You are on page 1of 4

‫سهرة ليست سعيدة‬

‫نظرات في الحتفالت ب‬

‫***‪ :::‬رأس الســـنة ‪***:::‬‬

‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله خاتم النبيين‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن واله‬
‫إلى يوم الدين‪ .‬أما بعد‪:‬‬

‫ن مــن الـمصائب العظيمة التي حلّت بالمسلمين في هذا‬


‫فاعلم أخي المسلم ـ رحمنا الله جميعا ً ـ أ ّ‬
‫الزمان‪ :‬متابعتهـم غيـر المسـلمين مـن اليهود والنــصـــــارى وغيرهـم مـن أهـل الملل الكافرة وتشبههـم‬
‫بهـم‪ ،‬حتـى تحقّـق فـي غالبنـا قول النـبي‪ « :‬لتتبــعـن سـنن مـن كان قبلكـم حذو القُذة بالقذة‪ ،‬حتـى لو‬
‫حَر ضب لدخلتموه » قيل‪ :‬يا رسول الله اليهود والنصارى؟! قال‪ « :‬فمن؟» ‪ ،‬أي‪ :‬فمن أعني‬
‫ج ْ‬
‫دخلوا ُ‬
‫غير هم!‪ .‬وفـي روايــة‪ « :‬حتى لو أن أحدهم جامع أمه بالطريق لفعلتموه» ‪ ،‬الله أكبر إنها السـنـن‪..‬‬
‫حتـى أصـبحنا ل نميـز اليوم غالبيـة المنتسـبين للسـلم عـن غيرهـم‪ ،‬وانقسـمت هذه الغالبيـة إلى أقسـام‬
‫عديدة‪:‬‬

‫‪ -‬قسم‪ :‬أعرض عن الدين إعراضا ً تاماً‪ ،‬واتبع هواه وكـــان أمره فرطاً؛ فما عاد يعرف من الدين إل‬
‫السـم‪ ،‬ول مـن معالمـه إل الرسـم‪ ،‬إمـا تكـبرا ً واحتقارا ً لهله وموالة لعداء الديـن‪ ،‬وإمـا إعراضا ً عنـه‬
‫وانشغال ً بالدنيــا وتكالبا ً على حطامهــا الـــفـانـي‪ ..‬وهـــــؤلء كـــثـــٌر‪ ،‬وهــم محســوبون على الســلم‬
‫بأسمائهم وأنسابهم‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬

‫‪ -‬وقــسـم ثان‪ :‬وجـد أن نفسـه ل تطيـق الثبات والتمسـك بهذا الديـن الذي كان عليـه القرن الول مـــن‬
‫صــحـابــــة النـبي؛ لن فـي ذلك اللتزام بالوحييـن والعـض على السـنة النبويـة بالنواجـذ‪ ،‬وفيـه مرارة‬
‫قـــول الحــق والصــبر عليــه؛ ولمــا لم يقدروا أن يفعلوا ذلك حاولوا أن يجمعوا بيــن الســلم وغـــيـره‬
‫لــيـخـرجوا لنــا إسـلما ً عصـرياً‪ ،‬ليوافــق بذلك أهواء الذيـن ل يعلمون ويرضيهــم‪ ..‬فذهبوا يلوون أعناق‬
‫اليات والحاديـث ويحملونهـا على غيـر محملهـا‪ ..‬ويتشبهون بأصـحاب الجحيـم مـن الــيـهـــود والنصـارى‬
‫والمجوس في غالب ما يفعلونه من عاداتهم وهيئاتهم ومعايشهم‪ ..‬وهؤلء أيضا ً كثر‪ ،‬ول نشك أنهم من‬
‫ذلك الغثاء الذي ذكره النبي‪ « :‬بل أنتم يومئذ كثير؛ ولكنكم غـثــاء كغثاء السيل»‪ ،‬حتى ولو كان كثير‬
‫منهم يظهر بقالب السلم الظاهري‪ ،‬وربما بمظـهــر الدعوة والحرص على مصلحتها ومصلحة الدين‪،‬‬
‫إل أنهـم يسـتنّون بغيـر سـنة النـبي صـلى الله عليـه وسـلم ‪ ،‬وهديهـم مغايـر لهديـه‪ ..‬وأحسـب أنهـم ليسـوا‬
‫ممن ينتصر الدين بهم‪ ،‬وإن كثروا وامتلت أقطار الدنيا بأمثالهم‪.‬‬

