Professional Documents
Culture Documents
نظرات في الحتفالت ب
الحمد لله رب العالمين ،والصلة والسلم على رسول الله خاتم النبيين ،وعلى آله وصحبه ومن واله
إلى يوم الدين .أما بعد:
-قسم :أعرض عن الدين إعراضا ً تاماً ،واتبع هواه وكـــان أمره فرطاً؛ فما عاد يعرف من الدين إل
السـم ،ول مـن معالمـه إل الرسـم ،إمـا تكـبرا ً واحتقارا ً لهله وموالة لعداء الديـن ،وإمـا إعراضا ً عنـه
وانشغال ً بالدنيــا وتكالبا ً على حطامهــا الـــفـانـي ..وهـــــؤلء كـــثـــٌر ،وهــم محســوبون على الســلم
بأسمائهم وأنسابهم ،والله المستعان.
-وقــسـم ثان :وجـد أن نفسـه ل تطيـق الثبات والتمسـك بهذا الديـن الذي كان عليـه القرن الول مـــن
صــحـابــــة النـبي؛ لن فـي ذلك اللتزام بالوحييـن والعـض على السـنة النبويـة بالنواجـذ ،وفيـه مرارة
قـــول الحــق والصــبر عليــه؛ ولمــا لم يقدروا أن يفعلوا ذلك حاولوا أن يجمعوا بيــن الســلم وغـــيـره
لــيـخـرجوا لنــا إسـلما ً عصـرياً ،ليوافــق بذلك أهواء الذيـن ل يعلمون ويرضيهــم ..فذهبوا يلوون أعناق
اليات والحاديـث ويحملونهـا على غيـر محملهـا ..ويتشبهون بأصـحاب الجحيـم مـن الــيـهـــود والنصـارى
والمجوس في غالب ما يفعلونه من عاداتهم وهيئاتهم ومعايشهم ..وهؤلء أيضا ً كثر ،ول نشك أنهم من
ذلك الغثاء الذي ذكره النبي « :بل أنتم يومئذ كثير؛ ولكنكم غـثــاء كغثاء السيل» ،حتى ولو كان كثير
منهم يظهر بقالب السلم الظاهري ،وربما بمظـهــر الدعوة والحرص على مصلحتها ومصلحة الدين،
إل أنهـم يسـتنّون بغيـر سـنة النـبي صـلى الله عليـه وسـلم ،وهديهـم مغايـر لهديـه ..وأحسـب أنهـم ليسـوا
ممن ينتصر الدين بهم ،وإن كثروا وامتلت أقطار الدنيا بأمثالهم.
-وقسم ثالث :وهـم الـذيـن هداهم الله إلى الحق وثبت أقدامهم ،فلزمـوا كتاب الله ـ عز وجل ـ وما
تركهم عليه رســــول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق ،ل يفارقونه ول يبدلونه حتى
يلقـــــوه صلى الله عليه وسلم على حوضه ،وهؤلء هم أهل الحق والطائفة المنصورة التي قال فيها
النبي « :ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمــــر الله وهم
كذلك» ـ ـ جـــعلنا الله منهــم ـ ـ فهــم أهــل الفوز والفلح ،وهــم أبعــد الناس مــن التشبــه بالكفار؛ فهــم
المعتزون بدينهم العظيم؛ لن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
والــقـسـم الول :ــ أعـــاذنــــــا الله منهــم ـ ـ هــم أهــل الخســار والندامــة ،وأهــل الذلة والمهانــة،
يعيشون بضنــك ،ويحشرون عمياً ،ومآلهــم إلى ســقر إن لم يبادروا بالتوبــة والنابــة والرجوع إلى الله
وتجديد اليمان.
أمـا القسـم الثانـي :فهـم الذيـن أردنـا أن نذكرهـم بهذه الرسـالة ،وندعوهـم إلى العودة إلى الله ــ
تعالى ـ واتباع صراطه الـمـسـتـقـيــم ،صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصـالحين وحسـن أولــئـك رفــيـقــــاً ،ونحذرهـم مـن اتباع الهواء والتشبـه بغيـر المسـلمين؛ ذلك أن
أكثر هؤلء إنما يتبعونهم عن جهل وقلة بصيرة وضعف في اليمان ،ول يجدون من يدلهم على الحق أو
يهديهم إلى سبيل الرشاد.
