‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫‪2014/9/5‬‬
‫ما بعد اإلجازة‪ ،‬الحال‬
‫د‪.‬هتون أجواد الفاسي‬

‫عدت من سفر طويل ألجد الواقع الذي يغادره المرء أو المرأة وال يغادرنا وتجده متجددا ً في أشكا ٍل‬
‫أكثر فجاجة ومفاجأة رغم أننا لم نعد نستطيع المغادرة الكاملة وتالحقنا الواتسآبات والصور‬
‫والتغريدات بدون رحمة‪ ،‬ولكن األمر مختلف عندما تكون بعيدا ً مكانياً‪ ،‬فالوقع أكبر كلما اشتركت‬
‫مع هواء وسماء ذلك الواقع‪.‬‬
‫ال أدري من الذي يعيش خارج الزمن؟ كلما رغبت في أن أخط كلمات حول قوم يعيشون في قارة‬
‫أخرى ويحيون حياة أخرى أشعر أني أتناول موضوعا ً من مجرة أخرى‪.‬‬
‫ففي أسبوع واحد اجتمعت القصص التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬السيدة نورة العتيبي التي تطالب بما نطالب به في كل محفل‪ ،‬حل مشكلة البطالة المتفشية‬
‫بين النساء والتي طالما تناولتها وغيري باألرقام والمقارنات والسياسات المحكمة أو‬
‫المتراخية‪ ،‬ليس للنساء من مفتقدات المؤهالت‪ ،‬وإنما خريجات جامعيات وكثير منهن يحملن‬
‫درجات علمية عالية كنورة العتيبي التي تحمل درجة الدكتوراه ومازالت عاطلة عن العمل‪.‬‬
‫تطالب هذه السيدة بتوظيفها وتوظيف الخريجات القديمات الالتي مضى على تخرجهن ما‬
‫بين السبع وبين العشرين عاما ً وما زلن عاطالت عن العمل‪ .‬وإذ بها تسجن وثالثة من‬
‫رفيقاتها أو توقف لمدة تسعة أيام في جدة دون وجه حق حتى يصدر قرار إطالق سراحها‬
‫بأمر من صاحب السمو الملكي األمير مشعل بن عبدهللا‪ ،‬أمير منطقة مكة المكرمة في ‪2‬‬
‫سبتمبر دون أن يعاقب الموقِف أو السجان‪ ،‬ودون أن تحل مشكلة الفتيات العاطالت‪.‬‬

‫‪ .2‬اعتداء أربعة من رجال هيئة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مقيم بريطاني‬
‫وزوجته السعودية اشتبهوا في عالقتهما وهما يتسوقان في مدينة الرياض يوم ‪ 29‬أغسطس‪،‬‬
‫لألسف كعادة كثير من رجال الهيئة‪ ،‬واشتهار القفزة البهلوانية األولمبية‪ ،‬وفق وصف‬
‫األستاذ عبدهللا العلمي‪ ،‬أو الطرزانية‪ ،‬وفقا ً لوصفي‪ ،‬لرئيس تلك المجموعة عند سوق‬
‫الدانوب‪ ،‬من فوق سيارة الهيئة ليهبط على الزوجين فناله من الزوجة كف أخذ شهرة كبيرة‬
‫على صفحات التويتر‪ ،‬وينتهي األمر بخفارتهما بسيارة مصفحة تابعة للسفارة البريطانية‬
‫وكأننا في أحد أفالم الحرب الباردة‪ .‬ثم اعتذار الهيئة ممثلة في الرئيس العام للهيئات معالي‬
‫الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في شكل بيان إدانة ألعضائها األربعة الذين اعتدوا على المقيم‬
‫البريطاني وزوجته السعودية‪ ،‬مقرة بكافة المخالفات التي قام بها منسوبوها باإلضافة إلى‬
‫مدن خارج مدينة الرياض وتحويلهم إلى‬ ‫ٍ‬ ‫الكذب والتضليل‪ ،‬وأصدرت في حقهم نقالً إلى‬

