Professional Documents
Culture Documents
محمد أبو القاسم حاج حمد – لبنان – الشويفات -جّوال 727833 / 3 00961
منزل 433519 / 5 00961 :ص.ب30062 .
المارات العربية المتحدة -جّوال 7212219 / 50 00971
Email: haj_hamad @ hotmail.com
إسلمية المعرفة:
فهرست المحتويات
-1عرض ومراجعة:
-2نقد وتصويب :
-3ظهور إشكالية التأصيل :
-4اتساع الخلط :
-5نقائض مكتبة أسلمة المعرفة :
-6إسلمية المعرفة :الصول والتمويه:
" -7العلواني" يخفي في نفسه ما ال مبديه :
-8القرآن:هل هو مصدر نظريات وإعجاز علمي أم مصدر مؤشرات منهجية ؟
-9العلوم البحتة والحالة المادية :
-10شرعة السلم والحاكمية اللهية والستخلف :
-11لماذا "السلمة" وليس "الكونية" ؟
-12علمانية الدولة وأولى المر منكم والتشريع :
-13نهى الرسول عن تدوين الحديث وكذلك الراشدون
فانتحلوا الحديث لبطال شرعة التخفيف والرحمة:
-14الفارق بين " الخمار " و " الحجاب " :
ي": -15الفارق بين " الزينة " و " الحل ّ
-16علمنة الدولة ضمانة للحريات والمحاسبة :
-17هل الخلص على يد العولمة المريكية ؟
-18المخرج :إسلمية المعرفة ) الجدلية الثلثية والرؤية الكونية ( :
-19الموقف المنهجي من الحركات السلمية
ما هو المطلوب :التدمير أم التجديد؟
" -20عقلنية" ابن رشد السلمية وتأسيس "العلمانية" الوروبية:
-21مشكلتنا على الصعيد الحركي والفكري:
-22اغتيال مرحلة فكر النهضة:
-23مواجهات واستجداء لطرح المنظومة البديلة:
في التربية والتعليم والثقــافة والعــلم:
-24النظمة بين سندان الصولية والمطرقة المريكية:
-25إسلمية المعرفة :الحرية والتعددية:
-26شرعة السيف في جزيرة العرب والمة الوسط :
-27ما بعد الرسول ليس جهادًا ولكن تدافعًا وتوسعًا :
-28التدافع " العربي -السرائيلي " " السلمي – اليهودي " :
-29لماذا استمرارية التدافع العربي /السرائيلي ؟
-30والتساؤل :لماذا قضى ال بالعودة والتدافع ؟
-31الصطفاء والعرقية:
-32إشكالية " واعظي " و " كمال عبد اللطيف "
كيف يكون الجمع بين " شكل " الحكم الديموقراطي
الليبرالي العلماني المدني و " نظام " الحكم السلمي ؟
-33خيارات التجربة الغربية بين الشكل والمضمون :
-34المجتمع المدني والديموقراطية) ديموقراطية المجلسين (:
-35زيف الديمقراطية والقضاء الثيني:
لماذا رفض سقراط "الستئناف" وشرب السم؟!
-36مجتمع الطاعة والعبيد:
-37مميزات المجلسين الديموقراطيين
)النيابي التشريعي – الفئوي المدني (:
-38خاتمة:
-39لماذا لم يستخلف الرسول؟
2
-40ونختم بما ختم به خاتم الرسل والنبيين:
-41ملحق أ :حول الرادة اللهية وعلقة الزمان بالمكان:
-42ملحق ب :حكمة التوقيت اللهي في الزمان والمكان:
-43الهوامش:
3
عرض ومراجعة:
طالعتنا صحيفة " الشرق الوسط " – الحد 22/6/2003العدد 8972
بثلث مقالت كتبها منظرون عرب حول " أسلمة المعرفة :هل تقودنا نحو "
السلم الشمولي " ؟ وهم " عبد العزيز الخضر " و " عبد الوهاب المسيري " و "
حرب " .
باستثناء د .المسيري فقد فهم د .حرب إن أسلمة المعرفة هي " ردة فعل
عقائدية على التفوق المعرفي الغربي وتغليب لعقلية الدعوة والنضال على لغة الفهم
والمعرفة " وأنها تعني " أن هناك منظومة معرفية تخص المسلمين وحدهم " وربط
ذلك بمماثلت القول حول " الحاكمية اللهية " و " نظرية الستخلف " وأن مقولة
السلمة " تصنيف للعلوم والمعارف على أساس ديني ربما يتعارض مع تصنيفات
العالم للعلوم طبقًا لمجالتها بل ربما يتعارض مع تصنيفات العرب الوائل للعلوم
بين عقلي ونقلي وبرهاني وعرفاني " ،وانتهى إلى القول بأن " أسلمة المعرفة
آحادية شمولية وماثلها بدعاوى الصوليين حول الفرقة الناجية ،واتهم إسلمية
المعرفة بأنها تقويض لمشاريع التحرر من الهيمنة لنه أمام انغلقها تترك للخرين
حرية التفكير لنا لنهم يفكرون عالميًا " .
المنظر الخر وهو " عبد العزيز الخضففر " جعففل مففن إسففلمية المعرفففة
امتدادًا في عقودهففا الخيففرة لمفا كففان مففن محففاولت بسففيطة تمففت ففي أوائل القفرن
الماضففي وأنهففا تأخففذ اكففثر مففن اتجففاه ،بعضففها محاولففة لبففراز بعففض الجففوانب
العجازية في القرآن والسنة النبوية وبعضها الخر في التنقيب عن الجهففود العلميففة
المتميزة الموجودة في تراث الحضارة السلمية في أكثر من مجال كمحاولة لوضع
صيغة إسلمية للعلوم الطبيعية والنسانية.
وأشار في المقابل إلى أن مفهوم إسلمية المعرفة " من شأنه تشكيل
إعاقة معرفية في المستقبل لن العلم وآلياته – خارج الحكام الشرعية -يغلب عليه
طابع الحياد ويتضح هذا الحياد غالبًا في مجال العلوم الطبيعية ".
جدية في مجال أسلمة المعرفة وبعد أن صرح بقراءته لبعض الجهود ال ّ
يرى " وجود إشكاليات تؤثر على العقل العلمي السلمي وكذلك يرى وجود خلل
علمي في جوانب المقدرة لدى الباحثين بفقدانهم للتكامل العلمي من حيث قدراتهم
على استيعاب العلم الذي يبحثون فيه – علوم طبيعية أو إنسانية -مع إقحام
النصوص الشرعية واليات وبعض مقولت علماء السلف في أسلمة المعرفة " وأن
" التطرف في هذه – السلمة العلمية – سيقودنا بالتأكيد إلى فكرة السلمة الشمولية
وهي جزء من هذا الوهم المعاصر الذي لم يكن يشغل بال العلماء السابقين " .
في الفقرة الخيرة يتفق " خضر " مع " حرب " حففول محففاذير الشففمولية
الحادية .
ركز المنظر " المسيري " جهده على طرح إسلمية المعرفة بوصفها
ل مع الجهود الغربية لفك الرتباط بين إنسانية النسان " أنسنة النسان " و تواص ً
" مادية الطبيعة " ومن هنا قوله :
4
" إن مشروع أسلمة المعرفة يبدأ كمشروع أنسنة المعرفة أي استعادة
الفاعل النساني كمقولة ) مادية روحية ( ل يمكن ردها إطلقًا إلى عالم المادة
وتتطلب دراستها مناهج خاصة ونماذج مركبة تحوي عناصر مادية وغير مادية ،
ولكون تعريف النسان ككائن ) روحي مادي ( وكظاهرة غير طبيعية غير مادية
يشير في النهاية إلى ما وراء الطبيعة ،إلى ال سبحانه وتعالى " .ويرى المسيري
" أن الثنائية بين النسان والطبيعة ستظل واهية ما لم تكتشف الثنائية بين الخالق
والمخلوق .فالخلف يصب في المصدرية لهذه الثنائية التي يرون مصدرها مجرد
انفصال النسان عن الطبيعة -دون ذكر لمصدر هذا النفصال – وتحوله إلى كائن
حضاري يعيش داخل منظومات معرفية وجمالية وخلقية ولدها بنفسه " وعليه "
يصبح النسان النقطة المرجعية النهائية المر الذي سيجعله يتحول تدريجيًا إلى
البديل الميتافيزيقي للله في المنظومات التوحيدية " .
أما مخرج صحيفة الشرق الوسط فقد بدا كمشارك رابع مع المفكرين
الثلثة حين صّدر الصفحة برجل " كهل " يعتمر كوفية وهو يقرأ القرآن " جلوسًا "
على الرض وفي هذا إيحاء كبير ومقالة إل أنها مصورة .
وللدكتور " رضوان السيد " رأي مماثل لما ذهب إليه " خضر " ورد في
ورقته التي قدمها لمنتدى الفكر العربي عام 1987بعنوان " الحركة السلمية
والثقافة المعاصرة " ) (1حيث أنه يشير إلى إسلمية المعرفة بوصفها " بدعة
جديدة اخترعها إسلميون بالغرب ورجع إلى الكتاب التعريفي بها والصادر عن
سلسلة إسلمية المعرفة 1401هف 1981 /م .
نقد وتصويب :
لو أن " إسلمية المعرفة " أو " إسلم المعرفة " هي ما طرحه المنظر "
حرب " بشأنها ،فإنها ستشكل قياسًا إلى الثقافة العالمية المعاصرة توجهًا " زيلوتيًا
" بما هو أخطر من الحركة الصولية .فالزيولوتية Zealotهي النتماء إلى حد
التعصب والهوس لفكرة أو عقيدة بكيفية آحادية شمولية تصادر الخر وتقاوم الغير
كما ظهرت على يد اليهود في العقد السادس من القرن الول الميلدي حين ووجهوا
بقوة روما وحضارتها (2) .
كما أن " حرب " لم يفرق بين مدرسة " التأصيل السلمي " ومدرسة "
إسلمية المعرفة " حين وجه نقده لولئك " الذين يفتشون عن نسب أو سبق إسلمي
لكل إنجاز غربي " وهذا ما يفعله – على حد قول حرب – " بشكل خاص ومن
ي فكري أصحاب التفسير العلمي الذين يعتبرون أن القرآن قد غير حياء خلقي أو تق ّ
استبق العلماء في ما اكتشفوه من النظريات في حقول كالنفس والطب والفلك
والجغرافيا ،وهكذا بدًل من أن يكون الشاغل الساسي هو إنتاج معارف جديدة
حول الواقع والعالم والنسان تطغى العتبارات اليديولوجية والنضالية التي تجعل
دعاة السلمة يتوهمون بأن ما عرفه الغربيون قد سبقناهم إلى اكتشافه ،أو بأننا
نملك منظومة معرفية شاملة تقدم أجوبة شافية على كل السئلة والقضايا والمشكلت
،وتلك هي ثمرة النرجسية الثقافية وعبادة الصل وهواجس الهوية :الدعاء
5
ل عن السطو على المعارف التي ينتجها الغربيون من أجل والقصور والجهل ،فض ً
نسبتها إلى السلم والمسلمين " .
ما ذهب إليه " حرب "هو نقد موجه إلى مدرسة " التأصيل السلمي "
وليس إلى إسلمية المعرفة ،والخلف بين المدرستين ناشئ منذ الستينات ،فمدرسة
ل النهج الذي هاجمه " حرب " .وقد أثبتت هذه المدرسة فشلها التأصيل اعتمدت فع ً
ولم يعد يتحمس لها حتى الدكتور " فهد بن عبد ال السمارى " الذي تولى عمادة
البحث العلمي في “ جامعة المام محمد بن سعود السلمية " .فهناك عدد من
الكتاب السلميين الذين ينتمون لحركات إسلمية أصولية وفدوا إلى المملكة
وأشاعوا فكرة التأصيل بل ومفاهيم " الحاكمية اللهية " على نهج " أبو العلى
المودودي ) " (1979 / 1903و " سيد قطب ) . " ( 1966 / 1906
وظهففرت بمففوازاة " التأصففيل السففلمي " فففي جامعففة المففام " الجمعيففة
السعودية للعلوم التربوية والنفسية " وعقدت ندوة " التأصيل السلمي للتربية وعلففم
النفس ) 1413هف 1993 /م ( ثم ُدفعت المحففاولت الففتي كففاد معينهففا أن ينضففب
بتأسيس " مركز البحوث والدراسات السلمية " بإشراف وزارة الشؤون السلمية
والوقاف " في المملكة وأصدر المركز مجلة " الباحثون "
ظهور إشكالية التأصيل :
واجه الكاديميون السعوديون ومنذ إصدارهم العدد الثاني لمجلففة المركففز
ل بيفن " التأصفيل " و " السفلمة " ) الباحثون ( عام 1996إشكالية ما ظنفوه تفداخ ً
فعقدوا ندوة ضمت الدكاترة " عبد ال بن إبراهيم الوهيبي " و " عبففد الف بففن محمففد
احمد الطيار " و " صالح بن إبراهيففم الصففنيع " و " شففوقي احمففد دنيففا " وجعلففوا "
السلمة " مماثلة " للتأصيل " .
كانت النزعة التي أدانها " حرب " غالبة على أعمال تلففك النففدوة ويمكففن
اقتباس الفقرات التالية من وقائع الندوة(3) :
" يجدر بنا أن نشير إلى أن الهدف من مشروع ) أسلمة ( العلوم هو )
تأصيل ( العلوم النسانية على هدى من المبادئ العامة للسلم والمقاصد الكلية
لشرعه القويم " .وفي موضع آخر " حينما فتح المسلمون الوائل العالم أصلوا ما
ل إسلميًا ببيان ما يدل عليه من نصوص الكتاب والسنة ، أخذوه عن الخرين تأصي ً
وأضافوا إليها إضافات كثيرة جددوا فيها تجديدًا كبيرًا على مر العصور المتطاولة ،
فصاغوها صياغة جديدة وفق منهج إسلمي صحيح فترعرعت هذه العلوم في ظل
دولة السلم ،ووصلت إلى أقصى درجات الرقي والتطور ،إلى أن تسلط
الوروبيون على المسلمين واحتلوا بلد السلم واخذوا هذه العلوم عن المسلمين
فاستفادوا منها وأبعدوها عن المنهج السلمي وبنوها على اللحاد واللدينية
) العلمانية ( وراحوا يضيفون أليها ويطورونها بينما توقف المسلمون في مجال
البحث والتطوير فترعرعت تلك العلوم في دول الوروبيين التي سيطرت على دول
السلم وحالت بينها وبين البحث والتطور في مجال هذه العلوم ".
ويجب أن نشير أنه بالرغم من هذه التوجهات جرت في النطاق الكاديمي
السعودي محاولت لللتفاف على هذه الدغمائية في " التأصيل " بهدف إغلق
6
المنافذ على نمّو الحركات الصولية التي بدأت في النشاط منذ انتهاك حرمة الحرم
المكي .في 20نوفمبر ) تشرين ثاني ( 1979ثم تصاعدت وتيرتها في عام
1994حين تحولت إلى منطق المذكرات التي طالبت بولية الفقيه ) السني ( عام
93/1994م – ) مذكرة 19/3/1413هف ( غير أن جهود اللتفاف لم يتحقق لها
النجاح ) (4فبقيت البرامج التعليمية والثقافية والعلمية والخطب التوجيهية في
المساجد في قبضة الصوليين إلى أن حدثت الزمات الخيرة والراهنة التي اتخذت
طابع المواجهة ما بين الصولية الدينية والنظام السياسي .وهذه المواجهة قديمة في
تاريخ المملكة منذ الصراع بين مؤسس الدولة السعودية الثالثة عبد العزيز آل سعود
ي حركة الرطاوية بين العامين 1929 / 1926م . وأصول ّ
اتساع الخلط :
إذن فالخلط بين " التأصيل " و " السلمة " ل زال قائمًا ولم يتبين
الكاديميون السعوديون هذا الخلط ،وهناك غيرهم في السودان من دعاة التأصيل
حيث تم إنشاء أمانة تابعة للقصر الجمهوري بهذا السم يرئسها الدكتور " احمد علي
المام " لتؤصل قرارات الدولة مع قيام فرع في " جامعة الجزيرة – وادمدني" باسم
" معهد إسلم المعرفة " يعاني نفس ما يعانيه الكاديميون السعوديون ويرئسه
البروفيسور " محمد بريمة ".
وتتصدر نفس إشكاليات الخلط منهج الدراسات في كلية " معارف الوحي
السلمي والتراث الفرعي " في " الجامعة السلمية العالمية -ماليزيا " وقد
حاولت جهدي " فك الرتباط " بين المفهومين المختلفين تمامًا في محاضرة لي
بجامعة الجزيرة وبعنوان " إسلمية المعرفة – المفاهيم والقضايا الكونية – ولماذا
القرآن دون الكتب المنزلة الخرى ؟ -تاريخ 14أكتوبر /تشرين أول " 2000
وكذلك من قبل في محاضرة بتاريخ 21يناير /كانون ثاني 1993بعنوان "
التركيب بين الجدليات الثلث – الغيب والنسان والطبيعة " حيث ركزت على
ضرورة فهم البعاد الغيبية دون لهوت وبمعزل عن المفهوم اليديولوجي ،
وضرورة فهم التراث الديني ضمن تاريخانيته والخلفيات الثقافية المنتجة له وهي
غالبًا الخلفيات البرهانية والعرفانية والبيانية التي شخصها الدكتور محمد عابد
الجابري وآخرون ) (5مع ضرورة الهتداء بمنطق الحفر المعرفي للدللت كما
حددها " ميشال فوكو " ) . (6بذلك كنت أحاول تحرير التراث والمفهوم الغيبي من
اللهوت الذي يرفضه المنظر " حرب " .
أما جدل الطبيعة الذي ركبته ضمن الجدليففة الثلثيففة مففع الغيففب المتحففرر
من اللهوت فقففد طرحتففه ضففمن مفففاهيم " حلقففة فينففا " الففتي طرحففت أبسففتمولوجيا
المعرفة في علوم الطبيعففة وليففس مصففادرة إنجازاتهففا باسففم " التأصففيل السففلمي "
لها ،منطلقًا من " نفي الحتميات المادية " لها ) (7وقد فككففت حلقففة فينففا بوضففعيتها
الحداثية منذ عام 1923وإلى أهم مؤتمراتهففا وبالففذات المففؤتمر السففابع للفلسفففة فففي
جامعة أكسفورد عام 1929المسلمات المادية الدغمائية لفلسفة العلوم الطبيعية وبعد
أن زودت الحلقففة تفكيكيتهففا بمنجففزات " برترانــد رســل " فففي فلسفففة الرياضففيات "
وأنشتاين " في النسبية وآخرون .
7
أما جدل النسان المركب مع جدليتي الغيب والطبيعة فقد خرجت به عن
المعطيات الوضعية الطبيعية الضيقة للعلوم البايولوجية والسايكولوجية مؤكدًا على
تركيبه الكوني المطلق " باعتبار تخليقه نتيجة التوالد الجدلي لتفاعل كل الظواهر
الكونية من :
شاَها)
ل ِإَذا َيْغ َ
لَها)َ(3والّلْي ِ جّلَها)َ(2والّنَهاِر ِإَذا َ حاَها)َ(1واْلَقَمِر ِإَذا َت َضَ س َو ُ شْم ِ َوال ّ
حاَها)(6طَض َوَما َ لْر ِ سَماِء َوَما َبَناَها)َ(5وا ََْ(4وال ّ
ثم النتيجة:
ب َم ْ
ن خا َ
ن َزّكاَها)َ(9وَقْد َ ح َم ْ
جوَرَها َوَتْقَواَها)َ(8قْد َأْفَل َ سّواَها)َ(7فَأْلَهَمَها ُف ُ س َوَما ََوَنْف ٍ
ساَها)(10 َد ّ
الشمس /ج 30
فالنسان مطلق كامل الحرية والرادة ول متناه في نزوعه ضمن كونية
ل متناهية في الصغر ول متناهية في الكبر،كونية مطلقة وإنسان مطلق يحيط بهما
"إله أزلي" .
الوعي بهذه الكونية يتطلب وبما يتجاوز اللهوت والوضعية معًا إدراكًا
ل لمطلق النسان ومطلق الطبيعة ،ول يصدر هذا الوعي كونيًا مطلقًا ،كفيئًا ومعاد ً
ل عن من صدرت عنه إطلقية النسان واطلقية الطبيعة ، المعادل في اطلقيته إ ّ
أي " الله الزلي " ومن هنا كان التوجه نحو القرآن باعتباره كتابًا كونيًا معادًل
في اطلقيته للوجود الكوني وحركته بما فيه فهم النسان .
التوجه نحو القرآن يعطي كليانية المعرفة إطارًا كونيًا " يستوعب " ما
هو قائم من علوم في شتى المجالت بمنطق الوضعية الحداثية كما هي في
مضمونها المعرفي العلمي التفكيكي ثم " يتجاوزها " باتجاه الكونية خلفًا لمنطق "
التأصيل " والسرقات التي يرفضها " حرب " وأرفضها معه .
والتوجه نحو القرآن يستلزم القراءة العلمية المنهجية للقرآن بأدوات
معرفية جديدة تحرر الفهم القرآني مما لصق به ضمن " تاريخانية التراث " وهذا
جهد يقوم به وبعناء شديد المفكر" محمد أركون " ) (8الذي يرى من شروط انفتاح
الفكر العربي – السلمي على العقلنية الحديثة تفكيك مفهوم الدغمائية ومفهوم
الرثوذكسية الخاصين بالتراث .
وقد بحث الستاذ " محمد وقيدي " في إشكاليات المعالجة التراثية ضمن
الفلسفة الغربية المعاصرة ) (9حيث بدأ بإجراء حوار شامل مع العديد من
التجاهات وأوضح فرضيات الكثيرين من " عبد ال العروي " وإلى " الجابري "
حيث حمل على الخطاب الفلسفي التقليدي لنه ظل عاجزًا عن الستفادة من العلوم
النسانية بل ومتبنيًا الفكرة الكلسيكية التي تعتبر التفكير الفلسفي نمطًا أسمى من
التفكير يتناول مشكلت أساسية ) خالدة ( هي المشكلت الساسية للميتافيزيقيا فقط
حيث تتجلى في إغفال خصوصية واقع النسان العربي المعاصر وفي إبراز الرادة
والصرار على ) المطابقة ( بين السئلة التي يلقيها واقع هذا النسان الذي يعيش
زمانًا خاصًا وبين السئلة التي طرحتها أزمنة تاريخية مختلفة .وهناك مراجعات
" د .نصر حامد أبو زيد " لمفهوم " النص – دراسة في علوم القرآن " وبالذات ما
8
أتي عليه في الفصل الخامس حول ) الناسخ المنسوخ ( وهو من إشكاليات التراث
حيث تمتنع المقاربة النقدية العقلنية ) ، (10وهناك جهد مماثل في نفي النسخ "
للدكتور مصطفى زيد " وهو أستاذ للشريعة السلمية ) (11ويتضمن نقد النسخ
لحامد أبو زيد ما هو أخطر من النقد إذ يرد التهام لحبار اليهود الذين أسلموا
بالدس وهذا ما عمقنا معالجته في نهي الرسول عن كتابة الحاديث النبوية والدس
ث ويبحث الساتذة " عبد السلم بن عبد العالي عليه ضمن هذه الدراسة .وكذلك يح ّ
" و " محمد وقيدي " و " السعيد بن سعيد " و " كمال عبد اللطيف " و " المصطفى
حدية " و " محمد كداح " و " المختار الهرماس "في " إشكاليات المنهاج في الفكر
العربي والعلوم النسانية " ومهام البستمولوجيا المعاصرة بكيفية انتهت لن
يرفض د .كمال عبد اللطيف في بحثه حول " صعوبات الستعمال المنهجي للمفاهيم
" الوثوقية والجزم والحقيقة المطلقة ،والعلم الكلي ،والخصوصية العمياء ،و
الصالة المتفردة ،داعيًا إلى تعدد منهجي يقطع مع كل ضللت وأحادية الرؤيا
المنهجية " ). (12
وهناك مجموعة من المبدعين الذين كرسوا عدد " الملتقى " الول للبحث
في قضايا " السلم والحداثة والتجديد " حيث يتصدر القول(13) :
" كانت حاجتنا إلى الصلح والتجديد في القرن الماضي ملحة دون
شك ،ولكننا الن نجدها أكثر إلحاحًا من قبل ،فما سيواجهنا لن يكون بسيطًا وسه ً
ل
.و"التجديد" ليس هو ردة فعل خالص ،أو "خلصي" إنه تعبير عن معادلة دقيقة
بين الشكالت المعرفية في التراث ،وتلك التي طرحها الفكر المعاصر في إطار
منجزاته المعرفية الخاصة به ،وبين التحديات العميقة للحداثة التي تجد تجلياتها
في الثقافي والسياسي والجتماعي والمعرفي " .التجديد" باختصار موقف عملي
ليس خارجيًا صرفًا وليس ذاتيًا خالصًا ،إنه نتاج جدل بين الثنين" .
" ومن هذا المنطلق تطمح " الملتقى " في عددها هذا تقديم مساهمتها في
التجديد والبداع الفكري ،حيث عالجت موادها الموضوعات الرئيسية لشكالية
الحداثة والسلم ،وتاريخية هذه الشكالية في الفكر العربي والسلمي المعاصر ،
ففي محاولة دراسة الحداثة ووعيها باعتبارها أحد طرفي الشكالية ،تم مناقشة
مصطلحي الحداثة وما بعدها من خلل بحث " من أزمة الحداثة إلى فوضى ما
بعد الحداثة ..الغرب بين لحظتين " ،اعتمادًا على مفكري وفلسفة الحداثة ،
ومنظري ما بعدها ،حيث يتم التركيز على الخلفيات التاريخية لولدة المصطلحين ،
وتحليلهما .فليس ما "بعد الحداثة" إّل تعبيرًا عن مأزق "الحداثة" الذي وصلت
إليه ،مما يجعل السؤال عن "تجاوز الحداثة" ممكنًا ومبررًا ومشروعًا ،في
محاولة للوصول إلى تأسيس نظري ل "رؤية منهجية في فقه الواقع" انطلقًا من
مناقشة مفهومنا عن الواقع ،والشكاليات التي تواجهنا في دراسته ،وفقه الواقع ،
ل وتعمية في الفكرالذي يكتسب مشروعية مميزة باعتباره الميدان الكثر إهما ً
العربي والسلمي ،إنه يتوسط مكمن "الشكالية في علقة السلم والحداثة" ،
والتغيرات الضرورية التي يتطلبها التجديد الذي نطمح إليه.
9
وتشكل دراسة واقع الفكر السلمي المعاصر الذي بحث من خلل
"ظاهرة القراءة المعاصرة للقرآن :أيديولوجيا الحداثة" والسئلة الملحة التي
تطرحها الحداثة ،والتي بحثت في هذا العدد من خلل " السلم وحقوق النسان
وسؤال الحداثة" نوعًا من مجريات المحاولت التجديدية ،ومستفزاتها الراهنة ،
كما تشكل دراسة "تيار الصلح الديني في مصر – مدرسة الشيخ محمد عبده"
وصفًا لتجربة غنية ومؤسسة للجهود الصلحية السابقة ،والتي تستحق كثيرًا من
النظر والتوقف.
وفي سياق وعي الذات تأتي المراجعة التي تبحث دور "المعرفة ضد
السلطة" في تأسيس تراثنا الصولي السلمي".
وقد بذل "المبدعون" حقًا في عدد الملتقى ذاك الجهد المعرفي الذي يشففكل
رصيدًا لي " تجديد نوعي " وهم " عبد الرحمن الحاج إبراهيم " و " سعود المفولى
" و " جودت زيادة " و " احميدة النيفر " و " فرزاد حفاجي ميففرزا " و " أنففور أبففو
طه " و " محمد خروبات " و " محمد عنبر " و " سالم رشواني " .
قد ساهمت بحوث " الملتقى " فيما نحن بصدده لزاحة بني " التقليد
والتباع " و " مراجعة المعطى التراثي للمة على قاعدة التمثل المعرفي
ل لغرض الحضاري ،نقدًا وتجاوزًا ،فيما أسميه " الستيعاب والتجاوز " وصو ً
البناء الجديد ) التجديد النوعي ( .
فكل ما أتينا عليه من مفكرين مبدعين ،من جيلنا والجيل الذي يلينا يؤكد
أن لهذه المة من داخلها من سيضطلع بأعباء التجديد النوعي وإعادة صياغة
ل نبقى " جزرًا معزولة " وأن نتجاوز الرؤية مناهجنا التربوية والتعليمية شريطة أ ّ
الحادية.
تجاوزًا لحادية الرؤية المنهجية هذه تأتي جدلية الغيب والنسان
والطبيعة بمطلقاتها الثلث هذه لتأخذ كونيتها من القرآن وفق قراءة معرفية تستجيب
لما طرحناه حول نماذج النتاج الفكري والمنظرين الذين أتينا على ذكرهم .
نقائض مكتبة أسلمة المعرفة :
قد أوضحنا أن ندوة " أسلمة العلوم ضرورة حضارية أم ترف فكري ؟
" في السعودية قد أقرت – مع خلطها بين التأصيل والسلمة – بغيبة المنهج نظرًا
لحداثة مشروع السلمة .وأنه من الخطأ " الستمرار في منهج كل يسير حسب
تصوره " وطالبت بإنجاز " كتاب أكاديمي يتعامل بشكل كلي مع قضية أسلمة العلوم
النسانية دون الدخول المفصل في تناول الجوانب الفرعية للمعرفة " .
ل ،إذ أن الكثير من الكتابات
غير أني أضيف إلى ما ذكروه أمرًا جل ً
تحت مسمي اسلمة المعرفة أو إسلمية المعرفة يتناقض تماما مع اسلمة المعرفة
بالحيثيات البستمولوجية التي أوضحناها في التفاعل بين الجدليات الثلث ،فعوضًا
عن المنهجية العلمية المفتوحة نجد كتابات عن " الوسطية " بشكل تلفيقي وتوفيقي
وانتقائي ،والوسطية نقيض المنهج والمنهجية ،ونجد كتابات عن " أزمة المسلم " أو
" أزمة الفكر السلمي " تكتفي باتهام التخلف واللعقلنية فقط وكأنها كتابات
محدثة لمعتزلة جدد ،ونجد كتابات في " التفسير التاريخي السلمي " ل علقة لها
10
بأي نص قرآني حتى إنها لم تدرس مفهوم " التدافع " بين العرب والسرائيليين وفق
نصوص سور " السراء " و " الحشر " و " الجمعة " فيما سنوضحه لحقًا .غياب
كامل عن بحث الشكاليات التي فرضت إنشاء علم إسلمية المعرفة .فإذا أراد ناقد
ما هدم هذا العلم الناشئ يكفيه فقط الستشهاد بهذه الدراسات والتففي يصدر بعضها
تحت سلسلة " إسلمية المعرفة " .
إسلمية المعرفة :الصول والتمويه
إن أول مففن طففرح إسففلمية المعرفففة ليففس هففو " المعهففد العففالمي للفكففر
السلمي " كما افترض الستاذ " رضوان السيد " والتي اسماها " بدعة " أو " عبد
العزيز الخضر " بإشارة الول ) رضوان ( إلى كتاب المرحوم " إسفماعيل الففارقي
" بعنوان " اسلمة المعرفة – 1401هف 1981 /م " وبإشارة الثاني ) خضر ( إلى
العقود القليلة الماضفية " وجعلهفا امتفدادًا للمحففاولت البسففيطة الفتي تمففت ففي أوائل
القرن الماضي " ولعله يعني محاولت التجديد في مرحلة فكففر النهضففة الصففلحي
الففتي حففددها " الففبرت حففوراني " ) (14و "علففي المحافظففة " ) (15و " عبففد ال ف
العروي " ) (16بالفترة ما بين 1798والى . 1939وهي الفترة التي ظهرت فيهففا
أسففففماء " جمففففال الففففدين الفغففففاني ) (1839/1897و " محمففففد عبففففده " )
(1849/1905و" خير الدين باشا التونسي " ) (1810/1879و " عبد الرحمففن
الكواكبي " ) (1848/1902و " علففي عبففد الففرازق " الففذي أصففدر كتففابه المميففز
النافي لرتباط السلم بالخلفة بعنوان " :السلم وأصول الحكففم " عففام ).1925
(17
هنا لم يميز " خضر " بين " المحاولت الصلحية التجديدية " التي تقوم
على الجتهاد النظري التأويلي القرب إلى الميتافيزيقيا بالرغم من ثوريتها والمنهج
المعرفي للسلمة ،تمامًا كما لم يميز " حرب " بين " التأصيل " و " السلمة ".
إن أول من منهج لسلمية المعرفة بطريقة معرفية معاصرة تكاد تقترب
من كتاباتنا ومحاضراتنا هو البروفيسور " سيد محمد نقيب العطاس " الرئيس
الحالي للمعهد العالي للفكر والحضارة السلمية في " كوالمبور " بماليزيا .وأهم
كتبه " مداخلت فلسفية في السلم والعلمانية " وقد صدر عام 1978باللغة
النكليزية ) (18وقد بدا نشاطه في إسلمية المعرفة منذ عام 1973حيث اصدر
وثيقة حولها " للمؤتمر العالمي الول للتربية والتعليم في السلم " والذي عقد في
مكة المكرمة في الثالث من أبريل ) نيسان ( . 1977وقد تبنى المرحوم " إسماعيل
الفاروقي " أفكاره في الكتاب الذي أشار إليه دكتور رضوان السيد ) إسلمية
المعرفة ( أما العطاس نفسه فقد استبعد تمامًا من كل المؤتمرات التربوية والسلمية
،حتى انه لم يدعى إلى مؤتمر عقد في إسلم أباد في شهر يناير /كانون ثاني
1982تحت مسمى " إسفلمية المعرفة " أو " أسلمة المعرفة " وهو المصطلح
الذي ولده العطاس دون غيره .
أما السبب في استبعاد العطاس فهو دمجه بين " العرفانية " ومحاولته
المنهجية "لتكييف" ما يسميه السلحة المعرفية الغربية ) البستمولوجي ( مع
استيعابه لتطور الغرب وفلسفته .هكذا خرجت مسارات " السلمة " من يد "
11
العطاس " وبقيت شعارًا بل منهج مما دفعه للحنق والغضب الشديدين خصوصًا وقد
تناول كثيرون موضوع " السلمة " من بعده فشوهوها وزيفوها مما دفع "العطاس"
للقول:
" ومنذ ذلك الوقت توالى عقد دورات عديدة للمؤتمر العالمي للتعليم
السلمي في مختلف العواصم السلمية ،ولكن لم تصلني أية دعوة لحضور تلك
حلت أفكاري بدون إثبات أي حق لي .ومنذ عام 1982م ظ ّ
ل المؤتمرات ،وانُت ِ
بعض العلماء المتطلعين للشهرة وبعض الحركيين والجامعيين والصحفيين يوالون
ق وأساليب غير محكمة ول مجّودة واستمّر ذلك المر إلى نشر أفكاري تلك بطر ٍ
يومنا هذا " .
" إن المسلمين ل بد أن ينتبهوا إلى المنتحلين والمزيفين .والمحاكون من
الجهلء إنما يرتكبون جرمًا كبيرًا وشّرا عظيمًا حينما يقومون بنشر القيم الهابطة
التي يفرضونها على الغافلين فرضًا ،لنهم بذلك يشجعون على الرداءة وينتحلون
الفكار الصلية فيقدمونها للتطبيق المتعجل ساعين إلى كسب الثناء والحمد الذي ل
ن َأ ْ
ن حّبو َ
ن ِبَما َأَتوا َوُي ِ
حو َ
ن َيْفَر ُ
ن اّلِذي َ
سَب ّ
حَ ل َت ْل شأنه يقولَ : يستحقونه ،وال ج ّ
ب َأِليٌم) – (188آل عَذا ٌ ب َوَلُهْم َن اْلَعَذا ِ
سَبّنُهْم ِبَمَفاَزٍة ِم ْ
حَل َت ْ
حَمُدوا ِبَما َلْم َيْفَعُلوا َف َ
ُي ْ
عمران /ج . 4ذلك لن الفكار الصلية ل يمكن أن تطبق بشكلها الصحيح إذا
عرضت بطريقٍة مغلوطة وسقيمة ،ومن يفعل ذلك فسينقلب حمده ذّما وسيندم على ُ
ما أقدم عليه .وكذا العمال الفكرية الصلية والمبتكرة إذا سرقت وعرضت بشكل
غير محكم فإنها حتمًا ستتعرض للتشويه والضياع " .
" ول غرو فإن النتيجة الحتمية لسوء السلوك إنما ُتهيئ المناخ المناسب
ل ُيتاجرون به بين الجماهير .ولن لظهور مغالين من الناس من جهلهم رأس ما ٍ
قيمة الفكار الجديدة وصحتها ل يمكن أن تتضح أو تتبلور إل من خلل قنواتٍ
وأطر مناسبة يضعها مخترع هذه الفكار شخصيًا ".
غير أنه مما يعوض عن ذلك ،الكتاب الذي أصدره مؤخرًا في عام
1998الستاذ ) وان محمد نور وان داود ( باللغة النكليزية بعنوان ) الفلسفة
والممارسة التربوية للسيد محمد نقيب العطاس ( ). (19
إن المشكلة مع معظم كتاب إسلمية المعرفة أنهم ل يبصرون الجانب
التفكيكي في البستمولوجيا العلمية المعاصرة ودحض المنهج المادي وحتمياته
وهو المر الذي تنبه له المنظر " المسيري " بنافذ بصيرته الفكرية حين مد جسور
إسلمية المعرفة إلى " النسانيين " الذين تحرروا من هيمنة المادية الطبيعية
وجعلوا العلقة معها ثنائية ) النسان – الطبيعة ( أمل أن يتواصل توجههم ليدركوا
الثنائية الكبرى بين ) ال – النسان ( عوضًا عن موقفهم الحيادي الذي يمكن أن
يدفع بهم " للعدمية " .
استبصار " المسيري " وهو من مستشاري المعهد العالمي للفكر
السلمي خطوة متقدمة غير أن ثنائية ال – عز وجل – والنسان ل تأتي بمعزل
عن ارتباط البعد الثالث بال وبالنسان وهو بعد الطبيعة نفسها في كليانية تتوحد
فيها بمنطق جدلي أبعاد الغيب والنسان والطبيعة .
12
قد شارك " المسيري " في مناقشة عرض كتابي " منهجية القرآن
المعرفية – أسلمة فلسفة العلوم النسانية والطبيعية " ) (20واطلع على النماذج
المطروحة لجدلية الغيب ) دون لهوت ( وجدلية النسان ) دون وجودية عبثية (
وجدلية الطبيعة ) دون مادية ( مع قراءة كل جدلية من داخلها وفق منهجها ،
الطبيعة والتفكيك في كون لمتناه في الصغر ول متناه في الكبر ،والنسان
واطلقية تكوينه الكوني ،والغيب في فعله ضمن العوالم الثلث :
) المر اللهي المطلق – الرادة اللهية النسبية – المشيئة اللهية الموضوعية
المقننة ( ،ففعل المر منزه متعال ،وفعل الرادة مقدس ونسبي يدرك بالقرانن
الدالة عليه ،أما فعل المشيئة فمبارك وموضوعي وظاهر في قوانين التسخير ،ثم
يأتي الربط المنهجي بين هذه الجدليات الثلث فنخرج بذلك من قبضة اللهوت
والخرافات والسطورة التي يزخر بها التراث الذي يجب أن نرده إلى تاريخانية
إنتاجه .فكل التراث يجعل فعل ال دون توسطات بين هذه العوالم مع أن ال يقول :
ن) (82يس /ج - 23فالمر يتحول ن َفَيُكو ُ
ل َلُه ُك ْ
ن َيُقو َ
شْيًئا َأ ْ
ِإّنَما َأْمُرُه ِإَذا َأَراَد َ
إلى إرادة ،ثم تتحول الرادة إلى مشيئة ظاهرة ،وكذلك يسبق ال آية فعله كلمح
حَدٌة
ل َوا ِ
خَلْقَناُه ِبقََدٍر)َ(49وَما َأْمُرَنا ِإ ّ
يٍء َش ْ ل َ بالبصر بما يسبق من تقدير ِ .إّنا ُك ّ
صِر) - (50القمر /ج 27 ح ِباْلَب َ َكَلْم ٍ
هذا هو الطار العريض لسلمية المعرفة التي تحرر فلسفة العلوم
الطبيعية من " الحالة المادية " وتحرر النسان من " الوجودية العبثية " وتحرر
الغيب من اللهوت والخرافات فتستقيم " الفلسفة الكونية " التي هي الوجه الفكري
الخر لسلمية المعرفة .
"العلواني" يخفي في نفسه ما ال مبديه :
الدكتور طه جابر العلواني يخفي في نفسه من " الستنارة " ما ال مبديه
في حالت ومواقف كثيرة ،مخالفًا بذلك الكثيرين من مؤسسي ومستشاري المعهد
العالمي للفكر السلمي في فرجينيا ،وهو رجل " دائم التعلم " وغير دغمائي ،
وينظر بروح نقدية لوضاع المسلمين وفكرهم " السائد " لهذا كتب " إصلح الفكر
السلمي بين القدرات والعقبات " ) (21و " أدب الختلف في السلم " )(22
وحاضر حول " الزمة الفكرية المعاصرة " و " الزمة الفكرية ومناهج التغيير ")
(23كما كتب حول " خواطر في الزمة الفكرية والمأزق الحضاري للمة
السلمية " ودفع لعقد العديد من الندوات كتلك التي عقدها لمناقشة بحثي عن "
منهجية القرآن المعرفية " في القاهرة في 11مارس ) آذار ( 1992م حيث
اعتبرها البعض من مستشاري المعهد " خروجًا " على فكر المعهد ،وهدد البعض
من مستشاري المعهد " دكتور محمد عمارة " بنفض اليد عن المعهد العالمي للفكر
السلمي إذا تبنى توجهاتي ) " : (24مثل هذا الفكر إذا ارتبط بالمعهد العالمي
للفكر السلمي فأعتقد أن الكثيرين الذين يحرصون على علقتهم بالمعهد يجبرون
ويدفعون دفعًا إلى قطيعة معه " .واتهم فكري " بالغنوصية " والدهى من ذلك أنه
ماثله بكتاب للشهيد السوداني المتصوف " محمود محمد طه " الذي أعدمه " نميري
" بتهمة " الردة " بتاريخ 18يناير ) كانون ثاني ( 1985م 27 /ربيع الثاني
13
1405هف ) ، (25وقد تشابه عنوانا كتابينا على الدكتور عمارة ،فكتابي عنوانه "
العالمية " – السلمية الثانية وكتاب الشهيد محمود محمد طه هو " الرسالة " –
الثانية من السلم حيث يماهي دوره بدور خاتم الرسل والنبيين ،ومنهج محمود –
خلفًا لمنهجنا – " صوفي تأملي " ومنهجنا يقوم على الربط بين " جدليات ثلث "
هي :الغيب والنسان والطبيعة ،ويتضمن كتابي " العالمية " نقدًا لمفاهيم محمود
محمد طه ونهجه ) (26في مقطع عنوانه ) شبهات التداخل بين " العالمية "
السلمية الثانية و " الرسالة " الثانية من السلم ( .