ومــن التشبــه بالكفار الذي نحــن فــي صــدده :الحـــتـفـــــال بــــرأس الســنة أو مــا يســمونه بـــ
ن قَالُوا (الكريسماس) :ففي هذا اليوم يحتفل النصارى الذين قال الله ـ تعالى ـ عنهم{ :لَقَد ْ كَفََر الَذِي َ
َ َ
ة}ث ثَلث َ ٍ ن الل ّ ـ َ
ه ث َال ِ ـ ُ ن قَالُوا إ ّ ـَ
م} [المائدة .]17 :وقال{ :لَقَد ْ كَفََر الَذِي َ ـ
مْري َ ـ َ
ن َ
ح اب ْ ـ ُ
سي ُ
م ِـ ن الل ّ ـ َ
ه هُوَ ال َ إ ّ ـَ
[المائدة .]73 :يحتفلون بهذه المناسبة ،ويفترون فيه زورا ً وبهتانا ً على المسيح ـ عليه الصلة والسلم
ــ وهـو منهـم براء؛ حيـث يُحدِثون فـي هذا العيـد مـن الفواحـش والمنكرات مـا ل يمـت بأي صـلة إلى
شريعة عيسى أو غيره من النبياء ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وتقام السهرات والحفلت المختلطة
التي يتخللها الرقص والغناء وشرب الخمر في كثير من الحيان ..إلى غير ذلك ممـا يحـدث فيها مـن
المنكـــرات التــي ل يتســـع المقام لعدهـــا .وكــل ذلك ـــ بزعمهــم ـــ احتفال بالمســيح وذكرى ميلده،
والمسـيح بريـء مـن كـل ذلك بـه ل يقّره ول يرضاه ..وناهيـك إشهارهـم لعقائدهـم الباطلة مـن ادعاء
اللوهيـة لعيسـى ــ عليـه السـلم ــ الذي سـوف يتـبرأ منهـم أمام الخلئق كلهـا يوم القيامـة حيـن يسـأله ــ
ن الل َّهِ قَا َ
ل من دُو ِ ن ِ ي إلَهَي ْ ِم َ خذ ُون ِي وَأ ُ ِّ س ات َّ ِت ل ِلنَّا ِ ت قُل ْ َ
عي سى اب ن مري َ َ
م أ أن َ ْ َ َ ْ َ َ تعالى ـ عن ذلك قائلً{ :ي َا ِ َ
َ ن أَقُو َ َ
م سي وَل أعْل َ ُ ما ف ِي نَف ْ ِ م َ ه تَعْل َ ُ ه فَقَد ْ عَل ِ ْ
مت َ ُ ت قُلْت ُ ُق ّ إن كُن ُ ح ٍ س ل ِي ب ِ َما لَي ْ َ
ل َ ن ل ِي أ ْ ما يَكُو ُك َ حان َ َ
سب ْ َ
ُ
َ َ َ َ َ َ
مه َرب ِّي وََرب َّك ُ ْن اع ْبُدُوا الل ّ َ مْرتَن ِي ب ِهِ أ ِ ما أ َ م إل ّ َ ت لَه ُ ْ
ما قُل ْ ُب (َ )116 م الغُيُو ِت ع َل ّ ُ ك إن َّ َ
ك أن َ س َ
ما ف ِي نَف ْ ِ َ
ت ع َلَى ك ُ ِّ َ َ َ
ي ٍء َ
شهِيدٌ } ل َ
ش ْ ب ع َلَيْه ِ ْ
م وَأن َ ت الَّرقِي َ
ت أن َ م فَل َ َّ
ما تَوَفّيْتَن ِي كُن َ ت فِيه ِ ْ
م ُ شهِيدا ً َّ
ما د ُ ْ ت ع َلَيْه ِ ْ
م َ وَكُن ُ
[المائدة.]117-116 :
وهذه الفتراءات الباطلة والعقائد الزائفـة ــ التـي مـا أنزل الله بهـا مـن سـلطان ــ تنفـر منهـا النفوس
الصحيحة والفطر السليمة وحتى الجمادات كالرض والسماوات والجبال الصم الصلب ،قال ـ تعالى ـ
َ
ه
من ْـ ُن ِ ت يَتَفَط ّْر َـ موَا ُ س َ شيْئا ً إدا ً * تَكَاد ُ ال َّـ م َ ن وَلَدا ً * لَقَد ْ ِ
