Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

ما عُدنا كما نريد
ما عُدنا كما نريد
ما عُدنا كما نريد
Ebook214 pages3 hours

ما عُدنا كما نريد

Rating: 4 out of 5 stars

4/5

()

Read preview

About this ebook

من خلال شخصيات هذا النص الروائي أحاول رسم صورة القرية الساحلية التي تتشابه مع معظم قرى الساحل، وتتقاسم ألعابها وسكناتها وحركاتها، في محاولة لسرد بعض الألعاب الساحلية التي لم تعد تمارس بين أبناء هذا العصر حيث طغت التقنية وأملت الفراغ الذي كان مملوءا بتلك الألعاب القديمة، بل وتغيرت الأخلاق والأساليب المتبعة للتعامل مع البشر.

Languageالعربية
Release dateDec 28, 2015
ما عُدنا كما نريد

Related to ما عُدنا كما نريد

Related ebooks

Reviews for ما عُدنا كما نريد

Rating: 4 out of 5 stars
4/5

2 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    ما عُدنا كما نريد - Suleiman AL-Mujaini

    سليمان المجيني

    ما عُدنا كما نريد

    رواية

    الإهداء

    إلى أطلال بيتنا على ساحل سورهيّان بولاية السويق

    بدايتنا

    نص نتطرق من خلاله إلى حقبة زمنية قديمة بعض الشيء، أدواتها لم تعد مستخدمة ورموزها غائبة، ألعابها اندثرت في أغلب الأحوال، محاولتي هي إحياء بعض ما علق في الذاكرة من ألعاب وطريقة حياة، أحاول فيها سبر غور تلك الحياة بحلوها ومرها، بالموت والحياة، بالخوف والأمن.

    وبما يحدث الآن من انتزاع الحياة، بكل تفاصيلها، من بين أعين وأيدي الناس، بل ومن بين أضلاعها وتاريخها الإنساني الغني بالذكريات الموغلة في القدم، والعزيزة على الأنفس.

    من خلال شخصيات هذا النص أحاول رسم صورة القرية الساحلية التي تتشابه مع معظم قرى الساحل، وتتقاسم ألعابها وسكناتها وحركاتها، في محاولة لسرد بعض الألعاب الساحلية التي لم تعد تمارس بين أبناء هذا العصر حيث طغت التقنية وأملت الفراغ الذي كان مملوءا بتلك الألعاب القديمة، بل وتغيرت الأخلاق والأساليب المتبعة للتعامل مع البشر، تبدو الصورة جلية لاندثار كل تلك الألعاب.

    هي محاولة أدبية تنبع من اهتمام شخصي بإحياءالتراث، أو على الأقل تعريف أفراد هذا الجيل بموروث تناغمي اجتماعي جدير بالحفظ، فليس مهما في نظري انتمائه لجنس أدبي معين (رواية، مذكرات، سيرة...)، بقدر ما يمثل توثيق لبعض الألعاب التي ذهبت ضمن التراث، عل وعسى أن يأتي جيل آخر يهتم بها ويحييها في عصر معين لا نعرفه.

    أتمنى من كل قلبي أن ينشر هذا النص الأخلاق الرفيعة والتعاضد بين أبناء المجتمع الواحد وبين أبناء الأمة، فبدون التعاون والتعاضد سوف تموت الألعاب الجماعية، وسوف تندثر الأخلاق، وبموت الاثنين، سوف لن نجد من يشاهدنا بعين الحب.

    المؤلف

    إضاءة أولى

    تعددت الأسباب والهدم واحد

    هو يوم من أيام الله التي يعيشها الآدمي على هذه البسيطة، سرعان ما تمضي السنون مخلفة وراءها ذكريات جميلة على النفس، وذكريات أخرى محزنة، ليس مهما شكل ومضمون الذكريات بقدر اللحظة التي يستذكر الإنسان فيها عزيزاً له أو مكاناً فقده لسبب ما، حينها لا يستحضر المكان فقط بل حتى مكوناته، وأدواته، أمسياته ونهاراته، حياة الناس وشخوصها، أمنياتهم وطموحاتهم، نزعة الناس الإيجابية وطيبتهم، سجيتهم وشغفهم، بساطة تعاملهم ووجوههم المملوءة رضى وقناعة، تعاونهم وبكاءهم لأخيهم الإنسان في الشدائد..

