You are on page 1of 3

‫رأيتُ الشمس في عينيك وهي تحتضر‬

‫أروى حسن السيد‪:‬‬


‫يا صديقي‪،‬‬
‫آخر مرة التقينا‪ ،‬سطع نجم في عينيك وتهاوى إلى قعر نفسي‪ ..‬لم تكن‬
‫أنت‪ ،‬ولم أكن أنا ولكن كان الحب‪..‬‬
‫يومها كان صوتك أكثر دفئ ًا وحنواً وكنت أنا أشعر بالبرد‪ ..‬أتذكر؟‬
‫يا صديقة القلب‪..‬‬
‫أذكر ذلك اليوم كما أذكر الشمس التي رأيتها في عينيك حينها تحتضر‪.‬‬
‫وكأنك كنت تعلمين بأنها كانت الخيرة وبأننا لن نكون ما كنا عليه من‬
‫جديد‪..‬‬
‫لماذا التقينا! لماذا افترقنا! لماذا لم نفترق!‬
‫أين أنتِ؟‬
‫يا عزيزي‪،‬‬
‫يومها كذبت عليك وقلت لك بأني لم أعد لك كما ذي قبل‪ .‬وكنت أنت أحمقاً‬
‫وصدقت‪ ..‬يا صغيري الحمق‪ ،‬لقد ظلمت الفراشة وانتحرت‪ ..‬وبدونك هي‬
‫تلشت‪..‬‬
‫من بعدك لم يعد يسعها حقل‪..‬‬
‫من بعد راحتي يديك لم تعد تسعها أرض‪..‬‬
‫يا أميرة الروح‪،‬‬
‫لم أصدقك يومها‪ .‬لكني كذبت على نفسي وادعيت بأنني صدقت‪ .‬أنت كنت‬
‫تعلمين بأنني لم أصدق وكذبت على نفسك أيضاً‪ .‬يا لها من أحجية!‬
‫يومها افترقنا‪ ،‬وأعلم بأن ل أحد منا نظر إلى الخلف‪ .‬كان يجب أن نصدق‬
‫بأن مياه البحر نضبت‪ .‬أتنتهي أمواج البحر؟‬
‫يا رفيق الفؤاد‪،‬‬
‫ل تنتهي ولكنها أحيانا تنام‪ ..‬يجب أحيانا أن تغفو‪ ،‬يجب أحياناً أن‬
‫نهدهدها‪ ،‬لتستمر الحياة‪ .‬صه‪ ،‬ل توقظ البحر‪ ،‬إنه نائم منذ سنين‪ ..‬في‬
‫أي ساعة تنام؟‬

‫يا جميلة‪،‬‬
‫كنت محكوما بقدري‪ .‬أتعرفين كم هو صعب أن ل تقدري إل أن تستسلمي‬
‫لقدرك؟ لم أكن أنا‪ ،‬صدقيني‪ ،‬من أدار لك ظهره ذلك المساء الحزين‬
‫ومضى‪ ..‬لم أكن أنا من سحب كفه من بين راحتيك وصمت‪ ..‬لم أكن أنا‪،‬‬
‫بل كان قدري‪..‬‬
‫لكن ذاك‪ ..‬الذي بكى وهوه يمشي لوحده على الرصيف في ذلك اليوم‪..‬‬
‫كان أنا‪.‬‬
‫أنام عند طلوع كل فجر‪ ..‬وأنت؟‬
‫يا وحيدي‪،‬‬
‫رغم كل ذلك لم أندم وأعلم بأنك لم تندم أنت‪ .‬أنا رضيت بقدرك الذي كنت‬
‫جزئاً منه‪ .‬فقط افتقدك كثيراً ول أعرف إن كنت قد نمت فعلً منذ ثلث‬
‫سنين وستة شهور وأسبوعين وثلثة أيام‪..‬‬
‫أتفتقدني؟‬
‫يا قريبة‪،‬‬
‫ل افتقدك‪..‬‬
‫إذ أحملك بين عيني‪ ،‬أحادثك وأراك وأشم عبيرك وتبتسمين لي‪ .‬فقط‬
‫أفتقد راحتي يديك‪ .‬لكني ل أتمنى أن تكوني معي هنا‪ .‬فلتبقي هناك‪،‬‬
‫لجلي ولجل الذكريات التي تركناها فتيات صغارا تلهو قرب الجدول‪..‬‬
‫يا جراحي‪،‬‬
‫حين أنظر إلى ماء الجدول‪ ،‬أرى صورتك مرتسمة هناك‪ ،‬وحين أحاول‬
‫أن ألمسها بيدي‪ ،‬تهرب القطرات وتتلشى أنت‪ ..‬وفي المرج‪ ،‬أبكي حرقة‬
‫وأنا أمشي لوحدي دون أن تكون إلى جانبي تهمهم بأغنية قديمه ل‬
‫أستسيغها‪ .‬ل أستطيع أن أتخيلك يا جوادي الحر خلف القضبان‪..‬‬
‫أبكي حرقة‪..‬‬
‫يا كحيلة العينين‪،‬‬
‫ل تبكي‪ ..‬ل تبكي‪ ..‬خذي منديلً تمسحين به الندى المنهمر من عينيك‪..‬‬
‫أغمضيهما‪ ..‬سأكون أنا وأنت في المرج نمشي‪ ..‬ل تبكي‪ ..‬جوادك حر‪ ،‬ل‬
‫تفكري به سجيناً في قبو فتجرحي عنفوانه بذلك‪ ،‬اغمضي عينيك‪،‬‬
‫وسترينه طليقا يسابق الريح إليك‪..‬‬
‫يا جوادي‪،‬‬
‫يوم علمت بأنك رحلت لتقاتل من أجل الرض زغردت لكن قلبي بكى‪ ..‬ل‬
‫عليك من دموعي الن‪ ..‬إنني أبكي لكن قلبي يزغرد ‪ ،‬لقد وعى الدرس‬
‫الن‪ ،‬وهو يعلم بأن شريتكي بالحب‪ ،‬كانت دائماً أرضاً من تراب زرعت‬
‫أشجار ليمون لم يذبل زهرها يوماً‪ ..‬قلبي يعلم ذلك الن ول يغار‪..‬‬
‫يا صغيرة‪،‬‬
‫كنت في قلبي وكان الوطن في الروح وكنت أريد أن أرضي كليكما‪..‬‬
‫أأخطأت؟‬
‫يا كبريائي‪،‬‬
‫بل كنت البطل في قلبي وفي روح الوطن‪ .‬جعلتنا نشعر بالكبرياء‪ .‬أهنالك‬
‫شعور يعادله جمال؟ بك أزيد جمالً وتزهو الرض‪ ..‬الرض الرض يا‬
‫نضال‪ ..‬يا ابنها البار‪ ..‬الرض تنتظر عودتك‪..‬‬
‫آه‪ ..‬يا أصيلة‪..‬‬
‫آه‪ ..‬يا نضال‪..‬‬

‫العدد ‪ 1061‬الجمعة ‪ 19‬محرم ‪ 1430‬هـ ‪ 16 -‬يناير ‪2009‬‬

‫‪http://www.alwaqt.com/art.php?aid=147104‬‬

You might also like