فالدكتور عمارة اتهمني ولم يقرأ لي ولم يقرأ لمحمود محمد طه ثم أنذر
بمقاطعة المعهد العالمي للفكر السلمي !!! وزاد إلى ذلك " وللسف نجد لفكر أبي
القاسم هذا انتشارًا في بعض البلد السلمية ..والعقيد القذافي يردد هذا الكلم
أيضًا " .في حين أني قد ميزت بوضوح بين منهجي في العالمية السلمية الثانية
وطروحات القذافي في " الكتاب الخضر " حول " :النظرية العالمية الثالثة " وذلك
حين ماثل الستاذ " إبراهيم الغويل " بين توجهاتي وتوجهات القذافي أثناء ندوة
عقدتها مجلة " رسالة الجهاد " في " مالطا " في الفترة ما بين 15وإلى 20نوفمبر
)تشرين ثاني( 1988م بعنوان " الدين والتدافع الحضاري " بحيث قلت وقتها أن "
الستاذ إبراهيم الغويل قد اغتال أقوالي وماثلها بالنظرية العالمية الثالثة ثم بّينت
الفارق المنهجي بيني وبين فكر القذافي في المجلد الول من العالمية السلمية
الثانية ) (27ويبدو أن القذافي نفسه الن غير متحّمس لفكاره .ول أدري مدى ما
بقي للستاذ إبراهيم الغويل من حماس ! أما أنا فل زلت – بحمد ال – على ما أنا
عليه .
ومضى د .عمارة لبعد من ذلك حين استشهد بالمرحوم الشيخ " محمد
الغزالي " ضد " منهجية القرآن المعرفية " وقد فوجئ حين قرأ رئيس الندوة
الدكتور طه جابر العلواني رسالة المرحوم الغزالي حول بحثي حيث وقف إلى
جانب البحث وكتب بالنص " :فالستاذ محمد أبو القاسم له أسلوب في الفكر عميق
البحث يعلو ويعلو حتى يغيب عن عينيك أحيانًا ،ولذلك فلن يستفيد من كتابه إ ّ
ل
مختصون كبار ،والمؤلف يعز القرآن الكريم إعزازًا كبيرًا ،ويرى بحق أنه أساس
فذ لسلمة العلوم الطبيعية والنسانية ،وليس فينا من يخالفه في حدود المعاني التي
شرحها وإن كنت أود البتعاد عن مصادمات ل تساوي مؤنة الشتغال بها مثل قصة
يأجوج ومأجوج ،وقصة الفداء العظيم لسماعيل بن خليل ال إبراهيم ،والبحث
القيم لن يخدشه حذف هذه القضايا وال ولي التوفيق " وقرظه خلفًا لدعاء د.
عمارة .ونص الرسالة موجود في وقائع الندوة – ص – 172/174الهامش . 20
ثم آخر هو الدكتور " جمال الدين عطية " من مستشاري المعهد أيضًا
حيث طالب بوضع ضوابط في تعامل المعهد مع الباحثين " .فل بأس من أن أذكر
بأننا في المعهد بحاجة إلى وضع ضوابط لمثل هذه البحوث ،وإّل لو ترك المر
مفتوحا على مصراعيه لما كان لدينا مانع من ان نجتمع ونناقش أطروحة أركون
وأطروحة حسن حنفي وغيرهم ممن يكتبون انطلقًا من تفسير معين للقرآن
الكريم ،فأنا أظن أن الولى قبل أن ندخل في مثل هذه النظريات والمناهج أن نضع
14
منهجًا للدخول فيها حتى تضبط الطريقة التي يتناول بها بحث مثل هذه المور ،
كما أني – من ناحية أخرى – أحذر من أن خروج مثل هذه البحوث سيفتح النور
الخضر لمن يتناولون فكرة إسلمية المعرفة بالهجوم ، ،وكلمة عابرة في كتاب
إسلمية المعرفة كانت موضوعًا لمقال كبير ل " السيد ياسين " ،فإذا كنا نسمح
بمثل هذه البحوث أن تحمل اسم المعهد فأنا أخشى أن يكون في هذا مادة كبيرة
ودسمة لفرج فودة وفؤاد زكريا وغيرهما ممن يتربصون بأفكار المعهد ولن يجدوا
أدسم من هذه الوجبة في تناول المعهد وأفكاره ،وأقتصر على هذا مما كنت أعددته
للملحظة الولى " )وقائع الندوة – ص (174/175الهامش . 20
وُوصف العلواني بأنه "واصل بن عطاء المعتزلي" – )ولد بالمدينة
المنورة عام 80هف – 700 / 699م وتوفى عام 131هف – 748/749م( وأن
العلواني يواصل عطاء "واصل " في القرن العشرين وذلك من قبيل الذم وليس
المدح ،وقد ترك المعهد العالمي للفكر السلمي ليدير بمنهجه التجديدي The
– Graduate School of Islamic and Social Sciences
. Leesburg – Virginia – U.S.Aولكنه ل زال في حالة " على من تقرأ
مزاميرك يا داود ؟! " فالمطلوب منه فقط أن يقول أن السلم صالح لكل زمان
ومكان ،أما كيف ؟ فكيفية العلواني فيها نظر !
وقد شمله الهجوم وإياي في كتاب " النقلبات البولصية في السلم –
المعهد العالمي للفكر السلمي نموذجًا " – للدكتور " محمد عمراني حنشي "
حيث ماثل جهودنا في السلم بجهود "بولص " في المسيحية حين أدخل عليها "
عقيدة التثليث " ومد الهجوم للمرحومين الشيخ " محمد الغزالي " ومن قبله الشيخ "
محمد أبو زهرة " و " محمد عبده " وكل تلمذته ومن تأثر به في الماضي
والحاضر). (28
القرآن:هل هو مصدر نظريات وإعجاز علمي أم مصدر مؤشرات منهجية ؟
الذين تعاملوا مع القرآن كمصفدر للنظريفات العلميفة التطبيقيفة والعجفاز
العلمي يماثلون الذين تعاملوا مففع خففاتم الرسففل والنففبيين كطففبيب وجففراح أيضفًا بمففا
نسبوه إلى مقامه المعصفففوم من " فصد " و "كي " وأعشاب معينة .فهذه ملصففقات
ل علقة لها بالقرآن ول بالنبوة ،وإنما هي للرتزاق .
إنه من خصائص القرآن انه يقدم مؤشرات منهجية كونية للخليقة
والتكوين حين يتحدث عن التخليق الكوني للنسان والنفس فيما تعرض له سورة
الشمس من متقابلت كونية متفاعلة جدليًا وبما يجعل حرية الرادة النسانية
والختيار من اصل التكوين فل نعود لمناقشات " المعتزلة والشاعرة والجهمية "
صل لنا القرآن الجوانب العلمية التطبيقية لهذا التفاعل في الجبر والختيار ولكن ل يف ّ
الجدلي الكوني في سورة الشمس ،فهذا عمل علماء الطبيعة وكلهم من أبناء
الحضارة الغربية وليس بينهم من يكتب في العجاز العلمي للقرآن .
العلوم البحتة والحالة المادية :
كذلك من المؤشرات المنهجية القرآنية الكونية الظواهر المتعاكسة في
قانون الطبيعة فحين يفترض علميًا أن ينتج عنصران مختلفان نتاجًا محددًا نجد أن
15
التفاعل بين عنصري الماء " الواحد " والتربة " الواحدة " يؤدي إلى تنوع وتعدد ل
ل على إعجاز علمي ولكن كدليل على كونية الخلق حيث تتفاعل متناه ،ليس دلي ً
عناصر الكرة الرضية بكافة منظومتها الفضائية دون أن يقول لنا القرآن كيف ؟
فذاك عمل علماء الطبيعة .
ونجد اليات الدالة على نتاج متعدد ومتنوع ول متناه من تفاعل عنصرين آحاديين
ت ِم ْ
ن جّنا ٌ ت َو َ جاِوَرا ٌ طٌع ُمَت َ ض ِق َ لْر ِ مختلفين في سورة الرعدَ :وِفي ا َْ
ضُ
ل حٍد َوُنَف ّسَقى ِبَماٍء َوا ِ ن ُي ْ
صْنَوا ٍ غْيُر ِ ن َو َ صْنَوا ٌل ِ خي ٌع َوَن ِ ب َوَزْر ٌ عَنا ٍ
َأ ْ
ن) – (4الرعد ت ِلَقْوٍم َيْعِقُلو َلَيا ٍك َ ن ِفي َذِل َ ل ِإ ّ لُك ِض ِفي ا ُْ عَلى َبْع ٍ ضَها َ َبْع َ
/ج .13فالتربة واحدة ) قطع متجاورات ( والماء واحد ) بماء واحد (.
كما نجد تناقض ذلك في سورة فاطر حيث ينتج عنصران مختلفان
شَراُبُه َوَهَذا ِمْل ٌ
ح ساِئٌغ َ ت َ ب ُفَرا ٌ عْذ ٌ ن َهَذا َ حَرا ِ سَتِوي اْلَب ْ نتاجًا واحدًا مشتركًاَ :وَما َي ْ
ك ِفيِهسوَنَها َوَتَرى اْلُفْل َ حْلَيًة َتْلَب ُ
ن ِ جو َخِر ُ سَت ْ
طِرّيا َوَت ْ حًما َ ن َل ْ
ل َتْأُكُلو َ
ن ُك ّ ج َوِم ْ جا ٌُأ َ
ن) – (12فاطر /ج .22 شُكُرو َ ضِلِه َوَلَعّلُكْم َت ْ
ن َف ْ خَر ِلَتْبَتُغوا ِم ْ
َمَوا ِ
وفي الحالتين ل يعطينا القرآن القوانين العلمية التطبيقية ول النظريات
فهذا كما قلنا عمل العلماء ،وإنما يعطينا مؤشرات منهجية على كونية الخلق
لنتجاوز الحالة الفلسفية لقوانين الطبيعة باتجاه المادية ،فالتخليق اللهي يمضي
كونيًا لبعد من ضوابط " التشيؤ الطبيعي " التي ل يدرك كونيتها المطلقة النسان
وبما يمضي لستخراج الحي من الميت والميت من الحي وإلى ل متناهيات التعدد
والتنوع بحيث تستحيل الحالة الفلسفية الوضعية والمادية للعلوم الطبيعية وهذا ما
تقترب منه الن أبستمولوجية المعرفة العلمية النسبية والتفكيكية المعاصرة .وهذه
هي مهمة "إسلمية المعرفة " .
إن جهد إسلمية المعرفة ل زال ناشئًا ويتفرع إلى كل العلوم ليرتقي بها
مــن " الوضعية " إلى " الكونية " وهذه الرؤية الكونية هي بديل اللهوت
والوضعية معًا ،ولها ضوابطها التي تخرجها من الطار الميتافيزيقي للتفكير وفق
منهجية قرآنية علمية منفتحة على كافة المناهج المعرفية والنساق الحضارية
البشرية ،ومن هنا تأتي قيمة القرآن ككتاب كوني يتسع لكل المناهج ،وقيمة
السلم كدين عالمي ليستوعب التعدد والتنوع .
شرعة السلم والحاكمية اللهية والستخلف :
أما شرعة السلم فليس لها علقة " بالحاكمية اللهية " أو " حاكمية
الستخلف " – تبعًا لمنطق الناقدين -كما سطرها " أبو العلى المودودي " )
1903/1979م( وتبعه " سيد قطب " )1906/1966م( فهي " حاكمية بشرية "
منذ ارتقاء خاتم الرسل والنبيين للمل العلى وجعل ولية المر ) منا ( وليس )
فينا ( بالغلبة الجتماعية والتراتب الكهنوتي وولية الفقهاء وليس ) علينا (
لْمِر ِمْنُكْم ل َوُأْوِلي ا َْ سو َ طيُعوا الّر ُ ل َوَأ ِ طيُعوا ا َّ ن آَمُنوا َأ ِ بالسطوة الفوقية " َياَأّيَها اّلِذي َ
خِرلِ ل َواْلَيْوِم ا ْن ِبا ِّ
ن ُكنُتْم ُتْؤِمُنو َ ل ِإ ْ سو ِ ل َوالّر ُ يٍء َفُرّدوُه ِإَلى ا ِّ ش ْ عُتْم ِفي َ ن َتَناَز َْفِإ ْ
ل) – (59النساء /ج 5وهذا هو موضوع كتابنا القادم بإذن ن َتْأِوي ًسُ حَخْيٌر َوَأ ْ ك َ َذِل َ
16
ال ) منهجية القرآن المعرفية والفارق بين الحاكمية اللهية وحاكمية الستخلف
والحاكمية البشرية ( .
لماذا "السلمة" وليس "الكونية" ؟
كان يمكن الخروج على حالة اللبس المنهاجي باستخدام " الكونية "
عوضًا عن " السلمة " لمواجهة الوضعية المادية في فلسفة العلوم الطبيعية
والنسانية ،بذلك نتماهى مع ما يراه العقلنيون الموضوعيون ،ثم نكتفي بطرح
الجدلية الثلثية كقاعدة أساس لهذه الكونية وهي جدلية الغيب والنسان والطبيعة .
غير أن هذا الخروج على " السلمة " يخل بالسس التالية :
أوًل :تجريد الجدلية الثلثية ) الغيب والنسان والطبيعة ( من مصدرها الكوني
وهو القرآن المعادل موضوعيًا للوجود الكوني وحركته ،فهو المصدر الوحيد
للنفاذ إلى هذه الكونية كما أوضحنا في سور ) الشمس ( و) فاطر ( و
) الرعد ( لنه متنزل من لدن الله الزلي الذي أوجد هذه المطلقات والعالم
بها وببنائيتها .فالجدلية الثلثية ل يمكن أن تعتمد على العقل النساني وحده
مهما بلغت البستمولوجيا المعاصرة والثورة الفيزيائية الفضائية من تفكيك
ل إلى " علم الفوضى – . " Chaosوسيصدر لنا بإذن ال عن وصو ً
قريب كتابين ) خصائص القراءة المنهجية للقرآن بين المطلق والنسبي
والتحليل والتفسير ( .وكذلك ) القرآن والمتغيرات الجتماعية والتاريخية ( .
ثانيًا :ل يمكن انتحال الرؤية القرآنية الكونية باستخدام مضامين اليات دون
الشارة إلى النص ،فهذا تزوير يماثل حال من ينقل عن مراجع الخرين
وينسبها لنفسه دون الشارة إليهم .
ثالثًا :ثم إن وجود القرآن في عمق الرؤية الكونية هو تثبيت لحد أبعاد الجدلية
الثلثية نفسها وهي جدلية الغيب ودور الله الزلي ،فلو تجاوزنا القرآن أو
انتحلناه تجاوزنا تركيب الجدلية كلها.
رابعًا :إن إسلمية المعرفة كرؤية كونية ل تستهدف خلص العرب والمسلمين فقط
وإنما خلص العالم كله وفق مفهوم عالمية السلم وليس بالمنطق الحادي
الشمولي ،خلص العالم من اللهوت الذي زيف الديان الرئيسية بداية من
اليهودية والمسيحية وخلص العالم من الوضعية التي ظنها أوجست كونت )
(1795/1857بداية " القطيعة المعرفية " في الفكر النساني مع الفكر
اللهوتي الخرافي ويليه الميتافيزيقي ،غير أن مسار الوضعية باتجاه المادية
ودغمائيتها وباتجاه ثنائية النسان والطبيعة في الحالة الليبرالية قد أدخل العالم
كله في أزمات حضارية جديدة عنوانها المعاصر " العولمة المريكية ".
ل عبر كتاب كوني مطلق يعادل الوجود الكوني ول يتأتي هذا الخلص إ ّ
وحركته وليس سوى القرآن ،فلو كانت الكتب الخرى كفيئة لهذا الدور لما
عشنا الزمات الحضارية العالمية ولما قلنا بإسلمية المعرفة .ولكن شرطنا
في السلمة هو القراءة المنهجية المعرفية العلمية وليس بما يتداوله الناس
الن من مراجع قاصرة ومموهة لسلمية المعرفة والتي تحمل النقائض .
17
خامسًا:إن تعبير إسلمية المعرفة هو اتكاء على مطلقية القرآن كمصدر للمعرفة
الكونية وليس انطلقًا من خصوصية المسلمين الذين كاد بعضهم بلهوتيته
أن يحدث قطيعة معرفية مع القرآن نفسه بالعودة للتراث اليهودي ما قبل
القرآن ،فاستعادة المسلمين أنفسهم للكتاب ل تقل صعوبة عن ممارسفة
الخطاب العالمي باتجاه النساق الحضارية الخرى ولكن البدء دائمًا بهم .
علمانية الدولة وأولى المر منكم والتشريع :
تتخذ إسلمية المعرفة بمنهجها القرآني المعرفي خطًا نقيضًا للفكر
السلفي والتيارات الصولية ،فالخطاب اللهي ليس موجها للدولة والسلطة السياسية
وإنما للمجتمع ولولي المر ) منا ( داخل المجتمع وباختيارنا الحر ،إذ لم يؤسس
خاتم الرسل والنبيين "دولة" وإنما أسس " دار دعوة " استندت مهماتها الجهادية
على الدعم اللهي والتدخل اللهي من ملئكة بدر وإلى ريح الخندق ،وحصرت
المهمة في " المة الوسط " ما بين البيت الحرام ) مكة ( – أم القرى وما حولها في
جزيرة العرب -والرض المقدسة – فلسطين وما حولها من الديار الشامية – ثم
الخطاب الفكري والحضاري غير الجهادى المسلح لكل العالم ولكل الناس ،وما
اتسع بعد ذلك جهاديًا في مرحلة الخلفة الراشدة وفي المرحلتين الموية والعباسية
فهو من قبيل " التوسع البشري " وليس الجهاد المرتبط لزومًا بخصائص الحقبة
النبوية الشريفة والتدخل اللهي باستثناء ما أنفذه الرسول في حياته من جيش " زيد
بن حارثة " باتجاه الشام عام 8هف الموافق 629/630م ثم استكمال أبو بكر لما
بدأ الرسول تجهيزه لجيش " أسامة بن زيد " للتوجه إلى " البلقاء " و " أذرعات "
و " مؤتة " عام 11هف الموافق 632/633م مباشرة من بعد وفاة الرسول في
العام نفسه .فكل ما تل حقبة الرسول عدا ما جهزه قبل وفاته فهو توسع بشري أو
دفاع عن النفس .ويجب فهم " آيات السيف والجهاد " في هذا الطار النبوي
شُدن الّر ْ ن َقْد َتَبّي َل ِإْكَراَه ِفي الّدي ِ
ل لما فهمنا معنى اليةَ : المحدد زمانًا ومكانًا ،وإ ّ
صاَم َلَهال انِف َ ك ِباْلُعْرَوِة اْلُوْثَقى َ سَ سَتْم َ
ل َفَقْد ا ْ
ن ِبا ِّ
ت َوُيْؤِم ْغو ِ طا ُ ن َيْكُفْر ِبال ّ
ي َفَم ْن الَغ ّ ِم ْ
عِليٌم) – (256البقرة /ج .2في مقابل آية أخرى تبدو نقيضة لهاُ :كِت َ
ب سِميٌع َ ل َ َوا ُّ
حّبوان ُت ِ
سى َأ ْ عَ خْيٌر َلُكْم َو َ
شْيًئا َوُهَو َ
ن َتْكَرُهوا َ عسى َأ ْ ل َوُهَو ُكْرٌه َلُكْم َو َ عَلْيُكْم اْلِقَتا ُ
َ
ن) – (216البقرة /ج .2 ل َتْعَلُمو َل َيْعَلُم َوَأْنُتْم َ
شّر َلُكْم َوا ُّشْيًئا َوُهَو َ َ
فالجهاد يرتبط بخصائص الحقبة النبوية وما فيها من " تدخل إلهي "
لتأمين قاعدة المة الوسط .هكذا نفهم معنى الجهاد وهكذا نفهم علمانية الدولة في
السلم ودينية المجتمع فمنهجنا يقر علمانية الدولة في إطار " الحاكمية البشرية "
و " الكتاب " ) (29ولكنه يرفض تحويل العلمانية إلى " فلسفة وضعية " على
النهجين المادي والليبرالي غير المقيد إلى القيم النسانية الكونية اللهية ،وليست
العلمانية نافية بالضرورة لهذه القيم كما سنوضح .
أما مقولة ضرورة لزوم الدولة /السلطة السلمية لموجبات التشريع في
منع الربا في القتصاد ،وتحصيل الزكاة ،وأحكام الزواج والطلق والرث والنفقة
،وتطبيق العقوبات ،فإن المدقق في هذه المسائل يدرك أن الربا المحّرم والذي
حدده القرآن وحددته خطبة حجة الوداع هو " ربا الجاهلية " المركب على
18
الضعاف المضاعفة و ) النسيء( ،فالضعف انطلقا من أصل الواحد هو % 2
والضعفين % 4والضعاف هي % 12 = 3 × 4ومضاعفة الضعاف
المضاعفة هي %36 = 3 × 12ثم ترّكب سنويًا في حال عدم السداد فتأكل
القرض كله وتزيد عليه ،وهذا هو ربا الجاهلية المنهي عنه والمحّرمَ :وَما آَتْيُتْم ِم ْ
ن
جهَ ا ِّ
ل ن َو ْن َزَكاٍة ُتِريُدو َ ل َوَما آَتْيُتْم ِم ْ عْنَد ا ِّ ل َيْرُبوا ِ س َف َ ل الّنا ِ ِرًبا ِلَيْرُبَوا ِفي َأْمَوا ِ
ل َتْأُكُلوا
ن آَمُنوا َ ن) – (39الروم /ج 21وكذلكَ :ياَأّيَها اّلِذي َ ضِعُفو َ ك ُهْم اْلُم ْ َفُأْوَلِئ َ
ن) – (130آل عمران /ج - 7فهناك حو َ ل َلَعّلُكْم ُتْفِل ُ
عَفًة َواّتُقوا ا َّ ضا َ ضَعاًفا ُم َ الّرَبا َأ ْ
فرق جذري بين ربا الجاهلية المحّرم الذي ذكره الرسول تحديدًا في خطبة الوداع" :
وإن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب (.
وبين فوائد خدمة رأس المال في القتصاد العالمي الراهن لتدويره في النتاج
والتنمية حيث ل تتجاوز نسبة الفائدة 6إلى % 8والتي ل تدخل في حيز ربا
الجاهلية ول تحتاج إلى دولة إسلمية تقنن القتصاد أو بالحرى تفسد القتصاد
وتجعله أكثر ربوية .بل إن البنوك والمؤسسات السلمية القائمة على خطل
المرابحة وغيرها من البدع هي الربوية بما يماثل ربا الجاهلية المحّرم .
كما أن الزكفاة أمر محدد المصفارف لمن يريد أن يؤديـها كالصـلة
والصوم " طوعا " فل إكراه في أصل الدين فكيف يكون الكراه في الفروع ؟!
وهي على قدر الستطاعة كالحج ،وما سمي بحروب الردة وهي حرب شنها
الخليفة أبو بكر ) 51قبل الهجرة – 63هف ( الموافق ) 643-573م ( على الذين
امتنعوا عن دفع الزكاة ولم يرتدوا عن السلم .هي حرب ل مبرر لها من الناحية
الشرعية ،وهي حرب احتج عليها بعض الصحابة مما دفع أبو بكر للقول " وال
لو منعوني عقال بعير كان يؤدونه لرسول ال لقاتلتهم " .وإشارة " أبو بكر "
واضحة حول امتناعهم الدفع وليس ردتهم الدينية ضمن جزيرة العرب ومناط المة
الوسط وقد كان ذلك منطق " الدولة " وليس منطق " الدعوة " حيث تحّول معه
مفهوم الزكاة إلى ضريبة ،مع أن أصل الضريبة هو " الخراج " وليس الزكاة "
التطهرية " وهناك " العشور " وغير ذلك من مداخيل الدولة .
أما ضرورة الدولة الدينية لفرض الحكام الشرعية كقطع يد السارق وتطبيق " حد
الحرابة " بالصلب ورجم الزاني ،فهذه الحكام كلها ليست من شرعة التخفيف
والرحمة التي هي من علمات النبي المي بموجب نصوص سورة العراف :
شْئ َ
ت ب َلْو ِ ل َر ّ جَفُة َقا َ خَذْتُهْم الّر ْ ل ِلِميَقاِتَنا َفَلّما َأ َ جً ن َر ُ سْبِعي َسى َقْوَمُه َ خَتاَر ُمو َ َوا ْ
ل ِبَها َم ْ
ن ضّك ُت ِ ل ِفْتَنُت َ
ي ِإ ّ ن ِه َ سَفَهاُء ِمّنا ِإ ْ ل ال ّ ي َأُتْهِلُكَنا ِبَما َفَع َل َوِإّيا َ ن َقْب َُأْهَلْكَتُهْم ِم ْ
ن)خْيُر اْلَغاِفِري َ ت َ حْمَنا َوَأْن َ غِفْر َلَنا َواْر َ ت َوِلّيَنا َفا ْ شاُء َأْن َ ن َت َشاُء َوَتْهِدي َم ْ َت َ
ب ِبِه صي ُ عَذاِبي ُأ ِ ل َ ك َقا َ خَرِة ِإّنا ُهْدَنا ِإَلْي َ لِ سَنًة َوِفي ا ْ حَ ب َلَنا ِفي َهِذِه الّدْنَيا َ َ(155واْكُت ْ
ن ُهْم ن الّزَكاَة َواّلِذي َ ن َوُيْؤُتو َ ن َيّتُقو َ سَأْكُتُبَها ِلّلِذي َيٍء َف َش ْ ل َ ت ُك ّ سَع ْ حَمِتي َو ِ شاُء َوَر ْ ن َأ َ َم ْ
عْنَدُهْمجُدوَنُه َمْكُتوًبا ِ ي اّلِذي َي ِ لّم ّ ي ا ُْل الّنِب ّ سو َ ن الّر ُ ن َيّتِبُعو َ ن)(156اّلِذي َ ِبآَياِتَنا ُيْؤِمُنو َ
طّيَباتِ ل َلُهْم ال ّحّ ن اْلُمنَكِر َوُي ِ عْ ف َوَيْنَهاُهْم َ ل َيْأُمُرُهْم ِباْلَمْعُرو ِ جي ِ لن ِ ِفي الّتْوَراِة َوا ِْ
عَلْيِهْم َفاّلِذينَ آَمُنوا ت َ ل اّلِتي َكاَن ْ لَ غَ لْصَرُهْم َوا َْ عْنُهْم ِإ ْ ضُع َ ث َوَي َ خَباِئ َ عَلْيِهْم اْل َ
حّرُم َ َوُي َ
ن)ُ (157ق ْ
ل حو َ ك ُهْم اْلُمْفِل ُ ل َمَعُه ُأْوَلِئ َ صُروُه َواّتَبُعوا الّنوَر اّلِذي ُأنِز َ عّزُروُه َوَن َ ِبِه َو َ
19
ل ِإَلَه ِإلّ ض َ لْر ِ ت َوا َْ سَماَوا ِ ك ال ّ جِميًعا اّلِذي َلُه ُمْل ُ ل ِإَلْيُكْم َ ل ا ِّ سو ُ س ِإّني َر ُ َياَأّيَها الّنا ُ
ل َوَكِلَماِتِه َواّتِبُعوُه ن ِبا ِّ ي اّلِذي ُيْؤِم ُ لّم ّ ي ا ُْسوِلِه الّنِب ّ ل َوَر ُ ت َفآِمُنوا ِبا ِّ ي َوُيِمي ُ حِ ُهَو ُي ْ
ن) – (158العراف /ج -9فشرعة الصر والغلل كانت على َلَعّلُكْم َتْهَتُدو َ
اليهود في التوراة كما أثبتتها الية 157وبشر بمحمد لنسخها فمن أراد إثبات أنه
طبقها عبر ما روي من أحاديث منحولة فالقصد تكذيب علمات النبي المي .وكل
مصدر هذه الحاديث يهود أظهروا إسلمهم ككعب الحبار ول علقة له بالرسول إذ
أسلم في زمن أبي بكر وقدم إلى المدينة في زمن عمر ،ووهب بن منبه وغيرهما
من الذين اقتصرت الروايات عليهم وليس على أقرب المقربين للرسول كفاطمة
ي .وتلك مشكلة أدخلنا فيها من أشار على الخليفة وأبي بكر وعمر وعثمان وعل ّ
الموي عمر بن عبد العزيز ) 101 – 61هف 720 – 681 /م ( بتأسيس علم
الحديث بهدف نسخ شرعة التخفيف والرحمة في القرآن كعلمة من علمات النبي
المي بهدف تكذيب هذه العلمة وبالتالي تكذيب كون محمد هو النبي الموعود في
سورة العراف ) الية ( 157فالدس هنا " منهجي خطر " وليس اعتباطًا أو
مجرد انتحال ،الدس هنا " خطة متكاملة " لنسف خصائص الدين السلمي كله
ومماثلته بالدين اليهودي بما ينتهي لتكذيب نبوة محمد ثم ل يعتبر محمد – في
أحسن الحوال – سوى " مجدد " للشرعة اليهودية مع أن مهمته هي الهيمنة على
ن َكَفُروا تلك الشرعة ونسخها كما ورد في " البقرة " وفي " المائدة " َ .ما َيَوّد اّلِذي َ
خَت ّ
ص ل َي ْ ن َرّبُكْم َوا ُّ خْيٍر ِم ْ ن َ عَلْيُكْم ِم ْ ل َ ن ُيَنّز َ ن َأ ْشِرِكي َ ل اْلُم ْ ب َو َ ل اْلِكَتا ِ ن َأْه ِِم ْ
خْيٍر ت ِب َ سَها َنْأ ِ ن آَيٍة َأْو ُنن ِ خ ِم ْ سْظيِم)َ(105ما َنن َ ل اْلَع ِ ضِل ُذو اْلَف ْ شاُء َوا ُّ ن َي َ حَمِتِه َم ْ ِبَر ْ
ل َلُه ُمْل ُ
ك ن ا َّ يٍء َقِديٌر)َ(106أَلْم َتْعَلْم َأ ّ ش ْ ل َ عَلى ُك ّ ل َ ن ا َّ ِمْنَها َأْو ِمْثِلَها َأَلْم َتْعَلْم َأ ّ
صيٍر)َ(107أْم ُتِريُدونَ َأ ْ
ن ل َن ِي وَ َ ن َوِل ّ ل ِم ْن ا ِّ ن ُدو ِ ض َوَما َلُكْم ِم ْ لْر ِ ت َوا َْ سَماَوا ِ ال ّ
سَواَء ل َ ضّن َفَقْد َ ليَما ِ ل اْلُكْفَر ِبا ِْ
ن َيَتَبّد ْ ل َوَم ْ ن َقْب ُسى ِم ْ ل ُمو َ سِئ َ سوَلُكْم َكَما ُ سَأُلوا َر ُ َت ْ
سًدا ِم ْ
ن حَ ن َبْعِد ِإيَماِنُكْم ُكّفاًرا َ ب َلْو َيُرّدوَنُكْم ِم ْ ل اْلِكَتا ِ ن َأْه ِ ل)َ(108وّد َكِثيٌر ِم ْ سِبي ِال ّ
ل ِبَأْمِرِه ِإنّ ا َّ
ل ي ا ُّ حّتى َيْأِت َ حوا َ صَف ُعُفوا َوا ْ ق َفا ْ حّ ن َلُهْم اْل َ ن َبْعِد َما َتَبّي َ سِهْم ِم ْ عْنِد َأنُف ِ
ِ
حّ
ق ب ِباْل َ ك اْلِكَتا َ يٍء َقِديٌر) – (109البقرة /ج .1وكذلك َ :وَأنَزْلَنا ِإَلْي َ ش ْل َ عَلى ُك ّ َ
ل َوَل َتّتِبْع ل ا ُّ حكُْم َبْيَنُهْم ِبَما َأنَز َ عَلْيِه َفا ْ ب َوُمَهْيِمًنا َ ن اْلِكَتا ِ ن َيَدْيِه ِم ْ صّدًقا ِلَما َبْي َ ُم َ
جَعَلُكْم ل َل َ شاَء ا ُّ جا َوَلْو َ عًة َوِمْنَها ً شْر َ جَعْلَنا ِمْنُكْم ِ ق ِلُكّل َ ح ّن اْل َ ك ِم ْ جاَء َ عّما َ َأْهَواَءُهْم َ
جِميًعا جُعُكْم َ ل َمْر ِ ت ِإَلى ا ِّ خْيَرا ِ سَتِبُقوا اْل َ ن ِلَيْبُلَوُكْم ِفي َما آَتاُكْم َفا ْ حَدًة َوَلِك ْ ُأّمًة َوا ِ
ل َوَل َتّتِبْع َأْهَواَءُهْم ل ا ُّ حُكْم َبْيَنُهْم ِبَما َأنَز َ نا ْ ن)َ(48وَأ ْ خَتِلُفو َ َفُيَنّبُئُكْم ِبَما ُكنُتْم ِفيِه َت ْ
ل َأ ْ
ن عَلْم َأّنَما ُيِريُد ا ُّ ن َتَوّلْوا َفا ْ ك َفِإ ْ ل ِإَلْي َض َما َأنَزَل ا ُّ ن َبْع ِ عْ ك َ ن َيْفِتُنو َ حَذْرُهْم َأ ْ َوا ْ
ن) – (49المائدة /ج .6فكما سُقو َ س َلَفا ِ ن الّنا ِ ن َكِثيًرا ِم ْ ض ُذُنوِبِهْم َوِإ ّ صيَبُهْم ِبَبْع ِ ُي ِ
زيف اليهود التوراة وزيفوا النجيل أرادوا تزييف السلم عبر الحاديث حيث
يمتنع القرآن بعصمته اللهية .
أما الحرابة فهي من عقوبات الصر والغلل التوراتية وكذلك قطع يد الســـارق
فهي من عقوبات " النكال " التوراتية ول علقة لهما بالمسلمين وقد أوردهما القرآن
كتصديق لما سبق من شرائع الديان ثم نسخها بالهيمنة عليها " لكل جعنا منكم
شرعة ومنهاجًا " وليس ) جعلنا لكل منكم ( أو ) لكل منكم جعلنا ( ولكن لكل جعلنا
20
منكم ،فهنا خصوصية مميزة حاول إبطالها من دس علينا من اليهود .أما جلد
الزاني فهي عقوبة إسلمية يجري تطبيقها ضمن شروط متعذرة الوجوب وترجع
لولى المر المباشرين بحكم القرابة ،فهم وحدهم من يملك حق الدانة والتنفيذ بعد
ممارسة " العضال " و " الستتابة " ،فحتى القتل فيه دية ،فكيف في حال الزنا
المتعذر إثباته إل بأربعة شهود وإن كذبوا جلدوا ،فالشاعة الضارة بالخلق منه ّ
ي
عنها في المجتمع السلمي حتى ولو كانت الشاعة صادقة حتى ل يستسهل الناس
الفاحشة والطعن في أعراض الناس .فالحكم هنا عائلي أكثر من أن يرتبط
بمؤسسات الدولة لن العائلة ومنطقة الواقعة المحلية أقرب لتفهم الشهود
ل في الزنا حيث أمر ومصداقيتهم والمعرفة بالزاني أو الزانية ولم يتشدد السلم إ ّ
بالجلد لن أساس الوحدة الجتماعية في السلم تقوم على " العائلة " وليس
الفرد ،فإن صلحت العائلة صلح المجتمع وتكوين العائلة وحرمتها هي أول شرعة
شْئُتَما
ث ِحْي ُ
غًدا َ
ل ِمْنَها َر َ
جّنَة َوُك َ
ك اْل َ
جَ
ت َوَزْو ُن َأْن َ
سُك ْتنزلت على آدمَ .وُقْلَنا َياآَدُم ا ْ
ن) – (35البقرة /ج . 1ثم تنزلت ظاِلِمي َ
ن ال ّ
جَرَة َفَتُكوَنا ِم ْ شَ ل َتْقَرَبا َهِذِه ال ّ
َو َ
تشريعات )المجتمع( بشكلها الولي بداية من حقبة ) نوح ( .فالسلم دين ) مجتمع
( وليس دين " دولة " فالدولة لكل الناس ،مؤمنهم وكافرهم ،وفق أحكام "
المواطنية المتكافئة " لهذا نقر بعلمانية الدولة وشوراها المتسعة للجميع دخولً في "
السلم كافة " ولكن رفضنا هو حين يراد تحويل العلمانية إلى فلسفة وضعية .
فموقف إسلمية المعرفة ل يتعارض مع تحّول العالم من الدول الثيوقراطية تبعًا
لتفاقية وستفاليا عام 1648إلى دول وطنية ،ول يتعارض مع إقصاء اللهوت
والكهنوت عن الدولة كما حدث إثر الثورة الفرنسية عام )1789م( والتي أصدرت
ميثاق حقوق " النسان المواطن " عام ، 1792فبداية العلمنة الوروبية التي
تقصي الدين عن السلطة وليس عن الفكر والمجتمع قد تأسست على يد ابن رشد
الذي يسمونه " أفيروس Averroes " – ( 1126 – 1198 -م ( -حيث
أخذت جامعة فلورنسا بتعاليمه ضد الكنيسة .
نهى الرسول عن تدوين الحديث وكذلك الراشدون
فانتحلوا الحديث لبطال شرعة التخفيف والرحمة:
إن هذه الحكام من رجم وصلب وقطع أطراف وأيدي هي عقوبات أصر
وأغلل ،توراتية وغير إسلمية ،دست على التشريع السلمي دسًا ،كدس مفهوم
الحاكمية اللهية ،وهو دس متعّمد لتكذيب نبوة محمد بوصفه ليس قائمًا على شرعة
التخفيف والرحمة فل يتوجب على اليهود اتباعه طالما أن شرعته تماثل شرعة
موسى وقد أوضح لنا الشيخ الدكتور ) بدران أبو العينين بدران ( وهو أستاذ مختص
بتدريس الشريعة والفقه المقارن ).(30
))قد وقف الصحابة الراشدين على حذر في شأن الحديث فأقلوا من
الرواية خشية أن يتخذها المنافقون مطية لغراضهم الخبيثة فكانوا دائمًا يرقبون
قول رسولهم العظم " إياكم وكثرة الحديث ومن قال عني فل يقولن إل حقا " (( .
21
)) وروى عن كثير من الصحابة أنهم كانوا ينهون عن الرواية ،روى
الحافظ الذهبي في " تذكرة الحفاظ " أن الصّديق ) أبو بكر ( جمع الناس بعد وفاة
نبيهم فقال :
" إنكم تحدثون عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أحاديث تختلفون فيها
والناس بعدكم أشد خلفًا ،فل تحدثوا عن رسول ال شيئًا فمن سألكم فقولوا بيننا
وبينكم كتاب ال فاستحلوا حلله وحرموا حرامه " (( .
)) وكذلك روي عن قرظة بن كعب أنه قال :لما سيرنا عمر إلى العراق
مشى معنا عمر وقال :أتدرون لما شيعتكم ،قالوا :نعم ،مكرمة لنا ،ومع ذلك
فإنكم تأتون أهل قرية لهم دوى بالقرآن كدوى النحل ،فل تصدوهم بالحاديث
فتشغلوهم ،جردوا القرآن ،وأقلوا الرواية عن رسول ال ،وأنا شريككم فلما قدم
قرظة قالوا :حدثنا ،قال :نهانا عمر((.
إن النبي صلى ال عليه وسلم طلب ممن كتب عنه شيئًا غير القرآن محوه
فقد روى مسلم في صحيحة عن أبي سعد الخدري عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه
قال )) ل تكتبوا عني شيئًا غير القرآن ومن كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحــه ((
وما روي أن زيد بن ثابت دخل على معاوية فسأله عن حديث ،ولمففا حففدثه بففه أمففر
معاوية إنسانًا أن يكتبه فقال له زيد :
" إن رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرنا أل نكتب شيئًا من حديثه ،فمحاه " ((.
وقد علل أبو العينين نهي الرسول عن كتابة الحاديث خشية اختلطها بالقرآن ،
ولكن المر أخطر من ذلك فالنهي يراد به الحفاظ على أحكام القرآن وعدم التذرع "
بالسنة " لنسخ القرآن كما تذرعت اليهود بالتلمود لنسخ التوراة .
أما الشيخ المرحوم الدكتور " محمد حسين الذهبي ") (31ومع تثبيفته
في كتابفه " السرائيليات في التفسير والحديث " نهى خاتم الرسل والنبيين عن كتابة
ل أنه برر ضرورة كتابتها أحاديثه وكذلك نهى الخلفاء الراشدين وعلى رأسهم عمر إ ّ
وفي ذلك مخالفة صريحة لمر النبي نفسه تحت دعاوى تدوين السنة فيما نهى
صاحب السنة عن تدوينها لنه يعلم ما ل يعلمون ،فقد ابتدع السرائيليون " التلمود
" ) (32في موازاة التوراة ليضلوا بها اليهود عن دينهم وليفسدوا بها التوراة ،غير
أن الذهبي اتخذ نفس تبريرات ساقها أبو هريرة وآخرون لكتابة الحديث فتحولت
شرعتنا من " تخفيف ورحمة " و " حاكمية بشرية " إلى شرعة " أصر وأغلل "
و " حاكمية إلهية " قضت بوجود الدولة فوق المجتمع بمنطق " شرعة من قبلنا
شرعة لنا " ،وما نعانيه اليوم هو من الحاديث " المنحولة " وليس من القرآن
المعصوم الذي أمرنا الرسول بالكتفاء به .
