Are you sure?
This action might not be possible to undo. Are you sure you want to continue?
) تفكروا في خلق الله ولتتفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره ()(11
هذا الحققديث الشققريف حققدد لنققا المسققموح مققن التفكققر حفاظقا ً علينققا مققن نقققص الدراك
والتقدير .
ً
فبسبب قصور تحقيققق المعرفققة وكققذلك خوفقا علينققا مققن الضققلل كمققا ضققل بعققض فققرق
المسلمين الذين تصوروا لله عز وجل الجسم والطراف والعياذ بالله من ذلك والناتج من
التأويل الخاطيء للنصوص القرآنية والتفكر الجامح المهدود العنان .في تفكققر ذات اللقه
وكيفيتها .فيضعون في تصورهم الوهم في كيفية ذات الله سققبحانه الدوات والوسققائل
والشكال بما فيه التجسيم .وسنتناول المسموح على ما بان لنققا فققي التفكققر مققن خلل
سققمنا ذلققك
الحديث الشريف ونترك مانهى عنه الحققديث فققي الفصققل القققادم قق أي إننققا ق ّ
الحديث الشريف الذي تناولناه في مقام التفكر إلى غرضين كانا هدفنا فققي هققذا البحققث
أصل ً كما هو حال أسم البحث .
) لبد أن تعرف أن قولنا )) التفكر في الذات والسققماء والصققفات (( قققد يحمققل الجاهققل
على الظن بأن التفكر فققي ذات اللققه ممنققوع بحسققب الروايققات دون أن يعلققم أن التفكققر
الممنوع هو التفكر في اكتناه الذات وكيفيتها ،حسب ما يستفاد من الحاديث الشريفة ،
وقد يمنع غير المؤهل ،من النظر في بعض المعققارف ذات المققدمات الدقيقققة ،وهقذان
المقامان يتفق بشأنهما الحكماء أيضا ً .إل ّ أن استحالة اكتناه الذات اللهيققة مبرهنققة فققي
كتبهم ومنع التفكر فيها مسلم به عند الجميع (). (12
لقد علمنا المقصود بالمسموح في التفكر كما هي الشارة إلى الممنوع كمققا هققو الحققال
فيما ذكرناه سابقا ً إذا ً فالتفكر في الذات والسماء والصققفات فيققه تحديققد وليققس مطلققق
لكققل مققن أراد أن يتفكقر لن الطلق دون المحقاذير يوقققع فقي الشقبهة والضققلل مقادام
النسان قاصرا ً علققى إدراك مققا ليسققتطيع .فالققذات القدسققية ومققا يتعلققق بهققا مققن تلققك
السماء القدسية والصفات اللهية هي فوق إدراك المخلوق القاصر .وسنأخذ بعققض آراء
العلماء ومقالتهم إحياءً للفكرة وإغناءً للموضوع .
) اعلم إن نسبة أسم ))هو(( إلى اسم ))الله(( كنسبة الوجود إلى المهّية في الممكققن إل
ن مفهوم اسم الله مما له حققدّ حقيقققي
أن الواجب تعالى لمهّية له سوى النّية وقد مّر أ ّ
ده لنقه إّنمقا عرفقت
إل أ ّ
ن العقول قاصرة عن الحاطقة بجميقع المعقاني الداخلقة فقي حق ّ
ده إذا عرفت صور حدود جميع الموجودات .وإذ ليقس فليققس وأمققا إسقم ))هقو((
صورة ح ّ
فل حدّ له ول إشارة إليه ،فيكون أجل مقاما ً وأعلى مرتبة ،ولهققذا يختققص بمداومققة هققذا
الذكر الشريف الكمل الواصلون . (13)(.
