You are on page 1of 88

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫محمد أبو القاسم حاج حمد – لبنان – الشويفات ‪ -‬جّوال ‪727833 / 3 00961‬‬
‫منزل‪ 433519 / 5 00961 :‬ص‪.‬ب‪30062 .‬‬
‫المارات العربية المتحدة ‪ -‬جّوال ‪7212219 / 50 00971‬‬
‫‪Email: haj_hamad @ hotmail.com‬‬

‫إسلمية المعرفة‪:‬‬

‫هل هي تصور ثيولوجي وأيديولوجي للسلم أم أبستمولوجي ؟‬


‫وهل هي معاصرة أم تاريخانية ؟‬
‫وهل هي دغمائية آحادية شمولية أم إنسانية عالمية ؟‬
‫وكيف يكون الجمع بين " شكل " الحكم الديموقراطي الليبرالي العلماني‬
‫المدني و " نظام " الحكم السلمي ؟‬

‫بيروت ‪ 30 :‬ربيع الثاني ‪ 1424‬هـ‬


‫الموافق ‪ 30 :‬يونيو ) حزيران ( ‪ 2003‬م‬

‫فهرست المحتويات‬
‫‪ -1‬عرض ومراجعة‪:‬‬
‫‪ -2‬نقد وتصويب ‪:‬‬
‫‪ -3‬ظهور إشكالية التأصيل ‪:‬‬
‫‪ -4‬اتساع الخلط ‪:‬‬
‫‪ -5‬نقائض مكتبة أسلمة المعرفة ‪:‬‬
‫‪ -6‬إسلمية المعرفة ‪ :‬الصول والتمويه‪:‬‬
‫‪" -7‬العلواني" يخفي في نفسه ما ال مبديه ‪:‬‬
‫‪ -8‬القرآن‪:‬هل هو مصدر نظريات وإعجاز علمي أم مصدر مؤشرات منهجية ؟‬
‫‪ -9‬العلوم البحتة والحالة المادية ‪:‬‬
‫‪ -10‬شرعة السلم والحاكمية اللهية والستخلف ‪:‬‬
‫‪ -11‬لماذا "السلمة" وليس "الكونية" ؟‬
‫‪ -12‬علمانية الدولة وأولى المر منكم والتشريع ‪:‬‬
‫‪ -13‬نهى الرسول عن تدوين الحديث وكذلك الراشدون‬
‫فانتحلوا الحديث لبطال شرعة التخفيف والرحمة‪:‬‬
‫‪ -14‬الفارق بين " الخمار " و " الحجاب " ‪:‬‬
‫ي"‪:‬‬ ‫‪ -15‬الفارق بين " الزينة " و " الحل ّ‬
‫‪ -16‬علمنة الدولة ضمانة للحريات والمحاسبة ‪:‬‬
‫‪ -17‬هل الخلص على يد العولمة المريكية ؟‬
‫‪ -18‬المخرج ‪ :‬إسلمية المعرفة ) الجدلية الثلثية والرؤية الكونية ( ‪:‬‬
‫‪ -19‬الموقف المنهجي من الحركات السلمية‬
‫ما هو المطلوب ‪ :‬التدمير أم التجديد؟‬
‫‪" -20‬عقلنية" ابن رشد السلمية وتأسيس "العلمانية" الوروبية‪:‬‬
‫‪ -21‬مشكلتنا على الصعيد الحركي والفكري‪:‬‬
‫‪ -22‬اغتيال مرحلة فكر النهضة‪:‬‬
‫‪ -23‬مواجهات واستجداء لطرح المنظومة البديلة‪:‬‬
‫في التربية والتعليم والثقــافة والعــلم‪:‬‬
‫‪ -24‬النظمة بين سندان الصولية والمطرقة المريكية‪:‬‬
‫‪ -25‬إسلمية المعرفة‪ :‬الحرية والتعددية‪:‬‬
‫‪ -26‬شرعة السيف في جزيرة العرب والمة الوسط ‪:‬‬
‫‪ -27‬ما بعد الرسول ليس جهادًا ولكن تدافعًا وتوسعًا ‪:‬‬
‫‪ -28‬التدافع " العربي ‪ -‬السرائيلي " " السلمي – اليهودي " ‪:‬‬
‫‪ -29‬لماذا استمرارية التدافع العربي ‪ /‬السرائيلي ؟‬
‫‪ -30‬والتساؤل ‪ :‬لماذا قضى ال بالعودة والتدافع ؟‬
‫‪ -31‬الصطفاء والعرقية‪:‬‬
‫‪ -32‬إشكالية " واعظي " و " كمال عبد اللطيف "‬
‫كيف يكون الجمع بين " شكل " الحكم الديموقراطي‬
‫الليبرالي العلماني المدني و " نظام " الحكم السلمي ؟‬
‫‪ -33‬خيارات التجربة الغربية بين الشكل والمضمون ‪:‬‬
‫‪ -34‬المجتمع المدني والديموقراطية) ديموقراطية المجلسين (‪:‬‬
‫‪ -35‬زيف الديمقراطية والقضاء الثيني‪:‬‬
‫لماذا رفض سقراط "الستئناف" وشرب السم؟!‬
‫‪ -36‬مجتمع الطاعة والعبيد‪:‬‬
‫‪ -37‬مميزات المجلسين الديموقراطيين‬
‫)النيابي التشريعي – الفئوي المدني (‪:‬‬
‫‪ -38‬خاتمة‪:‬‬
‫‪ -39‬لماذا لم يستخلف الرسول؟‬

‫‪2‬‬
‫‪ -40‬ونختم بما ختم به خاتم الرسل والنبيين‪:‬‬
‫‪-41‬ملحق أ‪ :‬حول الرادة اللهية وعلقة الزمان بالمكان‪:‬‬
‫‪ -42‬ملحق ب‪ :‬حكمة التوقيت اللهي في الزمان والمكان‪:‬‬
‫‪ -43‬الهوامش‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫عرض ومراجعة‪:‬‬
‫طالعتنا صحيفة " الشرق الوسط " – الحد ‪ 22/6/2003‬العدد ‪8972‬‬
‫بثلث مقالت كتبها منظرون عرب حول " أسلمة المعرفة ‪ :‬هل تقودنا نحو "‬
‫السلم الشمولي " ؟ وهم " عبد العزيز الخضر " و " عبد الوهاب المسيري " و "‬
‫حرب " ‪.‬‬
‫باستثناء د‪ .‬المسيري فقد فهم د‪ .‬حرب إن أسلمة المعرفة هي " ردة فعل‬
‫عقائدية على التفوق المعرفي الغربي وتغليب لعقلية الدعوة والنضال على لغة الفهم‬
‫والمعرفة " وأنها تعني " أن هناك منظومة معرفية تخص المسلمين وحدهم " وربط‬
‫ذلك بمماثلت القول حول " الحاكمية اللهية " و " نظرية الستخلف " وأن مقولة‬
‫السلمة " تصنيف للعلوم والمعارف على أساس ديني ربما يتعارض مع تصنيفات‬
‫العالم للعلوم طبقًا لمجالتها بل ربما يتعارض مع تصنيفات العرب الوائل للعلوم‬
‫بين عقلي ونقلي وبرهاني وعرفاني " ‪ ،‬وانتهى إلى القول بأن " أسلمة المعرفة‬
‫آحادية شمولية وماثلها بدعاوى الصوليين حول الفرقة الناجية ‪ ،‬واتهم إسلمية‬
‫المعرفة بأنها تقويض لمشاريع التحرر من الهيمنة لنه أمام انغلقها تترك للخرين‬
‫حرية التفكير لنا لنهم يفكرون عالميًا " ‪.‬‬
‫المنظر الخر وهو " عبد العزيز الخضففر " جعففل مففن إسففلمية المعرفففة‬
‫امتدادًا في عقودهففا الخيففرة لمفا كففان مففن محففاولت بسففيطة تمففت ففي أوائل القفرن‬
‫الماضففي وأنهففا تأخففذ اكففثر مففن اتجففاه ‪ ،‬بعضففها محاولففة لبففراز بعففض الجففوانب‬
‫العجازية في القرآن والسنة النبوية وبعضها الخر في التنقيب عن الجهففود العلميففة‬
‫المتميزة الموجودة في تراث الحضارة السلمية في أكثر من مجال كمحاولة لوضع‬
‫صيغة إسلمية للعلوم الطبيعية والنسانية‪.‬‬
‫وأشار في المقابل إلى أن مفهوم إسلمية المعرفة " من شأنه تشكيل‬
‫إعاقة معرفية في المستقبل لن العلم وآلياته – خارج الحكام الشرعية ‪ -‬يغلب عليه‬
‫طابع الحياد ويتضح هذا الحياد غالبًا في مجال العلوم الطبيعية "‪.‬‬
‫جدية في مجال أسلمة المعرفة‬ ‫وبعد أن صرح بقراءته لبعض الجهود ال ّ‬
‫يرى " وجود إشكاليات تؤثر على العقل العلمي السلمي وكذلك يرى وجود خلل‬
‫علمي في جوانب المقدرة لدى الباحثين بفقدانهم للتكامل العلمي من حيث قدراتهم‬
‫على استيعاب العلم الذي يبحثون فيه – علوم طبيعية أو إنسانية ‪ -‬مع إقحام‬
‫النصوص الشرعية واليات وبعض مقولت علماء السلف في أسلمة المعرفة " وأن‬
‫" التطرف في هذه – السلمة العلمية – سيقودنا بالتأكيد إلى فكرة السلمة الشمولية‬
‫وهي جزء من هذا الوهم المعاصر الذي لم يكن يشغل بال العلماء السابقين " ‪.‬‬
‫في الفقرة الخيرة يتفق " خضر " مع " حرب " حففول محففاذير الشففمولية‬
‫الحادية ‪.‬‬
‫ركز المنظر " المسيري " جهده على طرح إسلمية المعرفة بوصفها‬
‫ل مع الجهود الغربية لفك الرتباط بين إنسانية النسان " أنسنة النسان " و‬ ‫تواص ً‬
‫" مادية الطبيعة " ومن هنا قوله ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫" إن مشروع أسلمة المعرفة يبدأ كمشروع أنسنة المعرفة أي استعادة‬
‫الفاعل النساني كمقولة ) مادية روحية ( ل يمكن ردها إطلقًا إلى عالم المادة‬
‫وتتطلب دراستها مناهج خاصة ونماذج مركبة تحوي عناصر مادية وغير مادية ‪،‬‬
‫ولكون تعريف النسان ككائن ) روحي مادي ( وكظاهرة غير طبيعية غير مادية‬
‫يشير في النهاية إلى ما وراء الطبيعة ‪ ،‬إلى ال سبحانه وتعالى ‪ " .‬ويرى المسيري‬
‫" أن الثنائية بين النسان والطبيعة ستظل واهية ما لم تكتشف الثنائية بين الخالق‬
‫والمخلوق ‪ .‬فالخلف يصب في المصدرية لهذه الثنائية التي يرون مصدرها مجرد‬
‫انفصال النسان عن الطبيعة ‪ -‬دون ذكر لمصدر هذا النفصال – وتحوله إلى كائن‬
‫حضاري يعيش داخل منظومات معرفية وجمالية وخلقية ولدها بنفسه " وعليه "‬
‫يصبح النسان النقطة المرجعية النهائية المر الذي سيجعله يتحول تدريجيًا إلى‬
‫البديل الميتافيزيقي للله في المنظومات التوحيدية " ‪.‬‬
‫أما مخرج صحيفة الشرق الوسط فقد بدا كمشارك رابع مع المفكرين‬
‫الثلثة حين صّدر الصفحة برجل " كهل " يعتمر كوفية وهو يقرأ القرآن " جلوسًا "‬
‫على الرض وفي هذا إيحاء كبير ومقالة إل أنها مصورة ‪.‬‬
‫وللدكتور " رضوان السيد " رأي مماثل لما ذهب إليه " خضر " ورد في‬
‫ورقته التي قدمها لمنتدى الفكر العربي عام ‪ 1987‬بعنوان " الحركة السلمية‬
‫والثقافة المعاصرة " )‪ (1‬حيث أنه يشير إلى إسلمية المعرفة بوصفها " بدعة‬
‫جديدة اخترعها إسلميون بالغرب ورجع إلى الكتاب التعريفي بها والصادر عن‬
‫سلسلة إسلمية المعرفة ‪ 1401‬هف ‪1981 /‬م ‪.‬‬
‫نقد وتصويب ‪:‬‬
‫لو أن " إسلمية المعرفة " أو " إسلم المعرفة " هي ما طرحه المنظر "‬
‫حرب " بشأنها ‪ ،‬فإنها ستشكل قياسًا إلى الثقافة العالمية المعاصرة توجهًا " زيلوتيًا‬
‫" بما هو أخطر من الحركة الصولية ‪ .‬فالزيولوتية ‪ Zealot‬هي النتماء إلى حد‬
‫التعصب والهوس لفكرة أو عقيدة بكيفية آحادية شمولية تصادر الخر وتقاوم الغير‬
‫كما ظهرت على يد اليهود في العقد السادس من القرن الول الميلدي حين ووجهوا‬
‫بقوة روما وحضارتها ‪(2) .‬‬
‫كما أن " حرب " لم يفرق بين مدرسة " التأصيل السلمي " ومدرسة "‬
‫إسلمية المعرفة " حين وجه نقده لولئك " الذين يفتشون عن نسب أو سبق إسلمي‬
‫لكل إنجاز غربي " وهذا ما يفعله – على حد قول حرب – " بشكل خاص ومن‬
‫ي فكري أصحاب التفسير العلمي الذين يعتبرون أن القرآن قد‬ ‫غير حياء خلقي أو تق ّ‬
‫استبق العلماء في ما اكتشفوه من النظريات في حقول كالنفس والطب والفلك‬
‫والجغرافيا ‪ ،‬وهكذا بدًل من أن يكون الشاغل الساسي هو إنتاج معارف جديدة‬
‫حول الواقع والعالم والنسان تطغى العتبارات اليديولوجية والنضالية التي تجعل‬
‫دعاة السلمة يتوهمون بأن ما عرفه الغربيون قد سبقناهم إلى اكتشافه ‪ ،‬أو بأننا‬
‫نملك منظومة معرفية شاملة تقدم أجوبة شافية على كل السئلة والقضايا والمشكلت‬
‫‪ ،‬وتلك هي ثمرة النرجسية الثقافية وعبادة الصل وهواجس الهوية ‪ :‬الدعاء‬

‫‪5‬‬
‫ل عن السطو على المعارف التي ينتجها الغربيون من أجل‬ ‫والقصور والجهل ‪ ،‬فض ً‬
‫نسبتها إلى السلم والمسلمين " ‪.‬‬
‫ما ذهب إليه " حرب "هو نقد موجه إلى مدرسة " التأصيل السلمي "‬
‫وليس إلى إسلمية المعرفة ‪ ،‬والخلف بين المدرستين ناشئ منذ الستينات ‪ ،‬فمدرسة‬
‫ل النهج الذي هاجمه " حرب " ‪ .‬وقد أثبتت هذه المدرسة فشلها‬ ‫التأصيل اعتمدت فع ً‬
‫ولم يعد يتحمس لها حتى الدكتور " فهد بن عبد ال السمارى " الذي تولى عمادة‬
‫البحث العلمي في “ جامعة المام محمد بن سعود السلمية " ‪ .‬فهناك عدد من‬
‫الكتاب السلميين الذين ينتمون لحركات إسلمية أصولية وفدوا إلى المملكة‬
‫وأشاعوا فكرة التأصيل بل ومفاهيم " الحاكمية اللهية " على نهج " أبو العلى‬
‫المودودي )‪ " (1979 / 1903‬و " سيد قطب ) ‪. " ( 1966 / 1906‬‬
‫وظهففرت بمففوازاة " التأصففيل السففلمي " فففي جامعففة المففام " الجمعيففة‬
‫السعودية للعلوم التربوية والنفسية " وعقدت ندوة " التأصيل السلمي للتربية وعلففم‬
‫النفس ) ‪ 1413‬هف ‪ 1993 /‬م ( ثم ُدفعت المحففاولت الففتي كففاد معينهففا أن ينضففب‬
‫بتأسيس " مركز البحوث والدراسات السلمية " بإشراف وزارة الشؤون السلمية‬
‫والوقاف " في المملكة وأصدر المركز مجلة " الباحثون "‬
‫ظهور إشكالية التأصيل ‪:‬‬
‫واجه الكاديميون السعوديون ومنذ إصدارهم العدد الثاني لمجلففة المركففز‬
‫ل بيفن " التأصفيل " و " السفلمة "‬ ‫) الباحثون ( عام ‪ 1996‬إشكالية ما ظنفوه تفداخ ً‬
‫فعقدوا ندوة ضمت الدكاترة " عبد ال بن إبراهيم الوهيبي " و " عبففد الف بففن محمففد‬
‫احمد الطيار " و " صالح بن إبراهيففم الصففنيع " و " شففوقي احمففد دنيففا " وجعلففوا "‬
‫السلمة " مماثلة " للتأصيل " ‪.‬‬
‫كانت النزعة التي أدانها " حرب " غالبة على أعمال تلففك النففدوة ويمكففن‬
‫اقتباس الفقرات التالية من وقائع الندوة‪(3) :‬‬
‫" يجدر بنا أن نشير إلى أن الهدف من مشروع ) أسلمة ( العلوم هو )‬
‫تأصيل ( العلوم النسانية على هدى من المبادئ العامة للسلم والمقاصد الكلية‬
‫لشرعه القويم " ‪ .‬وفي موضع آخر " حينما فتح المسلمون الوائل العالم أصلوا ما‬
‫ل إسلميًا ببيان ما يدل عليه من نصوص الكتاب والسنة ‪،‬‬ ‫أخذوه عن الخرين تأصي ً‬
‫وأضافوا إليها إضافات كثيرة جددوا فيها تجديدًا كبيرًا على مر العصور المتطاولة ‪،‬‬
‫فصاغوها صياغة جديدة وفق منهج إسلمي صحيح فترعرعت هذه العلوم في ظل‬
‫دولة السلم ‪ ،‬ووصلت إلى أقصى درجات الرقي والتطور ‪ ،‬إلى أن تسلط‬
‫الوروبيون على المسلمين واحتلوا بلد السلم واخذوا هذه العلوم عن المسلمين‬
‫فاستفادوا منها وأبعدوها عن المنهج السلمي وبنوها على اللحاد واللدينية‬
‫) العلمانية ( وراحوا يضيفون أليها ويطورونها بينما توقف المسلمون في مجال‬
‫البحث والتطوير فترعرعت تلك العلوم في دول الوروبيين التي سيطرت على دول‬
‫السلم وحالت بينها وبين البحث والتطور في مجال هذه العلوم "‪.‬‬
‫ويجب أن نشير أنه بالرغم من هذه التوجهات جرت في النطاق الكاديمي‬
‫السعودي محاولت لللتفاف على هذه الدغمائية في " التأصيل " بهدف إغلق‬

‫‪6‬‬
‫المنافذ على نمّو الحركات الصولية التي بدأت في النشاط منذ انتهاك حرمة الحرم‬
‫المكي‪ .‬في ‪ 20‬نوفمبر ) تشرين ثاني ( ‪ 1979‬ثم تصاعدت وتيرتها في عام‬
‫‪ 1994‬حين تحولت إلى منطق المذكرات التي طالبت بولية الفقيه ) السني ( عام‬
‫‪ 93/1994‬م – ) مذكرة ‪ 19/3/1413‬هف ( غير أن جهود اللتفاف لم يتحقق لها‬
‫النجاح )‪ (4‬فبقيت البرامج التعليمية والثقافية والعلمية والخطب التوجيهية في‬
‫المساجد في قبضة الصوليين إلى أن حدثت الزمات الخيرة والراهنة التي اتخذت‬
‫طابع المواجهة ما بين الصولية الدينية والنظام السياسي ‪ .‬وهذه المواجهة قديمة في‬
‫تاريخ المملكة منذ الصراع بين مؤسس الدولة السعودية الثالثة عبد العزيز آل سعود‬
‫ي حركة الرطاوية بين العامين ‪1929 / 1926‬م ‪.‬‬ ‫وأصول ّ‬
‫اتساع الخلط ‪:‬‬
‫إذن فالخلط بين " التأصيل " و " السلمة " ل زال قائمًا ولم يتبين‬
‫الكاديميون السعوديون هذا الخلط ‪ ،‬وهناك غيرهم في السودان من دعاة التأصيل‬
‫حيث تم إنشاء أمانة تابعة للقصر الجمهوري بهذا السم يرئسها الدكتور " احمد علي‬
‫المام " لتؤصل قرارات الدولة مع قيام فرع في " جامعة الجزيرة – وادمدني" باسم‬
‫" معهد إسلم المعرفة " يعاني نفس ما يعانيه الكاديميون السعوديون ويرئسه‬
‫البروفيسور " محمد بريمة "‪.‬‬
‫وتتصدر نفس إشكاليات الخلط منهج الدراسات في كلية " معارف الوحي‬
‫السلمي والتراث الفرعي " في " الجامعة السلمية العالمية ‪ -‬ماليزيا " وقد‬
‫حاولت جهدي " فك الرتباط " بين المفهومين المختلفين تمامًا في محاضرة لي‬
‫بجامعة الجزيرة وبعنوان " إسلمية المعرفة – المفاهيم والقضايا الكونية – ولماذا‬
‫القرآن دون الكتب المنزلة الخرى ؟ ‪ -‬تاريخ ‪ 14‬أكتوبر ‪ /‬تشرين أول ‪" 2000‬‬
‫وكذلك من قبل في محاضرة بتاريخ ‪ 21‬يناير ‪ /‬كانون ثاني ‪ 1993‬بعنوان "‬
‫التركيب بين الجدليات الثلث – الغيب والنسان والطبيعة " حيث ركزت على‬
‫ضرورة فهم البعاد الغيبية دون لهوت وبمعزل عن المفهوم اليديولوجي ‪،‬‬
‫وضرورة فهم التراث الديني ضمن تاريخانيته والخلفيات الثقافية المنتجة له وهي‬
‫غالبًا الخلفيات البرهانية والعرفانية والبيانية التي شخصها الدكتور محمد عابد‬
‫الجابري وآخرون )‪ (5‬مع ضرورة الهتداء بمنطق الحفر المعرفي للدللت كما‬
‫حددها " ميشال فوكو " )‪ . (6‬بذلك كنت أحاول تحرير التراث والمفهوم الغيبي من‬
‫اللهوت الذي يرفضه المنظر " حرب " ‪.‬‬
‫أما جدل الطبيعة الذي ركبته ضمن الجدليففة الثلثيففة مففع الغيففب المتحففرر‬
‫من اللهوت فقففد طرحتففه ضففمن مفففاهيم " حلقففة فينففا " الففتي طرحففت أبسففتمولوجيا‬
‫المعرفة في علوم الطبيعففة وليففس مصففادرة إنجازاتهففا باسففم " التأصففيل السففلمي "‬
‫لها ‪ ،‬منطلقًا من " نفي الحتميات المادية " لها )‪ (7‬وقد فككففت حلقففة فينففا بوضففعيتها‬
‫الحداثية منذ عام ‪ 1923‬وإلى أهم مؤتمراتهففا وبالففذات المففؤتمر السففابع للفلسفففة فففي‬
‫جامعة أكسفورد عام ‪ 1929‬المسلمات المادية الدغمائية لفلسفة العلوم الطبيعية وبعد‬
‫أن زودت الحلقففة تفكيكيتهففا بمنجففزات " برترانــد رســل " فففي فلسفففة الرياضففيات "‬
‫وأنشتاين " في النسبية وآخرون ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫أما جدل النسان المركب مع جدليتي الغيب والطبيعة فقد خرجت به عن‬
‫المعطيات الوضعية الطبيعية الضيقة للعلوم البايولوجية والسايكولوجية مؤكدًا على‬
‫تركيبه الكوني المطلق " باعتبار تخليقه نتيجة التوالد الجدلي لتفاعل كل الظواهر‬
‫الكونية من ‪:‬‬
‫شاَها)‬
‫ل ِإَذا َيْغ َ‬
‫لَها)‪َ(3‬والّلْي ِ‬ ‫جّ‬‫لَها)‪َ(2‬والّنَهاِر ِإَذا َ‬ ‫حاَها)‪َ(1‬واْلَقَمِر ِإَذا َت َ‬‫ضَ‬ ‫س َو ُ‬ ‫شْم ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫حاَها)‪(6‬‬‫طَ‬‫ض َوَما َ‬ ‫لْر ِ‬ ‫سَماِء َوَما َبَناَها)‪َ(5‬وا َْ‬‫‪َ(4‬وال ّ‬
‫ثم النتيجة‪:‬‬
‫ب َم ْ‬
‫ن‬ ‫خا َ‬
‫ن َزّكاَها)‪َ(9‬وَقْد َ‬ ‫ح َم ْ‬
‫جوَرَها َوَتْقَواَها)‪َ(8‬قْد َأْفَل َ‬ ‫سّواَها)‪َ(7‬فَأْلَهَمَها ُف ُ‬ ‫س َوَما َ‬‫َوَنْف ٍ‬
‫ساَها)‪(10‬‬ ‫َد ّ‬
‫الشمس ‪ /‬ج ‪30‬‬
‫فالنسان مطلق كامل الحرية والرادة ول متناه في نزوعه ضمن كونية‬
‫ل متناهية في الصغر ول متناهية في الكبر‪،‬كونية مطلقة وإنسان مطلق يحيط بهما‬
‫"إله أزلي" ‪.‬‬
‫الوعي بهذه الكونية يتطلب وبما يتجاوز اللهوت والوضعية معًا إدراكًا‬
‫ل لمطلق النسان ومطلق الطبيعة ‪ ،‬ول يصدر هذا الوعي‬ ‫كونيًا مطلقًا ‪ ،‬كفيئًا ومعاد ً‬
‫ل عن من صدرت عنه إطلقية النسان واطلقية الطبيعة ‪،‬‬ ‫المعادل في اطلقيته إ ّ‬
‫أي " الله الزلي " ومن هنا كان التوجه نحو القرآن باعتباره كتابًا كونيًا معادًل‬
‫في اطلقيته للوجود الكوني وحركته بما فيه فهم النسان ‪.‬‬
‫التوجه نحو القرآن يعطي كليانية المعرفة إطارًا كونيًا " يستوعب " ما‬
‫هو قائم من علوم في شتى المجالت بمنطق الوضعية الحداثية كما هي في‬
‫مضمونها المعرفي العلمي التفكيكي ثم " يتجاوزها " باتجاه الكونية خلفًا لمنطق "‬
‫التأصيل " والسرقات التي يرفضها " حرب " وأرفضها معه ‪.‬‬
‫والتوجه نحو القرآن يستلزم القراءة العلمية المنهجية للقرآن بأدوات‬
‫معرفية جديدة تحرر الفهم القرآني مما لصق به ضمن " تاريخانية التراث " وهذا‬
‫جهد يقوم به وبعناء شديد المفكر" محمد أركون " )‪ (8‬الذي يرى من شروط انفتاح‬
‫الفكر العربي – السلمي على العقلنية الحديثة تفكيك مفهوم الدغمائية ومفهوم‬
‫الرثوذكسية الخاصين بالتراث ‪.‬‬
‫وقد بحث الستاذ " محمد وقيدي " في إشكاليات المعالجة التراثية ضمن‬
‫الفلسفة الغربية المعاصرة )‪ (9‬حيث بدأ بإجراء حوار شامل مع العديد من‬
‫التجاهات وأوضح فرضيات الكثيرين من " عبد ال العروي " وإلى " الجابري "‬
‫حيث حمل على الخطاب الفلسفي التقليدي لنه ظل عاجزًا عن الستفادة من العلوم‬
‫النسانية بل ومتبنيًا الفكرة الكلسيكية التي تعتبر التفكير الفلسفي نمطًا أسمى من‬
‫التفكير يتناول مشكلت أساسية ) خالدة ( هي المشكلت الساسية للميتافيزيقيا فقط‬
‫حيث تتجلى في إغفال خصوصية واقع النسان العربي المعاصر وفي إبراز الرادة‬
‫والصرار على ) المطابقة ( بين السئلة التي يلقيها واقع هذا النسان الذي يعيش‬
‫زمانًا خاصًا وبين السئلة التي طرحتها أزمنة تاريخية مختلفة ‪ .‬وهناك مراجعات‬
‫" د‪ .‬نصر حامد أبو زيد " لمفهوم " النص – دراسة في علوم القرآن " وبالذات ما‬

‫‪8‬‬
‫أتي عليه في الفصل الخامس حول ) الناسخ المنسوخ ( وهو من إشكاليات التراث‬
‫حيث تمتنع المقاربة النقدية العقلنية )‪ ، (10‬وهناك جهد مماثل في نفي النسخ "‬
‫للدكتور مصطفى زيد " وهو أستاذ للشريعة السلمية )‪ (11‬ويتضمن نقد النسخ‬
‫لحامد أبو زيد ما هو أخطر من النقد إذ يرد التهام لحبار اليهود الذين أسلموا‬
‫بالدس وهذا ما عمقنا معالجته في نهي الرسول عن كتابة الحاديث النبوية والدس‬
‫ث ويبحث الساتذة " عبد السلم بن عبد العالي‬ ‫عليه ضمن هذه الدراسة ‪.‬وكذلك يح ّ‬
‫" و " محمد وقيدي " و " السعيد بن سعيد " و " كمال عبد اللطيف " و " المصطفى‬
‫حدية " و " محمد كداح " و " المختار الهرماس "في " إشكاليات المنهاج في الفكر‬
‫العربي والعلوم النسانية " ومهام البستمولوجيا المعاصرة بكيفية انتهت لن‬
‫يرفض د‪ .‬كمال عبد اللطيف في بحثه حول " صعوبات الستعمال المنهجي للمفاهيم‬
‫" الوثوقية والجزم والحقيقة المطلقة ‪ ،‬والعلم الكلي ‪ ،‬والخصوصية العمياء ‪ ،‬و‬
‫الصالة المتفردة ‪ ،‬داعيًا إلى تعدد منهجي يقطع مع كل ضللت وأحادية الرؤيا‬
‫المنهجية " )‪. (12‬‬
‫وهناك مجموعة من المبدعين الذين كرسوا عدد " الملتقى " الول للبحث‬
‫في قضايا " السلم والحداثة والتجديد " حيث يتصدر القول‪(13) :‬‬
‫" كانت حاجتنا إلى الصلح والتجديد في القرن الماضي ملحة دون‬
‫شك ‪ ،‬ولكننا الن نجدها أكثر إلحاحًا من قبل ‪ ،‬فما سيواجهنا لن يكون بسيطًا وسه ً‬
‫ل‬
‫‪ .‬و"التجديد" ليس هو ردة فعل خالص ‪ ،‬أو "خلصي" إنه تعبير عن معادلة دقيقة‬
‫بين الشكالت المعرفية في التراث ‪ ،‬وتلك التي طرحها الفكر المعاصر في إطار‬
‫منجزاته المعرفية الخاصة به ‪ ،‬وبين التحديات العميقة للحداثة التي تجد تجلياتها‬
‫في الثقافي والسياسي والجتماعي والمعرفي ‪" .‬التجديد" باختصار موقف عملي‬
‫ليس خارجيًا صرفًا وليس ذاتيًا خالصًا ‪ ،‬إنه نتاج جدل بين الثنين" ‪.‬‬
‫" ومن هذا المنطلق تطمح " الملتقى " في عددها هذا تقديم مساهمتها في‬
‫التجديد والبداع الفكري ‪ ،‬حيث عالجت موادها الموضوعات الرئيسية لشكالية‬
‫الحداثة والسلم ‪ ،‬وتاريخية هذه الشكالية في الفكر العربي والسلمي المعاصر ‪،‬‬
‫ففي محاولة دراسة الحداثة ووعيها باعتبارها أحد طرفي الشكالية ‪ ،‬تم مناقشة‬
‫مصطلحي الحداثة وما بعدها من خلل بحث " من أزمة الحداثة إلى فوضى ما‬
‫بعد الحداثة ‪ ..‬الغرب بين لحظتين " ‪ ،‬اعتمادًا على مفكري وفلسفة الحداثة ‪،‬‬
‫ومنظري ما بعدها ‪ ،‬حيث يتم التركيز على الخلفيات التاريخية لولدة المصطلحين ‪،‬‬
‫وتحليلهما ‪ .‬فليس ما "بعد الحداثة" إّل تعبيرًا عن مأزق "الحداثة" الذي وصلت‬
‫إليه ‪ ،‬مما يجعل السؤال عن "تجاوز الحداثة" ممكنًا ومبررًا ومشروعًا ‪ ،‬في‬
‫محاولة للوصول إلى تأسيس نظري ل "رؤية منهجية في فقه الواقع" انطلقًا من‬
‫مناقشة مفهومنا عن الواقع ‪ ،‬والشكاليات التي تواجهنا في دراسته ‪ ،‬وفقه الواقع ‪،‬‬
‫ل وتعمية في الفكر‬‫الذي يكتسب مشروعية مميزة باعتباره الميدان الكثر إهما ً‬
‫العربي والسلمي ‪ ،‬إنه يتوسط مكمن "الشكالية في علقة السلم والحداثة" ‪،‬‬
‫والتغيرات الضرورية التي يتطلبها التجديد الذي نطمح إليه‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وتشكل دراسة واقع الفكر السلمي المعاصر الذي بحث من خلل‬
‫"ظاهرة القراءة المعاصرة للقرآن‪ :‬أيديولوجيا الحداثة" والسئلة الملحة التي‬
‫تطرحها الحداثة ‪ ،‬والتي بحثت في هذا العدد من خلل " السلم وحقوق النسان‬
‫وسؤال الحداثة" نوعًا من مجريات المحاولت التجديدية ‪ ،‬ومستفزاتها الراهنة ‪،‬‬
‫كما تشكل دراسة "تيار الصلح الديني في مصر – مدرسة الشيخ محمد عبده"‬
‫وصفًا لتجربة غنية ومؤسسة للجهود الصلحية السابقة ‪ ،‬والتي تستحق كثيرًا من‬
‫النظر والتوقف‪.‬‬
‫وفي سياق وعي الذات تأتي المراجعة التي تبحث دور "المعرفة ضد‬
‫السلطة" في تأسيس تراثنا الصولي السلمي"‪.‬‬
‫وقد بذل "المبدعون" حقًا في عدد الملتقى ذاك الجهد المعرفي الذي يشففكل‬
‫رصيدًا لي " تجديد نوعي " وهم " عبد الرحمن الحاج إبراهيم " و " سعود المفولى‬
‫" و " جودت زيادة " و " احميدة النيفر " و " فرزاد حفاجي ميففرزا " و " أنففور أبففو‬
‫طه " و " محمد خروبات " و " محمد عنبر " و " سالم رشواني " ‪.‬‬
‫قد ساهمت بحوث " الملتقى " فيما نحن بصدده لزاحة بني " التقليد‬
‫والتباع " و " مراجعة المعطى التراثي للمة على قاعدة التمثل المعرفي‬
‫ل لغرض‬ ‫الحضاري ‪ ،‬نقدًا وتجاوزًا ‪ ،‬فيما أسميه " الستيعاب والتجاوز " وصو ً‬
‫البناء الجديد ) التجديد النوعي ( ‪.‬‬
‫فكل ما أتينا عليه من مفكرين مبدعين ‪ ،‬من جيلنا والجيل الذي يلينا يؤكد‬
‫أن لهذه المة من داخلها من سيضطلع بأعباء التجديد النوعي وإعادة صياغة‬
‫ل نبقى " جزرًا معزولة " وأن نتجاوز الرؤية‬ ‫مناهجنا التربوية والتعليمية شريطة أ ّ‬
‫الحادية‪.‬‬
‫تجاوزًا لحادية الرؤية المنهجية هذه تأتي جدلية الغيب والنسان‬
‫والطبيعة بمطلقاتها الثلث هذه لتأخذ كونيتها من القرآن وفق قراءة معرفية تستجيب‬
‫لما طرحناه حول نماذج النتاج الفكري والمنظرين الذين أتينا على ذكرهم ‪.‬‬
‫نقائض مكتبة أسلمة المعرفة ‪:‬‬
‫قد أوضحنا أن ندوة " أسلمة العلوم ضرورة حضارية أم ترف فكري ؟‬
‫" في السعودية قد أقرت – مع خلطها بين التأصيل والسلمة – بغيبة المنهج نظرًا‬
‫لحداثة مشروع السلمة ‪ .‬وأنه من الخطأ " الستمرار في منهج كل يسير حسب‬
‫تصوره " وطالبت بإنجاز " كتاب أكاديمي يتعامل بشكل كلي مع قضية أسلمة العلوم‬
‫النسانية دون الدخول المفصل في تناول الجوانب الفرعية للمعرفة " ‪.‬‬
‫ل ‪ ،‬إذ أن الكثير من الكتابات‬
‫غير أني أضيف إلى ما ذكروه أمرًا جل ً‬
‫تحت مسمي اسلمة المعرفة أو إسلمية المعرفة يتناقض تماما مع اسلمة المعرفة‬
‫بالحيثيات البستمولوجية التي أوضحناها في التفاعل بين الجدليات الثلث ‪ ،‬فعوضًا‬
‫عن المنهجية العلمية المفتوحة نجد كتابات عن " الوسطية " بشكل تلفيقي وتوفيقي‬
‫وانتقائي ‪ ،‬والوسطية نقيض المنهج والمنهجية‪ ،‬ونجد كتابات عن " أزمة المسلم " أو‬
‫" أزمة الفكر السلمي " تكتفي باتهام التخلف واللعقلنية فقط وكأنها كتابات‬
‫محدثة لمعتزلة جدد ‪ ،‬ونجد كتابات في " التفسير التاريخي السلمي " ل علقة لها‬

‫‪10‬‬
‫بأي نص قرآني حتى إنها لم تدرس مفهوم " التدافع " بين العرب والسرائيليين وفق‬
‫نصوص سور " السراء " و " الحشر " و " الجمعة " فيما سنوضحه لحقًا‪ .‬غياب‬
‫كامل عن بحث الشكاليات التي فرضت إنشاء علم إسلمية المعرفة ‪ .‬فإذا أراد ناقد‬
‫ما هدم هذا العلم الناشئ يكفيه فقط الستشهاد بهذه الدراسات والتففي يصدر بعضها‬
‫تحت سلسلة " إسلمية المعرفة " ‪.‬‬
‫إسلمية المعرفة ‪ :‬الصول والتمويه‬
‫إن أول مففن طففرح إسففلمية المعرفففة ليففس هففو " المعهففد العففالمي للفكففر‬
‫السلمي " كما افترض الستاذ " رضوان السيد " والتي اسماها " بدعة " أو " عبد‬
‫العزيز الخضر " بإشارة الول ) رضوان ( إلى كتاب المرحوم " إسفماعيل الففارقي‬
‫" بعنوان " اسلمة المعرفة – ‪ 1401‬هف ‪ 1981 /‬م " وبإشارة الثاني ) خضر ( إلى‬
‫العقود القليلة الماضفية " وجعلهفا امتفدادًا للمحففاولت البسففيطة الفتي تمففت ففي أوائل‬
‫القرن الماضي " ولعله يعني محاولت التجديد في مرحلة فكففر النهضففة الصففلحي‬
‫الففتي حففددها " الففبرت حففوراني " )‪ (14‬و "علففي المحافظففة " )‪ (15‬و " عبففد ال ف‬
‫العروي " )‪ (16‬بالفترة ما بين ‪ 1798‬والى ‪. 1939‬وهي الفترة التي ظهرت فيهففا‬
‫أسففففماء " جمففففال الففففدين الفغففففاني ) ‪ (1839/1897‬و " محمففففد عبففففده " )‬
‫‪ (1849/1905‬و" خير الدين باشا التونسي " ) ‪ (1810/1879‬و " عبد الرحمففن‬
‫الكواكبي " ) ‪ (1848/1902‬و " علففي عبففد الففرازق " الففذي أصففدر كتففابه المميففز‬
‫النافي لرتباط السلم بالخلفة بعنوان ‪ " :‬السلم وأصول الحكففم " عففام ‪).1925‬‬
‫‪(17‬‬
‫هنا لم يميز " خضر " بين " المحاولت الصلحية التجديدية " التي تقوم‬
‫على الجتهاد النظري التأويلي القرب إلى الميتافيزيقيا بالرغم من ثوريتها والمنهج‬
‫المعرفي للسلمة ‪ ،‬تمامًا كما لم يميز " حرب " بين " التأصيل " و " السلمة "‪.‬‬
‫إن أول من منهج لسلمية المعرفة بطريقة معرفية معاصرة تكاد تقترب‬
‫من كتاباتنا ومحاضراتنا هو البروفيسور " سيد محمد نقيب العطاس " الرئيس‬
‫الحالي للمعهد العالي للفكر والحضارة السلمية في " كوالمبور " بماليزيا ‪ .‬وأهم‬
‫كتبه " مداخلت فلسفية في السلم والعلمانية " وقد صدر عام ‪ 1978‬باللغة‬
‫النكليزية )‪ (18‬وقد بدا نشاطه في إسلمية المعرفة منذ عام ‪ 1973‬حيث اصدر‬
‫وثيقة حولها " للمؤتمر العالمي الول للتربية والتعليم في السلم " والذي عقد في‬
‫مكة المكرمة في الثالث من أبريل ) نيسان ( ‪ . 1977‬وقد تبنى المرحوم " إسماعيل‬
‫الفاروقي " أفكاره في الكتاب الذي أشار إليه دكتور رضوان السيد ) إسلمية‬
‫المعرفة ( أما العطاس نفسه فقد استبعد تمامًا من كل المؤتمرات التربوية والسلمية‬
‫‪ ،‬حتى انه لم يدعى إلى مؤتمر عقد في إسلم أباد في شهر يناير ‪ /‬كانون ثاني‬
‫‪ 1982‬تحت مسمى " إسفلمية المعرفة " أو " أسلمة المعرفة " وهو المصطلح‬
‫الذي ولده العطاس دون غيره ‪.‬‬
‫أما السبب في استبعاد العطاس فهو دمجه بين " العرفانية " ومحاولته‬
‫المنهجية "لتكييف" ما يسميه السلحة المعرفية الغربية ) البستمولوجي ( مع‬
‫استيعابه لتطور الغرب وفلسفته ‪ .‬هكذا خرجت مسارات " السلمة " من يد "‬

‫‪11‬‬
‫العطاس " وبقيت شعارًا بل منهج مما دفعه للحنق والغضب الشديدين خصوصًا وقد‬
‫تناول كثيرون موضوع " السلمة " من بعده فشوهوها وزيفوها مما دفع "العطاس"‬
‫للقول‪:‬‬
‫" ومنذ ذلك الوقت توالى عقد دورات عديدة للمؤتمر العالمي للتعليم‬
‫السلمي في مختلف العواصم السلمية ‪ ،‬ولكن لم تصلني أية دعوة لحضور تلك‬
‫حلت أفكاري بدون إثبات أي حق لي ‪ .‬ومنذ عام ‪ 1982‬م ظ ّ‬
‫ل‬ ‫المؤتمرات ‪ ،‬وانُت ِ‬
‫بعض العلماء المتطلعين للشهرة وبعض الحركيين والجامعيين والصحفيين يوالون‬
‫ق وأساليب غير محكمة ول مجّودة واستمّر ذلك المر إلى‬ ‫نشر أفكاري تلك بطر ٍ‬
‫يومنا هذا " ‪.‬‬
‫" إن المسلمين ل بد أن ينتبهوا إلى المنتحلين والمزيفين ‪ .‬والمحاكون من‬
‫الجهلء إنما يرتكبون جرمًا كبيرًا وشّرا عظيمًا حينما يقومون بنشر القيم الهابطة‬
‫التي يفرضونها على الغافلين فرضًا ‪ ،‬لنهم بذلك يشجعون على الرداءة وينتحلون‬
‫الفكار الصلية فيقدمونها للتطبيق المتعجل ساعين إلى كسب الثناء والحمد الذي ل‬
‫ن َأ ْ‬
‫ن‬ ‫حّبو َ‬
‫ن ِبَما َأَتوا َوُي ِ‬
‫حو َ‬
‫ن َيْفَر ُ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫سَب ّ‬
‫حَ‬ ‫ل َت ْ‬‫ل شأنه يقول‪َ :‬‬ ‫يستحقونه ‪ ،‬وال ج ّ‬
‫ب َأِليٌم)‪ – (188‬آل‬ ‫عَذا ٌ‬ ‫ب َوَلُهْم َ‬‫ن اْلَعَذا ِ‬
‫سَبّنُهْم ِبَمَفاَزٍة ِم ْ‬
‫حَ‬‫ل َت ْ‬
‫حَمُدوا ِبَما َلْم َيْفَعُلوا َف َ‬
‫ُي ْ‬
‫عمران ‪ /‬ج ‪ . 4‬ذلك لن الفكار الصلية ل يمكن أن تطبق بشكلها الصحيح إذا‬
‫عرضت بطريقٍة مغلوطة وسقيمة ‪ ،‬ومن يفعل ذلك فسينقلب حمده ذّما وسيندم على‬ ‫ُ‬
‫ما أقدم عليه ‪ .‬وكذا العمال الفكرية الصلية والمبتكرة إذا سرقت وعرضت بشكل‬
‫غير محكم فإنها حتمًا ستتعرض للتشويه والضياع " ‪.‬‬
‫" ول غرو فإن النتيجة الحتمية لسوء السلوك إنما ُتهيئ المناخ المناسب‬
‫ل ُيتاجرون به بين الجماهير ‪ .‬ولن‬ ‫لظهور مغالين من الناس من جهلهم رأس ما ٍ‬
‫قيمة الفكار الجديدة وصحتها ل يمكن أن تتضح أو تتبلور إل من خلل قنواتٍ‬
‫وأطر مناسبة يضعها مخترع هذه الفكار شخصيًا "‪.‬‬
‫غير أنه مما يعوض عن ذلك ‪ ،‬الكتاب الذي أصدره مؤخرًا في عام‬
‫‪ 1998‬الستاذ ) وان محمد نور وان داود ( باللغة النكليزية بعنوان ) الفلسفة‬
‫والممارسة التربوية للسيد محمد نقيب العطاس ( )‪. (19‬‬
‫إن المشكلة مع معظم كتاب إسلمية المعرفة أنهم ل يبصرون الجانب‬
‫التفكيكي في البستمولوجيا العلمية المعاصرة ودحض المنهج المادي وحتمياته‬
‫وهو المر الذي تنبه له المنظر " المسيري " بنافذ بصيرته الفكرية حين مد جسور‬
‫إسلمية المعرفة إلى " النسانيين " الذين تحرروا من هيمنة المادية الطبيعية‬
‫وجعلوا العلقة معها ثنائية ) النسان – الطبيعة ( أمل أن يتواصل توجههم ليدركوا‬
‫الثنائية الكبرى بين ) ال – النسان ( عوضًا عن موقفهم الحيادي الذي يمكن أن‬
‫يدفع بهم " للعدمية " ‪.‬‬
‫استبصار " المسيري " وهو من مستشاري المعهد العالمي للفكر‬
‫السلمي خطوة متقدمة غير أن ثنائية ال – عز وجل – والنسان ل تأتي بمعزل‬
‫عن ارتباط البعد الثالث بال وبالنسان وهو بعد الطبيعة نفسها في كليانية تتوحد‬
‫فيها بمنطق جدلي أبعاد الغيب والنسان والطبيعة ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫قد شارك " المسيري " في مناقشة عرض كتابي " منهجية القرآن‬
‫المعرفية – أسلمة فلسفة العلوم النسانية والطبيعية " )‪ (20‬واطلع على النماذج‬
‫المطروحة لجدلية الغيب ) دون لهوت ( وجدلية النسان ) دون وجودية عبثية (‬
‫وجدلية الطبيعة ) دون مادية ( مع قراءة كل جدلية من داخلها وفق منهجها ‪،‬‬
‫الطبيعة والتفكيك في كون لمتناه في الصغر ول متناه في الكبر ‪ ،‬والنسان‬
‫واطلقية تكوينه الكوني ‪ ،‬والغيب في فعله ضمن العوالم الثلث ‪:‬‬
‫) المر اللهي المطلق – الرادة اللهية النسبية – المشيئة اللهية الموضوعية‬
‫المقننة ( ‪ ،‬ففعل المر منزه متعال ‪ ،‬وفعل الرادة مقدس ونسبي يدرك بالقرانن‬
‫الدالة عليه‪ ،‬أما فعل المشيئة فمبارك وموضوعي وظاهر في قوانين التسخير ‪ ،‬ثم‬
‫يأتي الربط المنهجي بين هذه الجدليات الثلث فنخرج بذلك من قبضة اللهوت‬
‫والخرافات والسطورة التي يزخر بها التراث الذي يجب أن نرده إلى تاريخانية‬
‫إنتاجه ‪ .‬فكل التراث يجعل فعل ال دون توسطات بين هذه العوالم مع أن ال يقول ‪:‬‬
‫ن)‪ (82‬يس ‪ /‬ج ‪ - 23‬فالمر يتحول‬ ‫ن َفَيُكو ُ‬
‫ل َلُه ُك ْ‬
‫ن َيُقو َ‬
‫شْيًئا َأ ْ‬
‫ِإّنَما َأْمُرُه ِإَذا َأَراَد َ‬
‫إلى إرادة ‪ ،‬ثم تتحول الرادة إلى مشيئة ظاهرة ‪ ،‬وكذلك يسبق ال آية فعله كلمح‬
‫حَدٌة‬
‫ل َوا ِ‬
‫خَلْقَناُه ِبقََدٍر)‪َ(49‬وَما َأْمُرَنا ِإ ّ‬
‫يٍء َ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫بالبصر بما يسبق من تقدير ‪ِ .‬إّنا ُك ّ‬
‫صِر)‪ - (50‬القمر ‪ /‬ج ‪27‬‬ ‫ح ِباْلَب َ‬ ‫َكَلْم ٍ‬
‫هذا هو الطار العريض لسلمية المعرفة التي تحرر فلسفة العلوم‬
‫الطبيعية من " الحالة المادية " وتحرر النسان من " الوجودية العبثية " وتحرر‬
‫الغيب من اللهوت والخرافات فتستقيم " الفلسفة الكونية " التي هي الوجه الفكري‬
‫الخر لسلمية المعرفة ‪.‬‬
‫"العلواني" يخفي في نفسه ما ال مبديه ‪:‬‬
‫الدكتور طه جابر العلواني يخفي في نفسه من " الستنارة " ما ال مبديه‬
‫في حالت ومواقف كثيرة ‪ ،‬مخالفًا بذلك الكثيرين من مؤسسي ومستشاري المعهد‬
‫العالمي للفكر السلمي في فرجينيا ‪ ،‬وهو رجل " دائم التعلم " وغير دغمائي ‪،‬‬
‫وينظر بروح نقدية لوضاع المسلمين وفكرهم " السائد " لهذا كتب " إصلح الفكر‬
‫السلمي بين القدرات والعقبات " )‪ (21‬و " أدب الختلف في السلم " )‪(22‬‬
‫وحاضر حول " الزمة الفكرية المعاصرة " و " الزمة الفكرية ومناهج التغيير ")‬
‫‪ (23‬كما كتب حول " خواطر في الزمة الفكرية والمأزق الحضاري للمة‬
‫السلمية " ودفع لعقد العديد من الندوات كتلك التي عقدها لمناقشة بحثي عن "‬
‫منهجية القرآن المعرفية " في القاهرة في ‪ 11‬مارس ) آذار ( ‪ 1992‬م حيث‬
‫اعتبرها البعض من مستشاري المعهد " خروجًا " على فكر المعهد ‪ ،‬وهدد البعض‬
‫من مستشاري المعهد " دكتور محمد عمارة " بنفض اليد عن المعهد العالمي للفكر‬
‫السلمي إذا تبنى توجهاتي )‪ " : (24‬مثل هذا الفكر إذا ارتبط بالمعهد العالمي‬
‫للفكر السلمي فأعتقد أن الكثيرين الذين يحرصون على علقتهم بالمعهد يجبرون‬
‫ويدفعون دفعًا إلى قطيعة معه " ‪ .‬واتهم فكري " بالغنوصية " والدهى من ذلك أنه‬
‫ماثله بكتاب للشهيد السوداني المتصوف " محمود محمد طه " الذي أعدمه " نميري‬
‫" بتهمة " الردة " بتاريخ ‪ 18‬يناير ) كانون ثاني ( ‪ 1985‬م ‪ 27 /‬ربيع الثاني‬

‫‪13‬‬
‫‪ 1405‬هف )‪ ، (25‬وقد تشابه عنوانا كتابينا على الدكتور عمارة ‪ ،‬فكتابي عنوانه "‬
‫العالمية " – السلمية الثانية وكتاب الشهيد محمود محمد طه هو " الرسالة " –‬
‫الثانية من السلم حيث يماهي دوره بدور خاتم الرسل والنبيين ‪ ،‬ومنهج محمود –‬
‫خلفًا لمنهجنا – " صوفي تأملي " ومنهجنا يقوم على الربط بين " جدليات ثلث "‬
‫هي‪ :‬الغيب والنسان والطبيعة ‪ ،‬ويتضمن كتابي " العالمية " نقدًا لمفاهيم محمود‬
‫محمد طه ونهجه )‪ (26‬في مقطع عنوانه ) شبهات التداخل بين " العالمية "‬
‫السلمية الثانية و " الرسالة " الثانية من السلم ( ‪.‬‬
‫فالدكتور عمارة اتهمني ولم يقرأ لي ولم يقرأ لمحمود محمد طه ثم أنذر‬
‫بمقاطعة المعهد العالمي للفكر السلمي !!! وزاد إلى ذلك " وللسف نجد لفكر أبي‬
‫القاسم هذا انتشارًا في بعض البلد السلمية ‪ ..‬والعقيد القذافي يردد هذا الكلم‬
‫أيضًا "‪ .‬في حين أني قد ميزت بوضوح بين منهجي في العالمية السلمية الثانية‬
‫وطروحات القذافي في " الكتاب الخضر " حول ‪ " :‬النظرية العالمية الثالثة " وذلك‬
‫حين ماثل الستاذ " إبراهيم الغويل " بين توجهاتي وتوجهات القذافي أثناء ندوة‬
‫عقدتها مجلة " رسالة الجهاد " في " مالطا " في الفترة ما بين ‪ 15‬وإلى ‪ 20‬نوفمبر‬
‫)تشرين ثاني( ‪ 1988‬م بعنوان " الدين والتدافع الحضاري " بحيث قلت وقتها أن "‬
‫الستاذ إبراهيم الغويل قد اغتال أقوالي وماثلها بالنظرية العالمية الثالثة ثم بّينت‬
‫الفارق المنهجي بيني وبين فكر القذافي في المجلد الول من العالمية السلمية‬
‫الثانية )‪ (27‬ويبدو أن القذافي نفسه الن غير متحّمس لفكاره ‪ .‬ول أدري مدى ما‬
‫بقي للستاذ إبراهيم الغويل من حماس ! أما أنا فل زلت – بحمد ال – على ما أنا‬
‫عليه ‪.‬‬
‫ومضى د‪ .‬عمارة لبعد من ذلك حين استشهد بالمرحوم الشيخ " محمد‬
‫الغزالي " ضد " منهجية القرآن المعرفية " وقد فوجئ حين قرأ رئيس الندوة‬
‫الدكتور طه جابر العلواني رسالة المرحوم الغزالي حول بحثي حيث وقف إلى‬
‫جانب البحث وكتب بالنص ‪ " :‬فالستاذ محمد أبو القاسم له أسلوب في الفكر عميق‬
‫البحث يعلو ويعلو حتى يغيب عن عينيك أحيانًا ‪ ،‬ولذلك فلن يستفيد من كتابه إ ّ‬
‫ل‬
‫مختصون كبار ‪ ،‬والمؤلف يعز القرآن الكريم إعزازًا كبيرًا ‪ ،‬ويرى بحق أنه أساس‬
‫فذ لسلمة العلوم الطبيعية والنسانية ‪ ،‬وليس فينا من يخالفه في حدود المعاني التي‬
‫شرحها وإن كنت أود البتعاد عن مصادمات ل تساوي مؤنة الشتغال بها مثل قصة‬
‫يأجوج ومأجوج ‪ ،‬وقصة الفداء العظيم لسماعيل بن خليل ال إبراهيم ‪ ،‬والبحث‬
‫القيم لن يخدشه حذف هذه القضايا وال ولي التوفيق " وقرظه خلفًا لدعاء د‪.‬‬
‫عمارة ‪ .‬ونص الرسالة موجود في وقائع الندوة – ص ‪ – 172/174‬الهامش ‪. 20‬‬
‫ثم آخر هو الدكتور " جمال الدين عطية " من مستشاري المعهد أيضًا‬
‫حيث طالب بوضع ضوابط في تعامل المعهد مع الباحثين ‪ " .‬فل بأس من أن أذكر‬
‫بأننا في المعهد بحاجة إلى وضع ضوابط لمثل هذه البحوث ‪ ،‬وإّل لو ترك المر‬
‫مفتوحا على مصراعيه لما كان لدينا مانع من ان نجتمع ونناقش أطروحة أركون‬
‫وأطروحة حسن حنفي وغيرهم ممن يكتبون انطلقًا من تفسير معين للقرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬فأنا أظن أن الولى قبل أن ندخل في مثل هذه النظريات والمناهج أن نضع‬