وأصبح همنا تصحيح الحاديث وابتداع مناهج " الجرح والتعديل "
وتوثيق سير المحدثين وغيرها في حين أن الرسول قطع دابر الدس من أصله بمنع
كتابة الحاديث ،فإذا التزمنا بالسنة كان علينا الذعان ،فالذين دونوا الحاديث
دفاعًا عن السنة وتوثيقًا لها خالفوا السنة نفسها وفتحوا باب الدس الذي كان يخشاه
خاتم الرسل والنبيين .إذ يكفي أن نصوص القرآن تنهي في آيتين عن استخدام تعبير
" الرعية " للمسلمين و " الراعي " لرسول ال لما في ذلك من تدني في العلقة
22
النسانية وتحويلها إلى نمط بهيمي بين الراعي وخرافه ،فاستبدل ال عبارة "
ن آَمُنوا راعنا " التي دسها اليهود بكلمة " انظرنا " من حيث " العناية "َ .ياَأّيَها اّلِذي َ
ب َأِليٌم)َ(104ما َيَوّد اّلِذي َ
ن عَذا ٌ ن َ سَمُعوا َوِلْلَكاِفِري َ ظْرَنا َوا ْ عَنا َوُقوُلوا ان ُ ل َتُقوُلوا َرا ِ َ
خَت ّ
ص ل َي ْ ن َرّبُكْم َوا ُّ خْيٍر ِم ْن َ عَلْيكُْم ِم ْ
ل َ ن ُيَنّز َ ن َأ ْشِرِكي َ ل اْلُم ْ ب َو َ ل اْلِكَتا ِ ن َأْه ِ َكَفُروا ِم ْ
ظيِم) – (105البقرة /ج .1وقد نسب ال ل اْلَع ِ ضِ ل ُذو اْلَف ْ شاُء َوا ُّ ن َي َ حَمِتِه َم ْ ِبَر ْ
ن َهاُدوا ن اّلِذي َ الدس في استخدام " راعنا " لليهود وكذلك في سورة أخرى ِ :م ْ
سَمٍع َوَراعَِنا َلّيا غْيَر ُم ْ سَمْع َ صْيَنا َوا ْ ع َ سِمْعَنا َو َ ن َ ضِعِه َوَيُقوُلو َ ن َمَوا ِ عْ ن اْلَكِلَم َ حّرُفو َ ُي َ
خْيًرا
ن َ ظْرَنا َلَكا َ سَمْع َوان ُ طْعَنا َوا ْ سِمْعَنا َوَأ َ ن َوَلْو َأّنُهْم َقاُلوا َ طْعًنا ِفي الّدي ِ سَنِتِهْم َو َ ِبَأْل ِ
ل – النساء /ج – 5وكذلك ل َقِلي ًن ِإ ّل ُيْؤِمُنو َ ل ِبُكْفِرِهْم َف َ ن َلَعَنُهْم ا ُّ َلُهْم َوَأْقَوَم َوَلِك ْ
نسب ال الدس لليهود .ومع النهي في السورتين عن استخدام " راعنا " تأتي ما
يسمونه " الصحاح " بها في حين أن ال سبحانه وتعالى يستخدم العين والنظر
حى)َ (38أ ْ
ن ك َما ُيو َ حْيَنا ِإَلى ُأّم َ للدللة على " العناية " وليس " الرعاية " ِ ،إْذ َأْو َ
عُدّو َلُه َوَأْلَقْي ُ
ت عُدّو ِلي َو َ خْذُه َ حلِ َيْأ ُسا ِ ت َفاْقِذِفيِه ِفي اْلَيّم َفْلُيْلِقِه اْلَيّم ِبال ّ اْقِذِفيِه ِفي الّتاُبو ِ
حْيَنا ِإَلْيِه َأ ْ
ن عْيِني) - (39طه /ج -16وكذلكَ :فَأْو َ عَلى َ صَنَع َ حّبًة ِمّني َوِلُت ْ ك َم َ عَلْي َ َ
جْي ِ
ن ل َزْو َ ن ُك ّ ك ِفيَها ِم ْ سُل ْ
جاَء َأْمُرَنا َوَفاَر الّتّنوُر َفا ْ حِيَنا َفِإَذا َ عُيِنَنا َوَو ْ ك ِبَأ ْصَنْع اْلُفْل َا ْ
ظَلُموا ِإّنُهْمن َ طْبِني ِفي اّلِذي َ خا ِ ل ُت َل ِمْنُهْم َو َ عَلْيِه اْلَقْو ُق َ سَب َن َ ل َم ْ ك ِإ ّن َوَأْهَل َ اْثَنْي ِ
ن) – (27المؤمنون /ج - 18ولم يستخدم ال مفردة الرعاية إل في ُمْغَرُقو َ
حالتين " المانة والعهد " و " الرهبنة " .فالرهبنة تماثل " جلد الذات " بحق
سِلَناعَلى آَثاِرِهْم ِبُر ُ الجسد والنفس وحرمانهما من دواعي الفطرة النسانيةُ :ثّم َقّفْيَنا َ
حَمًةن اّتَبُعوُه َرْأَفًة َوَر ْ ب اّلِذي َ جَعْلَنا ِفي ُقُلو ِ ل َو َ جي َ لن ِ ن َمْرَيَم َوآَتْيَناُه ا ِْ سى اْب ِ َوَقّفْيَنا ِبِعي َ
عاَيِتَهاق ِر َ حّ عْوَها َ ل َفَما َر َ ن ا ِّ ضَوا ِ ل اْبِتَغاَء ِر ْ عَلْيِهْم ِإ ّ عوَهاَما َكَتْبَناَها َ َوَرْهَباِنّيًة اْبَتَد ُ
ن) – (27الحديد /ج - 27أما " سُقو َجَرُهْم َوَكِثيٌر ِمْنُهْم َفا ِ ن آَمُنوا ِمْنُهْم َأ ْ َفآَتْيَنا اّلِذي َ
ن ُهْم المانة " و " العهد " فالحفاظ عليهما يقتضي " مراقبة صارمة " َ :واّلِذي َ
ن) – (8المؤمنون /ج . 18 عو َ عْهِدِهْم َرا ُ لَماَناِتِهْم َو َ َِ
إذن كم أتألم لهذا الدس وأنا أستمع في صلة كل جمعففة لخطبففاء المسففاجد
وهم يكررون الحديث المنحول " :كلكم راع وكلكــم مســؤول عــن رعيتــه " فففأنزلوا
الناس إلى مرتبة البهائم خلفًا لنهج القرآن وسنة الرسول ومنهجه فففي " العنايــة " و
" النظر " النساني والقول السائد حين يودع الناس بعضهم بعضًا " في رعاية ال ف "
والوجب " :في عناية ال ".
ومع تبريره لكتابة الحاديث فإن المرحففوم الشففيخ الففذهبي يثبففت مففا روي
عن أن عمر بن الخطاب كان ينهى كعب الحبار عن التحديث ويقول له :
)) لتتركن الحديث عن اُلول أو للحقنك بأرض القردة (( ورأى الذهبي
أن النهي لم يكن لتهمة ولكن خوفًا من اختلف الحاديث )) .فذلك لم يكن لتهمة ،
وإنما كان مخافة التشويش على العقائد العامة وأفكارهم لعدم تمييزهم بين الحق
والباطل مما يحدث به من أخبار الول (( وهذا تبرير غير منطقي من المرحوم
الذهبي لن الذهبي لم يدرك حكمة الرسول في منع الحاديث )) ،وقد كان عمر
رضي ال عنه يمنع الكثيرين من الرواية مطلقًا ،حتى هدد أبا هريرة بمثل ما هدد
23
به كعب الحبار فقال له – على ما رواه ابن كثير – " لتتركن الحديث عن رسول
ال صلى ال عليه وسلم أو للحقنك بأرض دوس " (( إشارة إلى موطن قبيلته "
دوس " في أرض اليمن ،وقد علل ابن كثير هذا بقوله )) :وهذا محمول من عمر
على أنه خشي من الحاديث التي تضعها الناس على غير مواضعها ،وأنهم يتكلون
على ما فيها من أحاديث الرخص ،وأن الرجل إذا اكثر من الحديث ربما وقع في
أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك (( .هكذا غابت
الضرورات المنهجية في النهي عن المرحوم الذهبي .
)) ولقد رأينا كذلك السيد محمد رشيد رضا – رحمه ال – يرمي كعبا
بالكذب – ويتهم علماء الجرح والتعديل بأنهم اغتروا به وبوهب ابن منبه حيث يقول
في مقدمة تفسيره بعد أن ذكر كلمًا لبن تيمية في شأن ما يروى من السرائيليات
عن كعب ووهب حيث ذكر:
وأما وهب بن منبه فقد اكثر من السرائيليات ،ونسب إليه قصص كثير ،فيه الغث
والسمين ،والصحيح والعليل ،وكان ذلك مثارًا للنيل منه والطعن عليه ،حتى
رمى بالكذب والتدليس وإفساد عقول المسلمين ،وقد مر عند الكلم عن كعب
الحبار ما قاله في حقه وحق وهب السيد " محمد رشيد رضا " والستاذ " احمد
أمين " عليهما رحمة ال ،وما كان لي ول لغيري أن ينكر إكثار وهب من رواية
السرائيليات ،ولكن الذي أنكره وينكره كل منصف أن تكون كل هذه السرائيليات
– ومنها أباطيل كثيرة – صحيح نسبتها إليه ،فلو أننا عرضناها على قواعد
المحدثين في نقد الرواية والرواة لتبين لنا إن طائفة منها مكذوبة عليه وأن اسمه –
لشهرته العلمية الواسعة بما في كتب آهل الكتاب – قد استغل واتخذ مطية لترويج
الكذب وإذاعته بين الناس (( وهذا أيضًا من نوعية التبرير المخالف لنهج الرسول
نفسه وليس عمر فقط .
أما " أبو هريرة " والذي اختلف معاصروه في اسمه الحقيقي حتى
أرسوه على " عبد الرحمن بن صخر " ) (33كما ورد في كتاب " إسعاف المبطأ
برجال الموطأ " فهو ينتمي إلى قبيلة دوس اليمنية وهناك شبهة أنها تنتمي إلى "
اليهودية " وهي التي أشار إليها عمر حين حذره بأنه سينفيه إلى " ارض دوس " ،
وكان إسلمه حين غزا المسلمون يهود خيبر ووادي القرى في السنة الهجرية
السابعة 629-628 /م ( وعليه فإن علقته بالرسول – إن كانت هناك علقة
مباشرة – لم تمتد لكثر من ثلث سنوات وبضعة اشهر .إذ توفى الرسول يوم
الثنين 12ربيع الول عام 11هف الموافق 8حزيران )يونيو( 633م .وقد روى
أبو هريرة في هذه الحقبة القصيرة ما يزيد على آلف الحاديث !!! وادعى في كثير
منها " علقة وثيقة " برسول ال .
أما أمنا الطاهرة عائشة فقد افترى عليها ما يزيد علففى سففتة آلف حففديث
من بينها أكل داجن في بيت النبي لي مزعومــة تنــص علــى الرجــم .كففأن الف ليففس
بحافظ للذكر .وفي حين أن نص القرآن الذي تلتزم به أمنا عائشفة يحفول بيفن نسفاء
ل من وراء " حجاب " و "الحجــاب " النبي " أمهات المؤمنين " ومخاطبة الرجال إ ّ
في اللغة هو العازل الحائل المانع دون الرؤية كالباب والحــائط وليــس " الخمــار "
24
شفْرِقّيا) ن َأْهِلَهففا َمَكاًنففا َ ت ِم ْ ب َمْرَيَم ِإْذ انَتَبَذ ْ الذي يسدل على الجسم َ :واْذُكْر ِفي اْلِكَتا ِ
سفِوّيا)– (17 شفًرا َ ل َلَهففا َب َ حَنففا َفَتَمّثف َ
سْلَنا ِإَلْيَهففا ُرو َ جاًبا َفَأْر َ حَ ن ُدوِنِهْم ِ ت ِم ْ خَذ ْ َ(16فاّت َ
مريم /ج – 16وكذلك فإن ال يوحي ويخاطب البشر من وراء حجابَ :وَمفا َكفا َ
ن
ي ِبفِإْذِنِه َمففا حَ ل َفُيففو ِ سففو ً ل َر ُ سف َ ب َأْو ُيْر ِ جــا ٍ حَ ن َوَراِء ِ حًيا َأْو ِم ْ ل َو ْ ل ِإ ّن ُيَكّلَمُه ا ُّ شٍر َأ ْ ِلَب َ
حِكيٌم) – (51الشورى /ج . 25وقد جففاء المففر اللهففي واضففحًا ي َ عِل ّ شاُء ِإّنُه َ َي َ
ن آَمُنفوا َ
ل لنساء النبي للمخاطبفة مفن " وراء حجفاب " أي حـائل مــانع َ :ياَأّيَهفا اّلفِذي َ
عيُتفْمن ِإَذا ُد ِن ِإَنففاُه َوَلِكف ْ ظِري َ غْيفَر َنففا ِ طَعففاٍم َ ن َلُكفْم ِإَلففى َ ن ُيفْؤَذ َ ل َأ ْ ي ِإ ّت الّنِب ّ خُلوا ُبُيو َ َتْد ُ
حِ
ي سَت ْي فََي ْ
ن ُيْؤِذي الّنِب ّ ن َذِلُكْم َكا َ ث ِإ ّحِدي ٍ ن ِل َسي َسَتْأِن ِل ُم ْشُروا َو َ طِعْمُتْم َفاْنَت ِ خُلوا َفِإَذا َ َفاْد ُ
ب َذِلُكْم جا ٍ حَ ن َوَراِء ِ ن ِم ْ سَأُلوُه ّ عا َفا ْ ن َمَتا ً سَأْلُتُموُه ّ ق َوِإَذا َ حّ ن اْل َ ي ِم ْ حِ سَت ْل َي ْ ل َ ِمْنُكْم َوا ُّ
ج فُه ِم ف ْ
ن حوا َأْزَوا َ ن َتْنِك ُ ل َأ ْ ل َو َ سولَ ا ِّ ن ُتْؤُذوا َر ُ ن َلُكْم َأ ْ ن َوَما َكا َ طَهُر ِلُقُلوِبُكْم َوُقُلوِبِه ّ َأ ْ
ظيًما ) – (53الحــزاب /ج . 22وطلففب منهففن عِ ل َ عْنَد ا ِّ ن ِ ن َذِلُكْم َكا َ َبْعِدِه َأَبًدا ِإ ّ
سففاَء الّنِبف ّ
ي المداومة على الذكر " في بيوتهن " لما يتلى مفن آيفات الف والحكمفةَ :ياِن َ
طَمفَع اّلفِذي ِفففي َقْلِبفِه َمفَر ٌ
ض ل َفَي ْ ن ِبففاْلَقْو ِ
ضفْع َخ َ ل َت ْ ن َف َ ن اّتَقْيُت ّ ساِء ِإ ْ ن الّن َ حٍد ِم ْ ن َكَأ َ سُت ّ َل ْ
لوَلففى َوَأِقْمف َ
ن جاِهِلّي فِة ا ُْ ج اْل َ ن َتَب فّر َ جَ ل َتَبّر ْ ن َو َ ن ِفي ُبُيوِتُك ّ ل َمْعُروًفا)َ(32وَقْر َ ن َقْو ً َوُقْل َ
س َأْهف َ
ل جف َ عْنُكفْم الّر ْ ب َ لف ِلُيفْذِه َ سوَلُه ِإّنَمففا ُيِريفُد ا ُّ ل َوَر ُ ن ا َّ طْع َ ن الّزَكاَة َوَأ ِ لَة َوآِتي َ صَ ال ّ
حْكَمفِة ِإ ّ
ن لف َواْل ِ ت ا ِّ ن آَيففا ِ ن ِمف ْ ن َما ُيْتَلى ِفي ُبُيوِتُك ّ طِهيًرا)َ(33واْذُكْر َ طّهَرُكْم َت ْ ت َوُي َ اْلَبْي ِ
خِبيًرا) – (34الحزاب /ج . 22 طيًفا َ ن َل ِل َكا َ ا َّ
فأمنا الطاهرة عائشة قد افففترى عليهففا كففثيرًا فففي ذاتهففا " حففديث الفففك "
وفيمففا روى عنهففا مففن " أحففاديث " و " مواقففف " .بففل واتخففذ البعففض مففن زواج
الرسول منها بمكة وهي ابنة السففابعة ثففم بنففي عليهففا وهففي ابنففة العاشففرة فففي السففنة
الولى للهجرة في المدينة " سنة " للزواج من " قاصففرات السففن " دون أن يتعرفففوا
صفَبٌة مِْنُكفْم َ
ل ع ْ ك ُ لْفف ِجففاُءوا ِبا ِْ ن َن اّلفِذي َ على مغزى الية فففي " حففديث الفففك " ِ :إ ّ
لْثفِم َواّلفِذي َتفَوّلى ن ا ِْ ب ِمف ْ سف َ ئ ِمْنُهْم َما اْكَت َ ل اْمِر ٍ خْيٌر َلُكْم ِلُك ّ ل ُهَو َ شّرا َلُكْم َب ْ سُبوُه َ حَ َت ْ
ظيٌم) – (11النور /ج . 18فأين كان " الخير " فففي حففديث عِ ب َ عَذا ٌ ِكْبَرُه ِمْنُهْم َلُه َ
ل أن يريد الف إبطففال ذلففك النففوع مففن الففزواج الفك وانقطاع الوحي فترة بعد ذلك إ ّ
) راجففع – العالميففة – المجلففد الثففاني – ص – 470الففزواج مففن القاصففرات فففي
السن(.
ومع أن النبي قد فارق عائشة وهي ابنففة الثمففاني عشففرة إل أن الحففاديث
التي افتريت عليها قد بلغت اللف! ومنها ذلففك الحففديث السففخيف حففول أكففل داجففن
ليات المصحف وضياعها!
وبذات الكيفية ،أبطل ال التبني ،وقد تبنى رسففول الف " ،فكشففف " الف
في القرآن ما هو " خفي " في نفس النبي ل يعلمه سوى ال والنفبي فقففط َ .وِإْذ َتُقفو ُ
ل
ك َمففا سف َخِفي ِفففي َنْف ِ ل َوُت ْ ق ا َّ ك َواّت ِ جَ ك َزْو َ عَلْي َ
ك َ س ْ عَلْيِه َأْم ِ
ت َ عَلْيِه َوَأْنَعْم َ ل َ ِلّلِذي َأْنَعَم ا ُّ
جَناَكَهففا ط فًرا َزّو ْ ضى َزْي فٌد ِمْنَهففا َو َ شاُه َفَلّما َق َ خَن َت ْ ق َأ ْحّ ل َأ َ س َوا ُّ شى الّنا َ خَ ل ُمْبِديِه َوَت ْ ا ُّ
طفًرا َوَكففا َ
ن ن َو َ ضفْوا ِمْنُهف ّ عَياِئِهْم ِإَذا َق َ ج َأْد ِ ج ِفي َأْزَوا ِ حَر ٌ ن َ عَلى اْلُمْؤِمِني َ ن َ ل َيُكو َ ي َ ِلَك ْ
ل) – (37الحزاب /ج .22وهذا ما أوضحناه في ) العالمية – المجلد ل َمْفُعو ً َأْمُر ا ِّ
الثاني – ص .( 474
25
وبذات الكيفية " قيد " ال تعدد الزوجات فلففم يقتصففرها فقففط علففى أربعففة
نسوة ،ولكنه حدد شروطًا للتعدد نفسه خلفًا لمففا أطلقففه الفقهففاء )العالميففة – المجلففد
الثاني – ص .(474
الفارق بين " الخمار " و " الحجاب " :
أمففا " الخمــار " الففذي يخلففط النففاس بينففه وبيففن " الحجــاب " فهففو الثففوب
المسففدل علففى جسففد المففرأة ،وحففددت المواضففع بففالجيوب الجسففدية وهــي مــا بيــن
ن َأْبصَففاِرِه ّ
ن ن ِم ف ْ ضف َض ْ ت َيْغ ُ ل ِلْلُمْؤِمَنففا ِالنهدين والبطين والصــلبين والفخــذين َ :وُق ْ
عَلــى ن َ خُمِرِه ـ ّ ن ِب ُ ض ـِرْب َظَهفَر ِمْنَهــا َوْلَي ْ ل َمففا َ ن ِإ ّ
ن ِزيَنَتُهف ّ ل ُيْبفِدي َ
ن َو َ جُه ّ ن ُفُرو َ ظَ حَف َْوَي ْ
ن -النور /ج . 18وقد خوطب موسى ليسلك يففده فففي جيبــه حيففث البففط جُيوِبِه ّ ُ
جْيِب َ
ك ك ِفي َ ل َيَد َ خْ ويعرف أيضًا بالجناح لتماثل اليدين بجناحي الطائر من جسدهَ :وَأْد ِ
ن َوَقفْوِمِه ِإّنُهفْم َكففاُنوا َقْوًمففا عفْو َت ِإَلففى ِفْر َ سفِع آَيففا ٍ سففوٍء ِفففي ِت ْ غْيفِر ُ ن َ ضاَء ِم ْ ج َبْي َخُر ْ َت ْ
ضففاَء ِمف ْ
ن ج َبْي َخُر ْ ك َت ْجْيِب ـ َ
ك ِفي َ ك َيَد َسُل ْن) – (12النمل /ج . 19وكذلك :ا ْ سِقي ََفا ِ
عفْو َ
ن ك ِإَلفى فِْر َ ن َرّبف َ ن ِمف ْ ك ُبْرَهاَنفا ِب َففَذاِن َ ن الّرْهف ِ ك ِمف ْ حـ َ جَنا َ
ك َ ضُمْم ِإَلْي َسوٍء َوا ْ غْيِر ُ َ
ن) – (32قصص /ج .20فالخمار ل يشمل الرقبة ول سِقي ََوَمَلِئِه ِإّنُهْم َكاُنوا َقْوًما َفا ِ
الرأس ول الشعر ول الساعدين ول الساقين فهذه ليست جيوبًا .وهففذه كلهففا مواضففع
للوضوء تكشف عنها المرأة في " الحج " و " العمرة " وأمام كل الناس .
وطلففب ال ف فففي الخمففار المسففدل علففى جسففد المففرأة أّل يحجــب معالمهــا
ي ُقف ْ
ل الجسدية بما يميزها كامرأة عن رجل يكون قد تخفى بففزي المففرأةَ :ياَأّيَهففا الّنِبف ّ
ن ُيْعَرْفـ َ
ن ك َأْدَنــى َأ ْ ن َذِلـ َ لِبيِبِهـ ّجَن َ ن ِم ْ عَلْيِه ّن َ ن ُيْدِني َ
ساِء اْلُمْؤِمِني َ ك َوِن َ ك َوَبَناِت َجَ لْزَوا ِ َِ
حيًمففا) – (59الحــزاب /ج .22وقففد أوقعنففا الخطففأ غُفففوًرا َر ِ لف َ ن ا ُّن َوَكا َ ل ُيْؤَذْي ََف َ
اللغوي الشائع ما بين " الخمار " و " الحجاب " في متاهففات كففبرى خصوصفًا حيففن
أصلوا " الحجاب " بمنحول الحديث فهيمنوا بالتقاليد والعرف علفى نفص القفرآن بففل
نسخوا القرآن بالعرف.
ي": الفارق بين " الزينة " و " الحل ّ
كما أن " الزينة " هي معالم جسد المرأة التي تظهر بطبيعة التكوين حففتى
ل ما ظهر منها ( وليست " الحلي " التي ينتجهففا الصففاغة .وتففدقيق تحت الخمار ) إ ّ
ي ويوم الزينة وخرج على قومه في زينته مساق قففادم هذه الدللت بين الزينة والحل ّ
بإذن ال .فكثير من فقهففاء المسففلمين قفد جعلففوا مفن نسفاء المسفلمين خيامـًا ســوداء
متحركة وأسدلوا الخمار حتى على وجوههن وليس جيوبهن كما أمر ال .أما إشففارة
جِميًعففا َأّيَهففالف َ ن َوُتوُبففوا ِإَلففى ا ِّ ن ِزيَنِتِه ّ ن ِم ْ خِفي َ
ن ِلُيْعَلَم َما ُي ْ
جِلِه ّ
ن ِبَأْر ُ ضِرْب َل َي ْ اليةَ :و َ
ن) -(31النور /ج .18فالدللة هنا هي المشية الخليعة حيث حو َن َلَعّلُكْم ُتْفِل ُاْلُمْؤِمُنو َ
تعمد المرأة لضرب الرض برجلها بما يؤدي لهففتزاز النهففدين والصففلبين وليففس "
ي " ول علقة له بالزينة . الخلخال " كما توهم البعض ،فالخلخال من " الحل ّ
وقد نقل جبران شفامية ) (34عفن " أحمفد أميفن " ففي " فجفر السفلم "
)) أن الحاديث قد كتبت وخلفًا لنهي رسول ال بعد قرنين من وفاة الرسففول وكففان
أحمد بن حنبل ) 855 – 780م ( أول من عني بجمع الحديث في كتابه " المسند "
الذي يحتوي على ثلثين ألف حديث رتبه ابنه عبد ال حسب أسماء الصففحابة الففذين
26
روي عنهم ) .ملحظة :أحمد بن حنبل وثم ابن تيمية همفا مراجفع السفلفية الوهابيفة
المعاصرة ( .
ثم ظهرت في منتصف القرن التاسع ست مجموعات للحديث تعتبر
حصوها موثوقة صنفت فيها الحاديث حسب مواضيعها ودقق مؤلفوها بالروايات وم ّ
واختاروا منها ما اعتبروه صحيحًا وهي :
) 870 – 810م( . كتاب الجامع الصحيح للبخاري
) 875 – 817م( . كتاب صحيح مسلم
) 866 – 824م( . كتاب السنن لبن ماجة
) 888 – 817م( . كتاب السنن لبى داود
) توفي 892م( . الجامع الصحيح للترمذي
) 915 – 820م( . كتاب السنن للنسائي
يلحظ أن هذه المجموعات الست كتبت في زمن متقارب ) ما بين 820
– 915م ( كأنه تسلط فجأة على الوسط الديني شعور بضرورة وضع حّد
للنتحال .ففي القرنين من وفاة الرسول إلى صدور هذه الكتب استباح كثيرون
لنفسهم وضع الحديث ونسبته كذبًا إلى النبي " .ويظهر أن ذلك حدث والنبي ل
يزال حيًا " .
وإذا تذكرنا أن الحاديث المنقولة عن أقرب الناس إلى النبي كعائشة
وأبي ُهريرة وعبد ال ابن عمر وعبد ال ابن العباس بلغت خمسة عشر ألف
حديث ،في حين أن البخاري اقتصر على أربعة آلف من كافة الحاديث على
اختلف مصادرها أدركنا مقدار ما انتحل على لسان هؤلء وحدهم ،معنى ذلك أن
المسلمين في أقرب اليام والسنين لنشوء الدعوة لم يتحّرجوا بالختلف على لسان
النبي خدمة لغراضهم الدينية والسياسية .
وُيلحظ أن رواة الحاديث لم ينقلوا شيئًا عن زوجات النبي عدا عن
ن على درجة من الجهالة بحيث لم تحفظ إحداهن حديثًا واحدًا ن كله ّعائشة .فهل ك ّ
عن زوجها ؟ الرجح أن المر لم يكن كذلك !!!
ل نحووقد روي عن المام الشافعي قوله أنه لم يثبت عن ابن العباس إ ّ
ل نحو خمسين .أما المام أبو حنيفة مائة حديث ،ولم يثبت عن عمر بن الخطاب إ ّ
ل سبعة عشر حديثًا من الستماية ألف حسب قول ابن خلدون .فإذا فلم يصح عنده إ ّ
ي أساس إذًا قامت تلك العلوم التي بقول الستاذ أحمد صح قول هؤلء الفقهاء فعلى أ ّ
أمين أنها تفرعت عن الحديث ؟
أمام هذه الشكوك الجسيمة التي تتناول صحة الحاديث ،وأمام إهمال العلماء
السابقين تجريحها بالنسبة لمتونها ،فما هو عذر العلماء المعاصرين بالمتناع
عن ذلك ؟((
إن من دوافع المحّدثين في تدوين هذه الحاديث أنهم يجدون فيما نسبوه
للسنة النبوية تشريعات وأحكام لم ينص عليها القرآن كالرجم وما يفسرونه بالحجاب
وما يتدنونه من قيمة المرأة " ناقصة عقل ودين " وما يسربلونه بها من ثياب حيث
27
ل عينًا واحدة تبصر بها ،فالحديث هو " مأوى " هؤلء يحرمون فيها كل شيء إ ّ
خلف منهج الدس اليهودي .
أما موقفنا من السنة الصحيحة ،والتي نؤمن بها ونلتزمها ،فقد
أوضحناه في المجلد الول من العالمية – ص 62/63فنحن أكثر التزامًا بالسنة
حيث التزمنا بنهي الرسول عن كتابة أحاديثه لنه يعلم ما ل يعلمون ،ولكنهم جاءوا
باسم السنة لبطال السنة وتزييف الحكام ،فأصبح لدينا دينان ينسخان بعضهما ،
دين القرآن ودين الحاديث المنحولة ،ومضى بعضهم للقول أن السنة يمكن أن
تنسخ القرآن ،وبرروا بذلك " شرعة ما قبلنا شرعة لنا " بما يناقض الية " لكل
جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا " وبما يناقض الية التي تنص على " هيمنة القرآن "
على سائر الكتب ونسخ شرائعها .وزادوا إلى ذلك مزج الحكام الدينية " بالعرف
الجتماعي " في كل الحكام الخاصة بالمرأة .
علمنة الدولة ضمانة للحريات والمحاسبة :
إن علمنة الدولة تشكل أهم مرتكز إسلمي لضمان الحريات التي يؤكد
عليها القرآن في سورة النحل ،كما أن مؤسسات الدولة المعلمنة من فصل السلطات
التشريعية والقضائية والتنفيذية تكفل دستوريًا دور المواطن والشعب بمعزل عن
منطق " الحاكمية اللهية " و " حاكمية الستخلف " الخاصتين بالدين اليهودي
وبالسرائيليين لطلق " حاكمية البشر " كما ينادي بها القرآن بعد ختم الرسالة
والنبوة ،حيث يكون دور الكتاب /القرآن ضمن السلطة التشريعية تأكيدًا للنهج
الكوني بما يسد الطريق على تحّول " العلمنة السياسية للدولة " إلى " فلسفة وضعية
للمجتمع " وبما يخرق قاعدة " السلم كافة " ويقنن الصراعات باسم الديموقراطية ،
ويهدد قيم المجتمع باسم الليبرالية الفردانية .
فالعلمنة السياسية للدولة ضمانة للجتهاد النوعي في المجتمع بما تكفله من حرية
الرأي و "حيادية السلطة " تجاه مختلف الديان والراء والجتهادات وضمانة
لتطبيق ما ورد في " سورة النحل " حول الفارق بين مجتمعات العبودية والستلب
ضِرُبوا ِّ
ل ل َت ْ الطبقي والعبودية ل حيث يكون النسان حّرا كالطير في جو السماءَ :ف َ
عَلى ل َيْقِدُر َ عْبًدا َمْمُلوًكا َ ل َ لُ َمَث ًبا ّ ضَر َ ن)َ (74 ل َتْعَلُمو َ
ل َيْعَلُم َوَأْنُتْم َن ا َّ ل ِإ ّلْمَثا َ
ا َْ
حْمُد ِّ
ل ن اْل َ سَتُوو َل َي ْ
جْهًرا َه ْ سّرا َو َ ق ِمْنُه ِ سًنا َفُهَو ُينِف ُ
حَ ن َرَزْقَناُه ِمّنا ِرْزًقا َ يٍء َوَم ْ ش َْ
يٍء ش ْعَلى َ ل َيْقِدُر َ حُدُهَما َأْبَكُم َ ن َأ َجَلْي ِل َر ُ ل َمَث ًب ا ُّ ضَر َن)َ(75و َ ل َيْعَلُمو َ ل َأْكَثُرُهْم َ َب ْ
ن َيْأُمُر ِباْلَعْدلِ َوُهَو سَتِوي ُهَو َوَم ْ ل َي ْ خْيٍر َه ْ ت ِب َ ل َيْأ ِجّه َلُه َأْيَنَما ُيَو ّ
عَلى َمْو َ ل َ َوُهَو َك ّ
ل َكَلْم ِ
ح عِة ِإ ّ سا َض َوَما َأْمُر ال ّ لْر ِ ت َوا َْ سَماَوا ِ ب ال ّ غْي ُ
ل َ سَتِقيٍم)َ(76و ِّ ط ُم ْ صَرا ٍ عَلى ِ َ
ن ُأّمَهاِتُكْم طو ِ ن ُب ُجُكْم ِم ْخَر َل َأ ْ
يٍء َقِديٌر)َ(77وا ُّ ش ْل َ عَلى ُك ّ ل َ ن ا َّب ِإ ّ صِر َأْو ُهَو َأْقَر ُ اْلَب َ
ن)َ(78أَلْم َيَرْوا شُكُرو َ لْفِئَدَة َلَعّلُكْم َت ْ
صاَر َوا َْ لْب َ سْمَع َوا َْل َلُكْم ال ّجَع َ شْيًئا َو َن َ ل َتْعَلُمو َ َ
ت ِلَقْوٍملَيا ٍك َ ن ِفي َذِل َ ل ِإ ّل ا ُّ ن ِإ ّ سُكُه ّسَماِء َما ُيْم ِ جّو ال ّ ت ِفي َ خَرا ٍ سّ طْيِر ُم َ ِإَلى ال ّ
ن) – (79النحل /ج .14 ُيْؤِمُنو َ
فالحرية المطلقة من جبّلة التكوين التخليقي اللهي للمطلق النساني ،فالفقهاء الذين
جردوا النسان من مطلق حريته بمنطق الحاكمية ل قد جعلوا النسان " عبدًا
مملوكًا " ل وبما يتطابق مع مملوكيته للبشر في المجتمع البدائي العبودي ،وهذا
28
ما رفضه ال رفضًا قاطعًا وجازمًا في سورة النحل حين رفض المماثلة بين
العبودية له والعبودية للنسان ،حيث وصف ال عبده بأنه حر متصرف في قدراته
في حين أن المملوك البشري ل يقدر على شيء ،ووصف ال عبده بأنه حر التعبير
،غير مستلب إلهّيا ،وقد زوده ال بقوة " الوعي الثلثي – السمع والبصر والفؤاد "
ل " الله الزلي" في حين ،وماثله بالطير حرًا في جّو السماء ،مطلقًا ل يمسك به إ ّ
أن العبد المملوك " أبكم " مجرد من حق التعبير وحق التفكير وحق الوعي .
فعلمانية الدولة السياسية ضرورة إسلمية ) (35وبالذات في عصرنا الراهن مع
صعود الصولية المغالية وهيمنة النظمة الستبدادية علمًا بأن السلم دين مجتمع
وليس دين دولة .والذين يجمعون بين الدين والدولة إنما هم ثيوقراطيون من دعاة "
الحاكمية اللهية " التي ينصبون أنفسهم " خلفاء " ل عنها في الرض وهذا نقيض
إسلمية المعرفة وهذا ما يذهب إليه سيد نقيب العطاس (36).
" وفي هذا الصدد ل بد أن نؤكد أن هجومنا على " العلمانية " ليس موجهًا نحو ما
هو مفهوم عمومًا بكلمة " علمانية " التي توصف بها الحكومات والدول السلمية ،
ولكنه موجه بشكل أكبر نحو " العلمنة " التي هي برنامج فلسفي ،قد ل تكون كل
الدول والحكومات العلمانية في بلد المسلمين قد تبنته بالضرورة .
لقد شاع في أوساط المسلمين أن الدولة العلمانية هي الدولففة الففتي ل يحكمهففا العلمففاء
والتي ل يقوم نظامها القانوني على قانون سماوي منزل .ول شك أن هذه الفكرة قففد
رسخت في الذهان من خلل التفكيفر الغربفي ،أي أن الدولفة العلمانيفة هفي الدولفة
المضادة للدولة الدينيففة .وهــذا النمــط مــن التفكيــر غيــر إســلمي علــى الطلق لن
السلم ل يفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي .فكيف يكون في تفكير المسففلمين
تضارب وتضاد بين الدولة الدينية والدولة الدنيوية ) أي العلمانية ( ؟
إن الدولة السلمية التي تسمي نفسها " علمانية " ليست بالضرورة معادية للحقيقة
الدينية أو التربية الدينية ،كما أنه ليس معنى ذلك أنها تجرد الطبيعة من معناها
الروحي أو تنكر القيم والفضائل الدينية في الشؤون السياسية والنسانية .ولكن
العملية الفلسفية العلمية التي أسميها " العلمنة " تعني حتمًا تجريد عالم الطبيعة من
المعنى الروحي وإبعاد السياسة من الدين وعزل الدين عن كل شؤون حياة النسان
ومناحيها ،كما تعني إبعاد القيم المقدسة من تفكير النسان وسلوكه ".
وكما يقول الدكتور " علي حرب ") (37إن العلمانية ليست مذهبًا جامدًا ،أو شعارًا
ما ورائيًأ ،ول ينبغي لها أن تكون كذلك ،وإنما هي مشروع ل يكتمل ،وأفق
ينبغي " افتتاحه باستمرار " ،كما يرى ،بحق ،الستاذ محمد أركون .وبكلم آخر
،ل ينبغي أن تتحول العلمانية إلى سلطة كهنوتية حديثة تقوم بتحديد وضبط كل
شيء ،بما في ذلك الفكر نفسه ،كما ل ينبغي لها أن تمسي معتقدًا مغلقًا ،أي
نظامًا فولذيًا ،أو منزعًا فاشيًا عنصريًا ،على نحو ما آلت إليه بعض المشاريع
اليديولوجية الحديثة ،من قومية عرقية ،أو اجتماعية طبقية .ولهذا فإن أصل
المشروعية يبدو غير كاف ،في حد ذاته ،لتحديد ماهية العلمانية .فالتجربة تشهد
بأن هناك دومًا ما يتهّدد حرية الفرد وحقوقه ،من خلل الميل إلى احتكار السلطة ،
أكانت دينية أو غير دينية ،وإلى مصادرة المشروعية ،أكانت من خلل المجتمع أم
29
من داخله ،وذلك تحت حجج وذرائع تحيل في الغالب ،إلى مبادئ غيبية ،كداعي
المصلحة العليا وسيادة المة ،والحرص على الهوية ...ولهذا فالضامن الساسي
للحريات والحقوق هو تعدد مصادر المشروعية والسلطة .ولعل العلمانية ليست
شيئًا آخر سوى ذلك .
وبالمقابل ،فإن الكلم على العلمانية ل يعني ،البتة ،نفي الدين ،بما هو إرث
وتاريخ وتجربة ،أي بما هو حقيقة واقعة ل مجال لنكارها وتجاوزها .وكما أنه
ل يمكن للنسان أن ينسلخ عن ناسونيته وأن يعرى من علمانيته ،فل يمكن له ،
أيضًا ،أن يتجرد عن منازعه القدسية الغيبية ،وإن ظن ذلك .فالقدسي هو عنصر
من عناصر الوعي .والغيبي هو مبدأ من مبادئ الجتماع .وبهذا المعنى ل
مجال ،أكان حديثًا أم قديمًا ،يخلو من أبعاد غيبية قدسية ،ومن طقوس رمزية
سحرية .ذلك أنه ل اجتماع بل عقيدة ،ول عقيدة إل وتحيل إلى غائب ،ول
عقيدة من دون سلطة مقدسة " ).سلطة بالمعنى الروحي(
هل الخلص على يد العولمة المريكية ؟
إنه أمام تنامي الصولية المنبعثة من قاع المجتمع وتحويلها المعرفة
الدينية إلى أيديولوجيا واتكائها على تاريخانية فكرية مفارقة لمنهجية السلم
ومغالتها .
وأمام استبداد النظمة التي تمتطي المجتمع كامتطاء المروضين للحصنة
الجامحة ،فقد تكون الهيمنة المريكية بتحديثيتها وعلمانيتها وليبراليتها وسوقها
الحر مخرجًا لكثير من الشعوب فيما يعتقده البعض ويأمله .
غير أنه " خلص ملغوم " ليس فقط بسبب النحياز المريكي لسرائيل
وسعيهما معًا لترتيب الوضاع في الوطن العربي والهيمنة عليه ضمن مصالحهما
المشتركة ولكن بسبب النهج المريكي نفسه ومنظومته ومرجعياته الفلسفية .
فحين ألقى السيد " كولن باول " وزير الخارجية المريكية خطابه في
مؤسسة " هيريتج فاونديش " بتاريخ 11ديسمبر /كانون أول 2002استنادًا إلى
تقرير المم المتحدة حول " التنمية النسانية العربية لعام " 2002يخيل للمستمع
الذي يجهل خلفية العولمة المريكية أن المتحدث هو فولتير ) (1694/1778من
الذين قدموا بأفكارهم الصلحية للثورة الفرنسية وليس وزير الخارجية المريكي )
. (38فالعولمة المريكية هي نقيض الكونية ونقيض التوجه النساني الذي يتفاعل
مع أزمات البشرية وقضاياها بل يزيدها تعقيدًا .
قد أصبحت أمريكا الن مصدر كل مصطلح عالمي جديد في لغة "
العولمة المعاصرة " بعد أن دخلت عصر " التكنيترونيك – " Technetronic
الذي وحد بين الثورة " التكنولوجية " في عالم التصالت والمعلومات والمواصلت
مع " الكترونيك " ،وهو تعبير أطلقه مستشار المن القومي المريكي السبق "
زبينغيو برجنسيكي " في السبعينات). (39
بموجب هذا العصر استشعرت أمريكا سيطرتها على العالم الذي بدا لها "
ل لن تحتويه " قبضتها " طالما إن متقلصا" – (shrinking world – (40وقاب ً
30
أمريكا تستمتع الن " باللحظة الحادية (Unipolar Moment – -(41وذلك
أيضًا تعبير أمريكي لتخفيف تعبير " الهيمنة " الحادية بالمنطق الستعماري .
هكذا ينتهي المفهوم التقليدي للجغرافية السياسية و " الجيوبوليتيك –
" Geopoliticsفي نظريات العلوم السياسية وذلك منذ أن أعلن الرئيس بوش "
الب " في 11سبتمبر ) أيلول ( 1990قيام " النظام العالمي الجديد " ) (42ثم
صل الرئيس بوش " البن " ذلك العلن بذات التاريخ 11سبتمبر ) أيلول ( أ ّ
، 2001وبالتحديد إثر تفجيرات أمريكا – فهل هي محض صدفة ؟!
أمريكا هذه تتطلع الن ليجاد " الشعوب البديلة – " . Alternatives Nو "
النظمة البديلة – (Alternative .S " (43وذلك باحتواء الشعوب ثقافيًا على
حساب ما هو سائد أيديولوجيًا ودينيًا وقوميًا وحضاريًا ،وقد تم التعبير عن هذا
الحتواء بلغة " صدام الحضارات " لصموئيل هنتنغتون ) (44ومنطق الليبرالية
نهاية للتارغ لفوكوياما ) (45والذي يحتوي النظمة جنبًا إلى جنب مع شروط
منظمة التجارة الحرة والمنظمات الدولية الخرى كحقوق النسان وغيرها كثير
وكثير .
أما القيمة المنهجية لسلمة المعرفة فتكمن بالتحول النساني إلى الكونية
ل عن "الموضعية" Placementوالوضعية Positivism - Cosmosبدي ً
فتتكون لدى النسان " نظرية وجود " Anthologyمرتبطة بال -سبحانه -
بوصفه خالقًا ،ومصدرًا " للكتاب والحكمة " فتشكل عقلية النسان وأخلقياته على
ضوء هذا الرتباط اللهي فيتعالى على نزعته الغريزية البهيمية الدنيوية العابرة
وينتمي لمنظومة إلهية من القيم Divine Realm of Valuesهي نقيض التعالي
" النفعية " في الرض والفساد وسفك الدماء مهما كانت المبررات
Utilitarianismونزعتها العملية Pragmatismغير الخلقية ،وتمركزها
حول الذات الفردية Self Centeredوإباحتها " الليبرالية " Liberalism
ومنهجها الدائي أو الدواتي Instrumentalismوغزوها للخرين بمنطق
صدام الحضارات Clash Of Civilizationsلفرض آحاديتهم المبريالية على
الشعوب بمنطق العولمة Globalizationالمعاصرة وسوابقها ،بعد أن حولت
النسان إلى كائن عدمي ، Nihilisticيغذي آلة النتاج والستهلك ،وامتدادًا إلى
مفهوم جديد للجنس والنوع Sexيتجاوز العلقة العائلية ويجعل من الجنس محض
لذة بايولوجية ونفسية واختيار ذاتي . Gender
المخرج :إسلمية المعرفة ) الجدلية الثلثية والرؤية الكونية (
كما ذكرت ،ليس " كولن باول " هو " فولتير " ول يمكن أن يكون
خلصنا وفق مواصفات " الهيمنة – العولمة المريكية " والتي تعتبر نقيضًا
لساسيات وجودنا كأمة مساهمة في تأسيس الحضارة النسانية وليس بداية من
السلم قبل أربعة عشر قرنًا ولكن بداية من اللفية الخامسة قبل الميلد .
ل من " داخلنا " وبوفق خصائصنا .وليس فإصلحنا وتحديثنا ل يكون إ ّ
هذا هو موقف ورأي إسلمية المعرفة فقط ،بل هو رأي مفكرين في علم الجتماع
والسياسة أمثال " مصطفى التير " و " حسن صعب " و " عبد ال العروي " و "
31
محمد عابد الجابري " و " أدونيس " و " برهان غليون " و " محمد آركون " و "
على حرب " و " جابر عصفور " و " محمد جابر النصاري " و " عمار بلحسن "
و " محمد مهدي شمس الدين " .ولو أفضت لتجاوزت الثلثمائة ،على اختلف
مداخلهم ومناهجهم .
