You are on page 1of 9

‫عظمة العلم‬

‫محاضرة لسماحة الشيخ الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫محاضرة " عظمة العلم "‬


‫لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي‬
‫المفتي العام لسلطنة عمان‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الحميد ل الذي وسيع كيل شيءٍ علماً‪ ،‬وأوسيع كيل حادثٍي حكماً‪،‬سيبحانه هيو السيميع البصيير العلييم‬
‫الخبير الذي علّم بالقلم‪ ،‬علّم النسان ما لم يعلم‪ .‬أحمده تعالى بما هو له أهلٌ من الحمد وأثني عليه‪،‬‬
‫وأسيتغفره مين جمييع الذنوب وأتوب إلييه‪ ،‬وأومين بيه وأتوكيل عليه‪ ،‬مين يهده ال فل مضيل له ومين‬
‫يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهييييد أن ل إله إل ال وحده ل شريييييك له‪ ،‬خلق فسييييوى وقدّر فهدى وله‬
‫الخرة والولى‪ .‬وأشهييد أن سيييدنا ونبينييا محمداً عبده ورسييوله‪ ،‬أرسييله إلى خلقييه بشيراً ونذيراً‪،‬‬
‫وداعيًا إلى ال بإذنه وسراجًا منيراً‪ ،‬فبلغ الرسالة وأدى المانة ونصح المة وكشف الغمة‪ ،‬صلى‬
‫ال وسلم تسليماً عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أميا بعيد‪ ،،،‬فإنيي أحييي مين حضير هنيا مين المشاييخ الجلء حملة العلم ومين البناء العزة طلبية‬
‫العلم بتحية السلم الخالدة‪ ،‬فالسلم عليكم جميعاً ورحمة ال وبركاته‪...‬‬
‫وإنها لفرصة أن أتشرّف بالجتماع بكم في مطلع هذا العام الدراسي وفي هذا الصرح العلمي‪ ،‬في‬
‫هذا المكان الذي تنبيع مين بيين جنباتيه ينابييع الحكيم التيي تفييض بهيا أفواه مشائخ العلم فتروى بيه‬
‫القلوب الظامئة مين طلبية العلم العزة الكرام المسيافرين على الخيير‪ .‬وكيم أتمنيى ولو أنيي كنيت فيي‬
‫بدايية سيير الحياة لتشرف فيي القعود هنيا على مقاعيد الطلبية لسيتفيد بعيض ميا يسيتفيده غيري مين‬
‫هذه الحكييم وميين هذه العلوم وأسييتنير بهذه الفكار النيرة وإنمييا قاطرة الزميين قييد مشييت بييي مشياً‬
‫حثيثاً‪ ،‬ومع سير الزمان ل يمكن للنسان أن يظفر بكل أمانيّه التي ربما كان يظفر بها لو كان في‬
‫بداية الطريق‪ .‬أما ما سمعتموه من أوصاف وُصفت بها وأُلبستها على رغ ٍم مني ولست بأهلها فإن‬
‫ذلك مميا يسيوء نفسيي إذ أنيا جديرٌ بأن أكون طالب علميٍ صيغير ل أن أكون مين بيين مشائخ العلم‬
‫فضلً عن أن أُرفع إلى تلك المنزلة التي رُفعتها‪ ،‬فأستغفر ال من ذلك‪ ،‬وأقول كما قال الصدّيق –‬
‫رضيي ال تعالى عنيه ‪ ( : -‬اللهيم اجعلنيي خيرًا مميا يظنون واغفير لي ميا ل يعلمون ول تؤاخذنيي‬
‫بمييا يقولون )‪.‬وإنييي لهنئكييم جميعاً بمطلع هذا العام الدراسييي بهذه الفترة الزمنييية التييي يبدأ فيهييا‬
‫الجهاد‪ ،‬جهاد الدارسين والمدرسين‪..‬جهاد المدرسين بالتحضير والتلقين‪ ،‬وجهاد الدارسين بالتلقي‬
‫والتحصيل‪ .‬فأسأل ال أن يكون عام خير‪ ،‬وأن يجعلنا جميعاً من المستفيدين فيه وأن يلهمنا رشدنا‬
‫جميعاً‪.‬‬
‫ول شيك أن طلبية العلم هيم أجدر ميا يكونون بمعرفية قيمتيه‪ ،‬فقيمية العلم قيمية عاليية فيي موازيين‬
‫السلم‪ ،‬ذلك لن ال سبحانه وتعالى خلق النسان خلقاً عجيبًا يختلف عن خلق بقية مخلوقاته ومن‬
‫أجييل ذلك كان العلم ضرورياً بالنسييبة لحياة النسييان‪ ،‬فإن النسييان يتعاميل ميع هذا الكون الواسيع‬
‫الرجاء المترامي الطراف وبسبب تعامله مع هذا الكون ل بد أن يكون على خبرةٍ من أمره وبينةٍ‬
‫مين ربيه‪ ،‬فإن الكون هيو خلق ال فهيو ملك ال سيبحانه وتعالى‪ ،‬والمنافيع التيي فييه إمتنّي بهيا ال‬
‫سييييبحانه وتعالى فسييييخرها لهذا النسييييان‪ ،‬فجدي ٌر بالنسيييان أن يعرف هذه الكائنات وطبائعهييييا‬
‫وخواصيها وطريقية التعاميل معهيا‪ ،‬كميا أنيه جدي ٌر بأن يعرف حكيم ميا يتعاميل معيه مين ضرورات‬
‫حياته في هذا الكون‪.‬‬
‫وقيد اختار ال النسيان مين بيين سيائر الخلق لن يكون خليف ًة فيي هذه الرض التيي هيي مرك ٌز لهذا‬
‫الكون فيي الحقيقية نظراً للترابيط العجييب بيين أرجاء الكون وبيين هذه الرض‪ ،‬وعندميا خاطيب ال‬
‫سيبحانه وتعالى النسيان بأن يعبده ذكره بنعمية خلقيه وذكره بنعمية خلق أصيوله وذكره بنعمية خلق‬
‫هذه الرض على طبيعتها التي هي في الحقيقة منسجمةٌ مع وضع النسان وطبيعته‪ ،‬وذكره بخلق‬
‫هذا الكون الذي يرتبييط ارتباطاً وثيقًا بهذه الرض‪ ،‬وذلك عندمييا قال سييبحانه‪ " :‬يييا أيهييا الناس‬

‫‪1‬‬
‫عظمة العلم‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬
‫اعبدوا ربكيم الذي خلقكيم والذيين مين قبلكيم لعلكيم تتقون * الذي جعيل لكيم الرض فراشاً والسيماء‬
‫بناءً وأنزل مين السيماء ما ًء فأخرج بيه مين الثمرات رزقًا لكيم فل تجعلوا ل أنداداً وأنتيم تعلمون *‬
‫"‪ .‬ثيم عجّب مين شأن أولئك الذيين يتصياممون عين هذا النداء الذي هيو فييي الحقيقية نداء الفطرة‬
‫ويستجيبون لداعي الشيطان فيكفرون بالرحيم الرحمن معرضين عن حكمه غير لوين على شيءٍ‬
‫مميا سيخره لهيم وأعطاه إياهيم مميا ينادي بوجوب طاعتيه والنقياد لمره والتزام عبادتيه عندميا قال‬