‫‪1‬‬
‫أعمال إدارية‪ ،‬كما اعتذرت إلى المواطنة وزوجها البريطاني عما بدر تجاههما من‬
‫المذكورين كونهم من منسوبي الجهاز‪ .‬وتعتبر هذه اإلدانة والتحقيق من أول وأسرع‬
‫اإلدانات والتحقيقات في تاريخ الهيئة التي تشكر عليها والتي أثارت عاصفة من ردود‬
‫األفعال حول ارتباط هذه السرعة بالدولة األوروبية وبطئها السلحفائي عندما يتعلق‬
‫بالمواطنين‪ ،‬وحول االعتراف بمخالفة رجال الهيئة غير المسبوق‪ ،‬وحول كيفية التعامل مع‬
‫إدانة األربعة بالكذب والتضليل وتبعاتها على شهادتهم وعلى عدالتهم أو أسلوب عقابهم‪.‬‬
‫وحول ضعف العقاب الذي يقتصر على اإلبعاد إلى مدينة نائية حيث يخلو لهم أمر تكرار‬
‫التجاوز في غياب التصوير والسفارات والتويتر‪ ،‬وبالمقابل حول اعتراض األربعة على‬
‫الهيئة قرار نقلهم وطلبهم الشرع تظلماً‪ ،‬ومنهم من يسقطون قضية مقتل المبتعثة السعودية‬
‫ناهد المانع في بريطانيا دون وضوح الرابط‪ ،‬وآخرون يسردون في قوائم طويلة القضايا‬
‫المختلفة التي أدان فيها المجتمع الهيئة وبرأها القضاء مثل قضايا المطاردات القاتلة في‬
‫اليوم الوطني‪ ،‬بلجرشي‪ ،‬المدينة‪ ،‬تبوك‪ ،‬الرياض (أم فيصل) وغيرها‪ ،‬مطعون عيون حائل‪،‬‬
‫مقتل الحريصي‪-‬الرياض وغيرها‪.‬‬

‫‪ .3‬ثم نجد أن لهيئة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر نشاطات حثيثة لمالحقة أخرى هذه‬
‫المرة‪ ،‬ليس للنساء أو العائالت‪ ،‬وإنما لعباءاتهن‪ ،‬فتضع اشتراطات جديدة لعباءات النساء‬
‫بأمر من أمارة الرياض تعطي لنفسها الحق بإتالف العباءات المخالفة لـ "الضوابط‬
‫الشرعية"‪.‬‬

‫‪ .4‬وتقع حالة اعتداء مستنكرة على ممرضة سعودية في مكة تذكرنا بتراثنا العنصري الذي‬
‫تفجر مواقف نابذة للممارسات التي تفضح فشل التربية الدينية لدينا‪ .‬هاشتاغ‬
‫‪#‬كلنا_جميعة_العتيبي نال شعبية ومتابعة كبيرة تناول خطاب العنصرية خالل األسبوع‬
‫الماضي ودق ناقوس الخطر المحيق بهذه الفئة من فتياتنا بثالث حاالت اعتداء على‬
‫ممرضات خالل ‪ 6‬أشهر‪.‬‬

‫‪ .5‬وتكلل األسبوع بانتهاء شهر من معرض إثراء المعرفة الذي أثرى بيئة الرياض ونهل‬
‫أطفالها وكبارها من معينه شهرا ً يستحق أن يثمن ويثنى عليه كثيرا ً مضمونا ً وشكالً‪ ،‬شكل‬
‫استثناء في صحراء الرياض الجافة‪.‬‬

‫‪ .6‬وعادت الطالبات والطالب‪ ،‬المعلمات والمعلمين إلى الدراسة‪ ،‬ومعها عادت حوادث‬
‫المعلمات وحافالتهن وتفقد معلمتان حياتيهما في أول يوم‪ .‬ومرة أخرى‪ ،‬تبقى أسماؤهن‬
‫مجهولة والمسؤولين مذكورة‪ ،‬رحمهما هللا‪.‬‬

‫‪2‬‬