاِلكَ ا ْلمُ ْلكِ (‪ )26‬آل عمران) المُلك هو مِلكه (تُؤْتِي ا ْلمُ ْلكَ مَن تَشَاء َوتَن ِزعُ ا ْلمُ ْلكَ ِممّن تَشَاء) بيده التصرف فهي ملكه‪ .‬في الفاتحة هنالك قراءتان‬
‫متواتران ملك يوم الدين ومالك يوم الدين‪ ،‬الية نزلت مرتين مرة ملك يوم الدين ومرة مالك يوم الدين وهي قراءات نزل بها جبريل وأقرها‬
‫رسول ال بأمر من ربه‪ .‬هناك عشر قراءات متواترة عن الرسول أقرها الرسول بأمر من ربه‪.‬‬
‫آية (‪:)27‬‬
‫حكِي ٌم (‪))27‬‬
‫عزِيزٌ َ‬
‫ن اللّهَ َ‬
‫ت اللّهِ إِ ّ‬
‫ت َكلِمَا ُ‬
‫س ْبعَةُ َأبْحُرٍ مّا نَ ِفدَ ْ‬
‫( َو َلوْ َأنّمَا فِي ا ْلأَرْضِ مِن شَجَ َرةٍ َأ ْقلَا ٌم وَالْبَحْ ُر يَ ُم ّدهُ مِن َب ْع ِدهِ َ‬
‫فكرة عامة عن الية‪ :‬لما ذكر قبل هذه الية أن له ما في السموات والرض لربما يظن ظان أن هذا جميع ملكه‪ ،‬لكن جاءت بعدها (وَلَ ْو َأنّمَا فِي‬
‫ت كَِلمَاتُ اللّهِ) كلماته ما يريد أن يعمل ويخلق وكل شيء إذن ل حدود لملكه‬ ‫س ْبعَةُ َأبْحُ ٍر مّا نَ ِفدَ ْ‬
‫شجَرَةٍ َأ ْقلَا ٌم وَا ْلبَحْ ُر َي ُمدّهُ مِن َبعْدِهِ َ‬
‫ض مِن َ‬ ‫الْأَ ْر ِ‬
‫وخزائنه لعله يفهم أن ما سبق هو كل ما يملك فذكر لنا أن هذا ليس شيئا إذا ربنا شاء أن يفعل فهذا شيء من كلماته سبحانه وتعالى‪ .‬الية (وَلَوْ‬
‫ض مِن شَجَ َرةٍ َأقْلَامٌ) معناها لو تتبعنا شجر الرض شجرة شجرة ولذلك حتى الزمخشري قال لماذا لم يقل من شجر؟ لو تتبعناها‬ ‫َأّنمَا فِي الَْأرْ ِ‬
‫شجرة شجرة وجعلنا من أغصانها كل واحدة أقلم والشجرة فيها عدد ل يحصى من القلم وكل ما في الرض ل نترك شجرة نصنع منها‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫أقلما‪ ،‬جميع أشجار الرض تتبع وإحصاء وإنما شدرة شجرة بحيث ل تترك شجرة في الرض ويضنع منها أقلم والبحر يمده من بعده سبعة‬
‫ج ْئنَا ِبمِثْلِ ِه َمدَدًا (‪ )109‬الكهف) يكتب به كلمات‪ ،‬الشياء‬
‫حرُ َقبْلَ أَن تَن َفدَ كَِلمَاتُ َربّي َولَوْ ِ‬
‫أبحر بمداد (قُل لّ ْو كَانَ ا ْلبَحْ ُر ِمدَادًا ّلكَِلمَاتِ َربّي َلنَ ِفدَ ا ْلبَ ْ‬
‫التي عنده تعالى في خزائنه‪ ،‬القلم تفنى والبحر ينفد ويجف ول تنفذ كلمات الرحمن‪ .‬اختار كلمات مع أنها جمع قلة واستخدم القرآن كلِم بالجمع‬
‫ضعِ ِه (‪ )46‬النساء) أن كلماته ل تفي بها البحار فكيف بالكلِم؟! ما قل من كلمة ل تفي بها هذه البحار‬ ‫ح ّرفُونَ ا ْلكَلِ َم عَن مّوَا ِ‬ ‫ن هَادُو ْا يُ َ‬
‫(مّنَ اّلذِي َ‬
‫والقلم فكيف بالكلِم؟! حتى نعلم أن ما ذكر قبلها من الية هي شيء من كلماته سبحانه‪ ،‬ما في السموات والرض مجرد شيء‪.‬‬
‫َ َ‬
‫م) وفي نفس السورة قال (العزيز الحكيم) بتعريف العزيز الحكيم فما الفرق‬
‫حكِي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه عَزِيٌز َ‬ ‫*(إ ِ ّ‬
‫بين اليتين؟‬
‫هو سبحانه عزيز بقدرته التي ل تحد وعلمه الذي ل ينتهي وبخزائنه التي ل تنفد وحكيم ل يصدر فعله إل عن حكمة‪ .‬لو قرأنا الية (وَلَ ْو َأنّمَا فِي‬
‫حكِيمٌ) والية السابقة قال تعالى (وهو العزيز الحكيم)‬ ‫عزِيزٌ َ‬
‫ت كَِلمَاتُ اللّهِ إِنّ اللّهَ َ‬
‫س ْبعَةُ َأبْحُ ٍر مّا نَ ِفدَ ْ‬
‫شجَرَةٍ َأ ْقلَا ٌم وَا ْلبَحْ ُر َي ُمدّهُ مِن َبعْدِهِ َ‬ ‫ض مِن َ‬ ‫الْأَ ْر ِ‬
‫حكِي ُم (‪))9‬‬ ‫عدَ اللّ ِه حَقّا وَهُوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬‫ت النّعِي ِم (‪ )8‬خَاِلدِينَ فِيهَا وَ ْ‬
‫جنّا ُ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُ ْم َ‬ ‫من دون تأكيد‪ .‬هذه الية في الخرة (إِنّ اّلذِينَ آ َمنُوا وَ َ‬
‫في الخرة معلوم واضح أنه ل يبقى عزيز إل هو ول حاكم إل هو حصرا أما في الدنيا نرى أشخاصا أعزة وحكام وملوك يتداولون هذا في الدنيا‬
‫أما في الخرة فهو العزيز الوحد وهو الحكيم الوحد وهذا معلوم للجميع هذا يوم ل ينطقون يوم يقوم الروح والملئكة صفا ل يتكلمون‪ ،‬هناك‬
‫يظهر للجميع وهو معلوم أنه العزيز الوحد ل عزيز سواه ول حكيم سواه لذلك عرّف (هو العزيز الحكيم) حصرا ل عزيز سواه حصرا‬
‫فالتعريف هنا يفيد الحصر‪ .‬لما نقول هو عزيز يحتمل أن يكون هنالك عزيز آخر أما لما نقول هو العزيز أي ل عزيز غيره وفي الخرة قال‬
‫حكِيمُ) ولم يؤكد لن التوكيد يكون عند المخاطب عنده شك أو ظنّ فيحتاج للتوكيد لكن هذا أمر ظاهر للجميع في الخرة المر‬ ‫(وَهُ َو ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫حكِيمُ) حصرا بينما في الدنيا هناك من يخالف هناك من يشك هناك من يظن هناك من يقول ل هناك من ينكر‬ ‫ظاهر ل يحتاج فقال (وَهُوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫حكِيمٌ) وهنالك أعزة وهناك حكماء وهناك حكام وهنالك ملوك أما في الخرة فالجميع يرون أنه ليس هنالك عزيز أصلً ل أحد‬ ‫قال (إِنّ اللّ َه عَزِيزٌ َ‬
‫حكِيمُ) حصرا وقصرا بما‬ ‫يتمكن أن يتكلم أو ينطق إل إذا أراد ال فهو الحاكم والحكيم حصرا ل أحد يحكم سواه‪ ،‬في الخرة قال (وَهُ َو ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫ل شك فيه‪ .‬إذن ربنا تعالى يؤكد ما له إذا اقتضى المقام التأكيد ول يؤكد إذا لم يقتض لتأكيد وهذا من البلغة‪ .‬لغويا يجوز لكن بلغيا فيها كلم‪.‬‬
‫يجب أن نضع الية في مسرحها هذه الية في الدنيا أو في الخرة ول نقول أن عزيز في اللغة تعني كذا وحكيم تعني كذا لن هذا أمر معجمي‬
‫نأخذ المعاني من المعجم لنفهمها أما أمر بياني فيوضع في النص أنت تأخذ المعاني من المعجم لتفهمها أما في التركيب فشيء آخر‪ .‬على سبيل‬
‫المثال فسق خرج عن الطاعة‪ ،‬عندنا في القرآن المصدر ِفسْق وفسوق في اللغة تعني الخروج عن الطاعة لكن القرآن يستعمل الفسق في سياق‬
‫ن (‪ )11‬الحجرات)‬ ‫ق َبعْدَ الْإِيمَا ِ‬
‫س الِسْمُ ا ْلفُسُو ُ‬ ‫ق (‪ )121‬النعام) أما الفسوق فعام ( ِبئْ َ‬ ‫الطعمة مطلقا ( َولَ َت ْأكُلُو ْا ِممّا لَ ْم ُي ْذكَرِ اسْ ُم اللّ ِه عََليْهِ َوِإنّهُ َلفِسْ ٌ‬
‫الفسوق عامة والفسق فقط في الطعمة وهذا من خصوصية الستعمال في القرآن‪ .‬أيها الكثر في الحروف الفسق أو الفسوق؟ الفسوق فجعلها‬
‫عامة في كل عموم الفسق‪ ،‬هناك مواءمة بين أحرف الكلمات والدللة‪.‬‬
‫آية (‪:)28‬‬
‫ن اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (‪))28‬‬
‫ح َدةٍ إِ ّ‬
‫س وَا ِ‬
‫خلْ ُق ُكمْ َولَا َبعْ ُث ُكمْ ِإلّا َكنَفْ ٍ‬
‫(مّا َ‬
‫َ‬ ‫ُ َُ َّ‬
‫صيٌر (‪ )28‬لقمان) مَا اللمسَة البيانيَة فَي‬
‫ميعٌ ب ََ ِ‬
‫سَ ِ‬
‫ه َ‬‫ن الل َّ َ‬
‫حدَةٍ إ َِ َّ‬
‫س وَا ِ‬ ‫م وََل بَعْثك ْ‬
‫م إ ِل كَنَفَْ ٍ‬ ‫خلْقُك َُ ْ‬ ‫*( ََّ‬
‫ما َ‬
‫الية وما هو ارتباط هذه الية بما قبلها وما بعدها؟‬
‫ت كَِلمَاتُ اللّهِ إِنّ‬ ‫س ْبعَةُ َأبْحُ ٍر مّا نَ ِفدَ ْ‬
‫شجَرَةٍ َأقْلَامٌ وَا ْلبَحْ ُر َي ُمدّهُ مِن َبعْدِهِ َ‬‫هذه الية أولً من الناحية البيانية ارتبطت بما قبلها (وَلَوْ َأّنمَا فِي ا ْلأَ ْرضِ مِن َ‬
‫سمِي ٌع بَصِي ٌر (‪ )28‬لقمان) خلق الناس من كلمات ال وبعثة من كلمات ال‪،‬‬ ‫حدَةٍ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫خلْ ُقكُمْ َولَا َب ْعثُكُمْ إِلّا َكنَفْسٍ وَا ِ‬ ‫حكِي ٌم (‪( ))27‬مّا َ‬ ‫اللّ َه عَزِيزٌ َ‬
‫حكِيمٌ) ما قبلها‬ ‫عزِيزٌ َ‬ ‫سمِيعٌ بَصِيرٌ) وقبلها قال (إِنّ اللّ َه َ‬ ‫خلقكم كنفس واحدة من كلمات ال وبعثهم كنفس واحدة من كلمات ال‪ .‬ختم الية (إِنّ اللّ َه َ‬
‫قال (عزيز حكيم)‪ .‬لحظ كيف ارتبطت هذه الية بخاتمة الية السابقة من الناحية البيانية الخالق عزيز حكيم‪ ،‬الخالق له العزة والمخلوقات كلها‬
‫من صنعه وهي له طائعة إذن هذا مرتبط باسمه (عزيز)‪ .‬الخالق حكيم‪ ،‬حكيم في خلقه وصنعه وخلقهم لحكمة أرادها ( َومَا خَلَ ْقتُ الْجِنّ وَالْإِنسَ ِإلّا‬
‫ن (‪ )56‬الذاريات) إذن هو حكيم في الصنع وحكيم في الغرض‪ ،‬إذن (مّا خَ ْل ُقكُمْ) ارتبط بقوله العزيز من حيث الحكمة والعزة‪ .‬الذي يبعث‬ ‫ِل َي ْعبُدُو ِ‬
‫عبَا ِدكَ‬‫ن ِ‬ ‫ح ُكمُ َبيْ َ‬
‫ت تَ ْ‬
‫الخلق (وَلَا َبعْ ُثكُمْ) عزيز حكيم‪ ،‬عزيز لنه يجازي ويعذّب ول رادّ لمره‪ ،‬حكيم بمعنى الحكم هو الحاكم‪ ،‬هكذا هو الحاكم (أَن َ‬
‫جعُونَ (‪ )115‬المؤمنون) إذن هو حكيم بمعنى الحكم وبمعنى الحكمة‪ .‬إذن‬ ‫ع َبثًا وََأّنكُمْ إَِل ْينَا لَا تُ ْر َ‬
‫س ْبتُمْ َأّنمَا خََل ْقنَاكُ ْم َ‬
‫حِ‬ ‫(‪ )46‬الزمر) وهو الحكمة (َأفَ َ‬
‫ارتبطت هذه بالية وأيضا بخاتمة الية (مّا خَ ْل ُقكُمْ وَلَا بَ ْعُثكُمْ) لن الخالق والباعث عزيز حكيم من الحكم ومن الحكمة‪ .‬وارتبطت هذه الية بما‬
‫سمّى (‪ ))29‬هذ الجل مسمى هو البعث الذي يبعث ال فيه الخلئق الذي ذكره (مّا خَ ْل ُقكُمْ وَلَا‬ ‫جلٍ مّ َ‬ ‫جرِي إِلَى أَ َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫س وَالْ َقمَ َر كُ ّ‬
‫شمْ َ‬
‫بعدها (وَسَخّرَ ال ّ‬
‫سمِي ٌع بَصِي ٌر (‪ )28‬لقمان) وهم يجرون كجري الشمس والقمر إلى منتهاه‪.‬‬ ‫حدَةٍ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫س وَا ِ‬‫َب ْعُثكُمْ إِلّا َكنَفْ ٍ‬
‫خلْقُ اللّ ِه َفأَرُونِي مَاذَا خََلقَ اّلذِينَ مِن‬ ‫عمَ ٍد تَرَ ْو َنهَا (‪( ))10‬هَذَا َ‬ ‫ت ِب َغيْ ِر َ‬‫سمَاوَا ِ‬‫خلَقَ ال ّ‬ ‫وارتبطت بجو السورة التي شاع فيها ذكر الخلق والبعث قال ( َ‬
‫ت وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ اللّ ُه (‪ .))25‬والبعث شائع من أولها إلى آخرها أول السورة قال (وَهُم بِالْآخِرَ ِة ُهمْ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫خلَقَ ال ّ‬ ‫سأَ ْل َتهُم مّنْ َ‬‫دُونِهِ (‪( ))11‬وََلئِن َ‬
‫ق فَلَا‬
‫شيْئًا إِنّ وَعْدَ اللّ ِه حَ ّ‬ ‫خشَوْا يَ ْومًا لّا َيجْزِي وَاِلدٌ عَن وََلدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُ َو جَازٍ عَن وَاِلدِهِ َ‬ ‫س اتّقُوا َرّبكُمْ وَا ْ‬ ‫ن (‪ ))4‬وفي آخرها (يَا َأّيهَا النّا ُ‬ ‫يُو ِقنُو َ‬
‫سمِيعٌ بَصِي ٌر (‪ ))28‬الخلق أل‬ ‫حدَةٍ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫حيَا ُة ال ّدنْيَا َولَا َيغُ ّرّنكُم بِاللّهِ ا ْلغَرُو ُر (‪ ))23‬ارتبط بالبعث‪ .‬قال (مّا خَ ْل ُقكُمْ وَلَا بَ ْعُثكُمْ إِلّا َكنَ ْفسٍ وَا ِ‬ ‫َتغُ ّرّنكُمُ الْ َ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫يكون سميعا بصيرا؟ ل بد أن يكون‪ ،‬والذي يبعث ل بد أن يكون سميعا بصيرا وإل كيف يحاسبهم على أقوالهم وعلى أفعالهم ويسمع أقوالهم؟‬
‫بصير بأعماهم والعمال قسم ظاهرة وقسم مضمرة‪ ،‬بصير بأعمالهم الظاهرة والمضمرة لن البصير قد يكون من البصيرة‪ .‬فإذن هي مرتبطة‬
‫سمِيعٌ بَصِيرٌ) ولم يقل (إن ال هو السميع‬ ‫بالية التي قبلها والية التي بعدها والجو العام للسورة وبخاتمة السورة‪ .‬ثم نلحظ أنه قال (إِنّ اللّ َه َ‬
‫ض (‪ ))20‬هذا بصر‪( ،‬أَلَ ْم تَرَ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْ ِ‬ ‫سخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ‬ ‫البصير) لنه أثبت السمع والبصر بخلقه في السورة فقال (أَلَ ْم تَرَوْا أَنّ اللّهَ َ‬
‫ن آيَاتِ ِه (‪ ))31‬هذا‬ ‫جرِي فِي ا ْلبَحْ ِر ِب ِنعْمَتِ اللّهِ ِليُ ِر َيكُم مّ ْ‬ ‫ل (‪ ))29‬هذا بصر‪( ،‬أََل ْم تَرَ أَنّ الْ ُف ْلكَ تَ ْ‬ ‫ل فِي ال ّنهَارِ َويُولِجُ ال ّنهَا َر فِي الّليْ ِ‬ ‫ن اللّ َه يُولِجُ الّليْ َ‬
‫أَ ّ‬
‫جدْنَا عََليْهِ‬ ‫س َم ْعهَا (‪ ))7‬هذا سمع‪( ،‬وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا أَنزَلَ اللّ ُه قَالُوا بَ ْ‬
‫ل َنتّبِ ُع مَا َو َ‬ ‫س َتكْبِرًا كَأَن لّ ْم يَ ْ‬
‫بصر‪ ،‬السمع (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْ ِه آيَا ُتنَا وَلّى مُ ْ‬
‫ت وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ اللّ ُه (‪ ))25‬إذن أثبت لهم السمع والبصر‪.‬‬ ‫سمَاوَا ِ‬
‫خلَقَ ال ّ‬ ‫آبَاءنَا (‪( ))21‬وََلئِن َ‬
‫سأَ ْل َتهُم مّنْ َ‬
‫*حينما نتأمل في هذه الية المتبادر إلى الذهن للوهلة الولى أنها تعبر عن القدرة اللهة في الخلق‬
‫والبعَث والقريَب للعقَل أن تختتَم اليَة إن الله على كَل شيَء قديَر ولكَن اليَة ختمَت (سَميع‬
‫بصير) فكيف نفهم الخاتمة في سياقيات الية؟‬
‫الية قد تحتمل أكثر من خاتمة فيمكن أن تجعل "إن ال على كل شيء قدير" وهذه يمكن أن تصلح لخاتمة أكثر من آية في السورة مثلً يمكن أن‬
‫سخّرَ‬ ‫عمَ ٍد تَرَ ْو َنهَا وَأَ ْلقَى فِي الْأَ ْرضِ رَوَاسِيَ أَن َتمِيدَ ِبكُمْ) (أَلَ ْم تَ َروْا أَنّ اللّهَ َ‬ ‫ت ِب َغيْ ِر َ‬
‫سمَاوَا ِ‬ ‫خلَقَ ال ّ‬ ‫نختم اليات التالية بـإن ال على كل شيء قدير ( َ‬
‫جرَةٍ َأقْلَامٌ) تحتمل أن تكون هذه خاتمتها وكذلك في السور الخرى قد تحتمل‬ ‫ض مِن شَ َ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ا ْلأَرْضِ) (وَلَوْ َأّنمَا فِي الَْأرْ ِ‬ ‫َلكُم مّا فِي ال ّ‬
‫السورة أكثر من خاتمة لكن اختيار الخاتمة ينبغي أن يكون مناسبا للسياق الذي وردت فيه الية والغرض الذي ذكرت من أجله الية‪ .‬هذه ليست‬
‫كقتطعة وإنما الية موضوعة في سياقها فلماذا ُذكِرت الية؟ مثلً في عموم اليات أيّ آية ننظر هل هي واردة في سياق بيان القدرة اللهية؟ أو‬
‫بيان الحكمة؟ في عموم ما يرد في اليات ننظر أي آية لي غرض وردت؟ هل السياق لبيان القدرة أو بيان الحكمة أو بيان التفضل والنعمة‪،‬‬
‫عموم اليات‪ ،‬الية عندما ننظر فيها لي غرض وردت وفي أي سياق؟ بيان الغنى؟ بيان صفة اللهية؟ بيان موقف النسان منها؟ مثلً إنزال‬
‫الماء من السماء وإخراج الزرع والفاكهة والحبوب هذا يمكن أن يساق في بيان قدرة ال ويمكن أن يساق في بيان نعمة ال على النسان‬
‫والحيوان‪ ،‬زرع وحبوب وفاكهة هذا أمر آخر ويمكن أن يساق في أمر آخر للستدلل على البعث والنشور ويمكن أن يساق في بيان جحود‬
‫النسان لنعمة ربه وهذا كله ممكن في مسألة واحدة وهي إنزال الماء من السماء وإخراج النبات وكلها تحتمل‪ ،‬كيف تأتي الخاتمة؟ الخاتمة تختلف‬
‫سيّئَا ِتنَا َوتَ َو ّفنَا مَ َع البْرَا ِر (‪ )193‬آل عمران) قال (وتوفنا مع‬ ‫عنّا َ‬ ‫بحسب السياق والغرض‪ .‬مثال‪ :‬قال تعالى ( َرّبنَا فَاغْفِرْ َلنَا ُذنُو َبنَا َوكَفّ ْر َ‬
‫ن (‪ )147‬آل عمران) هنا‬ ‫علَى ا ْلقَوْ ِم ا ْلكَافِرِي َ‬
‫غفِرْ َلنَا ُذنُو َبنَا وَإِسْرَا َفنَا فِي َأمْ ِرنَا َو َثبّتْ َأ ْقدَا َمنَا وانصُ ْرنَا َ‬
‫ن قَوَْل ُهمْ ِإلّ أَن قَالُواْ ر ّبنَا ا ْ‬ ‫البرار)‪َ ( ،‬ومَا كَا َ‬
‫غفِرْ َلنَا‬
‫ن قَوَْلهُمْ ِإلّ أَن قَالُواْ ر ّبنَا ا ْ‬ ‫ختم الية بـ(انصرنا على القوم الكافرين)‪ ،‬لو أخذناها مقتطعة لسألنا لماذا اختلف الخاتمة؟ لكن الية ( َومَا كَا َ‬
‫ن َكثِي ٌر َفمَا‬
‫ل َمعَهُ ِرّبيّو َ‬ ‫ُذنُوبَنَا َوإِسْرَا َفنَا فِي َأمْ ِرنَا َو َثبّتْ َأ ْقدَا َمنَا وانصُ ْرنَا عَلَى ا ْلقَوْمِ ا ْلكَافِرِينَ (‪ )147‬آل عمران) قبلها مباشرة ( َوكََأيّن مّن ّنبِيّ قَاتَ َ‬
‫ن (‪ ))146‬هل يمكن في القتال أن تقول توفّنا؟ تقول في القتال‬ ‫س َتكَانُواْ وَاللّهُ ُيحِبّ الصّابِرِي َ‬ ‫ضعُفُواْ َومَا ا ْ‬ ‫سبِيلِ اللّهِ َومَا َ‬ ‫وَ َهنُواْ ِلمَا أَصَا َبهُمْ فِي َ‬
‫انصرنا‪ ،‬لذا ل يجوز أن نقتطعها ونضع لها خاتمة‪ .‬ول يمكن أن تضع خاتمة تلك الية في هذه الية لن كل منها في سيقا واحدة في سياق حرب‬
