Professional Documents
Culture Documents
ِ ََ ْ ََ َ َ الميثاق: العهد الذي أخذه اهلل على آدم وذريته يوم استخرجهم من ظهره مثل الذر، ثم استنطقهم فقال: ((أَلَست بِربِّكم ْ َ ْ قَالوا بَلَى)) جاءت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة بإثبات الميثاق الذي أخذه اهلل تعالى من آدم وذريته، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا، وهي تدل على تقدير اهلل تعالى السابق للعباد وأعمالهم، وعلى تمييز أهل السعادة من أهل الشقاوة، وأهل الجنة من أهل النار، وتدل كذلك على إخراج ذرية آدم من ظهره وإشهادهم وأخذ الميثاق عليهم بأن ال يعبدوا إال اهلل تعالى. والحديث ثابت، وفيه أن اهلل عز وجل أخذ الميثاق من بني آدم من ظهره في أول الخلق وأنطقهم وأشهدهم على أنفسهم وشهدوا، وأن هذا الميثاق بقيت معالمه في الفطرة والعقل السليم وفي اتباع الوحي وفي دالئل خلق اهلل عز وجل. وعلى هذا فالميثاق على نوعين: ميثاق فعلي أخذه اهلل عز وجل باالستنطاق، وهو الميثاق األول الذي ورد في الحديث الذي سيأتي. ثم الميثاق اآلخر، وهو امتداد لألول وأثر لمكانه، ويكون بإقامة دالئل الفطرة ودالئل العقل ودالئل الخلق الدالة على اهلل عز وجل، وبدالئل الوحي، وبالحجة، وبالرسل، وبالكتب المنزلة، وبالبراهين الشرعية والكونية. ِ ِ ِ قال تعالى: {وإِذ أَخذ ربُّك من بَنِي آدم من ظهورهم ذريَّتَ هم وأَشهدهم علَى أَنفسهم أَلَست بِربِّكم قَالوا بَلَى شهدنَا أَن َِ ْ ْ ِ ِ ْ ِّ ْ َ ْ َ َ ْ َ ََ ْ َ ْ ََ َ َ ْ ِْ ْ َ ْ َ َ ِ ِ ِ تَقولوا يَوم الْقيَامة إِنَّا كنَّا عن هذا غَافِلين} يخبر سبحانه أنه استخرج ذرية بني آدم من أصالبهم شاهدين على أنفسهم أن ْ َ َْ َ َ اهلل ربهم ومليكهم، وأنه ال إله إال هو]. والنظر هنا في مسألتين: مسألة أخذ الميثاق، ومسألة أخذ الذرية من ظهر آدم وتمييز أهل الجنة أهل الهداية عن أهل النار أهل الضاللة. وهذه مسألة مستقلة وردت في نصوص كثيرة، وهي ثابتة قطعاً، وال خالف في نوعها وال كيفيتها؛ ألنها أمر غيبي، فتثبت النوع اآلخر الذي ورد في هذه النصوص هو أخذ الذرية من ظهر آدم ثم إشهادهم على أنفسهم، وهذه مسألة أخرى وهي المسماة بالميثاق. والنصوص اختلط فيها هذا بذاك. وليس اإلشكال على النوع األول؛ ألن هذا ثابت بنصوص كثيرة، إنما اإلشكال على الميثاق ما هو؟ وما كيفيته؟ وما المقصود به؟ والصحيح الذي يترجح أن أخذ الميثاق يشمل النوعين: يشمل أخذ الميثاق الفعلي باإلشهاد واالستنطاق في على هذا النحو كما جاءت بال تأول.