    بيوت السعف الغارقة في الفقر، كانت تصنع على مبدأ الأمانة والخوف من الله، فكانت تحمي الناس من الأمطار والرياح، لم تكن تسقط على رؤوس أصحابها رغم هشاشتها وليونتها، وطواعيتها، إنها بيوت العز، تفاصيل كثيرة في أرجاء الرحابة فكما هي فسيحة في مساحاتها فسيحة أيضا بقلوب من تضم، مفردات فقدت وراح حديثها، وذكريات طمرت تحت ركامها، عرفنا الكندل والركزة والحبل وفقدناها، عرفنا الزور والسمّة والدعن وفقدناها، عرفنا خيمة القصايب وسبلة العرب وفقدناها، عرفنا الحب بكسر الحاء، والخرس والهاندوّة وفقدناها، عرفنا تربية الجار للجار، عين الأهل الأخرى في المجتمع وفقدناها، عرفنا البساطة في الحديث وفي النظرة وفي اللبس وفي النصيحة وفي الحال وفي البيوت وفي المعاملة وفي الاهتمامات وفي التفكير وفي الحب الكبير العميق الذي نزع نزعا من قلوبنا، عرفنا المهور القليلة والبركة الكبيرة في المال والأهل، عرفنا جوانب النور والإشعاعات الصادقة، عرفنا الصدق وصدقنا كل شي، عرفنا ألعابا ممتعة كثيرة ولم نعد نلعبها ويكاد يأكلها النسيان عرفنا لعبة ساري الليل، والتوفة، والمزاريق، ومسابقات السباحة، ولعبة اليِم، والسفينة، والتيلة، والغوص، واليرام، ولعبة جلب التراب من البحر، والولّم، ولعبة سبيت حي وا ميت، والأرتي، والبرمة، واليزيرة ولعبة الخط، والحواليس والصجّيفي، ولعبة المعاكل، والسناسل، وسويرة وبنتها، والغمّوضو وغيرها الكثير، عرفنا ممارسات كنا نتعاطى معها تدل على الإقدام والصبر وتُعمل العقل وتنفذ إلى البصيرة الحية في القلوب فتغلفها الرحمة ويكلؤها التعاون بعيون رؤوم، ونبض ٍدافق، كل شيء يأتي من القلب في الألعاب والممارسات القديمة، عرفنا ممارسة البحث عن القباقيب وصيد الصجرجو، وصيد اليريبي (النوارس)، والبحث عن النقود المعدنية، والطيارة، والمواتر، والبحث عن الدوك وأم عوينة والكلّوب، وعرفنا البرمة، والمحايب، واللقاط، والمنيور والقرقعانة والنشّاب، والسيكل، والشيرة (الشجرة)، والتخروفة، والمدحي، وغيرها الكثير.

    بيوت الساحل مازالت هي بيوت الساحل لكن تغير نمطها وتغير سكانها وتغير طبعها وأخلاقها، تغير كل شي، وبحر عُمان لم يتغير فهو الشاهد على وجودهم وعلى أصالتهم وعلى حبهم الكبير لمن حولهم، إنهم أبناء الساحل القدماء، الذين يجلون هذه الأرض ويبجلونها، وينحتون عليها أجسادهم، ويشْتَمّون رائحة أنفاس غربتهم في دهاليزها الواسعة من غربها إلى شرقها، ومن شمالها لجنوبها.

    الحرب تغير وجوه القرى، تؤثر على أنفاس ساكنيها وقدرتهم على التماهي مع الأشياء، تذبل الورود وتؤثر على الأخلاق والتعامل وعلى الطموح، الحرب قاتلة تقتل كل شي جميل في النفس، يزيد بها التربص من بعضنا بعض، الخوف يبقى سيد الموقف، حينما يزداد الخوف يضيق التفكير وحينما يضيق التقكير يُحَجّم العقل، وحينما يحجّم العقل تطفو الخسائر، تُغلّق سبل الخروج، سوف تسد الطرق أمامنا للخروج من أي مأزق صغير وسيكون العنف هو الطاغي.