‫‪ -‬وقسم ثالث‪ :‬وهـم الـذيـن هداهم الله إلى الحق وثبت أقدامهم‪ ،‬فلزمـوا كتاب الله ـ عز وجل ـ وما‬
‫تركهم عليه رســــول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق‪ ،‬ل يفارقونه ول يبدلونه حتى‬
‫يلقـــــوه صلى الله عليه وسلم على حوضه‪ ،‬وهؤلء هم أهل الحق والطائفة المنصورة التي قال فيها‬
‫النبي‪ « :‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمــــر الله وهم‬
‫كذلك» ـ ـ جـــعلنا الله منهــم ـ ـ فهــم أهــل الفوز والفلح‪ ،‬وهــم أبعــد الناس مــن التشبــه بالكفار؛ فهــم‬
‫المعتزون بدينهم العظيم؛ لن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين‪.‬‬
‫والــقـسـم الول‪ :‬ــ أعـــاذنــــــا الله منهــم ـ ـ هــم أهــل الخســار والندامــة‪ ،‬وأهــل الذلة والمهانــة‪،‬‬
‫يعيشون بضنــك‪ ،‬ويحشرون عمياً‪ ،‬ومآلهــم إلى ســقر إن لم يبادروا بالتوبــة والنابــة والرجوع إلى الله‬
‫وتجديد اليمان‪.‬‬

‫أمـا القسـم الثانـي‪ :‬فهـم الذيـن أردنـا أن نذكرهـم بهذه الرسـالة‪ ،‬وندعوهـم إلى العودة إلى الله ــ‬
‫تعالى ـ واتباع صراطه الـمـسـتـقـيــم‪ ،‬صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصـالحين وحسـن أولــئـك رفــيـقــــاً‪ ،‬ونحذرهـم مـن اتباع الهواء والتشبـه بغيـر المسـلمين؛ ذلك أن‬
‫أكثر هؤلء إنما يتبعونهم عن جهل وقلة بصيرة وضعف في اليمان‪ ،‬ول يجدون من يدلهم على الحق أو‬
‫يهديهم إلى سبيل الرشاد‪.‬‬

