Professional Documents
Culture Documents
عمر الحزاب السياسية اللبنانية في لبنان من عمر الدولة التي نشأت في
مطلع عشرينيات القرن الماضي .وقد واكبت الحزاب في تكونها وتطورها
الحقبات التي مرت الدولة بها ،بدءا ً بمرحلة النتداب الفرنسي مرورا ً
بالمرحلة الممتدة من الستقلل حتى اندلع الحرب ثم مرحلة ما بعد اتفاق
الطائف وما نتج عنه من تطورات صبغت الحالة اللبنانية الحزبية والسياسية
برمتها وصول ً الى ما نحن فيه اليوم من أزمة سياسية مفتوحة.
الجيل الول من هذه الحزاب أي جيل مرحلة النتداب عكس في اهتماماته
وتوجهاته ومضامينه الفكرية ونظرته الى الوطن والدولة والنسان أجزاء
ومضامين تلك الحقبة من الزمن ،فجاءت الحزاب متنوعة في تنظيمها
وأهدافها ،فمنها من كان أشبه بالكتل السياسية ومنها من اعتنق عقائد
طموحة تجاوزت ليس حدود الدولة الطرية العود فقط بل حدود عدد من دول
المنطقة أيضًا.
وظهر الجيل الثاني في دولة الستقلل وما بعدها وكان أكثر تنوعا ً من الجيل
الول وأفضل تنظيما ً وأوضح تعبيرا ً عن واقع الحال السياسي والجتماعي
واليديولوجي في لبنان وبلدان الجوار العربي .فما من عقيدة قومية أو أممية
وما من تيار سياسي إل وكان له تمثيل حزبي في لبنان.
اما جيل الحرب فتجربة غير مشرفة في تاريخ معظم الحزاب اللبنانية التي
تحولت ميليشيات تمارس القتل على الهوية والترهيب وفرض الخوات،
وبالتأكيد لم يكن امامها مجال لطرح أفكار ومبادئ ومعتقدات فلسفية فأمام
لغة الدم ل مكان للفكر والعقل.وباتت تنظر الى الوطن والدولة في تلك
المرحلة من خلل مصالحها النية الضيقة ،فحلم البعض بمشاريع التقسيم
والبعض الخر بالوحدة العربية وضاع كل شيء على مذبح المصالح الفئوية
الضيقة.
وانتهت الحرب بقرار دولي واقليمي ،فخرجت الحزاب الخاسر الكبر من
انتهاء الحرب فاقدة مصداقيتها وثقة الرأي العام بها وبطروحاتها وشعاراتها.
لقد تناقضت مفاهيم الحزاب وطروحاتها ونظرتها الى الوطن والنسان،
واختلفت باختلف البيئة الجتماعية والتاريخية التي انطلقت خللها .فمنهم من
تأثر بالممية أو بطروحات القومية العربية فاعتبر الوطن محطة لبلوغ هدف
أسمى ،والبعض الخر خاف على المصير في ظل أكثرية من لون واحد،
فطالب بجزء من الوطن يقيم فيه دولته الطائفية ،القلة من هؤلء من نادى
بلبنان وطنا ً نهائيا ً لجميع أبنائه بطوائفهم المتنوعة كافة
إن الخلف في نظرة أي وطن نريد ،أدت الى التجاذب حول السيادة والحدود
وأي سلطة شرعية نريد وكيف تمثلنا ،وبأية معايير؟.
1
والن بعد استكمال مرحلة التحرير واستعادة السيادة ل بد للحزاب اللبنانية
القديمة والجديدة أن تعبر الى مرحلة جديدة تقوم فيها بعملية نقد ذاتي،
تنطلق في مصالحة مع المجتمع فتتحول الى أحزاب ديمقراطية غير
طائفية ...أحزاب تقوم بتنشئة الجيل الجديد على مبادئ انسانية سامية
قوامها حق الختلف والعتراف بالخر المختلف ،والخروج من الذهنية
القطاعية التي تعتبر المحازبين "زلم" ،ولتنطلق في اعتبار النسان قيمة بحد
ذاته ،القيمة الساسية والولى على الرض.
هذا ما يقوم عليه فكرنا السياسي ،وعليه فإننا نعتبر أن لبنان وطن نهائي
كامل ،قائم بحدوده المعترف بها دوليا ،ودائم لبنائه الذين يحملون الجنسية
اللبنانية جميعًا.
