You are on page 1of 202

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫والحق أنها دعوة ظالمة ولن تتحقق ولن يقبلها المسلمون والعرب ولن‬
‫يستطيعوا ذلك لو قبلوا بها‪ ،‬ويقول هاملتون جب في نص له‪" :‬إنه ليس في‬
‫وسع العرب أن يتحرروا من ماضيهم الحافل وسيظل السلم أهم صفحة في‬
‫هذا السجل"‪.‬‬
‫في مجال وحدة الفكر السلمي وتكامله‪:‬‬
‫وكذلك جرت إثارة الشبهات حول وحدة السلم ووحدة الفكر السلمي‪.‬‬
‫وفي هذا المجال ترددت الدعوى القائلة بأن السلم دين‪ :‬بالمعنى اللهوتي‬
‫المعروف في الغرب‪ ،‬وهم في هذا ينقضون السلم في أكبر مقوماته؛‬
‫فالسلم دين ونظام مجتمع ومنهج حياة‪ ،‬فإذا فصلت منه الجانب الجتماعي‬
‫وقصرته على جانب العقيدة أو العبادة وحده كان ذلك تحريفا ً خطيرا ً‬
‫لمضامينه وأسسه‪ ،‬ويمكن القول أن الغرب يعرف ذلك ولكنه ينكره من‬
‫ناحيتين‪ :‬من ناحية أنه يريد ان يجعل السلم خاضعا ً لنظرية الفكر الغربي‬
‫التي تفصل بين الدين والمجتمع وبين الخلق والمجتمع‪ .‬وبين التطلع إلى أن‬
‫يفقد السلم أقوى مقوماته فينهار ويصبح مركبا ً ذلول ً للحضارة الغربية‬
‫والستعمار‪ .‬والواقع أن الغرب يخشى السلم في مفهومه الصحيح؛ لنه‬
‫يحول دون نفوذه وسيطرته ويدفع المسلمين إلى مقاومته وتحرير أرضهم‬
‫منه‪.‬‬
‫وهذا هو لب التغريب فإذا وصل إلى إقناع المسلمين بأن السلم دين لهوتي‬
‫فحسب‪ ،‬انفتح الطريق أمام الغزو المادي في مجال الفكر وأمكن إخضاع‬
‫المسلمين لليدلوجيات والفلسفات والمذاهب الجتماعية المختلفة‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إلى تدمير مختلف القيم الخلقية والنفسية والروحية التي بناها السلم‬
‫في المسلمين‪ ،‬وبذلك يصبح الفكر السلمي صورة هزيلة من الفكر الغربي‬
‫الذي يمر الن بأقسى مراحل أزماته واضطرابه بعد أن سقط صريعا ً في‬
‫براثن التلمودية الصهيونية‪.‬‬
‫وفي الفكر السلمي المستمد من السلم يقوم منهج تكامل قطاعات الفكر‬
‫في نسق واحد‪ ،‬فالجتماع والسياسة والدب والتربية والقتصاد هذه وحدات‬
‫وأجزاء وعناصر من شئ واحد هو السلم‪ ،‬وإذا كان الفكر الغربي يجري على‬
‫الفصل بين العناصر والوحدات والجزاء فإن الفكر السلمي ل يقر هذا‬
‫الفصل ويرى فيه تدميرا ً للشخصية النسانية وللمجتمع نفسه‪ ،‬يرى فيه‬
‫قصورا ً في النظرة بإعلء عنصر على عنصر‪ .‬وفي العصر الحديث يعلو عنصر‬
‫المادة ويكاد يسيطر على العناصر الخرى فيصل إلى درجة تشبه درجة‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القداسة‪ ،‬وكذلك فيما يتصل بالعقل والعلم‪ ،‬أما السلم فل يرى المادة‬
‫والروح إل متكاملين‪ ،‬وما العقل والقلب إل عينان في وجه واحد‪ ،‬والدنيا‬
‫والخرة إل متصلين صلة جذرية‪ ،‬فالحياة كلها تدور حول رسالة وتتصل‬
‫بإنسان له مسئوليته الفردية إزاء عمله وجزاءه على هذا العمل‪ ،‬وإنسان‬
‫متصل بمجتمع متفاعل معه‪ ،‬وإنسان له قلب وعقل وروح وجسد ل انفصال‬
‫بينها‪.‬‬
‫ومن هذه الوحدة القائمة بين العناصر في الفكر والحياة في السلم‪،‬‬
‫واللتقاء بين الجزاء ل نجد قضية للخلف بين العلم والدين ول بين الدين‬
‫والضمير‪.‬‬
‫ذلك أن بعض المحاولت جرت لفصل بين الدين والضمير‪ ،‬والقول بأن العمل‬
‫الخلقي يمكن أن يتخذ طريقه دون أن يكون صاحبه عامل ً بأوامر الدين‪،‬‬
‫وتلك دعوة تتردد اليوم بين المسلمين‪ :‬يقول أحدهم‪ :‬أنا أفعل الخير ولكني ل‬
‫أصلي‪.‬‬
‫والواقع أن السلم بحكم أنه منهج متكامل ونظام شامل ل يقر هذا‪ ،‬ولبد‬
‫لي عمل أخلقي أن يتحرك في إطار العقيدة نفسها‪.‬‬
‫ولبد أن ينبعث من اليمان بالله أساسا ً وأن يكون في منزلة الصلة تماما‪ً،‬‬
‫والشبهة هنا هي أن الغربيين حين أرادوا الخروج من الدين وضع فلسفتهم‬
‫مناهج أخلقية حاولوا أن يقولوا أن الناس في حاجة إلى الخلق وأن الخلق‬
‫تقوم على فكرة الواجب وأن الناس تستطيع أن تقدم المعونة والمساعدة‬
‫والحسان والبر دون أن يكون لذلك صلة بدين ما‪ .‬ولكن هذا المفهوم ل يقره‬
‫السلم ول قيمة لي عمل أخلقي ل يرتبط بالتوحيد واليمان الكامل بالسلم‬
‫كله‪ .‬وقد حذر القرآن تحذيرا ً شديدا ً من اليمان ببعض الكتاب‪ ،‬ول ريب أن‬
‫هذا المنهج الخلقي حين انفصل عن الدين في الغرب لم يلبث طويل ً حتى‬
‫ضربته حركة الحتواء التلمودية فظهر منهج المدرسة الجتماعية الذي حطم‬
‫مفهوم الخلق نهائيًا‪.‬‬
‫أما السلم فإن الخلق فيه تقوم على أساس الثبات أول ً وتتصل بالعقيدة‪،‬‬
‫فالخلق في مفهوم السلم تطبيقية وليست نظرية كما هي في الفلسفة‬
‫اليونانية‪ ،‬وليست أخلق سعادة؛ ولكنها أخلق تقوى‪ ،‬لقد كانت الخلق‬
‫اليونانية نظرية خالصة منفصلة عن واقع الحياة‪ ،‬وكانت الفلسفات الهندية‬
‫والمجوسية منعزلة عن المجتمع‪ ،‬وكلهما ل يعترف بواقع الحياة‪ ،‬أما مفهوم‬
‫المجال محاولة لوصف الفكر السلمي بالفكر الديني وهو قول ينبع من‬
‫النشطارية الغربية‪ ،‬ذلك أن السلم ل يفضل الدين عن الدب أو اللغة أو‬
‫التشريع أو القتصاد أو الجتماع‪ ،‬والدين هنا بمعنى توجيه العمل لله وأخلقية‬
‫العمل ومراقبة الله فيه وتحريره من الهوى والغرض‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وفي ضوء ما ذكرنا ليس هناك فكر ديني‪ ،‬أو لغة دينية على النحو الذي يفهمه‬
‫الغربي الذي يفصل بين المفاهيم‪.‬‬
‫وهكذا تختلف نظرة الفكر السلمي عن نظرة الفكر الغربي في أمور كثيرة‪:‬‬
‫وفي مقدمتها البطولة وتقديرها والحتفاء بها‪ ،‬فالسلم ل ينظر إلى البطل أو‬
‫العظيم بقدر ما ينظر إلى عمل البطل‪ ،‬ولذلك فهو حين يحتفي بالبطل يعيد‬
‫الذكر والتقدير لعمله ويدعو إلى النتفاع به‪ ،‬وهذا هو السر الحقيقي وراء‬
‫انصراف السلم عن الصور والتماثيل كوسائل لتكريم البطال‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك أن تلك السماء الكثيرة التي تتردد في الغرب على أنها آلهة وأنصاف‬
‫آلهة‪ ،‬مما اورده اليونان والرومان وغيرهم‪ ،‬لم تكن في الصل إل أبطال ً‬
‫أعجبت بهم أممهم وتعلقت بهم ثم شاءت بعد ذلك أن ترفعهم من مقامهم‬
‫النساني إلى مقام اللهة‪ .‬ثم هي لم تلبث أن انصرفت عن مفهوم التقدير‬
‫العملي لعمل البطل إلى عبادة البطل نفسه‪ ،‬وبذلك نشأت عبادة جديدة‬
‫صرفت الناس عن عبادة الله الواحد الحد‪ ،‬وقد أصبحت عبادة البطال‬
‫وعبادة الجمال وتأليه البطل عبادات تتفق مع طبيعة النفس الغربية التي‬
‫استمدت مفاهيمها في العصر الحديث من الوثنية اليونانية‪.‬‬
‫ومن هنا فقد حرص السلم على تحرير أهله من عبادة الفرد أو عبادة شئ‬
‫ما‪ ،‬إل الله سبحانه وتعالى‪ ،‬ومن هنا كان حرص القرآن على أن يصف أعظم‬
‫شخصية في المسلمين وهو محمد صلى الله عليه وسلم بقوله‪) :‬قل إنما أنا‬
‫ي إنما إلهكم إله واحد(‪ ،‬فالنبي بشر مؤيد بالوحي‪ ،‬يعيش‬ ‫بشر مثلكم يوحى إل ّ‬
‫ً‬
‫ويأكل الطعام ويمشي في السواق ويموت أيضا‪ ،‬أما الله سبحانه وتعالى‬
‫فإنه الحي الذي ل يموت‪ .‬ومن هنا حفظ السلم مفهوم البطولة عن‬
‫النحراف إلى عبادة الفرد وحفظ عبادة الله من الوثنية والشرك‪ .‬لقد رفع‬
‫السلم عن الفكر البشري القيود وحرر العقل البشري من الصفاد‪ .‬ولم‬
‫يجعل للحجار والتماثيل والصنام مكانا ً في إيمانه القائم على التوحيد‬
‫الخالص‪.‬‬
‫أنور الجندي‬

‫)‪(7 /‬‬

‫)‪(9‬‬
‫الشبهات المطروحة في أفق الفكر السلمي‬
‫يواجه المسلمون اليوم مرحلة جديدة من مراحل الغزو الثقافي والتحدي‪:‬‬
‫والمعروف أن المسلمين مروا بمرحلتين هما‪ :‬مرحلة الغزو العسكري‬
‫)الحتلل( ومرحلة المقاومة )الستقلل(‪ ،‬ويمرون اليوم بمرحلة )التحرر(‪.‬‬
‫أما المرحلة الولى فهي المرحلة التي ُفرضت عليهم فيها السيطرة الغربية‬
‫بسطوة نفوذ الحتلل‪ ،‬وفيها سيطر القانون الوضعي ومنهج التعليم الجنبي‬
‫ونظام القتصاد الغربي الربوي‪.‬‬
‫أما المرحلة الثانية فهي المرحلة التي جرت فيها محاولة الموائمة بين الفكر‬
‫الغربي الوافد )وهو الفكر الرأسمالي الليبرالي الديمقراطي الغربي( وبين‬
‫الفكر السلمي‪.‬‬
‫أما المرحلة الثالثة التي نعيشها اليوم فهي مرحلة الترشيد والصالة أو‬
‫محاولة الوصول إلى التحرر الكامل من نفوذ الفكر الجنبي وشبهاته‬
‫وتحدياته‪ ،‬وابتعاث الفكر السلمي الصيل باعتباره هو المصدر الحقيقي‬
‫لنهضة العالم السلمي‪.‬‬
‫وبعد أن تبين بالتجربة الواقعية التاريخية‪ :‬أن محاولة اقتباس الفكر الغربي‬
‫)بشطريه( لم يحقق للمسلمين والعرب النتائج التي كانوا يرجونها من إقامة‬
‫المجتمع القادر على مقاومة الغزو الجنبي‪.‬‬
‫لقد انتهت مرحلة الغزو العسكري والسياسي وبدأت مرحلة الغزو الفكري‬
‫والحضاري‪.‬‬
‫وانتقل العالم السلمي من الخضوع للستعمار )البريطاني والفرنسي‬
‫والهولندي( الغربي إلى مواجهة نوع آخر أشد تحديا ً وخطرا ً هو‪ :‬الغزو‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصهيوني الذي اتخذ من فلسطين رأس جسر في قلب المة العربية في‬
‫محاولة لقامة كيان بديل ووارث للستعمار‪ .‬هذا هو التحدي السياسي‬
‫والجتماعي والحضاري‪ ،‬وقد حمل معه تحديا ً فكريا ً وثقافيا ً يتمثل في‬
‫عشرات من المذاهب والنظريات والمفاهيم والدعوات التي تطرح أمام‬
‫الفكر السلمي منهجا ً مخالفا ً بل معارضا ً لمنهجه الصيل‪.‬‬
‫لقد كان المصلحون المسلمون في المرحلة الماضية يظنون أنه من الجائز‬
‫من‬‫الموائمة بين الفكر الغربي والفكر السلمي‪ ،‬وكان رفاعة الطهطاوي و َ‬
‫بعده إلى محمد عبده يظنون أن الفكر الغربي له مصادر إسلمية وأنه انتقل‬
‫إلى أوربا فتشكل كرة أخرى وأن في استطاعة المسلمين استعادته وصياغته‬
‫من جديد‪.‬‬
‫غير أن الفكر الغربي الذي كان يعتمد على بعض مصادر لها طابع الدين أو‬
‫المثالية أو غيرها من المفاهيم‪ ،‬هذا الفكر قد اختفى وحل بديل ً عنه‪ :‬فكر‬
‫مادي خالص يستمد مصدره الول من المناهج القائمة على اليمان‬
‫بالمحسوس وحده وإنكار ما سواه‪ .‬وبذلك باعد الفكر الغربي بينه وبين الفكر‬
‫السلمي القائم أساسا ً على وحدة المعرفة الجامعة بين العقل والقلب‪،‬‬
‫والروح والمادة‪ ،‬والعلم والدين‪ ،‬والدنيا والخرة‪.‬‬
‫ويرجع هذا التحول في الفكر الغربي إلى خضوعه للفكر الصهيوني التلمودي‬
‫الذي سيطر عليه بعد الثورة الفرنسية ومن قبلها أيضًا‪ ،‬والذي مهد عن طريق‬
‫الماسونية إلى قيام أيدلوجية تلمودية استطاعت أن تحتوي الفكر الغربي‬
‫بشقيه وتسيطر عليه‪.‬‬
‫ومن هنا فقد اتسعت الشقة التي كان يظن بعض مصلحينا أنها يمكن أن تقيم‬
‫جسرا ً أو قنطرة بين الفكر الغربي وبين الفكر السلمي‪.‬‬
‫ولقد كشفت التجارب خلل أكثر من مائة عام أو تزيد أن كل معطيات الفكر‬
‫الغربي لم تحقق للمسلمين شيئا ً في مجال القوة أو البناء أو المقاومة وأنها‬
‫حرمتهم من أهم موارد الحضارة ومصادرها وهي العلوم التكنيكية وأبقتهم‬
‫خاضعين للغرب في مجال استيراد حاجياتهم وتصدير خاماتهم‪ ،‬دون أن يكونوا‬
‫قادرين على استيعاب ثرواتهم ونفطهم ومقدرات حياتهم التي تذخر بها‬
‫منطقة العلم السلمي من دون العلم كله‪.‬‬
‫وفي ظل التحديات التي واجهت المسلمين باحتضان الستعمار للغزو‬
‫الصهيوني كمرحلة أشد خطرا ً من الحتلل نفسه؛ إذا أنها تمثل عملية‬
‫استئصال كامل لصحاب الرض‪ ،‬وفرض نفوذ اقتصادي وفكري واجتماعي‬
‫من شأنه أن يؤثر بالغ الثر في كيان العالم السلمي والمة العربية نفسها‪،‬‬
‫فقد كان لبد للمسلمين والعرب أن يواجهوا الخطر عن طريق التماس منابع‬
‫فكرهم وثقافتهم وعقيدتهم؛ فهي وحدها الضوء الكاشف والنور المبين الذي‬
‫يهديهم إلى منطلق المقاومة والمواجهة والنهضة الحقة‪.‬‬
‫وهكذا تتميز هذه المرحلة الحاضرة بأنها مرحلة الترشيد والصالة والتماس‬
‫منابع الفكر السلمي الذي يستطيع أن يدفع المسلمين والعرب إلى القدرة‬
‫الكاملة لمواجهة الخطر والتغلب عليه‪ ،‬ول ريب أن تاريخ المسلمين حافل‬
‫بمثل هذا الموقف‪ ،‬وقد كان المسلمون دائما ً أقدر على مواجهة جائحات‬
‫سبقت كالتتار والصليبيين والفرنجة عن طريق التماس منهجهم الصحيح‬
‫المستمد من القرآن الكريم‪ ،‬والشريعة السلمية‪ ،‬والوحدة الجامعة‪ ،‬ذلك‬
‫المنهج الذي قدمه لهم السلم وأقام عليه حضارتهم‬
‫ً‬
‫الباذجة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ومجتمعهم الواسع خلل أربعة عشر قرنا‪ ،‬ولقد‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان المسلمون بمنهجهم هذا مقتدرين على المواجهة والنصر‪ ،‬فإذا ما تخلفوا‬
‫عنه كان عدوهم أقدر على هزيمتهم والدالة منهم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ول ريب أن أخطر ما يواجه العرب والمسلمين في هذه المرحلة هو‪ :‬الغزو‬
‫الثقافي‪ ،‬وحملة التشكيك وأثاره روح القنوط واليأس في القلوب والعقول‪.‬‬
‫ولن يتسرب اليأس والقنوط في نفوس المسلمين والعرب إل من مصدر‬
‫واحد‪ :‬هو أنهم يصطنعون المنهج الذي فرض عليهم في مقايسات المور‬
‫وتقدير المواقف وإصدار الحكام‪ :‬هذا المنهج الذي ركز عليه الغزو الثقافي‬
‫والتغريب سنوات وسنوات؛ لكي يحله في النفوس وفي المجتمع مكان‬
‫المنهج الصيل الذي أقام عليه المسلمون حياتهم كلها‪ ،‬ولعل هذا هو أخطر‬
‫سلح تواجه به المم‪ ،‬أن يكون عدوها وخصمها قادرا ً على أن يخرجها من‬
‫دائرة فكرها‪ ،‬لتحكم في أمورها منهجا ً مغايرا ً ل يتصل بمزاجها النفسي ول‬
‫بذاتيتها ول بتكوينها الجتماعي الذي انبنى عليه كيانها منذ أربعة عشر قرنًا‪.‬‬
‫ذلك أن الستعمار والقوى الخارجية الطامعة في مصادر الثروة في عالم‬
‫السلم‪ ،‬كانت تعرف أن هذه المة القرآنية ل يمكن أن تؤتى إل عن طريق‬
‫تزييف مفاهيمها وتشكيكها في قيمها وإحلل منهج غريب عنها في مقايسات‬
‫المور وتقدير المواقف وإصدار الحكام‪ ،‬ولقد كان الغرب والستعمار يعلمان‬
‫مدى قدرة هذه المة استمدادا ً من قيمها‪ ،‬على مواجهة أعدائها وعلى‬
‫الصمود في وجه الغزاة‪ ،‬وقد شكل لها فكرها السلمي أسلوبا ً حاسما ً في‬
‫هذا المحال‪ :‬هو أسلوب الجهاد القادر على رد العدو‪ ،‬والمرابطة الدائمة‪،‬‬
‫والعداد بالقوة‪ ،‬واليقظة الكاملة‪ ،‬وقد كانت منطقة العالم السلمي ول تزال‬
‫وستظل مطمعا ً للمم‪ ،‬ولذلك فقد جهزها الفكر السلمي بالقدرة الدائمة‬
‫على الصمود والهبة‪) :‬ود الذين كفروا لو تغفلوا عن أسلحتكم وأمتعتكم‬
‫فيميلون عليكم ميلة واحدة – وخذوا حذركم(‪.‬‬
‫ومن هناك كان الستعمار والغزو الجنبي يرى من أجل إدامة سيطرته على‬
‫هذه المنطقة الستراتيجية الخطيرة‪ ،‬وذات الكنوز والثروات الضخمة‪ ،‬أن‬
‫يحول هذه المة عن هذه القيم القادرة على المواجهة؛ حتى يخلق منها أمة‬
‫مستسلمة ترضى بالهوان وتخضع للغاصب‪ ،‬وترى أنها داخلة في نطاق ما‬
‫يسمونه الثقافة العالمية أو الوحدة العالمية أو الممية أو غيرها من دعوات‬
‫تريد أن تصهر المسلمين والعرب في أتونها وتضعهم في مجال احتوائها‪.‬‬
‫ونقطة الخطر هنا هي استسلم المسلمين والعرب لمنهج غير منهجهم‬
‫المستمد من فكرهم وتراثهم وعقائدهم‪ ،‬ومنم هنا فإن أزمة المسلمين‬
‫والعرب اليوم هي أزمة منهج‪ ،‬وأن أخطر التحديات التي تواجههم وفي‬
‫مقدمتها الستعمار والصهيونية هي التماس منهجهم الصيل‪.‬‬
‫ول ريب أن للمسلمين منهج ذاتي أصيل قائم بذاته مختلف تمام الختلف عن‬
‫مناهج الشرق والغرب‪ ،‬ذلك هو المنهج النساني الطابع الرباني المصدر‪،‬‬
‫الذي يقوم على الفطرة أساسا ً ويلتقي مع العقل والعلم‪ ،‬وأبرز مفاهيمه‬
‫التوحيد واليمان بالغيب والمسئولية الفردية واللتزام الخلقي‪ ،‬واليمان‬
‫بالجزاء واليوم الخر‪ ،‬وهذا المفهوم في مجموعه كل متكامل‪ ،‬فالسلم يقوم‬
‫في رسالته على أساس الترابط بين القيم‪ ،‬ولما كانت رسالته موجهة إلى‬
‫النسان الذي اسُتخلف في الرض‪ ،‬ولما كان هذا النسان جسم ونفس وعقل‬
‫وقلب ومادة وروح‪ ،‬فإن المنهج هو جامع كذلك ل تنفصل فيه القيم ول‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تنفصل عنده العوالم‪ ،‬فهو أيضا ً يجمع بين عالم الغيب وعالم الشهادة‪.‬‬
‫هذا المنهج هو "السر الحقيقي" وراء المعجزة الكبرى التي أقامت الدولة‬
‫السلمية من الصين إلى فرنسا في أقل من سبعين عامًا؛ لنه التقى‬
‫بالفطرة والنفس النسانية والعقل النساني دون تعارض أو اضطراب‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬وعلى قدر خطر هذا المنهج وأثره في بناء المة السلمية كانت‬
‫الحملة عليه وكانت المحاولة الضارية لثارة الشبهات حوله ومحاولة تدميره‬
‫وتفتيته وإحلل مفهوم آخر بديل له في نفوس المسلمين وعقولهم عن‬
‫طريق الفلسفات والمناهج واليدلوجيات الوافدة‪.‬‬
‫ومن هنا فقد أقامت القوى الستعمارية مخططا ً للغزو الفكري والثقافي‬
‫وضعا ً بهدف السيطرة على النفس السلمية والعقل السلمي كمقدمة‬
‫لخضاع العالم كله اجتماعيا ً وحضاريا ً وكأسلوب لحتواء المة وإدخالها في‬
‫بوتقة النفوذ الممي بحيث ل تكون من بعد قادرة على النبعاث من قيمها‬
‫ومقوماتها الساسية‪.‬‬
‫ولقد بدأ هذا المخطط من وقت مبكر عن طريق التبشير والستشراق‬
‫ومدارس الرساليات وبعض الصحف والمناهج التعليمية والثقافية التي فرضها‬
‫الستعمار على العالم السلمي‪.‬‬
‫تضاعف الخطر بعد أن برزت الصهيونية كعنصر جديد له محاولته الخاصة في‬
‫تزييف التاريخ وتوهين النفس العربية من أجل إحكام السيطرة ومن ثم‬
‫تضاعف المخطط وتوسعت أهدافه وبدأت محاولته تلبس أثوابا ً جديدة وتبرز‬
‫في قوالب ذات طابع علمي براق وتخفي من وراءها السم الزعاف بعد أن‬
‫استطاعت مخططات الغزو الصهيونية السيطرة على الفكر الغربي نفسه‬
‫وانتزاعه من مجال الدين والخلق والحملة عليهما على أساس المذهب‬
‫المادي الوثني‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومن هنا فقد برزت دعوات وعلوم جديدة تحمل طابع المنهج العلمي وهب‬
‫تخفي من وراءها سموم التلمود وأهدافه في تدمير مقومات المم وابتلعها‪.‬‬
‫من أبرز هذه الدعوات والمخططات والمذاهب‪:‬‬
‫ل‪ :‬الدعوة إلى هدم الديان عن طريق علم الديان المقارن والقول بأن‬ ‫أو ً‬
‫المم بدأت وثنية ثم عرفت التوحيد بعد ذلك‪.‬‬
‫وهو قول معارض للحقيقة التي جاءت بها الكتب المنزلة والتي تثبتها كل‬
‫الدلئل التاريخية والكشوف الثرية‪ ،‬والحقيقة أن البشرية بدأت موحدة وأن‬
‫حدًا‪.‬‬
‫آدم أبو البشر كان نبيا ً وكان مو ِ‬
‫ثانيًا‪ :‬الدعوة إلى هدم الخلق عن طريق مذاهب الوجودية والفرويدية وهدم‬
‫السرة عن طريق مذاهب دوركابم وليفي بريل‪.‬‬
‫وتحاول هذه المذاهب أن تشكك في ثبات القيم الخلقية وارتباطها بالنسان‬
‫والدعوة إلى أخلق متطورة تختلف باختلف البيئات والعصور‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الدعوة إلى التماس مفهوم واحد للتاريخ‪ :‬هو التفسير المادي الذي‬
‫طرحة إنجلز وماركس‪ ،‬وهو مفهوم ناقص؛ لنه يتجاهل عوامل كثيرة أخرى‬
‫لها أثرها في توجيه التاريخ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الدعوة إلى إثارة العصبية والعنصرية وإعلء الجناس البيضاء وذلك في‬
‫محاولة لفرض النفوذ الستعماري الغربي على المم الملونة والقول بوصاية‬
‫–زائفة‪ -‬للجنس البيض على العالم والبشرية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خامسًا‪ :‬محاولة إخراج اللغة العربية من مفهومها الذي تختلف به عن اللغات‬


‫بوصفها لغة القرآن‪ ،‬وفرض مناهج في علم اللغات للتحكم فيها وتصويرها‬
‫بأنها لغة قومية فحسب‪ ،‬أي لغة أمة‪ ،‬وإذا كان هذا كقانون لكل لغات العالم‬
‫فإنه يعجز في إقرار ذلك بالنسبة إلى اللغة العربية؛ لنها إلى جانب أنها لغة‬
‫أمة فهي لغة فكر وثقافة وحضارة ودين وأنها تتصل بسبعمائة مليون من‬
‫المسلمين )بالضافة إلى أهلها العرب(‪ ،‬وهدف الحملة على اللغة العربية هو‬
‫خلق عامية تقضي على لغة القرآن وتمزق المة والفكر جميعًا‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الدعوة إلى إحياء الحضارات التي سبقت السلم‪ ،‬وإعادة عرض‬
‫الوثنيات والفلسفات والخرافات والوهام‪.‬‬
‫وتلك محاولة ماكرة مضللة ولكنها فاسدة؛ فقد استطاع السلم في خلل‬
‫أربعة عشر قرنا ً أن يقيم منهجا ً عقليا ً وروحيا ً وأن ينشئ مزاجا ً نفسيا ً وذوقا ً‬
‫خالصا ً مرتبطا ً بالتوحيد والقرآن ومتصل ً بأسباب اليمان بالله له ضوءه الباهر‬
‫الذي ل تستطيع هذه الظلمات أن تقهره‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬الدعوة إلى ما يسمى الدب العربي المعاصر‪ ،‬والفكر العربي المعاصر‬
‫والثقافة العربية المعاصرة‪ ،‬على أن تبدأ هذه الدراسات منذ حملة نابليون‬
‫وربطها بالرساليات والنفوذ الجنبي كأنما هي من معطياته‪ ،‬وهي محاولة‬
‫ماكرة إلى اجتثاث الفكر عن أصوله والفصل بين حاضر العرب والمسلمين‬
‫وبين ماضيهم وخلق ثقافة "لقيطة" ل جذور لها‪ ،‬بل إن هناك محاولة مضللة‬
‫تهدف إلى الحيلولة دون ربط الدب أو الفكر أو الثقافة بتاريخها القديم‬
‫وماضيها العريق‪.‬‬
‫من الحق أن يقال أن اليقظة المعاصرة في الفكر والدب والثقافة جميعا ً‬
‫بدأت من دائرة القرآن وأن جميع الحركات الوطنية والقومية إنما استمدت‬
‫قوتها من مصادر السلم وأنه ل سبيل إلى بناء أدب حديث أو فكر أو ثقافة‬
‫منفصل ً عن اللغة العربية والسلم‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬محاولة الدعاء بأن منطقة البحر البيض المتوسط شهدت حضارة‬
‫واحدة هي التي بدأها الفراعنة والفينيقيون‪ ،‬ونماها الغريق والرومان‪ ،‬ثم‬
‫أتمها الوربيون المعاصرون )وأن دور العرب في هذه الحضارة كان دورا ً‬
‫ثانويًا(‪.‬‬
‫والحقيقة أن هناك حضارتان لكل منهما طابعه المميز هما‪ :‬حضارة التوحيد‬
‫وحضارة الوثنية‪.‬‬
‫وأن السلم هو صانع الحضارة التي اتسمت بهذا المفهوم في مواجهة‬
‫حضارات بدأت بمفاهيم الوثنية وانتهت بمفاهيم المادية وكانت في مختلف‬
‫مراحلها معارضة للحق والعدل والرحمة والخلق‪ ،‬فكانت تضرب واحدة بعد‬
‫أخرى وتسقط؛ لنها تعارض سنن الله في الكون‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬محاولة إلقاء بذور الشبهات حول صلحية الشريعة السلمية للتطبيق‬
‫في العصر الحديث والدعاء بأنها شريعة صحراوية‪ ،‬موقوتة بعصرها وبيئتها‪،‬‬
‫وكل الدلئل العلمية والتاريخية تكذب هذا الدعاء وأقربها مؤتمرات القانون‬
‫الدولي ‪ 1952 ،1937 ،1931‬وكلها إشارات إلى أن الشريعة السلمية‬
‫شريعة مستقلة لها كيانها الخاص وأنها تحمل منهجا ً إنسانيا ً لم تصل إليها‬
‫البشرية بعد وتجري المحاولة التي يفرضها النفوذ الغربي بالدعوة إلى ما‬
‫يسمى تطوير الشريعة ووضعها موضع الحتواء من القانون الوضعي‪ ،‬ولقد‬
‫كان من أعظم المعطيات التي حققتها المة العربية أنها اتخذت من التشريع‬
‫السلمي مصدرا ً أساسيا ً للقانون‪ ،‬ونصت على ذلك في دساتيرها وميثاق‬
‫الوحدة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫عاشرًا‪ :‬استطاعت القوى الستعمارية فرض نظام القتصاد الغربي على‬


‫أغلب أجزاء العالم السلمي‪ ،‬وهو نظام قائم على أساس الربا ومعارض أصل ً‬
‫لمنهج الشريعة السلمية‪ ،‬ولقد قامت في المة العربية محاولت علمية‬
‫تؤيدها الجهات الرسمية إلى بحث إقامة مصرف إسلمي علمي على غير‬
‫أساس الربا والعمل على وضع نظام تحرير المسلمين من قيود النظام‬
‫القتصادي الوافد‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬كان من أخطر محاولت النفوذ الستعماري إيجاد تضارب بين‬
‫العروبة والسلم ومحاولة إقامة مفهوم العروبة على أساس النظريات‬
‫الوافدة والقوميات الوربية‪ ،‬ولقد تنبه المفكرون العرب والمسلمون إلى هذا‬
‫التحدي الخطير وكشفوا عن الرابطة العميقة بين العروبة والسلم‪ ،‬وأشاروا‬
‫إلى أن السلم هو الذي شكل مفهوم العروبة الحق‪ ،‬وأن العرب قبل السلم‬
‫كانوا يؤمنون بالقبلية وأن السلم هو الذي شكلهم كأمة ودفعهم إلى الفاق‬
‫وكتب لهم أعظم صفحات تاريخهم‪.‬‬
‫والعروبة ليست عنصرية؛ وإنما هي قيمة ذاتية في مواجهة الخطر الصهيوني‪،‬‬
‫ولكنها مفتوحة بالثقافة والفكر والعقيدة على العالم السلمي كله وملتقية‬
‫معه‪.‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬تحريف الحقائق بالمبالغة أو النتقاص كالدعاء بأن المسلمين ل‬
‫يتجاوزون الن ‪ 500‬مليون‪ ،‬بينما تقرر الحصائيات المتواضعة أنهم يزيدون‬
‫على سبعمائة مليون‪ ،‬وقد يصلون إلى ألف مليون‪ ،‬وكما نجد في كتب التاريخ‬
‫من محاولت لتصوير البلد العربية بصورة مصغرة أو مهينة أو إثارة الشبهات‬
‫حل تتعارض‬ ‫حول مقدراتها وثرواتها‪ ،‬أو الدعاء بأنها منقسمة إلى مذاهب ون ِ َ‬
‫أو تختلف أو تحول دون قيام وحدة فكر عامة‪ ،‬بينما الحقيقة غير ذلك؛ وأن‬
‫الخلفات المذهبية السلمية هي خلفات في الفروع‪ ،‬أما القيم الساسية‬
‫فإنها واحدة بين جميع المسلمين‪.‬‬
‫ومن هنا فإن علينا أن ننظر في الشبهات المطروحة في أفق الفكر‬
‫السلمي‪.‬‬
‫في مجال اللغة العربية‪:‬‬
‫كذلك جرت المحاولت حول اللغة العربية وإثارة الشبهات حول مكانها‬
‫ودورها الحقيقي في مجال الفكر السلمي وكانت المحاولة تعمل على‬
‫مقارنة اللغة العربية باللغة اللتينية‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫إنه ما دامت اللتينية قد ماتت ودخلت المتحف فلماذا ل تموت اللغة العربية‬
‫وتتفرع عنها لغات إقليمية‪ .‬والحق أن وجه المقارنة غير صحيح وغير صادق؛‬
‫فقد انتهت اللغة اللتينية وتحولت لهجاتها إلى لغات‪ ،‬وليس كذلك ما يحدث‬
‫بالنسبة للغة العربية التي ما زال القرآن يظاهرها ويجعلها ما كتبت منذ أربعة‬
‫عشر قرنا ً مقروءا ً إلى اليوم‪ ،‬بينما لم يحدث ذلك مطلقا ً لي لغة من اللغات‬
‫الحية‪ ،‬التي تتغير كل ثلثة قرون‪ ،‬فامرؤ القيس السابق للسلم نقرأه نحن‬
‫الن ونفهمه بعد أكثر من ‪ 1500‬سنة‪ ،‬بينما شكسبير ل يفهمه النجليز وقد‬
‫مضى عليه ثلثمائة عام تقريبًا‪ ،‬وهذه الظاهرة في اللغة العربية تجعلها ل‬
‫تخضع لعلم اللغات الذي يحاول أن يحكم على كل اللغات بظواهر عامة‬
‫مشتركة‪ .‬ومن تميز اللغة العربية أيضا ً أنها ليست لغة أمة كما يحدث للغات‬
‫جميعًا؛ ولكنها إلى ذلك لغة فكر وثقافة وعقيدة لسبعمائة مليون مسلم‪،‬‬
‫العرب بينهم مائة مليون على الكثر‪ ،‬ومن هنا تنكشف فوارق كثيرة بين اللغة‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العربية لغة القرآن وبين اللغات القديمة كاللتينية واللغات العامة‪.‬‬


‫وقد كانت اللغة العربية بطبيعة تركيبها وتميزها بالقدرة على الشتقاق‬
‫والتوالد عامل ً هاما ً في مكانتها‪ ،‬وقد وصفها أرنست رينان بأنها خلفا ً لكل‬
‫اللغات ظهرت فجأة في غاية الكمال‪ ،‬غنية أي غنى بحيث لم يدخل عليها‬
‫حتى يومنا هذا أي تعديل مهم‪ ،‬فليس لها طفولة ول شيخوخة وأنها ظهرت‬
‫منذ أول أمرها تامة مستحكمة‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد مضى السلم يشق طريقه ومضت معه اللغة العربية‪ ،‬وكان حقا عليها‬
‫أن تصل إلى كل مكان وصل إليه‪ ،‬ولكن الستعمار استطاع منذ أكثر من‬
‫قرنين أن يوقف نموها ويحول بينهما وبين الحركة‪ ،‬وخاصة في ماليزيا‬
‫وإندونيسيا وشرق أفريقيا وغربها‪ ،‬وإعلء شأن اللغات الجنبية واللغات‬
‫القليمية‪ ،‬ولكنها سوف تستطيع بعد أن تتحرر المم من نفوذه الثقافي أن‬
‫تعاود توسعها فتصل إلى كل مكان فيه مسلم‪ ،‬ليس بوصفها لغة فكر وعبادة‬
‫فحسب‪ ،‬ولكن على أنها لغة حديث وكتابة وتعامل بإذن الله‪.‬‬
‫ومن خلل هذا الفهم الصحيح لوضعية اللغة العربية بين اللغات يمكننا أن‬
‫نواجه كل ما يقال عن تطوير اللغة أو تمصير اللغة أو إعلء شأن العاميات‬
‫والدعاء بأنها لغة خاصة ملك لصحابها ونفهم أنها كلها محاولت تستهدف‪:‬‬
‫ل‪ :‬عزل العرب عن الوحدة الكاملة بينهم‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬عزل المسلمين عن العرب‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬عزل المسلمين والعرب عن مستوى البيان في القرآن الكريم‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ول ريب أن اللغة العربية جديرة بأن تلتقي دائما ً في مستوى بيان القرآن وأن‬
‫يرتفع الناس إليها‪ ،‬ول ريب أن الدعوة إلى إقامة لغة وسطى بين الفصحى‬
‫والعامية هي إحدى محاولت الغزو الفكري‪ ،‬وليس لها هدف إل إنزال اللغة‬
‫العربية درجة عن كيانها الذي يرتبط ببلغة القرآن وبذلك تنهدم ركيزة من‬
‫ركائز السلم‪ ،‬وهي حجب المسلمين عن فهم القرآن واستيعابه وهو أمر‬
‫خطير وهام ويحتاج إلى دوام المحافظة على بلغة اللغة وروحها؛ فاللغة‬
‫أساسا ً هي فكر المة‪ ،‬والعربية الفصحى مرتبطة بذاتية السلم ومزاجه‬
‫النفسي والجتماعي‪.‬‬
‫في مجال النهضة‪:‬‬
‫ُتثار في مجال النهضة شبهات منها القول بأن الحضارة الغربية تؤخذ كلها‬
‫)وقد بينا ذلك( ومنها القول بوحدة الثقافة‪ ،‬أو الثقافة العالمية‪ ،‬ذلك أن لكل‬
‫أمة ثقافتها الخاصة التي تستمدها من مقومات وجودها وعقائدها‪ ،‬فالمعرفة‬
‫عالمية والعلم عالمي والحضارة عالمية‪ ،‬ولكن الثقافة ل تكون عالمية بحال‪،‬‬
‫وللعرب والمسلمين ثقافتهم المستمدة من القرآن واللغة العربية ولهم تلك‬
‫الذاتية الخاصة المتميزة المستمدة من التوحيد‪ ،‬ول ريب أننا في هذا الوقت‬
‫بالذات إذا قبلنا بالثقافة العالمية فإن دورنا سيكون دور التابع الذليل الخاضع‬
‫للكيان الضخم الذي تفرضه الثقافة العربية على العالم كله‪ ،‬وهو دور ل نقبله‬
‫ول نرضاه؛ لنه سيقضي على مقوماتنا الخاصة والذاتية‪ ،‬ولقد تقبله أمم ليس‬
‫لها تاريخ ول حضارة‪ ،‬أما المسلمون الذين سيطروا بفكرهم وثقافتهم على‬
‫العالم كله ألف سنة كاملة ل ينازعهم منازع‪ ،‬فإنه من الخزي لهم أن‬
‫يستوعبوا أو يكونوا تابعين أو يوضعوا في مجال الحتواء والنصهار‪.‬‬
‫لقد طرحت الصهيونية العالمية شعار الثقافة كهدف من أهدافها الرامية إلى‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تدمير ثقافات المم وتحطيمها من داخلها وفرض تلك التطورات الفلسفية‬