الفيلسوف السلمي الكبير صدر المتألهين في هذا المقطع يبين لنا أسم ))هو(( بدللته
مققل
المطلقة وبخصوص الذات القدسية المطلقة ونسب ذلك المقام في مداومة ذكققر الك ّ
الواصققلون فققي تفكيرهققم وسققلوك عبققوديتهم وعبققادتهم .وعنققدما نكمققل مقالققة صققدر
المتألهين نلمس خصوصية هذا السم اللهي العظيم لما له مققن إنفراديققة جامعققة إطلق
المعاني عن التحديد والغاية في طلب العبد عند المناجاة في بعض السماء .
بما يعني إن باقي السماء تدل على دللققة إلهيققة كق ق )) الققرزاق (( و )) العفققو (( فعنققدما
ينادي بها العبد فقد رجا فيها من الله تبارك وتعققالى مققايرجوه لنفسققه فيهققا مققن الققرزق
والعفقو عقن القذنوب ولكقن ))هقو(( جمقع كقل هقذه السقماء وقصقد بقه القذات القدسقية
بمطلقية الدللة والمعنى بما لحدود مطلبية عينية للعبد بققل نققداء العققاجز القاصققر للكققل
المطلق .وعندما يحتار العبد أزاء ذلك في تفكره فققإن لجققوئه لسققم ))هققو(( هققو المعققبر
المنقذ وقد خاطب بكل السماء والصفات القدسية به حتما ً لن قصد الذات تكفققي بققاقي
السماء والصفات .
ن العبد متى ذكر الله بشيء من صفاته ،لم يكن مسققتغرقا ً فققي معرفققة
) والنكتة فيه ( أ ّ
ّ
الله ،لنه إذا قال )) يارحمن (( فحينئذ يتذكر رحمته فيميل طبعققه إلققى طلبهققا ،فيكققون
1
طالبا ً لح ّ
ظه .وكذا إذا قال :ياكريم يامحسن ياغ ّ
فار ياوهاب يامنتقم .وإذا قال :ياملك ،
عه إليهققا
فحينئذ يتذكر ملكه وملكوته ومافيه من أقسام النعم ولطائف القَيم ،فيميل طب ُ
ويطلب شيئا ً منها ،وقس عليه سائر السماء (). (14
الحكمة المتعالية في فلسفة الملصدرا تقتصر لنا السبل في التفكيققر وتعطينققا الققدللت
الكثر إبقاءً للطلب عبر أحساس التوجه الباطني الدقيق إلققى الققذات القدسققية المطلقققة
وفي المقطع التي يعطينا الملصدرا هذا المعنى إختصارا ً لكل المطالب التفكريققة للعبققد
المتوجه إلى الله عز وجل .
َ
) كأنه يقول :حضرُتك أج ّ
ل من أن أمدحك بشيء غيرك ،فل أثني عليققك إل بهويتققك مققن
كبر ،حيث تقول الققروح :إن ّققي قققد
ت ،لّنه يفيد الفخر وال ِ
حيث هي ،ول أخاطبك بلفظ أن َ
ت كالحاضر في حضرة واجب الوجققود ولكن ّققي ل أزيققد علققى قققولي :هققو ،
بلغت مبلغا ً صر ُ
ليكون إقرارا ً بأّنه هو الممدوح لذاته في ذاته ،وإقرارا ً بأن حضققرته أعلققى وأج ق ّ
ل مققن أن
ي
يناسبه حضور المخلوقات ،ولو فققرض عنققد حضققرته حضققور عبق ٍ
د أو ملققك مققّرب أو نققب ّ
وة وجقوده يشقاهد ذاتقه
مر َ
سل ،فحيث يمتنع له الحاطة والكتنققاه بقه تعقالى إذ بققدر قق ّ
تعالى ،وذاته في شدة النورّية فوق ماليتناهى بما ليتناهى ،فما غاب عنه من ذاته أكثر
مة البسيطة عن الكققل ،
مما هو مشهودٌ له .فهو سبحانه غائب بحقيقته التا ّ
بما ليتناهى ّ
مع فرض شهودها إّياه ،فلمققاذا يكققون هققذا الققذكر أشققرف الذكققار ،لحتققوائه علققى هققذه