‫تعالى ‪ " :‬كيف تكفرون بال وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون * هو الذي‬
‫خلق لكم ما في الرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماواتٍ وهو بكل شيءٍ عليم *‬
‫"‪.‬‬
‫وعندميا أراد ال سيبحانه تكرييم هذا النسيان بإيلئه هذا المنصيب الرفييع‪ ،‬منصيب الخلفية فيي هذه‬
‫الرض‪ ،‬آذن المل العلى بهذا الحدث التأريخيي‪ ،‬وال تعالى يقيص علينيا نبيأ ذلك عندميا قال ‪" :‬‬
‫وإذ قال ربك للملئكة إني جاعلٌ في الرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء‬
‫ونحين نسيبح بحمدك ونقدس لك قال إنيي أعلم ميا ل تعلمون * وعلم آدم السيماء كلهيا ثيم عرضهيم‬
‫على الملئكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك ل علم لنا إل ما علمتنا‬
‫إنيك أنيت العلييم الحكييم * قال ييا آدم أنبئهيم بأسيمائهم فلميا أنبأهيم بأسيمائهم قال ألم أقيل لكيم إنيي أعلم‬
‫غييب السيماوات والرض وأعلم ميا تبدون وميا كنتيم تكتمون * "‪ .‬فيي تضاعييف هذه القصية ميا‬
‫ل قيمية هذا النسيان الذي اختاره ال تعالى لهذا المنصيب لميا علميه مين الخواص التيي‬ ‫يكشيف أو ً‬
‫أودعهييا فيييه سييبحانه‪ ،‬وآذن بذلك المل العلى‪ ،‬فكان ميين سييؤال المل العلى مييا كان وكان ميين‬
‫جواب الحيق تعالى ميا كان‪ ،‬ثيم أراد ال سيبحانه أن ييبين قيمية هذا النسيان مين بيين خلقيه عنيد المل‬
‫العلى فاختيبرهم بميا اختيبرهم بيه‪ ،‬ثيم وجّه هذا الختبار إلى النسيان فنجيح فييه وعندئ ٍذ أمير ال‬
‫سيبحانه وتعالى المل العلى للسيجود لهذا النسيان بعدميا تيبينت مكانتيه وعُرفيت منزلتيه ونجيح فيي‬
‫اختباره وكان أساس هذا الختبار العلم‪ ،‬فإذن خلفة النسان إنما تقوم على العلم‪.‬‬
‫وعندميا أراد ال سيبحانه وتعالى بعيد تطاول الحدود ومرور الحقاب والناس فيي ظلمات بعضهيا‬
‫فوق بعيض أن ينيير لهيم السيبيل وييبين لهيم الدلييل أرسيل رسيوله محمدًا صيلى ال علييه وسيلم على‬
‫فترةٍ من الرسل‪ ،‬وكانت رسالته عليه أفضل الصلة والسلم رسالة علم‪ ،‬فإن ال سبحانه ناداه أول‬
‫ميا ناداه بقوله‪ " :‬إقرأ باسيم ربيك الذي خلق * خلق النسيان مين علقٍي * إقرأ وربيك الكرم * الذي‬
‫علم بالقلم * علم النسييان مييا لم يعلم * "‪ .‬كانييت الكلميية التييي افتُتتييح بهييا الوحييي الشريييف كلميية‬
‫"اقرأ"‪ ،‬وهيي ذات مدلولٍ واسيع وأبعا ٍد متراميية الطراف‪ ،‬فإن ال سيبحانه وتعالى اختصيها مين‬
‫بين الكلمات التي تدنو من معناها لن تكون فاتحة هذا الوحي‪ ،‬لم يقل لرسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫( افهيم )‪ ،‬ولم يقيل له ( اعلم ) ولم يقيل له ( أدرك ) ولم يقيل له ( اطّلع ) ولم يقيل له أي شيءٍ آخير‬
‫مين هذه اللفاظ وإنميا قال له ( اقرأ)‪ .‬والنيبي صيلى ال علييه وسيلم كان ُأ ّميّا ميا كان يتلو مين كتابٍي‬
‫ول يخطه بيمينه‪ ،‬وإنما في هذا النداء الموجّه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم تنبيهٌ لهذه المة‬
‫بأن العهد الجديد إنما جاء لطي سجات الجهل ولنشر أنوار المعرفة‪ ،‬فالعهد عهد علم‪ ،‬عل ٌم يُتوصل‬
‫إليييه بالجهييد والدأب والطلب والتحصيييل ل يُتوصييل إليييه بمجرد اللهام الفطري‪ ،‬ولذلك قال ال‬
‫تعالى للنيبي الميي ‪ " :‬اقرأ"‪ ،‬والقراءة إنميا هيي فيي الصيل قراءة ميا يُكتيب عادة‪ ،‬فإذن جاء هذا‬
‫النبي برسالة تُكتب وتُدوّن‪ ،‬وجاء بعهد جديد‪ ،‬هذا العهد تُنشر فيه أنوار المعرفة بين الناس‪ ،‬وتقوم‬
‫الجهود المتضافرة على تحصييل العلم وتدوينيه ونشره بيين الناس‪ ،‬ومين أجيل ذلك أتبيع ال سيبحانه‬
‫وتعالى بعييد هذا الميير المرَ بالقراءة مرة أخرى مييع التذكييير بمبدأ خلق النسييان ومييع المتنان‬
‫بتعليمه بالقلم وتعليمه ما لم يعلم‪.‬‬
‫فالعلم الذي جاءت به هذه الرسالة عل مٌ يقوم على الطلب وبذل الجهد‪ ،‬على يقوم على عرق الجبين‬
‫وسيهر الليالي وعدم العتماد على مجرد اللهام الفطري‪ .‬هذا العلم قام رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسييلم بنشره بييين أصييحابه رضوان ال تعالى عليهييم‪ ،‬فكانوا خييير أم ٍة أخرجييت للناس حملوا إلى‬
‫العالم المتمدن فيي ذلك الوقيت رسيالة الرحمية والمبادئ النسيانية بعدميا كانيت النسيانية تعانيي ميا‬
‫تعانييه مين شقاقٍي واختلف ومين سيطو القوي على الضعييف ومين التهام الكيبير للصيغير كميا هيو‬

‫‪2‬‬
‫عظمة العلم‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬
‫شأن البهائم العجماء‪..‬كانت النسانية تعاني من الويلت في ظل الحضارات النسانية المختلفة ولم‬
‫س ماديية ولم تكين على صيل ٍة بتعالييم الحيق‬ ‫تكين تلك الحضارات لتجدي شيئاً لنهيا قاميت على أسي ٍ‬
‫سبحانه وتعالى التي أنزلها على رسله‪.‬وقد غاضت ينابيع الهداية التي تدفقت من الرسالت السابقة‬
‫فبعُد الناس عين الرشيد وضلوا طرييق القصيد وبعدوا عين سيواء الصيراط فارتكسيوا فيي أوحال‬