في هذا الطار يكتب " د .مصطفى التير " ))) (46تبدو الثقافة العربية
اليفففوم " تابعة " وخصوصًا في مجالت إنتاج المعرفة العلمية وتوظيفها ونقلها ،
ولكن لم يكن هذا حال هذه الثقافة خلل جميع حقب التاريخ .لقد عرفت الثقافة
العربية عصورًا ازدهر فيها العقل العربي ،وحلق عاليًا متجاوزًا الحدود المحلية
والقليمية عندما لم توضع أمام العقل عراقيل كثيرة .كانت القيم تحرض على
انطلق العقل واستخدامه لفحص مكونات الكون وللتعرف إلى مسببات الشياء كما
هي في الطبيعة .كانت الثقافة العربية آنذاك غنية بمكوناتها فسادت ،وكان مثقفو
العالم يتجهون صوب المجتمع العربي طلبًا للتعلم واكتساب المعرفة .وإذا كانت
الصورة اليوم تبدو مغايرة للوصف السابق ،فل يعني ذلك أنها ستظل هكذا إلى ما
ل نهاية .سوى أن تبديل الحالة الراهنة لن يتم بالتمني ول بالدعاء ،بل بالعمل
المضني -كما يلحظ غليون " -على بعث ثقافة مبدعة تزخر بالخلف والتناقض
والتعدد ..ولنحرر أنفسنا من وهم اليديولوجيا الواحدة والمنقذة ،فالعقل والحرية ل
ينفصلن " وإذا بدا أن الخذ لهذه النصيحة البسيطة ليس في الفق ،فإن تحديث
المجتمع العربي لن يكون باستيراد النماذج الجاهزة ،ول بالستمرار في استيراد
ذكريات الماضي .فالتراث العربي السلمي قد يكون مصدر إلهام وحافزًا للدفع
إلى المام ،ولكن بعد أن يتوقف العرب عن الستمرار في "القراءة السلفية
للتراث" -كما يقول الجابري -والتي ل تنتج سوى إعادة التراث نفسه .
ولبلوغ هذا الهدف ،فإن العرب -وخصوصًا )المثقفين( منهم -مدعوون
للبحث عن السلوب الفضل والنسب ،ول نعتقد أنه يقوم بالضرورة على أنقاض
هدم الماضي بما في ذلك الدين .وقد أظهرت تجارب أمم كثيرة أن مهاجمة الدين ،
حتى عندما جعلتها السلطة جانبًا رئيسيًا من السياسة ،لم تؤِد إلى تحطيم الوعي
الديني ،بل ربما أدت مثل هذه السياسة -في أحيان كثيرة -إلى ردات فعل قوية
بالتجاه المعاكس للسياسة الرسمية .إن السلوب المناسب لتحديث نمط التفكير
العربي يأخذ بعين العتبار خصائص المجتمع العربي وخصائص الشخصية العربية
،ووضع برنامج للرفع من مكانة العقلنية التجريبية ل يتعارض وروح الدين
السلمي .ولكن طبيعة العلقات المتعلقة بالمراكز الجتماعية التي لها علقة
بإنتاج المعرفة ونقلها تحتاج إلى تغيير في التجاه الذي يفسح مجاًل واسعًا
للختلف ،وللرأي الخر ،وللشك وتنشيط القدرات العقلية(( .
ونعود لنؤكد في إطار إسلمية المعرفة إن الطرح اليستمولوجي
)المعرفي المنهجي( وليس اليديولوجي )التراثي التاريخي( في علقة وجودنا
العربي -السلمي بالوحي اللهي والدين من جهة ،وعلقتنا بجدلية التاريخ
العربي من جهة أخرى ،يشكلن الضوابط التي تؤطر علقتنا بالعولمة خارج
32
مداراتها الليبرالية الباحية ) (Liberalismومنفعتها القتصادية )
(Pragmatismوخلودها إلى نهج المنافسة والصراع .
يمكن أن يكون للعولمة نهجًا أكثر )إنسانية( وأرفع )كونية( متى تخلصت
من السلبيات التي لزمت التطور الوربي وانتهت لتدمير النسان نفسه بتحويله
لمجرد كائن إنتاجي واستهلكي مبوتق Encapsulatedيحركه العلم بأكبر
من القيم ،ويوجه إرادته ورغباته بأكثر من التربية والخلق .
فلكي نتقبل إيجابيات العولمة ،وهي مصير بشري ،وندرأ سلبياتها ،ل
ل بطرح الدراسات المعرفية بد من أن نضمنها اختياراتنا الحضارية ول يتأتى ذلك إ ّ
والمنهجية المتعلقة بوجودنا ،القومي والديني على حد سواء .دون ذلك نكون
أسرى عولمة نعيش فيها )اغترابًا مزدوجًا( عنها وعن أنفسنا بذات الوقت .
فالمطلوب الن إعداد مناهج تربوية وثقافية بديلة لما هو قائم ،وكذلك طرح
رؤى إستراتيجية تنطلق منظوراتها )منا( وليس من )غيرنا( مهما تقاربت ظواهر
مصالحنا .
وما من أمة تستطيع أداء هذا الدور )النساني علقة( و )الكوني رؤية(
مثل هذه المة التي تربعت في موقع الوسط من العالم فتفاعلت حضاريًا وفلسفيًا مع
النجازات والموروثات البشرية على امتداد ما بين المحيطين الطلسي غربًا
والهادي شرقًا وباتجاه إفريقيا من العالم الجغرافي والبشري )القديم( ،فاستوعبت
حضاراتها )الذاتية( المتفاعلة معها ومن قبل الفتح السلمي فأصبحت بالفعل أمة
المم وقومية القوميات المنبسطة على )حوض الحضارات التاريخية( .
وباستيعاب ذلك ورثت إشراقية فارس وفلسفة الهيلينية الغريقية .
فليس من أمة مؤهلة موضوعيًا بحكم تركيبتها لعطاء العولمة بعدًا إنسانيًا كأمة
الوسط هذه .
إن باحثًا معتبرًا " كعلي زيعور" يكتب من "داخل الذات" هو القرب لفهم
أهداف الحداثة في واقعنا وبمنطق جدله الخاص من كل علماء الغرب وأمريكا،
وذلك في كتابه" :التحليل النفسي للذات العربية – أنماطها السلوكية والسطورية"
ويماثله "جورج قرم" في كتابه" :النزاع بين التغيير واللتغيير" و"برهان غليون"
في "اغتيال العقل" ،وهناك كثيرون.
علماؤنا هؤلء "من داخلنا" وهم "نحن" عجنهم تاريخنا ،وكونهم "جدلنا" القرب
لفهم معنى الحداثة "فينا" و"التجديد" و"كيف" و"لماذا" وشرعية أبنيتنا الفوقية
والتحتية ،وتجاويف عقولنا وكيف نفكر.
فل يمكن لكولن باول أن يعبر إلى مجتمعنا إل من خلل هؤلء -وليسوا جسرًا
له -ول لغيره ،ولكنهم المدخل والبوابة "الشرعية" لمن يريد إصلحًا اجتماعيًا
وسياسيًا وثقافيا وفكريًا .ول يمنع ذلك أنهم يختلفون فيما بينهم ولكنهم ليسوا مختلفين
في أهدافهم باتجاه التحديث .إذ يظل الخليجي خليجي والتونسي تونسي أما السوداني
كمثلي فيمكن أن يّوحد بين جدل "الغيب" و"النسان" و"الطبيعة" ويردد في نفسه
الدعاء متوجهًا إلى ال إثر كل هجوم " :ربي أغفر لهم فإنهم ل يعلمون " .ولكن
33
يؤلمني أن يهاجم آرائي من لم يقرأ لي ويكتفي بالعناوين ،فغدًا سيأتي من يقول أن "
حاج حمد " يدعو لدولة علمانية ليبرالية إباحية ويطرد الدين من المجتمع.
لم يطرح أي من هؤلء المفكرين في يوم من اليام "سقوط النظمة" كمدخل
للصلح والتغيير وإنما طرحوا فهمها "كظاهرة" ،ولم يسبوا ويلعنوا الحركات
السياسية وغيرهم في مجتمعهم ،وإنما سعوا لكتشاف "السلطة المعرفية" التي
تؤسس عليها – من داخل المجتمع – هذه الحركات لوجودها وشرعيتها.
ولم يصدروا بيانات /مبادئ /مبادرات وإنما "قيموا" و"حلّلوا" و"فككوا"
وحاولوا التركيب ،كل حسب جهده وطاقته.
ل يستطيع "كولن باول" أن يقف هناك من خلف الطلنطي ليقول لنا ما يجب ان
تكون عليه أوضاعنا وما يكون عليه مستقبلنا.
صحيح أن النظرة إلينا – من على بعد – تمر من خلل وهننا وضعفنا ،ولكن
ضعفنا مجرد "عادة سيئة" و"عابرة" في حياتنا ،فنحن أمة "مستمرة" و"وريثة"،
إستمراريتها في تخطيها عبر التاريخ لكل كبواتها ،من "التتار" إلى "الفرنجة" إلى
"الستعمار" .وعبر كبواتنا تتبادل أقطارنا الدفع بالستمرارية ،فإن سقطت دمشق
قامت بغداد ،وإن سقطت قامت القاهرة ،وإن تدهور الشام صعد المغرب ،فبيتنا ليس
بيت عنكبوت.
ثم أننا أمة وريثة ،ففي جوفها هذا "السومريون" و"البابليون" و"الشوريون"
و"الراميون" و"الكلدانيون" و"الكنعانيون" و "الدوميين" و بقايا "ثمود" و "تدمر"
و "النباط" و"الفراعنة" و"القرطاجيون" و"السبئيون" و"المعينيون" و"الحمريون"
و "قتبان" و "حضرموت" و "أوسان" ورجوعًا إلى "عاد" و"ثمود" وحتى فلك
نوح .فإذا أردت أن تستمع إلى قصيدة عمرها يتجاوز اللفين من العوام
فهي"لمرئ القيس" ومغنيتها المعاصرة "هيام يونس" ويمكن على أنغام العود
الشرقي "للفارابي 950/ 874م " المتوفى قبل ألف وخمسين عامًا .ول زلنا
نطرب للموشحات الندلسية قبل خمسمائة عام .
هذه الخصائص الحضارية التاريخية بتفرعها وتعددها تفتقر لها كل المم بما
في ذلك أعرقها كالمة الصينية .ول يبقى أمام هذه المة العربية من بعد كل ذلك إ ّ
ل
أن تكتشف نوعية قواعدها الجتماعية للتغيير والحراك السياسي ،سواء على
مستوى قواها الحديثة الناشئة منذ القرن الماضي ،أو التقليدية الناشئة منذ قرون،
وهذا عمل علمائنا هنا من داخلنا ،فحين رفض فولتير اللهوت لم يرفض الدين،
ول يمكن لمريكا أن تدين أصوليتنا قبل أن تدين أصوليتها وتجاوزهم النجيل
المسيحي إلى التلمود والتوراة كيفما زيف وحرف بنو إسرائيل .فلو تكلم "باول"
بطريقة "فولتير" كنا أقرب إلى بعضنا البعض.
الموقف المنهجي من الحركات السلمية
ما هو المطلوب :التدمير أم التجديد؟
على مدى أخر عقدين من القرن المنصرم تم عقد ما ل يقل عن
"ثلثمائة" منتدى وورش عمل في الوليات المتحدة المريكية وأوربا الغربية
و"الوطن العربي" و"العالم" السلمي لمناقشة واقع الحركات السلمية بوصفها
34
"ظاهرة" متعددة ومتنوعة البعاد ،دينيًا وثقافيًا وفكريًا واجتماعيًا وسياسيًا
واقتصاديًا.
أما "الباعث" لتلك المناقشات المكثفة فقد كان ول يزال "سياسيًا"
بالدرجة الولى ،إذا لم نقل بالمطلق .وأصبح التعبير "السائد" إن لم يكن "المرادف"
لتلك الحركات هو "السلم السياسي" حيث تفرع عنه تعبيران "الصولية"
و"التطرف".
ثم دخل العالم ألفيته "الثالثة" فحكم على هذه الحركات بصفة "الرهاب"
ودعت أمريكا إلى "تحالف دولي" لمكافحتها على مستوى العالم إثر تفجيرات
الحادي عشر من سبتمبر )أيلول( 2001في برجي التجارة العالمي لنيويورك
ومبنى البنتاغون بواشنطن.
وُربطت المكافحة الدولية بالستجابة الشرطية لكل أبعاد "العولمة
المريكية المعاصرة" والتي سبق أن أعلنها الرئيس بوش )الب( في خطابه
للكنغرس بنفس تاريخ الحادي عشر من سبتمبر )أيلول( ولكن عام .1990
وتحمل تلك البعاد خصائص "النهج المريكي" وهي "الليبرالية" التي
تتضمن "الديمقراطية الغربية" كأساس "للنظام السياسي" والقيم "الغربية لحقوق
النسان" ومبادئ "السوق الحر" و"التجارة العالمية المفتوحة" والنسق المريكي في
التفكير "البراجماتي" وترجمته العربية "النفعي" والذي يستند بدوره إلى السلوك
العملي "الدائي" وكذلك النسق "العلماني" الذي "ُيحّيد" الدين عن السياسة ول يلغيه
في المجتمع شأن الفلسفات "الوضعية" التي ترفض "الميتافيزيقيا" و"اللهوت" معًا.
وهذه كلها "منظومة قيم مركبة" تتعارض مع اليديولوجيات والفلسفات
التاريخية ،والديان والثقافات القومية ،والنتماءات الوطنية ،وخيارات
"الخصوصية" لي مجتمع مفارق ،أيًا كانت بواعث هذه المفارقة ،دينيًا أو ثقافيًا أو
اقتصاديًا أو سياسيًا أو قيميًا.
غير أن "التوظيف" الدائي البراجماتي لمنظومة النهج المريكي تطغى
بالضرورة على أساسيات هذا النهج حين يتعلق الموقف بخيارات أمريكا نفسها ،إذ
ترتد أمريكا – في هذه الحالة – إلى "خصوصيتها الذاتية" التي تعيبها باسم العولمة
على الخرين.
إذ تبيح أمريكا لنفسها وتبعًا "لخصوصيتها" اتخاذ ما يتعارض مع
علمانيتها وليبراليتها وحقوق النسان حين يتعلق الموقف بمجتمع مؤسس على
"لهوت ديني" و"استعلء عنصري" و"اقصاء للخر" كالمجتمع السرائيلي ،هنا
يصبح المنظور المريكي "استراتيجيًا بحتًا" يرتبط بمفاهيم "المن القومي"
المريكي العابر للحدود وليس بقيم "العولمة".
وبموجب هذه النظرة "الستراتيجية القومية" ذات الطابع "الحادي"
والمتناقض مع المنظومة القيمية للعولمة المريكية نفسها ظهر تعبير "الكيل
بمكيالين" وبالذات في تناول قضايا "الوطن العربي" بالمفهوم العربي أو "الشرق
الوسط" بدللته الستراتيجية الدولية والسرائيلية والذي يراد له المتداد "جيو-
بوليتيكيًا" لبعد من حدوده القومية.
35
فإذ تطلب أمريكا من العرب أن يتعايشوا مع إسرائيل بمنطق براجماتي
عملي أدائي يتجاوز مقوماتهم القومية والدينية وأن يبطلوا ذاكرتهم التاريخية ،فإنها
ل تطلب من إسرائيل نفس المقابل الديني )محو التلمود( والقومي )محو الصهيونية(
والتاريخي )أرض الميعاد(.
وحين تدين العمليات الستشهادية بوصفها "إرهابًا" فإنها ل تطلب من
إسرائيل وقف "الستئصال" ول "إدماج" الفلسطينيين في مجتمعها السرائيلي
"الديمقراطي" على أسس تراعي "حقوق النسان" و"الليبرالية" ومفهوم "المواطنية
المتكافئة" .كما أنها ل تطبق على الفلسطينيين مبادئ "السوق الحر" و"التجارة
الحرة" ول تنظر لحق العودة بمنطق حقوق النسان وأقلها "لم الشمل العائلي
للف "النازحين" داخل فلسطين ومليين "اللجئين" الذين ل زالوا في
"المخيمات" المقاربة لما كان من "محميات هندية أمريكية" على امتداد المحيط
العربي في لبنان وسورية والردن ومصر.
فلو "أخلصت" أمريكا النتماء لقيم العولمة التي تبشر بها "نظريًا"
وتناقضها "مسلكيًا" لكنا أول الداعين "للمقاربة" معها ،بل ومناداتها لقيادة العالم
بأسره ،إذ أن لديها "القوة والمكانيات" التي تعوزنا لفرض هذه القيم على مجتمعاتنا
المتخلفة اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا والتي لزالت تعيش مرحلة ما قبل الثورة
الصناعية الولى ضمن "سبات" بدوي وزراعي طبيعي رغم "مظاهر التحديث
الشكلي" الذي ل يرتبط بأي حداثة عقلية نقدية أو حضارية.
وقتها لن تطلب منا العولمة المريكية أن ننفض أيدينا عن موروثنا
وآيديولوجياتنا وثقافتنا وحتى "تديننا" ،لن أمريكا نفسها وحين تصل حالة أن تطلب
منا "العولمة" على هذا النهج العقلني فإنها هي نفسها – أي أمريكا – تكون قد
أخذت بهذه العقلنية للعولمة.
والعقلنية التي أعنيها ليست هي دواعي "المنطق" الذي يستجيب لواقعنا
المزري "اللعقلني" والتكيف معه ،ولكنها تلك العقلنية التي تدفع بقوى التجديد
والتحديث والحداثة في مجتمعاتنا لتستخلص من "داخل مجتمعاتنا" نفسها موروث
العقلنية والتجديد الذي غالبته وغلبته مراحل انحطاطنا التاريخي والفكري
والسياسي .وهي مراحل "سالبة" ولكنها ل زالت مؤثرة فينا .ليس على مستوى
"النظمة الحاكمة" والسلميين بمختلف حركاتهم فقط ولكن حتى على مستوى من
يدعّون الحداثة والليبرالية والعلمانية ،يسارًا كانوا أو وسطًا ،قوميين كانوا أو
أمميين ،ثوريين كانوا أو معتدلين.
ل قلةويرجع السبب أن تفكير مفكرينا في "الحداثة" و"التحديث" – إ ّ
منهم – ل يأتي بمنطق التجديد الجدلي من "الداخل" المكّون لنا تاريخيًا ،بقدر ما
يأتي كترجمات من "الخارج" ،إذ نريد أن نصل إلى "نهاياتهم الفلسفية والفكرية" في
التحرر والعقل النقدي التحليلي دون أن نؤسس على "بدايات" هي من أصول تكويننا
الثقافي فنحدث مع موروثنا " قطيعة معرفية " عوضًا عن استدعاء هذا الموروث
بعد غربلته كما نفعل ) أنظر :لماذا نرفض القطيعة المعرفية مع التراث – العالمية
– المجلد الول – ص .( 289وحين نستدعي العقلنية في الموروث فلدينا من
36
هؤلء ُكثٌر ،منهم " أبوعلي الحسن ابن سينا – "1037 / 980الذي لقب "بالشيخ
الرئيس" و"جامع الرئاستين" و"المعلم الثالث" بعد أرسطو والفارابي .وهو الذي
وحد بين قوانين "العقل" وقوانين "الطبيعة" بانسجام مع "الوحي" .و"أبونصر
الفارابي – 950 / 874م" الفيلسوف العقلني وواضع قواعد الموسيقى ،و"ولي
الدين عبدالرحمن بن خلدون – 1406 / 1332م" مؤسس فلسفة علم الجتماع
والتاريخ .و"أبوالوليد بن رشد1198 / 1126 ،م" الذي يعرفه الغرب الوربي
"بأفيروس" لمساهماته العقلية التجديدية التي دفعت بفكر الصلح والتنوير في أوربا
حين انطلقت في القرن الرابع والخامس عشر كما أثر في التجديد اليهودي عبر
مدرسة "ابن ميمون" .ومنهم من اكتشف العلقة بين النسان والبيئة الطبيعة وهو
"ابن طفيل الندلسي 1185 / 1106م" والذي أبدع قصة "حي بن يقظان" التي
أخذ عنها الغرب قصة "روبنسن كروزو" الذي أنشأته الظباء ثم "تعقل" الكون.
ومنهم "ابن الصايغ محمد بن باجه – المتوفى عام 1139م" والذي
أوضح مراحل التطور العقلي بأفضل من أوجست كونت .وبالفلسفة العقلية الطبيعية
التأملية.
من هؤلء العقلنيين النقديين التحليليين يمكن أن نورد فوق الربعين،
وبموازاتهم ممن استخدموا "العقل" في العلوم التطبيقية من بصريات "كابن الهيثم –
1039 / 965م( وتأسيس لعلم الجبر )الخوارزمي – 835 / 775م( ولسمه
يرجع علم "اللوغرزم" ،وأبوعلم الكيمياء "جابر بن حيان – 813 / 737م( ورائد
التميز الطبي بين الحصباء والجدري وواضع أسس المتابعة السريرية للمرضى
"أبوبكر الرازي – 923 / 854م" وإلى هؤلء يضاف مائة أو أكثر من العلم لو
شئنا.
هذا الموروث من الفكر العقلني ومناهج التطبيق العلمي هو الذي أسست
عليه أوربا انطلقتها الفلسفية والعلمية منذ القرنين الثاني ثم الثالث عشر وبدأت
بتطويره بعد هضمه في القرن السادس عشر.
أما نحن وبحكم مراحل النحطاط الثقافي والفكري والسياسي التي أعقبت
القرون الهجرية الثلث الولى – على مستوى المجتمع والفراد بعد ذلك – فقد
غيبنا ذلك عن "وعينا الفكري والحضاري" واستسلمنا للتخلف القتصادي
والجتماعي والفكري من جديد ،ولم نستدعي في مناهجنا التربوية "المعاصرة" هذا
الموروث النقدي العلمي التجديدي ،غاب هؤلء عن ثقافتنا فل نجد أسماءهم في
الشوارع والمدارس ول في قاعات الجامعات .ثم حين ترجمنا نهايات أوربا الفكرية
والفلسفية ،فصلنا تلك النهايات عن السياق الجدلي الوروبي الذي بقي يحاورها
ويصارعها ويرفضها ويتقبلها مدى أربعة قرون) ،(47كما لم نستطع أن نركب
النهايات الوربية "المترجمة" على سياقنا الجدلي الذاتي .فأحدثنا انفصامًا مزدوجًا.
حين فصمنا نهايات الحضارة الغربية عن تجربتها ،ولم نعيد تركيب نهايات موروثنا
ليدفع بتقدم واقعنا.
لهذا يأتي علماء التغيير الجتماعي من العرب المعاصرين بما يستنكره
عليهم مؤسس علم الجتماع "ابن خلدون" حين يجعلوا غالب همهم التزين
37
"بمواصفات الغالب" ويأتي أنصار الحداثة من العرب المعاصرين بما يستنكره
عليهم "ابن رشد" الذي جمع في فصل المقال ما بين الحكمة )الفلسفة العقلية(
والشريعة من اتصال .ثم تأتي الحركات السلمية المعاصرة ل بما يستنكره
"المعتزلة" فأولئك ل نستشهد بهم ،ولكن بما يستنكره كل رواد المنطق العقلني
الذين رفضوا "التهافت" اللهوتي وجمعوا بين الوحي والعقل ،وبين النسان
والطبيعة ،وبين التغيير وقوانينه ،وبين العلم وعمارة الكون.
لو استلهمت "مناهجنا التربوية" هؤلء من موروثنا الديني والحضاري
لحتوت "العقلنية العلمانية" ولتم التمييز بين "الحرية" وقيمة النسان ولوظفت
الليبرالية لخدمة القيم ل لهدمها ولكان التمييز بين "الخلق الفاضلة" و"البراجماتية
النفعية الفردية".
"عقلنية" ابن رشد السلمية وتأسيس "العلمانية" الوروبية
يعتبر فيلسوفنا " ابن رشد " في مقدمة من أسسففوا لعقلنيففة أوروبففا العلمانيففة ،وفففي
هذا الطار كتب الدكتور "حسن صعب " ما يلي (48) :
" ابن رشد هو أعمق فلسفتنا تأثيرًا في الفكر الوروبي ،وأضعفهم حتى الن
تأثيرًا في فكرنا العربي .ومنهجيته العقلية ،التي يمكن اعتبارها أوج " العقلنية "
العربية ونهايتها ،هي المسؤولة عن الحالين .فقد أحرقت مؤلفاته الفلسفية أو أهملت
ل مؤلفاته الفقهية والطبية ،بينما ترجمت هذه المؤلفات في وطنه ،ولم تتداول إ ّ
ابتداء من القرن الثاني عشر الى العبرية واللتينية ،وانتشرت في اوروبا تبعث فيها
يقظتها العقلية الولى ،وتعرفها تعريفًا جديدًا بأرسطو والفلسفة اليونانية ،وتخلق
فيها حركة فلسفية عقلية متحررة من أي سلطان إل سلطان العقل ،اشتهرت
بالحركة الرشدية اللتينية .وقد ذهب مؤرخ الفلسفة الفرنسي " أتيان جلسن " في
كتابه القيم عن " العقل والوحي في القرون الوسطى " في تقدير شأن فيلسوفنا في
الحركة " العقلنية " الوروبية إلى حد اعتباره هو أباها الحقيقي .وحرص على
تصحيح نسبة أصول العقلنية الحديثة إلى الثورة التي سرت في إيطاليا بفعل
الكتشافات العلمية التي قام بها جاليليو وسواه ،وعلى التذكير " بأنه نشأت عقلنية
هي أقدم بكثير من عصر النهضة ..وهي عقلنية فلسفية صرفية ولدت في أسبانيا
في فكر فيلسوفي عربي … هو ابن رشد الذي تعرفه أوروبا باسمه اللتيني
أفيروس .وقد غير ابن رشد وأتباعه الرشديون اللتينيون من تطور الفلسفة
المسيحية تغييرًا عميقًا … " ولول ابن رشد لما كانت " عقلنية " هؤلء
التباع ،ولولهم لما كان " فيلسوف المسيحية الكبر " القديس توما الكويني كما
هو .
وما يقوله " جلسن " إن هو إل تعبير عن حقيقة تاريخية حية ،وهي أن فيلسوفنا
أصبح في أوروبا في القرن الثالث عشر والرابع علمًا على العقل يقدسه "
العقلنيون " ويلعنه "اليمانيون" .ومن أطرف ما وقع له من هذا القبيل ما رواه
" بتراركا " الشاعر اليطالي الشهير في رسالة كتبها في 28آب سنة ، 1364في
البندقية ،ووجهها إلى صديق يصف فيها مشهدًا عاصفًا وقع له مع أحد الرشديين
ل بما عنده من معرفة ،وما اللتينيين :دخل الرشدي على بتراركا في مكتبته مختا ً
38
أن سمع بتراركا يذكر الكتاب المقدس حتى قاطعه بقوله " :إنه لكم أنتم أباء الكنيسة
،أما أنا فأعرف من أتبع وبمن اؤمن …" ولما زجره بتراركا انفجر ضاحكاً وقال :
"ل شك بأنك مسيحي صالح .وأما أنا فل اعتقد بهذه الشياء .إن قديسيك لم تصدر
عنهم إل ألفاظ جوفاء ،ولو احتملت درس أفيروس ) ابن رشد ( ،لرأيت أنه أعظم
منهم جميعًا .فلم يطق بتراركا إل أن يشده من ثوبه ،ويدفعه خارج داره .
بلغ ابن رشد عند اتباعه الوروبيين نبوة العقل .وكان في الوقت نفسه قد أصبح
نسيًا منسيًا عند أسلفنا العرب ،إل بما خلف من كتب فقهية أو طبية .وعدنا
لكتشافه من جديد كفيلسوف في النصف الخير من القرن التاسع عشر .وكان علماء
اوروبا وفي مقدمتهم "ارنست رنيان" رواد هذا الكشف .تعرف إليه رنيان من
خلل الترجمات العبرية واللتينية لمؤلفاته الفلسفية التي ما نزال نفتقد أكثر
نصوصها العربية الصلية .فقد ترجمت هذه النصوص وقدست من قبل غيرنا ،
ونسيت وجهلت من قبلنا .وآخر ما اعيد إلينا منها ترجمة إنكليزية عن العبرية
واللتينية لكتاب لخص وشرح فيه ابن رشد أجمل محاورات أفلطون في الفلسفة
السياسية " ،الجمهورية" ،وعلق عليها في مؤلف سماه " جوامع سياسة أفلطون "
وصاحب الترجمة هو " آ ى.آ ى.جا.روزتتال " المحاضر في اللغة العبرية في
جامعة كمبريدج.وما دام الصل العربي مفقودًا ،فهذا النص المزدوج الترجمة على
ما يبدو في ترجماته العبرية واللتينية من تحريف ،هو مرجعنا الوحيد لمعرفة
موقف ابن رشد من جمهورية أفلطون .
وأهمية هذا المؤلف هي أن يكشف لنا ابن رشد المفكر السياسي ،بعد أن عرفناه
فقهيًا ،وبدأنا نتعرف إليه كمفكر ميتافيزيقي .وهذا جانب من جوانب تراث فيلسوفنا
ما يزال بكرًا أمام الباحثين".
"وكل ما يسعنا قوله الن للقاء مزيد من النور على الظروف التي أحاطت بتأليف
"جوامع السياسة لفلطون" ،هو أن ابن رشد انتج تراثه الفكري كله في ظل دولة
الموحدين الشمال أفريقية ،وبتشجيع من حكامها ،كما أنه عانى محنة حرق كتبه
ونفيه وسجنه في عهد هؤلء الحكام أنفسهم .وقد نشأت هذه الدولة في القرن الثاني
عشر الميلدي ".
مشكلتنا على الصعيد الحركي والفكري:
إن مشكلة الحركات السلمية ،وحتى الليبرالية والعلمانية واليسارية أنها
ل تأخذ بموروث هذه العقلنية النقدية وهي الوجه الخر "لصوليتنا" ومن
"خصائصنا" ومن "ذاتنا" ،ول يمكن اتهامها "بالتغريب" أو "الوربة" ،فمتى تم
الخذ بها تم "التجديد النوعي" من داخل السياق الجدلي التاريخي.
كما أن الكثير من النظمة السياسية الحاكمة ،وهي في مجملها ليست
علمانية ،حتى نظام بورقيبة كان يدعى "الجتهاد" في السلم ليمنع تعدد الزوجات
ل ،ول يلغي الدين ،فإنها قد أسندت وضع مناهج التربية والتعليم لمن ل يؤمن مث ً
بهذه العقلنية التراثية من السلميين مع "اليعاز الخفي" لهم بأن يكون ما لقيصر
لقيصر )السلطة( وما ل – سبحانه – ل )المنهج الديني( .وقد حاول كثير من
التربويين السلميين اللتزام بهذا اليعاز الخفي في ظل النظمة التي كانوا
39
يوالونها ،غير أن ما ل – سبحانه – قد التهم تدريجيًا ما لقيصر وبمعزل عن وسيط
ل ومنذ البداية .فاكتشف قيصر )السلطة( نفسه أمامغيب أص ً )العقلنية( الذي ُ
لهوت يريد ما لقيصر ،ليس بعضه ولكن كله ،لهوت ول ابن رشد له ول ابن
خلدون ول ابن سينا له.
ومن سوء طالع قيصر أن هذه اللهوتية التي يسميها بعض العلمانيين
"الوعي الزائف" تأتي ضمن "فراغ أيديولوجي" عجز عن ملئه "التراجمة" لعلمانية
الغرب وليبراليته وثوريته – بل إن هذا الفراغ اليديولوجي قد جاء نتيجة لخطأ
الثوريين القوميين خاصة.
اغتيال مرحلة فكر النهضة:
قد صعد الثوريون ،الوطنيون والقوميون عبر النقلبات العسكرية منذ
نهاية الربعينات ومطلع الخمسينات من القرن الماضي وتذرعًا بهزيمة المة عام
1948ونشوء إسرائيل ،وعجز النظمة التي ُدمغت بالتواطؤ ووصفت بالرجعية،
صعدوا لسدة السلطة.
ولنه "ل صوت يعلو فوق صوت المعركة" ،وأنهم "هففم" المعركففة ،مففن والهففم
هو مع المعركة ،ومن ضدهم هو ضفد المعركفة ،فقفد أسفكت "العقفل" و"العقلنيفة"،
ول سكات العقلنية أغلق على "الحرية".
فحبستا في محبسي "الثورية" و"الحادية" ورهنتا بهما حتى انجلى
الموقف عام 1967فسقطت كافة ذرائع "الحرس الثوري"
ثم تبين من بعد "النقد" و"النقد الذاتي" للهزيمة أن سببها راجع "للحتباس
العقلي النقدي" ولجهاض الثوريين لمرحلة تفاعلت فكر النهضة العقلنية في
مصر وسورية ولبنان بالذات ،وهي تفاعلت بدأت بتأثير الحوار المتنوع المضامين
مع تراثنا من ناحية بهدف تجديده ومع الحضارة الوروبية ومقولتها من ناحية
أخرى.
وقتها لمعت أسماء "محمد عبده" و"رفاعة الطهطاوي" و"حسن العطار" و"أحمد
فارس الشدياق" و"جمال الدين الفغاني" و"رشيد رضا" و"إبراهيم اليازجي"
و"سلمة موسى" و"قاسم أمين" و"علي عبدالرزاق" و"لطفي السيد" و"شبلي شميل"
و"حسين الجسر" و"شكيب أرسلن" و"الطاهر بن عاشور" و"ابن باديس" و"سالم
بوحاجب" و"محمد الخوجة" و"محمد زاهد الكوثري" و"جمال الدين القاسمي"
و"عبدالقادر البيطار" وآخرون يتجاوزون الثلثمائة في عدتهم.
هؤلء أسكتوا جميعًا بموجب البيان رقم ) (1بعد أن تفاعلوا بفكر النهضة
طوال الفترة ما بين ) 1798وإلى .(1945
وباسكات هؤلء "الثلثمائة" من معاصري "فكر النهضة" في القرن
التاسع عشر ،أسكت أيضًا "المائة" من الذين أسسوا للعقلنية طوال تاريخنا،
فافتقرنا جميعًا للتأسيس العقلي النقدي الحر ،فلما نبتت الحركات السلمية من
"داخلنا" جاءت لتجسد الفتقار وفي فراغ أيديولوجي ،فأصبحت هدفًا لعولمة
أمريكية تكيل بمكيالين ،ولنظمة سياسية ترفض العقلنية في مناهجها التربوية
والسياسية ،وتريد "الحادية" و"الهيمنة" معًا فهل ننتصر لمريكا و"عولمتها"
40
وللنظمة و"أحاديتها" على حساب هذه الحركات السلمية مهما كانت "أصوليتها"
أو "وعيها الزائف" أو "وصوليتها" أم ننتصر للعقل والعقلنية المستمدة من جدلنا
التاريخي والحضاري والديني؟ إنها مساحة " فراغ أيديولوجي " يلعب فيها من
"شاء" و"كيفما شاء" ويسدد الهداف كيف شاء ،فحارس المرمى غائب وهو العقل
والعقلنية فهل تفهم "النظمة" ذلك والمر بيدها أم تستجيب لشروط العولمة
المريكية كغريق يستجير بقشة أو لئذ ببيت عنكبوت .فشروط العولمة عين الفناء
والسقوط مهما كانت المقاربات معها دون عقلنية.
مواجهات واستجداء لطرح المنظومة البديلة
في التربية والتعليم والثقــافة والعــلم
كنففت واثق فًا ول زلففت أنففه إذا لففم تؤسففس مناهجنففا التعليميففة والتربويففة ،
والثقافيففة والعلميففة علففى " عقلنيففة نقديففة " باسففتدعاء فكففر أولئك " المففائة " فففي
ماضينا وما يزيد على "الثلثمففائة" فففي مرحلففة فكففر النهضففة ومئات مففن المفكريففن
المعاصرين من جيلنا وما يلي جيلنا من الشباب الصاعد وربففط ذلففك بففوعي منهجففي
أبستمولوجي معاصر فإننا لن نخرج من " المأزق " خصوصًا وقد طغففت الصففولية
بفكرها ومناهجها واستأسدت بالدعم المريكي لهفا حيفن وجهتهفا إلفى " أفغانسفتان "
كبديل جهادي عن فلسففطين ،ووجفدت متاحفات لهفا فففي تففوجه " السفادات " ليجفاد
تريففاق مضففاد للقففوى الناصففرية والقففوى الوطنيففة المصففرية وذلففك منففذ منتصففف
السبعينات ،وكان على السعودية وباقي دول الخليففج مسففاندة هففذا التففوجه الصففولي
بالتبرعات وإنشاء البنوك والجمعيات " السلمية " .
وما كان للحركات الصولية في مجتمعنا العربي أن تمارس هذا التأثير
لول الدعم المريكي – الساداتي – الخليجي لها ،تمامًا كنظام العراق الذي دعم
أمريكيًا وأوروبيًا وخليجيًا ومن أقطار عربية عديدة لجهاض الثورة السلمية في
إيران ،ثم انطبق المثل عليهم لدى اجتياح العراق للكويت في 1990م " من أعان
ظالمًا سلطه ال عليه ".
كنت ممزقًا بين استبدادية النظمة وتنامي الحركة الصولية بوصفي "
مسلمًا عربيًا ملتزمًا عضويًا " بهذه المة .فعمدت منذ منتصف السبعينات بالدعوة
لمواجهة عدة تحديات .
أول :تحديات الفكر الوضعي بالمفهوم الغربي للعلمانية وليس السلمي
والذي يعمد لعزل الدين عن الحياة ,و بالذات على مستوى النظم السياسية.
ثانيا :تحديات الفكر الديني التراثي الماضوي الذي يستلب الحاضر باسم
الموروث بتاريخانية مفارقة و ينبذ كل فكر تجديدي معاصر ،ويمتلئ بالدس
اليهودي والتحريف .
ثالثا :التصدي لخطر التطرف الصولي الذي يستمد فكره من التأويل
المنحرف للتعاليم السلمية و يوظفها حركيا حتى ضد المسلمين أنفسهم تكفيرًا
وردة.
إذا استثنينا نقدي للتيارات )الوضعية( والتي تدور في فلك خاص بها ,فان
المشكلة في التعامل مع الفكر الديني السائد و" المشترك " بين معظم المسلمين من
41
جهة و الفكر الصولي المتطرف من جهة أخرى فهناك ما هو )مشترك( بينهما على
مستوى الفهم العام للدين ,و تبقى الختلفات في )التأويل( و النمطية العقلية و
المسلكية .و مع اختلف )المواقع( ما بين مسلم )مهادن( و مسلم )متشدد(.
فان كان مهادنا فهو مع النظمة القائمة و )يداريها( ,و إن كان متشددا فهو
ضد النظمة و )يكفّرها(.
لم تكن تهمني النظمة بقدر التحديات المعاصرة للفكر السلمي سواء من
جانب الوضعيين ومحرفي العلمانية أو السلميين التقليديين أو المتطرفين .فالخطر
ليس مصدره المتطرفين فقط و لكن مصدره أيضا )الحرس القديم( من جيش الفقهاء
التقليديين لنهم هم الذين يمهدون بفكرهم التقليدي السائد و رفضهم للتجديد )النوعي(
الرضية لنمو تأويلت المتطرفين ,إذ يرفض التقليديون أي )تجديد نوعي( يستند
إلى مناهج معرفية تحليلية و نقدية معاصرة تعيد الستنباط و النظر في النص
الديني.
لهذا حين احتاج المخطط المريكي لبتعاث أصولية إسلمية متطرفة ,و
ظاهره السادات على ذلك ,و استجابت لهما دول الخليج ,كانت الرضية الفكرية
الدينية نفسها مهيأة ،واكتفى الفقهاء التقليديون بالنظر من على بعد ,فكل شيء على
ما يرام طالما أطلقت اللحية و أعفى الشارب و قصر الجلباب ,حتى أن معظم
حركات التطرف ولدت في أحضان المساجد و تحت سمع و بصر أولئك الفقهاء.
هذا ما دفعني لعداد ونشر دراسة بعنوان "الزمة الفكرية و الحضارية للواقع
العربي الراهن – دراسة تحليلية لمعالجات الصحوة السلمية و البحث عن القوانين
الذاتية للخصوصية العربية" ).(49
لم أجد ما ينبغي من تجاوب رجوته غير الهجوم في المساجد ,بالرغم من
أن النظمة العربية قد بدأت تذوق مرارة التيارات الصولية المتطرفة.
ففي السعودية تطاولت حركة )جهيمان بن سيف العتيبي( و احتلت الحرم
المكي في 20نوفمبر /تشرين الثاني ,1979و تقدمت بمطالب ثمانية من شأنها
الرجوع بالسعودية إلى مرحلة تأسيس الدولة السعودية الولى في الفترة )– 1745
1818م( و لبيان ذلك النوع من المطالب اقتطفت التي:
-1وجوب إتباع سنة النبي )ص( – الوحي و الدعوة و الغلبة
العسكرية.
-2ضرورة أن يقوم المسلمون بالطاحة بحكامهم الحاليين
الفاسدين المفروضين عليهم و الذين تنقصهم الصفات
السلمية حيث ل يعترف القرآن بملك أو قبيلة.
-3شرعية الحكم تتطلب الخلص للسلم و العمل به و
الحكم بالقرآن ,و ليس بالقهر ,و النتماء إلى أصول قريش و
انتخاب المؤمنين المسلمين )للحاكم(.
-4واجب إقامة العقيدة السلمية على القرآن و السنة و ليس
على تفسيرات العلماء المشكوك فيها و دروسهم "الخاطئة"
في المدارس و الجامعات.
42
-5على المسلم أن ينفصل عن النظام الجتماعي و السياسي
بترك الوظائف الرسمية.
-6ظهور "المهدي" من نسب الرسول )ص( و من ولد
الحسين بن علي ليزيل المظالم القائمة و يقيم العدل و السلم
للمؤمنين.
-7رفض كل من يشرك بال ,بما في ذلك عّباد علي و فاطمة
و محمد ,و الخوارج.
-8وجوب إقامة مجتمع مسلم ملتزم يحمي السلم من
الكافرين و ل يؤثر أو يحابي الجانب.
كانت حركة جهيمان في 1979تجسيدا إلى حد كبير لحركة )الخوان(
السلفية التي ساندت الملك عبد العزيز آل سعود في بداية استرجاعه للمملكة منذ عام
.1902و قد نشطوا في الفترة ,1920 – 1912و قد انقلب أولئك الخوان على
الملك عبد العزيز عام 1926و تحالفوا مع قبائل )مطير( و )عجمان( و )العتيبة(.
و قد شملت مطالبهم وقتها قطع كل العلقات مع العالم غير السلمي و عدم
التسامح مع الشيعة بما يماثل نص جهيمان في الفقرة ) (7حول عباد علي و
فاطمة .و قد حسم الملك عبد العزيز أمر أولئك في معركة )السبلة( في مارس /
آذار 1929ثم نهائيا في ديسمبر /كانون الول .1930
المشكلة أن فقهاء السعودية )الرسميين( لم ينبروا لمقدمات حركة جهيمان
و قد كانت قد أصدرت قبل احتللها للحرم المكي سبعا من الرسائل )الكراسات( و
ذلك لن تلك الحركة قد جعلت نفسها امتدادا للمذهب الحنبلي السلفي و ابن تميمة و
الشيخ محمد بن عبد الوهاب ,أي )عقيدة المملكة الرسمية( و لكن بتأويلت مختلفة
ضد التحديث و ضد العالم غير المسلم ,و بمسلكية مختلفة أيضا.
و في جمهورية مصر العربية حصد الرئيس السادات الحنظل المر الذي
زرعه بيديه منذ عام 1973فاغتالوه في 6أكتوبر /تشرين أول 1981بالرغم
من أنه قد حاول قبل عام من ذلك تطويق حركات الغلو و التطرف السلمي .غير
أن فقهاء مصر الرسميين كفقهاء السعودية تماما قد حاوروا تلك الحركات في
إطار المشترك بينهم في الفكر السلمي التقليدي السائد دون مقتضيات )التجديد
النوعي( التي تفضح أساسيات ذلك الفكر ,و قد تطرقت في كتاباتي بوضوح لهذه
المسألة فيما أسميته )محاورات سجن ليمان طرة( و ذلك ضمن مقالتي في صحيفة
)الخليج( في الشارقة حول )الزمة الفكرية و الحضارية في الواقع العربي الراهن(.