السرار لكن بشرط التنّبه لها (). (15
ولكن ليمكن لجميع النققاس أيكونققوا علققى مسققتوى واحققد مققن التفكيققر رغققم أن الفطققرة
النسانية فطرة توحيدية تثير معاني الحاجة الى فيض رحمة الخالق وتأكيد حاجة عبوديققة
العبد إلى عبادته .ونحن نستفيد عند الطلع على تلقك المعقاني العاليقة مقن أجقل حصقر
تفكرنا بالسم اللهي الجامع للمعاني القدسية كلها لنه مخصوص الهويققة القدسققية كققي
تتوجه بقوة التفكر نحو الذات بمدلول العجز عن الحاطة بتلك السماء بل جمعهققا بدللققة
معنى ومطلقية الققذات القدسققية بأسققم ))هققو(( بمعنققى )) يققامن لهققو إل هققو (( فيكققون
شفيعنا تفكرنا في ذلك .وهذا ليعني توقفنا عن التفكققر فققي بققاقي السققماء والصققفات
اللهية القدسية والذكر بها .وعين ذلك بما ذكرها لنا الله عز وجل في محكم كتققابه إنهققا
في مطلب واحد أدلنا سققبحانه عليققه وهققدانا إليققه هققو إغنققاء الحققاح حاجققة العبققد المحتققاج
بالضرورة التكوينية والوجودية باطنها وظاهرها في كل شيء للمطلق الخالق لكل شققيء
والمنعم كل شيء على كل شيء ل أحد سواه .بل كققل سققواه ليحتققاج لغيققر سققواه لنققه
))هو(( ل أحد سواه .
عجز العبد وعدمية إستطاعته على السققتغناء عققن سققيده ومققوله فيققض الرحمققة والخلققق
والعطققاء يجعلققه دائمقا ً لجئا ً إليققه فققي كققل تلققك الحاجيققات الساسققية الوجوديققة والعامققة
الضرورية في متطلبات ديمومة ذلك الوجود من خلل الحياة .وكذلك من تلققك الحاجيققات
المقلقة حاجة العبد المقلوق للطمئنان الحقيقي وذلك ليتحقق إل بالجوء إلى الله ذكرا ً
وتفكيرا ً )) إل بذكر الله تطمئن القلوب((.
والتفكر هو عين تلمس وتمعن العبد في طلب أصل حاجياته اللمنتهية ل بغققرض الفتققات
الدنيوي بل في عين قبول التوسل والتوجه والهداية فهي أصققل كقل الحاجيققات ومطلققب
كل الغايات إن كان علمها العبد أم جهلها .ومثلما هذه الحاجيات وإلحاحها ملزمققة للعبققد
كذلك التفكر طالما يوصل العبد إلى كل حاجياته مقن خلل التفكقر والقذكر لكقل السقماء
والصققفات اللهيققة القدسققية بحققدود وإدراك العبققد ومققدى تعلقققه بسققيده ومققوله وكفيلققة
الفطرة بذلك طالما فطر الله تعالى النسان على التوحيد دون تلققوث المحيققط الخققارجي
إن وجد أثره إلى باطن العبد سبيل ً .وتلزم حاجيققات العبققد تفكققره لنهمققا متلزمققان مققن
أجل تحقيق طموح عبودية العبد نحو فيض الرحمة والهداية والطمئنان الحقيقققي الققدائم
عبر مراحل العوالم والخلود .ولهذا نحن لنجد ضرورة لدعوى فرض تأطير التفكققر العققام
في تلك الطر الفلسفية والققتي قققد ليققدركها العققوام علققى مافيهققا مققن معققاني ودللت
دقيقة تصب في اتجاه فهم عالي من التركيز رغم مافيه مققن تشققعب يفيققض علققى سققعة
إدراك العامة من الناس ورغم ما فيه من التنبيه والتوسع .