‫التي دمرت الفكر الغربي واستوعبته‪ ،‬كالوجودية والفرويدية والماركسية‬
‫والهيبية‪.‬‬
‫وهناك فيما يتصل بهذه الدعوة إلى تجزئة الفكر السلم ما يستهدف إثارة‬
‫فكرة "السلم"‪ :‬ونبذ الحروب‪ ،‬والمقاومة السلبية وما إلى ذلك من أفكار‬
‫نسبت إلى تولستوي وغاندي‪ ،‬وحاول بعض الدعاة ردها إلى الديان‪.‬‬
‫والسلم ل يعرف إل منهجا ً كامل ً فيه السلم وفيه الجهاد‪ ،‬وباب الجهاد‬
‫والقتال من أكبر أبواب الشريعة السلمية وهو دعامة أساسية في إقامة‬
‫السلم‪.‬‬
‫ولقد حرص الستعمار الغربي ولسيما البريطاني في الهند أن يفرض مفاهيم‬
‫تحملها جماعات مضللة تصور السلم بصورة السلم القائم على الجبن‬
‫والستسلم للغاصب وكذلك تمكن الستعمار الفرنسي في الجزائر وغيرها‬
‫أن ينحي من دراسات السلم باب الجهاد؛ وذلك إيمانا ً من المستعمرين بأن‬
‫أخطر صفحة تواجههم في السلم هي صفحة الجهاد التي كانت وستظل‬
‫القوة الحقيقية للمقاومة والدفاع عن النفس‪ ،‬وحتى في السلم تكون‬
‫استعدادا ً وتأهبا ً وحماية للثغور وإثارة الرهبة في نفوس العدو‪) :‬وأعدوا لهم ما‬
‫استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم(‪.‬‬
‫ولقد بلغ المر ببعض الكتاب العرب أن يتابعوا المستشرقين فيما يصورونه‬
‫من تفرقة بين السلم في مكة والسلم في المدينة وبين آيات القرآن‬
‫المكي الداعية إلى الترقب والتأهب وبين آيات المدينة التي تحرض‬
‫المسلمين على القتال‪ .‬والواقع أنه ل فارق مطلقا ً بين مرحلتين من دعوة‬
‫واحدة يتكاملن‪ ،‬ذلك أن مناهج الدعوات لبد أن تمر بمرحلة بناء الرجال‬
‫وإعدادهم‪ ،‬ثم تأتي بعد ذلك مرحلة إقامة الدولة على نفس المنهج الصيل‪،‬‬
‫والسلم متكامل ولكن الفكر الغربي الذي يحاول أن يحاكمه ل يؤمن‬
‫بالتكامل وتفترسه النشطارية‪ ،‬بالضافة إلى التعصب وتغليب الهوى على‬
‫جميع البحاث والدراسات التي تتصل بالسلم‪.‬‬
‫ومن عجب أن ل يدعو السلم إلى الحرب والقتال؛ وإنما يدعو إلى السلم‬
‫)يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة(‪ ،‬ولكنه يفرض الحرب في حالة‬
‫الضطرار القصوى‪ ،‬ثم ل يلبث أن يوقفها في حسم إذا قبل خصمه الصلح‪:‬‬
‫)وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله(‪.‬‬
‫وهناك شبهة أخرى تبطل بهذا المجال هي شبهة النفصال عن الماضي‪.‬‬
‫فل يزال الغربيون يرددون القول ول يملون مطالبين المسلمين بأن ينفصلوا‬
‫عن ماضيهم كلية ويرون ذلك هو سبيل القوة‪ ،‬وهم في هذا مضلون‪) :‬وإن‬
‫من في الرض يضلوك عن سبيل الله(‪ ،‬ولو كان هذا منهجا ً صحيحا ً‬ ‫تطع أكثر َ‬
‫ً‬
‫مع كل الناس فلن يكون صحيحا مع المسلمين الذين لهم منهجهم الرباني‬
‫الماضي الذي هداهم دوما ً وكانت هزيمتهم كلما انفصلوا عنه‪ ،‬والوربيون‬
‫الناصحون لم يفعلوا في نهضتهم ما ينصحوننا به‪ ،‬فنحن يطلب إلينا النفصال‬
‫عن الماضي والماضي متصل خلل أربعة عشر قرنا ً لم يتوقف اتصاله‬
‫واستمراره‪ ،‬ونحن ندعى للنفصال عنه وأوربا تعود إلى الماضي وتتبعه من‬
‫جديد بعد أن انفصلت عنه ألف سنة كاملة‪ ،‬تعود لتربط نفسها بالفكر اليوناني‬
‫والحضارة الرومانية التي سقطت عام ‪450‬م وبدأت النهضة عام ‪1400‬‬
‫تقريبًا‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحق أنها دعوة ظالمة ولن تتحقق ولن يقبلها المسلمون والعرب ولن‬
‫يستطيعوا ذلك لو قبلوا بها‪ ،‬ويقول هاملتون جب في نص له‪" :‬إنه ليس في‬
‫وسع العرب أن يتحرروا من ماضيهم الحافل وسيظل السلم أهم صفحة في‬
‫هذا السجل"‪.‬‬
‫في مجال وحدة الفكر السلمي وتكامله‪:‬‬
‫وكذلك جرت إثارة الشبهات حول وحدة السلم ووحدة الفكر السلمي‪.‬‬
‫وفي هذا المجال ترددت الدعوى القائلة بأن السلم دين‪ :‬بالمعنى اللهوتي‬
‫المعروف في الغرب‪ ،‬وهم في هذا ينقضون السلم في أكبر مقوماته؛‬
‫فالسلم دين ونظام مجتمع ومنهج حياة‪ ،‬فإذا فصلت منه الجانب الجتماعي‬
‫وقصرته على جانب العقيدة أو العبادة وحده كان ذلك تحريفا ً خطيرا ً‬
‫لمضامينه وأسسه‪ ،‬ويمكن القول أن الغرب يعرف ذلك ولكنه ينكره من‬
‫ناحيتين‪ :‬من ناحية أنه يريد ان يجعل السلم خاضعا ً لنظرية الفكر الغربي‬
‫التي تفصل بين الدين والمجتمع وبين الخلق والمجتمع‪ .‬وبين التطلع إلى أن‬
‫يفقد السلم أقوى مقوماته فينهار ويصبح مركبا ً ذلول ً للحضارة الغربية‬
‫والستعمار‪ .‬والواقع أن الغرب يخشى السلم في مفهومه الصحيح؛ لنه‬
‫يحول دون نفوذه وسيطرته ويدفع المسلمين إلى مقاومته وتحرير أرضهم‬
‫منه‪.‬‬
‫وهذا هو لب التغريب فإذا وصل إلى إقناع المسلمين بأن السلم دين لهوتي‬
‫فحسب‪ ،‬انفتح الطريق أمام الغزو المادي في مجال الفكر وأمكن إخضاع‬
‫المسلمين لليدلوجيات والفلسفات والمذاهب الجتماعية المختلفة‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إلى تدمير مختلف القيم الخلقية والنفسية والروحية التي بناها السلم‬
‫في المسلمين‪ ،‬وبذلك يصبح الفكر السلمي صورة هزيلة من الفكر الغربي‬
‫الذي يمر الن بأقسى مراحل أزماته واضطرابه بعد أن سقط صريعا ً في‬
‫براثن التلمودية الصهيونية‪.‬‬
‫وفي الفكر السلمي المستمد من السلم يقوم منهج تكامل قطاعات الفكر‬
‫في نسق واحد‪ ،‬فالجتماع والسياسة والدب والتربية والقتصاد هذه وحدات‬
‫وأجزاء وعناصر من شئ واحد هو السلم‪ ،‬وإذا كان الفكر الغربي يجري على‬
‫الفصل بين العناصر والوحدات والجزاء فإن الفكر السلمي ل يقر هذا‬
‫الفصل ويرى فيه تدميرا ً للشخصية النسانية وللمجتمع نفسه‪ ،‬يرى فيه‬
‫قصورا ً في النظرة بإعلء عنصر على عنصر‪ .‬وفي العصر الحديث يعلو عنصر‬
‫المادة ويكاد يسيطر على العناصر الخرى فيصل إلى درجة تشبه درجة‬
‫القداسة‪ ،‬وكذلك فيما يتصل بالعقل والعلم‪ ،‬أما السلم فل يرى المادة‬
‫والروح إل متكاملين‪ ،‬وما العقل والقلب إل عينان في وجه واحد‪ ،‬والدنيا‬
‫والخرة إل متصلين صلة جذرية‪ ،‬فالحياة كلها تدور حول رسالة وتتصل‬
‫بإنسان له مسئوليته الفردية إزاء عمله وجزاءه على هذا العمل‪ ،‬وإنسان‬
‫متصل بمجتمع متفاعل معه‪ ،‬وإنسان له قلب وعقل وروح وجسد ل انفصال‬
‫بينها‪.‬‬
‫ومن هذه الوحدة القائمة بين العناصر في الفكر والحياة في السلم‪،‬‬
‫واللتقاء بين الجزاء ل نجد قضية للخلف بين العلم والدين ول بين الدين‬
‫والضمير‪.‬‬
‫ذلك أن بعض المحاولت جرت لفصل بين الدين والضمير‪ ،‬والقول بأن العمل‬
‫الخلقي يمكن أن يتخذ طريقه دون أن يكون صاحبه عامل ً بأوامر الدين‪،‬‬
‫وتلك دعوة تتردد اليوم بين المسلمين‪ :‬يقول أحدهم‪ :‬أنا أفعل الخير ولكني ل‬
‫أصلي‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والواقع أن السلم بحكم أنه منهج متكامل ونظام شامل ل يقر هذا‪ ،‬ولبد‬
‫لي عمل أخلقي أن يتحرك في إطار العقيدة نفسها‪.‬‬
‫ولبد أن ينبعث من اليمان بالله أساسا ً وأن يكون في منزلة الصلة تماما‪ً،‬‬
‫والشبهة هنا هي أن الغربيين حين أرادوا الخروج من الدين وضع فلسفتهم‬
‫مناهج أخلقية حاولوا أن يقولوا أن الناس في حاجة إلى الخلق وأن الخلق‬
‫تقوم على فكرة الواجب وأن الناس تستطيع أن تقدم المعونة والمساعدة‬
‫والحسان والبر دون أن يكون لذلك صلة بدين ما‪ .‬ولكن هذا المفهوم ل يقره‬
‫السلم ول قيمة لي عمل أخلقي ل يرتبط بالتوحيد واليمان الكامل بالسلم‬
‫كله‪ .‬وقد حذر القرآن تحذيرا ً شديدا ً من اليمان ببعض الكتاب‪ ،‬ول ريب أن‬
‫هذا المنهج الخلقي حين انفصل عن الدين في الغرب لم يلبث طويل ً حتى‬
‫ضربته حركة الحتواء التلمودية فظهر منهج المدرسة الجتماعية الذي حطم‬
‫مفهوم الخلق نهائيًا‪.‬‬
‫أما السلم فإن الخلق فيه تقوم على أساس الثبات أول ً وتتصل بالعقيدة‪،‬‬
‫فالخلق في مفهوم السلم تطبيقية وليست نظرية كما هي في الفلسفة‬
‫اليونانية‪ ،‬وليست أخلق سعادة؛ ولكنها أخلق تقوى‪ ،‬لقد كانت الخلق‬
‫اليونانية نظرية خالصة منفصلة عن واقع الحياة‪ ،‬وكانت الفلسفات الهندية‬
‫والمجوسية منعزلة عن المجتمع‪ ،‬وكلهما ل يعترف بواقع الحياة‪ ،‬أما مفهوم‬
‫المجال محاولة لوصف الفكر السلمي بالفكر الديني وهو قول ينبع من‬
‫النشطارية الغربية‪ ،‬ذلك أن السلم ل يفضل الدين عن الدب أو اللغة أو‬
‫التشريع أو القتصاد أو الجتماع‪ ،‬والدين هنا بمعنى توجيه العمل لله وأخلقية‬
‫العمل ومراقبة الله فيه وتحريره من الهوى والغرض‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وفي ضوء ما ذكرنا ليس هناك فكر ديني‪ ،‬أو لغة دينية على النحو الذي يفهمه‬
‫الغربي الذي يفصل بين المفاهيم‪.‬‬
‫وهكذا تختلف نظرة الفكر السلمي عن نظرة الفكر الغربي في أمور كثيرة‪:‬‬
‫وفي مقدمتها البطولة وتقديرها والحتفاء بها‪ ،‬فالسلم ل ينظر إلى البطل أو‬
‫العظيم بقدر ما ينظر إلى عمل البطل‪ ،‬ولذلك فهو حين يحتفي بالبطل يعيد‬
‫الذكر والتقدير لعمله ويدعو إلى النتفاع به‪ ،‬وهذا هو السر الحقيقي وراء‬
‫انصراف السلم عن الصور والتماثيل كوسائل لتكريم البطال‪.‬‬
‫ذلك أن تلك السماء الكثيرة التي تتردد في الغرب على أنها آلهة وأنصاف‬
‫آلهة‪ ،‬مما اورده اليونان والرومان وغيرهم‪ ،‬لم تكن في الصل إل أبطال ً‬
‫أعجبت بهم أممهم وتعلقت بهم ثم شاءت بعد ذلك أن ترفعهم من مقامهم‬
‫النساني إلى مقام اللهة‪ .‬ثم هي لم تلبث أن انصرفت عن مفهوم التقدير‬
‫العملي لعمل البطل إلى عبادة البطل نفسه‪ ،‬وبذلك نشأت عبادة جديدة‬
‫صرفت الناس عن عبادة الله الواحد الحد‪ ،‬وقد أصبحت عبادة البطال‬
‫وعبادة الجمال وتأليه البطل عبادات تتفق مع طبيعة النفس الغربية التي‬
‫استمدت مفاهيمها في العصر الحديث من الوثنية اليونانية‪.‬‬
‫ومن هنا فقد حرص السلم على تحرير أهله من عبادة الفرد أو عبادة شئ‬
‫ما‪ ،‬إل الله سبحانه وتعالى‪ ،‬ومن هنا كان حرص القرآن على أن يصف أعظم‬
‫شخصية في المسلمين وهو محمد صلى الله عليه وسلم بقوله‪) :‬قل إنما أنا‬
‫ي إنما إلهكم إله واحد(‪ ،‬فالنبي بشر مؤيد بالوحي‪ ،‬يعيش‬ ‫بشر مثلكم يوحى إل ّ‬
‫ً‬
‫ويأكل الطعام ويمشي في السواق ويموت أيضا‪ ،‬أما الله سبحانه وتعالى‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإنه الحي الذي ل يموت‪ .‬ومن هنا حفظ السلم مفهوم البطولة عن‬
‫النحراف إلى عبادة الفرد وحفظ عبادة الله من الوثنية والشرك‪ .‬لقد رفع‬
‫السلم عن الفكر البشري القيود وحرر العقل البشري من الصفاد‪ .‬ولم‬
‫يجعل للحجار والتماثيل والصنام مكانا ً في إيمانه القائم على التوحيد‬
‫الخالص‪.‬‬
‫أنور الجندي‬

‫)‪(7 /‬‬

‫الشبهات المطروحة في أفق الفكر السلمي‬


‫يواجه المسلمون اليوم مرحلة جديدة من مراحل الغزو الثقافي والتحدي‪:‬‬
‫والمعروف أن المسلمين مروا بمرحلتين هما‪ :‬مرحلة الغزو العسكري‬
‫)الحتلل( ومرحلة المقاومة )الستقلل(‪ ،‬ويمرون اليوم بمرحلة )التحرر(‪.‬‬
‫أما المرحلة الولى فهي المرحلة التي ُفرضت عليهم فيها السيطرة الغربية‬
‫بسطوة نفوذ الحتلل‪ ،‬وفيها سيطر القانون الوضعي ومنهج التعليم الجنبي‬
‫ونظام القتصاد الغربي الربوي‪.‬‬
‫أما المرحلة الثانية فهي المرحلة التي جرت فيها محاولة الموائمة بين الفكر‬
‫الغربي الوافد )وهو الفكر الرأسمالي الليبرالي الديمقراطي الغربي( وبين‬
‫الفكر السلمي‪.‬‬
‫أما المرحلة الثالثة التي نعيشها اليوم فهي مرحلة الترشيد والصالة أو‬
‫محاولة الوصول إلى التحرر الكامل من نفوذ الفكر الجنبي وشبهاته‬
‫وتحدياته‪ ،‬وابتعاث الفكر السلمي الصيل باعتباره هو المصدر الحقيقي‬
‫لنهضة العالم السلمي‪.‬‬
‫وبعد أن تبين بالتجربة الواقعية التاريخية‪ :‬أن محاولة اقتباس الفكر الغربي‬
‫)بشطريه( لم يحقق للمسلمين والعرب النتائج التي كانوا يرجونها من إقامة‬
‫المجتمع القادر على مقاومة الغزو الجنبي‪.‬‬
‫لقد انتهت مرحلة الغزو العسكري والسياسي وبدأت مرحلة الغزو الفكري‬
‫والحضاري‪.‬‬
‫وانتقل العالم السلمي من الخضوع للستعمار )البريطاني والفرنسي‬
‫والهولندي( الغربي إلى مواجهة نوع آخر أشد تحديا ً وخطرا ً هو‪ :‬الغزو‬
‫الصهيوني الذي اتخذ من فلسطين رأس جسر في قلب المة العربية في‬
‫محاولة لقامة كيان بديل ووارث للستعمار‪ .‬هذا هو التحدي السياسي‬
‫والجتماعي والحضاري‪ ،‬وقد حمل معه تحديا ً فكريا ً وثقافيا ً يتمثل في‬
‫عشرات من المذاهب والنظريات والمفاهيم والدعوات التي تطرح أمام‬
‫الفكر السلمي منهجا ً مخالفا ً بل معارضا ً لمنهجه الصيل‪.‬‬
‫لقد كان المصلحون المسلمون في المرحلة الماضية يظنون أنه من الجائز‬
‫من‬‫الموائمة بين الفكر الغربي والفكر السلمي‪ ،‬وكان رفاعة الطهطاوي و َ‬
‫بعده إلى محمد عبده يظنون أن الفكر الغربي له مصادر إسلمية وأنه انتقل‬
‫إلى أوربا فتشكل كرة أخرى وأن في استطاعة المسلمين استعادته وصياغته‬
‫من جديد‪.‬‬
‫غير أن الفكر الغربي الذي كان يعتمد على بعض مصادر لها طابع الدين أو‬
‫المثالية أو غيرها من المفاهيم‪ ،‬هذا الفكر قد اختفى وحل بديل ً عنه‪ :‬فكر‬
‫مادي خالص يستمد مصدره الول من المناهج القائمة على اليمان‬
‫بالمحسوس وحده وإنكار ما سواه‪ .‬وبذلك باعد الفكر الغربي بينه وبين الفكر‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمي القائم أساسا ً على وحدة المعرفة الجامعة بين العقل والقلب‪،‬‬
‫والروح والمادة‪ ،‬والعلم والدين‪ ،‬والدنيا والخرة‪.‬‬
‫ويرجع هذا التحول في الفكر الغربي إلى خضوعه للفكر الصهيوني التلمودي‬
‫الذي سيطر عليه بعد الثورة الفرنسية ومن قبلها أيضًا‪ ،‬والذي مهد عن طريق‬
‫الماسونية إلى قيام أيدلوجية تلمودية استطاعت أن تحتوي الفكر الغربي‬
‫بشقيه وتسيطر عليه‪.‬‬
‫ومن هنا فقد اتسعت الشقة التي كان يظن بعض مصلحينا أنها يمكن أن تقيم‬
‫جسرا ً أو قنطرة بين الفكر الغربي وبين الفكر السلمي‪.‬‬
‫ولقد كشفت التجارب خلل أكثر من مائة عام أو تزيد أن كل معطيات الفكر‬
‫الغربي لم تحقق للمسلمين شيئا ً في مجال القوة أو البناء أو المقاومة وأنها‬
‫حرمتهم من أهم موارد الحضارة ومصادرها وهي العلوم التكنيكية وأبقتهم‬
‫خاضعين للغرب في مجال استيراد حاجياتهم وتصدير خاماتهم‪ ،‬دون أن يكونوا‬
‫قادرين على استيعاب ثرواتهم ونفطهم ومقدرات حياتهم التي تذخر بها‬
‫منطقة العلم السلمي من دون العلم كله‪.‬‬
‫وفي ظل التحديات التي واجهت المسلمين باحتضان الستعمار للغزو‬
‫الصهيوني كمرحلة أشد خطرا ً من الحتلل نفسه؛ إذا أنها تمثل عملية‬
‫استئصال كامل لصحاب الرض‪ ،‬وفرض نفوذ اقتصادي وفكري واجتماعي‬
‫من شأنه أن يؤثر بالغ الثر في كيان العالم السلمي والمة العربية نفسها‪،‬‬
‫فقد كان لبد للمسلمين والعرب أن يواجهوا الخطر عن طريق التماس منابع‬
‫فكرهم وثقافتهم وعقيدتهم؛ فهي وحدها الضوء الكاشف والنور المبين الذي‬
‫يهديهم إلى منطلق المقاومة والمواجهة والنهضة الحقة‪.‬‬
‫وهكذا تتميز هذه المرحلة الحاضرة بأنها مرحلة الترشيد والصالة والتماس‬
‫منابع الفكر السلمي الذي يستطيع أن يدفع المسلمين والعرب إلى القدرة‬
‫الكاملة لمواجهة الخطر والتغلب عليه‪ ،‬ول ريب أن تاريخ المسلمين حافل‬
‫بمثل هذا الموقف‪ ،‬وقد كان المسلمون دائما ً أقدر على مواجهة جائحات‬
‫سبقت كالتتار والصليبيين والفرنجة عن طريق التماس منهجهم الصحيح‬
‫المستمد من القرآن الكريم‪ ،‬والشريعة السلمية‪ ،‬والوحدة الجامعة‪ ،‬ذلك‬
‫المنهج الذي قدمه لهم السلم وأقام عليه حضارتهم‬
‫ً‬
‫الباذجة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ومجتمعهم الواسع خلل أربعة عشر قرنا‪ ،‬ولقد‬
‫كان المسلمون بمنهجهم هذا مقتدرين على المواجهة والنصر‪ ،‬فإذا ما تخلفوا‬
‫عنه كان عدوهم أقدر على هزيمتهم والدالة منهم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ول ريب أن أخطر ما يواجه العرب والمسلمين في هذه المرحلة هو‪ :‬الغزو‬
‫الثقافي‪ ،‬وحملة التشكيك وأثاره روح القنوط واليأس في القلوب والعقول‪.‬‬
‫ولن يتسرب اليأس والقنوط في نفوس المسلمين والعرب إل من مصدر‬
‫واحد‪ :‬هو أنهم يصطنعون المنهج الذي فرض عليهم في مقايسات المور‬
‫وتقدير المواقف وإصدار الحكام‪ :‬هذا المنهج الذي ركز عليه الغزو الثقافي‬
‫والتغريب سنوات وسنوات؛ لكي يحله في النفوس وفي المجتمع مكان‬
‫المنهج الصيل الذي أقام عليه المسلمون حياتهم كلها‪ ،‬ولعل هذا هو أخطر‬
‫سلح تواجه به المم‪ ،‬أن يكون عدوها وخصمها قادرا ً على أن يخرجها من‬
‫دائرة فكرها‪ ،‬لتحكم في أمورها منهجا ً مغايرا ً ل يتصل بمزاجها النفسي ول‬
‫بذاتيتها ول بتكوينها الجتماعي الذي انبنى عليه كيانها منذ أربعة عشر قرنًا‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك أن الستعمار والقوى الخارجية الطامعة في مصادر الثروة في عالم‬


‫السلم‪ ،‬كانت تعرف أن هذه المة القرآنية ل يمكن أن تؤتى إل عن طريق‬
‫تزييف مفاهيمها وتشكيكها في قيمها وإحلل منهج غريب عنها في مقايسات‬
‫المور وتقدير المواقف وإصدار الحكام‪ ،‬ولقد كان الغرب والستعمار يعلمان‬
‫مدى قدرة هذه المة استمدادا ً من قيمها‪ ،‬على مواجهة أعدائها وعلى‬
‫الصمود في وجه الغزاة‪ ،‬وقد شكل لها فكرها السلمي أسلوبا ً حاسما ً في‬
‫هذا المحال‪ :‬هو أسلوب الجهاد القادر على رد العدو‪ ،‬والمرابطة الدائمة‪،‬‬
‫والعداد بالقوة‪ ،‬واليقظة الكاملة‪ ،‬وقد كانت منطقة العالم السلمي ول تزال‬
‫وستظل مطمعا ً للمم‪ ،‬ولذلك فقد جهزها الفكر السلمي بالقدرة الدائمة‬
‫على الصمود والهبة‪) :‬ود الذين كفروا لو تغفلوا عن أسلحتكم وأمتعتكم‬
‫فيميلون عليكم ميلة واحدة – وخذوا حذركم(‪.‬‬
‫ومن هناك كان الستعمار والغزو الجنبي يرى من أجل إدامة سيطرته على‬
‫هذه المنطقة الستراتيجية الخطيرة‪ ،‬وذات الكنوز والثروات الضخمة‪ ،‬أن‬
‫يحول هذه المة عن هذه القيم القادرة على المواجهة؛ حتى يخلق منها أمة‬
‫مستسلمة ترضى بالهوان وتخضع للغاصب‪ ،‬وترى أنها داخلة في نطاق ما‬
‫يسمونه الثقافة العالمية أو الوحدة العالمية أو الممية أو غيرها من دعوات‬
‫تريد أن تصهر المسلمين والعرب في أتونها وتضعهم في مجال احتوائها‪.‬‬
‫ونقطة الخطر هنا هي استسلم المسلمين والعرب لمنهج غير منهجهم‬
‫المستمد من فكرهم وتراثهم وعقائدهم‪ ،‬ومنم هنا فإن أزمة المسلمين‬
‫والعرب اليوم هي أزمة منهج‪ ،‬وأن أخطر التحديات التي تواجههم وفي‬
‫مقدمتها الستعمار والصهيونية هي التماس منهجهم الصيل‪.‬‬
‫ول ريب أن للمسلمين منهج ذاتي أصيل قائم بذاته مختلف تمام الختلف عن‬
‫مناهج الشرق والغرب‪ ،‬ذلك هو المنهج النساني الطابع الرباني المصدر‪،‬‬
‫الذي يقوم على الفطرة أساسا ً ويلتقي مع العقل والعلم‪ ،‬وأبرز مفاهيمه‬
‫التوحيد واليمان بالغيب والمسئولية الفردية واللتزام الخلقي‪ ،‬واليمان‬
‫بالجزاء واليوم الخر‪ ،‬وهذا المفهوم في مجموعه كل متكامل‪ ،‬فالسلم يقوم‬
‫في رسالته على أساس الترابط بين القيم‪ ،‬ولما كانت رسالته موجهة إلى‬
‫النسان الذي اسُتخلف في الرض‪ ،‬ولما كان هذا النسان جسم ونفس وعقل‬
‫وقلب ومادة وروح‪ ،‬فإن المنهج هو جامع كذلك ل تنفصل فيه القيم ول‬
‫تنفصل عنده العوالم‪ ،‬فهو أيضا ً يجمع بين عالم الغيب وعالم الشهادة‪.‬‬
‫هذا المنهج هو "السر الحقيقي" وراء المعجزة الكبرى التي أقامت الدولة‬
‫السلمية من الصين إلى فرنسا في أقل من سبعين عامًا؛ لنه التقى‬
‫بالفطرة والنفس النسانية والعقل النساني دون تعارض أو اضطراب‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬وعلى قدر خطر هذا المنهج وأثره في بناء المة السلمية كانت‬
‫الحملة عليه وكانت المحاولة الضارية لثارة الشبهات حوله ومحاولة تدميره‬
‫وتفتيته وإحلل مفهوم آخر بديل له في نفوس المسلمين وعقولهم عن‬
‫طريق الفلسفات والمناهج واليدلوجيات الوافدة‪.‬‬
‫ومن هنا فقد أقامت القوى الستعمارية مخططا ً للغزو الفكري والثقافي‬
‫وضعا ً بهدف السيطرة على النفس السلمية والعقل السلمي كمقدمة‬
‫لخضاع العالم كله اجتماعيا ً وحضاريا ً وكأسلوب لحتواء المة وإدخالها في‬
‫بوتقة النفوذ الممي بحيث ل تكون من بعد قادرة على النبعاث من قيمها‬
‫ومقوماتها الساسية‪.‬‬
‫ولقد بدأ هذا المخطط من وقت مبكر عن طريق التبشير والستشراق‬
‫ومدارس الرساليات وبعض الصحف والمناهج التعليمية والثقافية التي فرضها‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستعمار على العالم السلمي‪.‬‬


‫تضاعف الخطر بعد أن برزت الصهيونية كعنصر جديد له محاولته الخاصة في‬
‫تزييف التاريخ وتوهين النفس العربية من أجل إحكام السيطرة ومن ثم‬
‫تضاعف المخطط وتوسعت أهدافه وبدأت محاولته تلبس أثوابا ً جديدة وتبرز‬
‫في قوالب ذات طابع علمي براق وتخفي من وراءها السم الزعاف بعد أن‬
‫استطاعت مخططات الغزو الصهيونية السيطرة على الفكر الغربي نفسه‬
‫وانتزاعه من مجال الدين والخلق والحملة عليهما على أساس المذهب‬
‫المادي الوثني‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومن هنا فقد برزت دعوات وعلوم جديدة تحمل طابع المنهج العلمي وهب‬
‫تخفي من وراءها سموم التلمود وأهدافه في تدمير مقومات المم وابتلعها‪.‬‬
‫من أبرز هذه الدعوات والمخططات والمذاهب‪:‬‬
‫ل‪ :‬الدعوة إلى هدم الديان عن طريق علم الديان المقارن والقول بأن‬ ‫أو ً‬
‫المم بدأت وثنية ثم عرفت التوحيد بعد ذلك‪.‬‬
‫وهو قول معارض للحقيقة التي جاءت بها الكتب المنزلة والتي تثبتها كل‬
‫الدلئل التاريخية والكشوف الثرية‪ ،‬والحقيقة أن البشرية بدأت موحدة وأن‬
‫حدًا‪.‬‬
‫آدم أبو البشر كان نبيا ً وكان مو ِ‬
‫ثانيًا‪ :‬الدعوة إلى هدم الخلق عن طريق مذاهب الوجودية والفرويدية وهدم‬
‫السرة عن طريق مذاهب دوركابم وليفي بريل‪.‬‬
‫وتحاول هذه المذاهب أن تشكك في ثبات القيم الخلقية وارتباطها بالنسان‬
‫والدعوة إلى أخلق متطورة تختلف باختلف البيئات والعصور‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الدعوة إلى التماس مفهوم واحد للتاريخ‪ :‬هو التفسير المادي الذي‬
‫طرحة إنجلز وماركس‪ ،‬وهو مفهوم ناقص؛ لنه يتجاهل عوامل كثيرة أخرى‬
‫لها أثرها في توجيه التاريخ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الدعوة إلى إثارة العصبية والعنصرية وإعلء الجناس البيضاء وذلك في‬
‫محاولة لفرض النفوذ الستعماري الغربي على المم الملونة والقول بوصاية‬
‫–زائفة‪ -‬للجنس البيض على العالم والبشرية‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬محاولة إخراج اللغة العربية من مفهومها الذي تختلف به عن اللغات‬
‫بوصفها لغة القرآن‪ ،‬وفرض مناهج في علم اللغات للتحكم فيها وتصويرها‬
‫بأنها لغة قومية فحسب‪ ،‬أي لغة أمة‪ ،‬وإذا كان هذا كقانون لكل لغات العالم‬
‫فإنه يعجز في إقرار ذلك بالنسبة إلى اللغة العربية؛ لنها إلى جانب أنها لغة‬
‫أمة فهي لغة فكر وثقافة وحضارة ودين وأنها تتصل بسبعمائة مليون من‬
‫المسلمين )بالضافة إلى أهلها العرب(‪ ،‬وهدف الحملة على اللغة العربية هو‬
‫خلق عامية تقضي على لغة القرآن وتمزق المة والفكر جميعًا‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الدعوة إلى إحياء الحضارات التي سبقت السلم‪ ،‬وإعادة عرض‬
‫الوثنيات والفلسفات والخرافات والوهام‪.‬‬
‫وتلك محاولة ماكرة مضللة ولكنها فاسدة؛ فقد استطاع السلم في خلل‬
‫أربعة عشر قرنا ً أن يقيم منهجا ً عقليا ً وروحيا ً وأن ينشئ مزاجا ً نفسيا ً وذوقا ً‬
‫خالصا ً مرتبطا ً بالتوحيد والقرآن ومتصل ً بأسباب اليمان بالله له ضوءه الباهر‬
‫الذي ل تستطيع هذه الظلمات أن تقهره‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬الدعوة إلى ما يسمى الدب العربي المعاصر‪ ،‬والفكر العربي المعاصر‬
‫والثقافة العربية المعاصرة‪ ،‬على أن تبدأ هذه الدراسات منذ حملة نابليون‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وربطها بالرساليات والنفوذ الجنبي كأنما هي من معطياته‪ ،‬وهي محاولة‬


‫ماكرة إلى اجتثاث الفكر عن أصوله والفصل بين حاضر العرب والمسلمين‬
‫وبين ماضيهم وخلق ثقافة "لقيطة" ل جذور لها‪ ،‬بل إن هناك محاولة مضللة‬
‫تهدف إلى الحيلولة دون ربط الدب أو الفكر أو الثقافة بتاريخها القديم‬
‫وماضيها العريق‪.‬‬
‫من الحق أن يقال أن اليقظة المعاصرة في الفكر والدب والثقافة جميعا ً‬
‫بدأت من دائرة القرآن وأن جميع الحركات الوطنية والقومية إنما استمدت‬
‫قوتها من مصادر السلم وأنه ل سبيل إلى بناء أدب حديث أو فكر أو ثقافة‬
‫منفصل ً عن اللغة العربية والسلم‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬محاولة الدعاء بأن منطقة البحر البيض المتوسط شهدت حضارة‬
‫واحدة هي التي بدأها الفراعنة والفينيقيون‪ ،‬ونماها الغريق والرومان‪ ،‬ثم‬
‫أتمها الوربيون المعاصرون )وأن دور العرب في هذه الحضارة كان دورا ً‬
‫ثانويًا(‪.‬‬
‫والحقيقة أن هناك حضارتان لكل منهما طابعه المميز هما‪ :‬حضارة التوحيد‬
‫وحضارة الوثنية‪.‬‬
‫وأن السلم هو صانع الحضارة التي اتسمت بهذا المفهوم في مواجهة‬
‫حضارات بدأت بمفاهيم الوثنية وانتهت بمفاهيم المادية وكانت في مختلف‬
‫مراحلها معارضة للحق والعدل والرحمة والخلق‪ ،‬فكانت تضرب واحدة بعد‬
‫أخرى وتسقط؛ لنها تعارض سنن الله في الكون‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬محاولة إلقاء بذور الشبهات حول صلحية الشريعة السلمية للتطبيق‬
‫في العصر الحديث والدعاء بأنها شريعة صحراوية‪ ،‬موقوتة بعصرها وبيئتها‪،‬‬
‫وكل الدلئل العلمية والتاريخية تكذب هذا الدعاء وأقربها مؤتمرات القانون‬
‫الدولي ‪ 1952 ،1937 ،1931‬وكلها إشارات إلى أن الشريعة السلمية‬
‫شريعة مستقلة لها كيانها الخاص وأنها تحمل منهجا ً إنسانيا ً لم تصل إليها‬
‫البشرية بعد وتجري المحاولة التي يفرضها النفوذ الغربي بالدعوة إلى ما‬
‫يسمى تطوير الشريعة ووضعها موضع الحتواء من القانون الوضعي‪ ،‬ولقد‬
‫كان من أعظم المعطيات التي حققتها المة العربية أنها اتخذت من التشريع‬
‫السلمي مصدرا ً أساسيا ً للقانون‪ ،‬ونصت على ذلك في دساتيرها وميثاق‬
‫الوحدة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫عاشرًا‪ :‬استطاعت القوى الستعمارية فرض نظام القتصاد الغربي على‬


‫أغلب أجزاء العالم السلمي‪ ،‬وهو نظام قائم على أساس الربا ومعارض أصل ً‬
‫لمنهج الشريعة السلمية‪ ،‬ولقد قامت في المة العربية محاولت علمية‬
‫تؤيدها الجهات الرسمية إلى بحث إقامة مصرف إسلمي علمي على غير‬
‫أساس الربا والعمل على وضع نظام تحرير المسلمين من قيود النظام‬
‫القتصادي الوافد‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬كان من أخطر محاولت النفوذ الستعماري إيجاد تضارب بين‬
‫العروبة والسلم ومحاولة إقامة مفهوم العروبة على أساس النظريات‬
‫الوافدة والقوميات الوربية‪ ،‬ولقد تنبه المفكرون العرب والمسلمون إلى هذا‬
‫التحدي الخطير وكشفوا عن الرابطة العميقة بين العروبة والسلم‪ ،‬وأشاروا‬
‫إلى أن السلم هو الذي شكل مفهوم العروبة الحق‪ ،‬وأن العرب قبل السلم‬
‫كانوا يؤمنون بالقبلية وأن السلم هو الذي شكلهم كأمة ودفعهم إلى الفاق‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكتب لهم أعظم صفحات تاريخهم‪.‬‬


‫والعروبة ليست عنصرية؛ وإنما هي قيمة ذاتية في مواجهة الخطر الصهيوني‪،‬‬
‫ولكنها مفتوحة بالثقافة والفكر والعقيدة على العالم السلمي كله وملتقية‬
‫معه‪.‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬تحريف الحقائق بالمبالغة أو النتقاص كالدعاء بأن المسلمين ل‬
‫يتجاوزون الن ‪ 500‬مليون‪ ،‬بينما تقرر الحصائيات المتواضعة أنهم يزيدون‬
‫على سبعمائة مليون‪ ،‬وقد يصلون إلى ألف مليون‪ ،‬وكما نجد في كتب التاريخ‬
‫من محاولت لتصوير البلد العربية بصورة مصغرة أو مهينة أو إثارة الشبهات‬
‫حل تتعارض‬ ‫حول مقدراتها وثرواتها‪ ،‬أو الدعاء بأنها منقسمة إلى مذاهب ون ِ َ‬
‫أو تختلف أو تحول دون قيام وحدة فكر عامة‪ ،‬بينما الحقيقة غير ذلك؛ وأن‬
‫الخلفات المذهبية السلمية هي خلفات في الفروع‪ ،‬أما القيم الساسية‬
‫فإنها واحدة بين جميع المسلمين‪.‬‬
‫ومن هنا فإن علينا أن ننظر في الشبهات المطروحة في أفق الفكر‬
‫السلمي‪.‬‬
‫في مجال اللغة العربية‪:‬‬
‫كذلك جرت المحاولت حول اللغة العربية وإثارة الشبهات حول مكانها‬
‫ودورها الحقيقي في مجال الفكر السلمي وكانت المحاولة تعمل على‬
‫مقارنة اللغة العربية باللغة اللتينية‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫إنه ما دامت اللتينية قد ماتت ودخلت المتحف فلماذا ل تموت اللغة العربية‬
‫وتتفرع عنها لغات إقليمية‪ .‬والحق أن وجه المقارنة غير صحيح وغير صادق؛‬
‫فقد انتهت اللغة اللتينية وتحولت لهجاتها إلى لغات‪ ،‬وليس كذلك ما يحدث‬
‫بالنسبة للغة العربية التي ما زال القرآن يظاهرها ويجعلها ما كتبت منذ أربعة‬
‫عشر قرنا ً مقروءا ً إلى اليوم‪ ،‬بينما لم يحدث ذلك مطلقا ً لي لغة من اللغات‬
‫الحية‪ ،‬التي تتغير كل ثلثة قرون‪ ،‬فامرؤ القيس السابق للسلم نقرأه نحن‬
‫الن ونفهمه بعد أكثر من ‪ 1500‬سنة‪ ،‬بينما شكسبير ل يفهمه النجليز وقد‬
‫مضى عليه ثلثمائة عام تقريبًا‪ ،‬وهذه الظاهرة في اللغة العربية تجعلها ل‬
‫تخضع لعلم اللغات الذي يحاول أن يحكم على كل اللغات بظواهر عامة‬
‫مشتركة‪ .‬ومن تميز اللغة العربية أيضا ً أنها ليست لغة أمة كما يحدث للغات‬
‫جميعًا؛ ولكنها إلى ذلك لغة فكر وثقافة وعقيدة لسبعمائة مليون مسلم‪،‬‬
‫العرب بينهم مائة مليون على الكثر‪ ،‬ومن هنا تنكشف فوارق كثيرة بين اللغة‬
‫العربية لغة القرآن وبين اللغات القديمة كاللتينية واللغات العامة‪.‬‬
‫وقد كانت اللغة العربية بطبيعة تركيبها وتميزها بالقدرة على الشتقاق‬
‫والتوالد عامل ً هاما ً في مكانتها‪ ،‬وقد وصفها أرنست رينان بأنها خلفا ً لكل‬
‫اللغات ظهرت فجأة في غاية الكمال‪ ،‬غنية أي غنى بحيث لم يدخل عليها‬
‫حتى يومنا هذا أي تعديل مهم‪ ،‬فليس لها طفولة ول شيخوخة وأنها ظهرت‬
‫منذ أول أمرها تامة مستحكمة‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد مضى السلم يشق طريقه ومضت معه اللغة العربية‪ ،‬وكان حقا عليها‬
‫أن تصل إلى كل مكان وصل إليه‪ ،‬ولكن الستعمار استطاع منذ أكثر من‬
‫قرنين أن يوقف نموها ويحول بينهما وبين الحركة‪ ،‬وخاصة في ماليزيا‬
‫وإندونيسيا وشرق أفريقيا وغربها‪ ،‬وإعلء شأن اللغات الجنبية واللغات‬
‫القليمية‪ ،‬ولكنها سوف تستطيع بعد أن تتحرر المم من نفوذه الثقافي أن‬
‫تعاود توسعها فتصل إلى كل مكان فيه مسلم‪ ،‬ليس بوصفها لغة فكر وعبادة‬
‫فحسب‪ ،‬ولكن على أنها لغة حديث وكتابة وتعامل بإذن الله‪.‬‬
‫ومن خلل هذا الفهم الصحيح لوضعية اللغة العربية بين اللغات يمكننا أن‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نواجه كل ما يقال عن تطوير اللغة أو تمصير اللغة أو إعلء شأن العاميات‬