‫وقتال وطلب الثبات‪ .‬والقدامى يضربون لنا مثالً (ون تعدوا نعمت ال ل تحصوها) وردت مرتين كل مرة بخاتمة‪ ،‬الية الواردة في سورة النحل‬
‫(وَإِن َت ُعدّواْ ِن ْعمَةَ اللّ ِه لَ ُتحْصُوهَا إِنّ اللّهَ َلغَفُورٌ رّحِي ٌم (‪ ))18‬هي في بيان صفات ال فختمها بقوله (إن ال لغفور رحيم) أما الثانية ففي بيان‬
‫ن الِنسَانَ لَظَلُو ٌم كَفّا ٌر (‪)34‬‬ ‫ل تُحْصُوهَا إِ ّ‬ ‫صفات النسان وجحوده‪ ،‬فلما كانت في بيان صفات النسان وجحوده ختمها (وَإِن َتعُدّو ْا ِن ْعمَتَ اللّ ِه َ‬
‫إبراهيم) النعم ل تحصى لكن النسان ظلوم كفار مع أن ِنعَم ال إن النسان متتالية عليه ومتتابعة لكنه ظلوم كفار‪ ،‬السياق هكذا واحدة في صفات‬
‫ال وواحدة في صفات النسان فل يصح أن تؤخذ الية مقتطعة من سياقها‪ .‬حتى في حياتنا اليومية نذكر أمرا لكن الغرض من ذكره يختلف‪ ،‬مثلً‬
‫تذكر حادثة غريبة تدل على كسل شخص لكنك تذكر الحادثة لبيان صفة الشخص أو للتندر منها أو لبيان أن هذا الشخص ل يصلح في المكان‬
‫عهِد به إليه أو سيفرّط في المسألة‪ ،‬هي مسألة واحدة لكن ما الغرض من الذي ذكرته؟ التعقيب يكون بحسب الغرض من الذكر في حادثة‬ ‫الذي ُ‬
‫واحدة يمكن أن نذكرها في أماكن متعدة وفي جلسات متعددة وهكذا ينبغي أن يكون النظر في خواتيم اليات عموما ل نقتطعها وإنما نضعها في‬
‫سياقها وننظر الغرض في هذه الية‪.‬‬
‫سمِيعٌ بَصِيرٌ) كيف اتفقت خاتمة الية بسياقها؟ ابتدأت بالخلق والبعث وختمت بالسمع‬ ‫حدَةٍ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫ننظر في الية (مّا خَ ْل ُقكُمْ وَلَا َبعْ ُثكُمْ إِلّا كَنَ ْفسٍ وَا ِ‬
‫والبصر‪ ،‬الخالق أل بد أن يكون سميعا بصيرا؟ ل بد أن يكون سميعا بصيرا‪ ،‬الذي يبعث الخلق من مدافنها ل بد أن يكون سميعا بصيرا‪ ،‬الخالق‬
‫ل ل بد أن يكون سميعا لقوالهم بصيرا بأعمالهم‪ ،‬الذي يبعثهم ليحاسبهم على أعمالهم ل بد أن‬ ‫الذي يخلق عباده ليعبدوه وليبلوهم أيهم أحسن عم ً‬
‫يكون سميعا لما قالوه في الدنيا وما يحتجون به في الخرة‪ ،‬وبصير بأعمالهم في الدنيا وبما كانوا يعملون وبما أعد لهم ل بد أن يكون بصيرا بهذا‬
‫سمِي ٌع بَصِيرٌ) استوفى‬ ‫الشيء وأنه ل يبقى منهم أحد ل يحاسب‪ .‬أعمال النسان منها ما يُسمَع ومنها ما يُبصَر ومنها ما يُضمَر ولما قال (إِنّ اللّهَ َ‬
‫ن عَلَى نَفْسِ ِه بَصِيرَ ٌة (‪)14‬‬ ‫ما يُسمع وما يُبصر وما يُضمر‪ ،‬السميع يسمع والبصير يحتمل رؤية العين ويحتمل أن يكون من البصيرة (بَلِ ا ْلإِنسَا ُ‬
‫القيامة) (وَُأفَوّضُ َأمْرِي إِلَى اللّهِ إِنّ اللّ َه بَصِي ٌر بِا ْل ِعبَا ِد (‪ )44‬غافر) البصير تحتمل من البصر ومن البصيرة إذن سميع يشمل ما يُسمع وبصير‬
‫صدُو ِر (‪ ))23‬فإذن ذكر ما يُضمر تنصيصا إذن هذه الية شملت ما يُسمع وما يُبصر‬ ‫يشمل ما يُبصر وما يُضمر وقبلها قال (إِنّ اللّ َه عَلِيمٌ ِبذَاتِ ال ّ‬
‫وما يُضمر وهذا يتلءم مع الخلق والبعث ول بد للخالق أن يكون كذلك والباعث ل بد أن يكون كذلك سميع بصير‪ .‬ونفهم القدرة اللهية من‬
‫ل لكنه أضاف معنى جديد آخر‪.‬‬ ‫الخلق والبعث السمع والبصر ولو قال إن ال على كل شيء قدير هذا مفهوم أص ً‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫َ َ‬
‫صيٌر) ولم يقل إن الله هو السميع البصير فما دللة عدم توكيد سميع‬
‫ميعٌ ب َ ِ‬
‫س ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫*قال تعالى (إ ِ ّ‬
‫بصير؟‬
‫لما يقول (هو السميع البصير) يعني المتفرد بالسمع والبصر لكنه أثبت لنا في السورة أنه سميع بصير في قوله (أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي‬
‫جرِي‬
‫ك تَ ْ‬ ‫ل (‪( ))29‬أََل ْم تَرَ أَنّ الْفُ ْل َ‬ ‫ج ال ّنهَا َر فِي الّليْ ِ‬
‫ل فِي ال ّنهَارِ َويُولِ ُ‬ ‫ض (‪ ))20‬يعني النسان يُبصر‪( ،‬أََل ْم تَرَ أَنّ اللّ َه يُولِجُ الّليْ َ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن فِي ُأ ُذ َنيْهِ‬ ‫س َم ْعهَا كَأَ ّ‬ ‫ت اللّهِ ِليُ ِر َيكُم مّنْ آيَاتِهِ (‪ ))31‬إذن أثبت البصر للنسان‪ .‬وقال (وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَا ُتنَا وَلّى مُ ْ‬
‫س َت ْكبِرًا كَأَن لّ ْم يَ ْ‬ ‫فِي ا ْلبَحْ ِر ِب ِنعْمَ ِ‬
‫ب ّمنِي ٍر (‪ ))20‬الذي يجادل يسمع‬ ‫س مَن يُجَادِلُ فِي اللّ ِه ِب َغيْرِ عِ ْلمٍ وَلَا ُهدًى وَلَا ِكتَا ٍ‬ ‫َو ْقرًا (‪ ))7‬يعني يجعل نفسه كأنه ل يسمع هو يسمع ( َومِنَ النّا ِ‬
‫ت وَالَْأرْضَ َليَقُولُنّ اللّ ُه (‪))25‬‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫خلَقَ ال ّ‬‫سأَ ْل َتهُم مّنْ َ‬ ‫جدْنَا عََليْ ِه آبَاءنَا (‪( ))21‬وََلئِن َ‬ ‫ل َنتّبِ ُع مَا َو َ‬
‫الكلم‪( ،‬وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا أَنزَلَ اللّ ُه قَالُوا بَ ْ‬
‫أجابوا عن السؤال إذن أثبت لهم السمع وأثبت لهم الرؤية فكيف يكون متفردا في السمع والبصر؟ السياق ل يتحمل هذا‪ ،‬في السورة أثبت لهم‬
‫السمع والبصر‪ .‬أحد معاني البصير من البصر وهي الشهر فطالما أثبتها للعباد ل يتناسب أن يقول إن ال هو السميع البصير لن السورة مليئة‬
‫بالسمع والبصر‪.‬‬
‫* ما دللة تقديم السمع على البصر‪.‬؟‬
‫جعَ ْلنَاهُ‬‫ج ّن ْبتَلِي ِه فَ َ‬ ‫سمِيعُ ا ْلبَصِي ُر (‪ )56‬غافر) (ِإنّا خََل ْقنَا ا ْلإِنسَا َ‬
‫ن مِن نّطْفَةٍ َأمْشَا ٍ‬ ‫س َتعِ ْذ بِاللّهِ ِإنّ ُه هُوَ ال ّ‬
‫الكثر في القرآن تقديم السمع على البصر (فَا ْ‬
‫ع ْميَانًا (‪ )73‬الفرقان) القدامى يقولون أن السمع أفضل واستدلوا‬ ‫صمّا وَ ُ‬‫ت َرّبهِمْ لَ ْم يَخِرّوا عََل ْيهَا ُ‬ ‫سمِيعًا بَصِيرًا (‪ )2‬النسان) (وَاّلذِينَ ِإذَا ُذكّرُوا بِآيَا ِ‬ ‫َ‬
‫ي لكنه لم يفقد السمع)‪ ،‬الظاهر أن السمع بالنسبة لتلقي الرسالة أفضل من البصر لن فاقد البصر‬ ‫على أنه تعالى لم يبعث نبيا أصمّ (يعقوب عم َ‬
‫يسمع الرسالة‪ ،‬القرآن يسمعه العمى ويفهم مقاصده أما الصم فل يفهم‪ .‬إذن بالنسبة إلى تلقي الرسالة السمع أفضل وفاقد البصر يسمع‪ .‬وقد‬
‫يكون سبب آخر أن مدى السمع أقل من مدى الرؤية أنت ترى أشياء من بعيد لكن ل تسمعها تسمع الصوت أقرب فإذا اقتضى هذا الشيء قدم‬
‫سمَعُ وَأَرَى (‪ )46‬طه) يشير إلى معنى قريب منكم‪ ،‬مدى السمع أقرب فمعناها أنه قريب‪ .‬وقد يقدّم البصر لكن في المواطن‬ ‫السمع (إنّنِي َم َع ُكمَا أَ ْ‬
‫ن (‪)12‬‬ ‫ج ْعنَا نَ ْعمَلْ صَالِحًا ِإنّا مُو ِقنُو َ‬‫س ِم ْعنَا فَا ْر ِ‬
‫سهِ ْم عِندَ َرّبهِمْ َرّبنَا َأبْصَ ْرنَا وَ َ‬
‫ن نَاكِسُو رُؤُو ِ‬ ‫التي تقتضي‪ ،‬على سبيل المثال (وَلَ ْو تَرَى ِإذِ ا ْلمُجْ ِرمُو َ‬
‫س ِم ْعنَا) كانوا في الدنيا يسمعون عن جهنم‬ ‫ص ْرنَا وَ َ‬ ‫السجدة) قدّم البصر لكثر من سبب أولً قال (وَلَ ْو تَرَى) والرؤية تحتاج إلى بصر‪ ،‬هم قالوا (َأبْ َ‬
‫والخرة ولكن ل يبصروها والن أبصروها وسمعوا‪ ،‬قدّم البصر لولويته في هذا المقام والبصار هنا أهم من السمع لن السمع يدخل في باب‬
‫ج ْعنَا َنعْمَلْ صَاِلحًا ِإنّا مُو ِقنُونَ) يقين‪ .‬إذن التقديم والتأخير هو السمع على البصر‬ ‫س ِم ْعنَا فَا ْر ِ‬
‫ص ْرنَا وَ َ‬
‫الظن الشك أما البصار فهو يقين قال ( َرّبنَا َأبْ َ‬
‫على العموم لكن إذا اقتضى المر تقديم البصر على السمع يقدّم‪ ،‬وفي الخِلقة يخلق ال تعالى السمع قبل البصر‪.‬‬
‫آية (‪:)29‬‬
‫ن اللّهَ بِمَا َتعْ َملُونَ خَبِي ٌر (‪))29‬‬ ‫جلٍ مّسَمّى وَأَ ّ‬ ‫س وَالْقَمَ َر ُكلّ يَجْرِي ِإلَى أَ َ‬ ‫ج اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ َويُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْي ِل وَسَخّرَ الشّمْ َ‬ ‫ن اللّهَ يُولِ ُ‬ ‫(َأ َلمْ تَرَ أَ ّ‬
‫ل فِي ال ّنهَا ِر َويُولِجُ ال ّنهَا َر فِي الّليْلِ وَسَخّرَ‬ ‫ج الّليْ َ‬‫فكرة عامة عن الية وموقعها في السياق‪ :‬الية الكريمة وهي قوله تعالى (أَلَ ْم تَرَ أَنّ اللّهَ يُولِ ُ‬
‫خبِي ٌر (‪ ))29‬هو ذكر في السورة قبل هذا الموضع خلق السموات وذكر ما يتعلق‬ ‫سمّى َوأَنّ اللّ َه ِبمَا َتعْمَلُونَ َ‬ ‫ل مّ َ‬ ‫ل يَجْرِي إِلَى َأجَ ٍ‬ ‫شمْسَ وَا ْل َقمَ َر كُ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سيَ أَن َتمِيدَ ِبكُ ْم (‪ ))10‬فذكر خلق‬ ‫ع َمدٍ تَرَ ْو َنهَا َوأَلْقَى فِي ا ْلأَرْضِ َروَا ِ‬ ‫ت ِبغَيْ ِر َ‬‫سمَاوَا ِ‬
‫ق ال ّ‬
‫بالرض على العموم من إلقاء الرواسي وغيرها (خَلَ َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا‬ ‫سخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ‬ ‫السموات والرض على العموم وما ألقى في الرض ثم ذكر تسخير ما فيها على العموم أيضا (أَلَ ْم تَرَوْا أَنّ اللّهَ َ‬
‫ض (‪ ))20‬إذن ذكر الخلق وما أودع فيهما على العموم وذكر ما فيهما على العموم وهنا ذكر تسخير بعض ما فيهما هناك تسخير ما فيهما‬ ‫فِي الَْأرْ ِ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ا ْلأَ ْرضِ) على العموم وهنا ذكر تسخير بعض ما فيهما يعني قال (أََل ْم تَرَ أَنّ اللّ َه يُولِجُ الّليْلَ‬ ‫(أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ‬
‫شمْسَ وَا ْل َقمَرَ) هذه بعض ما في السموات ليس الكل‪ ،‬هناك تسخير عام وهنا تسخير خاص‪ ،‬وبعدها قال‬ ‫فِي ال ّنهَارِ َويُولِجُ ال ّنهَارَ فِي الّليْلِ َوسَخّ َر ال ّ‬
‫جرِي فِي ا ْلبَحْ ِر ِب ِنعْمَتِ اللّ ِه (‪ ))31‬وهناك تسخير بعض ما في الرض‪ .‬هناك لما قال (أََل ْم تَرَوْا أَنّ اللّ َه سَخّرَ َلكُم مّا فِي‬ ‫(أََل ْم تَرَ أَنّ الْ ُف ْلكَ تَ ْ‬
‫جرِي فِي ا ْلبَحْ ِر ِب ِنعْمَتِ اللّهِ) هذا بعض ما في الرض‪ .‬إذن‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْضِ) وهنا ذكر بعض ما في السموات ثم قال (أََل ْم تَرَ أَنّ الْ ُف ْلكَ تَ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ذكر العموم في الخلق والتسخير ثم انتقل إلى الخصوص فذكر بعض ما فيهما وهو تسخير الليل والنهار والشمس والقمر من بعض ما في السماء‬
‫حرِ ِب ِن ْعمَتِ اللّهِ) هذا بعض ما في الرض‪ .‬إذن ذكر العموم ثم انتقل إلى الخاص‪ ،‬هكذا المنهج الذي سار عليه‬ ‫ك تَجْرِي فِي ا ْلبَ ْ‬‫وقال (أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ‬
‫في كيفية ترتيب اليات‪.‬‬
‫س َّ‬ ‫َ‬ ‫ج اللَّي ْ َ‬ ‫ن الل ََّ‬ ‫م تََر أ ََ َّ‬ ‫*مَا وجَه ارتباط هذه اليَة (أَل ََ‬
‫خَر‬ ‫ج الن َّ َهاَر فَِي الل ّي ْ ِ‬
‫ل وََ َ‬ ‫ل فَِي الن َّ َهارِ وَيُول َِ ُ‬
‫َ‬
‫ه يُول َِ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫خبِيٌر (‪ )29‬لقمان) بمَا قبلهَا‬ ‫ن َ‬ ‫ملُو ََ‬‫ما تَعْ َ‬ ‫ن الل َّ َ‬
‫ه ب َِ َ‬ ‫مى وَأ ََ َّ‬ ‫س ًّ‬ ‫م ََ‬‫ل ُّ‬ ‫ج ٍ‬
‫َ‬
‫جرِي إِلَى أ َ‬ ‫شم س والْقَمر ك ُ ٌّ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬
‫ال ّ ْ ََ َ‬
‫وبأول السورة؟‬
‫سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ َليَقُوُل ّ‬
‫ن‬ ‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ‬ ‫هي ليست مرتبطة فقط بأول السورة وإنما مرتبطة بما قبلها ومرتبطة بأول السورة‪ .‬قبلها قال (وََلئِن َ‬
‫حمِيدُ (‪ )26‬لقمان) إلى قبلها مباشرة قال (مّا خَلْ ُقكُمْ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضِ إِنّ اللّ َه هُوَ ا ْل َغنِيّ الْ َ‬ ‫ن (‪ )25‬لِلّ ِه مَا فِي ال ّ‬ ‫ح ْمدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْكثَرُهُمْ لَا يَعَْلمُو َ‬
‫اللّ ُه قُلِ الْ َ‬
‫شمْسَ‬ ‫ل فِي ال ّنهَا ِر َويُولِجُ ال ّنهَا َر فِي الّليْلِ وَسَخّرَ ال ّ‬ ‫سمِي ٌع بَصِي ٌر (‪ ))28‬ثم تأتي هذه الية (أَلَ ْم تَرَ أَنّ اللّهَ يُولِ ُ‬
‫ج الّليْ َ‬ ‫حدَةٍ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫َولَا َب ْعثُكُمْ إِلّا َكنَفْسٍ وَا ِ‬
‫ل (ولئن سألتهم ) والليل والنهار والشمس والقمر أليس مما في الرض؟‬ ‫خبِي ٌر (‪ .))29‬أو ً‬ ‫سمّى وَأَنّ اللّ َه ِبمَا َت ْعمَلُونَ َ‬ ‫ل مّ َ‬ ‫جرِي إِلَى أَجَ ٍ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫وَالْ َقمَ َر كُ ّ‬
‫حدَةٍ) متى سيكون البعث؟ في الجل المسمى الذي ذكره‬ ‫سمّى) وقبلها (مّا خَلْ ُقكُمْ َولَا َب ْعثُكُمْ ِإلّا َكنَفْسٍ وَا ِ‬ ‫ل مّ َ‬ ‫ل يَجْرِي إِلَى َأجَ ٍ‬ ‫بلى‪ .‬الجل المسمى (كُ ّ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫سنِينَ (‪ )3‬اّلذِينَ‬ ‫حكِي ِم (‪ُ )2‬هدًى وَ َر ْ‬


‫حمَةً ِل ْلمُحْ ِ‬ ‫فهي مرتبطة بما قبلها إرتباطا واضحا‪ .‬يأتي ارتباطها بأول السورة (الم (‪ )1‬تِ ْلكَ َآيَاتُ ا ْل ِكتَا ِ‬
‫ب الْ َ‬
‫شتَرِي َلهْوَ‬
‫ن يَ ْ‬
‫س مَ ْ‬‫ن (‪َ )5‬ومِنَ النّا ِ‬ ‫ن (‪ )4‬أُوَل ِئكَ عَلَى ُهدًى مِنْ َرّبهِمْ َوأُوَل ِئكَ ُهمُ ا ْلمُفِْلحُو َ‬ ‫يُقِيمُونَ الصّلَاةَ َويُ ْؤتُونَ ال ّزكَاةَ وَ ُهمْ بِالَْآخِرَ ِة ُهمْ يُو ِقنُو َ‬
‫ل يَجْرِي إِلَى َأجَلٍ‬ ‫ب ُمهِينٌ (‪ ))6‬وقال في هذه الية التي نحن بصددها (كُ ّ‬ ‫عذَا ٌ‬
‫خذَهَا ُهزُوًا أُوَل ِئكَ َلهُ ْم َ‬ ‫سبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِ ْلمٍ َو َيتّ ِ‬
‫ل عَنْ َ‬‫حدِيثِ ِليُضِ ّ‬
‫الْ َ‬
‫خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ (‪ ))4‬أليس هذا في الخرة؟ بلى‪ ،‬هذا أمر‪.‬‬ ‫سمّى) هذا اليوم الذي يجازى فيه المحسنون ويحاسب فيه الكافرون‪ ،‬قال (وَهُ ْم بِا ْلآَ ِ‬ ‫مّ َ‬
‫ن يُقِيمُونَ الصّلَاةَ َويُ ْؤتُونَ ال ّزكَا َة (‪ ))4‬أليست هذه أعمال‪،‬‬ ‫خبِي ٌر (‪ ))29‬ذكر العمال في أول السورة قال (اّلذِي َ‬ ‫ربنا ختم الية (وَأَنّ اللّ َه بِمَا َت ْعمَلُونَ َ‬
‫هو خبير بما تعملون وهذه أعمال‪ ،‬فكأنما هذه الية جاءت بعد أول السورة‪ ،‬فإذن المناسبة ظاهرة بما قبلها وبأول السورة‪.‬‬
‫ب بأن يُعمل عقله وفكره وما أوتي من ثقافة حتى يفهم آي القرآن الكريم بهذا الشكل؟‬ ‫سؤال‪ :‬هل كلنا مطال ٌ‬
‫بقدر ما يريد وبقدر اختصاصه والمنهج الذي يبتغيه والمر ليس فيه تكليف وإنما يجتهد‪.‬‬
‫* هنا قال ألم تر بالمفرد وقبلها قال ألم تروا بالجمع فلماذا؟‬
‫سيَ َأنْ‬ ‫ع َمدٍ تَرَ ْو َنهَا َوأَلْقَى فِي ا ْلأَرْضِ َروَا ِ‬ ‫ت ِبغَيْ ِر َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫ق ال ّ‬
‫ننظر في السياق الذي يوضح لنا الجابة‪ .‬أولً السياق في الية الولى بالجمع (خَلَ َ‬
‫ن دُونِ ِه بَلِ‬ ‫خلْقُ اللّ ِه َفأَرُونِي مَاذَا خََلقَ اّلذِينَ مِ ْ‬ ‫ج كَرِي ٍم (‪َ )10‬هذَا َ‬ ‫سمَا ِء مَا ًء َفَأ ْنبَ ْتنَا فِيهَا مِنْ كُلّ َزوْ ٍ‬
‫ل دَابّةٍ وََأنْ َز ْلنَا مِنَ ال ّ‬
‫ن كُ ّ‬
‫ث فِيهَا مِ ْ‬
‫َتمِي َد ِبكُمْ َوبَ ّ‬
‫ج ُعهُمْ‬‫ك كُفْرُهُ ِإَليْنَا مَ ْر ِ‬ ‫ن (‪ ))11‬إذن الخطاب هو في الجمع فقال ألم تروا‪ .‬هذا الية في خطاب المفرد ( َومَ ْ‬
‫ن كَفَ َر فَلَا يَحْ ُز ْن َ‬ ‫ل ُمبِي ٍ‬
‫ن فِي ضَلَا ٍ‬ ‫الظّاِلمُو َ‬
‫ت وَالَْأرْضَ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫خلَقَ ال ّ‬ ‫ظ (‪ )24‬وََلئِنْ َ‬
‫سأَ ْل َتهُمْ مَنْ َ‬ ‫ب غَلِي ٍ‬
‫عذَا ٍ‬