2
والعلة في ذلك كأننا نعطل أو نلغي عامة التفكر على مافيه من سعة وتققوفر لققدى عامققة
مستويات الناس لنه ليس أبتكارا ً فلسفيا ًَ بل إرتباط فطري .وبما أن الفطرة والوجدان
كفيلن في إيجاد مساحة واسعة لتفكر العبد لفيققض الربوبيققة المطلقققة وعمققق الرتبققاط
وجدانيا ً أجدى من إقحام آراء الخرين .
وتحديد تفكر العبد ليعني في الحكمة إغلق منافققذ إدراكققه بققل إغنققائه بالمعرفققة والدقققة
حتى يكون العبد متنقي في تفكره عارفا ً من خلل التركيز كيف يتفكر ويذكر .
لقد اشرنا هنا إلى الفائدة المعرفية في التركيز الفلسفي الخاص في التفكر في حققدود
جمع تفكر النسان بأتجاه واضح ودقيق نحققو اللققه تبققارك ) تعققالى ( مققع مطلقيققة التفكققر
كمتسع لكل الناس ومن خلل طاقاتهم وإدراكهم ،وليعني هذا الطلق فققي التصققورات
الباطنيققة لتشققمل العشققوائية فتنتققج التحديققد للققذات القدسققية والتجسققيم .بققل مطلقيققة
مايستطيع أن يعققبروا النققاس عققن أرتبققاطهم بالخققالق الواجققد كل ً حسققب إدراكققه وفهمققه
الوجداني .مادام النسان ليس نموذجا ً نمطيقا ً يمكققن إيقققاف قققدراته المتنوعققة بققالملت
والتوجيهات والمعارف المكتسبة وكأنه غير متفاعل وجققدانيا ً وروحي قا ً مققع معققالم الوجققود
اللمحدود .وعليه فالمعرفة غير محدودة أيضا ً ولكن ما يؤثر منها بأتفققاق العقققول يكققون
نافعا ً للجميع .
حدود التفكر :
يقول السيد الخميني في هذا الصدد ) يتضح من مجموع هذه الخبار أن التفكر في ذات ال ممنوع إذا كان ذلك في مرتبة التفكر في كنه
ف هو َهلك (( أو أن الجميع بين الخبار الناهية والمرة
ذات ال وكيفيته ،كما جاء في حديث ))الكافي(( )) :من نظر في ال كي َ
يستدعي منع فريق من الناس الذين لتطيق قلوبهم الستماع إلى البرهان وليس لهم الستعداد للدخول في مثل هذه البحوث والدليل
على مدى الجمع موجود في الخبار نفسها (). (16
فالممنوع ليس حدًا جامدًا ليتسع إدراك النسان في مساحة المسموح من أجل إحياء التفكر ومداومته .وذلك مع مدى فهم الناس
للمقدمات لتفكر عميق .مع ممنوعية التفكر في الكيفية والمتى والين للذات المقدسة .لنه وجود إلهي منزه عن تلك المحدوديات لنه
هلك للعبد كما جاء في حديث الكافي .فأين يبدأ وينتهي التفكر في مساحة المسموح هل في الطر الفلسفية أم في فهم المقدمات وطاقة
إدراك العبد وعيًا ووجدانًا .