‫ومــن التشبــه بالكفار الذي نحــن فــي صــدده‪ :‬الحـــتـفـــــال بــــرأس الســنة أو مــا يســمونه بـــ‬
‫ن قَالُوا‬ ‫(الكريسماس)‪ :‬ففي هذا اليوم يحتفل النصارى الذين قال الله ـ تعالى ـ عنهم‪{ :‬لَقَد ْ كَفََر الَذِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة}‬‫ث ثَلث َ ٍ‬ ‫ن الل ّ ـ َ‬
‫ه ث َال ِ ـ ُ‬ ‫ن قَالُوا إ ّ ـَ‬
‫م} [المائدة‪ .]17 :‬وقال‪{ :‬لَقَد ْ كَفََر الَذِي َ ـ‬
‫مْري َ ـ َ‬
‫ن َ‬
‫ح اب ْ ـ ُ‬
‫سي ُ‬
‫م ِـ‬ ‫ن الل ّ ـ َ‬
‫ه هُوَ ال َ‬ ‫إ ّ ـَ‬
‫[المائدة‪ .]73 :‬يحتفلون بهذه المناسبة‪ ،‬ويفترون فيه زورا ً وبهتانا ً على المسيح ـ عليه الصلة والسلم‬
‫ــ وهـو منهـم براء؛ حيـث يُحدِثون فـي هذا العيـد مـن الفواحـش والمنكرات مـا ل يمـت بأي صـلة إلى‬
‫شريعة عيسى أو غيره من النبياء ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وتقام السهرات والحفلت المختلطة‬
‫التي يتخللها الرقص والغناء وشرب الخمر في كثير من الحيان‪ ..‬إلى غير ذلك ممـا يحـدث فيها مـن‬
‫المنكـــرات التــي ل يتســـع المقام لعدهـــا‪ .‬وكــل ذلك ـــ بزعمهــم ـــ احتفال بالمســيح وذكرى ميلده‪،‬‬
‫والمسـيح بريـء مـن كـل ذلك بـه ل يقّره ول يرضاه‪ ..‬وناهيـك إشهارهـم لعقائدهـم الباطلة مـن ادعاء‬
‫اللوهيـة لعيسـى ــ عليـه السـلم ــ الذي سـوف يتـبرأ منهـم أمام الخلئق كلهـا يوم القيامـة حيـن يسـأله ــ‬
‫ن الل َّهِ قَا َ‬
‫ل‬ ‫من دُو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي إلَهَي ْ ِ‬‫م َ‬ ‫خذ ُون ِي وَأ ُ ِّ‬ ‫س ات َّ ِ‬‫ت ل ِلنَّا ِ‬ ‫ت قُل ْ َ‬
‫عي سى اب ن مري َ َ‬
‫م أ أن َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫تعالى ـ عن ذلك قائلً‪{ :‬ي َا ِ َ‬
‫َ‬ ‫ن أَقُو َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫سي وَل أعْل َ ُ‬ ‫ما ف ِي نَف ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه تَعْل َ ُ‬ ‫ه فَقَد ْ عَل ِ ْ‬
‫مت َ ُ‬ ‫ت قُلْت ُ ُ‬‫ق ّ إن كُن ُ‬ ‫ح ٍ‬ ‫س ل ِي ب ِ َ‬‫ما لَي ْ َ‬
‫ل َ‬ ‫ن ل ِي أ ْ‬ ‫ما يَكُو ُ‬‫ك َ‬ ‫حان َ َ‬
‫سب ْ َ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه َرب ِّي وََرب َّك ُ ْ‬‫ن اع ْبُدُوا الل ّ َ‬ ‫مْرتَن ِي ب ِهِ أ ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫م إل ّ َ‬ ‫ت لَه ُ ْ‬
‫ما قُل ْ ُ‬‫ب (‪َ )116‬‬ ‫م الغُيُو ِ‬‫ت ع َل ّ ُ‬ ‫ك إن َّ َ‬
‫ك أن َ‬ ‫س َ‬
‫ما ف ِي نَف ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ت ع َلَى ك ُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي ٍء َ‬
‫شهِيدٌ }‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫ب ع َلَيْه ِ ْ‬
‫م وَأن َ‬ ‫ت الَّرقِي َ‬
‫ت أن َ‬ ‫م فَل َ َّ‬
‫ما تَوَفّيْتَن ِي كُن َ‬ ‫ت فِيه ِ ْ‬
‫م ُ‬ ‫شهِيدا ً َّ‬
‫ما د ُ ْ‬ ‫ت ع َلَيْه ِ ْ‬
‫م َ‬ ‫وَكُن ُ‬
‫[المائدة‪.]117-116 :‬‬