‫طرّهُمْ إِلَى َ‬‫صدُو ِر (‪ُ )23‬نمَ ّت ُعهُ ْم قَلِيلًا ثُ ّم نَضْ َ‬ ‫عمِلُوا إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم ِبذَاتِ ال ّ‬ ‫َفُن َنبّ ُئهُ ْم ِبمَا َ‬
‫ح ْمدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْكثَرُ ُهمْ لَا َيعَْلمُونَ (‪ ))25‬فقال ألم تر أن الفلك مفرد‪ ،‬السياق هناك في الجمع وهنا في سياق الفراد‪ ،‬هذا يسمى تحوّل‬ ‫ل الْ َ‬
‫َل َيقُولُنّ اللّ ُه قُ ِ‬
‫في الخطاب من الجمع إلى المفرد‪ .‬ذكر أولً ما في السموات وما في الرض على العموم فلما ذكر ما في السموات وما في الرض على العموم‬
‫خاطب على العموم فقال (ألم تروا) بالجمع ولما ذكر بعض ما فيهما خصص فقال (ألم تر أن ال)‪ .‬إذن لما عمم جمع ولما خصص أفرد‪ ،‬لما ذكر‬
‫العموم خاطب الناس على العموم ولما ذكر قسما منهم خاطب بالفراد فناسب بين الفراد والفراد والعموم والعموم‪( .‬ألم تروا) الخطاب هنا لكل‬
‫واحد يرى لكل مخاطَب يصلُح أن يُخاطَب مؤمنا كان أو كافرا‪ ،‬المؤمن يزيد إيمانه والكافر لعله يتفكّر‪.‬‬
‫ج اللَّي ْ َ‬
‫ل فِي الن َّ َهارِ)؟‬
‫َ َ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُول ِ ُ‬
‫َ‬
‫*ما دللة تقديم الليل على النهار في قوله تعالى (أل َ ْ‬
‫م تََر أ ّ‬
‫الليل أصلً أسبق من النهار في الوجود لنه قبل خلق الشمس كان كله ليل‪ .‬قبل خلق الشمس كان ليلً حتى المفسرون القدامى قالوا الليل هو‬
‫ن (‪ )37‬يس) أي النهار هو كالغلف‪ ،‬نسلخ يعني ننزع‬ ‫خ ِمنْهُ النّهَا َر فَِإذَا هُ ْم مُظِْلمُو َ‬
‫ل نَسْلَ ُ‬
‫الصل بدليل قوله تعالى في سورة يس (وََآيَةٌ َل ُهمُ الّليْ ُ‬
‫سمَاء فَظَلّو ْا فِيهِ‬‫حنَا عََل ْيهِم بَابًا مّنَ ال ّ‬‫النهار فيصير ليل فإذا هم مظلمون‪ .‬الصل هو الليل والنهار هو غلف ولو سلخنا النهار يصير ليلً‪( .‬وَلَ ْو َفتَ ْ‬
‫ن قَ ْو ٌم مّسْحُورُون (‪ )15‬الحجر) إذا خرج أحد من الغلف الرضي ل يرى شيئا وسيكون في‬ ‫ل نَحْ ُ‬ ‫َيعْرُجُونَ (‪َ )14‬لقَالُواْ ِإّنمَا ُ‬
‫سكّرَتْ َأبْصَا ُرنَا بَ ْ‬
‫ظلم دامس وهذا من العجاز العلمي‪ ،‬إذا صعد فوق الغلف الجوي يصير ظلما دامسا ول يبصر فالليل هو الصل ولذلك قدم الليل‪ .‬يولج يعني‬
‫يدخل‪ ،‬في القرآن الكريم حيثما ورد الليل والنهار قدم الليل على النهار وكذلك تقديم الشمس على القمر‪ ،‬تقديم الليل لسبقيته في الوجود‪ .‬وكذلك‬
‫ض كَا َنتَا َرتْقًا فَ َفتَ ْقنَا ُهمَا (‪)30‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالَْأرْ َ‬ ‫ن كَفَرُوا أَنّ ال ّ‬
‫القمر وجوده وقالوا القمر هو من الرض أصلً والرض هي من الشمس (أَوََل ْم يَرَ اّلذِي َ‬
‫النبياء) رتقا بمعنى ملتصقتين والفتق البعاد بينهما كما قال الشاعر‪ :‬فهي بنت الشمس أُمّ القمر‪ .‬إذن هذا التقديم مقصود بحد ذاته داخل القرآن‪.‬‬
‫إذا قال يولج الليل في النهار ل يُفهم منها أنه يولج النهار في الليل لن النهار قد يقصر وقد يطول والليل أيضا قد يقصر وقد يطول فهو يولج هذا‬
‫في هذا ويولج هذا في هذا الليل يدخله في النهار والنهار يدخله في الليل وهذا حاصل في كل لحظة وفي كل وقت الليل يأخذ من النهار والنهار‬
‫يأخذ من الليل‪ .‬عندما يولج النهار في الليل يصبح الليل أطول وبالعكس لما يولج الليل في النهار يصير النهار أطول في الصيف النهار أطول‬
‫لنه يأخذ جزءا من الليل وهذا من جملة ما ذُكِر‪ .‬ليس هذا فقط وإنما هو في كل لحظة يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل لن الرض‬
‫كروية ففي كل لحظة ينتقل الليل والنهار في بقاع الرض مرة يكون ليلً ومرة يكون نهارا‪ ،‬التي كانت ليلً أصبحت نهارا والتي كانت نهارا‬
‫أصبحت ليلً فهو في كل لحظة يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ومن هذا نفهم رب المشرق والمغرب‪ ،‬رب المشرقين ورب‬
‫المغربين‪ ،‬رب المشارق والمغارب‪( ،‬رب المشارق والمغارب) من جملة ما ذكر فيها أن مشارق الشمس تختلف على مدار السنة في كل يوم‬
‫تشرق الشمس من مكان وتغرب في مكان آخر ومنها قالوا مشارق الكواكب وليس فقط الشمس فالشمس لها مشارق ولها مغارب في كل يوم بل‬
‫في كل لحظة فيها مشرق ومغرب لنها في كل لحظة تشرق في مكان وتغرب في مكان على مدار السنة إذن هي مشارق ومغارب للشمس في‬
‫كل لحظة وعلى مدار السنة وكذلك الكواكب فيها مشارق ومغارب‪ ،‬المشرقين والمغربين في السنة الصيف والشتاء لنه في السنة مرتين تأتي‬
‫لنفس الموضع تشرق من نفس المكان وتغرب في نفس المكان والمشرق والمغرب على العموم‪.‬‬
‫*ما الفرق بين يولج الليل ويكور الليل؟‬
‫ال تعالى يولج ويكور والتكوير استدل به ابن حزم على كروية الرض وليس فيهما إشكال وإنما هذا زيادة في العجاز‪.‬‬
‫شمس والْقَمر ك ُ ٌّ‬ ‫َ‬ ‫س َّ‬ ‫َ‬ ‫ج اللَّي ْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ َ‬ ‫خَر ال ّ ْ َ َ‬ ‫ج النَّهَاَر فِي الل ّي ْ ِ‬
‫ل وَ َ‬ ‫ل فِي الن َّ َهارِ وَيُول ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُول ِ ُ‬ ‫م تََر أ ّ‬‫*قال تعالى (أل َ ْ‬
‫َ‬
‫مى) يولج جاءت بالفعل المضارع ومع الشمس والقمر جاء بالماضي فما دللة‬ ‫س ًّ‬
‫م َ‬‫ل ُّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫جرِي إِلَى أ َ‬
‫يَ ْ‬
‫تغير الزمن؟‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫الفعل المضارع مع يولج لنه يتجدد‪ ،‬اليلج يتجدد في كل لحظة والتسخير ربنا منذ خلقها سخّرها وليست هي كل لحظة مسخرة ابتداءً‪ ،‬بينما‬
‫يولج في كل لحظة وفي كل يوم هو يولج فالمضارع يفيد التجدد والستمرار أما سخرها فمنذ خلقها سخرها ال تعالى وهذا أنسب تعبير ولو قال‬
‫يسخر الشمس والقمر لفهم أنه كل يوم يسخّرها‪.‬‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫خر ال َّ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫مَر) ولم يقل سخر لكم كما جاء في آية قبلها (أل َ ْ‬
‫م تََروْا أ ّ‬ ‫س وَالْقَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫س َّ َ‬
‫*قال تعالى (و َ َ‬
‫ض (‪))20‬؟‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ما فِي ال َّ‬ ‫س َّ‬
‫خَر لَكُم َّ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َو َ‬‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ل فِي‬ ‫س مَن يُجَادِ ُ‬ ‫طنَةً َومِنَ النّا ِ‬ ‫سبَغَ عََل ْيكُ ْم ِن َعمَهُ ظَاهِرَةً َوبَا ِ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْضِ وََأ ْ‬ ‫سخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ‬
‫تلك في مقام تعداد النعم (أَلَ ْم تَرَوْا أَنّ اللّهَ َ‬
‫ن آيَاتِ ِه‬
‫حرِ ِب ِن ْعمَتِ اللّهِ ِليُ ِر َيكُم مّ ْ‬‫ك تَجْرِي فِي ا ْلبَ ْ‬ ‫ب ّمنِيرٍ (‪ ))20‬أما هذه الية ففي سياق إظهار اليات (أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ‬ ‫اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِلْ ٍم وَلَا ُهدًى وَلَا ِكتَا ٍ‬
‫(‪ ))31‬فلما كان السياق في تعداد النعم على النسان قال (سخر لكم) ولما كان الكلم لمطلق القدرة وليست لها علقة بالنعم قال (سخر)‪ .‬لما يقول‬
‫سمّى (‪ ))29‬ذكر أن لهما أجلً‬ ‫ل مّ َ‬
‫ل يَجْرِي إِلَى َأجَ ٍ‬ ‫شمْسَ وَا ْل َقمَ َر كُ ّ‬
‫سخّرَ ال ّ‬
‫شمْسَ وَا ْل َقمَرَ) عامة وليست في باب تعداد النعم‪ .‬قال (وَ َ‬ ‫سخّرَ ال ّ‬ ‫(وَ َ‬
‫مسمى وهذا ل يناسب النعم لن من تمام النعم الدوام بينما في الثانية ذكر انقطاع ولذلك للعلم حيثما قال (سخر الشمس والقمر) لم يقل إلى أجل‬
‫مسمى في جميع القرآن مما يُفهم دوام النعمة لنه ل يناسب النقطاع مع دوام النعمة ولذلك لم يرد في القرآن سخر لكم مع أجل مسمى مطلقا لن‬
‫شمْسَ وَا ْل َقمَرَ) يحدد معها إلى أجل مسمى أما (سخر لكم) فلنها في تعداد النعم ل يقول فيها أجل مسمى‪.‬‬ ‫سخّرَ ال ّ‬ ‫فيها إشعار بالنقطاع‪( .‬وَ َ‬
‫مى) عدى الفعَل بإلى مَع أنَه فَي مواطَن أخرى عداه باللم (ك ُ ٌّ‬ ‫َ‬ ‫* (ك ُ ٌّ‬
‫جرِي‬
‫ل يَ ْ‬ ‫سَ ًّ‬ ‫ل ُّ‬
‫م َ‬ ‫جرِي إِلَى أ َ‬
‫ج ٍ‬ ‫ل يَ ْ‬
‫مى (‪ )13‬فاطر)؟‬ ‫س ًّ‬‫م َ‬‫ل ُّ‬ ‫ج ٍ‬‫ِل َ َ‬
‫القدامى لفت انتباههم هذا المر طريقة تعدية الفعل بإلى واللم‪( .‬إلى) تفيد النتهاء‪( ،‬اللم) قد تفيد النتهاء وقد تكون للتعليل قد تكون للغرض‬
‫لغرض الوصول وبيان العلّة‪ .‬مثال‪ :‬أدرس لنجح هذه اللم لبيان العلة والسبب‪ ،‬تأتي اللم بمعنى النتهاء والصل أن دللة (إلى) النتهاء واللم‬
‫قد تأتي للنتهاء وقد تأتي للملك والختصاص و للتعليل‪ .‬قال القدامى حيث ورد فيها التنبيه على النتهاء والحشر يوم القيامة جاء بـ (إلى)‬
‫سمّى) هذه الية في لقمان وقال قبلها (مّا خَلْ ُقكُمْ َولَا َب ْعثُكُمْ ِإلّا َكنَفْسٍ‬ ‫ل مّ َ‬‫جٍ‬‫جرِي إِلَى أَ َ‬ ‫وحيث كان الكلم على بداية الخلق يأتي باللم‪ .‬قال (كُلّ يَ ْ‬
‫شيْئًا إِنّ‬
‫خشَوْا يَ ْومًا لّا َيجْزِي وَاِلدٌ عَن وََلدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُ َو جَازٍ عَن وَاِلدِهِ َ‬ ‫س اتّقُوا َرّبكُمْ وَا ْ‬ ‫سمِي ٌع بَصِي ٌر (‪ ))28‬وبعدها (يَا َأّيهَا النّا ُ‬ ‫حدَةٍ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫وَا ِ‬
‫ج ال ّنهَا َر فِي‬‫ل فِي ال ّنهَارِ َويُولِ ُ‬ ‫حيَا ُة ال ّدنْيَا َولَا َيغُ ّرّنكُم بِاللّهِ ا ْلغَرُو ُر (‪ ))33‬الكلم عن الحشر‪ ،‬بينما في فاطر (يُولِجُ الّليْ َ‬ ‫ق فَلَا َتغُ ّرّنكُمُ الْ َ‬
‫عدَ اللّ ِه حَ ّ‬‫وَ ْ‬
‫طمِي ٍر (‪ ))13‬هذه بدايات‬ ‫ن مِن ِق ْ‬ ‫سمّى ذَلِكُ ُم اللّهُ َرّبكُمْ لَهُ ا ْلمُ ْلكُ وَاّلذِينَ َتدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا َيمِْلكُو َ‬‫ل مّ َ‬‫جرِي ِلأَجَ ٍ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ش ْمسَ وَالْ َق َمرَ كُ ّ‬ ‫الّليْلِ وَسَخّرَ ال ّ‬
‫سمّى)‪ .‬عندما يذكر نهاية الخلق يكون‬ ‫ل مّ َ‬‫سمّى)‪ ،‬أما في آية لقمان يتكلم عن الخرة فقال (إِلَى َأجَ ٍ‬ ‫ل مّ َ‬ ‫جٍ‬‫الخلق‪ ،‬الكلم في بدايات الخلق فقال (لِأَ َ‬
‫أقرب‪ ،‬الجل سينتهي إلى أجل مسمى‪ ،‬هو ذكر انتهاء الغاية وذكر الحشر هو انتهاء الغاية فعندما ذكر انتهاء الغاية من حياة الناس يذكر (إِلَى‬
‫سمّى) وعندما يذكر بداية الخلق وليس انتهاء الخلق‪ ،‬مع البداية يذكر اللم وعندما يذكر النهاية يذكر النتهاء (إلى)‪( .‬إلى) هي الصل في‬ ‫ل مّ َ‬
‫َأجَ ٍ‬
‫معناها الساسي‪ ،‬واللم للشبه والملك ولها كثير من المعاني‬
‫واللم للمِلْك وشبهه وفي تعدية أيضا وتعليل قفى وزيد‬
‫ستَخْ ِرجُونَ حِ ْليَ ًة تَ ْلبَسُو َنهَا َوتَرَى‬ ‫ط ِريّا َوتَ ْ‬
‫حمًا َ‬ ‫ل تَ ْأكُلُونَ لَ ْ‬
‫ب فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَ َهذَا مِلْحٌ ُأجَاجٌ َومِن كُ ّ‬ ‫عذْ ٌ‬‫ن َهذَا َ‬ ‫حرَا ِ‬ ‫ستَوِي ا ْلبَ ْ‬ ‫حتى في فاطر ( َومَا يَ ْ‬
‫سخّرَ‬‫ل فِي ال ّنهَارِ َويُولِجُ ال ّنهَا َر فِي الّليْلِ وَ َ‬ ‫ن (‪ ))12‬هذا ليس في نهاية الخلق وبعدها (يُولِجُ الّليْ َ‬ ‫شكُرُو َ‬ ‫ك فِيهِ مَوَاخِرَ ِل َت ْب َتغُوا مِن فَضْلِ ِه وََلعَّلكُ ْم تَ ْ‬ ‫الْفُ ْل َ‬
‫سمّى (‪ ))13‬الكلم ليس في نهاية الخلق‪ .‬عندما يذكر النتهاء يذكر (إلى) وعندما بدايات الخلق ل يأتي بـ‬ ‫ل مّ َ‬ ‫ل يَجْرِي لَِأجَ ٍ‬ ‫شمْسَ وَا ْل َقمَ َر كُ ّ‬‫ال ّ‬
‫(إلى) وإنما يأتي بما يدل على الغرض والتعليل‪.‬‬
‫َ َ َ‬
‫خبِيٌر) فما دللة تقديم العمل على الخبرة اللهية؟‬ ‫ملُو َ‬
‫ن َ‬ ‫ما تَعْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫* ختمت الية (وَأ ّ‬
‫مر هذا السؤال معنا في سورة الحديد‪ .‬هنالك قاعدة استنبطت مما ورد في القرآن الكريم‪ :‬إذا كان السياق في عمل النسان قدم عمله (وال بما‬
‫تعملون خبير) لو كان السياق في غير العمل أو كان في المور القلبية أو كان الكلم على ال سبحانه وتعالى قدّم صفة ال خبير (خبير بما‬
‫خبِي ٌر (‪)271‬‬ ‫سيّئَا ِتكُمْ وَاللّ ُه ِبمَا َتعْمَلُونَ َ‬
‫خيْرٌ ّلكُمْ َو ُيكَفّ ُر عَنكُم مّن َ‬ ‫ت َف ِنعِمّا ِهيَ وَإِن تُخْفُوهَا َوتُ ْؤتُوهَا ا ْلفُ َقرَاء َفهُ َو َ‬ ‫ص َدقَا ِ‬
‫تعملون)‪ .‬مثال‪( :‬إِن تُ ْبدُواْ ال ّ‬
‫ستَوِي‬ ‫سمَاوَاتِ وَالَْأرْضِ لَا يَ ْ‬ ‫سبِيلِ اللّهِ وَِللّهِ مِيرَاثُ ال ّ‬ ‫البقرة) هذا عمل‪ ،‬لما ذكر عمل النسان قدّم عمله (بما تعملون خبير)‪َ ( ،‬ومَا َلكُمْ َألّا تُنفِقُوا فِي َ‬
‫خبِي ٌر (‪ )10‬الحديد)‬ ‫سنَى وَاللّ ُه ِبمَا َتعْمَلُونَ َ‬ ‫عدَ اللّهُ ا ْلحُ ْ‬‫ظمُ دَ َرجَ ًة مّنَ اّلذِينَ أَنفَقُوا مِن َب ْعدُ َوقَاتَلُوا َوكُلّا وَ َ‬ ‫ق مِن َقبْلِ ا ْل َفتْحِ َوقَاتَلَ أُوَْل ِئكَ أَعْ َ‬ ‫مِنكُم مّنْ أَنفَ َ‬
‫سهِنّ‬ ‫ن بِأَن ُف ِ‬
‫ن مِنكُمْ َو َيذَرُونَ أَزْوَاجًا َيتَ َربّصْ َ‬ ‫هذا عمل‪ ،‬قتال وإنفاق ختمها (وال بما تعملون خبير) لما ذكر عمل النسان قدّم عمله‪( .‬وَاّلذِينَ ُيتَ َوفّوْ َ‬
‫خبِي ٌر (‪ )234‬البقرة) هذا عمل فقدّم (وال‬ ‫ن بِا ْل َمعْرُوفِ وَاللّ ُه ِبمَا تَ ْعمَلُونَ َ‬ ‫سهِ ّ‬
‫ن فِي أَنفُ ِ‬ ‫ح عََل ْيكُ ْم فِيمَا َفعَلْ َ‬
‫جنَا َ‬
‫جَلهُنّ فَلَ ُ‬ ‫شهُرٍ وَعَشْرًا َفِإذَا بََلغْنَ أَ َ‬ ‫َأ ْر َبعَةَ َأ ْ‬
‫عمِ ْلتُمْ َوذَِلكَ عَلَى اللّ ِه يَسِي ٌر (‪ )7‬فَآ ِمنُوا بِاللّهِ وَ َرسُولِهِ‬ ‫ن ثُمّ َلُت َنبّؤُنّ ِبمَا َ‬
‫ن كَفَرُوا أَن لّن ُي ْب َعثُوا ُقلْ بَلَى وَ َربّي َلُت ْب َعثُ ّ‬ ‫بما تعملون خبير)‪( .‬زَعَ َم اّلذِي َ‬
‫صنْعَ اللّهِ اّلذِي َأ ْتقَنَ‬ ‫ي َتمُ ّر مَرّ السّحَابِ ُ‬ ‫س ُبهَا جَا ِمدَةً وَهِ َ‬ ‫ل تَحْ َ‬ ‫خبِي ٌر (‪ )8‬التغابن) هذا عمل أيضا‪َ ( .‬وتَرَى ا ْل ِ‬
‫جبَا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَالنّورِ اّلذِي أَنزَ ْلنَا وَاللّ ُه ِبمَا َتعْمَلُو َ‬
‫ن (‪ )88‬النمل) هذا ليس عمل النسان فقدّم الخبرة على العمل وقال خبير بما تفعلون‪ .‬أو لما يكون المر قلبيا غير‬ ‫خبِي ٌر ِبمَا تَ ْفعَلُو َ‬‫شيْءٍ ِإنّهُ َ‬ ‫كُلّ َ‬
‫ن (‪ )18‬الحشر) فهذا على العموم أنه إذا كان‬ ‫خبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُو َ‬‫س مّا َق ّدمَتْ ِلغَدٍ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫ظاهر (يَا َأّيهَا اّلذِينَ آ َمنُوا اتّقُوا اللّهَ َو ْلتَنظُ ْر َنفْ ٌ‬
‫المر في عمل النسان قدم العمل وإذا كان في غير عمل النسان أو في المور القلبية أو عن الكلم عن ال سبحانه وتعالى يقدم خبير‪ .‬العرب‬
‫كان تعي هذه المعاني والقواعد من حيث البلغة‪ ،‬البليغ هو الذي يراعي‪ ،‬هذه أمور بلغية فوق قصد الفهام يتفنن في صوغ العبارة ومراعاة‬
‫البلغة‪ .‬على سبيل المثال عندما تضيف إلى ياء المتكلم (هذا كتابي‪ ،‬أستاذي‪ ،‬قلمي) بدون نون‪ ،‬بالنسبة للفعل تقول أعطاني‪ ،‬أضاف نون الوقاية‪،‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫عموم الكلمات نأتي بنون الوقاية مع الفعل مثل ضربني وظلمني أما مع السم فل تأتي هذه قاعدة وعموم الناس يتكلمون بها دون أن يفطنوا إلى‬
‫أن هذا إسم وهذا فعل‪ ،‬الناس يقولونها وهي قواعد أخذوها على السليقة‪ .‬الناس يتفاوتون في البلغة العرب كلهم كانوا يتكلمون كلما فصيحا من‬