‫الضللت المختلفية‪ ،‬ضلوا فيي تشخييص العبادة التيي يتقربون بهيا إلى المعبود‪ ،‬وضلوا فيي تعييين‬
‫المعبود نفسه فعبدوا آله ًة أخرى متعددةً من دون ال‪ ،‬وتعالى النسان على النسان حتى جعل من‬
‫ن مثلهييا كمييا حصييل ذلك فييي المييبراطوريتين‬ ‫نفسييه إلهًا يُعبييد وظلت النسييانية تركييع أمام إنسييا ٍ‬
‫الكيبريين‪ :‬المبراطوريية القيصيرية والمبراطوريية الكسيروية‪ ،‬بحييث كان الباطرة فيي مسيتوى‬
‫اللهية التيي تُعبيد‪ ،‬ول دلييل أدل على ذلك مين ذلك النشييد الذي كان يرتّل باللغية الفارسيية تمجيداً‬
‫لميبراطور فارس الذي يقول فيي وصيفه‪ ( :‬فيي اللهية إنسيانٌ غيير فانٍي وفيي الناس إلهٌي لييس له ثان‬
‫ارتفع اسمه وتعالى مجده يطلع مع الشمس بضيائه وينير الليالي المظلمة بنوره )‪.‬‬
‫والناس الذين كانوا يعيشون في جزيرة العرب التي هي بعيدة عن سلطات هاتين المبراطوريتين‬
‫لم يكونوا بأحسين وضعٍي مين غيرهيم‪ ،‬فقيد كان بينهيم السيطو والنهيب والذلل والقهير والحرمان‬
‫بسيبب انحسيار مبادئ الحيق وانقلب المقايييس وتبدل الموازيين وتحول العراب‪ ،‬فأصيبح الحيق‬
‫عندهيييم باطلً والباطيييل حقاً والقو ُة ضعفاً والضعيييف قوةً والذلةُ عزةً والعزةُ ذلةً‪ ،‬وهكذا كانيييت‬
‫الوضاع منقلبة على رؤوسها في جزيرة العرب التي بُعث فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وفي العالم بأسره‪.‬‬
‫وقيد تفشيت المّيّة فيي الجزيرة العربيية التيي بُعيث فيهيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وكانيت‬
‫الحياة فيهيا حياة بدائيية إذ لم تكين العرب تعرف من الحضارة إل طعيم الماء البارد وإل السيتظلل‬
‫بظيل الخيام أوالشجار مين بعيد عين لفيح الصييف فيي أيام شدة القييظ‪ .‬هكذا كانيت الوضاع فيي هذه‬
‫الجزيرة العربيية‪ .‬وإذا بالرسيول النيبي الميي ينفيخ روح العلم بيين هؤلء المييين‪ ،‬وإذا بهيم فجأة‬
‫يتحولون ميين الجهييل إلى العلم ويتحولون ميين التشتييت إلى الجتماع ويتحولون ميين الحيرة إلى‬
‫البصيرة‪ ،‬فاجتمع شتات هذا العدد المتناثر من العرب وانتظموا جميعاً في سلك العقيدة الحقة التي‬
‫جاء بهيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم واسيتنارت بصيائرهم بنور العلم والمعرفية‪ ،‬فخرجوا فيي‬
‫أصيييقاع الرض ينشرون مبادئ الرحمييية بيييين الناس يأمرون بالمعروف وينهون عييين المنكييير‬
‫ويؤمنون بال‪ ،‬يدعون إلى سيواء الصيراط‪ ،‬لم يكين همهيم ميا ينالونيه مين الغنائم الماديية إذ الدنييا‬
‫عندهيم ل تسياوي شيئًا بيل تسياوى فيي موازينهيم تبرهيا وترابهيا كميا تسياوى فيي نفوسيهم عذبهيا‬
‫وعذابهيا‪ ،‬فكانوا يهدفون إلى إقامية الحيق فيي الرض‪ ،‬كيل همهيم إقام الصيلة وإيتاء الزكاة والمير‬
‫بالمعروف والنهيي عين المنكير‪ ،‬ولذلك قال قائلهيم عندميا قييل لهيم ميا الذي جاء بكيم؟‪ ( :‬إن ال قيد‬
‫بعثنييا لنخرج ميين شاء ميين عبادة العباد إلى عبادة ال وميين جور الديان إلى عدل السييلم وميين‬
‫ضييق الدنييا إلى سيعة الدنييا والخرة )‪.‬فذاقيت النسيانية طعيم العدل وعرفيت قيمية حياتهيا وأدركيت‬
‫أسيرار خلقهيا بإجشار هذا النور على أيدي أولئك المييين فيي أصيقاع الرض‪ .‬أولئك قومٌي رباهيم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على هذا القرآن الذي أُنزل عليه‪ ،‬فكان القرآن يتمثل في كل جزئية‬
‫ميين جزئيات حياتهييم فضلً عيين كلياتهييا‪ ،‬لن خلقهييم كان انعكاسيًا لخلق الرسييول صييلى ال عليييه‬
‫وسيلم‪ ،‬وخلق النيبي صيلى ال علييه وسيلم كميا قالت السييدة عائشية ‪-‬رضيي ال تعالى عنهيا‪ -‬كان‬
‫القرآن‪ .‬فإذا بهؤلء الذين كانوا أميين يتحول كل واحد منهم إلى قرآن يمشي على الرض‪ ،‬تتجسد‬
‫هداية القرآن في جميع تصرفاتهم وأعمالهم‪..‬في أخذهم وعطائهم‪..‬في ردهم وقبولهم‪..‬في إقدامهم‬
‫وإحجامهيم‪..‬فيي سيرهم وجرهيم‪..‬فيي غضبهيم ورضاهيم‪..‬فيي جمييع أحوالهيم ميا كانوا ينأون فيي أي‬
‫شيءٍ عين هدايية القرآن‪ .‬وقيد صيدق مين وصيفهم مين أعدائهيم بقوله‪ ( :‬هيم رهبانٌي باللييل وفرسيانٌ‬
‫بالنهار ل يأكلون فييي ذمتهييم إل بثميين ول يدخلون إل بسييلم يقضون على ميين حاربوا حتييى يأتوا‬
‫عليه )‪ ،‬وكما قال الخر أيضاً من أعدائهم الذين واجهوهم في ميادين المعركة‪ ( :‬أما الليل فرهبان‬
‫وأما النهار ففرسان يريشون النبل ويروونها ويثقفون القنا‪ ،‬لو حدثت جليسك حديثاً ما فهمه عنك‬
‫لما عل من أصواتهم بالقرآن والذكر )‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫عظمة العلم‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬
‫هذه هي صفات الجيل الذي رباه رسول ال صلى ال عليه وسلم على القرآن‪ .‬كانت جواهر الحكم‬
‫تتناثر من أفواههم‪ ،‬عندما ينطقون كانت كلماتهم تخرج من أفواههم جامع ًة بين للء النور ولهيب‬
‫النار‪ ،‬كانيت كالنار فيي قلوب أعدائهيم وكانيت كالنور بالنسيبة إلى الذيين يريدون أن يهتدوا بهداهيا‪،‬‬
‫وكانوا عندميا يصيمتون ل يصيمتون عين عيّ وحصير ولكنهيا العيبرة والذكرى وعندميا ينطقون ل‬