‫وهذه الفتراءات الباطلة والعقائد الزائفـة ــ التـي مـا أنزل الله بهـا مـن سـلطان ــ تنفـر منهـا النفوس‬
‫الصحيحة والفطر السليمة وحتى الجمادات كالرض والسماوات والجبال الصم الصلب‪ ،‬قال ـ تعالى ـ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫من ْـ ُ‬‫ن ِ‬ ‫ت يَتَفَط ّْر َـ‬ ‫موَا ُ‬ ‫س َ‬ ‫شيْئا ً إدا ً * تَكَاد ُ ال َّـ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَلَدا ً * لَقَد ْ ِ‬
‫جئْت ُـ ْ‬ ‫م ُـ‬‫ح َ‬ ‫واصـفا ً ذلك الموقـف‪{ :‬وَقَالُوا ات َّ َ‬
‫خذ َ الَّر ْ‬
‫خذ َ ولَدا ً * إن ك ُ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شق ُّـ الَْر ضُـ وَت َ ِ‬
‫ل‬ ‫ن أن يَت َّ ِ َ‬ ‫م ِـ‬
‫ح َ‬‫ما يَنبَغِـي ل ِل َّر ْ‬ ‫ن وَلَدا ً * وَـ َ‬ ‫م ِـ‬
‫ح َ‬ ‫ل هَدا ً * أن دَع َوْا ل ِلَّر ْ‬ ‫جبَا ُ‬‫خُّر ال ِ‬ ‫وَتَن َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مةِ‬ ‫م القِيَا َ‬ ‫م ع َدا * وَكُل ّه ُ ْ‬
‫م آتِي هِ يَو ْ َ‬ ‫م وَعَد َّه ُ ْ‬‫صاهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ع َبْدا ً * لَقَد ْ أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫ض إل ّ آت ِي الَّر ْ‬ ‫ت وَالْر ِ‬ ‫موا ِ‬ ‫من ف ِي ال َّ‬
‫س َ َ‬ ‫َ‬
‫فَْرداً }[مريم‪]95-88:‬‬

‫فالعجـب العجاب مـن جهال زماننـا المنتسـبين للسـلم‪ ،‬الذيـن ذهبوا يتابعون اليهود والنصـارى فـي كـل‬
‫صـغيرة وكـبيرة‪ ،‬حتـى فـي هذه المناسـبات الفاسـدة‪ ..‬ويزعمون بجهلهـم أن التقدم والحضارة يُلتَمسـان‬
‫فـي متاب عة اليهود والنصارى فـي كل شيـء‪ ..‬وما ذلك إل لجهلهـم بدينهـم‪ ،‬مصـدر عزت هم‪ ..‬حتـى سيطر‬
‫عليهـم مرك ّـب النقـص والذلّة‪ ،‬فغدوا إ ّ‬
‫معات‪ ..‬يلهثون وراءهـم ويتابعونهـم كالعميان فـي كـل شيـء‪ ،‬مـع‬
‫العلم أن من أصول ديننا العظيم؛ مخالفة كل من انحرف عن شريعة الله ـ عز وجل ـ في كل ما يقدر‬
‫عليه المسلم من شرائعهم وعاداتهم وأعيادهم‪ ..‬بل وملبسهم وطرق أكلهم وكلمهم وهيئاتهم‪.‬‬
‫وإليكـم قليل ً مـن الدلة الكثيرة على ذلك‪ ..‬لنكون على بينـة وبصـيرة مـن ديننـا العظيـم‬
‫في زمان يعز فيه الناصحون‪:‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}‬
‫مو َـ‬ ‫مرِ فَاتَّبِعْهَـا وَل تَتَّب ِـعْ أهْوَا َء الَذِي َـ‬
‫ن ل يَعْل َ ُ‬ ‫ن ال ْ‬
‫م َـ‬ ‫ك ع َلَى َ‬
‫شرِيعَةٍ ِّ‬ ‫جعَلْنَا َـ‬ ‫‪ -1‬قال الله ــ تعالى ــ‪{ :‬ثُـ َّ‬
‫م َ‬
‫[الجاثية‪ ،]18 :‬يقول شيخ السلم ابن تيمية ـ رحمه الله ـ‪( :‬ثم جعل محمدا ً صلى الله عـلـيــه وسلم‬
‫على شريعة شرعها له‪ ،‬وأمره باتباعها‪ ،‬ونهاه عن اتباع أهواء الذين ل يعلمون‪ ،‬وقد دخل في الذين ل‬
‫يعلمون كل من خالف شريعته)‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن}‬‫مي َ‬ ‫ن الظ ّال ِ ِ‬ ‫ك إذا ً ل ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫ن العِل ْم ِ إن َّ َ‬
‫م َ‬‫ك ِ‬‫جاء َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن بَعْد ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ْواءه ُم ِّ‬ ‫ن اتَّبَع ْ َ‬
‫ت أه َ‬ ‫‪ -2‬قال الله ـ تعالـى ـ‪{ :‬وَلــئ ِــ ِ‬
‫َ‬
‫ن العِل ْ ِ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫جاء َ‬
‫ك ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ت أهْوَاءه ُم بَعْد َ َ‬ ‫[البقرة‪ .]145 :‬ويقـول ـ تعالى ـ عن اليهود والنصارى‪{ :‬وَلَئ ِ ِ‬
‫ن اتَّبَع ْ َ‬
‫َ‬
‫ق} [الرعد‪ .]37:‬يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره هذه الية‪:‬‬ ‫ي وَل وَا ٍ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬
‫مــــن وَل ِ ٍ ّ‬ ‫مـ َ‬ ‫ما ل َ َ‬
‫ك ِ‬ ‫َ‬
‫(وهذا وعيـد لهـل العلم أن يتبعوا سـبل أهـل الضللة بعـد مـا صـاروا إليـه مـن سـلوك السـنة النبويـة‬
‫والمـحـجـــــــة المحمدية ـ على من جاء بها أفضل الصلة والسلم ـ)‪.‬‬