‫حيث صحة الكلم ولذلك يؤخذ من كلم المجانين عندهم لن المجانين يتكلمون بلغة قومهم ويستشهدون بأشعار المجانين لن كلمهم يجري على‬
‫نسق اللغة أما البلغة فمتفاوتة ويقول ‪ :‬أنا أفصح من نطق بالضاد‪ .‬صحة الكلم كل واحد يتكلم على لغة قومه أما من ناحية البلغة فهناك‬
‫تفاوت‪ .‬ال تعالى تحداهم في البلغة وفي طريقة النظم والتعبير وتحداهم بأن يأتوا بسورة والسورة تشمل قصار السور مثل العصر والكوثر‬
‫سورة‪ ،‬الخلص سورة قبل التشريع وهناك إعجاز كثير في القرآن في الخبار عن المغيبات والمستقبل وعندما تحداهم ال تعالى تحداهم بسورة‬
‫ليس فيها تشريع وليس فيها إخبار عن الغائب أو عن الماضي‪.‬‬
‫سمّى (‪ )29‬لقمان) ما هو هذا‬
‫جلٍ مّ َ‬
‫جرِي إِلَى أَ َ‬
‫ل يَ ْ‬
‫س وَالْ َقمَ َر كُ ّ‬
‫شمْ َ‬
‫ل فِي ال ّنهَا ِر َويُولِجُ ال ّنهَا َر فِي الّليْلِ وَسَخّرَ ال ّ‬
‫ج الّليْ َ‬
‫في الية قال (أَلَ ْم تَرَ أَنّ اللّهَ يُولِ ُ‬
‫الجل؟ يوم القيامة‪ .‬وهذا موعد النظر في العمال فقد العمل لنه موعد النظر في العمال فقدم عمل النسان على الخبير فمن كل ناحية ناسب‬
‫خبِيرٌ)‪.‬‬ ‫تقديم عمل النسان (وَأَنّ اللّ َه ِبمَا َت ْعمَلُونَ َ‬
‫سؤال‪ :‬إذن السياق القرآني له خصوصية خاصة؟‬
‫ل بد من النظر في السياق قبل إعطاء الحكم‪.‬‬
‫آية (‪:)30‬‬
‫ن اللّهَ ُه َو ا ْل َع ِليّ ا ْلكَبِي ُر (‪))30‬‬
‫ط ُل وَأَ ّ‬
‫ق وَأَنّ مَا َيدْعُونَ مِن دُونِ ِه الْبَا ِ‬
‫حّ‬‫ن اللّ َه ُهوَ الْ َ‬
‫( َذلِكَ ِبأَ ّ‬
‫فكرة عامة عن الية‪ :‬ذكر أمور إيلج الليل في النهار وصفات ربنا تعالى وما ذكر من إيلج الليل في النهار وتسخير الشمس والقمر وما إلى‬
‫ذلك هذا كله سبب أن ال هو الحق الموجد الول الذي أوجد هذا الكون‪( .‬ذلك) تعود على ما ذكر سابقا‪ ،‬كيف حصلت؟ لن ال الموجد الول هو‬
‫الذي فعّل ذلك هو الحق‪ ،‬وما يدعون من دونه الباطل لنه ل يمكن أن تصنع مثل ذلك وما أمر به ونهى عنه هو الحق لن ربنا لما كان هو الحق‬
‫المبين فما فعله هو الحق ليس الباطل وما أمر به هو الحق وكل أوامره ونواهيه لزمة بسبب أنه الحق‪ ،‬فهو الحق تعليل لكل أفعاله وصفاته‬
‫وتعليل للزوم طاعته سبحانه لنه الحق والنسان ينبغي أن يطيع ما هو حق وال هو الحق أوامره هي الحق ينبغي أن يُطاع‪ ،‬صفاته هي الحق‬
‫ينبغي أن يُعبَد‪ ،‬ال هو الحق ينبغي أن يُعبد‪ .‬اختيار كلمة الحق تحديدا كل هذا التسخير معناه أن ال هو الحقيقة الوحيدة الموجودة في الكون‬
‫المستحقة للعبادة وليس ما يدعون من دونه أصنام وتماثيل التي هي الباطل بعينه وال هو الحق وحده وليس هناك حق بمنزلة هذا الحق‪ ،‬الباقي‬
‫حق بما خلقه ربنا الجنة حق والنار حق كون ربنا خلقها وأوجدها وهو الحق فهي حق‪.‬‬
‫* كيف نفهم تعريف الحق والباطل في الية؟‬
‫فرق بين أن تقول هو حق فيكون من جملة ما هو حق أنت قلت هذا تلفاز فهو حق وهذا وهذا قدح وهو حق‪ ،‬هو حق لكن ليس هو الحق‪ ،‬الحق‬
‫الول الموجب لجميع الشياء والذي أفاض على كل الشياء الموجودة بالوجود‪ ،‬هي حق لن الحق الول أوجدها والرض حق والسموات حق‬
‫والجنة حق والنار حق والنبيون حق وهذه مخلوقات ل تعالى وهي حق لن الحق الول هو الذي أوجدها لو لم يكن الحق الول موجود لما وُجِد‬
‫شيئ ولهذا تفرّد سبحانه وتعالى بالحق بالتعريف أنه هو الحق المطلق الواحد بهذا المعنى ل يتعداه‪ .‬وأن ما يدعون من دونه من آلهة هو الباطل‪.‬‬
‫الباطل بالتنكير على العموم والشمول لنها بمقابل الحق سبحانه وتعالى ليست أن تقول هذه شجرة‪ ،‬هذا حيوان وهذا باطل‪ ،‬ليست بمنزلتها ولكن‬
‫هذا جعل ل ندا وهو أعلى من منزلة ال (يدعون من دونه) هذا أكبر من الشرك فالشرك أن تجعل ل ندا كفار قريش مشركين لكن قالوا (ما‬
‫نعبدهم إل ليقربونا إلى ال زلفى) أما هؤلء يعبدون من دونه يعني جعلوا ال تعالى جانبا (من دونه ل تعني أقل منه‪ ،‬من دونه غير ممن هو‬
‫ل يعبدون من دونه أي ينحّون ال جانبا جعلوه بإزاء ال سبحانه وتعالى هذا هو الباطل بعينه ولو قال باطل لكان من‬ ‫دونه) هم ل يعبدون ال أص ً‬
‫جملة ما هو باطن فأراد تعالى أن يفخم فعلتهم هذه فقال الباطل العبادة أعلى شيء لنها الغاية من خلق المكلّفين ( َومَا خََلقْتُ ا ْلجِنّ وَا ْلإِنسَ إِلّا‬
‫ن (‪ )56‬الذاريات)‪ .‬يدعون من دونه ويعبدون من دونه فهذه ليست مسألة جزئية‪ ،‬هذه مراعاة حالة محددة عند أناس كفروا بال تعالى‪.‬‬ ‫ِل َي ْعبُدُو ِ‬
‫ن مَا َيدْعُونَ مِن دُونِهِ ا ْلبَاطِلُ) قال ما يدعون ولم يقل من يدعون إظهارا لجهلهم وسوء معتقدهم لن (ما) لغير العاقل لنهم يدعون غير عاقل‬ ‫(وَأَ ّ‬
‫ويتخذونه إلها‪.‬‬
‫ل) في آيَة الحَج‬ ‫من دُون َِهِ الْبَاط ِ ُ‬ ‫نَ َِ‬
‫ما يَدْعُو َ‬ ‫َ‬‫َ‬ ‫حق َُّ وَأ ََ َّ‬
‫ن‬ ‫و ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ه هُ‬
‫َ‬ ‫ن الل ََّ‬ ‫ك بِأ ََ َّ‬‫*في هذه اليَة قال تعالى (ذَل َِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ي الْكَبِيُر (‬
‫ه هُوَ الْعَل ِ ُّ‬‫ن الل ّ َ‬‫ل وَأ َّ‬‫و الْبَاط ِ ُ‬
‫من دُون ِهِ هُ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما يَدْعُو َ‬ ‫ن َ‬ ‫حق ُّ وَأ َّ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه هُ َ‬ ‫قال تعالى (ذ َل ِك بِأ ّ‬
‫‪ ))62‬بضمير الفصل (هو) فلماذا هذا الفرق؟‬
‫ل شك أن هو الباطل أقوى لن ضم ير الف صل يفيد التوكيد الح صر والسياق يوضح سبب اختيار كل تعبير‪ .‬في سورة ال حج ال صراع مع أ هل‬
‫جحِي ِم (‪ ))51‬ثم قال (وَاّلذِينَ هَاجَرُوا‬ ‫صحَابُ الْ َ‬ ‫سعَوْا فِي آيَا ِتنَا ُمعَاجِزِينَ أُوَْلئِكَ أَ ْ‬ ‫الباطل‪ ،‬أهل الباطل متمكنون يشردون المؤمنين ويقتلونهم (وَاّلذِينَ َ‬
‫ن (‪ ))58‬إذن أصحاب الباطل يقتلون المؤمنين ويجبرونهم على‬ ‫خيْرُ الرّا ِزقِي َ‬
‫سنًا وَإِنّ اللّ هَ َلهُ َو َ‬ ‫سبِيلِ اللّ ِه ثُمّ ُقتِلُوا أَ ْو مَاتُوا َليَ ْر ُز َقنّهُمُ اللّهُ رِ ْزقًا حَ َ‬
‫فِي َ‬
‫ترك ديارهـم ويهاجرون فـي سـبيل ال إذن هـم متمكنون ول تجـد مثـل هذا فـي لقمان‪ ،‬فلمـا كانوا كذلك بهذه القوة ووهذا التسـلط فأكـد ال تعالى‬
‫ن مِن دُونِ ِه هُوَ ا ْلبَاطِلُ) ل يغرنكم ما ترونه من تسلطهم وقوتهم فإذن هذا هو الباطل بعينه بإزاء قوة ال تعالى‪ .‬في لقمان‬ ‫بطلنهم (وَأَنّ مَا َيدْعُو َ‬
‫سعِيرِ (‪)21‬‬ ‫عذَابِ ال ّ‬ ‫شيْطَانُ َيدْعُوهُمْ إِلَى َ‬ ‫ج ْدنَا عََليْهِ َآبَا َءنَا أَوَلَ ْو كَانَ ال ّ‬
‫ليس فيها هذا الشيء‪ ،‬قال (وَِإذَا قِيلَ َلهُ ُم ا ّت ِبعُوا مَا َأنْزَلَ اللّ ُه قَالُوا بَلْ َنّتبِ ُع مَا وَ َ‬
‫ج ُعهُ ْم َفُننَ ّبُئهُ مْ‬ ‫سكَ بِا ْلعُرْوَةِ الْ ُو ْثقَى وَإِلَى اللّ ِه عَا ِقبَةُ ا ْلُأمُو ِر (‪َ )22‬ومَ نْ كَ َف َر فَلَا يَ ْ‬
‫ح ُزنْ كَ ُكفْرُ هُ إَِل ْينَا مَ ْر ِ‬ ‫س َتمْ َ‬
‫ن فَ َقدِ ا ْ‬‫ح سِ ٌ‬‫جهَ هُ ِإلَى اللّ هِ وَهُ َو مُ ْ‬ ‫َومَ نْ يُ سِْلمْ وَ ْ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْضَ َليَقُوُلنّ اللّ ُه‬ ‫سأَ ْل َتهُمْ مَنْ خَلَقَ ال ّ‬‫ظ (‪ )24‬وََلئِنْ َ‬ ‫ب غَلِي ٍ‬‫عذَا ٍ‬‫صدُو ِر (‪ُ )23‬ن َمّتعُهُ ْم قَلِيلًا ثُمّ نَضْطَرّ ُهمْ إِلَى َ‬ ‫عمِلُوا إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِذَاتِ ال ّ‬‫ِبمَا َ‬
‫ح ْمدُ ِللّ هِ بَلْ َأ ْكثَرُ ُه مْ لَا َيعَْلمُو نَ (‪ ))25‬كلها فيها أخذ ورد وسؤال وجواب ليس فيها صورة الباطل المتمكن الذي يعاند المعاجز المعاند الذي‬ ‫ل الْ َ‬‫قُ ِ‬
‫يق تل المؤمن ين ويضطر هم إلى الهجرة فاحتاج ال مر إلى زيادة ت ثبيت للمؤمن ين وعدم افتتان هم ب سلطة أ صحاب البا طل ول شك أن لل سلطان فت نة‬
‫وره بة فاقت ضى ال سياق أن هؤلء عل يه هو البا طل وتوك يد ذلك هذا أ مر و هو ال مر الول و هو أن أ صحاب البا طل في آ ية ال حج هم متمكنون‬
‫متسلطون معاجزون معاندون يفتنون المؤمنين إذن احتاج إلى تثبيت المؤمنين في هذه الناحية فأكد أن ما عليه هؤلء هو الباطل‪ .‬هذا أمر وسبب‬
‫ضرّ ُه َومَا لَا يَن َفعُ هُ ذَلِ كَ هُوَ الضّلَالُ‬ ‫آخر أنه تقدم في سورة الحج ذكر ما يدعون من دون ال من المعبودات الباطلة (يَدْعُو مِن دُو نِ اللّ ِه مَا لَا يَ ُ‬
‫سمَاء‬ ‫ك بِاللّهِ َفكََأّنمَا خَ ّر مِنَ ال ّ‬ ‫ن بِ ِه َومَن يُشْرِ ْ‬ ‫غيْرَ ُمشْ ِركِي َ‬ ‫س ا ْلعَشِي ُر (‪ُ )13‬‬
‫حنَفَاء لِلّ ِه َ‬ ‫ب مِن نّ ْفعِهِ َل ِبئْسَ ا ْلمَوْلَى وََل ِبئْ َ‬ ‫ا ْلبَعِيدُ (‪َ )12‬يدْعُو َلمَن ضَرّهُ َأقْرَ ُ‬
‫ل بِ ِه سُلْطَانا َومَا َليْ سَ َلهُم بِ ِه عِلْ مٌ َومَا لِلظّاِلمِي نَ مِن‬ ‫ق (‪َ ( )31‬و َي ْعبُدُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ مَا َل ْم ُينَزّ ْ‬ ‫ن سَحِي ٍ‬ ‫ح فِي َمكَا ٍ‬ ‫طيْرُ أَ ْو َتهْوِي بِ هِ الرّي ُ‬
‫طفُ ُه ال ّ‬‫َفتَخْ َ‬
‫ش ْيئًا لّا‬
‫ج َت َمعُوا لَ ُه وَإِن يَ سُْل ْبهُ ُم ال ّذبَا بُ َ‬
‫ن مِن دُو نِ اللّ هِ لَن يَخُْلقُوا ُذبَابًا وَلَوِ ا ْ‬ ‫س َت ِمعُوا لَ هُ إِنّ اّلذِي نَ َتدْعُو َ‬‫ل فَا ْ‬ ‫نّ صِي ٍر {‪( )}71‬يَا َأيّهَا النّا سُ ضُ ِر َ‬
‫ب َمثَ ٌ‬
‫ب (‪ ))73‬الكلم على المعبودات الباطلة جاري في آية الحج فأكد أن هؤلء هو الباطل وليس ذلك في لقمان‪.‬‬ ‫ضعُفَ الطّاِلبُ وَا ْلمَطْلُو ُ‬‫ستَن ِقذُوهُ ِمنْهُ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫فهنالك أمران دعيا إلى التأكيد في سورة الحج أولً قوة وتسلط أصحاب الباطل في سياق آية الحج وذكر معبوداتهم التي يعبدونها فذكر أنهم على‬
‫باطل وأن معبوداتهم باطلة ل تنفع شيئا فأكد هذا المر وليس في لقمان هذا السياق فلم يقتضي هذا المر‪ .‬إذن آي القرآن الكريم تغطي كل حالة‬
‫بقدر ها و كل ت عبير منا سب ل ما ورد ف يه‪ .‬مع أن اليتان تبدوان متشابهتان إل في ضم ير الف صل الذي اقتضاه ال سياق من أك ثر من ج هة ال سياق‬
‫اقتضى تأكيد أن أهل الباطل ما يدعون من دونه هو الباطل لنه ذكر عدة مرات ما يدعون من دون ال ولم يذكر هذا المر في لقمان وذكر تمكن‬
‫أصحاب الباطل وقوتهم‪ .‬لو قال في الحج وأن ما يدعون الباطل الية صحيحة لكن بلغة التعبير تكون أقل والبلغة توزن بالميزان الدقيق لن‬
‫البلغة هي مطابقة الكلم لمقتضى الحال ومقتضى الحال في كل آية مختلف‪.‬‬
‫وال مر ال خر أن الضم ير ( هو) من الناح ية اللفظ ية في سمة الت عبير ورد في سورة ال حج ‪ 13‬مرة و في لقمان ورد ‪ 7‬مرات ف قط لن ال سمة‬
‫ل ذكر في الحج ‪ 8‬مرات‬ ‫التعبيرية في السياق لها أثرها أيضا فكأنما ورد في سورة الحج ضعف ما ورد في سورة لقمان‪ .‬وضمير الفصل أص ً‬
‫وفي لقمان ‪ 3‬مرات‪ .‬إذن فمن كل النواحي السمة التعبيرية أو البلغية أو غيرها ذكر (هو) في آية سورة الحج أكثر مما يقتضيه في سورة لقمان‪.‬‬
‫َ َ َ‬
‫ي الْكَبِيُر (‪ ))30‬ماذا عن هذه الفاصلة؟‬
‫ه هُوَ الْعَل ِ ُّ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫(وأ ّ‬
‫* ختمت الية َ‬
‫خبِي ُر (‪)18‬‬
‫حكِيمُ الْ َ‬
‫عبَادِهِ وَهُوَ ا ْل َ‬
‫ق ِ‬
‫جاء بضمير الفصل في اليتين وعرف العلي الكبير‪ ،‬والعلي هو القاهر الذي ليس فوقه شيء (وَهُ َو الْقَاهِ ُر فَوْ َ‬
‫النعام) والكبير السلطان العظيم الشأن‪ .‬إذن بعد أن وصف ربنا تعالى نفسه بأنه هو الحق ووصف ما يدعون من دونه الباطل ذكر أن هذا الحق‬
‫هو عالي على وجه الثبوت والدوام والحق هو العالي دائما والباطل هو سافل مهين‪ ،‬الحق هو العالي فالحق هو العالي الذي يزهق الباطل وهو‬
‫العالي على وجه الدوام والثبوت وظاهر وهو القاهر والباطل هو سافل مهين يزهقه الحق فالحق كبير والباطل صغير صغرا وصغارا صغير في‬
‫صغَا ٌر عِندَ اللّ ِه (‪ )124‬النعام) الصغار بمعنى الذلة مهما انتفش ومهما انتفخ فهو صغير‬ ‫ج َرمُواْ َ‬
‫سُيصِيبُ اّلذِينَ أَ ْ‬
‫الحجم وصغار في الحقيقة ( َ‬
‫وذليل‪.‬‬
‫َ َ َ َ َ‬
‫ه هُوَ ال ْ َ‬
‫حقُّ) أنه العلي الكبير؟ وكلمة العلي أل توحي بأنه كبير؟‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫* أل توحي كلمة (ذل ِك بِأ ّ‬
‫ق (‪ )53‬فصلت)‪ .‬الية الكريمة أرادت أن‬ ‫حتّى َي َت َبيّنَ َلهُمْ َأنّهُ ا ْلحَ ّ‬
‫سهِمْ َ‬
‫سنُرِيهِ ْم آيَا ِتنَا فِي الْآفَاقِ َوفِي أَنفُ ِ‬
‫الحق أحيانا يأتي في موطن الموت مثلً ( َ‬
‫جدَ اللّ َه عِندَ ُه فَ َوفّا ُه حِسَابَ ُه (‪ )39‬النار) هنا ال هو الحق‬
‫تعلي ال تعالى وتضعه في مكانه اللئق بجلله وعزيم سلطانه في مثل هذا السياق‪( .‬وَ َو َ‬
‫لكن غير هذا الحق‪ ،‬غير سياق‪ .‬إذن حتى تعدد صفات ال وأسمائه كل إسم يضيف دللة جديدة حسب السياق الذي يرد فيه‪.‬‬
‫آية (‪:)31‬‬
‫شكُو ٍر (‪))31‬‬‫ت ّل ُكلّ صَبّارٍ َ‬‫ك لَآيَا ٍ‬
‫ن فِي َذلِ َ‬ ‫ن آيَاتِهِ إِ ّ‬‫ت اللّ ِه لِيُ ِر َيكُم مّ ْ‬ ‫ن الْ ُفلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْ ِر بِ ِنعْمَ ِ‬‫(َأ َلمْ تَرَ أَ ّ‬
‫فكرة عامة عن الية‪ :‬ربنا تعالى أول مرة ذكر خلق السموات على العموم وما فيها وذكر تسخير السموات والرض على العموم ثم ذكر بعض‬
‫شمْسَ وَا ْل َقمَ َر (‪ )29‬لقمان) هذه من آيات السماء وهنا في الية ذكر تسخير بعض‬ ‫سخّرَ ال ّ‬ ‫ما فيهما فذكر في الية السابقة تسخير الشمس والقمر (وَ َ‬
‫ض (‪ ))20‬إجمالً ثم ذكر بعض ما في السماء والن يذكر‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَْأرْ ِ‬ ‫سخّرَ َلكُم مّا فِي ال ّ‬ ‫ما في الرض لنه قبلهما قال (أَلَ ْم تَرَوْا أَنّ اللّهَ َ‬
‫جرِي فِي ا ْلبَحْ ِر ِب ِنعْمَتِ اللّ ِه (‪ ))31‬فذكر هناك جريان الشمس والقمر وذكر هنا جريان‬ ‫قسما مما في الرض ما سخره ربنا قال (أََل ْم تَرَ أَنّ الْ ُف ْلكَ تَ ْ‬
‫سمّى) وهنا ذكر بعض آيات الرض وهو‬ ‫ل مّ َ‬
‫جٍ‬‫جرِي إِلَى أَ َ‬‫سمّى (‪ ))29‬وهنا (كُلّ يَ ْ‬ ‫جلٍ مّ َ‬ ‫جرِي إِلَى أَ َ‬ ‫ل يَ ْ‬‫س وَالْ َقمَ َر كُ ّ‬‫شمْ َ‬
‫الفلك‪ ،‬هناك (وَسَخّرَ ال ّ‬
‫حرِ ِب ِن ْعمَتِ‬‫ك تَجْرِي فِي ا ْلبَ ْ‬‫جرِي فِي ا ْلبَحْ ِر ِب ِنعْمَتِ اللّهِ) وذكر الشمس والقمر‪ .‬هنا قال (أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ‬ ‫الفلك التي سخرها لنا ربنا (أََل ْم تَرَ أَنّ الْ ُف ْلكَ تَ ْ‬
‫اللّهِ) ما المقصود بنعمة ال؟ هنا فيها احتمالن‪ :‬يعني تجري بسبب نعمة ال هو الذي سخرها فتسخيرها من نعم ال يعني جريانها نعمة من ال‪،‬‬
‫والباء هنا سبب يعني تجري بسبب نعمة ال‪ ،‬والحتمال الثاني تجري بنعمة ال بما تحمله من البضائع مما أنعم ال به على النسان‪ ،‬البضائع من‬
‫ل (‪ )42‬هود) تجري بهم أي تحملهم‪ .‬فإذن تجري بنعمة ال فيها احتمالن بسبب ال وجريانها نعمة من‬ ‫جبَا ِ‬
‫ج كَالْ ِ‬‫جرِي ِبهِ ْم فِي مَوْ ٍ‬ ‫ي تَ ْ‬
‫نعم ال (وَهِ َ‬
‫ي فِي ا ْلبَحْ ِر بَِأمْ ِرهِ (‪ )32‬إبراهيم) (اللّهُ اّلذِي سخّرَ َل ُكمُ ا ْلبَحْرَ‬ ‫نعم ال لو لم يسخرها لم تجري‪ ،‬سخرها وسخر البحر ( َوسَخّرَ َل ُكمُ الْ ُف ْلكَ ِل َتجْرِ َ‬
‫ك فِيهِ ِبَأمْرِ ِه (‪ )12‬الجاثية) هذا أمر والحتمال الثاني تجري بما تحمله من النعم‪ ،‬من البضائع وهي كلها من نعمة ال‪ .‬المران‬ ‫جرِيَ ا ْلفُ ْل ُ‬
‫ِلتَ ْ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫مقصودان في الية وهذا من باب التوسع في المعنى والمعنيين مرادان أنها تجري بنعمة ال أي بسبب نعمة ال سخرها ولول نعمة ال لم تجري‪.‬‬