‫ينطقون بثرثرة وإنميا ينطقون بحكمية‪ ،‬أولئك هيم أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم الذيين‬
‫أثنيى ال تعالى عليهيم فيي كتابيه بقوله‪ " :‬محم ٌد رسيول ال والذيين معيه أشداء على الكفار رحماء‬
‫بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلً من ال ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك‬
‫مثلهييم فييي التوراة ومثلهييم فييي النجيييل كزرعيٍ أخرج شطأه فآزره فاسييتغلظ فاسييتوى على سييوقه‬
‫يعجييب الزراع ليغيييظ بهييم الكفار وعييد ال الذييين ءامنوا وعملوا الصييالحات منهييم مغفرةً وأجراً‬
‫عظيماً "‪.‬‬
‫على أن جُل أولئك القوم الذيين رباهيم الرسيول صيلى ال علييه وسيلم كانوا عندميا انضموا إلى لواء‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم وتحت كنفه في سن الشباب‪ ،‬فإن الشباب دائماً هم المُستهدفون من قبل‬
‫دعاة الخيير ودعاة الشير‪ ،‬فدعاة الشير يريدون أن يجروا الشباب إلى صيفوفهم ودعاة الخيير كذلك‬
‫يريدون أن يجروا الشباب إلى صييفوفهم لن مرحلة الشباب هييي مرحلة القوة والفتوة التييي تنضييح‬
‫بالفتوة وتتدفييق بالطموحات المختلفيية‪ .‬على أن الشيييب دائماً يكونون أصييلب عودًا فقلمييا يتأثرون‬
‫بدعوات الخير إن كانوا ألفوا الشر وقلما يتأثرون بدعوات الشر إن كانوا ألفوا الخير‪.‬‬
‫والرسيول صيلى ال علييه وسيلم اسيتجاب له الشباب‪ ،‬فهيم الذيين انضموا إلى لوائه صيلى ال علييه‬
‫وسلم ودخلوا تحت كنفه‪ ،‬ولكنه عليه أفضل الصلة والسلم ربى أولئك الشباب على الطموح إلى‬
‫معالي المور ولم يربهيم على سيفاسف المور‪ ،‬كييف وهيو – صيلى ال علييه وسيلم – جاء رحمةً‬
‫للعالميين‪ ،‬وقيد اختار ال تعالى أولئك الفتيية الذيين التفوا مين حوله لن يكونوا هيم حملة هذه الهدايية‬
‫التي جاء بها رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى العالم؛ فكانت ألسنتهم الطرية هي وسائل العلم‬
‫لهذا الديين وهذه الدعوة‪ ،‬وكانيت سيواعدهم القويية هيي التيي بنيت صيرح هذا الديين ورفعيت دعائميه‬
‫إلى الوج الشامييخ‪" ،‬كانوا قليلً ميين الليييل مييا يهجعون * وبالسييحار هييم يسييتغفرون * "‪ ،‬فكان‬
‫نهارهيم جهاداً وصيياماً‪ ،‬وكان ليلهيم تهجداً وقياماً‪ ،‬لم يكونوا يسيارعون إلى الشهوات وينغمسيون‬
‫فييي الموبقات وإنمييا أدركوا قيميية الشباب وعرفوه بأنييه المرحلة الذهبييية ميين العميير التييي تتميييز‬
‫بالطموحات المختلفية‪ ،‬فكانيت طموحاتهيم نحيو الخيير وسيخروا جمييع قوى شبابهيم لجيل خدمية هذا‬
‫الدين الحنييف‪ ،‬فانطلقوا فيي أرجاء الرض كالسيل الت يّ الذي يغمر الرض ليخصبها بعد جدبهيا‬
‫وليكسييوها خضر ًة بعييد اغبرارهييا‪ .‬هكذا كان شأن أولئك الذييين رباهييم رسييول ال صييلى ال عليييه‬
‫وسلم‪ ،‬وهم الذين حملوا أمانة هذا العلم‪ ،‬وأدوها إلى من بعدهم‪ ،‬إلى الجيل الذي بعدهم‪ ،‬تصديقًا لما‬
‫روي عن النبي صلى ال عليه وسلم من قوله‪ (( :‬يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه‬
‫تحريف الغاوين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين ))‪.‬‬
‫واسييتنارت البصييائر بهذا النور الذي جاء بييه رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪ .‬وإن ميين المعالم‬
‫البارزة في رسالة النبي صلى ال عليه وسلم تميزها من بين سائر الرسالت بكون إعجازها يكمن‬
‫في جوهرها‪ ،‬فإعجاز هذه الرسالة يكمن في القرآن الذي جاء به رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وميين وجوه إعجاز هذا القرآن الذي نزل على قلب النييبي محمدٍ عليييه أفضييل الصييلة والسييلم‬
‫العجاز العلميي الذي حيّر علماء هذا العصير تصيديقاً لقول ال تعالى ‪ " :‬قيل أرأيتيم إن كان مين‬
‫عند ال ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاقٍ بعيدٍ * سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى‬
‫يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شي ٍء شهيد * أل إنهم في مريةٍ من لقاء ربهم أل‬
‫إنه بكل شيءٍ محيط * "‪.‬‬
‫وهذا يعنييي أن هذه الميية عليهييا أن تضطلع بالعلوم النسييانية المختلفيية‪ ،‬فإن العلوم البشرييية إن لم‬
‫تكين فيي يدٍ أمين ٍة تعرف كييف تتصيرف فيهيا وتعرف كييف تقدم بهيا وكييف تحجيم بهيا ل بيد مين أن‬
‫تكون وبالً على النسيانية كميا هيو الواقيع فيي عالم اليوم‪ ،‬فعندميا تأخير المسيلمون وتقهقروا بسيبب‬
‫بعدهييم عيين دينهييم وبسييبب تسييليمهم الزمام إلى أيدي أعدائهييم أخذت بزمام القافلة البشرييية أعلميُ‬

‫‪4‬‬
‫عظمة العلم‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬
‫الجاهليية الحديثية‪ ،‬فاقتادوا هذه القافلة إلى مهاوي الهلك – والعياذ بال – والمسيلمون مين ضمين‬
‫الركيب ل يسيتطيعون حيلةً ول يهتدون سيبيلً‪ .‬فالمية السيلمية عليهيا أن تضطلع بالعلوم المختلفية‬
‫سوا ًء كانت هذه العلوم علوماً دنيوية أو كانت هذه العلوم علومًا دينية على أن تكون الدنيا مسخرةً‬