‫‪14‬‬
‫منهجًا للدخول فيها حتى تضبط الطريقة التي يتناول بها بحث مثل هذه المور ‪،‬‬
‫كما أني – من ناحية أخرى – أحذر من أن خروج مثل هذه البحوث سيفتح النور‬
‫الخضر لمن يتناولون فكرة إسلمية المعرفة بالهجوم ‪ ، ،‬وكلمة عابرة في كتاب‬
‫إسلمية المعرفة كانت موضوعًا لمقال كبير ل " السيد ياسين " ‪ ،‬فإذا كنا نسمح‬
‫بمثل هذه البحوث أن تحمل اسم المعهد فأنا أخشى أن يكون في هذا مادة كبيرة‬
‫ودسمة لفرج فودة وفؤاد زكريا وغيرهما ممن يتربصون بأفكار المعهد ولن يجدوا‬
‫أدسم من هذه الوجبة في تناول المعهد وأفكاره ‪ ،‬وأقتصر على هذا مما كنت أعددته‬
‫للملحظة الولى " )وقائع الندوة – ص ‪ (174/175‬الهامش ‪. 20‬‬
‫وُوصف العلواني بأنه "واصل بن عطاء المعتزلي" – )ولد بالمدينة‬
‫المنورة عام ‪ 80‬هف – ‪ 700 / 699‬م وتوفى عام ‪131‬هف – ‪ 748/749‬م( وأن‬
‫العلواني يواصل عطاء "واصل " في القرن العشرين وذلك من قبيل الذم وليس‬
‫المدح ‪ ،‬وقد ترك المعهد العالمي للفكر السلمي ليدير بمنهجه التجديدي ‪The‬‬
‫– ‪Graduate School of Islamic and Social Sciences‬‬
‫‪ . Leesburg – Virginia – U.S.A‬ولكنه ل زال في حالة " على من تقرأ‬
‫مزاميرك يا داود ؟! " فالمطلوب منه فقط أن يقول أن السلم صالح لكل زمان‬
‫ومكان ‪ ،‬أما كيف ؟ فكيفية العلواني فيها نظر !‬
‫وقد شمله الهجوم وإياي في كتاب " النقلبات البولصية في السلم –‬
‫المعهد العالمي للفكر السلمي نموذجًا " – للدكتور " محمد عمراني حنشي "‬
‫حيث ماثل جهودنا في السلم بجهود "بولص " في المسيحية حين أدخل عليها "‬
‫عقيدة التثليث " ومد الهجوم للمرحومين الشيخ " محمد الغزالي " ومن قبله الشيخ "‬
‫محمد أبو زهرة " و " محمد عبده " وكل تلمذته ومن تأثر به في الماضي‬
‫والحاضر)‪. (28‬‬
‫القرآن‪:‬هل هو مصدر نظريات وإعجاز علمي أم مصدر مؤشرات منهجية ؟‬
‫الذين تعاملوا مع القرآن كمصفدر للنظريفات العلميفة التطبيقيفة والعجفاز‬
‫العلمي يماثلون الذين تعاملوا مففع خففاتم الرسففل والنففبيين كطففبيب وجففراح أيضفًا بمففا‬
‫نسبوه إلى مقامه المعصفففوم من " فصد " و "كي " وأعشاب معينة ‪ .‬فهذه ملصففقات‬
‫ل علقة لها بالقرآن ول بالنبوة ‪ ،‬وإنما هي للرتزاق ‪.‬‬
‫إنه من خصائص القرآن انه يقدم مؤشرات منهجية كونية للخليقة‬
‫والتكوين حين يتحدث عن التخليق الكوني للنسان والنفس فيما تعرض له سورة‬
‫الشمس من متقابلت كونية متفاعلة جدليًا وبما يجعل حرية الرادة النسانية‬
‫والختيار من اصل التكوين فل نعود لمناقشات " المعتزلة والشاعرة والجهمية "‬
‫صل لنا القرآن الجوانب العلمية التطبيقية لهذا التفاعل‬ ‫في الجبر والختيار ولكن ل يف ّ‬
‫الجدلي الكوني في سورة الشمس ‪ ،‬فهذا عمل علماء الطبيعة وكلهم من أبناء‬
‫الحضارة الغربية وليس بينهم من يكتب في العجاز العلمي للقرآن ‪.‬‬
‫العلوم البحتة والحالة المادية ‪:‬‬
‫كذلك من المؤشرات المنهجية القرآنية الكونية الظواهر المتعاكسة في‬
‫قانون الطبيعة فحين يفترض علميًا أن ينتج عنصران مختلفان نتاجًا محددًا نجد أن‬

‫‪15‬‬
‫التفاعل بين عنصري الماء " الواحد " والتربة " الواحدة " يؤدي إلى تنوع وتعدد ل‬
‫ل على إعجاز علمي ولكن كدليل على كونية الخلق حيث تتفاعل‬ ‫متناه ‪ ،‬ليس دلي ً‬
‫عناصر الكرة الرضية بكافة منظومتها الفضائية دون أن يقول لنا القرآن كيف ؟‬
‫فذاك عمل علماء الطبيعة ‪.‬‬
‫ونجد اليات الدالة على نتاج متعدد ومتنوع ول متناه من تفاعل عنصرين آحاديين‬
‫ت ِم ْ‬
‫ن‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫ت َو َ‬ ‫جاِوَرا ٌ‬ ‫طٌع ُمَت َ‬ ‫ض ِق َ‬ ‫لْر ِ‬ ‫مختلفين في سورة الرعد‪َ :‬وِفي ا َْ‬
‫ضُ‬
‫ل‬ ‫حٍد َوُنَف ّ‬‫سَقى ِبَماٍء َوا ِ‬ ‫ن ُي ْ‬
‫صْنَوا ٍ‬ ‫غْيُر ِ‬ ‫ن َو َ‬ ‫صْنَوا ٌ‬‫ل ِ‬ ‫خي ٌ‬‫ع َوَن ِ‬ ‫ب َوَزْر ٌ‬ ‫عَنا ٍ‬
‫َأ ْ‬
‫ن)‪ – (4‬الرعد‬ ‫ت ِلَقْوٍم َيْعِقُلو َ‬‫لَيا ٍ‬‫ك َ‬ ‫ن ِفي َذِل َ‬ ‫ل ِإ ّ‬ ‫لُك ِ‬‫ض ِفي ا ُْ‬ ‫عَلى َبْع ٍ‬ ‫ضَها َ‬ ‫َبْع َ‬
‫‪ /‬ج ‪ .13‬فالتربة واحدة ) قطع متجاورات ( والماء واحد ) بماء واحد (‪.‬‬
‫كما نجد تناقض ذلك في سورة فاطر حيث ينتج عنصران مختلفان‬
‫شَراُبُه َوَهَذا ِمْل ٌ‬
‫ح‬ ‫ساِئٌغ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ب ُفَرا ٌ‬ ‫عْذ ٌ‬ ‫ن َهَذا َ‬ ‫حَرا ِ‬ ‫سَتِوي اْلَب ْ‬ ‫نتاجًا واحدًا مشتركًا‪َ :‬وَما َي ْ‬
‫ك ِفيِه‬‫سوَنَها َوَتَرى اْلُفْل َ‬ ‫حْلَيًة َتْلَب ُ‬
‫ن ِ‬ ‫جو َ‬‫خِر ُ‬ ‫سَت ْ‬
‫طِرّيا َوَت ْ‬ ‫حًما َ‬ ‫ن َل ْ‬
‫ل َتْأُكُلو َ‬
‫ن ُك ّ‬ ‫ج َوِم ْ‬ ‫جا ٌ‬‫ُأ َ‬
‫ن)‪ – (12‬فاطر ‪ /‬ج ‪.22‬‬ ‫شُكُرو َ‬ ‫ضِلِه َوَلَعّلُكْم َت ْ‬
‫ن َف ْ‬ ‫خَر ِلَتْبَتُغوا ِم ْ‬
‫َمَوا ِ‬
‫وفي الحالتين ل يعطينا القرآن القوانين العلمية التطبيقية ول النظريات‬
‫فهذا كما قلنا عمل العلماء ‪ ،‬وإنما يعطينا مؤشرات منهجية على كونية الخلق‬
‫لنتجاوز الحالة الفلسفية لقوانين الطبيعة باتجاه المادية ‪ ،‬فالتخليق اللهي يمضي‬
‫كونيًا لبعد من ضوابط " التشيؤ الطبيعي " التي ل يدرك كونيتها المطلقة النسان‬
‫وبما يمضي لستخراج الحي من الميت والميت من الحي وإلى ل متناهيات التعدد‬
‫والتنوع بحيث تستحيل الحالة الفلسفية الوضعية والمادية للعلوم الطبيعية وهذا ما‬
‫تقترب منه الن أبستمولوجية المعرفة العلمية النسبية والتفكيكية المعاصرة ‪ .‬وهذه‬
‫هي مهمة "إسلمية المعرفة " ‪.‬‬
‫إن جهد إسلمية المعرفة ل زال ناشئًا ويتفرع إلى كل العلوم ليرتقي بها‬
‫مــن " الوضعية " إلى " الكونية " وهذه الرؤية الكونية هي بديل اللهوت‬
‫والوضعية معًا ‪ ،‬ولها ضوابطها التي تخرجها من الطار الميتافيزيقي للتفكير وفق‬
‫منهجية قرآنية علمية منفتحة على كافة المناهج المعرفية والنساق الحضارية‬
‫البشرية ‪ ،‬ومن هنا تأتي قيمة القرآن ككتاب كوني يتسع لكل المناهج ‪ ،‬وقيمة‬
‫السلم كدين عالمي ليستوعب التعدد والتنوع ‪.‬‬
‫شرعة السلم والحاكمية اللهية والستخلف ‪:‬‬
‫أما شرعة السلم فليس لها علقة " بالحاكمية اللهية " أو " حاكمية‬
‫الستخلف " – تبعًا لمنطق الناقدين ‪ -‬كما سطرها " أبو العلى المودودي " )‬
‫‪1903/1979‬م( وتبعه " سيد قطب " )‪1906/1966‬م( فهي " حاكمية بشرية "‬
‫منذ ارتقاء خاتم الرسل والنبيين للمل العلى وجعل ولية المر ) منا ( وليس )‬
‫فينا ( بالغلبة الجتماعية والتراتب الكهنوتي وولية الفقهاء وليس ) علينا (‬
‫لْمِر ِمْنُكْم‬ ‫ل َوُأْوِلي ا َْ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ل َوَأ ِ‬ ‫طيُعوا ا َّ‬ ‫ن آَمُنوا َأ ِ‬ ‫بالسطوة الفوقية " َياَأّيَها اّلِذي َ‬
‫خِر‬‫لِ‬ ‫ل َواْلَيْوِم ا ْ‬‫ن ِبا ِّ‬
‫ن ُكنُتْم ُتْؤِمُنو َ‬ ‫ل ِإ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫ل َوالّر ُ‬ ‫يٍء َفُرّدوُه ِإَلى ا ِّ‬ ‫ش ْ‬ ‫عُتْم ِفي َ‬ ‫ن َتَناَز ْ‬‫َفِإ ْ‬
‫ل)‪ – (59‬النساء ‪ /‬ج ‪ 5‬وهذا هو موضوع كتابنا القادم بإذن‬ ‫ن َتْأِوي ً‬‫سُ‬ ‫حَ‬‫خْيٌر َوَأ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫َذِل َ‬

‫‪16‬‬
‫ال ) منهجية القرآن المعرفية والفارق بين الحاكمية اللهية وحاكمية الستخلف‬
‫والحاكمية البشرية ( ‪.‬‬
‫لماذا "السلمة" وليس "الكونية" ؟‬
‫كان يمكن الخروج على حالة اللبس المنهاجي باستخدام " الكونية "‬
‫عوضًا عن " السلمة " لمواجهة الوضعية المادية في فلسفة العلوم الطبيعية‬
‫والنسانية ‪ ،‬بذلك نتماهى مع ما يراه العقلنيون الموضوعيون ‪ ،‬ثم نكتفي بطرح‬
‫الجدلية الثلثية كقاعدة أساس لهذه الكونية وهي جدلية الغيب والنسان والطبيعة ‪.‬‬
‫غير أن هذا الخروج على " السلمة " يخل بالسس التالية ‪:‬‬
‫أوًل ‪ :‬تجريد الجدلية الثلثية ) الغيب والنسان والطبيعة ( من مصدرها الكوني‬
‫وهو القرآن المعادل موضوعيًا للوجود الكوني وحركته ‪ ،‬فهو المصدر الوحيد‬
‫للنفاذ إلى هذه الكونية كما أوضحنا في سور ) الشمس ( و) فاطر ( و‬
‫) الرعد ( لنه متنزل من لدن الله الزلي الذي أوجد هذه المطلقات والعالم‬
‫بها وببنائيتها ‪ .‬فالجدلية الثلثية ل يمكن أن تعتمد على العقل النساني وحده‬
‫مهما بلغت البستمولوجيا المعاصرة والثورة الفيزيائية الفضائية من تفكيك‬
‫ل إلى " علم الفوضى – ‪ . " Chaos‬وسيصدر لنا بإذن ال عن‬ ‫وصو ً‬
‫قريب كتابين ) خصائص القراءة المنهجية للقرآن بين المطلق والنسبي‬
‫والتحليل والتفسير ( ‪ .‬وكذلك ) القرآن والمتغيرات الجتماعية والتاريخية ( ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬ل يمكن انتحال الرؤية القرآنية الكونية باستخدام مضامين اليات دون‬
‫الشارة إلى النص ‪ ،‬فهذا تزوير يماثل حال من ينقل عن مراجع الخرين‬
‫وينسبها لنفسه دون الشارة إليهم ‪.‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬ثم إن وجود القرآن في عمق الرؤية الكونية هو تثبيت لحد أبعاد الجدلية‬
‫الثلثية نفسها وهي جدلية الغيب ودور الله الزلي ‪ ،‬فلو تجاوزنا القرآن أو‬
‫انتحلناه تجاوزنا تركيب الجدلية كلها‪.‬‬
‫رابعًا ‪ :‬إن إسلمية المعرفة كرؤية كونية ل تستهدف خلص العرب والمسلمين فقط‬
‫وإنما خلص العالم كله وفق مفهوم عالمية السلم وليس بالمنطق الحادي‬
‫الشمولي ‪ ،‬خلص العالم من اللهوت الذي زيف الديان الرئيسية بداية من‬
‫اليهودية والمسيحية وخلص العالم من الوضعية التي ظنها أوجست كونت )‬
‫‪ (1795/1857‬بداية " القطيعة المعرفية " في الفكر النساني مع الفكر‬
‫اللهوتي الخرافي ويليه الميتافيزيقي ‪ ،‬غير أن مسار الوضعية باتجاه المادية‬
‫ودغمائيتها وباتجاه ثنائية النسان والطبيعة في الحالة الليبرالية قد أدخل العالم‬
‫كله في أزمات حضارية جديدة عنوانها المعاصر " العولمة المريكية "‪.‬‬
‫ل عبر كتاب كوني مطلق يعادل الوجود الكوني‬ ‫ول يتأتي هذا الخلص إ ّ‬
‫وحركته وليس سوى القرآن ‪ ،‬فلو كانت الكتب الخرى كفيئة لهذا الدور لما‬
‫عشنا الزمات الحضارية العالمية ولما قلنا بإسلمية المعرفة ‪ .‬ولكن شرطنا‬
‫في السلمة هو القراءة المنهجية المعرفية العلمية وليس بما يتداوله الناس‬
‫الن من مراجع قاصرة ومموهة لسلمية المعرفة والتي تحمل النقائض ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫خامسًا‪:‬إن تعبير إسلمية المعرفة هو اتكاء على مطلقية القرآن كمصدر للمعرفة‬
‫الكونية وليس انطلقًا من خصوصية المسلمين الذين كاد بعضهم بلهوتيته‬
‫أن يحدث قطيعة معرفية مع القرآن نفسه بالعودة للتراث اليهودي ما قبل‬
‫القرآن ‪ ،‬فاستعادة المسلمين أنفسهم للكتاب ل تقل صعوبة عن ممارسفة‬
‫الخطاب العالمي باتجاه النساق الحضارية الخرى ولكن البدء دائمًا بهم ‪.‬‬
‫علمانية الدولة وأولى المر منكم والتشريع ‪:‬‬
‫تتخذ إسلمية المعرفة بمنهجها القرآني المعرفي خطًا نقيضًا للفكر‬
‫السلفي والتيارات الصولية ‪ ،‬فالخطاب اللهي ليس موجها للدولة والسلطة السياسية‬
‫وإنما للمجتمع ولولي المر ) منا ( داخل المجتمع وباختيارنا الحر ‪ ،‬إذ لم يؤسس‬
‫خاتم الرسل والنبيين "دولة" وإنما أسس " دار دعوة " استندت مهماتها الجهادية‬
‫على الدعم اللهي والتدخل اللهي من ملئكة بدر وإلى ريح الخندق ‪ ،‬وحصرت‬
‫المهمة في " المة الوسط " ما بين البيت الحرام ) مكة ( – أم القرى وما حولها في‬
‫جزيرة العرب ‪ -‬والرض المقدسة – فلسطين وما حولها من الديار الشامية – ثم‬
‫الخطاب الفكري والحضاري غير الجهادى المسلح لكل العالم ولكل الناس ‪ ،‬وما‬
‫اتسع بعد ذلك جهاديًا في مرحلة الخلفة الراشدة وفي المرحلتين الموية والعباسية‬
‫فهو من قبيل " التوسع البشري " وليس الجهاد المرتبط لزومًا بخصائص الحقبة‬
‫النبوية الشريفة والتدخل اللهي باستثناء ما أنفذه الرسول في حياته من جيش " زيد‬
‫بن حارثة " باتجاه الشام عام ‪ 8‬هف الموافق ‪ 629/630‬م ثم استكمال أبو بكر لما‬
‫بدأ الرسول تجهيزه لجيش " أسامة بن زيد " للتوجه إلى " البلقاء " و " أذرعات "‬
‫و " مؤتة " عام ‪ 11‬هف الموافق ‪ 632/633‬م مباشرة من بعد وفاة الرسول في‬
‫العام نفسه ‪ .‬فكل ما تل حقبة الرسول عدا ما جهزه قبل وفاته فهو توسع بشري أو‬
‫دفاع عن النفس‪ .‬ويجب فهم " آيات السيف والجهاد " في هذا الطار النبوي‬
‫شُد‬‫ن الّر ْ‬ ‫ن َقْد َتَبّي َ‬‫ل ِإْكَراَه ِفي الّدي ِ‬
‫ل لما فهمنا معنى الية‪َ :‬‬ ‫المحدد زمانًا ومكانًا ‪ ،‬وإ ّ‬
‫صاَم َلَها‬‫ل انِف َ‬ ‫ك ِباْلُعْرَوِة اْلُوْثَقى َ‬ ‫سَ‬ ‫سَتْم َ‬
‫ل َفَقْد ا ْ‬
‫ن ِبا ِّ‬
‫ت َوُيْؤِم ْ‬‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ن َيْكُفْر ِبال ّ‬
‫ي َفَم ْ‬‫ن الَغ ّ‬ ‫ِم ْ‬
‫عِليٌم)‪ – (256‬البقرة ‪ /‬ج ‪ .2‬في مقابل آية أخرى تبدو نقيضة لها‪ُ :‬كِت َ‬
‫ب‬ ‫سِميٌع َ‬ ‫ل َ‬ ‫َوا ُّ‬
‫حّبوا‬‫ن ُت ِ‬
‫سى َأ ْ‬ ‫عَ‬ ‫خْيٌر َلُكْم َو َ‬
‫شْيًئا َوُهَو َ‬
‫ن َتْكَرُهوا َ‬ ‫عسى َأ ْ‬ ‫ل َوُهَو ُكْرٌه َلُكْم َو َ‬ ‫عَلْيُكْم اْلِقَتا ُ‬
‫َ‬
‫ن)‪ – (216‬البقرة ‪ /‬ج ‪.2‬‬ ‫ل َتْعَلُمو َ‬‫ل َيْعَلُم َوَأْنُتْم َ‬
‫شّر َلُكْم َوا ُّ‬‫شْيًئا َوُهَو َ‬ ‫َ‬
‫فالجهاد يرتبط بخصائص الحقبة النبوية وما فيها من " تدخل إلهي "‬
‫لتأمين قاعدة المة الوسط ‪ .‬هكذا نفهم معنى الجهاد وهكذا نفهم علمانية الدولة في‬
‫السلم ودينية المجتمع فمنهجنا يقر علمانية الدولة في إطار " الحاكمية البشرية "‬
‫و " الكتاب " )‪ (29‬ولكنه يرفض تحويل العلمانية إلى " فلسفة وضعية " على‬
‫النهجين المادي والليبرالي غير المقيد إلى القيم النسانية الكونية اللهية ‪ ،‬وليست‬
‫العلمانية نافية بالضرورة لهذه القيم كما سنوضح ‪.‬‬
‫أما مقولة ضرورة لزوم الدولة ‪ /‬السلطة السلمية لموجبات التشريع في‬
‫منع الربا في القتصاد ‪ ،‬وتحصيل الزكاة ‪ ،‬وأحكام الزواج والطلق والرث والنفقة‬
‫‪ ،‬وتطبيق العقوبات ‪ ،‬فإن المدقق في هذه المسائل يدرك أن الربا المحّرم والذي‬
‫حدده القرآن وحددته خطبة حجة الوداع هو " ربا الجاهلية " المركب على‬

‫‪18‬‬
‫الضعاف المضاعفة و ) النسيء( ‪ ،‬فالضعف انطلقا من أصل الواحد هو ‪% 2‬‬
‫والضعفين ‪ % 4‬والضعاف هي ‪ % 12 = 3 × 4‬ومضاعفة الضعاف‬
‫المضاعفة هي ‪ %36 = 3 × 12‬ثم ترّكب سنويًا في حال عدم السداد فتأكل‬
‫القرض كله وتزيد عليه ‪ ،‬وهذا هو ربا الجاهلية المنهي عنه والمحّرم‪َ :‬وَما آَتْيُتْم ِم ْ‬
‫ن‬
‫جهَ ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ن َو ْ‬‫ن َزَكاٍة ُتِريُدو َ‬ ‫ل َوَما آَتْيُتْم ِم ْ‬ ‫عْنَد ا ِّ‬ ‫ل َيْرُبوا ِ‬ ‫س َف َ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫ِرًبا ِلَيْرُبَوا ِفي َأْمَوا ِ‬
‫ل َتْأُكُلوا‬
‫ن آَمُنوا َ‬ ‫ن)‪ – (39‬الروم ‪ /‬ج ‪ 21‬وكذلك‪َ :‬ياَأّيَها اّلِذي َ‬ ‫ضِعُفو َ‬ ‫ك ُهْم اْلُم ْ‬ ‫َفُأْوَلِئ َ‬
‫ن)‪ – (130‬آل عمران ‪ /‬ج ‪ - 7‬فهناك‬ ‫حو َ‬ ‫ل َلَعّلُكْم ُتْفِل ُ‬
‫عَفًة َواّتُقوا ا َّ‬ ‫ضا َ‬ ‫ضَعاًفا ُم َ‬ ‫الّرَبا َأ ْ‬
‫فرق جذري بين ربا الجاهلية المحّرم الذي ذكره الرسول تحديدًا في خطبة الوداع‪" :‬‬
‫وإن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب (‪.‬‬
‫وبين فوائد خدمة رأس المال في القتصاد العالمي الراهن لتدويره في النتاج‬
‫والتنمية حيث ل تتجاوز نسبة الفائدة ‪ 6‬إلى ‪ % 8‬والتي ل تدخل في حيز ربا‬
‫الجاهلية ول تحتاج إلى دولة إسلمية تقنن القتصاد أو بالحرى تفسد القتصاد‬
‫وتجعله أكثر ربوية ‪ .‬بل إن البنوك والمؤسسات السلمية القائمة على خطل‬
‫المرابحة وغيرها من البدع هي الربوية بما يماثل ربا الجاهلية المحّرم ‪.‬‬
‫كما أن الزكفاة أمر محدد المصفارف لمن يريد أن يؤديـها كالصـلة‬
‫والصوم " طوعا " فل إكراه في أصل الدين فكيف يكون الكراه في الفروع ؟!‬
‫وهي على قدر الستطاعة كالحج ‪ ،‬وما سمي بحروب الردة وهي حرب شنها‬
‫الخليفة أبو بكر ) ‪ 51‬قبل الهجرة –‪ 63‬هف ( الموافق ) ‪ 643-573‬م ( على الذين‬
‫امتنعوا عن دفع الزكاة ولم يرتدوا عن السلم‪ .‬هي حرب ل مبرر لها من الناحية‬
‫الشرعية ‪ ،‬وهي حرب احتج عليها بعض الصحابة مما دفع أبو بكر للقول " وال‬
‫لو منعوني عقال بعير كان يؤدونه لرسول ال لقاتلتهم "‪ .‬وإشارة " أبو بكر "‬
‫واضحة حول امتناعهم الدفع وليس ردتهم الدينية ضمن جزيرة العرب ومناط المة‬
‫الوسط وقد كان ذلك منطق " الدولة " وليس منطق " الدعوة " حيث تحّول معه‬
‫مفهوم الزكاة إلى ضريبة ‪ ،‬مع أن أصل الضريبة هو " الخراج " وليس الزكاة "‬
‫التطهرية " وهناك " العشور " وغير ذلك من مداخيل الدولة ‪.‬‬
‫أما ضرورة الدولة الدينية لفرض الحكام الشرعية كقطع يد السارق وتطبيق " حد‬
‫الحرابة " بالصلب ورجم الزاني ‪ ،‬فهذه الحكام كلها ليست من شرعة التخفيف‬
‫والرحمة التي هي من علمات النبي المي بموجب نصوص سورة العراف ‪:‬‬
‫شْئ َ‬
‫ت‬ ‫ب َلْو ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫جَفُة َقا َ‬ ‫خَذْتُهْم الّر ْ‬ ‫ل ِلِميَقاِتَنا َفَلّما َأ َ‬ ‫جً‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سْبِعي َ‬‫سى َقْوَمُه َ‬ ‫خَتاَر ُمو َ‬ ‫َوا ْ‬
‫ل ِبَها َم ْ‬
‫ن‬ ‫ضّ‬‫ك ُت ِ‬ ‫ل ِفْتَنُت َ‬
‫ي ِإ ّ‬ ‫ن ِه َ‬ ‫سَفَهاُء ِمّنا ِإ ْ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ي َأُتْهِلُكَنا ِبَما َفَع َ‬‫ل َوِإّيا َ‬ ‫ن َقْب ُ‬‫َأْهَلْكَتُهْم ِم ْ‬
‫ن)‬‫خْيُر اْلَغاِفِري َ‬ ‫ت َ‬ ‫حْمَنا َوَأْن َ‬ ‫غِفْر َلَنا َواْر َ‬ ‫ت َوِلّيَنا َفا ْ‬ ‫شاُء َأْن َ‬ ‫ن َت َ‬‫شاُء َوَتْهِدي َم ْ‬ ‫َت َ‬
‫ب ِبِه‬ ‫صي ُ‬ ‫عَذاِبي ُأ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫خَرِة ِإّنا ُهْدَنا ِإَلْي َ‬ ‫لِ‬ ‫سَنًة َوِفي ا ْ‬ ‫حَ‬ ‫ب َلَنا ِفي َهِذِه الّدْنَيا َ‬ ‫‪َ(155‬واْكُت ْ‬
‫ن ُهْم‬ ‫ن الّزَكاَة َواّلِذي َ‬ ‫ن َوُيْؤُتو َ‬ ‫ن َيّتُقو َ‬ ‫سَأْكُتُبَها ِلّلِذي َ‬‫يٍء َف َ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ُك ّ‬ ‫سَع ْ‬ ‫حَمِتي َو ِ‬ ‫شاُء َوَر ْ‬ ‫ن َأ َ‬ ‫َم ْ‬
‫عْنَدُهْم‬‫جُدوَنُه َمْكُتوًبا ِ‬ ‫ي اّلِذي َي ِ‬ ‫لّم ّ‬ ‫ي ا ُْ‬‫ل الّنِب ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن َيّتِبُعو َ‬ ‫ن)‪(156‬اّلِذي َ‬ ‫ِبآَياِتَنا ُيْؤِمُنو َ‬
‫طّيَباتِ‬ ‫ل َلُهْم ال ّ‬‫حّ‬ ‫ن اْلُمنَكِر َوُي ِ‬ ‫عْ‬ ‫ف َوَيْنَهاُهْم َ‬ ‫ل َيْأُمُرُهْم ِباْلَمْعُرو ِ‬ ‫جي ِ‬ ‫لن ِ‬ ‫ِفي الّتْوَراِة َوا ِْ‬
‫عَلْيِهْم َفاّلِذينَ آَمُنوا‬ ‫ت َ‬ ‫ل اّلِتي َكاَن ْ‬ ‫لَ‬ ‫غَ‬ ‫لْ‬‫صَرُهْم َوا َْ‬ ‫عْنُهْم ِإ ْ‬ ‫ضُع َ‬ ‫ث َوَي َ‬ ‫خَباِئ َ‬ ‫عَلْيِهْم اْل َ‬
‫حّرُم َ‬ ‫َوُي َ‬
‫ن)‪ُ (157‬ق ْ‬
‫ل‬ ‫حو َ‬ ‫ك ُهْم اْلُمْفِل ُ‬ ‫ل َمَعُه ُأْوَلِئ َ‬ ‫صُروُه َواّتَبُعوا الّنوَر اّلِذي ُأنِز َ‬ ‫عّزُروُه َوَن َ‬ ‫ِبِه َو َ‬

‫‪19‬‬
‫ل ِإَلَه ِإلّ‬ ‫ض َ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ت َوا َْ‬ ‫سَماَوا ِ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫جِميًعا اّلِذي َلُه ُمْل ُ‬ ‫ل ِإَلْيُكْم َ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو ُ‬ ‫س ِإّني َر ُ‬ ‫َياَأّيَها الّنا ُ‬
‫ل َوَكِلَماِتِه َواّتِبُعوُه‬ ‫ن ِبا ِّ‬ ‫ي اّلِذي ُيْؤِم ُ‬ ‫لّم ّ‬ ‫ي ا ُْ‬‫سوِلِه الّنِب ّ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫ت َفآِمُنوا ِبا ِّ‬ ‫ي َوُيِمي ُ‬ ‫حِ‬ ‫ُهَو ُي ْ‬
‫ن)‪ – (158‬العراف ‪ /‬ج ‪ -9‬فشرعة الصر والغلل كانت على‬ ‫َلَعّلُكْم َتْهَتُدو َ‬
‫اليهود في التوراة كما أثبتتها الية ‪ 157‬وبشر بمحمد لنسخها فمن أراد إثبات أنه‬
‫طبقها عبر ما روي من أحاديث منحولة فالقصد تكذيب علمات النبي المي ‪ .‬وكل‬
‫مصدر هذه الحاديث يهود أظهروا إسلمهم ككعب الحبار ول علقة له بالرسول إذ‬
‫أسلم في زمن أبي بكر وقدم إلى المدينة في زمن عمر ‪ ،‬ووهب بن منبه وغيرهما‬
‫من الذين اقتصرت الروايات عليهم وليس على أقرب المقربين للرسول كفاطمة‬
‫ي ‪ .‬وتلك مشكلة أدخلنا فيها من أشار على الخليفة‬ ‫وأبي بكر وعمر وعثمان وعل ّ‬
‫الموي عمر بن عبد العزيز ) ‪ 101 – 61‬هف ‪ 720 – 681 /‬م ( بتأسيس علم‬
‫الحديث بهدف نسخ شرعة التخفيف والرحمة في القرآن كعلمة من علمات النبي‬
‫المي بهدف تكذيب هذه العلمة وبالتالي تكذيب كون محمد هو النبي الموعود في‬
‫سورة العراف ) الية ‪ ( 157‬فالدس هنا " منهجي خطر " وليس اعتباطًا أو‬
‫مجرد انتحال ‪ ،‬الدس هنا " خطة متكاملة " لنسف خصائص الدين السلمي كله‬
‫ومماثلته بالدين اليهودي بما ينتهي لتكذيب نبوة محمد ثم ل يعتبر محمد – في‬
‫أحسن الحوال – سوى " مجدد " للشرعة اليهودية مع أن مهمته هي الهيمنة على‬
‫ن َكَفُروا‬ ‫تلك الشرعة ونسخها كما ورد في " البقرة " وفي " المائدة " ‪َ .‬ما َيَوّد اّلِذي َ‬
‫خَت ّ‬
‫ص‬ ‫ل َي ْ‬ ‫ن َرّبُكْم َوا ُّ‬ ‫خْيٍر ِم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫عَلْيُكْم ِم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ُيَنّز َ‬ ‫ن َأ ْ‬‫شِرِكي َ‬ ‫ل اْلُم ْ‬ ‫ب َو َ‬ ‫ل اْلِكَتا ِ‬ ‫ن َأْه ِ‬‫ِم ْ‬
‫خْيٍر‬ ‫ت ِب َ‬ ‫سَها َنْأ ِ‬ ‫ن آَيٍة َأْو ُنن ِ‬ ‫خ ِم ْ‬ ‫سْ‬‫ظيِم)‪َ(105‬ما َنن َ‬ ‫ل اْلَع ِ‬ ‫ضِ‬‫ل ُذو اْلَف ْ‬ ‫شاُء َوا ُّ‬ ‫ن َي َ‬ ‫حَمِتِه َم ْ‬ ‫ِبَر ْ‬
‫ل َلُه ُمْل ُ‬
‫ك‬ ‫ن ا َّ‬ ‫يٍء َقِديٌر)‪َ(106‬أَلْم َتْعَلْم َأ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ُك ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫ِمْنَها َأْو ِمْثِلَها َأَلْم َتْعَلْم َأ ّ‬
‫صيٍر)‪َ(107‬أْم ُتِريُدونَ َأ ْ‬
‫ن‬ ‫ل َن ِ‬‫ي وَ َ‬ ‫ن َوِل ّ‬ ‫ل ِم ْ‬‫ن ا ِّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫ض َوَما َلُكْم ِم ْ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ت َوا َْ‬ ‫سَماَوا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫سَواَء‬ ‫ل َ‬ ‫ضّ‬‫ن َفَقْد َ‬ ‫ليَما ِ‬ ‫ل اْلُكْفَر ِبا ِْ‬
‫ن َيَتَبّد ْ‬ ‫ل َوَم ْ‬ ‫ن َقْب ُ‬‫سى ِم ْ‬ ‫ل ُمو َ‬ ‫سِئ َ‬ ‫سوَلُكْم َكَما ُ‬ ‫سَأُلوا َر ُ‬ ‫َت ْ‬
‫سًدا ِم ْ‬
‫ن‬ ‫حَ‬ ‫ن َبْعِد ِإيَماِنُكْم ُكّفاًرا َ‬ ‫ب َلْو َيُرّدوَنُكْم ِم ْ‬ ‫ل اْلِكَتا ِ‬ ‫ن َأْه ِ‬ ‫ل)‪َ(108‬وّد َكِثيٌر ِم ْ‬ ‫سِبي ِ‬‫ال ّ‬
‫ل ِبَأْمِرِه ِإنّ ا َّ‬
‫ل‬ ‫ي ا ُّ‬ ‫حّتى َيْأِت َ‬ ‫حوا َ‬ ‫صَف ُ‬‫عُفوا َوا ْ‬ ‫ق َفا ْ‬ ‫حّ‬ ‫ن َلُهْم اْل َ‬ ‫ن َبْعِد َما َتَبّي َ‬ ‫سِهْم ِم ْ‬ ‫عْنِد َأنُف ِ‬
‫ِ‬
‫حّ‬
‫ق‬ ‫ب ِباْل َ‬ ‫ك اْلِكَتا َ‬ ‫يٍء َقِديٌر)‪ – (109‬البقرة ‪ /‬ج ‪ .1‬وكذلك ‪َ :‬وَأنَزْلَنا ِإَلْي َ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫عَلى ُك ّ‬ ‫َ‬
‫ل َوَل َتّتِبْع‬ ‫ل ا ُّ‬ ‫حكُْم َبْيَنُهْم ِبَما َأنَز َ‬ ‫عَلْيِه َفا ْ‬ ‫ب َوُمَهْيِمًنا َ‬ ‫ن اْلِكَتا ِ‬ ‫ن َيَدْيِه ِم ْ‬ ‫صّدًقا ِلَما َبْي َ‬ ‫ُم َ‬
‫جَعَلُكْم‬ ‫ل َل َ‬ ‫شاَء ا ُّ‬ ‫جا َوَلْو َ‬ ‫عًة َوِمْنَها ً‬ ‫شْر َ‬ ‫جَعْلَنا ِمْنُكْم ِ‬ ‫ق ِلُكّل َ‬ ‫ح ّ‬‫ن اْل َ‬ ‫ك ِم ْ‬ ‫جاَء َ‬ ‫عّما َ‬ ‫َأْهَواَءُهْم َ‬
‫جِميًعا‬ ‫جُعُكْم َ‬ ‫ل َمْر ِ‬ ‫ت ِإَلى ا ِّ‬ ‫خْيَرا ِ‬ ‫سَتِبُقوا اْل َ‬ ‫ن ِلَيْبُلَوُكْم ِفي َما آَتاُكْم َفا ْ‬ ‫حَدًة َوَلِك ْ‬ ‫ُأّمًة َوا ِ‬
‫ل َوَل َتّتِبْع َأْهَواَءُهْم‬ ‫ل ا ُّ‬ ‫حُكْم َبْيَنُهْم ِبَما َأنَز َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ن)‪َ(48‬وَأ ْ‬ ‫خَتِلُفو َ‬ ‫َفُيَنّبُئُكْم ِبَما ُكنُتْم ِفيِه َت ْ‬
‫ل َأ ْ‬
‫ن‬ ‫عَلْم َأّنَما ُيِريُد ا ُّ‬ ‫ن َتَوّلْوا َفا ْ‬ ‫ك َفِإ ْ‬ ‫ل ِإَلْي َ‬‫ض َما َأنَزَل ا ُّ‬ ‫ن َبْع ِ‬ ‫عْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن َيْفِتُنو َ‬ ‫حَذْرُهْم َأ ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫ن)‪ – (49‬المائدة ‪ /‬ج ‪ .6‬فكما‬ ‫سُقو َ‬ ‫س َلَفا ِ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ن َكِثيًرا ِم ْ‬ ‫ض ُذُنوِبِهْم َوِإ ّ‬ ‫صيَبُهْم ِبَبْع ِ‬ ‫ُي ِ‬
‫زيف اليهود التوراة وزيفوا النجيل أرادوا تزييف السلم عبر الحاديث حيث‬
‫يمتنع القرآن بعصمته اللهية ‪.‬‬
‫أما الحرابة فهي من عقوبات الصر والغلل التوراتية وكذلك قطع يد الســـارق‬
‫فهي من عقوبات " النكال " التوراتية ول علقة لهما بالمسلمين وقد أوردهما القرآن‬
‫كتصديق لما سبق من شرائع الديان ثم نسخها بالهيمنة عليها " لكل جعنا منكم‬
‫شرعة ومنهاجًا " وليس ) جعلنا لكل منكم ( أو ) لكل منكم جعلنا ( ولكن لكل جعلنا‬

‫‪20‬‬
‫منكم ‪ ،‬فهنا خصوصية مميزة حاول إبطالها من دس علينا من اليهود ‪ .‬أما جلد‬
‫الزاني فهي عقوبة إسلمية يجري تطبيقها ضمن شروط متعذرة الوجوب وترجع‬
‫لولى المر المباشرين بحكم القرابة ‪ ،‬فهم وحدهم من يملك حق الدانة والتنفيذ بعد‬
‫ممارسة " العضال " و " الستتابة " ‪ ،‬فحتى القتل فيه دية ‪ ،‬فكيف في حال الزنا‬
‫المتعذر إثباته إل بأربعة شهود وإن كذبوا جلدوا ‪ ،‬فالشاعة الضارة بالخلق منه ّ‬
‫ي‬
‫عنها في المجتمع السلمي حتى ولو كانت الشاعة صادقة حتى ل يستسهل الناس‬
‫الفاحشة والطعن في أعراض الناس ‪ .‬فالحكم هنا عائلي أكثر من أن يرتبط‬
‫بمؤسسات الدولة لن العائلة ومنطقة الواقعة المحلية أقرب لتفهم الشهود‬
‫ل في الزنا حيث أمر‬ ‫ومصداقيتهم والمعرفة بالزاني أو الزانية ولم يتشدد السلم إ ّ‬
‫بالجلد لن أساس الوحدة الجتماعية في السلم تقوم على " العائلة " وليس‬
‫الفرد ‪ ،‬فإن صلحت العائلة صلح المجتمع وتكوين العائلة وحرمتها هي أول شرعة‬
‫شْئُتَما‬
‫ث ِ‬‫حْي ُ‬
‫غًدا َ‬
‫ل ِمْنَها َر َ‬
‫جّنَة َوُك َ‬
‫ك اْل َ‬
‫جَ‬
‫ت َوَزْو ُ‬‫ن َأْن َ‬
‫سُك ْ‬‫تنزلت على آدم‪َ .‬وُقْلَنا َياآَدُم ا ْ‬
‫ن)‪ – (35‬البقرة ‪ /‬ج ‪ . 1‬ثم تنزلت‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫جَرَة َفَتُكوَنا ِم ْ‬ ‫شَ‬ ‫ل َتْقَرَبا َهِذِه ال ّ‬
‫َو َ‬
‫تشريعات )المجتمع( بشكلها الولي بداية من حقبة ) نوح (‪ .‬فالسلم دين ) مجتمع‬
‫( وليس دين " دولة " فالدولة لكل الناس ‪ ،‬مؤمنهم وكافرهم ‪ ،‬وفق أحكام "‬
‫المواطنية المتكافئة " لهذا نقر بعلمانية الدولة وشوراها المتسعة للجميع دخولً في "‬
‫السلم كافة " ولكن رفضنا هو حين يراد تحويل العلمانية إلى فلسفة وضعية ‪.‬‬
‫فموقف إسلمية المعرفة ل يتعارض مع تحّول العالم من الدول الثيوقراطية تبعًا‬
‫لتفاقية وستفاليا عام ‪ 1648‬إلى دول وطنية ‪ ،‬ول يتعارض مع إقصاء اللهوت‬
‫والكهنوت عن الدولة كما حدث إثر الثورة الفرنسية عام )‪1789‬م( والتي أصدرت‬
‫ميثاق حقوق " النسان المواطن " عام ‪ ، 1792‬فبداية العلمنة الوروبية التي‬
‫تقصي الدين عن السلطة وليس عن الفكر والمجتمع قد تأسست على يد ابن رشد‬
‫الذي يسمونه " أفيروس ‪ Averroes " – ( 1126 – 1198 -‬م ( ‪ -‬حيث‬
‫أخذت جامعة فلورنسا بتعاليمه ضد الكنيسة ‪.‬‬
‫نهى الرسول عن تدوين الحديث وكذلك الراشدون‬
‫فانتحلوا الحديث لبطال شرعة التخفيف والرحمة‪:‬‬
‫إن هذه الحكام من رجم وصلب وقطع أطراف وأيدي هي عقوبات أصر‬
‫وأغلل ‪ ،‬توراتية وغير إسلمية ‪ ،‬دست على التشريع السلمي دسًا ‪ ،‬كدس مفهوم‬
‫الحاكمية اللهية ‪ ،‬وهو دس متعّمد لتكذيب نبوة محمد بوصفه ليس قائمًا على شرعة‬
‫التخفيف والرحمة فل يتوجب على اليهود اتباعه طالما أن شرعته تماثل شرعة‬
‫موسى وقد أوضح لنا الشيخ الدكتور ) بدران أبو العينين بدران ( وهو أستاذ مختص‬
‫بتدريس الشريعة والفقه المقارن )‪.(30‬‬
‫))قد وقف الصحابة الراشدين على حذر في شأن الحديث فأقلوا من‬
‫الرواية خشية أن يتخذها المنافقون مطية لغراضهم الخبيثة فكانوا دائمًا يرقبون‬
‫قول رسولهم العظم " إياكم وكثرة الحديث ومن قال عني فل يقولن إل حقا " (( ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫)) وروى عن كثير من الصحابة أنهم كانوا ينهون عن الرواية ‪ ،‬روى‬
‫الحافظ الذهبي في " تذكرة الحفاظ " أن الصّديق ) أبو بكر ( جمع الناس بعد وفاة‬
‫نبيهم فقال ‪:‬‬
‫" إنكم تحدثون عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أحاديث تختلفون فيها‬
‫والناس بعدكم أشد خلفًا ‪ ،‬فل تحدثوا عن رسول ال شيئًا فمن سألكم فقولوا بيننا‬
‫وبينكم كتاب ال فاستحلوا حلله وحرموا حرامه " (( ‪.‬‬
‫)) وكذلك روي عن قرظة بن كعب أنه قال ‪ :‬لما سيرنا عمر إلى العراق‬
‫مشى معنا عمر وقال ‪ :‬أتدرون لما شيعتكم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬مكرمة لنا ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فإنكم تأتون أهل قرية لهم دوى بالقرآن كدوى النحل ‪ ،‬فل تصدوهم بالحاديث‬
‫فتشغلوهم ‪ ،‬جردوا القرآن ‪ ،‬وأقلوا الرواية عن رسول ال ‪ ،‬وأنا شريككم فلما قدم‬
‫قرظة قالوا ‪ :‬حدثنا ‪ ،‬قال ‪ :‬نهانا عمر((‪.‬‬
‫إن النبي صلى ال عليه وسلم طلب ممن كتب عنه شيئًا غير القرآن محوه‬
‫فقد روى مسلم في صحيحة عن أبي سعد الخدري عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫قال )) ل تكتبوا عني شيئًا غير القرآن ومن كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحــه ((‬
‫وما روي أن زيد بن ثابت دخل على معاوية فسأله عن حديث ‪ ،‬ولمففا حففدثه بففه أمففر‬
‫معاوية إنسانًا أن يكتبه فقال له زيد ‪:‬‬
‫" إن رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرنا أل نكتب شيئًا من حديثه ‪ ،‬فمحاه " ((‪.‬‬
‫وقد علل أبو العينين نهي الرسول عن كتابة الحاديث خشية اختلطها بالقرآن ‪،‬‬
‫ولكن المر أخطر من ذلك فالنهي يراد به الحفاظ على أحكام القرآن وعدم التذرع "‬
‫بالسنة " لنسخ القرآن كما تذرعت اليهود بالتلمود لنسخ التوراة ‪.‬‬
‫أما الشيخ المرحوم الدكتور " محمد حسين الذهبي ")‪ (31‬ومع تثبيفته‬
‫في كتابفه " السرائيليات في التفسير والحديث " نهى خاتم الرسل والنبيين عن كتابة‬
‫ل أنه برر ضرورة كتابتها‬ ‫أحاديثه وكذلك نهى الخلفاء الراشدين وعلى رأسهم عمر إ ّ‬
‫وفي ذلك مخالفة صريحة لمر النبي نفسه تحت دعاوى تدوين السنة فيما نهى‬
‫صاحب السنة عن تدوينها لنه يعلم ما ل يعلمون ‪ ،‬فقد ابتدع السرائيليون " التلمود‬
‫" )‪ (32‬في موازاة التوراة ليضلوا بها اليهود عن دينهم وليفسدوا بها التوراة ‪ ،‬غير‬
‫أن الذهبي اتخذ نفس تبريرات ساقها أبو هريرة وآخرون لكتابة الحديث فتحولت‬
‫شرعتنا من " تخفيف ورحمة " و " حاكمية بشرية " إلى شرعة " أصر وأغلل "‬
‫و " حاكمية إلهية " قضت بوجود الدولة فوق المجتمع بمنطق " شرعة من قبلنا‬
‫شرعة لنا "‪ ،‬وما نعانيه اليوم هو من الحاديث " المنحولة " وليس من القرآن‬
‫المعصوم الذي أمرنا الرسول بالكتفاء به ‪.‬‬
‫وأصبح همنا تصحيح الحاديث وابتداع مناهج " الجرح والتعديل "‬
‫وتوثيق سير المحدثين وغيرها في حين أن الرسول قطع دابر الدس من أصله بمنع‬
‫كتابة الحاديث ‪ ،‬فإذا التزمنا بالسنة كان علينا الذعان ‪ ،‬فالذين دونوا الحاديث‬
‫دفاعًا عن السنة وتوثيقًا لها خالفوا السنة نفسها وفتحوا باب الدس الذي كان يخشاه‬
‫خاتم الرسل والنبيين ‪ .‬إذ يكفي أن نصوص القرآن تنهي في آيتين عن استخدام تعبير‬
‫" الرعية " للمسلمين و " الراعي " لرسول ال لما في ذلك من تدني في العلقة‬

‫‪22‬‬
‫النسانية وتحويلها إلى نمط بهيمي بين الراعي وخرافه ‪ ،‬فاستبدل ال عبارة "‬
‫ن آَمُنوا‬ ‫راعنا " التي دسها اليهود بكلمة " انظرنا " من حيث " العناية "‪َ .‬ياَأّيَها اّلِذي َ‬
‫ب َأِليٌم)‪َ(104‬ما َيَوّد اّلِذي َ‬
‫ن‬ ‫عَذا ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫سَمُعوا َوِلْلَكاِفِري َ‬ ‫ظْرَنا َوا ْ‬ ‫عَنا َوُقوُلوا ان ُ‬ ‫ل َتُقوُلوا َرا ِ‬ ‫َ‬
‫خَت ّ‬
‫ص‬ ‫ل َي ْ‬ ‫ن َرّبُكْم َوا ُّ‬ ‫خْيٍر ِم ْ‬‫ن َ‬ ‫عَلْيكُْم ِم ْ‬
‫ل َ‬ ‫ن ُيَنّز َ‬ ‫ن َأ ْ‬‫شِرِكي َ‬ ‫ل اْلُم ْ‬ ‫ب َو َ‬ ‫ل اْلِكَتا ِ‬ ‫ن َأْه ِ‬ ‫َكَفُروا ِم ْ‬
‫ظيِم)‪ – (105‬البقرة ‪ /‬ج ‪ .1‬وقد نسب ال‬ ‫ل اْلَع ِ‬ ‫ضِ‬ ‫ل ُذو اْلَف ْ‬ ‫شاُء َوا ُّ‬ ‫ن َي َ‬ ‫حَمِتِه َم ْ‬ ‫ِبَر ْ‬
‫ن َهاُدوا‬ ‫ن اّلِذي َ‬ ‫الدس في استخدام " راعنا " لليهود وكذلك في سورة أخرى ‪ِ :‬م ْ‬
‫سَمٍع َوَراعَِنا َلّيا‬ ‫غْيَر ُم ْ‬ ‫سَمْع َ‬ ‫صْيَنا َوا ْ‬ ‫ع َ‬ ‫سِمْعَنا َو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضِعِه َوَيُقوُلو َ‬ ‫ن َمَوا ِ‬ ‫عْ‬ ‫ن اْلَكِلَم َ‬ ‫حّرُفو َ‬ ‫ُي َ‬
‫خْيًرا‬
‫ن َ‬ ‫ظْرَنا َلَكا َ‬ ‫سَمْع َوان ُ‬ ‫طْعَنا َوا ْ‬ ‫سِمْعَنا َوَأ َ‬ ‫ن َوَلْو َأّنُهْم َقاُلوا َ‬ ‫طْعًنا ِفي الّدي ِ‬ ‫سَنِتِهْم َو َ‬ ‫ِبَأْل ِ‬
‫ل – النساء ‪ /‬ج ‪ – 5‬وكذلك‬ ‫ل َقِلي ً‬‫ن ِإ ّ‬‫ل ُيْؤِمُنو َ‬ ‫ل ِبُكْفِرِهْم َف َ‬ ‫ن َلَعَنُهْم ا ُّ‬ ‫َلُهْم َوَأْقَوَم َوَلِك ْ‬
‫نسب ال الدس لليهود ‪ .‬ومع النهي في السورتين عن استخدام " راعنا " تأتي ما‬
‫يسمونه " الصحاح " بها في حين أن ال سبحانه وتعالى يستخدم العين والنظر‬
‫حى)‪َ (38‬أ ْ‬
‫ن‬ ‫ك َما ُيو َ‬ ‫حْيَنا ِإَلى ُأّم َ‬ ‫للدللة على " العناية " وليس " الرعاية " ‪ِ ،‬إْذ َأْو َ‬
‫عُدّو َلُه َوَأْلَقْي ُ‬
‫ت‬ ‫عُدّو ِلي َو َ‬ ‫خْذُه َ‬ ‫حلِ َيْأ ُ‬‫سا ِ‬ ‫ت َفاْقِذِفيِه ِفي اْلَيّم َفْلُيْلِقِه اْلَيّم ِبال ّ‬ ‫اْقِذِفيِه ِفي الّتاُبو ِ‬
‫حْيَنا ِإَلْيِه َأ ْ‬
‫ن‬ ‫عْيِني)‪ - (39‬طه ‪ /‬ج ‪-16‬وكذلك‪َ :‬فَأْو َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫صَنَع َ‬ ‫حّبًة ِمّني َوِلُت ْ‬ ‫ك َم َ‬ ‫عَلْي َ‬ ‫َ‬
‫جْي ِ‬
‫ن‬ ‫ل َزْو َ‬ ‫ن ُك ّ‬ ‫ك ِفيَها ِم ْ‬ ‫سُل ْ‬
‫جاَء َأْمُرَنا َوَفاَر الّتّنوُر َفا ْ‬ ‫حِيَنا َفِإَذا َ‬ ‫عُيِنَنا َوَو ْ‬ ‫ك ِبَأ ْ‬‫صَنْع اْلُفْل َ‬‫ا ْ‬
‫ظَلُموا ِإّنُهْم‬‫ن َ‬ ‫طْبِني ِفي اّلِذي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ل ُت َ‬‫ل ِمْنُهْم َو َ‬ ‫عَلْيِه اْلَقْو ُ‬‫ق َ‬ ‫سَب َ‬‫ن َ‬ ‫ل َم ْ‬ ‫ك ِإ ّ‬‫ن َوَأْهَل َ‬ ‫اْثَنْي ِ‬
‫ن)‪ – (27‬المؤمنون ‪ /‬ج ‪ - 18‬ولم يستخدم ال مفردة الرعاية إل في‬ ‫ُمْغَرُقو َ‬
‫حالتين " المانة والعهد " و " الرهبنة " ‪ .‬فالرهبنة تماثل " جلد الذات " بحق‬
‫سِلَنا‬‫عَلى آَثاِرِهْم ِبُر ُ‬ ‫الجسد والنفس وحرمانهما من دواعي الفطرة النسانية‪ُ :‬ثّم َقّفْيَنا َ‬
‫حَمًة‬‫ن اّتَبُعوُه َرْأَفًة َوَر ْ‬ ‫ب اّلِذي َ‬ ‫جَعْلَنا ِفي ُقُلو ِ‬ ‫ل َو َ‬ ‫جي َ‬ ‫لن ِ‬ ‫ن َمْرَيَم َوآَتْيَناُه ا ِْ‬ ‫سى اْب ِ‬ ‫َوَقّفْيَنا ِبِعي َ‬
‫عاَيِتَها‬‫ق ِر َ‬ ‫حّ‬ ‫عْوَها َ‬ ‫ل َفَما َر َ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫ضَوا ِ‬ ‫ل اْبِتَغاَء ِر ْ‬ ‫عَلْيِهْم ِإ ّ‬ ‫عوَهاَما َكَتْبَناَها َ‬ ‫َوَرْهَباِنّيًة اْبَتَد ُ‬
‫ن)‪ – (27‬الحديد ‪ /‬ج ‪ - 27‬أما "‬ ‫سُقو َ‬‫جَرُهْم َوَكِثيٌر ِمْنُهْم َفا ِ‬ ‫ن آَمُنوا ِمْنُهْم َأ ْ‬ ‫َفآَتْيَنا اّلِذي َ‬
‫ن ُهْم‬ ‫المانة " و " العهد " فالحفاظ عليهما يقتضي " مراقبة صارمة " ‪َ :‬واّلِذي َ‬
‫ن)‪ – (8‬المؤمنون ‪ /‬ج ‪. 18‬‬ ‫عو َ‬ ‫عْهِدِهْم َرا ُ‬ ‫لَماَناِتِهْم َو َ‬ ‫َِ‬
‫إذن كم أتألم لهذا الدس وأنا أستمع في صلة كل جمعففة لخطبففاء المسففاجد‬
‫وهم يكررون الحديث المنحول ‪ " :‬كلكم راع وكلكــم مســؤول عــن رعيتــه " فففأنزلوا‬
‫الناس إلى مرتبة البهائم خلفًا لنهج القرآن وسنة الرسول ومنهجه فففي " العنايــة " و‬
‫" النظر " النساني والقول السائد حين يودع الناس بعضهم بعضًا " في رعاية ال ف "‬
‫والوجب‪ " :‬في عناية ال "‪.‬‬
‫ومع تبريره لكتابة الحاديث فإن المرحففوم الشففيخ الففذهبي يثبففت مففا روي‬
‫عن أن عمر بن الخطاب كان ينهى كعب الحبار عن التحديث ويقول له ‪:‬‬
‫)) لتتركن الحديث عن اُلول أو للحقنك بأرض القردة (( ورأى الذهبي‬
‫أن النهي لم يكن لتهمة ولكن خوفًا من اختلف الحاديث ‪ )) .‬فذلك لم يكن لتهمة ‪،‬‬
‫وإنما كان مخافة التشويش على العقائد العامة وأفكارهم لعدم تمييزهم بين الحق‬
‫والباطل مما يحدث به من أخبار الول (( وهذا تبرير غير منطقي من المرحوم‬
‫الذهبي لن الذهبي لم يدرك حكمة الرسول في منع الحاديث ‪ )) ،‬وقد كان عمر‬
‫رضي ال عنه يمنع الكثيرين من الرواية مطلقًا ‪ ،‬حتى هدد أبا هريرة بمثل ما هدد‬