‫جبَالِ)‪.‬‬
‫في قصة نوح حدد دللة واحدة للجريان بمعنى تحملهم (وَ ِهيَ َتجْرِي ِبهِ ْم فِي مَ ْوجٍ كَالْ ِ‬
‫*ما دللة اقتران صبار مع شكور في الية؟‬
‫ن آيَاتِ ِه (‪ ))31‬ما هذه اليات التي يرنا إياها ال تعالى في البحر؟ منها آيات في التسخير ومنها آيات في أسرار البحار التي‬ ‫قبلها قال (ِليُ ِر َيكُم مّ ْ‬
‫ل مَن تَدْعُونَ ِإلّ‬ ‫حرِ ضَ ّ‬ ‫س ُكمُ الْضّ ّر فِي ا ْلبَ ْ‬ ‫يطلع عليها الناس وما فيها من العجائب ومنها آيات في ضعف النسان إذا ركب البحر وعجزه (وَِإذَا مَ ّ‬
‫ن كَفُورًا (‪ )67‬السراء) النسان وخوفه وهذه كلها آيات كيف يعتري الخوف راطب البحر ويتبين‬ ‫لنْسَا ُ‬ ‫ناِ‬ ‫ضتُمْ َوكَا َ‬ ‫ِإيّا ُه فََلمّا نَجّا ُكمْ إِلَى ا ْلبَرّ أَعْرَ ْ‬
‫حرِ ِب ِن ْعمَتِ اللّهِ‬ ‫ك تَجْرِي فِي ا ْلبَ ْ‬ ‫ضعف النسان وعجزه أمام هذا المخلوق الكبير‪ ،‬وآيات في قدرة ال إذا شاء ينجي وإذا شاء يغرق‪( .‬أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ‬
‫شكُورٍ) صبار على طاعة ال وعلى الشدائد‪ ،‬صبّار (على وزن فعال) من صبر على وزن فعال من‬ ‫صبّا ٍر َ‬ ‫ن فِي ذَِلكَ لَآيَاتٍ ّلكُلّ َ‬ ‫ن آيَاتِهِ إِ ّ‬ ‫ِليُ ِر َيكُم مّ ْ‬
‫صيغ المبالغة إما صبار على طاعة ال أو على ما يصيبه من الشدائد‪ .‬والشكور على ما أفاض به عليه من النعم‪ ،‬وشكور على وزن فعول كثير‬
‫الشكر‪ .‬الصبر عام قد يكون صبر عن المعصية أو صبر على الطاعة أو صبر على الشدة فالطاعات تحتاج إلى صبر مثل الصلة والصوم‬
‫طبِ ْر عََل ْيهَا (‪ )132‬طه) والصوم نصف الصبر والصبر نصف اليمان‪ ،‬الطاعات تحتاج إلى صبر والشدائد تحتاج إلى‬ ‫(وَ ْأمُرْ أَ ْهَلكَ بِالصّلَاةِ وَاصْ َ‬
‫ك بَِأمْرِهِ َوِلتَ ْب َتغُوا مِن َفضْلِهِ‬ ‫ي الْفُ ْل ُ‬‫ح َمتِهِ وَِل َتجْرِ َ‬ ‫ح ُمبَشّرَاتٍ وَِلُيذِي َقكُم مّن رّ ْ‬ ‫ن آيَاتِهِ أَن يُ ْرسِلَ ال ّريَا َ‬ ‫صبر وال تعالى يطلب منا أن نشكر على النعم ( َومِ ْ‬
‫عمَلُوا آلَ‬ ‫ن (‪ )12‬الجاثية) (ا ْ‬ ‫شكُرُو َ‬ ‫ك فِيهِ بَِأمْ ِرهِ وَِل َتبْ َتغُوا مِن َفضْلِهِ وََلعَّلكُ ْم تَ ْ‬‫جرِيَ ا ْلفُ ْل ُ‬ ‫ن (‪ )46‬الروم) (اللّهُ اّلذِي سخّرَ َلكُ ُم ا ْلبَحْرَ ِلتَ ْ‬ ‫شكُرُو َ‬ ‫َوَلعَّلكُ ْم تَ ْ‬
‫ل مَن يُنَجّيكُم مّن‬ ‫شكُو ُر (‪ )13‬سبأ) وقد يكون الشكر على النجاة وقال تعالى على لسان الناجين من البحر (قُ ْ‬ ‫عبَادِيَ ال ّ‬ ‫ن ِ‬‫ل مّ ْ‬ ‫شكْرًا َوقَلِي ٌ‬ ‫دَاوُودَ ُ‬
‫ن مِنَ الشّاكِرِينَ (‪ )63‬النعام) والنجاة أيضا نعمة‪.‬‬ ‫ن هَـذِهِ َل َنكُونَ ّ‬ ‫خ ْفيَةً ّلئِنْ أَنجَانَا مِ ْ‬ ‫ضرّعا وَ ُ‬ ‫ت ا ْلبَرّ وَا ْلبَحْ ِر َتدْعُونَهُ تَ َ‬ ‫ظُلمَا ِ‬ ‫ُ‬
‫حمَ ْلنَا مَ َع نُوحٍ ِإنّ ُه كَانَ‬ ‫هل يقترن الصبار مع الشكور دائما؟ الصبار لم يرد في القرآن كله إل مع الشكور بينما الشكور قد تأتي منفردة (ذُ ّريّةَ مَنْ َ‬
‫شكُورٌ (‪ )34‬فاطر) الشكور تأتي منفردة وغير منفردة أما الصبار فلم تأتي في جميع القرآن وحدها‬ ‫شكُورًا (‪ )3‬السراء) (إِنّ َرّبنَا َل َغفُورٌ َ‬ ‫ع ْبدًا َ‬ ‫َ‬
‫حرِ ِب ِن ْعمَتِ‬ ‫ك تَجْرِي فِي ا ْلبَ ْ‬ ‫وإنما مقترنة بالشكور‪ .‬لماذا اقترن الصبار بالشكور في هذه الية طكالما أن الشكر ينفرد؟ لما قال تعالى (أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ‬
‫ح ُد بِآيَا ِتنَا إِلّا‬‫صدٌ َومَا يَجْ َ‬ ‫ل دَعَوُا اللّ َه مُخْلِصِينَ لَ ُه الدّينَ فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى ا ْلبَرّ َف ِم ْنهُم مّ ْقتَ ِ‬ ‫ج كَالظَّل ِ‬ ‫ش َيهُم مّ ْو ٌ‬ ‫غِ‬ ‫اللّهِ) هذا اقتضى شكر بعدها مباشرة (وَِإذَا َ‬
‫ج كَالظَّللِ‬ ‫ش َيهُم مّ ْو ٌ‬ ‫غِ‬‫ختّا ٍر كَفُو ٍر (‪ ))32‬هذا اختبار الصبر‪ ،‬ذكر اختبار الصبر وليس الشكر إذن لما ذكر أمرين ذكر النعم وذكر التهديد (وَِإذَا َ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ختّا ٍر كَفُورٍ) قرن الصبر بالشكر وجاء بالوصفين على‬ ‫ل َ‬ ‫حدُ بِآيَا ِتنَا إِلّا كُ ّ‬
‫صدٌ َومَا يَجْ َ‬ ‫خلِصِينَ لَ ُه الدّينَ فََلمّا نَجّاهُمْ إِلَى ا ْلبَ ّر َف ِم ْنهُم مّ ْقتَ ِ‬ ‫دَعَوُا اللّ َه مُ ْ‬
‫صيغة مبالغة لن النسان يحتاج الصبر على وجه الدوام ويحتاج الشكر على وجه الدوام‪ .‬هناك ملحظة عامة في القرآن إذا ذكر تهديدا في‬
‫ك تَجْرِي فِي‬ ‫البحر أو خوفا فيه قرن الصبر والشكر وإن لم يذكر التهديد والتخويف ذكر الشكر وحده‪ .‬قال تعالى في سورة لقمان (أَلَ ْم تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْل َ‬
‫شكُو ٍر (‪ ))31‬ذكر الصبر والشكر‪ ،‬في سورة الشورى ( َومِنْ آيَاتِهِ ا ْلجَوَا ِر فِي‬ ‫صبّارٍ َ‬ ‫ن فِي ذَِلكَ لَآيَاتٍ ّلكُلّ َ‬ ‫ن آيَاتِهِ إِ ّ‬‫ا ْلبَحْ ِر ِبنِ ْعمَتِ اللّهِ ِليُ ِر َيكُم مّ ْ‬
‫ف عَن‬ ‫سبُوا َو َيعْ ُ‬ ‫شكُو ٍر (‪ )33‬أَ ْو يُوبِ ْقهُنّ ِبمَا كَ َ‬ ‫صبّارٍ َ‬‫ن فِي ذَِلكَ لَآيَاتٍ ّلكُلّ َ‬ ‫ظهْرِهِ إِ ّ‬ ‫سكِنِ الرّيحَ َفيَظْلَلْنَ َروَاكِ َد عَلَى َ‬ ‫ا ْلبَحْ ِر كَا ْلأَعْلَا ِم (‪ )32‬إِن يَشَ ْأ يُ ْ‬
‫َكثِي ٍر (‪ ))34‬اي يهلكهم‪ ،‬هذا تهديد يهلكهم ويهلك من فيها‪ .‬ذكر أمرين لما هددهم ذكر الصبر والشكر‪ .‬إذا لم يذكر التهديد يذكر الشكر وحده (وَهُوَ‬
‫ن (‪ )14‬النحل)‬ ‫شكُرُو َ‬ ‫ك مَوَاخِ َر فِيهِ وَِل َتبْ َتغُو ْا مِن َفضْلِهِ وََلعَّلكُ ْم تَ ْ‬ ‫س َتخْرِجُو ْا مِنْهُ حِ ْليَ ًة تَ ْلبَسُو َنهَا َوتَرَى الْفُ ْل َ‬ ‫حمًا طَ ِريّا َوتَ ْ‬ ‫اّلذِي سَخّ َر ا ْلبَحْرَ ِلتَ ْأكُلُو ْا مِنْهُ لَ ْ‬
‫ح َمتِهِ وَِلتَجْ ِريَ الْ ُف ْلكُ بَِأ ْمرِهِ وَِل َتبْ َتغُوا مِن فَضْلِهِ وََلعَّلكُمْ‬ ‫ل ال ّريَاحَ ُمبَشّرَاتٍ وَِلُيذِي َقكُم مّن رّ ْ‬ ‫ن آيَاتِهِ أَن يُرْسِ َ‬ ‫لم يذكر صبّار لن الية كلها نعم‪َ ( ،‬ومِ ْ‬
‫ستَخْرِجُونَ حِ ْليَةً‬ ‫حمًا طَ ِريّا َوتَ ْ‬ ‫ل تَ ْأكُلُونَ َل ْ‬ ‫شرَابُهُ وَ َهذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ َومِن كُ ّ‬ ‫ب فُرَاتٌ سَائِغٌ َ‬ ‫عذْ ٌ‬‫ستَوِي ا ْلبَحْرَانِ َهذَا َ‬ ‫ن (‪ )46‬الروم) كلها نعم‪َ ( ،‬ومَا يَ ْ‬ ‫شكُرُو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ك فِيهِ ِبَأمْرِهِ وَِل َت ْبتَغُوا مِن‬ ‫ي الْفُ ْل ُ‬‫ن (‪ )12‬فاطر) (اللّ ُه اّلذِي سخّ َر َلكُمُ ا ْلبَحْرَ ِل َتجْرِ َ‬ ‫شكُرُو َ‬ ‫خرَ ِل َتبْ َتغُوا مِن َفضْلِهِ وََلعَّلكُ ْم تَ ْ‬ ‫تَ ْلبَسُو َنهَا َوتَرَى الْ ُف ْلكَ فِي ِه مَوَا ِ‬
‫ن (‪ )12‬الجاثية) إذا لم يذكر تهديدا ذكر الشكر وحده وإذا ذكر التهديد قرن صبّار مع شكور في جميع القرآن وقدّم صبار‬ ‫شكُرُو َ‬ ‫َفضْلِهِ وََلعَّلكُ ْم تَ ْ‬
‫على شكور‪.‬‬
‫*من المخاطب في الية (ألم تر)؟‬
‫بالخطاب‪.‬‬ ‫كل من يصح خطابه من المكلّفين‪ .‬بدأ الخطاب بالمفرد (ألم تر) ثم جاء بالجمع (لنريكم) هذه عامة ولم يخص النبي‬
‫آية (‪:)32‬‬
‫ختّارٍ كَفُو ٍر (‪))32‬‬ ‫حدُ بِآيَاتِنَا ِإلّا ُكلّ َ‬
‫جَ‬‫ص ٌد وَمَا يَ ْ‬
‫ن لَ ُه الدّينَ َفلَمّا َنجّاهُمْ ِإلَى الْبَرّ فَ ِم ْنهُم مّقْتَ ِ‬
‫خلِصِي َ‬
‫عوُا اللّهَ مُ ْ‬
‫ظ َللِ دَ َ‬
‫(وَِإذَا غَشِ َيهُم ّم ْوجٌ كَال ّ‬
‫فكرة عامة عن الية‪ :‬هذه آية عظيمة من آيات ال في النسان‪ .‬ال تعالى فطر النسان على التوحيد‪ ،‬على اليمان به وتوحيده لكن فطرة النسان‬
‫قد تغطيها أتربة الحياة والمنطق العقلي ينكر أحيانا وجود ال أو يشرك به لكن إذا وقع في مهلكة وأصابه مرض وانقطعت به السباب وانقطعت‬
‫به كل أسباب الرجاء وأيقن بالهلك وخاب أمله في كل من كان يرجو منه العون وعجز الجميع عن تنجيته انزاح عن الفطرة ما كان يغطيها من‬
‫ل مَن تَ ْدعُونَ‬
‫س ُكمُ الْضّرّ فِي ا ْلبَحْ ِر ضَ ّ‬
‫التربة واتجه إلى ال تعالى وظهرت الفطرة التي فطره ال تعالى عليها مستغيثة بالواحد الحد فقط (وَِإذَا مَ ّ‬
‫ن كَفُورًا (‪ )67‬السراء) هذه آية عظيمة من آيات ال وقد رأينا وسمعنا في حياتنا أناسا من أشد‬ ‫لنْسَا ُ‬‫ضتُمْ َوكَانَ ا ِ‬
‫عرَ ْ‬‫ِإلّ ِإيّاهُ َفَلمّا نَجّاكُ ْم إِلَى ا ْلبَرّ أَ ْ‬
‫الناس إلحادا فلما انقطعت بهم السباب قالوا يا رب يا حفيظ وطلبوا ممن معهم أن يدعوا لهم بالشفاء‪ ،‬هذه آية عظيمة‪ .‬الظُلل جمع ظلة وهو‬
‫الجبل أو السحاب أو كل ما أظلّك‪ ،‬يعني إذا جاءهم الموج كالجبال وغطاهم وأيقنوا بالهلك دعوا ال مخلصين له الدين‪ ،‬وكأن الية تصورهم في‬
‫البحر في عزلة تامة ل أحد يتمكن من الوصول إليهم في هذا البحر العظيم المتلطم‪ .‬فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد‪ ،‬من المقتصد؟ هو مقتصد‬
‫في الخلص يعني لم يكن على إخلصه عندما وقع به الحال كان يدعو ربه ويستغيث كان مخلصا له الدين فلما خرج لم يكن على هذا‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫الخلص قلّ إخلصه ومنهم مقتصد في الكفر كان كافرا لكن لما نجا قال لعلي أرجع مرة أخرى يقلل غلواءه في الكفر فيقتصد‪ ،‬يقتصد في‬
‫الطاعة وإما يقتصد في الكفر ويرتدع بعض الشيء المسألة ل تزال قريبة من نفسه وهناك هزة عنيفة فينزجر بعض النزجار ويرتدع‪ ،‬هذا‬
‫ختّا ٍر كَفُورٍ (‪ )32‬لقمان)‪ ،‬هو أخلص ل‬
‫حدُ بِآيَاتِنَا ِإلّا كُلّ َ‬
‫جَ‬‫المقتصد‪ .‬أما الختار‪ ،‬الختر هو أشد الغدر والخيانة‪ ،‬ختر بمعنى غدر وخان‪َ ( .‬ومَا يَ ْ‬
‫عندما دعا ربه في البحر الن خرج‪ .‬والجحود هو إنكار ما تعلم من الحق‪ ،‬ينكر حقا يعلم أنه حق‪ ،‬هذا معنى الجحود وهو إنكار ما تعلم من الحق‬
‫لو شخص مدين إلى شخص والمدين يعلم أنه مدين وقال لست مدينا هذا جحود لكن لو نسي ل يسمى جاحدا‪ .‬الجحود إنكار ما يعلم من الحق‬
‫ن (‪ )14‬النمل) بآياتنا أي بما رأى وما حدث وما حصل بهذه اليات‬ ‫سدِي َ‬
‫ن عَا ِقبَةُ ا ْلمُ ْف ِ‬
‫ف كَا َ‬
‫سهُ ْم ظُ ْلمًا وَعُلُوّا فَانظُ ْر َكيْ َ‬
‫س َتيْ َق َن ْتهَا أَنفُ ُ‬
‫حدُوا ِبهَا وَا ْ‬
‫( َوجَ َ‬
‫عموما كفور جاحد خان العهد الذي قطعه على نفسه سيخلص له دينه ويطيعه لكنه غدر وخان‪.‬‬
‫َ‬
‫م إِلَى الْب َ ّ ِ‬
‫ر‬ ‫جاه ُ ْ‬ ‫ن فَل َ َّ‬
‫ما ن َ َّ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه الدِّي َ‬ ‫صي َ‬
‫خل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ك دَعَوُا الل ّ َ‬
‫ه ُ‬ ‫*في سورة العنكبوت قال (فَإِذ َا َركِبُوا ف ِي الْفُل ْ ِ‬
‫ن (‪ ))65‬وفي لقمان قال مقتصد فما الفرق بينهما؟‬ ‫شرِكُو َ‬
‫م يُ ْ‬
‫إِذ َا هُ ْ‬
‫ل دَعَوُا اللّ َه مُخْلِصِينَ لَ ُه الدّينَ فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى ا ْلبَرّ َف ِم ْنهُم‬ ‫ج كَالظَّل ِ‬
‫ش َيهُم مّ ْو ٌ‬‫غِ‬ ‫لو قرأنا اليتين‪ ،‬آية لقمان الخطر فيها أكبر والهول فيها أعظم (وَِإذَا َ‬
‫ختّا ٍر كَفُورٍ (‪ ))32‬هنا لم يذكر (فَِإذَا َر ِكبُوا فِي الْفُ ْلكِ) لم يذكر خطرا أصابهم وإنما هذا خوف يعتري راكب البحر‬ ‫حدُ بِآيَاتِنَا ِإلّا كُلّ َ‬ ‫جَ‬ ‫صدٌ َومَا يَ ْ‬ ‫مّ ْق َت ِ‬
‫ج كَالظَّللِ) قال فمنهم مقتصد خفف من غلوائه‪ ،‬هناك لما نجاهم من البر ( َف ِم ْنهُم‬ ‫ش َيهُم مّ ْو ٌ‬
‫غِ‬ ‫عموما فإذن الهول أكبر وأعظم في آية لقمان (وَِإذَا َ‬
‫صدٌ) آية لقمان تصور نوعا من الهول ولهذا ناسب معه مقتصد وفي آية العنكبوت فيها فقط ركوب‪ ،‬في عدم وجود الهوال لن يرى شيئاً‬ ‫مّ ْق َت ِ‬
‫يزجره‪ ،‬ركب في البحر ولم ير آية وكأنه شيء طبيعي ركب في الفلك‪ ،‬هذا أمر وهناك أمر آخر والسياق في العنكبوت يختلف والسياق يتكلم في‬
‫ن (‪ ))61‬هو يعتقد بال لكن ينصرف إلى غير‬ ‫شمْسَ وَا ْل َقمَرَ َليَقُولُنّ اللّ ُه فََأنّى يُ ْؤ َفكُو َ‬ ‫سخّرَ ال ّ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالَْأرْضَ وَ َ‬ ‫سأَ ْل َتهُم مّنْ خَلَقَ ال ّ‬ ‫المشركين (وََلئِن َ‬
‫حمْدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْكثَرُهُمْ لَا َيعْقِلُونَ‬‫ن اللّ ُه قُلِ ا ْل َ‬
‫ض مِن َب ْعدِ مَ ْو ِتهَا َليَقُولُ ّ‬ ‫حيَا بِهِ الْأَ ْر َ‬‫سمَاء مَاء فََأ ْ‬ ‫ل مِنَ ال ّ‬ ‫سأَ ْل َتهُم مّن نّزّ َ‬
‫ال (يؤفكون يعني يصرفون) (وََلئِن َ‬
‫ف َيعَْلمُونَ (‪ ))66‬إذن هذا السياق في العنكبوت في سياق المشركين أما في لقمان فليس في سياق‬ ‫(‪ِ( ))63‬ل َيكْفُرُوا بِمَا آ َت ْينَاهُ ْم وَِل َيتَ َمّتعُوا َفسَوْ َ‬
‫خبِيرٌ‬
‫ن اللّ َه ِبمَا تَ ْعمَلُونَ َ‬ ‫سمّى وَأَ ّ‬ ‫ل مّ َ‬ ‫ل يَجْرِي إِلَى َأجَ ٍ‬ ‫شمْسَ وَا ْل َقمَ َر كُ ّ‬‫سخّرَ ال ّ‬ ‫ل فِي ال ّنهَارِ َويُولِجُ ال ّنهَا َر فِي الّليْلِ وَ َ‬ ‫المجرمين (أََل ْم تَرَ أَنّ اللّ َه يُولِجُ الّليْ َ‬
‫شكُو ٍر (‪ .))31‬إذا كان المتحدث عنهم في‬ ‫صبّارٍ َ‬ ‫ن فِي ذَِلكَ لَآيَاتٍ ّلكُلّ َ‬ ‫ن آيَاتِهِ إِ ّ‬
‫جرِي فِي ا ْلبَحْ ِر ِبنِ ْعمَتِ اللّهِ ِليُ ِر َيكُم مّ ْ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫(‪( ))29‬أََل ْم تَرَ أَنّ الْفُ ْل َ‬
‫ن ِبهِم‬‫حتّى ِإذَا كُنتُمْ فِي ا ْلفُ ْلكِ وَجَ َريْ َ‬ ‫سيّ ُر ُك ْم فِي ا ْلبَرّ وَا ْلبَحْرِ َ‬ ‫العنكبوت هم المشركون وفي لقمان لم تصور الية أنهم مشركون قال تعالى (هُ َو اّلذِي يُ َ‬
‫ج ْي َتنَا مِنْ هَـذِهِ‬ ‫ط ِبهِ ْم دَعَوُ ْا اللّ َه مُخْلِصِينَ لَ ُه الدّينَ َلئِنْ أَن َ‬ ‫ظنّواْ َأّنهُمْ أُحِي َ‬‫ل َمكَانٍ َو َ‬ ‫ج مِن كُ ّ‬ ‫طّيبَةٍ َو َفرِحُو ْا ِبهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ َوجَاءهُ ُم ا ْلمَوْ ُ‬ ‫بِرِيحٍ َ‬
‫ن (‪ )22‬يونس) كلهما دعا في اليتين تحسبا لما قد يقع يعني لعله يتم شيء غير متوقع ففي الحالتين دعوا ال‪ .‬غشيهم الموج‬ ‫َل َنكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِي َ‬
‫اقتضى مقتصد وعدم ذكر غشيهم الموج اقتضى مشركون ما جاءهم شيء يدعوهم إلى النزجار أو يردعهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه الدِّي نََ ( ‪ )32‬لقمان) تقديَم الجار والمجرور على‬ ‫ن ل ََ ُ‬
‫صي َ‬
‫خل َِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل دَعَوُا الل َّ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ج كَالظ ّل َ ِ‬ ‫شيَهَُم َّ‬
‫موَْ ٌ‬ ‫*(وَإِذ َا غَ ِ‬
‫م لِلّهِ (‪ )146‬النساء)؟‬ ‫َ‬
‫صوا ْ دِينَهُ ْ‬
‫خل َ ُ‬
‫الدين وفي آيات أخرى قدم الدين على الجار والمجرور (وَأ ْ‬
‫صمُو ْا بِاللّ ِه وَأَخَْلصُو ْا دِي َنهُمْ لِلّهِ‬ ‫عتَ َ‬ ‫في عموم اليات في القرآن الكريم يقدم الجار والمجرور على الدين عدا آية النساء (ِإلّ اّلذِينَ تَابُواْ وََأصْلَحُواْ وَا ْ‬
‫(‪ ))146‬قدم الدين على الجار والمجرور‪ .‬التقديم والتأخير حسب ما يقتضيه السياق‪ .‬السياق في سورة النساء في الكلم على المنافقين يبدأ من‬
‫جمِيعًا (‬ ‫عنْدَهُمُ ا ْلعِزّةَ َفإِنّ ا ْلعِزّةَ ِللّهِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن دُونِ ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ َأ َيبْ َتغُو َ‬ ‫ن َيتّخِذُونَ ا ْلكَافِرِينَ َأوِْليَا َء مِ ْ‬ ‫عذَابًا أَلِيمًا (‪ )138‬اّلذِي َ‬ ‫ن بِأَنّ َلهُ ْم َ‬ ‫قوله تعالى (بَشّرِ ا ْل ُمنَافِقِي َ‬