و قد استندت في طرحي ذاك عام 1987إلى وقائع و مساجلت الحوار المنشورة
في )اللواء السلمي( العداد من 9و إلى 16و الصادرة ما بين 25/3/1982
و إلى .18/5/1982
ففقهاء السلطة يجمعون بين )تبعيتهم( للنظمة و استمدادهم لفكر ديني
غير متجدد تجمعهم فيه قواسم مشتركة مع الصوليين أنفسهم.
و قد قلت أن فقهاء السلطة هم )الخطر( من الصوليين أنفسهم لنهم
بحكم سيطرتهم و مرجعيتهم لدى الجهزة الرقابية يمنعون )رسميا( كافة الكتابات
43
التجديدية و التي من شأنها دك البنية التحتية فكريا للتطرف الصولي .و الغلق
على أي مناهج فكرية بديلة ,مشكلين بذلك خط الدفاع الول عن الصولية و
الصوليين .ثم ل يدينونهم إل مسلكيا أو بمراجعة التأويلت مع أن القضية أكبر من
ذلك بكثير.
و مشكلة النظمة – من جانب آخر – أنها ترى في فقهائها و السالكين
معها )مرجعية رسمية للدين( ,و ترى في مساندتها لهم – أي النظمة – ما يوجب
عليها الخذ بتوجيهاتهم و آرائهم و هذا ما عزز من نمو الصولية المتطرفة.
قد تزامن نمو هذه الصولية المتطرفة مع الوفرة النفطية في الجزيرة
العربية واستندت إلى مرجعية التحالف بين الشيخ " محمد بن عبد الوهاب " )
1206-1115هف ( الموافق ) 1792-1703م( ومؤسس الدولة السعودية الولى
" محمد بن سعود " المتوفى عام ) 1179هف 1765 /م ( .
اعتمد المذهب "الحنبلي" الذي يقوم على " النقل " و " التباع " عقيدة
للدولة وليس " الرأي " كمدرسة ابي حنيفة النعمان .وتم الدمج بين هذه " الحنبلية
التباعية " وقيم " المجتمع البدوي " وذلك طوال مرحلة الدولة السعودية الولى )
1818-1745م( والثانية ) 1891-1843م( ثم عانى من ذلك كثيرًا مؤسس
الدولة السعودية الثالثة المرحوم " عبد العزيز آل سعود " منذ عام ) 1953-1902
م( ودخل في مواجهات مع هذا النمط المتداخل من السلفية الحنبلية والقيم البدوية .
ثم جاء النفط منذ مطلع الخمسينات ليعزز هذه النمطية ويكرس مصادر
الحركة الصولية المتطرفة ،وليس في السعودية ودول الخليج فقط ،ولكن على
مستوى " الوطن العربي " و " العالم السلمي " وقد حلل " جابر عصفور " )(50
في الفصل الذي عقده ) إسلم النفط والحداثة ( هذه الوضعية المأزومة والمضادة
ل موضوعيًا .إنه ليصعب التحديث الجتماعي والفكري للتحديث والتجديد تحلي ً
والثقافي في المملكة دون الرجوع للسس التي وضعها المؤسس عبد العزيز نفسه
حين رفض " أحادية " علماء نجد وأجبرهم على الوفاق مع علماء الحجاز
والمذاهب الخرى عام 1925م وصفى الصولية السلفية في معركة " آبار السبلة
" .1929وقد كان المرحوم عبد العزيز أقرب لفكار وتوجهات الصلحي
التجديدي " محمد رشيد رضا – 1935/ 1865م " الذي ينتمي لمدرسة " محمد
عبده " وقد نشر في مجلته " المنار " ما انتهى إليه عبد العزيز من توفيق بين علماء
نجد " الوهابيين " وعلماء الحجاز من المذاهب الخرى للخروج من " الحادية
المذهبية " ) . (51كما تولى " رضا " بتكليف من عبد العزيز الدعوة لتأسيس أول
مؤتمر إسلمي " جامع " لكل القيادات السلمية والمذاهب المختلفة ) (52في مكة
المكرمة عام 1925م .
ثم حدثت " الردة " على هذا التجاه التحديثي والنفتاح السلمي في
حقبة الملك " فيصل " – ) 1975 – 1964م ( تحت ضغط الصراع مع عبد
الناصر حول اليمن ،والصراع مع مختلف التيارات القومية ،فتم استنهاض الحركة
السلفية داخل المملكة ودعمت بالوافدين العرب من ذوي التوجهات الصولية
وتسلموا مفاتيح العلم والثقافة والتربية والتعليم .
44
و في الجمهورية العربية السورية بدأ المر في يونيو /حزيران من عام
1979حين أطلقت الحركة الصولية أقوى عمليات عنفها ضد النظام بقتلها 38
طالبا في مدرسة المدفعية في "حلب" و تدمير مبان حكومية و مراكز لحزب البعث
الحاكم و مقار للشرطة .و تصاعدت الحملت في عام 1980في شكل تظاهرات
ضد النظام شملت أهم المدن )السنية( و هي )حماة( و )حمص( و )حلب(.
تلك كانت قمة التصعيد ضد النظام السوري الذي وصف بأنه )بعثي
طائفي علوي /نصيري( .وقد بدأ التصعيد عمليا منذ عام 1976عبر الغتيالت
المنظمة للزعماء العلويين من حزب البعث و أجهزة الستخبارات و من يماثلهم و
حتى أساتذة الجامعات من العلويين.
قد اتخذ تحول )الخوان المسلمون( في سورية من حركة دعوية سياسية
إلى حركة قتالية جهادية قيادة متسعة شكلت فيما بعد )عام ) – (1980الجبهة
السلمية( بزعامة )عدنان سعد الدين( الذي كان ناشطا في حركة الخوان
المسلمين في مصر و عمل مدرسا في دولة المارات العربية المتحدة .و )الشيخ
محمد أبو النصر البيانوني( ,المين العام للجبهة السلمية ,أما منظرها العقائدي
فهو )سعيد حوى( ثم )عصام العطار( و )مروان حديد( و )عدنان عقله(.
كذلك يتخذ هؤلء مرجعية لهم التوجهات السنية الصولية التي كان من
روادها )د.مصطفى السباعي( مؤسس حركة الخوان المسلمين في سورية )1935
في حلب( ثم ) (1944في دمشق .وقد حملت أهم بنود ميثاق أو بيان الثورة
السلمية في سورية و الصادر بتاريخ ) : 9/11/1980الفقرة :8اللتزام بالجهاد
في سبيل ال كفريضة ثابتة في السلم من أجل تحويل النظام الطائفي الحالي إلى
دولة إسلمية(.
و بموجب ذلك البرنامج تم تطوير عمليات الفترة ما بين – 1976
1980إلى ثورة مسلحة داخل المدن السنية السورية ,بدأت في أغسطس /آب
1981و بلغت ذروتها في ثورة حماه فبراير /شباط .1982
وقتها كتبت سلسلة مقالت في صحيفة )الفجر( في أبو ظبي بعنوان )قلبي
عليك يا بردى( بداية من 20مارس /آذار 1980والى 26يوليو /تموز 1980
محاول إيقاظ الكثيرين من الذين استثيروا ضد النظام السوري و السنة منهم بشكل
خاص في الخليج إلى ما ستنتهي إليه الحركة الصولية هناك من تفتيت لسورية
نفسها .وبما يحقق تطلعات إسرائيل لتأسيس الدويلت الطائفية ،فلم أكن أدافع عن
حزب البعث أو ممارسات قياداته ولكن دفاعًا عن وحدة سوريا وأمنها ودورها
الستراتيجي في المشرق العربي في " موازاة " الخطر السرائيلي ،فما بين مصر
واسرائيل عازل الصحراء والبحر الحمر ولكن ما بين سوريا وإسرائيل هو
التداخل الجغرافي والديموغرافي والجيوبوليتيكي والستراتيجي ،فزعزعة سوريا
مدخل لمن اسرائيل ولو تم توقيع اتفاق سلم مع سوريا ،فالصراع هنا " مصيري
" وليس باستراتيجي فقط .
كانت أحداث العامين 1979/1981كافية جدا أمام كل النظمة و
بالذات في مصر و السعودية و سورية لمراجعة الموقف اليديولوجي و السياسي ل
45
من الحركات الصولية فقط و لكن من سيادة الفقهاء الرسميين الذين خنقوا كل فكر
تجديدي بديل و عجزوا بذات الوقت عن تحجيم التطرف و الغلو بحكم ما هو
مشترك بينهما.
فاتجهت لتأسيس مركز لي خارج المنطقة العربية في )قبرص( لنطلق
منه في مواجهة الصولية و فقهاء السلطة معا ,مؤسسا لدار نشر أسميتها
)الدينونة( في عام 1988و هي من دان ل و يدين له بالعبودية ,و لمجلة أسميتها
)التجاه( في عام ,1989آمل النطلق منهما لتأدية هذه الرسالة.
النظمة بين سندان الصولية والمطرقة المريكية
الن تعيش النظمة العربية بين سندان الصولية " من تحت " والمطرقة
ل من داخلنا المريكية " من فوق " ،وكلهما إجهاض للمة ،إذ ل يكون التغيير إ ّ
بالكيفية التي أوضحتها ،ولهذا فإن المخرج الوحيد هو ما ذهبنا إليه ودعونا له منذ
منتصف السبعينات حين كانت دول الخليج والسادات وأمريكا في وفاق مع الحركات
الصولية وكادوا جميعًا أن يطيحوا بالنظام في سورية.
ما دعونا إليه يظل قائمًا وهو إنشاء معهد عاٍل يعيد صياغة كافة
المناهج التعليمية والتربوية في الجامعات ،كما يلعب دور الموجه للعلم والحياة
الثقافية العامة وطبقًا للسس التي طرحناها في " إسلمية المعرفة " ولو لم يتم
تبني المسمى .
نعم سيحاول " المعهد " صد خطر المطرقة المريكية والسندان الصولي
ولكن ليس معنى ذلك أنه سيحابي " النظمة " واستبداديتها وآحاديتها فهناك
رؤيتنا التي طرحناها حول " علقة الدين بالدولة " وحول إعادة قراءة التراث فهل
من مجيب ؟ بل هل من مغيث ؟ أم نظل نحن حيث نحن بين المطرقة المريكية
والسندان الصولي وما بينهما "وخز النظمة " بأشد من النبل ؟
إسلمية المعرفة :الحرية والتعددية
يفهففم مففن " منهجيففة القففرآن المعرفيففة " والففتي هففي المرتكففز الفلسفففي
لسلمية المعرفة ،وتوضيحاتها في " جدلية الغيب والنسان والطبيعة " أن النسان
" كائن مطلق " تخلق عبر جدلية كونية ،فالحرية المطلقة وليس النســبية هــي مــن
شروط تخليقه الجدلي الكوني كما أوضحنا في سففورة الشففمس وهففي حريففة تمضففي
عَتفْدَناشاَء َفْلَيْكُفْر ِإّنففا َأ ْن َ ن َوَم ْشاَء َفْلُيْؤِم ْ
ن َ ن َرّبُكْم َفَم ْق ِم ْحّ ل اْل َ
إلى حد " الكفر " َ .وُق ْ
جففوَه شفِوي اْلُو ُ ل َي ْ سفَتِغيُثوا ُيَغففاُثوا ِبَمففاٍء َكاْلُمْهف ِ ن َي ْ
سَراِدُقَها َوِإ ْط ِبِهْم ُ حا َن َناًرا َأ َ
ظاِلِمي َِلل ّ
جَلَة
ن ُيِريُد اْلَعا ِ ن َكا َ ت ُمْرَتَفًقا) – (29الكهف /ج .15وكذلكَ :م ْ ساَء ْ ب َو َشَرا ُ س ال ّ ِبْئ َ
حوًرا) َ(18وَم ْ
ن لَها َمْذُموًما َمْد ُ صَ جَهّنَم َي ْ جَعْلَنا َلُه َ ن ُنِريُد ُثّم َشاُء ِلَم ْجْلَنا َلُه ِفيَها َما َن َ
عَّ
ل ُنِم فّدش فُكوًرا)ُ(19ك ّ س فْعُيُهْم َم ْ
ن َ ك َكا َ ن َفُأْوَلِئ َ
سْعَيَها َوُهَو ُمْؤِم ٌ سَعى َلَها َ خَرَة َو َلَِأَراَد ا ْ
ظوًرا) – (20الســراء /ج حُ ك َم ْطاُء َرّب َ عَ ن َ ك َوَما َكا َ طاِء َرّب َ عَ ن َلِء ِم ْلء َوَهُؤ َ َهُؤ َ
.15دون أن ينزل ال حدا شففرعيًا للففردة ففي الحيفاة الفدنيا فيشفرع لقتفل المرتفد أو
صلبه أو جلده .وجعل عذابه في الخففرة .وقــد كــانت أول ردة دينيــة هــي ردة بنــي
إسرائيل الذين عبدوا العجل ولم يشرع ال لعقوبة أو حد مع أنففه – سفبحانه – كفان
يطبق عليهم شففرعة " الصففر والغلل " وليففس " التخفيففف والرحمففة " كمففا عليففه
46
حَيففاةِن َرّبِهفْم َوِذّلفٌة ِفففي اْل َ ب ِمف ْ ضف ٌ غ َ سَيَناُلُهْم َ ل َ جَ خُذوا اْلِع ْ ن اّت َ
ن اّلِذي َ شرعة السلم ِ .إ ّ
ن) – (152العــراف /ج . 9ثففم كففففان " العتففذار " جِزي اْلُمْفَتِريف َ ك َن ْ الّدْنَيا َوَكَذِل َ
السرائيلي في الجبل وتوسل أربعين نقيبًا منهم دون إمضاء عقوبة إلهية .فال غنففي
عن العالمين .وكل ما أتى به ال في شأن " الردة " هو إحباط عمل المرتد في الدنيا
عوا َوَمفنْ َيْرَتفِدْد طا ُ سفَت َ
نا ْ ن ِديِنُكفْم ِإ ْعف ْ حّتففى َيُرّدوُكفْم َ ن ُيَقاِتُلوَنُكْم َ ل َيَزاُلو َ والخرةَ .و َ
خ فَرِة َوُأْوَلِئ َ
ك لِ عَمففاُلُهْم ِفففي الفّدْنَيا َوا ْ ت َأ ْطف ْ حِب َ ك َ ت َوُهَو َكاِفٌر َف فُأْوَلِئ َ ن ِديِنِه َفَيُم ْ عْ ِمْنُكْم َ
ن) – (217البقرة /ج .2أما المرتد عن دينه من أهل خاِلُدو َب الّناِر ُهْم ِفيَها َ حا ُ صَ َأ ْ
ل ُيْؤِمُنو َ
ن ن َ الكتاب فقد فرضت عليه " الجزية " يؤديها وهو " صاغر " َ .قاِتُلوا اّلِذي َ
ق ِمف ْ
ن حف ّ ن اْل َن ِديف َ ل َيفِديُنو َ سففوُلُه َو َ ل َوَر ُ حّرَم ا ُّ ن َما َ حّرُمو َ ل ُي َخِر َو َ لِ ل ِباْلَيْوِم ا ْ ل َو َِبا ِّ
ن) (29التوبــة /ج غُرو َ صفا ِن َيفٍد َوُهفْم َ عف ْ جْزَيفَة َ طفوا اْل ِ حّتى ُيْع ُ ب َ ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ اّلِذي َ
.10وتم تطبيق ذلك بشرعة السيف في قاعدة التأسيس الجغرافي والديمغرافي للمة
الوسط .ولم يتم التهففاون مففع مسففيلمة الكففذاب ) عففام 10هفف 632-631 /م ( ول
المرتدين الخرين في الجزيرة العربية .فقد عادوا جميعًا إلى السلم .
شرعة السيف في جزيرة العرب والمة الوسط :
قد طبق الرسول والنبي الخاتم " شرعة السيف " في الغزو داخل جزيرة
العرب ،وقبل عروجه الخير للمل العلى جهز حملة فتح الرض المقدسة
لستكمال الدائرة الجغرافية والبشرية " للمة الوسط " الممتدة ما بين الرض "
المحرمة مكة " والرض " المقدسة – الشام الكبير بما فيها القدس " والمة الوسط
قاعدة جغرافية وديمغرافية للسلم وليست وسطية فكرية ،فالوسطية انتقائية
عَلى الّنا ِ
س شَهَداَء َ طا ِلَتُكوُنوا ُ سً جَعْلَناُكْم ُأّمًة وَ َ ك َ وتلفيقية والسلم منهج محددَ :وَكَذِل َ
ن َيّتِبُع
ل ِلَنْعَلَم َم ْ
عَلْيَها ِإ ّت َ جَعْلَنا اْلِقْبَلَة اّلِتي ُكن َ شِهيًدا َوَما َ عَلْيُكْم َل َ سو ُ ن الّر ُ َوَيُكو َ
ل َوَما َكا َ
ن ن َهَدى ا ُّ عَلى اّلِذي َ ل َ ت َلَكِبيَرًة ِإ ّن َكاَن ْ عِقَبْيِه َوِإ ْ
عَلى َ ب َ ن َينَقِل ُ ل ِمّم ْ سو َالّر ُ
حيٌم) – (143البقرة /ج .2 ف َر ِ س َلَرُءو ٌ ل ِبالّنا ِ ن ا َّ ضيَع ِإيَماَنُكْم ِإ ّ ل ِلُي ِا ُّ
فوسطية المة بمنطق الية لتشهد على ما حولها من الناس حيث
تتوسطهم موقعًا وليس منهجًا فكريًا انتقائيًا ،وفي إطار هذه الوسطية الجغرافية تم
التحول من قبلة الرض المقدسة إلى قبلة الرض الحرام في 15شعبان 2هف
الموافق 23/6/624م .ولو لم يتم هذا التحول لفرضت شرعة السيف في القدس
وما حولها .وتم الربط بين شهادة العرب على الناس بشهادة الرسول على العرب
أنفسهم فأين هي الوسطية " الفكرية " في كل هذا ؟!
وقد ارتبط تحقيق القاعدة السلمية كاملة في جزيرة العرب بخصائص
الحقبة النبوية الشريفة التي استندت إلى " النصرة اللهية " و " التدخل اللهي "
جُه اّلِذي َ
ن خَر َ ل ِإْذ َأ ْ
صَرُه ا ُّ صُروُه َفَقْد َن َ ل َتن ُ وليس مجرد الطاقة الذاتية للمسلمينِ :إ ّ
ل َمَعَنا َفَأنَزلَ ا ُّ
ل ن ا َّن ِإ ّ حَز ْل َت ْحِبِه َ صا ِل ِل َ ن ِإْذ ُهَما ِفي اْلَغاِر ِإْذ َيُقو ُ ي اْثَنْي َِكَفُروا َثاِن َ
ل ِه َ
ي سْفَلى َوَكِلَمُة ا ِّ ن َكَفُروا ال ّ ل َكِلَمَة اّلِذي َ جَع َجُنوٍد َلْم َتَرْوَها َو َ عَلْيِه َوَأّيَدُه ِب ُسِكيَنَتُه َ َ
سِبي ِ
ل سُكْم ِفي َ جاِهُدوا ِبَأْمَواِلُكْم َوَأنُف ِ ل َو َ خَفاًفا َوِثَقا ً حِكيٌم)(40انِفُروا ِ عِزيٌز َ ل َ اْلُعْلَيا َوا ُّ
ن) - (41التوبة /ج .10وهذا ما حدث حين تنزل ن ُكنُتْم َتْعَلُمو َ خْيٌر َلُكْم ِإ ْ ل َذِلُكْم َ ا ِّ
لِئَكِةن اْلَم َ
ف ِم ْ ب َلُكْم َأّني ُمِمّدُكْم ِبَأْل ٍ جا َ سَت َ
ن َرّبُكْم َفا ْ سَتِغيُثو َالملئكة في بدرِ :إْذ َت ْ
47
ل ِإ ّ
ن عْنِد ا ِّ ن ِ ل ِم ْ صُر ِإ ّ ن ِبِه ُقُلوُبُكْم َوَما الّن ْ طَمِئ ّشَرى َوِلَت ْ ل ُب ْ ل ِإ ّ جَعَلُه ا ُّ ن)َ(9وَما َ ُمْرِدِفي َ
سَماِء َماًء ن ال ّ عَلْيُكْم ِم ْ ل َ س َأَمَنًة ِمْنُه َوُيَنّز ُ شيُكْم الّنَعا َ حِكيٌم)ِ(10إْذ ُيَغ ّ عِزيٌز َ ل َ ا َّ
لْقَداَم) ت ِبِه ا َْ ط عََلى ُقُلوِبُكْم َوُيَثّب َ ن َوِلَيْرِب َ طا ِ شْي َجَز ال ّ عنُكْم ِر ْ ب َ طّهَرُكْم ِبِه َوُيْذِه َ ِلُي َ
ب اّلِذي َ
ن سُأْلِقي ِفي ُقُلو ِ ن آَمُنوا َ لِئَكِة َأّني َمَعُكْم َفَثّبُتوا اّلِذي َ ك ِإَلى اْلَم َ حي َرّب َ ِ(11إْذ ُيو ِ
شاّقوا ك ِبَأّنُهْم َ ن)َ(12ذِل َ ل َبَنا ٍضِرُبوا ِمْنُهْم ُك ّ ق َوا ْ عَنا ِ لْ ق ا َْ ضِرُبوا َفْو َ ب َفا ْ ع َ َكَفُروا الّر ْ
ب) – (13النفال /ج شِديُد اْلِعَقا ِ ل َ ن ا َّ سوَلُه َفِإ ّ ل َوَر ُ ق ا َّ شاِق ْ ن ُي َسوَلُه َوَم ْ ل َوَر ُ ا َّ
جاَءْتُكْم عَلْيُكْم ِإْذ َ ل َن آَمُنوا اْذُكُروا ِنْعَمَة ا ِّ .9وكذلك ما حدث في الخندقَ :ياَأّيَها اّلِذي َ
صيًرا)– (9 ن َب ِ ل ِبَما َتْعَمُلو َ ن ا ُّ جُنوًدا َلْم َتَرْوَها َوَكا َ حا َو ُ عَلْيِهْم ِري ً سْلَنا َجُنوٌد َفَأْر َ ُ
الحزاب /ج .21فالجهاد يرتبط لزومًا بالتدخل اللهي وخصائص الحقبة النبوية
الشريفة وتحقيق المة الوسط وهذا ما أنجز في عهد الرسول بإنفاذ جيش " زيد بن
حارثة " في العام الهجري الثامن ،مع المتداد الذي أمر به في حياته إلى الرض
المقدسة ) موضع إسرائه ( وما حولها حيث جهز جيش " أسامة بن زيد " عام 11
هجرية ) 633 / 632م ( وأمره بالتوجه إلى " البلقاء ،وأذرعات ومؤته ،ثم أنفد
أبو بكر البعثة واستكمل عمر بن الخطاب فتح القدس في " 15هف " الموافق 636
– 637م .وكذلك العراق وسوريا فاكتملت " المة الوسط " وانتهى الجهاد إّل
دفاعًا عن النفس.
ما بعد الرسول ليس جهادًا ولكن تدافعًا وتوسعًا :
كل ما بعد الرسول من فتح ل يعتبر جهادًا لنه يخرج عن دائرة " المة الوسط " ما
خْيَر ُأّمٍة بين " الرض المحرمة " و " الرض المقدسة " وما حولهماُ :كْنُتْم َ
ل َوَلْو آَمنَ َأْه ُ
ل ن ِبا ِّ ن اْلُمنَكِر َوُتْؤِمُنو َ عْ ن َ ف َوَتْنَهْو َ ن ِباْلَمْعُرو ِ س َتْأُمُرو َ ت ِللّنا ِ ج ْ خِر َ ُأ ْ
ل َأًذى ضّروُكْم ِإ ّ ن َي ُ ن)َ(110ل ْ سُقو َ ن َوَأْكَثُرُهْم اْلَفا ِ خْيًرا َلُهْم ِمْنُهْم اْلُمْؤِمُنو َ ن َ ب َلَكا َ اْلِكَتا ِ
ن َما ُثِقُفوا عَلْيِهْم الّذّلُة َأْي َت َ ضِرَب ْ ن)ُ (111 صُرو َ ل ُيْن َ لْدَباَر ُثّم َ ن ُيَقاِتُلوُكْم ُيَوّلوُكْم ا َْ َوِإ ْ
سَكَنُةعَلْيِهْم اْلَم ْ ت َضِرَب ْ ل َو ُ ن ا ِّ ب ِم ْ ض ٍ س َوَباُءوا ِبَغ َ ن الّنا ِ ل ِم ْ حْب ٍ
ل َو َ ن ا ِّل ِم ْ حْب ٍ
ل ِب َ ِإ ّ
صْوا َوَكاُنوا ع َ ك ِبَما َ ق َذِل َحّ لنِبَياَء ِبَغْيِر َ ن ا َْ ل َوَيْقُتُلو َت ا ِّ ن ِبآَيا ِ ك ِبَأّنُهْم َكاُنوا َيْكُفُرو َ َذِل َ
ن) – (112آل عمران /ج .4فالربط هنا واضح بين الرض المحرمة حيث َيْعَتُدو َ
يكون الخروج والي الرض المقدسة حيث اليهود من أهل الكتاب وبذلك تكتمل
دائرة المة الوسط حيث يكون الجهاد ارتباطًا بالنصرة اللهية ضمن خصائص
الحقبة النبوية الشريفة).(53
ما عدا ذلك من توسع إسلمي فيقع تحت طائلة نصين :
الول :وهو التحاق الشعوب " غير الكتابية – المية " بالميين العرب الذين أسلموا
حِكيِم)(1هَُو س اْلَعِزيِز اْل َ ك اْلُقّدو ِ ض اْلَمِل ِ لْر ِ ت َوَما ِفي ا َْ سَماَوا ِ ل َما ِفي ال ّ ح ِّ سّب ُ
ُ .ي َ
عَلْيِهْم آَياِتِه َوُيَزّكيِهْم َوُيَعّلُمُهْم اْلِكَتا َ
ب ل ِمْنُهْم َيْتُلو َ سو ً ن َر ُ لّمّيي َث ِفي ا ُْ اّلِذي َبَع َ
حُقوا ِبِهْم َوُهَو ن ِمْنُهْم َلّما َيْل َ خِري َ ن)َ(2وآ َ ل ُمِبي ٍ لٍ ضَ ل َلِفي َ ن َقْب ُ ن َكاُنوا ِم ْ حْكَمَة َوِإ ْ َواْل ِ
حِكيُم) – (3الجمعة /ج .28وهناك فرق بين " المية " بمعنى " اللكتابي اْلَعِزيُز اْل َ
" أي غير اليهودي والمسيحي ،وبين غير الكاتب وهو أمر أوضحناه ) (54مع
إثبات أن الرسول كان أميًا لم يقرأ غير القرآن كتابًا سماويًا ،وكان ل يخط بيمينه
48
ن)(48 طُلو َ
ب اْلُمْب ِ
لْرَتا َ ك ِإًذا َ طُه ِبَيِميِن َخّ ل َت ُب َو َن ِكَتا ٍ ن َقْبِلِه ِم ْت َتْتُلو ِم ْأيضاَ :وَما ُكْن َ
– العنكبوت /ج .48
" واللتحاق " هو " استقطاب " بوسائل شّتى إما بالتوسع كفتح عمرو بن العاص
لمصر عام 18هف الموافق ) 640-639م ( مع تردد عمر بن الخطاب ،وانسياح
المسلمين قبل ذلك في بلد الفرس عام 16و 17هف الموافق 638 – 637م بناء
على ضغط القبائل العربية و الحاح " الحنف بن قيس " .
فالتحاق الشعوب " المية " خارج دائرة المة الوسط الففتي أوجففب فيهففا الجهففاد هففو
توسع وتداخل وتدامج بوسففائل شففتى فيهففا غففزو عسففكري ،وفيهففا تفاعففل حضففاري
كإسلم التتار والمغول بعد غزوهم ودخولهم دائرة المة الوسط .
ولم تنص آية اللتحاق على أسلمة اليهود ول النصارى من أهل الكتاب في الرض
المقدسة فمرتكز المة الوسط هو جزيرة العرب تعيينًا والقدس والشام وما حولهما "
امتداد " بحكم تغيير القبلة .وحصرت مسؤولية الذكر بهم وليس مجرد السلم
واليمان ،ولذاك حباهم ال بما حباهم به ماضيًا وحاضرًا وهم غافلون ،إذ يظنون
ما لديهم مجرد صدفة جيولوجية! أو بما يماثل عطاء ال للدول النفطية الخرى.
ن) – (44الزخرف /ج .25أما التعيين سَأُلو َف ُت ْ
سْو َ ك َو َ ك َوِلَقْوِم ََوِإّنُه َلِذْكٌر َل َ
ن َيَدْيِه َوِلُتنِذَر ُأّم ق اّلِذي َبْي َ صّد ُك ُم َ ب َأنَزْلَناُه ُمَباَر ٌ القطعي فقد جاءت به اليةَ :هَذا ِكَتا ٌ
ن)
ظو َ حافِ ُلِتِهْم ُي َ
صَ عَلى َ ن ِبِه َوُهْم َ خَرِة ُيْؤِمُنو َ لِن ِبا ْن ُيْؤِمُنو َ حْوَلَها َواّلِذي َن َ اْلُقَرى َوَم ْ
– (92النعام /ج . 7لهذا لم تتم السلمة القسرية في المتداد المقدس كما تمت
في جزيرة العرب بالدعوة وشرعة السيف حيث " ل يجتمع في جزيرة العرب دينان
".
وبقي المر -كما حدده القرآن –التحاقًا وليس بالضرورة الحاقًا قسريًا وكذلك دفاعًا
وتدافعًا ،دينيًا ووطنيًا ولكن في حال العتداء على المسلمين وأولئك الذين خرجوا
ن ا َّ
ل ظِلُموا وَِإ ّ ن ِبَأّنُهْم ُن ُيَقاَتُلو َ
ن ِلّلِذي َكخير أمة باتجاه الرض المقدسة وما حولهاُ :أِذ َ
ن َيُقوُلوا َرّبَنا ا ُّ
ل ل َأ ْ
ق ِإ ّحّ ن ِدَياِرِهْم ِبَغْيِر َ جوا ِم ْ خِر ُ ن ُأ ْصِرِهْم َلَقِديٌر)(39اّلِذي َ عَلى َن ْ َ
جُد ُيْذَكُر
سا ِ ت َوَم َ صَلَوا ٌصَواِمُع َوِبَيٌع َو َ ت َ ض َلُهّدَم ْضُهْم ِبَبْع ٍ س َبْع َ ل الّنا َ ل َدْفُع ا َِّوَلْو َ
عِزيٌز) – (40الحج /ج ي َ ل َلَقِو ّن ا َّصُرُه ِإ ّن َين ُ ل َم ْ ن ا ُّصَر ّ ل َكِثيًرا َوَلَين ُ سُم ا ِِّفيَها ا ْ
.17
التدافع " العربي -السرائيلي " " السلمي – اليهودي " :
ويتجلى هذا " التدافع " في أوضح صورة في الصراع ) العربي /السلمي –
السرائيلي اليهودي ( ويندرج المسيحيون العرب في هذه المواجهة ضد إسرائيل
دينيًا كما وطنيًا وقوميًا فالتلمود ل يعطي سانحة مصالحة مع المسيحيين خلفًا
لتوجهات المسيحية الصهيونية ،وهذا التدافع هو صراع ناشئ منذ أربعة عشر قرنًا
قمريًا قبل الميلد حين أمر ال السرائيليين بدخول الرض المقدسة ،ثم اتخذ مسارًا
آخر حين أجلى اليهود من المدينة المنورة والتي تعتبر امتدادًا للرض المقدسة قبل
أربعة عشر قرنًا من عودتهم الراهنة فاتجهوا نحو الرض المقدسة والديار الشامية
حِكيُم) ض َوُهَو اْلَعِزيُز اْل َ لْر ِ ت َوَما ِفي ا َْ سَماَوا ِ ل َما ِفي ال ّ ح ِّ سّب َ
والشتات في الرضَ :
ظَنْنُتْم َأ ْ
ن شِر َما َ حْل اْل َ لّو ِن ِدَياِرِهْم َِ ب ِم ْل اْلِكَتا ِن َأْه ِ
ن َكَفُروا ِم ْ ج اّلِذي َخَر َ ُ(1هَو اّلِذي َأ ْ
49
سُبوا َوَقَذ َ
ف حَت ِ ث َلْم َي ْ حْي ُ ن َ ل ِم ْ ل َفَأَتاُهْم ا ُّ ن ا ِّ صوُنُهْم ِم ْ ح ُ ظّنوا َأّنُهْم َماِنَعُتُهْم ُ جوا َو َ خُر ُ َي ْ
عَتِبُروا َياُأوِلي ن َفا ْ ن ُبُيوَتُهْم ِبَأْيِديِهْم َوَأْيِدي اْلمُْؤِمِني َ خِرُبو َ ب ُي ْ ع َ ِفي ُقُلوِبِهْم الّر ْ
عَذا ُ
ب خَرِة َ لِ لَء َلَعّذَبُهْم ِفي الّدْنَيا َوَلُهْم ِفي ا ْ جَ عَلْيِهْم اْل َل َ ب ا ُّ ن َكَت َ ل َأ ْ صاِر)َ (2وَلْو َ لْب َ ا َْ
ب)َ(4ما شِديُد اْلِعَقا ِ ل َ ن ا َّ ل َفِإ ّ
ق ا َّ شا ّ ن ُي َ سوَلُه َوَم ْ ل َوَر ُ شاّقوا ا َّ ك ِبَأّنُهْم َ الّناِر)َ(3ذِل َ
ن)َ(5وَما سِقي َي اْلَفا ِ خِز َ ل َوِلُي ْ ن ا ِّ صوِلَها َفِبِإْذ ِ عَلى ُأ ُ ن ِليَنٍة َأْو َتَرْكُتُموَها َقاِئَمًة َ طْعُتْم ِم ْ َق َ
سَلُهط ُر ُ سّل ُ ل ُي َن ا َّ ب َوَلِك ّ ل ِرَكا ٍ ل َو َ خْي ٍ ن َ عَلْيِه ِم ْ جْفُتْم َ سوِلِه ِمْنُهْم َفَما َأْو َ عَلى َر ُ ل َ َأَفاَء ا ُّ
يٍء َقِديٌر) – (6الحشر -ج . 28فإجلؤهم من ش ْ ل َ عَلى ُك ّ ل َ شاُء َوا ُّ ن َي َ عَلى َم ْ َ
المدينة كان بنصرة إلهية ضمن خصائص الحقبة الرسولية الجهادية .ثم عادوا بعد
ن اّلِذي حا َ سْب َأربعة عشر قرنًا تحقيقًا لنبوءة القرآن بأنهم بعد طردهم سيعودون ُ .
حْوَلُه ِلُنِرَيُه صى اّلِذي َباَرْكَنا َ لْق َ جِد ا َْ سِ حَراِم ِإَلى اْلَم ْ جِد اْل َ سِ ن اْلَم ْ ل ِم ْ سَرى ِبَعْبِدِه َلْي ً َأ ْ
جَعْلَناُه ُهًدى ِلَبِني ِإسَْراِئي َ
ل ب َو َ سى اْلكَِتا َ صيُر)َ(1وآَتْيَنا ُمو َ سِميُع اْلَب ِ ن آَياِتَنا ِإّنه ُهَو ال ّ ِم ْ
شُكوًرا)(3 عْبًدا َ ن َ ح ِإّنُه َكا َ حَمْلَنا َمَع ُنو ٍ ن َ ل)ُ(2ذّرّيَة َم ْ ن ُدوِني َوِكي ً خُذوا ِم ْ ل َتّت َِأ ّ
عُلّوا َكِبيًرا) ن ُ ن َوَلَتْعُل ّ ض َمّرَتْي ِ لْر ِ ن ِفي ا َْ سُد ّ ب َلُتْف ِل ِفي اْلِكَتا ِ سراِئي َ ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ َوَق َ
ل الّدَياِر لَ خَ سوا ِ جا ُ شِديٍد َف َ س َ عَباًدا َلَنا ُأوِلي َبْأ ٍ عَلْيُكْم ِ لُهَما َبَعْثَنا َ عُد ُأو َ جاَء َو ْ َ(4فِإَذا َ
جَعْلَناُكْم ن َو َ ل َوَبِني َ عَلْيِهْم َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَوا ٍ ل)ُ(5ثّم َرَدْدَنا َلُكْم اْلَكّرَة َ عًدا َمْفُعو ً ن َو ْ َوَكا َ
خَرِةلِ عُد ا ْ جاَء َو ْ سْأُتْم َفَلَها َفِإَذا َ ن َأ َ سُكْم َوِإ ْ لنُف ِسنُتْم َِ حَ سنُتْم َأ ْحَ ن َأ ْ َأْكَثَر َنِفيًرا)ِ(6إ ْ
عَلْوا َتْتِبيًرا) ل َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما َ خُلوُه َأّو َ جَد َكَما َد َ سِ خُلوا اْلَم ْ جوَهُكْم َوِلَيْد ُ سوُءوا ُو ُ ِلَي ُ
صيًرا)– (8 ح ِ ن َ جَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ جَعْلَنا َ عْدَنا َو َ عْدُتْم ُ ن ُ حَمُكْم َوِإ ْ ن َيْر َ سى َرّبُكْم َأ ْ عََ (7
السراء /ج .15فعودة إسرائيل وإعلنهم دولتهم في عام 1948هي تحقيق
لنبوءة الوعد الثاني " وعد الخرة " بعد شتاتهم في الرض حيث جاء ال بهم " لفيفًا
" في " موجات " هجرة متتابعة إلى الرض المقدسة " وأمدهم – والمدد دائمًا من
الخارج بأموال وبنين وجعلهم أكثر نفيرًا ،أي تركيزًا بما لديهم من تفوق علمي
وتخطيط واستغلل للفعاليات خلفًا للعرب من حولهم " وجعلناكم أكثر نفيرًا ").
(55
غير أن هذا الوعد اللهي ل يمنحهم " قوة التمكين " في الرض المقدسة
فأمنهم واستقرارهم رهين بالتعايش السلمي والتفاعل اليجابي مع سكان " الرض
سْأُتْم سُكْم َوِإنْ َأ َ لنُف ِسنُتْم َِ حَ سنُتْم َأ ْحَ ن َأ ْ المقدسة " و " ما حولها " ولهذا حذرهم ال ِ :إ ْ
ل َمّرٍة خُلوُه َأّو َ جَد َكَما َد َ سِ خُلوا اْلَم ْ جوَهُكْم َوِلَيْد ُ سوُءوا ُو ُ خَرِة ِلَي ُ لِ عُد ا ْ جاَء َو ْ َفَلَها َفِإَذا َ
عَلْوا َتْتِبيًرا) – (7السراء /ج .15ولنهم لم يحسنوا ويرتهنوا لشروط َوِلُيَتّبُروا َما َ
التعايش السلمي والتفاعل اليجابي وأساؤا ،قضى ال بمواجهتهم " وإن أسأتم فلها "
.فكانت العمليات الستشهادية تأكيدًا لمنطق " التدافع " فهي عمليات " مبررة
شرعيًا " بموجب هذا النص القرآني وكل افتاء دون ذلك مخالف لنصوص القرآن .