‫والدعاء بأنها لغة خاصة ملك لصحابها ونفهم أنها كلها محاولت تستهدف‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬عزل العرب عن الوحدة الكاملة بينهم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬عزل المسلمين عن العرب‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬عزل المسلمين والعرب عن مستوى البيان في القرآن الكريم‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ول ريب أن اللغة العربية جديرة بأن تلتقي دائما ً في مستوى بيان القرآن وأن‬
‫يرتفع الناس إليها‪ ،‬ول ريب أن الدعوة إلى إقامة لغة وسطى بين الفصحى‬
‫والعامية هي إحدى محاولت الغزو الفكري‪ ،‬وليس لها هدف إل إنزال اللغة‬
‫العربية درجة عن كيانها الذي يرتبط ببلغة القرآن وبذلك تنهدم ركيزة من‬
‫ركائز السلم‪ ،‬وهي حجب المسلمين عن فهم القرآن واستيعابه وهو أمر‬
‫خطير وهام ويحتاج إلى دوام المحافظة على بلغة اللغة وروحها؛ فاللغة‬
‫أساسا ً هي فكر المة‪ ،‬والعربية الفصحى مرتبطة بذاتية السلم ومزاجه‬
‫النفسي والجتماعي‪.‬‬
‫في مجال النهضة‪:‬‬
‫ُتثار في مجال النهضة شبهات منها القول بأن الحضارة الغربية تؤخذ كلها‬
‫)وقد بينا ذلك( ومنها القول بوحدة الثقافة‪ ،‬أو الثقافة العالمية‪ ،‬ذلك أن لكل‬
‫أمة ثقافتها الخاصة التي تستمدها من مقومات وجودها وعقائدها‪ ،‬فالمعرفة‬
‫عالمية والعلم عالمي والحضارة عالمية‪ ،‬ولكن الثقافة ل تكون عالمية بحال‪،‬‬
‫وللعرب والمسلمين ثقافتهم المستمدة من القرآن واللغة العربية ولهم تلك‬
‫الذاتية الخاصة المتميزة المستمدة من التوحيد‪ ،‬ول ريب أننا في هذا الوقت‬
‫بالذات إذا قبلنا بالثقافة العالمية فإن دورنا سيكون دور التابع الذليل الخاضع‬
‫للكيان الضخم الذي تفرضه الثقافة العربية على العالم كله‪ ،‬وهو دور ل نقبله‬
‫ول نرضاه؛ لنه سيقضي على مقوماتنا الخاصة والذاتية‪ ،‬ولقد تقبله أمم ليس‬
‫لها تاريخ ول حضارة‪ ،‬أما المسلمون الذين سيطروا بفكرهم وثقافتهم على‬
‫العالم كله ألف سنة كاملة ل ينازعهم منازع‪ ،‬فإنه من الخزي لهم أن‬
‫يستوعبوا أو يكونوا تابعين أو يوضعوا في مجال الحتواء والنصهار‪.‬‬
‫لقد طرحت الصهيونية العالمية شعار الثقافة كهدف من أهدافها الرامية إلى‬
‫تدمير ثقافات المم وتحطيمها من داخلها وفرض تلك التطورات الفلسفية‬
‫التي دمرت الفكر الغربي واستوعبته‪ ،‬كالوجودية والفرويدية والماركسية‬
‫والهيبية‪.‬‬
‫وهناك فيما يتصل بهذه الدعوة إلى تجزئة الفكر السلم ما يستهدف إثارة‬
‫فكرة "السلم"‪ :‬ونبذ الحروب‪ ،‬والمقاومة السلبية وما إلى ذلك من أفكار‬
‫نسبت إلى تولستوي وغاندي‪ ،‬وحاول بعض الدعاة ردها إلى الديان‪.‬‬
‫والسلم ل يعرف إل منهجا ً كامل ً فيه السلم وفيه الجهاد‪ ،‬وباب الجهاد‬
‫والقتال من أكبر أبواب الشريعة السلمية وهو دعامة أساسية في إقامة‬
‫السلم‪.‬‬
‫ولقد حرص الستعمار الغربي ولسيما البريطاني في الهند أن يفرض مفاهيم‬
‫تحملها جماعات مضللة تصور السلم بصورة السلم القائم على الجبن‬
‫والستسلم للغاصب وكذلك تمكن الستعمار الفرنسي في الجزائر وغيرها‬
‫أن ينحي من دراسات السلم باب الجهاد؛ وذلك إيمانا ً من المستعمرين بأن‬
‫أخطر صفحة تواجههم في السلم هي صفحة الجهاد التي كانت وستظل‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القوة الحقيقية للمقاومة والدفاع عن النفس‪ ،‬وحتى في السلم تكون‬


‫استعدادا ً وتأهبا ً وحماية للثغور وإثارة الرهبة في نفوس العدو‪) :‬وأعدوا لهم ما‬
‫استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم(‪.‬‬
‫ولقد بلغ المر ببعض الكتاب العرب أن يتابعوا المستشرقين فيما يصورونه‬
‫من تفرقة بين السلم في مكة والسلم في المدينة وبين آيات القرآن‬
‫المكي الداعية إلى الترقب والتأهب وبين آيات المدينة التي تحرض‬
‫المسلمين على القتال‪ .‬والواقع أنه ل فارق مطلقا ً بين مرحلتين من دعوة‬
‫واحدة يتكاملن‪ ،‬ذلك أن مناهج الدعوات لبد أن تمر بمرحلة بناء الرجال‬
‫وإعدادهم‪ ،‬ثم تأتي بعد ذلك مرحلة إقامة الدولة على نفس المنهج الصيل‪،‬‬
‫والسلم متكامل ولكن الفكر الغربي الذي يحاول أن يحاكمه ل يؤمن‬
‫بالتكامل وتفترسه النشطارية‪ ،‬بالضافة إلى التعصب وتغليب الهوى على‬
‫جميع البحاث والدراسات التي تتصل بالسلم‪.‬‬
‫ومن عجب أن ل يدعو السلم إلى الحرب والقتال؛ وإنما يدعو إلى السلم‬
‫)يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة(‪ ،‬ولكنه يفرض الحرب في حالة‬
‫الضطرار القصوى‪ ،‬ثم ل يلبث أن يوقفها في حسم إذا قبل خصمه الصلح‪:‬‬
‫)وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله(‪.‬‬
‫وهناك شبهة أخرى تبطل بهذا المجال هي شبهة النفصال عن الماضي‪.‬‬
‫فل يزال الغربيون يرددون القول ول يملون مطالبين المسلمين بأن ينفصلوا‬
‫عن ماضيهم كلية ويرون ذلك هو سبيل القوة‪ ،‬وهم في هذا مضلون‪) :‬وإن‬
‫من في الرض يضلوك عن سبيل الله(‪ ،‬ولو كان هذا منهجا ً صحيحا ً‬ ‫تطع أكثر َ‬
‫ً‬
‫مع كل الناس فلن يكون صحيحا مع المسلمين الذين لهم منهجهم الرباني‬
‫الماضي الذي هداهم دوما ً وكانت هزيمتهم كلما انفصلوا عنه‪ ،‬والوربيون‬
‫الناصحون لم يفعلوا في نهضتهم ما ينصحوننا به‪ ،‬فنحن يطلب إلينا النفصال‬
‫عن الماضي والماضي متصل خلل أربعة عشر قرنا ً لم يتوقف اتصاله‬
‫واستمراره‪ ،‬ونحن ندعى للنفصال عنه وأوربا تعود إلى الماضي وتتبعه من‬
‫جديد بعد أن انفصلت عنه ألف سنة كاملة‪ ،‬تعود لتربط نفسها بالفكر اليوناني‬
‫والحضارة الرومانية التي سقطت عام ‪450‬م وبدأت النهضة عام ‪1400‬‬
‫تقريبًا‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫والحق أنها دعوة ظالمة ولن تتحقق ولن يقبلها المسلمون والعرب ولن‬
‫يستطيعوا ذلك لو قبلوا بها‪ ،‬ويقول هاملتون جب في نص له‪" :‬إنه ليس في‬
‫وسع العرب أن يتحرروا من ماضيهم الحافل وسيظل السلم أهم صفحة في‬
‫هذا السجل"‪.‬‬
‫في مجال وحدة الفكر السلمي وتكامله‪:‬‬
‫وكذلك جرت إثارة الشبهات حول وحدة السلم ووحدة الفكر السلمي‪.‬‬
‫وفي هذا المجال ترددت الدعوى القائلة بأن السلم دين‪ :‬بالمعنى اللهوتي‬
‫المعروف في الغرب‪ ،‬وهم في هذا ينقضون السلم في أكبر مقوماته؛‬
‫فالسلم دين ونظام مجتمع ومنهج حياة‪ ،‬فإذا فصلت منه الجانب الجتماعي‬
‫وقصرته على جانب العقيدة أو العبادة وحده كان ذلك تحريفا ً خطيرا ً‬
‫لمضامينه وأسسه‪ ،‬ويمكن القول أن الغرب يعرف ذلك ولكنه ينكره من‬
‫ناحيتين‪ :‬من ناحية أنه يريد ان يجعل السلم خاضعا ً لنظرية الفكر الغربي‬
‫التي تفصل بين الدين والمجتمع وبين الخلق والمجتمع‪ .‬وبين التطلع إلى أن‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يفقد السلم أقوى مقوماته فينهار ويصبح مركبا ً ذلول ً للحضارة الغربية‬
‫والستعمار‪ .‬والواقع أن الغرب يخشى السلم في مفهومه الصحيح؛ لنه‬
‫يحول دون نفوذه وسيطرته ويدفع المسلمين إلى مقاومته وتحرير أرضهم‬
‫منه‪.‬‬
‫وهذا هو لب التغريب فإذا وصل إلى إقناع المسلمين بأن السلم دين لهوتي‬
‫فحسب‪ ،‬انفتح الطريق أمام الغزو المادي في مجال الفكر وأمكن إخضاع‬
‫المسلمين لليدلوجيات والفلسفات والمذاهب الجتماعية المختلفة‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إلى تدمير مختلف القيم الخلقية والنفسية والروحية التي بناها السلم‬
‫في المسلمين‪ ،‬وبذلك يصبح الفكر السلمي صورة هزيلة من الفكر الغربي‬
‫الذي يمر الن بأقسى مراحل أزماته واضطرابه بعد أن سقط صريعا ً في‬
‫براثن التلمودية الصهيونية‪.‬‬
‫وفي الفكر السلمي المستمد من السلم يقوم منهج تكامل قطاعات الفكر‬
‫في نسق واحد‪ ،‬فالجتماع والسياسة والدب والتربية والقتصاد هذه وحدات‬
‫وأجزاء وعناصر من شئ واحد هو السلم‪ ،‬وإذا كان الفكر الغربي يجري على‬
‫الفصل بين العناصر والوحدات والجزاء فإن الفكر السلمي ل يقر هذا‬
‫الفصل ويرى فيه تدميرا ً للشخصية النسانية وللمجتمع نفسه‪ ،‬يرى فيه‬
‫قصورا ً في النظرة بإعلء عنصر على عنصر‪ .‬وفي العصر الحديث يعلو عنصر‬
‫المادة ويكاد يسيطر على العناصر الخرى فيصل إلى درجة تشبه درجة‬
‫القداسة‪ ،‬وكذلك فيما يتصل بالعقل والعلم‪ ،‬أما السلم فل يرى المادة‬
‫والروح إل متكاملين‪ ،‬وما العقل والقلب إل عينان في وجه واحد‪ ،‬والدنيا‬
‫والخرة إل متصلين صلة جذرية‪ ،‬فالحياة كلها تدور حول رسالة وتتصل‬
‫بإنسان له مسئوليته الفردية إزاء عمله وجزاءه على هذا العمل‪ ،‬وإنسان‬
‫متصل بمجتمع متفاعل معه‪ ،‬وإنسان له قلب وعقل وروح وجسد ل انفصال‬
‫بينها‪.‬‬
‫ومن هذه الوحدة القائمة بين العناصر في الفكر والحياة في السلم‪،‬‬
‫واللتقاء بين الجزاء ل نجد قضية للخلف بين العلم والدين ول بين الدين‬
‫والضمير‪.‬‬
‫ذلك أن بعض المحاولت جرت لفصل بين الدين والضمير‪ ،‬والقول بأن العمل‬
‫الخلقي يمكن أن يتخذ طريقه دون أن يكون صاحبه عامل ً بأوامر الدين‪،‬‬
‫وتلك دعوة تتردد اليوم بين المسلمين‪ :‬يقول أحدهم‪ :‬أنا أفعل الخير ولكني ل‬
‫أصلي‪.‬‬
‫والواقع أن السلم بحكم أنه منهج متكامل ونظام شامل ل يقر هذا‪ ،‬ولبد‬
‫لي عمل أخلقي أن يتحرك في إطار العقيدة نفسها‪.‬‬
‫ولبد أن ينبعث من اليمان بالله أساسا ً وأن يكون في منزلة الصلة تماما‪ً،‬‬
‫والشبهة هنا هي أن الغربيين حين أرادوا الخروج من الدين وضع فلسفتهم‬
‫مناهج أخلقية حاولوا أن يقولوا أن الناس في حاجة إلى الخلق وأن الخلق‬
‫تقوم على فكرة الواجب وأن الناس تستطيع أن تقدم المعونة والمساعدة‬
‫والحسان والبر دون أن يكون لذلك صلة بدين ما‪ .‬ولكن هذا المفهوم ل يقره‬
‫السلم ول قيمة لي عمل أخلقي ل يرتبط بالتوحيد واليمان الكامل بالسلم‬
‫كله‪ .‬وقد حذر القرآن تحذيرا ً شديدا ً من اليمان ببعض الكتاب‪ ،‬ول ريب أن‬
‫هذا المنهج الخلقي حين انفصل عن الدين في الغرب لم يلبث طويل ً حتى‬
‫ضربته حركة الحتواء التلمودية فظهر منهج المدرسة الجتماعية الذي حطم‬
‫مفهوم الخلق نهائيًا‪.‬‬
‫أما السلم فإن الخلق فيه تقوم على أساس الثبات أول ً وتتصل بالعقيدة‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالخلق في مفهوم السلم تطبيقية وليست نظرية كما هي في الفلسفة‬


‫اليونانية‪ ،‬وليست أخلق سعادة؛ ولكنها أخلق تقوى‪ ،‬لقد كانت الخلق‬
‫اليونانية نظرية خالصة منفصلة عن واقع الحياة‪ ،‬وكانت الفلسفات الهندية‬
‫والمجوسية منعزلة عن المجتمع‪ ،‬وكلهما ل يعترف بواقع الحياة‪ ،‬أما مفهوم‬
‫المجال محاولة لوصف الفكر السلمي بالفكر الديني وهو قول ينبع من‬
‫النشطارية الغربية‪ ،‬ذلك أن السلم ل يفضل الدين عن الدب أو اللغة أو‬
‫التشريع أو القتصاد أو الجتماع‪ ،‬والدين هنا بمعنى توجيه العمل لله وأخلقية‬
‫العمل ومراقبة الله فيه وتحريره من الهوى والغرض‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وفي ضوء ما ذكرنا ليس هناك فكر ديني‪ ،‬أو لغة دينية على النحو الذي يفهمه‬
‫الغربي الذي يفصل بين المفاهيم‪.‬‬
‫وهكذا تختلف نظرة الفكر السلمي عن نظرة الفكر الغربي في أمور كثيرة‪:‬‬
‫وفي مقدمتها البطولة وتقديرها والحتفاء بها‪ ،‬فالسلم ل ينظر إلى البطل أو‬
‫العظيم بقدر ما ينظر إلى عمل البطل‪ ،‬ولذلك فهو حين يحتفي بالبطل يعيد‬
‫الذكر والتقدير لعمله ويدعو إلى النتفاع به‪ ،‬وهذا هو السر الحقيقي وراء‬
‫انصراف السلم عن الصور والتماثيل كوسائل لتكريم البطال‪.‬‬
‫ذلك أن تلك السماء الكثيرة التي تتردد في الغرب على أنها آلهة وأنصاف‬
‫آلهة‪ ،‬مما اورده اليونان والرومان وغيرهم‪ ،‬لم تكن في الصل إل أبطال ً‬
‫أعجبت بهم أممهم وتعلقت بهم ثم شاءت بعد ذلك أن ترفعهم من مقامهم‬
‫النساني إلى مقام اللهة‪ .‬ثم هي لم تلبث أن انصرفت عن مفهوم التقدير‬
‫العملي لعمل البطل إلى عبادة البطل نفسه‪ ،‬وبذلك نشأت عبادة جديدة‬
‫صرفت الناس عن عبادة الله الواحد الحد‪ ،‬وقد أصبحت عبادة البطال‬
‫وعبادة الجمال وتأليه البطل عبادات تتفق مع طبيعة النفس الغربية التي‬
‫استمدت مفاهيمها في العصر الحديث من الوثنية اليونانية‪.‬‬
‫ومن هنا فقد حرص السلم على تحرير أهله من عبادة الفرد أو عبادة شئ‬
‫ما‪ ،‬إل الله سبحانه وتعالى‪ ،‬ومن هنا كان حرص القرآن على أن يصف أعظم‬
‫شخصية في المسلمين وهو محمد صلى الله عليه وسلم بقوله‪) :‬قل إنما أنا‬
‫ي إنما إلهكم إله واحد(‪ ،‬فالنبي بشر مؤيد بالوحي‪ ،‬يعيش‬ ‫بشر مثلكم يوحى إل ّ‬
‫ً‬
‫ويأكل الطعام ويمشي في السواق ويموت أيضا‪ ،‬أما الله سبحانه وتعالى‬
‫فإنه الحي الذي ل يموت‪ .‬ومن هنا حفظ السلم مفهوم البطولة عن‬
‫النحراف إلى عبادة الفرد وحفظ عبادة الله من الوثنية والشرك‪ .‬لقد رفع‬
‫السلم عن الفكر البشري القيود وحرر العقل البشري من الصفاد‪ .‬ولم‬
‫يجعل للحجار والتماثيل والصنام مكانا ً في إيمانه القائم على التوحيد‬
‫الخالص‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫الشجر ‪ ..‬المأسور‬
‫شعر‪ :‬داود معل‬
‫عيناك مالي أناديها ‪ii ..‬فتعتذر‬
‫حيرانة أم بقايا الصمت ‪ii‬تمنعها‬
‫أشكو إليها فتغضي وهي ‪ii‬صارخة‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قد همت فيها فتلقيت الهوى ‪ii‬عجل ً‬


‫قولي لهدبك أن يرقى ‪ ..‬فما ‪ii‬لبثت‬
‫عيناك يا قدس شيء ثم ‪ii‬يجتذبني‬
‫هات اعطني ساعة أنسل من ‪ii‬ظمئي‬
‫أغوص فيها إلى الدنيا ‪ii‬فأجمعها‬
‫يا زهرة الشرق في أعطافها سرر‬
‫ردي إلي حكاياتي فل بقيت ‪..ii‬‬
‫‪ ..‬قد كان هدبك قنديل ً يضيء ‪ii‬لنا‬
‫كأنه حينما يومي ‪ii‬بطرفته‬
‫***‬
‫وهكذا أنت ل شيء يغيرني‬
‫أماه هل غضبت عيناك من ‪ii‬غزلي‬
‫شردت وهو شرود البن حن ‪ii‬إلى‬
‫يا قدس ‪ ..‬كان سوار السور ‪ii‬ملعبنا‬
‫فأين يا قدس أهلونا ‪ii ..‬وساحتنا‬
‫لكن جرحك ل يغفو النزيف به‬
‫فأنت فينا وفي أطفالنا ‪ii‬أبدا ً‬
‫فمن زرعت بهم حب الرسول ‪ii‬وحب‬
‫أطفال أمسك مازالت ‪ii‬سواعدهم‬
‫تنتفض أعينهم شوقا ً ‪ii‬لساحته‬
‫تميل حول شعاع الشمس ‪ii‬أعظمهم‬
‫تشتد ‪ ..‬فهي على اليمان ‪ii‬ثابتة‬
‫إن تسأل النصر عنهم فهو ‪ii‬صاحبهم‬
‫***‬
‫يا قدس ل تعتبي إن طار بي ‪ii‬قلمي‬
‫ماذا أرى وهمومي فيك تدفعني‬
‫من ذا يصدق أن الليل ‪ii‬يكرهنا‬
‫ونحن كنا حماة الرض ما ‪ii‬رفعت‬
‫عقيدة هي ماضينا ‪ii‬وحاضرنا‬
‫فما على حلم الماضي جحافلنا ‪ii‬تنام‬
‫***‬
‫قولوا لمن زرعوا صحراءنا ‪ii‬لهبا ً‬
‫تعلقوا بحبال الكفر ظنهموا‬
‫ل ‪ ..‬والذي هزم الحزاب ‪ii‬ثم‬
‫ل عزة لسوى السلم ‪ii‬راغمة‬
‫فنحن والله أصحاب الجهاد ‪ii‬وفي‬
‫وإن أطفالنا كالشهب ‪ii‬ثاقبة‬
‫يموت قبل وصول الموت ظالمنا‬
‫فأي أرض نرى فيها ‪ii‬أصابعهم‬
‫ذي جولة وعلى التاريخ خاتمنا‬
‫***‬
‫أجدادنا شهداء المس ‪ii‬تتبعهم‬
‫هذا المكبر والجرح الكبير ‪ii‬لظى‬
‫ستلتقي حول نار النهر ‪ii‬أذرعنا‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى نرى راية اليمان ‪ii‬تجمعنا ‪ ...‬تومي إلي حياًء ثم ‪ii‬تستتر‬


‫من أن تبوح وفي أجفانها ‪ii‬السهر‬
‫في صمتها ‪ ..‬وشموع الليل ‪ii‬تحتضر‬
‫نشوان يحذف من همسي ويختصر‬
‫عيناي تسأل في سري ‪ii‬وتنتظر‬
‫فيها فتغرقني ‪ ..‬أهدابها ‪ii‬السمر‬
‫في غورها فتلقيني بها ‪ii‬الدرر‬
‫وأصعد القمة الكبرى ‪ii‬وأنحدر‬
‫من النعيم وطابت تلكم ‪ii‬السرر‬
‫من بعدها ساعة يحظى بها ‪ii‬العمر‬
‫درب اللقاء ‪ ..‬فكيف النور ‪ii‬ينحسر‬
‫سيل من الظل فوق النور ‪ii‬ينهمر‬
‫***‬
‫عما أراك به ل الدهر ل ‪ii‬العصر‬
‫هل تغفرين إذا ما جئت ‪ii‬أعتذر‬
‫عهد الطفولة هو الطفل ‪ii‬والبشر‪..‬‬
‫وكان فيه يموت الخوف والحذر‬
‫غاب اللقاء ‪ ..‬فل ركب ول ‪ii‬سفر‬
‫مازال حول ضفاف النهر ‪ii‬ينتظر‬
‫وهل يخالف قلب الغيمة ‪ii‬المطر‬
‫الرض تحمله اليات ‪ii‬والسور‬
‫تمتد نحو ذرى القصى وقد ‪ii‬كبروا‬
‫وتبرق النار فيها كلما نظروا‬
‫وتستوي في صلة الليل إن ‪ii‬سهروا‬
‫تعتد ‪ ..‬فهي بسيف الله ‪ii‬تعتمر‬
‫أو تسأل الموت عنهم فهو ‪ii‬يأتزر‬
‫***‬
‫إلى خيال توالت حوله ‪ii‬الصور‬
‫إلى الجنون ‪ ..‬وأين السمع ‪ii‬والبصر‬
‫وأن شمس ضحانا كلها ‪ii‬حفر‬
‫يد علينا العصا إل ‪ii‬وننتصر‬
‫وساعد هو فينا الصارم ‪ii‬الذكر‬
‫بل حاضر ‪ ..‬يصفو ‪ii‬ويعتكر‬
‫***‬
‫والنار من دمنا تغلي وتستعر‬
‫أن العزيز الذي بالكفر ‪ii‬ينتصر‬
‫تلها الروم ‪ ..‬والفرس ‪ ..‬والفرنج والتتر‬
‫أنوف من بدلوا عهدا ً ومن ‪ii‬غدروا‬
‫ظهورنا تلتقي الساد ‪ii‬والنمر‬
‫وملء أصلبنا جيش ‪ii‬ومدخر‬
‫رعبا ً ويسقط منه السمع ‪ii‬والبصر‬
‫تشوى على الجمر والمخزية ‪ii‬الحمر‬
‫يراه من أقبلوا منهم ومن ‪ii‬دبروا‬
‫***‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحفادهم ‪ ..‬أفينجو الكافر ‪ii‬البطر‬


‫يقول هذا دم الحفاد يا ‪ii‬عمر‬
‫وسوف يقفز من أقدارنا ‪ii‬القدر‬
‫وينطق الشجر المأسور والحجر‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشخصية المؤثرة‬
‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬علي بن عمر بادحدح‬
‫إن نجاح الداعية مرتبط بقدرته التأثيرية في المدعوين‪،‬ول شك أن التأثير ل‬
‫يأتي عفوا ً ول عرضًا‪،‬كما أنه قطعا ً ل يفرض فرضا ً ‪ ،‬بل هو مرتبط بمؤهلت‬
‫ومواصفات لبد للداعية منها لتكون له شخصيته المؤثرة ومنها ‪:‬‬
‫‪ -1‬التميز اليماني والتفوق الروحاني ‪ ،‬الذي يكون الداعية به عظيم اليمان‬
‫بالله ‪ ،‬شديد الخوف منه ‪ ،‬صادق التوكل عليه ‪ ،‬دائم المراقبة له ‪ ،‬كثير النابة‬
‫إليه ‪ ،‬لسانه رطب بذكر الله ‪ ،‬وعقله مفكر في ملكوت الله ‪ ،‬وقلبه‬
‫ّ‬
‫مستحضر للقاء الله ‪ ،‬مجتهد في الطاعات ‪ ،‬مسابق إلى الخيرات ‪ ،‬صوام‬
‫بالنهار قوّام بالليل ‪ -‬مع تحري الخلص التام وحسن الظن بالله ‪ ، -‬وهذا‬
‫عنوان الفرح وسمت الصلح ومفتاح النجاح ‪ ،‬إذ هو تحقيق لمعنى العبودية‬
‫الخالصة لله ‪ ،‬وهي التي تجلب التوفيق من الله فإذا بالداعية مسدد‪ ..‬أن‬
‫عمل أجاد ‪ ،‬وأن حكم أصاب ‪ ،‬وأن تكلم أفاد‪ ..‬ومثل هذا ينطبق عليه وصف‬
‫السلف بأنه " من تذكرك بالله رؤيته "‪.‬‬
‫‪ -2‬الزاد العلمي والرصيد الثقافي ‪ ،‬حتى يجد الناس عند الداعية إجابة‬
‫التساؤلت ‪ ،‬وحلول المشكلت ‪ ،‬إضافة إلى أن ذلك هو العدة التي بها يعّلم‬
‫الداعية الناس أحكام الشرع ‪ ،‬ويبصرهم بحقائق الواقع ‪ ،‬وبه أيضا ً يكون‬
‫الداعية قادر على القناع ‪ ،‬وتفنيد الشبهات ‪ ،‬متقنا ً في العرض ومبدعا ً في‬
‫التوعية والتوجيه‪.‬‬
‫‪ -3‬رجاحة العقل وحسن التدبير ‪ ،‬فل سذاجة تضيع بها معاني القيادة ‪ ،‬ول‬
‫غضب يشوه صورة القدوة ‪ ،‬ول طيش ول خفة تطمس معالم الهيبة ‪،‬‬
‫وللداعية في الوزاعي مثل يحتذى عندما بين ضريبة القدوة بقوله ‪ " :‬كنا‬
‫نضحك ونمزح‪ .‬ولما صرنا يقتذى بنا خشينا أن ل يسعنا التبسم " فلبد‬
‫للداعية من التزان والهيبة ‪ ،‬وأن يكون صاحب عقل يرجح إذا اختلفت الراء ‪،‬‬
‫ويحلل ويدلل إذا فقد الدراك وغاب التصور ‪ ،‬ويتقن به ترتيب الولويات ‪،‬‬
‫واختيار الوقات ‪ ،‬واستغلل الفرص والمناسبات وحسن التخلص من‬
‫المشكلت ‪ ،‬والقدرة على التكيف مع الزمات‪.‬‬
‫‪ -4‬رحابة الصدر وسعة الخلق وذلك ليستوعب الداعية من حوله من الناس ‪،‬‬
‫فإنه كما أثر " لن تسعوا بأموالكم ولكن تسعوهم بأخلقكم "‪.‬‬
‫وللناس مطالب كثيرة ‪ ،‬وتساؤلت عديدة ‪ ،‬تحتاج من الداعية إلى الحتمال ‪،‬‬
‫لن الحتمال – كما قيل – قبر المعايب ‪ ،‬ولن سعة الخلق رابط للناس ‪،‬‬
‫ومؤثر فيهم ‪ ،‬فهذا رجل جاء إلى أبي إسحاق الشيرازي فجالسه ثم قال ‪:‬‬
‫" ‪ ..‬فشاهدت من حسن أخلقه ولطافته وزهده ‪ ،‬ما حبب إلى لزوم صحبته‬
‫فصحبته إلى أن مات "‪.‬‬
‫والناس يلتفون حول من يعين محتاجهم ‪ ،‬ويغيث ملهوفهم ‪ ،‬ويتفقد غائبهم ‪،‬‬
‫ويؤثروهم على نفسه ‪ ،‬ويفيض عليهم من حبه ‪ ،‬ويقوي صلته بهم بالخوة ‪،‬‬
‫ويعمق المتنان بالحسان‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم **** فطالما استعبد النسان إحسان‬
‫‪ -5‬الجرأة الواعية والثبات الراسخ ‪ ،‬فالناس في الملمات يحجمون ‪ ،‬وتتقدم‬
‫بالداعية جرأته في الحق مصحوبة بحكمته في التصرف ‪ ،‬فإذا هو المقدم‬
‫الذي تشخص إليه البصار ‪ ،‬وتتعلق به القلوب ‪ ،‬ويصفه الناس بالشجاعة‬
‫والقدام ‪ ،‬وعند المصائب يتخاذل البعض ‪ ،‬ويتخلف آخرون ‪ ،‬ويتلون فريق‬
‫ثالث ‪ ،‬ويبقى الداعية كالطود الشامخ ‪ ،‬وحسبك في ذلك موقف الرسول‬
‫الكريم ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في يوم حنين ‪ .‬ثبت فكان بؤرة التجمع‬
‫ونقطة النطلق نحو النتصار‪.‬‬
‫‪ -6‬الستمرار والبتكار ‪ ،‬فالعمل المنقطع يتبدد أثره ‪ ،‬والعمل المتكرر يبعث‬
‫الملل ويفقد الحماس ‪ ،‬وتنويع الساليب باعث على التشويق ‪ ،‬ودليل على‬
‫الثراء وكثرة العطاء ‪.‬‬
‫هذه بعض الملمح ‪ ،‬فهل يعي الدعاة أن الضعف في التأثير والتغيير يكون‬
‫في بعض الحيان عائدا ً إلى قصورهم ‪ ،‬وعدم استكمالهم لمعالم الشخصية‬
‫المؤثرة !‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشخصية المحبوبة عند الله‬


‫د‪ .‬خالد بن سعود الحليبي ‪2/11/1425‬‬
‫‪14/12/2004‬‬
‫إذا أردنا أن نصل إلى تحقيق النجاح في حياتنا كلها‪ ،‬فإننا ينبغي أن نفكر جيدا ً‬
‫في المحضن الول لهذا النجاح؛ وهو هذه النفس التي نحملها بين جوانحنا‪،‬‬
‫فهي التي سوف تتحمل عبء المحاولة بكل أبعادها وتوابعها‪ ،‬ومن هنا كان ل‬
‫َ‬
‫ها فَأل ْهَ َ‬
‫مَها‬ ‫وا َ‬‫س ّ‬‫ما َ‬
‫س وَ َ‬
‫ف ٍ‬‫بد من العناية الفائقة بإعدادها‪ ،‬يقول الله تعالى ‪) :‬وَن َ ْ‬
‫َ‬
‫ها( ]سورة الشمس [ ‪.‬‬ ‫سا َ‬ ‫ن دَ ّ‬
‫م ْ‬‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫ها وَقَد ْ َ‬ ‫ن َز ّ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬
‫ح َ‬ ‫ها قَد ْ أفْل َ َ‬ ‫وا َ‬ ‫ق َ‬
‫ها وَت َ ْ‬
‫جوَر َ‬ ‫فُ ُ‬
‫ً‬
‫وهو الموضع الوحيد في القرآن الذي سبقه أحد عشر قسما من الله العلي‬
‫العظيم‪.‬‬
‫إذن فالتعلل بالقضاء والقدر لدى الفاشلين في القيام بمجرد المحاولة ليس‬ ‫ّ‬
‫له رصيد شرعي ول إنساني‪ ،‬فالنسان هو الذي يقوم بعملية صقل النفس‬
‫وتجهيزها للقيام بمهام تليق بالجنس البشري الذي استخلفه الله في الرض‪،‬‬
‫ن‬ ‫والله تعالى هو الذي يحقق النتائج لمن بذل‪ ،‬يقول الله تعالى‪َ ) :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫سِنين( ]سورة العنكبوت‪. [69 :‬‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬‫معَ ال ْ ُ‬
‫ه لَ َ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫سب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬‫م ُ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬‫َ‬
‫فالذين حاولوا وجاهدوا أنفسهم هم الذين يحصلون على النتيجة المتوخاة‪،‬‬
‫والمحسن لعمله‪ ،‬هو الذي يستحق أن يكون الله معه‪.‬‬
‫إن نفسك هي رأس مالك‪ ،‬وشخصيتك هي جناحك الذي بيدك أنت تقويم‬
‫ريشه‪ ،‬وترتيب أعصابه‪ ،‬وتقوية قوادمه وخوافيه‪ ،‬ثم تحريكه والنطلق به بكل‬
‫طاقتك التي أودعت في خلياك كلها بل استثناء‪ ،‬وكل ذلك بعون من الله‬
‫َ‬
‫قد تأييد الله وتوكل على نفسه أو على أي مخلوق آخر‪ ،‬وَكله‬ ‫ن فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وتأييد‪ ،‬و َ‬
‫الله إلى نفسه‪:‬‬
‫إذا لم يكن عون من الله للفتى ‪... ...‬‬
‫فأول ما يقضي عليه اجتهاده‬
‫وأما الجناح الخر فهو بيد الله وحده‪ ،‬ل دخل لك أنت فيه‪ ،‬وهو الوصول إلى‬
‫النتائج‪ ،‬وبلوغ النجاح المرغوب‪.‬‬
‫وهنا أود أن أؤكد على أن الله تعالى يحب المتوكلين‪ ،‬ولكنه يكره القاعدين‪،‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والفرق بين الفريقين أن الوائل يعملون ليصلوا وهم يعلمون أن بلوغ الهدف‬
‫مرهون بأمر الله وقضائه‪ ،‬والخرون يتعّللون بالقدر‪ ،‬ولذلك فإنهم ل يعملون‬
‫شيئًا‪ ،‬ولذلك أيضا فإنهم ل يصلون إلى شيء‪.‬‬
‫إننا ـ نحن المسلمين ـ مطالبون بالسعي لتحقيق النجاح في كافة مرافق‬
‫الحياة‪ ،‬المر الذي يجعل المة كلها تأثم حينما تفشل في صناعة إبرة تحتاج‬
‫إليها!!‬
‫فز أنفسنا‬ ‫إذن فالنجاح عندنا أمر ضروري شرعا وعرفا‪ ،‬وعلينا جميعا أن نح ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫ن( )أوْلئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ُ‬
‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫حتى نبلغ ذروته‪ ،‬فالله مدح أول من مدح ) َوال ّ‬
‫ضَها‬ ‫جن ّةٍ عَْر ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَرةٍ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫عوا إ َِلى َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ن ( ]الواقعة ‪ ) .[11-10:‬وَ َ‬ ‫قّرُبو َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ك وَِفي‬ ‫س ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫خَتا ُ‬ ‫ن( ] آل عمران‪ِ ) [133 :‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬ ‫عد ّ ْ‬ ‫ض أُ ِ‬ ‫ت َوالْر ُ‬
‫َ‬
‫وا ُ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن َرب ّك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَرةٍ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫قوا إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫ن( ]المطففين‪َ ) [26 :‬‬ ‫سو َ‬ ‫مت ََنافِ ُ‬ ‫ْ‬
‫س ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ذ َل ِك فَلي َت ََنافَ ْ‬ ‫َ‬
‫سل ِهِ ذ َل ِكَ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ِباللهِ وَُر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ل ِل ِ‬ ‫عد ّ ْ‬ ‫ضأ ِ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬‫ض ال ّ‬ ‫ضَها كعَْر ِ‬ ‫جن ّةٍ عَْر ُ‬ ‫وَ َ‬
‫م( ] الحديد‪.[ 21 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ُذو ال َ‬ ‫ّ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ل اللهِ ي ُؤِْتيهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ض ُ‬ ‫فَ ْ‬
‫ظي ِ‬ ‫ل العَ ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫شاُء َوالل ُ‬ ‫م ْ‬
‫إذن فالشخصية المحبوبة عند الله ليست الشخصية الخانعة الذليلة ‪ ،‬القنوع‬
‫بالقليل‪ ،‬بل هي‪ :‬المسابقة‪ ،‬المسارعة‪ ،‬المنافسة‪ ،‬والعمل الذي تتسابق فيه‬
‫ليس له حدود قياسية معروفة‪ ،‬بل هو مفتوح ل حدود له إل حدود الشرع‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫المطهر‪ ،‬الذي الحلل فيه هو الصل‪ ،‬والمحرم هو المستثنى )َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م‬
‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫دو َ‬ ‫م إ ِّياه ُ ت َعْب ُ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫شك ُُروا ل ِل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ما َرَزقَْناك ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن ط َي َّبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مُنوا ك ُُلوا ِ‬ ‫آ َ‬
‫ضط ُّر غَي َْر َباٍغ‬ ‫ُ‬
‫نا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ب ِهِ ل ِغَي ْرِ الل ّهِ فَ َ‬ ‫ما أهِ ّ‬ ‫زيرِ وَ َ‬ ‫خن ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫ة َوالد ّ َ‬ ‫مي ْت َ َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ة الل ّهِ ال ِّتي أ ْ‬
‫ج‬‫خَر َ‬ ‫م ِزين َ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م( )قُ ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م عَل َي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫عاد ٍ َفل إ ِث ْ َ‬ ‫َول َ‬
‫م‬
‫ة ي َوْ َ‬ ‫ص ً‬ ‫خال ِ َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا ِفي ال َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ي ل ِل ِ‬ ‫ل هِ َ‬ ‫ق قُ ْ‬ ‫ن الّرْز ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ّ‬
‫ل ِعَِبادِهِ َوالطي َّبا ِ‬
‫ن( ] العراف‪. [ 32 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ٍ ي َعْل ُ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ك نُ َ‬ ‫مةِ ك َذ َل ِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫كل ذلك يعني أن الحياة كلها مفتوحة على مصراعيها أمام المبدعين أن‬
‫ولوا حياتهم من حياة استهلكية‪ ،‬ل تخّلف بعدها إل الرماد‪ ،‬إلى حياة منتجة‪،‬‬ ‫يح ّ‬
‫دل‪ ،‬وأحال القفر ربيعا أخضر يأخذ‬ ‫ً‬ ‫معطية‪ ،‬كالغيث أينما وقع نفع وغّير وب ّ‬
‫باللباب‪ ،‬ل لتأنس به العيون‪ ،‬وتطرب له القلوب فحسب‪ ،‬وكان ذلك كافيه‪،‬‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ماِء ك ُ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫ولكن ليمنح الله به الحياة سبب استمرارها ‪ ...) ..‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن ( ]النبياء‪[30:‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي أَفل ي ُؤْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشرطة التربوية المريكية بين حلق الرءوس وقطعها !‬