) من مراتب التفكر ،التفكر في روائع الصنع واتقانه ودقائق الخلق ،بما يتناسب وقدرة النسان من طاقة للتفكر .ونتيجة هذا التفكر
هي معرفة المبدء الكامل والصانع الحكيم ،وهذا على العكس من )) برهان الصّديقين (( إذ أن مبدأ البرهان في ذاك المقام هو الحق
تعالى عزّ أسمه ،ومنه يحصل العلم بالتجليات والمظاهر واليات ،وأما في هذا المقام فمبدأ البرهان هو )) المخلوقات التي عن
طريقها يتم العلم بالمبدأ والصانع (( .وهذا البرهان يكون للعامة من الناس الذين لحظ لهم من برهان الصّديقين .ولهذا قد ينكر
الكثيرون أن يصبح التفكر في الحق مبدأ العلم به ،وأن يؤدي العلم بالمبدأ إلى العلم بالمخلوق (). (17
هذا من أساسيات مراتب تفكر الفاق والتي تعطي كل دلئل المصنوعات والمخلوقات على وحدانية الخالق الصانع تبارك وتعالى .
وهذه مساحة تفكرية لعامة الناس وكما مر في البحث ذكره هو ماحث عليه الرسل والقرآن الكريم النسان على التفكر في بديع الخلق ،
خلق السماوات وما يشاهد فيها وكذلك الرض وما يشاهد عليها .وهذه المخلوقات تعطينا براهين كاملة على عظمة الواجد الخالق .
والتفكر في النفس كما عبر الذكر الحكيم في الية الكريمة التي ذكرناها سابقًا )) سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم (( ...هو
التفكر فيما خلق ال تعالى النفس من العدم وجعل فيها قوى باطنية متعددة تتمتع من خللها النفس بنعمة الحياة مع الدقة والنسجام
فيما بين تلك القوى وفيما بين النفس والجسم الذي أودعها ال تعالى فيه وعلى سبيل الذكر ل الحصر كل ماهو متعلق بالجسم دقيق
وعجيب ومعجز في نمائه وتمام أجزائه وتناسقه بما يلئم كل حجم وشكل وملمح .وكذلك النفس ودقة حواسها ومشاعرها وشهواتها
بما فيها العقل وما أنتظمت فيه من طاقات إبداعية ووضائف دقيقة وسريعة الستجابة والداء ليعلم حصرها وكيفيتها إلى خالقها
سبحانه .وبالساس صبورة .
هذا النسان جسمًا ونفسًا من الماء المهين وتدرجه في مراحل نمائه الجسمانية الغرائزية من خلل النفس والعقلية الدراكية من خلل
الوعي .كلها آيات تدل وتبرهن تفكرًا على عظمة الخالق الواجد والصانع الحكيم سبحانه .هذا التفكر يغور في أعماق هذه الحقائق
الوجودية ـ الفاقية والنفسية حسب سعة مدارك النسان المتفكر دون حدود أو ممانعات أو خشية بما لينتهي إليه أحد مهما جد
وتمعن فإعجاز وإبداع الخلق المطلق ليلم بمعرفته العاجز المخلوق .ولهذا لينتهي العلم من إيجاد الجديد والمستجد في مجال واحد
من مجالت أي من التفكيرين .