أول الخلق، ويشمل أخذ الميثاق ببقاء معالم هذا الميثاق في الفطرة السليمة والعقل السليم والبراهين على وجود اهلل عز وجل وعلى ربوبيته وإلهيته، وإقامة الحجة على الخلق باألدلة الكونية والشرعية. في الصحيحين عن أنس عن النبي - صلى اهلل عليه وسلم -: (إن اهلل يقول ألهون أهل النار عذابا: لو أن لك ما في األرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم، قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن ال تشرك بي، فأبيت إال الشرك). عن ابن عباس رضي اهلل عنهما عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال: (إن اهلل أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السالم بنعمان يعني: عرفة- فأخذ من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبالً، قال: {أَلَست بِربِّكم قَالوا بَلَى شهدنَا} إلىَِ ْ ْ َ ْ قوله: {الْم ْبطلون}). ِ َ هذا الحديث قد صح متصالً مرفوعاً، وقد ورد عن عدة من الصحابة غير ابن عباس بآثار كثيرة عن أعالم المفسرين من الصحابة من التابعين كلُّها تؤيد وتشهد أنه أخذ واستخراج حقيقي وإشهاد حقيقي، فهذا الحديث علق عليه الشيخ ناصر أدلة كثيرة دالة على أن اهلل استخرج ذرية آدم من صلبه، وميز بين أهل النار وأهل الجنة. ومن هنا قال من قال: إن األرواح مخلوقة قبل األجساد. وهذه اآلثار ال تدل على سبق األرواح األجساد سبقاً مستقراً ثابتاً، مسألة الحديث عن سبق األرواح أو األجساد مسألة غيبية، ال سيما فيما يتعلق باألصل، أما ما يتعلق بأطوار الخلق فالنصوص صريحة وواضحة في أن اهلل عز وجل خلق هذه مسألة غيبية ال داعي للخوض فيها والكالم فيها، إنما هي من الكالم في الغيب وقول على اهلل بغير علم. األجساد ثم نفخ فيها األرواح، بمعنى: أن آدم خلق اهلل جسده أوالً كما ورد في النص الصحيح، ثم نفخ اهلل فيه الروح. ما تدل عليه األحاديث المروية في أخذ ذرية آدم من ظهره هذه النصوص تدل على نوعين: النوع األول: تمييز الذرية بعد أخذهم من ظهر آدم، أي: تمييز المهتدين عن الضالين وأهل الجنة عن أهل النار. والنوع الثاني: اإلشهاد والميثاق. فرق بين ظاهر اآلية لو جردت عن الحديث وبين ما ورد في األحاديث من تفسير يمكن أن تفسر به اآلية، فليس في اآلية ما يدل على نوع اإلشهاد، لكن األحاديث مفسرة. في الحقيقة أن ما يظهر من اإلشكال جاء من جانب واحد، وإال فال مجال للخالف لوال هذا اإلشكال، وهو أن اآلية جاء ِ ِ ِ ع بني آدم. فيها ذكر أخذ الذرية من ظهور بني آدم، حيث قال تعالى: {من بَنِي آدم من ظهورهم}، يعني: من مجمو ََ ْ ْ ِ ْ وفي الحديث أن األخذ من آدم نفسه. ويمكن الجمع بأن المقصود إخراج الذرية من آدم ثم يخرج بعضها من بعض في نفس الوقت، ولعل ذلك من لوازم إخراج الذرية من آدم فيما يظهر، فيحمل الحديث على اآلية واآلية على الحديث. فاآلية تشير إلى أن اهلل عز وجل أخذ الذرية من بني آدم، والحديث يشير إلى أن اهلل أخذ الذرية من ظهر آدم نفسه، فلو وقَال: صحيح بطرقه وشواهده. َ
قلنا: إن من لوازم أخذ الذرية من ظهر آدم أن تؤخذ الذرية من ظهور بعضهم ثم يجمع بين النصين لكان هذا أولى، وقد أشار إليه بعض أهل العلم. ويحمل الميثاق على النوعين: ميثاق فعلي حصل به االستنطاق وأنطق اهلل به البشر، وأن اهلل كلمهم قبالً كما ورد في الحديث ثم شهدوا. والنوع الثاني: الذي بقي في حياة الناس بعد هذا المشهد، وهو دالئل توحيد اهلل عز وجل وبراهين وجوده، فهذا أثر من آثار الميثاق باق إلى يوم القيامة. وما المانع أن يستخرجهم عز وجل ثم يخاطبهم، وبعد أن يخاطبهم يجعل من يشاء منهم في الجنة ومن يشاء في النار، َ َّ َ َ َّ َّ ِ ِ ويقول: (خلقت هؤالء للجنة وال أبالي، وخلقت هؤالء للنار وال أبالي) ال مانع من ذلك وال تعارض بين الحديثين. َ َ وأقوى ما يشهد لصحة القول األول: حديث أنس المخرج في الصحيحين الذي فيه: (قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن ال تشرك بي شيئاً فأبيت إال أن تشرك بي)، المقصود بالقول األول القول بأن اإلشهاد إشهاد فعلي، بمعنى االستنطاق، وأن اهلل عز وجل كلم هذه الذرية قبالً، وأنهم قالوا: شهدنا. هذا هو القول األول، وهذا الذي تدل عليه ظواهر النصوص.