‫‪23‬‬
‫به كعب الحبار فقال له – على ما رواه ابن كثير – " لتتركن الحديث عن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أو للحقنك بأرض دوس " (( إشارة إلى موطن قبيلته "‬
‫دوس " في أرض اليمن ‪ ،‬وقد علل ابن كثير هذا بقوله ‪ )) :‬وهذا محمول من عمر‬
‫على أنه خشي من الحاديث التي تضعها الناس على غير مواضعها ‪ ،‬وأنهم يتكلون‬
‫على ما فيها من أحاديث الرخص ‪ ،‬وأن الرجل إذا اكثر من الحديث ربما وقع في‬
‫أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك ((‪ .‬هكذا غابت‬
‫الضرورات المنهجية في النهي عن المرحوم الذهبي ‪.‬‬
‫)) ولقد رأينا كذلك السيد محمد رشيد رضا – رحمه ال – يرمي كعبا‬
‫بالكذب – ويتهم علماء الجرح والتعديل بأنهم اغتروا به وبوهب ابن منبه حيث يقول‬
‫في مقدمة تفسيره بعد أن ذكر كلمًا لبن تيمية في شأن ما يروى من السرائيليات‬
‫عن كعب ووهب حيث ذكر‪:‬‬
‫وأما وهب بن منبه فقد اكثر من السرائيليات ‪ ،‬ونسب إليه قصص كثير ‪ ،‬فيه الغث‬
‫والسمين ‪ ،‬والصحيح والعليل ‪ ،‬وكان ذلك مثارًا للنيل منه والطعن عليه ‪،‬حتى‬
‫رمى بالكذب والتدليس وإفساد عقول المسلمين ‪ ،‬وقد مر عند الكلم عن كعب‬
‫الحبار ما قاله في حقه وحق وهب السيد " محمد رشيد رضا " والستاذ " احمد‬
‫أمين " عليهما رحمة ال ‪ ،‬وما كان لي ول لغيري أن ينكر إكثار وهب من رواية‬
‫السرائيليات ‪ ،‬ولكن الذي أنكره وينكره كل منصف أن تكون كل هذه السرائيليات‬
‫– ومنها أباطيل كثيرة – صحيح نسبتها إليه ‪ ،‬فلو أننا عرضناها على قواعد‬
‫المحدثين في نقد الرواية والرواة لتبين لنا إن طائفة منها مكذوبة عليه وأن اسمه –‬
‫لشهرته العلمية الواسعة بما في كتب آهل الكتاب – قد استغل واتخذ مطية لترويج‬
‫الكذب وإذاعته بين الناس (( وهذا أيضًا من نوعية التبرير المخالف لنهج الرسول‬
‫نفسه وليس عمر فقط ‪.‬‬
‫أما " أبو هريرة " والذي اختلف معاصروه في اسمه الحقيقي حتى‬
‫أرسوه على " عبد الرحمن بن صخر " )‪ (33‬كما ورد في كتاب " إسعاف المبطأ‬
‫برجال الموطأ " فهو ينتمي إلى قبيلة دوس اليمنية وهناك شبهة أنها تنتمي إلى "‬
‫اليهودية " وهي التي أشار إليها عمر حين حذره بأنه سينفيه إلى " ارض دوس " ‪،‬‬
‫وكان إسلمه حين غزا المسلمون يهود خيبر ووادي القرى في السنة الهجرية‬
‫السابعة ‪ 629-628 /‬م ( وعليه فإن علقته بالرسول – إن كانت هناك علقة‬
‫مباشرة – لم تمتد لكثر من ثلث سنوات وبضعة اشهر ‪ .‬إذ توفى الرسول يوم‬
‫الثنين ‪ 12‬ربيع الول عام ‪ 11‬هف الموافق ‪ 8‬حزيران )يونيو( ‪ 633‬م‪ .‬وقد روى‬
‫أبو هريرة في هذه الحقبة القصيرة ما يزيد على آلف الحاديث !!! وادعى في كثير‬
‫منها " علقة وثيقة " برسول ال ‪.‬‬
‫أما أمنا الطاهرة عائشة فقد افترى عليها ما يزيد علففى سففتة آلف حففديث‬
‫من بينها أكل داجن في بيت النبي لي مزعومــة تنــص علــى الرجــم ‪.‬كففأن الف ليففس‬
‫بحافظ للذكر ‪ .‬وفي حين أن نص القرآن الذي تلتزم به أمنا عائشفة يحفول بيفن نسفاء‬
‫ل من وراء " حجاب " و "الحجــاب "‬ ‫النبي " أمهات المؤمنين " ومخاطبة الرجال إ ّ‬
‫في اللغة هو العازل الحائل المانع دون الرؤية كالباب والحــائط وليــس " الخمــار "‬

‫‪24‬‬
‫شفْرِقّيا)‬ ‫ن َأْهِلَهففا َمَكاًنففا َ‬ ‫ت ِم ْ‬ ‫ب َمْرَيَم ِإْذ انَتَبَذ ْ‬ ‫الذي يسدل على الجسم ‪َ :‬واْذُكْر ِفي اْلِكَتا ِ‬
‫سفِوّيا)‪– (17‬‬ ‫شفًرا َ‬ ‫ل َلَهففا َب َ‬ ‫حَنففا َفَتَمّثف َ‬
‫سْلَنا ِإَلْيَهففا ُرو َ‬ ‫جاًبا َفَأْر َ‬ ‫حَ‬ ‫ن ُدوِنِهْم ِ‬ ‫ت ِم ْ‬ ‫خَذ ْ‬ ‫‪َ(16‬فاّت َ‬
‫مريم ‪ /‬ج ‪ – 16‬وكذلك فإن ال يوحي ويخاطب البشر من وراء حجاب‪َ :‬وَمفا َكفا َ‬
‫ن‬
‫ي ِبفِإْذِنِه َمففا‬ ‫حَ‬ ‫ل َفُيففو ِ‬ ‫سففو ً‬ ‫ل َر ُ‬ ‫سف َ‬ ‫ب َأْو ُيْر ِ‬ ‫جــا ٍ‬ ‫حَ‬ ‫ن َوَراِء ِ‬ ‫حًيا َأْو ِم ْ‬ ‫ل َو ْ‬ ‫ل ِإ ّ‬‫ن ُيَكّلَمُه ا ُّ‬ ‫شٍر َأ ْ‬ ‫ِلَب َ‬
‫حِكيٌم)‪ – (51‬الشورى ‪ /‬ج ‪ . 25‬وقد جففاء المففر اللهففي واضففحًا‬ ‫ي َ‬ ‫عِل ّ‬ ‫شاُء ِإّنُه َ‬ ‫َي َ‬
‫ن آَمُنفوا َ‬
‫ل‬ ‫لنساء النبي للمخاطبفة مفن " وراء حجفاب " أي حـائل مــانع ‪َ :‬ياَأّيَهفا اّلفِذي َ‬
‫عيُتفْم‬‫ن ِإَذا ُد ِ‬‫ن ِإَنففاُه َوَلِكف ْ‬ ‫ظِري َ‬ ‫غْيفَر َنففا ِ‬ ‫طَعففاٍم َ‬ ‫ن َلُكفْم ِإَلففى َ‬ ‫ن ُيفْؤَذ َ‬ ‫ل َأ ْ‬ ‫ي ِإ ّ‬‫ت الّنِب ّ‬ ‫خُلوا ُبُيو َ‬ ‫َتْد ُ‬
‫حِ‬
‫ي‬ ‫سَت ْ‬‫ي فََي ْ‬
‫ن ُيْؤِذي الّنِب ّ‬ ‫ن َذِلُكْم َكا َ‬ ‫ث ِإ ّ‬‫حِدي ٍ‬ ‫ن ِل َ‬‫سي َ‬‫سَتْأِن ِ‬‫ل ُم ْ‬‫شُروا َو َ‬ ‫طِعْمُتْم َفاْنَت ِ‬ ‫خُلوا َفِإَذا َ‬ ‫َفاْد ُ‬
‫ب َذِلُكْم‬ ‫جا ٍ‬ ‫حَ‬ ‫ن َوَراِء ِ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫سَأُلوُه ّ‬ ‫عا َفا ْ‬ ‫ن َمَتا ً‬ ‫سَأْلُتُموُه ّ‬ ‫ق َوِإَذا َ‬ ‫حّ‬ ‫ن اْل َ‬ ‫ي ِم ْ‬ ‫حِ‬ ‫سَت ْ‬‫ل َي ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ِمْنُكْم َوا ُّ‬
‫ج فُه ِم ف ْ‬
‫ن‬ ‫حوا َأْزَوا َ‬ ‫ن َتْنِك ُ‬ ‫ل َأ ْ‬ ‫ل َو َ‬ ‫سولَ ا ِّ‬ ‫ن ُتْؤُذوا َر ُ‬ ‫ن َلُكْم َأ ْ‬ ‫ن َوَما َكا َ‬ ‫طَهُر ِلُقُلوِبُكْم َوُقُلوِبِه ّ‬ ‫َأ ْ‬
‫ظيًما )‪ – (53‬الحــزاب ‪ /‬ج ‪ . 22‬وطلففب منهففن‬ ‫عِ‬ ‫ل َ‬ ‫عْنَد ا ِّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن َذِلُكْم َكا َ‬ ‫َبْعِدِه َأَبًدا ِإ ّ‬
‫سففاَء الّنِبف ّ‬
‫ي‬ ‫المداومة على الذكر " في بيوتهن " لما يتلى مفن آيفات الف والحكمفة‪َ :‬ياِن َ‬
‫طَمفَع اّلفِذي ِفففي َقْلِبفِه َمفَر ٌ‬
‫ض‬ ‫ل َفَي ْ‬ ‫ن ِبففاْلَقْو ِ‬
‫ضفْع َ‬‫خ َ‬ ‫ل َت ْ‬ ‫ن َف َ‬ ‫ن اّتَقْيُت ّ‬ ‫ساِء ِإ ْ‬ ‫ن الّن َ‬ ‫حٍد ِم ْ‬ ‫ن َكَأ َ‬ ‫سُت ّ‬ ‫َل ْ‬
‫لوَلففى َوَأِقْمف َ‬
‫ن‬ ‫جاِهِلّي فِة ا ُْ‬ ‫ج اْل َ‬ ‫ن َتَب فّر َ‬ ‫جَ‬ ‫ل َتَبّر ْ‬ ‫ن َو َ‬ ‫ن ِفي ُبُيوِتُك ّ‬ ‫ل َمْعُروًفا)‪َ(32‬وَقْر َ‬ ‫ن َقْو ً‬ ‫َوُقْل َ‬
‫س َأْهف َ‬
‫ل‬ ‫جف َ‬ ‫عْنُكفْم الّر ْ‬ ‫ب َ‬ ‫لف ِلُيفْذِه َ‬ ‫سوَلُه ِإّنَمففا ُيِريفُد ا ُّ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫طْع َ‬ ‫ن الّزَكاَة َوَأ ِ‬ ‫لَة َوآِتي َ‬ ‫صَ‬ ‫ال ّ‬
‫حْكَمفِة ِإ ّ‬
‫ن‬ ‫لف َواْل ِ‬ ‫ت ا ِّ‬ ‫ن آَيففا ِ‬ ‫ن ِمف ْ‬ ‫ن َما ُيْتَلى ِفي ُبُيوِتُك ّ‬ ‫طِهيًرا)‪َ(33‬واْذُكْر َ‬ ‫طّهَرُكْم َت ْ‬ ‫ت َوُي َ‬ ‫اْلَبْي ِ‬
‫خِبيًرا)‪ – (34‬الحزاب ‪ /‬ج ‪. 22‬‬ ‫طيًفا َ‬ ‫ن َل ِ‬‫ل َكا َ‬ ‫ا َّ‬
‫فأمنا الطاهرة عائشة قد افففترى عليهففا كففثيرًا فففي ذاتهففا " حففديث الفففك "‬
‫وفيمففا روى عنهففا مففن " أحففاديث " و " مواقففف " ‪ .‬بففل واتخففذ البعففض مففن زواج‬
‫الرسول منها بمكة وهي ابنة السففابعة ثففم بنففي عليهففا وهففي ابنففة العاشففرة فففي السففنة‬
‫الولى للهجرة في المدينة " سنة " للزواج من " قاصففرات السففن " دون أن يتعرفففوا‬
‫صفَبٌة مِْنُكفْم َ‬
‫ل‬ ‫ع ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫لْفف ِ‬‫جففاُءوا ِبا ِْ‬ ‫ن َ‬‫ن اّلفِذي َ‬ ‫على مغزى الية فففي " حففديث الفففك " ‪ِ :‬إ ّ‬
‫لْثفِم َواّلفِذي َتفَوّلى‬ ‫ن ا ِْ‬ ‫ب ِمف ْ‬ ‫سف َ‬ ‫ئ ِمْنُهْم َما اْكَت َ‬ ‫ل اْمِر ٍ‬ ‫خْيٌر َلُكْم ِلُك ّ‬ ‫ل ُهَو َ‬ ‫شّرا َلُكْم َب ْ‬ ‫سُبوُه َ‬ ‫حَ‬ ‫َت ْ‬
‫ظيٌم)‪ – (11‬النور ‪ /‬ج ‪ . 18‬فأين كان " الخير " فففي حففديث‬ ‫عِ‬ ‫ب َ‬ ‫عَذا ٌ‬ ‫ِكْبَرُه ِمْنُهْم َلُه َ‬
‫ل أن يريد الف إبطففال ذلففك النففوع مففن الففزواج‬ ‫الفك وانقطاع الوحي فترة بعد ذلك إ ّ‬
‫) راجففع – العالميففة – المجلففد الثففاني – ص ‪ – 470‬الففزواج مففن القاصففرات فففي‬
‫السن(‪.‬‬
‫ومع أن النبي قد فارق عائشة وهي ابنففة الثمففاني عشففرة إل أن الحففاديث‬
‫التي افتريت عليها قد بلغت اللف! ومنها ذلففك الحففديث السففخيف حففول أكففل داجففن‬
‫ليات المصحف وضياعها!‬
‫وبذات الكيفية ‪ ،‬أبطل ال التبني ‪ ،‬وقد تبنى رسففول الف ‪ " ،‬فكشففف " الف‬
‫في القرآن ما هو " خفي " في نفس النبي ل يعلمه سوى ال والنفبي فقففط ‪َ .‬وِإْذ َتُقفو ُ‬
‫ل‬
‫ك َمففا‬ ‫سف َ‬‫خِفي ِفففي َنْف ِ‬ ‫ل َوُت ْ‬ ‫ق ا َّ‬ ‫ك َواّت ِ‬ ‫جَ‬ ‫ك َزْو َ‬ ‫عَلْي َ‬
‫ك َ‬ ‫س ْ‬ ‫عَلْيِه َأْم ِ‬
‫ت َ‬ ‫عَلْيِه َوَأْنَعْم َ‬ ‫ل َ‬ ‫ِلّلِذي َأْنَعَم ا ُّ‬
‫جَناَكَهففا‬ ‫ط فًرا َزّو ْ‬ ‫ضى َزْي فٌد ِمْنَهففا َو َ‬ ‫شاُه َفَلّما َق َ‬ ‫خَ‬‫ن َت ْ‬ ‫ق َأ ْ‬‫حّ‬ ‫ل َأ َ‬ ‫س َوا ُّ‬ ‫شى الّنا َ‬ ‫خَ‬ ‫ل ُمْبِديِه َوَت ْ‬ ‫ا ُّ‬
‫طفًرا َوَكففا َ‬
‫ن‬ ‫ن َو َ‬ ‫ضفْوا ِمْنُهف ّ‬ ‫عَياِئِهْم ِإَذا َق َ‬ ‫ج َأْد ِ‬ ‫ج ِفي َأْزَوا ِ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫عَلى اْلُمْؤِمِني َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل َيُكو َ‬ ‫ي َ‬ ‫ِلَك ْ‬
‫ل)‪ – (37‬الحزاب ‪ /‬ج ‪.22‬وهذا ما أوضحناه في ) العالمية – المجلد‬ ‫ل َمْفُعو ً‬ ‫َأْمُر ا ِّ‬
‫الثاني – ص ‪.( 474‬‬

‫‪25‬‬
‫وبذات الكيفية " قيد " ال تعدد الزوجات فلففم يقتصففرها فقففط علففى أربعففة‬
‫نسوة ‪ ،‬ولكنه حدد شروطًا للتعدد نفسه خلفًا لمففا أطلقففه الفقهففاء )العالميففة – المجلففد‬
‫الثاني – ص ‪.(474‬‬
‫الفارق بين " الخمار " و " الحجاب " ‪:‬‬
‫أمففا " الخمــار " الففذي يخلففط النففاس بينففه وبيففن " الحجــاب " فهففو الثففوب‬
‫المسففدل علففى جسففد المففرأة ‪ ،‬وحففددت المواضففع بففالجيوب الجسففدية وهــي مــا بيــن‬
‫ن َأْبصَففاِرِه ّ‬
‫ن‬ ‫ن ِم ف ْ‬ ‫ضف َ‬‫ض ْ‬ ‫ت َيْغ ُ‬ ‫ل ِلْلُمْؤِمَنففا ِ‬‫النهدين والبطين والصــلبين والفخــذين ‪َ :‬وُق ْ‬
‫عَلــى‬ ‫ن َ‬ ‫خُمِرِه ـ ّ‬ ‫ن ِب ُ‬ ‫ض ـِرْب َ‬‫ظَهفَر ِمْنَهــا َوْلَي ْ‬ ‫ل َمففا َ‬ ‫ن ِإ ّ‬
‫ن ِزيَنَتُهف ّ‬ ‫ل ُيْبفِدي َ‬
‫ن َو َ‬ ‫جُه ّ‬ ‫ن ُفُرو َ‬ ‫ظَ‬ ‫حَف ْ‬‫َوَي ْ‬
‫ن ‪ -‬النور ‪ /‬ج ‪ . 18‬وقد خوطب موسى ليسلك يففده فففي جيبــه حيففث البففط‬ ‫جُيوِبِه ّ‬ ‫ُ‬
‫جْيِب َ‬
‫ك‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫ل َيَد َ‬ ‫خْ‬ ‫ويعرف أيضًا بالجناح لتماثل اليدين بجناحي الطائر من جسده‪َ :‬وَأْد ِ‬
‫ن َوَقفْوِمِه ِإّنُهفْم َكففاُنوا َقْوًمففا‬ ‫عفْو َ‬‫ت ِإَلففى ِفْر َ‬ ‫سفِع آَيففا ٍ‬ ‫سففوٍء ِفففي ِت ْ‬ ‫غْيفِر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ضاَء ِم ْ‬ ‫ج َبْي َ‬‫خُر ْ‬ ‫َت ْ‬
‫ضففاَء ِمف ْ‬
‫ن‬ ‫ج َبْي َ‬‫خُر ْ‬ ‫ك َت ْ‬‫جْيِب ـ َ‬
‫ك ِفي َ‬ ‫ك َيَد َ‬‫سُل ْ‬‫ن)‪ – (12‬النمل ‪ /‬ج ‪ . 19‬وكذلك ‪ :‬ا ْ‬ ‫سِقي َ‬‫َفا ِ‬
‫عفْو َ‬
‫ن‬ ‫ك ِإَلفى فِْر َ‬ ‫ن َرّبف َ‬ ‫ن ِمف ْ‬ ‫ك ُبْرَهاَنفا ِ‬‫ب َففَذاِن َ‬ ‫ن الّرْهف ِ‬ ‫ك ِمف ْ‬ ‫حـ َ‬ ‫جَنا َ‬
‫ك َ‬ ‫ضُمْم ِإَلْي َ‬‫سوٍء َوا ْ‬ ‫غْيِر ُ‬ ‫َ‬
‫ن)‪ – (32‬قصص ‪ /‬ج ‪ .20‬فالخمار ل يشمل الرقبة ول‬ ‫سِقي َ‬‫َوَمَلِئِه ِإّنُهْم َكاُنوا َقْوًما َفا ِ‬
‫الرأس ول الشعر ول الساعدين ول الساقين فهذه ليست جيوبًا ‪ .‬وهففذه كلهففا مواضففع‬
‫للوضوء تكشف عنها المرأة في " الحج " و " العمرة " وأمام كل الناس ‪.‬‬
‫وطلففب ال ف فففي الخمففار المسففدل علففى جسففد المففرأة أّل يحجــب معالمهــا‬
‫ي ُقف ْ‬
‫ل‬ ‫الجسدية بما يميزها كامرأة عن رجل يكون قد تخفى بففزي المففرأة‪َ :‬ياَأّيَهففا الّنِبف ّ‬
‫ن ُيْعَرْفـ َ‬
‫ن‬ ‫ك َأْدَنــى َأ ْ‬ ‫ن َذِلـ َ‬ ‫لِبيِبِهـ ّ‬‫جَ‬‫ن َ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫عَلْيِه ّ‬‫ن َ‬ ‫ن ُيْدِني َ‬
‫ساِء اْلُمْؤِمِني َ‬ ‫ك َوِن َ‬ ‫ك َوَبَناِت َ‬‫جَ‬ ‫لْزَوا ِ‬ ‫َِ‬
‫حيًمففا)‪ – (59‬الحــزاب ‪ /‬ج ‪ .22‬وقففد أوقعنففا الخطففأ‬ ‫غُفففوًرا َر ِ‬ ‫لف َ‬ ‫ن ا ُّ‬‫ن َوَكا َ‬ ‫ل ُيْؤَذْي َ‬‫َف َ‬
‫اللغوي الشائع ما بين " الخمار " و " الحجاب " في متاهففات كففبرى خصوصفًا حيففن‬
‫أصلوا " الحجاب " بمنحول الحديث فهيمنوا بالتقاليد والعرف علفى نفص القفرآن بففل‬
‫نسخوا القرآن بالعرف‪.‬‬
‫ي"‪:‬‬ ‫الفارق بين " الزينة " و " الحل ّ‬
‫كما أن " الزينة " هي معالم جسد المرأة التي تظهر بطبيعة التكوين حففتى‬
‫ل ما ظهر منها ( وليست " الحلي " التي ينتجهففا الصففاغة ‪ .‬وتففدقيق‬ ‫تحت الخمار ) إ ّ‬
‫ي ويوم الزينة وخرج على قومه في زينته مساق قففادم‬ ‫هذه الدللت بين الزينة والحل ّ‬
‫بإذن ال ‪ .‬فكثير من فقهففاء المسففلمين قفد جعلففوا مفن نسفاء المسفلمين خيامـًا ســوداء‬
‫متحركة وأسدلوا الخمار حتى على وجوههن وليس جيوبهن كما أمر ال ‪ .‬أما إشففارة‬
‫جِميًعففا َأّيَهففا‬‫لف َ‬ ‫ن َوُتوُبففوا ِإَلففى ا ِّ‬ ‫ن ِزيَنِتِه ّ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫خِفي َ‬
‫ن ِلُيْعَلَم َما ُي ْ‬
‫جِلِه ّ‬
‫ن ِبَأْر ُ‬ ‫ضِرْب َ‬‫ل َي ْ‬ ‫الية‪َ :‬و َ‬
‫ن)‪ -(31‬النور ‪ /‬ج ‪ .18‬فالدللة هنا هي المشية الخليعة حيث‬ ‫حو َ‬‫ن َلَعّلُكْم ُتْفِل ُ‬‫اْلُمْؤِمُنو َ‬
‫تعمد المرأة لضرب الرض برجلها بما يؤدي لهففتزاز النهففدين والصففلبين وليففس "‬
‫ي " ول علقة له بالزينة ‪.‬‬ ‫الخلخال " كما توهم البعض ‪ ،‬فالخلخال من " الحل ّ‬
‫وقد نقل جبران شفامية )‪ (34‬عفن " أحمفد أميفن " ففي " فجفر السفلم "‬
‫)) أن الحاديث قد كتبت وخلفًا لنهي رسول ال بعد قرنين من وفاة الرسففول وكففان‬
‫أحمد بن حنبل )‪ 855 – 780‬م ( أول من عني بجمع الحديث في كتابه " المسند "‬
‫الذي يحتوي على ثلثين ألف حديث رتبه ابنه عبد ال حسب أسماء الصففحابة الففذين‬

‫‪26‬‬
‫روي عنهم ‪ ) .‬ملحظة‪ :‬أحمد بن حنبل وثم ابن تيمية همفا مراجفع السفلفية الوهابيفة‬
‫المعاصرة ( ‪.‬‬
‫ثم ظهرت في منتصف القرن التاسع ست مجموعات للحديث تعتبر‬
‫حصوها‬ ‫موثوقة صنفت فيها الحاديث حسب مواضيعها ودقق مؤلفوها بالروايات وم ّ‬
‫واختاروا منها ما اعتبروه صحيحًا وهي ‪:‬‬
‫) ‪ 870 – 810‬م( ‪.‬‬ ‫كتاب الجامع الصحيح للبخاري‬
‫) ‪ 875 – 817‬م( ‪.‬‬ ‫كتاب صحيح مسلم‬
‫) ‪ 866 – 824‬م( ‪.‬‬ ‫كتاب السنن لبن ماجة‬
‫) ‪ 888 – 817‬م( ‪.‬‬ ‫كتاب السنن لبى داود‬
‫) توفي ‪ 892‬م( ‪.‬‬ ‫الجامع الصحيح للترمذي‬
‫) ‪ 915 – 820‬م( ‪.‬‬ ‫كتاب السنن للنسائي‬
‫يلحظ أن هذه المجموعات الست كتبت في زمن متقارب ) ما بين ‪820‬‬
‫– ‪ 915‬م ( كأنه تسلط فجأة على الوسط الديني شعور بضرورة وضع حّد‬
‫للنتحال ‪ .‬ففي القرنين من وفاة الرسول إلى صدور هذه الكتب استباح كثيرون‬
‫لنفسهم وضع الحديث ونسبته كذبًا إلى النبي ‪ " .‬ويظهر أن ذلك حدث والنبي ل‬
‫يزال حيًا " ‪.‬‬
‫وإذا تذكرنا أن الحاديث المنقولة عن أقرب الناس إلى النبي كعائشة‬
‫وأبي ُهريرة وعبد ال ابن عمر وعبد ال ابن العباس بلغت خمسة عشر ألف‬
‫حديث ‪ ،‬في حين أن البخاري اقتصر على أربعة آلف من كافة الحاديث على‬
‫اختلف مصادرها أدركنا مقدار ما انتحل على لسان هؤلء وحدهم ‪ ،‬معنى ذلك أن‬
‫المسلمين في أقرب اليام والسنين لنشوء الدعوة لم يتحّرجوا بالختلف على لسان‬
‫النبي خدمة لغراضهم الدينية والسياسية ‪.‬‬
‫وُيلحظ أن رواة الحاديث لم ينقلوا شيئًا عن زوجات النبي عدا عن‬
‫ن على درجة من الجهالة بحيث لم تحفظ إحداهن حديثًا واحدًا‬ ‫ن كله ّ‬‫عائشة ‪ .‬فهل ك ّ‬
‫عن زوجها ؟ الرجح أن المر لم يكن كذلك !!!‬
‫ل نحو‬‫وقد روي عن المام الشافعي قوله أنه لم يثبت عن ابن العباس إ ّ‬
‫ل نحو خمسين ‪ .‬أما المام أبو حنيفة‬ ‫مائة حديث ‪ ،‬ولم يثبت عن عمر بن الخطاب إ ّ‬
‫ل سبعة عشر حديثًا من الستماية ألف حسب قول ابن خلدون ‪ .‬فإذا‬ ‫فلم يصح عنده إ ّ‬
‫ي أساس إذًا قامت تلك العلوم التي بقول الستاذ أحمد‬ ‫صح قول هؤلء الفقهاء فعلى أ ّ‬
‫أمين أنها تفرعت عن الحديث ؟‬
‫أمام هذه الشكوك الجسيمة التي تتناول صحة الحاديث ‪ ،‬وأمام إهمال العلماء‬
‫السابقين تجريحها بالنسبة لمتونها ‪ ،‬فما هو عذر العلماء المعاصرين بالمتناع‬
‫عن ذلك ؟((‬
‫إن من دوافع المحّدثين في تدوين هذه الحاديث أنهم يجدون فيما نسبوه‬
‫للسنة النبوية تشريعات وأحكام لم ينص عليها القرآن كالرجم وما يفسرونه بالحجاب‬
‫وما يتدنونه من قيمة المرأة " ناقصة عقل ودين " وما يسربلونه بها من ثياب حيث‬

‫‪27‬‬
‫ل عينًا واحدة تبصر بها ‪ ،‬فالحديث هو " مأوى " هؤلء‬ ‫يحرمون فيها كل شيء إ ّ‬
‫خلف منهج الدس اليهودي ‪.‬‬
‫أما موقفنا من السنة الصحيحة ‪ ،‬والتي نؤمن بها ونلتزمها ‪ ،‬فقد‬
‫أوضحناه في المجلد الول من العالمية – ص ‪ 62/63‬فنحن أكثر التزامًا بالسنة‬
‫حيث التزمنا بنهي الرسول عن كتابة أحاديثه لنه يعلم ما ل يعلمون ‪ ،‬ولكنهم جاءوا‬
‫باسم السنة لبطال السنة وتزييف الحكام ‪ ،‬فأصبح لدينا دينان ينسخان بعضهما ‪،‬‬
‫دين القرآن ودين الحاديث المنحولة ‪ ،‬ومضى بعضهم للقول أن السنة يمكن أن‬
‫تنسخ القرآن ‪ ،‬وبرروا بذلك " شرعة ما قبلنا شرعة لنا " بما يناقض الية " لكل‬
‫جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا " وبما يناقض الية التي تنص على " هيمنة القرآن "‬
‫على سائر الكتب ونسخ شرائعها ‪ .‬وزادوا إلى ذلك مزج الحكام الدينية " بالعرف‬
‫الجتماعي " في كل الحكام الخاصة بالمرأة ‪.‬‬
‫علمنة الدولة ضمانة للحريات والمحاسبة ‪:‬‬
‫إن علمنة الدولة تشكل أهم مرتكز إسلمي لضمان الحريات التي يؤكد‬
‫عليها القرآن في سورة النحل ‪ ،‬كما أن مؤسسات الدولة المعلمنة من فصل السلطات‬
‫التشريعية والقضائية والتنفيذية تكفل دستوريًا دور المواطن والشعب بمعزل عن‬
‫منطق " الحاكمية اللهية " و " حاكمية الستخلف " الخاصتين بالدين اليهودي‬
‫وبالسرائيليين لطلق " حاكمية البشر " كما ينادي بها القرآن بعد ختم الرسالة‬
‫والنبوة ‪ ،‬حيث يكون دور الكتاب ‪ /‬القرآن ضمن السلطة التشريعية تأكيدًا للنهج‬
‫الكوني بما يسد الطريق على تحّول " العلمنة السياسية للدولة " إلى " فلسفة وضعية‬
‫للمجتمع " وبما يخرق قاعدة " السلم كافة " ويقنن الصراعات باسم الديموقراطية ‪،‬‬
‫ويهدد قيم المجتمع باسم الليبرالية الفردانية ‪.‬‬
‫فالعلمنة السياسية للدولة ضمانة للجتهاد النوعي في المجتمع بما تكفله من حرية‬
‫الرأي و "حيادية السلطة " تجاه مختلف الديان والراء والجتهادات وضمانة‬
‫لتطبيق ما ورد في " سورة النحل " حول الفارق بين مجتمعات العبودية والستلب‬
‫ضِرُبوا ِّ‬
‫ل‬ ‫ل َت ْ‬ ‫الطبقي والعبودية ل حيث يكون النسان حّرا كالطير في جو السماء‪َ :‬ف َ‬
‫عَلى‬ ‫ل َيْقِدُر َ‬ ‫عْبًدا َمْمُلوًكا َ‬ ‫ل َ‬ ‫لُ َمَث ً‬‫با ّ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ن)‪َ (74‬‬ ‫ل َتْعَلُمو َ‬
‫ل َيْعَلُم َوَأْنُتْم َ‬‫ن ا َّ‬ ‫ل ِإ ّ‬‫لْمَثا َ‬
‫ا َْ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‬ ‫ن اْل َ‬ ‫سَتُوو َ‬‫ل َي ْ‬
‫جْهًرا َه ْ‬ ‫سّرا َو َ‬ ‫ق ِمْنُه ِ‬ ‫سًنا َفُهَو ُينِف ُ‬
‫حَ‬ ‫ن َرَزْقَناُه ِمّنا ِرْزًقا َ‬ ‫يٍء َوَم ْ‬ ‫ش ْ‬‫َ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬‫عَلى َ‬ ‫ل َيْقِدُر َ‬ ‫حُدُهَما َأْبَكُم َ‬ ‫ن َأ َ‬‫جَلْي ِ‬‫ل َر ُ‬ ‫ل َمَث ً‬‫ب ا ُّ‬ ‫ضَر َ‬‫ن)‪َ(75‬و َ‬ ‫ل َيْعَلُمو َ‬ ‫ل َأْكَثُرُهْم َ‬ ‫َب ْ‬
‫ن َيْأُمُر ِباْلَعْدلِ َوُهَو‬ ‫سَتِوي ُهَو َوَم ْ‬ ‫ل َي ْ‬ ‫خْيٍر َه ْ‬ ‫ت ِب َ‬ ‫ل َيْأ ِ‬‫جّه َ‬‫لُه َأْيَنَما ُيَو ّ‬
‫عَلى َمْو َ‬ ‫ل َ‬ ‫َوُهَو َك ّ‬
‫ل َكَلْم ِ‬
‫ح‬ ‫عِة ِإ ّ‬ ‫سا َ‬‫ض َوَما َأْمُر ال ّ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ت َوا َْ‬ ‫سَماَوا ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫غْي ُ‬
‫ل َ‬ ‫سَتِقيٍم)‪َ(76‬و ِّ‬ ‫ط ُم ْ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫عَلى ِ‬ ‫َ‬
‫ن ُأّمَهاِتُكْم‬ ‫طو ِ‬ ‫ن ُب ُ‬‫جُكْم ِم ْ‬‫خَر َ‬‫ل َأ ْ‬
‫يٍء َقِديٌر)‪َ(77‬وا ُّ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫عَلى ُك ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬‫ب ِإ ّ‬ ‫صِر َأْو ُهَو َأْقَر ُ‬ ‫اْلَب َ‬
‫ن)‪َ(78‬أَلْم َيَرْوا‬ ‫شُكُرو َ‬ ‫لْفِئَدَة َلَعّلُكْم َت ْ‬
‫صاَر َوا َْ‬ ‫لْب َ‬ ‫سْمَع َوا َْ‬‫ل َلُكْم ال ّ‬‫جَع َ‬ ‫شْيًئا َو َ‬‫ن َ‬ ‫ل َتْعَلُمو َ‬ ‫َ‬
‫ت ِلَقْوٍم‬‫لَيا ٍ‬‫ك َ‬ ‫ن ِفي َذِل َ‬ ‫ل ِإ ّ‬‫ل ا ُّ‬ ‫ن ِإ ّ‬ ‫سُكُه ّ‬‫سَماِء َما ُيْم ِ‬ ‫جّو ال ّ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫خَرا ٍ‬ ‫سّ‬ ‫طْيِر ُم َ‬ ‫ِإَلى ال ّ‬
‫ن)‪ – (79‬النحل ‪ /‬ج ‪.14‬‬ ‫ُيْؤِمُنو َ‬
‫فالحرية المطلقة من جبّلة التكوين التخليقي اللهي للمطلق النساني ‪ ،‬فالفقهاء الذين‬
‫جردوا النسان من مطلق حريته بمنطق الحاكمية ل قد جعلوا النسان " عبدًا‬
‫مملوكًا " ل وبما يتطابق مع مملوكيته للبشر في المجتمع البدائي العبودي ‪ ،‬وهذا‬

‫‪28‬‬
‫ما رفضه ال رفضًا قاطعًا وجازمًا في سورة النحل حين رفض المماثلة بين‬
‫العبودية له والعبودية للنسان ‪ ،‬حيث وصف ال عبده بأنه حر متصرف في قدراته‬
‫في حين أن المملوك البشري ل يقدر على شيء ‪ ،‬ووصف ال عبده بأنه حر التعبير‬
‫‪ ،‬غير مستلب إلهّيا ‪ ،‬وقد زوده ال بقوة " الوعي الثلثي – السمع والبصر والفؤاد "‬
‫ل " الله الزلي" في حين‬ ‫‪ ،‬وماثله بالطير حرًا في جّو السماء ‪ ،‬مطلقًا ل يمسك به إ ّ‬
‫أن العبد المملوك " أبكم " مجرد من حق التعبير وحق التفكير وحق الوعي ‪.‬‬
‫فعلمانية الدولة السياسية ضرورة إسلمية )‪ (35‬وبالذات في عصرنا الراهن مع‬
‫صعود الصولية المغالية وهيمنة النظمة الستبدادية علمًا بأن السلم دين مجتمع‬
‫وليس دين دولة ‪ .‬والذين يجمعون بين الدين والدولة إنما هم ثيوقراطيون من دعاة "‬
‫الحاكمية اللهية " التي ينصبون أنفسهم " خلفاء " ل عنها في الرض وهذا نقيض‬
‫إسلمية المعرفة وهذا ما يذهب إليه سيد نقيب العطاس ‪(36).‬‬
‫" وفي هذا الصدد ل بد أن نؤكد أن هجومنا على " العلمانية " ليس موجهًا نحو ما‬
‫هو مفهوم عمومًا بكلمة " علمانية " التي توصف بها الحكومات والدول السلمية ‪،‬‬
‫ولكنه موجه بشكل أكبر نحو " العلمنة " التي هي برنامج فلسفي ‪ ،‬قد ل تكون كل‬
‫الدول والحكومات العلمانية في بلد المسلمين قد تبنته بالضرورة ‪.‬‬
‫لقد شاع في أوساط المسلمين أن الدولة العلمانية هي الدولففة الففتي ل يحكمهففا العلمففاء‬
‫والتي ل يقوم نظامها القانوني على قانون سماوي منزل ‪ .‬ول شك أن هذه الفكرة قففد‬
‫رسخت في الذهان من خلل التفكيفر الغربفي ‪ ،‬أي أن الدولفة العلمانيفة هفي الدولفة‬
‫المضادة للدولة الدينيففة ‪ .‬وهــذا النمــط مــن التفكيــر غيــر إســلمي علــى الطلق لن‬
‫السلم ل يفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي ‪ .‬فكيف يكون في تفكير المسففلمين‬
‫تضارب وتضاد بين الدولة الدينية والدولة الدنيوية ) أي العلمانية ( ؟‬
‫إن الدولة السلمية التي تسمي نفسها " علمانية " ليست بالضرورة معادية للحقيقة‬
‫الدينية أو التربية الدينية ‪ ،‬كما أنه ليس معنى ذلك أنها تجرد الطبيعة من معناها‬
‫الروحي أو تنكر القيم والفضائل الدينية في الشؤون السياسية والنسانية ‪ .‬ولكن‬
‫العملية الفلسفية العلمية التي أسميها " العلمنة " تعني حتمًا تجريد عالم الطبيعة من‬
‫المعنى الروحي وإبعاد السياسة من الدين وعزل الدين عن كل شؤون حياة النسان‬
‫ومناحيها ‪ ،‬كما تعني إبعاد القيم المقدسة من تفكير النسان وسلوكه "‪.‬‬
‫وكما يقول الدكتور " علي حرب ")‪ (37‬إن العلمانية ليست مذهبًا جامدًا ‪ ،‬أو شعارًا‬
‫ما ورائيًأ ‪ ،‬ول ينبغي لها أن تكون كذلك ‪ ،‬وإنما هي مشروع ل يكتمل ‪ ،‬وأفق‬
‫ينبغي " افتتاحه باستمرار " ‪ ،‬كما يرى ‪ ،‬بحق ‪ ،‬الستاذ محمد أركون ‪ .‬وبكلم آخر‬
‫‪ ،‬ل ينبغي أن تتحول العلمانية إلى سلطة كهنوتية حديثة تقوم بتحديد وضبط كل‬
‫شيء ‪ ،‬بما في ذلك الفكر نفسه ‪ ،‬كما ل ينبغي لها أن تمسي معتقدًا مغلقًا ‪ ،‬أي‬
‫نظامًا فولذيًا ‪ ،‬أو منزعًا فاشيًا عنصريًا ‪ ،‬على نحو ما آلت إليه بعض المشاريع‬
‫اليديولوجية الحديثة ‪ ،‬من قومية عرقية ‪ ،‬أو اجتماعية طبقية ‪ .‬ولهذا فإن أصل‬
‫المشروعية يبدو غير كاف ‪ ،‬في حد ذاته ‪ ،‬لتحديد ماهية العلمانية ‪ .‬فالتجربة تشهد‬
‫بأن هناك دومًا ما يتهّدد حرية الفرد وحقوقه ‪ ،‬من خلل الميل إلى احتكار السلطة ‪،‬‬
‫أكانت دينية أو غير دينية ‪ ،‬وإلى مصادرة المشروعية ‪ ،‬أكانت من خلل المجتمع أم‬

‫‪29‬‬
‫من داخله ‪ ،‬وذلك تحت حجج وذرائع تحيل في الغالب ‪ ،‬إلى مبادئ غيبية ‪ ،‬كداعي‬
‫المصلحة العليا وسيادة المة ‪ ،‬والحرص على الهوية ‪ ...‬ولهذا فالضامن الساسي‬
‫للحريات والحقوق هو تعدد مصادر المشروعية والسلطة ‪ .‬ولعل العلمانية ليست‬
‫شيئًا آخر سوى ذلك ‪.‬‬
‫وبالمقابل ‪ ،‬فإن الكلم على العلمانية ل يعني ‪ ،‬البتة ‪ ،‬نفي الدين ‪ ،‬بما هو إرث‬
‫وتاريخ وتجربة ‪ ،‬أي بما هو حقيقة واقعة ل مجال لنكارها وتجاوزها ‪ .‬وكما أنه‬
‫ل يمكن للنسان أن ينسلخ عن ناسونيته وأن يعرى من علمانيته ‪ ،‬فل يمكن له ‪،‬‬
‫أيضًا ‪ ،‬أن يتجرد عن منازعه القدسية الغيبية ‪ ،‬وإن ظن ذلك ‪ .‬فالقدسي هو عنصر‬
‫من عناصر الوعي ‪ .‬والغيبي هو مبدأ من مبادئ الجتماع ‪ .‬وبهذا المعنى ل‬
‫مجال ‪ ،‬أكان حديثًا أم قديمًا ‪ ،‬يخلو من أبعاد غيبية قدسية ‪ ،‬ومن طقوس رمزية‬
‫سحرية ‪ .‬ذلك أنه ل اجتماع بل عقيدة ‪ ،‬ول عقيدة إل وتحيل إلى غائب ‪ ،‬ول‬
‫عقيدة من دون سلطة مقدسة " ‪ ).‬سلطة بالمعنى الروحي(‬
‫هل الخلص على يد العولمة المريكية ؟‬
‫إنه أمام تنامي الصولية المنبعثة من قاع المجتمع وتحويلها المعرفة‬
‫الدينية إلى أيديولوجيا واتكائها على تاريخانية فكرية مفارقة لمنهجية السلم‬
‫ومغالتها ‪.‬‬
‫وأمام استبداد النظمة التي تمتطي المجتمع كامتطاء المروضين للحصنة‬
‫الجامحة ‪ ،‬فقد تكون الهيمنة المريكية بتحديثيتها وعلمانيتها وليبراليتها وسوقها‬
‫الحر مخرجًا لكثير من الشعوب فيما يعتقده البعض ويأمله ‪.‬‬
‫غير أنه " خلص ملغوم " ليس فقط بسبب النحياز المريكي لسرائيل‬
‫وسعيهما معًا لترتيب الوضاع في الوطن العربي والهيمنة عليه ضمن مصالحهما‬
‫المشتركة ولكن بسبب النهج المريكي نفسه ومنظومته ومرجعياته الفلسفية ‪.‬‬
‫فحين ألقى السيد " كولن باول " وزير الخارجية المريكية خطابه في‬
‫مؤسسة " هيريتج فاونديش " بتاريخ ‪ 11‬ديسمبر ‪ /‬كانون أول ‪ 2002‬استنادًا إلى‬
‫تقرير المم المتحدة حول " التنمية النسانية العربية لعام ‪ " 2002‬يخيل للمستمع‬
‫الذي يجهل خلفية العولمة المريكية أن المتحدث هو فولتير ) ‪ (1694/1778‬من‬
‫الذين قدموا بأفكارهم الصلحية للثورة الفرنسية وليس وزير الخارجية المريكي )‬
‫‪ . (38‬فالعولمة المريكية هي نقيض الكونية ونقيض التوجه النساني الذي يتفاعل‬
‫مع أزمات البشرية وقضاياها بل يزيدها تعقيدًا ‪.‬‬
‫قد أصبحت أمريكا الن مصدر كل مصطلح عالمي جديد في لغة "‬
‫العولمة المعاصرة " بعد أن دخلت عصر " التكنيترونيك – ‪" Technetronic‬‬
‫الذي وحد بين الثورة " التكنولوجية " في عالم التصالت والمعلومات والمواصلت‬
‫مع " الكترونيك " ‪ ،‬وهو تعبير أطلقه مستشار المن القومي المريكي السبق "‬
‫زبينغيو برجنسيكي " في السبعينات)‪. (39‬‬
‫بموجب هذا العصر استشعرت أمريكا سيطرتها على العالم الذي بدا لها "‬
‫ل لن تحتويه " قبضتها " طالما إن‬ ‫متقلصا" – ‪ (shrinking world – (40‬وقاب ً‬

‫‪30‬‬
‫أمريكا تستمتع الن " باللحظة الحادية ‪ (Unipolar Moment – -(41‬وذلك‬
‫أيضًا تعبير أمريكي لتخفيف تعبير " الهيمنة " الحادية بالمنطق الستعماري ‪.‬‬
‫هكذا ينتهي المفهوم التقليدي للجغرافية السياسية و " الجيوبوليتيك –‬
‫‪ " Geopolitics‬في نظريات العلوم السياسية وذلك منذ أن أعلن الرئيس بوش "‬
‫الب " في ‪ 11‬سبتمبر ) أيلول ( ‪ 1990‬قيام " النظام العالمي الجديد " )‪ (42‬ثم‬
‫صل الرئيس بوش " البن " ذلك العلن بذات التاريخ ‪ 11‬سبتمبر ) أيلول (‬ ‫أ ّ‬
‫‪ ، 2001‬وبالتحديد إثر تفجيرات أمريكا – فهل هي محض صدفة ؟!‬
‫أمريكا هذه تتطلع الن ليجاد " الشعوب البديلة – ‪ " . Alternatives N‬و "‬
‫النظمة البديلة – ‪ (Alternative .S " (43‬وذلك باحتواء الشعوب ثقافيًا على‬
‫حساب ما هو سائد أيديولوجيًا ودينيًا وقوميًا وحضاريًا ‪ ،‬وقد تم التعبير عن هذا‬
‫الحتواء بلغة " صدام الحضارات " لصموئيل هنتنغتون )‪ (44‬ومنطق الليبرالية‬
‫نهاية للتارغ لفوكوياما )‪ (45‬والذي يحتوي النظمة جنبًا إلى جنب مع شروط‬
‫منظمة التجارة الحرة والمنظمات الدولية الخرى كحقوق النسان وغيرها كثير‬
‫وكثير ‪.‬‬
‫أما القيمة المنهجية لسلمة المعرفة فتكمن بالتحول النساني إلى الكونية‬
‫ل عن "الموضعية" ‪ Placement‬والوضعية ‪Positivism -‬‬ ‫‪ Cosmos‬بدي ً‬
‫فتتكون لدى النسان " نظرية وجود " ‪ Anthology‬مرتبطة بال ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬
‫بوصفه خالقًا ‪ ،‬ومصدرًا " للكتاب والحكمة " فتشكل عقلية النسان وأخلقياته على‬
‫ضوء هذا الرتباط اللهي فيتعالى على نزعته الغريزية البهيمية الدنيوية العابرة‬
‫وينتمي لمنظومة إلهية من القيم ‪ Divine Realm of Values‬هي نقيض التعالي‬
‫" النفعية "‬ ‫في الرض والفساد وسفك الدماء مهما كانت المبررات‬
‫‪ Utilitarianism‬ونزعتها العملية ‪ Pragmatism‬غير الخلقية ‪ ،‬وتمركزها‬
‫حول الذات الفردية ‪ Self Centered‬وإباحتها " الليبرالية " ‪Liberalism‬‬
‫ومنهجها الدائي أو الدواتي ‪ Instrumentalism‬وغزوها للخرين بمنطق‬
‫صدام الحضارات ‪ Clash Of Civilizations‬لفرض آحاديتهم المبريالية على‬
‫الشعوب بمنطق العولمة ‪ Globalization‬المعاصرة وسوابقها ‪ ،‬بعد أن حولت‬
‫النسان إلى كائن عدمي ‪ ، Nihilistic‬يغذي آلة النتاج والستهلك ‪ ،‬وامتدادًا إلى‬
‫مفهوم جديد للجنس والنوع ‪ Sex‬يتجاوز العلقة العائلية ويجعل من الجنس محض‬
‫لذة بايولوجية ونفسية واختيار ذاتي ‪. Gender‬‬
‫المخرج ‪ :‬إسلمية المعرفة ) الجدلية الثلثية والرؤية الكونية (‬
‫كما ذكرت ‪ ،‬ليس " كولن باول " هو " فولتير " ول يمكن أن يكون‬
‫خلصنا وفق مواصفات " الهيمنة – العولمة المريكية " والتي تعتبر نقيضًا‬
‫لساسيات وجودنا كأمة مساهمة في تأسيس الحضارة النسانية وليس بداية من‬
‫السلم قبل أربعة عشر قرنًا ولكن بداية من اللفية الخامسة قبل الميلد ‪.‬‬
‫ل من " داخلنا " وبوفق خصائصنا ‪ .‬وليس‬ ‫فإصلحنا وتحديثنا ل يكون إ ّ‬
‫هذا هو موقف ورأي إسلمية المعرفة فقط ‪ ،‬بل هو رأي مفكرين في علم الجتماع‬
‫والسياسة أمثال " مصطفى التير " و " حسن صعب " و " عبد ال العروي " و "‬

‫‪31‬‬
‫محمد عابد الجابري " و " أدونيس " و " برهان غليون " و " محمد آركون " و "‬
‫على حرب " و " جابر عصفور " و " محمد جابر النصاري " و " عمار بلحسن "‬
‫و " محمد مهدي شمس الدين " ‪ .‬ولو أفضت لتجاوزت الثلثمائة ‪ ،‬على اختلف‬
‫مداخلهم ومناهجهم ‪.‬‬
‫في هذا الطار يكتب " د‪ .‬مصطفى التير " )‪)) (46‬تبدو الثقافة العربية‬
‫اليفففوم " تابعة " وخصوصًا في مجالت إنتاج المعرفة العلمية وتوظيفها ونقلها ‪،‬‬
‫ولكن لم يكن هذا حال هذه الثقافة خلل جميع حقب التاريخ ‪ .‬لقد عرفت الثقافة‬
‫العربية عصورًا ازدهر فيها العقل العربي ‪ ،‬وحلق عاليًا متجاوزًا الحدود المحلية‬
‫والقليمية عندما لم توضع أمام العقل عراقيل كثيرة ‪ .‬كانت القيم تحرض على‬
‫انطلق العقل واستخدامه لفحص مكونات الكون وللتعرف إلى مسببات الشياء كما‬
‫هي في الطبيعة ‪ .‬كانت الثقافة العربية آنذاك غنية بمكوناتها فسادت ‪ ،‬وكان مثقفو‬
‫العالم يتجهون صوب المجتمع العربي طلبًا للتعلم واكتساب المعرفة ‪ .‬وإذا كانت‬
‫الصورة اليوم تبدو مغايرة للوصف السابق ‪،‬فل يعني ذلك أنها ستظل هكذا إلى ما‬
‫ل نهاية ‪ .‬سوى أن تبديل الحالة الراهنة لن يتم بالتمني ول بالدعاء ‪ ،‬بل بالعمل‬
‫المضني ‪ -‬كما يلحظ غليون ‪" -‬على بعث ثقافة مبدعة تزخر بالخلف والتناقض‬
‫والتعدد ‪ ..‬ولنحرر أنفسنا من وهم اليديولوجيا الواحدة والمنقذة ‪ ،‬فالعقل والحرية ل‬
‫ينفصلن " وإذا بدا أن الخذ لهذه النصيحة البسيطة ليس في الفق ‪ ،‬فإن تحديث‬
‫المجتمع العربي لن يكون باستيراد النماذج الجاهزة ‪ ،‬ول بالستمرار في استيراد‬
‫ذكريات الماضي ‪ .‬فالتراث العربي السلمي قد يكون مصدر إلهام وحافزًا للدفع‬
‫إلى المام ‪ ،‬ولكن بعد أن يتوقف العرب عن الستمرار في "القراءة السلفية‬
‫للتراث" ‪ -‬كما يقول الجابري ‪ -‬والتي ل تنتج سوى إعادة التراث نفسه ‪.‬‬
‫ولبلوغ هذا الهدف ‪ ،‬فإن العرب ‪ -‬وخصوصًا )المثقفين( منهم ‪ -‬مدعوون‬
‫للبحث عن السلوب الفضل والنسب ‪ ،‬ول نعتقد أنه يقوم بالضرورة على أنقاض‬
‫هدم الماضي بما في ذلك الدين ‪ .‬وقد أظهرت تجارب أمم كثيرة أن مهاجمة الدين ‪،‬‬
‫حتى عندما جعلتها السلطة جانبًا رئيسيًا من السياسة ‪ ،‬لم تؤِد إلى تحطيم الوعي‬
‫الديني ‪ ،‬بل ربما أدت مثل هذه السياسة ‪ -‬في أحيان كثيرة ‪ -‬إلى ردات فعل قوية‬
‫بالتجاه المعاكس للسياسة الرسمية ‪ .‬إن السلوب المناسب لتحديث نمط التفكير‬
‫العربي يأخذ بعين العتبار خصائص المجتمع العربي وخصائص الشخصية العربية‬
‫‪ ،‬ووضع برنامج للرفع من مكانة العقلنية التجريبية ل يتعارض وروح الدين‬
‫السلمي ‪ .‬ولكن طبيعة العلقات المتعلقة بالمراكز الجتماعية التي لها علقة‬
‫بإنتاج المعرفة ونقلها تحتاج إلى تغيير في التجاه الذي يفسح مجاًل واسعًا‬
‫للختلف ‪ ،‬وللرأي الخر ‪ ،‬وللشك وتنشيط القدرات العقلية(( ‪.‬‬
‫ونعود لنؤكد في إطار إسلمية المعرفة إن الطرح اليستمولوجي‬
‫)المعرفي المنهجي( وليس اليديولوجي )التراثي التاريخي( في علقة وجودنا‬
‫العربي ‪ -‬السلمي بالوحي اللهي والدين من جهة ‪ ،‬وعلقتنا بجدلية التاريخ‬
‫العربي من جهة أخرى ‪ ،‬يشكلن الضوابط التي تؤطر علقتنا بالعولمة خارج‬