‫للديييين ومضبوط ًة بضوابطيييه ومقيد ًة بأحكاميييه‪ ،‬فإن هذه الدنييييا إن لم تكييين مقيدةً بقيود الديييين‬
‫ومضبوط ًة بضوابطيه هيي – والعياذ بال – مرتعٌي وخييم وهيي مرعىً وبييء‪ ،‬ومين أجيل ذلك وقيع‬
‫الناس فيميا وقعوا فييه مين المهالك بسيبب عدم انضباطهيم فيي حياتهيم الدنييا بميا تفرضيه الشريعية‬
‫السلمية الحقة المنزلة من عند ال من ضوابط تُقيد بها تحركات النسان في حياته هذه‪.‬‬
‫وإذا كانيت العلوم على اختلفهيا ذات أثير بالغ فيي حياة النسيان لن النسيان حياتيه مرهونية بالعلم‬
‫ولنيه فيي جمييع تقلباتيه وفيي جمييع أطواره هيو بحاجية إلى العلم‪ ،‬فإن مقياس قيمية العلوم عطاؤهيا‬
‫لهذا النسيان وتأثيرهيا فيي حياتيه النفسيية والجتماعيية‪ .‬ول رييب أن العلوم الشرعيية بجمييع فنونهيا‬
‫هي أعمق أثراً وأغزر عطاءً وأعم فائدة لعظم الحاجة إليها‪ ،‬ومن هنا كانت الحاجة لِن يتزود كل‬
‫أحيد مين هذه المية بميا يبصيره بأمير دينيه مين علوم شرع ال تعالى‪ ،‬فإن كيل أح ٍد مطالبٌي بأن يعبيد‬
‫ال على بصييرة وكيل أح ٍد مطالبيٌ بأن يتقييد فيي تصيرفاته وأعماله بحكيم شرع ال سيبحانه‪ ،‬فإن‬
‫الرض التيي هيي قرار النسيان هيي أرض ال وهيي جزءٌ مين مملكتيه‪ ،‬وميا سيُخر للنسيان مين‬
‫منافعها إنما هو ملك ال ليس للنسان أن يتصرف في هذه المنافع وفق ما يقتضيه هواه وإنما عليه‬
‫ف فيهيا‬
‫أن يتصيرف بحسيب ميا يقتضييه حكيم ال تعالى‪ ،‬والنسيان مؤتمين فيي هذه الرض ومسيتخل ٌ‬
‫ل فما عليه إل أن يتصرف وفق تعاليم مُستخلفه وهو ال‬ ‫من قبل ال عز وجل‪ ،‬والخليفة ليس أصي ً‬
‫سيبحانه وتعالى الذي يعلم السير وأخفيى‪ .‬على أنيه سيبحانه لم يترك الناس فيي حير ٍة مين أمرهيم‪ ،‬بيل‬
‫أنزل إليهييم مييا يبصييرهم بمييا يأتون ومييا يذرون‪ ،‬فهذا كتاب ال سييبحانه وتعالى هييو الموجّه لهذه‬
‫النسيانية إلى سيواء الصيراط ‪ ،‬يقول ال تعالى فييه‪ " :‬إن هذا القرآن يهدي للتيي هيي أقوم ويبشير‬
‫المؤمنييين الذييين يعملون الصييالحات أن لهييم أجرًا كييبيراً * "‪ ،‬ويقول ال تبارك وتعالى‪ " :‬كتاب يٌ‬
‫أنزلناه إلييك لتخرج الناس مين الظلمات إلى النور ‪ ،‬ويقول سيبحانه وتعالى‪ " :‬وكذلك أنزلناه حكماً‬
‫عربياً "‪ ،‬ويقول تبارك وتعالى فييي هذا الكتاب الكريييم‪ " :‬هدىً للمتقيين "‪ ،‬ويقول‪ " :‬هدىً ورحمةً‬
‫ى وبشرى للمؤمنين "‪ ،‬فالقرآن الكريم كله هداية‪.‬‬ ‫للمحسنين "‪ ،‬ويقول ‪ " :‬هد ً‬
‫وقد جاءت سنة الرسول صلى ال عليه وسلم مفصلة لمجملت هذا الكتاب ومبينة لمبهماته‪ ،‬فل بد‬
‫مين اسيتلهام تفسييره واسيتبيان معانييه مين خلل دراسية السينة النبويية على صياحبها أفضيل الصيلة‬
‫والسيلم‪ .‬وهذا يعنيي أن طلبية علم الشريعية عليهيم أن يتضلعوا بعلوم القرآن وعليهيم أن يتبصيروا‬
‫فيي تفسييره مقتبسيين معانييه مين إيضاح الرسيول صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وعليهيم أن يسيتبصروا فيي‬
‫حياتهيم بهدي القرآن وهدي رسيوله علييه وعلى آله وصيحبه أفضيل الصيلة والسيلم ميع دراسية‬
‫العلوم المختلفيية التييي تُعييد وسييائل ليصييال النسييان إلى هذا العلم‪ .‬وإذا كان الناس مييع اختلف‬
‫تخصييصاتهم العلميية واختصيياصاتهم العمليية بحاجةٍ إلى أن يتعلموا مين علم الشرع ميا ينييير لهيم‬
‫السييبيل ويعرفهييم بمييا يأتون ومييا يذرون فإنييه ل بييد بأن تكون هنالك طائفيية تتخصييص فييي العلوم‬
‫الشرعية على اختلفها لتحمل مشعل الهداية إلى الناس ولتبصر الناس بما يأتون وما يذرون‪ ،‬هذه‬
‫الطائفية هيي التيي يشيير إليهيا كتاب ال عندميا قال سيبحانه‪ " :‬وميا كان المؤمنون لينفروا كافية فلول‬
‫نفر من كل فرق ٍة منهم طائفةٌ ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون "‪.‬‬
‫على أن هذه الدراسية يجيب أن ل تكون محصيورة فيميا يسيمى بعلم الفقيه وأصيول الفقيه وأصيول‬
‫الدين وعلم التفسير وعلم الحديث ومصطلحه‪ ،‬بل ل بد أيضاً من فهم اللغة التي اختارها ال تعالى‬
‫لن تكون وعاءً للقرآن‪ ،‬واختارهييا ال سييبحانه لن تكون وعاءً لسيينة الرسييول عليييه وعلى آله‬
‫وصحبه أفضل الصلة والسلم‪ ،‬وهي اللغة العربية بآدابها وفنونها فإن هذه اللغة هي لغة الدين؛‬
‫وقيد قلت غيير مرة بأن هذه اللغية ليسيت حكراً على العرب وحدهيم فإنهيا لغية جمييع المسيلمين مين‬
‫أقصيى الشرق إلى أقصيى الغرب‪..‬نعيم كانيت لغية العرب وحدهيم عندميا كانيت هذه اللغية خاصية‬
‫بالعرب قبييل أن ينزل بهييا القرآن على قلب النييبي محمييد عليييه وعلى آله وصييحبه أفضييل الصييلة‬
‫والسلم‪ ،‬أما بعدما نزل بها القرآن فصارت وعا ًء لكلم ال وخاطب ال سبحانه وتعالى بها عباده‬

‫‪5‬‬
‫عظمة العلم‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬
‫إذ عرفهيم بأحكاميه وعرّفهيم بأوامره نواهييه وعرّفهيم بميا شاء أن يعرّفهيم بيه مين علم الغييب مين‬
‫خلل هذه اللغية‪ ،‬صيارت لغية عامية غيير خاصي ٍة بالعرب؛ ثيم إن الناس أيضًا يخاطبون ال تعالى‬