تزول إذا أخذنا بهذا الجمع، أي: بالجمع بين النصوص على هذا النحو، بأن يكون الميثاق ميثاقان: ميثاق أول، ثم بقي
والقول الثاني في نظري صحيح، وتدل عليه أيضاً نصوص أخرى، فال تنافي بين القولين، فاإلشارة إلى التعجب تنتهي أو أثره في فطر الخلق وفي دالئل وبراهين خلق اهلل عز وجل في الكون واألنفس وفي الشرع.
اختلف الناس في معنى اإلشهاد الذي ذكره اهلل في كتابه عن آدم وذريته، فقيل بأنه إشهاد حقيقي تم ووقع استنطاقاً، وهذا هو الذي دلت عليه النصوص، وهو الصحيح، وهو قول جمهور السلف وأهل الحديث، وقيل بأنه لم يحدث فعلياً، بل المقصود به دالئل الفطرة التي أقام اهلل بها الحجة على عباده، وهذا قول ضعيف، وهو ما اختاره شارح الطحاوية رحمه
اهلل.
القول األول: هو القول بأن اإلشهاد تم فعالً على الصورة التي وردت في الحديث، وهو أن اهلل عز وجل أخرج بني آدم من ظهره، وأشهدهم إشهاداً فعلياً على كيفية ال يعلمها إال اهلل عز وجل؛ ألنها غيبية، وأنهم نطقوا وشهدوا على أنفسهم، وأن هذا مشهد واقعي فعلي صح في الخبر عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم. خالصة القولين الواردين في معنى اإلشهاد
وبعض أصحاب هذا ا لقول قالوا: إن هذا الحديث مفسر لآلية، فاآلية مجملة وهذا مبين، وال شك في أن اإلجمال يرد إلى التفصيل، أما القول الثاني الذي انتصر له الشيخ ابن أبي العز فهو القول بأن اإلشهاد لم يحدث بصورة مشهد فعلي، إنما كان تعبيراً عن دالئل الفطرة، والمجمل يرد إلى المفصل.
اإلنسان، وآيات اهلل المنظورة، والوحي، وداللة الفطرة والعقل السليم، ونحو ذلك من البراهين العلمية والعملية التي تقوم بها الحجة، فهذا بمثابة اإلشهاد.وهذا فيه تكلف .قال رحمه اهلل : وقَد علِم اللَّه تَعالَى فِيما لَم يَزل عدد من يَدخل الْجنَّةَ وعدد من يَدخل النَّار جملَةً واحدةً َ َ ََ َ َ ْ ْ َ ْ َْ ََ َ َ ْ ْ َ ْ َ َِ َ َ ْ َ َ
ع بر اهلل بذلك عن دالئل الفطرة، وأن اإلشهاد يتمثل بالبراهين واألدلة التي أقام اهلل بها الحجة على العقالء، وهي خلق الكون، وخلق