جئْت ُـ ْ م ُـح َ واصـفا ً ذلك الموقـف{ :وَقَالُوا ات َّ َ
خذ َ الَّر ْ
خذ َ ولَدا ً * إن ك ُ ُّ َ َ شق ُّـ الَْر ضُـ وَت َ ِ
ل ن أن يَت َّ ِ َ م ِـ
ح َما يَنبَغِـي ل ِل َّر ْ ن وَلَدا ً * وَـ َ م ِـ
ح َ ل هَدا ً * أن دَع َوْا ل ِلَّر ْ جبَا ُخُّر ال ِ وَتَن َ
ُ َ َ َ
مةِ م القِيَا َ م ع َدا * وَكُل ّه ُ ْ
م آتِي هِ يَو ْ َ م وَعَد َّه ُ ْصاهُ ْ ح َ ن ع َبْدا ً * لَقَد ْ أ ْ م ِ ح َض إل ّ آت ِي الَّر ْ ت وَالْر ِ موا ِ من ف ِي ال َّ
س َ َ َ
فَْرداً }[مريم]95-88:
فالعجـب العجاب مـن جهال زماننـا المنتسـبين للسـلم ،الذيـن ذهبوا يتابعون اليهود والنصـارى فـي كـل
صـغيرة وكـبيرة ،حتـى فـي هذه المناسـبات الفاسـدة ..ويزعمون بجهلهـم أن التقدم والحضارة يُلتَمسـان
فـي متاب عة اليهود والنصارى فـي كل شيـء ..وما ذلك إل لجهلهـم بدينهـم ،مصـدر عزت هم ..حتـى سيطر
عليهـم مرك ّـب النقـص والذلّة ،فغدوا إ ّ
معات ..يلهثون وراءهـم ويتابعونهـم كالعميان فـي كـل شيـء ،مـع
العلم أن من أصول ديننا العظيم؛ مخالفة كل من انحرف عن شريعة الله ـ عز وجل ـ في كل ما يقدر
عليه المسلم من شرائعهم وعاداتهم وأعيادهم ..بل وملبسهم وطرق أكلهم وكلمهم وهيئاتهم.
وإليكـم قليل ً مـن الدلة الكثيرة على ذلك ..لنكون على بينـة وبصـيرة مـن ديننـا العظيـم
في زمان يعز فيه الناصحون:
َ َ
ن}
مو َـ مرِ فَاتَّبِعْهَـا وَل تَتَّب ِـعْ أهْوَا َء الَذِي َـ
ن ل يَعْل َ ُ ن ال ْ
م َـ ك ع َلَى َ
شرِيعَةٍ ِّ جعَلْنَا َـ -1قال الله ــ تعالى ــ{ :ثُـ َّ
م َ
[الجاثية ،]18 :يقول شيخ السلم ابن تيمية ـ رحمه الله ـ( :ثم جعل محمدا ً صلى الله عـلـيــه وسلم
على شريعة شرعها له ،وأمره باتباعها ،ونهاه عن اتباع أهواء الذين ل يعلمون ،وقد دخل في الذين ل
يعلمون كل من خالف شريعته).
ويقول شيخ السلم ابن تيمية :ففيه دللة على أن مخالفتهم مشروعة في الجملة.
-3قال النبي « :من تشبه بقوم فهو منهم » .والحديث فيه وعيد شديد على التشبه بغير المسلمين؛
فمن تشبه بالتقياء والصالحين فهو منهم ،ومن تشبه باليهود والنصارى وغيرهـم مــن الكـفــــار فهـو
منهـم ـ والعياذ بالله ـ .يقـول ابن كثير ـ رحمه الله ـ في شرح هــــذا الحديث( :ففيه دللة على النهي
الشديد والتهديد والوعيد على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم ولباسهم وأعيادهم وعبادتهم وغير
ذلك من أمورهـــم التي لم تشــــرع لنا ول نقر عليها) .