‫بهذه اللغة في عباداتهم وفي أذكارهم وفي دعائهم‪ ،‬فعندما يمثلون بين يديه – تعالى – يقولون له‪:‬‬
‫" إياك نعبيد وإياك نسيتعين "‪ .‬وقيد قلت فيي المؤتمرات والملتقيات غيير مر ٍة إنيه مين العار أن يتقين‬
‫المسييلم لغيية المسييتعمر الذي غزاه وجاء لسييتعباده واسييتذلله ول يتقيين مييع ذلك لغيية القرآن التييي‬
‫خاطبيه ال تعالى بهيا والتيي يخاطيب ال سيبحانه وتعالى بهيا فيي صيلواته وأذكاره ودعائه‪ ،‬فإنيه‬
‫ليجدر بكيل مسيلم أن يحرص على دراسية هذه اللغية‪ .‬على أن اللغية العربيية يجيب أن تكون وسييلة‬
‫التفاهيم بيين المسيلمين جميعًا فيي جمييع أصيقاع الرض‪ ،‬وهذا ميا ينافيي أن يحرص كيل قومٍي على‬
‫لغتهيم القوميية بجانيب هذه اللغية‪ ،‬إذ لو تمسيك كيل أحيد بلغتيه القوميية ونبيذ هذه اللغية التيي نزل بهيا‬
‫القرآن على الرسول عليه أفضل الصلة والسلم لعادت القطيعة بين الناس‪ ،‬إذ ل يمكن أن يتنازل‬
‫أحدٌ منهم عن لغته لجل لغة غيره‪ ،‬أما إن كان التقاؤهم على لغة القرآن فل ريب أنهم جميعًا ل بد‬
‫من أن يكونوا راضين بذلك إذ هي اللغة التي شرّفهم ال سبحانه وتعالى بأن خاطبهم بها وشرّفهم‬
‫ال عيز وجيل بأن أمرهيم بأن يخاطبوه بهيا‪ .‬وأنتيم تدركون كييف تبحّر العجيم فيي هذه اللغية وكييف‬
‫بحثوا عيين علومهييا وفنونهييا وغاصييوا فييي أعماقهييا فولّدوا ميين الفنون مييا لم يكيين معروفًا لجييل‬
‫حرصهم على معرفتها‪ ،‬وقد كانوا يباهون بها‪ ،‬فالزمخشري يحمد ال تبارك وتعالى على أن شرّفه‬
‫بأن جعله مين علماء العربيية كميا جاء ذلك فيي مقدمية كتابيه المفصيّل؛ وسييبويه والكسيائي والفرّاء‬
‫وغيرهيم مين علماء العربيية قيد كانوا عجماً ولكنهيم ميع ذلك حرصيوا على هذه اللغية وصياروا أشيد‬
‫غيرة عليهيا مين العرب أنفسيهم لنهيم أدركوا قيمتهيا‪ .‬وإن مميا يدعيو إلى العتزاز أن نجيد رجلً‬
‫أفريقياً قبل نحو أربعة عشر عاماً من الن يبز بلغة العرب في لغتهم‪ ،‬ففي مطلع القرن الخامس‬
‫عشر الهجري ونهاية القرن الرابع عشر عقد القسم العربي بهيئة الذاعة البريطانية مسابقة ما بين‬
‫الشعراء فيي مدح الرسيول صيلى ال علييه وسيلم باللغية العربيية‪ ،‬فكان الفائز الول الذي تقدم على‬
‫ألف ومئتين (‪ )1200‬من الشعراء الذين اشتركوا في هذه المسابقة رجلً أفريقياً من السنغال‪ ،‬وهو‬
‫الشاعر عبد ال با الذي نظم قصيدته وافتتحها بقوله‪:‬‬
‫هجرت بطاح مكة والهضابا‪...........‬وودّعت المنازل والرحابا‬
‫تخذت من الدجى يا بد ُر ستراً‪..........‬ومن رهبوت حلكته ثيابا‬
‫ووصف هجرة الرسول صلى ال عليه وسلم بأبلغ عبارة بهذه اللغة العربية الفصيحة من غير أن‬
‫يشوب صيفاءها شي ٌء مين اللكنية العجميية‪ ،‬كيل ذلك دلييل على أن هذه اللغية هيي لغية المسيلمين‬
‫جميعًا وليست حكراً على العرب وحدهم‪.‬‬
‫فل بيد لطالب الشريعية مين أن يحرص على دراسية هذه اللغية ودرسية فنونهيا ومصيطلحاتها وإل‬
‫كييف يتأتّى له أن يفهيم كلم ال وأن يفهم كلم رسوله محم ٍد صيلى ال عليه وسلم الذي هو أفصح‬
‫العرب والعجم جميعاً؟!!‬
‫ومع هذه الدراسة للغة العربية وللعلوم الشرعية فإنه أيضاً مما يجب أن ل يعزب عن ذهن طالب‬
‫العلوم الشرعييية أنييه حريييٌ بأن يكون عارفاً بأوضاع عصييره وأن يكون مدركًا للتطورات التييي‬
‫يفرزهيا التقدم الحضاري فيي هذا العصير حتيى يكون عنده اسيتعدادٌ لمواجهية هذه التطورات‪ ،‬فإن‬
‫النسيانية كلهيا اليوم بحاجةٍ إلى الحلول التيي تنبيع مين الشريعية السيلمية وبحاجية إلى هذا النور‬
‫الذي يسيطع عليهيا مين أفيق هذه الشريعية ليبدد هذه الظلمات المتراكمية عليهيا‪ ،‬فالنسيانية أدركيت‬
‫الن إفلس القيم المادية على اختلفها‪ ،‬وأدركت أنه ل بد من أن تكون هنالك قيادة جديدة‪ .‬بيد من‬
‫تكون هذه القيادة إن لم تكيين هذه القيادة بأيدي المسييلمين العارفييين بالسييلم العاملييين ميين أجييل‬
‫السلم‪ ،‬فل بد من يرتكس العالم ارتكاس ًة جديدة كما ارتكس من قبل‪ .‬وهذه كارثة‪ ،‬فمنا هنا كان‬
‫الواجيب على المسييلمين أن يحيطوا علمًا بمجريات الحداث فيي العالم‪ .‬فقيد قلت لكيم بأن الرسييالة‬
‫التي بُعث بها الرسول صلى ال عليه وسلم كانت رسالة تؤذن الناس بعالميتها من أول المر‪.‬منذ‬
‫كان الرسول صلى ال عليه وسلم بمكة المكرمة وهو يعاني ما يعانيه من تحديات الجاهلية ويعاني‬
‫أصيحابه رضيي ال تعالى عنهيم الذيين كانوا قلة مين هذه التحديات‪ ،‬يتجرعون الغصيص ويكابدون‬

‫‪6‬‬
‫عظمة العلم‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬
‫الويلت بسيبب حقيد الجاهليية عليهيم‪ ،‬وميع ذلك كان القرآن الكرييم على النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫بمييا يؤذن أن هذه الدعوة دعوة عالمييية‪ ،‬ليسييت دعوة إقليمييية وليسييت دعوة قومييية وليسييت دعوة‬
‫محصورة في طائفة من الناس دون غيرهم‪ ،‬فال سبحانه وتعالى أخبر النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وأخبر المؤمنين الذين كانوا قلة في ذلك الوقت بما كان يدور في العالم المتحضر من صراعٍ على‬