‫كما التهم المريكي فلسطين ‪ -‬بمخالب صهيوينة ‪ -‬وأفغانستان والعراق في‬
‫الحلقة الخيرة من الحرب الصليبية ضد العالم السلمي فإنه أصبح على‬
‫يقين من أن الوجبات التي ازدردها بسرعة من شأنها أن تتحول في أحشائه‬
‫إلى سم قاتل لو لم يردفها بالتهام الثقافة السلمية ثم بعمليات التبشير‬
‫النشطة بالمسيحية ثم بالتهام البرامج التعليمية السلمية ‪ ،‬ولم يدر أنه سم‬
‫في أحشائه مضاف إلى سم‬
‫وأما عن التبشير النشط فقد وجد الساحة مفتوحة أمامه في العراق للتبشير‬
‫بالخليط الممجوج " المسيصهيوينة "‬
‫وفي آخر إجراءاته للتهام الثقافة أنشأ المحطات الذاعية والصحف المأجورة‬
‫ثم أخيرا قام بإنشاء القناة التليفزيونية المسماة " الخرة " بالفرنجي ‪ ،‬ورصد‬
‫لها ميزانية تبلغ ‪ 400‬مليون دولر يصرف منها في العام الول أكثر من ستين‬
‫مليونا‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكما جاء بموقع مفكرة السلم فإن هدف هذه القناة ‪ :‬مسخ القيم السلمية‬
‫وتغريب العقول العربية وهي ليست إل امتدادا للحرب الصليبية المعلنة على‬
‫السلم والمسلمين ‪.‬‬
‫هدفها فرض كل ما هو أمريكي بدءا من سباقات السيارات المريكية إلى‬
‫هواة جمع العناكب وتربية الحشرات مرورا بثقافة التعري ‪..‬‬
‫وتعتبر قناة 'الخرة' بلفرنجي ‪ :‬أكبر مشروع ]إعلمي – سياسي‪ -‬غربي[‬
‫موجه للعرب منذ إطلق القسم العربي من هيئة الذاعة البريطانية 'بي بي‬
‫سي' عام ‪ ،1934‬و'صوت أمريكا' بالعربية العام ‪. 1942‬‬
‫وكما يرى المتابعون فأن الغرض من هذا المشروع هو تغيير المفاهيم‬
‫السلمية الصيلة من مقاومة العدوان ومحاولة لفرض نموذج الحياة‬
‫المريكية على الشعوب العربية ‪.‬‬
‫وتتضح هذه الهداف جليا في خطابات حول القناة والهدف منها ‪ ،‬حيث قال‬
‫بوش ‪ .. ' :‬إن هذه الشبكة التي ستنطلق السبوع المقبل ستبث الخبار‬
‫والفلم والبرامج الرياضية والترفيهية وبرامج التعليم – الرجاء النتباه لكلمة‬
‫برامج التعليم ‪ -‬للمليين من البشر على امتداد الشرق الوسط '‪.‬‬
‫وأضاف بوش 'إننا من خلل هذه الجهود نبلغ إلى الشعوب في الشرق‬
‫الوسط الحقيقة عن قيم الوليات المتحدة ومبادئها وان الحقيقة دائما ً تخدم‬
‫قضية الحرية' ‪.‬‬
‫وفي السياق ذاته قال رئيس مجلس محافظي القناة كنيث توملينسون في‬
‫شهادة له أمام الكونجرس في ‪ 10‬فبراير قال 'إننا سنتحدى أصوات الكراهية‬
‫والقمع بالحقيقة وأصوات التسامح والعتدال وسيستمع الناس إلى بحث حر‬
‫منفتح ليس حول مجرد الصراع في الشرق الوسط"‬
‫قد يظن البعض أن " الخرة بلفرنجي " تمثل توجه الدارة المريكية الحالية ‪،‬‬
‫وهذا غير صحيح فأن " الخرة بلفرنجي " تمثل توجها أمريكيا قديما نحو‬
‫أمركة العالم ‪ ،‬فالمريكيون منذ أن ظهروا على وجه التاريخ وهم يرون في‬
‫أنفسهم قمة النموذج النساني وليس هذا فحسب بل يرون أن عليهم دورا‬
‫عالميا وهو نشر هذه القيم والخلق المريكية في كافة أرجاء العالم‬
‫وفي هذا الصدد قال الرئيس المريكي السبق تيودور روزفلت ]‪ 1858‬ـ‬
‫‪' :[1919‬أمركة العالم هي مصير وقدر أمتنا' ‪.‬‬
‫وبالرغم من مرور مئات السنين على نشأة أمريكا ما زالت العقلية المريكية‬
‫هي ذاتها‪ ،‬فأمريكا تصر على أن أهدافها التوسعية وتدخلها الصارخ في شؤون‬
‫الدول الخرى ما هي إل جزء من حربها المعلنة ضد أشرار العالم‪ ،‬سواء‬
‫التحاد السوفيتي أو 'المبراطورية الشريرة' كما أسماها الرئيس المريكي‬
‫السبق رونالد ريغان‪ ،‬أو إيران والعراق وكوريا الشمالية‪ ،‬أو 'محور الشر' كما‬
‫أسماهم الرئيس المريكي الحالي جورج بوش ‪.‬‬
‫لذلك فأن 'الخرة' بلفرنجي " ليست إل ورقة جديدة من أوراق هذه المركة‬
‫وليست توجها خاصا بهذه الدارة حيث يتألف مجلس أمنائها من ‪ 9‬أعضاء‬
‫بمن فيهم ‪ 4‬جمهوريين و ‪ 4‬ديمقراطيين‪ ،‬إضافة إلى وزير الخارجية كولن‬
‫باول بحكم منصبه ‪.‬‬
‫ومن الملفت للنظر أن البرامج التي تعرضها القناة ل تخرج عن حدود‬
‫الراضي المريكية وكأنه ليس في الدنيا إل المريكان ‪ ،‬فكل البرامج التي‬
‫عرضتها في الفترة القليلة الماضية لم تعرض إل ما هو أمريكي حتى وصل‬
‫بهم الحال أن يعرضوا علينا هواة أكل العناكب والحشرات من المريكيين ‪..‬‬
‫‪.‬ومما يبعث على التشاؤم في مستقبل " الخرة " أنها انطلقت في وقت‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شهدت فيه اللة العلمية الغربية انتكاسة كبرى ‪ ،‬فواحدة من أكبر الهيئات‬
‫العلمية الغربية – هيئة الذاعة البريطانية – أدينت لنها أرادت كشف‬
‫الحقيقة في مبررات العدوان على العراق المزعومة ‪ ،‬فكان نصيبها من ذلك‬
‫الدانة والسعي لتفكيكها وفرض قيود عليها وهو أمر وصفه صحفيو الهيئة بأنه‬
‫أمر ل يحدث إل في دول العالم الثالث ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لقد جاءت 'الخرة' بلفرنجي " في هذا الوقت لتؤكد وهم الشعارات المريكية‬
‫وزيف 'الستقللية' المزعومة ‪ ،‬ولقد رصد في هذا المضمار إعلمي‬
‫فلسطيني أداء هذه الفضائية في يومها الول عندما أجرى مدير عام المحطة‬
‫موفق حرب مقابلة مع الرئيس المريكي جورج بوش ‪ ،‬واللقاء كان فرصة‬
‫حقيقية لظهار مدى 'استقللية' هذه القناة ‪ ،‬فقد بدأ المحاور مقابلته بإعطاء‬
‫ملحظة للرئيس المريكي أن 'الحرة' بلفرنجي " تمشيا مع التقليد المريكي‬
‫الصحفي العريق ستسأله أسئلة صعبة ولن تتردد في إثارة المواضيع‬
‫الحساسة‪.‬‬
‫إل أنه وفقا لما يقوله العلمي الفلسطيني داود كتاب فقد جاء اللقاء عكس‬
‫ذلك ‪ ،‬فمثل قال حرب للرئيس المريكي ضمن سؤال عن الحرب المريكية‬
‫ضد العراق 'عندما دخلنا إلى العراق' وكأن السائل والمجيب طرف واحد ‪،‬‬
‫مخالفا بذلك الدرس الول لي إعلمي حر ومستقل أن ل يقع فيه‪ .‬فمبدأ‬
‫استقللية وحرية العلم مبنية على المسافة بين السائل والمجيب وليس‬
‫التساوي ‪.‬‬
‫أما فيما يخص السئلة التي سألها موفق حرب عن أسلحة الدمار الشامل‬
‫في العراق وليبيا وكوريا فلم يجرؤ السائل بالنطق بسؤال واحد حول أسلحة‬
‫الدمار الشامل السرائيلية ناهيك عن الجدار والقمع السرائيلي المستمر‬
‫للشعب الفلسطيني‬
‫إنه وبالرغم من المكانيات المادية التي تقف وراء القناة إل أن الفريق‬
‫المعين من وزارة الخارجية المريكية لمراجعة جهود العلقات العامة‬
‫المريكية في العالم العربي يشكك في إمكانية أن تؤدى هذه القناة الدور‬
‫المرسوم لها ‪ ،‬ويتساءل أكاديميو الشرق الوسط في الدارة المريكية حول‬
‫مدي تقبل الجمهور المنوي استهدافه من قبل " الخرة بلفرنجي " للقناة وهو‬
‫الجمهور المرتاب في كل ما يفعله المريكيون ‪ ،‬ويتشككون في أنه حتى لو‬
‫حققت القناة قبول يشك بعض المتخصصين في إمكانية أن تحدث فرقا‬
‫إعلميا يوازي كلفة عامها الول التي تبلغ ‪ 62‬مليون دولر ‪ ،‬كما تخشى إدارة‬
‫الخرة بلفرنجي من فشل المشاريع العلمية المريكية المشابهة من قبل ‪.‬‬
‫وعلى الصعيد العربي فمن الصعب أن تجد كاتبا أو متابعا أيا كان مشربه‬
‫يتوقع النجاح لهذه القناة ‪ ،‬فجمع كبير من الكتاب والصحفيين والمعلقين‬
‫العرب من المحيط إلى الخليج اتفقوا بدون تعمد في توقع فشل قناة 'الخرة'‬
‫بلفرنجي ‪.‬‬
‫إن الجمهور المستهدف لهذه الفضائية ل يستطيع أن ينسى وهو يشاهد‬
‫'الخرة' بلفرنجي " الحتلل الصهيوني الغاشم في فلسطين ‪ ،‬وإن نسى ذلك‬
‫فلن ينسي الحتلل المريكي للعراق ‪ ...‬اهـ تقرير المفكرة بتصرف‬
‫ومن البديهي أن تستخدم هذه القناة استخداما رئيسيا – كما جاء بأهدافها‬
‫المعلنة أعله ‪ -‬في تمرير المشروع المريكي لحلق التربية السلمية التي‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية المريكية ‪ -‬وفقا لما نقلته الهرام ‪ -‬في‬
‫‪ 2004\2\22‬واشنطن ـ من هدي توفيق – أن ألن لرسون وكيل الوزارة‬
‫للشئون القتصادية سوف يبدأ جولة تشمل المملكة العربية السعودية ‪،‬‬
‫والردن ‪ ،‬ومصر‪ ،‬والراضي الفلسطينية بهدف استطلع آراء دول منطقة‬
‫الشرق الوسط بشأن مبادرة شاملة أعدتها الوليات المتحدة لتحقيق ما‬
‫يسمى الصلح القتصادي ‪ ،‬والجتماعي ‪ ،‬والسياسي ‪ ،‬والتعليمي ‪ ،‬في‬
‫المنطقة ‪.‬‬
‫وأطلقت الدارة المريكية اسم مبادرة منطقة الشرق الوسط على خطة‬
‫الصلح الشامل المقترحة ‪ ،‬وحصل الهرام علي تفاصيلها ‪.‬‬
‫وتقترح واشنطن أيضا عقد قمة شرق أوسطية تكرس لبحث إصلح العملية‬
‫التعليمية في دول المنطقة ‪ ،‬وضمان مشاركة دعاة الصلح من قيادات‬
‫المجتمعات المدنية في أعمال القمة ‪ ،‬إلي جانب القيادات السياسية ‪.‬‬
‫وفي حالة إقرار عقد هذه القمة التعليمية ‪ ،‬توجه الدعوة أيضا إلي قيادات‬
‫القطاع الخاص للمشاركة فيها ‪ ،‬إلي جانب خبراء من الوليات المتحدة ‪،‬‬
‫ودول التحاد الوروبي ‪.‬‬
‫وتهدف هذه القمة ـ من المنظور المريكي ـ إلي بحث بواعث القلق إزاء‬
‫نظم التعليم في دول منطقة الشرق الوسط الكبري ‪ ،‬والعمل علي مواجهتها‬
‫‪.‬‬
‫وتمكينا للمشروع المريكي في العتداء على التربية السلمية تسعي الدارة‬
‫المريكية حاليا إلي تشجيع مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبري علي‬
‫تبني الدعوة إلي هذه القمة التعليمية ‪ ،‬علي أن تعقد قبل موعد قمة‬
‫مجموعة الثماني الكبري المقبلة ‪ ،‬وتتطلع واشنطن إلي تبني قمة الثماني‬
‫الكبري لبنود مبادرتها ‪.‬‬
‫ومن المتوقع أن تتعاون دول مجموعة الثماني مع التحاد الوروبي ‪،‬‬
‫والوليات المتحدة في مجال تمويل هذه المبادرة لضمان إنجاحها‪ ،‬وتوفير‬
‫قوة الدفع اللزمة لها بمجرد إقرارها‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويتحدد المقصود من تعديل هذه البرامج ووفقا لما جاء في برنامج بل حدود‬
‫بقناة الجزيرة بتاريخ ‪ – - 2004 \2\18‬فيما نقل عن السيدة إيلينا‬
‫فيررومانسكي مسؤولة ما يسمى ببرنامج مبادرة الشراكة الميركية الشرق‬
‫أوسطية في زيارتها لدول الخليج في ‪ 24‬سبتمبر الماضي ‪ ، 2003‬حيث‬
‫قالت ‪ :‬ل توجد فسحة من الن فصاعدا للكراهية وعدم التسامح والتحريض‬
‫ونحن نحاول أن نعيش معا وأي منهاج دراسي ل يسير في هذا التجاه يجب‬
‫تغييره وأضافت ‪ ) :‬أنه إذا كانت الحكومات والمجتمعات تريد رؤية مثل هذا‬
‫التغيير وتود الحصول على نظام تعليمي يوفر المهارات وفرص العمل‬
‫والمنافسة فإننا سنمد يدنا للمساعدة وأؤكد لكم نعم نود إزالة كل المواد‬
‫ة(‪‍.‬‬
‫السلبية من النصوص الديني ‍‬
‫وعليه فتكفير الكافر سلبية ‪ ،‬وتفسيق الفاسق سلبية ‪ ،‬والمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر سلبية ‪ ،‬وجهاد الظالم سلبية ‪ ،‬وقتال الصائل سلبية ‪،‬‬
‫والدفاع عن العرض أو النفس أو المال أو الرض سلبية ‪ ،‬والحث على العفة‬
‫والحشمة سلبية ‪ ،‬والغيرة على الدين سلبية ‪ ،‬ولبس الحجاب سلبية ‪،‬‬
‫والمحافظة على السنة والتراث سلبية ‪ ،‬وتحفيظ القرآن سلبية ‪ ،‬وتطبيق‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشريعة سلبية إلخ‬


‫كل ذلك بشرط واحد بغرض التيسير ‪ :‬إذا جاء من جهة السلم ‪ ،‬أما من جهة‬
‫المسيصهيونية فكل شيء مباح‬
‫هكذا أفتي المفتي السيدة صاحبة الفضيلة المريكية شيخة الشيوخ وإمامة‬
‫المجتهدين وقدوة المغضوب عليهم والضالين السيدة إيلينا فيررومانسكي‬
‫مسؤولة ما يسمى ببرنامج مبادرة الشراكة الميركية الشرق أوسطية رضي‬
‫عنها السلف من أعلم محاكم التفتيش التاريخية المجيدة ‪ ،‬كما رضي الرئيس‬
‫عنها ومن تبعه من الشياطين والسابقين السابقين من مؤسسات البيت‬
‫البيض والكونجرس والدفاع والخارجية والمحافظين الجدد والكنائس‬
‫النجيلية المتصهينة والمخابرات والناتو والتحاد الوربي واللوبيات الصهيونية‬
‫والعملء المقربين ‪.‬‬
‫إن المفتي إيلينا تقدم لكم – افتراضا ‪: -‬‬
‫) البيان الول الذي أصدره لكم بصفتي المفتي وقائد الشرطة المريكية‬
‫العالمية التي تتولى تنفيذ الفتوى المذكورة أعله لهميتها الخاصة للسلم‬
‫العالمي‬
‫) على كل من يقتني ببيته أو مكتبه نسخة من كتاب المسلمين " القرآن " أن‬
‫يمسك الن وحال قلما من صناعتنا المريكية " فلوماستر " أسود شديد‬
‫السواد ليطمس به اليات التي تتحدث عن الموضوعات المذكورة أعله‬
‫وبخاصة اليات التالية ‪:‬‬
‫آية ) لعن الذين كفروا من بني إسرائيل (‬
‫آية ) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة(‬
‫آية ) لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود (‬
‫آية ) يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء (‬
‫آية ) ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم (‬
‫آية ) محمد رسول الله (‬
‫آية ) وان احكم بينهم بما أنزل الله(‬
‫آية ) وما قتلوه وما صلبوه (‬
‫آية ) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (‬
‫آية ) أذن للذين يقاَتلون بأنهم ُ‬
‫ظلموا (‬
‫آية ) الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما (‬
‫آية ) إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا (‬
‫آية ) كنتم خير أمة أخرجت للناس (‬
‫ونظرا لعجزنا – نحن المفتي ‪ -‬عن الرجوع مباشرة إلى هذا الكتاب " القرآن‬
‫" المكتوب بغير لغتنا المريكية مع السف فسوف نستعين بكبار أئمتكم من‬
‫أمثال أبوزيد وحنفي والقميء لمساعدتنا في التنقيب داخل هذا الكتاب ‪،‬‬
‫ومساعدتكم في الفهم الصحيح لما سوف نبقيه منه وفقا لحدث النظريات‬
‫العالمية والمقبولة أمريكيا في فهم " النص " ‪.‬‬
‫وسوف نصدر لكم البيانات ببقية اليات المحرمة تباعا‬
‫وقد أصدرنا المر التربوي المريكي العالمي رقم واحد إلى جميع مطابع‬
‫العالم أن توقف ‪ -‬مؤقتا وإلى صدور قرار جديد منا ‪ -‬توزيع ما لديها من هذا‬
‫الكتاب " القرآن " ‪ ،‬وأن تعرض علينا ما لديها ‪ ،‬وما تطبعه مستقبل منه قبل‬
‫طبعه ‪ ،‬لمراجعته وفقا للقواعد التي قررناها والتي سوف نقررها ‪ ،‬وكل‬
‫مؤسسة صغيرة أو كبيرة ‪ ،‬حكومية أو أهليه محلية أو عالمية ل تخضع لهذا‬
‫المر سوف تتعرض لعقوبات استثنائية من الحلق والغلق والمصادرة‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعتقال بحدائق جوانتانامو الشهيرة وهي متوفرة لدينا في جميع أنحاء‬


‫العالم ‪ ،‬ويعمل بها شرطة استثنائيون ‪ ،‬ولديها حصانة قانونية استثنائية ‪،‬‬
‫ونفوذ عالمي وإقليمي ومحلي استثنائي‬
‫ومن ل يخضع لهذا القرار برادع الحلق وفقا للبند الول من قرار تشكيل‬
‫شرطتنا سوف ننتقل إلى التعامل معه برادع القطع وفقا للبند الثاني من هذا‬
‫القرار‬
‫ونضع تحت أيديكم بمكتبنا المذكرة التفسيرية التي يمكنكم الضطلع فيها‬
‫على إجراءات الحلق وهي ل تقل جسمانيا عن سحب الظافر ‪ ،‬ول تزيد‬
‫حياتيا عن السجن مدى الحياة ‪ ،‬وإجراءات القطع ل تقل عن جدع النف ول‬
‫تزيد – مع السف ‪ -‬عن عقوبة العدام‬
‫صدر بمكتب شرطة المفتي التربوي المريكي في ‪ 24‬سبتمبر ‪( 2003‬‬
‫ومع المتابعة لم ينشر هذا البيان بقناة " الخرة بلفرنجي " المخصصة أصل‬
‫للمشروع المريكي لسباب معروفة !!‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وتتأكد جدية فتوى المفتي إيلينا فيررومانسكي عندما نقرأ بتمعن ما جاء في‬
‫جريدة الخليج بتاريخ ‪ 2002 \ 2 \ 3‬ص ‪ 24‬من مقال الستاذ باسم شاهين إذ‬
‫يقول في تلخيصه لحدث المقالت الصحفية الصادرة في الوليات المتحدة‬
‫المريكية ‪ ) :‬أما صحيفة واشنطن بوست فكانت أكثر صراحة في " مطالبها‬
‫" التي قالت إنها تشكل أسس تطوير وتحسين العلقة مع المملكة‬
‫السعودية ‪ ،‬وتتلخص تلك المطالب في وقف دعم بناء المساجد والمدارس‬
‫الدينية حول العالم ‪ ،‬وإعادة النظر في أنظمة التعليم المعمول بها في‬
‫السعودية ( ‪.‬‬
‫ولنقرأ أيضا ما نشرته جريدة السبوع التي تصدر بالقاهرة في صفحتها الثالثة‬
‫بتاريخ ‪ 2002 \ 12 \ 2‬تحت عنوان " خطة واشنطن لتغيير المناهج التعليمية‬
‫في مصر والعالم العربي ‪ :‬الخطة تطالب بإفراغ التربية الدينية من مضمونها‬
‫واقتصارها على تدريس العبادات "‬
‫وقد جاء تحت هذا العنوان أن هذه الخطة وضعتها مجموعة من الخبراء‬
‫السياسيين المريكيين البارزين الذين أطلق عليهم ) مجموعة ال ‪( 19‬‬
‫ووضعتها في تقرير رفعته إلى جهاز المن القومي المريكي تضمن ما أسموه‬
‫" مفهوم الجوانب النفسية للرهاب السلمي " ‪ ،‬وانتهت فيه إلى توصيات‬
‫شاملة تم رفعها إلى الرئيس المريكي جورج بوش الذي وافق عليها ‪.‬‬
‫وتذهب الدراسة إلى أن التأثير الكبر في الدول العربية والسلمية يأتي من‬
‫مصر والسعودية تحديدا ‪ ،‬وتقول الدراسة بصدد التربية الدينية ) نحن لن‬
‫نستطيع أن نغير من فحوى القرآن ‪ ،‬ولكن علينا التدخل لفراغه من مضمونه‬
‫(‬
‫وترى الدراسة أن القضاء على الثار النفسية للرهاب العربي لبد وأن يبدأ‬
‫من المراحل الولى من التعليم الساسي ففي مرحلة التعليم البتدائي يجب‬
‫تغيير محتوى المادة الدينية لتصبح بعنوان " الثقافة الدينية " هدفها إعطاء‬
‫صورة عن الفضائل الساسية للديانات اليهودية والمسيحية والسلم ‪ ،‬على‬
‫أن يمتد هذا التغيير ليشمل موضوعات المطالعة والنصوص الدبية ‪ ،‬وترى‬
‫الدراسة ضرورة تغيير مناهج التاريخ بحيث يتم التركيز على تاريخ الثورات‬
‫العلمية في العالم ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما بالنسبة للتربية الدينية في التعليم العدادي فسيطلق عليها " حوار‬
‫وتفاهم حضارات العالم " وفي هذا الطار يجب أن تكون اللغة الدينية مبنية‬
‫على العقل والمنطق ل على النقل والتبعية للكتاب المقدس ‪ ،‬أو الحاديث‬
‫الشريفة ‪.‬‬
‫وأما بالنسبة للمرحلة الثانوية فسوف تكون هي المرحلة الولى التي تدرس‬
‫فيها موضوعات دينية خاصة بكل أصحاب ديانة وفي الصف الول من هذه‬
‫المرحلة يتعلم الطلب المفاهيم الساسية للعبادات ‪ ،‬وفي الصف الثاني‬
‫يدرسون بعض القصص التاريخية عن بعض النبياء ‪ ،‬وفي المرحلة الثالثة تأتي‬
‫النظرة الفاحصة لبعض الخطاء الشائعة عن عدوانية الدين السلمي‪.‬‬
‫ثم أشارت الدراسة إلى المناهج الجامعية لتؤكد على عدم وجود أثر فيها على‬
‫المناهج الدينية ‪ ،‬وتركز الدراسة عموما على ضرورة العتماد على مبدأ‬
‫التأويل واستحداث لغة دينية جديدة ‪ .‬كما تركز على ضرورة أن يأتي ذلك كله‬
‫في إطار العلقات الستراتيجية الساسية بين الوليات المتحدة والدول‬
‫العربية وأن يتم التأكيد في هذا الطار على محاربة الرهاب الدولي ‪ ،‬ورفض‬
‫قيام الدولة الدينية في الشرق الوسط ‪ ،‬وقد رفعت الدراسة إلى الرئيس‬
‫بوش فصدق عليها ‪ ،‬ولكنه قرر تأجيل إبلغ الدول العربية بها وإلزامها بالتنفيذ‬
‫إلى ما بعد ضرب العراق ‪.‬‬
‫وفي ‪ 9‬نوفمبر الماضي نشرت الشرق الوسط أن إدارة بوش قررت‬
‫تخصيص مبلغ ‪ 145‬مليون دولر لميزانية العام ‪ 2004‬لتشجيع التعليم‬
‫العلماني في العالم العربي ‪.‬‬
‫هكذا تقترب الفأس من الرأس وفقا لحلم المستعمرين المريكيين ‪ ..‬ناسين‬
‫تاريخ الستعمار مع السلم في مرحلته الصليبية الولى ثم في مرحلته‬
‫الصليبية الثانية ونتائجة المحكومة بالفشل والمحكومة بالمزيد من الكراهية‬
‫وإن بعد خراب الديار‬
‫وإذا كانت شعارات العولمة و قعقعات السلح التي تصاحب ذلك هي التي‬
‫تفرض على حلفائها العلمانيين تسارعا حرجا في تجفيف منابع التعليم الديني‬
‫في البلد السلمية تحت دعاوى العولمة وفتح النوافذ وإزالة الحدود‬
‫والتفريط في السيادة والترحيب بالغزاة المريكيين فإن ذلك ل ينبغي أن‬
‫ينسينا أن ما يجري اليوم مسبوق بحلقات بدأت مع قعقعات الجيوش‬
‫الستعمارية في مرحلته الصليبية الثانية منذ قرنين ‪.‬‬
‫وإذا كان بعض زعماء العرب قد أطلق نظريته في التعامل مع مطامع الغرب‬
‫التي صاغها في قوله) علينا أن نحلق رءوسنا قبل أن تحلق لنا ( فإن الحداث‬
‫في علقتنا بالمستعمر الغربي وقد اقتحمت عرين التربية الدينية تكون قد‬
‫تجاوزت مرحلة الحلق إلى مرحلة القطع‬
‫أما مرحلة التقصير والحلق فقد بدأت منذ أكثر من قرن وربما تكون قد‬
‫وصلت إلى نهايتها ونحن الن في استشراف المرحلة التالية‬
‫فهل تصلح النظرية أم تحتاج إلى تعديل يسهل علي المريكي المرحلة‬
‫القادمة في قطع الرءوس ؟!‬

‫)‪(4 /‬‬

‫أما عن " مرحلة ما قبل الحلق " فعلينا أن نتذكر طرفا مما ذكرناه سابقا –‬
‫والذكرى تنفع المؤمنين – ‪ .‬ففي نهاية القرن التاسع عشر دعا الدكتور‬
‫انكلهارد في كتابه الذي ألفه عام ‪ 1882‬للبحث في تطورات تصفية الدولة‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العثمانية منذ عهد السلطان محمود الثاني ‪ ---‬وقد كان سفيرا لفرنسا في‬
‫تركيا ‪ ،‬وترجم الكتاب إلى التركية عام ‪ ---1912‬دعا إلى تقريب الهيئة‬
‫الجتماعية السلمية بالهيئة الجتماعية المسيحية عن طريق تخليص الدولة‬
‫التركية من القوانين والحدود الشرعية مباشرة كما وقع في العالم المسيحي‬
‫‪ ،‬أو من طريق غير مباشر ) بتفسير العقائد الساسية تفسيرا موسعا ( ‍‪.‬‬
‫أنظر كتاب " موقف العقل " لشيخ السلم " مصطفى صبري " ج ‪ 1‬ص ‪81‬‬
‫وفي سياق " مرحلة الحلق في بداية القرن العشرين" ومع خطوات‬
‫الستعمار الفرنسي في الشام صرح القائد الفرنسي الجنرال بيير كليبر‬
‫بقوله عن المعاهد الفرنسية في لبنان بقوله ‪ ) :‬إن كلية عنطورة في لبنان‬
‫هي وسط ممتاز للدعاية الفرنسية ( ثم يقول ) وإن مؤسساتنا تعمل دون‬
‫ملل لتغذية النفوذ الفرنسي ‪ ،‬مثل معهد الدراسات العبرية في القدس‬
‫ومعهد الدراسات السلمية في القاهرة ‪ ،‬والمدرسة الكليريكية الدومينيكية‬
‫في الموصل ( ثم قال ‪ ) :‬إن انتشار لغتنا وإشعاع ثقافتنا وأعمالنا النسانية ‪،‬‬
‫وعظمة الفكار والعبقرية الفرنسية هي العمال المكملة لنا وسوف ل نهملها‬
‫أبدا (‬
‫وأما عن المدارس النجليزية في سياق هذا الحلق فنكتفي بكلمة صريحة‬
‫أيضا للورد لويد الذي كان مندوبا ساميا لبريطانيا في مصر ‪ ،‬إذ يقول في‬
‫خطبة ألقاها بكلية فكتوريا بالسكندرية سنة ‪ 1926‬عن أثر هذه المدرسة في‬
‫إبطال أثر ثورة ‪ 1919‬في نفس أبنائها ‪ ) :‬هؤلء ل يمضي عليهم وقت طويل‬
‫حتى يتشبعوا بوجهة النظر البريطانية ‍ ‍بفضل العشرة الوثيقة بين المعلمين‬
‫والتلميذ ‪ ،‬فيصيروا قادرين أن يفهموا أساليبنا ويعطفوا عليها … و ينتبه‬
‫الوالدون إلى أن تعليم أولدهم فيها ينمي فيهم من الشعور النجليزي ما‬
‫يكون كافيا للتفاهم بين الشرقي والغربي ‪ ..‬كما كانت السكندرية في أيام‬
‫عظمتها في عهد البطالمة ‪ ( ..‬أي قبل السلم !!‬
‫وفي سياق مرحلة الحلق فيما يتعلق بالتعليم الديني الزهري نفسه‬
‫فنستشهد بكلمة اللورد لويد أيضا التي جاءت عن الزهر في كتابه الذي ألفه‬
‫عام ‪ ): 1933‬لو أمكن تطوير الزهر لكانت هذه خطوة جليلة الخطر‪ ،‬ولكن‬
‫إذا بدا أن مثل هذا المل غير متيسر تحقيقه فحينئذ يصبح المل محصورا في‬
‫التعليم اللديني الذي ينافس الزهر حتى يتاح له النتشار والنجاح ‪ ،‬وعند ذلك‬
‫سوف يجد الزهر نفسه أمام أحد أمرين ‪ :‬إما أن يتطور ‪ ،‬وإما أن يموت‬
‫ويختفي ( أنظر التجاهات الوطنية في الدب المعاصر للدكتور محمد محمد‬
‫حسين ج ‪ 2‬ص ‪309- 308 ، 285‬نقل عن كتاب " القضية العربية في نظر‬
‫الغرب " للجنرال كايير ترجمة ميشال حجار ‪ ،‬ونقل عن مجلة المقتطف عدد‬
‫مايو ‪1926‬‬
‫ولقد بدأت عملية الحلق فيما يتعلق باستهداف التعليم الديني في الزهر منذ‬
‫بداية القرن العشرين وفي هذا الشأن أبدى الشيخ محمد شاكر وكيل الزهر‬
‫آنذاك تخوفه في مقال حذر فيه الحكومة من بعض مظاهر يمكن أن تجر‬
‫مصر إلى العلمانية على مثال تركيا وأشار إلى ما يجري من تحركات تدعو‬
‫إلى الخوف على الزهر من خطط العلمانية إزاءه ‪ \ .‬أنظر كتاب " دور‬
‫الزهر في السياسة المصرية للدكتور سعيد إسماعيل نشر كتاب الهلل من‬
‫ص ‪290 -285 ، 279 -278‬‬
‫وجاء طه حسين مبشرا بالمتزاج بالغرب فدعا في مقالته وكتابه مستقبل‬
‫الثقافة في مصر الصادر عام ) ‪ (1938‬إلى توحيد المرحلة الولى من التعليم‬
‫والتي تسبق التخصص وإنهاء الثنائية المتمثلة في التعليم الزهري والتعليم‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المدني ‪ ،‬ثم استأنف دعوته في بداية ثورة ‪ 1952‬في مصر ليدعو إلى تطوير‬
‫الزهر بعد إلغاء المحاكم الشرعية ‪ ،‬وسمى تطوير الزهر " الخطوة الثانية "‬
‫حيث كانت الخطوة الولى هي إلغاء المحاكم الشرعية ‪.‬‬
‫و تم التسارع في " حلق " الزهر من بعد ‪ ،‬في قانون تطوير الزهر الذي‬
‫أصدر عام ‪ 1961‬في عرض مفاجئ في منتصف الليل في جلسة أخيرة من‬
‫دورة أخيرة لمجلس المة ‪ ،‬في عهد شيخ الزهر الشيخ محمود شلتوت ‪ ،‬ثم‬
‫مرة أخرى بالقانون الصادر عام ‪ 1998‬في عهد شيخ الزهر الشيخ محمد‬
‫سيد طنطاوي ‪.‬‬
‫وفي أثناء ذلك كانت الصوات العلمانية تتصاعد بين فينة وأخرى للجهاز على‬
‫ثنائية التعليم ‪ ،‬أو رباعيته في رأي الدكتور حامد عمار ‪ ،‬في رسالته إلى أحمد‬
‫بهاء الدين ‪ .‬الهرام ‪ ،1989\1\1‬والمقصود التخلص من التعليم الديني‬
‫بالزهر‬
‫وفي سياق " الحلق " في أقطار إسلمية أخرى لبد هنا من إشارات سريعة‬
‫إلى ما حصل للتربية السلمية في المدارس العلمانية تحت نفس العنوان ‪،‬‬
‫وما حصل من قبل من علمنة لجامعة الزيتونة بتونس ‪ ،‬وانتشار الجامعات‬
‫المريكية في مختلف البلد السلمية ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫يقول المنصر جورج بيترز في بحثه بعنوان ) نظرة شاملة عن إرساليات‬


‫التنصير العاملة وسط المسلمين ( الذي ألقاه بمؤتمر تنصير المسلمين الذي‬
‫عقد في مدينة جلين آيري بولية كولورادو في الوليات المتحدة المريكية‬
‫عام ‪ ، 1978‬والمنشور ضمن الترجمة الكاملة لعمال هذا المؤتمر ‪ ،‬ونشرته‬
‫دار ‪ MARC‬للنشر ‪ ) :‬إنه لحقيقة تاريخية أن مئات المدارس القروية وعديدا‬
‫من الكليات قد فتحت البواب إلى عالم جديد للف الناس ‪ ،‬ومكنتهم من‬
‫قراءة النجيل ‪ ،‬والدب النصراني ‪ ،‬وهذه الكليات التي كانت وما زالت مراكز‬
‫لتأثير عظيم في الشرق الوسط والدنى هي كلية روبرت باستانبول ‪،‬‬
‫والجامعة المريكية في بيروت ‪ ،‬والجامعة المريكية في القاهرة (‬
‫وقد تبع ذلك انتشار هذه الجامعات بكثافة شديدة في السنوات الخمسة‬
‫عشرة الخيرة في مدن الخليج العربي ‪.‬‬
‫وقدمت الستاذة الدكتورة بنت الشاطئ النظرة التاريخية عن "عملية الحلق‬
‫" على مدي قرنين في دراستها القيمة المنشورة بجريدة الهرام بتاريخ ‪\2\4‬‬
‫‪ 1993‬تحت عنوان " جيل الشتات الفكري والثقافي " ‪ :‬النهضة التعليمية في‬
‫مصر منذ بداية القرن التاسع عشر ‪..‬وأشارت فيها إلى محاولت الهيمنة‬
‫المريكية على فكرنا وثقافتنا وتعليمنا ‪ ،‬بعد ما تم في إعداد جيل الشتات‬
‫المتنافر ‪ ،‬ممن برئوا من عقدة مقت آبائنا لفكر الفرنجة ورفضهم العنيد‬
‫لخلقها وسلوكها ‪ ،‬وأخذوا يبشرون فينا بتنوير عصري يتنكر لشخصية أمته‬
‫ويزدري بداوة عربيتنا ‪ ،‬وتخلف شرقيتنا ‪ ،‬وبؤس تقاليدنا ‪ ،‬ويزهو بالنتماء إلى‬
‫ثقافة الفرنجة ‪ ،‬والولء لعالم جديد في حضانة الستعمار الوربي ‪ ،‬المسخر‬
‫لتحقيق مآرب الصهيونية ‪..‬‬
‫وأشارت إلى الجيال من أبناء المة في المشرق والمغرب الذين كانوا قبل‬
‫ذلك يتعلمون في المدرسة السلمية على منهج واحد ‪ :‬كتابهم الول القرآن ‪،‬‬
‫يستفتحون به وعي إنسانيتهم الناطقة ‪ ،‬ويمنحهم من نوره أول زاد من‬
‫المعرفة والسلوك ‪ ،‬وبعد حفظه يتعلمون مبادئ العربية والسلم في كتب‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موحدة ‪ ،‬ثم يتجهون بعد هذه المرحلة الساس إلى ما هم ميسرون له من‬
‫تخصص فروع العلم وميادين العمل ‪ ،‬وكان اتصال الشرق السلمي بثقافة‬
‫الغرب ومدنيته عن طريق بعثات من هؤلء الطلب الذين أتموا دراستهم في‬
‫المدرسة السلمية الموحدة ‪ ،‬ورسخت جذورهم في بيئتهم الشرقية بما‬
‫يحصنهم من التشويه والمسخ ‪.‬‬
‫ثم تابعت ما طرأ على الموقع التعليمي ابتداء من أيام سعيد باشا ) ‪(1854‬‬
‫م بتأثير الرساليات المريكية واليطالية ‪ ،‬وإذ أنشئت مدارس ملية منها "‬
‫مدرسة تلمود " للطائفة السرائيلية بحارة اليهود بالقاهرة سنة ‪ 1861‬م ‪.‬‬
‫وفي عهد الخديوي إسماعيل ) ‪ (1879-1863‬أنشئت اثنتا عشرة مدرسة‬
‫أهلية في مقابل ثلث وأربعين مدرسة أجنبية للبنين والبنات مفتوحة‬
‫للمسلمين ‪ ،‬وفتحت أول مدرسة أجنبية بأسيوط للرسالية المريكية ‪ ،‬ثم‬
‫انتشرت في أنحاء القطر ‪ ،‬وفتحت أمام خريجيها الوظائف ‪.‬‬
‫وفي السنة الثانية من حكم الخديوي توفيق ) ‪ ( 1892-1879‬صدر أمره‬
‫العالي بتشكيل )المجلس العالي بنظارة المعارف ( باشتراك عشرة من‬
‫السادة الجانب ‪ ،‬وفتحت في عهده تسع وثمانون مدرسة للرساليات‬
‫التبشيرية ‪ ،‬والبعثات العلمانية ‪ ،‬مقابل إحدى وثلثين مدرسة أهلية ‪ ،‬وسجل‬
‫الحصاء لسنة ‪ 1884‬أن نسبة التلميذ المصريين في المدارس الجنبية‬
‫‪ ، %52‬ثم أدخل على المدارس الوطنية تعديلت ‪ :‬قضت بـ "حلق" حصص‬
‫القرآن الكريم المقررة على السنتين الثالثة والرابعة البتدائيتين ‪ ،‬وأن تكون‬
‫دراسة مادة " الشياء " باللغة الجنبية ‪ ،‬وفي الجغرافيا ‪ :‬حصة بالعربية‬
‫وحصة بالجنبية ‪ .‬وفي المدارس الثانوية تقرر أن تعلم العلوم الجاري‬
‫تدريسها بالعربية بلغات أجنبية ‪ ،‬ويناط تدريس اللغات الجنبية بمدرس‬
‫فرنسي أو إنجليزي !‬
‫أما عن الجامعة فتقول الدكتورة بنت الشاطئ ) وبقدر ما حطت الرجعية‬
‫بكل ثقلها على الجامعة السلمية حط الستعمار بأشد وطأته على جامعتنا‬
‫الحديثة ‪ ،‬فكانت للجانب على عهدي بها – والكلم للدكتورة بنت الشاطئ –‬
‫أكثر كراسي الستاذية في كلية الحقوق التي يتخرج فيها رجال القضاء‬
‫والسياسة والتشريع ‪ ،‬وكلية الداب التي تدرس شخصية المة في لغتها‬
‫وآدابها وتاريخها وفلسفتها وتراثها وآثارها ‪ ،‬وما تلقت وما تتلقى من روافد‬
‫فكرية وثقافية شرقية وغربية قديمة وحديثة ‪ (.‬ثم تقول ‪ ) :‬وظاهرت هذا‬
‫الغزو لحصوننا الفكرية مؤسسات ثقافية أجنبية كمؤسسة فرانكلين بأجهزة‬
‫أعلمها المدربة وعصريتها الخلبة وخزائن مالها الغنية السخية ( ‪.‬‬
‫*****‬
‫أما الن وفي نهاية القرن العشرين وقبل نداءات أولى حروب القرن الواحد‬
‫والعشرين فقد حلقنا رؤسنا قبل أن تحلق لنا فعل وإليكم بعض مما حلقناه‬
‫من رءوسنا أخيرا ‪:‬‬
‫‪ :‬ما ذكره الستاذ محمد عبد الرحمن طبل من رجال التعليم والتربية في‬
‫مصر بمقاله بجريدة الشعب ‪ 1989\2\7‬بعنوان ) عاجل جدا إلى السيد وزير‬
‫التعليم ( يقول ‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫) تنتهج وزارة التربية والتعليم الن نهجا لم تنتهجه منذ إنشائها ‪ ،‬وتبتدع‬
‫سياسة لم يستطع مستر دنلوب الذي هيمن على التعليم أيام الستعمار‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النجليزي تطبيقها وتنفيذها ‪ ،‬وهو الذي وضع في هذا المركز لينفذ مخططا‬
‫استعماريا هدفه نشر النجليزية وإضعاف اللغة العربية وصرفنا عن عقيدتنا ‪،‬‬
‫والقضاء على هويتنا وإسدال الستار على تاريخنا ( ‪.‬‬
‫ثم يذكر ما حدث من تعديل استهدف " حلق " المادة السلمية والعربية في‬
‫كل من كتاب القراءة للصف الول ‪ ،‬ولم يقتصر المر على ما حلق من‬
‫الكتاب ولكنه امتد لحلق جزء مما بقي فيه ‪ ..‬بما تقرر بنشرة الدارة‬
‫المركزية للتعليم الساسي بعنوان ) موضوعات ل يمتحن فيها التلميذ من‬
‫كتب القراءة بالحلقة البتدائية ( وكلها آيات قرآنية منها ……إلخ ما جاء‬
‫بالمقال من قائمة تفصيلية‪.‬‬
‫وكتب الستاذ عبد المنعم سليم جبارة بجريدة الشعب بتاريخ ‪1989\1\17‬‬
‫يقول ‪ ) :‬يتردد على ساحتنا التربوية المصرية أن هناك إجراءات لتنقية كتب‬
‫اللغة العربية من اليات القرآنية ‪ ،‬والحاديث النبوية … وإذا كانت قد اتخذت‬
‫إجراءات لقصاء الملمح السلمية عن كتب التاريخ بحجة أن ذلك كانت‬
‫تتطلبه المرحلة ‪ ،‬فقد صاحب ذلك خطوات وإجراءات على ساحة التربية‬
‫والتعليم في بلد عربية أخرى رفع فيها مسئولو التربية والتعليم شعارات‬
‫التحديث والتغيير ‪ ،‬ورموا الخرين بتهم الجهل والتخلف ‪ ،‬وأعلنوا أن البعد‬
‫السلمي قد غلب على البعاد الخرى في المناهج والكتب ‪ ،‬مما يعوق‬
‫التطوير ويوجب التعديل والتغيير … ( ‍‬
‫وقد استقدموا لذلك نفرا من اليونسكو‪ ،‬ليفتوهم بأن السلم قد طغى هوية‬
‫وروحا على العلوم والمناهج ‪ ،‬وأن المر كي يستقيم يجب أن يعاد به إلى‬
‫مكان يكون فيه بغير تأثير ‪ " .‬فحلقت " آيات سورة النساء عن النشوز‪ ،‬من‬
‫كتب التربية السلمية ‪ ،‬و "حلق " ما ورد عن السواك بزعم أنه‬
‫يثيرالشمئزاز ويجافي التحديث والسلوب العصري في التعامل والسلوك …‬
‫وقد لفت النظار وشد النتباه ما دار وقيل في افتتاح مدرسة أجهور البتدائية‬
‫في محافظة القليوبية ضمن خطة أمريكية لتحويل وافتتاح مئات المدارس‬
‫البتدائية من ِقبل وزير التعليم ومن ِقبل السفير المريكي وأحد مديري‬
‫الوكالت المريكية المتخصصة ‪ ،‬وقد حضرا الحتفال مع السيد الوزير ‪ ..‬ما‬
‫قيل عن التطوير والتحديث والمساعدة المريكية ‪ ،‬والجهود المريكية في‬
‫التحديث والتطوير على الساحة التربوية …‬
‫وإذا سلمنا أن ارتفاع شعارات التطوير والتغيير ‪ ،‬على أكثر من ساحة تربوية‬
‫عربية في وقت واحد ل غرابة فيه ‪ ،‬ول يثير التساؤل بحكم المشاكل‬
‫المتراكمة والقضايا المتعددة فإنه ل يمكن أن ننفي عقولنا ونسلم بأن‬
‫خطوات هنا وهناك تستهدف طمس الهوية واقتلع جذور الصالة هي خطوات‬
‫عفوية ول رابطة بينها (‬
‫وعلى هامش هذه الخطوات التي أشار الستاذ عبد المنعم سليم جبارة إلى‬
‫أنها تتخذ في أنحاء مختلفة من العالم العربي ‪..‬‬
‫نقرأ ما جاء بصحيفة التحاد الماراتية بتاريخ ‪ 1989\1\25‬من مناقشات‬
‫بالمجلس الوطني التحادي حول مناهج التربية والتعليم حيث جاء في كلمة‬
‫العضو السيد ‪ :‬سالم المحمود أثناء مناقشته للسيد وزير التربية والتعليم في‬
‫قوله ‪ ) :‬من خلل اطلعي وتمحيصي لكتب مادة العلوم نجد أنه قد تم حذف‬
‫"حلق " اليات القرآنية ‪ ،‬والستشهاد بأقوال رسولنا الكريم عليه أفضل‬
‫الصلة والسلم التي كانت موجودة في المنهج السابق ‪ ،‬والتي تؤكد كثيرا‬
‫من الحقائق العلمية وتذكر الطالب بنعم الله الوفيرة ‪ ،‬وتظهر حضارتنا‬
‫السلمية العريقة في كثير من المجالت ! ( ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم نقرأ ما قاله محرر الجريدة في تلخيصه للجلسة ‪ ) :‬ولقد أورد الدكتور‬
‫المحمود نماذج عديدة بهذا الشأن ‪ ،‬في مراحل التعليم المختلفة وطرح كثيرا‬
‫من الدلة التي تؤيد وجهة نظره ‪ ،‬وتساءل ‪ :‬أليست اليات القرآنية الكريمة‬
‫صالحة للتأكيد على الحقائق العلمية ‪ ،‬وهل هناك تعارض بين العلم والقرآن ؟‬
‫إن هناك كثيرا من الباحثين يستشهدون بالعجاز القرآني لبراز قدرة الله في‬
‫خلق كل شيء‪ ..‬وللسف نحن نقوم بحذف "حلق " الحقائق القرآنية ‪( .‬‬
‫كما نقرأ ما جاء في كلمة السيد العضو على العامري في قوله ) ولكن الذي‬
‫أثار النتباه والستغراب هو أن العديد من المؤشرات تستهدف تفريغ المناهج‬
‫من المضمون السلمي ‪ ،‬وأثير كلم كثير في الصحف حول هذا الموضوع ( ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ونرجع إلى المناهج في مصر حيث يقول الستاذ عبد المنعم سليم جبارة ‪:‬‬
‫) إن خطوات الوزير والمساعدات المريكية في مجال التطوير والتحديث‬
‫تعيد إلى الذهان العديد من التساؤلت التي ترددت في أواخر السبعينات !!‬
‫حول مؤتمر قيل إنه تم انعقاده في واشنطن ضم ممثلين عن وزارات التربية‬
‫في أمريكا والكيان اليهودي الغاصب وبعض دول المنطقة بهدف وضع خطة‬
‫تربوية موحدة ‪ ،‬واللتقاء على مناهج موحدة للتعليم في المنطقة ‪ ،‬وتعيد إلى‬
‫الذهان أيضا ما تردد من تساؤلت صاحبت وصول وفد أمريكي يضم خبراء‬
‫التربية والتعليم إلى مصر في أواخر السبعينات ‪ ،‬لللتقاء مع وفد مصري‬
‫مماثل شكلته وزارة التعليم حينئذ من خمسين عضوا ‪ ،‬اختيروا من مديريات‬
‫التربية والتعليم في شتى أنحاء مصر ‪ ،‬حول مباحثات تهدف إلى تطوير‬
‫وتحديث التعليم في مصر (‬
‫ويتحدث الستاذ فهمي هويدي في مقاله المنشور بجريدة الخليج في ‪\6‬‬
‫إبريل ‪ 1993‬بعنوان" فتنة في الرض وفساد كبير " عما سماه كارثة تعليمية‬
‫كبرى ُأعلن عنها منذ ثلثة أسابيع – من تاريخ المقال المشار إليه – ولم يكن‬
‫لها صدى من أي نوع من جانب أي مسئول في وزارة التربية والتعليم ل‬
‫بالتكذيب ول بالتصويب ول بالتحقيق ‪.‬‬
‫ولقد نشر الهرام دراسة عن تطوير مناهج التعليم ‪ ،‬أعدتها – كما يقول‬
‫الستاذ فهمي هويدي – الزميلة مايسة عبد الرحمن ‪ ،‬وجاءت نتائجها التي‬
‫تبعث على الدهشة والتساؤل عن } اتساع مساحة الحلق { ‪ .‬كان النشر‬
‫على مدى خمسة أيام متوالية في الفترة من ‪ 24 – 18‬مارس الماضي ) عام‬
‫‪ : ( 1993‬ومما نشر‪:‬‬
‫أنه قد اشترك في عملية التطوير ) الحلق ( ‪ 29‬أستاذا ومستشارا أمريكيا ‪،‬‬
‫بمركز تطوير التعليم في واشنطن ‪.‬‬
‫تقلصت مناهج التاريخ السلمي حتى أصبح ما يدرسه الطالب طوال سنوات‬
‫تعليمه من البتدائي حتى تخرجه من الجامعة هو ‪ 40‬صفحة مقررة على‬
‫الصف الثاني العدادي ‪.‬‬
‫قبل التطوير الحالق كان الطالب يدرس التاريخ السلمي في مراحل التعليم‬
‫الثلث ‪ :‬في الصف الخامس البتدائي ‪ ،‬والثاني العدادي ‪ ،‬والثاني الثانوي ‪،‬‬
‫لكن المر اختلف على النحو التالي ‪:‬‬
‫منهج الصف الخامس البتدائي تحول من التاريخ السلمي إلى التاريخ‬
‫الفرعوني ‪ ،‬وبه ملحق صغير عن مصر السلمية وصلح الدين اليوبي ‪ ،‬وفي‬
‫حين بتر الجزء السلمي فإن الكتاب ركز على " النسان والبيئة " واهتم‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالمرحلة الفرعونية ‪.‬‬