-4وقال النـبي « :إن لكـل قوم عيداً ،وإن عيدنـا هذا اليوم » ،وعندمـا قـــــدم النـبي -صـلى الله عليـه
وسـلم -المدينـة ولهـم يومان يلعبون فيهمـا ،فقال « :مـا هذان اليومان؟» قالوا :كنـا نلعـب فيهمـا فـي
الجاهلية ،فقال رسول الله « :إن الله قد أبدلكم بهما خيرا ً منهما :يوم الضحى ،ويوم الفطر » .
-5قال شيخ السلم ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ( :إن العياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك،
سكُوهُ } [الحــج ،]67 :كالقبلة والصــلة سكا ً هُ ـ ْ
م نَا ِ ـ جعَلْن َــا َ
من ْ ـ َ ل أ ُ َّ
مةٍ َ التــي قال الله ـ ـ ســبحانه ـــ{ :ل ِك ُ ِّ
والصـيام ،فل فرق بيـن مشاركتهـم فـي العيـد وبيـن مشاركتهـم فـي سـائر المناهـج؛ فإن الموافقـة فـي
جميـع العيـد ،موافقـه فـي الكــفـر ،والموافقـة فـي بعـض فروعـه :موافقـة فـي بعـض شعـب الكفـر ،بـل
العياد هـي مـن أخـص مـا تــتـمـيـز بــــــه الشرائع ،ومـن أظهـر مـا لهـا مـن الشعائر؛ فالموافقـة فيهـا
موافقـة فـي أخـص شرائع الكفـر ،وأظهـر شعائره .ول ريـب أن الموافقـة فـي هذا قـد تنتهـي إلى الكفـر
في الجملة بشروطه) .
وبعـد ..فإن الدلة فـي هذه المسـألة كثيرة جدا ً ل يتسـع لهـا هذا المقال ،والذي يريـد التفصـيل فليراجـع
الكتاب القيم لشيخ السلم ابن تيمية( :اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) وهو كتاب
عظيم جدير بالقراءة.
ومـا ذكرناه مـن الدلة ،كفــايـة لطالب الحـق ليعلم الضلل والنحراف الذي عليـه كثيـر مـن الناس فـي
تشبههم بالكفار وتركهم سنة خير البرية محمد.
وختاماً :فإن الله قـد أمرنـا بمــخـالـفــة الكفار لحكمـة جليلة وعظيمـة ،منهـا :كـي ل تدخـل محبـة هؤلء
إلى قلوب المسلمين؛ فهم أعـــــداء الله وأعداء المسلمين ،والتوافق والتشابه في المور يولد التآلف
والتقارب ،ومن ثم الود والحب.
د
ج ُوقد نفى الله ـ عز وجل ــ اليمان عمن أ حب أعداءه المنحرفين عن شرعه فقال ـ تعالى ـ{ :ل ت َ ِ
خوانَه َ خر يوادُون من حاد َ الل َّه ورسول َه ولَو كَانُوا آباءه ُم أَو أَبنَاءه ُ َ َ
م أوْ م أوْ إ ْ َ ُ ْ
ْ ْ ْ ْ َ َ ََ ُ ُ َ ْ ن بِالل ّهِ وَالْيَوْم ِ ال ِ ِ ُ َ ّ َ َ ْ َ ّ قَوْما ً يُؤ ْ ِ
منُو َ
م[ }..المجادلة.]22 :
شيَرتَهُ ْ
عَ ِ
َ
م الل ّ ُ
ه وهـذا ل ينافي العـدل معهـم وحسـن معاملتهـم ما لم يكونـوا محاربين .قال ـ تعالى ـ{ :ل يَنْهَاك ُ ُ
َ مإ َ َ خرجوك ُم من ديارك ُ َ
بح ُّه يُ ِن الل ّ َسطُوا إليْه ِ ْ ّ م أن تَبَُّروه ُ ْ
م وَتُق ْ ِ َِ ِ ْ ِّ ن وَل َ ْ
م يُ ْ ِ ُ دّي ِ م يُقَاتِلُوك ُ ْ
م ف ِي ال ِ ن لَ ْ
ن الَذِي َ
عَ ِ
ن}[ .الممتحنة]8 :
سطِي َ
مقْ ِ
ال ُ
ونسأل الله أن يجعلـنــا ممن يحب من يحبه ،ويعادي من يعاديه ،ويوالي من يواليه ..إنه نعم المولى
ونعم النصير..