‫غيْرِهِ ِإّنكُمْ ِإذًا ِمثْلُهُمْ ِإنّ‬ ‫ث َ‬ ‫حدِي ٍ‬ ‫حتّى يَخُوضُوا فِي َ‬ ‫س َتهْزَُأ ِبهَا فَلَا تَ ْق ُعدُوا َم َعهُمْ َ‬ ‫س ِم ْعتُمْ َآيَاتِ اللّ ِه ُيكْفَ ُر ِبهَا َويُ ْ‬ ‫ل عََل ْيكُمْ فِي ا ْل ِكتَابِ أَنْ ِإذَا َ‬ ‫‪َ )139‬و َقدْ نَزّ َ‬
‫ن نَصِيبٌ‬ ‫ن كَانَ ِل ْلكَافِرِي َ‬ ‫ح مِنَ اللّ ِه قَالُوا أَلَ ْم َنكُنْ َم َعكُمْ وَإِ ْ‬ ‫ن كَانَ َلكُ ْم َفتْ ٌ‬ ‫ن ِبكُ ْم فَإِ ْ‬‫جمِيعًا (‪ )140‬اّلذِينَ َيتَ َربّصُو َ‬ ‫جهَنّ َم َ‬ ‫ن فِي َ‬ ‫اللّهَ جَامِعُ ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلكَافِرِي َ‬
‫سبِيلًا (‪ )141‬إِنّ ا ْل ُمنَا ِفقِينَ‬ ‫ن عَلَى ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ َ‬ ‫جعَلَ اللّ ُه لِ ْلكَافِرِي َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫حكُ ُم َبيْ َنكُ ْم يَوْمَ ا ْل ِقيَامَةِ وَلَ ْ‬
‫ستَحْ ِوذْ عََل ْيكُمْ َو َن ْم َنعْكُ ْم مِنَ ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ فَاللّ ُه يَ ْ‬
‫قَالُوا أََل ْم نَ ْ‬
‫ن ذَِلكَ لَا إِلَى هَ ُؤلَاءِ وَلَا‬ ‫يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ َوِإذَا قَامُوا إِلَى الصّلَا ِة قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النّاسَ وَلَا يَ ْذكُرُونَ اللّهَ ِإلّا قَلِيلًا (‪ُ )142‬مذَ ْبذَبِينَ َبيْ َ‬
‫جعَلُوا لِلّ ِه عََل ْيكُمْ‬ ‫ن تَ ْ‬‫سبِيلًا (‪ )143‬يَا َأّيهَا اّلذِينَ َآ َمنُوا لَا َتتّخِذُوا ا ْلكَافِرِينَ أَوِْليَا َء مِنْ دُونِ ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ َأتُرِيدُونَ أَ ْ‬ ‫جدَ لَ ُه َ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ل اللّ ُه فَلَ ْ‬ ‫ن يُضْلِ ِ‬ ‫ِإلَى هَؤُلَاءِ َومَ ْ‬
‫صمُوا بِاللّ ِه وَأَخَْلصُوا دِي َنهُمْ‬ ‫عتَ َ‬‫جدَ َلهُ ْم نَصِيرًا (‪ )145‬إِلّا اّلذِينَ تَابُوا وََأصْلَحُوا وَا ْ‬ ‫ن تَ ِ‬‫ل مِنَ النّا ِر وَلَ ْ‬ ‫سفَ ِ‬ ‫سُلْطَانًا مُبِينًا (‪ )144‬إِنّ ا ْل ُمنَا ِفقِينَ فِي الدّ ْركِ الْأَ ْ‬
‫ف يُ ْؤتِ اللّهُ ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ َأجْرًا عَظِيمًا (‪ 9 ))146‬آيات تتعلق بذكر المنافقين فلما كان الكلم على ذكر المنافقين قدم ما‬ ‫ك مَعَ ا ْلمُ ْؤمِنِينَ وَسَوْ َ‬ ‫ِللّهِ َفأُوَل ِئ َ‬
‫يتعلق بالمنافقين وهو كلمة دين المضافة إلى ضميرهم (وَأَخَْلصُو ْا دِي َنهُمْ لِلّهِ) دينهم مضافة إليهم‪ ،‬دينهم أي معتقدهم‪ ،‬أخلصوه ل‪ .‬اليات الخرى‬
‫كلها الكلم على ال تعالى هنا الكلم على المنافقين فقدم ما يتعلق به واليات الخرى الكلم على ال تعالى فقدم ما يتعلق به مثال‪ِ( :‬إنّا أَن َز ْلنَا إَِل ْيكَ‬
‫عُبدَ اللّهَ‬ ‫ص (‪ )3‬الزمر) الكلم على ال تعالى‪ ،‬ويستمر الكلم (قُلْ ِإنّي ُأمِرْتُ أَنْ أَ ْ‬ ‫عُبدِ اللّ َه مُخْلِصًا لّ ُه الدّينَ (‪ )2‬أَلَا لِلّ ِه الدّينُ الْخَالِ ُ‬ ‫ق فَا ْ‬
‫ب بِا ْلحَ ّ‬‫ا ْلكِتَا َ‬
‫عُبدُ مُخِْلصًا لّهُ‬ ‫ب يَوْ ٍم عَظِي ٍم (‪ُ )13‬قلِ اللّهَ أَ ْ‬ ‫عذَا َ‬ ‫ت َربّي َ‬ ‫صيْ ُ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ن (‪ )11‬وَُأمِ ْرتُ لِأَنْ َأكُونَ أَوّلَ ا ْلمُسِْلمِينَ (‪( ))12‬قُلْ ِإنّي أَخَافُ إِ ْ‬ ‫خلِصًا لّهُ الدّي َ‬ ‫مُ ْ‬
‫حمْدُ‬ ‫خلِصِينَ لَ ُه الدّينَ ا ْل َ‬ ‫حيّ لَا إِلَ َه إِلّا هُ َو فَادْعُوهُ مُ ْ‬ ‫دِينِي (‪ )14‬الزمر) الكلم على ال تعالى فما كان الكلم على ال قدم ضميره ما يتعلق به‪( ،‬هُوَ الْ َ‬
‫ِللّهِ رَبّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )65‬غافر) لما كان الكلم على ال قدم ما يتعلق به وهو مضيره ولما كان الكلم على المنافقين قدم ما يتعلق بهم وهو‬
‫ضميرهم (دينهم) هكذا في جميع القرآن‪.‬‬
‫آية (‪:)33‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫حقّ َفلَا َتغُرّ ّنكُ ُم الْحَيَا ُة الدّنْيَا َولَا‬


‫ع َد اللّهِ َ‬
‫شوْا َيوْمًا لّا يَجْزِي وَا ِلدٌ عَن َو َلدِهِ َولَا َم ْولُودٌ ُهوَ جَازٍ عَن وَا ِل ِدهِ شَ ْيئًا إِنّ وَ ْ‬
‫(يَا أَ ّيهَا النّاسُ اتّقُوا رَ ّب ُكمْ وَاخْ َ‬
‫َيغُرّ ّنكُم بِاللّهِ ا ْلغَرُو ُر (‪))33‬‬
‫* قال تعالى (اتَّقُوا َربَّك ُ ْ‬
‫م) ولم يقل اتقوا الله كما ورد في بعض آي القرآن الكريم فما دللة اختيار‬
‫كلمة (ربكم) تحديداً؟‬
‫س اتّقُوا َرّبكُمْ) أولً بإفراد الرب (ربكم) وإضافة إلى ضمير (ربكم) يدل على أن لهم ربا‬ ‫ربنا سبحانه وتعالى أمر الناس أن يتقوا ربهم (يَا َأّيهَا النّا ُ‬
‫واحدا وليست أرباب‪ ،‬رب واحد للخلق أجمعين وليس هو رب فئة دون فئة أو شعب أو دون شعب‪ ،‬قسم كانوا يقولون هو رب شعب دون شعب‬
‫س اتّقُوا َرّبكُمْ) رب واحد وهو رب الجميع‪ ،‬هم كانوا يعتقدون أن هنالك أربابا‬ ‫وكانوا يقولون هو رب إسرائيل‪ ،‬إذن هو رب الجميع (يَا َأّيهَا النّا ُ‬
‫حبَارَهُ ْم وَرُ ْهبَا َنهُمْ أَ ْربَابًا مّن دُونِ اللّ ِه (‪ )31‬التوبة) أيضا فرعون قال (فَقَالَ َأنَا َرّبكُمُ الْأَعْلَى (‪ )24‬النازعات) ( َو َيذَ َركَ وَآِل َه َتكَ (‪)127‬‬ ‫خذُواْ َأ ْ‬
‫(اتّ َ‬
‫حدُ الْ َقهّا ُر (‪ )39‬يوسف) فإذن هو رب واحد لجميع الناس فقط وهو رب الناس جميعا ليس رب شعب‬ ‫خيْرٌ َأمِ اللّهُ الْوَا ِ‬‫العراف) (أَأَ ْربَابٌ ّمتَ َف ّرقُونَ َ‬
‫دون شعب ول فئة دون فئة‪ ،‬رب واحد‪ .‬ثم اختيار لفظ الرب له دللته فهنا الرب هو المربي والسيد والقيم والمنعم إذن بيده النفع والضر لما كل‬
‫هذه بيده هو الذي ينفع ويضر يمسك رحمته لن الرزاق من معاني الرب والسيد والمنعم والقيم إذن بيده النفع والضر‪( ،‬ال) إسم العلم‪ ،‬اللفظة في‬
‫اللغة ال العلم في اللغة والرب والمنعم هذه صفات وكل واحدة لها دللة الرزاق ليس معناها الرحمن‪( ،‬إن ل تسعا وتسعين إسما) يسمونها أسماء‬
‫سنَى (‪ )8‬طه) يعني هي أسماؤه وصفاته وإسمه العلم ال‪ .‬ال يستعمل في غير ال نقول رب الدار ( َوقَالَ‬ ‫سمَاء ا ْلحُ ْ‬ ‫وصفات (اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ لَهُ ا ْلأَ ْ‬
‫ح الظّاِلمُونَ (‪ )23‬يوسف) الرب ليست خاصة بال‬ ‫ل يُفْلِ ُ‬
‫ن َمثْوَايَ ِإنّهُ َ‬ ‫ك (‪ )42‬يوسف) (ِإنّهُ َربّي أَ ْ‬
‫حسَ َ‬ ‫ج ّمنْ ُهمَا ا ْذكُ ْرنِي عِندَ َرّب َ‬ ‫ِلّلذِي ظَنّ َأنّهُ نَا ٍ‬
‫ونقول من رب الدار؟ أي من مالكها؟‬
‫* هل تكون التقوى من الله أو من الرب؟‬
‫التقوى هي ل لكن بصفاته‪ ،‬لما فيه من صفات يتّقوه‪ .‬أحيانا الناس يتقون شخصا ويحذرونه لما له من صفة كرئيس أو غيره إما لكونه عزيزا أو‬
‫رئيسا فيتقونه لصفته‪ .‬القرآن قال اتقوا ال‪ ،‬إذن السياق هو الذي يختار‪ .‬إذن هو الن (اتقوا ربكم) معناه بيده النفع والضر والناس يتقون من بيده‬
‫جزِي وَاِلدٌ عَن وََلدِهِ) والوالد هو المربي والرب‬
‫خشَوْا يَ ْومًا لّا يَ ْ‬
‫ذلك يخشون أن يقطع عنهم النفع أو يدخل عليهم الضر‪ ،‬هذا واحد ثم قال بعدها (وَا ْ‬
‫أول معنى له هو المربي فإذن مناسبة‪ ،‬الرب الوالد هو مربي أولده والرب هو المربي فتتناسب مع اتقوا ربكم‪ .‬الرب هو المعلم والقيم والمرشد‬
‫والمربي وهي مناسبة مع الوالد وهو القيم على أبنائه ويربيهم وهو المنفق عليهم إذن هناك تناسب‪ ،‬إذن اختيار الرب هنا مناسب لقوله تعالى‬
‫(وَاخْشَوْا يَ ْومًا لّا يَجْزِي وَاِل ٌد عَن َوَلدِهِ)‪.‬‬
‫َ‬
‫جزِي وَالِد ٌ ع َن وَلَد ِهِ) هذه جملة صفة والقياس كما نعلم أنه في‬ ‫ما ّل ي َ ْ‬‫شوْا يَو ْ ً‬‫خ َ‬‫*في قوله تعالى (وَا ْ‬
‫لُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م تُوَفَّى ك ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫نَ فِيه َِ إِلى الل هِ ث َُ ّ‬
‫جعُو َ‬
‫َ‬ ‫جملة الصَفة ل يجزي فيَه والد عَن ولده كمَا قال (وَات ّقُوا يَوَْ ً‬
‫ما تُْر َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫صاُر (‪)37‬‬‫ب وَالب َْ َ‬ ‫ب فِيه َِ القُلو َُ‬ ‫خافُو ََ‬
‫ن يَوَْ ً‬
‫ما تَتَقَل ُ‬ ‫ن (‪ )281‬البقرة) (ي َ َ‬ ‫مو ََ‬‫م ل َ يُظْل َ ُ‬‫ت وَهَُ ْ‬ ‫ما ك ََ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫س ََّ‬
‫نَفَْ ٍ‬
‫النور) فلماذا ل يأتي هنا بَ (فيه)؟‬
‫جملة الصفة يكون فيها عائد يعود على الموصوف ضمير قد يكون مذكورا وقد يكون مقدّرا وهنا مقدر يعني النحاة يقدرون ل يجزي فيه هذا من‬
‫ن فِيهِ إِلَى اللّهِ) يبقى لماذا اختار عدم الذكر؟‬ ‫جعُو َ‬ ‫حيث التقدير‪ ،‬هو جائز الذكر وجائز التقدير لنه ذكرها في مواطن أخرى (وَاتّقُواْ يَ ْومًا تُ ْر َ‬
‫المران جائزان وقد ذكرا في مواطن‪ .‬عادة الحذف يفيد الطلق عموما يعني فلن يسمعك أو فلن يسمع‪ ،‬يسمع أعم‪ ،‬يقول الحق أو يقول‪ ،‬يقول‬
‫أعم‪ ،‬عدم ذكر المتعلقات يفيد الطلق‪ ،‬يعطي المال أو يعطي‪ ،‬يعطي أعمّ‪ .‬إذن هو الن أظهر التعبير بمظهر الطلق لم يذكر (فيه) معناه‬
‫أظهره بمظهر الطلق‪ .‬حق السؤال لماذا لم يذكر هنا وفي مواطن ذكر؟ لو جزى والد عن ولده لو دفع في يوم القيامة هل هذا الجزاء يختص‬
‫بهذا اليوم أو بما بعده؟ بذلك اليوم‪ ،‬لو جزى والد عن ولده (بدون فيه) لو جزى عنه يعني لو قضى عنه ما عليه‪ ،‬هذا الجزاء سيكون الجنة‪ ،‬لو‬
‫جزى لى يكون في ذلك اليوم انتهى وإنما الخلود وسيدخل الجنة‪ ،‬إذن الجزاء ليس في ذلك الوقت وإنما أثر الجزاء سيمتد‪ ،‬الجزاء سيكون في هذا‬
‫ل ِمنْهَا‬‫ل يُ ْقبَ ُ‬
‫شيْئا َو َ‬
‫جزِي نَ ْفسٌ عَن نّ ْفسٍ َ‬ ‫اليوم ولكن الثر هو باق ولذلك حيث قال ل يجزي لم يقل (فيه) في كل القرآن مثال‪( :‬وَاتّقُو ْا يَوْما لّ تَ ْ‬
‫ل تَن َف ُعهَا‬
‫عدْلٌ َو َ‬ ‫ل ِمنْهَا َ‬‫ل يُ ْقبَ ُ‬
‫شيْئا َو َ‬
‫جزِي نَ ْفسٌ عَن نّ ْفسٍ َ‬ ‫ن (‪ )48‬البقرة) ما قال (فيه)‪( ،‬وَاتّقُو ْا يَوْما لّ تَ ْ‬ ‫ل هُ ْم يُنصَرُو َ‬
‫عدْلٌ َو َ‬
‫خ ُذ ِم ْنهَا َ‬
‫شَفَاعَةٌ َولَ يُؤْ َ‬
‫سبَتْ وَ ُه ْم لَ‬ ‫س مّا كَ َ‬‫ل نَفْ ٍ‬ ‫ن فِيهِ إِلَى اللّ ِه ثُ ّم تُ َوفّى كُ ّ‬ ‫جعُو َ‬ ‫ن (‪ )123‬البقرة) بخلف اليات التي فيها (فيه) (وَاتّقُو ْا يَ ْومًا تُرْ َ‬ ‫صرُو َ‬‫شَفَاعَةٌ َولَ ُه ْم يُن َ‬
‫ب فِيهِ الْقُلُوبُ وَا ْلَأبْصَارُ) في ذلك اليوم وبعدها ليس‬ ‫ن يَ ْومًا تَتَ َقلّ ُ‬‫ن (‪ )281‬البقرة) توفى في ذلك اليوم وإما يذهب للجنة وإما إلى النار‪( .‬يَخَافُو َ‬ ‫يُظَْلمُو َ‬
‫ل نَ ْفسٍ) هذا في يوم القيامة وليس مستمرا يوميا‪ ،‬الذي في الجنة‬ ‫فيه تقلب لنه يذهب للجنة‪ ،‬ذِكر (فيه) خصصها باليوم فقط لما قال (ثُ ّم تُ َوفّى كُ ّ‬
‫توفي والذي في النار توفي عمله‪ ،‬التوفي في يوم القيامة توفية الحساب في يوم هو يوم القيامة وأثر التوفية إما يذهب إلى الجنة وإما إلى النار‪،‬‬
‫تقلّب القلوب والبصار في يوم القيامة ثم يذهب الناس إلى الجنة ول يعود هناك تقلب قلوب ول أبصار‪ ،‬وأصحاب النار في النار‪ .‬لو جزى والدٌ‬
‫عن ولده لكان أثر الجزاء ليس خاصا في ذلك اليوم وإنما تمتد إلى الخلود إلى البد ولذلك لم يذكر (فيه) وأخرجه مخرج الطلق‪ .‬لذلك حيث قال‬
‫ل تجزي لم يقل (فيه) لنفي المتعلق وما يترتب عليها فيما بعد‪.‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫س اتَّقُوا‬
‫ه بِوَلَدَِهِ ( ‪ )233‬البقرة) وفي سَورة لقمان (ي َا أيُّه َا النَّا ُ‬ ‫موْلُود ٌ ل ّ ُ‬
‫ضآَّر وَالِدَةٌ بِوَلَدِ َه َا وَل َ َ‬
‫*(ل َ ت ُ َ‬
‫شيْئًا (‪ ))33‬فمَا دللة هذه‬ ‫موْلُود ٌ هُوَ َ ٍ‬
‫جاز عََن وَالِدَِهِ َ‬ ‫جزِي وَالِد ٌ عََن وَلَدَِهِ وََل َ‬ ‫ما ّل ي َ ْ‬ ‫خ َ‬
‫شوْا يَوَْ ً‬ ‫م وَا ْ‬ ‫َربَّك َُ ْ‬
‫الصيغة؟‬
‫الولد يقع على الولد وولد الولد أي الحفاد أما المولود ل يقع إل على من ولِد منك‪ .‬فقول عندي ولد غير قول عندي مولود والولد تستعمله العرب‬
‫لمن ولِد منك ولمن بعده‪ .‬الولد يعني ابني أو ابن ابني أما المولود فهو ابني‪ .‬في الية الولد لو شفع للب الدنى أي لبيه الذي ولِد منه لن تقبل‬
‫ش ْيئًا) هذه خاصة‪ ،‬الب القرب‪( .‬لّا يَجْزِي وَاِل ٌد عَن وََلدِهِ) هذه عامة سواء كان ابنه أو‬ ‫شفاعته فكيف بالخرين؟!‪( ،‬وَلَا مَوْلُو ٌد هُوَ جَا ٍز عَن وَاِلدِهِ َ‬
‫ش ْيئًا) يعني ل يشفع لبيه القرب فكيف‬ ‫حفيده ويقولون أحيانا الحفيد أعز من الولد‪ .‬لكن المولود خاصة فجاءت (وَلَا مَوْلُو ٌد هُوَ جَا ٍز عَن وَاِلدِهِ َ‬
‫بغيره؟! فإن كان ل يشفع للقرب فلن يشفع لغيره‪.‬‬
‫ل عن الجانب‬ ‫سؤال‪ :‬أليست اللغة العربية تبدو عصيّة على الفهم من خلل ما تفضلتم به الن؟ نزل بها القرآن الكريم ومعظمنا ل يجيدها فض ً‬
‫الذين ل يتعلمون الفصحى فكيف يفهمون كتاب ال عز وجل؟‬
‫هناك الفهم العام المارد به العمل المكلف به هذا ليس فيه إشكال لكن النحو والشتقاق مثلً ففيه لكل واحد طريقة فطالب النحو غير طالب‬
‫الصرف غير طالب الشتقاق غير طالب البلغة وهكذا كل واحد له طريقه في هذه المسألة وليس كل الناس مكلفون بهذا المر إنما هم مكلفون‬
‫بسلمة العتقاد وحسن العمل‪ .‬ومن أراد أن يتذوق كلم ال فعليه أن يتعلم اللغة العربية فهي متسعة ولكن ليست صعبة فنحن مهما تعلّمنا نجهل‬
‫أكثر بكثير مما نعلم‪ ،‬هذا هو الواقع وكلنا تلميذ وكل واحد في مرحلة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫س عََن ن ّفَْ ٍ‬ ‫جزِي وَالِد ٌ عََن وَلَدَِهِ) وفَي البقرة قال (وَاتَّقُوا ْ يَوْما ً ل ّ ت َ ْ‬
‫جزِي نَفَْ ٌ‬ ‫ما ّل ي َ ْ‬ ‫خ َ‬
‫شوْا يَوَْ ً‬ ‫* (وَا ْ‬
‫شيْئا ً (‪ )48‬البقرة) فما الفرق بين الوالد والولد والنفس؟‬ ‫َ‬
‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّدنْيَا َمعْرُوفًا) والسورة تحمل إسم لقمان (والد) وهي‬ ‫ل ننسى أنه في هذه السورة نفسها في لقمان ذكر الوالدين والوصية بهما (وَصَا ِ‬
‫ل مع إسم السورة‬ ‫مأخوذة من موقف وموعظة لقمان لبنه وكيف أوصاه ووصية ربنا بالوالدين وهي داخل وصية لقمان لبنه‪ ،‬إذن هذه أنسب أو ً‬
‫ومع ما ورد في السورة من الحسان إلى الوالدين والبر بهما ومصاحبتهما في الدنيا معروفا‪ ،‬في البقرة لم يذكر هذا‪ .‬فإذن ذكر الوالد والولد في‬
‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّدنْيَا َمعْرُوفًا) ذكّر هنا أن هذا ل يمتد إلى‬
‫آية لقمان مناسب لما ورد في السورة من الحسان إلى الوالدين والبر ومع أنه قال (وَصَا ِ‬
‫الخرة وإنما خاص بالدنيا‪ .‬في هذه الية (لّا يَجْزِي وَاِل ٌد عَن وََلدِهِ) هذا في الخرة إذن المصاحبة بالمعروف والحسان إليهما وما وصى به في‬
‫ك بِهِ‬
‫ش ِركَ بِي مَا َليْسَ َل َ‬
‫السورة ل يمتد إلى الخرة (وَاخْشَوْا يَ ْومًا لّا يَجْزِي وَاِل ٌد عَن َوَلدِهِ) إذن الحسان مرتبط بالدنيا فقط (وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن تُ ْ‬
‫ج ُعكُ ْم َفُأ َنبّ ُئكُم ِبمَا كُنتُ ْم َت ْعمَلُونَ) إذن ل يتوقع الب أن ولده‬
‫ي مَرْ ِ‬
‫ي ثُمّ ِإلَ ّ‬
‫سبِيلَ مَنْ َأنَابَ إِلَ ّ‬
‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّد ْنيَا َمعْرُوفًا وَا ّتبِعْ َ‬
‫ط ْع ُهمَا وَصَا ِ‬
‫عِ ْل ٌم فَلَا تُ ِ‬
‫سيجزي عنه في الخرة‪ ،‬عليه أن ل يتوقع ذلك وأن هذه المصاحبة ستنقطع في الدنيا وهي في أمور الدنيا وليست في أمور الخرة فإذن هذه‬