‫منهج الصف الثاني العدادي ‪ :‬تحول من معالم التاريخ السلمي الذي يطوف‬
‫بمراحل تاريخ المة السلمية ‪ ،‬إلى أن أصبح يعالج الشق المتعلق بمصر‬
‫والعالم السلمي‪ ،‬ومصر والعالم العربي ‪ ،‬ومحوره هو التاريخ الفرعوني‬
‫باستثناء فصلين موجزين في آخر الكتاب ‪.‬‬
‫منهج الصف الثاني الثانوي ‪ :‬كان يضم التاريخ السلمي والحضارة‬
‫السلمية ‪ ،‬وباسم التطوير حذف " حلق " التاريخ السلمي كله واستبدل‬
‫بالتاريخ الوسيط لوربا ‪.‬‬
‫وبصفة عامة فإن دراسة التاريخ السلمي أصبحت تقتصر على سنة واحدة ‪،‬‬
‫في مرحلة واحدة هي العدادية ‪ ،‬بينما يدرس التاريخ الفرعوني في مراحل‬
‫التعليم الثلث } يبدو أن حزب مصر الم سره باتع إلى درجة ان يباشر نفوذه‬
‫قبل تشكيله {‬
‫فضل عن ذلك فإن معظم معلومات المنهج الوحيد الذي يدرسه الطالب‬
‫متضمنا شيئا عن التاريخ السلمي أصبحت بعد التطوير الحالق مستمدة مما‬
‫كتبه المستشرقون ] والعلمانيون [ حيث حذف "حلق " من حادث الهجرة ما‬
‫كان يشير إلى العناية اللهية ‪ ،‬وذكر بدل منه صفحة لراوية أو مؤلف مجهول‬
‫يقرر فيها أن كل ما نسب إلى الهجرة من معجزات غير صحيح ‪ ،‬وحيث يقرر‬
‫أن انتشار السلم كان بسبب انتصار الرسول في غزواته !!‬
‫وحذف "حلق " من الكتاب المعارك التي خاضها الرسول ضد اليهود ‪ ،‬وحذف‬
‫" حلق" من الكتاب أخبار النبياء ماعدا الثلثة ‪ :‬موسى وعيسى ومحمد –‬
‫عليهم الصلة والسلم ‪ -‬وذكر الكتاب أن أخناتون هو أول من نادى بالتوحيد ‪،‬‬
‫وألغى تماما أن أول مخلوق بشري على الرض كان عارفا بوحدانية الله ‪،‬‬
‫وكذلك النبياء بين عصر آدم وعصر أخناتون ‪ :‬كنوح وإدريس عليهما السلم ‪.‬‬
‫وفي الوقت ذاته ذكر الكتاب أن النسان الول من أصل مشترك مع القرد‬
‫وهو محض نظرية ‪.‬‬
‫وفي كتاب التربية الوطنية المقرر على الصف الثاني الثانوي يتحدث الكتاب‬
‫عن أثر الحضارة الوربية في المجتمع المصري الحديث في ضعف المساحة‬
‫التي يشير فيها إلى أثر الحضارة السلمية على الغرب‬
‫وحلق من الكتاب الصفحات التي أشارت ‪ -‬فيما قبل التطوير ‪ -‬إلى عوامل‬
‫ركود العالم العربي ‪ :‬في التجزئة السياسية ‪ ،‬والغزو الصليبي ‪ ،‬والمغولي ‪،‬‬
‫وتحول طرق التجارة من الشرق إلى الغرب ‪ ،‬ودور الستعمار ‪ ،‬واقتصر‬
‫البحث على عوامل اليقظة التي ركزت على اتصال العالم العربي بالفكر‬
‫الوربي ‪ ،‬ثم على ظهور الحركات الصلحية الداخلية‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وفي كتب المعلومات والنشطة البيئية للفصل الول البتدائي ‪ :‬تتضمن‬


‫الرسوم اليضاحية والصور إيحاءات تنفر من نموذج الحياة الشرقية ‪ ،‬يظهر‬
‫ذلك في درس " منزل جدي " بأثاثاته القديمة ‪ ،‬وبالمقابل صورة لغرفة‬
‫استقبال عصرية أقرب إلى فندق بحيث ينجذب إليها طفل السادسة تلقائيا ‪،‬‬
‫وهكذا صورة ثانية لمدرس يرتدي طربوشا ‪ ،‬وبالمقابل مدرسة رشيقة‬
‫حاسرة الرأس تدلت خصلت شعرها الناعم على جبهتها ‪ ،‬و ترتدي زيا‬
‫مكشوف الذراعين ‪ ،‬وصورة ثالثة لمدرسة غطت شعرها بخمار أسود‬
‫وطمست الثياب معالم جسدها واختفى ذراعاها ولم يظهر لها كف ‪ ،‬والمهم‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعد ذلك أنه بكتاب المنهج يطلب من الطفل أن يحدد موضع الشبه والختلف‬
‫بين الصور الثلث وأن يجيب في النهاية على السؤال ‪ :‬أيهما تفضل ؟‬
‫ولماذا ؟‬
‫وفي كتاب الثانية البتدائية يدور محور الدرس الول حول " بيئتنا بين الماضي‬
‫والحاضر " وتحت العنوان صورتان ‪ :‬إحداهما لحي سكني يظهر فيه بيت‬
‫متوسط الرتفاع على الطراز السلمي ‪ ،‬وفي ركن الصورة ظهر مسجد‬
‫وفي الشارع سار اثنان يرتديان الجلليب ‪ ،‬وفي الصورة الثانية التي نصبت‬
‫إلى جوارها مباشرة ‪ ،‬ظهرت العمارات العالية وبأسفلها المحلت التجارية‬
‫وشارع نظيف ‪ ،‬يحاذيه رصيف ويغطيه السفلت ‪ ،‬بينما تتخلله خطوط تنظم‬
‫عبور المشاة ثم يطرح السؤال ‪ :‬ما التغييرات التي تلحظها بين الصورتين ‪،‬‬
‫وكيف استفادت السرة من هذه التغييرات ؟ وهو سؤال يدفع الطفل بالطبع‬
‫إلى اختيار الصورة الثانية ‪ ،‬وعلى ذلك النمط تمضي الكتب التي تسهم في‬
‫وه‬
‫تشكيل وعي الطفل في السنوات الولى من التحاقه بسلم التعليم إذ يش ّ‬
‫ذلك الوعي ويسممه بحيث يبدو نافرا من بيئته ونموذجه الحضاري ومتعلقا‬
‫ومبهورا بالنموذج الوربي ‪.‬‬
‫ويعلق الستاذ فهمي هويدي على هذه التطويرات " الحالقة "التي حصلت‬
‫منذ عشرة سنوات في مصر من الناحية التربوية وما تؤدي إليه من تغذية‬
‫التطرف ‪ -‬عكس ما يقصد إليه في تجفيف المنابع حيث يقول ‪ ) :‬إن التعليم‬
‫الذي ينتج لنا شبابا ضائعا عديم النتماء يقدم للتطرف والرهاب هدية لم‬
‫يحلم بها يوما ما ‪ ،‬حيث ل يخطر في بال عاقل أن تكون المؤسسة التعليمية‬
‫هي المصدر الرئيسي للرهاب ‪ ،‬بتلك الكميات المعتبرة وبالمجان (‬
‫ولنه ل يخطر ذلك على بال فإن الهدف الخفي يطل علينا برأسه وهو ما يعبر‬
‫عنه الستاذ فهمي هويدي في قوله ‪ ) :‬عندما يطالع المرء هذه الخريطة في‬
‫مجملها فإنه يلحظ من ناحية ذلك الجهد الحثيث المبذول لطمس هوية‬
‫الطفل ‪ ،‬وتجريح علقته ببيئته ومجتمعه ‪ ،‬ثم يلحظ من ناحية ثانية جهدا آخر‬
‫موازيا لتهوين علقته عندما يكبر بالسلم معرفيا وحضاريا(‪.‬‬
‫وفي دراسة أخرى يعرضها الستاذ محمد يونس بجريدة الهرام ‪\12\27‬‬
‫‪ 1991‬لما تم حلقه من التربية السلمية نجد التلخيص التي ‪:‬‬
‫) إذا ألقينا نظرة سريعة على ما تم حذفه " حلقه " وبخاصة ما يتعلق بالقيم‬
‫الدينية والثقافة السلمية في المناهج الدراسية نجد أن المسألة خطيرة ‪،‬‬
‫فلم يقتصر المر على مادة واحدة وإنما شمل العديد من المواد ‪ ،‬كما أن‬
‫الحذف " الحلق " تراوح ما بين عبارات ونصوص وموضوعات وكتب كاملة ‪.‬‬
‫فمن بين الكتب التي حذفت "حلقت " كما يقول الباحث السلمي جواد‬
‫محمد عواد ‪ :‬مادة تاريخ مصر السلمية ‪ ،‬من المرحلة البتدائية ‪.‬‬
‫أما الموضوعات التي حذفت " حلقت " بالمرحلة البتدائية والتي تتضمن قيما‬
‫دينية فمن بينها على سبيل المثال " فاعل خير " بالصف الثاني ‪ ،‬و " الكعبة‬
‫المشرفة " و" العفو عند المقدرة " بالصف الثالث ‪ ،‬و " الزهار وقدرة الله "‬
‫بالصف الثالث" ونساء مبشرات بالجنة " و " على عرفات " بالصف الخامس‬
‫‪ ،‬البتدائي ‪.‬‬
‫وهناك نصوص دينية حذفت " حلقت " من بعض موضوعات المطالعة‬
‫بالمرحلة البتدائية مثل حديث " خيركم من علم القرآن وعلمه " في أحد‬
‫الموضوعات بالصف الول بالصف الول وحديث ‪ " :‬تسوكوا فإن السواك‬
‫مطهرة للفم ‪ ،‬مرضاة للرب " و" بركة الطعام الوضوء قبله وبعده " من‬
‫موضوع النظافة من اليمان بالصف الثالث ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في كتب التربية السلمية نجد هذا الحذف " الحلق " الذي يصل إلى حد‬
‫التشويه – كما يقول الباحث السلمي جودة محمد عواد – ففي الكتاب‬
‫المقرر على الصف الول الثانوي نجد على سبيل المثال ‪ :‬حذفت " حلقت "‬
‫الشخصيات السلمية ‪ :‬عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬وأبو حنيفة ومحمد عبده ‪،‬‬
‫وحذف " حلق "حكم الشرع في وجوب حجاب المرأة ‪ ،‬وتم وضع " الخمر‬
‫والمخدرات " تحت عنوان " الممنوعات " بعد أن كانت تحت عنوان"‬
‫المحرمات " ‪ ، ..‬كما تم حذف "حلق " اليات القرآنية التي تتحدث عن‬
‫طغيان فرعون وفساده ‪ .‬اهـ‬
‫يعلق الستاذ عبد المنعم سليم جبارة على الموقف فيقول ‪ ) :‬إن تطويرا‬
‫يجافي الهوية منهجا ووجهة ‪ ،‬ويصم الذان في وجه الرأي الخر بخبرته‬
‫وتجربته شاهرا سيفي القرار والسلطان ناعتا الخرين بشتى النعوت مبتهجا‬
‫بتصفيق المحيطين ليؤكد على أن التعليم غارق ‪ ،‬إنها المحنة على الساحة‬
‫المصرية والعربية ‪( .‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫نعم ولكنها فوق ذلك ‪ :‬المحنة أمام سؤال رسول الله إيانا ‪ :‬ماذا فعلتم من‬
‫بعدي ‪ ،‬كيف تركتم لغير المسلمين أن يعبثوا بدينكم في مناهج التعليم ؟؟‬
‫تقول الدكتورة بنت الشاطئ ‪) :‬هكذا هيمن النفوذ الجنبي على أجهزة‬
‫التعليم الرسمية ‪ ،‬والمؤسسات الثقافية الكبرى ‪ ،‬وفتحت ثغور وطننا‬
‫للرساليات التبشيرية والبعثات العلمانية من كل جنس وملة ‪ ،‬تتلقى أفواجا‬
‫من أبناء المة ‪ ،‬في مرحلة التنشئة والتوجيه لتخرجهم غرباء في وطنهم‬
‫لسانا وفكرا ووجدانا ومزاجا قد برئوا تماما من عقدة مقت الفرنجة ‪ ،‬وأبدلوا‬
‫بها عقدة الشعور بالنقص من قوميتهم ‪ ،‬وعز على هؤلء أن يلتقوا فيما بينهم‬
‫‪ ،‬إذ توزعتهم مدارس الليسيه واليسوعيين ‪ ،‬والنجيلية والمريكانية والفرير‬
‫وسان جورج ‪ ،‬والتلمود وفيكتوريا ومدارس البنات النجيلية المريكية والقلب‬
‫المقدس وأم الله ‪ ،‬والراهبات الفرنسيسكان وأم الرسل ‪ .‬فضل عن أن‬
‫يلتقوا بإخوة لهم وأقارب وجيران تلميذ المدرسة السلمية ومعاهدها الدينية‬
‫المحصنين بمناعة ضد بضاعة الفرنجة ‪.‬‬
‫وأزيحت } حلقت { المدرسة السلمية عن موضعها الول في التربية‬
‫والتثقيف والتوجيه ‪ ،‬وبدا القصد إلى ترسيخ الطبقة الثقافية ‪ ،‬ليقود الحياة‬
‫الفكرية والجتماعية والوجدانية للمة أخلط المتخرجين في مدارس‬
‫الفرنجة ‪ ،‬ودونهم طبقة المتخرجين في المدارس المصرية التي عدلت‬
‫مناهجها في عهد الخديوي توفيق ‪ ،‬ومن دونهم طبقة أبناء المدرسة السلمية‬
‫أشبه بمنبوذين على هامش الحياة الحديثة ‪. ( .‬‬
‫كل ذلك قد جاء في سياق حلق الرأس ‪ ،‬وأما تسليمها لهم من بعد ذلك كله‬
‫فهو للقطع الذي ربما لم يخطر ببال الزعيم‬
‫*****‬
‫وعملية القطع تأتي من حيث تأخذ المشكلة التربوية أهميتها القصوى إذ أنها–‬
‫من وجهة النظر المسيصهيوينة ‪ -‬المفتاح لضرب الوجود المتميز للحضارة‬
‫السلمية ‪ ،‬ثم للسلم ذاته باعتباره جوهر هذه الحضارة وقلعة المقاومة ضد‬
‫العولمة المريكية‬
‫إنه من وجهة النظر السلمية فل نكران لحاجتنا إلى تطوير التربية ومناهجها‬
‫ولكن بتطهيرها من ل أخلقية الحضارة الغربية ) المسيصهيونية ( التي جاءت‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قناة " الخرة بلفرنجي " لضخها في جسد المة المحلوق أوالمعطوب ‪،‬‬
‫وبتوجيهها‪ -‬أي التربية ‪ -‬في اتجاه معاكس تماما لما تضخه قناة الخرة‬
‫والشرطة التربوية المريكية من قيم تلك الحضارة ‪ :‬يرفض ما يأتي منها من‬
‫قيم وأهداف ‪ ،‬ولكنه ينتهب ما لديها من وسائل العلم والتكنولوجيا المتاحة‬
‫والمحتكرة والممنوعة على السواء ‪ - ،‬وتلك شريعة تاريخية ‪ -‬لخدمة أهدافنا‬
‫في المحافظة على الذات ‪ ،‬وتأكيد التميز الحضاري للسلم وفقا للمنظور‬
‫الديني ‪ ،‬وخضوعا للدافع السلمي واستجابة للصحوة السلمية وانبعاث‬
‫حضارة السلم في دورته التاريخية الجديدة ‪.‬‬
‫إنه كما يقول الشيخ محمد الفاضل بن عاشور في كتابه القيم " روح‬
‫الحضارة السلمية " ‪ :‬لول التكون الفردي المكي ‪ ،‬والتكون الجتماعي‬
‫المدني لما كانت الحضارة التي تبدت في دمشق أو بغداد أو القيروان أو‬
‫قرطبة أو سمرقند ‪.‬فإذا كان الناس اليوم يحنون إلى عهود ازدهرت بها تلك‬
‫العواصم ‪ ..‬فأجدر بهم أن يعودوا إلى العامل الصلي الذي ولد تلك العصور ‪..‬‬
‫أل وهو العامل التربوي السلمي الذي كون الفرد قبل أن يكون المجتمع ‪،‬‬
‫ومهد للثقافة طريقها قبل أن يتناول عناصر المعرفة التي ألفت كيانها ‪.‬‬
‫كان العامل التربوي السلمي الذي كون الفرد عقل ونفسا وخلقا وسلوكا هو‬
‫ل الصلي الذي كون الحضارة ‪ ،‬وكون المجتمع المثل ومهد للثقافة‬ ‫العام َ‬
‫طريقها‪(..‬‬
‫إنه على أساس المنهج التربوي وعلى أساس الربط بين العلم والعمل والدين‬
‫يبنى حجر الزاوية في الدعوة إلى السلم ‪ ،‬ومن ثم إلى هوية حضارتنا الذاتية‬
‫‪.‬‬
‫إنه إذا بقي الدعاة ينادون بالرجوع إلى الدين وفهمه حق الفهم وتبرئته من‬
‫البدع والعلمانيون إلى التخلص من الخرافات ‪ ..‬فإنهم في ذلك يكونون كما‬
‫يقول الشيخ محمد الفاضل بن عاشور ) بمنزلة من يدعو المريض ليصح ‪،‬‬
‫ويدعو المغمى عليه ليفيق ‪ ..‬بدون أن يحاول معرفة ما تسبب في مرضه أو‬
‫الغماء عليه ‪ ،‬وبدون أن يعرف ما هو الجدى في نقله من حال النوم إلى‬
‫حال اليقظة ‪ ،‬ومن حال الغيبوبة إلى الشعور(‬
‫إن حل المشكلة يكمن في الجابة على السؤال التالي ‪ :‬لماذا تمسك الوائل‬
‫بالسلم ؟ ولماذا أعرض الواخر عنه ؟‬
‫ما زال السؤال قائما بالرغم من كل البحوث التي تدافع عن السلم ‪ ،‬والتي‬
‫تنحي باللئمة على المسلمين ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫والجواب على السؤال هو في الشارة إلى تربية الفرد كما يقول الشيخ‬
‫محمد الفاضل بن عاشور ‪ ) :‬هنا تبدو مشكلة الحضارة السلمية ‪ ،‬وهنا يبدو‬
‫الموقف الحكيم الذي وقفه منها ابن خلدون ‪ .‬فالحضارة السلمية في عصر‬
‫ابن خلدون لم تكن صوُر عرض مشكلتها كما كانت عند الفغاني أو محمد‬
‫عبده أو شكيب أرسلن أو محمد إقبال ‪ ،‬فهؤلء وجدوا أمة مغلوبة ومدنية‬
‫مضروبة ودول زائلة ‪ ،‬لقد تناول ابن خلدون المشكلة ل كأعراض ‪ ،‬ولكن‬
‫بإرجاع المر كله إلى مقياس الحق والباطل ‪ ،‬وإلى حسن القصد وسوء‬
‫القصد ‪ ،‬بحسب ما يكون بين نفوس الفراد من عقد وأمانة ‪ ،‬وفي سلوكهم‬
‫من استقامة وإخلص ‪ .‬لقد أرجع ابن خلدون الحضارة السلمية إلى أصلها‬
‫وأساسها ‪ ..‬وهو العقيدة الدينية ( روح الحضارة السلمية نشر المعهد العالي‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للفكر السلمي بواشنطن ص ‪ 54 – 39-38‬وروح الحضارة ص ‪72-70‬‬


‫نعم ‪ ،‬إنها العقيدة الدينية ولكن في وضعها الحركي النابع من التربية الفردية‬
‫حسب المنهج السلمي ‪.‬‬
‫وكما يقول الشيخ محمد الفاضل بن عاشور ) إنه من خلل العقيدة الدينية‬
‫في وضعها داخل منهج الحركة التربوية الفردية اكتسب المسلم خلل نفسية‬
‫جديدة ‪ ،‬لم يستفد علما ول صناعة ول قوة مادية ولكن الذي اكتسبه من‬
‫وع له العلم والصناعة والقوة المادية ‪ ،‬فكانت المدارك الدينية‬ ‫خلل التربية ط ّ‬
‫وحدها هي التي فتحت أمام نظر المسلم آفاق الكون للتأمل والعتبار‬
‫والمعرفة واليمان ‪ ،‬ولما عرف نواحي الوجود على ما هي عليه بنظره‬
‫الديني اتجه إلى بحث ما اشتملت عليه تلك النواحي ‪ ..‬فتكونت فيه داعية‬
‫طلب العلم على اختلف مواضيعه وفنونه ‪ ،‬فاصطنع العلوم التي هي من‬
‫التراث النساني المشترك ‪ ،‬وابتكر العلوم التي هي من التراث السلمي‬
‫الخاص (‬
‫إن المر يرجع إلى التربية ‪ ،‬وإلى موقع العقيدة الدينية من مقومات المنهج‬
‫التربوي ‪ ،‬إن هذا الموقع القائد كان هو الحافز لنهضة المسلم ‪ ) ،‬وكان هو‬
‫الذي مهد له طريق التصال بما أنتجت الحضارة من أفكار ومصانع فبالدين‬
‫فكر المسلم ‪،‬وبالدين تحضر ‪ ،‬وبالدين أنتج آثار حضارته ‪ ،‬وبالدين أقام الدولة‬
‫الحامية للمجتمع وحضارته فكان وضع الدين على صورته المستقيمة قاضيا‬
‫بأن يتناول المسلم الحضارة متلقيا ومنشئا ومتصرفا (‬
‫ومن هنا فإننا نرى أن ما تم جزئيا أو كليا من إزاحة حلق هذه العقيدة عن‬
‫موقعها الحركي في كيان المة يشير إلى مسئولية المنهج التربوي‬
‫المضطرب المتعلمن المحلوق ‪ ،‬عن درجة النحطاط التي تتدحرج إليها‬
‫الحالة الحضارية في المجتمع السلمي المعاصر‬
‫كذلك فإن هذه الزاحة الحلقة تفسر لنا ما أصاب هذه العقيدة من انكماش‬
‫صدها عن أن تخلع من روحها على الحضارة ‪ ،‬فأصبحت – كما يقول الشيخ‬
‫محمد الفاضل بن عاشور ‪ -‬خائرة حائرة جامدة ل تتقدم …‬
‫هذه الزاحة الحلقة هي ما أصاب العقيدة الدينية بالتراجع والنكماش حتى‬
‫أصبحت غير فعالة ول مؤثرة … تعمر بها قلوبهم ‪ ،‬وتشهد عليها ألسنتهم ‪،‬‬
‫ولكنها ل تتجاوز القلوب والحناجر إلى العضاء والجوارح …‬
‫فكان الذي أصاب العقيدة لم يتناول جوهرها ولكنه أعطب أثرها في الحياة‬
‫العملية ‪ ،‬وما ذلك إل للخلل في المنهج التربوي الذي قام – أخيرا – في إزاحة‬
‫– حلق ‪ -‬العقيدة عن موقع التأثير ‪.‬‬
‫وصار المسلم بذلك مخل بمبدأ أساسي في كيان الحضارة السلمية أل وهو‬
‫الربط بين العلم والعمل ثم الربط بينهما وبين الدين ‪.‬‬
‫وتولدت من هنا نظرية تفكيك الدين من الدنيا – في ضمير المسلم المعاصر‬
‫بعد تفكيكه في الخطط التربوية المعلمنة السابقة والقادمة – حيث ينظر‬
‫المسلم إلى الدين باعتباره خيرا غير واقع ‪ ،‬والدنيا باعتبارها شرا واقعا ‪،‬‬
‫وأصبح العبد المسلم يحمل بين جنبيه دينا ل يؤثر فيه إل لماما ‪ ،‬ويعيش في‬
‫دنيا ل يعرف فيها إل كل ما يبعد عن الدين ‪ .‬ثم هجمت عليه في حياته‬
‫العملية مدنيات أجنبية عنه ‪ ،‬فيها العلم وفيها الصناعة وفيها القوة وفيها‬
‫الحكمة فلم يجد من إرادته الدينية ما يتناول به هذه المدنية كما تناول‬
‫المدنيات التي احتك بها من قبل ‪ ،‬يوم كانت إرادته الدينية قوية سليمة …‬
‫فوقف أمامها جامدا ‪ ،‬وكادت الدائرة المغلقة تنطبق عليه في هذا الوضع‬
‫اليائس عندما تولدت عنده عقدة الشعور بالنقص الذاتي ‪ ،‬وعقدة اليأس من‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استقامة الحقيقة الدينية في حياته ‪ ،‬وعقدة اللف بحياة الشر والمهانة ‪ ،‬مع‬
‫موت الوازع الذي يصد عنها روح الحضارة ص ‪78 -72‬‬
‫*****‬

‫)‪(11 /‬‬

‫أل وإنه لمن المغالطة الخبيثة القول بأننا نحتاج فعل إلى إصلح منظومة‬
‫التعليم والتربية في بلدنا العربية والسلمية ومن ثم فإنه يجب أن نحلق‬
‫رءوسنا قبل أن تحلق لنا –– وأن نتلقى بالشكر محاولت التدخل في هذه‬
‫العملية من الغرب ‪ ،‬وذلك لن هذا التدخل ل يكتفي بالفتات الذي يقدمه لنا‬
‫مما نحن بحاجة إليه في الجانب التقني والعلمي ‪ ،‬وإنما يستهدف الطاحة بما‬
‫بقي لدينا في الجانب الحضاري والثقافي من هذه المنظومة أساسا ‪،‬‬
‫واستبدال النموذج المسيصهيوني به وتلك هي الخطورة التي تتهدد هويتنا‬
‫وكرامتنا ووجودنا وقطع رءوسنا فلم تعد المسالة حلقا للرأس ولكن قطعا لها‬
‫لو كانوا يعلمون‬
‫وإذا كان يقال في الهزائم العسكرية ) أكلت يوم أكل الثور السود ( فإنه‬
‫ليقال في معركة الحضارة بنفس درجة المصداقية ) أكلت يوم أكلت التربية (‬
‫‪.‬‬
‫ولكن التربية السلمية ليست لحما طريا – كلحم ثور – يسهل أن تزدرده‬
‫أفواه الغزاة والمستعمرين وسماسرة العولمة الثقافية ‪ ،‬إنها بناء شامخ من‬
‫القرآن المحفوظ والسنة المطهرة والشخصية السلمية ‪ ،‬والحضارة‬
‫الراسخة التي عمرت ما لم تعمره حضارة من قبل وما تزال قائمة العمد‬
‫والبنيان‬
‫وفي محاولة قطعها تنقطع رءوس الحاقدين ‪ ،‬الذين ) يريدون ليطفئوا نور‬
‫الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ( الصف ‪8‬‬
‫وصدق الله العظيم‬
‫وكذبت مفتينا إيلينا …‪..‬‬
‫‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫الشرع ليس مجال لتعدد ال رآء الشخصية ‪( !...‬‬


‫إن أي وسيلة إعلمية مقروءة أو مسموعة أو مرئية إنما هي المنبر الذي يعلم‬
‫الناس ويوجههم الوجهة الصحيحة السليمة‪،‬‬
‫أو هكذا يجب أن تكون هذه الوسيلة حتى تعلم الناس أمور دينهم وتزيد من‬
‫ثقافتهم وتسعى في حل مشاكلهم الجتماعية‪ ،‬لنها حلقة وصل بين القارىء‬
‫والجهة المسؤولة أيا كانت‪ .‬لذلك تأتي أهمية تلك المنابر العلمية فهي‬
‫الوسيلة المناط بها هذه المسؤوليات والمهام الملقاة على عاتقها مما ذكرته‬
‫آنفا‪ .‬حيث نرى في كثير من هذه الوسائل من صحف وغيرها تجعل الشرع‬
‫مجال للجتهادات او الرآء الشخصية ‪ ,‬ومن هذا المنطلق أحببت أن أنوه بأمر‬
‫هام يتعلق بالمور الشرعية المقررة في الدين أصل‪.‬فإن هذه المعتقدات‬
‫الشرعية في ديننا مأخوذة من كتابنا الكريم ومن سنة نبينا محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فلمجال البتة لحد من الناس وليحق له أن يقول رأيه أو يأخذ‬
‫رأي الخرين فيها‪ .‬لنها من لدن الله سبحانه وتعالى وهي وحي منزل على‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬لهذا يجب التنبه لهذا المر وعدم الخوض‬
‫فيه حتى ل يستهين النسان بأي امر من أمور الشرع المطهر دون علم او‬
‫دراية‪ ،‬فيحصل من وراء ذلك ما يحصل من تجاوزات مؤسفة بحق هذه‬
‫المسّلمات الشرعية‪ ،‬وحتى أن البعض قد يخوض في هذه المسّلمات لكنه ل‬
‫يتجرأ على التحدث عن الموضوعات الدنيوية الخرى التي ليست من‬
‫اختصاصه‪ ،‬فنجد أحدهم يسأل غيره عن آرائه حول تعدد الزوجات )الزواج‬
‫بامرأة ثانية‪ (...‬فتختلفت الراء فمنهم من يصيب ويرجع ذلك للشرع‪ ،‬ومنهم‬
‫من ُيخطئ ويذكر رأيه المخالف لما شرعه الله تعالى من جواز تعدد‬
‫الزوجات بشروطه الشرعية المعتبرة والمطلوبة كالعدل ونحوه‪.‬ومثل ذلك‬
‫عندما تؤخذ الراء حول أمور شرعية أخرى‪ ،‬كأن ُيقال مثل ما رأيك في‬
‫الربا ؟ أو ما رأيك في الزكاة؟ وما رأيك في إخراج زكاة الفطر نقودا؟ مع‬
‫أنها مقررة شرعا طعاما من قوت البلد‪ ،‬كما فرضها الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهكذا في سائر المسّلمات أو العبادات التي شرعها الله تعالى لنا‪.‬‬
‫ليس لنا الحق في أن نبدي الرأي فيها ونخالف ما أقره الله تعالى وأجازه او‬
‫حرمه ومنعه هو سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أحببت أن‬
‫أنبه إلى هذا المر الهام والذي أحسب انه سيلقى تفهما وتجاوبا من الجميع‬
‫بإذن الله تعالى ‪ ،‬كما أدعو الله عز وجل أن يفقهنا في ديننا الحنيف حتى نعبد‬
‫الله تعالى على علم وبصيرة بإذنه تعالى‪ .‬وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشرعية الدوليةومناقضتها للشريعة السلمية‬


‫كلمة في المنهاج )‪(6‬‬
‫]الكاتب‪ :‬أبو محمد المقدسي[‬
‫في أزمنة الردة المعاصرة والجاهليات الحديثة أمسينا نسمع كثيرا من‬
‫المصطلحات التي ل يحل للمسلم أن يقبلها أويسلم بها تسليم سائمة النعام‪،‬‬
‫فالمسلم يتميز عن غيره بأن له مرجعية معصومة يرد إليها كل نازلة أو‬
‫مصطلح‪ ،‬فمتى عرض له شيء من ذلك لم يبادر إلى متابعته أوترديده‬
‫والتغني به كالببغاوات؛ بل يعرف حقيقته وماهيته ثم يعرضه على شرع الله‬
‫فإن وافقه فبها ونعمت وإل فليس له إل الرد‪..‬‬
‫إذ أن من القواعد الشرعية الصيلة في ديننا أن؛ )من أحدث في أمرنا ما‬
‫ليس منه فهو رد(‪.‬‬
‫ومن المصطلحات الحادثة التي تعمل أجهزة العلم الدولية العالمية على‬
‫تكريسها وتابعها في بلدنا على ذلك كثير ممن ل خلق لهم مصطلح‬
‫"الشرعية الدولية"‪ ،‬فالجميع ينادي بترسيخ هذا المصطلح؛ "احترام الشرعية‬
‫الدولية"‪" ،‬تحريم الخروج على الشرعية الدولية"‪ ،‬و "اللتزام بقرارات‬
‫الشرعية الدولية"‪.‬‬
‫فهل هذه "الشرعية الدولية"؛ شرعية في ديننا؟‬
‫إن الشرعية الدولية؛ مصطلح يرمي إلى الحتكام واللتزام بشرع وضعي‬
‫وضعته الدول الكبرى الكافرة يحكم علقات الدول في عالمنا وفقا‬
‫لتشريعاتهم ومعاييرهم وأعرافهم ومصالحهم هم‪.‬‬
‫ومعلوم في ديننا حكم التحاكم إلى القوانين الوضعية ‪ -‬محلية كانت أم دولية‬
‫‪ -‬وحكم قبولها كتشريع وقانون‪.‬‬
‫وسميت "شرعية" مضاهاة بالشرع اللهي ولتعطى صبغة القداسة التي ل‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يجوز انتهكاها‪ ،‬فالشرعة أو الشريعة هي الطريقة والمنهاج والدين المعظم‬