‫ويقول شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬ففيه دللة على أن مخالفتهم مشروعة في الجملة‪.‬‬

‫‪ -3‬قال النبي‪ « :‬من تشبه بقوم فهو منهم » ‪ .‬والحديث فيه وعيد شديد على التشبه بغير المسلمين؛‬
‫فمن تشبه بالتقياء والصالحين فهو منهم‪ ،‬ومن تشبه باليهود والنصارى وغيرهـم مــن الكـفــــار فهـو‬
‫منهـم ـ والعياذ بالله ـ‪ .‬يقـول ابن كثير ـ رحمه الله ـ في شرح هــــذا الحديث‪( :‬ففيه دللة على النهي‬
‫الشديد والتهديد والوعيد على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم ولباسهم وأعيادهم وعبادتهم وغير‬
‫ذلك من أمورهـــم التي لم تشــــرع لنا ول نقر عليها) ‪.‬‬

‫‪ -4‬وقال النـبي‪ « :‬إن لكـل قوم عيداً‪ ،‬وإن عيدنـا هذا اليوم » ‪ ،‬وعندمـا قـــــدم النـبي ‪-‬صـلى الله عليـه‬
‫وسـلم‪ -‬المدينـة ولهـم يومان يلعبون فيهمـا‪ ،‬فقال‪ « :‬مـا هذان اليومان؟» قالوا‪ :‬كنـا نلعـب فيهمـا فـي‬
‫الجاهلية‪ ،‬فقال رسول الله‪ « :‬إن الله قد أبدلكم بهما خيرا ً منهما‪ :‬يوم الضحى‪ ،‬ويوم الفطر » ‪.‬‬

‫‪ -5‬قال شيخ السلم ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ‪( :‬إن العياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك‪،‬‬
‫سكُوهُ } [الحــج‪ ،]67 :‬كالقبلة والصــلة‬ ‫سكا ً هُ ـ ْ‬
‫م نَا ِ ـ‬ ‫جعَلْن َــا َ‬
‫من ْ ـ َ‬ ‫ل أ ُ َّ‬
‫مةٍ َ‬ ‫التــي قال الله ـ ـ ســبحانه ـــ‪{ :‬ل ِك ُ ِّ‬
‫والصـيام‪ ،‬فل فرق بيـن مشاركتهـم فـي العيـد وبيـن مشاركتهـم فـي سـائر المناهـج؛ فإن الموافقـة فـي‬
‫جميـع العيـد‪ ،‬موافقـه فـي الكــفـر‪ ،‬والموافقـة فـي بعـض فروعـه‪ :‬موافقـة فـي بعـض شعـب الكفـر‪ ،‬بـل‬
‫العياد هـي مـن أخـص مـا تــتـمـيـز بــــــه الشرائع‪ ،‬ومـن أظهـر مـا لهـا مـن الشعائر؛ فالموافقـة فيهـا‬
‫موافقـة فـي أخـص شرائع الكفـر‪ ،‬وأظهـر شعائره‪ .‬ول ريـب أن الموافقـة فـي هذا قـد تنتهـي إلى الكفـر‬
‫في الجملة بشروطه) ‪.‬‬