‫مناسبة لقطع أطماع الوالدين المشركين أنه إذا كان ولدهما مؤمنا فل ينفع عنهما ول يدفع ول يجزي عنهما شيئا في الخرة فإذن هي مناسبة لما‬
‫ورد في السورة من ذكر الوالدين والمر بالمصاحبة لهما ونحوه‪.‬‬
‫َ‬
‫شيْئًا) قدم الوالد على‬ ‫موْلُود ٌ هُوَ َ‬
‫جازٍ ع َن َوالِد ِهِ َ‬ ‫جزِي وَالِد ٌ ع َن وَلَد ِهِ وََل َ‬
‫ما ّل ي َ ْ‬ ‫خ َ‬
‫شوْا يَو ْ ً‬ ‫*في الية (وَا ْ‬
‫الولد فلماذا؟‬
‫لن الوالد أكثر شفقة على الولد فالوالد يتمنى أن ينقذ ابنه بأي سبيل من السبل‪ ،‬أية وسيلة بدافع الشفقة وليس بدافع التكليف‪ ،‬أي أب يتمنى أن‬
‫يدفع عن ابنه الضر إذا رأى أنه سيصيبه فقدم الوالد بدافع الشفقة لن الب أحرص على ابنه وأحرص على نفعه وأحرص على دفع الضر عنه‪.‬‬
‫ن أَ ِ‬
‫خي هِ (‬ ‫م ْ‬ ‫م يَفُِّر ال ْ َ‬
‫مْر ُء ِ‬ ‫سؤال من المقدم‪ :‬في مكان آخر في نفس تصوير الموقف قال تعالى (يَو ْ َ‬
‫حبَتِهِ وَبَنِيهِ (‪ )36‬عبس) المرء هو الذي يفر من والديه‪ ،‬فما الفرق؟‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مهِ َوأبِيهِ (‪ )35‬وَ َ‬
‫‪ )34‬وَأ ِّ‬
‫فرق بين الجزاء والفرار‪ ،‬هذا النسان يريد أن يخلو بنفسه وليس في موقف جزاء هذا ول إنقاذ‪ ،‬حتى الن في البيت أحيانا يقول أحدهم اتركوني‬
‫ن يُ ْغنِيهِ (‪ )37‬عبس) فهذا موقف فرار يريد أن يخلو بنفسه‪ ،‬ماذا قدّم؟ ماذا‬ ‫شأْ ٌ‬
‫ئ ّمنْهُ ْم يَ ْو َمئِذٍ َ‬
‫ل امْ ِر ٍ‬
‫وحدي‪ ،‬عنده ما يشغله‪ ،‬عنده شيء يفكر فيه (ِلكُ ّ‬
‫هناك؟ كيف يفعل؟ هذا موقف آخر غير هذا الموقف‪ ،‬موقف ثاني هذا‪ ،‬هذا موقف جزاء وذاك موقف الفرار لينظر ماذا هناك؟ كيف سينجو؟ ماذا‬
‫ح َبتِهِ َو َبنِيهِ (‪ )36‬عبس) والفرار المعلوم في الدنيا أولً المرء يفر من الباعد ثم ينتهي‬ ‫قدّم (يَوْ َم يَفِ ّر ا ْلمَرْ ُء مِنْ أَخِي ِه (‪ )34‬وَُأمّهِ وََأبِيهِ (‪ )35‬وَصَا ِ‬
‫ل من البعيد فالخ هو أبعد المذكورين (يَوْ َم يَ ِفرّ ا ْلمَرْ ُء مِنْ َأخِيهِ (‪ )34‬وَُأمّهِ وََأبِيهِ (‪ )35‬وَصَا ِ‬
‫ح َبتِهِ َو َبنِيهِ‬ ‫بأقرب الناس إليه‪ ،‬هكذا عندما تفرّ تفر أو ً‬
‫(‪ )36‬عبس) آخر من يفر منهم هم البناء لنهم ألصق الناس بقلبه‪ .‬وقدّم الفرار من الم على الفرار من الب لن الب أقدر على النفع والدفع‬
‫من الم‪ ،‬في الدنيا الب هو الذي يدفع أما الم يمكن أن تبكي وتصيح والب هو الذي يدفع‪ ،‬هذا العرابي الذي بشر بمولودة فقالوا جاءتك‬
‫مولودة فقال وال ما هي بنعِم الولد نصرُها بكاء وبِرّها سرقة (تأخذ من مال زوجها وتعطي)‪ .‬إذن الفرار رتب بهذا الترتيب‪ ،‬الفرار من أخيه لنه‬
‫أبعد المذكورين قد ل يلتقي به مدة طويلة ولو كانا في مكان واحد في مدينة واحدة وحتى مع الم والب هناك بيت شرعي وحده خارج عن امه‬
‫وأبيه هو يوميا مع زوجه وبنيه لكن قد تمر أشهر دون أن يرى أمه وأبيه‪ ،‬فإذن يوم المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه‪ ،‬الصاحبة هو‬
‫يوميا يأوي إليها وبنيه لنه قد يفارق النسان زوجته ولكن يبقى أولده معه‪ ،‬الصاحبة هنا بمعنى الزوجة وأحيانا يصير خلف على البناء‪ ،‬إذن‬
‫البنين آخر من يفر منهم‪ .‬كل كلمة في اللغة لها دللة وقد يكون لها أكثر من دللة مثل المشترك اللفظي والضداد لكن السياق هو الذي يحددها‬
‫حتى المترادفات توضع في سياقها‪.‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫َ‬
‫شيْئًا) يجزي جاء بصيغة بالفعل‬ ‫موْلُود ٌ هُوَ َ‬
‫جازٍ ع َن وَالِدِهِ َ‬ ‫جزِي وَالِد ٌ ع َن وَلَدِهِ وََل َ‬
‫ما ّل ي َ ْ‬ ‫خ َ‬
‫شوْا يَوْ ً‬ ‫* (وَا ْ‬
‫وجازٍ بصيغة إسم الفعل فما دللة اختلف الصيغة؟‬
‫القوى هو السم لنه يدل على الثبوت‪ ،‬ربنا وصّى البناء بالباء إذن هذا تكليف شرعي يعني الحسان إلى البوين تكليف شرعي ثابت‪ .‬الب‬
‫ليس مكلفا النفاق على الولد إذا بلغ سن الرشد فإذن بعد البلوغ يصير البن مكلفا بنفسه وبأبيه‪ ،‬إذن بعد البلوغ البن هو المكلّف وهو المطلوب‬
‫منه الحسان إلى والديه وليس العكس فهذا والب على وجه الشفقة‪،‬الحسان إلى البوين البناء هم مكلفون فيه على وجه التكليف والباء إحسانهم‬
‫على وجه الشفقة وليس على وجه التكليف‪ .‬بعد البلوغ الب ليس مكلفا شرعا بالحسان إلى أبنائه والنفاق عليهم وإنما البن هو مكلف شرعا‬
‫ش ْيئًا) بالسمية الدالّة على الثبوت ولكن بدافع الشفقة أما هذه‬ ‫بالحسان إلى والديه إذن الثبت هو الحكم الشرعي (وَلَا مَوْلُو ٌد هُوَ جَا ٍز عَن وَاِلدِهِ َ‬
‫ش ْيئًا)‬
‫بدافع التكليف الشرعي ربنا أجبره وكلّف به الفرد‪( .‬وَاخْشَوْا يَ ْومًا لّا يَجْزِي وَاِل ٌد عَن َوَلدِهِ) هذا بدافع الشفقة و (وَلَا مَوْلُو ٌد هُوَ جَا ٍز عَن وَاِلدِهِ َ‬
‫هذا بدافع التكليف لن البن هو مكلّف بالحسان إلى الب‪ .‬أصلً المصاحبة ليست واحدة فل يمكن أن يساوي بينهما‪ ،‬واحدة مصاحبة واجبة من‬
‫البن لبيه بدافع التكليف وواحدة بدافع الشفقة من الب لبنه وليس مكلفا شرعا‪.‬‬
‫* هل هناك لمسات أخرى في هذه الية؟‬
‫شيْئًا) ما معنى شيئا؟ شيئا فيها احتمالن إما شيئا من‬ ‫خشَوْا يَ ْومًا لّا َيجْزِي وَاِلدٌ عَن وََلدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُ َو جَازٍ عَن وَاِلدِهِ َ‬ ‫س اتّقُوا َرّبكُمْ وَا ْ‬
‫(يَا َأّيهَا النّا ُ‬
‫الجزاء معناه سيصير (شيئا) مفعول مطلق لفعل (يجزي) يجزي شيئا من الجزاء أنا ل أجزيك شيئا من الجزاء‪ ،‬هذه يسمونها البعضية والكُلية‪:‬‬
‫ضربته كل الضرب‪ ،‬ضربته بعض الضرب‪ ،‬يسير الضرب‪ ،‬شيئا من الضرب هذه كلها مفعول مطلق‪( .‬شيئا) فيها احتمالن إما ل يجزي شيئا‬
‫شيْئًا (‪ )36‬النساء) شيئا فيها احتمالن وليست مثل (ول‬ ‫ش ِركُو ْا بِهِ َ‬
‫عبُدُواْ اللّهَ َولَ تُ ْ‬‫من الجزاء أو ل يجزي شيئا من الشياء الملموسة مثل (وَا ْ‬
‫يشرك به أحدا) أحدا يعني شخص‪( .‬شيئا) فيها دللتان إما شيئا من الشرك لن الشرك هو درجات هناك شرك أصغر وشرك أكبر أو شيئا من‬
‫الشياء كل شيء سواء كان أحدا من الناس أو الصنام أو غيره‪ .‬إذن (ل تشركوا به شيئا) فيها دللتان‪ :‬ل تشركوا به شيئا من الشرك ول شيئا‬
‫من الشياء‪ ،‬ل شيئا من الشرك بأن تستعين بغير ال فالشرك درجات كما أن اليمان درجات ول شيئا من الشياء‪( .‬شيئا) إما ل شيئا من الجزاء‬
‫ب واحدا أو قذف واحدا هذا يتعلق بالشخاص‪ .‬اشتريت شيئا من السوق (شيئا‬ ‫أو شيئا من الشياء مثلً هو مدين لواحد أو تعدّى على واحد أو س ّ‬
‫هنا مفعول به)‪( ،‬أنا ل أظلمك شيئا من الظلم) يعني ل أظلمك ظلما ولو كان قليلً‪ ،‬كيف نعرب (ظلما)؟ مفعول مطلق‪ .‬ل أظلمك شيئا إذا قصدت‬
‫به شيئا من الظلم فهو مفعول مطلق وإذا قصدت به شيئا من الشياء فهو مفعول به‪ .‬بحسب ما يقصد من الكلم وهذا من باب التوسع في المعنى‪،‬‬
‫هو لم يرد أن يحدد معنى واحدا ولو أراد لجاء بشيء يحدده لو قال شيئا من الجزاء أو شيئا من البناء لصار مفعول مطلق تحديدا هو أراد‬
‫الطلق العام سواء في الجزاء أو في ما يجزى به من الشياء‪( .‬شيئا) نفهمها هنا للوالد والولد معا‪ .‬إذن يحتمل معنييان المصدرية والمفعول به‬
‫سبُونَ (‪ )82‬التوبة) وقلنا أنها تحتمل المصدر وتحتمل الظرف‪ ،‬وقتا قليلً أو‬ ‫حكُو ْا قَلِيلً وَ ْل َيبْكُو ْا َكثِيرًا جَزَاء ِبمَا كَانُو ْا َيكْ ِ‬
‫ل (فَ ْليَضْ َ‬
‫وضربنا سابقا مث ً‬
‫ل (بَلْ كَانُوا لَا يَ ْف َقهُونَ إِلّا قَلِيلًا (‪ )15‬الفتح) هل قليل من المور أو قليل من الفقه؟ فِقهم قليل أو المور التي يفقهها قليلة؟‬ ‫ضحكا قلي ً‬
‫* أي المعنيين أفضل؟‬
‫أنت ماذا تريد؟ هل تريد الطلق؟ هل تريد كليهما أو تريد أن يخصص؟ إذا لم يوجد قرينة سياقية يجمع المعاني ويكون هناك توسع في المعنى‬
‫ما لم يكن هناك قرينة تحدد أحدهما‪.‬‬
‫حقّ َفلَا َتغُرّ ّن ُكمُ الْحَيَا ُة الدّ ْنيَا َولَا َيغُرّ ّنكُم بِاللّ ِه ا ْلغَرُورُ (‪))33‬‬
‫ع َد اللّهِ َ‬
‫ن وَ ْ‬
‫(إِ ّ‬
‫ل تغرنّكم هذا نهي عن الغترار بالحياة الدنيا‪ .‬وأولً هو نسب الغر للحياة الدنيا أصلها فل تغتروا بالحياة الدنيا فكأن الحياة الدنيا والشيطان‬
‫ينصبان الشَرَك لغرّ النسان‪ ،‬لو قال ل تغتروا فقط سيكون النهي متعلقا بالنسان‪( .‬ل) ناهية‪ ،‬هو ينهي الحياة الدنيا عن أن تغرّ النسان وينهي‬
‫الشيطان عن غرّه والمعنى ل تغتروا لن الحياة الدنيا تنصب لكم الشرك كأنما الحياة الدنيا والشيطان هما قائمان على نصب الشراك ليقاع‬
‫النسان بالعداوة‪ .‬المعنى ل يغتر النسان بهذه الحياة لكن والصيغة نهى الحياة الدنيا عن أن ل تغر المسلم‪ .‬الغرور هو الشيطان وما قال‬
‫الشيطان‪ ،‬هنالك فرق بين الغُرور والغَرور‪ ،‬الغرور مصدر والغَرور صيغة مبالغة على وزن فعول أي كثير الغرّ للخرين فهو لم يقل الشيطان‬
‫لن الشيطان أشهر من يغرّ النسان لكن كل من يغ ّر يدخل في ذلك قد يغر شخصٌ شخصا آخر فيخدعه ويغره فإذن اختار الغرور وليس الشيطان‬
‫حتى يشمل ويعم كل من يغر شخصا آخر‪ ،‬ونلحظ أنه أكّد الفعلين بالنون (فَلَا َتغُ ّرّنكُمُ) ‪( ،‬وَلَا َيغُ ّرنّكُم) في خارج القرآن فل تغرّكم أو تغرركم‬
‫بفك الدغام‪ ،‬هذه النون نون التوكيد الثقيلة مثل (ليسجنّنّ) والخفيفة مثل (وليكوننّ)‪ .‬المعنى أنه نهي مؤكد‪ ،‬لماذا نهي مؤكد؟ لن الدنيا والشيطان‬
‫يغرّان النسان قطعا ل محالة إذن النهي ينبغي أن يكون مؤكدا فلما كان غرهما مؤكد ينبغي أن يكون النهي مؤكدا وقدم الحياة الدنيا على‬
‫ل يَا آدَمُ‬
‫شيْطَانُ قَا َ‬
‫الشيطان لنها مبتغى النسان الول حتى لما يغرّه الشيطان يغرّه بالدنيا‪ ،‬هو يكدح من أجل الدنيا والشيطان قال (فَوَسْ َوسَ إَِليْهِ ال ّ‬
‫ل َأدُّلكَ عَلَى شَجَ َرةِ الْخُ ْلدِ َومُ ْلكٍ لّا َيبْلَى (‪ )120‬طه) عموم ما في السعادة والراحة والدنيا‪ ،‬دنيا فقدمها لنها مبتغى النسان والشيطان إذا أراد أن‬ ‫هَ ْ‬
‫يغر النسان فبسببها‪ .‬لم يقل ل تغرنكم الدنيا وإنما قال الحياة الدنيا لن الحياة هي المطلب الول‪.‬‬
‫*ما الفرق بين الغَرور والغُرور؟‬
‫الغَرور هو الشيطان والغُرور هو المصدر (وَلَا َيغُ ّرنّكُم بِاللّهِ ا ْلغَرُورُ (‪ )33‬لقمان) الغَرور صيغة مبالغة وإسم للشيطان أما الغرور فهو المصدر‪.‬‬
‫آية (‪:)34‬‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫علِي مٌ‬
‫س ِب َأيّ أَرْ ضٍ تَمُو تُ ِإنّ اللّ هَ َ‬
‫غدًا وَمَا َتدْرِي نَفْ ٌ‬
‫ث وَ َي ْعلَ مُ مَا فِي ا ْلأَرْحَا ِم وَمَا َتدْرِي نَفْ سٌ مّاذَا َتكْ سِبُ َ‬
‫علْ مُ ال سّاعَ ِة وَيُنَ ّز ُل ا ْلغَيْ َ‬
‫(إِنّ اللّ هَ عِندَ هُ ِ‬
‫خبِي ٌر (‪))34‬‬ ‫َ‬
‫يقولون إن هذه الية الكريمة ذكرت مفاتح الغيب فبدأت بعلم الساعة وهذا أمر اختص ال تعالى به بنفسه لم يطلع عليه أحد قال تعالى (يَسْأَُلكَ‬
‫س عَنِ السّاعَ ِة قُلْ ِإّنمَا عِ ْل ُمهَا عِندَ اللّهِ َومَا يُدْرِيكَ َلعَلّ السّاعَ َة َتكُونُ قَرِيبًا (‪ )63‬الحزاب) في أكثر من موطن (يَسْأَلُو َنكَ عَنِ السّاعَةِ َأيّانَ‬ ‫النّا ُ‬
‫ع ْنهَا قُلْ ِإّنمَا عِ ْل ُمهَا‬
‫ي َ‬
‫حفِ ّ‬
‫ل َبغْتَ ًة يَسَْألُو َنكَ كََأّنكَ َ‬
‫ض لَ َت ْأتِيكُمْ ِإ ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَرْ ِ‬ ‫ت فِي ال ّ‬ ‫ل هُ َو ثَقُلَ ْ‬
‫ل يُجَلّيهَا لِ َو ْق ِتهَا ِإ ّ‬
‫مُ ْرسَاهَا قُلْ ِإّنمَا عِ ْل ُمهَا عِندَ َربّي َ‬
‫ن ذِكْرَاهَا (‪ )43‬إِلَى َرّبكَ ُم ْن َتهَاهَا (‬ ‫ت مِ ْ‬ ‫ن مُ ْرسَاهَا (‪ )42‬فِيمَ َأنْ َ‬ ‫ن (‪ )187‬العراف) (يَسَْألُو َنكَ عَنِ السّاعَةِ َأيّا َ‬ ‫س لَ َيعَْلمُو َ‬
‫عِندَ اللّهِ وَلَـكِنّ َأ ْكثَرَ النّا ِ‬
‫‪ )44‬النازعات) فإذن الساعة ربنا اختص بها حتى تركيب الية (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِ ْلمُ السّاعَةِ) قدّم الخبر (عنده) على المبتدأ (علم الساعة) والجملة‬
‫كلها خبر (إنّ) أصلها علم الساعة عنده‪ ،‬هذا التقديم يفيد الختصاص أي عند ال فقط حصرا تقديم الخبر على المبتدأ إذا كان النبتدأ معرفة يفيد‬
‫الحصر في الغالب‪ ،‬قدم الخبر على المبتدأ أفادت الختصاص أي ل يعلمه إل هو‪ ،‬و(إنما) أداة حصر وأكد الجملة بـ (إنّ) وهو يفيد تأكيد‬
‫القصر‪ ،‬إذن التقديم والتأكيد يفيد القصر والحصر بأن علم الساعة منتهاه إلى ال تعالى حصرا‪.‬‬
‫* ما دللة العطف في الية؟‬
‫ربنا سبحانه وتعالى استأثر بالعلم والقدرة لنه أول مرة ذكر علم الساعة (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِلْمُ السّاعَةِ) ثم قال بعدها ( َويُنَزّلُ ا ْل َغيْثَ) يعني هو لم‬
‫يذكر علة نزول الغيث ما قال ويعلم نزول الغيث لكن قال ( َو َيعْلَ ُم مَا فِي الَْأرْحَامِ) لن تنزيل الغيث هو الذي يعني العباد وليس العلم به بمعنى‬
‫تنزيل الغيث هو الذي فيه حياتهم ومعاشهم فإذن هو ذكر ما هو أمس بحياة الناس ونعمة ال عليهم الغيث تتم به مصالحهم وحياتهم فاختار ما هو‬
‫أدل على النعم قال ( َو ُينَزّلُ ا ْل َغيْثَ)‪ .‬علم الساعة بعد زوال هؤلء وذهباهم بقرون‪ ،‬في حياتهم الحالية يعنيهم للتذكر وأخذ العبرة أما موعدها فل‬
‫يعنيهم‪ ،‬نزول الغيث يعنيهم هم لذلك ذكر ما هو أدل على النعمة فقال ( َو ُينَزّلُ ا ْل َغيْثَ) قال ينزل بالمضارع لن هذا يتكرر ويتجدد وكذلك قال‬
‫( َو َيعْلَ ُم مَا فِي الَْأرْحَامِ) لن هذا متجدد أيضا الرحام مستمرة في كل لحظة يحصل ما في الرحام‪ .‬ثم إن هذا العلم البعض يقولون أن الناس قد‬
‫يعلمون علم الجنة بالسونار وغيره‪ ،‬ليس المقصود فقط علم الجنس ذكر أو أنثى وإنما هذا شيء من العلم‪ ،‬يعلم ما في الرحام يعلم الجنس وغير‬
‫ذلك كونه تام أو ناقص‪ ،‬ذكي أو بليغ شقي أو سعيد ما استعدادته البدنية هذه ل يمكن أن يعلم بها أحد فليس المقصود الجنس وإنما الستعداد‬
‫الجنسي والنفسي ولون العين أخرس أو غير أخرس وحتى علم الجنة يعلم فقط عندما يستكمل الجنين ول يعلمون جنسه عندما يكون علقة ول‬
‫يمكن أن يعلموا ما في الرحام من الية الولى وإنما يعلمونه بعد التشكل بينما ربنا تعالى يعلم ما في الرحام من بدايته والرحام ل تعني‬
‫ي ٍء عِندَ ُه ِبمِ ْقدَا ٍر (‪ )8‬الرعد) ليس فقط ما‬ ‫لرْحَامُ َومَا تَ ْزدَادُ َوكُلّ شَ ْ‬
‫ل كُلّ أُنثَى َومَا َتغِيضُ ا َ‬
‫حمِ ُ‬
‫النسان فقط وإنما تشمل كل شيئء (اللّ ُه َيعْلَ ُم مَا تَ ْ‬
‫ض (‪ )4‬التغابن)‪َ ( .‬و َيعْلَ ُم مَا فِي الَْأرْحَامِ) في كل الكرة‬ ‫سمَاوَاتِ وَا ْلأَرْ ِ‬
‫يتعلق بالنسان‪ ،‬ربنا يتكلم عنا يعلم في السموات والرض ( َيعْلَ ُم مَا فِي ال ّ‬
‫الرضية وهو مستمر وليس الجنس فقط وإنما العلم بهذه السعة والشمول والدقة في كل الحوال على مدى الزمن وفي كل لحظة يحصل فيها ال‬
‫تعالى فقط يعلم بها‪.‬‬
‫َ‬
‫عل َْ ُ‬
‫م ال ََّ‬
‫ساعَةِ) قصَر وحصَر أن علم السَاعة لله تعالى دون غيره فهَل باقَي اليَة‬ ‫عند ََهُ ِ‬ ‫ن الل َّ َ‬
‫ه ِ‬ ‫*(إ َِ َّ‬
‫تفيد القصر والحصر أيضاً؟‬
‫قسم يقول إذا دخلت (إنّ) ليس بالضرورة تفيد القصر لنها معطوفة على خبر (إن) وقسم قال كما أنه أفاد القصر في الول فالمعطوف عليه يفيد‬
‫القصر أيضا وقسم قال ليس بالضرورة المعطوف يكون نفس المعطوف عليه‪ ،‬نقول محمد حضر وحضر فلن معه عطف جملة فعلية على جملة‬
‫إسمية وقد تعطف جملة مؤكدة على جملة غير مؤكدة أو جملة مثبتة على جملة منفية أو العكس‪ :‬حضر فلن ولم يحضر أخوه‪ ،‬هذا ممكن‪ .‬ربنا‬