‫السييلطة وعلى البقاء بييين دولتييين كييبريين‪ ،‬إذ أنزل ال على نييبيه صييلى ال عليييه وسييلم فييي العام‬
‫الخاميس مين بعثتيه علييه أفضيل الصيلة والسيلم قوله‪ " :‬بسيم ال الرحمين الرحييم * ألم *غلبيت‬
‫الروم * فيي أدنيى الرض وهيم مين بعيد غلبهيم سييغلبون * فيي بضيع سينين ل المير مين قبيل ومين‬
‫بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون * بنصر ال "‪ ،‬ما كان الداعي لن ينزل قرآنٌ يُتلى في الصلوات وفي‬
‫غيرهيا ويُدوّن فيي المصياحف إلى أن يرث الرضَي خالقُهيا؟!! ميا كان الداعيي لنزال هذا القرآن‬
‫بهذه الحالة ليخيبر الناس بميا يجري بيين دولتيين كافرتيين فيي ذلك الوقيت لول أن هذه الدعوة دعوة‬
‫عالميية وأن ال تعالى يرييد أن يُفتّحي أذهان المسيلمين لدراك ميا عسيى أن يضطلعوا بيه مين قيادة‬
‫النسيانية‪ .‬هكذا كان القرآن الكرييم يربيي هذه المية مين أول وهلة‪ ،‬فالنطواء وعدم فهيم ميا يجري‬
‫فيي العالم وعدم تتبيع الحداث كيل ذلك لييس مين شأن المسيلم القوي الذي يحيب أن تكون العزة ل‬
‫ولرسوله وللمؤمنين‪ ،‬الذي يريد أن تسود كلمة الحق وأن تخمد كلمة الباطل‪.‬‬
‫ومييع ذلك كله فإن هذا العلم الي ُيتَعلّم يجييب أن ندرك جميعاً أنييه ليييس نظريات وإنمييا هييو منهييج‬
‫تربوي‪ ،‬منهجٌي ربانيي يجيب علييه النسيان؛ فالعلم الشرعيي لييس هيو مسيائل يتعلمهيا النسيان ليتقين‬
‫حفظها وفهمها فحسب‪ ،‬وإنما هو منهج رباني يجب أن يعيش النسان عليه وأن يموت عليه‪ ،‬وال‬
‫حمّلوا‬
‫سبحانه وتعالى قد نعى على أهل الكتاب أنهم لم يتحملوا أمانته بحق عندما قال‪ " :‬مثل الذين ُ‬
‫التوراة ثييم لم يحملوهييا كمثييل الحمار يحمييل أسييفاراً بئس مثييل القوم الذييين كذبوا بآيات ال وال ل‬
‫يهدي القوم الظالمين "‪ .‬هذا المثل كما انطبق على أهل الكتاب ينطبق على هذه المة إن لم تتحمّل‬
‫أمانة القرآن بحق وإن لم يكن هذا القرآن يتمثل واضحًا جلياً في تصرفاتها وفي أعمالها؛ ومن هنا‬
‫كان الواجيييب على طالب العلم أن يتقيييي ال سيييبحانه وتعالى وأن يخلص له عمله وأن يخلص له‬
‫طلبه للعلم وأن يعيش ما بين زملئه وما بين إخوانه وفي مجتمعه وما بين أمته مشعل هداية يرى‬
‫الناسُ الحق ماثلً في سلوكه ويدعو الناس إلى الحق بأعماله أكثر مما يدعوهم بأقواله‪ ،‬وهكذا كان‬
‫السلف الصالح‪ ،‬فالذين رباهم رسول ال صلى ال عليه وسلم على مائدة القرآن إنما كانوا يتمثلون‬
‫هذا القرآن‪ ،‬كانوا أحرص ما يكونون على تجسيد تعاليمه وقيمه وترجمة هدايته ومراشده في كل‬
‫تصرفاتهم وفي كل أعمالهم‪ ،‬فلذلك انساق الناس إلى اعتناق هذا الدين ودخلوا فيه أفواجاً بقناعتهم‬
‫بأن هذا الديين الذي شاهدوه فيي سيلوك الدعاة إلييه هيو الحيق الميبين‪ ،‬والذيين دخلوا فيي هذا الديين‬
‫معظمهيم ميا كانوا يحسينون لغية القرآن التيي كان ينطيق بهيا أولئك الدعاة وأولئك الدعاة ميا كانوا‬
‫يحسنون لغة أولئك المدعوين‪ ،‬ولكن كان سلوك الدعاة ذا أثر بالغ في نفوس الناس‪ ،‬فتسابق الناس‬
‫إلى اتباع هذا الديين ودخلوا فييه أفواجًا بمشيئة ال سيبحانه وتعالى‪ ،‬ميع أن ذلك العهيد كميا تعلمون‬
‫جميعًا لم تكين تتوفير فييه الوسيائل التيي تتوفير فيي عصيرنا هذا‪ ،‬لم تكين تتوفير فييه وسيائل العلم‬
‫التيي تتوفير فيي هذا العصير وإنميا كانيت وسييلة العلم الكلمية وحدهيا ولكين الكلمية كانيت تنبيع مين‬
‫أعماق النفيس فل تقيف حتيى تغوص فيي أعماق النفيس أيضاً؛ وميا كانيت عندهيم وسيائل مواصيلت‬
‫التي هي متوفرة في هذا الوقت وإنما كانت وسائل بدائية إما أن يكونوا مشا ًة على القدام وإما أن‬
‫يكونوا ركباناً على ظهور الدواب وإمييييا أن يكونوا ركاباً على ألواح البحيييير‪ ،‬هكذا كانوا يكابدون‬
‫غصيص الحياة فيي ذلك الوقيت ويعانون شدائدهيا وميع ذلك نشروا كلمية ال فيي أصيقاع الرض‪،‬‬
‫وكانوا كميا يقول نابليون القائد الفرنسيي الشهيير‪ ( :‬لقيد افتتيح العرب نصييف الكرة الرضيية فيي‬
‫نصيف قرنٍي مين الزمان )‪ .‬هذا أم ٌر يحيير اللباب‪ ،‬ولكين الذي يدرك السير يعرف أبعاده ويكشيف‬
‫طواياه‪ ،‬فالسيير إنمييا يكميين فييي اتباع أولئك الناس الذييين كانوا دعاة وكانوا فاتحييين لتعاليييم الحييق‪،‬‬
‫فالناس كانوا ظامئييين بفطرتهييم إلى مثييل هذه التعاليييم وأدركوا بغيتهييم مين خلل اتصييالهم بهؤلء‬
‫الدعاة واتصال الدعاة بهم ورأوا الحق ماثلً في سلوك الدعاة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫عظمة العلم‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬
‫وميين هنييا كان الواجييب على طالب العلم قبييل كييل شيييء أن يكون حسيين الخلق فييي تعامله مييع‬
‫مدرسيه‪ ،‬وأن يكون حسين الخلق فيي تعامله ميع إخوانيه وزملئه الطلبية فل يسيتعلي الكيبير على‬
‫الصغير ول يحتقر الفاهم غير الفاهم ول يحتقر الذكيُ الغبي‪ ،‬وإنما يحرص على تعليمه ويحرص‬