    العنف ليس سمة أهل القرية، هناك حدث كبير أوصل أهل القرية إلى ما هم عليه، أما الجهل فمفتعل، الجهل غير منصف، والجهل خراب ودمار، والغربة هي آخر الضغوط الممكنة كي يجثوا على ركبهم صاغرين، فأهلوهم في رقابهم، ورقابهم في أيدي الجهلة، من الصعب الشعور بالأمان في عالم يموج بالجهل والضياع.

    كان الناس على درجة عالية من الطيبة والتودد والألفة، حينما شعروا ببيوتهم تهدم وأجسادهم تتهاوى، وشعورهم بالأمن يضطرب دون موعد مسبق كانت هناك نيران تأتي من البحر، البحر الذي ضم أرزاقهم وقوت يومهم.. البحر غدر بهم لقنهم درسا لن ينسوه أبدا، رغم حبهم له وعدم قساوتهم عليه، لم يجرحوا مشاعره بأي شيء، كانوا يكتفون برزقهم منه، انقلب البحر عليهم، بارجة انجليزية دمرت كل شي، دمرت الذكريات، دمرت الطيب والود والتعاون والألفة، دمرت كل شي جميل، لم يعوض الأهالي في هذه الحرب بأي شيء سوى العزلة.. العزلة كانت تشع طريقها أمامهم، عزلة دامغة واضحة بيّنة، عزلة من كل شي ودمار محتوم، دمار في الفكر ودمار في البيوت، البيوت السعفية الخفيفة الهادئة، دمار في العقائد الاجتماعية، دمار في العادات والتقاليد، ودمار في الغايات، الحروب تدمر.. الحروب لا تبني ولا تغير للأفضل، لأنها تترك أمهات ثكالى وأرامل ومكلومين.

    حينما يرسم لك القدر طريقك لا يكون بوسعك أن توقفه، إنه القدر المتغلغل في روح هذا الزمان، إنه القدر الذي يحمل الأشياء السيئة في العادة، هرب الناس من المكان والتجأوا لأراض أكثر أمنا، أمنا للروح وأمنا للرزق، هناك من ارتحل مع أهله، وهناك من تغرب عنهم في البلاد البعيدة، لم يعد هناك سكان كثر داخل القرية، خلت البلاد من الناس إما بالموت تحت وطأة الحروب، وإما بالهجرة من المكان إلى حيث المجهول.

    الجهلة هم المسيطرون القادرون على تغيير مصائر الناس، يغيرون على أملاكهم، يسلبون أموالهم أمام ناظريهم، يظلمون، يساومون، يأخذون الحقوق ويسرقون، تشيخوا وانتفخوا، وكبر ريشهم وطاروا إلى حيث لا يعلمون، إلى المجهول في دهاليز الكبر والطاغوت، أصبحوا يتعاطون الكذب كأنه طريقٌ للكر والفر من العدو، ويتبجحون بالنفاق كأنه البلسم الشافي لكل داء، زرعوا الخوف وعدم الاستقرار في كل القرى، وتذيلوا صفحة التاريخ، أقوامٌ وكأنهم من العصر الجاهلي اعتمروا عمائم الخيبة والنكران، تاريخهم نهب وسلب وخسران.

    الألعاب وحدها كانت تؤنس المكان وتؤنس الإنسان، وتغير نمط الحياة من الخوف والرتابة إلى الحركة وإلى القوة والعزيمة، ألعاب أهل الساحل جديرة بالدراسة والتحليل، ففيها العبرة والموعظة، والتفاؤل والعزم والكبرياء، يشوبها التوجس والخوف والمتعة والشدة والفرح والحزن، ولها تقلباتها، لكنها في النهاية ألعاب من هذا التراث العماني الجميل.