‫‪32‬‬
‫مداراتها الليبرالية الباحية )‪ (Liberalism‬ومنفعتها القتصادية )‬
‫‪ (Pragmatism‬وخلودها إلى نهج المنافسة والصراع ‪.‬‬
‫يمكن أن يكون للعولمة نهجًا أكثر )إنسانية( وأرفع )كونية( متى تخلصت‬
‫من السلبيات التي لزمت التطور الوربي وانتهت لتدمير النسان نفسه بتحويله‬
‫لمجرد كائن إنتاجي واستهلكي مبوتق ‪ Encapsulated‬يحركه العلم بأكبر‬
‫من القيم ‪ ،‬ويوجه إرادته ورغباته بأكثر من التربية والخلق ‪.‬‬
‫فلكي نتقبل إيجابيات العولمة ‪ ،‬وهي مصير بشري ‪ ،‬وندرأ سلبياتها ‪ ،‬ل‬
‫ل بطرح الدراسات المعرفية‬ ‫بد من أن نضمنها اختياراتنا الحضارية ول يتأتى ذلك إ ّ‬
‫والمنهجية المتعلقة بوجودنا ‪ ،‬القومي والديني على حد سواء ‪ .‬دون ذلك نكون‬
‫أسرى عولمة نعيش فيها )اغترابًا مزدوجًا( عنها وعن أنفسنا بذات الوقت ‪.‬‬
‫فالمطلوب الن إعداد مناهج تربوية وثقافية بديلة لما هو قائم ‪ ،‬وكذلك طرح‬
‫رؤى إستراتيجية تنطلق منظوراتها )منا( وليس من )غيرنا( مهما تقاربت ظواهر‬
‫مصالحنا ‪.‬‬
‫وما من أمة تستطيع أداء هذا الدور )النساني علقة( و )الكوني رؤية(‬
‫مثل هذه المة التي تربعت في موقع الوسط من العالم فتفاعلت حضاريًا وفلسفيًا مع‬
‫النجازات والموروثات البشرية على امتداد ما بين المحيطين الطلسي غربًا‬
‫والهادي شرقًا وباتجاه إفريقيا من العالم الجغرافي والبشري )القديم( ‪ ،‬فاستوعبت‬
‫حضاراتها )الذاتية( المتفاعلة معها ومن قبل الفتح السلمي فأصبحت بالفعل أمة‬
‫المم وقومية القوميات المنبسطة على )حوض الحضارات التاريخية( ‪.‬‬
‫وباستيعاب ذلك ورثت إشراقية فارس وفلسفة الهيلينية الغريقية ‪.‬‬
‫فليس من أمة مؤهلة موضوعيًا بحكم تركيبتها لعطاء العولمة بعدًا إنسانيًا كأمة‬
‫الوسط هذه ‪.‬‬
‫إن باحثًا معتبرًا " كعلي زيعور" يكتب من "داخل الذات" هو القرب لفهم‬
‫أهداف الحداثة في واقعنا وبمنطق جدله الخاص من كل علماء الغرب وأمريكا‪،‬‬
‫وذلك في كتابه‪" :‬التحليل النفسي للذات العربية – أنماطها السلوكية والسطورية"‬
‫ويماثله "جورج قرم" في كتابه‪" :‬النزاع بين التغيير واللتغيير" و"برهان غليون"‬
‫في "اغتيال العقل"‪ ،‬وهناك كثيرون‪.‬‬
‫علماؤنا هؤلء "من داخلنا" وهم "نحن" عجنهم تاريخنا‪ ،‬وكونهم "جدلنا" القرب‬
‫لفهم معنى الحداثة "فينا" و"التجديد" و"كيف" و"لماذا" وشرعية أبنيتنا الفوقية‬
‫والتحتية‪ ،‬وتجاويف عقولنا وكيف نفكر‪.‬‬
‫فل يمكن لكولن باول أن يعبر إلى مجتمعنا إل من خلل هؤلء ‪ -‬وليسوا جسرًا‬
‫له ‪ -‬ول لغيره‪ ،‬ولكنهم المدخل والبوابة "الشرعية" لمن يريد إصلحًا اجتماعيًا‬
‫وسياسيًا وثقافيا وفكريًا‪ .‬ول يمنع ذلك أنهم يختلفون فيما بينهم ولكنهم ليسوا مختلفين‬
‫في أهدافهم باتجاه التحديث‪ .‬إذ يظل الخليجي خليجي والتونسي تونسي أما السوداني‬
‫كمثلي فيمكن أن يّوحد بين جدل "الغيب" و"النسان" و"الطبيعة" ويردد في نفسه‬
‫الدعاء متوجهًا إلى ال إثر كل هجوم ‪ " :‬ربي أغفر لهم فإنهم ل يعلمون " ‪ .‬ولكن‬

‫‪33‬‬
‫يؤلمني أن يهاجم آرائي من لم يقرأ لي ويكتفي بالعناوين ‪ ،‬فغدًا سيأتي من يقول أن "‬
‫حاج حمد " يدعو لدولة علمانية ليبرالية إباحية ويطرد الدين من المجتمع‪.‬‬
‫لم يطرح أي من هؤلء المفكرين في يوم من اليام "سقوط النظمة" كمدخل‬
‫للصلح والتغيير وإنما طرحوا فهمها "كظاهرة"‪ ،‬ولم يسبوا ويلعنوا الحركات‬
‫السياسية وغيرهم في مجتمعهم‪ ،‬وإنما سعوا لكتشاف "السلطة المعرفية" التي‬
‫تؤسس عليها – من داخل المجتمع – هذه الحركات لوجودها وشرعيتها‪.‬‬
‫ولم يصدروا بيانات ‪ /‬مبادئ ‪ /‬مبادرات وإنما "قيموا" و"حلّلوا" و"فككوا"‬
‫وحاولوا التركيب‪ ،‬كل حسب جهده وطاقته‪.‬‬
‫ل يستطيع "كولن باول" أن يقف هناك من خلف الطلنطي ليقول لنا ما يجب ان‬
‫تكون عليه أوضاعنا وما يكون عليه مستقبلنا‪.‬‬
‫صحيح أن النظرة إلينا – من على بعد – تمر من خلل وهننا وضعفنا‪ ،‬ولكن‬
‫ضعفنا مجرد "عادة سيئة" و"عابرة" في حياتنا‪ ،‬فنحن أمة "مستمرة" و"وريثة"‪،‬‬
‫إستمراريتها في تخطيها عبر التاريخ لكل كبواتها‪ ،‬من "التتار" إلى "الفرنجة" إلى‬
‫"الستعمار"‪ .‬وعبر كبواتنا تتبادل أقطارنا الدفع بالستمرارية‪ ،‬فإن سقطت دمشق‬
‫قامت بغداد‪ ،‬وإن سقطت قامت القاهرة‪ ،‬وإن تدهور الشام صعد المغرب‪ ،‬فبيتنا ليس‬
‫بيت عنكبوت‪.‬‬
‫ثم أننا أمة وريثة‪ ،‬ففي جوفها هذا "السومريون" و"البابليون" و"الشوريون"‬
‫و"الراميون" و"الكلدانيون" و"الكنعانيون" و "الدوميين" و بقايا "ثمود" و "تدمر"‬
‫و "النباط" و"الفراعنة" و"القرطاجيون" و"السبئيون" و"المعينيون" و"الحمريون"‬
‫و "قتبان" و "حضرموت" و "أوسان" ورجوعًا إلى "عاد" و"ثمود" وحتى فلك‬
‫نوح‪ .‬فإذا أردت أن تستمع إلى قصيدة عمرها يتجاوز اللفين من العوام‬
‫فهي"لمرئ القيس" ومغنيتها المعاصرة "هيام يونس" ويمكن على أنغام العود‬
‫الشرقي "للفارابي ‪ 950/ 874‬م " المتوفى قبل ألف وخمسين عامًا‪ .‬ول زلنا‬
‫نطرب للموشحات الندلسية قبل خمسمائة عام ‪.‬‬
‫هذه الخصائص الحضارية التاريخية بتفرعها وتعددها تفتقر لها كل المم بما‬
‫في ذلك أعرقها كالمة الصينية‪ .‬ول يبقى أمام هذه المة العربية من بعد كل ذلك إ ّ‬
‫ل‬
‫أن تكتشف نوعية قواعدها الجتماعية للتغيير والحراك السياسي‪ ،‬سواء على‬
‫مستوى قواها الحديثة الناشئة منذ القرن الماضي‪ ،‬أو التقليدية الناشئة منذ قرون‪،‬‬
‫وهذا عمل علمائنا هنا من داخلنا‪ ،‬فحين رفض فولتير اللهوت لم يرفض الدين‪،‬‬
‫ول يمكن لمريكا أن تدين أصوليتنا قبل أن تدين أصوليتها وتجاوزهم النجيل‬
‫المسيحي إلى التلمود والتوراة كيفما زيف وحرف بنو إسرائيل‪ .‬فلو تكلم "باول"‬
‫بطريقة "فولتير" كنا أقرب إلى بعضنا البعض‪.‬‬
‫الموقف المنهجي من الحركات السلمية‬
‫ما هو المطلوب ‪ :‬التدمير أم التجديد؟‬
‫على مدى أخر عقدين من القرن المنصرم تم عقد ما ل يقل عن‬
‫"ثلثمائة" منتدى وورش عمل في الوليات المتحدة المريكية وأوربا الغربية‬
‫و"الوطن العربي" و"العالم" السلمي لمناقشة واقع الحركات السلمية بوصفها‬

‫‪34‬‬
‫"ظاهرة" متعددة ومتنوعة البعاد‪ ،‬دينيًا وثقافيًا وفكريًا واجتماعيًا وسياسيًا‬
‫واقتصاديًا‪.‬‬
‫أما "الباعث" لتلك المناقشات المكثفة فقد كان ول يزال "سياسيًا"‬
‫بالدرجة الولى‪ ،‬إذا لم نقل بالمطلق‪ .‬وأصبح التعبير "السائد" إن لم يكن "المرادف"‬
‫لتلك الحركات هو "السلم السياسي" حيث تفرع عنه تعبيران "الصولية"‬
‫و"التطرف"‪.‬‬
‫ثم دخل العالم ألفيته "الثالثة" فحكم على هذه الحركات بصفة "الرهاب"‬
‫ودعت أمريكا إلى "تحالف دولي" لمكافحتها على مستوى العالم إثر تفجيرات‬
‫الحادي عشر من سبتمبر )أيلول( ‪ 2001‬في برجي التجارة العالمي لنيويورك‬
‫ومبنى البنتاغون بواشنطن‪.‬‬
‫وُربطت المكافحة الدولية بالستجابة الشرطية لكل أبعاد "العولمة‬
‫المريكية المعاصرة" والتي سبق أن أعلنها الرئيس بوش )الب( في خطابه‬
‫للكنغرس بنفس تاريخ الحادي عشر من سبتمبر )أيلول( ولكن عام ‪.1990‬‬
‫وتحمل تلك البعاد خصائص "النهج المريكي" وهي "الليبرالية" التي‬
‫تتضمن "الديمقراطية الغربية" كأساس "للنظام السياسي" والقيم "الغربية لحقوق‬
‫النسان" ومبادئ "السوق الحر" و"التجارة العالمية المفتوحة" والنسق المريكي في‬
‫التفكير "البراجماتي" وترجمته العربية "النفعي" والذي يستند بدوره إلى السلوك‬
‫العملي "الدائي" وكذلك النسق "العلماني" الذي "ُيحّيد" الدين عن السياسة ول يلغيه‬
‫في المجتمع شأن الفلسفات "الوضعية" التي ترفض "الميتافيزيقيا" و"اللهوت" معًا‪.‬‬
‫وهذه كلها "منظومة قيم مركبة" تتعارض مع اليديولوجيات والفلسفات‬
‫التاريخية‪ ،‬والديان والثقافات القومية‪ ،‬والنتماءات الوطنية‪ ،‬وخيارات‬
‫"الخصوصية" لي مجتمع مفارق‪ ،‬أيًا كانت بواعث هذه المفارقة‪ ،‬دينيًا أو ثقافيًا أو‬
‫اقتصاديًا أو سياسيًا أو قيميًا‪.‬‬
‫غير أن "التوظيف" الدائي البراجماتي لمنظومة النهج المريكي تطغى‬
‫بالضرورة على أساسيات هذا النهج حين يتعلق الموقف بخيارات أمريكا نفسها‪ ،‬إذ‬
‫ترتد أمريكا – في هذه الحالة – إلى "خصوصيتها الذاتية" التي تعيبها باسم العولمة‬
‫على الخرين‪.‬‬
‫إذ تبيح أمريكا لنفسها وتبعًا "لخصوصيتها" اتخاذ ما يتعارض مع‬
‫علمانيتها وليبراليتها وحقوق النسان حين يتعلق الموقف بمجتمع مؤسس على‬
‫"لهوت ديني" و"استعلء عنصري" و"اقصاء للخر" كالمجتمع السرائيلي‪ ،‬هنا‬
‫يصبح المنظور المريكي "استراتيجيًا بحتًا" يرتبط بمفاهيم "المن القومي"‬
‫المريكي العابر للحدود وليس بقيم "العولمة"‪.‬‬
‫وبموجب هذه النظرة "الستراتيجية القومية" ذات الطابع "الحادي"‬
‫والمتناقض مع المنظومة القيمية للعولمة المريكية نفسها ظهر تعبير "الكيل‬
‫بمكيالين" وبالذات في تناول قضايا "الوطن العربي" بالمفهوم العربي أو "الشرق‬
‫الوسط" بدللته الستراتيجية الدولية والسرائيلية والذي يراد له المتداد "جيو‪-‬‬
‫بوليتيكيًا" لبعد من حدوده القومية‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫فإذ تطلب أمريكا من العرب أن يتعايشوا مع إسرائيل بمنطق براجماتي‬
‫عملي أدائي يتجاوز مقوماتهم القومية والدينية وأن يبطلوا ذاكرتهم التاريخية‪ ،‬فإنها‬
‫ل تطلب من إسرائيل نفس المقابل الديني )محو التلمود( والقومي )محو الصهيونية(‬
‫والتاريخي )أرض الميعاد(‪.‬‬
‫وحين تدين العمليات الستشهادية بوصفها "إرهابًا" فإنها ل تطلب من‬
‫إسرائيل وقف "الستئصال" ول "إدماج" الفلسطينيين في مجتمعها السرائيلي‬
‫"الديمقراطي" على أسس تراعي "حقوق النسان" و"الليبرالية" ومفهوم "المواطنية‬
‫المتكافئة"‪ .‬كما أنها ل تطبق على الفلسطينيين مبادئ "السوق الحر" و"التجارة‬
‫الحرة" ول تنظر لحق العودة بمنطق حقوق النسان وأقلها "لم الشمل العائلي‬
‫للف "النازحين" داخل فلسطين ومليين "اللجئين" الذين ل زالوا في‬
‫"المخيمات" المقاربة لما كان من "محميات هندية أمريكية" على امتداد المحيط‬
‫العربي في لبنان وسورية والردن ومصر‪.‬‬
‫فلو "أخلصت" أمريكا النتماء لقيم العولمة التي تبشر بها "نظريًا"‬
‫وتناقضها "مسلكيًا" لكنا أول الداعين "للمقاربة" معها‪ ،‬بل ومناداتها لقيادة العالم‬
‫بأسره‪ ،‬إذ أن لديها "القوة والمكانيات" التي تعوزنا لفرض هذه القيم على مجتمعاتنا‬
‫المتخلفة اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا والتي لزالت تعيش مرحلة ما قبل الثورة‬
‫الصناعية الولى ضمن "سبات" بدوي وزراعي طبيعي رغم "مظاهر التحديث‬
‫الشكلي" الذي ل يرتبط بأي حداثة عقلية نقدية أو حضارية‪.‬‬
‫وقتها لن تطلب منا العولمة المريكية أن ننفض أيدينا عن موروثنا‬
‫وآيديولوجياتنا وثقافتنا وحتى "تديننا"‪ ،‬لن أمريكا نفسها وحين تصل حالة أن تطلب‬
‫منا "العولمة" على هذا النهج العقلني فإنها هي نفسها – أي أمريكا – تكون قد‬
‫أخذت بهذه العقلنية للعولمة‪.‬‬
‫والعقلنية التي أعنيها ليست هي دواعي "المنطق" الذي يستجيب لواقعنا‬
‫المزري "اللعقلني" والتكيف معه‪ ،‬ولكنها تلك العقلنية التي تدفع بقوى التجديد‬
‫والتحديث والحداثة في مجتمعاتنا لتستخلص من "داخل مجتمعاتنا" نفسها موروث‬
‫العقلنية والتجديد الذي غالبته وغلبته مراحل انحطاطنا التاريخي والفكري‬
‫والسياسي‪ .‬وهي مراحل "سالبة" ولكنها ل زالت مؤثرة فينا‪ .‬ليس على مستوى‬
‫"النظمة الحاكمة" والسلميين بمختلف حركاتهم فقط ولكن حتى على مستوى من‬
‫يدعّون الحداثة والليبرالية والعلمانية‪ ،‬يسارًا كانوا أو وسطًا‪ ،‬قوميين كانوا أو‬
‫أمميين‪ ،‬ثوريين كانوا أو معتدلين‪.‬‬
‫ل قلة‬‫ويرجع السبب أن تفكير مفكرينا في "الحداثة" و"التحديث" – إ ّ‬
‫منهم – ل يأتي بمنطق التجديد الجدلي من "الداخل" المكّون لنا تاريخيًا‪ ،‬بقدر ما‬
‫يأتي كترجمات من "الخارج"‪ ،‬إذ نريد أن نصل إلى "نهاياتهم الفلسفية والفكرية" في‬
‫التحرر والعقل النقدي التحليلي دون أن نؤسس على "بدايات" هي من أصول تكويننا‬
‫الثقافي فنحدث مع موروثنا " قطيعة معرفية " عوضًا عن استدعاء هذا الموروث‬
‫بعد غربلته كما نفعل ) أنظر‪ :‬لماذا نرفض القطيعة المعرفية مع التراث – العالمية‬
‫– المجلد الول – ص ‪ .( 289‬وحين نستدعي العقلنية في الموروث فلدينا من‬

‫‪36‬‬
‫هؤلء ُكثٌر‪ ،‬منهم " أبوعلي الحسن ابن سينا – ‪ "1037 / 980‬الذي لقب "بالشيخ‬
‫الرئيس" و"جامع الرئاستين" و"المعلم الثالث" بعد أرسطو والفارابي‪ .‬وهو الذي‬
‫وحد بين قوانين "العقل" وقوانين "الطبيعة" بانسجام مع "الوحي"‪ .‬و"أبونصر‬
‫الفارابي – ‪950 / 874‬م" الفيلسوف العقلني وواضع قواعد الموسيقى‪ ،‬و"ولي‬
‫الدين عبدالرحمن بن خلدون – ‪ 1406 / 1332‬م" مؤسس فلسفة علم الجتماع‬
‫والتاريخ‪ .‬و"أبوالوليد بن رشد‪1198 / 1126 ،‬م" الذي يعرفه الغرب الوربي‬
‫"بأفيروس" لمساهماته العقلية التجديدية التي دفعت بفكر الصلح والتنوير في أوربا‬
‫حين انطلقت في القرن الرابع والخامس عشر كما أثر في التجديد اليهودي عبر‬
‫مدرسة "ابن ميمون" ‪ .‬ومنهم من اكتشف العلقة بين النسان والبيئة الطبيعة وهو‬
‫"ابن طفيل الندلسي ‪1185 / 1106‬م" والذي أبدع قصة "حي بن يقظان" التي‬
‫أخذ عنها الغرب قصة "روبنسن كروزو" الذي أنشأته الظباء ثم "تعقل" الكون‪.‬‬
‫ومنهم "ابن الصايغ محمد بن باجه – المتوفى عام ‪1139‬م" والذي‬
‫أوضح مراحل التطور العقلي بأفضل من أوجست كونت‪ .‬وبالفلسفة العقلية الطبيعية‬
‫التأملية‪.‬‬
‫من هؤلء العقلنيين النقديين التحليليين يمكن أن نورد فوق الربعين‪،‬‬
‫وبموازاتهم ممن استخدموا "العقل" في العلوم التطبيقية من بصريات "كابن الهيثم –‬
‫‪ 1039 / 965‬م( وتأسيس لعلم الجبر )الخوارزمي – ‪835 / 775‬م( ولسمه‬
‫يرجع علم "اللوغرزم"‪ ،‬وأبوعلم الكيمياء "جابر بن حيان – ‪813 / 737‬م( ورائد‬
‫التميز الطبي بين الحصباء والجدري وواضع أسس المتابعة السريرية للمرضى‬
‫"أبوبكر الرازي – ‪923 / 854‬م" وإلى هؤلء يضاف مائة أو أكثر من العلم لو‬
‫شئنا‪.‬‬
‫هذا الموروث من الفكر العقلني ومناهج التطبيق العلمي هو الذي أسست‬
‫عليه أوربا انطلقتها الفلسفية والعلمية منذ القرنين الثاني ثم الثالث عشر وبدأت‬
‫بتطويره بعد هضمه في القرن السادس عشر‪.‬‬
‫أما نحن وبحكم مراحل النحطاط الثقافي والفكري والسياسي التي أعقبت‬
‫القرون الهجرية الثلث الولى – على مستوى المجتمع والفراد بعد ذلك – فقد‬
‫غيبنا ذلك عن "وعينا الفكري والحضاري" واستسلمنا للتخلف القتصادي‬
‫والجتماعي والفكري من جديد‪ ،‬ولم نستدعي في مناهجنا التربوية "المعاصرة" هذا‬
‫الموروث النقدي العلمي التجديدي ‪ ،‬غاب هؤلء عن ثقافتنا فل نجد أسماءهم في‬
‫الشوارع والمدارس ول في قاعات الجامعات ‪ .‬ثم حين ترجمنا نهايات أوربا الفكرية‬
‫والفلسفية‪ ،‬فصلنا تلك النهايات عن السياق الجدلي الوروبي الذي بقي يحاورها‬
‫ويصارعها ويرفضها ويتقبلها مدى أربعة قرون)‪ ،(47‬كما لم نستطع أن نركب‬
‫النهايات الوربية "المترجمة" على سياقنا الجدلي الذاتي‪ .‬فأحدثنا انفصامًا مزدوجًا‪.‬‬
‫حين فصمنا نهايات الحضارة الغربية عن تجربتها‪ ،‬ولم نعيد تركيب نهايات موروثنا‬
‫ليدفع بتقدم واقعنا‪.‬‬
‫لهذا يأتي علماء التغيير الجتماعي من العرب المعاصرين بما يستنكره‬
‫عليهم مؤسس علم الجتماع "ابن خلدون" حين يجعلوا غالب همهم التزين‬

‫‪37‬‬
‫"بمواصفات الغالب" ويأتي أنصار الحداثة من العرب المعاصرين بما يستنكره‬
‫عليهم "ابن رشد" الذي جمع في فصل المقال ما بين الحكمة )الفلسفة العقلية(‬
‫والشريعة من اتصال‪ .‬ثم تأتي الحركات السلمية المعاصرة ل بما يستنكره‬
‫"المعتزلة" فأولئك ل نستشهد بهم‪ ،‬ولكن بما يستنكره كل رواد المنطق العقلني‬
‫الذين رفضوا "التهافت" اللهوتي وجمعوا بين الوحي والعقل‪ ،‬وبين النسان‬
‫والطبيعة‪ ،‬وبين التغيير وقوانينه‪ ،‬وبين العلم وعمارة الكون‪.‬‬
‫لو استلهمت "مناهجنا التربوية" هؤلء من موروثنا الديني والحضاري‬
‫لحتوت "العقلنية العلمانية" ولتم التمييز بين "الحرية" وقيمة النسان ولوظفت‬
‫الليبرالية لخدمة القيم ل لهدمها ولكان التمييز بين "الخلق الفاضلة" و"البراجماتية‬
‫النفعية الفردية"‪.‬‬
‫"عقلنية" ابن رشد السلمية وتأسيس "العلمانية" الوروبية‬
‫يعتبر فيلسوفنا " ابن رشد " في مقدمة من أسسففوا لعقلنيففة أوروبففا العلمانيففة ‪ ،‬وفففي‬
‫هذا الطار كتب الدكتور "حسن صعب " ما يلي ‪(48) :‬‬
‫" ابن رشد هو أعمق فلسفتنا تأثيرًا في الفكر الوروبي ‪ ،‬وأضعفهم حتى الن‬
‫تأثيرًا في فكرنا العربي ‪ .‬ومنهجيته العقلية ‪ ،‬التي يمكن اعتبارها أوج " العقلنية "‬
‫العربية ونهايتها ‪ ،‬هي المسؤولة عن الحالين ‪ .‬فقد أحرقت مؤلفاته الفلسفية أو أهملت‬
‫ل مؤلفاته الفقهية والطبية ‪ ،‬بينما ترجمت هذه المؤلفات‬ ‫في وطنه ‪ ،‬ولم تتداول إ ّ‬
‫ابتداء من القرن الثاني عشر الى العبرية واللتينية ‪ ،‬وانتشرت في اوروبا تبعث فيها‬
‫يقظتها العقلية الولى ‪ ،‬وتعرفها تعريفًا جديدًا بأرسطو والفلسفة اليونانية ‪ ،‬وتخلق‬
‫فيها حركة فلسفية عقلية متحررة من أي سلطان إل سلطان العقل ‪ ،‬اشتهرت‬
‫بالحركة الرشدية اللتينية ‪.‬وقد ذهب مؤرخ الفلسفة الفرنسي " أتيان جلسن " في‬
‫كتابه القيم عن " العقل والوحي في القرون الوسطى " في تقدير شأن فيلسوفنا في‬
‫الحركة " العقلنية " الوروبية إلى حد اعتباره هو أباها الحقيقي ‪ .‬وحرص على‬
‫تصحيح نسبة أصول العقلنية الحديثة إلى الثورة التي سرت في إيطاليا بفعل‬
‫الكتشافات العلمية التي قام بها جاليليو وسواه ‪ ،‬وعلى التذكير " بأنه نشأت عقلنية‬
‫هي أقدم بكثير من عصر النهضة ‪ ..‬وهي عقلنية فلسفية صرفية ولدت في أسبانيا‬
‫في فكر فيلسوفي عربي … هو ابن رشد الذي تعرفه أوروبا باسمه اللتيني‬
‫أفيروس ‪ .‬وقد غير ابن رشد وأتباعه الرشديون اللتينيون من تطور الفلسفة‬
‫المسيحية تغييرًا عميقًا … " ولول ابن رشد لما كانت " عقلنية " هؤلء‬
‫التباع ‪ ،‬ولولهم لما كان " فيلسوف المسيحية الكبر " القديس توما الكويني كما‬
‫هو ‪.‬‬
‫وما يقوله " جلسن " إن هو إل تعبير عن حقيقة تاريخية حية ‪ ،‬وهي أن فيلسوفنا‬
‫أصبح في أوروبا في القرن الثالث عشر والرابع علمًا على العقل يقدسه "‬
‫العقلنيون " ويلعنه "اليمانيون" ‪ .‬ومن أطرف ما وقع له من هذا القبيل ما رواه‬
‫" بتراركا " الشاعر اليطالي الشهير في رسالة كتبها في ‪ 28‬آب سنة ‪ ، 1364‬في‬
‫البندقية ‪ ،‬ووجهها إلى صديق يصف فيها مشهدًا عاصفًا وقع له مع أحد الرشديين‬
‫ل بما عنده من معرفة ‪ ،‬وما‬ ‫اللتينيين ‪ :‬دخل الرشدي على بتراركا في مكتبته مختا ً‬

‫‪38‬‬
‫أن سمع بتراركا يذكر الكتاب المقدس حتى قاطعه بقوله ‪ " :‬إنه لكم أنتم أباء الكنيسة‬
‫‪ ،‬أما أنا فأعرف من أتبع وبمن اؤمن …" ولما زجره بتراركا انفجر ضاحكاً وقال ‪:‬‬
‫"ل شك بأنك مسيحي صالح ‪ .‬وأما أنا فل اعتقد بهذه الشياء ‪ .‬إن قديسيك لم تصدر‬
‫عنهم إل ألفاظ جوفاء ‪ ،‬ولو احتملت درس أفيروس ) ابن رشد ( ‪ ،‬لرأيت أنه أعظم‬
‫منهم جميعًا ‪ .‬فلم يطق بتراركا إل أن يشده من ثوبه ‪ ،‬ويدفعه خارج داره ‪.‬‬
‫بلغ ابن رشد عند اتباعه الوروبيين نبوة العقل ‪ .‬وكان في الوقت نفسه قد أصبح‬
‫نسيًا منسيًا عند أسلفنا العرب ‪ ،‬إل بما خلف من كتب فقهية أو طبية ‪ .‬وعدنا‬
‫لكتشافه من جديد كفيلسوف في النصف الخير من القرن التاسع عشر‪ .‬وكان علماء‬
‫اوروبا وفي مقدمتهم "ارنست رنيان" رواد هذا الكشف ‪ .‬تعرف إليه رنيان من‬
‫خلل الترجمات العبرية واللتينية لمؤلفاته الفلسفية التي ما نزال نفتقد أكثر‬
‫نصوصها العربية الصلية ‪ .‬فقد ترجمت هذه النصوص وقدست من قبل غيرنا ‪،‬‬
‫ونسيت وجهلت من قبلنا ‪ .‬وآخر ما اعيد إلينا منها ترجمة إنكليزية عن العبرية‬
‫واللتينية لكتاب لخص وشرح فيه ابن رشد أجمل محاورات أفلطون في الفلسفة‬
‫السياسية ‪" ،‬الجمهورية" ‪ ،‬وعلق عليها في مؤلف سماه " جوامع سياسة أفلطون "‬
‫وصاحب الترجمة هو " آ ى‪.‬آ ى‪.‬جا‪.‬روزتتال " المحاضر في اللغة العبرية في‬
‫جامعة كمبريدج‪.‬وما دام الصل العربي مفقودًا ‪ ،‬فهذا النص المزدوج الترجمة على‬
‫ما يبدو في ترجماته العبرية واللتينية من تحريف ‪ ،‬هو مرجعنا الوحيد لمعرفة‬
‫موقف ابن رشد من جمهورية أفلطون ‪.‬‬
‫وأهمية هذا المؤلف هي أن يكشف لنا ابن رشد المفكر السياسي ‪ ،‬بعد أن عرفناه‬
‫فقهيًا ‪ ،‬وبدأنا نتعرف إليه كمفكر ميتافيزيقي ‪.‬وهذا جانب من جوانب تراث فيلسوفنا‬
‫ما يزال بكرًا أمام الباحثين‪".‬‬
‫"وكل ما يسعنا قوله الن للقاء مزيد من النور على الظروف التي أحاطت بتأليف‬
‫"جوامع السياسة لفلطون" ‪ ،‬هو أن ابن رشد انتج تراثه الفكري كله في ظل دولة‬
‫الموحدين الشمال أفريقية ‪ ،‬وبتشجيع من حكامها ‪ ،‬كما أنه عانى محنة حرق كتبه‬
‫ونفيه وسجنه في عهد هؤلء الحكام أنفسهم ‪ .‬وقد نشأت هذه الدولة في القرن الثاني‬
‫عشر الميلدي ‪".‬‬
‫مشكلتنا على الصعيد الحركي والفكري‪:‬‬
‫إن مشكلة الحركات السلمية‪ ،‬وحتى الليبرالية والعلمانية واليسارية أنها‬
‫ل تأخذ بموروث هذه العقلنية النقدية وهي الوجه الخر "لصوليتنا" ومن‬
‫"خصائصنا" ومن "ذاتنا"‪ ،‬ول يمكن اتهامها "بالتغريب" أو "الوربة"‪ ،‬فمتى تم‬
‫الخذ بها تم "التجديد النوعي" من داخل السياق الجدلي التاريخي‪.‬‬
‫كما أن الكثير من النظمة السياسية الحاكمة‪ ،‬وهي في مجملها ليست‬
‫علمانية‪ ،‬حتى نظام بورقيبة كان يدعى "الجتهاد" في السلم ليمنع تعدد الزوجات‬
‫ل‪ ،‬ول يلغي الدين‪ ،‬فإنها قد أسندت وضع مناهج التربية والتعليم لمن ل يؤمن‬ ‫مث ً‬
‫بهذه العقلنية التراثية من السلميين مع "اليعاز الخفي" لهم بأن يكون ما لقيصر‬
‫لقيصر )السلطة( وما ل – سبحانه – ل )المنهج الديني(‪ .‬وقد حاول كثير من‬
‫التربويين السلميين اللتزام بهذا اليعاز الخفي في ظل النظمة التي كانوا‬

‫‪39‬‬
‫يوالونها‪ ،‬غير أن ما ل – سبحانه – قد التهم تدريجيًا ما لقيصر وبمعزل عن وسيط‬
‫ل ومنذ البداية‪ .‬فاكتشف قيصر )السلطة( نفسه أمام‬‫غيب أص ً‬ ‫)العقلنية( الذي ُ‬
‫لهوت يريد ما لقيصر‪ ،‬ليس بعضه ولكن كله‪ ،‬لهوت ول ابن رشد له ول ابن‬
‫خلدون ول ابن سينا له‪.‬‬
‫ومن سوء طالع قيصر أن هذه اللهوتية التي يسميها بعض العلمانيين‬
‫"الوعي الزائف" تأتي ضمن "فراغ أيديولوجي" عجز عن ملئه "التراجمة" لعلمانية‬
‫الغرب وليبراليته وثوريته – بل إن هذا الفراغ اليديولوجي قد جاء نتيجة لخطأ‬
‫الثوريين القوميين خاصة‪.‬‬
‫اغتيال مرحلة فكر النهضة‪:‬‬
‫قد صعد الثوريون‪ ،‬الوطنيون والقوميون عبر النقلبات العسكرية منذ‬
‫نهاية الربعينات ومطلع الخمسينات من القرن الماضي وتذرعًا بهزيمة المة عام‬
‫‪ 1948‬ونشوء إسرائيل‪ ،‬وعجز النظمة التي ُدمغت بالتواطؤ ووصفت بالرجعية‪،‬‬
‫صعدوا لسدة السلطة‪.‬‬
‫ولنه "ل صوت يعلو فوق صوت المعركة"‪ ،‬وأنهم "هففم" المعركففة‪ ،‬مففن والهففم‬
‫هو مع المعركة‪ ،‬ومن ضدهم هو ضفد المعركفة‪ ،‬فقفد أسفكت "العقفل" و"العقلنيفة"‪،‬‬
‫ول سكات العقلنية أغلق على "الحرية"‪.‬‬
‫فحبستا في محبسي "الثورية" و"الحادية" ورهنتا بهما حتى انجلى‬
‫الموقف عام ‪ 1967‬فسقطت كافة ذرائع "الحرس الثوري"‬
‫ثم تبين من بعد "النقد" و"النقد الذاتي" للهزيمة أن سببها راجع "للحتباس‬
‫العقلي النقدي" ولجهاض الثوريين لمرحلة تفاعلت فكر النهضة العقلنية في‬
‫مصر وسورية ولبنان بالذات‪ ،‬وهي تفاعلت بدأت بتأثير الحوار المتنوع المضامين‬
‫مع تراثنا من ناحية بهدف تجديده ومع الحضارة الوروبية ومقولتها من ناحية‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وقتها لمعت أسماء "محمد عبده" و"رفاعة الطهطاوي" و"حسن العطار" و"أحمد‬
‫فارس الشدياق" و"جمال الدين الفغاني" و"رشيد رضا" و"إبراهيم اليازجي"‬
‫و"سلمة موسى" و"قاسم أمين" و"علي عبدالرزاق" و"لطفي السيد" و"شبلي شميل"‬
‫و"حسين الجسر" و"شكيب أرسلن" و"الطاهر بن عاشور" و"ابن باديس" و"سالم‬
‫بوحاجب" و"محمد الخوجة" و"محمد زاهد الكوثري" و"جمال الدين القاسمي"‬
‫و"عبدالقادر البيطار" وآخرون يتجاوزون الثلثمائة في عدتهم‪.‬‬
‫هؤلء أسكتوا جميعًا بموجب البيان رقم )‪ (1‬بعد أن تفاعلوا بفكر النهضة‬
‫طوال الفترة ما بين )‪ 1798‬وإلى ‪.(1945‬‬
‫وباسكات هؤلء "الثلثمائة" من معاصري "فكر النهضة" في القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬أسكت أيضًا "المائة" من الذين أسسوا للعقلنية طوال تاريخنا‪،‬‬
‫فافتقرنا جميعًا للتأسيس العقلي النقدي الحر‪ ،‬فلما نبتت الحركات السلمية من‬
‫"داخلنا" جاءت لتجسد الفتقار وفي فراغ أيديولوجي‪ ،‬فأصبحت هدفًا لعولمة‬
‫أمريكية تكيل بمكيالين‪ ،‬ولنظمة سياسية ترفض العقلنية في مناهجها التربوية‬
‫والسياسية‪ ،‬وتريد "الحادية" و"الهيمنة" معًا فهل ننتصر لمريكا و"عولمتها"‬

‫‪40‬‬
‫وللنظمة و"أحاديتها" على حساب هذه الحركات السلمية مهما كانت "أصوليتها"‬
‫أو "وعيها الزائف" أو "وصوليتها" أم ننتصر للعقل والعقلنية المستمدة من جدلنا‬
‫التاريخي والحضاري والديني؟ إنها مساحة " فراغ أيديولوجي " يلعب فيها من‬
‫"شاء" و"كيفما شاء" ويسدد الهداف كيف شاء ‪ ،‬فحارس المرمى غائب وهو العقل‬
‫والعقلنية فهل تفهم "النظمة" ذلك والمر بيدها أم تستجيب لشروط العولمة‬
‫المريكية كغريق يستجير بقشة أو لئذ ببيت عنكبوت‪ .‬فشروط العولمة عين الفناء‬
‫والسقوط مهما كانت المقاربات معها دون عقلنية‪.‬‬
‫مواجهات واستجداء لطرح المنظومة البديلة‬
‫في التربية والتعليم والثقــافة والعــلم‬
‫كنففت واثق فًا ول زلففت أنففه إذا لففم تؤسففس مناهجنففا التعليميففة والتربويففة ‪،‬‬
‫والثقافيففة والعلميففة علففى " عقلنيففة نقديففة " باسففتدعاء فكففر أولئك " المففائة " فففي‬
‫ماضينا وما يزيد على "الثلثمففائة" فففي مرحلففة فكففر النهضففة ومئات مففن المفكريففن‬
‫المعاصرين من جيلنا وما يلي جيلنا من الشباب الصاعد وربففط ذلففك بففوعي منهجففي‬
‫أبستمولوجي معاصر فإننا لن نخرج من " المأزق " خصوصًا وقد طغففت الصففولية‬
‫بفكرها ومناهجها واستأسدت بالدعم المريكي لهفا حيفن وجهتهفا إلفى " أفغانسفتان "‬
‫كبديل جهادي عن فلسففطين ‪ ،‬ووجفدت متاحفات لهفا فففي تففوجه " السفادات " ليجفاد‬
‫تريففاق مضففاد للقففوى الناصففرية والقففوى الوطنيففة المصففرية وذلففك منففذ منتصففف‬
‫السبعينات ‪ ،‬وكان على السعودية وباقي دول الخليففج مسففاندة هففذا التففوجه الصففولي‬
‫بالتبرعات وإنشاء البنوك والجمعيات " السلمية " ‪.‬‬
‫وما كان للحركات الصولية في مجتمعنا العربي أن تمارس هذا التأثير‬
‫لول الدعم المريكي – الساداتي – الخليجي لها ‪ ،‬تمامًا كنظام العراق الذي دعم‬
‫أمريكيًا وأوروبيًا وخليجيًا ومن أقطار عربية عديدة لجهاض الثورة السلمية في‬
‫إيران ‪ ،‬ثم انطبق المثل عليهم لدى اجتياح العراق للكويت في ‪ 1990‬م " من أعان‬
‫ظالمًا سلطه ال عليه "‪.‬‬
‫كنت ممزقًا بين استبدادية النظمة وتنامي الحركة الصولية بوصفي "‬
‫مسلمًا عربيًا ملتزمًا عضويًا " بهذه المة ‪ .‬فعمدت منذ منتصف السبعينات بالدعوة‬
‫لمواجهة عدة تحديات ‪.‬‬
‫أول‪ :‬تحديات الفكر الوضعي بالمفهوم الغربي للعلمانية وليس السلمي‬
‫والذي يعمد لعزل الدين عن الحياة‪ ,‬و بالذات على مستوى النظم السياسية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تحديات الفكر الديني التراثي الماضوي الذي يستلب الحاضر باسم‬
‫الموروث بتاريخانية مفارقة و ينبذ كل فكر تجديدي معاصر ‪ ،‬ويمتلئ بالدس‬
‫اليهودي والتحريف ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التصدي لخطر التطرف الصولي الذي يستمد فكره من التأويل‬
‫المنحرف للتعاليم السلمية و يوظفها حركيا حتى ضد المسلمين أنفسهم تكفيرًا‬
‫وردة‪.‬‬
‫إذا استثنينا نقدي للتيارات )الوضعية( والتي تدور في فلك خاص بها‪ ,‬فان‬
‫المشكلة في التعامل مع الفكر الديني السائد و" المشترك " بين معظم المسلمين من‬

‫‪41‬‬
‫جهة و الفكر الصولي المتطرف من جهة أخرى فهناك ما هو )مشترك( بينهما على‬
‫مستوى الفهم العام للدين‪ ,‬و تبقى الختلفات في )التأويل( و النمطية العقلية و‬
‫المسلكية‪ .‬و مع اختلف )المواقع( ما بين مسلم )مهادن( و مسلم )متشدد(‪.‬‬
‫فان كان مهادنا فهو مع النظمة القائمة و )يداريها(‪ ,‬و إن كان متشددا فهو‬
‫ضد النظمة و )يكفّرها(‪.‬‬
‫لم تكن تهمني النظمة بقدر التحديات المعاصرة للفكر السلمي سواء من‬
‫جانب الوضعيين ومحرفي العلمانية أو السلميين التقليديين أو المتطرفين‪ .‬فالخطر‬
‫ليس مصدره المتطرفين فقط و لكن مصدره أيضا )الحرس القديم( من جيش الفقهاء‬
‫التقليديين لنهم هم الذين يمهدون بفكرهم التقليدي السائد و رفضهم للتجديد )النوعي(‬
‫الرضية لنمو تأويلت المتطرفين‪ ,‬إذ يرفض التقليديون أي )تجديد نوعي( يستند‬
‫إلى مناهج معرفية تحليلية و نقدية معاصرة تعيد الستنباط و النظر في النص‬
‫الديني‪.‬‬
‫لهذا حين احتاج المخطط المريكي لبتعاث أصولية إسلمية متطرفة‪ ,‬و‬
‫ظاهره السادات على ذلك‪ ,‬و استجابت لهما دول الخليج‪ ,‬كانت الرضية الفكرية‬
‫الدينية نفسها مهيأة‪ ،‬واكتفى الفقهاء التقليديون بالنظر من على بعد‪ ,‬فكل شيء على‬
‫ما يرام طالما أطلقت اللحية و أعفى الشارب و قصر الجلباب‪ ,‬حتى أن معظم‬
‫حركات التطرف ولدت في أحضان المساجد و تحت سمع و بصر أولئك الفقهاء‪.‬‬
‫هذا ما دفعني لعداد ونشر دراسة بعنوان "الزمة الفكرية و الحضارية للواقع‬
‫العربي الراهن – دراسة تحليلية لمعالجات الصحوة السلمية و البحث عن القوانين‬
‫الذاتية للخصوصية العربية" )‪.(49‬‬
‫لم أجد ما ينبغي من تجاوب رجوته غير الهجوم في المساجد‪ ,‬بالرغم من‬
‫أن النظمة العربية قد بدأت تذوق مرارة التيارات الصولية المتطرفة‪.‬‬
‫ففي السعودية تطاولت حركة )جهيمان بن سيف العتيبي( و احتلت الحرم‬
‫المكي في ‪ 20‬نوفمبر ‪ /‬تشرين الثاني ‪ ,1979‬و تقدمت بمطالب ثمانية من شأنها‬
‫الرجوع بالسعودية إلى مرحلة تأسيس الدولة السعودية الولى في الفترة )‪– 1745‬‬
‫‪1818‬م( و لبيان ذلك النوع من المطالب اقتطفت التي‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب إتباع سنة النبي )ص( – الوحي و الدعوة و الغلبة‬
‫العسكرية‪.‬‬
‫‪ -2‬ضرورة أن يقوم المسلمون بالطاحة بحكامهم الحاليين‬
‫الفاسدين المفروضين عليهم و الذين تنقصهم الصفات‬
‫السلمية حيث ل يعترف القرآن بملك أو قبيلة‪.‬‬
‫‪ -3‬شرعية الحكم تتطلب الخلص للسلم و العمل به و‬
‫الحكم بالقرآن‪ ,‬و ليس بالقهر‪ ,‬و النتماء إلى أصول قريش و‬
‫انتخاب المؤمنين المسلمين )للحاكم(‪.‬‬
‫‪ -4‬واجب إقامة العقيدة السلمية على القرآن و السنة و ليس‬
‫على تفسيرات العلماء المشكوك فيها و دروسهم "الخاطئة"‬
‫في المدارس و الجامعات‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪ -5‬على المسلم أن ينفصل عن النظام الجتماعي و السياسي‬
‫بترك الوظائف الرسمية‪.‬‬
‫‪ -6‬ظهور "المهدي" من نسب الرسول )ص( و من ولد‬
‫الحسين بن علي ليزيل المظالم القائمة و يقيم العدل و السلم‬
‫للمؤمنين‪.‬‬
‫‪ -7‬رفض كل من يشرك بال‪ ,‬بما في ذلك عّباد علي و فاطمة‬
‫و محمد‪ ,‬و الخوارج‪.‬‬
‫‪ -8‬وجوب إقامة مجتمع مسلم ملتزم يحمي السلم من‬
‫الكافرين و ل يؤثر أو يحابي الجانب‪.‬‬
‫كانت حركة جهيمان في ‪ 1979‬تجسيدا إلى حد كبير لحركة )الخوان(‬
‫السلفية التي ساندت الملك عبد العزيز آل سعود في بداية استرجاعه للمملكة منذ عام‬
‫‪ .1902‬و قد نشطوا في الفترة ‪ ,1920 – 1912‬و قد انقلب أولئك الخوان على‬
‫الملك عبد العزيز عام ‪ 1926‬و تحالفوا مع قبائل )مطير( و )عجمان( و )العتيبة(‪.‬‬
‫و قد شملت مطالبهم وقتها قطع كل العلقات مع العالم غير السلمي و عدم‬
‫التسامح مع الشيعة بما يماثل نص جهيمان في الفقرة )‪ (7‬حول عباد علي و‬
‫فاطمة‪ .‬و قد حسم الملك عبد العزيز أمر أولئك في معركة )السبلة( في مارس ‪/‬‬
‫آذار ‪ 1929‬ثم نهائيا في ديسمبر ‪ /‬كانون الول ‪.1930‬‬
‫المشكلة أن فقهاء السعودية )الرسميين( لم ينبروا لمقدمات حركة جهيمان‬
‫و قد كانت قد أصدرت قبل احتللها للحرم المكي سبعا من الرسائل )الكراسات( و‬
‫ذلك لن تلك الحركة قد جعلت نفسها امتدادا للمذهب الحنبلي السلفي و ابن تميمة و‬
‫الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ ,‬أي )عقيدة المملكة الرسمية( و لكن بتأويلت مختلفة‬
‫ضد التحديث و ضد العالم غير المسلم‪ ,‬و بمسلكية مختلفة أيضا‪.‬‬
‫و في جمهورية مصر العربية حصد الرئيس السادات الحنظل المر الذي‬
‫زرعه بيديه منذ عام ‪ 1973‬فاغتالوه في ‪ 6‬أكتوبر ‪ /‬تشرين أول ‪ 1981‬بالرغم‬
‫من أنه قد حاول قبل عام من ذلك تطويق حركات الغلو و التطرف السلمي‪ .‬غير‬
‫أن فقهاء مصر الرسميين كفقهاء السعودية تماما قد حاوروا تلك الحركات في‬
‫إطار المشترك بينهم في الفكر السلمي التقليدي السائد دون مقتضيات )التجديد‬
‫النوعي( التي تفضح أساسيات ذلك الفكر‪ ,‬و قد تطرقت في كتاباتي بوضوح لهذه‬
‫المسألة فيما أسميته )محاورات سجن ليمان طرة( و ذلك ضمن مقالتي في صحيفة‬
‫)الخليج( في الشارقة حول )الزمة الفكرية و الحضارية في الواقع العربي الراهن(‪.‬‬
‫و قد استندت في طرحي ذاك عام ‪ 1987‬إلى وقائع و مساجلت الحوار المنشورة‬
‫في )اللواء السلمي( العداد من ‪ 9‬و إلى ‪ 16‬و الصادرة ما بين ‪25/3/1982‬‬
‫و إلى ‪.18/5/1982‬‬
‫ففقهاء السلطة يجمعون بين )تبعيتهم( للنظمة و استمدادهم لفكر ديني‬
‫غير متجدد تجمعهم فيه قواسم مشتركة مع الصوليين أنفسهم‪.‬‬
‫و قد قلت أن فقهاء السلطة هم )الخطر( من الصوليين أنفسهم لنهم‬
‫بحكم سيطرتهم و مرجعيتهم لدى الجهزة الرقابية يمنعون )رسميا( كافة الكتابات‬

‫‪43‬‬
‫التجديدية و التي من شأنها دك البنية التحتية فكريا للتطرف الصولي‪ .‬و الغلق‬
‫على أي مناهج فكرية بديلة‪ ,‬مشكلين بذلك خط الدفاع الول عن الصولية و‬
‫الصوليين‪ .‬ثم ل يدينونهم إل مسلكيا أو بمراجعة التأويلت مع أن القضية أكبر من‬
‫ذلك بكثير‪.‬‬
‫و مشكلة النظمة – من جانب آخر – أنها ترى في فقهائها و السالكين‬
‫معها )مرجعية رسمية للدين(‪ ,‬و ترى في مساندتها لهم – أي النظمة – ما يوجب‬
‫عليها الخذ بتوجيهاتهم و آرائهم و هذا ما عزز من نمو الصولية المتطرفة‪.‬‬
‫قد تزامن نمو هذه الصولية المتطرفة مع الوفرة النفطية في الجزيرة‬
‫العربية واستندت إلى مرجعية التحالف بين الشيخ " محمد بن عبد الوهاب " )‬
‫‪ 1206-1115‬هف ( الموافق )‪ 1792-1703‬م( ومؤسس الدولة السعودية الولى‬
‫" محمد بن سعود " المتوفى عام ) ‪ 1179‬هف ‪ 1765 /‬م ( ‪.‬‬
‫اعتمد المذهب "الحنبلي" الذي يقوم على " النقل " و " التباع " عقيدة‬
‫للدولة وليس " الرأي " كمدرسة ابي حنيفة النعمان ‪ .‬وتم الدمج بين هذه " الحنبلية‬
‫التباعية " وقيم " المجتمع البدوي " وذلك طوال مرحلة الدولة السعودية الولى )‬
‫‪ 1818-1745‬م( والثانية ) ‪ 1891-1843‬م( ثم عانى من ذلك كثيرًا مؤسس‬
‫الدولة السعودية الثالثة المرحوم " عبد العزيز آل سعود " منذ عام ) ‪1953-1902‬‬
‫م( ودخل في مواجهات مع هذا النمط المتداخل من السلفية الحنبلية والقيم البدوية ‪.‬‬
‫ثم جاء النفط منذ مطلع الخمسينات ليعزز هذه النمطية ويكرس مصادر‬
‫الحركة الصولية المتطرفة ‪ ،‬وليس في السعودية ودول الخليج فقط ‪ ،‬ولكن على‬
‫مستوى " الوطن العربي " و " العالم السلمي " وقد حلل " جابر عصفور " )‪(50‬‬
‫في الفصل الذي عقده ) إسلم النفط والحداثة ( هذه الوضعية المأزومة والمضادة‬
‫ل موضوعيًا‪ .‬إنه ليصعب التحديث الجتماعي والفكري‬ ‫للتحديث والتجديد تحلي ً‬
‫والثقافي في المملكة دون الرجوع للسس التي وضعها المؤسس عبد العزيز نفسه‬
‫حين رفض " أحادية " علماء نجد وأجبرهم على الوفاق مع علماء الحجاز‬
‫والمذاهب الخرى عام ‪ 1925‬م وصفى الصولية السلفية في معركة " آبار السبلة‬
‫" ‪ .1929‬وقد كان المرحوم عبد العزيز أقرب لفكار وتوجهات الصلحي‬
‫التجديدي " محمد رشيد رضا – ‪ 1935/ 1865‬م " الذي ينتمي لمدرسة " محمد‬
‫عبده " وقد نشر في مجلته " المنار " ما انتهى إليه عبد العزيز من توفيق بين علماء‬
‫نجد " الوهابيين " وعلماء الحجاز من المذاهب الخرى للخروج من " الحادية‬
‫المذهبية " )‪ . (51‬كما تولى " رضا " بتكليف من عبد العزيز الدعوة لتأسيس أول‬
‫مؤتمر إسلمي " جامع " لكل القيادات السلمية والمذاهب المختلفة )‪ (52‬في مكة‬
‫المكرمة عام ‪ 1925‬م ‪.‬‬
‫ثم حدثت " الردة " على هذا التجاه التحديثي والنفتاح السلمي في‬
‫حقبة الملك " فيصل " – )‪ 1975 – 1964‬م ( تحت ضغط الصراع مع عبد‬
‫الناصر حول اليمن ‪ ،‬والصراع مع مختلف التيارات القومية ‪ ،‬فتم استنهاض الحركة‬
‫السلفية داخل المملكة ودعمت بالوافدين العرب من ذوي التوجهات الصولية‬
‫وتسلموا مفاتيح العلم والثقافة والتربية والتعليم ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫و في الجمهورية العربية السورية بدأ المر في يونيو ‪ /‬حزيران من عام‬
‫‪ 1979‬حين أطلقت الحركة الصولية أقوى عمليات عنفها ضد النظام بقتلها ‪38‬‬
‫طالبا في مدرسة المدفعية في "حلب" و تدمير مبان حكومية و مراكز لحزب البعث‬
‫الحاكم و مقار للشرطة‪ .‬و تصاعدت الحملت في عام ‪ 1980‬في شكل تظاهرات‬
‫ضد النظام شملت أهم المدن )السنية( و هي )حماة( و )حمص( و )حلب(‪.‬‬
‫تلك كانت قمة التصعيد ضد النظام السوري الذي وصف بأنه )بعثي‬
‫طائفي علوي ‪ /‬نصيري(‪ .‬وقد بدأ التصعيد عمليا منذ عام ‪ 1976‬عبر الغتيالت‬
‫المنظمة للزعماء العلويين من حزب البعث و أجهزة الستخبارات و من يماثلهم و‬
‫حتى أساتذة الجامعات من العلويين‪.‬‬
‫قد اتخذ تحول )الخوان المسلمون( في سورية من حركة دعوية سياسية‬
‫إلى حركة قتالية جهادية قيادة متسعة شكلت فيما بعد )عام ‪) – (1980‬الجبهة‬
‫السلمية( بزعامة )عدنان سعد الدين( الذي كان ناشطا في حركة الخوان‬
‫المسلمين في مصر و عمل مدرسا في دولة المارات العربية المتحدة‪ .‬و )الشيخ‬
‫محمد أبو النصر البيانوني(‪ ,‬المين العام للجبهة السلمية‪ ,‬أما منظرها العقائدي‬
‫فهو )سعيد حوى( ثم )عصام العطار( و )مروان حديد( و )عدنان عقله(‪.‬‬
‫كذلك يتخذ هؤلء مرجعية لهم التوجهات السنية الصولية التي كان من‬
‫روادها )د‪.‬مصطفى السباعي( مؤسس حركة الخوان المسلمين في سورية )‪1935‬‬
‫في حلب( ثم )‪ (1944‬في دمشق‪ .‬وقد حملت أهم بنود ميثاق أو بيان الثورة‬
‫السلمية في سورية و الصادر بتاريخ ‪) : 9/11/1980‬الفقرة ‪ :8‬اللتزام بالجهاد‬
‫في سبيل ال كفريضة ثابتة في السلم من أجل تحويل النظام الطائفي الحالي إلى‬
‫دولة إسلمية(‪.‬‬
‫و بموجب ذلك البرنامج تم تطوير عمليات الفترة ما بين ‪– 1976‬‬
‫‪ 1980‬إلى ثورة مسلحة داخل المدن السنية السورية‪ ,‬بدأت في أغسطس ‪ /‬آب‬
‫‪ 1981‬و بلغت ذروتها في ثورة حماه فبراير ‪ /‬شباط ‪.1982‬‬
‫وقتها كتبت سلسلة مقالت في صحيفة )الفجر( في أبو ظبي بعنوان )قلبي‬
‫عليك يا بردى( بداية من ‪ 20‬مارس ‪ /‬آذار ‪ 1980‬والى ‪ 26‬يوليو ‪ /‬تموز ‪1980‬‬
‫محاول إيقاظ الكثيرين من الذين استثيروا ضد النظام السوري و السنة منهم بشكل‬
‫خاص في الخليج إلى ما ستنتهي إليه الحركة الصولية هناك من تفتيت لسورية‬
‫نفسها‪ .‬وبما يحقق تطلعات إسرائيل لتأسيس الدويلت الطائفية ‪ ،‬فلم أكن أدافع عن‬
‫حزب البعث أو ممارسات قياداته ولكن دفاعًا عن وحدة سوريا وأمنها ودورها‬
‫الستراتيجي في المشرق العربي في " موازاة " الخطر السرائيلي ‪ ،‬فما بين مصر‬
‫واسرائيل عازل الصحراء والبحر الحمر ولكن ما بين سوريا وإسرائيل هو‬
‫التداخل الجغرافي والديموغرافي والجيوبوليتيكي والستراتيجي ‪ ،‬فزعزعة سوريا‬
‫مدخل لمن اسرائيل ولو تم توقيع اتفاق سلم مع سوريا ‪ ،‬فالصراع هنا " مصيري‬
‫" وليس باستراتيجي فقط ‪.‬‬
‫كانت أحداث العامين ‪ 1979/1981‬كافية جدا أمام كل النظمة و‬
‫بالذات في مصر و السعودية و سورية لمراجعة الموقف اليديولوجي و السياسي ل‬