‫الذي ل يجوز أن يخالف أو يعارض أو تنتهك حدوده وأوامره‪ ...‬وكذلك يريد‬
‫هؤلء المشركون للشرعية الدولية أن تكون‪ ...‬ولذلك تراهم يصفون‬
‫القرارات التي تخرج من تحت مظلتها بأنها شرعية؛ وكل ما يخالفها أو‬
‫يعارضها ‪ -‬ولو كان من صميم دين الله وشرعه ‪ -‬فليس بشرعي عندهم‪.‬‬
‫وكذلك يتعامل معها سائمة النعام الذين ينادون باحترامها وتطبيقها‪ ،‬وكذلك‬
‫يفعلون مع شرعياتهم الدستورية المحلية فالقوانين والقرارات والمعاهدات‬
‫والحكومات المنبثقة من دساتيرهم شرعية ل مطعن فيها في دينهم الشركي‬
‫هذا!! أما شرع الله الحق فليس له في حكوماتهم ومحاكمهم وعلقاتهم‬
‫حد ُ ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫قّهاُر{؟!‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫خي ٌْر أم ِ الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬‫فّرُقو َ‬ ‫مت َ َ‬‫ب ُ‬ ‫وسياساتهم مكان‪} ..‬أأْرَبا ٌ‬
‫الشرعية الدولية؛ هي القوانين التي وضعتها الدول الكافرة التي أسست‬
‫"منظمة المم المتحدة"‪ ،‬إثر انتصارها في الحرب العالمية الثانية ‪ -‬أمريكا‬
‫وبريطانيا وروسيا ‪ -‬ومعها بعد ذلك فرنسا والصين‪ ،‬وصاغت قوانينها طبقا‬
‫لمصالحها ومصالح حلفاءها في تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ‪ ،‬فوضعت ما‬
‫سمته بـ "ميثاق المم المتحدة"؛ لتكون له المرجعية الولى في كل قضية من‬
‫قضايا العالم‪ ،‬حيث تستمد "الشرعية الدولية" منه الحكام والقرارات وتستند‬
‫إليه في الخلفات والنازعات والجراءات والتحركات ]‪. [1‬‬
‫وليس عجيبا أن تسلم بهذا الميثاق وتصدق عليه كافة دول العالم المرتدة‬
‫اليوم وفي مقدمتها النظمة الحاكمة في بلد المسلمين‪ ،‬فمن انسلخ عن ملة‬
‫التوحيد ودين الله ل يستغرب منه هذا؛ وإنما العجيب والغريب أن يثني على‬
‫هذا الميثاق ويدعو إلى اللتزام به وينادي بتطبيق قراراته واحترام شرعيتها‬
‫الدولية ويجرم كل من خالفها وخرج عليها؛ أناس ينتسبون إلى الدعوة إلى‬
‫دعون السعي لتحكيم شرع الله!!‬ ‫الله وي ّ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما أن ْزِ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِلي ْك وَ َ‬ ‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫مآ َ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬
‫ن ي َْزعُ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ ِلى ال ِ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬أل ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫موا إ ِلى الطا ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫أ ُن ْزِ َ‬
‫ه‬
‫فُروا ب ِ ِ‬ ‫ن ي َك ُ‬
‫مُروا أ ْ‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫حاك ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ك يُ َِ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬
‫ضلل ً ب َِعيدًا{ ]النساء‪.[60:‬‬ ‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬‫وَي ُ ِ‬
‫يقول الحافظ ابن كثير تفسيره‪) :‬هذه الية ذامة لمن عدل عن الكتاب‬
‫طاغوت هاهنا(‬ ‫والسّنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل‪ ،‬وهو المراد بال ّ‬
‫اهـ‪.‬‬
‫ويقول ابن القيم في إعلم الموقعين‪) :‬من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به‬
‫طاغوت وتحاكم إليه( اهـ‪.‬‬ ‫الّرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد حكم ال ّ‬
‫ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في فتواه حول تحكيم القوانين‪:‬‬
‫ذب الله إيمانهم بقوله }يزعمون{‪ ،‬فكل من تحاكم إلى غير ما جاء به‬ ‫)ك ّ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فقد آمن بالطاغوت؛ اليمان الموجب لكفره‬
‫بالله( اهـ‪.‬‬
‫ل تحاكم إلى غير شرع الله‬ ‫ويقول الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان‪) :‬وك ّ‬
‫شورى‪.‬‬ ‫فهو تحاكم إلى الطّاغوت( أهـ من تفسير سورة ال ّ‬
‫فل شرع يحترم ويتحاكم إليه في دين المسلمين إل شرع الله‪ ،‬ول مشرع‬
‫عندهم إل الله الواحد القهار‪ ...‬وكل احتكام لغير شرع الله فيما لم يأذن به‬
‫الله؛ فهو التحاكم للطاغوت الذي يناقض ملة التوحيد‪ ...‬فاحترام الشرعية‬
‫الدولية وميثاقها والتحاكم إليه؛ هو تحاكم للطاغوت ورضى به ل يجادل في‬
‫ذلك مسلم يعرف دينه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بل إن ميثاق "المم المتحدة"؛ طاغوت وقانون ليس كأي قانون وضعي عادي‬
‫وليس هو مجرد وثيقة تأسيسية لمنظمة المم المتحدة؛ فقد جعله واضعوه‬
‫أكبر من ذلك بكثير‪ ،‬إن خبراء القانون الدولي وفقهاؤه يعلنون بوضوح‬
‫وصراحة؛ أن الميثاق هو أعلى مراتب المعاهدات الدولية‪ ،‬وأعظم قواعد‬
‫القانون الدولي مكانة! ولذلك نصت المادة )‪ (103‬من هذا الميثاق نفسه‬
‫على أنه‪) :‬إذا تعارضت اللتزامات التي يرتبط بها أعضاء المم المتحدة وفقا ً‬
‫لحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي يرتبطون به‪ ،‬فالعبرة بالتزاماتهم‬
‫المترتبة على هذا الميثاق(‪.‬‬
‫ومعنى ذلك؛ أنه ل يجوز لي دولة ملتزمة بهذا الميثاق أن تبرم أي اتفاق‬
‫دولي أو تختار وتلتزم بشرع بينها وبين دولة أخرى تتعارض أحكامه مع‬
‫القواعد والحكام الواردة في ميثاق المم المتحدة‪ ،‬ولو كان شرع الله العزيز‬
‫الجبار!‬
‫فكل من انتسب إلى هذه المنظمة الخبيثة وتعهد باللتزام بميثاقها وكذا كل‬
‫من ينادي بالشرعية الدولية واللتزام بها واحترام قراراتها؛ يقر بهذا الكفر‬
‫البواح صراحة أو باللزام شاء أم أبى‪.‬‬
‫ومعلوم أنه ل يمكن لي دولة النتساب لعضوية المم المتحدة حتى تعلن‬
‫التزامها واحترامها لهذا الميثاق وتسلم له تسليما‪ ...‬إذ أن إجراءات النضمام‬
‫للمم المتحدة تتلخص في أن تقدم الدولة التي ترغب في النضمام للمم‬
‫المتحدة طلبا ً بذلك إلى المين العام للمنظمة الدولية ويكون ذلك الطلب‬
‫مصحوبا ً بإعلن قبول اللتزام بميثاق المم المتحدة‪.‬‬
‫وكذلك المر بالنسبة للفصل من المم المتحدة‪ ،‬فإن "المادة السادسة" من‬
‫الميثاق تنص على؛ أّنه يجوز للجمعية العامة أن تفصل عضوا ً من العضاء إذا‬
‫أمعن في انتهاك مبادئ الميثاق‪.‬‬
‫طبعا هذا البند قد يطبق على أي أحد إل الدول الكبرى التي وضعت المم‬
‫المتحدة لرعاية مصالحها أصل‪ ،‬ولذلك فهي تتمتع بحق الفيتو الذي يضمن لها‬
‫ذلك‪ ،‬وعلى رأسها أمريكا التي ترعى مصالح حليفتها إسرائيل من خلله؛ بل‬
‫إن الميثاق وأممه المتحدة قد أمست شرطيا يحرس مصالح هاتين الدولتين‬
‫على كل صعيد‪ ،‬ول يجادل في هذا حتى العميان‪.‬‬
‫وعلى كل حال؛ فهيئة المم المتحدة منظمة خاضعة للنفوذ اليهودي الصليبي‬
‫منذ تأسيسها‪ ،‬ومن يراجع أقسامها وإداراتها وأسماء القائمين عليها يعرف‬
‫هذا معرفة اليقين… وهي التي أشرفت على تقسيم فلسطين عام ‪1947‬م‪،‬‬
‫وطعن هذه المنظمة وطعن إداراتها ومنظماتها المختلفة في دين السلم‬
‫وشرائع القرآن بّين واضح مكشوف‪ ،‬واسمها "المم المتحدة" من أعظم‬
‫الدلة على اتحاد وتناصر وتعاضد وتعاون المائة والتسعة وخمسين دولة‬
‫المشتركة فيها!! فكل دولة تشارك فيها فهي متحدة مع أمم الكفر الخرى‬
‫على اختلف مللها ونحلها ملتزمة ‪ -‬ول بد ‪ -‬بميثاقها الكفري‪.‬‬
‫فالذين يطنطنون ويهرفون بالشرعية الدولية ويدعون إلى اللتزام بها‬
‫واحترامها وتنفيذ قراراتها واللتزام بها يتعامون عن هذه الحقائق الدامغة‬
‫والدواهي المدهية‪.‬‬
‫دوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى‬ ‫يقول الله تعالى‪} :‬إن الذين ارت ّ‬
‫ول لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نّزل الله‬ ‫الشيطان س ّ‬
‫سُنطيعكم في بعض المر والله يعلم إسرارهم{‬
‫يقول العلمة محمد المين الشنقيطي في كتابه القيم "أضواء البيان في‬
‫إيضاح القرآن بالقرآن" في تفسير هذه اليات‪) :‬اعلم؛ أن كل مسلم يجب‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مل هذه اليات من سورة محمد وتدّبرها‪ ،‬والحذر التام‬ ‫عليه في هذا الزمان تأ ّ‬
‫ً‬
‫مما تضمنته من الوعيد الشديد‪ ،‬لن كثيرا ممن ينتسبون للمسلمين داخلون‬
‫بل شك فيما تضمنته من الوعيد الشديد‪ ،‬لن عامة الكفار من شرقيين‬
‫وغربيين كارهون لما نزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهو‬
‫هذا القرآن وما يبينه به النبي صلى الله عليه وسلم من السنة‪.‬‬
‫فكل من قال لهؤلء الكفار الكارهين لما نزل الله؛ سنطيعكم في بعض المر‪،‬‬
‫فهو داخل في وعيد الية‪ ،‬وأحرى من ذلك من يقول لهم؛ سنطيعكم في كل‬
‫المر‪ ،‬كالذين يتبعون القوانين الوضعية مطيعين بذلك للذين كرهوا ما نّزل‬
‫الله‪ ،‬فإن هؤلء لشك أنهم ممن تتوفاهم الملئكة يضربون وجوههم‬
‫وأدبارهم‪ ،‬وأّنهم اّتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه وأّنه محبط أعمالهم(‬
‫أهـ‪.‬‬
‫أبو محمد المقدسي‬
‫شعبان ‪1423‬هـ‬
‫______________________‬
‫‪ (1‬أنظر "الشرعية الدولية هل لها شرعية إسلمية؟"‪ ،‬للستاذ عبد العزيز‬
‫كامل‪ ،‬مجلة البيان العدد ‪ ،102‬صفر ‪ 1417‬هـ‪ ،‬وقد استفدت منه في كلمتي‬
‫هذه وجعلتها جوابا على التساؤلت التي أوردها في مقاله‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الشرك في توحيد اللوهية‬


‫قال ابن تيمية‪" :‬فأما الشرك في اللهية فهو أن يجعل لله ندا ً ـ أي‪ :‬مثل ً ـ في‬
‫عبادته أو محبته أو خوفه أو رجائه أو إنابته‪ ،‬فهذا هو الشرك الذي ل يغفره‬
‫ما قَد ْ‬ ‫م ّ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬‫فُروا ْ ِإن َينت َُهوا ْ ي ُغْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الله إل بالتوبة منه‪ ،‬قال تعالى‪ُ} :‬قل ل ِل ّ ِ‬
‫ف{ ]النفال‪ ،[48:‬وهذا هو الذي قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه‬ ‫سل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫َ َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫الله‬ ‫قال‬ ‫اللهية‪،‬‬ ‫في‬ ‫أشركوا‬ ‫لنهم‬ ‫العرب‬ ‫مشركي‬ ‫وسلم‬
‫حّبا‬
‫شد ّ ُ‬ ‫مُنوا ْ أ َ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م كَ ُ‬ ‫حّبون َهُ ْ‬ ‫داًدا ي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ أن َ‬ ‫خذ ُ ِ‬
‫من ُدو ِ‬ ‫من ي َت ّ ِ‬ ‫س َ‬
‫الّنا ِ‬
‫فى{‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قّرُبوَنا إ ِلى اللهِ ُزل َ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل ل ِي ُ َ‬ ‫ما ن َعْب ُد ُهُ ْ‬ ‫ه{ الية ]البقرة‪ ،[165:‬وقالوا‪َ } :‬‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫هاَذا ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ب{‬ ‫جا ٌ‬ ‫ىء عُ َ‬‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حدا ً إ ِ ّ‬ ‫ة إ َِلها ً وا ِ‬ ‫ل الل ِهَ َ‬ ‫جعَ َ‬‫الية ]الزمر‪ ،[3:‬وقالوا‪} :‬أ َ‬
‫َ‬
‫د{ ]ق‪ ،[24:‬إلى قوله‪:‬‬ ‫فارٍ عَِني ٍ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م كل ك ّ‬ ‫ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫قَيا ِفى َ‬ ‫]ص‪ ،[5:‬وقال تعالى‪} :‬أل ْ ِ‬
‫قَياه ُ ِفى ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫د{ ]ق‪.[1]"[26:‬‬ ‫دي ِ‬ ‫ش ِ‬‫ب ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫خَر فَأل ْ ِ‬ ‫معَ الل ّهِ إ َِلها ً ءا َ‬‫ل َ‬ ‫جعَ َ‬
‫ذى َ‬ ‫}ال ّ ِ‬
‫وقال المقريزي‪" :‬فالشرك في اللهية والعبادة هو الغالب على أهل الشراك‪،‬‬
‫وهو شرك عّباد الصنام‪ ،‬وعّباد الملئكة‪ ،‬وعّباد الجن‪ ،‬وعّباد المشايخ‬
‫والصالحين الحياء والموات‪ ،‬الذين قالوا‪ :‬إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله‬
‫ب‬‫زلفى‪ ،‬ويشفعوا لنا عنده‪ ،‬وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قر ٌ‬
‫وكرامة‪ ،‬كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم‬
‫أعوان الملك وأقاربه وخاصته‪ .‬والكتب اللهية كلها من أّولها إلى آخرها تبطل‬
‫ص على أنهم أعداء الله تعالى‪ ،‬وجميع‬ ‫هذا المذهب وترّده‪ ،‬وتقّبح أهله‪ ،‬وتن ّ‬
‫الرسل صلوات الله عليهم متفقون على ذلك من أّولهم إلى آخرهم‪ ،‬وما‬
‫أهلك الله تعالى من أهلك من المم إل بسبب هذا الشرك ومن أجله"]‪.[2‬‬
‫أنواع الشرك في اللوهية‪:‬‬
‫أ‪ -‬شرك الدعاء ‪.‬‬
‫ب‪ -‬شرك النية والرادة والقصد ‪.‬‬
‫ج‪ -‬شرك الطاعة ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫د‪ -‬شرك المحبة ‪.‬‬


‫هـ‪ -‬شرك الخوف ‪.‬‬
‫و‪ -‬الشرك في التوكل ‪.‬‬
‫‪----------------------------------------‬‬
‫]‪ [1‬مجموع الفتاوى )‪.(1/91‬‬
‫]‪ [2‬تجريد التوحيد المفيد )‪.(53-52‬‬
‫شرك الدعاء‬
‫م‬
‫جاهُ ْ‬ ‫ما ن َ ّ‬ ‫َ‬
‫ن فَل ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫صي َ‬‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ك د َعَوُا الل َ‬ ‫ْ‬
‫فل ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قال تعالى‪} :‬فَإ َِذا َرك ُِبوا ِفى ال ُ‬
‫ن{ ]العنكبوت‪.[65:‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫إ َِلى ال ْب َّر إ َِذا هُ ْ‬
‫قال ابن جرير‪" :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬فإذا ركب هؤلء المشركون السفينة في‬
‫ن{‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫البحر‪ ،‬فخافوا الغرق والهلك فيه }د َعَوُا ْ الل ّ َ‬
‫د‪ ،‬وأفردوا له الطاعة‪ ،‬وأذعنوا‬ ‫أخلصوا لله عند الشدة التي نزلت بهم التوحي َ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫له بالعبودة‪ ،‬ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم ولكن بالله الذي خلقهم‪} .‬فَل ّ‬
‫م إ َِلى ال ْب َّر{‪ ،‬يقول‪ :‬فلما خّلصهم مما كانوا فيه وسّلمهم فصاروا إلى البر‬ ‫جاهُ ْ‬ ‫نَ ّ‬
‫إذا هم يجعلون مع الله شريكا في عبادتهم‪ ،‬ويدعون اللهة والوثان معه‬ ‫ً‬
‫أربابًا"]‪.[1‬‬
‫ت فَإ ِن ّ َ‬
‫ك‬ ‫ك فَِإن فَعَل ْ َ‬ ‫ضّر َ‬ ‫ك وَل َ ي َ ُ‬ ‫فعُ َ‬ ‫ما ل َ َين َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬وَل َ ت َد ْع ُ ِ‬
‫و{ ]يونس‪:‬‬ ‫ه إ ِل ّ هُ َ‬ ‫ف لَ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫كا ِ‬ ‫ضّر فَل َ َ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن * وَِإن ي َ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫إ ًِذا ّ‬
‫‪.[107 ،106‬‬
‫قال ابن جرير‪" :‬ول تدع ـ يا محمد ـ من دون معبودك وخالقك شيئا ً ل ينفعك‬
‫في الدنيا ول في الخرة‪ ،‬ول يضرك في دين ول دنيا‪ ،‬يعني بذلك اللهة‬
‫والصنام‪ ،‬أي‪ :‬ل تعبدها راجيا ً نفعها أو خائفا ً ضرها‪ ،‬فإنها ل تنفع ول تضر‪،‬‬
‫ن{‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك إ ًِذا ّ‬ ‫ت{ ذلك فدعوَتها من دون الله }فَإ ِن ّ َ‬ ‫}فَِإن فَعَل ْ َ‬
‫من المشركين بالله الظالمين أنفسهم"]‪.[2‬‬
‫وقال سليمان آل الشيخ‪" :‬والية نص في أن دعاء غير الله والستغاثة به‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ وَِإن‬ ‫ف لَ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫كا ِ‬ ‫ضّر فَل َ َ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ك الل ّ ُ‬‫س َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫شرك أكبر‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬وَِإن ي َ ْ‬
‫ه{ ]يونس‪ ،[107:‬لنه المتفرد بالملك والقهر‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫خي ْرٍ فَل َ َراد ّ ل ِ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ي ُرِد ْ َ‬
‫والعطاء والمنع‪ ،‬ولزم ذلك إفراده بتوحيد اللهية لنهما متلزمان‪ ،‬وإفراده‬
‫بسؤال كشف الضر وجلب الخير‪ ،‬لنه ل يكشف الضر إل هو‪ ،‬ول يجلب الخير‬
‫س َ‬
‫ل‬ ‫مْر ِ‬ ‫ك فَل َ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬‫ك ل ََها وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مةٍ فَل َ ُ‬ ‫ح َ‬‫من ّر ْ‬ ‫س ِ‬‫ه ِللّنا ِ‬ ‫فت َِح الل ّ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫إل هو‪ّ } ،‬‬
‫عى لذلك إل هو‪،‬‬ ‫م{ ]فاطر‪ ،[4:‬فتعّين أن ل يد َ‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬‫زيُز ال ْ َ‬ ‫من ب َعْدِهِ وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫من سواه ممن ل يملك لنفسه ضرا ً ول نفعا ً فضل ً عن غيره‪ ،‬وهذا‬ ‫وبطل دعاء َ‬
‫ضد ّ ما عليه عّباد القبور‪ ،‬فإنهم يعتقدون أن الولياء والطواغيت الذين‬
‫سون بالضر ويكشفونه‪ ،‬وأن لهم‬ ‫م ّ‬ ‫يسمونهم المجاذيب ينفعون ويضرون‪ ،‬وي َ‬
‫التصرف المطلق في الملك"]‪.[3‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫ب لَ ُ َ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬وم َ‬
‫ه إ ِلىا ي َوْم ِ‬ ‫جي ُ‬ ‫من ل ّ ي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬‫من ُدو ِ‬ ‫عو ِ‬ ‫من ي َد ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬‫ض ّ‬‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫داء وَ َ‬
‫م أعْ َ‬‫كاُنوا ْ ل َهُ ْ‬
‫س َ‬‫ُ‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ح‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬
‫َِ‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫غا‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫عا‬
‫َ‬ ‫عن د ُ‬‫م َ‬ ‫مةِ وَهُ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ن{ ]الحقاف‪.[6 ،5:‬‬ ‫ري َ‬ ‫م َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬حاصل كلم المفسرين أن الله تعالى حكم بأنه ل‬
‫من‬ ‫ل ممن يدعو من دون الله ل دعاء عبادة ول دعاء مسألة واستغاثة َ‬ ‫أض ّ‬
‫لل كّلهم أبلغ ضلل ً‬ ‫ض ّ‬ ‫هذه حاله‪ ،‬ومعنى الستفهام فيه إنكار أن يكون في ال ّ‬ ‫ُ‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ممن عبد غير الله ودعاه حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على‬
‫ل بغية ومرام‪ ،‬ويدعون من دونه من ل يستجيب لهم‪ ،‬ول قدرة به‬ ‫تحصيل ك ّ‬
‫على استجابة أحد منهم ما دام في الدنيا وإلى أن تقوم القيامة"]‪.[4‬‬
‫وقد قّرر العلماء أن دعاء المسألة ودعاء العبادة متلزمان‪ ،‬قال سليمان آل‬
‫الشيخ‪" :‬واعلم أن الدعاء نوعان‪ :‬دعاء عبادة ودعاء مسألة‪ ،‬ويراد به في‬
‫القرآن هذا تارة‪ ،‬وهذا تارة‪ ،‬ويراد به مجموعهما‪ ،‬وهما متلزمان‪.‬‬
‫فدعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر‪،‬‬
‫فالمعبود ل بد أن يكون مالكا ً للنفع والضر‪ ،‬ولهذا أنكر الله تعالى على من‬
‫عبد من دونه ما ل يملك ضرا ً ول نفعا ً كقوله‪} :‬قُ ْ َ‬
‫ما ل َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ل أت َعْب ُ ُ‬
‫م{ ]المائدة‪ ،[76:‬وذلك كثير‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫فعا ً َوالل ّ ُ‬
‫ضّرا ً وَل َ ن َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ك ل َك ُ ْ‬
‫مل ِ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫ً‬
‫في القرآن‪ ،‬فهو يدعي للنفع والضر دعاء المسألة‪ ،‬ويدعي خوفا ورجاء دعاء‬
‫العبادة‪ ،‬فعلم أن النوعين متلزمان‪ ،‬فكل دعاء عبادة مستلزم دعاء المسألة‪،‬‬
‫وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة‪ ،‬وهذا لو لم يرد في دعاء المسألة‬
‫بخصوصه من القرآن إل اليات التي ذكر فيها دعاء العبادة‪ ،‬فكيف وقد ذكر‬
‫ة{‬ ‫في َ ً‬
‫خ ْ‬‫عا وَ ُ‬ ‫ضّر ً‬‫م تَ َ‬‫عوا ْ َرب ّك ُ ْ‬ ‫الله في القرآن في غير موضع‪ ،‬قال تعالى‪} :‬اد ْ ُ‬
‫معا{ ]السجدة‪[16:‬‬ ‫ً‬ ‫وفا ً وَط َ‬
‫َ‬ ‫خ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬
‫]العراف‪ ،[55:‬وقال تعالى‪} :‬ي َد ْ ُ‬
‫وغير ذلك"]‪.[5‬‬
‫عي الدعاء لغير الله فهو‬ ‫وقد نص العلماء على أن من صرف شيئا ً من نو َ‬
‫مشرك‪.‬‬
‫كل عليهم يدعوهم‬ ‫قال ابن تيمية‪" :‬من جعل بينه وبين الله وسائط يتو ّ‬
‫ويسألهم كفر إجماعًا"]‪.[6‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬ومن أنواعه ـ أي‪ :‬الشرك ـ طلب الحوائج من الموتى‪،‬‬
‫والستغاثة بهم‪ ،‬والتوجه إليهم‪ ،‬وهذا أصل شرك العالم"]‪.[7‬‬
‫وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪" :‬ومن نوع هذا الشرك أن يعتقد النسان‬
‫في غير الله من نجم أو إنسان أو نبي أو صالح أو كاهن أو ساحر أو نبات أو‬
‫حيوان أو غير ذلك أنه يقدر بذاته على جلب منفعة من دعاه أو استغاث به‪ ،‬أو‬
‫دفع مضرة"]‪.[8‬‬
‫وقال سليمان آل الشيخ‪" :‬فاعلم أن العلماء أجمعوا على أن من صرف شيئا ً‬
‫من نوعي الدعاء لغير الله فهو مشرك ولو قال‪ :‬ل إله إل الله محمد رسول‬
‫الله وصلى وصام؛ إذ شرط السلم مع التلفظ بالشهادتين أن ل يعبد إل الله‪،‬‬
‫فمن أتى بالشهادتين وعبد غير الله فما أتى بهما حقيقة وإن تلفظ بهما‪،‬‬
‫فظ بهما ل‬ ‫كاليهود الذين يقولون‪ :‬ل إله إل الله وهم مشركون‪ ،‬ومجّرد التل ّ‬
‫يكفي في السلم بدون العمل بمعناهما واعتقاده إجماعًا"]‪.[9‬‬
‫‪-----------‬‬
‫]‪ [1‬جامع البيان )‪.(10/159‬‬
‫]‪ [2‬جامع البيان )‪.(6/618‬‬
‫]‪ [3‬تيسير العزيز الحميد )‪.(238-237‬‬
‫]‪ [4‬تيسير العزيز الحميد )‪.(239‬‬
‫]‪ [5‬تيسير العزيز الحميد )‪ (216-215‬بتصرف واختصار‪.‬‬
‫]‪ [6‬انظر‪ :‬النصاف )‪ (27/108‬مع المقنع والشرح الكبير‪.‬‬
‫]‪ [7‬مدارج السالكين )‪.(1/375‬‬
‫]‪ [8‬الدرر السنية )‪.(4/7‬‬
‫]‪ [9‬تيسير العزيز الحميد )‪.(227‬‬
‫شرك الرادة والرادة والقصد‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ف إل َيه َ‬
‫م‬
‫م ِفيَها وَهُ ْ‬‫مال َهُ ْ‬
‫م أعْ َ‬ ‫ريد ُ ال ْ َ‬
‫حَيواةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬‬
‫صن َُعوا ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِفيَها ل َ ي ُب ْ َ‬
‫ما َ‬
‫حب ِط َ‬ ‫خَرةِ إ ِل الّناُر وَ َ‬
‫م ِفى ال ِ‬ ‫س لهُ ْ‬ ‫ن لي ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * أوْلئ ِك ال ِ‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬
‫ن{ ]هود‪.[16 ،15:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬
‫ما َ‬ ‫ل ّ‬‫ِفيَها وََباط ِ ٌ‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما‪) :‬من عمل صالحا ً التماس الدنيا‪ ،‬صوما ً أو‬
‫صلة أو تهجدا ً بالليل ل يعمله إل للتماس الدنيا‪ ،‬يقول الله‪ :‬أوّفيه الذي‬
‫س الدنيا‪،‬‬‫ما َ‬ ‫س في الدنيا من المثابة‪ ،‬وحبط عمله الذي كان يعمل الت َ‬ ‫م َ‬ ‫الت َ‬
‫وهو في الخرة من الخاسرين(]‪.[1‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬أما الشرك في الرادات والنّيات فذلك البحر الذي ل ساحل‬
‫ل من ينجو منه‪ ،‬من أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئا ً غير التقريب‬ ‫له وق ّ‬
‫إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته"]‪.[2‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ريد ُ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫وقد سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن معنى قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ف إل َيه َ‬
‫ن{ فأجاب‬ ‫سو َ‬ ‫م ِفيَها ل َ ي ُب ْ َ‬
‫خ ُ‬ ‫م ِفيَها وَهُ ْ‬‫مال َهُ ْ‬
‫م أعْ َ‬‫حَيواةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ ِ ْ ِ ْ‬‫ال ْ َ‬
‫بما ملخصه‪" :‬ذكر عن السلف من أهل العلم فيها أنواع مما يفعله الناس‬
‫اليوم ول يعرفون معناه‪ ،‬فمن ذلك العمل الصالح الذي يفعله كثير من الناس‬
‫ابتغاء وجه الله من صدقة وصلة وإحسان إلى الناس‪ ،‬وترك ظلم ونحو ذلك‬
‫مما يفعله النسان‪ ،‬أو يتركه خالصا ً لله لكنه ل يريد ثوابه في الخرة‪ ،‬إنما‬
‫يريد أن يجازيه الله بحفظ ماله وتنميته‪ ،‬أو حفظ أهله وعياله‪ ،‬أو إدامة النعم‬
‫مة له في طلب الجنة والهرب من النار‪ ،‬فهذا يعطى ثواب عمله‬ ‫عليهم‪ ،‬ول ه ّ‬
‫في الدنيا‪ ،‬وليس له في الخرة نصيب‪.‬‬
‫النوع الثاني وهو أكبر من الول وأخوف‪ :‬وهو أن يعمل أعمال ً صالحة ونيته‬
‫رياء الناس ل طلب ثواب الخرة‪.‬‬
‫ل يأخذه‬ ‫ل‪ ،‬مثل أن يحج لما ٍ‬ ‫النوع الثالث‪ :‬أن يعمل أعمال ً صالحة يقصد به ما ً‬
‫ل لله‪ ،‬أو يهاجر لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها‪ ،‬أو يجاهد لجل المغنم‪ ،‬فقد‬
‫ذكر أيضا ً هذا النوع في تفسير هذه الية‪ ،‬وهؤلء أعقل من الذين قبلهم؛ لنهم‬
‫عملوا لمصلحة يحصلونها‪ ،‬والذين قبلهم عملوا من أجل المدح والجللة في‬
‫أعين الناس‪ ،‬ول يحصل لهم طائل‪ ،‬والنوع الول أعقل من هؤلء‪ ،‬لنهم عملوا‬
‫لله وحده ل شريك له‪ ،‬لكن لم يطلبوا منه الخير الكثير الدائم وهو الجنة‪ ،‬ولم‬
‫يهربوا من الشر العظيم وهو النار‪.‬‬
‫النوع الرابع‪ :‬أن يعمل بطاعة الله مخلصا ً في ذلك لله وحده ل شريك له لكنه‬
‫فره كفرا ً يخرجه عن السلم‪ ،‬مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا‬ ‫على عمل يك ّ‬
‫الله أو تصدقوا أو صاموا ابتغاء وجه الله والدار الخرة‪ ،‬ومثل كثير من هذه‬
‫المة الذين فيهم كفر أو شرك أكبر يخرجهم من السلم بالكلية إذا أطاعوا‬
‫الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الخرة‪ ،‬لكنهم على أعمال‬
‫تخرجهم من السلم وتمنع قبول أعمالهم‪.‬‬
‫بقي أن يقال‪ :‬إذا عمل الرجل الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج‬
‫ابتغاء وجه الله طالبا ً ثواب الخرة‪ ،‬ثم بعد ذلك عمل أعمال ً قاصدا ً بها الدنيا‪،‬‬
‫مثل أن يحج فرضه لله‪ ،‬ثم يحج بعده لهل الدنيا‪ ،‬فهو لما غلب عليه منهما"]‬
‫‪.[3‬‬
‫تنبيه هام‪:‬‬
‫مما ينبغي التأكيد عليه هنا أنه ل بد من التفريق بين شرك الرادة المستوجب‬
‫للشرك الكبر والخلود في النار‪ ،‬وبين الشرك الصغر المستوجب لحبوط‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العمل وإن لم يكن مخرجا ً من الملة‪.‬‬


‫والضابط الفارق في ذلك هو النظر إلى النية والباعث على العمل‪ ،‬فمن كان‬
‫عمله اتباعا ً للهوى مطلقا ً وإرادة الدنيا أصل ً كان مشركا ً شركا ً أكبر‪ ،‬ومن كان‬
‫الباعث له على العمل حب الله وابتغاء رضوانه والدار الخرة لكن دخل مع‬
‫ذلك حب الجاه أو نحو ذلك من أسباب الرياء كان مشركا ً شركا ً أصغر]‪.[4‬‬
‫‪-----------‬‬
‫]‪ [1‬جامع البيان )‪.(7/13‬‬
‫]‪ [2‬الجواب الكافي )‪.(163‬‬
‫]‪ [3‬تيسير العزيز الحميد )‪ (538-536‬باختصار‪.‬‬
‫]‪ [4‬ضوابط التكفير للدكتور عبد الله القرني )‪.(128‬‬
‫شرك الطاعة‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قال تعالى‪} :‬اتخ ُ‬
‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬‫م ِ‬ ‫ن اللهِ َوال َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫م أْرَبابا ّ‬ ‫م وَُرهَْبان َهُ ْ‬ ‫حَباَرهُ ْ‬‫ذوا أ ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن{ ]التوبة‪:‬‬ ‫ُ‬
‫شرِكو َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬
‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬ ‫ّ‬
‫حدا ل إله إ ِل هُوَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫دوا إ ِلها وا ِ‬ ‫مُروا ْ إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫ما أ ِ‬‫وَ َ‬
‫‪.[31‬‬
‫قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪" :‬وتفسيرها الذي ل إشكال فيه هو طاعة‬
‫سرها رسول‬ ‫العلماء والعباد في معصية الله سبحانه‪ ،‬ل دعاؤهم إياهم‪ ،‬كما ف ّ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم لما سأله فقال‪ :‬لسنا نعبدهم! فذكر‬
‫له أن عبادتهم طاعتهم في المعصية"]‪.[1‬‬
‫عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال‪ :‬أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي‬
‫دي‪ ،‬اطرح عنك هذا الوثن((‪ ،‬وسمعته‬ ‫عنقي صليب من ذهب فقال‪)) :‬يا ع ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫خ ُ َ‬
‫ه{‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ن الل ِ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫م أْرَبابا ّ‬ ‫م وَُرهَْبان َهُ ْ‬ ‫حَباَرهُ ْ‬ ‫ذوا ْ أ ْ‬ ‫يقرأ في سورة براءة‪} :‬ات ّ َ‬
‫ً‬
‫))أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم‪ ،‬ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه‪ ،‬وإذا‬
‫حرموا عليهم شيئا ً حرموه((]‪.[2‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬وهؤلء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً حيث أطاعوهم‬
‫ل الله يكونون على وجهين‪:‬‬ ‫في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أح ّ‬
‫دلوا دين الله فيّتبعونهم على التبديل‪ ،‬فيعتقدون‬ ‫أحدهما‪ :‬أن يعلموا أنهم ب ّ‬
‫ً‬
‫تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعا لرؤساهم‪ ،‬مع علمهم أنهم‬
‫خالفوا دين الرسل‪ ،‬فهذا كفر وقد جعله الله ورسوله شركا ً وإن لم يكونوا‬
‫يصّلون لهم ويسجدون لهم‪ ،‬فكان من اتبع غيره في خلف الدين مع علمه أنه‬
‫خلف الدين واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركا ً مثل‬
‫هؤلء‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫والثاني‪ :‬أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلل وتحليل الحرام ثابتًا]‪،[3‬‬
‫لكنهم أطاعوهم في معصية الله‪ ،‬كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي‬
‫التي يعتقد أنها معاص‪ ،‬فهؤلء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب‪ ،‬كما ثبت‬
‫في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪)) :‬إنما الطاعة في‬
‫المعروف((]‪ ،[4‬وقال‪)) :‬على المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما‬
‫لم يؤمر بمعصية((]‪.[6] "[5‬‬
‫وقال ابن تيمية أيضًا‪" :‬ثم ذلك المحّرم للحلل والمحلل للحرام إن كان‬
‫ّ‬
‫ده ابتاع الرسول لكن خفي عليه الحق في نفس المر‪ ،‬وقد اتقى‬ ‫مجتهدا ً قص ُ‬
‫الله ما استطاع‪ ،‬فهذا ل يؤاخذه الله بخطئه‪ ،‬بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع‬
‫به ربه‪ ،‬ولكن من علم أن هذا خطأ فيما جاء به الرسول ثم اتبعه على خطئه‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مه الله‪ ،‬ل‬ ‫وعدل عن قول الرسول فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذ ّ‬
‫سيما إن اّتبع في ذلك هواه ونصره باللسان واليد‪ ،‬مع علمه بأنه مخالف‬
‫للرسول‪ ،‬فهذا شرك يستحقّ صاحبه العقوبة عليه"]‪.[7‬‬
‫وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بيان فوائد حديث عدي رضي الله‬
‫عنه‪" :‬وفيه تغّير الحوال إلى هذه الغاية صار عند الكثر عبادة الرهبان هي‬
‫أفضل العمال‪ ،‬ويسمونها الولية‪ ،‬وعبادة الحبار هي العلم والفقه"]‪.[8‬‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬يشير إلى ما يعتقده كثير من الناس فيمن ينتسب‬
‫إلى الولية من الضر والنفع والعطاء والمنع‪ ،‬ويسمون ذلك الولية والسر‪،‬‬
‫ونحو ذلك وهو الشرك‪.‬‬
‫مى اليوم العلم‬ ‫وقوله‪ :‬وعبادة الحبار هي العلم والفقه‪ ،‬أي‪ :‬هي التي تس ّ‬
‫والفقه المؤّلف على مذاهب الئمة ونحوهم‪ ،‬فيطيعونهم في كل ما يطيعونك]‬
‫‪ ،[9‬سواء وافق حكم الله أم خالفه‪ ،‬بل ل يعبؤون بما خالف ذلك من كتاب‬
‫وسنة‪ ،‬بل يردون كلم الله وكلم رسوله لقوال من قّلدوه‪ ،‬ويصّرحون بأنه ل‬
‫ل العمل بكتاب ول سنة‪ ،‬وأنه ل يجوز تلقي العلم والهدى منهما‪ ،‬وإنما‬ ‫يح ّ‬
‫م‬‫الفقه والهدى عندهم هو ما وجدوه في هذه الكتب‪ ،‬بل أعظم من ذلك وأط ّ‬
‫رمي كثير منهم كلم الله وكلم رسوله بأنه ل يفيد العلم ول اليقين في باب‬
‫مون ما‬ ‫مونها ظواهر لفظية‪ ،‬ويس ّ‬ ‫معرفة أسماء الله وصفاته وتوحيده‪ ،‬ويس ّ‬
‫دمونها في باب السماء‬ ‫وضعه الفلسفة المشركون القواطع العقلية‪ ،‬ثم يق ّ‬
‫والصفات والتوحيد على ما جاء من عند الله‪ ،‬ثم يرمون من خرج عن عبادة‬
‫الحبار والرهبان إلى طاعة رب العالمين وطاعة رسوله وتحكيم ما أنزل الله‬
‫في موارد النزاع بالبدعة أو الكفر"]‪.[10‬‬
‫‪-------------‬‬
‫]‪ [1‬الدرر السنية )‪.(2/70‬‬
‫]‪ [2‬أخرجه الترمذي في التفسير‪ ،‬باب‪ :‬ومن سورة التوبة )‪ (3095‬واللفظ‬
‫له‪ ،‬وابن جرير في تفسيره‪ ،‬والبيهقي )‪ ،(10/116‬وحسنه ابن تيمية في‬
‫اليمان )‪7/67‬ـمجموع الفتاوى(‪ ،‬كما حسنه اللباني في صحيح سنن الترمذي‬
‫)‪.(2471‬‬
‫]‪ [3‬كذا العبارة في المجموع وفيها قلب ولعل صوابها‪" :‬بتحريم الحرام‬
‫وتحليل الحلل"‪.‬‬
‫]‪ [4‬أخرجه البخاري في الحكام‪ ،‬باب‪ :‬السمع والطاعة للمام ما لم تكن‬
‫معصية )‪ ،(7145‬ومسلم في المارة )‪ (1840‬من حديث علي رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫]‪ [5‬أخرجه البخاري بنحوه في الحكام‪ ،‬باب‪ :‬السمع والطاعة للمام ما لم‬
‫تكن معصية )‪ (7144‬من حديث ابن عمر رضي الله عنهما‪.‬‬
‫]‪ [6‬مجموع الفتاوى )‪.(7/70‬‬
‫]‪ [7‬مجموع الفتاوى )‪.(7/71‬‬
‫]‪ [8‬كتاب التوحيد‪ ،‬ضمن الجامع الفريد )‪.(163‬‬
‫]‪ [9‬كذا في المطبوع‪ ،‬ولعله تصحيف‪.‬‬
‫]‪ [10‬تيسير العزيز الحميد )‪.(553‬‬
‫شرك المحبة‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫مك ُ‬ ‫حّبون َهُ ْ‬ ‫داًدا ي ُ ِ‬‫ن اللهِ أن َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫خذ ُ ِ‬
‫من ي َت ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مُنوا ْ أ َ َ‬
‫قوّةَ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫بأ ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن العَ َ‬ ‫موا إ ِذ ْ ي ََروْ َ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬‫حّبا ل ِلهِ وَلوْ ي ََرى ال ِ‬ ‫شد ّ ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن ات ّب َُعوا ْ وََرأوُا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ات ّب ُِعوا ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب * إ ِذ ْ ت َب َّرأ ال ّ ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعَ َ‬ ‫ه َ‬
‫ش ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ميًعا وَأ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل ِل ّهِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ل ََنا ك َّرة ً فَن َت َب َّرأ ِ‬ ‫ن ات ّب َُعوا ْ ل َوْ أ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫ب * وََقا َ‬ ‫سَبا ُ‬‫م ال ْ‬ ‫ت ب ِهِ ُ‬ ‫قط ّعَ ْ‬ ‫ب وَت َ َ‬‫ذا َ‬‫ال ْعَ َ‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ك يريهم الل ّ َ‬
‫ن‬
‫جي َ‬
‫خارِ ِ‬
‫هم ب ِ َ‬
‫ما ُ‬
‫م وَ َ‬‫ت عَل َي ْهِ ْ‬‫سرا ٍ‬
‫ح َ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه أعْ َ‬‫ُ‬ ‫كذال ِ َ ُ ِ ِ ُ‬ ‫ما ت َب َّرءوا ْ ِ‬
‫مّنا َ‬ ‫كَ َ‬
‫ن الّناِر{ ]البقرة‪.[167-165:‬‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫قال ابن زيد‪" :‬هؤلء المشركون‪ ،‬أندادهم آلهتهم التي عبدوا مع الله‪ ،‬يحبونهم‬
‫كما يحب الذين آمنوا الله‪ ،‬والذين آمنوا أشد حبا ً لله من حبهم هم للهتهم"]‬
‫‪.[1‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬منزلة المحبة‪ :‬وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون‪،‬‬
‫مر السابقون‪ ،‬وعليها تفانى المحبون‪،‬‬ ‫وإليها شخص العاملون‪ ،‬وإلى عَلمها ش ّ‬
‫وبروح نسيمها ترّوح العابدون‪ ،‬فهي قوت القلوب‪ ،‬وغذاء الرواح‪ ،‬وقرة‬
‫رمها فهو من جملة الموات‪ ،‬والنور الذي من‬ ‫العيون‪ ،‬وهي الحياة التي من ح ِ‬
‫دمه حلت بقلبه جميع‬ ‫ّ‬ ‫فقده فهو في بحار الظلمات‪ ،‬والشفاء الذي من ع ِ‬
‫السقام‪ ،‬واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلم‪ ،‬وهي روح‬
‫اليمان والعمال‪ ،‬والمقامات والحوال‪ ،‬التي متى خلت منها فهي كالجسد‬
‫الذي ل روح فيه" إلى آخر كلمه]‪.[2‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وقال سليمان آل الشيخ‪" :‬واعلم أن المحبة قسمان‪ :‬مشتركة وخاصة‪.‬‬