فالسرائيليون يعمدون لخراج أهل الرض المقدسة من ديارهم وقففد أذن
ال للذين يقاتلون ويخرجون من ديارهم بالقتال تدافعًا وفتوى المصالحة اسففتنادًا إلففى
ن اّلفِذينَ َكَففُروا سفَب ّ حَ ل َي ْ آية الجنوح للسلم فتوى تفتقر إلى التدقيق في دللت اللغةَ .و َ
خْيف ِ
ل ط اْل َ ن ِرَبففا ِ ن ُقفّوٍة َوِمف ْ طْعُتْم ِمف ْ سفَت َ عفّدوا َلُهفْم َمففا ا ْ ن)َ(59وَأ ِ جفُزو َ ل ُيْع ِسَبُقوا ِإّنُهفْم َ َ
ل ف َيْعَلُمُه فْم َوَمففا ُتنِفقُففوا ل َتْعَلُموَنُهْم ا ُّ ن ُدوِنِهْم َ ن ِم ْ خِري َ عُدّوُكْم َوآ َ ل َو َ عُدّو ا ِّ ن ِبِه َ ُتْرِهُبو َ
50
ح َلَهففا جَنف ْ
سْلِم َفا ْ حوا ِلل ّ جَن ُ ن َ ن)َ(60وِإ ْ ظَلُمو َ ل ُت ْ ف ِإَلْيُكْم َوَأْنُتْم َل ُيَو ّ ل ا ِّسِبي ِ يٍء ِفي َ ش ْن َ ِم ْ
سِميُع اْلَعِليُم) -(61النفال /ج .10 ل ِإّنُه ُهَو ال ّ عَلى ا ِّ ل َ َوَتَوّك ْ
فالجنوح من الجانحات ويراد بها السقوط إضطرارًا بعد كسر الجناح )
(56وجنح الطير يجنح جنوحًا إذا كسر من جناحيه ثم أقبل كالواقع اللجئ إلى
موضع ) ، (57فالجنوح " إضطراري " ولم يعمد السرائيليون لية مسالمة ،فلم
ل للسلم معهم. يجنحوا للسلم بحيث تكون هذه الية مدخ ً
بل إن لمصالحتهم – فيما إذا أرادوا الحسان بأنفسهم ولنفسهم -شروطًا
قرآنية أولها " حق العودة " واحترام قدسية كل ما يخص المسلمين ودينهم من
ل َيْنَهاُكْممساجد كقدسية المسجد القصى ،وما عدا ذلك فال ينهي عن المصالحةَ :
طوا سُ ن َتَبّروُهْم َوُتْق ِ جوُكْم ِمنْ ِدَياِرُكْم َأ ْ خِر ُ ن َوَلْم ُي ْن َلْم ُيَقاِتُلوُكْم ِفي الّدي ِ ن اّلِذي َعْ ل َ ا ُّ
ن َقاَتُلوُكْم ِفي الّدي ِ
ن ن اّلِذي َ عْ ل َ ن)ِ(8إّنَما َيْنَهاُكْم ا ُّ طي َ سِ ب اْلُمْق ِ ح ّ ل ُي ِن ا َِّإَلْيِهْم ِإ ّ
ك ُهْم ن َيَتَوّلُهْم َفُأْوَلِئ َ ن َتَوّلْوُهْم َوَم ْ جُكْم َأ ْ خَرا ِ عَلى ِإ ْ ظاَهُروا َ ن ِدَياِرُكْم َو َ جوُكْم ِم ْ خَر َُوَأ ْ
ن) – (9الممتحنة /ج .28 ظاِلُمو َ ال ّ
كما أن التذرع بصلح الحديبية ) أواخر ذي العقدة – 6هف ف الموافففق 627/628م (
كففدليل علففى " براجماتيــة " الرسففول وأخففذه بموجبففات " الواقففع " فيففه جهففل كففبير
بالخلفيات القرآنية ،فالحديبية تقع ضمن دائرة " الرض الحففرام " الففتي يح فّرم فيهففا
ن ُيَقففاِتُلوَنُكْم َو َ
ل لف اّلفِذي َ ل ا ِّ سفِبي ِالقتال إل إذا تم العتداء على المسففلمينَ :وَقففاِتُلوا ِفففي َ
حْيفف ُ
ث جوُهْم ِمنْ َ خِر ُ ث َثِقْفُتُموُهْم َوَأ ْ حْي ُ ن)َ(190واْقُتُلوُهْم َ ب اْلُمْعَتِدي َ ح ّل ُي ِ ل َ ن ا َّ َتْعَتُدوا ِإ ّ
حّتى ُيَقــاِتُلوُكْم ِفيـِه حَراِم َ جِد اْل َسِ عْنَد اْلَم ْ ل َوَل ُتَقاِتُلوُهْم ِ ن اْلَقْت ِشّد ِم ْ جوُكْم َواْلِفْتَنُة َأ َ خَر ُ َأ ْ
حيفٌم) غُفففوٌر َر ِ لف َ ن ا َّن انَتَهفْوا َففِإ ّ ن)َ(191ففِإ ْ جَزاُء اْلَكاِفِري َ ك َ ن َقاَتُلوُكْم َفاْقُتُلوُهْم َكَذِل َ َفِإ ْ
عَلفى ل َ ن ِإ ّعفْدَوا َ ل ُ ن انَتَهفْوا َف َ لف َففِإ ْ ن ِّ ن الفّدي ُ ن ِفْتَنٌة َوَيُكو َ ل َتُكو َ حّتى َ َ(192وَقاِتُلوُهْم َ
عَلْيُكْم عَتَدى َ ناْ ص َفَم ْ صا ٌ ت ِق َ حُرَما ُ حَراِم َواْل ُ شْهِر اْل َ حَراُم ِبال ّ شْهُر اْل َ ن) (193ال ّ ظاِلِمي َال ّ
ن)– (194 ل َمفَع اْلُمّتِقيف َ ن ا َّ عَلُموا َأ ّ ل َوا ْ عَلْيُكْم َواّتُقوا ا َّ عَتَدى َ ل َما ا ْ عَلْيِه ِبِمْث ِ عَتُدوا َ َفا ْ
البقرة /ج .2وقد لجأ مشركو قريش للتفاوض وليفس القتفال ،وقفد بفايع المسفلمون
الرسول على القتال دفاعًا عن أنفسهم إذا اعتدى عليهففم " بيعففة الرضففوان " )أواخففر
ذي العقدة عففام 6هفف الموافففق 628-627م ( .والرسففول ليففس بحاجففة لن يكففون
براجماتيًا ولو لم تتكافأ القوي القتالية البشرية كيوم " بدر – 17رمضففان – عففام 2
ه هف – الموافق 623/624م ( وكيوم الخندق – عام 5هف ف – الموافففق 626/627
م ( ،فالنصر اللهي معقود له بجنود ل نراها ) راجع ما أوردناه فففي سففورة التوبففة
-ج – 10ى . ( 40أما الهزيمففة فففي " أحففد – 3هفف – الموافففق 624/625م (
فلها موجبات أخرى فصلها ال وذلك حين اعففتز المسففلمون بكففثرتهم وظنففوا النصففر
جَبْتُك فْمعَ ن ِإْذ َأ ْ حَنْي ف ٍ
ن َكِثيَرٍة َوَيْوَم ُ طَ ل ِفي َمَوا ِ صَرُكْم ا ُّ راجعًا إلى قدراتهم الذاتيةَ :لَقْد َن َ
ن) ت ُثفّم َوّلْيُتفْم ُمفْدِبِري َ حَبف ْ ض ِبَمففا َر ُ لْر ُ عَلْيُكفْم ا َْ ت َ ضففاَق ْشفْيًئا َو َ عْنُكْم َ ن َ َكْثَرُتُكْم َفَلْم ُتْغ ِ
ع فّذ َ
ب جُنوًدا َلْم َتَرْوَهففا َو َ ل ُ ن َوَأنَز َ عَلى اْلُمْؤِمِني َ سوِلِه َو َ عَلى َر ُ سِكيَنَتُه َ ل َ ل ا ُّ ُ(25ثّم َأنَز َ
لفشففاُء َوا ُّ ن َي َعَلى َم ْ ك َ ن َبْعِد َذِل َ ل ِم ْ ب ا ُّ ن)ُ(26ثّم َيُتو ُ جَزاُء اْلَكاِفِري َ ك َ ن َكَفُروا َوَذِل َ اّلِذي َ
حيٌم) – (27التوبة /ج .10 غُفوٌر َر ِ َ
51
وقد استرد ال لدينه فاستتاب من يريد وهو أبرز رمففوز الشففرك فففي تلففك
المعركة " خالد بن الوليد " .إذن ،ففي ما بعد " الجهاد "وشرعة السيف المرتبطة
بخصائص الحقبة النبوية والتدخل اللهي لتمكيفففن " المففة الوسففط " و " المسففؤولة
عن الذكر " و " الخروج " ضمن دائرتي ما بين المسففجد " الحففرام " و المسففجد "
القصى " وما حولهما ) الشام الكبير والعراق واليمففن ( يقففع مففا تبقففى مففن الرجففاء
ضمن مفهوم التحاق " المييفن " وليفس " الكتفابيين مفن يهفود ونصفارى " ) راجفع
مطلع سورة الجمعة ( فل يسمى فتح مصر أو المغرب العربي أو إيران أو الصقاع
الخرى جهادًا ،إنما " إلحاقًا وتوسعًا " .
كذلك كرس مطلع سورة الجمعففة البقففاء علففى " التعدديففة الدينيففة " حيففن
قصرت اللحففاق إسففلميًا علففى المييففن مففن الشففعوب غيففر الكتابيففة الخففرى " و "
ن ُأوُتففوا ت اّل فِذي َ
ن َأَتْي َ
آخرين منهم " أي من الميين ،واستثنت اليهود والنصارىَ .وَلِئ ْ
ضفُهْم ِبَتففاِبٍع ِقْبَلفَة َبْعف ٍ
ض ت ِبَتففاِبٍع ِقْبَلَتُهفْم َوَمففا َبْع ُ ك َوَما َأْن َل آَيٍة َما َتِبُعوا ِقْبَلَت َب ِبُك ّ
الِكَتا َ
ن)– (145 ظفاِلِمي َن ال ّ ك ِإًذا َلِمف ْ ن اْلِعْلفِم ِإّنف َك ِمف ْجفاَء َ ن َبْعِد َمفا َ ت َأْهَواَءُهْم ِم ْن اّتَبْع َ َوَلِئ ْ
شففاَءالبقرة /ج .2وجعل ال ذلك من " مشيئته " في اختلف وتعدد الديففانَ :وَلفْو َ
ك َوِلفَذِل َ
ك حفَم َرّبف َ ن َر ِ ل َمف ْ ن)ِ(118إ ّ خَتِلِفيف َن ُم ْ ل َيَزاُلففو َحفَدًة َو َس ُأّمًة َوا ِ ل الّنا َ جَع َك َل َ
َرّب َ
ن) – (119هــود /ج جَمِعيف َ س َأ ْ جّنِة َوالّنا ِ ن اْل ِجَهّنَم ِم ْن َ لّلْم َ ك َ ت َكِلَمُة َرّب َخَلَقُهْم َوَتّم ْ َ
.12ذلك بمنطق " المشيئة " اللهية التي تتموضع على مفا يقففرره النففاس لنفسففهم
من اختلف ،وليس ما يقرره ال لهم بمنطففق " الرادة " و " المــر " .فففالختلف
لفث ا ُّ حفَدًة َفَبَعف َس ُأّمفًة َوا ِ ن الّنففا ُ ليس مصدره ال ولكن مصففدره البشففر أنفسففهمَ .كففا َ
خَتَلفُففوا
س ِفيَمفا ا ْ ن الّنففا ِ حُكفَم َبْيف َ ق ِلَي ْ
حّ ب ِباْل َل َمَعُهْم اْلِكَتا َ ن َوَأنَز َ ن َوُمنِذِري َ شِري َن ُمَب ّالّنِبّيي َ
لف
ت َبْغًيففا َبْيَنُهفْم َفَهفَدى ا ُّ جففاَءْتُهْم اْلَبّيَنففا ُن َبْعِد َما َ ن ُأوُتوُه ِم ْ ل اّلِذي َف ِفيِه ِإ ّخَتَل َ
ِفيِه َوَما ا ْ
سفَتِقيٍم) ط ُم ْص فَرا ٍشاُء ِإَلففى ِ ن َي َ ل َيْهِدي َم ْ ق ِبِإْذِنِه َوا ُّ
حّ ن اْل َ
خَتَلُفوا ِفيِه ِم ْ ن آَمُنوا ِلَما ا ْ اّلِذي َ
– (213البقرة /ج .2وفي إطار هذه التعدديةالدينية لم يلجأ المسلمون لسلمة من
يعاشرونهم في موقع المة الوسط) (58فيما كتبه جورج قرم :
52
" لقد كانت الدولة السلمية بل ريب دولة دينيففة ،وكففان طابعهففا الففديني
عميقًا وجوهريًا بقدر ما كففان طففابع المبراطوريففة البيزنطيففة ،الففتي انففتزعت منهففا
القسم الكبر من المشرق وأفريقيا الشففمالية ،وطففابع المبراطوريففة الساسففانية الففتي
قضت عليهففا قضففاء مبرمفًا .وكففان السففلم ركيزتهففا الساسففية ،واليمففان بففالقرآن
ورسول ال الوثاق المتين الذي يشد أعضاءها بعضهم إلى بعض .ولكففن لول مففرة
حد ،حصري النزعففة وميففال هففو الخففر إلففى الهيمنففة ،أن في التاريخ أمكن لدين مو ّ
يجد الصيغة شبه السحرية التي تحث السادة الجدد على التمسك بحبففل المبففدأ العظيففم
القففائل بففأن )) ل إكففراه فففي الففدين (( ،وعلففى العففتراف لغيففر معتنقيففه بحقهففم فففي
الوجود كطوائف لها ملء الحرية في ممارسة معتقداتها وشففعائرها العباديففة وحياتهففا
الجماعية " .وقففد اسففتطاع جففورج قففرم أن يرسففم ،بكففل ألوانهففا ولونيتهففا ،صففورة
خصائص النظام الطائفي الذي عاش اليهود والمسيحيون في ظله في عهد السففلم .
وهذا بحد ذاته اعتراف بففأن التعدديففة السففلمية مففن طبيعففة سوسففيولوجية وقانونيففة
مغايرة للتعددية القسرية ،المسفتوحاة مففن اللهففوت ،الففتي وسفمت جوانبهفا القاتمففة
بميسمها أوروبا القروسطية " .
لماذا استمرارية التدافع العربي /السرائيلي ؟
قد يرى الوضعيون ودارسو الستراتيجية المعاصرة أن المر هو صراع
" قومي " أو " ديني " بين العرب وإسرائيل ،العرب يرتكزون إلى " حقوقهم "
القومية " وميراث الفتح الديني " للراضي المقدسة ،والسرائيليون يستندون إلى "
موروثهم الديني والتاريخي " بداية من خروجهم من مصر ودخولهم عنوة الرض
المقدسة قبل خمسة وثلثين قرنًا ) خروجهم من مصر في القرن الرابع عشر قبل
لْر َ
ض خُلوا ا َْالميلد ثم دخولهم الرض المقدسة بأمر إلهي وكانوا يمانعونَ :ياَقْوِم اْد ُ
ن)َ(21قاُلوا سِري َ خا ِ عَلى َأْدَباِرُكْم َفَتْنَقِلُبوا َل َتْرَتّدوا َ ل َلُكْم َو َ
ب ا ُّ
سَة اّلِتي َكَت َ
اْلُمَقّد َ
جوا ِمْنَها خُر ُن َي ْجوا ِمْنَها َفِإ ْخُر ُ حّتى َي ْ خَلَها َ ن َنْد ُ
ن َوِإّنا َل ْجّباِري َ
ن ِفيَها َقْوًما َ
سى ِإ ّ َياُمو َ
ن) – (22المائدة /ج . 6ثم نشوء مملكة سليمان وداود في القدس في خُلو ََفِإّنا َدا ِ
الفترة من ) 1000وإلى 922ق م ( ) .(59ثم انفصال القبائل الشمالية عنها
وتكوينها مملكة ) اسرائيل /السامرة ( والتي تعرضت للجتياح الشوري عام
721ق م وتم سبى وأسر ) ( 27290اسرائيلي رحلوا إلى بابل ،ثم الستيلء
الشوري على القدس ثلث مرات ) 597و 587و ( 582وتبع الستيلء
الجلء إلى أن أعيدوا من بابل عام 539ق م بأمر من ) قورش ( مؤسس
المبراطورية الفارسية الخمينية والتي حلت محل المبراطورية الشورية منذ
550ق م .
والتساؤل :لماذا قضى ال بالعودة والتدافع ؟
الجابة هنا من أساسيات منهجيــة القــرآن المعرفيــة فــي قــراءة التاريــخ
خلفًا لمن ادعوا " أسلمة علم التاريخ " فقد قضى ال بأن تكون منطقة المة الوسففط
ما بين البيت الحرام وما حوله والمسففجد القصفى ومفا حفوله مجفال " تفدافع " بيفن
شففعبين ) اصففطفاهما ( الف فكمففا اصففطفى " مكففة " كففبيت حففرام اصففطفى القففدس
ل اْذُك فُروا ِنْعَمِتففي سَراِئي َ كمسجد مقدس وأرض مقدسة واصطفى السرائيليينَ .ياَبِني ِإ ْ
53
ن) – (47البقــرة /ج .1وكففذلك عَلففى اْلَعففاَلِمي َ
ض فْلُتُكْم َ
عَلْيُك فْم َوَأّنففي َف ّ ت َاّلِتففي َأْنَعْم ف ُ
عف ْ
ن ن َ ف َوَتْنَهفْو َن ِبفاْلَمْعُرو ِ س َتفْأُمُرو َ ت ِللّنفا ِ جف ْ
خِر َ خْيفَر ُأّمفٍة ُأ ْ
اصطفى العرب ُ .كْنُتْم َ
ن َوَأْكَثُرُه فْمخْيًرا َلُه فْم ِمْنُه فْم اْلُمْؤِمُنففو َ
ن َ ب َلَكا َل اْلِكَتا ِن َأْه ُل َوَلْو آَم َن ِبا ِّاْلُمنَكِر َوُتْؤِمُنو َ
ن) - (110آل عمران /ج .4 سُقو َ
اْلَفا ِ
الصطفاء والعرقية:
إن الصففطفاء لجنففس معيففن فففي المفهففوم المعاصففر هففو نزعففة " عرقيففة
شوفينية :من مماثلت الدعاء بتفوق العرق الري الذي تأسست عليه النازية ،أمففا
قدسية واصطفاء المكان فيدرجها كثير من الناس في " الدعاوى اللهوتيففة " وكففثيرًا
ما يؤكد السرائيليون الن على هذا الصطفاء ،بل إنففه لففولهم لمففا خلففق الف بففاقي
البشر بأشكال آدمية ) (60فالصل في تركيبة البشففر مففن غيففر السففرائيليين أنهففم "
بهائم :حولهم ال إلى أشكال آدمية لخدمففة السففرائيليين وليسففهل علففى السففرائيليين
مخاطبتهم والتعامل معهم.
مفهففوم الصففطفاء اللهففي للمكففان والجنففس يختلففف جففذريًا عففن مفهففوم
الصطفاء البشري وبمففا يماثففل الختلف الففذي أوضففحناه بيففن عبوديففة النسففان لف
وعبودية العبد البشففري لمففالكه فففي سففورة ) النحففل ( فالصففطفاء اللهففي مســؤولية
مرتبطة بالتواصل مع الذكر اللهي والتسامي الــديني والخلقــي ،فالصففطفاء هففو
من أجل تشكيل " قاعــدة إنســانية " وليففس فئة عنصففرية مسففتعلية ،قاعــدة مهمتهــا
خلص النسان في الرض وإشاعة الحكمة اللهية وقيمها ،فكل أداء وفعل يحتاج
إلى " قاعدة اجتماعية بشرية " سياسية كانت فففي شففكل أحففزاب أو فئويففة كففانت فففي
شكل النقابات ،وهذه كلهفا تنشفأ وتقفوم بمثففل " وضفعية " فففي نهجهففا الغففالب ،أمفا
الصطفاء اللهي فمثلة رسالية دينية متسامية.
فالصطفاء اللهي مشروط بالتسامي والوعي ،حتى يحمل السففرائيليون
التففوراة علففى حقيقتهففا وكففذلك يحمففل المسففلمون القففرآن علففى حقيقتففه ،فففإذا زيفففوا
وابتعدوا واستسلموا لساطيرهم وخرافاتهم ماثل ال علقتهم بالكتاب كعلقة الحمففار
الذي يحمل أسفارًا على ظهره ول يعرف ما هو مكتوب فيها .وقد أكففد الف علفى أن
حّمُلوا الّت فْوَراةَ ُثفّم َلفْم ن ُ ل اّلِذي َ السرائيليين يحملون التوراة كحمل الحمار للسفارَ .مَث ُ
لف َ
ل لف َوا ُّ ت ا ِّن َكفّذُبوا ِبآَيففا ِ ل اْلَقفْوِم اّلفِذي َس َمَث ُ
سَفاًرا ِبْئ َ ل َأ ْحِم ُحَماِر َي ْل اْل ِحِمُلوَها َكَمَث ِ
َي ْ
ن) – (5الجمعة /ج .28 ظاِلِمي ََيْهِدي اْلَقْوَم ال ّ
وبما أن الية تقع في مطلع سورة الجمعة التي وجه فيها الخطاب للميين
ل منهففم فففإن الففترابط العضففوي لليففات يشففكل ) العرب ( الذين بعث ال فيهففم رسففو ً
تحذيرًا للمسلمين أنفسهم من أن تكون علقتهم بالقرآن كعلقة السرائيليين بالتوراة .
نتيجة انحراف كل من المسلمين واليهود عن كتابيهما ) القرآن والتوراة ( ،جعل ال
ما بينهما " تدافعًا " حتى يعود كل منهما إلى مرجعيته اللهية كما هي في حقيقتها
لن ال اتخذ منهما قاعدتين بشريتين لرساء كلمته في الرض.
واتخاذ ال لقاعدتين بشريتين وليس قاعدة بشرية واحدة – كما كففان يأمففل
السرائيليون – هو للحد من استشعار أي من القاعدتين .إن التفويض اللهففي منففاط
ل عففبر اللففتزام بالنهففج اللهففي بها تحديدًا لمميزات ذاتية فيها ،فالتفويض ل يكون إ ّ
54
نفسه .ثم جعل " التدافع " بين القاعدتين في حال انحرافهما .وكل منهما يتطلع إلففى
ل بشروط العودة إلى المنهج اللهي . وعد ال له غير أن ذلك ل يتم إ ّ
لهذا فإن هذا الصراع العربي السرائيلي ل يؤرخ لففه بقيففام إسففرائيل فففي
عام 1948ول بوعد بلفور عام 1916ول بمؤتمر بففازل عففام . 1897إنففه تففدافع
بادئ منذ اربعة عشر قرنا خلت وتمتد خلفيته إلى خمسة وثلثين قرنًا خلت .وهناك
عَلْيِهفْم
مكامن فيه لم تظهر بعد حتى يتحقق الوعد الثاني فففيُ :ثفّم َرَدْدَنففا َلُكفْم اْلَكفّرَة َ
سفُكْم َوِإ ْ
ن لنُف ِ سفنُتْم َِحَ سفنُتْم َأ ْحَن َأ ْجَعْلَنففاُكْم َأْكَثفَر َنِفيفًرا)ِ(6إ ْ ن َو َل َوَبِنيف ََوَأْمَدْدَناُكْم ِبفَأْمَوا ٍ
خُلففوُه َأّو َ
ل جَد َكَمفا َد َ سف ِخُلوا اْلَم ْ جوَهُكْم وَِلَيْد ُ سوُءوا ُو ُ خَرِة ِلَي ُلِ عُد ا ْ
جاَء َو ْ سْأُتْم َفَلَها َفِإَذا َ
َأ َ
جَهّنففَم جَعْلَنا َ عْدَنا َو َعْدُتْم ُن ُ حَمُكْم َوِإ ْ ن َيْر َ سى َرّبُكْم َأ ْ عَ عَلْوا َتْتِبيًرا)َ (7 َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما َ
صيًرا) – (8السراء /ج .15 ح ِ ن َ ِلْلَكاِفِري َ
ومن بعد تلك الجولة النهائية في الدنيا ) وعد الخرة – الثانية ( حيث التدافع ،
فالخرة بعد الدنيا ل تدافع فيها -والوعد الثاني هو بعد نهاية الوعد الول حيث كان
إجلؤهم عن المدينة في مقدمة سورة الحشر .وليس سبيهم لبابل " الوثنية " سنة
721ق .م على يد الشوريين ،حيث لم يكونوا عبادًا ل والقرآن يقول " عبادًا لنا "
.
حينهففا ل تكففون الغلبففة العربيففة السففلمية غلبففة " قوميففة " ولكففن ارتباط فًا بمنطففق
مسؤولية الصطفاء والرتباط بمنهج الكتاب الكوني ،باتجاه التفاعل مع كل النسففاق
الحضففارية والففديانات المختلفففة والمناهففج المعرفيففة لسففتيعابها وتجاوزهففا باتجففاه "
الهدى ودين الحق " .وقد محور الف هففذا الخلص النسففاني بدللففة " الهففدى وديففن
الحففق " فففي السففور الثلث الففتي ضففمنها النبففوءة فففي ) التوبففة ( و ) الفتففح ( و
ن ُيِتّم ُنوَرُه َوَلْو َكِرَه ل َأ ْل ِإ ّ
ل ِبَأْفَواِهِهْم وََيْأَبى ا ُّ طِفُئوا ُنوَر ا ِّ ن ُي ْن َأ ْ
) الصف ( ُ :يِريُدو َ
ن ُكّلِه َوَلْو عَلى الّدي ِ ظِهَرُه َ ق ِلُي ْحّ ن اْل َ سوَلُه ِباْلُهَدى َوِدي ِ ل َر ُ سَن)ُ(32هَو اّلِذي َأْر َ اْلَكاِفُرو َ
ن) – (33التوبة /ج (61).10 شِرُكو َ َكِرَه اْلُم ْ
ن ُكّلِه َوَكَفى ِبا ِّ
ل عَلى الّدي ِ ظِهَرُه َ ق ِلُي ْ حّ ن اْل َ سوَلُه ِباْلُهَدى َوِدي ِ ل َر ُ سَوكذلكُ :هَو اّلِذي َأْر َ
شِهيًدا) – (28الفتح /ج .26 َ
ن)ُ(8هفَو ل ُمِتّم ُنوِرِه َوَلفْو َكفِرَه اْلَكففاِفُرو َ ل ِبَأْفَواِهِهْم َوا ُّ طِفُئوا ُنوَر ا ِّ ن ِلُي ْ
وكذلكُ :يِريُدو َ
ن) ش فِرُكو َ ن ُكّلِه َوَلْو َك فِرَه اْلُم ْ عَلى الّدي ِ ظِهَرُه َ ق ِلُي ْ
حّ ن اْل َسوَلُه ِباْلُهَدى َوِدي ِ ل َر ُسَ اّلِذي َأْر َ
– (9الصف /ج . 28
فالتدافع ل ينتهي بنصرة العرب والمسلمين على ما هم عليه اليوم ،ولكن
بعد متغيرات جذرية في مفاهيمهم ليحملوا القرآن على نحو منهجففي معرفففي جديففد ،
وبعد أن يفرض عليهففم " الضففغط " السففرائيلي وبعففد أن تفففرض عليهففم " هيمنففة "
العولمة المريكية ما يجعلهم يغيرون ما بأنفسهم.
قد طبعت منظمة الجهاد السلمي بحياة الشهيد ) فتحي الشففقاقي ( كتففابي
" العالمية السلمية الثانية " داخففل الرض المحتلففة ،غيــر أن العديــد مــن أعضــاء
منظمة الجهاد قد ركزوا على الصفحات الخاصة " بالتدافع " وليس على " المنهج
المعرفي " .
55
ل َقْوًمففاسفَتْبِد ْ
عفَذاًبا َأِليًمففا َوَي ْ
ل َتنِففُروا ُيعَفّذْبُكْم َ ويظل النففذار اللهففي الخيففر قائمفًاِ :إ ّ
يٍء َقِديٌر) – (39التوبــة /ج .10وكففذلك ش ْل َ عَلى ُك ّ ل َ شْيًئا َوا ُّضّروُه َ ل َت ُ غْيَرُكْم َو َ َ
عف ْ
ن ل َ خف ُ ل َفِإّنَما َيْب َ
خْن َيْب َل َوَم ْ
خُ ن َيْب َ
ل َفِمْنُكْم َم ْ ل ا ِّ
سِبي ِن ِلُتنِفُقوا ِفي َ عْو َ لِء ُتْد ََهاَأْنُتْم َهُؤ َ
ل َيُكوُنففوا َأْمَثففاَلُكْم) غْيَرُكْم ُث فّم َل َقْوًما َ سَتْبِد ْ
ن َتَتَوّلْوا َي ْ
ي َوَأْنُتْم اْلُفَقَراُء َوِإ ْ ل اْلَغِن ّ
سِه َوا ُّ َنْف ِ
- (38محمد /ج . 26ويرتبط تحول ال إلى من يحبهم بسلب النعفم وبسفلب مفا
أعطى لمن كانوا ممن عهد إليهم بالكتاب وحّملهم مسؤولية الذكر ،فحملففوه كالحمففار
يحمل أسفارًا .
إشكالية " واعظي " و " كمال عبد اللطيف " :
كيف يكون الجمع بين " شكل " الحكم الديموقراطي الليبرالي العلماني المدني و "
نظام " الحكم السلمي ؟
إن النظام السلمي بالكيفية التي أوضحناها والمفارقة لما كان من مفاهيم
تراثية ) أيديولوجية ( والذي اعتمدنا في تبيانه على نصوص القرآن بقراءة منهجية
معرفية ) أبستمولوجية ( معاصرة أوصلتنا إلى ما دس سالفًا على شرعة " التخفيف
والرحمة " بتكريس " شرعة الصر والغلل " .
وتبيان أن " الشورى " السلمية ل تنفك لزومًا عن قاعدة أولي المر "
منكم " التي تنفي الستعلء الطبقي والكهنوتي " فيكم " والتي تنفي التسلط الفوقي "
عليكم " وانها تفرض المساواة بين الناس .
وأن الحرية " مبدأ تكويني " في جبلة الخلق اللهي للنسان المزود بقوة
الوعي الثلثي "السمع والبصار والفئدة " .وأن شرعة السيف والكراه مناطة "
بالمة الوسط " ضمن مرحلة تشكيلها ما بين أرض الحرام والرض المقدسة وفق
خصائص الحقبة النبوية الشريفة وما كان فيها من " تدخل إلهي غيبي " وليست مبدأ
" مطلقًا " .
وأن النظام السلمي يعتمد نهج " الحاكمية البشرية " عبر " الكتاب "
وليس على ما كان على السرائيليين اليهود من " حاكمية إلهية " أو " حاكمية
استخلف "(62).
إن السلم – وهو أرفع درجة من اليمان – ) مراجعة :العالمية –
المجلد الثاني -ص – ( 185متنزل من عالم " المر اللهي " وليس " عالم الرادة
" اللهية التي تستوجب " الحاكمية اللهية " و " حاكمية الستخلف " والتوطن في
" الرض المقدسة " .وقد حددت أواخر آيات سورة النمل خصائص هذا الرتباط
حّرَمَها َوَلُه ُك ّ
ل ب َهِذِه اْلَبْلَدِة اّلِذي َعُبَد َر ّ ن َأ ْت َأ ْبعالم المر اللهي المنزلِ :إّنَما ُأِمْر ُ
ن اْهَتَدى َفِإّنَما َيْهَتِدي ن َفَم ْ
ن َأْتُلَو اْلُقْرآ َ
ن)َ(91وَأ ْ سِلِمي َن اْلُم ْ
ن ِم ْ ن َأُكو َ ت َأ ْ
يٍء َوُأِمْر ُ ش ْ َ
سُيِريُكْم آَياِتِه َفَتْعِرُفوَنَها ل َ حْمُد ِّن)َ(92وُقلْ اْل َ ن اْلُمنِذِري َ ل ِإّنَما َأَنا ِم ْ
ل َفُق ْ ضّ ن َ سِه َوَم ِْلَنْف ِ
ن)– (93النمل /ج .20فهنا "بلدة محرمة" أرقى من عّما َتْعَمُلو َ ل َ ك ِبَغاِف ٍَوَما َرّب َ
أرض مقدسة ،و " إسلم " أرقى درجة من " اليمان " ،وقرآن يتسع للكون كله
وأرقى درجة من " كتب العهد " .
لهذا أطلقت حرية النسان للتعامل مع الكتاب فأصبحت الحاكمية " بشرية
" مصدرها " عالم المر اللهي " إنما أمرت أن أعبد وقاعدتها " عالم المشيئة "
56
بكل ما فيها من ضوابط القوانين المشيئة للوجود وكيفما يدركها العلماء ،وكيفما
يتعامل معها النسان .
فالعلقة هنا مع ال علقة " غيبية " وليست " حسية " شأن ما كانت عليه
التجربة اليهودية من شجرة ملتهبة ،وعصا لموسى يضرب بها الحجر والصخر أو
ما كان لداود وسليمان من تسخير للحديد والجن والطير .
فال لم يدرج هذه الظواهر بمنطق اسطوري وإنما للدللة على خاصية
حاكمية الستخلف ،فالمستخلف يفوضه من استخلفه – وهو ال – ببعض من قوته
وإل فقد مقومات الخلفة .
لهذا أصبحت المعادلة السلمية ) النسان – الكتاب ( وانتهت إلىَ :فَم ْ
ن
حْمُد ِّ
ل ل اْل َ
ن)َ(92وُق ْ ل ِإّنَما َأَنا ِمنْ اْلُمنِذِري َل َفُق ْ
ضّ ن َ سِه َوَم ْاْهَتَدى َفِإّنَما َيْهَتِدي ِلَنْف ِ
ن)– (93النمل /ج .20 عّما َتْعَمُلو َ ل َ ك ِبَغاِف ٍ
سُيِريُكْم آَياِتِه َفَتْعِرُفوَنَها َوَما َرّب َ َ
فالديانات المرتبطة بعالم " الرادة اللهية " تستوجب الحاكمية اللهية
وحاكمية الستخلف والتدخل اللهي المنظور ،أما تلك – المرتبطة " بعالم المر
اللهي – وليس غير السلم – فإنها ترتبط بحاكمية البشر لنفسهم وفق فهمهم
للكتاب وبملئ عقلنيتهم وحريتهم ،وبالكيفية التي يحددون بها " شكل الحكم " .أما
القرآن فإنه بمنحهم " المنهج " ويصبح التدخل اللهي هنا غيبيًا غير منظور كتنزلة
ل :ونصرة ال لبنيه غيبًا . ملئكة بدر مث ً
بما بيناه وأوضحناه في كل ذلك وغيره كان يفترض أن يتوصل
المفكرون السلميون والمجتهدون في السابق واللحق إلى " شكل " للحكم يجسد
طبيعة هذا النظام للحكم .غير أن الذي حدث ويحدث هو " نقيض " كل ذلك .إذ
افتقرت هذه " المنظومة المتكاملة " التي طرحناها إلى" الشكل الدستوري " الذي
يجسدها وإلى " الليات " السياسية التي تكفل تطبيقها ،واتخذت كافة النظمة
السياسية مسارًا خارج هذه المنظومة .فمع أن الرسول لم يستخلف فقد استخلف أبو
بكر عمرًا ،وضيق عمر نطاق الشورى وأولي المر وحصرها في عشرة اختاروا
عثمان .ولم يستجب عثمان لراء معارضيه فكانت بدايات " الفتنة " .واستجاب
على لتحكيم " صفين " على يدي رجلين حيث ل مؤسسات ذات مرجعية شورية .
أما الخلفاء من بعد علي فقد تحولوا إلى آحادية وملك عضود وأشاعوا مفاهيم "
الجبر " و" الحاكمية اللهية " ليبرروا بها حكمهم التعسفي المطلق ،واتخذوا من "
الجهاد " تبريرًا للتوسع خارج دائرة " المة الوسط " .
واتخذوا من مبدأ " الجزية " مطية لنهب الكتابيين من نصارى ويهود في
ل على " المرتد " من أهل الكتاب الذين أنكروا اليمان حين أن الجزية ل تطبق إ ّ
ل ِباْلَيْوِم
ل َو َ ن ِبا ِّل ُيْؤِمُنو َن َ بالله واليوم الخر واستحلوا ما حرم ال َ .قاِتُلوا اّلِذي َ
ن ُأوُتوا ن اّلِذي َق ِم ْ
حّ ن اْل َ
ن ِدي َل َيِديُنو َ سوُلُه َو َ ل َوَر ُحّرَم ا ُّن َما َ حّرُمو َل ُي َخِر َو َ لِ اْ
ن) – (29التوبة /ج .10أما غُرو َ صا ِن َيٍد َوُهْم َ عْجْزَيَة َطوا اْل ِ حّتى ُيْع ُ ب َ اْلِكَتا َ
الكتابيون الذين لم يرتدوا عن دينهم فل تؤخذ منهم جزية عن يد وهم صاغرون
وإنما تسري عليهم أحكام الخراج و " العشور " وما تقرره الدولة من مداخيل .
ويفيدنا الدكتور " نزيه حماد " ) (63باختلف الفقهاء حول تحديد معنى الجزية:
57
" الجزية في اللغة مشتقة من الجزاء والمجازاة .قال ابن النباري :هي
الخراج المجعول على أهل الذمة .وقد اختلف الفقهاء في حقيقتها ،فذهب الشافعية
والحنابلة إلى أنها :المال المأخوذ بالتراضي لسكان أهل الذمة في دار السلم ،أو
لحقن دمائهم وذراريهم وأموالهم ،أو لكف المسلمين عن قتالهم .سمّيت بذلك لنها
جزاء تأمينهم وعصمة دمائهم وعيالهم وأموالهم أو تمكينهم من سكنى دار السلم .
ل ما وذهب الحنفية والمالكية الى انها أعّم من ذلك ،وأن المراد بها :ك ّ
يؤخذ من أهل الذمة ،سواء أكان موجبها القهر والغلبة وفتح الرض عنوة ،أو عقد
الذمة الذي ينشأ بالتراضي.
هذا ،وإن الفقهاء يطلقون اسم الجزية على المال المأخوذ منهم وعلى
العقد وعليهما مهًا ".
أما شرعة السيف فقد أمضيت على " المشركين " في الجزيرة العربية
حيث مرتكز المة الوسط ،ودمغوا " بالنجاسة " وهي ذات دللة معنوية غير مادية
،فالقرآن لم يستخدم النجاسة إل للشرك ،ومد الفقهاء مفهومها إلى " مّني " النسان
،في حين أن هذا المني هو من امشاج نطفة مكونة للتخليق النساني نفسه ،فيكون
بدن النسان في أصله نجسًا تبعًا لهذا المنطق ،فالغسل بعد الجماع ليس مصدره
النجاسة ولكن " التطهر " من الفرازات ،فهناك خلط شديد بين مفهوم دواعي "
الغسل " بعد " الجماع " أو " الغائط " ومفهوم التطهر بعد " الجنابة " والتي ل
علقة لها " بالجماع " و" الغائط " وإنما علقتها " بالتبول " و " التبرز " ومفهوم "
النجاسة " التي وردت متعلقة بالمشركين ولمرة واحدة فقط في القرآن ،كالخلط
تمامًا بين " الخمار " و" الحجاب " و "الزينة " و " الحلي " .وهناك خلط في أمور
كثيرة .
يبقى القول أنه ل جزية على مؤمني أهل الكتاب ،وشرعة السيف قاصرة
س َف َ
ل ج ٌ ن َن َشِرُكو َن آَمُنوا ِإّنَما اْلُم ْ
على المشركين في إطار قاعدة التأسيسَ .ياَأّيَها اّلِذي َ
ضِلِه ِإ ْ
ن ن َف ْ ل ِم ْ
ف ُيْغِنيُكْم ا ُّسْو َعْيَلًة َف َ
خْفُتْم َ
ن ِ عاِمِهْم َهَذا َوِإ ْ
حَراَم َبْعَد َجَد اْل َسِ
َيْقَرُبوا اْلَم ْ
حِكيٌم) – (28التوبة /ج .10 عِليٌم َ ل َن ا َّشاَء ِإ ّ
َ
خيارات التجربة الغربية بين الشكل والمضمون :
جاءت التجربة الوروبية بالحل " الرشدي " ،ولكن على مستوى "
الشكل الدستوري والسياسي " وليس " المضمون الفلسفي " .جاءت بالليات التي
تتسق " أدائيًا "مع طبيعة " النظام " السلمي الذي أوضحناه .
فأصبح التنازع بيننا كإسلميين والتجربة الوروبية هو على مستوى
المضمون ،فالتجربة الوروبية حولت " الحرية " إلى ليبرالية مفتوحة تكاد تقفز
ممارستها فوق شرعة الزواج والعائلة ،والسلم ينبني اجتماعيًا على الخطاب "
العائلي " وليس الفردي وفي ما يقارب % 80من آيات التشريع ولهذا كانت عقوبة
" الجلد " فالزنا هدم للساس العائلي وضوابطه حيث تحول الجنس Sexإلى
. Gender
كما بوتقت التجربة الوروبية والمريكية بالذات النسان في " دهرية "
ضيقة بمعزل عن الرؤية الكونية للنسان وامتداده السرمدي ما قبل الحياة وما بعد
58
ن)جُعو َ حِييُكْم ُثّم ِإَلْيِه ُتْر َحَياُكْم ُثّم ُيِميُتُكْم ُثّم ُي ْ
ل َوُكنُتْم َأْمَواًتا َفَأ ْ ن ِبا ِّف َتْكُفُرو َ الموتَ .كْي َ
- (28البقرة /ج – 1وقصرته على ثنائية ) النسان والطبيعة ( دون البعد
اللهي الثالث في التكوين وهو " البعد الغيبي " الذي ترتبط به هوية النسان
ووجوده ومصيره ككائن مطلق في كون ل متناه في الكبر ول متناه في الصغر ِ .إ ّ
ن
ل ِكْبٌر َما ُهْم ِبَباِلِغيِه صُدوِرِهْم ِإ ّ ن ِفي ُ ن َأَتاُهْم ِإ ْ طا ٍسْل َ
ل ِبَغْيِر ُ ت ا ِّ ن ِفي آَيا ِ جاِدُلو َ ن ُي َ
اّلِذي َ
ق
خْل ِن َ ض َأْكَبُر ِم ْ لْر ِ ت َوا َْسَماَوا ِ ق ال ّ خْل ُصيُر)َ(56ل َ سِميُع اْلَب ِ ل ِإّنُه ُهَو ال ّ سَتِعْذ ِبا ِّ
َفا ْ
ن) – (57غافر – ج . 24 ل َيْعَلُمو َ س َ ن َأْكَثَر الّنا ِ س َوَلِك ّالّنا ِ
وأسست التجربة الوروبية الديموقراطية على " تقنين " الصراعات
وليس على إلغاء الصراع " بالمنطق السلمي ضمن ضرورة دخول الناس إلى
السلم كافة ) ، (64فكرست " الدعاوى " السياسية التي تتخذ معبرًا عبر النتخابات
حَياِة الّدْنَياك َقْوُلُه ِفي اْل َ جُب َن ُيْع ِس َم ْن الّنا ِ للسلطة ثم يكون إهلك الحرث والنسل َ .وِم ْ
لْر ِ
ض سَعى ِفي ا َْ صاِم)َ (204وِإَذا َتَوّلى َ خ َ عَلى َما ِفي َقْلِبِه َوُهَو َأَلّد اْل ِ ل َ شِهُد ا ََّوُي ْ
ق ا َّ
ل ل َلُه اّت ِ ساَد)َ(205وِإَذا ِقي َ ب اْلَف َ
ح ّ ل ُي ِ ل َ ل َوا ُّ سَث َوالّن ْ حْر َ ك اْل َسَد ِفيَها َوُيْهِل َ ِلُيْف ِ
شِري َنْفسَُه ن َي ْس َم ْ ن الّنا ِ س اْلِمَهاُد)َ(206وِم ْ جَهّنُم َوَلِبْئ َسُبُه َ حْلْثِم َف َ
خَذْتُه اْلِعّزُة ِبا َِْأ َ
سْلِم َكاّفًة خُلوا ِفي ال ّ ن آَمُنوا اْد ُ ف ِباْلِعَباِد)َ(207ياَأّيَها اّلِذي َ ل َرُءو ٌ ل َوا ُّضاِة ا ِّ اْبِتَغاَء َمْر َ
ن) - (208البقرة /ج . 2أما العلمانية عُدّو ُمِبي ٌ ن ِإّنُه َلُكْم َ طا ِ شْي َ
ت ال ّطَوا ِ خُ ل َتّتِبُعوا ُ َو َ
فهي قائمة على منع تسييس الدين ولكن دون نفيه من المجتمع ،ومشكلتها ليست مع
الدين ولكن مع الذين ينسبونه لفرض " الحاكمية اللهية " واللهوت .ول شأن
للسلم بهذه الحاكمية اللهية ول باللهوت الذي يفضي إلى محاكم التفتيش وأحكام
الردة والتكفير(65).
قد أسست التجربة الغربية مفاهيم " المجتمع المدني " ومؤسساته كترياق
مضاد حتى ضد مثالب الممارسات الديموقراطية بمنطق " الغلبية " فأوجدت
ضمانات أكثر للنسان لضبط الديموقراطية نفسها .فالديموقراطية دون مؤسسات
المجتمع المدني يمكن أن تفضي لغتيال حقوق النسان فيما سنوضحه عن
التجربة السودانية وسقراط الذي شرب السم.
لو استطعنا تخليص الليات الغربية من مثالبها ،وكذلك تخليص
المفاهيم السلمية من مثالبها ،يمكن الخذ بآليات " شكل " الحكم الديموقراطي
الليبرالي العلماني المدني وتفعيل هذه الليات إسلميًا .
خصوصًا وأن النظمة السلمية الراهنة ،سنية كانت او شيعية تقف
ل دون الفكر والجتهاد ،ول أريد أن أعطي " أمثلة " فأصبحنا نعيش ما بين " حائ ً
الستبداد من فوق " و" الصولية من تحت " حتى رأى البعض أن الخلص في "
العولمة المريكية " دون إدراك لطبيعة هذه العولمة ومثالبها .
قد رفض الدكتور " كمال عبد اللطيف " ) (66من قبل توفيقية " خير
الدين التونسي " ما بين الشورى السلمية والديموقراطية الغربية ،فللشورى
منظومة مرجعية " شرعية إسلمية " تستدعي معها كل مكوناتها ،وللديموقراطية
بنائيتها المفارقة ،فالتونسي – في رأي عبد اللطيف يحطم نسق المرجعيتين معًا "
وكان بإمكان " عبد اللطيف " وهو يملك القدرات الفلسفية والمنهجية أن يعيد قراءة
59
السلم نفسه وبنهج جديد ،إذن لكتشف المقاربة ولكن على غير طريقة " التونسي
"
وعانى " أحمد واعظي ") (67المّرين وهو يتطلع إلى الديموقراطية
والحرية والمجتمع المدني ،فهو يقارب من جهة ويحذر من جهة أخرى .وهكذا
ي حضور وحاكمية في كتب " :ل يترقب في المحتمع المدني أن يكون للدين أ ّ
الميادين المختلفة ،وإنما الميزان لحضور واقتدار الدين فيه مرتبط بمدى نشاط
الجماعات الدينية وتأثيرها على الذهان العامة .المجتمع المدني هو ميدان
منافسة للفئات والفكار والعقائد ،وفي هذه المنافسة لم يجر أخذ أي امتياز خاص
لي فكر أو مبدأ ومذهب خاصين بنظر العتبار ،وكل الفكار والمدارس والعقائد
لديها مجال للمواجهة والمنافسة في ظروف متكافئة .ووفقًا لذلك ففي ظل توسعه
النشاط الجتماعي يظهر النجاح والحضور الفّعال في اجتذاب الذهان العاّمة من
خلل الفئات والتشكلت الدينية والتي يمكنها أن تجعل عملية وضع البرامج
والسياسات واتخاذ القرارات متأثرة بالتعاليم والمبادئ الدينية ،وبالتالي فإن
ل في إطارمساحة تدخل الدين في الساحة الحكومية والسياسية لن يكون ميسرًا إ ّ
ميدان المنافسة والمماسكة هذا ،ل أن هناك " حق أولوية " للدين في هذا المجال
من دون مثل هذه المنافسة .إنه لمثير للتعجب أن تعتبر أطروحة المجتمع المدني
لدى بعض المدافعين عنها مقوية لموقع الدين في المجتمع " :إن المجتمع المدني
ليس بمثابة أمل غير قابل للحصول ،بل هو – كإنجاز بشري – أمر مطلوب
نسبيًا .إن هذا النجاز البشري ليس فقط ل يتعارض وأي تفسير للدين وإنما يمكن
القول بأنه أساس محكم للتدّين الواقعي لدى أفراد وآحاد المجتمع ".