‫على مساعدته في المذاكرة ويحرص على إرشاده بحسب ما يمكنه‪ ،‬على الجميع أن يكونوا إخواناً‬
‫كميا يقول الرسيول صيلى ال علييه وسيلم‪ (( :‬ترى المؤمنيين فيي توادهيم وتراحمهيم وتعاطفهيم كمثيل‬
‫الجسييد إذا اشتكييى له عضوٌ تداعييى له سييائر الجسييد بالحمييى والسييهر ))‪ .‬وإذا كان هذا فيمييا بييين‬
‫المؤمنيين جميعًا ميع بعيد فناء ديارهيم وميع عدم اجتماعهيم جميعاً فيي مكانٍي واحيد فكييف إخوانٍي‬
‫زملء فيييي طلب العلم‪ ،‬كييييف ل يكونون متعاونيييين على الخيييير يحرص كيييبيرهم على إرشاد‬
‫صيغيرهم ويحرص ذكيهيم على تنيبيه غيبيهم حتيى يكونوا جميعًا فيي الرشيد وفيي الخيير سيواء؟!!‬
‫على أن الرسييول صييلى ال عليييه وسييلم يقول‪ (( :‬ل يؤميين أحدكييم حتييى يحييب لخيييه مييا يحييب‬
‫لنفسيه ))‪ ،‬فمحبية الخيير للخ إنميا هيي مين معالم اليمان وهيي دلييل لتصيال هذا المؤمين بربيه‬
‫سيبحانه وتعالى‪ ،‬فإن ال سيبحانه وتعالى يحيب مين عباده أن يكونوا متعاونيين على الخيير متآزريين‬
‫عليه يشد بعضهم أزر بعض‪.‬‬
‫وميع حسين المعاملة المطلوبية فيميا بيين الطلبية أنفسيهم يُطلب منهيم أيضاً أن يحسينوا التعاميل ميع‬
‫الخريين‪ ،‬فإذا واجهوا العوام الذيين ل يعرفون مين أمير دينهيم شيئًا ل يحتقروهيم مين أجيل عاميّتهيم‬
‫وجهلهيم بيل عليهيم أن يذكّروهيم ويدركوا أن تعلييم أولئك وإرشادهيم ودعوتهيم إلى الخيير أمان ٌة فيي‬
‫أعناقهم‪ ،‬وأن ال سبحانه وتعالى يسألهم عن ذلك يوم القيامة‪.‬‬
‫ثم أريد أن أعود مر ًة أخرى إلى ما بدأته من قبل عندما قلت بأن في قول الحق سبحانه وتعالى‪" :‬‬
‫إقرأ باسييم ربييك الذي خلق * خلق النسييان ميين علق * " تذكيراً لهذه الميية وتنييبيهًا لهييا بأن هذه‬
‫الرسالة هي رسالة عل ٍم يُطلب ويُحصّل ولذلك أمر ال سبحانه وتعالى رسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫بالقراءة عندمييا قال له ‪ " :‬اقرأ "‪ ،‬أريييد أن أعود إلى ذلك مر ًة أخرى فأقول إن وقييت الطالب هييي‬
‫غنيمةٌ له فإن أضاعوا وقتيه فقيد فرّط فيي غنيمتيه‪..‬فراغ الطالب غنيمية‪ ،‬فعلى الطالب أن يسيتغل‬
‫وقتيه فيي المذاكرة؛ وقيد سيمعت أحيد شيوخنيا – رحمهيم ال – يقول‪ :‬إن طالب العلم كمثيل الجميل‬
‫يأكيييل بالنهار ويجترّ باللييييل‪ ،‬فهيييو يحرص على أن يدرس فيييي النهار ويحرص بعيييد ذلك على‬
‫ل ول نهاراً‪..‬ما تلقاه من العلم في نهاره يعود إليه في الليل‬ ‫المذاكرة في الليل‪ ،‬ل يفرط في وقته لي ً‬
‫ويحرص على مذاكرتيه ليرسيخ فيي قرارة نفسيه‪ ،‬فإن السيلف يقولون‪ :‬حرفٌي بقلبيك خي ٌر مين ألفٍي‬
‫بكتبيك‪..‬ويقول العلماء المعاصيرون‪ :‬حرفٌي برأسيك خي ٌر مين ألفٍي فيي كتاب‪ .‬فحرص النسيان على‬
‫دراسية العلم فيي جمييع أوقاتيه ميع عدم التفرييط فيي شي ٍء مين هذه الوقات مميا ل بيد منيه لطالب‬
‫العلم‪ ،‬وعلى طلبيية العلم أن يدركوا أن المشائخ إنمييا عليهييم أن يأخذوا بأيديهييم إلى طريييق العلم‪،‬‬
‫فالمشائخ ل يلقنونهيم كيل شيءٍ‪ ،‬إنميا المشائخ يلقنونهيم ميا ُقرّر فيي الدراسية مميا يتسيع له الوقيت‪،‬‬
‫ولكين على طالب العلم بعيد ذلك أن يجهيد بنفسيه‪ ،‬أن يجهيد فيي المذاكرة‪ ،‬وأن يجهيد فيي المطالعية‪،‬‬
‫فيي مطالعية ميا لم يتلقيه مين الشييخ؛ فالشييخ إنميا يفتيح له باب المطالعية مين خلل تلقينيه ميا يلقّنهي فيي‬
‫المادة التييي يعلمييه إياهييا‪ ،‬وليييس على الشيييخ أن يعلمييه كييل شيييء‪ ،‬إنمييا الطالب يعتمييد على‬
‫اجتهاده‪..‬يعتمييد على دأبييه ‪..‬يعتمييد على ذكائه الذي ينمّيييه بكثرة الجتهاد والسييير قدماً فييي طريييق‬
‫تحصيل العلم‪.‬‬
‫فأسيأل ال سيبحانه وتعالى أن يوفقنيا وإياكيم لن يعلمنيا ميا لم نكين نعلم وأن يفهمنيا ميا لم نكين نفهيم‬
‫وأن يهدينيا إلى الطرييق القوم وأن يوفقنيا للعميل بميا نعلم‪ ،‬إنيه بالجابية جديير نعيم المولى ونعيم‬
‫النصير‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت ال ل إله إل أنت الواحد الحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد‬
‫ولم يكين له كفوًا أحيد‪ ،‬نسيألك ربنيا أن تبدلنيا بكيل جهلٍ علميا‪ ،‬وبكيل غيٍي رشداً وبكيل ضلل ٍة هدىً‬
‫وأن تجعيل لنيا إلى كيل خيرٍ سيبيل‪ .‬اللهيم علمنيا ميا لم نكين نعلم وفهمنيا ميا لم نكين نفهيم واهدنيا إلى‬
‫الطريييق القوم ووفقنييا إلى العمييل بمييا نعلم يييا ال يييا ذا الجلل والكرام‪ .‬اللهييم آت أنفسيينا تقواهييا‬
‫وزكهيا أنيت وليهيا ومولهيا لك مماتهيا ومحياهيا أنيت خيير مين زكاهيا‪ ،‬وصيلى اللهيم وسيلم وبارك‬

‫‪8‬‬
‫عظمة العلم‬
‫محاضرة لسماحة الشيخ الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان‬
‫على عبدك ورسييولك سيييدنا محمييد وعلى آله وصييحبه أجمعييين‪ .‬سييبحان ربييك رب العزة عمييا‬
‫يصفون‪ ،‬وسلمٌ على المرسلين والحمد ل رب العالمين‪.‬‬
‫وشكراً لكم والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪.‬‬

‫‪9‬‬

You might also like