‫فالمشتركة ثلثة أنواع‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬محبة طبيعية‪ ،‬كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء ونحو ذلك‪ ،‬وهذه‬
‫ل تستلزم التعظيم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬محبة رحمة وإشفاق‪ ،‬كمحبة الوالد لولده الطفل‪ ،‬وهذه أيضا ً ل‬
‫تستلزم التعظيم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬محبة أنس وإلف‪ ،‬وهي محبة المشتركين في صناعة أو علم أو‬
‫مرافقة أو تجارة أو سفر لبعضهم بعضًا‪ ،‬وكمحبة الخوة بعضهم بعضًا‪.‬‬
‫فهذه النواع الثلثة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض‪ ،‬ووجودها فيهم ل‬
‫يكون شركا ً في محبة الله‪ ،‬ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب‬
‫ب أصحابه‪،‬‬ ‫الحلواء والعسل‪ ،‬وكان يحب نساءه‪ ،‬وعائشة أحّبهن إليه‪ ،‬وكان يح ّ‬
‫وأحّبهم إليه الصديق رضي الله عنه‪.‬‬
‫ب العبد بها غيره‬ ‫القسم الثاني‪ :‬المحبة الخاصة التي ل تصلح إل لله‪ ،‬ومتى أح ّ‬
‫كان شركا ً ل يغفره الله‪ ،‬وهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع‬
‫والتعظيم وكمال الطاعة وإيثاره على غيره‪ ،‬فهذه المحبة ل يجوز تعلقها بغير‬
‫وى المشركون بين الله تعالى وبين آلهتهم فيها"]‪.[3‬‬ ‫ل‪ ،‬وهي التي س ّ‬ ‫الله أص ً‬
‫‪----------------‬‬
‫]‪ [1‬جامع البيان )‪.(3/280‬‬
‫]‪ [2‬مدارج السالكين )‪.(7-3/6‬‬
‫]‪ [3‬تيسير العزيز الحميد )‪.(468-467‬‬
‫شرك الخوف‬
‫َ‬
‫ف أوْل َِياءه ُ فَل َ ت َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ِإن‬‫خاُفو ِ‬
‫م وَ َ‬‫خاُفوهُ ْ‬ ‫خو ّ ُ‬
‫ن يُ َ‬‫شي ْطا ُ‬‫م ال ّ‬‫ما ذال ِك ُ‬‫قال تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن{ ]آل عمران‪.[175:‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫وف المؤمنين بالكفار"]‪.[1‬‬ ‫قال مجاهد‪" :‬يخ ّ‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬الخوف على ثلثة أقسام‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬خوف الشر‪ ،‬وهو أن يخاف من غير الله أن يصيبه بما يشاء‪ ،‬من‬
‫مرض أو فقر أو قتل ونحو ذلك‪ ،‬بقدرته ومشيئته‪ ،‬سواء اّدعى أن ذلك كرامة‬
‫للمخوف بالشفاعة‪ ،‬أو على سبيل الستقلل‪ ،‬فهذا الخوف ل يجوز تعلقه بغير‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ ،‬لن هذا من لوازم اللهية‪ ،‬فمن اتخذ مع الله ندا ً يخافه هذا الخوف‬ ‫الله أص ً‬
‫فهو مشرك‪.‬‬
‫ون‬ ‫وهذا هو الذي كان المشركون يعتقدونه في أصنامهم وآلهتهم‪ ،‬ولهذا يخوف ّ‬
‫به أولياء الرحمن‪ ،‬وهذا القسم هو الواقع اليوم من عّباد القبور‪ ،‬فإنهم‬
‫جهت‬ ‫د‪ ،‬ولهذا إذا تو ّ‬ ‫يخافون الصالحين‪ ،‬بل الطواغيت‪ ،‬كما يخافون الله بل أش ّ‬
‫على أحدهم اليمين بالله أعطاك ما شئت من اليمان كاذبا ً أو صادقًا‪ ،‬فإن‬
‫كان اليمين بصاحب التربة لم ُيقدم على اليمين إن كان كاذبًا‪ ،‬وما ذاك إل لن‬
‫ن هذا ما بلغ إليه شرك‬ ‫المدفون في التراب أخوف عنده من الله‪ ،‬ول ريب أ ّ‬
‫الولين‪ ،‬بل جهد أيمانهم اليمين بالله تعالى‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يترك النسان ما يجب عليه من الجهاد والمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر بغير عذر إل الخوف من الناس‪ ،‬فهذا محرم‪.‬‬
‫عد به العصاة‪ ،‬وهو الذي قال الله فيه‪} :‬ذال ِكَ‬ ‫الثالث‪ :‬خوف وعيد الله الذي تو ّ‬
‫ه‬
‫م َرب ّ ِ‬ ‫قا َ‬‫م َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫د{ ]إبراهيم‪ ،[14:‬وقال‪} :‬وَل ِ َ‬ ‫عي ِ‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا َ‬ ‫مى وَ َ‬ ‫قا ِ‬‫م َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫ن{ ]الرحمن‪ ،[46:‬وهذا الخوف من أعلى مراتب اليمان‪ ،‬وإنما يكون‬ ‫جن َّتا ِ‬ ‫َ‬
‫محمودا إذا لم يوقع في القنوط واليأس من َروح الله‪.‬‬ ‫ً‬
‫بقي قسم رابع‪ :‬وهو الخوف الطبيعي‪ ،‬كالخوف من عدو وسبع وهدم وغرق‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬فهذا ل يذم‪ ،‬وهو الذي ذكره الله عن موسى عليه الصلة والسلم‬
‫ب{ ]القصص‪.[2]"[21:‬‬ ‫خاِئفا ً ي َت ََرقّ ُ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫في قوله‪} :‬فَ َ‬
‫‪------------‬‬
‫]‪ [1‬جامع البيان )‪.(3/525‬‬
‫]‪ [2‬تيسير العزيز الحميد )‪ (486-484‬بتصرف واختصار‪.‬‬
‫الشرك في التوكل‬
‫ن{ ]المائدة‪.[23:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَعََلى اللهِ فَت َوَكلوا ِإن كنُتم ّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬وفي الية دليل على أن التوكل على الله عبادة‪،‬‬
‫وعلى أنه فرض‪ ،‬وإذا كان كذلك فصرفه لغير الله شرك"]‪.[1‬‬
‫ت‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬
‫م وَإ َِذا ت ُل ِي َ ْ‬ ‫جل َ ْ‬
‫ه وَ ِ‬‫ن إ َِذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن{ ]النفال‪.[2:‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م ي َت َوَكلو َ‬ ‫َ‬
‫مانا وَعَلىا َرب ّهِ ْ‬ ‫ً‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ه َزاد َت ْهُ ْ‬ ‫م ءاَيات ُ ُ‬‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬ل يرجون سواه‪ ،‬ول يقصدون إل إياه‪ ،‬ول يلوذون إل‬
‫بجنابه‪ ،‬ول يطلبون الحوائج إل منه‪ ،‬ول يرغبون إل إليه‪ ،‬ويعلمون أنه ما شاء‬
‫كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وأنه المتصرف في الملك وحده ل شريك له‪ ،‬ول‬
‫معقب لحكمه وهو سريع الحساب‪ ،‬ولهذا قال سعيد بن المسيب‪ :‬التوكل‬
‫على الله جماع اليمان"]‪.[2‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬التوكل نصف الدين‪ ،‬والنصف الثاني النابة‪ ،‬فإن الدين‬
‫استعانة وعبادة‪ ،‬فالتوكل هو الستعانة‪ ،‬والنابة هي العبادة‪ ،‬ومنزلته أوسع‬
‫المنازل وأجمعها‪ ،‬ول تزال معمورة بالنازلين‪ ،‬لسعة متعلق التوكل‪ ،‬وكثرة‬
‫حوائج العالمين‪ ،‬وعموم التوكل‪ ،‬ووقوعه من المؤمنين والكفار والبرار‬
‫والفجار والطير والوحش والبهائم"]‪.[3‬‬
‫وأما التوكل على غير الله فهو قسمان‪.‬‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬أحدهما‪ :‬التوكل في المور التي ل يقدر عليها إل‬
‫الله‪ ،‬كالذين يتوكلون على الموات والطواغيت في رجاء مطالبهم من النصر‬
‫والحفظ والرزق والشفاعة‪ ،‬فهذا شرك أكبر‪ ،‬فإن هذه المور ونحوها ل يقدر‬
‫عليها إل الله تبارك وتعالى‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والثاني‪ :‬التوكل في السباب الظاهرة العادية‪ ،‬كمن يتو ّ‬


‫كل على أمير أو‬
‫سلطان‪ ،‬فيما جعله الله بيده من الرزق أو دفع الذى ونحو ذلك‪ ،‬فهذا شرك‬
‫خفي‪.‬‬
‫والوكالة الجائزة هي توكيل النسان في فعل مقدور عليه‪ ،‬ولكن ليس له أن‬
‫كل على الله‪ ،‬ويعتمد عليه في تيسير ما وكله‬ ‫كله‪ ،‬بل يتو ّ‬
‫يتوكل عليه وإن و ّ‬
‫فيه"]‪.[4‬‬
‫‪--------------‬‬
‫]‪ [1‬تيسير العزيز الحميد )‪.(497‬‬
‫]‪ [2‬تفسير القرآن العظيم )‪.(2/452‬‬
‫]‪ [3‬مدارج السالكين )‪.(114-2/113‬‬
‫]‪ [4‬تيسير العزيز الحميد )‪.(498-497‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫الشرك‬
‫أول‪ :‬تمهيد‪:‬‬
‫‪ -1‬أهمية التوحيد ومعرفة ما يضاده‪:‬‬
‫قال ابن أبي العز‪" :‬اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل‪ ،‬وأول منازل الطريق‪،‬‬
‫سل َْنا‬ ‫وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ول َ َ َ‬
‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ه{ ]المؤمنون‪:‬‬ ‫ن اله غَي ُْر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬
‫ل ياقَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫مهِ فَ َ‬
‫قا َ‬ ‫ُنوحا ً إ َِلى قَوْ ِ‬
‫ه{‪...‬‬ ‫ن اله غَي ُْر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬ ‫‪ ،[23‬وقال هود عليه السلم لقومه‪} :‬اعْب ُ ُ‬
‫جت َن ُِبوا ْ‬ ‫َ‬ ‫قد بعث ْنا فى ك ُ ّ ُ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫سول ً أ ِ‬ ‫مةٍ ّر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬وَل َ َ ْ َ َ َ ِ‬
‫ل إ ِل ّ‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ ّ‬
‫طا ُ‬
‫سو ٍ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫سلَنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ت{ ]النحل‪ ،[36:‬وقال تعالى‪} :‬وَ َ‬ ‫غو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]النبياء‪ ،[25:‬وقال صلى الله عليه‬ ‫دو ِ‬ ‫ه ل اله إ ِل ّ أن َا ْ َفاعْب ُ ُ‬ ‫حى إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ‬ ‫ُنو ِ‬
‫وسلم‪)) :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل الله وأن محمدا ً‬
‫رسول الله((‪.‬‬
‫ن أّول واجب يجب على المكلف شهادة أن ل إله إل الله‪،‬‬ ‫ولهذا كان الصحيح أ ّ‬
‫ل لرباب الكلم‬ ‫ل النظر ول القصد إلى النظر ول الشك‪ ،‬كما هي أقوا ٌ‬
‫المذموم‪ ،‬بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد‬
‫الشهادتان‪ ...‬فالتوحيد أول ما يدخل به في السلم وآخر ما يخرج به من‬
‫الدنيا‪ ،‬كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‪)) :‬من كان آخر كلمه ل إله إل‬
‫الله دخل الجنة((‪ ،‬وهو أول واجب وآخر واجب"‪.‬‬
‫ولهمية التوحيد كان ل بد من معرفة ما يضاّده وهو الشرك حتى يحذر منه‬
‫المرء على توحيده‪.‬‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬لما كان الشرك أعظم ذنب عصي الله به‪ ،‬ولهذا‬
‫رتب عليه من عقوبات الدنيا والخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه‪ ،‬من إباحة‬
‫دماء أهله وأموالهم‪ ،‬وسبي نسائهم وأولدهم‪ ،‬وعدم مغفرته من بين الذنوب‬
‫إل بالتوبة منه‪ ،‬نبه المصنف بهذه الترجمة على أنه ينبغي للمؤمن أن يخاف‬
‫منه ويحذره‪ ،‬ويعرف أسبابه ومبادئه وأنواعه لئل يقع فيه‪ ،‬ولهذا قال حذيفة‪:‬‬
‫كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير‪ ،‬وكنت أسأله‬
‫عن الشر مخافة أن أقع فيه‪ .‬وذلك أن من لم يعرف إل الخير قد يأتيه الشر‬
‫ول يعرف أنه شر‪ ،‬فإما أن يقع فيه‪ ،‬وإما أن ل ينكَره كما ينكره الذي عرفه‪،‬‬
‫ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪) :‬إنما تنقض عرى السلم عروة‬
‫عروة إذا نشأ في السلم من لم يعرف الجاهلية("‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬هل الصل في النسان التوحيد أم الشرك؟‬


‫اتفق أهل الملل الثلثة ـ اليهود والنصارى والمسلمون ـ على أن الصل في‬
‫النسان هو التوحيد‪ ،‬والشرك طارئ عليه‪.‬‬
‫وذلك بناء على أن البشر خلقوا من نفس واحدة وهي نفس آدم عليه السلم‬
‫َ‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س وا ِ‬ ‫من ن ّفْ ٍ‬ ‫م ّ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذى َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫كما قال تعالى‪} :‬ياأي َّها الّنا ُ‬
‫ساء{ ]النساء‪ .[1:‬وهذا متفق عليه بين‬ ‫جال ً ك َِثيرا ً وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫الديانات الثلثة‪.‬‬
‫ومما يدل على ذلك‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -1‬أن النسان الول وهو آدم عليه السلم كان نبيا يعبد الله وحده ل شريك‬
‫له‪ ،‬وعّلم أبناءه التوحيد‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬ولم يكن الشرك أصل ً في الدميين‪ ،‬بل كان آدم ومن كان‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫على دينه من بنيه على التوحيد لله‪ ،‬لتباعهم النبوة‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫فوْا{ ]يونس‪ ،[19:‬قال ابن عباس‪) :‬كان بين آدم‬ ‫خت َل َ ُ‬ ‫ُ‬
‫حد َة ً َفا ْ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫س إ ِل ّ أ ّ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ونوح عشرة قرون‪ ،‬كلهم على السلم(‪ .‬فبتركهم اتباع شريعة النبياء وقعوا‬
‫في الشرك‪ ،‬ل بوقوعهم في الشرك خرجوا عن شريعة السلم"‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الله تعالى أخبر في كتابه أن الفطرة التي فطر الناس عليها هي‬
‫فطرة السلم التي هي التوحيد الخالص‪.‬‬
‫س عَل َي َْها ل َ‬ ‫َ‬
‫حِنيفا ً فِط َْرةَ الل ّهِ ال ِّتى فَط ََر الّنا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬ ‫ك ِلل ّ‬ ‫جهَ َ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫قال تعالى‪} :‬فَأقِ ْ‬
‫ن{ ]الروم ‪.[30‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن أ َك ْث ََر الّنا‬ ‫م وََلك ِ ّ‬ ‫قي ّ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ق الل ّهِ ذ َل ِ َ‬ ‫خل ِ‬
‫ل لِ َ ْ‬‫دي َ‬ ‫ت َب ْ ِ‬
‫م عََلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شهَد َهُ ْ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬ ‫من ظ ُُهورِهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ب َِنى ءاد َ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫خذ َ َرب ّ َ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬وَإ ِذ ْ أ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫فسه َ‬ ‫َ‬
‫هاَذا‬ ‫ن َ‬ ‫مةِ إ ِّنا ك ُّنا عَ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫قولوا ي َوْ َ‬ ‫شهِد َْنا أن ت َ ُ‬ ‫م َقالوا ب َلى َ‬ ‫ت ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م أل َ ْ‬ ‫أن ُ ِ ِ ْ‬
‫ن{ ]العراف‪.[172:‬‬ ‫غافِِلي َ‬ ‫َ‬
‫ل نسمة هو خالقها إلى يوم‬ ‫قال ابن عباس‪) :‬مسح ربك ظهر آدم فخرجت ك ّ‬
‫القيامة بنعمان هذه ـ وأشار بيده ـ‪ ،‬فأخذ مواثيقهم وأشهدهم على أنفسهم‪:‬‬
‫َ‬
‫م{(‪.‬‬ ‫ت ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫}أل َ ْ‬
‫وقال ابن جرير‪" :‬يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪ :‬واذكر‬
‫ـ يا محمد ـ رّبك إذ استخرج ولد آدم من أصلب آبائهم‪ ،‬فقّررهم بتوحيده‪،‬‬
‫وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك وإقرارهم به"‪.‬‬
‫‪ -3‬بين الله تعالى أن التوحيد هو أصل دعوة الرسل وإليه دعوا أقوامهم‪.‬‬
‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ك وَ َ‬ ‫ذى أوْ َ‬ ‫صى ب ِهِ ُنوحا ً َوال ّ ِ‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ن ال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫شَرع َ ل َ ُ‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه{‬ ‫فّرُقوا ْ ِفي ِ‬ ‫ن وَل َ ت َت َ َ‬ ‫دي َ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫ن أِقي ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫هي َ‬ ‫صي َْنا ب ِهِ إ ِب َْرا ِ‬
‫وَ ّ‬
‫]الشورى‪.[13:‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫ه ل اله إ ِل ّ أ َن َا ْ‬ ‫َ‬
‫حى إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ‬
‫ل إ ِل ّ ُنو ِ‬
‫سو ٍ‬
‫من ّر ُ‬ ‫سل َْنا ِ‬
‫من قَب ْل ِ َ‬
‫ك ِ‬
‫َ‬
‫ما أْر َ‬
‫وقال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ن{ ]النبياء‪.[24:‬‬ ‫َفاعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬إن الناس كانوا بعد آدم عليه السلم وقبل نوح عليه السلم‬
‫على التوحيد والخلص‪ ،‬كما كان أبوهم آدم أبو البشر عليه السلم‪ ،‬حتى‬
‫ابتدعوا الشرك وعبادة الوثان بدعة من تلقاء أنفسهم‪ ،‬لم ينزل الله بها كتابا ً‬
‫ل‪ ،‬بشبهات زّينها الشيطان من جهة المقاييس الفاسدة‬ ‫ول أرسل بها رسو ً‬
‫والفلسفة الحائدة‪ ،‬قوم منهم زعموا أن التماثيل طلسم الكواكب السماوية‬
‫والدرجات الفلكية والرواح العلوية‪ ،‬وقوم اتخذوها على صورة من كان فيهم‬
‫من النبياء والصالحين‪ ...‬فابتعث الله نبيه نوحا ً عليه السلم يدعوهم إلى‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عبادة الله وحده ل شريك له وينهاهم عن عبادة ما سواه‪ ...‬وجاءت الرسل‬


‫بعده تترى‪ ،‬إلى أن عم الرض دين الصائبة والمشركين‪ ،‬كما كانت النماردة‬
‫والفراعنة‪ ،‬فبعث الله تعالى إليهم إمام الحنفاء وأساس الملة الخالصة‬
‫والكلمة الباقية إبراهيم خليل الرحمن فدعا الخلق من الشرك إلى الخلص‪،‬‬
‫ونهاهم عن عبادة الكواكب والصنام"‪.‬‬
‫‪ -4‬ومن الدلة في السنة النبوية حديث عياض بن حمار رضي الله عنه‪ :‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال‪)) :‬إني‬
‫خلقت عبادي حنفاء كلهم‪ ،‬وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم‪،‬‬
‫مت عليهم ما أحللت لهم‪ ،‬وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنّزل به‬ ‫وحّر َ‬
‫ً‬
‫سلطانا((‪.‬‬
‫وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬ما من مولود إل يولد على الفطرة‪ ،‬فأبواه يهودانه وينصرانه‬
‫ويمجسانه‪ ،‬كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟!((‪،‬‬
‫س عَل َي َْها{‬
‫ثم يقول أبو هريرة‪ :‬اقرؤوا إن شئتم‪} :‬فِط َْرةَ الل ّهِ ال ِّتى فَط ََر الّنا َ‬
‫]الروم‪.[30:‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬فالصواب أنها فطرة السلم‪ ،‬وهي الفطرة التي فطرهم‬
‫م َقاُلوا ْ ب ََلى{ ]العراف‪ ،[172:‬وهي السلمة‬ ‫َ‬
‫ت ب َِرب ّك ُ ْ‬‫س َ‬ ‫عليها يوم قال‪} :‬أل َ ْ‬
‫من العتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة‪ ...‬وقد ضرب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فقال‪)) :‬كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل‬
‫تحسون فيها من جدعاء؟!(( بّين أن سلمة القلب من النقص كسلمة البدن‪،‬‬
‫ث طارئ"‪.‬‬ ‫وأن العيب حد ٌ‬
‫ضح كيفية دخول الشرك‪ ،‬فعنه‬ ‫وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يو ّ‬
‫ث‬ ‫ً‬
‫واعا وَل َ ي َُغو َ‬
‫س َ‬ ‫ً‬
‫ن وَد ّا وَل َ ُ‬
‫م وَل َ ت َذ َُر ّ‬ ‫في قوله تعالى‪} :‬وََقاُلوا ْ ل َ ت َذ َُر ّ‬
‫ن ءال ِهَت َك ُ ْ‬
‫سرًا{ ]نوح‪ ،[23:‬قال‪) :‬صارت الوثان التي كانت في قوم نوح في‬ ‫وَي َُعوقَ وَن َ ْ‬
‫د؛ أما وَد ّ كانت لكلب بدومة الجندل‪ ،‬وأما سواع كانت لهذيل‪ ،‬وأما‬ ‫العرب بع ُ‬
‫يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبإ‪ ،‬وأما يعوق فكانت‬
‫لهمدان‪ ،‬وأما نسر فكانت لحمير لل ذي الكلع‪ ،‬أسماء رجال صالحين من‬
‫قوم نوح‪ ،‬فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم‬
‫التي كانوا يجلسون أنصابا‪ ،‬وسموها بأسمائهم‪ ،‬ففعلوا فلم تعَبد‪ ،‬حتى إذا‬
‫دت(‪.‬‬ ‫سخ العلم عب ِ َ‬ ‫هلك أولئك وتن ّ‬
‫أخرجه البخاري في اليمان‪ ،‬باب‪} :‬فإن تابوا وأقاموا الصلة{ )‪ ،(25‬ومسلم‬
‫في اليمان )‪ (22‬من حديث ابن عمر رضي الله عنهما‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في مسنده )‪ ،(5/233‬وأبو داود في الجنائز‪ ،‬باب‪ :‬في التلقين )‬
‫‪ ،(3116‬والحاكم في المستدرك )‪ (1/503‬من حديث معاذ رضي الله عنه‪،‬‬
‫وصححه اللباني في صحيح أبي داود )‪.(2673‬‬
‫شرح العقيدة الطحاوية )‪ ،(78-77‬وانظر‪ :‬مدارج السالكين )‪.(3/462‬‬
‫هي ترجمة‪) :‬باب الخوف من الشرك( في كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد‬
‫الوهاب‪.‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(114‬‬
‫الشرك في القديم والحديث )‪.(1/181‬‬
‫مجموع الفتاوي )‪.(20/106‬‬
‫أي‪ :‬بعرفة‪.‬‬
‫جامع البيان )‪.(6/110‬‬
‫جامع البيان )‪.(6/110‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مجموع الفتاوي )‪.(28/603‬‬


‫أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها )‪.(2865‬‬
‫أي‪ :‬سليمة من العيوب‪ ،‬مجتمعة العضاء‪ .‬النهاية في غريب الحديث )‬
‫‪.(1/296‬‬
‫أي‪ :‬مقطوعة الطراف‪ ،‬أو واحدها‪ .‬النهاية في غريب الحديث )‪.(1/247‬‬
‫أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب‪} :‬ل تبديل لخلق الله{ )‪ ،(4775‬ومسلم‬
‫في القدر )‪.(2658‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(4/245‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب‪} :‬ودا ول سواعا ول يغوث ويعوق{ )‬
‫‪.(4920‬‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف وبيان‪:‬‬
‫‪ -1‬معنى الشرك لغة‪:‬‬
‫ل على مقارنة‬‫قال ابن فارس‪" :‬الشين والراء والكاف أصلن‪ ،‬أحدهما يد ّ‬
‫ل على امتداد واستقامة‪.‬‬‫ف انفراٍد‪ ،‬والخر يد ّ‬‫وخل ِ‬
‫فالول‪ :‬الشركة‪ ،‬وهو أن يكون الشيء بين اثنين ل ينفرد به أحدهما‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫كه‪ ،‬وأشركت فلنا ً إذا جعلته شريكا ً‬ ‫شاركت فلنا ً في الشيء إذا صرت شري َ‬
‫لك"‪.‬‬
‫وقال الجوهري‪" :‬الشريك يجمع على شركاء وأشراك‪ ،‬وشاركت فلنا ً صرت‬
‫شريكه‪ ،‬واشتركنا وتشاركنا في كذا‪ ،‬وشركته في البيع والميراث أشركه‬
‫شركة‪ ،‬والسم‪ :‬الشرك"‪.‬‬
‫وقال أيضًا‪" :‬والشرك أيضا الكفر‪ ،‬وقد أشرك فلن بالله فهو مشرك‬
‫ً‬
‫ي"‪.‬‬
‫ومشرك ّ‬
‫)‪(2 /‬‬

‫شركة بكسرهما وضم الثاني بمعنى‪ ،‬وقد‬ ‫شرك وال ُّ‬‫وقال الفيروز آبادي‪" :‬ال ّ‬
‫شرك بالكسر وكأمير‪ :‬المشارك‪،‬‬ ‫اشتركا وتشاركا وشارك أحدهما الخر‪ ،‬وال ّ‬
‫والجمع أشراك وشركاء"‪.‬‬
‫‪ -2‬معنى الشرك شرعًا‪:‬‬
‫ظم‬‫قال ابن سعدي‪" :‬حقيقة الشرك أن ُيعَبد المخلوق كما يعَبد الله‪ ،‬أو يع ّ‬
‫ظم الله‪ ،‬أو يصَرف له نوع من خصائص الربوبية واللهية"‪.‬‬ ‫كما يع ّ‬
‫دل النسان أحدا ً بالله‪،‬‬ ‫وقال الدهلوي‪" :‬إن الشرك ل يتوّقف على أن يع ِ‬
‫ويساوي بينهما بل فرق‪ ،‬بل إن حقيقة الشرك أن يأتي النسان بخلل وأعمال‬
‫ـ خصها الله تعالى بذاته العلية‪ ،‬وجعلها شعارا ً للعبودية ـ لحد من الناس‪،‬‬
‫كالسجود لحد‪ ،‬والذبح باسمه‪ ،‬والنذر له‪ ،‬والستعانة به في الشدة‪ ،‬والعتقاد‬
‫أنه ناظر في كل مكان‪ ،‬وإثبات التصرف له‪ ،‬كل ذلك يثبت به الشرك ويصبح‬
‫به النسان مشركًا"‪.‬‬
‫‪ -3‬الفرق بين الشرك والكفر‪:‬‬
‫‪ -1‬أما من حيث اللغة فإن الشرك بمعنى المقارنة‪ ،‬أي‪ :‬أن يكون الشيء بين‬
‫اثنين ل ينفرد به أحدهما‪ .‬أما الكفر فهو بمعنى الستر والتغطية‪.‬‬
‫قال ابن فارس‪" :‬الكاف والفاء والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد‪ ،‬وهو‬
‫مي لنه تغطية الحق‪،‬‬ ‫س ّ‬
‫الستر والتغطية"‪ ،‬إلى أن قال‪" :‬والكفر ضد اليمان‪ُ ،‬‬
‫وكذلك كفران النعمة جحودها وسترها"‪.‬‬
‫‪ -2‬وأما من حيث الستعمال الشرعي فقد يطلقان بمعنى واحد‪ ،‬قال الله‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫ن َأن ت َِبيد َ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫هاذِهِ أَبدا ً * وَ َ‬ ‫ما أظ ُ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫سهِ َقا َ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ل ّن َ ْ‬ ‫ظال ِ ٌ‬ ‫ه وَهُوَ َ‬ ‫جن ّت َ ُ‬‫ل َ‬ ‫خ َ‬ ‫تعالى‪} :‬وَد َ َ‬
‫هَ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قلبا * قال ل ُ‬ ‫من ْ َ‬
‫من َْها ُ‬ ‫خْيرا ّ‬ ‫ن َ‬‫جد َ ّ‬ ‫ت إ ِلى َرّبى ل ِ‬ ‫ة وَلِئن ّرِدد ّ‬ ‫م ً‬ ‫َ‬
‫ة قائ ِ َ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫أظ ُ ّ‬
‫وا َ‬
‫ك‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫فةٍ ث ُ ّ‬‫من ن ّط ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫من ت َُرا ٍ‬ ‫ق َ‬
‫ك ِ‬ ‫خل َ َ‬
‫ذى َ‬ ‫ت ِبال ّ ِ‬ ‫فْر َ‬ ‫حاوُِرهُ أ َك َ َ‬ ‫ه وَهُوَ ي ُ َ‬ ‫حب ُ ُ‬‫صا ِ‬‫َ‬
‫دا{ ]الكهف‪.[38-35:‬‬ ‫ح‬ ‫ك بربى أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫رجل ً * ل ّكن هُو الل ّه ربى ول َ أ ُ‬
‫َ ً‬ ‫َِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫ِ ّ َ‬ ‫َ ُ‬
‫وقد يفرق بينهما‪ ،‬قال النووي‪" :‬الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو‬
‫الكفر بالله تعالى‪ ،‬وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبادة الوثان وغيرها من‬
‫المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش‪ ،‬فيكون الكفر أعم من‬
‫الشرك"‪.‬‬
‫مقاييس اللغة )‪.(3/265‬‬
‫الصحاح )‪.(1594-4/1593‬‬
‫الصحاح )‪.(1594-4/1593‬‬
‫القاموس المحيط )‪.(2/1251‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )‪.(2/499‬‬
‫رسالة التوحيد )ص ‪ .(33 ،32‬وانظر‪ :‬الشرك في القديم والحديث )‪.(1/120‬‬
‫مقاييس اللغة )‪.(5/191‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪ ،(2/71‬وانظر‪ :‬حاشية ابن قاسم على كتاب التوحيد )‬
‫‪.(302‬‬
‫ثالثا‪ :‬أنواع الشرك‪:‬‬
‫الشرك ثلثة أنواع‪ :‬شرك أكبر‪ ،‬وشرك أصغر‪ ،‬وشرك خفي‪.‬‬
‫وهذا التقسيم هو أحسن التقاسيم المذكورة لنواع الشرك‪.‬‬
‫النوع الول‪ :‬الشرك الكبر‪:‬‬
‫وهو ثلثة أنواع‪ ،‬يتعلق كل نوع بأنواع التوحيد الثلثة‪.‬‬
‫قال سليمان بن عبد الله آل الشيخ‪" :‬فاعلم أن الشرك ينقسم ثلثة أقسام‬
‫بالنسبة إلى أنواع التوحيد‪ ،‬وكل منها قد يكون أكبر وأصغر مطلقًا‪ ،‬وقد يكون‬
‫أكبر بالنسبة إلى ما هو أصغر منه‪ ،‬ويكون أصغر بالنسبة إلى ما هو أكبر‬
‫منه"‪.‬‬
‫‪ -1‬الشرك في الربوبية‪:‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬أما النوع الثاني فالشرك في الربوبية‪ ،‬فإن الرب سبحانه هو‬
‫المالك المدبر‪ ،‬المعطي المانع‪ ،‬الضار النافع‪ ،‬الخافض الرافع‪ ،‬المعز المذل‪،‬‬
‫فمن شهد أن المعطي أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل غيره‬
‫فقد أشرك بربوبيته"‪.‬‬
‫وهذا إما شرك في التعطيل وإما شرك في النداد‪:‬‬
‫أ‪ -‬شرك التعطيل‪:‬‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬شرك التعطيل‪ :‬وهو أقبح أنواع الشرك‪ ،‬كشرك‬
‫ن{ ]الشعراء‪ ،[23:‬ومن هذا شرك‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ما َر ّ‬ ‫فرعون إذ قال‪} :‬وَ َ‬
‫ً‬
‫الفلسفة القائلين بقدم العالم وأبديته‪ ،‬وأنه لم يكن معدوما أصل‪ ،‬بل لم يزل‬
‫ول يزال‪ ،‬والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت‬
‫إيجادها يسمونها العقول والنفوس‪.‬‬
‫ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود‪ ،‬كابن عربي وابن سبعين والعفيف‬
‫التلمساني وابن الفارض‪ ،‬ونحوهم من الملحدة الذين كسوا اللحاد حلية‬
‫السلم‪ ،‬ومزجوه بشيء من الحق‪ ،‬حتى راج أمرهم على خفافيش البصائر"‪.‬‬
‫ب‪ -‬شرك النداد‪:‬‬
‫وهو شرك من جعل مع الله إلها آخر ولم يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته‪.‬‬ ‫ً‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬النوع الثاني‪ :‬شرك من جعل معه إلها ً آخر ولم‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته‪ ،‬كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلثة‪،‬‬
‫وشرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور‪ ،‬وحوادث الشر إلى‬
‫الظلمة‪.‬‬
‫ومن هذا شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات‪ ،‬ويجعلها مدّبرة لمر هذا‬
‫العالم‪ ،‬كما هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم‪ .‬ويلتحق به من وجه شرك‬
‫ح الولياء تتصرف بعد الموت‪،‬‬‫غلة عباد القبور الذين يزعمون أن أروا َ‬
‫فيقضون الحاجات‪ ،‬ويفرجون الكربات‪ ،‬وينصرون من دعاهم‪ ،‬ويحفظون من‬
‫التجأ إليهم ولذ بحماهم‪ ،‬فإن هذه من خصائص الربوبية"‪.‬‬
‫وخلصة هذا النوع ما يلي‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ب‬
‫ما َر ّ‬‫أ‪ -‬الشرك في الربوبية بالتعطيل‪ :‬وذلك إما باللحاد كقول فرعون‪} :‬وَ َ‬
‫ن{ وكالمذهب الشيوعي‪ ،‬وإما بتعطيل الكون عن صانعه كالقول بقدم‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬
‫العالم والقول بوحدة الوجود‪ ،‬وإما بتعطيل الصانع عن أفعاله كشرك منكري‬
‫إرسال الرسل ومنكري القدر والبعث وغير ذلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬الشرك في الربوبية بالنداد‪ :‬وذلك إما بدعوى تصرف غير الله تعالى في‬
‫الكون كشرك مشركي قوم إبراهيم الصابئة والمتصوفة القائلين بالغوث‬
‫والقطب والوتاد والبدال المعتقدين فيهم التصرف والتدبير‪ ،‬وإما بإعطاء حق‬
‫التشريع والتحليل والتحريم لغير الله تعالى كما هو عند النصارى وغيرهم‬
‫وكما هو في القوانين الوضعية‪ ،‬وإما بدعوى تأثير النجوم والهياكل في الكون‬
‫كما يعتقده الصابئة من قوم إبراهيم‪ ،‬أو دعوى تأثير الولياء أو التمائم‬
‫والحجبة‪.‬‬
‫‪ -2‬الشرك في توحيد السماء والصفات‪:‬‬
‫وهو أيضا إما بالتعطيل وإما بالنداد‪:‬‬
‫أ‪ -‬شرك التعطيل‪:‬‬
‫وذلك بتعطيل الصانع عن كماله المقدس‪ ،‬كشرك الجهمية الغلة والقرامطة‬
‫الذين أنكروا أسماء الله عز وجل وصفاته‪.‬‬
‫ب‪ -‬شرك النداد‪:‬‬
‫وهو على وجهين‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬إثبات صفات الله تعالى للمخلوقين‪ ،‬وذلك بالتمثيل في أسمائه‬
‫أو صفاته كالشرك في علم الباري المحيط‪ ،‬ويدخل في ذلك التنجيم والعرافة‬
‫والكهانة‪ ،‬وادعاء علم المغيبات لحد غير الله‪ ،‬وكالشرك في قدرة الله‬
‫الكاملة‪ ،‬وذلك بادعاء التصرف للغير في ملكوت الله‪ ،‬وخوف الضرر أو‬
‫التماس النفع من غير الله‪ ،‬أو بالستغاثة بغير الله‪ ،‬أو تسمية غيره غوثًا‪ ،‬أو‬
‫حر‪.‬‬‫بالسحر والتس ّ‬
‫الوجه الثاني‪ :‬وصف الله تعالى وتقدس بصفات المخلوقين‪ ،‬كشرك اليهود‬
‫المغضوب عليهم الذين شبهوا الله بخلقه‪ ،‬فوصفوا الله تعالى بأنه فقير وأن‬
‫يده مغلولة‪ ،‬وهكذا النصارى في قولهم بالبنوة والبوة‪ ،‬وما إلى ذلك من‬
‫صفات المخلوقات‪.‬‬
‫ويدخل في ذلك كل من شّبه الله بخلقه ومثله بهم من هذه المة‪.‬‬
‫‪ -3‬الشرك في توحيد اللوهية‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬فأما الشرك في اللهية فهو أن يجعل لله ندا ـ أي‪ :‬مثل ـ في‬
‫عبادته أو محبته أو خوفه أو رجائه أو إنابته‪ ،‬فهذا هو الشرك الذي ل يغفره‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما قَد ْ‬ ‫م ّ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬ ‫فُروا ْ ِإن َينت َُهوا ْ ي ُغْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الله إل بالتوبة منه‪ ،‬قال تعالى‪ُ} :‬قل ل ِل ّ ِ‬
‫ف{ ]النفال‪ ،[48:‬وهذا هو الذي قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه‬ ‫سل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫وسلم مشركي العرب لنهم أشركوا في اللهية‪ ،‬قال الله تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫حبونهم ك َحب الل ّه وال ّذين ءامنوا ْ أ َ‬ ‫َ‬
‫حّبا‬
‫ّ ُ‬ ‫د‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ َ ِ َ‬ ‫داًدا ي ُ ِ ّ َ ُ ْ ُ ّ‬ ‫ن الل ّهِ أن َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫خذ ُ ِ‬‫من ي َت ّ ِ‬‫س َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫فى{‬ ‫قّرُبوَنا إ َِلى الل ّهِ ُزل ْ َ‬ ‫م إ ِل ّ ل ِي ُ َ‬ ‫ما ن َعْب ُد ُهُ ْ‬ ‫ه{ الية ]البقرة‪ ،[165:‬وقالوا‪َ } :‬‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫هاَذا ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ب{ ]ص‪:‬‬ ‫جا ٌ‬ ‫ىء عُ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حدا ً إ ِ ّ‬ ‫ة الها ً وا ِ‬ ‫ل الل ِهَ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫الية ]الزمر‪ ،[3:‬وقالوا‪} :‬أ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذى‬ ‫د{ ]ق‪ ،[24:‬إلى قوله‪} :‬ال ِ‬ ‫فارٍ عَِني ٍ‬ ‫ل كَ ّ‬ ‫م كُ ّ‬‫جهَن ّ َ‬ ‫قَيا ِفى َ‬ ‫‪ ،[5‬وقال تعالى‪} :‬أل ْ ِ‬
‫قَياه ُ ِفى ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫د{ ]ق‪."[26:‬‬ ‫دي ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫خَر فَأل ْ ِ‬ ‫معَ الل ّهِ الها ً ءا َ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬
‫وقال المقريزي‪" :‬فالشرك في اللهية والعبادة هو الغالب على أهل الشراك‪،‬‬
‫وهو شرك عّباد الصنام‪ ،‬وعّباد الملئكة‪ ،‬وعّباد الجن‪ ،‬وعّباد المشايخ‬
‫والصالحين الحياء والموات‪ ،‬الذين قالوا‪ :‬إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله‬
‫ب‬‫زلفى‪ ،‬ويشفعوا لنا عنده‪ ،‬وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قر ٌ‬
‫وكرامة‪ ،‬كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم‬
‫أعوان الملك وأقاربه وخاصته‪ .‬والكتب اللهية كلها من أّولها إلى آخرها تبطل‬
‫ص على أنهم أعداء الله تعالى‪ ،‬وجميع‬ ‫هذا المذهب وترّده‪ ،‬وتقّبح أهله‪ ،‬وتن ّ‬
‫الرسل صلوات الله عليهم متفقون على ذلك من أّولهم إلى آخرهم‪ ،‬وما‬
‫أهلك الله تعالى من أهلك من المم إل بسبب هذا الشرك ومن أجله"‪.‬‬
‫أنواع الشرك في اللوهية‪:‬‬
‫أ‪ -‬شرك الدعوة‪:‬‬
‫م‬
‫جاهُ ْ‬ ‫ما ن َ ّ‬ ‫ن فَل َ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك د َعَوُا ْ الل ّ َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫قال تعالى‪} :‬فَإ َِذا َرك ُِبوا ْ ِفى ال ْ ُ‬
‫ن{ ]العنكبوت‪.[65:‬‬ ‫كو َ‬‫شرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫إ َِلى ال ْب َّر إ َِذا هُ ْ‬
‫قال ابن جرير‪" :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬فإذا ركب هؤلء المشركون السفينة في‬
‫ن{‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫البحر‪ ،‬فخافوا الغرق والهلك فيه }د َعَوُا ْ الل ّ َ‬
‫د‪ ،‬وأفردوا له الطاعة‪ ،‬وأذعنوا‬ ‫أخلصوا لله عند الشدة التي نزلت بهم التوحي َ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫له بالعبودة‪ ،‬ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم ولكن بالله الذي خلقهم‪} .‬فَل ّ‬
‫م إ َِلى ال ْب َّر{‪ ،‬يقول‪ :‬فلما خّلصهم مما كانوا فيه وسّلمهم فصاروا إلى البر‬ ‫جاهُ ْ‬ ‫نَ ّ‬
‫إذا هم يجعلون مع الله شريكا في عبادتهم‪ ،‬ويدعون اللهة والوثان معه‬ ‫ً‬
‫أربابًا"‪.‬‬
‫ت فَإ ِن ّ َ‬
‫ك‬ ‫ك فَِإن فَعَل ْ َ‬ ‫ضّر َ‬ ‫ك وَل َ ي َ ُ‬ ‫فعُ َ‬ ‫ما ل َ َين َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬وَل َ ت َد ْع ُ ِ‬
‫و{ ]يونس‪:‬‬ ‫ه إ ِل ّ هُ َ‬ ‫ف لَ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫كا ِ‬ ‫ضّر فَل َ َ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ‪ B‬وَِإن ي َ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬‫م َ‬ ‫إ ًِذا ّ‬
‫‪.[107 ،106‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قال ابن جرير‪" :‬ول تدع ـ يا محمد ـ من دون معبودك وخالقك شيئا ً ل ينفعك‬
‫في الدنيا ول في الخرة‪ ،‬ول يضرك في دين ول دنيا‪ ،‬يعني بذلك اللهة‬
‫والصنام‪ ،‬أي‪ :‬ل تعبدها راجيا ً نفعها أو خائفا ً ضرها‪ ،‬فإنها ل تنفع ول تضر‪،‬‬
‫ن{‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت{ ذلك فدعوَتها من دون الله }فَإ ِن ّ َ‬
‫ك إ ًِذا ّ‬ ‫}فَِإن فَعَل ْ َ‬
‫من المشركين بالله الظالمين أنفسهم"‪.‬‬
‫وقال سليمان آل الشيخ‪" :‬والية نص في أن دعاء غير الله والستغاثة به‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ وَِإن‬‫ف لَ ُ‬
‫ش َ‬‫كا ِ‬‫ضّر فَل َ َ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫س َ‬
‫س ْ‬
‫م َ‬
‫شرك أكبر‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬وَِإن ي َ ْ‬
‫ه{ ]يونس‪ ،[107:‬لنه المتفرد بالملك والقهر‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫خي ْرٍ فَل َ َراد ّ ل ِ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ي ُرِد ْ َ‬
‫ك بِ َ‬
‫والعطاء والمنع‪ ،‬ولزم ذلك إفراده بتوحيد اللهية لنهما متلزمان‪ ،‬وإفراده‬
‫بسؤال كشف الضر وجلب الخير‪ ،‬لنه ل يكشف الضر إل هو‪ ،‬ول يجلب الخير‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‬‫س َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ك فَل َ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ك ل ََها وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مةٍ فَل َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫من ّر ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ِللّنا ِ‬ ‫فت َِح الل ّ ُ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫إل هو‪ّ } ،‬‬
‫عى لذلك إل هو‪،‬‬ ‫م{ ]فاطر‪ ،[4:‬فتعّين أن ل يد َ‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫زيُز ال َ‬ ‫ْ‬
‫من ب َعْدِهِ وَهُوَ العَ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫من سواه ممن ل يملك لنفسه ضرا ً ول نفعا ً فضل ً عن غيره‪ ،‬وهذا‬ ‫وبطل دعاء َ‬
‫ضد ّ ما عليه عّباد القبور‪ ،‬فإنهم يعتقدون أن الولياء والطواغيت الذين‬
‫سون بالضر ويكشفونه‪ ،‬وأن لهم‬ ‫م ّ‬ ‫يسمونهم المجاذيب ينفعون ويضرون‪ ،‬وي َ‬
‫التصرف المطلق في الملك"‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬وم َ‬
‫ه إ ِلى ي َوْم ِ‬ ‫بل ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫من ل ّ ي َ ْ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫عو ِ‬ ‫من ي َد ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫كانوا ْ ل َه َ‬ ‫ُ‬
‫داء وَ َ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫نا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬
‫َِ‬ ‫و‬ ‫‪E‬‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫لو‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫غا‬ ‫م‬
‫ِ ْ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫عا‬
‫َ‬ ‫عن د ُ‬‫م َ‬ ‫مةِ وَهُ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ن{ ]الحقاف‪.[6 ،5:‬‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬حاصل كلم المفسرين أن الله تعالى حكم بأنه ل‬
‫من‬ ‫ل ممن يدعو من دون الله ل دعاء عبادة ول دعاء مسألة واستغاثة َ‬ ‫أض ّ‬
‫لل كّلهم أبلغ ضلل ً‬ ‫ض ّ‬ ‫هذه حاله‪ ،‬ومعنى الستفهام فيه إنكار أن يكون في ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ممن عبد غير الله ودعاه حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على‬
‫ل بغية ومرام‪ ،‬ويدعون من دونه من ل يستجيب لهم‪ ،‬ول قدرة به‬ ‫تحصيل ك ّ‬
‫على استجابة أحد منهم ما دام في الدنيا وإلى أن تقوم القيامة"‪.‬‬
‫وقد قّرر العلماء أن دعاء المسألة ودعاء العبادة متلزمان‪ ،‬قال سليمان آل‬
‫الشيخ‪" :‬واعلم أن الدعاء نوعان‪ :‬دعاء عبادة ودعاء مسألة‪ ،‬ويراد به في‬
‫القرآن هذا تارة‪ ،‬وهذا تارة‪ ،‬ويراد به مجموعهما‪ ،‬وهما متلزمان‪.‬‬
‫فدعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر‪،‬‬
‫فالمعبود ل بد أن يكون مالكا ً للنفع والضر‪ ،‬ولهذا أنكر الله تعالى على من‬
‫عبد من دونه ما ل يملك ضرا ً ول نفعا ً كقوله‪} :‬قُ ْ َ‬
‫ما ل َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ل أت َعْب ُ ُ‬
‫م{ ]المائدة‪ ،[76:‬وذلك كثير‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫فعا ً َوالل ّ ُ‬ ‫ضّرا ً وَل َ ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ل َك ُ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ً‬
‫في القرآن‪ ،‬فهو يدعي للنفع والضر دعاء المسألة‪ ،‬ويدعي خوفا ورجاء دعاء‬
‫العبادة‪ ،‬فعلم أن النوعين متلزمان‪ ،‬فكل دعاء عبادة مستلزم دعاء المسألة‪،‬‬
‫وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة‪ ،‬وهذا لو لم يرد في دعاء المسألة‬
‫بخصوصه من القرآن إل اليات التي ذكر فيها دعاء العبادة‪ ،‬فكيف وقد ذكر‬
‫ة{‬ ‫في َ ً‬‫خ ْ‬ ‫عا وَ ُ‬ ‫ضّر ً‬ ‫م تَ َ‬ ‫عوا ْ َرب ّك ُ ْ‬ ‫الله في القرآن في غير موضع‪ ،‬قال تعالى‪} :‬اد ْ ُ‬
‫معا{ ]السجدة‪[16:‬‬ ‫ً‬ ‫وفا ً وَط َ‬
‫َ‬ ‫خ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫]العراف‪ ،[55:‬وقال تعالى‪} :‬ي َد ْ ُ‬
‫وغير ذلك"‪.‬‬
‫عي الدعاء لغير الله فهو‬ ‫ً‬
‫وقد نص العلماء على أن من صرف شيئا من نو َ‬
‫مشرك‪.‬‬
‫كل عليهم يدعوهم‬ ‫قال ابن تيمية‪" :‬من جعل بينه وبين الله وسائط يتو ّ‬
‫ويسألهم كفر إجماعًا"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬ومن أنواعه ـ أي‪ :‬الشرك ـ طلب الحوائج من الموتى‪،‬‬
‫والستغاثة بهم‪ ،‬والتوجه إليهم‪ ،‬وهذا أصل شرك العالم"‪.‬‬
‫وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪" :‬ومن نوع هذا الشرك أن يعتقد النسان‬
‫في غير الله من نجم أو إنسان أو نبي أو صالح أو كاهن أو ساحر أو نبات أو‬
‫حيوان أو غير ذلك أنه يقدر بذاته على جلب منفعة من دعاه أو استغاث به‪ ،‬أو‬
‫دفع مضرة"‪.‬‬
‫وقال سليمان آل الشيخ‪" :‬فاعلم أن العلماء أجمعوا على أن من صرف شيئا ً‬
‫من نوعي الدعاء لغير الله فهو مشرك ولو قال‪ :‬ل إله إل الله محمد رسول‬
‫الله وصلى وصام؛ إذ شرط السلم مع التلفظ بالشهادتين أن ل يعبد إل الله‪،‬‬
‫فمن أتى بالشهادتين وعبد غير الله فما أتى بهما حقيقة وإن تلفظ بهما‪،‬‬
‫فظ بهما ل‬ ‫كاليهود الذين يقولون‪ :‬ل إله إل الله وهم مشركون‪ ،‬ومجّرد التل ّ‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يكفي في السلم بدون العمل بمعناهما واعتقاده إجماعًا"‪.‬‬