‫‪45‬‬
‫من الحركات الصولية فقط و لكن من سيادة الفقهاء الرسميين الذين خنقوا كل فكر‬
‫تجديدي بديل و عجزوا بذات الوقت عن تحجيم التطرف و الغلو بحكم ما هو‬
‫مشترك بينهما‪.‬‬
‫فاتجهت لتأسيس مركز لي خارج المنطقة العربية في )قبرص( لنطلق‬
‫منه في مواجهة الصولية و فقهاء السلطة معا‪ ,‬مؤسسا لدار نشر أسميتها‬
‫)الدينونة( في عام ‪ 1988‬و هي من دان ل و يدين له بالعبودية‪ ,‬و لمجلة أسميتها‬
‫)التجاه( في عام ‪ ,1989‬آمل النطلق منهما لتأدية هذه الرسالة‪.‬‬
‫النظمة بين سندان الصولية والمطرقة المريكية‬
‫الن تعيش النظمة العربية بين سندان الصولية " من تحت " والمطرقة‬
‫ل من داخلنا‬ ‫المريكية " من فوق " ‪ ،‬وكلهما إجهاض للمة ‪ ،‬إذ ل يكون التغيير إ ّ‬
‫بالكيفية التي أوضحتها ‪ ،‬ولهذا فإن المخرج الوحيد هو ما ذهبنا إليه ودعونا له منذ‬
‫منتصف السبعينات حين كانت دول الخليج والسادات وأمريكا في وفاق مع الحركات‬
‫الصولية وكادوا جميعًا أن يطيحوا بالنظام في سورية‪.‬‬
‫ما دعونا إليه يظل قائمًا وهو إنشاء معهد عاٍل يعيد صياغة كافة‬
‫المناهج التعليمية والتربوية في الجامعات ‪ ،‬كما يلعب دور الموجه للعلم والحياة‬
‫الثقافية العامة وطبقًا للسس التي طرحناها في " إسلمية المعرفة " ولو لم يتم‬
‫تبني المسمى ‪.‬‬
‫نعم سيحاول " المعهد " صد خطر المطرقة المريكية والسندان الصولي‬
‫ولكن ليس معنى ذلك أنه سيحابي " النظمة " واستبداديتها وآحاديتها فهناك‬
‫رؤيتنا التي طرحناها حول " علقة الدين بالدولة " وحول إعادة قراءة التراث فهل‬
‫من مجيب ؟ بل هل من مغيث ؟ أم نظل نحن حيث نحن بين المطرقة المريكية‬
‫والسندان الصولي وما بينهما "وخز النظمة " بأشد من النبل ؟‬
‫إسلمية المعرفة‪ :‬الحرية والتعددية‬
‫يفهففم مففن " منهجيففة القففرآن المعرفيففة " والففتي هففي المرتكففز الفلسفففي‬
‫لسلمية المعرفة ‪ ،‬وتوضيحاتها في " جدلية الغيب والنسان والطبيعة " أن النسان‬
‫" كائن مطلق " تخلق عبر جدلية كونية ‪ ،‬فالحرية المطلقة وليس النســبية هــي مــن‬
‫شروط تخليقه الجدلي الكوني كما أوضحنا في سففورة الشففمس وهففي حريففة تمضففي‬
‫عَتفْدَنا‬‫شاَء َفْلَيْكُفْر ِإّنففا َأ ْ‬‫ن َ‬ ‫ن َوَم ْ‬‫شاَء َفْلُيْؤِم ْ‬
‫ن َ‬ ‫ن َرّبُكْم َفَم ْ‬‫ق ِم ْ‬‫حّ‬ ‫ل اْل َ‬
‫إلى حد " الكفر " ‪َ .‬وُق ْ‬
‫جففوَه‬ ‫شفِوي اْلُو ُ‬ ‫ل َي ْ‬ ‫سفَتِغيُثوا ُيَغففاُثوا ِبَمففاٍء َكاْلُمْهف ِ‬ ‫ن َي ْ‬
‫سَراِدُقَها َوِإ ْ‬‫ط ِبِهْم ُ‬ ‫حا َ‬‫ن َناًرا َأ َ‬
‫ظاِلِمي َ‬‫ِلل ّ‬
‫جَلَة‬
‫ن ُيِريُد اْلَعا ِ‬ ‫ن َكا َ‬ ‫ت ُمْرَتَفًقا)‪ – (29‬الكهف ‪ /‬ج ‪ .15‬وكذلك‪َ :‬م ْ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫ب َو َ‬‫شَرا ُ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ِبْئ َ‬
‫حوًرا) ‪َ(18‬وَم ْ‬
‫ن‬ ‫لَها َمْذُموًما َمْد ُ‬ ‫صَ‬ ‫جَهّنَم َي ْ‬ ‫جَعْلَنا َلُه َ‬ ‫ن ُنِريُد ُثّم َ‬‫شاُء ِلَم ْ‬‫جْلَنا َلُه ِفيَها َما َن َ‬
‫عّ‬‫َ‬
‫ل ُنِم فّد‬‫ش فُكوًرا)‪ُ(19‬ك ّ‬ ‫س فْعُيُهْم َم ْ‬
‫ن َ‬ ‫ك َكا َ‬ ‫ن َفُأْوَلِئ َ‬
‫سْعَيَها َوُهَو ُمْؤِم ٌ‬ ‫سَعى َلَها َ‬ ‫خَرَة َو َ‬‫لِ‬‫َأَراَد ا ْ‬
‫ظوًرا)‪ – (20‬الســراء ‪ /‬ج‬ ‫حُ‬ ‫ك َم ْ‬‫طاُء َرّب َ‬ ‫عَ‬ ‫ن َ‬ ‫ك َوَما َكا َ‬ ‫طاِء َرّب َ‬ ‫عَ‬ ‫ن َ‬‫لِء ِم ْ‬‫لء َوَهُؤ َ‬ ‫َهُؤ َ‬
‫‪ .15‬دون أن ينزل ال حدا شففرعيًا للففردة ففي الحيفاة الفدنيا فيشفرع لقتفل المرتفد أو‬
‫صلبه أو جلده ‪ .‬وجعل عذابه في الخففرة ‪.‬وقــد كــانت أول ردة دينيــة هــي ردة بنــي‬
‫إسرائيل الذين عبدوا العجل ولم يشرع ال لعقوبة أو حد مع أنففه – سفبحانه – كفان‬
‫يطبق عليهم شففرعة " الصففر والغلل " وليففس " التخفيففف والرحمففة " كمففا عليففه‬

‫‪46‬‬
‫حَيففاةِ‬‫ن َرّبِهفْم َوِذّلفٌة ِفففي اْل َ‬ ‫ب ِمف ْ‬ ‫ضف ٌ‬ ‫غ َ‬ ‫سَيَناُلُهْم َ‬ ‫ل َ‬ ‫جَ‬ ‫خُذوا اْلِع ْ‬ ‫ن اّت َ‬
‫ن اّلِذي َ‬ ‫شرعة السلم ‪ِ .‬إ ّ‬
‫ن)‪ – (152‬العــراف ‪ /‬ج ‪ . 9‬ثففم كففففان " العتففذار "‬ ‫جِزي اْلُمْفَتِريف َ‬ ‫ك َن ْ‬ ‫الّدْنَيا َوَكَذِل َ‬
‫السرائيلي في الجبل وتوسل أربعين نقيبًا منهم دون إمضاء عقوبة إلهية ‪ .‬فال غنففي‬
‫عن العالمين ‪ .‬وكل ما أتى به ال في شأن " الردة " هو إحباط عمل المرتد في الدنيا‬
‫عوا َوَمفنْ َيْرَتفِدْد‬ ‫طا ُ‬ ‫سفَت َ‬
‫نا ْ‬ ‫ن ِديِنُكفْم ِإ ْ‬‫عف ْ‬ ‫حّتففى َيُرّدوُكفْم َ‬ ‫ن ُيَقاِتُلوَنُكْم َ‬ ‫ل َيَزاُلو َ‬ ‫والخرة‪َ .‬و َ‬
‫خ فَرِة َوُأْوَلِئ َ‬
‫ك‬ ‫لِ‬ ‫عَمففاُلُهْم ِفففي الفّدْنَيا َوا ْ‬ ‫ت َأ ْ‬‫طف ْ‬ ‫حِب َ‬ ‫ك َ‬ ‫ت َوُهَو َكاِفٌر َف فُأْوَلِئ َ‬ ‫ن ِديِنِه َفَيُم ْ‬ ‫عْ‬ ‫ِمْنُكْم َ‬
‫ن)‪ – (217‬البقرة ‪ /‬ج ‪ .2‬أما المرتد عن دينه من أهل‬ ‫خاِلُدو َ‬‫ب الّناِر ُهْم ِفيَها َ‬ ‫حا ُ‬ ‫صَ‬ ‫َأ ْ‬
‫ل ُيْؤِمُنو َ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬ ‫الكتاب فقد فرضت عليه " الجزية " يؤديها وهو " صاغر " ‪َ .‬قاِتُلوا اّلِذي َ‬
‫ق ِمف ْ‬
‫ن‬ ‫حف ّ‬ ‫ن اْل َ‬‫ن ِديف َ‬ ‫ل َيفِديُنو َ‬ ‫سففوُلُه َو َ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫حّرَم ا ُّ‬ ‫ن َما َ‬ ‫حّرُمو َ‬ ‫ل ُي َ‬‫خِر َو َ‬ ‫لِ‬ ‫ل ِباْلَيْوِم ا ْ‬ ‫ل َو َ‬‫ِبا ِّ‬
‫ن)‪ (29‬التوبــة ‪ /‬ج‬ ‫غُرو َ‬ ‫صفا ِ‬‫ن َيفٍد َوُهفْم َ‬ ‫عف ْ‬ ‫جْزَيفَة َ‬ ‫طفوا اْل ِ‬ ‫حّتى ُيْع ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬ ‫اّلِذي َ‬
‫‪ .10‬وتم تطبيق ذلك بشرعة السيف في قاعدة التأسيس الجغرافي والديمغرافي للمة‬
‫الوسط ‪ .‬ولم يتم التهففاون مففع مسففيلمة الكففذاب ) عففام ‪ 10‬هفف ‪ 632-631 /‬م ( ول‬
‫المرتدين الخرين في الجزيرة العربية ‪ .‬فقد عادوا جميعًا إلى السلم ‪.‬‬
‫شرعة السيف في جزيرة العرب والمة الوسط ‪:‬‬
‫قد طبق الرسول والنبي الخاتم " شرعة السيف " في الغزو داخل جزيرة‬
‫العرب ‪ ،‬وقبل عروجه الخير للمل العلى جهز حملة فتح الرض المقدسة‬
‫لستكمال الدائرة الجغرافية والبشرية " للمة الوسط " الممتدة ما بين الرض "‬
‫المحرمة مكة " والرض " المقدسة – الشام الكبير بما فيها القدس " والمة الوسط‬
‫قاعدة جغرافية وديمغرافية للسلم وليست وسطية فكرية ‪ ،‬فالوسطية انتقائية‬
‫عَلى الّنا ِ‬
‫س‬ ‫شَهَداَء َ‬ ‫طا ِلَتُكوُنوا ُ‬ ‫سً‬ ‫جَعْلَناُكْم ُأّمًة وَ َ‬ ‫ك َ‬ ‫وتلفيقية والسلم منهج محدد‪َ :‬وَكَذِل َ‬
‫ن َيّتِبُع‬
‫ل ِلَنْعَلَم َم ْ‬
‫عَلْيَها ِإ ّ‬‫ت َ‬ ‫جَعْلَنا اْلِقْبَلَة اّلِتي ُكن َ‬ ‫شِهيًدا َوَما َ‬ ‫عَلْيُكْم َ‬‫ل َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫َوَيُكو َ‬
‫ل َوَما َكا َ‬
‫ن‬ ‫ن َهَدى ا ُّ‬ ‫عَلى اّلِذي َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت َلَكِبيَرًة ِإ ّ‬‫ن َكاَن ْ‬ ‫عِقَبْيِه َوِإ ْ‬
‫عَلى َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن َينَقِل ُ‬ ‫ل ِمّم ْ‬ ‫سو َ‬‫الّر ُ‬
‫حيٌم)‪ – (143‬البقرة ‪ /‬ج ‪.2‬‬ ‫ف َر ِ‬ ‫س َلَرُءو ٌ‬ ‫ل ِبالّنا ِ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫ضيَع ِإيَماَنُكْم ِإ ّ‬ ‫ل ِلُي ِ‬‫ا ُّ‬
‫فوسطية المة بمنطق الية لتشهد على ما حولها من الناس حيث‬
‫تتوسطهم موقعًا وليس منهجًا فكريًا انتقائيًا ‪ ،‬وفي إطار هذه الوسطية الجغرافية تم‬
‫التحول من قبلة الرض المقدسة إلى قبلة الرض الحرام في ‪ 15‬شعبان ‪ 2‬هف‬
‫الموافق ‪ 23/6/624‬م ‪ .‬ولو لم يتم هذا التحول لفرضت شرعة السيف في القدس‬
‫وما حولها ‪ .‬وتم الربط بين شهادة العرب على الناس بشهادة الرسول على العرب‬
‫أنفسهم فأين هي الوسطية " الفكرية " في كل هذا ؟!‬
‫وقد ارتبط تحقيق القاعدة السلمية كاملة في جزيرة العرب بخصائص‬
‫الحقبة النبوية الشريفة التي استندت إلى " النصرة اللهية " و " التدخل اللهي "‬
‫جُه اّلِذي َ‬
‫ن‬ ‫خَر َ‬ ‫ل ِإْذ َأ ْ‬
‫صَرُه ا ُّ‬ ‫صُروُه َفَقْد َن َ‬ ‫ل َتن ُ‬ ‫وليس مجرد الطاقة الذاتية للمسلمين‪ِ :‬إ ّ‬
‫ل َمَعَنا َفَأنَزلَ ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ن ا َّ‬‫ن ِإ ّ‬ ‫حَز ْ‬‫ل َت ْ‬‫حِبِه َ‬ ‫صا ِ‬‫ل ِل َ‬ ‫ن ِإْذ ُهَما ِفي اْلَغاِر ِإْذ َيُقو ُ‬ ‫ي اْثَنْي ِ‬‫َكَفُروا َثاِن َ‬
‫ل ِه َ‬
‫ي‬ ‫سْفَلى َوَكِلَمُة ا ِّ‬ ‫ن َكَفُروا ال ّ‬ ‫ل َكِلَمَة اّلِذي َ‬ ‫جَع َ‬‫جُنوٍد َلْم َتَرْوَها َو َ‬ ‫عَلْيِه َوَأّيَدُه ِب ُ‬‫سِكيَنَتُه َ‬ ‫َ‬
‫سِبي ِ‬
‫ل‬ ‫سُكْم ِفي َ‬ ‫جاِهُدوا ِبَأْمَواِلُكْم َوَأنُف ِ‬ ‫ل َو َ‬ ‫خَفاًفا َوِثَقا ً‬ ‫حِكيٌم)‪(40‬انِفُروا ِ‬ ‫عِزيٌز َ‬ ‫ل َ‬ ‫اْلُعْلَيا َوا ُّ‬
‫ن)‪ - (41‬التوبة ‪ /‬ج ‪ .10‬وهذا ما حدث حين تنزل‬ ‫ن ُكنُتْم َتْعَلُمو َ‬ ‫خْيٌر َلُكْم ِإ ْ‬ ‫ل َذِلُكْم َ‬ ‫ا ِّ‬
‫لِئَكِة‬‫ن اْلَم َ‬
‫ف ِم ْ‬ ‫ب َلُكْم َأّني ُمِمّدُكْم ِبَأْل ٍ‬ ‫جا َ‬ ‫سَت َ‬
‫ن َرّبُكْم َفا ْ‬ ‫سَتِغيُثو َ‬‫الملئكة في بدر‪ِ :‬إْذ َت ْ‬

‫‪47‬‬
‫ل ِإ ّ‬
‫ن‬ ‫عْنِد ا ِّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل ِم ْ‬ ‫صُر ِإ ّ‬ ‫ن ِبِه ُقُلوُبُكْم َوَما الّن ْ‬ ‫طَمِئ ّ‬‫شَرى َوِلَت ْ‬ ‫ل ُب ْ‬ ‫ل ِإ ّ‬ ‫جَعَلُه ا ُّ‬ ‫ن)‪َ(9‬وَما َ‬ ‫ُمْرِدِفي َ‬
‫سَماِء َماًء‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عَلْيُكْم ِم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫س َأَمَنًة ِمْنُه َوُيَنّز ُ‬ ‫شيُكْم الّنَعا َ‬ ‫حِكيٌم)‪ِ(10‬إْذ ُيَغ ّ‬ ‫عِزيٌز َ‬ ‫ل َ‬ ‫ا َّ‬
‫لْقَداَم)‬ ‫ت ِبِه ا َْ‬ ‫ط عََلى ُقُلوِبُكْم َوُيَثّب َ‬ ‫ن َوِلَيْرِب َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شْي َ‬‫جَز ال ّ‬ ‫عنُكْم ِر ْ‬ ‫ب َ‬ ‫طّهَرُكْم ِبِه َوُيْذِه َ‬ ‫ِلُي َ‬
‫ب اّلِذي َ‬
‫ن‬ ‫سُأْلِقي ِفي ُقُلو ِ‬ ‫ن آَمُنوا َ‬ ‫لِئَكِة َأّني َمَعُكْم َفَثّبُتوا اّلِذي َ‬ ‫ك ِإَلى اْلَم َ‬ ‫حي َرّب َ‬ ‫‪ِ(11‬إْذ ُيو ِ‬
‫شاّقوا‬ ‫ك ِبَأّنُهْم َ‬ ‫ن)‪َ(12‬ذِل َ‬ ‫ل َبَنا ٍ‬‫ضِرُبوا ِمْنُهْم ُك ّ‬ ‫ق َوا ْ‬ ‫عَنا ِ‬ ‫لْ‬ ‫ق ا َْ‬ ‫ضِرُبوا َفْو َ‬ ‫ب َفا ْ‬ ‫ع َ‬ ‫َكَفُروا الّر ْ‬
‫ب)‪ – (13‬النفال ‪ /‬ج‬ ‫شِديُد اْلِعَقا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫سوَلُه َفِإ ّ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫ق ا َّ‬ ‫شاِق ْ‬ ‫ن ُي َ‬‫سوَلُه َوَم ْ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫ا َّ‬
‫جاَءْتُكْم‬ ‫عَلْيُكْم ِإْذ َ‬ ‫ل َ‬‫ن آَمُنوا اْذُكُروا ِنْعَمَة ا ِّ‬ ‫‪.9‬وكذلك ما حدث في الخندق‪َ :‬ياَأّيَها اّلِذي َ‬
‫صيًرا)‪– (9‬‬ ‫ن َب ِ‬ ‫ل ِبَما َتْعَمُلو َ‬ ‫ن ا ُّ‬ ‫جُنوًدا َلْم َتَرْوَها َوَكا َ‬ ‫حا َو ُ‬ ‫عَلْيِهْم ِري ً‬ ‫سْلَنا َ‬‫جُنوٌد َفَأْر َ‬ ‫ُ‬
‫الحزاب ‪ /‬ج ‪ .21‬فالجهاد يرتبط لزومًا بالتدخل اللهي وخصائص الحقبة النبوية‬
‫الشريفة وتحقيق المة الوسط وهذا ما أنجز في عهد الرسول بإنفاذ جيش " زيد بن‬
‫حارثة " في العام الهجري الثامن ‪ ،‬مع المتداد الذي أمر به في حياته إلى الرض‬
‫المقدسة ) موضع إسرائه ( وما حولها حيث جهز جيش " أسامة بن زيد " عام ‪11‬‬
‫هجرية ) ‪ 633 / 632‬م ( وأمره بالتوجه إلى " البلقاء ‪ ،‬وأذرعات ومؤته ‪ ،‬ثم أنفد‬
‫أبو بكر البعثة واستكمل عمر بن الخطاب فتح القدس في " ‪ 15‬هف " الموافق ‪636‬‬
‫– ‪ 637‬م ‪ .‬وكذلك العراق وسوريا فاكتملت " المة الوسط " وانتهى الجهاد إّل‬
‫دفاعًا عن النفس‪.‬‬
‫ما بعد الرسول ليس جهادًا ولكن تدافعًا وتوسعًا ‪:‬‬
‫كل ما بعد الرسول من فتح ل يعتبر جهادًا لنه يخرج عن دائرة " المة الوسط " ما‬
‫خْيَر ُأّمٍة‬ ‫بين " الرض المحرمة " و " الرض المقدسة " وما حولهما‪ُ :‬كْنُتْم َ‬
‫ل َوَلْو آَمنَ َأْه ُ‬
‫ل‬ ‫ن ِبا ِّ‬ ‫ن اْلُمنَكِر َوُتْؤِمُنو َ‬ ‫عْ‬ ‫ن َ‬ ‫ف َوَتْنَهْو َ‬ ‫ن ِباْلَمْعُرو ِ‬ ‫س َتْأُمُرو َ‬ ‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خِر َ‬ ‫ُأ ْ‬
‫ل َأًذى‬ ‫ضّروُكْم ِإ ّ‬ ‫ن َي ُ‬ ‫ن)‪َ(110‬ل ْ‬ ‫سُقو َ‬ ‫ن َوَأْكَثُرُهْم اْلَفا ِ‬ ‫خْيًرا َلُهْم ِمْنُهْم اْلُمْؤِمُنو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ب َلَكا َ‬ ‫اْلِكَتا ِ‬
‫ن َما ُثِقُفوا‬ ‫عَلْيِهْم الّذّلُة َأْي َ‬‫ت َ‬ ‫ضِرَب ْ‬ ‫ن)‪ُ (111‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫ل ُيْن َ‬ ‫لْدَباَر ُثّم َ‬ ‫ن ُيَقاِتُلوُكْم ُيَوّلوُكْم ا َْ‬ ‫َوِإ ْ‬
‫سَكَنُة‬‫عَلْيِهْم اْلَم ْ‬ ‫ت َ‬‫ضِرَب ْ‬ ‫ل َو ُ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫ب ِم ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫س َوَباُءوا ِبَغ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ل ِم ْ‬ ‫حْب ٍ‬
‫ل َو َ‬ ‫ن ا ِّ‬‫ل ِم ْ‬ ‫حْب ٍ‬
‫ل ِب َ‬ ‫ِإ ّ‬
‫صْوا َوَكاُنوا‬ ‫ع َ‬ ‫ك ِبَما َ‬ ‫ق َذِل َ‬‫حّ‬ ‫لنِبَياَء ِبَغْيِر َ‬ ‫ن ا َْ‬ ‫ل َوَيْقُتُلو َ‬‫ت ا ِّ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫ك ِبَأّنُهْم َكاُنوا َيْكُفُرو َ‬ ‫َذِل َ‬
‫ن)‪ – (112‬آل عمران ‪ /‬ج ‪ .4‬فالربط هنا واضح بين الرض المحرمة حيث‬ ‫َيْعَتُدو َ‬
‫يكون الخروج والي الرض المقدسة حيث اليهود من أهل الكتاب وبذلك تكتمل‬
‫دائرة المة الوسط حيث يكون الجهاد ارتباطًا بالنصرة اللهية ضمن خصائص‬
‫الحقبة النبوية الشريفة)‪.(53‬‬
‫ما عدا ذلك من توسع إسلمي فيقع تحت طائلة نصين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬وهو التحاق الشعوب " غير الكتابية – المية " بالميين العرب الذين أسلموا‬
‫حِكيِم)‪(1‬هَُو‬ ‫س اْلَعِزيِز اْل َ‬ ‫ك اْلُقّدو ِ‬ ‫ض اْلَمِل ِ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ت َوَما ِفي ا َْ‬ ‫سَماَوا ِ‬ ‫ل َما ِفي ال ّ‬ ‫ح ِّ‬ ‫سّب ُ‬
‫‪ُ .‬ي َ‬
‫عَلْيِهْم آَياِتِه َوُيَزّكيِهْم َوُيَعّلُمُهْم اْلِكَتا َ‬
‫ب‬ ‫ل ِمْنُهْم َيْتُلو َ‬ ‫سو ً‬ ‫ن َر ُ‬ ‫لّمّيي َ‬‫ث ِفي ا ُْ‬ ‫اّلِذي َبَع َ‬
‫حُقوا ِبِهْم َوُهَو‬ ‫ن ِمْنُهْم َلّما َيْل َ‬ ‫خِري َ‬ ‫ن)‪َ(2‬وآ َ‬ ‫ل ُمِبي ٍ‬ ‫لٍ‬ ‫ضَ‬ ‫ل َلِفي َ‬ ‫ن َقْب ُ‬ ‫ن َكاُنوا ِم ْ‬ ‫حْكَمَة َوِإ ْ‬ ‫َواْل ِ‬
‫حِكيُم)‪ – (3‬الجمعة ‪ /‬ج ‪.28‬وهناك فرق بين " المية " بمعنى " اللكتابي‬ ‫اْلَعِزيُز اْل َ‬
‫" أي غير اليهودي والمسيحي ‪ ،‬وبين غير الكاتب وهو أمر أوضحناه )‪ (54‬مع‬
‫إثبات أن الرسول كان أميًا لم يقرأ غير القرآن كتابًا سماويًا ‪ ،‬وكان ل يخط بيمينه‬

‫‪48‬‬
‫ن)‪(48‬‬ ‫طُلو َ‬
‫ب اْلُمْب ِ‬
‫لْرَتا َ‬ ‫ك ِإًذا َ‬ ‫طُه ِبَيِميِن َ‬‫خّ‬ ‫ل َت ُ‬‫ب َو َ‬‫ن ِكَتا ٍ‬ ‫ن َقْبِلِه ِم ْ‬‫ت َتْتُلو ِم ْ‬‫أيضا‪َ :‬وَما ُكْن َ‬
‫– العنكبوت ‪ /‬ج ‪.48‬‬
‫" واللتحاق " هو " استقطاب " بوسائل شّتى إما بالتوسع كفتح عمرو بن العاص‬
‫لمصر عام ‪ 18‬هف الموافق ) ‪ 640-639‬م ( مع تردد عمر بن الخطاب ‪ ،‬وانسياح‬
‫المسلمين قبل ذلك في بلد الفرس عام ‪ 16‬و ‪ 17‬هف الموافق ‪ 638 – 637‬م بناء‬
‫على ضغط القبائل العربية و الحاح " الحنف بن قيس " ‪.‬‬
‫فالتحاق الشعوب " المية " خارج دائرة المة الوسط الففتي أوجففب فيهففا الجهففاد هففو‬
‫توسع وتداخل وتدامج بوسففائل شففتى فيهففا غففزو عسففكري ‪ ،‬وفيهففا تفاعففل حضففاري‬
‫كإسلم التتار والمغول بعد غزوهم ودخولهم دائرة المة الوسط ‪.‬‬
‫ولم تنص آية اللتحاق على أسلمة اليهود ول النصارى من أهل الكتاب في الرض‬
‫المقدسة فمرتكز المة الوسط هو جزيرة العرب تعيينًا والقدس والشام وما حولهما "‬
‫امتداد " بحكم تغيير القبلة ‪ .‬وحصرت مسؤولية الذكر بهم وليس مجرد السلم‬
‫واليمان ‪ ،‬ولذاك حباهم ال بما حباهم به ماضيًا وحاضرًا وهم غافلون ‪ ،‬إذ يظنون‬
‫ما لديهم مجرد صدفة جيولوجية! أو بما يماثل عطاء ال للدول النفطية الخرى‪.‬‬
‫ن)‪ – (44‬الزخرف ‪ /‬ج ‪ .25‬أما التعيين‬ ‫سَأُلو َ‬‫ف ُت ْ‬
‫سْو َ‬ ‫ك َو َ‬ ‫ك َوِلَقْوِم َ‬‫َوِإّنُه َلِذْكٌر َل َ‬
‫ن َيَدْيِه َوِلُتنِذَر ُأّم‬ ‫ق اّلِذي َبْي َ‬ ‫صّد ُ‬‫ك ُم َ‬ ‫ب َأنَزْلَناُه ُمَباَر ٌ‬ ‫القطعي فقد جاءت به الية‪َ :‬هَذا ِكَتا ٌ‬
‫ن)‬
‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬‫لِتِهْم ُي َ‬
‫صَ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ن ِبِه َوُهْم َ‬ ‫خَرِة ُيْؤِمُنو َ‬ ‫لِ‬‫ن ِبا ْ‬‫ن ُيْؤِمُنو َ‬ ‫حْوَلَها َواّلِذي َ‬‫ن َ‬ ‫اْلُقَرى َوَم ْ‬
‫‪ – (92‬النعام ‪ /‬ج ‪ . 7‬لهذا لم تتم السلمة القسرية في المتداد المقدس كما تمت‬
‫في جزيرة العرب بالدعوة وشرعة السيف حيث " ل يجتمع في جزيرة العرب دينان‬
‫"‪.‬‬
‫وبقي المر ‪ -‬كما حدده القرآن –التحاقًا وليس بالضرورة الحاقًا قسريًا وكذلك دفاعًا‬
‫وتدافعًا ‪ ،‬دينيًا ووطنيًا ولكن في حال العتداء على المسلمين وأولئك الذين خرجوا‬
‫ن ا َّ‬
‫ل‬ ‫ظِلُموا وَِإ ّ‬ ‫ن ِبَأّنُهْم ُ‬‫ن ُيَقاَتُلو َ‬
‫ن ِلّلِذي َ‬‫كخير أمة باتجاه الرض المقدسة وما حولها‪ُ :‬أِذ َ‬
‫ن َيُقوُلوا َرّبَنا ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ل َأ ْ‬
‫ق ِإ ّ‬‫حّ‬ ‫ن ِدَياِرِهْم ِبَغْيِر َ‬ ‫جوا ِم ْ‬ ‫خِر ُ‬ ‫ن ُأ ْ‬‫صِرِهْم َلَقِديٌر)‪(39‬اّلِذي َ‬ ‫عَلى َن ْ‬ ‫َ‬
‫جُد ُيْذَكُر‬
‫سا ِ‬ ‫ت َوَم َ‬ ‫صَلَوا ٌ‬‫صَواِمُع َوِبَيٌع َو َ‬ ‫ت َ‬ ‫ض َلُهّدَم ْ‬‫ضُهْم ِبَبْع ٍ‬ ‫س َبْع َ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫ل َدْفُع ا ِّ‬‫َوَلْو َ‬
‫عِزيٌز)‪ – (40‬الحج ‪ /‬ج‬ ‫ي َ‬ ‫ل َلَقِو ّ‬‫ن ا َّ‬‫صُرُه ِإ ّ‬‫ن َين ُ‬ ‫ل َم ْ‬ ‫ن ا ُّ‬‫صَر ّ‬ ‫ل َكِثيًرا َوَلَين ُ‬ ‫سُم ا ِّ‬‫ِفيَها ا ْ‬
‫‪.17‬‬
‫التدافع " العربي ‪ -‬السرائيلي " " السلمي – اليهودي " ‪:‬‬
‫ويتجلى هذا " التدافع " في أوضح صورة في الصراع ) العربي ‪ /‬السلمي –‬
‫السرائيلي اليهودي ( ويندرج المسيحيون العرب في هذه المواجهة ضد إسرائيل‬
‫دينيًا كما وطنيًا وقوميًا فالتلمود ل يعطي سانحة مصالحة مع المسيحيين خلفًا‬
‫لتوجهات المسيحية الصهيونية ‪ ،‬وهذا التدافع هو صراع ناشئ منذ أربعة عشر قرنًا‬
‫قمريًا قبل الميلد حين أمر ال السرائيليين بدخول الرض المقدسة ‪ ،‬ثم اتخذ مسارًا‬
‫آخر حين أجلى اليهود من المدينة المنورة والتي تعتبر امتدادًا للرض المقدسة قبل‬
‫أربعة عشر قرنًا من عودتهم الراهنة فاتجهوا نحو الرض المقدسة والديار الشامية‬
‫حِكيُم)‬ ‫ض َوُهَو اْلَعِزيُز اْل َ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ت َوَما ِفي ا َْ‬ ‫سَماَوا ِ‬ ‫ل َما ِفي ال ّ‬ ‫ح ِّ‬ ‫سّب َ‬
‫والشتات في الرض‪َ :‬‬
‫ظَنْنُتْم َأ ْ‬
‫ن‬ ‫شِر َما َ‬ ‫حْ‬‫ل اْل َ‬ ‫لّو ِ‬‫ن ِدَياِرِهْم َِ‬ ‫ب ِم ْ‬‫ل اْلِكَتا ِ‬‫ن َأْه ِ‬
‫ن َكَفُروا ِم ْ‬ ‫ج اّلِذي َ‬‫خَر َ‬ ‫‪ُ(1‬هَو اّلِذي َأ ْ‬

‫‪49‬‬
‫سُبوا َوَقَذ َ‬
‫ف‬ ‫حَت ِ‬ ‫ث َلْم َي ْ‬ ‫حْي ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ِم ْ‬ ‫ل َفَأَتاُهْم ا ُّ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫صوُنُهْم ِم ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ظّنوا َأّنُهْم َماِنَعُتُهْم ُ‬ ‫جوا َو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫َي ْ‬
‫عَتِبُروا َياُأوِلي‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫ن ُبُيوَتُهْم ِبَأْيِديِهْم َوَأْيِدي اْلمُْؤِمِني َ‬ ‫خِرُبو َ‬ ‫ب ُي ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ِفي ُقُلوِبِهْم الّر ْ‬
‫عَذا ُ‬
‫ب‬ ‫خَرِة َ‬ ‫لِ‬ ‫لَء َلَعّذَبُهْم ِفي الّدْنَيا َوَلُهْم ِفي ا ْ‬ ‫جَ‬ ‫عَلْيِهْم اْل َ‬‫ل َ‬ ‫ب ا ُّ‬ ‫ن َكَت َ‬ ‫ل َأ ْ‬ ‫صاِر)‪َ (2‬وَلْو َ‬ ‫لْب َ‬ ‫ا َْ‬
‫ب)‪َ(4‬ما‬ ‫شِديُد اْلِعَقا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫ل َفِإ ّ‬
‫ق ا َّ‬ ‫شا ّ‬ ‫ن ُي َ‬ ‫سوَلُه َوَم ْ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫شاّقوا ا َّ‬ ‫ك ِبَأّنُهْم َ‬ ‫الّناِر)‪َ(3‬ذِل َ‬
‫ن)‪َ(5‬وَما‬ ‫سِقي َ‬‫ي اْلَفا ِ‬ ‫خِز َ‬ ‫ل َوِلُي ْ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫صوِلَها َفِبِإْذ ِ‬ ‫عَلى ُأ ُ‬ ‫ن ِليَنٍة َأْو َتَرْكُتُموَها َقاِئَمًة َ‬ ‫طْعُتْم ِم ْ‬ ‫َق َ‬
‫سَلُه‬‫ط ُر ُ‬ ‫سّل ُ‬ ‫ل ُي َ‬‫ن ا َّ‬ ‫ب َوَلِك ّ‬ ‫ل ِرَكا ٍ‬ ‫ل َو َ‬ ‫خْي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫عَلْيِه ِم ْ‬ ‫جْفُتْم َ‬ ‫سوِلِه ِمْنُهْم َفَما َأْو َ‬ ‫عَلى َر ُ‬ ‫ل َ‬ ‫َأَفاَء ا ُّ‬
‫يٍء َقِديٌر)‪ – (6‬الحشر‪ -‬ج ‪ . 28‬فإجلؤهم من‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ُك ّ‬ ‫ل َ‬ ‫شاُء َوا ُّ‬ ‫ن َي َ‬ ‫عَلى َم ْ‬ ‫َ‬
‫المدينة كان بنصرة إلهية ضمن خصائص الحقبة الرسولية الجهادية‪ .‬ثم عادوا بعد‬
‫ن اّلِذي‬ ‫حا َ‬ ‫سْب َ‬‫أربعة عشر قرنًا تحقيقًا لنبوءة القرآن بأنهم بعد طردهم سيعودون ‪ُ .‬‬
‫حْوَلُه ِلُنِرَيُه‬ ‫صى اّلِذي َباَرْكَنا َ‬ ‫لْق َ‬ ‫جِد ا َْ‬ ‫سِ‬ ‫حَراِم ِإَلى اْلَم ْ‬ ‫جِد اْل َ‬ ‫سِ‬ ‫ن اْلَم ْ‬ ‫ل ِم ْ‬ ‫سَرى ِبَعْبِدِه َلْي ً‬ ‫َأ ْ‬
‫جَعْلَناُه ُهًدى ِلَبِني ِإسَْراِئي َ‬
‫ل‬ ‫ب َو َ‬ ‫سى اْلكَِتا َ‬ ‫صيُر)‪َ(1‬وآَتْيَنا ُمو َ‬ ‫سِميُع اْلَب ِ‬ ‫ن آَياِتَنا ِإّنه ُهَو ال ّ‬ ‫ِم ْ‬
‫شُكوًرا)‪(3‬‬ ‫عْبًدا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ِإّنُه َكا َ‬ ‫حَمْلَنا َمَع ُنو ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ل)‪ُ(2‬ذّرّيَة َم ْ‬ ‫ن ُدوِني َوِكي ً‬ ‫خُذوا ِم ْ‬ ‫ل َتّت ِ‬‫َأ ّ‬
‫عُلّوا َكِبيًرا)‬ ‫ن ُ‬ ‫ن َوَلَتْعُل ّ‬ ‫ض َمّرَتْي ِ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ن ِفي ا َْ‬ ‫سُد ّ‬ ‫ب َلُتْف ِ‬‫ل ِفي اْلِكَتا ِ‬ ‫سراِئي َ‬ ‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬ ‫َوَق َ‬
‫ل الّدَياِر‬ ‫لَ‬ ‫خَ‬ ‫سوا ِ‬ ‫جا ُ‬ ‫شِديٍد َف َ‬ ‫س َ‬ ‫عَباًدا َلَنا ُأوِلي َبْأ ٍ‬ ‫عَلْيُكْم ِ‬ ‫لُهَما َبَعْثَنا َ‬ ‫عُد ُأو َ‬ ‫جاَء َو ْ‬ ‫‪َ(4‬فِإَذا َ‬
‫جَعْلَناُكْم‬ ‫ن َو َ‬ ‫ل َوَبِني َ‬ ‫عَلْيِهْم َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَوا ٍ‬ ‫ل)‪ُ(5‬ثّم َرَدْدَنا َلُكْم اْلَكّرَة َ‬ ‫عًدا َمْفُعو ً‬ ‫ن َو ْ‬ ‫َوَكا َ‬
‫خَرِة‬‫لِ‬ ‫عُد ا ْ‬ ‫جاَء َو ْ‬ ‫سْأُتْم َفَلَها َفِإَذا َ‬ ‫ن َأ َ‬ ‫سُكْم َوِإ ْ‬ ‫لنُف ِ‬‫سنُتْم َِ‬ ‫حَ‬ ‫سنُتْم َأ ْ‬‫حَ‬ ‫ن َأ ْ‬ ‫َأْكَثَر َنِفيًرا)‪ِ(6‬إ ْ‬
‫عَلْوا َتْتِبيًرا)‬ ‫ل َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما َ‬ ‫خُلوُه َأّو َ‬ ‫جَد َكَما َد َ‬ ‫سِ‬ ‫خُلوا اْلَم ْ‬ ‫جوَهُكْم َوِلَيْد ُ‬ ‫سوُءوا ُو ُ‬ ‫ِلَي ُ‬
‫صيًرا)‪– (8‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫جَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ‬ ‫جَعْلَنا َ‬ ‫عْدَنا َو َ‬ ‫عْدُتْم ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫حَمُكْم َوِإ ْ‬ ‫ن َيْر َ‬ ‫سى َرّبُكْم َأ ْ‬ ‫عَ‬‫‪َ (7‬‬
‫السراء ‪ /‬ج ‪ .15‬فعودة إسرائيل وإعلنهم دولتهم في عام ‪ 1948‬هي تحقيق‬
‫لنبوءة الوعد الثاني " وعد الخرة " بعد شتاتهم في الرض حيث جاء ال بهم " لفيفًا‬
‫" في " موجات " هجرة متتابعة إلى الرض المقدسة " وأمدهم – والمدد دائمًا من‬
‫الخارج بأموال وبنين وجعلهم أكثر نفيرًا ‪ ،‬أي تركيزًا بما لديهم من تفوق علمي‬
‫وتخطيط واستغلل للفعاليات خلفًا للعرب من حولهم " وجعلناكم أكثر نفيرًا "‪).‬‬
‫‪(55‬‬
‫غير أن هذا الوعد اللهي ل يمنحهم " قوة التمكين " في الرض المقدسة‬
‫فأمنهم واستقرارهم رهين بالتعايش السلمي والتفاعل اليجابي مع سكان " الرض‬
‫سْأُتْم‬ ‫سُكْم َوِإنْ َأ َ‬ ‫لنُف ِ‬‫سنُتْم َِ‬ ‫حَ‬ ‫سنُتْم َأ ْ‬‫حَ‬ ‫ن َأ ْ‬ ‫المقدسة " و " ما حولها " ولهذا حذرهم ال ‪ِ :‬إ ْ‬
‫ل َمّرٍة‬ ‫خُلوُه َأّو َ‬ ‫جَد َكَما َد َ‬ ‫سِ‬ ‫خُلوا اْلَم ْ‬ ‫جوَهُكْم َوِلَيْد ُ‬ ‫سوُءوا ُو ُ‬ ‫خَرِة ِلَي ُ‬ ‫لِ‬ ‫عُد ا ْ‬ ‫جاَء َو ْ‬ ‫َفَلَها َفِإَذا َ‬
‫عَلْوا َتْتِبيًرا)‪ – (7‬السراء ‪ /‬ج ‪.15‬ولنهم لم يحسنوا ويرتهنوا لشروط‬ ‫َوِلُيَتّبُروا َما َ‬
‫التعايش السلمي والتفاعل اليجابي وأساؤا ‪ ،‬قضى ال بمواجهتهم " وإن أسأتم فلها "‬
‫‪ .‬فكانت العمليات الستشهادية تأكيدًا لمنطق " التدافع " فهي عمليات " مبررة‬
‫شرعيًا " بموجب هذا النص القرآني وكل افتاء دون ذلك مخالف لنصوص القرآن ‪.‬‬
‫فالسرائيليون يعمدون لخراج أهل الرض المقدسة من ديارهم وقففد أذن‬
‫ال للذين يقاتلون ويخرجون من ديارهم بالقتال تدافعًا وفتوى المصالحة اسففتنادًا إلففى‬
‫ن اّلفِذينَ َكَففُروا‬ ‫سفَب ّ‬ ‫حَ‬ ‫ل َي ْ‬ ‫آية الجنوح للسلم فتوى تفتقر إلى التدقيق في دللت اللغة‪َ .‬و َ‬
‫خْيف ِ‬
‫ل‬ ‫ط اْل َ‬ ‫ن ِرَبففا ِ‬ ‫ن ُقفّوٍة َوِمف ْ‬ ‫طْعُتْم ِمف ْ‬ ‫سفَت َ‬ ‫عفّدوا َلُهفْم َمففا ا ْ‬ ‫ن)‪َ(59‬وَأ ِ‬ ‫جفُزو َ‬ ‫ل ُيْع ِ‬‫سَبُقوا ِإّنُهفْم َ‬ ‫َ‬
‫ل ف َيْعَلُمُه فْم َوَمففا ُتنِفقُففوا‬ ‫ل َتْعَلُموَنُهْم ا ُّ‬ ‫ن ُدوِنِهْم َ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫خِري َ‬ ‫عُدّوُكْم َوآ َ‬ ‫ل َو َ‬ ‫عُدّو ا ِّ‬ ‫ن ِبِه َ‬ ‫ُتْرِهُبو َ‬

‫‪50‬‬
‫ح َلَهففا‬ ‫جَنف ْ‬
‫سْلِم َفا ْ‬ ‫حوا ِلل ّ‬ ‫جَن ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ن)‪َ(60‬وِإ ْ‬ ‫ظَلُمو َ‬ ‫ل ُت ْ‬ ‫ف ِإَلْيُكْم َوَأْنُتْم َ‬‫ل ُيَو ّ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سِبي ِ‬ ‫يٍء ِفي َ‬ ‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫ِم ْ‬
‫سِميُع اْلَعِليُم)‪ -(61‬النفال ‪ /‬ج ‪.10‬‬ ‫ل ِإّنُه ُهَو ال ّ‬ ‫عَلى ا ِّ‬ ‫ل َ‬ ‫َوَتَوّك ْ‬
‫فالجنوح من الجانحات ويراد بها السقوط إضطرارًا بعد كسر الجناح )‬
‫‪ (56‬وجنح الطير يجنح جنوحًا إذا كسر من جناحيه ثم أقبل كالواقع اللجئ إلى‬
‫موضع )‪ ، (57‬فالجنوح " إضطراري " ولم يعمد السرائيليون لية مسالمة ‪ ،‬فلم‬
‫ل للسلم معهم‪.‬‬ ‫يجنحوا للسلم بحيث تكون هذه الية مدخ ً‬
‫بل إن لمصالحتهم – فيما إذا أرادوا الحسان بأنفسهم ولنفسهم ‪ -‬شروطًا‬
‫قرآنية أولها " حق العودة " واحترام قدسية كل ما يخص المسلمين ودينهم من‬
‫ل َيْنَهاُكْم‬‫مساجد كقدسية المسجد القصى ‪ ،‬وما عدا ذلك فال ينهي عن المصالحة‪َ :‬‬
‫طوا‬ ‫سُ‬ ‫ن َتَبّروُهْم َوُتْق ِ‬ ‫جوُكْم ِمنْ ِدَياِرُكْم َأ ْ‬ ‫خِر ُ‬ ‫ن َوَلْم ُي ْ‬‫ن َلْم ُيَقاِتُلوُكْم ِفي الّدي ِ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫عْ‬ ‫ل َ‬ ‫ا ُّ‬
‫ن َقاَتُلوُكْم ِفي الّدي ِ‬
‫ن‬ ‫ن اّلِذي َ‬ ‫عْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن)‪ِ(8‬إّنَما َيْنَهاُكْم ا ُّ‬ ‫طي َ‬ ‫سِ‬ ‫ب اْلُمْق ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل ُي ِ‬‫ن ا َّ‬‫ِإَلْيِهْم ِإ ّ‬
‫ك ُهْم‬ ‫ن َيَتَوّلُهْم َفُأْوَلِئ َ‬ ‫ن َتَوّلْوُهْم َوَم ْ‬ ‫جُكْم َأ ْ‬ ‫خَرا ِ‬ ‫عَلى ِإ ْ‬ ‫ظاَهُروا َ‬ ‫ن ِدَياِرُكْم َو َ‬ ‫جوُكْم ِم ْ‬ ‫خَر ُ‬‫َوَأ ْ‬
‫ن)‪ – (9‬الممتحنة ‪ /‬ج ‪.28‬‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫ال ّ‬
‫كما أن التذرع بصلح الحديبية ) أواخر ذي العقدة – ‪ 6‬هف ف الموافففق ‪ 627/628‬م (‬
‫كففدليل علففى " براجماتيــة " الرسففول وأخففذه بموجبففات " الواقففع " فيففه جهففل كففبير‬
‫بالخلفيات القرآنية ‪ ،‬فالحديبية تقع ضمن دائرة " الرض الحففرام " الففتي يح فّرم فيهففا‬
‫ن ُيَقففاِتُلوَنُكْم َو َ‬
‫ل‬ ‫لف اّلفِذي َ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سفِبي ِ‬‫القتال إل إذا تم العتداء على المسففلمين‪َ :‬وَقففاِتُلوا ِفففي َ‬
‫حْيفف ُ‬
‫ث‬ ‫جوُهْم ِمنْ َ‬ ‫خِر ُ‬ ‫ث َثِقْفُتُموُهْم َوَأ ْ‬ ‫حْي ُ‬ ‫ن)‪َ(190‬واْقُتُلوُهْم َ‬ ‫ب اْلُمْعَتِدي َ‬ ‫ح ّ‬‫ل ُي ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫َتْعَتُدوا ِإ ّ‬
‫حّتى ُيَقــاِتُلوُكْم ِفيـِه‬ ‫حَراِم َ‬ ‫جِد اْل َ‬‫سِ‬ ‫عْنَد اْلَم ْ‬ ‫ل َوَل ُتَقاِتُلوُهْم ِ‬ ‫ن اْلَقْت ِ‬‫شّد ِم ْ‬ ‫جوُكْم َواْلِفْتَنُة َأ َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫َأ ْ‬
‫حيفٌم)‬ ‫غُفففوٌر َر ِ‬ ‫لف َ‬ ‫ن ا َّ‬‫ن انَتَهفْوا َففِإ ّ‬ ‫ن)‪َ(191‬ففِإ ْ‬ ‫جَزاُء اْلَكاِفِري َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن َقاَتُلوُكْم َفاْقُتُلوُهْم َكَذِل َ‬ ‫َفِإ ْ‬
‫عَلفى‬ ‫ل َ‬ ‫ن ِإ ّ‬‫عفْدَوا َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن انَتَهفْوا َف َ‬ ‫لف َففِإ ْ‬ ‫ن ِّ‬ ‫ن الفّدي ُ‬ ‫ن ِفْتَنٌة َوَيُكو َ‬ ‫ل َتُكو َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫‪َ(192‬وَقاِتُلوُهْم َ‬
‫عَلْيُكْم‬ ‫عَتَدى َ‬ ‫ناْ‬ ‫ص َفَم ْ‬ ‫صا ٌ‬ ‫ت ِق َ‬ ‫حُرَما ُ‬ ‫حَراِم َواْل ُ‬ ‫شْهِر اْل َ‬ ‫حَراُم ِبال ّ‬ ‫شْهُر اْل َ‬ ‫ن)‪ (193‬ال ّ‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ال ّ‬
‫ن)‪– (194‬‬ ‫ل َمفَع اْلُمّتِقيف َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫عَلُموا َأ ّ‬ ‫ل َوا ْ‬ ‫عَلْيُكْم َواّتُقوا ا َّ‬ ‫عَتَدى َ‬ ‫ل َما ا ْ‬ ‫عَلْيِه ِبِمْث ِ‬ ‫عَتُدوا َ‬ ‫َفا ْ‬
‫البقرة ‪ /‬ج ‪ .2‬وقد لجأ مشركو قريش للتفاوض وليفس القتفال ‪ ،‬وقفد بفايع المسفلمون‬
‫الرسول على القتال دفاعًا عن أنفسهم إذا اعتدى عليهففم " بيعففة الرضففوان " )أواخففر‬
‫ذي العقدة عففام ‪ 6‬هفف الموافففق ‪ 628-627‬م ( ‪ .‬والرسففول ليففس بحاجففة لن يكففون‬
‫براجماتيًا ولو لم تتكافأ القوي القتالية البشرية كيوم " بدر – ‪ 17‬رمضففان – عففام ‪2‬‬
‫ه هف – الموافق ‪ 623/624‬م ( وكيوم الخندق – عام ‪ 5‬هف ف – الموافففق ‪626/627‬‬
‫م ( ‪ ،‬فالنصر اللهي معقود له بجنود ل نراها ) راجع ما أوردناه فففي سففورة التوبففة‬
‫‪ -‬ج ‪ – 10‬ى ‪ . ( 40‬أما الهزيمففة فففي " أحففد – ‪ 3‬هفف – الموافففق ‪ 624/625‬م (‬
‫فلها موجبات أخرى فصلها ال وذلك حين اعففتز المسففلمون بكففثرتهم وظنففوا النصففر‬
‫جَبْتُك فْم‬‫عَ‬ ‫ن ِإْذ َأ ْ‬ ‫حَنْي ف ٍ‬
‫ن َكِثيَرٍة َوَيْوَم ُ‬ ‫طَ‬ ‫ل ِفي َمَوا ِ‬ ‫صَرُكْم ا ُّ‬ ‫راجعًا إلى قدراتهم الذاتية‪َ :‬لَقْد َن َ‬
‫ن)‬ ‫ت ُثفّم َوّلْيُتفْم ُمفْدِبِري َ‬ ‫حَبف ْ‬ ‫ض ِبَمففا َر ُ‬ ‫لْر ُ‬ ‫عَلْيُكفْم ا َْ‬ ‫ت َ‬ ‫ضففاَق ْ‬‫شفْيًئا َو َ‬ ‫عْنُكْم َ‬ ‫ن َ‬ ‫َكْثَرُتُكْم َفَلْم ُتْغ ِ‬
‫ع فّذ َ‬
‫ب‬ ‫جُنوًدا َلْم َتَرْوَهففا َو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن َوَأنَز َ‬ ‫عَلى اْلُمْؤِمِني َ‬ ‫سوِلِه َو َ‬ ‫عَلى َر ُ‬ ‫سِكيَنَتُه َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ُّ‬ ‫‪ُ(25‬ثّم َأنَز َ‬
‫لف‬‫شففاُء َوا ُّ‬ ‫ن َي َ‬‫عَلى َم ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن َبْعِد َذِل َ‬ ‫ل ِم ْ‬ ‫ب ا ُّ‬ ‫ن)‪ُ(26‬ثّم َيُتو ُ‬ ‫جَزاُء اْلَكاِفِري َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن َكَفُروا َوَذِل َ‬ ‫اّلِذي َ‬
‫حيٌم)‪ – (27‬التوبة ‪ /‬ج ‪.10‬‬ ‫غُفوٌر َر ِ‬ ‫َ‬