) إن في هذا الكون ،وهذه الحياة التي يحياها النسان ،ظواهر طبيعية مختلفة :ففي السماء نجوم وكواكب ونيازك ،وفي الجو
سحاب ورعد وبرق ومطر .وعلى الرض جبال وأدغال وأنهار وبحار .وفيها الطيور والسباع والحيتان والبشر ،والجميع في حالة
تغير وتبّدل ،ونمو وفناء .ومن بين جميع هذه الموجودات يبُرز النسان كموجود متميز ،ذي قوة عاقلة ُمفكرة ،يعمل ويكدح
ويناضل لجل البقاء ،ويموت ويولد مثله .وعندما يبدأ النسان بوعي ذاته ووجوده .ويجد نفسه واقعًا بين جميع هذه المتغيرات
الكونّية تختلج في باطن نفسه أسئلة تطالبه بإلحاح شديد بالجواب عنها ،بحيث ليمكنه أن يمر عليها بل أكتراث ،وهي :من أين
أتيت ؟ ولماذا أتيت ؟ وإلى أين أذهب ؟ (). (18
هذه السئلة بادئة التفكر لكل إنسان .ومنه بدأت الفكار والفلسفات شاغلة للنسان منذ عصوره الولى مع أن ال سبحانه لم يجعل
ي هادي إلى ال تعالى بادأ بأسرته ومنها إلى أمتداد أنسالهم .مع
النسان منذ خلقه تائهًا دون هداية وتوعيظ فجعل أبو البشرية آدم نب ّ
3
شواهد الوجود وبراهين الحكمة والوحدانية .ولكن النسان ظل عن سبيل الهداية عقب عصوره وأجياله مما أستدعى سيل من النبياء
والرسل فكانت الحجج والمواعظ بما تكفي أمتداد النسان كله .والتفكر من تلك السئلة أنشق بها البعض فأخذوا إتجاهًا فكريًا منحرفًا
لنهم أتخذوها مقدمات فاسدة وانتهوا إلى فلسفة ونتيجة فاسدة بحكم التوالد .وظهرت من ذلك الوجودية والعبث والتحلل الفكر
والخلقي لدى المجتمع المادي الغربي .والبعض الخر كانت تلك السئلة مقدمات صائبة وصالحة فتوصلوا إلى فكر ونتيجة صائبة
ل عقليًا وبرهانًَا بالناتج على وجود ال تعالى ووحدانيته وحكمته ويستدل منها
كان مقومها اليمان واليقين فأصبحت تلك السئلة دلي ً
على أن الخالق الحكيم ليخلق شيء عبث بل تتنزه إرادته وصفاته وأفعاله عن ذلك .فالسؤال من أين أتيت ؟ يكون جوابه يقينًا من
ل على الواجد .والمقتضى الخر أن العدم بالنسبة إلى إدراكنا
عالم الخلق والمشيئة اللهية والتي أوجدتني من العدم وهذا الوجود دلي ً
هو عدمًا ولكن في المشيئة والقدرة اللهية لشيء أسمه عدمًا أو مجهوًل لذات ال تبارك تعالى .ولنقول لعلمه وكأن الشياء خارج
مشيئة َفِعلَمها بل جعل كل شيء خلقه علمًا لنا نستدل به إليه وليس علمًا له سبحانه وهو ليحتاج لعلم الشياء مادام قد أوجد كل شيء
من عدمية الشياء لتكون علمًا لذاتها وبدليل السم القدسي ))العليم(( و ))قد أحاط بكل شيء علمًا(( ل بدليل مقصد طلب العلم وحاجته
والعياذ بال ـ بل أن الشياء جعلها علمًا لخلقه فالحاطة بعدم نسيان شيء والعياذ بال في التقدير والتدبير وجوده وزواله نمائه
وحركته سكونه واضطرابه فكل الخلق حاضرًا في مشيئته وحكمته وتقديره .فهو العليم ببواطن خلقه وحاجاتهم وهذا فوق مقاصد
العلم بالشيء .والذي لعدم أو مستحيل في أرادته محضرًا كل شيء موجود أو غير موجود في مشيئته والذي أمره ))كن فيكون(( .
مما ينفي إستحالة الشياء أو عدميتها في مشيئته .
والسؤال :لماذا أتيت .جوابه عين الثبات لّنعم في الحياة والتي لعدم بعدها وأعيش الوجود في كنف فيض العطاء والرحمة اللهية .
والسؤال الثالث :إلى أين ذاهب :إلى عالم البقاء والخلود كي تتجلى لي كل الحقائق وأكون شاهدًا عليها من نفسي مع ما وجدت في
الحياة الدنيا من ثوابت الخلق الدللت والبراهين والتي تكفيني جوابًا وإيمانًا لسألتي كما دعاني وهداني إليها ربي عبر رسله وكتبه
وآياته لطفًا بي ورحمة .وقد بين لي الحق ونورني إلى الحقيقة حتى ليكون وجودي هذا وتسائلتي تلك فيما يحدث من وسوسة
شيطانية وشك مقدمات فاسدة تولد في فكري وتفكيري الظلل والعبث والنكران .