‫وبعـد‪ ..‬فإن الدلة فـي هذه المسـألة كثيرة جدا ً ل يتسـع لهـا هذا المقال‪ ،‬والذي يريـد التفصـيل فليراجـع‬
‫الكتاب القيم لشيخ السلم ابن تيمية‪( :‬اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) وهو كتاب‬
‫عظيم جدير بالقراءة‪.‬‬

‫ومـا ذكرناه مـن الدلة‪ ،‬كفــايـة لطالب الحـق ليعلم الضلل والنحراف الذي عليـه كثيـر مـن الناس فـي‬
‫تشبههم بالكفار وتركهم سنة خير البرية محمد‪.‬‬
‫وختاماً‪ :‬فإن الله قـد أمرنـا بمــخـالـفــة الكفار لحكمـة جليلة وعظيمـة‪ ،‬منهـا‪ :‬كـي ل تدخـل محبـة هؤلء‬
‫إلى قلوب المسلمين؛ فهم أعـــــداء الله وأعداء المسلمين‪ ،‬والتوافق والتشابه في المور يولد التآلف‬
‫والتقارب‪ ،‬ومن ثم الود والحب‪.‬‬

‫د‬
‫ج ُ‬‫وقد نفى الله ـ عز وجل ــ اليمان عمن أ حب أعداءه المنحرفين عن شرعه فقال ـ تعالى ـ‪{ :‬ل ت َ ِ‬
‫خوانَه َ‬ ‫خر يوادُون من حاد َ الل َّه ورسول َه ولَو كَانُوا آباءه ُم أَو أَبنَاءه ُ َ‬ ‫َ‬
‫م أوْ‬ ‫م أوْ إ ْ َ ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ ُ ُ َ ْ‬ ‫ن بِالل ّهِ وَالْيَوْم ِ ال ِ ِ ُ َ ّ َ َ ْ َ ّ‬ ‫قَوْما ً يُؤ ْ ِ‬
‫منُو َ‬
‫م‪[ }..‬المجادلة‪.]22 :‬‬
‫شيَرتَهُ ْ‬
‫عَ ِ‬

‫َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫وهـذا ل ينافي العـدل معهـم وحسـن معاملتهـم ما لم يكونـوا محاربين‪ .‬قال ـ تعالى ـ‪{ :‬ل يَنْهَاك ُ ُ‬
‫َ مإ َ َ‬ ‫خرجوك ُم من ديارك ُ َ‬
‫ب‬‫ح ُّ‬‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫سطُوا إليْه ِ ْ ّ‬ ‫م أن تَبَُّروه ُ ْ‬
‫م وَتُق ْ ِ‬ ‫َِ ِ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ن وَل َ ْ‬
‫م يُ ْ ِ ُ‬ ‫دّي ِ‬ ‫م يُقَاتِلُوك ُ ْ‬
‫م ف ِي ال ِ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫ن الَذِي َ‬
‫عَ ِ‬
‫ن}‪[ .‬الممتحنة‪]8 :‬‬
‫سطِي َ‬
‫مقْ ِ‬
‫ال ُ‬

‫ونسأل الله أن يجعلـنــا ممن يحب من يحبه‪ ،‬ويعادي من يعاديه‪ ،‬ويوالي من يواليه‪ ..‬إنه نعم المولى‬
‫ونعم النصير‪..‬‬

You might also like