‫‪51‬‬
‫وقد استرد ال لدينه فاستتاب من يريد وهو أبرز رمففوز الشففرك فففي تلففك‬
‫المعركة " خالد بن الوليد " ‪ .‬إذن ‪ ،‬ففي ما بعد " الجهاد "وشرعة السيف المرتبطة‬
‫بخصائص الحقبة النبوية والتدخل اللهي لتمكيفففن " المففة الوسففط " و " المسففؤولة‬
‫عن الذكر " و " الخروج " ضمن دائرتي ما بين المسففجد " الحففرام " و المسففجد "‬
‫القصى " وما حولهما ) الشام الكبير والعراق واليمففن ( يقففع مففا تبقففى مففن الرجففاء‬
‫ضمن مفهوم التحاق " المييفن " وليفس " الكتفابيين مفن يهفود ونصفارى " ) راجفع‬
‫مطلع سورة الجمعة ( فل يسمى فتح مصر أو المغرب العربي أو إيران أو الصقاع‬
‫الخرى جهادًا ‪ ،‬إنما " إلحاقًا وتوسعًا " ‪.‬‬
‫كذلك كرس مطلع سورة الجمعففة البقففاء علففى " التعدديففة الدينيففة " حيففن‬
‫قصرت اللحففاق إسففلميًا علففى المييففن مففن الشففعوب غيففر الكتابيففة الخففرى " و "‬
‫ن ُأوُتففوا‬ ‫ت اّل فِذي َ‬
‫ن َأَتْي َ‬
‫آخرين منهم " أي من الميين ‪ ،‬واستثنت اليهود والنصارى‪َ .‬وَلِئ ْ‬
‫ضفُهْم ِبَتففاِبٍع ِقْبَلفَة َبْعف ٍ‬
‫ض‬ ‫ت ِبَتففاِبٍع ِقْبَلَتُهفْم َوَمففا َبْع ُ‬ ‫ك َوَما َأْن َ‬‫ل آَيٍة َما َتِبُعوا ِقْبَلَت َ‬‫ب ِبُك ّ‬
‫الِكَتا َ‬
‫ن)‪– (145‬‬ ‫ظفاِلِمي َ‬‫ن ال ّ‬ ‫ك ِإًذا َلِمف ْ‬ ‫ن اْلِعْلفِم ِإّنف َ‬‫ك ِمف ْ‬‫جفاَء َ‬ ‫ن َبْعِد َمفا َ‬ ‫ت َأْهَواَءُهْم ِم ْ‬‫ن اّتَبْع َ‬ ‫َوَلِئ ْ‬
‫شففاَء‬‫البقرة ‪ /‬ج ‪ .2‬وجعل ال ذلك من " مشيئته " في اختلف وتعدد الديففان‪َ :‬وَلفْو َ‬
‫ك َوِلفَذِل َ‬
‫ك‬ ‫حفَم َرّبف َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫ل َمف ْ‬ ‫ن)‪ِ(118‬إ ّ‬ ‫خَتِلِفيف َ‬‫ن ُم ْ‬ ‫ل َيَزاُلففو َ‬‫حفَدًة َو َ‬‫س ُأّمًة َوا ِ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫جَع َ‬‫ك َل َ‬
‫َرّب َ‬
‫ن)‪ – (119‬هــود ‪ /‬ج‬ ‫جَمِعيف َ‬ ‫س َأ ْ‬ ‫جّنِة َوالّنا ِ‬ ‫ن اْل ِ‬‫جَهّنَم ِم ْ‬‫ن َ‬ ‫لّ‬‫لْم َ‬ ‫ك َ‬ ‫ت َكِلَمُة َرّب َ‬‫خَلَقُهْم َوَتّم ْ‬ ‫َ‬
‫‪ .12‬ذلك بمنطق " المشيئة " اللهية التي تتموضع على مفا يقففرره النففاس لنفسففهم‬
‫من اختلف ‪ ،‬وليس ما يقرره ال لهم بمنطففق " الرادة " و " المــر " ‪ .‬فففالختلف‬
‫لف‬‫ث ا ُّ‬ ‫حفَدًة َفَبَعف َ‬‫س ُأّمفًة َوا ِ‬ ‫ن الّنففا ُ‬ ‫ليس مصدره ال ولكن مصففدره البشففر أنفسففهم‪َ .‬كففا َ‬
‫خَتَلفُففوا‬
‫س ِفيَمفا ا ْ‬ ‫ن الّنففا ِ‬ ‫حُكفَم َبْيف َ‬ ‫ق ِلَي ْ‬
‫حّ‬ ‫ب ِباْل َ‬‫ل َمَعُهْم اْلِكَتا َ‬ ‫ن َوَأنَز َ‬ ‫ن َوُمنِذِري َ‬ ‫شِري َ‬‫ن ُمَب ّ‬‫الّنِبّيي َ‬
‫لف‬
‫ت َبْغًيففا َبْيَنُهفْم َفَهفَدى ا ُّ‬ ‫جففاَءْتُهْم اْلَبّيَنففا ُ‬‫ن َبْعِد َما َ‬ ‫ن ُأوُتوُه ِم ْ‬ ‫ل اّلِذي َ‬‫ف ِفيِه ِإ ّ‬‫خَتَل َ‬
‫ِفيِه َوَما ا ْ‬
‫سفَتِقيٍم)‬ ‫ط ُم ْ‬‫ص فَرا ٍ‬‫شاُء ِإَلففى ِ‬ ‫ن َي َ‬ ‫ل َيْهِدي َم ْ‬ ‫ق ِبِإْذِنِه َوا ُّ‬
‫حّ‬ ‫ن اْل َ‬
‫خَتَلُفوا ِفيِه ِم ْ‬ ‫ن آَمُنوا ِلَما ا ْ‬ ‫اّلِذي َ‬
‫‪ – (213‬البقرة ‪ /‬ج ‪ .2‬وفي إطار هذه التعدديةالدينية لم يلجأ المسلمون لسلمة من‬
‫يعاشرونهم في موقع المة الوسط)‪ (58‬فيما كتبه جورج قرم ‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫" لقد كانت الدولة السلمية بل ريب دولة دينيففة ‪ ،‬وكففان طابعهففا الففديني‬
‫عميقًا وجوهريًا بقدر ما كففان طففابع المبراطوريففة البيزنطيففة ‪ ،‬الففتي انففتزعت منهففا‬
‫القسم الكبر من المشرق وأفريقيا الشففمالية ‪ ،‬وطففابع المبراطوريففة الساسففانية الففتي‬
‫قضت عليهففا قضففاء مبرمفًا‪ .‬وكففان السففلم ركيزتهففا الساسففية ‪ ،‬واليمففان بففالقرآن‬
‫ورسول ال الوثاق المتين الذي يشد أعضاءها بعضهم إلى بعض ‪ .‬ولكففن لول مففرة‬
‫حد ‪،‬حصري النزعففة وميففال هففو الخففر إلففى الهيمنففة ‪ ،‬أن‬ ‫في التاريخ أمكن لدين مو ّ‬
‫يجد الصيغة شبه السحرية التي تحث السادة الجدد على التمسك بحبففل المبففدأ العظيففم‬
‫القففائل بففأن )) ل إكففراه فففي الففدين (( ‪ ،‬وعلففى العففتراف لغيففر معتنقيففه بحقهففم فففي‬
‫الوجود كطوائف لها ملء الحرية في ممارسة معتقداتها وشففعائرها العباديففة وحياتهففا‬
‫الجماعية "‪ .‬وقففد اسففتطاع جففورج قففرم أن يرسففم ‪ ،‬بكففل ألوانهففا ولونيتهففا ‪ ،‬صففورة‬
‫خصائص النظام الطائفي الذي عاش اليهود والمسيحيون في ظله في عهد السففلم ‪.‬‬
‫وهذا بحد ذاته اعتراف بففأن التعدديففة السففلمية مففن طبيعففة سوسففيولوجية وقانونيففة‬
‫مغايرة للتعددية القسرية ‪ ،‬المسفتوحاة مففن اللهففوت ‪ ،‬الففتي وسفمت جوانبهفا القاتمففة‬
‫بميسمها أوروبا القروسطية " ‪.‬‬
‫لماذا استمرارية التدافع العربي ‪ /‬السرائيلي ؟‬
‫قد يرى الوضعيون ودارسو الستراتيجية المعاصرة أن المر هو صراع‬
‫" قومي " أو " ديني " بين العرب وإسرائيل ‪ ،‬العرب يرتكزون إلى " حقوقهم "‬
‫القومية " وميراث الفتح الديني " للراضي المقدسة ‪ ،‬والسرائيليون يستندون إلى "‬
‫موروثهم الديني والتاريخي " بداية من خروجهم من مصر ودخولهم عنوة الرض‬
‫المقدسة قبل خمسة وثلثين قرنًا ) خروجهم من مصر في القرن الرابع عشر قبل‬
‫لْر َ‬
‫ض‬ ‫خُلوا ا َْ‬‫الميلد ثم دخولهم الرض المقدسة بأمر إلهي وكانوا يمانعون‪َ :‬ياَقْوِم اْد ُ‬
‫ن)‪َ(21‬قاُلوا‬ ‫سِري َ‬ ‫خا ِ‬ ‫عَلى َأْدَباِرُكْم َفَتْنَقِلُبوا َ‬‫ل َتْرَتّدوا َ‬ ‫ل َلُكْم َو َ‬
‫ب ا ُّ‬
‫سَة اّلِتي َكَت َ‬
‫اْلُمَقّد َ‬
‫جوا ِمْنَها‬ ‫خُر ُ‬‫ن َي ْ‬‫جوا ِمْنَها َفِإ ْ‬‫خُر ُ‬ ‫حّتى َي ْ‬ ‫خَلَها َ‬ ‫ن َنْد ُ‬
‫ن َوِإّنا َل ْ‬‫جّباِري َ‬
‫ن ِفيَها َقْوًما َ‬
‫سى ِإ ّ‬ ‫َياُمو َ‬
‫ن)‪ – (22‬المائدة ‪ /‬ج ‪ . 6‬ثم نشوء مملكة سليمان وداود في القدس في‬ ‫خُلو َ‬‫َفِإّنا َدا ِ‬
‫الفترة من ) ‪ 1000‬وإلى ‪ 922‬ق م ( )‪ .(59‬ثم انفصال القبائل الشمالية عنها‬
‫وتكوينها مملكة ) اسرائيل ‪ /‬السامرة ( والتي تعرضت للجتياح الشوري عام‬
‫‪ 721‬ق م وتم سبى وأسر )‪ ( 27290‬اسرائيلي رحلوا إلى بابل ‪ ،‬ثم الستيلء‬
‫الشوري على القدس ثلث مرات ) ‪ 597‬و ‪ 587‬و ‪ ( 582‬وتبع الستيلء‬
‫الجلء إلى أن أعيدوا من بابل عام ‪ 539‬ق م بأمر من ) قورش ( مؤسس‬
‫المبراطورية الفارسية الخمينية والتي حلت محل المبراطورية الشورية منذ‬
‫‪ 550‬ق م ‪.‬‬
‫والتساؤل ‪ :‬لماذا قضى ال بالعودة والتدافع ؟‬
‫الجابة هنا من أساسيات منهجيــة القــرآن المعرفيــة فــي قــراءة التاريــخ‬
‫خلفًا لمن ادعوا " أسلمة علم التاريخ " فقد قضى ال بأن تكون منطقة المة الوسففط‬
‫ما بين البيت الحرام وما حوله والمسففجد القصفى ومفا حفوله مجفال " تفدافع " بيفن‬
‫شففعبين ) اصففطفاهما ( الف فكمففا اصففطفى " مكففة " كففبيت حففرام اصففطفى القففدس‬
‫ل اْذُك فُروا ِنْعَمِتففي‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫كمسجد مقدس وأرض مقدسة واصطفى السرائيليين‪َ .‬ياَبِني ِإ ْ‬

‫‪53‬‬
‫ن)‪ – (47‬البقــرة ‪ /‬ج ‪ .1‬وكففذلك‬ ‫عَلففى اْلَعففاَلِمي َ‬
‫ض فْلُتُكْم َ‬
‫عَلْيُك فْم َوَأّنففي َف ّ‬ ‫ت َ‬‫اّلِتففي َأْنَعْم ف ُ‬
‫عف ْ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬ ‫ف َوَتْنَهفْو َ‬‫ن ِبفاْلَمْعُرو ِ‬ ‫س َتفْأُمُرو َ‬ ‫ت ِللّنفا ِ‬ ‫جف ْ‬
‫خِر َ‬ ‫خْيفَر ُأّمفٍة ُأ ْ‬
‫اصطفى العرب ‪ُ .‬كْنُتْم َ‬
‫ن َوَأْكَثُرُه فْم‬‫خْيًرا َلُه فْم ِمْنُه فْم اْلُمْؤِمُنففو َ‬
‫ن َ‬ ‫ب َلَكا َ‬‫ل اْلِكَتا ِ‬‫ن َأْه ُ‬‫ل َوَلْو آَم َ‬‫ن ِبا ِّ‬‫اْلُمنَكِر َوُتْؤِمُنو َ‬
‫ن)‪ - (110‬آل عمران ‪ /‬ج ‪.4‬‬ ‫سُقو َ‬
‫اْلَفا ِ‬
‫الصطفاء والعرقية‪:‬‬
‫إن الصففطفاء لجنففس معيففن فففي المفهففوم المعاصففر هففو نزعففة " عرقيففة‬
‫شوفينية ‪ :‬من مماثلت الدعاء بتفوق العرق الري الذي تأسست عليه النازية ‪ ،‬أمففا‬
‫قدسية واصطفاء المكان فيدرجها كثير من الناس في " الدعاوى اللهوتيففة " وكففثيرًا‬
‫ما يؤكد السرائيليون الن على هذا الصطفاء ‪ ،‬بل إنففه لففولهم لمففا خلففق الف بففاقي‬
‫البشر بأشكال آدمية )‪ (60‬فالصل في تركيبة البشففر مففن غيففر السففرائيليين أنهففم "‬
‫بهائم ‪ :‬حولهم ال إلى أشكال آدمية لخدمففة السففرائيليين وليسففهل علففى السففرائيليين‬
‫مخاطبتهم والتعامل معهم‪.‬‬
‫مفهففوم الصففطفاء اللهففي للمكففان والجنففس يختلففف جففذريًا عففن مفهففوم‬
‫الصطفاء البشري وبمففا يماثففل الختلف الففذي أوضففحناه بيففن عبوديففة النسففان لف‬
‫وعبودية العبد البشففري لمففالكه فففي سففورة ) النحففل ( فالصففطفاء اللهففي مســؤولية‬
‫مرتبطة بالتواصل مع الذكر اللهي والتسامي الــديني والخلقــي ‪ ،‬فالصففطفاء هففو‬
‫من أجل تشكيل " قاعــدة إنســانية " وليففس فئة عنصففرية مسففتعلية ‪ ،‬قاعــدة مهمتهــا‬
‫خلص النسان في الرض وإشاعة الحكمة اللهية وقيمها ‪ ،‬فكل أداء وفعل يحتاج‬
‫إلى " قاعدة اجتماعية بشرية " سياسية كانت فففي شففكل أحففزاب أو فئويففة كففانت فففي‬
‫شكل النقابات ‪ ،‬وهذه كلهفا تنشفأ وتقفوم بمثففل " وضفعية " فففي نهجهففا الغففالب ‪ ،‬أمفا‬
‫الصطفاء اللهي فمثلة رسالية دينية متسامية‪.‬‬
‫فالصطفاء اللهي مشروط بالتسامي والوعي ‪ ،‬حتى يحمل السففرائيليون‬
‫التففوراة علففى حقيقتهففا وكففذلك يحمففل المسففلمون القففرآن علففى حقيقتففه ‪ ،‬فففإذا زيفففوا‬
‫وابتعدوا واستسلموا لساطيرهم وخرافاتهم ماثل ال علقتهم بالكتاب كعلقة الحمففار‬
‫الذي يحمل أسفارًا على ظهره ول يعرف ما هو مكتوب فيها ‪ .‬وقد أكففد الف علفى أن‬
‫حّمُلوا الّت فْوَراةَ ُثفّم َلفْم‬ ‫ن ُ‬ ‫ل اّلِذي َ‬ ‫السرائيليين يحملون التوراة كحمل الحمار للسفار‪َ .‬مَث ُ‬
‫لف َ‬
‫ل‬ ‫لف َوا ُّ‬ ‫ت ا ِّ‬‫ن َكفّذُبوا ِبآَيففا ِ‬ ‫ل اْلَقفْوِم اّلفِذي َ‬‫س َمَث ُ‬
‫سَفاًرا ِبْئ َ‬ ‫ل َأ ْ‬‫حِم ُ‬‫حَماِر َي ْ‬‫ل اْل ِ‬‫حِمُلوَها َكَمَث ِ‬
‫َي ْ‬
‫ن)‪ – (5‬الجمعة ‪ /‬ج ‪.28‬‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫َيْهِدي اْلَقْوَم ال ّ‬
‫وبما أن الية تقع في مطلع سورة الجمعة التي وجه فيها الخطاب للميين‬
‫ل منهففم فففإن الففترابط العضففوي لليففات يشففكل‬ ‫) العرب ( الذين بعث ال فيهففم رسففو ً‬
‫تحذيرًا للمسلمين أنفسهم من أن تكون علقتهم بالقرآن كعلقة السرائيليين بالتوراة ‪.‬‬
‫نتيجة انحراف كل من المسلمين واليهود عن كتابيهما ) القرآن والتوراة ( ‪ ،‬جعل ال‬
‫ما بينهما " تدافعًا " حتى يعود كل منهما إلى مرجعيته اللهية كما هي في حقيقتها‬
‫لن ال اتخذ منهما قاعدتين بشريتين لرساء كلمته في الرض‪.‬‬
‫واتخاذ ال لقاعدتين بشريتين وليس قاعدة بشرية واحدة – كما كففان يأمففل‬
‫السرائيليون – هو للحد من استشعار أي من القاعدتين ‪ .‬إن التفويض اللهففي منففاط‬
‫ل عففبر اللففتزام بالنهففج اللهففي‬ ‫بها تحديدًا لمميزات ذاتية فيها ‪ ،‬فالتفويض ل يكون إ ّ‬

‫‪54‬‬
‫نفسه ‪ .‬ثم جعل " التدافع " بين القاعدتين في حال انحرافهما ‪ .‬وكل منهما يتطلع إلففى‬
‫ل بشروط العودة إلى المنهج اللهي ‪.‬‬ ‫وعد ال له غير أن ذلك ل يتم إ ّ‬
‫لهذا فإن هذا الصراع العربي السرائيلي ل يؤرخ لففه بقيففام إسففرائيل فففي‬
‫عام ‪ 1948‬ول بوعد بلفور عام ‪1916‬ول بمؤتمر بففازل عففام ‪ . 1897‬إنففه تففدافع‬
‫بادئ منذ اربعة عشر قرنا خلت وتمتد خلفيته إلى خمسة وثلثين قرنًا خلت ‪ .‬وهناك‬
‫عَلْيِهفْم‬
‫مكامن فيه لم تظهر بعد حتى يتحقق الوعد الثاني فففي‪ُ :‬ثفّم َرَدْدَنففا َلُكفْم اْلَكفّرَة َ‬
‫سفُكْم َوِإ ْ‬
‫ن‬ ‫لنُف ِ‬ ‫سفنُتْم َِ‬‫حَ‬ ‫سفنُتْم َأ ْ‬‫حَ‬‫ن َأ ْ‬‫جَعْلَنففاُكْم َأْكَثفَر َنِفيفًرا)‪ِ(6‬إ ْ‬ ‫ن َو َ‬‫ل َوَبِنيف َ‬‫َوَأْمَدْدَناُكْم ِبفَأْمَوا ٍ‬
‫خُلففوُه َأّو َ‬
‫ل‬ ‫جَد َكَمفا َد َ‬ ‫سف ِ‬‫خُلوا اْلَم ْ‬ ‫جوَهُكْم وَِلَيْد ُ‬ ‫سوُءوا ُو ُ‬ ‫خَرِة ِلَي ُ‬‫لِ‬ ‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬ ‫سْأُتْم َفَلَها َفِإَذا َ‬
‫َأ َ‬
‫جَهّنففَم‬ ‫جَعْلَنا َ‬ ‫عْدَنا َو َ‬‫عْدُتْم ُ‬‫ن ُ‬ ‫حَمُكْم َوِإ ْ‬ ‫ن َيْر َ‬ ‫سى َرّبُكْم َأ ْ‬ ‫عَ‬ ‫عَلْوا َتْتِبيًرا)‪َ (7‬‬ ‫َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما َ‬
‫صيًرا)‪ – (8‬السراء ‪ /‬ج ‪.15‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ِلْلَكاِفِري َ‬
‫ومن بعد تلك الجولة النهائية في الدنيا ) وعد الخرة – الثانية ( حيث التدافع ‪،‬‬
‫فالخرة بعد الدنيا ل تدافع فيها ‪ -‬والوعد الثاني هو بعد نهاية الوعد الول حيث كان‬
‫إجلؤهم عن المدينة في مقدمة سورة الحشر ‪ .‬وليس سبيهم لبابل " الوثنية " سنة‬
‫‪ 721‬ق‪ .‬م على يد الشوريين ‪ ،‬حيث لم يكونوا عبادًا ل والقرآن يقول " عبادًا لنا "‬
‫‪.‬‬
‫حينهففا ل تكففون الغلبففة العربيففة السففلمية غلبففة " قوميففة " ولكففن ارتباط فًا بمنطففق‬
‫مسؤولية الصطفاء والرتباط بمنهج الكتاب الكوني‪ ،‬باتجاه التفاعل مع كل النسففاق‬
‫الحضففارية والففديانات المختلفففة والمناهففج المعرفيففة لسففتيعابها وتجاوزهففا باتجففاه "‬
‫الهدى ودين الحق " ‪ .‬وقد محور الف هففذا الخلص النسففاني بدللففة " الهففدى وديففن‬
‫الحففق " فففي السففور الثلث الففتي ضففمنها النبففوءة فففي ) التوبففة ( و ) الفتففح ( و‬
‫ن ُيِتّم ُنوَرُه َوَلْو َكِرَه‬ ‫ل َأ ْ‬‫ل ِإ ّ‬
‫ل ِبَأْفَواِهِهْم وََيْأَبى ا ُّ‬ ‫طِفُئوا ُنوَر ا ِّ‬ ‫ن ُي ْ‬‫ن َأ ْ‬
‫) الصف ( ‪ُ :‬يِريُدو َ‬
‫ن ُكّلِه َوَلْو‬ ‫عَلى الّدي ِ‬ ‫ظِهَرُه َ‬ ‫ق ِلُي ْ‬‫حّ‬ ‫ن اْل َ‬ ‫سوَلُه ِباْلُهَدى َوِدي ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫سَ‬‫ن)‪ُ(32‬هَو اّلِذي َأْر َ‬ ‫اْلَكاِفُرو َ‬
‫ن)‪ – (33‬التوبة ‪ /‬ج ‪(61).10‬‬ ‫شِرُكو َ‬ ‫َكِرَه اْلُم ْ‬
‫ن ُكّلِه َوَكَفى ِبا ِّ‬
‫ل‬ ‫عَلى الّدي ِ‬ ‫ظِهَرُه َ‬ ‫ق ِلُي ْ‬ ‫حّ‬ ‫ن اْل َ‬ ‫سوَلُه ِباْلُهَدى َوِدي ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫سَ‬‫وكذلك‪ُ :‬هَو اّلِذي َأْر َ‬
‫شِهيًدا)‪ – (28‬الفتح ‪ /‬ج ‪.26‬‬ ‫َ‬
‫ن)‪ُ(8‬هفَو‬ ‫ل ُمِتّم ُنوِرِه َوَلفْو َكفِرَه اْلَكففاِفُرو َ‬ ‫ل ِبَأْفَواِهِهْم َوا ُّ‬ ‫طِفُئوا ُنوَر ا ِّ‬ ‫ن ِلُي ْ‬
‫وكذلك‪ُ :‬يِريُدو َ‬
‫ن)‬ ‫ش فِرُكو َ‬ ‫ن ُكّلِه َوَلْو َك فِرَه اْلُم ْ‬ ‫عَلى الّدي ِ‬ ‫ظِهَرُه َ‬ ‫ق ِلُي ْ‬
‫حّ‬ ‫ن اْل َ‬‫سوَلُه ِباْلُهَدى َوِدي ِ‬ ‫ل َر ُ‬‫سَ‬ ‫اّلِذي َأْر َ‬
‫‪ – (9‬الصف ‪ /‬ج ‪. 28‬‬
‫فالتدافع ل ينتهي بنصرة العرب والمسلمين على ما هم عليه اليوم ‪ ،‬ولكن‬
‫بعد متغيرات جذرية في مفاهيمهم ليحملوا القرآن على نحو منهجففي معرفففي جديففد ‪،‬‬
‫وبعد أن يفرض عليهففم " الضففغط " السففرائيلي وبعففد أن تفففرض عليهففم " هيمنففة "‬
‫العولمة المريكية ما يجعلهم يغيرون ما بأنفسهم‪.‬‬
‫قد طبعت منظمة الجهاد السلمي بحياة الشهيد ) فتحي الشففقاقي ( كتففابي‬
‫" العالمية السلمية الثانية " داخففل الرض المحتلففة ‪ ،‬غيــر أن العديــد مــن أعضــاء‬
‫منظمة الجهاد قد ركزوا على الصفحات الخاصة " بالتدافع " وليس على " المنهج‬
‫المعرفي " ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫ل َقْوًمففا‬‫سفَتْبِد ْ‬
‫عفَذاًبا َأِليًمففا َوَي ْ‬
‫ل َتنِففُروا ُيعَفّذْبُكْم َ‬ ‫ويظل النففذار اللهففي الخيففر قائمفًا‪ِ :‬إ ّ‬
‫يٍء َقِديٌر)‪ – (39‬التوبــة ‪ /‬ج ‪ .10‬وكففذلك‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫عَلى ُك ّ‬ ‫ل َ‬ ‫شْيًئا َوا ُّ‬‫ضّروُه َ‬ ‫ل َت ُ‬ ‫غْيَرُكْم َو َ‬ ‫َ‬
‫عف ْ‬
‫ن‬ ‫ل َ‬ ‫خف ُ‬ ‫ل َفِإّنَما َيْب َ‬
‫خْ‬‫ن َيْب َ‬‫ل َوَم ْ‬
‫خُ‬ ‫ن َيْب َ‬
‫ل َفِمْنُكْم َم ْ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سِبي ِ‬‫ن ِلُتنِفُقوا ِفي َ‬ ‫عْو َ‬ ‫لِء ُتْد َ‬‫َهاَأْنُتْم َهُؤ َ‬
‫ل َيُكوُنففوا َأْمَثففاَلُكْم)‬ ‫غْيَرُكْم ُث فّم َ‬‫ل َقْوًما َ‬ ‫سَتْبِد ْ‬
‫ن َتَتَوّلْوا َي ْ‬
‫ي َوَأْنُتْم اْلُفَقَراُء َوِإ ْ‬ ‫ل اْلَغِن ّ‬
‫سِه َوا ُّ‬ ‫َنْف ِ‬
‫‪ - (38‬محمد ‪ /‬ج ‪ . 26‬ويرتبط تحول ال إلى من يحبهم بسلب النعفم وبسفلب مفا‬
‫أعطى لمن كانوا ممن عهد إليهم بالكتاب وحّملهم مسؤولية الذكر ‪ ،‬فحملففوه كالحمففار‬
‫يحمل أسفارًا ‪.‬‬
‫إشكالية " واعظي " و " كمال عبد اللطيف " ‪:‬‬
‫كيف يكون الجمع بين " شكل " الحكم الديموقراطي الليبرالي العلماني المدني و "‬
‫نظام " الحكم السلمي ؟‬
‫إن النظام السلمي بالكيفية التي أوضحناها والمفارقة لما كان من مفاهيم‬
‫تراثية ) أيديولوجية ( والذي اعتمدنا في تبيانه على نصوص القرآن بقراءة منهجية‬
‫معرفية ) أبستمولوجية ( معاصرة أوصلتنا إلى ما دس سالفًا على شرعة " التخفيف‬
‫والرحمة " بتكريس " شرعة الصر والغلل " ‪.‬‬
‫وتبيان أن " الشورى " السلمية ل تنفك لزومًا عن قاعدة أولي المر "‬
‫منكم " التي تنفي الستعلء الطبقي والكهنوتي " فيكم " والتي تنفي التسلط الفوقي "‬
‫عليكم " وانها تفرض المساواة بين الناس ‪.‬‬
‫وأن الحرية " مبدأ تكويني " في جبلة الخلق اللهي للنسان المزود بقوة‬
‫الوعي الثلثي "السمع والبصار والفئدة " ‪ .‬وأن شرعة السيف والكراه مناطة "‬
‫بالمة الوسط " ضمن مرحلة تشكيلها ما بين أرض الحرام والرض المقدسة وفق‬
‫خصائص الحقبة النبوية الشريفة وما كان فيها من " تدخل إلهي غيبي " وليست مبدأ‬
‫" مطلقًا " ‪.‬‬
‫وأن النظام السلمي يعتمد نهج " الحاكمية البشرية " عبر " الكتاب "‬
‫وليس على ما كان على السرائيليين اليهود من " حاكمية إلهية " أو " حاكمية‬
‫استخلف "‪(62).‬‬
‫إن السلم – وهو أرفع درجة من اليمان – ) مراجعة ‪ :‬العالمية –‬
‫المجلد الثاني‪ -‬ص ‪ – ( 185‬متنزل من عالم " المر اللهي " وليس " عالم الرادة‬
‫" اللهية التي تستوجب " الحاكمية اللهية " و " حاكمية الستخلف " والتوطن في‬
‫" الرض المقدسة " ‪ .‬وقد حددت أواخر آيات سورة النمل خصائص هذا الرتباط‬
‫حّرَمَها َوَلُه ُك ّ‬
‫ل‬ ‫ب َهِذِه اْلَبْلَدِة اّلِذي َ‬‫عُبَد َر ّ‬ ‫ن َأ ْ‬‫ت َأ ْ‬‫بعالم المر اللهي المنزل‪ِ :‬إّنَما ُأِمْر ُ‬
‫ن اْهَتَدى َفِإّنَما َيْهَتِدي‬ ‫ن َفَم ْ‬
‫ن َأْتُلَو اْلُقْرآ َ‬
‫ن)‪َ(91‬وَأ ْ‬ ‫سِلِمي َ‬‫ن اْلُم ْ‬
‫ن ِم ْ‬ ‫ن َأُكو َ‬ ‫ت َأ ْ‬
‫يٍء َوُأِمْر ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫سُيِريُكْم آَياِتِه َفَتْعِرُفوَنَها‬ ‫ل َ‬ ‫حْمُد ِّ‬‫ن)‪َ(92‬وُقلْ اْل َ‬ ‫ن اْلُمنِذِري َ‬ ‫ل ِإّنَما َأَنا ِم ْ‬
‫ل َفُق ْ‬ ‫ضّ‬ ‫ن َ‬ ‫سِه َوَم ْ‬‫ِلَنْف ِ‬
‫ن)‪– (93‬النمل ‪ /‬ج ‪ .20‬فهنا "بلدة محرمة" أرقى من‬ ‫عّما َتْعَمُلو َ‬ ‫ل َ‬ ‫ك ِبَغاِف ٍ‬‫َوَما َرّب َ‬
‫أرض مقدسة ‪ ،‬و " إسلم " أرقى درجة من " اليمان " ‪ ،‬وقرآن يتسع للكون كله‬
‫وأرقى درجة من " كتب العهد " ‪.‬‬
‫لهذا أطلقت حرية النسان للتعامل مع الكتاب فأصبحت الحاكمية " بشرية‬
‫" مصدرها " عالم المر اللهي " إنما أمرت أن أعبد وقاعدتها " عالم المشيئة "‬

‫‪56‬‬
‫بكل ما فيها من ضوابط القوانين المشيئة للوجود وكيفما يدركها العلماء ‪ ،‬وكيفما‬
‫يتعامل معها النسان ‪.‬‬
‫فالعلقة هنا مع ال علقة " غيبية " وليست " حسية " شأن ما كانت عليه‬
‫التجربة اليهودية من شجرة ملتهبة ‪ ،‬وعصا لموسى يضرب بها الحجر والصخر أو‬
‫ما كان لداود وسليمان من تسخير للحديد والجن والطير ‪.‬‬
‫فال لم يدرج هذه الظواهر بمنطق اسطوري وإنما للدللة على خاصية‬
‫حاكمية الستخلف ‪ ،‬فالمستخلف يفوضه من استخلفه – وهو ال – ببعض من قوته‬
‫وإل فقد مقومات الخلفة ‪.‬‬
‫لهذا أصبحت المعادلة السلمية ) النسان – الكتاب ( وانتهت إلى‪َ :‬فَم ْ‬
‫ن‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‬ ‫ل اْل َ‬
‫ن)‪َ(92‬وُق ْ‬ ‫ل ِإّنَما َأَنا ِمنْ اْلُمنِذِري َ‬‫ل َفُق ْ‬
‫ضّ‬ ‫ن َ‬ ‫سِه َوَم ْ‬‫اْهَتَدى َفِإّنَما َيْهَتِدي ِلَنْف ِ‬
‫ن)‪– (93‬النمل ‪ /‬ج ‪.20‬‬ ‫عّما َتْعَمُلو َ‬ ‫ل َ‬ ‫ك ِبَغاِف ٍ‬
‫سُيِريُكْم آَياِتِه َفَتْعِرُفوَنَها َوَما َرّب َ‬ ‫َ‬
‫فالديانات المرتبطة بعالم " الرادة اللهية " تستوجب الحاكمية اللهية‬
‫وحاكمية الستخلف والتدخل اللهي المنظور ‪ ،‬أما تلك – المرتبطة " بعالم المر‬
‫اللهي – وليس غير السلم – فإنها ترتبط بحاكمية البشر لنفسهم وفق فهمهم‬
‫للكتاب وبملئ عقلنيتهم وحريتهم ‪ ،‬وبالكيفية التي يحددون بها " شكل الحكم " ‪ .‬أما‬
‫القرآن فإنه بمنحهم " المنهج " ويصبح التدخل اللهي هنا غيبيًا غير منظور كتنزلة‬
‫ل ‪ :‬ونصرة ال لبنيه غيبًا ‪.‬‬ ‫ملئكة بدر مث ً‬
‫بما بيناه وأوضحناه في كل ذلك وغيره كان يفترض أن يتوصل‬
‫المفكرون السلميون والمجتهدون في السابق واللحق إلى " شكل " للحكم يجسد‬
‫طبيعة هذا النظام للحكم ‪ .‬غير أن الذي حدث ويحدث هو " نقيض " كل ذلك ‪ .‬إذ‬
‫افتقرت هذه " المنظومة المتكاملة " التي طرحناها إلى" الشكل الدستوري " الذي‬
‫يجسدها وإلى " الليات " السياسية التي تكفل تطبيقها ‪ ،‬واتخذت كافة النظمة‬
‫السياسية مسارًا خارج هذه المنظومة ‪ .‬فمع أن الرسول لم يستخلف فقد استخلف أبو‬
‫بكر عمرًا ‪ ،‬وضيق عمر نطاق الشورى وأولي المر وحصرها في عشرة اختاروا‬
‫عثمان‪ .‬ولم يستجب عثمان لراء معارضيه فكانت بدايات " الفتنة " ‪ .‬واستجاب‬
‫على لتحكيم " صفين " على يدي رجلين حيث ل مؤسسات ذات مرجعية شورية ‪.‬‬
‫أما الخلفاء من بعد علي فقد تحولوا إلى آحادية وملك عضود وأشاعوا مفاهيم "‬
‫الجبر " و" الحاكمية اللهية " ليبرروا بها حكمهم التعسفي المطلق ‪ ،‬واتخذوا من "‬
‫الجهاد " تبريرًا للتوسع خارج دائرة " المة الوسط " ‪.‬‬
‫واتخذوا من مبدأ " الجزية " مطية لنهب الكتابيين من نصارى ويهود في‬
‫ل على " المرتد " من أهل الكتاب الذين أنكروا اليمان‬ ‫حين أن الجزية ل تطبق إ ّ‬
‫ل ِباْلَيْوِم‬
‫ل َو َ‬ ‫ن ِبا ِّ‬‫ل ُيْؤِمُنو َ‬‫ن َ‬ ‫بالله واليوم الخر واستحلوا ما حرم ال ‪َ .‬قاِتُلوا اّلِذي َ‬
‫ن ُأوُتوا‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫ق ِم ْ‬
‫حّ‬ ‫ن اْل َ‬
‫ن ِدي َ‬‫ل َيِديُنو َ‬ ‫سوُلُه َو َ‬ ‫ل َوَر ُ‬‫حّرَم ا ُّ‬‫ن َما َ‬ ‫حّرُمو َ‬‫ل ُي َ‬‫خِر َو َ‬ ‫لِ‬ ‫اْ‬
‫ن)‪ – (29‬التوبة ‪ /‬ج ‪ .10‬أما‬ ‫غُرو َ‬ ‫صا ِ‬‫ن َيٍد َوُهْم َ‬ ‫عْ‬‫جْزَيَة َ‬‫طوا اْل ِ‬ ‫حّتى ُيْع ُ‬ ‫ب َ‬ ‫اْلِكَتا َ‬
‫الكتابيون الذين لم يرتدوا عن دينهم فل تؤخذ منهم جزية عن يد وهم صاغرون‬
‫وإنما تسري عليهم أحكام الخراج و " العشور " وما تقرره الدولة من مداخيل ‪.‬‬
‫ويفيدنا الدكتور " نزيه حماد " )‪ (63‬باختلف الفقهاء حول تحديد معنى الجزية‪:‬‬

‫‪57‬‬
‫" الجزية في اللغة مشتقة من الجزاء والمجازاة ‪ .‬قال ابن النباري‪ :‬هي‬
‫الخراج المجعول على أهل الذمة ‪ .‬وقد اختلف الفقهاء في حقيقتها ‪ ،‬فذهب الشافعية‬
‫والحنابلة إلى أنها‪ :‬المال المأخوذ بالتراضي لسكان أهل الذمة في دار السلم ‪ ،‬أو‬
‫لحقن دمائهم وذراريهم وأموالهم ‪ ،‬أو لكف المسلمين عن قتالهم ‪ .‬سمّيت بذلك لنها‬
‫جزاء تأمينهم وعصمة دمائهم وعيالهم وأموالهم أو تمكينهم من سكنى دار السلم ‪.‬‬
‫ل ما‬ ‫وذهب الحنفية والمالكية الى انها أعّم من ذلك ‪ ،‬وأن المراد بها ‪ :‬ك ّ‬
‫يؤخذ من أهل الذمة ‪ ،‬سواء أكان موجبها القهر والغلبة وفتح الرض عنوة ‪ ،‬أو عقد‬
‫الذمة الذي ينشأ بالتراضي‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬وإن الفقهاء يطلقون اسم الجزية على المال المأخوذ منهم وعلى‬
‫العقد وعليهما مهًا "‪.‬‬
‫أما شرعة السيف فقد أمضيت على " المشركين " في الجزيرة العربية‬
‫حيث مرتكز المة الوسط ‪ ،‬ودمغوا " بالنجاسة " وهي ذات دللة معنوية غير مادية‬
‫‪ ،‬فالقرآن لم يستخدم النجاسة إل للشرك ‪ ،‬ومد الفقهاء مفهومها إلى " مّني " النسان‬
‫‪ ،‬في حين أن هذا المني هو من امشاج نطفة مكونة للتخليق النساني نفسه ‪ ،‬فيكون‬
‫بدن النسان في أصله نجسًا تبعًا لهذا المنطق ‪ ،‬فالغسل بعد الجماع ليس مصدره‬
‫النجاسة ولكن " التطهر " من الفرازات ‪ ،‬فهناك خلط شديد بين مفهوم دواعي "‬
‫الغسل " بعد " الجماع " أو " الغائط " ومفهوم التطهر بعد " الجنابة " والتي ل‬
‫علقة لها " بالجماع " و" الغائط " وإنما علقتها " بالتبول " و " التبرز " ومفهوم "‬
‫النجاسة " التي وردت متعلقة بالمشركين ولمرة واحدة فقط في القرآن ‪ ،‬كالخلط‬
‫تمامًا بين " الخمار " و" الحجاب " و "الزينة " و " الحلي " ‪ .‬وهناك خلط في أمور‬
‫كثيرة ‪.‬‬
‫يبقى القول أنه ل جزية على مؤمني أهل الكتاب ‪ ،‬وشرعة السيف قاصرة‬
‫س َف َ‬
‫ل‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن َن َ‬‫شِرُكو َ‬‫ن آَمُنوا ِإّنَما اْلُم ْ‬
‫على المشركين في إطار قاعدة التأسيس‪َ .‬ياَأّيَها اّلِذي َ‬
‫ضِلِه ِإ ْ‬
‫ن‬ ‫ن َف ْ‬ ‫ل ِم ْ‬
‫ف ُيْغِنيُكْم ا ُّ‬‫سْو َ‬‫عْيَلًة َف َ‬
‫خْفُتْم َ‬
‫ن ِ‬ ‫عاِمِهْم َهَذا َوِإ ْ‬
‫حَراَم َبْعَد َ‬‫جَد اْل َ‬‫سِ‬
‫َيْقَرُبوا اْلَم ْ‬
‫حِكيٌم)‪ – (28‬التوبة ‪ /‬ج ‪.10‬‬ ‫عِليٌم َ‬ ‫ل َ‬‫ن ا َّ‬‫شاَء ِإ ّ‬
‫َ‬
‫خيارات التجربة الغربية بين الشكل والمضمون ‪:‬‬
‫جاءت التجربة الوروبية بالحل " الرشدي "‪ ،‬ولكن على مستوى "‬
‫الشكل الدستوري والسياسي " وليس " المضمون الفلسفي " ‪ .‬جاءت بالليات التي‬
‫تتسق " أدائيًا "مع طبيعة " النظام " السلمي الذي أوضحناه ‪.‬‬
‫فأصبح التنازع بيننا كإسلميين والتجربة الوروبية هو على مستوى‬
‫المضمون ‪ ،‬فالتجربة الوروبية حولت " الحرية " إلى ليبرالية مفتوحة تكاد تقفز‬
‫ممارستها فوق شرعة الزواج والعائلة ‪ ،‬والسلم ينبني اجتماعيًا على الخطاب "‬
‫العائلي " وليس الفردي وفي ما يقارب ‪ % 80‬من آيات التشريع ولهذا كانت عقوبة‬
‫" الجلد " فالزنا هدم للساس العائلي وضوابطه حيث تحول الجنس ‪ Sex‬إلى‬
‫‪. Gender‬‬
‫كما بوتقت التجربة الوروبية والمريكية بالذات النسان في " دهرية "‬
‫ضيقة بمعزل عن الرؤية الكونية للنسان وامتداده السرمدي ما قبل الحياة وما بعد‬

‫‪58‬‬
‫ن)‬‫جُعو َ‬ ‫حِييُكْم ُثّم ِإَلْيِه ُتْر َ‬‫حَياُكْم ُثّم ُيِميُتُكْم ُثّم ُي ْ‬
‫ل َوُكنُتْم َأْمَواًتا َفَأ ْ‬ ‫ن ِبا ِّ‬‫ف َتْكُفُرو َ‬ ‫الموت‪َ .‬كْي َ‬
‫‪ - (28‬البقرة ‪ /‬ج ‪ – 1‬وقصرته على ثنائية ) النسان والطبيعة ( دون البعد‬
‫اللهي الثالث في التكوين وهو " البعد الغيبي " الذي ترتبط به هوية النسان‬
‫ووجوده ومصيره ككائن مطلق في كون ل متناه في الكبر ول متناه في الصغر ‪ِ .‬إ ّ‬
‫ن‬
‫ل ِكْبٌر َما ُهْم ِبَباِلِغيِه‬ ‫صُدوِرِهْم ِإ ّ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫ن َأَتاُهْم ِإ ْ‬ ‫طا ٍ‬‫سْل َ‬
‫ل ِبَغْيِر ُ‬ ‫ت ا ِّ‬ ‫ن ِفي آَيا ِ‬ ‫جاِدُلو َ‬ ‫ن ُي َ‬
‫اّلِذي َ‬
‫ق‬
‫خْل ِ‬‫ن َ‬ ‫ض َأْكَبُر ِم ْ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ت َوا َْ‬‫سَماَوا ِ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خْل ُ‬‫صيُر)‪َ(56‬ل َ‬ ‫سِميُع اْلَب ِ‬ ‫ل ِإّنُه ُهَو ال ّ‬ ‫سَتِعْذ ِبا ِّ‬
‫َفا ْ‬
‫ن)‪ – (57‬غافر – ج ‪. 24‬‬ ‫ل َيْعَلُمو َ‬ ‫س َ‬ ‫ن َأْكَثَر الّنا ِ‬ ‫س َوَلِك ّ‬‫الّنا ِ‬
‫وأسست التجربة الوروبية الديموقراطية على " تقنين " الصراعات‬
‫وليس على إلغاء الصراع " بالمنطق السلمي ضمن ضرورة دخول الناس إلى‬
‫السلم كافة )‪ ، (64‬فكرست " الدعاوى " السياسية التي تتخذ معبرًا عبر النتخابات‬
‫حَياِة الّدْنَيا‬‫ك َقْوُلُه ِفي اْل َ‬ ‫جُب َ‬‫ن ُيْع ِ‬‫س َم ْ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫للسلطة ثم يكون إهلك الحرث والنسل ‪َ .‬وِم ْ‬
‫لْر ِ‬
‫ض‬ ‫سَعى ِفي ا َْ‬ ‫صاِم)‪َ (204‬وِإَذا َتَوّلى َ‬ ‫خ َ‬ ‫عَلى َما ِفي َقْلِبِه َوُهَو َأَلّد اْل ِ‬ ‫ل َ‬ ‫شِهُد ا َّ‬‫َوُي ْ‬
‫ق ا َّ‬
‫ل‬ ‫ل َلُه اّت ِ‬ ‫ساَد)‪َ(205‬وِإَذا ِقي َ‬ ‫ب اْلَف َ‬
‫ح ّ‬ ‫ل ُي ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ل َوا ُّ‬ ‫سَ‬‫ث َوالّن ْ‬ ‫حْر َ‬ ‫ك اْل َ‬‫سَد ِفيَها َوُيْهِل َ‬ ‫ِلُيْف ِ‬
‫شِري َنْفسَُه‬ ‫ن َي ْ‬‫س َم ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫س اْلِمَهاُد)‪َ(206‬وِم ْ‬ ‫جَهّنُم َوَلِبْئ َ‬‫سُبُه َ‬ ‫حْ‬‫لْثِم َف َ‬
‫خَذْتُه اْلِعّزُة ِبا ِْ‬‫َأ َ‬
‫سْلِم َكاّفًة‬ ‫خُلوا ِفي ال ّ‬ ‫ن آَمُنوا اْد ُ‬ ‫ف ِباْلِعَباِد)‪َ(207‬ياَأّيَها اّلِذي َ‬ ‫ل َرُءو ٌ‬ ‫ل َوا ُّ‬‫ضاِة ا ِّ‬ ‫اْبِتَغاَء َمْر َ‬
‫ن)‪ - (208‬البقرة ‪ /‬ج ‪ . 2‬أما العلمانية‬ ‫عُدّو ُمِبي ٌ‬ ‫ن ِإّنُه َلُكْم َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شْي َ‬
‫ت ال ّ‬‫طَوا ِ‬ ‫خُ‬ ‫ل َتّتِبُعوا ُ‬ ‫َو َ‬
‫فهي قائمة على منع تسييس الدين ولكن دون نفيه من المجتمع ‪ ،‬ومشكلتها ليست مع‬
‫الدين ولكن مع الذين ينسبونه لفرض " الحاكمية اللهية " واللهوت ‪ .‬ول شأن‬
‫للسلم بهذه الحاكمية اللهية ول باللهوت الذي يفضي إلى محاكم التفتيش وأحكام‬
‫الردة والتكفير‪(65).‬‬
‫قد أسست التجربة الغربية مفاهيم " المجتمع المدني " ومؤسساته كترياق‬
‫مضاد حتى ضد مثالب الممارسات الديموقراطية بمنطق " الغلبية " فأوجدت‬
‫ضمانات أكثر للنسان لضبط الديموقراطية نفسها ‪ .‬فالديموقراطية دون مؤسسات‬
‫المجتمع المدني يمكن أن تفضي لغتيال حقوق النسان فيما سنوضحه عن‬
‫التجربة السودانية وسقراط الذي شرب السم‪.‬‬
‫لو استطعنا تخليص الليات الغربية من مثالبها ‪ ،‬وكذلك تخليص‬
‫المفاهيم السلمية من مثالبها ‪ ،‬يمكن الخذ بآليات " شكل " الحكم الديموقراطي‬
‫الليبرالي العلماني المدني وتفعيل هذه الليات إسلميًا ‪.‬‬
‫خصوصًا وأن النظمة السلمية الراهنة ‪ ،‬سنية كانت او شيعية تقف‬
‫ل دون الفكر والجتهاد ‪ ،‬ول أريد أن أعطي " أمثلة " فأصبحنا نعيش ما بين "‬ ‫حائ ً‬
‫الستبداد من فوق " و" الصولية من تحت " حتى رأى البعض أن الخلص في "‬
‫العولمة المريكية " دون إدراك لطبيعة هذه العولمة ومثالبها ‪.‬‬
‫قد رفض الدكتور " كمال عبد اللطيف " )‪ (66‬من قبل توفيقية " خير‬
‫الدين التونسي " ما بين الشورى السلمية والديموقراطية الغربية ‪ ،‬فللشورى‬
‫منظومة مرجعية " شرعية إسلمية " تستدعي معها كل مكوناتها ‪ ،‬وللديموقراطية‬
‫بنائيتها المفارقة ‪ ،‬فالتونسي – في رأي عبد اللطيف يحطم نسق المرجعيتين معًا "‬
‫وكان بإمكان " عبد اللطيف " وهو يملك القدرات الفلسفية والمنهجية أن يعيد قراءة‬

‫‪59‬‬
‫السلم نفسه وبنهج جديد ‪ ،‬إذن لكتشف المقاربة ولكن على غير طريقة " التونسي‬
‫"‬
‫وعانى " أحمد واعظي ")‪ (67‬المّرين وهو يتطلع إلى الديموقراطية‬
‫والحرية والمجتمع المدني ‪ ،‬فهو يقارب من جهة ويحذر من جهة أخرى ‪ .‬وهكذا‬
‫ي حضور وحاكمية في‬ ‫كتب‪ " :‬ل يترقب في المحتمع المدني أن يكون للدين أ ّ‬
‫الميادين المختلفة ‪ ،‬وإنما الميزان لحضور واقتدار الدين فيه مرتبط بمدى نشاط‬
‫الجماعات الدينية وتأثيرها على الذهان العامة ‪ .‬المجتمع المدني هو ميدان‬
‫منافسة للفئات والفكار والعقائد ‪ ،‬وفي هذه المنافسة لم يجر أخذ أي امتياز خاص‬
‫لي فكر أو مبدأ ومذهب خاصين بنظر العتبار ‪ ،‬وكل الفكار والمدارس والعقائد‬
‫لديها مجال للمواجهة والمنافسة في ظروف متكافئة ‪ .‬ووفقًا لذلك ففي ظل توسعه‬
‫النشاط الجتماعي يظهر النجاح والحضور الفّعال في اجتذاب الذهان العاّمة من‬
‫خلل الفئات والتشكلت الدينية والتي يمكنها أن تجعل عملية وضع البرامج‬
‫والسياسات واتخاذ القرارات متأثرة بالتعاليم والمبادئ الدينية ‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫ل في إطار‬‫مساحة تدخل الدين في الساحة الحكومية والسياسية لن يكون ميسرًا إ ّ‬
‫ميدان المنافسة والمماسكة هذا ‪ ،‬ل أن هناك " حق أولوية " للدين في هذا المجال‬
‫من دون مثل هذه المنافسة ‪.‬إنه لمثير للتعجب أن تعتبر أطروحة المجتمع المدني‬
‫لدى بعض المدافعين عنها مقوية لموقع الدين في المجتمع ‪ " :‬إن المجتمع المدني‬
‫ليس بمثابة أمل غير قابل للحصول ‪ ،‬بل هو – كإنجاز بشري – أمر مطلوب‬
‫نسبيًا ‪ .‬إن هذا النجاز البشري ليس فقط ل يتعارض وأي تفسير للدين وإنما يمكن‬
‫القول بأنه أساس محكم للتدّين الواقعي لدى أفراد وآحاد المجتمع "‪.‬‬
‫يشتمل هذا الكلم على خطأين في رأي " الواعظي " ‪:‬‬
‫ل لحضور الدين في المجتمع –‬ ‫أوًل ‪ :‬بالرغم من أن المجتمع المدني يعطي مجا ً‬
‫ي تفسير للدين مع‬ ‫ل أن هذا ل يعني توافق أ ّ‬ ‫وليس لديه عنصر مواجهة معه – إ ّ‬
‫المجتمع المدني ‪ ،‬فهناك تفاسير للدين ل تحتمل التعددية الخلقية والسياسية‬
‫للمجتمع المدني كما ول تحتمل الشكاكية الخلقية وتريد الحاكمية للتعاليم والنظام‬
‫الخلقي والقيمي الديني في ساحة المجتمع ‪ .‬ومن هنا فالصحيح أن يقال ‪" :‬‬
‫المجتمع المدني ليس محاربًا للدين وهو منسجم مع بعض تفاسيره " ل أن أي‬
‫تفسير للدين يتقبل المجتمع المدني بكامل هويته ‪ .‬ويقصد واعظي – الوضعية‬
‫والباحة الليبرالية وقد حددنا موقفنا منها‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬إن فكرة المجتمع المدني" محايدة " فيما يتعلق بمسألة تقوية الدين وعدم‬
‫تقويته ‪ ،‬فالمجتمع المدني وبالتكاء على لزوم التعددية في الساحات المختلفة يهّيئ‬
‫فقط أرضية مساعدة لطرح أي نوع من التوجهات والعقائد كما يعطي الحق في‬
‫إرضاء الرغبات وملحقة المنافع المختلفة ‪ .‬فكما أنه يمنح الدين والجماعات‬
‫الدينية مجاًل فهو يؤمن أيضًا الرضية للتوجهات والعقائد غير الدينية بل وحتى‬
‫ح أن نحسب الحيادية على أنها تهيئة للرضية‬ ‫المضادة للدين‪ .‬وبتاء عليه ل يص ّ‬
‫وتحكيم لمباني الدين والتدّين ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ل زال " واعظي " يعيش حالة التذبذبات ولعل لمشكلة " أغاجاري "‬
‫المجتهد الصلحي في إيران والذي أراد البعض الحكم عليه بالعدام صداها في‬
‫دماغه ‪ ،‬وقد ظهر من بعد ذلك صراع المحافظين القابضين على المحاكم الشرعية‬
‫والصلحيين وانعكس على احتجاجات الطلب ‪.‬‬
‫يدرك " واعظي " فيما كتبه الخصائص اليجابية للمجتمع المدني ‪ ،‬بل‬
‫إنه خير من كتب في هذا الموضوع بعد الدكتور " علي حرب " ‪ ،‬غير أن خلفية‬
‫الواعظي اليديولوجية وبالذات الشيعية التي تلتزم " ولية الفقيه " و " عصمة‬
‫الئمة " تحول بين نفسه وعقلنيته ‪ ،‬فلو أعاد " واعظي " التفكير بطريقة منهجنا‬
‫لصبح أكثر ارتباطًا بالمجتمع المدني كضمانة للديموقراطية وحرية النسان ‪،‬‬
‫ويبقى بعد ذلك أن يمارس المسلمون التأثير على كل المجتمع وعلى السلطة بمنطق‬
‫الحوار والمثاقفة وليس الكراه والجبرية ‪.‬‬
‫فما المانع أن يمارس المسلمون تأثيرهم وفق ضانات التعبير والحرية‬
‫حتى في إطار الشورى والديموقراطية ؟ فرفض المجتمع المدني يصدر عن‬
‫أيديولوجية وليس عن معرفية قرآنية ويصدر عن تخوف من طرح السلم‬
‫للمناقشات العقلية في اطار التعدد والتنوع الفلسفي‪.‬‬
‫المجتمع المدني والديموقراطية) ديموقراطية المجلسين (‪:‬‬
‫ليس من ضمانة للديموقراطية ‪ ،‬وبالذات في المجتمعات المتخلفة‬
‫اقتصاديًا واجتماعيًا وفكريًا ) مرحلة ما قبل الصناعة ( والتي تهيمن عليها الولءات‬
‫الطائفية والعشائرية سوى الحضور الدستوري الفعال لمؤسسات المجتمع المدني‬
‫وقواه الجتماعية الحديثة‪.‬‬
‫قد نعلم وبالحصائيات التي تميز بين المجتمعات الريفية التقليدية‬
‫والمجتمعات الحضرية ‪ ،‬والتي تستخلص من بياناتها حجم القوى الجتماعية الحديثة‬
‫داخل المجتمعات الحضرية أن نسبة هذه القوى إلى كلية المجتمع ربما ل تتجاوز‬
‫‪ 17‬إلى ‪ % 20‬في أحسن الحالت ‪.‬‬
‫فهذه القوى الجتماعية الحديثة " المدنية " مهزومة حتمًا في أي مباراة‬
‫ديموقراطية مع القوى التقليدية بمنطق الصوت الواحد للناخب الواحد والتي تحكم‬
‫بمنطق " السلطة المطلقة = الغلبية " وبتجاوز حتى لمضامين الدستور ‪.‬‬
‫هنا ليس سوى قوى " المجتمع المدني الحديث " لضبط اليقاع‬
‫الديموقراطي حفاظًا على حرية التعبير وعلى المسار الديموقراطي نفسه‪.‬‬
‫فقوى المجتمع المدني تحتاج لتكريس مؤسسة دستورية خاصة بها توازي‬
‫الهيكل النيابي النتخابي الذي تغمره القوى التقليدية بأغلبيتها الميكانيكية في‬
‫المجتمعات المتخلفة ‪.‬‬
‫فالمطلوب في هذه الحالة تأسيس النظام الديموقراطي على مجلسين ‪:‬‬
‫مجلس نيابي على قاعدة الصوت الواحد للناخب الواحد ويناط به " حق التشريع "‬
‫لنه يمثل الشعب – ولكنه في الواقع – يمثل القوى التقليدية ول يمكن الحتجاج‬
‫على قراراته ديموقراطيًا ومن هنا تبرز النقلبات العسكرية‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫فلتفادي المواجهة بين قوى المجتمع المدني الحديث والقوى التقليدية ذات‬
‫الغلبية الميكانيكية يلزم إعطاء دور دستوري لقوى المجتمع المدني تجنبًا‬
‫للنقلبات وتكريسًا للمسار الديموقراطي ‪ ،‬وينتهي هذا المنطق بتأسيس مجلس‬
‫دستوري مواز للمجلس النيابي يضم " القوى الفئوية " في المجتمع من نقابات‬
‫واتحادات وجمعيات ذات تقل اجتماعي مدني وليس مجرد لفتات وملصقات ‪.‬‬
‫مهمة المجلس الفئوي المدني ترتبط " بحق النقض " لما تصدره الغلبية‬
‫التقليدية في البرلمان من قرارات تكون مضادة لصول الديموقراطية حين تجهض‬
‫حرية التعبير وتغتال حقوق الفراد والجماعات والمؤسسات ‪.‬‬
‫لهذا وأمام الزمات المتكررة في السودان ‪ ،‬نتيجة لهيمنة القوى التقليدية‬
‫باكثريتها الطائفية والريفية على البرلمان واتخاذها من آلية النتخاب الديموقراطي‬
‫مطية للوصول إلى " السلطة المطلقة " واغتيالها للديموقراطية دعوت لضرورة قيام‬
‫مجلس دستوري فئوي مواز يكون له " حق النقض " وبأغلبية الثلثين )‪ . (68‬فمهمة‬
‫قوى المجتمع المدني أن تستنفر كل فعالياتها الفئوية في مختلف المساحات‬
‫القتصادية والجتماعية الحديثة التي تسيطر عليها لفرض مجلسها الموازي على‬
‫البرلمان التقليدي ‪.‬‬
‫زيف الديمقراطية والقضاء الثيني‪:‬‬
‫لماذا رفض سقراط "الستئناف" وشرب السم؟!‬
‫يتغنى كثير من الناس‪ ،‬إلى يومنا هذا‪ ،‬بديمقراطية أثينا اليونانية القديمة حوالي‬
‫القرنين الرابع والخامس قبل الميلد بوصفها "النموذج الرقي"‪ :‬للشورى ‪ /‬وتبادل‬
‫الرأي‪ /‬وتداول السلطة‪.‬‬
‫غير أن هؤلء ل يتوقفون لدى الحكم القضائي الصادر بحق أحكم حكماء اليونان‬
‫وهو "سقراط" )‪ 399 – 469‬ق‪.‬م( بشرب السم إلى الموت‪ .‬ولم يكن مصدر الحكم‬
‫على سقراط هو سخريته من "آلهة" اليونان‪ ،‬فكثيرون قد سخروا منها دون أن ُيحكم‬
‫عليهم‪ ،‬بل أن مصدر الحكم هو إدانته "لسلطة الرعاع" و"مرجعيتهم" الدستورية‬
‫باسم الديمقراطية‪.‬‬
‫فديمقراطية أثينا لم تكن تقوم على "المساواة السياسية" بين مواطنيها البالغ عددهم )‬
‫‪ (400‬ألف – أربعمائة ألفًا – فمن أصل هذا العدد هناك حوالي ثمانين ألفًا من‬
‫"العبيد" المملوكين كسلع وأدوات "آدمية" لطبقة كاملة من التجار ومالكي السفن‪.‬‬
‫ل بعد جيل‪ ،‬وليس من حقه المشاركة في‬ ‫وهناك من وفد إلى المدينة واستقر بها‪ ،‬جي ً‬
‫"الكسيليزيا" أي "الجمعية العامة" ‪ -‬فهؤلء يماثلون ) البدون ( في الكويت ‪ -‬والتي‬
‫تقتصر عضويتها على المواطنين الحرار" وحتى هؤلء من المواطنين الحرار‬
‫الذين يبلغ عددهم )‪ (150‬ألفًا لم تكن سوى قلة منهم قادرة على المشاركة‪.‬‬
‫لهذا تحّول النظام السياسي للحكم في أثينا إلى "نظام فوضوي" يسيطر عليه‬
‫"الرعاع" باسم الستحقاق الديمقراطي والمواطنية الحرة‪ ،‬حتى أن المحكمة العليا‬
‫"الديكاستيرا" كانت تتألف من أكثر من ألف )‪(1000‬عضو‪ ،‬وكل عضو قاض‪،‬‬
‫ويتم اختيار هؤلء تبعًا لقائمة "المواطنين الحرار" وتبعًا للتسلسل البجدي في‬