فالخلق دليل على الخالق والنظام دليل على الحكمة والتقدير اللهي مما يلغي العبث والفوضى والموت دليل على العوالم الخرى ويقينًا
بالخلود .
ونعود للعلمة العاملي ) فهو يتساءل في السؤال الول عن مبدأ الوجود .وجوابه بإثبات الخالق ووحدانيته .ويتساءل في الثاني عن
الغاية من خلقه .وجوابه بإثبات حكمة الخالق ،وبعث الرسل بالتكاليف والشرائع .ويتساءل في الثالث عن النهاية التي يؤول إليها
بعد موته .وجوابه بإثبات المّعاد والعالم الخروي ().)19
التفكير في السماء والصفات
السماء القدسية والصفات اللهية ليست هي عين الذات القدسية حصرًا في ظاهرها بل دللت قدسية عليها كي نستطيع أن نخاطب
ونذكر الذات المقدسة بواسطتها لبعينها .ولهذا كان أسم )هو( كما مر بنا يقتصر لنا ما صعب علينا ويكون سبيلً لعلن عجزنا
ويطلب إبقاء كل المقاصد المنفردة التي نريدها في تفكرنا وإذكارنا .ويقول صدر المتألهين في هذا المقصد ) .قال بعض أهل ال :
صة من حيث ذاته وعينه ،ل من حيث أسمائه ،لن السماء لها مدلولن أحدهما :عينه ،وهو عين المسّمى
الوجود الحق هو ال خا ّ
والخر :ما يدل عليه مما ينفصل السم به عن أسم آخر ويتمّيز في العقل ،فقد بان لك بما هو كّل اسم عين الخر وبما هو غيره ،
فبما هو عينه ،هو الحق .وبما هو غيره ،هو الحق المتخّيل الذي كنا بصدده ،فسبحان من لم يكن عليه دليل سوى نفسه ،وليثبت
كونه إل بعينه (). (20
السماء القدسية فوق معاني السماء المتنوعة ورغم ذلك ل تفي كل عينية الذات المقدسة إل بما توحي إلينا .أي إنها تسد بكامل
عظمة معانيها وخصوصياتها حاجتنا للمخاطبة والذكر للذات القدسية وليست تسر عين الذات .كونها وسيلتنا إلى ذلك لقطع حيرتنا بما
أمرنا ال تعالى بدعائه بها .ومثلما ل يمكن إيجاد تصور أو تخيل لكيفية كنة الذات القدسية كذلك ل يمكن إعتبار السماء القدسية أدت
بكل عظمة خصوص معانيها ودللتها عين الذات رغم كل مايقوله الحكماء وأهل العرفان وعلم الكلم .لن معرفة المخلوق مقتصرة
محدودة مهما دقق واتسع بمداركه ووجدانه فيها لفضًا وإيحاء وتقديسًا بغية سد ذلك المطلب الشريف ل يستطيع مهما أدعى المعرفة
والدقة وغير مطلوب منه إل بما يدرك وذات ال عزوجل فوق إدراك المخلوق أسماًء وصفاتًا )) يا من ل يكون عليه دليل سوى
نفسه (( وما السماء الصفات إلى وسائلنا إليه وليس وسيلته إلينا تنزهت ذاته عن حاجة الوسائل والمقاصد .وخير ما أوجز لنا ذلك
أمير المؤمنين علي )عليه السلم ( في أحدى خطبه حيث قال :
)) الحمد ل الذي يبُلغ مدحته القائلون .ولُيحصِ نعماءُه العاّدون .ول يؤّدي حّقُه المجتهدون ،الذي ل يُدركُه ُبعد الهم ولينالُه
غوص الِفطن .الذي ليس لصفتِه حد محدود ولنعت موجود .ول وقت معدود ول أجل ممدود .فطر الخلئق بقدرتِه ونشر الرياح
َ
برحمته .ووّتد بالصخور ميدان أرضيِه أول الدين معرفته وكمال معرفتِه التصديق به .وكمال التصديق به توحيدُه .وكمال توحيدِه
ف وشهادة كل موصوف أنه عُير الصفِة .فمن
عنُه لشهادة كل صفٍة أنها غُير الموصو ِ
صفات َ
ص لُه .وكمال الخلص لُه نفي ال ّ
الخل ُ
سبحانه فقد قرَتُه .ومن قرنُه فقد ثناُه ومن ثناُه فقد جزأه .ومن جزأُه فقد جهلُه .ومن جهلُه فقد أشار إليِه ومن أشار إليه
وصف ال ُ
فقد حدُه .ومن حدُه فقد عده .ومن قال فيَم فقد ضمنُه (21) (( ...