‫قال تعالى عن نفسه ( َو َيعْلَ ُم مَا فِي الَْأرْحَامِ) لكن ليس فيها قصر على نفسه فإذن ل غرابة في أن يتحدث أحد يقول نعلم ذكرا أو أنثى لكنه علم‬
‫ناقص وفي وقت محدد عند الستكمال‪ .‬نحن نفهم الية عامة بهذه الدللة أن ما في الرحام في كل لحظة وفي كل الحوال وهذا ل يمكن أن‬
‫يكون إل ل تعالى‪ .‬ذكر الرسول " أجله ورزقه‪ ،‬شقي أو سعيد" هذا ل يعلمه إل ال تعالى‪.‬‬
‫( َو ُينَزّلُ ا ْل َغيْثَ) تأتي إلى نفس الشكال إذا كانت تفيد القصر لغة قسم قالوا تفيد وقسم قالوا ل‪.‬‬
‫هل يستطيع النسان أن ينزل الغيث الن؟ ربنا ينزل الغيث‪ ،‬يسوق السحاب وينزل الغيث‪ ،‬الناس تصلي صلة الستسقاء والبلد الخرى التي‬
‫فيها جفاف من ينزل الغيث؟ فلينزلوا غيثهم إذا استطاعوا‪ ،‬الجفاف يأكل الرض فمن ينزل الغيث إل ال تعالى فإذن ربنا سبحانه وتعالى هو الذي‬
‫ينزل الغيث ربنا سبحانه وتعالى هو القادر على ذلك وهو الذي يفعل ذلك إن شاء‪.‬‬
‫*ما دللة الترتيب في الية؟‬
‫غدًا) قسم كان يقول أنا موظف وراتبي محدود فيقول أنا أعلم ما أكسبه اليوم وغدا‪ ،‬أولً الكسب ل‬ ‫ب َ‬‫س مّاذَا َتكْسِ ُ‬ ‫قبل الترتيب‪َ ( ،‬ومَا تَدْرِي نَفْ ٌ‬
‫ت(‬‫سبَ ْ‬
‫سبَتْ وَعََل ْيهَا مَا ا ْكتَ َ‬
‫يتعلق بأمور المعاش فقط‪ ،‬المعاش كسب لكن ربنا تعالى ذكر الكسب في العمال من الحسنات والسيئات قال (َلهَا مَا كَ َ‬
‫ت قُلُو ُبكُ ْم (‪ )225‬البقرة)‬ ‫سبَ ْ‬ ‫ت بِهِ خَطِيـ َئتُهُ (‪ )81‬البقرة) الكسب قد يكون للقلب (وََلكِن يُؤَا ِ‬
‫خ ُذكُم ِبمَا كَ َ‬ ‫سّيئَةً وََأحَاطَ ْ‬ ‫سبَ َ‬‫‪ )286‬البقرة) (بَلَى مَن كَ َ‬
‫سبَتْ َأ ْيدِيكُمْ (‪ )30‬الشورى) فالكسب عام وحتى أصحاب الجور الثابتة قد يأتيهم ما ليس في البال‪،‬‬ ‫والكسب لليد ( َومَا أَصَا َبكُم مّن مّصِيبَةٍ َف ِبمَا كَ َ‬
‫بهذا المعنى المطلق ل يمكن أن يعلم أحد ماذا سيكسب غدا لن الكسب متعلق بالعمال من حسنات وسيئات وكسب القلب وما إلى ذلك والذي‬
‫يأتيه من مال‪ .‬الرزق واحد من معاني الكسب فالكسب عام فلماذا يحدد بشيء واحد؟ ومن يعلم ذلك؟ ل يستطيع أحد أن يعلم ماذا سيكسب غدا‬
‫ض َتمُوتُ) هذا مكان الجل‪.‬‬ ‫س بِأَيّ َأرْ ٍ‬ ‫وماذا لو توفاه ال؟ ( َومَا َتدْرِي نَ ْف ٌ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫خشَوْا يَ ْومًا لّا َيجْزِي وَاِلدٌ‬ ‫س اتّقُوا َرّبكُمْ وَا ْ‬‫ل بدأ بالساعة وهي رأس المغيبات وجعلها بعد قوله تعالى (يَا َأّيهَا النّا ُ‬ ‫حكمة الترتيب في الية‪ :‬هو أو ً‬
‫ش ْيئًا) هذه الساعة فناسب ذكر ما تقدّم قبلها (وَاخْشَوْا يَ ْومًا لّا يَجْزِي وَاِل ٌد عَن َوَلدِهِ) هذه الساعة فلما قال‬ ‫عَن وََلدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُ َو جَا ٍز عَن وَاِلدِهِ َ‬
‫عنده علم الساعة ناسب ما قبلها هذا اليوم الذي طلب منا أن نخشاه‪ .‬هذا أمر ثم ذكر بعد ذكر الساعة تنزيل الغيث ( َو ُينَزّلُ ا ْل َغيْثَ) وهو أسبق‬
‫المذكورات بعده وجودا‪ ،‬بعده ما في الرحام وما تدري نفس ماذا تكسب أسبقها نزول الغيث‪ ،‬المطر أسبق لن النسان ل يعيش من دون زرع‪.‬‬
‫المطر أسبق المذكورات بعده وجودا فإذن بدأ بالسبق هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ربنا تعالى كثيرا ما يستدل في القرآن بنزول الغيث على‬
‫سقَاتٍ َلهَا طَلْ ٌع نَضِيدٌ (‪ِ )10‬ر ْزقًا لِ ْل ِعبَادِ وَأَ ْ‬
‫ح َي ْينَا بِهِ بَ ْلدَ ًة َميْتًا‬ ‫ل بَا ِ‬
‫خَ‬‫ب الْحَصِي ِد (‪ )9‬وَالنّ ْ‬ ‫ت وَحَ ّ‬
‫جنّا ٍ‬
‫سمَا ِء مَا ًء ُمبَا َركًا َفَأ ْنبَ ْتنَا بِهِ َ‬
‫الساعة ( َونَزّ ْلنَا مِنَ ال ّ‬
‫ج (‪ )11‬ق) إذن صارت مرتبطة بما قبلها‪ ،‬إذن تنزيل الغيث ارتبط بما قبلها وهي الساعة وارتبط بما بعده وهو ما في الرحام لن‬ ‫َكذَِلكَ الْخُرُو ُ‬
‫ما في الرحام يعيشون على الزروع إذن ينزل الغيث له ارتباط بما قبله وما بعده‪ ،‬ارتبط بعلم الساعة أنه تعالى يستدل به على علم الساعة‬
‫ويستدل به على اليوم الخر ومرتبط بما بعدها ( َو َيعْلَ ُم مَا فِي ا ْلأَ ْرحَامِ) لن ما في الرحام كثيرا ما يعيشون على الزروع وما تنبت الرض سواء‬
‫كان إنسان أو حيوان ثم ذكر ماذا تكسب غدا هذا بعد الولدة وبعد ما في الرحام ثم ذكر الموت في الخر‪ ،‬فإذن رتبها ترتيب أسبقية الوجود‬
‫والرتباط‪ ،‬فيها إثبات لعلم ال ونفي لما عداه‪ ،‬إثبات لعلم ال (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِلْمُ السّاعَةِ َو ُينَزّلُ ا ْل َغيْثَ َو َيعْلَ ُم مَا فِي الَْأرْحَامِ) ونفي ما عداه ( َومَا‬
‫خبِيرٌ) فأثبت له العلم والخبرة على صفة‬ ‫ض َتمُوتُ)‪ .‬ثم ختمها ختمها بقوله (إِنّ اللّ َه عَلِيمٌ َ‬ ‫س بِأَيّ َأرْ ٍ‬ ‫غدًا َومَا َتدْرِي نَ ْف ٌ‬ ‫سبُ َ‬ ‫س مّاذَا َتكْ ِ‬ ‫َتدْرِي نَ ْف ٌ‬
‫المبالغة وهذا من اجتماع العلم والخبرة‪ ،‬عليم بالمور خبير ببواطنها‪ .‬خبير تضيف إلى عليم‪.‬‬
‫****عندنا في مزايا اللغة العربية التي ل يمكن التعبير عنها في اللغات الخرى تعدد أدوات النفي‪ .‬تقول أنا ما أذهب‪ ،‬أنا ل أذهب‪ ،‬أنا إن‬
‫أذهب‪ ،‬أنا لست أذهب‪ ،‬كلها تقولها في النجليزية ‪( .I don’t go‬إن أذهب) وردت مثلها في القرآن في قوله (وَإِنْ َأدْرِي َأقَرِيبٌ أَم َبعِيدٌ مّا‬
‫س بَِأيّ‬ ‫ل بِي َولَا ِبكُ ْم (‪ )9‬الحقاف) نفاها بـ (ما)‪َ ( ،‬ومَا تَدْرِي نَفْ ٌ‬ ‫عدُونَ (‪ )109‬النبياء) بمعنى نفي (ما)‪ .‬في القرآن قال ( َومَا َأدْرِي مَا يُ ْفعَ ُ‬ ‫تُو َ‬
‫حدِثُ َب ْعدَ ذَِلكَ َأمْرًا (‪ )1‬الطلق) قال ما أدري وقال إن أدري وقال ل أدري‪ ،‬نفاها كلها‪ .‬الفرق من‬ ‫ت (‪ )34‬لقمان) قال (َلعَلّ اللّهَ ُي ْ‬ ‫ض َتمُو ُ‬ ‫َأرْ ٍ‬
‫ل على الحال يعني ما أدري الن‪ ،‬ل أدري أكثر النحاة يخصصوها‬ ‫حيث الدللة المعلوم المشهور أنه إذا نفيت الفعل المضارع بـ (ما) د ّ‬
‫للستقبال لكن قسم من النحاة يقول هي للحال والستقبال مطلقة وأكثرهم يخصصوها بالستقبال والزمخشري يقول ل ولن أختان في نفي‬
‫المستقبل وهذا عليه أكثر النحاة وأنا أميل أنها تكون للحال والستقبال وأستدل بما استدل به بعض النحاة في القرآن (مَا ِليَ لَا َأرَى ا ْل ُهدْهُ َد (‪)20‬‬
‫شيْئا (‪ )48‬البقرة) للستقبال فهي إذن مطلقة‪ .‬خاصة هي منتهية‬ ‫س عَن نّ ْفسٍ َ‬ ‫ل تَجْزِي نَفْ ٌ‬‫النمل) حال‪( ،‬أنا ل أفهم ما تقول) حال‪( ،‬وَاتّقُو ْا يَوْما ّ‬
‫باللف واللف حرف مطلق ل يمتد به الصوت فهي ممتدة‪( .‬إن أذهب) إن أقوى كما يقول النحاة‪( .‬لست أذهب) ليس فيها الكثير أنها تنفي الحال‬
‫لكن فيها جملة إسمية وفعلية فهي مركبة‪( .‬لم أذهب) هذا المضارع‪ ،‬ما ذهبت‪ ،‬لمّا أذهب‪ ،‬إن ذهبت‪ ،‬لست قد ذهبت‪ ،‬كلها نقولها بالنجليزية ‪I‬‬
‫‪ didn’t do‬صيغة واحدة‪( ،‬ما) جواب القسم أصلً‪( ،‬لمّا) اللم كما بدأ بها سيبويه في باب نفي الفعل قال فعلت نفيه لم أفعل‪ ،‬وال لقد فعل نفيه ما‬
‫ن نفيه ل يفعل‪ ،‬سوف يفعل نفيه لن يفعل‪ ،‬هذه النصوص موجودة وكل واحدة لها دللة‪.‬‬ ‫فعل‪ ،‬قد فعل نفيه لمّا يفعل‪ ،‬ليفعل ّ‬
‫* هل الله سبحانه وتعالى في حاجة إلى كل هذا التأكيد ونحن نقّر له بالعلم؟‬
‫لنه قسم يقر له بالعلم وهناك من من لم يقر له بالعلم وإنما هناك من يعبد الحجر وهناك من يعبد الشجر وهناك من يعبد الحيوان وهناك وهناك‪.‬‬
‫فهذا الكلم للجميع‪ .‬أنت علمت بعد أن علمت من القرآن بعدما أعلمك ال تعالى ولم يكن هناك اختلف في شيء إل اختلف على ال سبحانه‬
‫عمّا‬
‫ب ا ْلعِزّ ِة َ‬ ‫ن (‪ )151‬وََلدَ اللّهُ وَِإّنهُمْ َلكَا ِذبُونَ (‪ )152‬الصافات) وربنا قال تعالى ( ُ‬
‫س ْبحَانَ َرّبكَ رَ ّ‬ ‫وتعالى قسم قالوا (أَلَا ِإّنهُ ْم مِنْ ِإ ْف ِكهِمْ َليَقُولُو َ‬
‫ن (‪ )180‬الصافات) يصفونه بأشياء ل ينبغي أن يوصف بها فمن أهمّ الشياء ينبغي أن نعلم أن ربنا عليم وخبير وقدير وحليم والسماء‬ ‫صفُو َ‬
‫يَ ِ‬
‫الحسنى‪.‬‬
‫حدد المكان ولم يُحدد الزمان في الية الخيرة من سورة لقمان؟‬
‫*لماذا ُ‬
‫س بَِأ ّ‬
‫ي‬ ‫ب غَدا َومَا َتدْرِي نَفْ ٌ‬ ‫س مّاذَا َتكْسِ ُ‬ ‫قال تعالى في آخر سورة لقمان (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِ ْلمُ السّاعَةِ َويُنَزّلُ ا ْل َغيْثَ َو َيعْلَ ُم مَا فِي ا ْلأَ ْرحَامِ َومَا تَدْرِي نَفْ ٌ‬
‫خبِي ٌر {‪ )}34‬وإذا نظرنا إلى سياق اليات نجد أن النتقال من أرض إلى أرض والنتقال في الفلك هو السياق ثم بعدها‬ ‫ض َتمُوتُ إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم َ‬
‫َأرْ ٍ‬
‫ح ُد بِآيَا ِتنَا‬
‫صدٌ َومَا يَجْ َ‬
‫ل دَعَوُا اللّ َه مُخْلِصِينَ لَ ُه الدّينَ فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى ا ْلبَرّ َف ِم ْنهُم مّ ْقتَ ِ‬ ‫ج كَالظَّل ِ‬‫ش َيهُم مّ ْو ٌ‬
‫غِ‬‫قال تعالى ماذا غشيهم (موج) في قوله (وَِإذَا َ‬
‫ختّا ٍر كَفُو ٍر {‪ )}32‬فلما نجاهم إلى البر أي أن كل سياق اليات تفيد النتقال من مكان إلى مكان لذا ناسب ذكر المكان في الية وجاءت‬ ‫ِإلّا كُلّ َ‬
‫بأي أرض تكوت هل في البحر أم في الرض‪.‬‬

‫****تناسب فواتح لقمان مع خواتيمها****‬


‫خرَ ِة هُ ْم يُو ِقنُونَ (‬ ‫هذه الية الخيرة تكون لها ارتباطات بأوائل السورة (إِنّ اللّ َه عِندَ ُه عِلْمُ السّاعَةِ) مرتبطة بقوله تعالى في أوائل السورة (وَهُم بِالْآ ِ‬
‫ن (‪( ))6‬فَبَشّرْ ُه ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‪ ))7‬هذا في الخرة‪َ ( .‬ويُنَزّلُ ا ْل َغيْثَ) مرتبطة في أوائل السورة (وَأَنزَ ْلنَا‬ ‫ب ّمهِي ٌ‬ ‫عذَا ٌ‬‫‪ ))4‬الخرة هي الساعة (أُوَل ِئكَ َلهُ ْم َ‬
‫غدًا) مرتبطة‬ ‫ب َ‬ ‫س مّاذَا َتكْسِ ُ‬ ‫ل دَابّ ٍة (‪( ،))10‬ومَا َتدْرِي نَ ْف ٌ‬ ‫ث فِيهَا مِن كُ ّ‬ ‫سمَاء مَاء (‪َ ( ،))10‬و َيعْلَ ُم مَا فِي ا ْلأَ ْرحَامِ) مرتبطة بأوائل السورة ( َوبَ ّ‬ ‫مِنَ ال ّ‬
‫خذَهَا هُزُوًا (‪ ))6‬الذي يشتري ماذا يريد؟ يريد أن يكسب‪ ،‬إذن‬ ‫علْمٍ َو َيتّ ِ‬
‫سبِيلِ اللّ ِه ِب َغيْرِ ِ‬
‫ل عَن َ‬ ‫حدِيثِ ِليُضِ ّ‬ ‫شتَرِي َلهْوَ الْ َ‬ ‫س مَن يَ ْ‬ ‫بقوله تعالى ( َومِنَ النّا ِ‬
‫ع َمدٍ تَرَ ْو َنهَا َوأَلْقَى فِي‬
‫ت ِبغَيْ ِر َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫ق ال ّ‬
‫خبِيرٌ) مرتبط بقوله (خَلَ َ‬ ‫ب ّمهِينٌ) هذا سيكسبه‪( ،‬إِنّ اللّ َه عَلِيمٌ َ‬ ‫عذَا ٌ‬‫ل يعلم ماذا يكسب غدا ثم (أُوَل ِئكَ َلهُ ْم َ‬
‫ج كَرِي ٍم (‪ ))10‬الذي يفعل هذا أليس هو العليم‬ ‫سمَاء مَاء فَأَن َب ْتنَا فِيهَا مِن كُلّ زَ ْو ٍ‬ ‫ل دَابّةٍ وَأَنزَ ْلنَا مِنَ ال ّ‬
‫ث فِيهَا مِن كُ ّ‬ ‫الْأَ ْرضِ رَوَاسِيَ أَن َتمِيدَ ِبكُمْ َوبَ ّ‬
‫]خـــــــــــــــيرالدين نـــــــــــــــــيل[‬ ‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

‫الخبير؟ بلى‪ ،‬إذن هي مرتبطة وهذا خط عام في القرآن ارتباط خواتيم السور بأوائلها‪ .‬العرب كانت تعي هذا المر ربما لم ينظروا في أوائل‬
‫السور وخواتيمها ولكنهم كانوا يعلمون أكثر مما نعلم في ترتيب اليات في القرآن وإعجازه‪.‬‬
‫*في بناء القصيدة هناك وحدة الموضوع أو وحدة بناء القصيدة فهل هذا موجود في القرآن؟‬
‫هناك رسالة دكتوراه "وحدة السورة في القرآن الكريم" إذن هنالك ترابط بين سور القرآن في موضوعاتها‪.‬‬

‫*****تناسب خواتيم لقمان مع فواتح السجدة*****‬


‫ض َتمُوتُ‬ ‫س بَِأيّ أَرْ ٍ‬ ‫غدًا َومَا َتدْرِي نَفْ ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫س مَاذَا َتكْسِ ُ‬ ‫عنْدَ ُه عِ ْلمُ السّاعَةِ َويُنَزّلُ ا ْل َغيْثَ َو َيعْلَ ُم مَا فِي ا ْلأَ ْرحَامِ َومَا تَدْرِي نَفْ ٌ‬ ‫قال في آخر لقمان (إِنّ اللّ َه ِ‬
‫شيْئًا إِنّ َوعْدَ‬ ‫خشَوْا يَ ْومًا لَا َيجْزِي وَاِلدٌ عَنْ وََلدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُ َو جَازٍ عَنْ وَاِلدِهِ َ‬ ‫س اتّقُوا َرّبكُمْ وَا ْ‬‫خبِي ٌر (‪ ))34‬وذكر قبلها (يَا َأّيهَا النّا ُ‬ ‫ن اللّ َه عَلِيمٌ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫حيَا ُة الدّ ْنيَا وَلَا يَغُ ّرّنكُ ْم بِاللّهِ ا ْلغَرُو ُر (‪ ))33‬هذا عن الساعة‪ ،‬يتحدث عن يوم القيامة‪ ،‬وفي بداية السجدة قال ( َوقَالُوا َأ ِئذَا ضَلَ ْلنَا‬ ‫ق فَلَا َتغُ ّرنّكُ ُم الْ َ‬
‫اللّهِ حَ ّ‬
‫ج ْعنَا‬ ‫س ِم ْعنَا فَارْ ِ‬‫ص ْرنَا وَ َ‬‫ع ْندَ َرّبهِمْ َرّبنَا َأبْ َ‬
‫سهِ ْم ِ‬
‫ج ِرمُونَ نَا ِكسُو رُءُو ِ‬ ‫ل ُه ْم بِلِقَاءِ َرّبهِ ْم كَافِرُونَ (‪( ))10‬وَلَ ْو تَرَى ِإذِ ا ْلمُ ْ‬ ‫جدِيدٍ بَ ْ‬
‫فِي الَْأرْضِ َأ ِئنّا لَفِي خَ ْلقٍ َ‬
‫ع ْندَ َرّبهِمْ) ذكر مشهدا من‬ ‫سهِ ْم ِ‬
‫ج ِرمُونَ نَا ِكسُو رُءُو ِ‬ ‫جزِي وَاِلدٌ عَنْ وََلدِهِ) (وَلَ ْو تَرَى ِإذِ ا ْلمُ ْ‬ ‫خشَوْا يَ ْومًا لَا يَ ْ‬‫َن ْعمَلْ صَالِحًا ِإنّا مُو ِقنُونَ (‪( ،))12‬وَا ْ‬
‫ق فَلَا‬ ‫عدَ اللّهِ حَ ّ‬ ‫ش ْيئًا إِنّ وَ ْ‬
‫مشاهد الساعة وهناك ذكر تحذيرا وهنا ذكر مشهدا‪( ،‬وَاخْشَوْا يَ ْومًا لَا يَجْزِي وَاِل ٌد عَنْ َوَلدِهِ َولَا مَوْلُو ٌد هُوَ جَا ٍز عَنْ وَاِلدِهِ َ‬
‫ج ْعنَا َن ْعمَلْ‬‫س ِمعْنَا فَارْ ِ‬
‫ع ْندَ َرّبهِمْ َرّبنَا َأبْصَ ْرنَا َو َ‬
‫سهِ ْم ِ‬
‫ن نَاكِسُو ُرءُو ِ‬ ‫حيَا ُة ال ّدنْيَا َولَا َيغُ ّرّنكُ ْم بِاللّهِ ا ْلغَرُو ُر (‪( - ))33‬وَلَ ْو تَرَى ِإذِ ا ْل ُمجْ ِرمُو َ‬ ‫َتغُ ّرّنكُمُ الْ َ‬
‫ن كُلّ‬ ‫ع ْندَ ُه عِلْمُ السّاعَةِ َو ُينَزّلُ ا ْل َغيْثَ َو َيعْلَ ُم مَا فِي الَْأرْحَا ِم (‪( ))34‬اّلذِي َأحْسَ َ‬ ‫ن (‪ ))12‬مشهد من مشاهد الساعة‪ .‬قال (إِنّ اللّ َه ِ‬ ‫صَاِلحًا ِإنّا مُو ِقنُو َ‬
‫ن (‪ ))8‬هذه في الرحام‪ ،‬هناك قال ويعلم ما في الرحام وهنا ذكر‬ ‫ن مَا ٍء َمهِي ٍ‬‫ل نَسْلَ ُه مِنْ سُلَالَةٍ مِ ْ‬‫جعَ َ‬ ‫ن مِنْ طِينٍ (‪ )7‬ثُ ّم َ‬ ‫شَيْ ٍء خَلَقَ ُه َوبَدَأَ خَ ْلقَ الِْإنْسَا ِ‬
‫ض َتمُوتُ) وقال في السجدة (قُلْ‬ ‫س بَِأيّ أَرْ ٍ‬ ‫لنا الخلق في الرحام فذكر لنا في سورة السجدة ما في الرحام وفصّل‪ .‬وقال في لقمان ( َومَا تَدْرِي نَفْ ٌ‬
‫جعُونَ (‪ ))11‬هذه مرتبطة كل الرتباط‪.‬‬ ‫ل ِبكُمْ ُثمّ إِلَى َرّبكُ ْم تُ ْر َ‬
‫َيتَ َوفّاكُ ْم مََلكُ ا ْلمَ ْوتِ اّلذِي ُوكّ َ‬

‫‪‬‬
‫تم بحمد ال وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة لقمان كما تفضل بها الدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما‬
‫ال علما ونفع بهما السلم والمسلمين والدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الخت الفاضلة سمر الرناؤوط فى موقعها إسلميات جزاهم ال‬
‫ل فمن ال وما كان من خطأٍ أوسه ٍو فمن نفسى ومن الشيطان‪.‬‬ ‫عنا خير الجزاء ‪ ..‬فما كان من فض ٍ‬
‫أسأل ال تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى‬
‫يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعا يوم تقوم الشهاد ول الحمد والمنة‪ .‬وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى ال أن يرزقنا حسن الخاتمة‬
‫ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس العلى‪.‬‬
‫الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء ال وجزى ال كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والخرة‪.‬‬

You might also like