‫‪62‬‬
‫السماء‪ .‬وقد سخر أحدهم من ذلك النظام القضائي وبرره بقوله‪" :‬قضاتنا يبلغون‬
‫اللف حتى تتعذر الرشوة"‪.‬‬
‫أصدرت المحكمة العليا "الديكاستيرا" حكمها بالعدام على سقراط‪ ،‬لنه "إصلحي"‬
‫أكثر من اللزم و"يفسد أفكار الشباب خاصة" بنقده لنظام الحكم من جهة وآلهة‬
‫اليونان التي تنسب لها "العصمة" من ناحية أخرى‪.‬‬
‫وكما جرت العادة فهناك "استئناف" مسموح به للمحكوم عليهم قبل تجرعهم السم‪،‬‬
‫وقد حاول "كريتو" المكلف بإعداد السم لسقراط دفع سقراط للتماس الستئناف‪،‬‬
‫غير أن سقراط قد رأى في طلبه الستئناف "إعترافًا بشرعية نظام حكم الرعاع" في‬
‫"الديكاستيرا" فرفض ذلك وتجرع السم‪.‬‬
‫لم تكن مشكلة النظام اليوناني مع الذين ينتقدون اللهة بل أكثر مع الذين ينتقدون‬
‫"النظام"‪ ،‬فكثيرون كانوا ينتقدون اللهة حتى من قبل سقراط وأثناء حياته وبعدها‬
‫ولم تصدر بحقهم الحكام‪ ،‬مثال "أنتيثيناس " و"أربستيبيوس" وليس انتهاء بمادية‬
‫"ديمقرطيس" والذي قال بأنه ل يوجد في الحقيقة شيء في هذا الكون سوى "الذرات‬
‫والفراغ"! ولكن العقوبة سرعان ما تسلط على من ينتقد "النظام"‪ ،‬والمحكمة العليا‬
‫"الديكاستيرا" بالذات وقضاتها "اللف" الذين كانوا يصادرون حتى قرارات‬
‫"الكسيليزيا" أو "الجمعية الوطنية" أو مجلس "الشورى" أو "البرلمان"‪.‬‬
‫مجتمع الطاعة والعبيد‪:‬‬
‫بمعزل عن الدعاوى الديماغوغية الغوغائية التي اكتسبتها زورًا الديمقراطية‬
‫اليونانية ومجالسها "الشورية" فقد كان قيام المجتمع الثيني على "الطبقية" ) أولي‬
‫المر فيكم( واضطهاد "ثمن" عددية السكان من العبيد هو "الساس اليديولوجي"‬
‫للستبداد السياسي ومصادرة الخر‪ ،‬تعبيرًا ورأيًا‪.‬‬
‫فليففس المهففم هففو "الشففكل" الشففوري للنظمففة السياسففية ولكففن المهففم هففو‬
‫"الساس اليديولوجي" الجتماعي والمفهومي الذي ُتبنى عليففه‪ ،‬و"نوعيففة" القففائمين‬
‫على "أمر النظفام"‪ ،‬فالسفاس اليفديولوجي الثينفي كفان "عبوديفًا" يففرض الطاعفة‬
‫ويفترضها على أحراره "أيديولوجيًا" كما على عبيدة "طبقي فًا" ولهففذا تجففرع سففقراط‬
‫السم ورفض "الستئناف"‪ .‬لهذا قلنا بضرورة ايجاد دور دستوري للمجتمع المدني ‪.‬‬
‫بالطبع هناك سوابق لديموقراطية المجلسين ‪ ،‬ففي بريطانيا مجلس للعموم‬
‫ومجلس للوردات ‪ ،‬وفي أمريكا مجلس للنواب ومجلس للشيوخ ‪ ،‬غير أن تكوين‬
‫المجلسين " اللوردات" في بريطانيا و " الشيوخ " في أمريكا ل يؤديان أهداف‬
‫المجتمع المدني إن لم يكونا يناقضانه ‪ ،‬لهذا ل يمكن استعارة هذه الثنائية في‬
‫مجتمعاتنا التي تحتاج ديموقراطياتها إلى دور فعال للمجتمع المدني‪.‬‬
‫وقد كان السودان يحكم وفق دستور ‪ 1956‬م ) المؤقت ( بمجلسين‬
‫للنواب والشيوخ غير أن القوى الطائقية والتقليدية ما لبثت أن انقلبت على هذا‬
‫الدستور وألغت بأغلبيتها الميكانيكية وسلطتها " المطلقة " – " فوق الدستور " هذا‬
‫المجلس لن المادة ‪ 44‬من الفصل الخامس تجيز لمجلس الشيوخ " حق رفض‬
‫مشاريع القوانين التي يجيزها مجلس النواب" وقد ألغي هذا المجلس فقط لن لديه‬
‫صلحية مراجعة قرارات البرلمان ‪ ،‬ثم دخل السودان في متاهات دستورية وصلت‬

‫‪63‬‬
‫إلى " تشريع لهوتي " طرد بموجبه نواب منتخبون من داخل البرلمان بعد اتهامهم‬
‫باللحاد ‪ ،‬فعدلت مادة مؤهلت العضوية رقم ) ‪ ( 46‬والتي تكفل حرية تكوين‬
‫الحزاب والهيئات لتقيدها إلى اليمان بال وذلك بتاريخ ‪ 18/11/1965‬م وطرد‬
‫بموجب ذلك أحد عشر نائبًا منتخبًا بتاريخ ‪ 8/12/1965‬م وحين أصدرت المحكمة‬
‫العليا قرارها القاضي ببطلن هذه الجراءات البرلمانية التعسفية بتاريخ‬
‫‪ 22/12/1966‬م وهي الجهة المناط بها تفسير الدستور رفض مجلس الرئاسة‬
‫الحكم وأصدر بيانًا بتاريخ ‪ 19/4/1967‬م يدين فيه حكم المحكمة العليا مما دفع‬
‫رئيس القضاء لتقديم استقالته بتاريخ ‪ 17/5/1967‬م وهكذا فتح الطريق لنقلب‬
‫نميري في ‪ 25/5/1969‬م وقد قيل أنه انقلب ضد " الديموقراطية " وفي الحقيقة‬
‫كان انقلبًا ضد " النيابة الريفية التقليدية " ولكنه كان البديل السوأ في تاريخ‬
‫السودان كله‪.‬‬
‫فضمانة الديموقراطية هي في وجود المجلس الفئوي الموازي الذي يملك‬
‫صلحيات النقض لمثل ما صدر من قرارات لهوتية ‪ ،‬وحفاظًا على الديموقراطية‬
‫نفسها ول زال هذا موقفي حتى اليوم‪.‬‬
‫إن عصرنا الراهن – كما ذكرنا – هو عصر الدولة " الوطنية " وليس "‬
‫الثيوقراطية " ‪ ،‬وهو عصر آخذ بالتعددية والحتكام للرأي في نطاق الحرية ‪ .‬وحين‬
‫بشر ال بظهور " الهدى ودين الحق " فإن البشارة اتجهت الى " المنهج الفكري "‬
‫– الهدى ودين الحق – ولم يستخدم ال اظهار " السلم " مع ان الهدى ودين الحق‬
‫يستند الى السلم وكونية القرآن فليس من هدى ودين للحق خارج القرآن كما بينا‬
‫في اسلمية المعرفة ‪.‬‬
‫لم يشر ال لهذا الظهار رجوعًا الى الجهاد وشرعة السيف التي شرحنا‬
‫ل وحوارًا مع كافة المناهج‬ ‫إطارها في تشكيل " المة الوسط " وإنما جعلها جدا ً‬
‫المعرفية والنساق الحضارية ‪ ،‬كما أوضحنا في سورة ) التوبة ‪ -‬اليتان –‬
‫‪ - 32/33‬ج ‪ ( 10‬وفي ) الفتح – الية – ‪ ( 28‬وفي ) الصف – اليتان ‪ 8‬و‬
‫‪.( 9‬‬
‫لم يقل ال ليطفئوا نور ال بغزوهم واسلحتهم وإنما بأفواههم إشارة إلى‬
‫الفلسفات والفكار ‪ ،‬فالمدافعة هنا بالمنطق والحجة بعد انقضاء مرحلة النبوة‬
‫والرسالة الخاتمة وشرعة السيف في المة الوسط ‪.‬‬
‫والحوار يحتاج إلى حرية ومجتمع مدني إذ أن أولى الضرورات ومن‬
‫قبل الحوار مع الخرين تأسيس القواعد المنهجية الجديدة لعادة فهم الدين نفسه‬
‫وتحديد خطابه في موازاة مجتمع يأخذ بضوابط المنهجيات المعاصرة ‪ .‬فالمطلوب‬
‫هو إعادة قراءة التراث وتصحيحه ‪ ،‬وإعادة قراءة منهجيات الغرب ‪ ،‬وبذلك يكون‬
‫حوار " الفواه واللسنة والعقول " لظهار الهدى ودين الحق ‪(69).‬‬
‫كان بإمكان ال أن يقول " إظهار السلم " – ليظهر السلم على الدين‬
‫ل ِمْنُه َوُهَو ِفي‬
‫ن ُيْقَب َ‬
‫لِم ِديًنا َفَل ْ‬‫سَ‬‫لْ‬ ‫غْيَر ا ِْ‬
‫ن َيْبَتِغ َ‬
‫كله ‪ ،‬فالسلم هو دين الحق ‪َ .‬وَم ْ‬
‫سَلَم‬
‫ن َأ ْ‬
‫ن ِديًنا ِممّ ْ‬
‫سُ‬ ‫حَ‬‫ن َأ ْ‬‫ن)‪ – (85‬آل عمران ‪ /‬ج ‪ .3‬وكذلك‪َ :‬وَم ْ‬ ‫سِري َ‬‫خا ِ‬
‫ن اْل َ‬
‫خَرِة ِم ْ‬‫لِ‬‫اْ‬
‫ل)‪– (125‬‬ ‫خِلي ً‬
‫ل ِإْبَراِهيَم َ‬ ‫خَذ ا ُّ‬
‫حِنيًفا َواّت َ‬
‫ن َواّتَبَع ِمّلَة ِإْبَراِهيَم َ‬‫سٌ‬‫حِ‬ ‫ل َوُهَو ُم ْ‬‫جَهُه ِّ‬‫َو ْ‬

‫‪64‬‬
‫ت َلُكمْ‬ ‫ضي ُ‬ ‫عَلْيُكْم ِنْعَمِتي َوَر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ت َلُكْم ِديَنُكْم َوَأْتَمْم ُ‬ ‫النساء ‪ /‬ج ‪ . 5‬وكذلك ‪ :‬اْلَيْوَم َأْكَمْل ُ‬
‫حيٌم)‪– (3‬‬ ‫غُفوٌر َر ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬‫لْثٍم َفِإ ّ‬
‫جاِنفٍ ِ‬ ‫غْيَر ُمَت َ‬ ‫صٍة َ‬ ‫خَم َ‬ ‫طّر ِفي َم ْ‬ ‫ضُ‬ ‫نا ْ‬ ‫لَم ِديًنا َفَم ْ‬ ‫سَ‬ ‫لْ‬ ‫ا ِْ‬
‫ل أن يريد البعض المزايدة على الكتاب فقد‬ ‫المائدة ‪ /‬ج ‪ .6‬هذا هو منطق الكتاب إ ّ‬
‫أراد ال التوجه نحو " المنهج – الهدى ودين الحق " وليس نحو المسمى وذلك‬
‫لتجاوز العصبويات اليديولوجية التي تقود إلى صدام الحضارات وصراع الديانات‬
‫ومن هنا طرحنا " الرؤية الكونية " و " الجدلية الثلثية – الغيب والنسان والطبيعة‬
‫" كمرادف فلسفي " لسلمية المعرفة " ‪ ،‬وبّينا بذات الوقت ضرورة المرجعية‬
‫القرآنية ككتاب كوني مطلق معادل لمطلق النسان وللوجود الكوني وحركته‪.‬‬
‫فاسلمية المعرفة " مرحلة " يستوثق فيها المسلمون من دينهم " السلم‬
‫ل عالميًا للهدى ودين الحق كمنهج‬ ‫" ولكن من بعد إعادة القراءة ‪ ،‬ثم تكون مدخ ً‬
‫ل أن يعمد ال لستبدال هذه المة بغيرها كما هدد الميين العرب حيث‬ ‫كوني ‪ .‬إ ّ‬
‫تباطأو عن " النفرة "‪ .‬كما هدد السيد المسيح عيسى بني اسرائيل حين ادعوا أن ال‬
‫لهم من دون الناس لنهم أبناء ابراهيم فقال لهم إن ال قادر على أن يخلق من‬
‫الحجارة أبناء لبراهيم‪.‬‬
‫فالحوار هو مدخل اسلمية المعرفة وليس الجهاد ‪ ،‬كما أن اسلمية‬
‫المعرفة ل تدمغ أي مسلم بالتكفير أو التجهيل ‪ ،‬بل ول تدمغ يهودي أو نصراني‬
‫بذلك ‪ ،‬فال – نفسه – سبحانه وتعالى قد عاتب النصارى واليهود على تكفيرهم‬
‫س ْ‬
‫ت‬ ‫ت اْلَيُهوُد َلْي َ‬ ‫بعضهم لبعض ‪ ،‬مشيرًا إلى أنهم يتلون الكتاب بما يمنع التكفير‪َ .‬وَقاَل ْ‬
‫ن اْلِكَتا َ‬
‫ب‬ ‫يٍء َوُهْم َيْتُلو َ‬ ‫ش ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ت اْلَيُهوُد َ‬ ‫س ْ‬ ‫صاَرى َلْي َ‬ ‫ت الّن َ‬ ‫يٍء َوَقاَل ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫الّن َ‬
‫حُكُم َبْيَنهُْم َيْوَم اْلِقَياَمِة ِفيَما َكاُنوا ِفيِه‬ ‫ل َي ْ‬ ‫ل َقْوِلِهْم َفا ُّ‬‫ن ِمْث َ‬‫ل َيْعَلُمو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل اّلِذي َ‬ ‫ك َقا َ‬‫َكَذِل َ‬
‫ن)‪ – (113‬البقرة ‪ /‬ج ‪ .1‬وليس من دالة قرآنية على منع تكفير النصارى‬ ‫خَتِلُفو َ‬ ‫َي ْ‬
‫والمسيحيين أكبر من هذه الية وخصوصًا قد قارب ال بين منطق تكفيرهم لبعضهم‬
‫ومنطق الذين ل يعلمون حيث قالوا مثل قولهم بأنهم ليسوا على شيء مطلقًا‪.‬‬
‫وفي إطار هذه الية " المحكمة " تتجه الدانة اللهية لما اخذ من تحريف‬
‫ودس على أصول التوراة والنجيل ‪ ،‬فالدانة للتحريف وليس لصل اليمان‬
‫ن َقاُلوا ِإنّ ا َّ‬
‫ل‬ ‫المسيحي واليهودي حيث الكفر " مبالغة " و " غلو " ‪َ .‬لَقْد َكَفَر اّلِذي َ‬
‫ن َمْرَيَم‬ ‫ح اْب َ‬‫سي َ‬‫ك اْلَم ِ‬‫ن ُيْهِل َ‬‫ن َأَراَد َأ ْ‬ ‫شْيًئا ِإ ْ‬
‫ل َ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫ك ِم ْ‬ ‫ن َيْمِل ُ‬‫ل َفَم ْ‬‫ن َمْرَيَم ُق ْ‬ ‫ح اْب ُ‬‫سي ُ‬ ‫ُهَو اْلَم ِ‬
‫شاُء‬ ‫ق َما َي َ‬ ‫خُل ُ‬
‫ض َوَما َبْيَنُهَما ي ْ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ت َوا َْ‬‫سَماَوا ِ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ل ُمْل ُ‬‫جِميًعا َو ِّ‬ ‫ض َ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ن ِفي ا َْ‬ ‫َوُأّمُه َوَم ْ‬
‫عَزْيٌر اْب ُ‬
‫ن‬ ‫ت اْلَيُهوُد ُ‬ ‫يٍء َقِديٌر)‪ – (17‬المائدة ‪ /‬ج ‪ .6‬وكذلك‪َ :‬وَقاَل ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ُك ّ‬ ‫ل َ‬ ‫َوا ُّ‬
‫ن َكَفُروا‬ ‫ل اّلِذي َ‬‫ن َقْو َ‬‫ضاِهُئو َ‬ ‫ك َقْوُلُهْم ِبَأْفَواِهِهْم ُي َ‬ ‫ل َذِل َ‬‫ن ا ِّ‬‫ح اْب ُ‬ ‫سي ُ‬‫صاَرى اْلَم ِ‬ ‫ت الّن َ‬ ‫ل َوَقاَل ْ‬ ‫ا ِّ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫حَباَرُهْم َوُرْهَباَنُهْم َأْرَباًبا ِم ْ‬ ‫خُذوا َأ ْ‬ ‫ن)‪(30‬اّت َ‬ ‫ل َأّنى ُيْؤَفُكو َ‬ ‫ل َقاَتَلُهْم ا ُّ‬ ‫ن َقْب ُ‬‫ِم ْ‬
‫عّما‬‫حاَنُه َ‬ ‫سْب َ‬
‫ل ُهَو ُ‬ ‫ل ِإَلَه ِإ ّ‬
‫حًدا َ‬ ‫ل ِلَيْعُبُدوا ِإَلًها َوا ِ‬ ‫ن َمْرَيَم َوَما ُأِمُروا ِإ ّ‬ ‫ح اْب َ‬‫سي َ‬‫َواْلَم ِ‬
‫ن)‪ – (31‬التوبة ‪ /‬ج ‪ .10‬فما اتوا به من " كفر "ضاهاه ال بميزان كفر‬ ‫شِرُكو َ‬ ‫ُي ْ‬
‫مماثل إشارة إلى الذين قالوا إن ال – سبحانه – هو ذات المسيح وليس فقط ابنه‬
‫‪.‬فاليهود قد بالغوا في التنزيه ‪ ،‬والمسيحيون في التجسيد ‪ ،‬في حين أن ال يرد‬
‫التنزيه المطلق إلى " الذات اللهية " و " عالم المر " إذ ) ليس – ك – مثله‬
‫شيء (‪ .‬فصفات الشيئية ل تنطبق على ذاته المنزهة ‪ .‬ولم تقل الية ‪ " :‬ليس مثله‬

‫‪65‬‬
‫شيئًا " فيكون شيئًا في ذاته ولكن ل مماثل له في شيئيته فأتى ‪ /‬بالكاف ‪ /‬ليس كمثله‬
‫شيء ‪ .‬ثم استخدم " التشبيه " من عالم الصفات ) وهو السميع البصير ( وليس‬
‫التجسيد ‪ ،‬فالصفات هنا " مقدسة " ليست كصفات البشر من حيث السمع والبصار‬
‫ل َلُكْم ِم ْ‬
‫ن‬ ‫جَع َ‬‫ض َ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ت َوا َْ‬ ‫سَماَوا ِ‬ ‫طُر ال ّ‬ ‫ومن ذلك تكليم ال لموسى من وراء حجاب‪َ :‬فا ِ‬
‫سِميُع‬ ‫يٌء َوُهَو ال ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫س َكِمْثِلِه َ‬ ‫جا َيْذَرُؤُكْم ِفيِه َلْي َ‬ ‫لْنَعاِم َأْزَوا ً‬ ‫ن ا َْ‬ ‫جا َوِم ْ‬ ‫سُكْم َأْزَوا ً‬ ‫َأْنُف ِ‬
‫ك ِم ْ‬
‫ن‬ ‫عَلْي َ‬‫صَناُهْم َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ل َقْد َق َ‬ ‫سً‬‫صيُر)‪ – (11‬الشورى ‪ /‬ج ‪ .25‬وتكليم موسى‪َ :‬وُر ُ‬ ‫الَب ِ‬
‫سى َتْكِليًما)‪ – (164‬النساء ‪ /‬ج ‪. 6‬‬ ‫ل ُمو َ‬ ‫ك َوَكّلَم ا ُّ‬ ‫عَلْي َ‬
‫صُهْم َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ل َلْم َنْق ُ‬ ‫سً‬ ‫ل َوُر ُ‬ ‫َقْب ُ‬
‫فالتكليم قدسي ل يصدر عن " لسان " وكذلك الخلة في حال إبراهيم فهي قدسية ول‬
‫سٌ‬
‫ن‬ ‫حِ‬ ‫ل َوُهَو ُم ْ‬ ‫جَهُه ِّ‬ ‫سَلَم َو ْ‬ ‫ن َأ ْ‬‫ن ِديًنا ِمّم ْ‬ ‫سُ‬‫حَ‬ ‫ن َأ ْ‬ ‫تعني " الحلول " في ذات إبراهيم ‪َ .‬وَم ْ‬
‫ل)‪ – (125‬النساء ‪ /‬ج ‪.5‬‬ ‫خِلي ً‬‫ل ِإْبَراِهيَم َ‬ ‫خَذ ا ُّ‬ ‫حِنيًفا َواّت َ‬ ‫َواّتَبَع ِمّلَة ِإْبَراِهيَم َ‬
‫فالذين يكّفرون المسلمين الن من غلة الصوليين والمتطرفين ‪،‬‬
‫ويدمغونهم كما يدمغون الحضارة الغربية ) المسيحية والعلمانية ( بالجاهلية ‪ ،‬عليهم‬
‫أن يعيدوا تدبر القرآن ‪ ،‬فالنصارى على شيء من اليمان وما يغالون فيه هو كفر‬
‫محدد‪ ،‬واليهود على شيء من اليمان وما يغالون فيه هو كفر محدد ‪ ،‬والكفر‬
‫مغالة وظلمة عقل دامس ‪ ،‬والصوليون المتطرفون لو تدبروا القرآن لدركوا أن‬
‫فيهم كفرًا وليس في الخرين ‪ ،‬فل يبقى لهم من اليمان إل أنهم على " شيء " منه‬
‫تمامًا كحال اليهود والنصارى ‪ .‬وبهذا " الشيء " الذي بقي للصوليين من السلم‬
‫نهرع الى محاورتهم إذا جنحوا للمنطق كما نحاور اليهود والنصارى حتى يظهر ال‬
‫الهدى ودين الحق على الدين كله‪.‬‬
‫ومع ضرورة التمييز القاطع بين " المشركين " وهم " نجس " وبين‬
‫المؤمنين من النصارى واليهود الذين هم على " شيء " وإن لم يكن مطلقًا ‪ .‬فقد ميز‬
‫ال تمييزًا قاطعًا بين المؤمنين من الكتابيين وبين المشركين ‪ ،‬وأدرج في طوائف‬
‫صاَرى‬ ‫ن َوالّن َ‬ ‫صاِبِئي َ‬‫ن آَمُنوا َواّلِذينَ َهاُدوا َوال ّ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫المؤمنين الصائبة والمجوس ‪ِ :‬إ ّ‬
‫يٍء‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ُك ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫ل َبْيَنُهْم َيْوَم اْلِقَياَمِة ِإ ّ‬‫صُ‬ ‫ل َيْف ِ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫شَرُكوا ِإ ّ‬ ‫ن َأ ْ‬‫س َواّلِذي َ‬ ‫جو َ‬ ‫َواْلَم ُ‬
‫شِهيٌد)‪ – (17‬الحج ‪ /‬ج ‪ . 17‬وقدر ال أن يمد رحمته ومغفرته لكل من آمن ولو "‬ ‫َ‬
‫ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َ‬
‫ن‬ ‫شَر َ‬ ‫ن ُي ْ‬‫ل َيْغِفُر َأ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫على شيء " واستثنى المشركين فقط ‪ِ .‬إ ّ‬
‫ظيًما)‪ – (48‬النساء ‪ /‬ج ‪.5‬‬ ‫عِ‬ ‫ل َفَقْد اْفَتَرى ِإْثًما َ‬ ‫ك ِبا ِّ‬ ‫شِر ْ‬ ‫ن ُي ْ‬ ‫شاُء َوَم ْ‬ ‫ن َي َ‬
‫ك ِلَم ْ‬
‫َذِل َ‬
‫ك ِبا ِّ‬
‫ل‬ ‫شِر ْ‬ ‫ن ُي ْ‬ ‫شاُء َوَم ْ‬ ‫ن َي َ‬‫ك ِلَم ْ‬
‫ن َذِل َ‬ ‫ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن ُي ْ‬ ‫ل َيْغِفُر َأ ْ‬‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫وكذلك‪ِ :‬إ ّ‬
‫طاًنا‬‫شْي َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ِإ ّ‬‫عو َ‬ ‫ن َيْد ُ‬ ‫ل ِإَناًثا َوِإ ْ‬
‫ن ُدوِنِه ِإ ّ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫عو َ‬‫ن َيْد ُ‬ ‫ل َبِعيًدا)‪ِ(116‬إ ْ‬ ‫لً‬ ‫ضَ‬ ‫ل َ‬ ‫ضّ‬ ‫َفَقْد َ‬
‫َمِريًدا)‪ -(117‬النساء ‪ /‬ج ‪.5‬‬
‫مميزات المجلسين ‪:‬‬
‫قد أوضحنا مأساة سقراط الذي اتهم بإفساد عقول الشباب وتنكره لللهة فحكم عليه‬
‫بالموت بتجرع السم ‪ ،‬وقبل ذلك ورفض الستئناف ‪ .‬ذلك كان حكم " أغلبية " ونهج‬
‫" ديموقراطي " لهذا فإن الديموقراطية تحتاج إلى " ضمانة " تكفل حقوق الناس‬
‫وحرياتهم وليس من ضمانة سوى قوة المجتمع المدني بالرغم مما ذكره " الواعظي‬
‫" فمثالب " الواعظي " تكمن في عدم قدرته على رؤية الجانب الخر في المنظومة‬

‫‪66‬‬
‫السلمية المنهجية لنظام الحكم ‪ ،‬إذ حاور مفاهيم المجتمع المدني تأسيسًا على‬
‫مفاهيم نظام الحكم الراهن في إيران ‪.‬‬
‫والمشففكلة نفسففها تجففاه المجتمففع المففدني والعلمانيففة قائمففة فففي السففودان ‪ ،‬فالدولففة‬
‫السودانية – الن –ثيوقراطية آخذة بمفهوم " الحاكمية اللهية " ول تمارس " حقوق‬
‫المواطنية المتكافئة دستوريًا ‪ -‬وليففس فففي دسففتورها السففلمي نصوص فًا تكفففل حففق‬
‫المعارضة والحتجاج ‪ -‬و " مفهوم " أهل الذمة " راسخ في ل وعيها ‪ ،‬فتصريحات‬
‫السففلطة السياسففية عففن " التعدديففة " تصففريحات مموهففة ‪ ،‬ومبففدأ الحريففة يصففطدم‬
‫برؤيتها اللهوتية الحادية ‪ ،‬غير أنها ل تحس بالمشكلة وضرورة طرحها كإشففكالية‬
‫كما يحففس " العظمففي " ولهففذا طرحففت " علمانيففة العاصففمة القوميففة فففي السففودان‬
‫ضرورة إسلمية " ‪.‬‬
‫يختصففم الفريقففان – حكومففة النقففاذ وحركففة قرنففق – علففى "علمانيففة"‬
‫الخرطوم أو "تّدينها" بوصفها عاصمة "قومية" حيفث مرتكفزات الدولفة "التحاديفة"‬
‫ومؤسساتها "الدستورية العليا"‪.‬‬
‫بهذا المنطق يرى الدكتور "قرنق" أن تكون الخرطوم "ملكًا للجميع"‪ ،‬وبما أن‬
‫البعض من هذا الجميع من بين الجنوبيين خاصة غير ملتزم بالدين السلمي‬
‫وشريعته فالمطلوب هو علمانية العاصمة الخرطوم بحكم "قوميتها"‪.‬‬
‫وخلفًا لهذا المنطق يرى فريق "النقاذ" أن الخرطوم هي بالساس "شمالية" بما‬
‫يرادف "مسلمة عربية" أو حتى مسلمة عربية وإفريقية‪ .‬وبالتالي ل مجال فيها‬
‫للعلمانية‪ ،‬على أن يعيش فيها العلمانيون ولكن مع "مراعاة آدابها" وأن يمارسوا‬
‫بحريتهم الكاملة ما يريدونه من العلمانية في عاصمة الجنوب "جوبا"‪ .‬فما يرفضه‬
‫ل وجنوبًا هو تطبيق الحدود وبالذات ما يختص منها‬ ‫العلمانيون في السودان شما ً‬
‫بالجلد والرجم وقطع اليدي والطراف والتي بينا أنها حدود ل شرعية لها في‬
‫السلم باستثناء جلد الزاني حيث يتعذر اثبات الزنا وحتى فيما نسب للرسول‬
‫) زورًا ( من تطبيق لحد الزنا فإنما جاء نتيجة ) اعتراف طوعي ( – فيما يزعمون‬
‫– للزناة وليس بالشهادة عليهم وهكذا كذبوا ول زالوا يكذبون‪.‬‬
‫ويرفض دعاة العلمانية في السودان الخذ بمرجعية النقاذ وأحكامه في‬
‫الرقابة على "الفكر" و"السلوك العام"‪ ،‬ويتخذون – عوضًا عن ذلك – من المواثيق‬
‫الدولية لحقوق النسان مرجعية لهم‪.‬‬
‫هؤلء "يحييدون" الدين عن السياسة وليس عن المجتمع بمنطق الفيلسوف‬
‫الفرنسي المؤمن "فولتير – ‪ ،"1778 / 1694‬فقد كان من أشد المؤمنين بال –‬
‫سبحانه‪ ،‬ومن أشد الناس خصومة للكتابات "اللحادية" ولهذا قدم نقدًا لكتابات‬
‫"سبينوزا" التي "أّلهت الكون" فاتهمه باللحاد السخيف في كتابه "الفيلسوف‬
‫الجاهل"‪.‬‬
‫غير أن فولتير كان يكره "الكهنة" وما وضعوه من "لهوت" يخرق أبسط مقولت‬
‫العقل‪ ،‬ولهذا قال قولته المشهورة‪" :‬إن اللهوت هو ثمرة لقاء أول كاهن )محتال(‬
‫بأول )أحمق( من البشر"‪ .‬ولهذا رفض القيام بطقوس "العتراف الكاثوليكي" لدى‬
‫ل من ذلك العبارة التالية‪" :‬أموت على عبادة ال‪،‬‬ ‫احتضاره بين يدي قسيس وأملى بد ً‬

‫‪67‬‬
‫ومحبة أصدقائي‪ ،‬وكراهية أعدائي‪ ،‬وّمقتي للخرافات والحكام والساطير )الدخيلة(‬
‫على الدين – الوفاة مع الورقة – تاريخ ‪ 28‬فبراير ‪1778‬م‪ .‬وبالطبع رفضوا دفن‬
‫جثمانه في مدافن المسيحيين قبل عام من اندلع الثورة الفرنسية‪.‬‬
‫تلمذة فولتير من مثقفي الشمال السوداني "يحييدون" الدين عن "السياسة" ولكنهم‬
‫يبقون عليه في "المجتمع"‪ .‬وكذلك "قرنق" ل يستطيع منع "عبادة الرواح‬
‫والسلف" حتى في عاصمته العلمانية في "جوبا"‪.‬‬
‫وهؤلء خير من "الوضعيين" أو تلمذة "أوجست كونت – ‪ (1857 / 1798‬الذي‬
‫عمد "لطرد" الدين من "المجتمع" والعقل البشري وطرد كل تفكير ميتافيزيقي ورائي‬
‫ما فوق الطبيعة‪ ،‬على أساس أن تطور العقل النساني ينتهي إلى "الوضعية" من بعد‬
‫"الخرافة الدينية" ثم التأملت الماورائية في الطبيعة‪.‬‬
‫ليس في السودان تلمذة لوجست كونت‪ ،‬وحتى الذين يدعون الشيوعية يصلون‬
‫ويصومون‪ ،‬فالطبع يغلب التطبع‪ ،‬ومعظم الشيوعيين في السودان يذهبون إلى الحج‬
‫والعمرة بعد سن الستين‪ ،‬أو حين يتحولون إلى رأسماليين‪ ،‬فهم أقرب إلى الخذ‬
‫بمفهوم "جدل الواقع" في التناقضات والصراعات الجتماعية منهم إلى "المادية‬
‫الجدلية"‪ .‬وبالذات أمينهم العام الستاذ "محمد إبراهيم نقد"‪ .‬وقد كان "عبد الخالق‬
‫محجوب" المين العام السابق والذي أعدم إثر انقلب ‪ 19‬يوليو ‪" 1971‬مثقفًا‬
‫سياسيًا" أكثر منه "عقائديًا )رحمه ال(‪.‬‬
‫إذن ليس هناك رفض بمنطق العلمانية للدين في المجتمع‪ ،‬ل في العاصمة القومية‬
‫الخرطوم‪ ،‬حيث يصلي الشيوعيون ول حتى في "جوبا" حيث تسيطر روح السلف‬
‫وعبادة الرواح‪.‬‬
‫ولكن الرفض وكل الرفض هو للكيفية التي "وظف" بها الدين "سياسيًا وسلطويًا"‪،‬‬
‫بحيث تم تحويل الدين من كونه معرفة بال – سبحانه – وبأحكامه وعبادة له‪ ،‬إلى‬
‫"أيديولوجيا" مهمتها "السيطرة" على البشر من أجل "السلطة"‪ ،‬وتعبيد الناس‬
‫للسلطة وليس ال – سبحانه وتعالى ‪ ،‬وفرض أحكام الردة والتكفير وكل ما في‬
‫الشرعة اليهودية من " إصر واغلل " على المسلمين‪.‬‬
‫فالصراع الحقيقي ليس بين العلمانيين والدين ولكنه صراع بين كل الناس وأولئك‬
‫الذين تحّولوا بالدين إلى أيديولوجية سلطوية يعّبدون بموجبها الناس لهم ‪ .‬فالذين‬
‫يؤدلجون الدين سياسيًا إنما "يسلطنونه" – من تسلط – ويتحولون به إلى "أحكام‬
‫سلطانية" تعزز حاكميتهم هم على حساب "حاكمية الكتاب – القرآن" المرتبطة‬
‫بحاكمية البشر وحرية الرأي وتفعيل الوعي الثلثي )السمع والبصار والفئدة (‪ .‬إذ‬
‫دائمًا نجد التلزم الفقهي عبر التاريخ ما بين أدلجة الدين سياسيًا لصالح السلطة‬
‫وما بين الخذ بشرائع الصر والغلل التي تضيق مساحات السلوك الجتماعي‬
‫والحرية العقلية بالنسبة للمؤمن‪ ،‬بحيث تفرض في النهاية الطاعة العمياء للنظمة‬
‫التي تتلبس الدين‪.‬‬
‫أمام هذا الواقع المرير الذي سكب فيه مداد الدين "الطاهر" في قارورة اليديولوجيا‬
‫السلطوية "النجسة" فل مهرب للعقلنية السلمية وتعّبدها إل إلى "العلمانية"‬
‫و"الليبرالية" حيث "تحتمي" بهما من شرائع الصر والغلل‪ .‬ولهذا فإن علمانية‬

‫‪68‬‬
‫الخرطوم وليبراليتها "مخرج ديني" و"دار لجوء" لمن ينشدون "الهدي ودين‬
‫الحق" وذلك بالرغم من مآرب بعض العلمانيين‪ ،‬والليبراليين لجعلها "مفسدة"‬
‫والمجتمع المدني كفيل بتطويق مثل هذه النزعات ‪.‬‬
‫بل إن شرائع "النقاذيين" في الخرطوم‪ ،‬عدا كونها شرائع إصر وأغلل‪ ،‬فإنها‬
‫شرائع ل تقر حتى "حقوق الحتجاج" و "المعارضة" لكل ما يخالف رأيها فليس في‬
‫الدستور " السلمي " السوداني مادة واحدة تقر " حقوق الحتجاج " ‪ ،‬عدا تحولها‬
‫بالقتصاد إلى "نهج ربوي" بمنطق "المرابحة"‪ ،‬وتحولها بحاكمية الكتاب القرآني‬
‫إلى حاكمية "حزب" من فوقه" طبقة"‪.‬‬
‫مقابل ذلك فالعلمانية خير وبركة ورحمة إلى أن يظهر ال – سبحانه – الهدي ودين‬
‫ل‪(70).‬‬ ‫الحق على الدين كله‪ ،‬وكفى بال وكي ً‬
‫قد قبل يومًا لحد علماء المالكية في المغرب وقد استجلب كلبًا لحراسة داره أما تعلم‬
‫أن المام مالك قد نها إل عن كلب الصيد‪ ،‬فقال‪ :‬لو حضر المام مالك – رضوان‬
‫ال عليه – زماننا هذا لستجلب أسدًا‪ .‬وكذا "العلمانية" فهي "أسدنا" إلى أن يهدي‬
‫ال – سبحانه – قومنا ‪.‬‬
‫خاتمة ‪:‬‬
‫وليس من ختام مسكي سواء أن نأتي بخطبة الوداع )‪ (71‬التي أطلق‬
‫خاتم الرسل والنبيين الخطاب فيها لكل الناس ‪ ،‬وهي مقدمات " الدستور " للناس ‪،‬‬
‫وقد وجه الرسول خطابه للناس من على جبل " عرفات " في العام العاشر للهجرة‬
‫– )‪ 632-631‬م ( وقبل التحاقه بعد وفاته بالمل العلى بعام واحد أو أقل من‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫" أما بعد أيها النــاس ‪ :‬اسمعوا منففي أبيففن لكففم ‪ ،‬فففإني ل أدري لعلففي ل ألقففاكم بعففد‬
‫عامي هذا ‪ ،‬في موقفي هذا ‪.‬‬
‫أيها الناس ! إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم ‪،‬‬
‫كحرمة يومكم هذا ‪ ،‬في شهركم هذا ‪ ،‬في بلدكم هذا ‪ .‬أل هل بلغت ؟ اللهم فاشهد‪.‬‬
‫فمن كانت عنده امانة فليؤّدها إلى من ائتمنه عليها ‪ .‬وإن ربا الجاهلية موضوع ‪،‬‬
‫ولكن لكم رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون ‪ .‬قضى ال أنه ل ربا ‪ .‬وإن اول‬
‫ربا أبدأ به ‪ ،‬ربا عمي العباس بن عبد المطلب‪ .‬وإن مآثر الجاهلية موضوعة ‪ ،‬غير‬
‫السدانة والسقاية‪.‬‬
‫ن أن ل‬ ‫أما بعد أيهففا النففاس ! إن لنسففائكم عليكففم حقفًا ولكففم عليهففن حففق ‪ :‬لكففم عليهف ّ‬
‫يففوطئن فرشففكم غيركففم ‪ ،‬ول يففدخلن أحففدًا تكرهففونه بيففوتكم إل بففإذنكم ‪ ،‬ول يففأتين‬
‫ن فــي المضــاجع ‪،‬‬ ‫ن وتهجروهـ ّ‬ ‫بفاحشة ‪ ،‬فإن فعلن ‪ ،‬فإن ال قد أذن لكم أن تعضلوه ّ‬
‫ن ضــربًا غيــر مــبّرح ‪،‬فإن انتهيففن وأطعنكففم ‪ ،‬فعليكففم رزقهففن وكسففوتهن‬ ‫وتضربوه ّ‬
‫بالمعروف ‪ .‬واستوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عوان ‪ ،‬ل يملكففن لنفسففهن شففيئًا‬
‫ن بكلمففة الف ‪ ،‬فففاتقوا الف فففي‬‫وإنكم إنما أخذتموهن بأمانففة الف ‪ ،‬واسففتحللتم فروجهف ّ‬
‫ن خيرًا ‪ .‬أل هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ‪..‬‬ ‫النساء واستوصوا به ّ‬
‫أيها الناس ! إنما المؤمنون إخوة ‪ ،‬ول يحل لمرئ مال أخيه إل عن طيب نفس منه‬
‫‪ .‬أل هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ‪..‬‬

‫‪69‬‬
‫أيها الناس ! إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ‪ .‬كلكم لدم ‪ ،‬وآدم من تراب ‪ .‬أكرمكم‬
‫عند ال أتقاكم ‪ ،‬وليس لعربي على عجمي فضل إل بالتقوى ‪ .‬أل هل بلغت ؟ اللهم‬
‫فاشهد ‪ .‬قالوا ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬فليبّلغ الشاهد الغائب‪".‬‬
‫فالخطاب للبشرية جمعاء ‪ ،‬ووجففه للنففاس ولففم يحففدثهم عففن خلفففة تعقبففه ‪ ،‬ول عففن‬
‫نظامها السياسي ولففم يتطففرق لعقوبففات إصففر وأغلل وحففتى الجلففد لففم يففذكره بففل "‬
‫العضال" وقد قال لهم ) ل أدري لعلي ل ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا ( ‪.‬‬

‫علنا بهذا " الموجز " مففن الطففرح نكففون فففد أدركنففا معنففى " الرؤيففة الكونيففة " ومففا‬
‫للغيففب اللهففي مففن جدليففة يتفاعففل بهففا مففع النسففان والكففون وفففق منهجيففة معرفيففة‬
‫للقرآن ‪ ،‬تنفذ إلى تفاصيل وجودنا وما نحففن فيففه مففن صففراعات مففع اللهففوت الففذي‬
‫يعشعش في داخلنا و " الوضعية "و" الل أدرية " التي انتجفت " العولمفة المعاصفرة‬
‫ل في كونية القففراءة ‪،‬‬ ‫" ضد كل القيم النسانية فل يكون خلصنا وخلص البشرية إ ّ‬
‫وهذا جوهر " أسلمة المعرفة " ‪(72).‬‬
‫وهي " أسلمة " دفعتنا عبر منهجنا لتبني " العلمانية " في تأسيس الدولة لن‬
‫العلمانية ضمانة لقصاء " الحادية " والتسلط الكهنوتي ‪.‬‬
‫ولكن دون تحّول العلمانية من ضابط سياسي إلى فلسفففة اجتماعيففة لتماثففل الوضففعية‬
‫بالكيفية التي ابتدرها " اوجست كونت " وبنى عليها انجلز مففاديته الطبيعيففة وأحالهففا‬
‫إلى النسان ‪ ،‬لن العلمانية تتيح " التعددية " ليمارس كل منا عقيدته ويجسد تمثلتففه‬
‫الملتزمة بشريعته في إطففار الدولففة الوطنيففة غيففر الثيوقراطيففة ودون تففدخل الدولففة‪.‬‬
‫وننصح في هفذا الطفار بفالقراءة النقديففة الفتي اجراهفا ) أحمفد واعظفي ( للعلمانيفة‬
‫والليبرالية والتعددية في إطار ) المجتمع الديني والمدني ( ‪.‬‬
‫فأنظمة الخلفة السلمية لم تترجم مفهوم القرآن لولى المر ) منكم ( إلى اختيار‬
‫سياسي حر ‪ ،‬ولم تربط ) الشورى ( بالمبدأ الجتماعي والقتصادي لمنظومة "‬
‫الدخول في السلم كافة " كما أن مرحلتها كانت سابقة في التعامل التاريخي مع مبدأ‬
‫" المواطنة المتكافئة " إذ كان أساس الفرز بين الناس يقوم على الدين ‪.‬وإن كان‬
‫الفرز في دولة السلم أخف كثيرًا في معاناة " أهل الذمة " مما كان عليه حال‬
‫التغاير لدى المبراطوريات المسيحية كما أوضح دكتور " جورج قرم‪.‬‬
‫قد ختم الرسول حياته بخطاب لم يوجه للمؤمنين ‪ ،‬ول للمسلمين ‪ ،‬ولكن للناس‬
‫كافة ‪ ،‬حّرم فيه الضعف المضاعف من ربا الجاهلية ‪ ،‬وأكد على اليمان بال بدي ً‬
‫ل‬
‫عن الشرك الوثني واوصى بحقوق المرأة وأكد على حرمة الموال والدماء ‪،‬‬
‫وساوى بين الناس ‪ ،‬فالكل لدم وآدم من تراب ‪ ،‬ولم يتطرق للعقوبات التي يجعلها‬
‫الصوليين الن مدخلهم للشريعة والسلم؟‬
‫باختتام الرسول لخطبته إلى الناس معلنًا أنه لن يلقاهم بعد عامه هذا ولم‬
‫يسمي – كما يفترض – نائبًا عنه أو خليفة له ‪ ،‬تبطل كل حجج من يقول أن‬
‫الرسول قد استخلف من بعده ‪ ،‬وهذه هي سنة الرسول " الحقيقية " والتي نلتزمها‬
‫ونؤمن بحجيتها بمعزل عن أباطيل القول بتناسخها مع القرآن وبمعزل عن أباطيل‬
‫الدس لمحق شرعة التخفيف والرحمة وفرض مفاهيم الحاكمية اللهية‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫فإن عدم التسمية هذا لمن يخلفه هو من صميم المنهج القرآني حيث جعل‬
‫ال المر من بعد الرسول لولى المر منا ) منكم ( ‪ .‬أما طاعة الرسول فهي من‬
‫طاعة ال وموصولة بها ‪ ،‬فسلطته علينا إلهية ‪ ،‬والشورى غير ملزمة له ‪ ،‬بخلف‬
‫طاعة أولى المر على أن يكونوا " منا " باختيارنا الحر كما فصلت آيات سورة‬
‫النحل التي أتينا عليها )‪ – 73/79‬ج ‪. ( 14‬‬
‫لماذا لم يستخلف الرسول؟‬
‫وكذلك عدم استخلف خاتم الرسل والنبيين لمن بعده هو أيضًا من صميم‬
‫المنهج اللهي بوجه آخر ‪ ،‬فختم النبوة يستوجب " عدم التواصل " في ذرية من‬
‫الرجال لخاتم النبيين ‪ ،‬وهذا ما حدث " لزكريا " خاتم أنبياء بني إسرائيل بخلف‬
‫المسيح " عيسى بن مريم " الذي ولدته أمه العذراء " مريم " بنفح من الروح القدس‬
‫" جبريل " ‪.‬‬
‫فزكريا وقد أدركه الكبر ‪ ،‬ثم أن امرأته عاقر عرف أن النبوة في بني‬
‫إسرائيل قد ختمت به ‪ ،‬فمنهج " الحاكمية اللهية " و " حاكمية الستخلف "‬
‫المطبقتان على بني إسرائيل ضمن خصائص دينهم اقتضى استمرارية النبوة بحيث‬
‫سى‬ ‫ل ويخلفه آخر من ذات السللة ) آل عمران ( فيهم ‪َ .‬وَلَقْد آَتْيَنا ُمو َ‬ ‫ل يموت نبي إ ّ‬
‫ح اْلُقُد ِ‬
‫س‬ ‫ت َوَأّيْدَناُه ِبُرو ِ‬ ‫ن َمْرَيَم اْلَبّيَنا ِ‬‫سى اْب َ‬ ‫عي َ‬ ‫سِل َوآَتْيَنا ِ‬ ‫ن َبْعِدِه ِبالّر ُ‬ ‫ب َوَقّفْيَنا ِم ْ‬ ‫اْلِكَتا َ‬
‫ن)‪(87‬‬ ‫سَتْكَبْرُتْم َفَفِريًقا َكّذْبُتْم َوَفِريًقا َتْقُتُلو َ‬ ‫سُكْم ا ْ‬ ‫ل َتْهَوى َأنُف ُ‬ ‫ل ِبَما َ‬ ‫سو ٌ‬‫جاَءُكْم َر ُ‬ ‫َأَفُكّلَما َ‬
‫ن َيَدْيِه‬ ‫صّدًقا ِلَما َبْي َ‬‫ن َمْرَيَم ُم َ‬ ‫سى اْب ِ‬ ‫عَلى آَثاِرِهْم ِبِعي َ‬ ‫– البقرة ‪ /‬ج ‪ .1‬وكذلك‪َ :‬وَقّفْيَنا َ‬
‫ن الّتْوَراِة َوُهًدى‬ ‫ن َيَدْيِه ِم ْ‬‫صّدًقا ِلَما َبْي َ‬ ‫ل ِفيِه ُهًدى َوُنوٌر َوُم َ‬ ‫جي َ‬‫لن ِ‬ ‫ن الّتْوَراِة َوآَتْيَناُه ا ِْ‬ ‫ِم ْ‬
‫ن)‪ – (46‬المائدة ‪ /‬ج ‪.6‬‬ ‫ظًة ِلْلُمّتِقي َ‬‫عَ‬ ‫َوَمْو ِ‬
‫أدرك زكريا أن النبوة قد ختمت في بني إسرائيل تمهيدًا لظهور " المسيح‬
‫" ومن بعده " النبي المي " خارج سللة آل عمران ومن نسل إبراهيم طبقًا‬
‫لنصوص سورة " العراف " التي أوضحناها ) العراف ‪ /‬ج ‪ / 9‬اليات من ‪157‬‬
‫وإلى ‪.( 158‬‬
‫ولكنه كان يرغب في الذرية والنجاب ولهذا كان دعاؤه ل " خفّيا " فهو‬
‫يرغب فيما يعلم أنه ل حق له فيه ‪ ،‬فذرية النبي تكون امتدادًا له في النبوة والعصمة‪:‬‬
‫ب ِإّني‬ ‫ل َر ّ‬ ‫خِفّيا)‪َ(3‬قا َ‬ ‫عْبَدُه َزَكِرّيا)‪ِ(2‬إْذ َناَدى َرّبُه ِنَداًء َ‬ ‫ك َ‬ ‫حَمِة َرّب َ‬ ‫كهيعص)‪ِ(1‬ذْكُر َر ْ‬
‫خْفتُ‬ ‫شِقّيا)‪َ(4‬وِإّني ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ك َر ّ‬ ‫عاِئ َ‬ ‫ن ِبُد َ‬ ‫شْيًبا َوَلْم َأُك ْ‬ ‫س َ‬‫ل الّرْأ ُ‬ ‫شَتَع َ‬ ‫ظُم ِمّني َوا ْ‬ ‫ن اْلَع ْ‬‫َوَه َ‬
‫ث ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ك َوِلّيا)‪َ(5‬يِرُثِني َوَيِر ُ‬ ‫ن َلُدْن َ‬ ‫ب ِلي ِم ْ‬ ‫عاِقًرا َفَه ْ‬ ‫ت اْمَرَأِتي َ‬ ‫ن َوَراِئي َوَكاَن ْ‬ ‫ي ِم ْ‬‫اْلَمَواِل َ‬
‫ل َلُه‬‫جَع ْ‬ ‫حَيى َلْم َن ْ‬ ‫سُمُه َي ْ‬ ‫لٍم ا ْ‬‫ك ِبُغ َ‬ ‫شُر َ‬ ‫ضّيا)‪َ (6‬ياَزَكِرّيا ِإّنا ُنَب ّ‬ ‫ب َر ِ‬ ‫جَعْلُه َر ّ‬ ‫ب َوا ْ‬ ‫ل َيْعُقو َ‬ ‫آِ‬
‫سِمّيا)‪ – (7‬مريم ‪ /‬ج ‪.16‬‬ ‫ل َ‬ ‫ن َقْب ُ‬‫ِم ْ‬
‫واستجاب ال ‪ ) ،‬ولكن بشرط ( ل يخل بمنهج ختم النبوة ‪ ،‬وذلك بأن‬
‫عا َزَكِرّيا َرّبُه‬ ‫ك َد َ‬‫يأتي يحي " حصورًا " ل حاسة جنسية لديه ول يقرب النساء‪ُ .‬هَناِل َ‬
‫لِئَكُة وَُهَو َقاِئٌم‬ ‫عاِء)‪َ(38‬فَناَدْتُه اْلَم َ‬ ‫سِميُع الّد َ‬ ‫ك َ‬ ‫طّيَبًة ِإّن َ‬‫ك ُذّرّيًة َ‬ ‫ن َلُدْن َ‬‫ب ِلي ِم ْ‬ ‫ب َه ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫َقا َ‬
‫صوًرا‬ ‫ح ُ‬ ‫سّيًدا َو َ‬‫ل َو َ‬ ‫ن ا ِّ‬‫صّدًقا ِبكَِلَمٍة ِم ْ‬ ‫حَيى ُم َ‬ ‫ك ِبَي ْ‬‫شُر َ‬
‫ل ُيَب ّ‬‫ن ا َّ‬ ‫ب َأ ّ‬ ‫حَرا ِ‬ ‫صّلي ِفي اْلِم ْ‬ ‫ُي َ‬
‫ن)‪ – (39‬آل عمران ‪ /‬ج ‪ . 3‬وهكذا جاء " يحيى " حصورًا‬ ‫حي َ‬
‫صاِل ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َوَنِبّيا ِم ْ‬
‫سى اْب ُ‬
‫ن‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ومصدقًا بكلمة من ال هو " المسيح " الذي بشر بدوره بأحمد ‪َ .‬وِإْذ َقا َ‬