    سبب تغير المكان وهدم البيوت سلمي وتطويري هذه المرة، هو سبب جميل لتنمية المكان وتمدينه، القرية بحاجة إلى تمدن وإلى تطوير، لكن الناس سوف تخسر أشياء كثيرة. الحكومة لها مشروعا الكهرباء والمياه، لا شوارع سوف تخسرها ولا صرف صحي ولا حدائق ولا ميادين، الناس هم من يخسرون دائما، سوف يخسرون ذكرياتهم وبيوتهم الآمنة والمشبعة بالحنان والعطف، سوف يخسرون الكثير في استحضار ذكرياتهم العميقة، فهنا نام فلان وهنا ضحك وهنا شرب شاي العصر وهنا اضطجع وهنا وهنا وهنا، سوف تضمحل لديهم الرؤية، لن يشاهدوا البحر الكبير مجددا، وسوف لن يستمتعوا على شاطئه الواسع، البيوت الجديدة خاوية من الذكريات، بائسة كئيبة، جامدة، لا تحولقها العاطفة ولا تدخل لها من باب الذكريات، الذكرى أجمل بالمكان الذي جاءت ونبعت منه وذابت شوقا لأناس بين حناياه، المكان هو الطريق نحو ذكريات لينة مخملية دافئة، ها هو المكان يطوي نفسه، يعاود الرحيل، وهذه المرة سوف يكون البحر غريبا عنهم، بعيدا، ليس هناك ما يحفزهم، سيكون ابتعادا أبديا، عمرا آخر ضائعا لبناء العلاقات وضم الذكريات، الذكرى تلو الذكرى، وسيحاول الناس استحضار الماضي دون زواياه الغائرة في الركام.

    هنا وأثناء هدم البيوت خطرت لي فكرة أحاول من خلالها استعادة بعض ألعاب قرى الساحل معتمدا على التاريخ الحي لأبناء قرية سور هيّان بالخضراء في ولاية السويق، هذه القرية الوادعة على بحر عُمان الكبير، سوف أسرد بعض الذكريات التي تدلل على فضائل عديدة غابت عنا اليوم، هي حكاية ضمن حكايات هذا الزمان، سوف نفتش عن فضائلها بين زوايا ملاعب الأطفال وسوف يكون محور قصتنا سلمان بن يوسف، الذي عاش في هذه القرية بين محب وشغوف بالبحر، بين عاشق ومعشوق به وله، بين أناني وكريم، بين مشاعر متناقضة كتناقض المتضادات في هذه الحياة، كما سوف تسرد شخصيات حكايتنا بعض التقلبات في حياة سلمان وتلك الأحداث التي أثرت على حياة الناس من خوف وغربة وجهل، في كومة الممارسات المتلاحقة والمتواترة على القرية، هناك أحداث ومحطات وقوف سوف تشعل تساؤلات البعض، وسوف ينكسر بعضها على ردهات الزمن، فلا تدوين ولا تمحيص وجهل وغربة وفقر يحيط بكل مكان في ذلك الزمان، وفوق كل هذا فسلمان هو الأكثر موتا ومن ثم يرجع للحياة ليواصل المرح واللعب بين أقرانه، سوف يكون كل ذلك وغيره في سرد نابع من القلب يروي قصة ممارسة الألعاب وكيف تدور حولها الحكايات، وكيف يعيش الناس قبل وأثناء السنوات الأولى في سبعينات القرن الفائت، إنها رواية في حاجة لأن تروى لأجيال لا تعرف غير الكيبورد والآي باد وأخواتهما.

    التخروفه (الحكاية)..

    أسجن نفسي طواعية في عالمي المجنون، البحر عالمي الذي أموت فيه وأحيا، البحر مجالي المغناطيسي الذي يجذبني إليه سلبا وإيجابا، إيجابا وسلبا، البحر مقامي الموسيقي ولحني الشادي، أحب البحر بأمواجه وشاطئه وألعابه، حكايتنا كواحدة من حكايات عديدة ذات بداية ونهاية، وذات بعد سيسيولوجي عميق، حكاياتنا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1