لكن يتمّيز هذا الوطن الذي نريد بانتماء عربي خصوصي حضاري ،وقد تميزت
العروبيية اللبنانييية بالنفتيياح علييى معظييم الحضييارات الشييرقية والغربييية ذات
العقييائد الدينييية والتقاليييد المتنوعيية ،فتفيياعلت معهييا تفيياعل ً إنسييانيا ً ثقافي يا ً
واجتماعيا ً واقتصاديا ً واسعًا.
سك لبنان تمسكا ً رسوليا ً عميقا ً بلسانه العربييي ،ودافييع دفيياع المييؤمن وقد تم ّ
الواثق عن اللغة العربية والتراث العربي ،ول حاجة في هذا المجال الى إبييراز
إنجييازاته الظيياهرة أو تقييويم رسيالته القائميية ،الييتي قهييرت أسيياليب التتريييك
والسلجقة والمملوكية أكثر من سبعة قرون ،وهي ل تزال الى اليوم تواجه أي
افتراء يأتي من الشرق او من الغرب لتقويض معالم هذه اللغة وهذا التراث.
يضاف الى ذلييك أن لبنييان كييان أول بلييد فييي آسيييا وأفريقيييا ،حقييق النييدماج
المثييالي بييين مبييدأ الشييورى العربييي الييذي أوصييى بييه السييلم ،والمبييادئ
الديموقراطية الغريقية الجذور التي انتصرت في العالم المسيحي حييتى فييي
صلب النظمة الملكية ،فكان نظامه مزيجا ً من الشيورى والديموقراطيية منييذ
عهد المارة المعنية والشهابية ،ونظام برلميياني ل يجيياريه ،بييالرغم ميين عللييه
وشوائبه العديدة ،أي نظام سياسي آخر في المنطقة.
وانطلقا ً من هذا الواقع الذي تدعمه الحقيقة التاريخييية ،نييرى ان للبنييان دورا ً
تاريخيا ً وسائطيا ً رائدا ً على الصعد الثقافية والعلمية والقتصادية الرائدة كافيية،
وفي مختلف ميادين الدب والفن والفكيير والقييانون ،بييين الحضييارة الوروبييية
لتينية والعالمين العربي والسلمي. الغريقية ال ّ
وفي إطار هييذه الرسييالة ،كييان لبنييان فييي الربعينيييات ميين القييرن الماضييي،
وعضوا ً رئيسيا ً فاعل ً ومؤسسا ً لجامعة الدول العربية وصانعا ً لميثاقهييا ،ونرييده
وة لنشاء البرلمييان العربييي المشييترك ،وتوحيييد دائما ً ان يعمل بكل نشاط وق ّ
سسات الثقافية العربية والمصطلحات اللغوية العربية المشتركة ،وإرساء المؤ ّ
التعاون العربي في مختلف المجالت والميادين.
2
نريد لبنان الكيان السياسي والجغرافي والنظامي والحياتي ،أن يحييرص علييى
هييويته دائمييًا ،ويحييافظ علييى خصوصيييته الوطنييية وعلييى رسييالته النسييانية
ددية المتطورة وحييياته الديموقراطييية العريقيية والحضارية ،وتنوع ثقافاته التع ّ
المتسامحة.
وفي خط مواز لنتمائه العربي المشرقي نرى ضرورة تفعيل دور لبنان
في مجموعة البحر البيض المتوسط الذي ينتمييي اليييه انتميياًء جغرافييًا ،بيئييًا،
تاريخيا ً واقتصاديًا ،كما نراه شريكا ً حقيقي يا ً وفيياعل ً مييع دول جنييوب المتوسييط
السييلمية وامتييداداتها الفريقييية فييي مصيير ودول المغييرب العربييي .وبهييذه
النتميياءات جميعهييا ،نييرى ان الحضييارة اللبنانييية تشييكل عصييارة الحضييارات
المتوسييطية ،وتجعييل منييه ملتقييى الحضييارات ونقطيية التواصييل بييين الشييرق
والغرب.
وبالنظر لطبيعة لبنان الجبلية المترامييية علييى الييوجه البحييري لسيييا الغربييية،
وموقعه الفاصل بين بوادي الشام والعراق والجزيرة العربية من جهة ،وآفيياق
البيض المتوسط القريبة والبعيييدة ميين جهيية ثانييية ،نييراه ذا شخصييية ممي ّييزة
فريدة منذ فجر التاريخ.
وهكذا نييرى لبنييان منييارة وجسيير عبييور ينقييل السييلم والخييير والتفاعييل بييين
الحضارات والديانات المختلفة .هذا هو دورنا ،فلنحافظ عليه.
هذه نظرتنا الى لبنان ونحن من الجيل الجديييد للحييزاب الهادفيية الييى التغيييير
والصلح.
3