‫‪71‬‬
‫ن الّتْوَراِة َوُمَبشًّرا‬ ‫ي ِم َ‬ ‫ن َيَد ّ‬
‫صّدًقا ِلَما َبْي َ‬ ‫ل ِإَلْيُكْم ُم َ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو ُ‬ ‫ل ِإّني َر ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫َمْرَيَم َياَبِني ِإ ْ‬
‫ن)‪َ(6‬وَم ْ‬
‫ن‬ ‫حٌر ُمِبي ٌ‬‫سْ‬ ‫ت َقاُلوا َهَذا ِ‬ ‫جاَءُهْم ِباْلَبّيَنا ِ‬‫حَمُد َفَلّما َ‬ ‫سُمُه َأ ْ‬‫ن َبْعِدي ا ْ‬ ‫ل َيْأِتي ِم ْ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ِبَر ُ‬
‫ل َيْهِدي اْلَقْوَم‬ ‫ل َ‬ ‫لِم َوا ُّ‬‫سَ‬ ‫لْ‬‫عى ِإَلى ا ِْ‬ ‫ب َوُهَو ُيْد َ‬ ‫ل اْلَكِذ َ‬ ‫عَلى ا ِّ‬ ‫ن اْفَتَرى َ‬ ‫ظَلُم ِمّم ْ‬‫َأ ْ‬
‫ن)‪(8‬‬ ‫ل ُمِتّم ُنوِرِه َوَلْو َكِرَه اْلَكاِفُرو َ‬ ‫ل ِبَأْفَواِهِهْم َوا ُّ‬ ‫طِفُئوا ُنوَر ا ِّ‬ ‫ن ِلُي ْ‬
‫ن)‪ُ(7‬يِريُدو َ‬ ‫ظاِلِمي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن ُكّلِه َوَلْو َكِرَه‬ ‫ظِهَرُه عََلى الّدي ِ‬ ‫ق ِلُي ْ‬
‫حّ‬ ‫ن اْل َ‬ ‫سوَلُه ِباْلُهَدى َوِدي ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫سَ‬‫ُهَو اّلِذي َأْر َ‬
‫ن)‪- (9‬الصف ‪ /‬ج ‪.28‬‬ ‫شِرُكو َ‬ ‫اْلُم ْ‬
‫مضمون هذا كله في سورة العراف وخطاب ال للنقباء السبعين من بني‬
‫إسرائيل في الجبل ‪ ،‬غير أنهم كّذبوا المسيح ‪ ،‬ثم كّذبوا محمدًا ) أحمد ( وقد شرحنا‬
‫الفارق بين طبيعة وحقيقة السمين " الحامل و المحمول " – أحمد ‪ /‬محمد و المسيح‬
‫‪ /‬عيسى والسماء التي تعلمها آدم في مؤلفنا ) العالمية – المجلد الول – ص‬
‫‪.( 102/105‬‬
‫ما انطبق على زكريا ينطبق على محمد ‪ ،‬غير أن محمدًا يوصفه خاتمًا‬
‫للرسل والنبيين كان أرفع وعيًا وعبودية ل من زكريا ‪ ،‬فلم يدع لنوازعه الذاتية‬
‫ل ليخاطب ال ‪ ،‬ل خفيًا كزكريا ول دون ذلك ‪ .‬وقد‬ ‫) الحرص على الذرية ( مجا ً‬
‫بّين ال المر حين ربط بين خاتمية النبوة والرسالة وعدم استمرار الذرية من "‬
‫خاَتَم‬
‫ل َو َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫جاِلُكْم َوَلِك ْ‬
‫ن ِر َ‬ ‫حٍد ِم ْ‬ ‫حّمٌد َأَبا َأ َ‬
‫ن ُم َ‬ ‫الرجال " فجاءت الية‪َ :‬ما َكا َ‬
‫عِليًما)‪ (40‬الحزاب ‪ /‬ج ‪ .22‬فالذين "يدعون بالئمة‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬
‫ل َ‬ ‫ل ِبُك ّ‬‫ن ا ُّ‬
‫ن َوَكا َ‬ ‫الّنِبّيي َ‬
‫المعصومين من آل البيت من بعد خاتم الرسل والنبيين " يجانبون منهج القرآن‪.‬‬
‫)العالمية – المجلد الثاني – ختم النبوة ونفي عصمة اللحقين – ص ‪ 108‬و ‪(110‬‬
‫ويجانبون ولية أولى المر " منكم " الى ولية الفقيه ‪ ،‬سنيًا كان او شيعيًا وينتهون‬
‫في النهاية إلى الحجر على عقول المسلمين في تناولهم للكتاب خلفًا لنصوص سورة‬
‫" النحل " ‪ .‬وهكذا تولد الدول الثيوقراطية الكهنوتية ولو تذرعت بشكليات الشورى‬
‫طالما ظلت " ولية الفقيه " وأدبيات " الئمة المعصومين " مأخوذا" بها ‪.‬‬
‫ونختم بما ختم به خاتم الرسل والنبيين‪:‬‬
‫قد ختم الرسول خطابه بنصوص " حجة الوداع " وإلى " الناس كافة "‬
‫وتشكل تلك الخطبة " المقدمات الدستورية " للمجتمعات المؤمنة في الطار العام‬
‫لليمان ‪ ،‬فقد اكتفى الرسول في تلك الخطبة " بالمشترك " بين كافة الديانات‬
‫والمؤمنين ‪ ،‬فليس من بينهم من يبيح القتل ‪ ،‬أو يبيح السرقة ‪ ،‬أو يشرع للضعف‬
‫المضاعف من ربا الجاهلية ‪ ،‬أو يحض على دونية المرأة أو يستسهل الزنا والفاحشة‬
‫أو يتعالى بالعنصرية العرقية ‪.‬‬
‫هذا الساس والمقدمات الدستورية للناس كافة ‪،‬أخضع لتطبيقات نقيضة ‪،‬‬
‫في تاريخنا وتاريخ كل الشعوب ذات المثل الدينية المقاربة لنا وحتى في إطار‬
‫النظمة الديموقراطية الغربية ‪ ،‬وتلك التي تدعي السلمية والشورية ‪ ،‬فكان ل بد‬
‫من أن نلجأ مجددًا للقرآن ومنهجه ‪ ،‬وبآليات معرفية جديدة ‪ ،‬لنستنبط من القرآن "‬
‫ضمانات الشورى " والقواعد المؤسسة لولى المر " منكم " ومجتمع " السلم "‬
‫اقتصاديًا واجتماعيًا ومبدأ " الحرية " ‪ ،‬فوجدنا ذلك في المزاوجة بين " المبادئ "‬
‫السلمية التي أشرنا إليها و " الليات " الغربية ‪ ،‬فدعونا للدستور الديموقراطي‬

‫‪72‬‬
‫ولكن مع حماية الديموقراطية بمؤسسات " المجتمع المدني " ‪ ،‬ودعونا " لعلمانية "‬
‫السلطة وليس " علمنة " المجتمع ‪ ،‬ودعونا للحرية الليبرالية مع ترسيخ القيم‬
‫الخلقية ضمن " رؤية كونية " تتجاوز اللهوت والوضعية العدمية معًا ثم من بعد‬
‫ذلك كله هناك من يقول أنه ليس في القرآن منهج !!!‬

‫ملحق أ‪ :‬حول الرادة اللهية وعلقة الزمان بالمكان‬


‫كما أن بعضهم يقول أن ليس في القرآن ) منهففج ( ‪ ،‬كففذلك يظففن بعضففهم‬
‫أن الرادة اللهية تفعل خارج الزمان والمكان على نحو غيبي ودون " قرائن " دالففة‬
‫عليها ودون مؤشرات على اتجاهاتها‪.‬‬
‫فحين كتبت عن " العالمية السلمية الثانية " وأنها دورة " تاريخية " تبدأ‬
‫بعد انقضاء الدورة العالمية السلمية الولى وبعد أربعة عشر قرنًا منها ‪ ،‬وأن بداية‬
‫سا " أو "‬ ‫ظهورها تحول القدس إلى السرائيليين اليهود ظن بعض الناس بي " م ّ‬
‫شطحًا " واختلفوا معي هل هي " عودة " أم " احتلل " ؟ وهل إسرائيليو اليوم هم‬
‫ذاتهم إسرائيليو المس ‪ ،‬أم أنهم شذاذ آفاق من " الخزر " سيقوا إلى فلسطين‬
‫واستوطنوها لتحقيق أهداف " إمبريالية عالمية " تحت طائلة " التذرع " بوعود "‬
‫أرض الميعاد " – السطورية – وبدفع من " الصهيونية " ؟‬
‫وقال بعضهم من المسلمين ‪ ،‬ومنهم فقهاء " حتى إذا سايرناك فيما تقول‬
‫حول انقضاء " الوعد الول " في سورة السراء للسرائيليين لينتهي بغزوهم ‪ ،‬فإن‬
‫ذلك قد تم في ماضي التاريخ على يد الشوريين عام ‪ 721‬ق‪.‬م‪ .‬فقلت لهم إن‬
‫الشوريين ل تنطبق عليهم صفة النتساب بالعبودية ل ‪ ،‬فال يصف غزوهم في‬
‫نهاية الوعد الول بأنه يتم على يد " عبادًا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلل الديار ‪،‬‬
‫وليس في تاريخ الرض المقدسة سوى المسلمين الذين جاسوا في ديار اليهود من‬
‫بني قريظة وخيبر وما يليها من ديار السرائيليين اليهود في المدينة المنورة ‪.‬‬
‫والمدينة المنورة هي من أرجاء " الرض المقدسة جنوبًا " كما أن الشام من أرجائها‬
‫ل ‪ .‬أما مكة فهي " محرمة " وأرفع مكانة عند ال مما هو مقدس ولهذا ارتبطت‬ ‫شما ً‬
‫" بالرسالة الخاتمة " و " النبوة الخاتمة " و " عالمية الخطاب " و " حاكمية الكتاب‬
‫– البشرية " و " شرعة التخفيف والرحمة " ‪.‬‬
‫وقد بينت مقدمة " سورة الحشر " غزو المسلمين لديار اليهود وصو ً‬
‫ل‬
‫إلى القدس لنهاء دورة العلو والفساد السرائيلي الول " انتهاء وعد الولى "‬
‫والمقترن بأول حشرهم من جديد ‪ .‬في حين أنهم عادوا من السر البابلي ضمن‬
‫مرحلة الوعد الول ‪.‬‬
‫أما انقضاء مرحلة علوهم وإفسادهم الثاني فيبدأ بعد عودتهم " لفيفًا "‬
‫ومجددًا إلى الرض المقدسة ‪ ،‬وقد وفدوا إليها بعد الحتلل البريطاني الفرنسي‬
‫للمنطقة وتجزئتها بموجب اتفاق سايكس بيكو ثم تنفيذ وعد بلفور ‪ .‬هكذا بدأ علوهم‬
‫وإفسادهم الثاني حيث جعلهم ال أكثر نفيرًا وأمدهم بأموال وبنين‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ويختم هذا الوعد الثاني وهو " وعد الخرة " بمواجهة المسلمين لهم‬
‫مجددًا حيث يربط ال بين " عبادًا لنا " الذين أجلوهم في نهاية الوعد الول ‪ ،‬وذات‬
‫جاَء‬‫العباد الذين يسيئون وجوههم لدى انقضاء الوعد الثاني وهم المسلمون‪َ .‬فِإَذا َ‬
‫ل َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما‬
‫خُلوُه َأّو َ‬
‫جَد َكَما َد َ‬
‫سِ‬‫خُلوا اْلَم ْ‬
‫جوَهُكْم َوِلَيْد ُ‬
‫سوُءوا ُو ُ‬
‫خَرِة ِلَي ُ‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫َو ْ‬
‫عَلْوا َتْتِبيًرا)‪ – (7‬السراء ‪ /‬ج ‪.15‬‬ ‫َ‬
‫وجعل ال الوعد الثاني إظهارًا للهدى ودين الحق منهجيًا ومعرفيًا في‬
‫آيات " التوبة " و " الفتح " و " الصف " ومن بعد انقضاء عالمية الميين " غير‬
‫ل من " إسلم‬ ‫الكتابيين " الولى والتي امتدت أربعة عشر قرنًا ‪ .‬ونفذت طاقتها إ ّ‬
‫شكلي " ‪.‬‬
‫والنتصار السلمي في نهاية الوعد الثاني " وعد الخرة " ليس بدواعي‬
‫العصبوية ‪ ،‬قومية كانت أو إسلمية ‪ ،‬ولكن بدواعي التحرر المنهجي والمعرفي "‬
‫الهدى ودين الحق " وباستقطاب المسلمين للعالم كله في مواجهة أزماته الحضارية‬
‫الشاملة‪ ،‬فكما استقطب السرائيليون العالم عبر أبنيته الرأسمالية والشتراكية‬
‫وصراعاته وتداخلوا معه حتى تحققت لهم " العودة " كذلك يستقطب المسلمون عبر‬
‫تحررهم المعرفي والمنهجي العالم ويتداخلون مع مختلف انساقه الحضارية ‪،‬‬
‫ومفاهيمه المعرفية ‪ ،‬تجاوزًا " للوضعية " باتجاه " الرؤية الكونية اللهية " ‪ .‬يتم كل‬
‫ذلك والصراع قائم بين الستئصال السرائيلي للفلسطينيين ‪ ،‬والستشهاد الفلسطيني‬
‫في المقابل بدللة ) إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم فلها ( –) السراء ‪ /‬ج‬
‫‪ 15‬ى ‪ ،( 7‬وهم ل يحسنون لنفسهم إذ ل يلتزمون " بحق العودة " ول " بالتعايش‬
‫السلمي " ول حتى بحقوق النسان الغربية ‪ .‬فالصهيونية جذرها اليديولوجي "‬
‫ف للخر نفيًا مطلقًا بالرغم من ادعائها للعلمانية‪.‬‬ ‫تلمودي " نا ٍ‬
‫غير أن مشكلة الحركات " الجهادية السلمية " التي تلتزم بالسلم ‪-‬‬
‫حسب فهمها له ‪ -‬تتطلع إلى النصر على السرائيليين بموجب انقضاء " وعد الخرة‬
‫" ول زال بعضهم يتطلع إلى " الحجر " الذي ينطق وينبئ المجاهد المسلم بأن " من‬
‫خلفه يهودي " وأن شجر " الغرقد ‪ :‬هو شجر اليهود الذي يحتمون به ‪.‬والمر‬
‫ل في‬
‫خلف ذلك فانقضاء دورة السرائيليين الثانية في الرض المقدسة تستلزم تحو ً‬
‫أوضاع المسلمين ووعيهم وتأثيرهم المنهجي عالميًا ‪" .‬فالتدافع " ليس عصبوي‬
‫الدللة لينتصر ال فيه "لمة " تماثل في ضللها المة الخرى ‪ .‬فاستعادة الرض‬
‫المقدسة بالصولية ل يدخل في مدار انتصار المسلمين على السرائيليين خارج‬
‫اللتزام بمنهج " الهدى ودين الحق " ‪ ،‬التزامًا معرفيًا وعالميًا ‪.‬‬

‫ملحق ب‪ :‬حكمة التوقيت اللهي في الزمان والمكان‪:‬‬


‫قد وقت ال بعثة إبراهيم قبل " سبعمائة عام قمري " من بعثة موسى‬
‫وخروجه بالسرائيليين من مصر إلى الرض المقدسة ‪ ،‬أي حوالي سنة ‪ 2000‬قبل‬
‫الميلد حيث حكم " الكلدانيون " إمبراطوريتهم من عاصمتهم " أور " ‪ .‬وارتحل‬

‫‪74‬‬
‫عنهم إبراهيم إلى " حّران " ثم أرض الكنعانيين ومصر وأعاد بناء البيت المحّرم‬
‫في مكة حين " رفع " القواعد التي أسس عليها البيت في عصر سابق‪.‬‬
‫وبعد تكاثر نسله في أرض كنعان وعلى مدى ثلثة قرون دخلوا مصر‬
‫على زمان يوسف ‪ ،‬وبقيوا فيها لربعة قرون ثم جاءت بعثة موسى الذي أخرجهم‬
‫من مصر إلى الرض المقدسة ‪ ،‬فاكتملت بذلك " سبعة قرون قمرية " من إبراهيم‬
‫وإلى موسى ‪ .‬وامتدت الديانة اليهودية إلى بعثة المسيح بعد " أربعة عشر قرنًا " من‬
‫موسى وإلى المسيح ‪.‬‬
‫وجاء السلم بظهور خاتم الرسل والنبيين بعد " سبعة قرون " من بعثة‬
‫المسيح ‪ .‬حيث أجلى السرائيليون بعباد ال من المدينة المنورة وانقضى وعد علوهم‬
‫وإفسادهم الول ‪.‬‬
‫ثم عادوا بعد " أربعة عشر قرنًا " وها هم يستحكمون وقد أمدهم ال‬
‫بالموال والبنين ‪ ،‬وجعلهم أكثر نفيرًا ‪.‬‬
‫هذه " السباعية " في دورات التاريخ الديني والتدافع العربي‪/‬السلمي –‬
‫السرائيلي‪/‬اليهودي لها أكثر من مغزى في " القرائن الدالة " على فعل " الرادة‬
‫اللهية " في حركة الزمان والمكان ودون أن " نؤله " علم التاريخ‪ ،‬فحين يعطينا‬
‫ال " مؤشرًا " على انقضاء وعد الثانية بهزيمة السرائيليين فإنه يربط ذلك بانتصار‬
‫الهدى ودين الحق وليس انتصارًا عصبويًا دينيًا أو قوميًا للعرب ‪ .‬ويظل للتوقيت‬
‫اللهي أهميته الكبرى ‪ ،‬غير أن ال لم يكشف لنا عن توقيت النصر في " وعد‬
‫الخرة " وإنما كشف عن " استمرارية التدافع " وهذا ما نشهده اليوم وهو تدافع‬
‫تسطع معه معالم العالمية السلمية " الثانية " ولهذا أسميناها " عالمية ثانية "‬
‫ترتبط بمنهج إظهار الهدى ودين الحق وليس " رسالة ثانية " يوحي بها إلينا ‪.‬‬
‫وللتوقيت دللته في سيرة الرسول‪.‬‬
‫فالرسول قد ولد في الثاني عشر من شهر ربيع الول قبل ‪ 52‬عامًا من‬
‫الهجرة ‪ ،‬وبما يوافق سنة ‪ 571/572‬م ‪ .‬ودخل المدينة المنورة بذات التاريخ في‬
‫الثاني عشر من شهر ربيع الول لول عام هجري وافق ‪ 25‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪622‬‬
‫م‪.‬‬
‫وصعد إلى المل العلى بذات التاريخ في الثاني عشر من ربيع الول‬
‫عام ‪ 11‬هجرية الموافق ‪ 8‬حزيران ‪ /‬يونيو سنة ‪ 633‬م ‪.‬‬
‫فليس من توقيت عبثي في تقديرات الرادة اللهية ‪ ،‬ويمكن لي مراجع‬
‫تاريخي أن يدقق في هذه التواريخ عبر كتب " وضعية " أو كتبها علمانيون ل‬
‫علقة لها بالدين أو الغيبيات سواء أكان منهج التاريخ " ماديًا جدليًا " أو "‬
‫موضوعيًا " أو " ل أدريًا " ‪ .‬عليهم فقط بعد تدقيق هذه التواريخ أن يجيبونا لماذا‬
‫كان هذا التوقيت ؟ أما نحن وبمنهجنا الكوني القرآني فندرك ذلك‪.‬‬
‫وعلى علماء التاريخ في تدقيقهم التمييز في فوارق التوقيت بين ما هو "‬
‫قمري " و " شمسي " ‪ ،‬فالقمري يزيد ثلث أعوام عن " الشمسي " في كل مائة‬
‫سًعا)‪ - (25‬الكهف ‪ /‬ج ‪. 15‬‬ ‫ن َواْزَداُدوا ِت ْ‬‫سِني َ‬
‫ث ِماَئٍة ِ‬
‫ل َ‬
‫عام‪َ :‬وَلِبُثوا ِفي َكْهِفِهْم َث َ‬

‫‪75‬‬
‫ويشير القرآن للشمسي " بالسنة " رجوعًا إلى خاصية الشمس التي تحدث‬
‫المتغيرات في الطبيعة بما تصدره من ضوء وحرارة فيكون " التسنه " ‪َ :‬أْو َكاّلِذي‬
‫ل َبْعَد َمْوِتَها َفَأَماَتُه ا ُّ‬
‫ل‬ ‫حِيي َهِذِه ا ُّ‬ ‫ل َأّنى ُي ْ‬ ‫شَها َقا َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫عَلى ُ‬ ‫خاِوَيٌة َ‬ ‫ي َ‬‫عَلى َقْرَيٍة َوِه َ‬ ‫َمّر َ‬
‫عاٍم‬ ‫ت ِماَئَة َ‬ ‫ل َلِبْث َ‬‫ل َب ْ‬‫ت َيْوًما َأْو َبْعضَ َيْوٍم َقا َ‬ ‫ل َلِبْث ُ‬‫ت َقا َ‬‫ل َكْم َلِبْث َ‬‫عاٍم ُثّم َبَعَثُه َقا َ‬
‫ِماَئَة َ‬
‫ظْر‬ ‫س َوان ُ‬ ‫ك آَيًة ِللّنا ِ‬ ‫جَعَل َ‬‫ك َوِلَن ْ‬ ‫حَماِر َ‬ ‫ظْر ِإَلى ِ‬ ‫سّنْه َوان ُ‬ ‫ك َلْم َيَت َ‬‫شَراِب َ‬ ‫ك َو َ‬‫طَعاِم َ‬ ‫ظْر ِإَلى َ‬ ‫َفان ُ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬‫عَلى ُكلّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫عَلُم َأ ّ‬
‫ل َأ ْ‬ ‫ن َلُه َقا َ‬‫حًما َفَلّما َتَبّي َ‬‫سوَها َل ْ‬ ‫شُزَها ُثّم َنْك ُ‬ ‫ف ُنن ِ‬
‫ظاِم َكْي َ‬ ‫ِإَلى اْلِع َ‬
‫َقِديٌر)‪- (259‬البقرة ‪ /‬ج ‪ . 3‬وهكذا يميز القرآن في الستخدام اللهي للغة العربية‬
‫ما بين الشمس " حرارة وضياء " وما بين القمر " نورًا " ل فعل له في " التسنه‬
‫ضَياًء َواْلَقَمَر ُنوًرا َوَقّدَرُه‬ ‫س ِ‬ ‫شْم َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫جَع َ‬
‫"وانما انعكاس لضوء الشمس ‪ُ .‬هَو اّلِذي َ‬
‫ت ِلقَْوٍم‬‫لَيا ِ‬‫لا ْ‬ ‫صُ‬ ‫ق ُيَف ّ‬ ‫حّ‬ ‫ل ِباْل َ‬‫ك ِإ ّ‬‫ل َذِل َ‬‫ق ا ُّ‬ ‫خَل َ‬‫ب َما َ‬ ‫سا َ‬ ‫حَ‬ ‫ن َواْل ِ‬‫سِني َ‬‫عَدَد ال ّ‬‫ل ِلَتْعَلُموا َ‬ ‫َمَناِز َ‬
‫لَيا ٍ‬
‫ت‬ ‫ض َ‬ ‫لْر ِ‬ ‫ت َوا َْ‬ ‫سَماَوا ِ‬ ‫ل ِفي ال ّ‬ ‫ق ا ُّ‬ ‫خَل َ‬ ‫ل َوالّنَهاِر َوَما َ‬ ‫ف الّلْي ِ‬
‫ل ِ‬ ‫خِت َ‬‫ن ِفي ا ْ‬ ‫ن)‪ِ(5‬إ ّ‬ ‫َيْعَلُمو َ‬
‫ن)‪ – (6‬يونس ‪ /‬ج ‪ .11‬فربط السنين بالشمس وربط الحساب الفلكي‬ ‫ِلَقْوٍم َيّتُقو َ‬
‫بالقمر تبعًا لمنازله وهكذا جعل ال الليل وقمره " سكنًا " و "سباتا " ‪.‬‬

‫ول الحمد كيفما قام به الوجود وتقّوم‬


‫بيروت ‪ 30 :‬ربيع الثاني ‪ 1424‬هف‬
‫الموافق ‪ 30 :‬يونيو ) حزيران ( ‪ 2003‬م‬

‫‪76‬‬
‫هوامش‬
‫)‪ (1‬د‪ .‬رضوان السيد – الحركة السلمية والثقافة المعاصرة – ص ‪– 345‬‬
‫منتدى الفكر العربي – عّمان الصحوة السلمية وهموم الوطن العربي –‬
‫بالتعاون مع مؤسسة آل البيت لبحوث الحضارة السلمية – ‪– 14‬‬
‫‪.16/3/1987‬‬

‫)‪ (2‬شفيق مقار – المسيحية والتوراة – رياض الريس للكتب والنشر – لندن – ط‬
‫‪ – 1‬أغسطس ‪ /‬آب ‪ – 1992‬ص ‪ .353‬و ) كذلك ( اندريه هانيبال‬
‫وميكلوس مولنار وجيرار دى بوميج – سيكولوجية التعصب – ط ‪ – 1‬ص ‪8‬‬
‫– دار الساقي – لندن – ‪ – 1990‬ترجمة د‪ .‬خليل أحمد خليل‪.‬‬

‫)‪ (3‬مجلة "الباحثون" نشرة دورية يصدرها "مركز البحوث والدراسات السلمية"‬
‫– وزارة الشؤون السلمية والوقاف والدعوة والرشاد – ص ‪ 7‬إلى ‪– 11‬‬
‫السنة الولى – العدد الثاني – دون تاريخ – ويرجح الكاتب عام ‪ 1416‬هف‪/‬‬
‫‪ 1996‬م ‪.‬‬

‫)‪ (4‬للكاتب ‪ :‬السعودية – قدر المواجهة المصيرية وخصائص التكوين – ص‬


‫‪International Studies and Research Bureau – 162/171‬‬
‫‪ – British West Indies - - 1417‬هف ‪ 1996 /‬م – توزيع دار ابن‬
‫حزم – بيروت‪.‬‬

‫)‪ (5‬د‪ .‬محمد عابد الجابري – بنية العقل العربي – دراسة تحليلية نقدية لنظم‬
‫المعرفة في الثقافة العربية – نقد العقل العربي – مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية – ط ‪ – 1‬بيروت – ‪.1986‬‬

‫)‪ (6‬ميشال فوكو – حضريات المعرفة – ترجمة سالم يفوت – ط ‪– 1987 – 2‬‬
‫المركز الثقافي العربي – بيروت‪.‬‬

‫)‪ (7‬عبد السلم بن عبد العالي – سالم يفوت – درس البستمولوجيا – دار توبقال‬
‫للنشر – الدار البيضاء – المغرب – ط ‪.1985 – 1‬‬

‫)‪ (8‬محمد أركون – الفكر السلمي ‪ :‬قراءة علمية – مركز النماء العربي‪ -‬ص‬
‫‪ 9‬و ‪ 114‬و ‪ – 182‬ترجمة د‪ .‬هاشم صالح – بيروت ‪. 1987‬‬
‫و‪:‬‬
‫تاريخية الفكر العربي السلمي – مركز النماء القومي – بيروت – الطبعة‬
‫الولى – ‪ … 1986‬و كتب أخرى‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫)‪ (9‬محمد وقيدي – حوار فلسفي – قراءة نقدية في الفلسفة العربية المعاصرة –‬
‫دار توبقال للنشر – ط ‪ 1985 – 1‬الدار البيضاء ‪.‬‬

‫)‪ (10‬د‪ .‬نصر حامد أبو زيد – مفهوم النص – دراسة في علوم القرآن – المركز‬
‫الثقافي العربي – ط ‪ – 1994 – 2‬ص ‪ 117‬إلى ‪. 134‬‬

‫)‪ (11‬د‪ .‬مصطفى زيد – استاذ الشريعة السلمية ورئيس القسم بجامعتي القاهرة‬
‫وبيروت العربية – النسخ في القرآن الكريم – المجلد الول – ص‬
‫‪ – 283/285‬ط ‪ 1408 – 3‬هف ‪ 1987 /‬م – دار الوفاء ‪ -‬المنصورة ‪.‬‬

‫)‪ (12‬ع‪ .‬بنعبد العالي – م ‪ .‬وقيدي – س ‪ .‬بن سعيد – ك‪ .‬عبد اللطيف – م‪ .‬حدية‬
‫– م كداح ‪ .‬م الهراس – إشكاليات المنهاج – دار توبقال للنشر – الدار‬
‫البيضاء – ط ‪ – 1987 – 1‬ص ‪.65‬‬

‫)‪ (13‬الملتقى – مساهمة في البداع والتجديد – العدد ‪ – ..‬أكتوبر ) تشرين‬


‫الول ( ‪ 1999‬م ‪ /‬جمادي الخرة ‪ 1420‬هف – مجلة غير دورية يصدرها‬
‫الملتقى الفكري للبداع – لبنان – بيروت – ص‪ .‬ب‪– 621/14 .‬‬
‫‪almultaka @ intracom. Net.lb‬‬

‫)‪ (14‬البرت حوراني – الفكر العربي في عصر النهضة – ‪– 1939/ 1798‬‬


‫دار النهار للنشر – الطبعة الثالثة – ‪ – 1977‬بيروت ‪.‬‬

‫)‪ (15‬علي المحافظة – التجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة –‬


‫‪ – 1914 / 1798‬الهلية للنشر والتوزيع – بيروت ‪.1975‬‬

‫)‪ (16‬عبد ال العروي – اليديولوجية العربية المعاصرة – دار الحقيقة – بيروت‬


‫– ‪. 1970‬‬

‫)‪ (17‬علي عبد الرازق – السلم وأصول الحكم – ‪ 7‬رمضان ‪ 1343‬هف ‪1 /‬‬
‫أبريل ) نيسان ( ‪ – 1925‬المنصورة – مصر ‪.‬‬

‫)‪ (18‬سيد محمد نقيب العطاس – مداخلت فلسفية في السلم والعلمانية‪ -‬الترجمة‬
‫العربية – محمد طاهر الميساوي – ص ‪ - 17/20‬المعهد العالي العالمي‬
‫للفكر والحضارة السلمية – ط ‪ 1420 – 1‬هف ‪ 2000 /‬م – دار النفائس –‬
‫الردن‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫‪WAN MOHD NOR WAN DAUD – The Educational‬‬
‫‪Philosophy and Practice of Syed‬‬ ‫)‪(19‬‬
‫‪Muhammad Naquib Al Attas – An Exposition of the‬‬
‫‪Original concept of Islamization – International Institute of‬‬
‫– ‪Islamic Thought and Civilization (ISTAC) Kuala Lumpur‬‬
‫‪1998.‬‬

‫)‪ (20‬منهجية القرآن المعرفية – أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والنسانية – هو‬
‫كتاب فرغت من تأليفه في واشنطن في شهر ربيع الخر ‪1411‬هف الموافق‬
‫نوفمبر ‪ /‬تشرين الثاني ‪ 1991‬م‪ .‬وقد تبّنى المعهد العالمي طباعته وتعميمه في‬
‫تداول محدود ‪ ،‬ثم عقد له ندوة في القاهرة في آذار ‪ /‬مارس ‪ 1992‬م حيث‬
‫شارك فيها جمع من الساتذة من ذوي التخصصات المختلفة وقدم لها الدكتور‬
‫طه جابر العلواني رئيس المعهد العالمي – كما تناولها أساتذة آخرون من‬
‫خارج الندوة بتعقيبات مكتوبة ‪.‬‬
‫وقد شارك في الندوة كل من ‪:‬‬
‫د‪.‬احمد فؤاد الباشا‬ ‫د‪.‬عبد الوهاب‬
‫د‪.‬حامد الموصلي‬ ‫المسيري‬
‫د‪.‬محمد بريمة‬ ‫د‪.‬محمد بريش‬
‫د‪.‬سيف عبد الفتاح‬ ‫د‪.‬علي جمعة‬
‫د‪.‬ممدوح فهمي‬ ‫د‪.‬منى ابو الفضل‬
‫د‪ .‬جمال عطية‬ ‫د‪.‬احمد صدقي الدجاني‬
‫د‪.‬محمد عمارة‬
‫أما الذين بعثوا بتعقيباتهم كتابة فهم ‪:‬‬
‫د‪.‬محمد صالح‬ ‫د‪.‬الشيخ محمد الغزالي ) رحمه‬
‫د‪.‬برهان غليون‬ ‫ال(‬
‫د‪.‬إبراهيم زيد الكيلني‬ ‫د‪.‬عادل عبد المهدي‬
‫د‪.‬محمد الراوي‬ ‫د‪.‬زياد الدغامين‬
‫د‪.‬عبد الرحمن بن زيد الزبيدي‬ ‫د‪.‬أكرم ضياء العمري‬
‫د‪.‬ماجد عرسان الكيلني‬
‫والستاذ حكمت بشير ياسين‪.‬‬
‫ملحظة‪:‬‬
‫قد نشرت وقائع الندوة في مجلة " قضايا اسلمية معاصرة " – السنة السابعة –‬
‫العدد ‪ 23‬فصل ربيع ‪ 2003‬م ‪ 1424 /‬هـ – الصفحات ‪ 130‬إلى ‪– 191‬‬
‫التوزيع – الفلح للنشر والتوزيع – بيروت – ص‪ .‬ب‪ 6590/113 .‬هاتف‬
‫وفاكس ‪856677-1-961‬‬

‫‪79‬‬
‫)‪ (21‬د‪ .‬طه جابر العلواني – اصلح الفكر السلمي بين القدرات والعقبات –‬
‫ورقة عمل – سلسلة اسلمية المعرفة – المعهد العالمي للفكر السلمي)‪(9‬‬
‫‪ 1401‬هف ‪ 1981 /‬م (‬

‫)‪ (22‬د‪ .‬طه جابر العلواني – أدب الختلف في السلم – المعهد العالمي للفكر‬
‫السلمي – سلسلة قضايا الفكر السلمي )‪ 1401 – (2‬هف ‪ 1981 /‬م ‪.‬‬

‫)‪ (23‬د‪ .‬طه جابر العلواني – الزمة الفكرية ومناهج التغيير – الفاق والمنطلقات‬
‫– المعهد العالمي للفكر السلمي – سلسلة أبحاث علمية )‪ 1417 – (12‬هف ‪/‬‬
‫‪ 1996‬م(‪.‬‬

‫)‪ (24‬راجع وقائع ندوة منهجية القرآن المعرفية – هامش)‪ – (20‬مجلة ‪ :‬قضايا‬
‫إسلمية معاصرة – مداخلة د‪ .‬محمد عمارة – ص ‪ – 164/170‬كذلك‬
‫مداخلة د ‪ .‬جمال الدين عطية ‪.179 / 174‬‬

‫)‪ (25‬حول مسألة الشهيد محمود محمد طه راجع ‪:‬‬


‫د‪ .‬المكاشفي طه الكباشي – الردة ومحاكمة محمود محمد طه في السودان – دار‬
‫الفكر – الخرطوم – ط ‪ 1987– 1‬م ‪ 1408 /‬هف ‪.‬‬
‫ملحظة ‪ :‬المكاشفي هو الذي أصدر الحكم بالعدام على الشهيد " محمود محمد طففه‬
‫" عام ‪ 1985‬م ثم عين أسففتاذًا للشففريعة بجامعففة الملففك سففعود بالريففاض!!!‬
‫ل ذلك كان مكافأة له !!! وال أعلم !‬
‫عّ‬
‫يراجع كذلك‪:‬‬
‫محجوب عمر باشري – إعدام شعب – ص ‪ – 136‬طباعة ‪ :‬معامل التصوير‬
‫الملون السودانية – الصدار دون تاريخ وأعتقد عام ‪ 1987‬م‪.‬‬

‫)‪ (26‬للكاتب – العالمية السلمية الثانية – جدلية الغيب والنسان والطبيعة –‬


‫المجلد الول –الصفحات من ‪ 114‬وإلى ‪ – 127‬شبهات التداخل بين العالمية‬
‫السلمية الثانية والرسالة الثانية من السلم لمحمود محمد طه ‪-‬‬
‫‪International Studies and Research Bureu – British‬‬
‫‪.West Indies – 1996‬‬

‫)‪ (27‬المصدر السابق – العالمية – المجلد الول – ص ‪. 189/190‬‬

‫)‪ (28‬د‪ .‬محمد عمراني حنشي – النقلبات البولصية في السلم – المعهد العالمي‬
‫للفكر السلمي نموذجًا – الناشر – عبر المؤلف – ص‪.‬ب‪– 2569 .‬‬
‫الرباط المركزي – ‪(Rabat (R.P‬‬

‫‪80‬‬
‫)‪ (29‬محاضرة للكاتب ‪ :‬علقة الدين بالدولة في إطار المفاهيم الدالة على علقة‬
‫ال بالنسان – جامعة أم درمان الهلية – ‪ 25‬ربيع الول ‪ 1421‬هف‬
‫الموافق ‪ 28‬يونيو ) حزيران ( ‪ 2000‬م – نشر وتوزيع المركز السوداني‬
‫للدراسات والخدمات العلمية – سلسلة قضايا فكرية – إصدار رقم ‪. 1‬‬

‫)‪ (30‬د‪ .‬بدران أبو العينين بدران – استاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي‬
‫للقضاء – جامعة المام محمد بن سعود السلمية – السعودية – مؤسسة‬
‫شباب الجامعة – السكندرية – ‪ – 1983‬الصفحات ‪ .22-17-16‬وكذلك‬
‫استاذ ورئيس قسم الشريعة السلمية بكلية الحقوق بجامعة السكندرية‬
‫سابقًا ‪.‬‬

‫)‪ (31‬د‪ .‬محمد حسين الذهبي – السرائيليات في التفسير والحديث – كان المرحوم‬
‫استاذًا لعلوم القرآن والحديث في كلية الشريعة بجامعة الزهر – الصفحات‬
‫‪ – 59/60/61/78/81/85‬مكتبة وهبة – القاهرة –‪ 1406‬هف‪ 1986 /‬م‪.‬‬

‫)‪ (32‬الب آي – بي – برانايس – فضح التلمود – تعاليم الحاخاميين السرية –‬


‫دار النفائس – بيروت – ط ‪ – 3‬أنظر الصفحة ) ‪ ( 57‬حيث يقولون عن‬
‫السيد المسيح أنه كان " إبنًا غير شرعي حملته أمه خلل فترة الحيض وأنه‬
‫مجنون مشعوذ مضلل ‪ ،‬ثم صلب ثم دفن في جهنم " ‪ .‬كما يأمر التلمود‬
‫إتباعه بقتل المسيحيين ) ايهوداه زاراه – ب ‪ " : - 26‬يجب القاء المهرطقين‬
‫والخونة والمرتدين في البئر ‪ ،‬والمتناع عن انقاذهم ‪ " .‬ص ‪ ، ( 139‬وفي )‬
‫سفر اسرائيل – ب ‪ " – 177‬اليهودي الذي يقتل مسيحيًا ل يقترف إثمًا ‪،‬‬
‫بل يقدم إلى ال أضحية مقبولة " – ص ‪ – 146‬نشر الصل " التلمود "‬
‫بالعبرية واللتينية عام ‪ 1892‬م وتمت الترجمة العربية " زهدي الفاتح "‬
‫ونشرها عام ‪ 1405‬هف ‪ 1985 /‬م ‪.‬‬
‫ملحظة ‪ :‬ومع ذلك هناك " مسيحية صهيونية " ؟!‬

‫)‪ " (33‬كتاب الموطأ " للمام مالك ومعه كتاب " اسعاف المبطأ برجال الموطأ "‬
‫لجلل الدين السيوطي – إعداد فاروق سعد – ص ‪ – 950 / 949‬دار‬
‫الفاق الجديدة – بيروت – ‪ 1401‬هف ‪ 1981 /‬م ‪.‬‬

‫)‪ (34‬جبران شامية – السلم ‪ :‬هل يقدم للعالم نظرية للحكم ؟ – دار البحاث‬
‫ل عن فجر السلم "‬‫والنشر – ص ‪ 78‬وإلى ‪ – 80‬بيروت – ‪ 1990‬نق ً‬
‫لحمد أمين "‪.‬‬

‫)‪ (35‬للكاتب ‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫ نوفمبر‬25 – ‫أ – علمانية الخرطوم مطلب إسلمي – صحيفة " الوسط " البحرين‬
. 2002 ( ‫) تشرين ثاني‬
30 – ‫ب – إشكالية العاصمة القومية في السودان – صحيفة " الوسط " – البحرين‬
. 2002 ( ‫نوفمبر ) تشرين ثاني‬

‫ و‬19 ‫( سيد محمد نقيب العطاس – المصدر السابق – مداخلت فلسفية – ص‬36)
. 20

– 71 / 70 ‫ علي حرب – نقد الحقيقة – المركز الثقافي العربي – ص‬. ‫( د‬37)


. ‫ – بيروت‬1993 1 ‫ط‬

‫ كولن باول أم فولتير – وأين القاعدة الجتماعية‬: ‫ من المتحدث‬: ‫( للكاتب‬38)


( ‫ ديسمبر ) كانون أول‬17 – ‫للصلحات؟ – صحيفة الوسط – البحرين‬
. 2002

Zbigniew Brzezinski " Between two ages, America’s Role


in (39) the Technetronic Era – New York, Viking
Press , 1970 .

D.H Meadows , and D.L Meadows, d.Randers and W.W


Behrens (40)
“The Limit to Growth " Second Edition , New America
Library , 1974.

W W W Now . Nz/atp / articles / Catlet (prof Bob Catley,


(41) University of otago, p3 4,5.

Stephen E Ambrose and Douglas G Brinkey


(42)
"Rise to Globalism" – Penguin Books , 5 th Edition Ed,
New York ,1997 .

James D white "Alternative Nations" Futures, vol 30 no 2/3


(43)
p 133 145 , 1998.

82
‫‪Samuel Huntington " the Clash of Civilizations and the‬‬
‫‪remarking‬‬ ‫)‪(44‬‬
‫‪of world order Simon and Schuster New York 1996.‬‬

‫‪Fukuyama " the end of History " , National Interest‬‬


‫‪Summer 1989‬‬ ‫)‪(45‬‬
‫‪p3 – 36.‬‬

‫** المصادر من )‪ (39‬إلى )‪ (45‬مستمدة من دراسة محكمة وغير منشورة‬


‫للدكتور " سلمان رشيد سلمان " بعنوان " البعد الستراتيجي للمعرفة " – مركز‬
‫الخليج للبحاث‪ -‬دبي "‪.‬‬
‫أما مفهوم العولمة المريكية فهو من تحليلي ‪.‬‬

‫)‪ (46‬د‪ .‬مصطفى التير – الدين في المجتمع العربي – مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية والجمعية العربية لعلم الجتماع – ط ‪ – 1‬ص ‪ – 606‬بيروت –‬
‫يونيو ) حزيران ( ‪.1909‬‬

‫)‪ (47‬جون هرمان راندال – تكوين العقل الحديث – مجلدان – ترجمة د‪ .‬جورج‬
‫طعمة – دار الثقافة – بيروت – ‪ 1965‬م‪.‬‬

‫)‪ (48‬د‪ .‬حسن صعب – المفهوم الحديث لرجل الدولة – ص ‪ 61‬إلى ‪– 75‬‬
‫المكتب التجاري للطباعة والنشر – بيروت – ط ‪. 1959 – 1‬‬

‫)‪ (49‬للكاتب – الزمة الفكرية والحضارية للواقع العربي الراهن ) دراسة تحليلية‬
‫لمعالجات الصحوة السلمية والبحث عن القوانين الذاتية للخصوصية‬
‫العربية ( – صحيفة ) الخليج – الشارقة ( بداية من العدد رقم ‪ 2852‬بتاريخ‬
‫‪ /12‬جمادي الول ‪ 1407‬هف الموافق ‪ 11‬فبراير ‪ /‬شباط عام ‪ 1987‬م ‪،‬‬
‫وانتهاء بالعدد رقم ‪ 3049‬بتاريخ ‪ 9‬محرم ‪ 1408‬هف الموافق ‪ 2‬سبتمبر ‪/‬‬
‫أيلول ‪ 1987‬م ‪ .‬ثم قمت بتعميق الدراسة لحقًا حيث قام " المعهد العالمي‬
‫للفكر السلمي " في واشنطن بطبعها وتعميمها في تداول محدود بتاريخ ‪19‬‬
‫شوال ‪ 1410‬هف الموافق ‪ 14‬مايو‪/‬أيار ‪ 1990‬م‪.‬‬

‫)‪ (50‬جابر عصفور – هوامش على دفتر التنوير – إسلم النفط والحداثة – ص‬
‫‪ 83‬إلى ‪ -115‬المركز الثقافي العربي – ط ‪ - 1‬ص ‪ – 83/115‬بيروت –‬
‫الدار البيضاء – المغرب – ط ‪.1994– 1‬‬

‫‪83‬‬
‫)‪ (51‬مجلة المنار – محمد رشيد رضا – ج ‪ – 3‬مجلد ‪ 30 – 26‬ذو الحجة‬
‫‪ 1343‬هف ‪ 21 /‬يوليو ) تموز ( ‪ 1925‬م – ص ‪ – 234/235‬بلغ من‬
‫علماء الحرم المكي الشريف في اتفاقهم مع علماء نجد‪.‬‬

‫)‪ (52‬مجلة المنار – محمد رشيد رضا – ج ‪ – 4‬مجلد ‪30 – 319/320 – 26‬‬
‫صفر – ‪ 1344‬هف‪ 18 /‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪ 1925‬م‪.‬‬

‫)‪ (53‬للكاتب – خصائص النبوة الخاتمة – ندوة المركز السلمي في طرابلس ‪-‬‬
‫ليبيا – ديسمبر ) كانون أول ( ‪. 1991‬‬

‫)‪ (54‬للكاتب – العالمية – مصدر سابق – المجلد الول – مفهوم الميين بمعنى‬
‫غير الكتابيين وليس غير الكاتبين بالخط – ص ‪ 153‬إلى ‪. 162‬‬

‫)‪ (55‬للكاتب – الظاهرة السرائيلية في المنظور السلمي – سلسلة الدراسات‬


‫الفلسطينية – ‪U.S.A. – Raleigh , N .C. 27607 – 1990‬‬

‫)‪ (56‬المعلم بطرس بستاني – ‪ – 1819/1883‬محيط المحيط – مكتبة لبنان –‬


‫طبعة ‪ – 1987‬ص ‪ – 127‬مفردة جنح ‪.‬‬

‫)‪ (57‬العلمة بن منظور – لسان العرب المحيط – المجلد الول – دار لسان‬
‫العرب – يوسف خياط – ص ‪ – 511‬مفردة جنح ‪.‬‬

‫)‪(58‬جورج قرم – تعدد الديان وأنظمة الحكم – دار النهار للنشر – الترجمة‬
‫العربية – ‪ – 1979‬ص ‪ – 11‬بيروت ‪.‬‬

‫)‪ (59‬أرنولد تويني – تاريخ البشرية – الجزء الول – ترجمة نقول زيادة –‬
‫الهلية للنشر والتوزيع – بيروت – ط ‪ – 1988 – 2‬ص ‪ 173‬مع مراجعة‬
‫الصفحات ‪ 196‬وإلى ‪( 270‬‬

‫)‪ (60‬الب آي ‪ .‬بي‪ .‬برانايس – فضح التلمود – دار النفائس – ط ‪ – 3‬بيروت –‬


‫‪ 1405‬هف ‪ 1985 /‬م – ص ‪. 92‬‬

‫)‪ (61‬بحث ) مقدمات قيام العالمية السلمية الثانية ( ألقي في محاضرات المؤتمر‬
‫الذي عقدته ) لجنة فلسطين السلمية ( – المؤتمر الثاني في شيكاغو في نهاية‬
‫ديسمبر ‪ 1989‬م ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫)‪ (62‬فوارق الشرعة والمنهاج بين النسقين السلمي واليهودي – بحث مقدم إلى‬
‫مؤتمر الجامعات الردنية – عمان – الردن – أغسطس ‪ /‬آب ‪ 1994‬م ‪.‬‬

‫)‪ (63‬د‪ .‬نزيه حّماد – معجم المصطلحات القتصادية في لغة الفقهاء – ص ‪116‬‬
‫– المعهد العالمي للفكر السلمي – ‪ 1401‬هف‪ 1981/‬م – هيرندن –‬
‫فرجينيا – الوليات المتحدة المريكية ‪.‬‬

‫)‪ (64‬دراسة ) التأسيس القرآني للمجتمع المعاصر ( وقد ألقيت في ندوة ) تجديد‬
‫الفكر السلمي – نحو مشروع حضاري إسلمي معاصر ( التي أقامها‬
‫المركز السلمي في مالطا بتاريخ ‪ 12‬نوفمبر ‪ 1989‬م‪.‬‬
‫)‪ (65‬حقوق النسان والقرآن في عالم متغير – مؤتمر ) السلم والمسلمون في‬
‫عالم متغير ( من أجل نظام دولي عادل – المجلس السلمي الشيعي العلى –‬
‫بيروت ‪ 28– 24‬أبريل ‪ /‬نيسان ‪ 1994‬م ‪.‬‬

‫)‪ (66‬د‪ .‬كمال عبد اللطيف – الكتابة السياسية عند خير الدين التونسي –‬
‫النتلجنسيا في المغرب العربي – ص ‪ 85‬و ‪ – 93‬دار الحداثة للطباعة‬
‫والنشر – بيروت – ط ‪ 1984 – 1‬م‪.‬‬

‫)‪ (67‬أحمد واعظي المجتمع الديني والمدني– ترجمة حيدر حب ال – دار الهادي‬
‫– إشراف المعهد السلمي للمعارف الحكمية – ص ‪ 81‬إلى ‪ –93‬ط ‪–1‬‬
‫‪ 1421‬هف ‪ 2001 /‬م ‪.‬‬

‫)‪ (68‬للكاتب – السودان‪ :‬المأزق التاريخي وآفاق المستقبل – المجلد الثاني – ص‬


‫‪International Studies and Research-554 /311/387/552‬‬
‫‪-.Bureau- British West Indies – 1996‬‬

‫)‪ (69‬للكاتب – الحركات الدينية – الشكالية المعرفية وعالمية الثقافة المعاصرة –‬


‫ندوة جمعية الدعوة السلمية العالمية – ليبيا – طرابلس – أغسطس ) آب (‬
‫‪.1991‬‬

‫)‪ (70‬كونية القرآن وعالمية السلم – هيئة العمال الفكرية – قاعة الشارقة –‬
‫جامعة الخرطوم – مارس ‪ /‬آذار ‪. 1997‬‬

‫)‪ (71‬محمد حميد ال – مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلفة الراشدة‬
‫– دار النفائس ‪ -‬ط ‪ 1407 – 6‬هف ‪ 1987 /‬م – ص ‪ ) 360‬وهناك زيادات‬
‫أضيفت ل علقة لها بالصل بّينها محمد حميد ال (‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫)‪ (72‬للكاتب – المبادئ التطبيقية لسلمة العلوم الطبيعية والنسانية والجتماعية –‬
‫مجلة ‪ :‬قضايا اسلمية المعرفة – ص ‪ 288 / 273‬السنة السابعة – العدد ‪– 23‬‬
‫ربيع ‪ 2003‬م – ‪ 1424‬هف – توزيع " الفلح للنشر " – بيروت – ص ب‬
‫‪ – 113/ 6590‬هاتف وفاكس‬
‫‪ 961-1-856677‬كذلك نشرت المجلة وقائع الندوة التي ناقشت بحثي حول "‬
‫منهجية القرآن المعرفية " – الصفحات من ‪. 191 / 130‬‬
‫)‪ (73‬للكاتب – العالمية السلمية الثانية ‪ -‬مصدر سابق – المجلد الول – الفرق‬
‫بين السم الحامل ) محمد ( والسم المحمول ) أحمد ( – ص ‪ . 103/104‬وكذلك‬
‫موقفنا والتزامنا بالسنة النبوية ص ‪.62/72‬‬

‫)‪ (74‬للكاتب – العالمية السلمية الثانية – مصدر سابق – المجلد الثاني – ختم‬
‫النبوة وإعادة ترتيب الكتاب ونفي العصمة عن اللحقين – ص ‪. 108/110‬‬

‫ملحظة)أ( ‪ :‬ثبت تاريخ الوقائع أخذ من ‪:‬‬


‫د‪ .‬عبد السلم الترمانيني – أزمنة التاريخ العربي – الجزء الول – المجلد الول –‬
‫قسم التراث العربي – المجلس الوطني للثقافة والفنون والداب – الكويت –‪1402‬‬
‫هف‪ 1982/‬م ‪.‬‬

‫ملحظة)ب( ‪ :‬اعتمدنا فهرسة القرآن الكريم " لمحمد فؤاد عبد الباقي " – المعجم‬
‫المفهرس للفاظ القرآن الكريم – دار الفكر للطباعة – بيروت – ‪ 1406‬هف ‪/‬‬
‫‪ 1986‬م ‪.‬‬
‫مع تقدير ‪:‬‬
‫أن الواضع الصلي للفهرسة القرآنية هو المستشرق اللماني "فلوجل" والذي نشر‬
‫كتابه ‪" :‬نجوم الفرقان في أطراف القرآن " عام ‪ 1842‬م ‪ ،‬وقد أشار " محمد فؤاد‬
‫عبد الباقي " بحكم أمانته العلمية إلى ذلك في المقدمة ‪.‬‬

‫ثلثي ‪:‬العولمة‪ -‬الحركات ‪ -‬النظمة‬

‫سأشير بداية إلى بعض الحوادث التاريخية لعلها تلقي الضوء على بعض النقاط‪:‬‬

‫‪86‬‬
‫لدى تأسيس الملك عبد العزيز للدولة السعودية فان من سانده من الحركات السلفية‬
‫واعني بذلك خصوصا اتباع المذهب النقلي )محمد ابن حنبل‪ -‬ابن تيمية ‪ -‬محمد بن‬
‫عبد الوهاب( والذين اشتد عودهم في الفترة من عام ‪ 1912‬الى العام ‪ 1920‬قد‬
‫انقلبوا على الملك عبد العزيز بسبب مارأوه من مخالفات للدين والعقيدة)حسب وجهة‬
‫نظرهم( فكان مؤتمر الرطاوية)نسبة الى مدينة الرطاوية في نجد فكانت المواجهة‬
‫مع الملك عبد العزيز الذي استعان بعلماء الحجاز والمذاهب الخرى ورفض‬
‫الحادية المذهبية ‪،‬ثم كانت المواجهة العسكرية معهم في معركة آبار السبلة عام‬
‫‪ 1929‬ميلدية وقضى على التطرف الصولي حينها ‪ ،‬وللتأكيد على ذلك فقد قام‬
‫محمد رشيد رضا وهو من اتباع محمد عبده بنشر نتائج الحتماع بين علماء الحجاز‬
‫وعلماء نجد وما انتهوا اليه بشأن رفض الحادية المذهبية في مجلته المنار ‪ ،‬ثم‬
‫كلف الملك عبد العزيز الشيخ محمد رشيد رضا بعقد اول مؤتمر اسلمي لكافة‬
‫المذاهب وذلك في مكة المكرمة )والغرض من ذلك التضييق على الحادية الفكرية(‬
‫‪ ،‬ولكن الحداث الساسية في عهد الملك فيصل قضت على هذا التوجه وذلك بالعودة‬
‫الى المذهب النقلي وذلك لمواجهة الحداث في اليمن والصراع مع عبد الناصر‬
‫والتيارات والحركات القومية والشيوعية والشتراكي‪ ،‬وكان للوافدين من سوريا‬
‫ومصر للعمل الى المملكة دور كبير في رفد هذه الحادية الفكرية ووجدوا في‬
‫السعودية ما لم يكن متاحا لهم في بلدهم ‪ ،‬وتم دمج افكار سيد قطب الحركية‬
‫)المودودية الصل( بالفكر السلفي النقلي لبن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب فخرج‬
‫من عباءة الخوان في مصر جماعات التكفير وغيرها التي وجدت في الجو السائد‬
‫أيام حكم السادات متنفسا لها حيث وظف السادات التيارات الصولية لسكات‬
‫التيارات القومية والناصرية والشيوعية ‪ ،‬فقويت شوكة هذه التيارات الصولية‬
‫بسبب دعم كل من السادات – والدعم الخليجي‪ -‬والمريكي‪ ،‬وكانت حركة جهيمان‬
‫)‪ (1979‬واحتلل الحرم المكي انذارا مبكرا للسعوديين لينتبهوا من هذا الفكر‬
‫الحادي ولكن الجو السياسي العالمي ذي التوجه المريكي لم يكن ليسمح بفتح‬
‫المواجهة الفكرية والعسكرية مع هذه التيارات حيث تم توظيف هذه التيارات‬
‫للجهاز على الوجود السوفيتي في أفغانستان وتم ارسالهم كمحرقة لمريكا‬
‫ولغراض استراتيجية ‪ ،‬لم يستفد منها ال أمريكا وأصبحت كابل أقدس من القدس‪،‬‬
‫ثم استفاقت هذه التيارات بعد عشر سنوات لتكتشف الجهاد المنسي سابقا في بلدها‬
‫ولترتد على حكوماتها وعلى المريكيين وينقلب السحر على الساحر‪ ،‬فهذه التيارات‬
‫ليست أصيلة في مجتمعاتنا وانما هي طارئة ومستحدثة وساعد على تطرفها وتقوية‬
‫شوكتها أنظمة الحكم الستبدادية في بلدنا ‪ ،‬والمصالح السياسية والستراتيجية‬
‫للوليات المتحدة حصرا ‪ ،‬واليوم تذوق النظمة العربية وبال ما اقترفته ايديها سابقا‬
‫وتحاول مواجهته فكريا بنفس المنطق التلفيقي والتبريري للمشايخ والعلماء ‪ ،‬فكيف‬
‫يتم مواجهة هذا الفكر المتطرف بفكر ينبثق من نفس الطار المعرفي والفكري؟؟؟؟؟‬
‫هذا ما يحاول أن يقوم به بعض فقهاء السلطة‪ ،‬وأيضا وبعض المخلصين وبحسن نية‬
‫ولكن حسن النية ل يكفي ‪ ،‬اذ كيف يمكن مواجهة فكر بفكر له نفس السس المعرفية‬
‫والعقدية؟؟؟‬

‫‪87‬‬
‫وكذلك فان التنسيق بين العولمة المريكية والنظمة العربية لضرب هذه التيارات‬
‫لن يكون ال ذا طابع أمني بحت لختلف النسق الثقافي بين هذه النظمة وبين‬
‫العولمة‪ ،‬ولتماثل النسق الثقافي بين هذه النظمة وبين الحركات الصولية فكلهما‬
‫يقتل الخر باسم ال فالصوليون يقتلون بفتوى مركبة على تكتيك حركي ‪،‬‬
‫والنظمة تقتل بفتوى مركبة على تكتيك أمني استخباراتي‪ ،‬لذلك اتفق ثلثي العولمة‬
‫والحركات والنظمة عندما توافق التكتيك الحركي للحركات مع التكتيك المني‬
‫للنظمة مع المصالح الستراتيجية لمريكا في السبعينيات والثمانينيات ‪ ،‬وافترقوا‬
‫عندما افترقت المصالح الستراتيجية لمريكا مع التكتيك الحركي للحركات وبقي‬
‫التنسيق المني بين أمريكا والنظمة واليوم نشهد بدايات الفتراق بين المصالح‬
‫السترتيجية المريكية وبين التكتيكات المنية الستخباراتية التي ركبت عليها‬
‫أنظمة الحكم فبدأت بدعوى الصلح فأين ستنتهي؟؟؟؟؟‬
‫وما هو موقف النظمة العربية؟؟؟؟؟‬
‫والهم ما هو موقف المثقف والمصلح؟‬
‫هل سيبقى ضائعا بين هذه التكتيكات والمصالح أم أين سيتجه؟؟؟‬

‫‪88‬‬

You might also like