كلم أمير المؤمنين علي )عليه السلم ( هو أعلى معاني المعرفة وأستبطان الستدللل في المقصد إيجازًا وبيان .وهو دليل لذوي
العقول المدركة وحجة لذوي القلوب النيرة بنور اليمان والهداية المتوجهة نحو ال عز وجل ول غير سواه .حتى يغنيها تحصنأ من
الشبهات ويفتح لها باب وسائل التفكر والمناجاة بأمان المعرفة الحقة بالسماء والصفات دونما جعلها حدودًا بمثل ما تستعمل لغير ال
بما يبينه لنا ) عليه السلم ( بنقصان الصفة عن الموصوف )) وبشهادة كل موصوف أنه غير الصفة (( .وهذا تنبية لنا من ذلك بل
عين لنا سلمة المناجاة والدعاء بتنزيه عين المقصود من معاجز الوسائل إليه ومن محدودية السماء والصفات وعجز الوسائل كلها
عن صفة من ل يحده شيء إيما هي الوسيلة للمناجاة والدعاء مع التنزيه في إفرار بواطن العبد ,فهي مناجاة بل تحديد .
4
ونعود لصدد المتألهين وحكمته المتعالية حتى تنهي هذا المبحث ) .ويتخلص أن مسمى لفظ ال هو المنعوت بجميع الوصاف الكمالية
ت أل وله ظل ومظهر في العالم ،وثبت أيضًا أن الشتراك بين معنى كّل اسم ومظهره
والنعوت اللهية ،لما تقرر عندهم ،أنه ما من نع ٍ
ليس بمجرد اللفظ فقط ،حتى تكون اللفاظ العلم والقدرة وغيرهما موضوعة في الخالق لمعنى وفي المخلوق لمعنى آخر ,وإل لم تكن
ـ هذه المعاني فينا دلئل وشواهد على تحققها في الباري على وجه أعلى وأشرف ،والمتحقق خلفه ،فبطل كون الشتراك لفظيًا فقط ،
بل يكون معنويًا ،أل ان هذه المعاني تكون هنا في غاية القصور والنقص ،وهناك في غاية العظمة والجللة ( )(22
يعطينا هذا المقطع من تنزيه السماء اللهية عن مجرد المعاني التي فينا بدليل ما ذكره صدر المتألهين من ألفاظ العالم والقدرة ,بل
حدود ما نطلق على غير ال عز وجل من الناس ذو العلم والقدرة المحدودة بما مكنهم ال فيه ولطف بهم .بل تجرد السماء اللهية
من المعاني التي موضوعة فينا حتى نستخلصها لمعاني ال المنعوت بجميع الوصاف الكمالية والنعوت اللهية كما جاء في المقطع
المذكور وهذا المعنى إيضاح دقيق لزاحة الشكال والزدواج لدى ضعيفي الومضة التفكرية والضائة المعرفية الحقة .
5
This action might not be possible to undo. Are you sure you want to continue?