يشتمل هذا الكلم على خطأين في رأي " الواعظي " :
ل لحضور الدين في المجتمع – أوًل :بالرغم من أن المجتمع المدني يعطي مجا ً
ي تفسير للدين مع ل أن هذا ل يعني توافق أ ّ وليس لديه عنصر مواجهة معه – إ ّ
المجتمع المدني ،فهناك تفاسير للدين ل تحتمل التعددية الخلقية والسياسية
للمجتمع المدني كما ول تحتمل الشكاكية الخلقية وتريد الحاكمية للتعاليم والنظام
الخلقي والقيمي الديني في ساحة المجتمع .ومن هنا فالصحيح أن يقال " :
المجتمع المدني ليس محاربًا للدين وهو منسجم مع بعض تفاسيره " ل أن أي
تفسير للدين يتقبل المجتمع المدني بكامل هويته .ويقصد واعظي – الوضعية
والباحة الليبرالية وقد حددنا موقفنا منها.
ثانيًا :إن فكرة المجتمع المدني" محايدة " فيما يتعلق بمسألة تقوية الدين وعدم
تقويته ،فالمجتمع المدني وبالتكاء على لزوم التعددية في الساحات المختلفة يهّيئ
فقط أرضية مساعدة لطرح أي نوع من التوجهات والعقائد كما يعطي الحق في
إرضاء الرغبات وملحقة المنافع المختلفة .فكما أنه يمنح الدين والجماعات
الدينية مجاًل فهو يؤمن أيضًا الرضية للتوجهات والعقائد غير الدينية بل وحتى
ح أن نحسب الحيادية على أنها تهيئة للرضية المضادة للدين .وبتاء عليه ل يص ّ
وتحكيم لمباني الدين والتدّين .
60
ل زال " واعظي " يعيش حالة التذبذبات ولعل لمشكلة " أغاجاري "
المجتهد الصلحي في إيران والذي أراد البعض الحكم عليه بالعدام صداها في
دماغه ،وقد ظهر من بعد ذلك صراع المحافظين القابضين على المحاكم الشرعية
والصلحيين وانعكس على احتجاجات الطلب .
يدرك " واعظي " فيما كتبه الخصائص اليجابية للمجتمع المدني ،بل
إنه خير من كتب في هذا الموضوع بعد الدكتور " علي حرب " ،غير أن خلفية
الواعظي اليديولوجية وبالذات الشيعية التي تلتزم " ولية الفقيه " و " عصمة
الئمة " تحول بين نفسه وعقلنيته ،فلو أعاد " واعظي " التفكير بطريقة منهجنا
لصبح أكثر ارتباطًا بالمجتمع المدني كضمانة للديموقراطية وحرية النسان ،
ويبقى بعد ذلك أن يمارس المسلمون التأثير على كل المجتمع وعلى السلطة بمنطق
الحوار والمثاقفة وليس الكراه والجبرية .
فما المانع أن يمارس المسلمون تأثيرهم وفق ضانات التعبير والحرية
حتى في إطار الشورى والديموقراطية ؟ فرفض المجتمع المدني يصدر عن
أيديولوجية وليس عن معرفية قرآنية ويصدر عن تخوف من طرح السلم
للمناقشات العقلية في اطار التعدد والتنوع الفلسفي.
المجتمع المدني والديموقراطية) ديموقراطية المجلسين (:
ليس من ضمانة للديموقراطية ،وبالذات في المجتمعات المتخلفة
اقتصاديًا واجتماعيًا وفكريًا ) مرحلة ما قبل الصناعة ( والتي تهيمن عليها الولءات
الطائفية والعشائرية سوى الحضور الدستوري الفعال لمؤسسات المجتمع المدني
وقواه الجتماعية الحديثة.
قد نعلم وبالحصائيات التي تميز بين المجتمعات الريفية التقليدية
والمجتمعات الحضرية ،والتي تستخلص من بياناتها حجم القوى الجتماعية الحديثة
داخل المجتمعات الحضرية أن نسبة هذه القوى إلى كلية المجتمع ربما ل تتجاوز
17إلى % 20في أحسن الحالت .
فهذه القوى الجتماعية الحديثة " المدنية " مهزومة حتمًا في أي مباراة
ديموقراطية مع القوى التقليدية بمنطق الصوت الواحد للناخب الواحد والتي تحكم
بمنطق " السلطة المطلقة = الغلبية " وبتجاوز حتى لمضامين الدستور .
هنا ليس سوى قوى " المجتمع المدني الحديث " لضبط اليقاع
الديموقراطي حفاظًا على حرية التعبير وعلى المسار الديموقراطي نفسه.
فقوى المجتمع المدني تحتاج لتكريس مؤسسة دستورية خاصة بها توازي
الهيكل النيابي النتخابي الذي تغمره القوى التقليدية بأغلبيتها الميكانيكية في
المجتمعات المتخلفة .
فالمطلوب في هذه الحالة تأسيس النظام الديموقراطي على مجلسين :
مجلس نيابي على قاعدة الصوت الواحد للناخب الواحد ويناط به " حق التشريع "
لنه يمثل الشعب – ولكنه في الواقع – يمثل القوى التقليدية ول يمكن الحتجاج
على قراراته ديموقراطيًا ومن هنا تبرز النقلبات العسكرية.
61
فلتفادي المواجهة بين قوى المجتمع المدني الحديث والقوى التقليدية ذات
الغلبية الميكانيكية يلزم إعطاء دور دستوري لقوى المجتمع المدني تجنبًا
للنقلبات وتكريسًا للمسار الديموقراطي ،وينتهي هذا المنطق بتأسيس مجلس
دستوري مواز للمجلس النيابي يضم " القوى الفئوية " في المجتمع من نقابات
واتحادات وجمعيات ذات تقل اجتماعي مدني وليس مجرد لفتات وملصقات .
مهمة المجلس الفئوي المدني ترتبط " بحق النقض " لما تصدره الغلبية
التقليدية في البرلمان من قرارات تكون مضادة لصول الديموقراطية حين تجهض
حرية التعبير وتغتال حقوق الفراد والجماعات والمؤسسات .
لهذا وأمام الزمات المتكررة في السودان ،نتيجة لهيمنة القوى التقليدية
باكثريتها الطائفية والريفية على البرلمان واتخاذها من آلية النتخاب الديموقراطي
مطية للوصول إلى " السلطة المطلقة " واغتيالها للديموقراطية دعوت لضرورة قيام
مجلس دستوري فئوي مواز يكون له " حق النقض " وبأغلبية الثلثين ) . (68فمهمة
قوى المجتمع المدني أن تستنفر كل فعالياتها الفئوية في مختلف المساحات
القتصادية والجتماعية الحديثة التي تسيطر عليها لفرض مجلسها الموازي على
البرلمان التقليدي .
زيف الديمقراطية والقضاء الثيني:
لماذا رفض سقراط "الستئناف" وشرب السم؟!
يتغنى كثير من الناس ،إلى يومنا هذا ،بديمقراطية أثينا اليونانية القديمة حوالي
القرنين الرابع والخامس قبل الميلد بوصفها "النموذج الرقي" :للشورى /وتبادل
الرأي /وتداول السلطة.
غير أن هؤلء ل يتوقفون لدى الحكم القضائي الصادر بحق أحكم حكماء اليونان
وهو "سقراط" ) 399 – 469ق.م( بشرب السم إلى الموت .ولم يكن مصدر الحكم
على سقراط هو سخريته من "آلهة" اليونان ،فكثيرون قد سخروا منها دون أن ُيحكم
عليهم ،بل أن مصدر الحكم هو إدانته "لسلطة الرعاع" و"مرجعيتهم" الدستورية
باسم الديمقراطية.
فديمقراطية أثينا لم تكن تقوم على "المساواة السياسية" بين مواطنيها البالغ عددهم )
(400ألف – أربعمائة ألفًا – فمن أصل هذا العدد هناك حوالي ثمانين ألفًا من
"العبيد" المملوكين كسلع وأدوات "آدمية" لطبقة كاملة من التجار ومالكي السفن.
ل بعد جيل ،وليس من حقه المشاركة في وهناك من وفد إلى المدينة واستقر بها ،جي ً
"الكسيليزيا" أي "الجمعية العامة" -فهؤلء يماثلون ) البدون ( في الكويت -والتي
تقتصر عضويتها على المواطنين الحرار" وحتى هؤلء من المواطنين الحرار
الذين يبلغ عددهم ) (150ألفًا لم تكن سوى قلة منهم قادرة على المشاركة.
لهذا تحّول النظام السياسي للحكم في أثينا إلى "نظام فوضوي" يسيطر عليه
"الرعاع" باسم الستحقاق الديمقراطي والمواطنية الحرة ،حتى أن المحكمة العليا
"الديكاستيرا" كانت تتألف من أكثر من ألف )(1000عضو ،وكل عضو قاض،
ويتم اختيار هؤلء تبعًا لقائمة "المواطنين الحرار" وتبعًا للتسلسل البجدي في
62
السماء .وقد سخر أحدهم من ذلك النظام القضائي وبرره بقوله" :قضاتنا يبلغون
اللف حتى تتعذر الرشوة".
أصدرت المحكمة العليا "الديكاستيرا" حكمها بالعدام على سقراط ،لنه "إصلحي"
أكثر من اللزم و"يفسد أفكار الشباب خاصة" بنقده لنظام الحكم من جهة وآلهة
اليونان التي تنسب لها "العصمة" من ناحية أخرى.
وكما جرت العادة فهناك "استئناف" مسموح به للمحكوم عليهم قبل تجرعهم السم،
وقد حاول "كريتو" المكلف بإعداد السم لسقراط دفع سقراط للتماس الستئناف،
غير أن سقراط قد رأى في طلبه الستئناف "إعترافًا بشرعية نظام حكم الرعاع" في
"الديكاستيرا" فرفض ذلك وتجرع السم.
لم تكن مشكلة النظام اليوناني مع الذين ينتقدون اللهة بل أكثر مع الذين ينتقدون
"النظام" ،فكثيرون كانوا ينتقدون اللهة حتى من قبل سقراط وأثناء حياته وبعدها
ولم تصدر بحقهم الحكام ،مثال "أنتيثيناس " و"أربستيبيوس" وليس انتهاء بمادية
"ديمقرطيس" والذي قال بأنه ل يوجد في الحقيقة شيء في هذا الكون سوى "الذرات
والفراغ"! ولكن العقوبة سرعان ما تسلط على من ينتقد "النظام" ،والمحكمة العليا
"الديكاستيرا" بالذات وقضاتها "اللف" الذين كانوا يصادرون حتى قرارات
"الكسيليزيا" أو "الجمعية الوطنية" أو مجلس "الشورى" أو "البرلمان".
مجتمع الطاعة والعبيد:
بمعزل عن الدعاوى الديماغوغية الغوغائية التي اكتسبتها زورًا الديمقراطية
اليونانية ومجالسها "الشورية" فقد كان قيام المجتمع الثيني على "الطبقية" ) أولي
المر فيكم( واضطهاد "ثمن" عددية السكان من العبيد هو "الساس اليديولوجي"
للستبداد السياسي ومصادرة الخر ،تعبيرًا ورأيًا.
فليففس المهففم هففو "الشففكل" الشففوري للنظمففة السياسففية ولكففن المهففم هففو
"الساس اليديولوجي" الجتماعي والمفهومي الذي ُتبنى عليففه ،و"نوعيففة" القففائمين
على "أمر النظفام" ،فالسفاس اليفديولوجي الثينفي كفان "عبوديفًا" يففرض الطاعفة
ويفترضها على أحراره "أيديولوجيًا" كما على عبيدة "طبقي فًا" ولهففذا تجففرع سففقراط
السم ورفض "الستئناف" .لهذا قلنا بضرورة ايجاد دور دستوري للمجتمع المدني .
بالطبع هناك سوابق لديموقراطية المجلسين ،ففي بريطانيا مجلس للعموم
ومجلس للوردات ،وفي أمريكا مجلس للنواب ومجلس للشيوخ ،غير أن تكوين
المجلسين " اللوردات" في بريطانيا و " الشيوخ " في أمريكا ل يؤديان أهداف
المجتمع المدني إن لم يكونا يناقضانه ،لهذا ل يمكن استعارة هذه الثنائية في
مجتمعاتنا التي تحتاج ديموقراطياتها إلى دور فعال للمجتمع المدني.
وقد كان السودان يحكم وفق دستور 1956م ) المؤقت ( بمجلسين
للنواب والشيوخ غير أن القوى الطائقية والتقليدية ما لبثت أن انقلبت على هذا
الدستور وألغت بأغلبيتها الميكانيكية وسلطتها " المطلقة " – " فوق الدستور " هذا
المجلس لن المادة 44من الفصل الخامس تجيز لمجلس الشيوخ " حق رفض
مشاريع القوانين التي يجيزها مجلس النواب" وقد ألغي هذا المجلس فقط لن لديه
صلحية مراجعة قرارات البرلمان ،ثم دخل السودان في متاهات دستورية وصلت
63
إلى " تشريع لهوتي " طرد بموجبه نواب منتخبون من داخل البرلمان بعد اتهامهم
باللحاد ،فعدلت مادة مؤهلت العضوية رقم ) ( 46والتي تكفل حرية تكوين
الحزاب والهيئات لتقيدها إلى اليمان بال وذلك بتاريخ 18/11/1965م وطرد
بموجب ذلك أحد عشر نائبًا منتخبًا بتاريخ 8/12/1965م وحين أصدرت المحكمة
العليا قرارها القاضي ببطلن هذه الجراءات البرلمانية التعسفية بتاريخ
22/12/1966م وهي الجهة المناط بها تفسير الدستور رفض مجلس الرئاسة
الحكم وأصدر بيانًا بتاريخ 19/4/1967م يدين فيه حكم المحكمة العليا مما دفع
رئيس القضاء لتقديم استقالته بتاريخ 17/5/1967م وهكذا فتح الطريق لنقلب
نميري في 25/5/1969م وقد قيل أنه انقلب ضد " الديموقراطية " وفي الحقيقة
كان انقلبًا ضد " النيابة الريفية التقليدية " ولكنه كان البديل السوأ في تاريخ
السودان كله.
فضمانة الديموقراطية هي في وجود المجلس الفئوي الموازي الذي يملك
صلحيات النقض لمثل ما صدر من قرارات لهوتية ،وحفاظًا على الديموقراطية
نفسها ول زال هذا موقفي حتى اليوم.
إن عصرنا الراهن – كما ذكرنا – هو عصر الدولة " الوطنية " وليس "
الثيوقراطية " ،وهو عصر آخذ بالتعددية والحتكام للرأي في نطاق الحرية .وحين
بشر ال بظهور " الهدى ودين الحق " فإن البشارة اتجهت الى " المنهج الفكري "
– الهدى ودين الحق – ولم يستخدم ال اظهار " السلم " مع ان الهدى ودين الحق
يستند الى السلم وكونية القرآن فليس من هدى ودين للحق خارج القرآن كما بينا
في اسلمية المعرفة .
لم يشر ال لهذا الظهار رجوعًا الى الجهاد وشرعة السيف التي شرحنا
ل وحوارًا مع كافة المناهج إطارها في تشكيل " المة الوسط " وإنما جعلها جدا ً
المعرفية والنساق الحضارية ،كما أوضحنا في سورة ) التوبة -اليتان –
- 32/33ج ( 10وفي ) الفتح – الية – ( 28وفي ) الصف – اليتان 8و
.( 9
لم يقل ال ليطفئوا نور ال بغزوهم واسلحتهم وإنما بأفواههم إشارة إلى
الفلسفات والفكار ،فالمدافعة هنا بالمنطق والحجة بعد انقضاء مرحلة النبوة
والرسالة الخاتمة وشرعة السيف في المة الوسط .
والحوار يحتاج إلى حرية ومجتمع مدني إذ أن أولى الضرورات ومن
قبل الحوار مع الخرين تأسيس القواعد المنهجية الجديدة لعادة فهم الدين نفسه
وتحديد خطابه في موازاة مجتمع يأخذ بضوابط المنهجيات المعاصرة .فالمطلوب
هو إعادة قراءة التراث وتصحيحه ،وإعادة قراءة منهجيات الغرب ،وبذلك يكون
حوار " الفواه واللسنة والعقول " لظهار الهدى ودين الحق (69).
كان بإمكان ال أن يقول " إظهار السلم " – ليظهر السلم على الدين
ل ِمْنُه َوُهَو ِفي
ن ُيْقَب َ
لِم ِديًنا َفَل ْسَلْ غْيَر ا ِْ
ن َيْبَتِغ َ
كله ،فالسلم هو دين الحق َ .وَم ْ
سَلَم
ن َأ ْ
ن ِديًنا ِممّ ْ
سُ حَن َأ ْن) – (85آل عمران /ج .3وكذلكَ :وَم ْ سِري َخا ِ
ن اْل َ
خَرِة ِم ْلِاْ
ل)– (125 خِلي ً
ل ِإْبَراِهيَم َ خَذ ا ُّ
حِنيًفا َواّت َ
ن َواّتَبَع ِمّلَة ِإْبَراِهيَم َسٌحِ ل َوُهَو ُم ْجَهُه َِّو ْ
64
ت َلُكمْ ضي ُ عَلْيُكْم ِنْعَمِتي َوَر ِ ت َ ت َلُكْم ِديَنُكْم َوَأْتَمْم ُ النساء /ج . 5وكذلك :اْلَيْوَم َأْكَمْل ُ
حيٌم)– (3 غُفوٌر َر ِ ل َ ن ا َّلْثٍم َفِإ ّ
جاِنفٍ ِ غْيَر ُمَت َ صٍة َ خَم َ طّر ِفي َم ْ ضُ نا ْ لَم ِديًنا َفَم ْ سَ لْ ا ِْ
ل أن يريد البعض المزايدة على الكتاب فقد المائدة /ج .6هذا هو منطق الكتاب إ ّ
أراد ال التوجه نحو " المنهج – الهدى ودين الحق " وليس نحو المسمى وذلك
لتجاوز العصبويات اليديولوجية التي تقود إلى صدام الحضارات وصراع الديانات
ومن هنا طرحنا " الرؤية الكونية " و " الجدلية الثلثية – الغيب والنسان والطبيعة
" كمرادف فلسفي " لسلمية المعرفة " ،وبّينا بذات الوقت ضرورة المرجعية
القرآنية ككتاب كوني مطلق معادل لمطلق النسان وللوجود الكوني وحركته.
فاسلمية المعرفة " مرحلة " يستوثق فيها المسلمون من دينهم " السلم
ل عالميًا للهدى ودين الحق كمنهج " ولكن من بعد إعادة القراءة ،ثم تكون مدخ ً
ل أن يعمد ال لستبدال هذه المة بغيرها كما هدد الميين العرب حيث كوني .إ ّ
تباطأو عن " النفرة " .كما هدد السيد المسيح عيسى بني اسرائيل حين ادعوا أن ال
لهم من دون الناس لنهم أبناء ابراهيم فقال لهم إن ال قادر على أن يخلق من
الحجارة أبناء لبراهيم.
فالحوار هو مدخل اسلمية المعرفة وليس الجهاد ،كما أن اسلمية
المعرفة ل تدمغ أي مسلم بالتكفير أو التجهيل ،بل ول تدمغ يهودي أو نصراني
بذلك ،فال – نفسه – سبحانه وتعالى قد عاتب النصارى واليهود على تكفيرهم
س ْ
ت ت اْلَيُهوُد َلْي َ بعضهم لبعض ،مشيرًا إلى أنهم يتلون الكتاب بما يمنع التكفيرَ .وَقاَل ْ
ن اْلِكَتا َ
ب يٍء َوُهْم َيْتُلو َ ش ْ عَلى َ ت اْلَيُهوُد َ س ْ صاَرى َلْي َ ت الّن َ يٍء َوَقاَل ْ ش ْ عَلى َ صاَرى َ الّن َ
حُكُم َبْيَنهُْم َيْوَم اْلِقَياَمِة ِفيَما َكاُنوا ِفيِه ل َي ْ ل َقْوِلِهْم َفا ُّن ِمْث َل َيْعَلُمو َ ن َ ل اّلِذي َ ك َقا ََكَذِل َ
ن) – (113البقرة /ج .1وليس من دالة قرآنية على منع تكفير النصارى خَتِلُفو َ َي ْ
والمسيحيين أكبر من هذه الية وخصوصًا قد قارب ال بين منطق تكفيرهم لبعضهم
ومنطق الذين ل يعلمون حيث قالوا مثل قولهم بأنهم ليسوا على شيء مطلقًا.
وفي إطار هذه الية " المحكمة " تتجه الدانة اللهية لما اخذ من تحريف
ودس على أصول التوراة والنجيل ،فالدانة للتحريف وليس لصل اليمان
ن َقاُلوا ِإنّ ا َّ
ل المسيحي واليهودي حيث الكفر " مبالغة " و " غلو " َ .لَقْد َكَفَر اّلِذي َ
ن َمْرَيَم ح اْب َسي َك اْلَم ِن ُيْهِل َن َأَراَد َأ ْ شْيًئا ِإ ْ
ل َ ن ا ِّ ك ِم ْ ن َيْمِل ُل َفَم ْن َمْرَيَم ُق ْ ح اْب ُسي ُ ُهَو اْلَم ِ
شاُء ق َما َي َ خُل ُ
ض َوَما َبْيَنُهَما ي ْ لْر ِ ت َوا َْسَماَوا ِ ك ال ّ ل ُمْل ُجِميًعا َو ِّ ض َ لْر ِ ن ِفي ا َْ َوُأّمُه َوَم ْ
عَزْيٌر اْب ُ
ن ت اْلَيُهوُد ُ يٍء َقِديٌر) – (17المائدة /ج .6وكذلكَ :وَقاَل ْ ش ْ ل َ عَلى ُك ّ ل َ َوا ُّ
ن َكَفُروا ل اّلِذي َن َقْو َضاِهُئو َ ك َقْوُلُهْم ِبَأْفَواِهِهْم ُي َ ل َذِل َن ا ِّح اْب ُ سي ُصاَرى اْلَم ِ ت الّن َ ل َوَقاَل ْ ا ِّ
ن ا ِّ
ل ن ُدو ِ حَباَرُهْم َوُرْهَباَنُهْم َأْرَباًبا ِم ْ خُذوا َأ ْ ن)(30اّت َ ل َأّنى ُيْؤَفُكو َ ل َقاَتَلُهْم ا ُّ ن َقْب ُِم ْ
عّماحاَنُه َ سْب َ
ل ُهَو ُ ل ِإَلَه ِإ ّ
حًدا َ ل ِلَيْعُبُدوا ِإَلًها َوا ِ ن َمْرَيَم َوَما ُأِمُروا ِإ ّ ح اْب َسي ََواْلَم ِ
ن) – (31التوبة /ج .10فما اتوا به من " كفر "ضاهاه ال بميزان كفر شِرُكو َ ُي ْ
مماثل إشارة إلى الذين قالوا إن ال – سبحانه – هو ذات المسيح وليس فقط ابنه
.فاليهود قد بالغوا في التنزيه ،والمسيحيون في التجسيد ،في حين أن ال يرد
التنزيه المطلق إلى " الذات اللهية " و " عالم المر " إذ ) ليس – ك – مثله
شيء ( .فصفات الشيئية ل تنطبق على ذاته المنزهة .ولم تقل الية " :ليس مثله
65
شيئًا " فيكون شيئًا في ذاته ولكن ل مماثل له في شيئيته فأتى /بالكاف /ليس كمثله
شيء .ثم استخدم " التشبيه " من عالم الصفات ) وهو السميع البصير ( وليس
التجسيد ،فالصفات هنا " مقدسة " ليست كصفات البشر من حيث السمع والبصار
ل َلُكْم ِم ْ
ن جَع َض َ لْر ِ ت َوا َْ سَماَوا ِ طُر ال ّ ومن ذلك تكليم ال لموسى من وراء حجابَ :فا ِ
سِميُع يٌء َوُهَو ال ّ ش ْ س َكِمْثِلِه َ جا َيْذَرُؤُكْم ِفيِه َلْي َ لْنَعاِم َأْزَوا ً ن ا َْ جا َوِم ْ سُكْم َأْزَوا ً َأْنُف ِ
ك ِم ْ
ن عَلْي َصَناُهْم َ ص ْ ل َقْد َق َ سًصيُر) – (11الشورى /ج .25وتكليم موسىَ :وُر ُ الَب ِ
سى َتْكِليًما) – (164النساء /ج . 6 ل ُمو َ ك َوَكّلَم ا ُّ عَلْي َ
صُهْم َ ص ْ ل َلْم َنْق ُ سً ل َوُر ُ َقْب ُ
فالتكليم قدسي ل يصدر عن " لسان " وكذلك الخلة في حال إبراهيم فهي قدسية ول
سٌ
ن حِ ل َوُهَو ُم ْ جَهُه ِّ سَلَم َو ْ ن َأ ْن ِديًنا ِمّم ْ سُحَ ن َأ ْ تعني " الحلول " في ذات إبراهيم َ .وَم ْ
ل) – (125النساء /ج .5 خِلي ًل ِإْبَراِهيَم َ خَذ ا ُّ حِنيًفا َواّت َ َواّتَبَع ِمّلَة ِإْبَراِهيَم َ
فالذين يكّفرون المسلمين الن من غلة الصوليين والمتطرفين ،
ويدمغونهم كما يدمغون الحضارة الغربية ) المسيحية والعلمانية ( بالجاهلية ،عليهم
أن يعيدوا تدبر القرآن ،فالنصارى على شيء من اليمان وما يغالون فيه هو كفر
محدد ،واليهود على شيء من اليمان وما يغالون فيه هو كفر محدد ،والكفر
مغالة وظلمة عقل دامس ،والصوليون المتطرفون لو تدبروا القرآن لدركوا أن
فيهم كفرًا وليس في الخرين ،فل يبقى لهم من اليمان إل أنهم على " شيء " منه
تمامًا كحال اليهود والنصارى .وبهذا " الشيء " الذي بقي للصوليين من السلم
نهرع الى محاورتهم إذا جنحوا للمنطق كما نحاور اليهود والنصارى حتى يظهر ال
الهدى ودين الحق على الدين كله.
ومع ضرورة التمييز القاطع بين " المشركين " وهم " نجس " وبين
المؤمنين من النصارى واليهود الذين هم على " شيء " وإن لم يكن مطلقًا .فقد ميز
ال تمييزًا قاطعًا بين المؤمنين من الكتابيين وبين المشركين ،وأدرج في طوائف
صاَرى ن َوالّن َ صاِبِئي َن آَمُنوا َواّلِذينَ َهاُدوا َوال ّ ن اّلِذي َالمؤمنين الصائبة والمجوس ِ :إ ّ
يٍءش ْ ل َ عَلى ُك ّ ل َ ن ا َّ ل َبْيَنُهْم َيْوَم اْلِقَياَمِة ِإ ّصُ ل َيْف ِ ن ا َّ شَرُكوا ِإ ّ ن َأ ْس َواّلِذي َ جو َ َواْلَم ُ
شِهيٌد) – (17الحج /ج . 17وقدر ال أن يمد رحمته ومغفرته لكل من آمن ولو " َ
ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َ
ن شَر َ ن ُي ْل َيْغِفُر َأ ْ ل َ ن ا َّ على شيء " واستثنى المشركين فقط ِ .إ ّ
ظيًما) – (48النساء /ج .5 عِ ل َفَقْد اْفَتَرى ِإْثًما َ ك ِبا ِّ شِر ْ ن ُي ْ شاُء َوَم ْ ن َي َ
ك ِلَم ْ
َذِل َ
ك ِبا ِّ
ل شِر ْ ن ُي ْ شاُء َوَم ْ ن َي َك ِلَم ْ
ن َذِل َ ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َ شَر َ ن ُي ْ ل َيْغِفُر َأ ْل َ ن ا َّ وكذلكِ :إ ّ
طاًناشْي َ ل َ ن ِإ ّعو َ ن َيْد ُ ل ِإَناًثا َوِإ ْ
ن ُدوِنِه ِإ ّ ن ِم ْ عو َن َيْد ُ ل َبِعيًدا)ِ(116إ ْ لً ضَ ل َ ضّ َفَقْد َ
َمِريًدا) -(117النساء /ج .5
مميزات المجلسين :
قد أوضحنا مأساة سقراط الذي اتهم بإفساد عقول الشباب وتنكره لللهة فحكم عليه
بالموت بتجرع السم ،وقبل ذلك ورفض الستئناف .ذلك كان حكم " أغلبية " ونهج
" ديموقراطي " لهذا فإن الديموقراطية تحتاج إلى " ضمانة " تكفل حقوق الناس
وحرياتهم وليس من ضمانة سوى قوة المجتمع المدني بالرغم مما ذكره " الواعظي
" فمثالب " الواعظي " تكمن في عدم قدرته على رؤية الجانب الخر في المنظومة
66
السلمية المنهجية لنظام الحكم ،إذ حاور مفاهيم المجتمع المدني تأسيسًا على
مفاهيم نظام الحكم الراهن في إيران .
والمشففكلة نفسففها تجففاه المجتمففع المففدني والعلمانيففة قائمففة فففي السففودان ،فالدولففة
السودانية – الن –ثيوقراطية آخذة بمفهوم " الحاكمية اللهية " ول تمارس " حقوق
المواطنية المتكافئة دستوريًا -وليففس فففي دسففتورها السففلمي نصوص فًا تكفففل حففق
المعارضة والحتجاج -و " مفهوم " أهل الذمة " راسخ في ل وعيها ،فتصريحات
السففلطة السياسففية عففن " التعدديففة " تصففريحات مموهففة ،ومبففدأ الحريففة يصففطدم
برؤيتها اللهوتية الحادية ،غير أنها ل تحس بالمشكلة وضرورة طرحها كإشففكالية
كما يحففس " العظمففي " ولهففذا طرحففت " علمانيففة العاصففمة القوميففة فففي السففودان
ضرورة إسلمية " .
يختصففم الفريقففان – حكومففة النقففاذ وحركففة قرنففق – علففى "علمانيففة"
الخرطوم أو "تّدينها" بوصفها عاصمة "قومية" حيفث مرتكفزات الدولفة "التحاديفة"
ومؤسساتها "الدستورية العليا".
بهذا المنطق يرى الدكتور "قرنق" أن تكون الخرطوم "ملكًا للجميع" ،وبما أن
البعض من هذا الجميع من بين الجنوبيين خاصة غير ملتزم بالدين السلمي
وشريعته فالمطلوب هو علمانية العاصمة الخرطوم بحكم "قوميتها".
وخلفًا لهذا المنطق يرى فريق "النقاذ" أن الخرطوم هي بالساس "شمالية" بما
يرادف "مسلمة عربية" أو حتى مسلمة عربية وإفريقية .وبالتالي ل مجال فيها
للعلمانية ،على أن يعيش فيها العلمانيون ولكن مع "مراعاة آدابها" وأن يمارسوا
بحريتهم الكاملة ما يريدونه من العلمانية في عاصمة الجنوب "جوبا" .فما يرفضه
ل وجنوبًا هو تطبيق الحدود وبالذات ما يختص منها العلمانيون في السودان شما ً
بالجلد والرجم وقطع اليدي والطراف والتي بينا أنها حدود ل شرعية لها في
السلم باستثناء جلد الزاني حيث يتعذر اثبات الزنا وحتى فيما نسب للرسول
) زورًا ( من تطبيق لحد الزنا فإنما جاء نتيجة ) اعتراف طوعي ( – فيما يزعمون
– للزناة وليس بالشهادة عليهم وهكذا كذبوا ول زالوا يكذبون.
ويرفض دعاة العلمانية في السودان الخذ بمرجعية النقاذ وأحكامه في
الرقابة على "الفكر" و"السلوك العام" ،ويتخذون – عوضًا عن ذلك – من المواثيق
الدولية لحقوق النسان مرجعية لهم.
هؤلء "يحييدون" الدين عن السياسة وليس عن المجتمع بمنطق الفيلسوف
الفرنسي المؤمن "فولتير – ،"1778 / 1694فقد كان من أشد المؤمنين بال –
سبحانه ،ومن أشد الناس خصومة للكتابات "اللحادية" ولهذا قدم نقدًا لكتابات
"سبينوزا" التي "أّلهت الكون" فاتهمه باللحاد السخيف في كتابه "الفيلسوف
الجاهل".
غير أن فولتير كان يكره "الكهنة" وما وضعوه من "لهوت" يخرق أبسط مقولت
العقل ،ولهذا قال قولته المشهورة" :إن اللهوت هو ثمرة لقاء أول كاهن )محتال(
بأول )أحمق( من البشر" .ولهذا رفض القيام بطقوس "العتراف الكاثوليكي" لدى
ل من ذلك العبارة التالية" :أموت على عبادة ال، احتضاره بين يدي قسيس وأملى بد ً
67
ومحبة أصدقائي ،وكراهية أعدائي ،وّمقتي للخرافات والحكام والساطير )الدخيلة(
على الدين – الوفاة مع الورقة – تاريخ 28فبراير 1778م .وبالطبع رفضوا دفن
جثمانه في مدافن المسيحيين قبل عام من اندلع الثورة الفرنسية.
تلمذة فولتير من مثقفي الشمال السوداني "يحييدون" الدين عن "السياسة" ولكنهم
يبقون عليه في "المجتمع" .وكذلك "قرنق" ل يستطيع منع "عبادة الرواح
والسلف" حتى في عاصمته العلمانية في "جوبا".
وهؤلء خير من "الوضعيين" أو تلمذة "أوجست كونت – (1857 / 1798الذي
عمد "لطرد" الدين من "المجتمع" والعقل البشري وطرد كل تفكير ميتافيزيقي ورائي
ما فوق الطبيعة ،على أساس أن تطور العقل النساني ينتهي إلى "الوضعية" من بعد
"الخرافة الدينية" ثم التأملت الماورائية في الطبيعة.
ليس في السودان تلمذة لوجست كونت ،وحتى الذين يدعون الشيوعية يصلون
ويصومون ،فالطبع يغلب التطبع ،ومعظم الشيوعيين في السودان يذهبون إلى الحج
والعمرة بعد سن الستين ،أو حين يتحولون إلى رأسماليين ،فهم أقرب إلى الخذ
بمفهوم "جدل الواقع" في التناقضات والصراعات الجتماعية منهم إلى "المادية
الجدلية" .وبالذات أمينهم العام الستاذ "محمد إبراهيم نقد" .وقد كان "عبد الخالق
محجوب" المين العام السابق والذي أعدم إثر انقلب 19يوليو " 1971مثقفًا
سياسيًا" أكثر منه "عقائديًا )رحمه ال(.
إذن ليس هناك رفض بمنطق العلمانية للدين في المجتمع ،ل في العاصمة القومية
الخرطوم ،حيث يصلي الشيوعيون ول حتى في "جوبا" حيث تسيطر روح السلف
وعبادة الرواح.
ولكن الرفض وكل الرفض هو للكيفية التي "وظف" بها الدين "سياسيًا وسلطويًا"،
بحيث تم تحويل الدين من كونه معرفة بال – سبحانه – وبأحكامه وعبادة له ،إلى
"أيديولوجيا" مهمتها "السيطرة" على البشر من أجل "السلطة" ،وتعبيد الناس
للسلطة وليس ال – سبحانه وتعالى ،وفرض أحكام الردة والتكفير وكل ما في
الشرعة اليهودية من " إصر واغلل " على المسلمين.
فالصراع الحقيقي ليس بين العلمانيين والدين ولكنه صراع بين كل الناس وأولئك
الذين تحّولوا بالدين إلى أيديولوجية سلطوية يعّبدون بموجبها الناس لهم .فالذين
يؤدلجون الدين سياسيًا إنما "يسلطنونه" – من تسلط – ويتحولون به إلى "أحكام
سلطانية" تعزز حاكميتهم هم على حساب "حاكمية الكتاب – القرآن" المرتبطة
بحاكمية البشر وحرية الرأي وتفعيل الوعي الثلثي )السمع والبصار والفئدة ( .إذ
دائمًا نجد التلزم الفقهي عبر التاريخ ما بين أدلجة الدين سياسيًا لصالح السلطة
وما بين الخذ بشرائع الصر والغلل التي تضيق مساحات السلوك الجتماعي
والحرية العقلية بالنسبة للمؤمن ،بحيث تفرض في النهاية الطاعة العمياء للنظمة
التي تتلبس الدين.
أمام هذا الواقع المرير الذي سكب فيه مداد الدين "الطاهر" في قارورة اليديولوجيا
السلطوية "النجسة" فل مهرب للعقلنية السلمية وتعّبدها إل إلى "العلمانية"
و"الليبرالية" حيث "تحتمي" بهما من شرائع الصر والغلل .ولهذا فإن علمانية
68
الخرطوم وليبراليتها "مخرج ديني" و"دار لجوء" لمن ينشدون "الهدي ودين
الحق" وذلك بالرغم من مآرب بعض العلمانيين ،والليبراليين لجعلها "مفسدة"
والمجتمع المدني كفيل بتطويق مثل هذه النزعات .
بل إن شرائع "النقاذيين" في الخرطوم ،عدا كونها شرائع إصر وأغلل ،فإنها
شرائع ل تقر حتى "حقوق الحتجاج" و "المعارضة" لكل ما يخالف رأيها فليس في
الدستور " السلمي " السوداني مادة واحدة تقر " حقوق الحتجاج " ،عدا تحولها
بالقتصاد إلى "نهج ربوي" بمنطق "المرابحة" ،وتحولها بحاكمية الكتاب القرآني
إلى حاكمية "حزب" من فوقه" طبقة".
مقابل ذلك فالعلمانية خير وبركة ورحمة إلى أن يظهر ال – سبحانه – الهدي ودين
ل(70). الحق على الدين كله ،وكفى بال وكي ً
قد قبل يومًا لحد علماء المالكية في المغرب وقد استجلب كلبًا لحراسة داره أما تعلم
أن المام مالك قد نها إل عن كلب الصيد ،فقال :لو حضر المام مالك – رضوان
ال عليه – زماننا هذا لستجلب أسدًا .وكذا "العلمانية" فهي "أسدنا" إلى أن يهدي
ال – سبحانه – قومنا .
خاتمة :
وليس من ختام مسكي سواء أن نأتي بخطبة الوداع ) (71التي أطلق
خاتم الرسل والنبيين الخطاب فيها لكل الناس ،وهي مقدمات " الدستور " للناس ،
وقد وجه الرسول خطابه للناس من على جبل " عرفات " في العام العاشر للهجرة
– ) 632-631م ( وقبل التحاقه بعد وفاته بالمل العلى بعام واحد أو أقل من
ذلك .
" أما بعد أيها النــاس :اسمعوا منففي أبيففن لكففم ،فففإني ل أدري لعلففي ل ألقففاكم بعففد
عامي هذا ،في موقفي هذا .
أيها الناس ! إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم ،
كحرمة يومكم هذا ،في شهركم هذا ،في بلدكم هذا .أل هل بلغت ؟ اللهم فاشهد.
فمن كانت عنده امانة فليؤّدها إلى من ائتمنه عليها .وإن ربا الجاهلية موضوع ،
ولكن لكم رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون .قضى ال أنه ل ربا .وإن اول
ربا أبدأ به ،ربا عمي العباس بن عبد المطلب .وإن مآثر الجاهلية موضوعة ،غير
السدانة والسقاية.
ن أن ل أما بعد أيهففا النففاس ! إن لنسففائكم عليكففم حقفًا ولكففم عليهففن حففق :لكففم عليهف ّ
يففوطئن فرشففكم غيركففم ،ول يففدخلن أحففدًا تكرهففونه بيففوتكم إل بففإذنكم ،ول يففأتين
ن فــي المضــاجع ، ن وتهجروهـ ّ بفاحشة ،فإن فعلن ،فإن ال قد أذن لكم أن تعضلوه ّ
ن ضــربًا غيــر مــبّرح ،فإن انتهيففن وأطعنكففم ،فعليكففم رزقهففن وكسففوتهن وتضربوه ّ
بالمعروف .واستوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عوان ،ل يملكففن لنفسففهن شففيئًا
ن بكلمففة الف ،فففاتقوا الف فففيوإنكم إنما أخذتموهن بأمانففة الف ،واسففتحللتم فروجهف ّ
ن خيرًا .أل هل بلغت ؟ اللهم فاشهد .. النساء واستوصوا به ّ
أيها الناس ! إنما المؤمنون إخوة ،ول يحل لمرئ مال أخيه إل عن طيب نفس منه
.أل هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ..
69
أيها الناس ! إن ربكم واحد وإن أباكم واحد .كلكم لدم ،وآدم من تراب .أكرمكم
عند ال أتقاكم ،وليس لعربي على عجمي فضل إل بالتقوى .أل هل بلغت ؟ اللهم
فاشهد .قالوا :نعم .قال :فليبّلغ الشاهد الغائب".
فالخطاب للبشرية جمعاء ،ووجففه للنففاس ولففم يحففدثهم عففن خلفففة تعقبففه ،ول عففن
نظامها السياسي ولففم يتطففرق لعقوبففات إصففر وأغلل وحففتى الجلففد لففم يففذكره بففل "
العضال" وقد قال لهم ) ل أدري لعلي ل ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا ( .
علنا بهذا " الموجز " مففن الطففرح نكففون فففد أدركنففا معنففى " الرؤيففة الكونيففة " ومففا
للغيففب اللهففي مففن جدليففة يتفاعففل بهففا مففع النسففان والكففون وفففق منهجيففة معرفيففة
للقرآن ،تنفذ إلى تفاصيل وجودنا وما نحففن فيففه مففن صففراعات مففع اللهففوت الففذي
يعشعش في داخلنا و " الوضعية "و" الل أدرية " التي انتجفت " العولمفة المعاصفرة
ل في كونية القففراءة ، " ضد كل القيم النسانية فل يكون خلصنا وخلص البشرية إ ّ
وهذا جوهر " أسلمة المعرفة " (72).
وهي " أسلمة " دفعتنا عبر منهجنا لتبني " العلمانية " في تأسيس الدولة لن
العلمانية ضمانة لقصاء " الحادية " والتسلط الكهنوتي .
ولكن دون تحّول العلمانية من ضابط سياسي إلى فلسفففة اجتماعيففة لتماثففل الوضففعية
بالكيفية التي ابتدرها " اوجست كونت " وبنى عليها انجلز مففاديته الطبيعيففة وأحالهففا
إلى النسان ،لن العلمانية تتيح " التعددية " ليمارس كل منا عقيدته ويجسد تمثلتففه
الملتزمة بشريعته في إطففار الدولففة الوطنيففة غيففر الثيوقراطيففة ودون تففدخل الدولففة.
وننصح في هفذا الطفار بفالقراءة النقديففة الفتي اجراهفا ) أحمفد واعظفي ( للعلمانيفة
والليبرالية والتعددية في إطار ) المجتمع الديني والمدني ( .
فأنظمة الخلفة السلمية لم تترجم مفهوم القرآن لولى المر ) منكم ( إلى اختيار
سياسي حر ،ولم تربط ) الشورى ( بالمبدأ الجتماعي والقتصادي لمنظومة "
الدخول في السلم كافة " كما أن مرحلتها كانت سابقة في التعامل التاريخي مع مبدأ
" المواطنة المتكافئة " إذ كان أساس الفرز بين الناس يقوم على الدين .وإن كان
الفرز في دولة السلم أخف كثيرًا في معاناة " أهل الذمة " مما كان عليه حال
التغاير لدى المبراطوريات المسيحية كما أوضح دكتور " جورج قرم.
قد ختم الرسول حياته بخطاب لم يوجه للمؤمنين ،ول للمسلمين ،ولكن للناس
كافة ،حّرم فيه الضعف المضاعف من ربا الجاهلية ،وأكد على اليمان بال بدي ً
ل
عن الشرك الوثني واوصى بحقوق المرأة وأكد على حرمة الموال والدماء ،
وساوى بين الناس ،فالكل لدم وآدم من تراب ،ولم يتطرق للعقوبات التي يجعلها
الصوليين الن مدخلهم للشريعة والسلم؟
باختتام الرسول لخطبته إلى الناس معلنًا أنه لن يلقاهم بعد عامه هذا ولم
يسمي – كما يفترض – نائبًا عنه أو خليفة له ،تبطل كل حجج من يقول أن
الرسول قد استخلف من بعده ،وهذه هي سنة الرسول " الحقيقية " والتي نلتزمها
ونؤمن بحجيتها بمعزل عن أباطيل القول بتناسخها مع القرآن وبمعزل عن أباطيل
الدس لمحق شرعة التخفيف والرحمة وفرض مفاهيم الحاكمية اللهية.
70
فإن عدم التسمية هذا لمن يخلفه هو من صميم المنهج القرآني حيث جعل
ال المر من بعد الرسول لولى المر منا ) منكم ( .أما طاعة الرسول فهي من
طاعة ال وموصولة بها ،فسلطته علينا إلهية ،والشورى غير ملزمة له ،بخلف
طاعة أولى المر على أن يكونوا " منا " باختيارنا الحر كما فصلت آيات سورة
النحل التي أتينا عليها ) – 73/79ج . ( 14
لماذا لم يستخلف الرسول؟
وكذلك عدم استخلف خاتم الرسل والنبيين لمن بعده هو أيضًا من صميم
المنهج اللهي بوجه آخر ،فختم النبوة يستوجب " عدم التواصل " في ذرية من
الرجال لخاتم النبيين ،وهذا ما حدث " لزكريا " خاتم أنبياء بني إسرائيل بخلف
المسيح " عيسى بن مريم " الذي ولدته أمه العذراء " مريم " بنفح من الروح القدس
" جبريل " .
فزكريا وقد أدركه الكبر ،ثم أن امرأته عاقر عرف أن النبوة في بني
إسرائيل قد ختمت به ،فمنهج " الحاكمية اللهية " و " حاكمية الستخلف "
المطبقتان على بني إسرائيل ضمن خصائص دينهم اقتضى استمرارية النبوة بحيث
سى ل ويخلفه آخر من ذات السللة ) آل عمران ( فيهم َ .وَلَقْد آَتْيَنا ُمو َ ل يموت نبي إ ّ
ح اْلُقُد ِ
س ت َوَأّيْدَناُه ِبُرو ِ ن َمْرَيَم اْلَبّيَنا ِسى اْب َ عي َ سِل َوآَتْيَنا ِ ن َبْعِدِه ِبالّر ُ ب َوَقّفْيَنا ِم ْ اْلِكَتا َ
ن)(87 سَتْكَبْرُتْم َفَفِريًقا َكّذْبُتْم َوَفِريًقا َتْقُتُلو َ سُكْم ا ْ ل َتْهَوى َأنُف ُ ل ِبَما َ سو ٌجاَءُكْم َر ُ َأَفُكّلَما َ
ن َيَدْيِه صّدًقا ِلَما َبْي َن َمْرَيَم ُم َ سى اْب ِ عَلى آَثاِرِهْم ِبِعي َ – البقرة /ج .1وكذلكَ :وَقّفْيَنا َ
ن الّتْوَراِة َوُهًدى ن َيَدْيِه ِم ْصّدًقا ِلَما َبْي َ ل ِفيِه ُهًدى َوُنوٌر َوُم َ جي َلن ِ ن الّتْوَراِة َوآَتْيَناُه ا ِْ ِم ْ
ن) – (46المائدة /ج .6 ظًة ِلْلُمّتِقي َعَ َوَمْو ِ
أدرك زكريا أن النبوة قد ختمت في بني إسرائيل تمهيدًا لظهور " المسيح
" ومن بعده " النبي المي " خارج سللة آل عمران ومن نسل إبراهيم طبقًا
لنصوص سورة " العراف " التي أوضحناها ) العراف /ج / 9اليات من 157
وإلى .( 158
ولكنه كان يرغب في الذرية والنجاب ولهذا كان دعاؤه ل " خفّيا " فهو
يرغب فيما يعلم أنه ل حق له فيه ،فذرية النبي تكون امتدادًا له في النبوة والعصمة:
ب ِإّني ل َر ّ خِفّيا)َ(3قا َ عْبَدُه َزَكِرّيا)ِ(2إْذ َناَدى َرّبُه ِنَداًء َ ك َ حَمِة َرّب َ كهيعص)ِ(1ذْكُر َر ْ
خْفتُ شِقّيا)َ(4وِإّني ِ ب َ ك َر ّ عاِئ َ ن ِبُد َ شْيًبا َوَلْم َأُك ْ س َل الّرْأ ُ شَتَع َ ظُم ِمّني َوا ْ ن اْلَع َْوَه َ
ث ِم ْ
ن ك َوِلّيا)َ(5يِرُثِني َوَيِر ُ ن َلُدْن َ ب ِلي ِم ْ عاِقًرا َفَه ْ ت اْمَرَأِتي َ ن َوَراِئي َوَكاَن ْ ي ِم ْاْلَمَواِل َ
ل َلُهجَع ْ حَيى َلْم َن ْ سُمُه َي ْ لٍم ا ْك ِبُغ َ شُر َ ضّيا)َ (6ياَزَكِرّيا ِإّنا ُنَب ّ ب َر ِ جَعْلُه َر ّ ب َوا ْ ل َيْعُقو َ آِ
سِمّيا) – (7مريم /ج .16 ل َ ن َقْب ُِم ْ
واستجاب ال ) ،ولكن بشرط ( ل يخل بمنهج ختم النبوة ،وذلك بأن
عا َزَكِرّيا َرّبُه ك َد َيأتي يحي " حصورًا " ل حاسة جنسية لديه ول يقرب النساءُ .هَناِل َ
لِئَكُة وَُهَو َقاِئٌم عاِء)َ(38فَناَدْتُه اْلَم َ سِميُع الّد َ ك َ طّيَبًة ِإّن َك ُذّرّيًة َ ن َلُدْن َب ِلي ِم ْ ب َه ْ ل َر ّ َقا َ
صوًرا ح ُ سّيًدا َو َل َو َ ن ا ِّصّدًقا ِبكَِلَمٍة ِم ْ حَيى ُم َ ك ِبَي ْشُر َ
ل ُيَب ّن ا َّ ب َأ ّ حَرا ِ صّلي ِفي اْلِم ْ ُي َ
ن) – (39آل عمران /ج . 3وهكذا جاء " يحيى " حصورًا حي َ
صاِل ِ ن ال ّ َوَنِبّيا ِم ْ
سى اْب ُ
ن عي َ ل ِ ومصدقًا بكلمة من ال هو " المسيح " الذي بشر بدوره بأحمد َ .وِإْذ َقا َ
71
ن الّتْوَراِة َوُمَبشًّرا ي ِم َ ن َيَد ّ
صّدًقا ِلَما َبْي َ ل ِإَلْيُكْم ُم َ ل ا ِّسو ُ ل ِإّني َر ُ سَراِئي َ َمْرَيَم َياَبِني ِإ ْ
ن)َ(6وَم ْ
ن حٌر ُمِبي ٌسْ ت َقاُلوا َهَذا ِ جاَءُهْم ِباْلَبّيَنا ِحَمُد َفَلّما َ سُمُه َأ ْن َبْعِدي ا ْ ل َيْأِتي ِم ْ سو ٍ ِبَر ُ
ل َيْهِدي اْلَقْوَم ل َ لِم َوا ُّسَ لْعى ِإَلى ا ِْ ب َوُهَو ُيْد َ ل اْلَكِذ َ عَلى ا ِّ ن اْفَتَرى َ ظَلُم ِمّم َْأ ْ
ن)(8 ل ُمِتّم ُنوِرِه َوَلْو َكِرَه اْلَكاِفُرو َ ل ِبَأْفَواِهِهْم َوا ُّ طِفُئوا ُنوَر ا ِّ ن ِلُي ْ
ن)ُ(7يِريُدو َ ظاِلِمي َ ال ّ
ن ُكّلِه َوَلْو َكِرَه ظِهَرُه عََلى الّدي ِ ق ِلُي ْ
حّ ن اْل َ سوَلُه ِباْلُهَدى َوِدي ِ ل َر ُ سَُهَو اّلِذي َأْر َ
ن)- (9الصف /ج .28 شِرُكو َ اْلُم ْ
مضمون هذا كله في سورة العراف وخطاب ال للنقباء السبعين من بني
إسرائيل في الجبل ،غير أنهم كّذبوا المسيح ،ثم كّذبوا محمدًا ) أحمد ( وقد شرحنا
الفارق بين طبيعة وحقيقة السمين " الحامل و المحمول " – أحمد /محمد و المسيح
/عيسى والسماء التي تعلمها آدم في مؤلفنا ) العالمية – المجلد الول – ص
.( 102/105
ما انطبق على زكريا ينطبق على محمد ،غير أن محمدًا يوصفه خاتمًا
للرسل والنبيين كان أرفع وعيًا وعبودية ل من زكريا ،فلم يدع لنوازعه الذاتية
ل ليخاطب ال ،ل خفيًا كزكريا ول دون ذلك .وقد ) الحرص على الذرية ( مجا ً
بّين ال المر حين ربط بين خاتمية النبوة والرسالة وعدم استمرار الذرية من "
خاَتَم
ل َو َ ل ا ِّ
سو َ ن َر ُ جاِلُكْم َوَلِك ْ
ن ِر َ حٍد ِم ْ حّمٌد َأَبا َأ َ
ن ُم َ الرجال " فجاءت اليةَ :ما َكا َ
عِليًما) (40الحزاب /ج .22فالذين "يدعون بالئمة يٍء َ ش ْ
ل َ ل ِبُك ّن ا ُّ
ن َوَكا َ الّنِبّيي َ
المعصومين من آل البيت من بعد خاتم الرسل والنبيين " يجانبون منهج القرآن.
)العالمية – المجلد الثاني – ختم النبوة ونفي عصمة اللحقين – ص 108و (110
ويجانبون ولية أولى المر " منكم " الى ولية الفقيه ،سنيًا كان او شيعيًا وينتهون
في النهاية إلى الحجر على عقول المسلمين في تناولهم للكتاب خلفًا لنصوص سورة
" النحل " .وهكذا تولد الدول الثيوقراطية الكهنوتية ولو تذرعت بشكليات الشورى
طالما ظلت " ولية الفقيه " وأدبيات " الئمة المعصومين " مأخوذا" بها .
ونختم بما ختم به خاتم الرسل والنبيين:
قد ختم الرسول خطابه بنصوص " حجة الوداع " وإلى " الناس كافة "
وتشكل تلك الخطبة " المقدمات الدستورية " للمجتمعات المؤمنة في الطار العام
لليمان ،فقد اكتفى الرسول في تلك الخطبة " بالمشترك " بين كافة الديانات
والمؤمنين ،فليس من بينهم من يبيح القتل ،أو يبيح السرقة ،أو يشرع للضعف
المضاعف من ربا الجاهلية ،أو يحض على دونية المرأة أو يستسهل الزنا والفاحشة
أو يتعالى بالعنصرية العرقية .
هذا الساس والمقدمات الدستورية للناس كافة ،أخضع لتطبيقات نقيضة ،
في تاريخنا وتاريخ كل الشعوب ذات المثل الدينية المقاربة لنا وحتى في إطار
النظمة الديموقراطية الغربية ،وتلك التي تدعي السلمية والشورية ،فكان ل بد
من أن نلجأ مجددًا للقرآن ومنهجه ،وبآليات معرفية جديدة ،لنستنبط من القرآن "
ضمانات الشورى " والقواعد المؤسسة لولى المر " منكم " ومجتمع " السلم "
اقتصاديًا واجتماعيًا ومبدأ " الحرية " ،فوجدنا ذلك في المزاوجة بين " المبادئ "
السلمية التي أشرنا إليها و " الليات " الغربية ،فدعونا للدستور الديموقراطي
72
ولكن مع حماية الديموقراطية بمؤسسات " المجتمع المدني " ،ودعونا " لعلمانية "
السلطة وليس " علمنة " المجتمع ،ودعونا للحرية الليبرالية مع ترسيخ القيم
الخلقية ضمن " رؤية كونية " تتجاوز اللهوت والوضعية العدمية معًا ثم من بعد
ذلك كله هناك من يقول أنه ليس في القرآن منهج !!!
73
ويختم هذا الوعد الثاني وهو " وعد الخرة " بمواجهة المسلمين لهم
مجددًا حيث يربط ال بين " عبادًا لنا " الذين أجلوهم في نهاية الوعد الول ،وذات
جاَءالعباد الذين يسيئون وجوههم لدى انقضاء الوعد الثاني وهم المسلمونَ .فِإَذا َ
ل َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما
خُلوُه َأّو َ
جَد َكَما َد َ
سِخُلوا اْلَم ْ
جوَهُكْم َوِلَيْد ُ
سوُءوا ُو ُ
خَرِة ِلَي ُ
لِعُد ا ْ
َو ْ
عَلْوا َتْتِبيًرا) – (7السراء /ج .15 َ
وجعل ال الوعد الثاني إظهارًا للهدى ودين الحق منهجيًا ومعرفيًا في
آيات " التوبة " و " الفتح " و " الصف " ومن بعد انقضاء عالمية الميين " غير
ل من " إسلم الكتابيين " الولى والتي امتدت أربعة عشر قرنًا .ونفذت طاقتها إ ّ
شكلي " .
والنتصار السلمي في نهاية الوعد الثاني " وعد الخرة " ليس بدواعي
العصبوية ،قومية كانت أو إسلمية ،ولكن بدواعي التحرر المنهجي والمعرفي "
الهدى ودين الحق " وباستقطاب المسلمين للعالم كله في مواجهة أزماته الحضارية
الشاملة ،فكما استقطب السرائيليون العالم عبر أبنيته الرأسمالية والشتراكية
وصراعاته وتداخلوا معه حتى تحققت لهم " العودة " كذلك يستقطب المسلمون عبر
تحررهم المعرفي والمنهجي العالم ويتداخلون مع مختلف انساقه الحضارية ،
ومفاهيمه المعرفية ،تجاوزًا " للوضعية " باتجاه " الرؤية الكونية اللهية " .يتم كل
ذلك والصراع قائم بين الستئصال السرائيلي للفلسطينيين ،والستشهاد الفلسطيني
في المقابل بدللة ) إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم فلها ( –) السراء /ج
15ى ،( 7وهم ل يحسنون لنفسهم إذ ل يلتزمون " بحق العودة " ول " بالتعايش
السلمي " ول حتى بحقوق النسان الغربية .فالصهيونية جذرها اليديولوجي "
ف للخر نفيًا مطلقًا بالرغم من ادعائها للعلمانية. تلمودي " نا ٍ
غير أن مشكلة الحركات " الجهادية السلمية " التي تلتزم بالسلم -
حسب فهمها له -تتطلع إلى النصر على السرائيليين بموجب انقضاء " وعد الخرة
" ول زال بعضهم يتطلع إلى " الحجر " الذي ينطق وينبئ المجاهد المسلم بأن " من
خلفه يهودي " وأن شجر " الغرقد :هو شجر اليهود الذي يحتمون به .والمر
ل في
خلف ذلك فانقضاء دورة السرائيليين الثانية في الرض المقدسة تستلزم تحو ً
أوضاع المسلمين ووعيهم وتأثيرهم المنهجي عالميًا " .فالتدافع " ليس عصبوي
الدللة لينتصر ال فيه "لمة " تماثل في ضللها المة الخرى .فاستعادة الرض
المقدسة بالصولية ل يدخل في مدار انتصار المسلمين على السرائيليين خارج
اللتزام بمنهج " الهدى ودين الحق " ،التزامًا معرفيًا وعالميًا .
74
عنهم إبراهيم إلى " حّران " ثم أرض الكنعانيين ومصر وأعاد بناء البيت المحّرم
في مكة حين " رفع " القواعد التي أسس عليها البيت في عصر سابق.
وبعد تكاثر نسله في أرض كنعان وعلى مدى ثلثة قرون دخلوا مصر
على زمان يوسف ،وبقيوا فيها لربعة قرون ثم جاءت بعثة موسى الذي أخرجهم
من مصر إلى الرض المقدسة ،فاكتملت بذلك " سبعة قرون قمرية " من إبراهيم
وإلى موسى .وامتدت الديانة اليهودية إلى بعثة المسيح بعد " أربعة عشر قرنًا " من
موسى وإلى المسيح .
وجاء السلم بظهور خاتم الرسل والنبيين بعد " سبعة قرون " من بعثة
المسيح .حيث أجلى السرائيليون بعباد ال من المدينة المنورة وانقضى وعد علوهم
وإفسادهم الول .
ثم عادوا بعد " أربعة عشر قرنًا " وها هم يستحكمون وقد أمدهم ال
بالموال والبنين ،وجعلهم أكثر نفيرًا .
هذه " السباعية " في دورات التاريخ الديني والتدافع العربي/السلمي –
السرائيلي/اليهودي لها أكثر من مغزى في " القرائن الدالة " على فعل " الرادة
اللهية " في حركة الزمان والمكان ودون أن " نؤله " علم التاريخ ،فحين يعطينا
ال " مؤشرًا " على انقضاء وعد الثانية بهزيمة السرائيليين فإنه يربط ذلك بانتصار
الهدى ودين الحق وليس انتصارًا عصبويًا دينيًا أو قوميًا للعرب .ويظل للتوقيت
اللهي أهميته الكبرى ،غير أن ال لم يكشف لنا عن توقيت النصر في " وعد
الخرة " وإنما كشف عن " استمرارية التدافع " وهذا ما نشهده اليوم وهو تدافع
تسطع معه معالم العالمية السلمية " الثانية " ولهذا أسميناها " عالمية ثانية "
ترتبط بمنهج إظهار الهدى ودين الحق وليس " رسالة ثانية " يوحي بها إلينا .
وللتوقيت دللته في سيرة الرسول.
فالرسول قد ولد في الثاني عشر من شهر ربيع الول قبل 52عامًا من
الهجرة ،وبما يوافق سنة 571/572م .ودخل المدينة المنورة بذات التاريخ في
الثاني عشر من شهر ربيع الول لول عام هجري وافق 25أيلول/سبتمبر 622
م.
وصعد إلى المل العلى بذات التاريخ في الثاني عشر من ربيع الول
عام 11هجرية الموافق 8حزيران /يونيو سنة 633م .
فليس من توقيت عبثي في تقديرات الرادة اللهية ،ويمكن لي مراجع
تاريخي أن يدقق في هذه التواريخ عبر كتب " وضعية " أو كتبها علمانيون ل
علقة لها بالدين أو الغيبيات سواء أكان منهج التاريخ " ماديًا جدليًا " أو "
موضوعيًا " أو " ل أدريًا " .عليهم فقط بعد تدقيق هذه التواريخ أن يجيبونا لماذا
كان هذا التوقيت ؟ أما نحن وبمنهجنا الكوني القرآني فندرك ذلك.
وعلى علماء التاريخ في تدقيقهم التمييز في فوارق التوقيت بين ما هو "
قمري " و " شمسي " ،فالقمري يزيد ثلث أعوام عن " الشمسي " في كل مائة
سًعا) - (25الكهف /ج . 15 ن َواْزَداُدوا ِت ْسِني َ
ث ِماَئٍة ِ
ل َ
عامَ :وَلِبُثوا ِفي َكْهِفِهْم َث َ
75
ويشير القرآن للشمسي " بالسنة " رجوعًا إلى خاصية الشمس التي تحدث
المتغيرات في الطبيعة بما تصدره من ضوء وحرارة فيكون " التسنه " َ :أْو َكاّلِذي
ل َبْعَد َمْوِتَها َفَأَماَتُه ا ُّ
ل حِيي َهِذِه ا ُّ ل َأّنى ُي ْ شَها َقا َ عُرو ِ عَلى ُ خاِوَيٌة َ ي َعَلى َقْرَيٍة َوِه َ َمّر َ
عاٍم ت ِماَئَة َ ل َلِبْث َل َب ْت َيْوًما َأْو َبْعضَ َيْوٍم َقا َ ل َلِبْث ُت َقا َل َكْم َلِبْث َعاٍم ُثّم َبَعَثُه َقا َ
ِماَئَة َ
ظْر س َوان ُ ك آَيًة ِللّنا ِ جَعَل َك َوِلَن ْ حَماِر َ ظْر ِإَلى ِ سّنْه َوان ُ ك َلْم َيَت َشَراِب َ ك َو َطَعاِم َ ظْر ِإَلى َ َفان ُ
يٍء ش ْعَلى ُكلّ َ ل َ ن ا َّ عَلُم َأ ّ
ل َأ ْ ن َلُه َقا َحًما َفَلّما َتَبّي َسوَها َل ْ شُزَها ُثّم َنْك ُ ف ُنن ِ
ظاِم َكْي َ ِإَلى اْلِع َ
َقِديٌر)- (259البقرة /ج . 3وهكذا يميز القرآن في الستخدام اللهي للغة العربية
ما بين الشمس " حرارة وضياء " وما بين القمر " نورًا " ل فعل له في " التسنه
ضَياًء َواْلَقَمَر ُنوًرا َوَقّدَرُه س ِ شْم َ ل ال ّ جَع َ
"وانما انعكاس لضوء الشمس ُ .هَو اّلِذي َ
ت ِلقَْوٍملَيا ِلا ْ صُ ق ُيَف ّ حّ ل ِباْل َك ِإ ّل َذِل َق ا ُّ خَل َب َما َ سا َ حَ ن َواْل ِسِني َعَدَد ال ّل ِلَتْعَلُموا َ َمَناِز َ
لَيا ٍ
ت ض َ لْر ِ ت َوا َْ سَماَوا ِ ل ِفي ال ّ ق ا ُّ خَل َ ل َوالّنَهاِر َوَما َ ف الّلْي ِ
ل ِ خِت َن ِفي ا ْ ن)ِ(5إ ّ َيْعَلُمو َ
ن) – (6يونس /ج .11فربط السنين بالشمس وربط الحساب الفلكي ِلَقْوٍم َيّتُقو َ
بالقمر تبعًا لمنازله وهكذا جعل ال الليل وقمره " سكنًا " و "سباتا " .
76
هوامش
) (1د .رضوان السيد – الحركة السلمية والثقافة المعاصرة – ص – 345
منتدى الفكر العربي – عّمان الصحوة السلمية وهموم الوطن العربي –
بالتعاون مع مؤسسة آل البيت لبحوث الحضارة السلمية – – 14
.16/3/1987
) (2شفيق مقار – المسيحية والتوراة – رياض الريس للكتب والنشر – لندن – ط
– 1أغسطس /آب – 1992ص .353و ) كذلك ( اندريه هانيبال
وميكلوس مولنار وجيرار دى بوميج – سيكولوجية التعصب – ط – 1ص 8
– دار الساقي – لندن – – 1990ترجمة د .خليل أحمد خليل.
) (3مجلة "الباحثون" نشرة دورية يصدرها "مركز البحوث والدراسات السلمية"
– وزارة الشؤون السلمية والوقاف والدعوة والرشاد – ص 7إلى – 11
السنة الولى – العدد الثاني – دون تاريخ – ويرجح الكاتب عام 1416هف/
1996م .
) (5د .محمد عابد الجابري – بنية العقل العربي – دراسة تحليلية نقدية لنظم
المعرفة في الثقافة العربية – نقد العقل العربي – مركز دراسات الوحدة
العربية – ط – 1بيروت – .1986
) (6ميشال فوكو – حضريات المعرفة – ترجمة سالم يفوت – ط – 1987 – 2
المركز الثقافي العربي – بيروت.
) (7عبد السلم بن عبد العالي – سالم يفوت – درس البستمولوجيا – دار توبقال
للنشر – الدار البيضاء – المغرب – ط .1985 – 1
) (8محمد أركون – الفكر السلمي :قراءة علمية – مركز النماء العربي -ص
9و 114و – 182ترجمة د .هاشم صالح – بيروت . 1987
و:
تاريخية الفكر العربي السلمي – مركز النماء القومي – بيروت – الطبعة
الولى – … 1986و كتب أخرى.
77
) (9محمد وقيدي – حوار فلسفي – قراءة نقدية في الفلسفة العربية المعاصرة –
دار توبقال للنشر – ط 1985 – 1الدار البيضاء .
) (10د .نصر حامد أبو زيد – مفهوم النص – دراسة في علوم القرآن – المركز
الثقافي العربي – ط – 1994 – 2ص 117إلى . 134
) (11د .مصطفى زيد – استاذ الشريعة السلمية ورئيس القسم بجامعتي القاهرة
وبيروت العربية – النسخ في القرآن الكريم – المجلد الول – ص
– 283/285ط 1408 – 3هف 1987 /م – دار الوفاء -المنصورة .
) (12ع .بنعبد العالي – م .وقيدي – س .بن سعيد – ك .عبد اللطيف – م .حدية
– م كداح .م الهراس – إشكاليات المنهاج – دار توبقال للنشر – الدار
البيضاء – ط – 1987 – 1ص .65
) (17علي عبد الرازق – السلم وأصول الحكم – 7رمضان 1343هف 1 /
أبريل ) نيسان ( – 1925المنصورة – مصر .
) (18سيد محمد نقيب العطاس – مداخلت فلسفية في السلم والعلمانية -الترجمة
العربية – محمد طاهر الميساوي – ص - 17/20المعهد العالي العالمي
للفكر والحضارة السلمية – ط 1420 – 1هف 2000 /م – دار النفائس –
الردن.
78
WAN MOHD NOR WAN DAUD – The Educational
Philosophy and Practice of Syed )(19
Muhammad Naquib Al Attas – An Exposition of the
Original concept of Islamization – International Institute of
– Islamic Thought and Civilization (ISTAC) Kuala Lumpur
1998.
) (20منهجية القرآن المعرفية – أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والنسانية – هو
كتاب فرغت من تأليفه في واشنطن في شهر ربيع الخر 1411هف الموافق
نوفمبر /تشرين الثاني 1991م .وقد تبّنى المعهد العالمي طباعته وتعميمه في
تداول محدود ،ثم عقد له ندوة في القاهرة في آذار /مارس 1992م حيث
شارك فيها جمع من الساتذة من ذوي التخصصات المختلفة وقدم لها الدكتور
طه جابر العلواني رئيس المعهد العالمي – كما تناولها أساتذة آخرون من
خارج الندوة بتعقيبات مكتوبة .
وقد شارك في الندوة كل من :
د.احمد فؤاد الباشا د.عبد الوهاب
د.حامد الموصلي المسيري
د.محمد بريمة د.محمد بريش
د.سيف عبد الفتاح د.علي جمعة
د.ممدوح فهمي د.منى ابو الفضل
د .جمال عطية د.احمد صدقي الدجاني
د.محمد عمارة
أما الذين بعثوا بتعقيباتهم كتابة فهم :
د.محمد صالح د.الشيخ محمد الغزالي ) رحمه
د.برهان غليون ال(
د.إبراهيم زيد الكيلني د.عادل عبد المهدي
د.محمد الراوي د.زياد الدغامين
د.عبد الرحمن بن زيد الزبيدي د.أكرم ضياء العمري
د.ماجد عرسان الكيلني
والستاذ حكمت بشير ياسين.
ملحظة:
قد نشرت وقائع الندوة في مجلة " قضايا اسلمية معاصرة " – السنة السابعة –
العدد 23فصل ربيع 2003م 1424 /هـ – الصفحات 130إلى – 191
التوزيع – الفلح للنشر والتوزيع – بيروت – ص .ب 6590/113 .هاتف
وفاكس 856677-1-961
79
) (21د .طه جابر العلواني – اصلح الفكر السلمي بين القدرات والعقبات –
ورقة عمل – سلسلة اسلمية المعرفة – المعهد العالمي للفكر السلمي)(9
1401هف 1981 /م (
) (22د .طه جابر العلواني – أدب الختلف في السلم – المعهد العالمي للفكر
السلمي – سلسلة قضايا الفكر السلمي ) 1401 – (2هف 1981 /م .
) (23د .طه جابر العلواني – الزمة الفكرية ومناهج التغيير – الفاق والمنطلقات
– المعهد العالمي للفكر السلمي – سلسلة أبحاث علمية ) 1417 – (12هف /
1996م(.
) (24راجع وقائع ندوة منهجية القرآن المعرفية – هامش) – (20مجلة :قضايا
إسلمية معاصرة – مداخلة د .محمد عمارة – ص – 164/170كذلك
مداخلة د .جمال الدين عطية .179 / 174
) (28د .محمد عمراني حنشي – النقلبات البولصية في السلم – المعهد العالمي
للفكر السلمي نموذجًا – الناشر – عبر المؤلف – ص.ب– 2569 .
الرباط المركزي – (Rabat (R.P
80
) (29محاضرة للكاتب :علقة الدين بالدولة في إطار المفاهيم الدالة على علقة
ال بالنسان – جامعة أم درمان الهلية – 25ربيع الول 1421هف
الموافق 28يونيو ) حزيران ( 2000م – نشر وتوزيع المركز السوداني
للدراسات والخدمات العلمية – سلسلة قضايا فكرية – إصدار رقم . 1
) (30د .بدران أبو العينين بدران – استاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي
للقضاء – جامعة المام محمد بن سعود السلمية – السعودية – مؤسسة
شباب الجامعة – السكندرية – – 1983الصفحات .22-17-16وكذلك
استاذ ورئيس قسم الشريعة السلمية بكلية الحقوق بجامعة السكندرية
سابقًا .
) (31د .محمد حسين الذهبي – السرائيليات في التفسير والحديث – كان المرحوم
استاذًا لعلوم القرآن والحديث في كلية الشريعة بجامعة الزهر – الصفحات
– 59/60/61/78/81/85مكتبة وهبة – القاهرة – 1406هف 1986 /م.
) " (33كتاب الموطأ " للمام مالك ومعه كتاب " اسعاف المبطأ برجال الموطأ "
لجلل الدين السيوطي – إعداد فاروق سعد – ص – 950 / 949دار
الفاق الجديدة – بيروت – 1401هف 1981 /م .
) (34جبران شامية – السلم :هل يقدم للعالم نظرية للحكم ؟ – دار البحاث
ل عن فجر السلم "والنشر – ص 78وإلى – 80بيروت – 1990نق ً
لحمد أمين ".
81
نوفمبر25 – أ – علمانية الخرطوم مطلب إسلمي – صحيفة " الوسط " البحرين
. 2002 ( ) تشرين ثاني
30 – ب – إشكالية العاصمة القومية في السودان – صحيفة " الوسط " – البحرين
. 2002 ( نوفمبر ) تشرين ثاني
و19 ( سيد محمد نقيب العطاس – المصدر السابق – مداخلت فلسفية – ص36)
. 20
82
Samuel Huntington " the Clash of Civilizations and the
remarking )(44
of world order Simon and Schuster New York 1996.
) (46د .مصطفى التير – الدين في المجتمع العربي – مركز دراسات الوحدة
العربية والجمعية العربية لعلم الجتماع – ط – 1ص – 606بيروت –
يونيو ) حزيران ( .1909
) (47جون هرمان راندال – تكوين العقل الحديث – مجلدان – ترجمة د .جورج
طعمة – دار الثقافة – بيروت – 1965م.
) (48د .حسن صعب – المفهوم الحديث لرجل الدولة – ص 61إلى – 75
المكتب التجاري للطباعة والنشر – بيروت – ط . 1959 – 1
) (49للكاتب – الزمة الفكرية والحضارية للواقع العربي الراهن ) دراسة تحليلية
لمعالجات الصحوة السلمية والبحث عن القوانين الذاتية للخصوصية
العربية ( – صحيفة ) الخليج – الشارقة ( بداية من العدد رقم 2852بتاريخ
/12جمادي الول 1407هف الموافق 11فبراير /شباط عام 1987م ،
وانتهاء بالعدد رقم 3049بتاريخ 9محرم 1408هف الموافق 2سبتمبر /
أيلول 1987م .ثم قمت بتعميق الدراسة لحقًا حيث قام " المعهد العالمي
للفكر السلمي " في واشنطن بطبعها وتعميمها في تداول محدود بتاريخ 19
شوال 1410هف الموافق 14مايو/أيار 1990م.
) (50جابر عصفور – هوامش على دفتر التنوير – إسلم النفط والحداثة – ص
83إلى -115المركز الثقافي العربي – ط - 1ص – 83/115بيروت –
الدار البيضاء – المغرب – ط .1994– 1
83
) (51مجلة المنار – محمد رشيد رضا – ج – 3مجلد 30 – 26ذو الحجة
1343هف 21 /يوليو ) تموز ( 1925م – ص – 234/235بلغ من
علماء الحرم المكي الشريف في اتفاقهم مع علماء نجد.
) (52مجلة المنار – محمد رشيد رضا – ج – 4مجلد 30 – 319/320 – 26
صفر – 1344هف 18 /سبتمبر/أيلول 1925م.
) (53للكاتب – خصائص النبوة الخاتمة – ندوة المركز السلمي في طرابلس -
ليبيا – ديسمبر ) كانون أول ( . 1991
) (54للكاتب – العالمية – مصدر سابق – المجلد الول – مفهوم الميين بمعنى
غير الكتابيين وليس غير الكاتبين بالخط – ص 153إلى . 162
) (57العلمة بن منظور – لسان العرب المحيط – المجلد الول – دار لسان
العرب – يوسف خياط – ص – 511مفردة جنح .
)(58جورج قرم – تعدد الديان وأنظمة الحكم – دار النهار للنشر – الترجمة
العربية – – 1979ص – 11بيروت .
) (59أرنولد تويني – تاريخ البشرية – الجزء الول – ترجمة نقول زيادة –
الهلية للنشر والتوزيع – بيروت – ط – 1988 – 2ص 173مع مراجعة
الصفحات 196وإلى ( 270
) (61بحث ) مقدمات قيام العالمية السلمية الثانية ( ألقي في محاضرات المؤتمر
الذي عقدته ) لجنة فلسطين السلمية ( – المؤتمر الثاني في شيكاغو في نهاية
ديسمبر 1989م .
84
) (62فوارق الشرعة والمنهاج بين النسقين السلمي واليهودي – بحث مقدم إلى
مؤتمر الجامعات الردنية – عمان – الردن – أغسطس /آب 1994م .
) (63د .نزيه حّماد – معجم المصطلحات القتصادية في لغة الفقهاء – ص 116
– المعهد العالمي للفكر السلمي – 1401هف 1981/م – هيرندن –
فرجينيا – الوليات المتحدة المريكية .
) (64دراسة ) التأسيس القرآني للمجتمع المعاصر ( وقد ألقيت في ندوة ) تجديد
الفكر السلمي – نحو مشروع حضاري إسلمي معاصر ( التي أقامها
المركز السلمي في مالطا بتاريخ 12نوفمبر 1989م.
) (65حقوق النسان والقرآن في عالم متغير – مؤتمر ) السلم والمسلمون في
عالم متغير ( من أجل نظام دولي عادل – المجلس السلمي الشيعي العلى –
بيروت 28– 24أبريل /نيسان 1994م .
) (66د .كمال عبد اللطيف – الكتابة السياسية عند خير الدين التونسي –
النتلجنسيا في المغرب العربي – ص 85و – 93دار الحداثة للطباعة
والنشر – بيروت – ط 1984 – 1م.
) (67أحمد واعظي المجتمع الديني والمدني– ترجمة حيدر حب ال – دار الهادي
– إشراف المعهد السلمي للمعارف الحكمية – ص 81إلى –93ط –1
1421هف 2001 /م .
) (70كونية القرآن وعالمية السلم – هيئة العمال الفكرية – قاعة الشارقة –
جامعة الخرطوم – مارس /آذار . 1997
) (71محمد حميد ال – مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلفة الراشدة
– دار النفائس -ط 1407 – 6هف 1987 /م – ص ) 360وهناك زيادات
أضيفت ل علقة لها بالصل بّينها محمد حميد ال (.
85
) (72للكاتب – المبادئ التطبيقية لسلمة العلوم الطبيعية والنسانية والجتماعية –
مجلة :قضايا اسلمية المعرفة – ص 288 / 273السنة السابعة – العدد – 23
ربيع 2003م – 1424هف – توزيع " الفلح للنشر " – بيروت – ص ب
– 113/ 6590هاتف وفاكس
961-1-856677كذلك نشرت المجلة وقائع الندوة التي ناقشت بحثي حول "
منهجية القرآن المعرفية " – الصفحات من . 191 / 130
) (73للكاتب – العالمية السلمية الثانية -مصدر سابق – المجلد الول – الفرق
بين السم الحامل ) محمد ( والسم المحمول ) أحمد ( – ص . 103/104وكذلك
موقفنا والتزامنا بالسنة النبوية ص .62/72
) (74للكاتب – العالمية السلمية الثانية – مصدر سابق – المجلد الثاني – ختم
النبوة وإعادة ترتيب الكتاب ونفي العصمة عن اللحقين – ص . 108/110
ملحظة)ب( :اعتمدنا فهرسة القرآن الكريم " لمحمد فؤاد عبد الباقي " – المعجم
المفهرس للفاظ القرآن الكريم – دار الفكر للطباعة – بيروت – 1406هف /
1986م .
مع تقدير :
أن الواضع الصلي للفهرسة القرآنية هو المستشرق اللماني "فلوجل" والذي نشر
كتابه " :نجوم الفرقان في أطراف القرآن " عام 1842م ،وقد أشار " محمد فؤاد
عبد الباقي " بحكم أمانته العلمية إلى ذلك في المقدمة .
سأشير بداية إلى بعض الحوادث التاريخية لعلها تلقي الضوء على بعض النقاط:
86
لدى تأسيس الملك عبد العزيز للدولة السعودية فان من سانده من الحركات السلفية
واعني بذلك خصوصا اتباع المذهب النقلي )محمد ابن حنبل -ابن تيمية -محمد بن
عبد الوهاب( والذين اشتد عودهم في الفترة من عام 1912الى العام 1920قد
انقلبوا على الملك عبد العزيز بسبب مارأوه من مخالفات للدين والعقيدة)حسب وجهة
نظرهم( فكان مؤتمر الرطاوية)نسبة الى مدينة الرطاوية في نجد فكانت المواجهة
مع الملك عبد العزيز الذي استعان بعلماء الحجاز والمذاهب الخرى ورفض
الحادية المذهبية ،ثم كانت المواجهة العسكرية معهم في معركة آبار السبلة عام
1929ميلدية وقضى على التطرف الصولي حينها ،وللتأكيد على ذلك فقد قام
محمد رشيد رضا وهو من اتباع محمد عبده بنشر نتائج الحتماع بين علماء الحجاز
وعلماء نجد وما انتهوا اليه بشأن رفض الحادية المذهبية في مجلته المنار ،ثم
كلف الملك عبد العزيز الشيخ محمد رشيد رضا بعقد اول مؤتمر اسلمي لكافة
المذاهب وذلك في مكة المكرمة )والغرض من ذلك التضييق على الحادية الفكرية(
،ولكن الحداث الساسية في عهد الملك فيصل قضت على هذا التوجه وذلك بالعودة
الى المذهب النقلي وذلك لمواجهة الحداث في اليمن والصراع مع عبد الناصر
والتيارات والحركات القومية والشيوعية والشتراكي ،وكان للوافدين من سوريا
ومصر للعمل الى المملكة دور كبير في رفد هذه الحادية الفكرية ووجدوا في
السعودية ما لم يكن متاحا لهم في بلدهم ،وتم دمج افكار سيد قطب الحركية
)المودودية الصل( بالفكر السلفي النقلي لبن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب فخرج
من عباءة الخوان في مصر جماعات التكفير وغيرها التي وجدت في الجو السائد
أيام حكم السادات متنفسا لها حيث وظف السادات التيارات الصولية لسكات
التيارات القومية والناصرية والشيوعية ،فقويت شوكة هذه التيارات الصولية
بسبب دعم كل من السادات – والدعم الخليجي -والمريكي ،وكانت حركة جهيمان
) (1979واحتلل الحرم المكي انذارا مبكرا للسعوديين لينتبهوا من هذا الفكر
الحادي ولكن الجو السياسي العالمي ذي التوجه المريكي لم يكن ليسمح بفتح
المواجهة الفكرية والعسكرية مع هذه التيارات حيث تم توظيف هذه التيارات
للجهاز على الوجود السوفيتي في أفغانستان وتم ارسالهم كمحرقة لمريكا
ولغراض استراتيجية ،لم يستفد منها ال أمريكا وأصبحت كابل أقدس من القدس،
ثم استفاقت هذه التيارات بعد عشر سنوات لتكتشف الجهاد المنسي سابقا في بلدها
ولترتد على حكوماتها وعلى المريكيين وينقلب السحر على الساحر ،فهذه التيارات
ليست أصيلة في مجتمعاتنا وانما هي طارئة ومستحدثة وساعد على تطرفها وتقوية
شوكتها أنظمة الحكم الستبدادية في بلدنا ،والمصالح السياسية والستراتيجية
للوليات المتحدة حصرا ،واليوم تذوق النظمة العربية وبال ما اقترفته ايديها سابقا
وتحاول مواجهته فكريا بنفس المنطق التلفيقي والتبريري للمشايخ والعلماء ،فكيف
يتم مواجهة هذا الفكر المتطرف بفكر ينبثق من نفس الطار المعرفي والفكري؟؟؟؟؟
هذا ما يحاول أن يقوم به بعض فقهاء السلطة ،وأيضا وبعض المخلصين وبحسن نية
ولكن حسن النية ل يكفي ،اذ كيف يمكن مواجهة فكر بفكر له نفس السس المعرفية
والعقدية؟؟؟
87
وكذلك فان التنسيق بين العولمة المريكية والنظمة العربية لضرب هذه التيارات
لن يكون ال ذا طابع أمني بحت لختلف النسق الثقافي بين هذه النظمة وبين
العولمة ،ولتماثل النسق الثقافي بين هذه النظمة وبين الحركات الصولية فكلهما
يقتل الخر باسم ال فالصوليون يقتلون بفتوى مركبة على تكتيك حركي ،
والنظمة تقتل بفتوى مركبة على تكتيك أمني استخباراتي ،لذلك اتفق ثلثي العولمة
والحركات والنظمة عندما توافق التكتيك الحركي للحركات مع التكتيك المني
للنظمة مع المصالح الستراتيجية لمريكا في السبعينيات والثمانينيات ،وافترقوا
عندما افترقت المصالح الستراتيجية لمريكا مع التكتيك الحركي للحركات وبقي
التنسيق المني بين أمريكا والنظمة واليوم نشهد بدايات الفتراق بين المصالح
السترتيجية المريكية وبين التكتيكات المنية الستخباراتية التي ركبت عليها
أنظمة الحكم فبدأت بدعوى الصلح فأين ستنتهي؟؟؟؟؟
وما هو موقف النظمة العربية؟؟؟؟؟
والهم ما هو موقف المثقف والمصلح؟
هل سيبقى ضائعا بين هذه التكتيكات والمصالح أم أين سيتجه؟؟؟
88