‫ب‪ -‬شرك النية والرادة والقصد‪:‬‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ريد ُ اْلحياةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ‬ ‫من َ‬
‫م ِفيَها وَهُ ْ‬
‫مالهُ ْ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫ف إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬‬
‫صن َُعوا ْ‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ة‬ ‫ر‬‫خ‬ ‫ال‬ ‫فى‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬‫ُ‬ ‫أ‬ ‫*‬ ‫ن‬ ‫ِفيَها ل َ ي ُب ْ َ‬
‫َ َ‬ ‫ّ ُ َ َ ِ‬ ‫ِ َ ِ ِ‬ ‫ِ َ ْ َ ُ ْ ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬
‫ن{ ]هود‪.[16 ،15:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل ّ‬‫ِفيَها وََباط ِ ٌ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫قال ابن عباس رضي الله عنهما‪) :‬من عمل صالحا ً التماس الدنيا‪ ،‬صوما ً أو‬
‫صلة أو تهجدا ً بالليل ل يعمله إل للتماس الدنيا‪ ،‬يقول الله‪ :‬أوّفيه الذي‬
‫س الدنيا‪،‬‬ ‫ما َ‬ ‫س في الدنيا من المثابة‪ ،‬وحبط عمله الذي كان يعمل الت َ‬ ‫م َ‬‫الت َ‬
‫وهو في الخرة من الخاسرين(‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬أما الشرك في الرادات والنّيات فذلك البحر الذي ل ساحل‬
‫ل من ينجو منه‪ ،‬من أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئا ً غير التقريب‬ ‫له وق ّ‬
‫إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته"‪.‬‬
‫ريد ُ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫َ‬
‫من كا َ‬ ‫وقد سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن معنى قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ف إل َيه َ‬
‫ن{ فأجاب‬ ‫سو َ‬‫خ ُ‬‫م ِفيَها ل َ ي ُب ْ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫م ِفيَها وَهُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬‫اْلحياةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ ِ ْ ِ ْ‬
‫بما ملخصه‪" :‬ذكر عن السلف من أهل العلم فيها أنواع مما يفعله الناس‬
‫اليوم ول يعرفون معناه‪ ،‬فمن ذلك العمل الصالح الذي يفعله كثير من الناس‬
‫ابتغاء وجه الله من صدقة وصلة وإحسان إلى الناس‪ ،‬وترك ظلم ونحو ذلك‬
‫مما يفعله النسان‪ ،‬أو يتركه خالصا ً لله لكنه ل يريد ثوابه في الخرة‪ ،‬إنما‬
‫يريد أن يجازيه الله بحفظ ماله وتنميته‪ ،‬أو حفظ أهله وعياله‪ ،‬أو إدامة النعم‬
‫مة له في طلب الجنة والهرب من النار‪ ،‬فهذا يعطى ثواب عمله‬ ‫عليهم‪ ،‬ول ه ّ‬
‫في الدنيا‪ ،‬وليس له في الخرة نصيب‪.‬‬
‫النوع الثاني وهو أكبر من الول وأخوف‪ :‬وهو أن يعمل أعمال ً صالحة ونيته‬
‫رياء الناس ل طلب ثواب الخرة‪.‬‬
‫ل يأخذه‬ ‫النوع الثالث‪ :‬أن يعمل أعمال ً صالحة يقصد به مال‪ ،‬مثل أن يحج لما ٍ‬
‫ً‬
‫ل لله‪ ،‬أو يهاجر لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها‪ ،‬أو يجاهد لجل المغنم‪ ،‬فقد‬
‫ذكر أيضا ً هذا النوع في تفسير هذه الية‪ ،‬وهؤلء أعقل من الذين قبلهم؛ لنهم‬
‫عملوا لمصلحة يحصلونها‪ ،‬والذين قبلهم عملوا من أجل المدح والجللة في‬
‫أعين الناس‪ ،‬ول يحصل لهم طائل‪ ،‬والنوع الول أعقل من هؤلء‪ ،‬لنهم عملوا‬
‫لله وحده ل شريك له‪ ،‬لكن لم يطلبوا منه الخير الكثير الدائم وهو الجنة‪ ،‬ولم‬
‫يهربوا من الشر العظيم وهو النار‪.‬‬
‫النوع الرابع‪ :‬أن يعمل بطاعة الله مخلصا ً في ذلك لله وحده ل شريك له لكنه‬
‫فره كفرا ً يخرجه عن السلم‪ ،‬مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا‬ ‫على عمل يك ّ‬
‫الله أو تصدقوا أو صاموا ابتغاء وجه الله والدار الخرة‪ ،‬ومثل كثير من هذه‬
‫المة الذين فيهم كفر أو شرك أكبر يخرجهم من السلم بالكلية إذا أطاعوا‬
‫الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الخرة‪ ،‬لكنهم على أعمال‬
‫تخرجهم من السلم وتمنع قبول أعمالهم‪.‬‬
‫بقي أن يقال‪ :‬إذا عمل الرجل الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج‬
‫ابتغاء وجه الله طالبا ً ثواب الخرة‪ ،‬ثم بعد ذلك عمل أعمال ً قاصدا ً بها الدنيا‪،‬‬
‫مثل أن يحج فرضه لله‪ ،‬ثم يحج بعده لهل الدنيا‪ ،‬فهو لما غلب عليه منهما"‪.‬‬
‫تنبيه هام‪:‬‬
‫مما ينبغي التأكيد عليه هنا أنه ل بد من التفريق بين شرك الرادة المستوجب‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للشرك الكبر والخلود في النار‪ ،‬وبين الشرك الصغر المستوجب لحبوط‬


‫العمل وإن لم يكن مخرجا ً من الملة‪.‬‬
‫والضابط الفارق في ذلك هو النظر إلى النية والباعث على العمل‪ ،‬فمن كان‬
‫عمله اتباعا ً للهوى مطلقا ً وإرادة الدنيا أصل ً كان مشركا ً شركا ً أكبر‪ ،‬ومن كان‬
‫الباعث له على العمل حب الله وابتغاء رضوانه والدار الخرة لكن دخل مع‬
‫ذلك حب الجاه أو نحو ذلك من أسباب الرياء كان مشركا ً شركا ً أصغر‪.‬‬
‫ج‪ -‬شرك الطاعة‪:‬‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خ ُ‬
‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬‫ح اب ْ َ‬‫سي َ‬‫م ِ‬
‫ن اللهِ َوال َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫م أْرَبابا ّ‬ ‫م وَُرهَْبان َهُ ْ‬ ‫حَباَرهُ ْ‬‫ذوا أ ْ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ات ّ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن{ ]التوبة‪:‬‬ ‫كو َ‬‫شرِ ُ‬‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬‫حدا ل ّ اله إ ِل ّ هُوَ ُ‬ ‫دوا الها وا ِ‬ ‫مُروا ْ إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫ما أ ِ‬‫وَ َ‬
‫‪.[31‬‬
‫قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪" :‬وتفسيرها الذي ل إشكال فيه هو طاعة‬
‫سرها رسول‬ ‫العلماء والعباد في معصية الله سبحانه‪ ،‬ل دعاؤهم إياهم‪ ،‬كما ف ّ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم لما سأله فقال‪ :‬لسنا نعبدهم! فذكر‬
‫له أن عبادتهم طاعتهم في المعصية"‪.‬‬
‫عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال‪ :‬أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي‬
‫دي‪ ،‬اطرح عنك هذا الوثن((‪ ،‬وسمعته‬ ‫عنقي صليب من ذهب فقال‪)) :‬يا ع ّ‬
‫ه{‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ن الل ِّ‬ ‫دو‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫باب‬ ‫ر‬ ‫ذوا ْ أ َحبارهُم ورهْبانهم أ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫يقرأ في سورة براءة‪} :‬ات ّ َ‬
‫ُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ ْ َ‬
‫))أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم‪ ،‬ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا ً استحلوه‪ ،‬وإذا‬
‫حرموا عليهم شيئا ً حرموه((‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬وهؤلء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً حيث أطاعوهم‬
‫ل الله يكونون على وجهين‪:‬‬ ‫في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أح ّ‬
‫دلوا دين الله فيّتبعونهم على التبديل‪ ،‬فيعتقدون‬ ‫أحدهما‪ :‬أن يعلموا أنهم ب ّ‬
‫ً‬
‫تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعا لرؤساهم‪ ،‬مع علمهم أنهم‬
‫خالفوا دين الرسل‪ ،‬فهذا كفر وقد جعله الله ورسوله شركا ً وإن لم يكونوا‬
‫يصّلون لهم ويسجدون لهم‪ ،‬فكان من اتبع غيره في خلف الدين مع علمه أنه‬
‫خلف الدين واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركا ً مثل‬
‫هؤلء‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫والثاني‪ :‬أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلل وتحليل الحرام ثابتًا‪،‬‬
‫لكنهم أطاعوهم في معصية الله‪ ،‬كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي‬
‫التي يعتقد أنها معاص‪ ،‬فهؤلء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب‪ ،‬كما ثبت‬
‫في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪)) :‬إنما الطاعة في‬
‫المعروف((‪ ،‬وقال‪)) :‬على المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم‬
‫يؤمر بمعصية((" ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫وقال ابن تيمية أيضا‪" :‬ثم ذلك المحّرم للحلل والمحلل للحرام إن كان‬
‫ده ابتاع الرسول لكن خفي عليه الحق في نفس المر‪ ،‬وقد اتقى‬ ‫مجتهدا ً قص ُ‬
‫الله ما استطاع‪ ،‬فهذا ل يؤاخذه الله بخطئه‪ ،‬بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع‬
‫به ربه‪ ،‬ولكن من علم أن هذا خطأ فيما جاء به الرسول ثم اتبعه على خطئه‬
‫مه الله‪ ،‬ل‬ ‫وعدل عن قول الرسول فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذ ّ‬
‫سيما إن اّتبع في ذلك هواه ونصره باللسان واليد‪ ،‬مع علمه بأنه مخالف‬
‫للرسول‪ ،‬فهذا شرك يستحقّ صاحبه العقوبة عليه"‪.‬‬
‫وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بيان فوائد حديث عدي رضي الله‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عنه‪" :‬وفيه تغّير الحوال إلى هذه الغاية صار عند الكثر عبادة الرهبان هي‬
‫أفضل العمال‪ ،‬ويسمونها الولية‪ ،‬وعبادة الحبار هي العلم والفقه"‪.‬‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬يشير إلى ما يعتقده كثير من الناس فيمن ينتسب‬
‫إلى الولية من الضر والنفع والعطاء والمنع‪ ،‬ويسمون ذلك الولية والسر‪،‬‬
‫ونحو ذلك وهو الشرك‪.‬‬
‫مى اليوم العلم‬ ‫وقوله‪ :‬وعبادة الحبار هي العلم والفقه‪ ،‬أي‪ :‬هي التي تس ّ‬
‫والفقه المؤّلف على مذاهب الئمة ونحوهم‪ ،‬فيطيعونهم في كل ما يطيعونك‪،‬‬
‫سواء وافق حكم الله أم خالفه‪ ،‬بل ل يعبؤون بما خالف ذلك من كتاب وسنة‪،‬‬
‫بل يردون كلم الله وكلم رسوله لقوال من قّلدوه‪ ،‬ويصّرحون بأنه ل يح ّ‬
‫ل‬
‫العمل بكتاب ول سنة‪ ،‬وأنه ل يجوز تلقي العلم والهدى منهما‪ ،‬وإنما الفقه‬
‫م رمي‬ ‫والهدى عندهم هو ما وجدوه في هذه الكتب‪ ،‬بل أعظم من ذلك وأط ّ‬
‫كثير منهم كلم الله وكلم رسوله بأنه ل يفيد العلم ول اليقين في باب معرفة‬
‫مون ما وضعه‬ ‫مونها ظواهر لفظية‪ ،‬ويس ّ‬ ‫أسماء الله وصفاته وتوحيده‪ ،‬ويس ّ‬
‫دمونها في باب السماء‬ ‫الفلسفة المشركون القواطع العقلية‪ ،‬ثم يق ّ‬
‫والصفات والتوحيد على ما جاء من عند الله‪ ،‬ثم يرمون من خرج عن عبادة‬
‫الحبار والرهبان إلى طاعة رب العالمين وطاعة رسوله وتحكيم ما أنزل الله‬
‫في موارد النزاع بالبدعة أو الكفر"‪.‬‬
‫د‪ -‬شرك المحبة‪:‬‬
‫َ‬
‫ب الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ح ّ‬ ‫م كَ ُ‬ ‫حّبون َهُ ْ‬ ‫داًدا ي ُ ِ‬ ‫ن الل ّهِ أن َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫خذ ُ ِ‬‫من ي َت ّ ِ‬ ‫س َ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ن ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫مُنوا ْ أ َ َ‬
‫قوّةَ‬ ‫بأ ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫موا ْ إ ِذ ْ ي ََروْ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫حّبا ل ِل ّهِ وَل َوْ ي ََرى ال ّ ِ‬ ‫شد ّ ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫ن ات ّب َُعوا ْ وََرأ َوُا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ن ات ّب ُِعوا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب * إ ِذ ْ ت َب َّرأ ال ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ العَ َ‬‫ش ِ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬
‫َ‬
‫ميًعا وَأ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل ِل ّهِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ل ََنا ك َّرة ً فَن َت َب َّرأ ِ‬ ‫ن ات ّب َُعوا ْ ل َوْ أ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ب * وََقا َ‬ ‫سَبا ُ‬ ‫م ال ْ‬ ‫ت ب ِهِ ُ‬ ‫قط ّعَ ْ‬ ‫ب وَت َ َ‬‫ذا َ‬‫ال ْعَ َ‬
‫ك يريهم الل ّ َ‬
‫ن‬
‫جي َ‬ ‫خارِ ِ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫سرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫مال َهُ ْ‬‫ه أعْ َ‬ ‫ُ‬ ‫كذال ِ َ ُ ِ ِ ُ‬ ‫مّنا َ‬ ‫ما ت َب َّرءوا ْ ِ‬ ‫كَ َ‬
‫ن الّناِر{ ]البقرة‪.[167-165:‬‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫قال ابن زيد‪" :‬هؤلء المشركون‪ ،‬أندادهم آلهتهم التي عبدوا مع الله‪ ،‬يحبونهم‬
‫كما يحب الذين آمنوا الله‪ ،‬والذين آمنوا أشد حبا ً لله من حبهم هم للهتهم"‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬منزلة المحبة‪ :‬وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون‪،‬‬
‫مر السابقون‪ ،‬وعليها تفانى المحبون‪،‬‬ ‫وإليها شخص العاملون‪ ،‬وإلى عَلمها ش ّ‬
‫وبروح نسيمها ترّوح العابدون‪ ،‬فهي قوت القلوب‪ ،‬وغذاء الرواح‪ ،‬وقرة‬
‫رمها فهو من جملة الموات‪ ،‬والنور الذي من‬ ‫العيون‪ ،‬وهي الحياة التي من ح ِ‬
‫دمه حّلت بقلبه جميع‬ ‫فقده فهو في بحار الظلمات‪ ،‬والشفاء الذي من ع ِ‬
‫السقام‪ ،‬واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلم‪ ،‬وهي روح‬
‫اليمان والعمال‪ ،‬والمقامات والحوال‪ ،‬التي متى خلت منها فهي كالجسد‬
‫الذي ل روح فيه" إلى آخر كلمه‪.‬‬
‫وقال سليمان آل الشيخ‪" :‬واعلم أن المحبة قسمان‪ :‬مشتركة وخاصة‪.‬‬
‫فالمشتركة ثلثة أنواع‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬محبة طبيعية‪ ،‬كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء ونحو ذلك‪ ،‬وهذه‬
‫ل تستلزم التعظيم‪.‬‬
‫ً‬
‫الثاني‪ :‬محبة رحمة وإشفاق‪ ،‬كمحبة الوالد لولده الطفل‪ ،‬وهذه أيضا ل‬
‫تستلزم التعظيم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬محبة أنس وإلف‪ ،‬وهي محبة المشتركين في صناعة أو علم أو‬
‫مرافقة أو تجارة أو سفر لبعضهم بعضًا‪ ،‬وكمحبة الخوة بعضهم بعضًا‪.‬‬
‫فهذه النواع الثلثة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض‪ ،‬ووجودها فيهم ل‬
‫يكون شركا ً في محبة الله‪ ،‬ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب أصحابه‪،‬‬
‫الحلواء والعسل‪ ،‬وكان يحب نساءه‪ ،‬وعائشة أحّبهن إليه‪ ،‬وكان يح ّ‬
‫وأحّبهم إليه الصديق رضي الله عنه‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ب العبد بها غيره‬ ‫القسم الثاني‪ :‬المحبة الخاصة التي ل تصلح إل لله‪ ،‬ومتى أح ّ‬
‫كان شركا ً ل يغفره الله‪ ،‬وهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع‬
‫والتعظيم وكمال الطاعة وإيثاره على غيره‪ ،‬فهذه المحبة ل يجوز تعلقها بغير‬
‫وى المشركون بين الله تعالى وبين آلهتهم فيها"‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬وهي التي س ّ‬ ‫الله أص ً‬
‫هـ‪ -‬شرك الخوف‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِإن‬ ‫خاُفو ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خاُفوهُ ْ‬ ‫ف أوْل َِياءه ُ فَل َ ت َ َ‬ ‫خو ّ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ما ذال ِك ُ ُ‬ ‫قال تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن{ ]آل عمران‪.[175:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ّ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫وف المؤمنين بالكفار"‪.‬‬ ‫قال مجاهد‪" :‬يخ ّ‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬الخوف على ثلثة أقسام‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬خوف الشر‪ ،‬وهو أن يخاف من غير الله أن يصيبه بما يشاء‪ ،‬من‬
‫مرض أو فقر أو قتل ونحو ذلك‪ ،‬بقدرته ومشيئته‪ ،‬سواء اّدعى أن ذلك كرامة‬
‫للمخوف بالشفاعة‪ ،‬أو على سبيل الستقلل‪ ،‬فهذا الخوف ل يجوز تعلقه بغير‬
‫ل‪ ،‬لن هذا من لوازم اللهية‪ ،‬فمن اتخذ مع الله ندا ً يخافه هذا الخوف‬ ‫الله أص ً‬
‫فهو مشرك‪.‬‬
‫ون‬ ‫وهذا هو الذي كان المشركون يعتقدونه في أصنامهم وآلهتهم‪ ،‬ولهذا يخوف ّ‬
‫به أولياء الرحمن‪ ،‬وهذا القسم هو الواقع اليوم من عّباد القبور‪ ،‬فإنهم‬
‫جهت‬ ‫د‪ ،‬ولهذا إذا تو ّ‬ ‫يخافون الصالحين‪ ،‬بل الطواغيت‪ ،‬كما يخافون الله بل أش ّ‬
‫على أحدهم اليمين بالله أعطاك ما شئت من اليمان كاذبا ً أو صادقا‪ ،‬فإن‬
‫ً‬
‫كان اليمين بصاحب التربة لم ُيقدم على اليمين إن كان كاذبًا‪ ،‬وما ذاك إل لن‬
‫ن هذا ما بلغ إليه شرك‬ ‫المدفون في التراب أخوف عنده من الله‪ ،‬ول ريب أ ّ‬
‫الولين‪ ،‬بل جهد أيمانهم اليمين بالله تعالى‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يترك النسان ما يجب عليه من الجهاد والمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر بغير عذر إل الخوف من الناس‪ ،‬فهذا محرم‪.‬‬
‫عد به العصاة‪ ،‬وهو الذي قال الله فيه‪} :‬ذال ِكَ‬ ‫الثالث‪ :‬خوف وعيد الله الذي تو ّ‬
‫ه‬
‫م َرب ّ ِ‬ ‫قا َ‬‫م َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫د{ ]إبراهيم‪ ،[14:‬وقال‪} :‬وَل ِ َ‬ ‫عي ِ‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا َ‬ ‫مى وَ َ‬ ‫قا ِ‬‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫ن{ ]الرحمن‪ ،[46:‬وهذا الخوف من أعلى مراتب اليمان‪ ،‬وإنما يكون‬ ‫جن َّتا ِ‬ ‫َ‬
‫محمودا ً إذا لم يوقع في القنوط واليأس من َروح الله‪.‬‬
‫بقي قسم رابع‪ :‬وهو الخوف الطبيعي‪ ،‬كالخوف من عدو وسبع وهدم وغرق‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬فهذا ل يذم‪ ،‬وهو الذي ذكره الله عن موسى عليه الصلة والسلم‬
‫ب{ ]القصص‪."[21:‬‬ ‫خاِئفا ً ي َت ََرقّ ُ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫في قوله‪} :‬فَ َ‬
‫و‪ -‬الشرك في التوكل‪:‬‬
‫ن{ ]المائدة‪.[23:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَعََلى الل ّهِ فَت َوَك ّلوا ِإن ُ‬
‫كنُتم ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬وفي الية دليل على أن التوكل على الله عبادة‪،‬‬
‫وعلى أنه فرض‪ ،‬وإذا كان كذلك فصرفه لغير الله شرك"‪.‬‬
‫م وَإ َِذا ت ُل ِي َ ْ‬
‫ت‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫ه وَ ِ‬‫ن إ َِذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن{ ]النفال‪.[2:‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م ي َت َوَكلو َ‬ ‫َ‬
‫مانا وَعَلى َرب ّهِ ْ‬ ‫ً‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ه َزاد َت ْهُ ْ‬ ‫م ءاَيات ُ ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬ل يرجون سواه‪ ،‬ول يقصدون إل إياه‪ ،‬ول يلوذون إل‬
‫بجنابه‪ ،‬ول يطلبون الحوائج إل منه‪ ،‬ول يرغبون إل إليه‪ ،‬ويعلمون أنه ما شاء‬
‫كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وأنه المتصرف في الملك وحده ل شريك له‪ ،‬ول‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معقب لحكمه وهو سريع الحساب‪ ،‬ولهذا قال سعيد بن المسيب‪ :‬التوكل‬
‫على الله جماع اليمان"‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬التوكل نصف الدين‪ ،‬والنصف الثاني النابة‪ ،‬فإن الدين‬
‫استعانة وعبادة‪ ،‬فالتوكل هو الستعانة‪ ،‬والنابة هي العبادة‪ ،‬ومنزلته أوسع‬
‫المنازل وأجمعها‪ ،‬ول تزال معمورة بالنازلين‪ ،‬لسعة متعلق التوكل‪ ،‬وكثرة‬
‫حوائج العالمين‪ ،‬وعموم التوكل‪ ،‬ووقوعه من المؤمنين والكفار والبرار‬
‫والفجار والطير والوحش والبهائم"‪.‬‬
‫وأما التوكل على غير الله فهو قسمان‪.‬‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬أحدهما‪ :‬التوكل في المور التي ل يقدر عليها إل‬
‫الله‪ ،‬كالذين يتوكلون على الموات والطواغيت في رجاء مطالبهم من النصر‬
‫والحفظ والرزق والشفاعة‪ ،‬فهذا شرك أكبر‪ ،‬فإن هذه المور ونحوها ل يقدر‬
‫عليها إل الله تبارك وتعالى‪.‬‬
‫ّ‬
‫والثاني‪ :‬التوكل في السباب الظاهرة العادية‪ ،‬كمن يتوكل على أمير أو‬
‫سلطان‪ ،‬فيما جعله الله بيده من الرزق أو دفع الذى ونحو ذلك‪ ،‬فهذا شرك‬
‫خفي‪.‬‬
‫والوكالة الجائزة هي توكيل النسان في فعل مقدور عليه‪ ،‬ولكن ليس له أن‬
‫كل على الله‪ ،‬ويعتمد عليه في تيسير ما وكله‬ ‫كله‪ ،‬بل يتو ّ‬
‫يتوكل عليه وإن و ّ‬
‫فيه"‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬الشرك الصغر‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريفه‪:‬‬
‫سل بها إلى الشرك‬ ‫قال ابن سعدي‪" :‬هو جميع القوال والفعال التي يتو ّ‬
‫كالغلو في المخلوق الذي ل يبلغ رتبة العبادة‪ ،‬كالحلف بغير الله ويسير الرياء‬
‫ونحو ذلك"‪.‬‬
‫ل وسيلة وذريعة يتطّرق بها إلى الشرك الكبر"‪.‬‬ ‫وقال السلمان‪" :‬هو ك ّ‬
‫وعرفه بعضهم بأنه تسوية غير الله بالله في هيئة العمل أو أقوال اللسان‪،‬‬
‫فالشرك في هيئة العمل هو الرياء‪ ،‬والشرك في أقوال اللسان هو اللفاظ‬
‫التي فيها معنى التسوية بين الله وغيره‪ ،‬كقوله‪ :‬ما شاء الله وشئت‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫اللهم اغفر لي إن شئت‪ ،‬وقوله‪ :‬عبد الحارث‪ ،‬ونحو ذلك"‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫واختار البعض أنه ل يعرف بل يذكر بالمثلة‪ ،‬لن تعريفه غير منضبط لكثرة‬
‫أفراده وتنوعه‪ ،‬وذلك كما صنع ابن القيم‪.‬‬
‫‪ -2‬مصدر تسميته بالشرك الصغر‪:‬‬
‫جاء في بعض النصوص الشرعية تسمية هذا النوع من الشرك بالشرك‬
‫الصغر‪.‬‬
‫فعن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪)) :‬إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الصغر((‪ ،‬قالوا‪ :‬وما الشرك‬
‫الصغر يا رسول الله؟ قال‪)) :‬الرياء‪ ،‬يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا‬
‫جزى الناس بأعمالهم‪ :‬اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا‪ ،‬فانظروا هل‬
‫تجدون عندهم جزاء((‪.‬‬
‫وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال‪ :‬كنا نعد ّ على عهد رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أن الرياء الشرك الصغر‪.‬‬
‫‪ -3‬أنواعه‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للشرك الصغر أنواع كثيرة‪ ،‬ويمكن حصرها فيما يأتي‪:‬‬


‫أ‪ -‬قولي‪ :‬وهو ما كان باللسان‪ ،‬ويدخل فيه ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬الحلف بغير الله تعالى‪:‬‬
‫عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجل ً يقول‪ :‬ل والكعبة‪ ،‬فقال ابن‬
‫عمر‪ :‬ل ُيحلف بغير الله‪ ،‬فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول‪)) :‬من حلف بغير فقد كفر أو أشرك((‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬والحلف بالمخلوقات حرام عند الجمهور‪ ،‬وهو مذهب أبي‬
‫حنيفة وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد‪ ،‬وقد حكي إجماع الصحابة‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هي مكروهة كراهة تنزيه‪ ،‬والول أصح‪ ،‬حتى قال عبد الله بن مسعود‬
‫ي من‬ ‫ب إل ّ‬‫ف بالله كاذبا ً أح ّ‬ ‫وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر‪) :‬لن أحل َ‬
‫أن أحلف بغير الله صادقًا(‪ ،‬وذلك لن الحلف بغير الله شرك‪ ،‬والشرك أعظم‬
‫من الكذب"‪.‬‬
‫وقال سليمان آل الشيخ‪" :‬قوله‪)) :‬فقد كفر أو أشرك(( أخذ به طائفة من‬
‫العلماء فقالوا‪ :‬يكفر من حلف بغير الله كفَر شرك‪ ،‬قالوا‪ :‬ولهذا أمره النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بتجديد إسلمه بقول‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬فلول أنه كفٌر ينقل‬
‫عن الملة لم يؤمر بذلك‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬ل يكفر كفرا ً ينقل عن الملة‪ ،‬لكنه من الشرك الصغر‪ ،‬كما‬
‫ص على ذلك ابن عباس وغيره‪ ،‬وأما كونه أمر من حلف باللت والعزى أن‬ ‫ن ّ‬
‫ن هذا كفارة له مع استغفاره‪ ،‬كما قال في الحديث‬ ‫يقول‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬فل ّ‬
‫الصحيح‪)) :‬ومن حلف فقال في حلفه‪ :‬واللت والعزى‪ ،‬فليقل‪ :‬ل إله إل‬
‫الله((‪ ،‬وفي رواية ))فليستغفر((‪ ،‬فهذا كفارة له في كونه تعاطى صورةَ‬
‫در ذلك فهو تجديد‬ ‫تعظيم الصنم‪ ،‬حيث حلف به‪ ،‬ل أنه لتجديد إسلمه‪ ،‬ولو قُ ّ‬
‫لسلمه لنقصه بذلك ل لكفره‪ ،‬لكن الذي يفعله عّباد القبور إذا طلبت من‬
‫أحدهم اليمين بالله أعطاك ما شئت من اليمان صادقا ً أو كاذبًا‪ ،‬فإذا طلبت‬
‫دم على اليمين به إن‬ ‫منه اليمين بالشيخ أو تربته أو حياته ونحو ذلك لم يق ِ‬
‫كان كاذبًا‪ ،‬فهذا شرك أكبر بل ريب‪ ،‬لن المحلوف به عنده أخوف وأج ّ‬
‫ل‬
‫وأعظم من الله‪ ،‬وهذا ما بلغ إليه شرك عّباد الصنام‪ ،‬لن جهد اليمين عندهم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ه َ‬‫ث الل ّ ُ‬ ‫م ل َ ي َب ْعَ ُ‬
‫مان ِهِ ْ‬
‫جهْد َ أي ْ َ‬‫موا ْ ِبالل ّهِ َ‬ ‫هو الحلف بالله كما قال تعالى‪} :‬وَأقْ َ‬
‫س ُ‬
‫ت{ ]النحل‪."[38:‬‬ ‫مو ُ‬‫يَ ُ‬
‫‪ -2‬قول‪" :‬ما شاء الله وشئت"‪:‬‬
‫عن ُقتيلة امرأة من جهينة أن يهوديا ً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫ددون وإنكم تشركون‪ ،‬تقولون‪ :‬ما شاء الله وشئت‪ ،‬وتقولون‪ :‬والكعبة‪،‬‬ ‫إنكم تن ّ‬
‫فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا‪ :‬ورب‬
‫الكعبة‪ ،‬ويقول أحدهم‪ :‬ما شاء الله ثم شئت‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬إذا حلف أحدكم فل يقل‪ :‬ما شاء الله وشئت‪ ،‬ولكن ليقل‪ :‬ما شاء‬
‫الله ثم شئت((‪.‬‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪ :‬قوله‪) :‬إنكم تشركون‪ ،‬تقولون‪ :‬ما شاء الله وشئت(‬
‫هذا نص في أن هذا اللفظ من الشرك‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم أقّر‬
‫اليهودي على تسمية هذا اللفظ تنديدا ً أو شركًا‪ ،‬ونهى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عن ذلك‪ ،‬وأرشد إلى استعمال اللفظ البعيد من الشرك‪ ،‬وقول‪ :‬ما‬
‫شاء الله ثم شئت‪ ،‬وإن كان الولى قول‪ :‬ما شاء الله وحده كما يدل عليه‬
‫حديث ابن عباس وغيره‪ .‬وعلى النهي عن قول‪) :‬ما شاء الله وشئت( جمهور‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلماء"‪.‬‬
‫وقال أيضا‪" :‬وفي الحديث من الفوائد‪ :‬معرفة اليهود بالشرك الصغر‪ ،‬وكثير‬ ‫ً‬
‫ممن يدعي السلم ل يعرف الشرك الكبر‪ ...‬وأن الحلف بغير الله من‬
‫الشرك الصغر ل يمرق به النسان من السلم"‪.‬‬
‫‪ -3‬الستسقاء بالنواء‪:‬‬
‫َ‬
‫ن{ ]المعارج‪.[82:‬‬‫م ت ُك َذ ُّبو َ‬
‫م أن ّك ُ ْ‬ ‫جعَُلو َ‬
‫ن رِْزقَك ُ ْ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَت َ ْ‬
‫قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪) :‬شكركم‪ ،‬تقولون‪ :‬مطرنا بنوء كذا‬
‫وكذا‪ ،‬وبنجم كذا وكذا(‪.‬‬
‫مطر قوم قط إل أصبح بعضهم كافرا ً‬ ‫وقال ابن عباس رضي الله عنهما‪) :‬ما ُ‬
‫مطرنا بنوء كذا وكذا(‪.‬‬ ‫يقولون‪ُ :‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال‪ :‬صلى بنا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم صلة الصبح بالحديبية في إثر السماء كانت من الليل‪ ،‬فلما‬
‫انصرف أقبل على الناس فقال‪)) :‬هل تدرون ماذا قال ربكم؟((‪ ،‬قالوا‪ :‬الله‬
‫ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪)) :‬قال‪ :‬أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر‪ ،‬فأما من قال‪:‬‬
‫مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب‪ ،‬وأما من قال‪:‬‬
‫مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب((‪.‬‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬والمراد بالكفر هنا هو الصغر بنسبة ذلك إلى غير‬
‫الله وكفران نعمته‪ ،‬وإن كان يعتقد أن الله تعالى هو الخالق للمطر المنزل‬
‫له بدليل قوله في الحديث‪)) :‬فأما من قال‪ :‬مطرنا بفضل الله ورحمته(( الخ‪،‬‬
‫فلو كان المراد هو الكبر لقال‪ :‬أنزل علينا المطر نوء كذا‪ ،‬فأتى بباب السببية‬
‫ليدل على أنهم نسبوا وجود المطر إلى ما اعتقدوه سببًا"‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ‪" :‬فإذا قال قائلهم‪ :‬مطرنا بنجم كذا أو‬
‫بنوء كذا فل يخلو إما أن يعتقد أن له تأثيرا ً في إنزال المطر فهذا شرك‬
‫وكفر‪ ،‬وهو الذي يعتقده أهل الجاهلية‪ ،‬كاعتقادهم أن دعاء الميت والغائب‬
‫يجلب لهم نفعا ً أو يدفع عنهم ضرًا‪ ،‬وأنه يشفع بدعائهم إياه‪ ،‬فهذا هو الشرك‬
‫الذي بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه وقتال من فعله‪ .‬وإما‬
‫ل‪ ،‬لكن مع اعتقاده أن المؤثر هو الله وحده‪ ،‬لكنه‬ ‫أن يقول‪ :‬مطرنا بنوء كذا مث ً‬
‫أجرى العادة بوجود المطر عند سقوط ذلك النجم‪ ،‬والصحيح‪ :‬أنه يحرم نسبة‬
‫ذلك إلى النجم ولو على طريق المجاز‪ ،‬فقد صرح ابن مفلح وجزم في‬
‫النصاف بتحريمه ولو على طريق المجاز‪ ،‬وذلك أن القائل لذلك نسب ما هو‬
‫خر ل ينفع ول يضر‪،‬‬ ‫من فعل الله تعالى الذي ل يقدر عليه غيره إلى خلق مس ّ‬
‫ول قدرة له على شيء‪ ،‬فيكون ذلك شركا ً أصغر‪ ،‬والله أعلم"‪.‬‬
‫ب‪ -‬فعلي‪ :‬وهو ما كان بأعمال الجوارح‪ ،‬ويدخل فيه ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬التطير‪:‬‬
‫قال ابن الثير‪" :‬الطَيرة بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن‪ :‬هي التشاؤم‬
‫بالشيء‪ .‬وهي مصدر تطّير‪ ،‬وأصله فيما يقال‪ :‬التطير بالسوانح والبوارح من‬
‫الطير والظباء وغيرهما‪ ،‬وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم‪ ،‬فنفاه الشرع‬
‫وأبطله ونهى عنه‪ ،‬وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر"‪.‬‬
‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬الطيرة شرك‪ ،‬وما منا إل ولكن الله يذهبه بالتوكل((‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬وأما الطيرة بأن يكون قد فعل أمرا ً متوك ّل ً على الله أو يعزم‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه‪ ،‬فيسمع كلمة مكروهة‪ :‬مثل ما يتم‪ ،‬أو ما يفلح‪ ،‬ونحو ذلك فيتطّير‬
‫ويترك المر‪ ،‬فهذا منهي عنه"‪.‬‬
‫وقال سليمان آل الشيخ‪" :‬قوله‪)) :‬الطيرة شرك(( صريح في تحريم الطيرة‪،‬‬
‫وأنها من الشرك لما فيها من تعّلق القلب على غير الله"‪.‬‬
‫وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪)) :‬من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك((‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬
‫ما كفارة ذلك؟ قال‪)) :‬أن يقول أحدهم‪ :‬اللهم ل خير إل خيرك‪ ،‬ول طير إل‬
‫طيرك‪ ،‬ول إله غيرك((‪.‬‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬قوله‪)) :‬من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك((‬
‫وذلك أن التطير هو التشاؤم بالشيء المرئي أو المسموع‪ ،‬فإذا استعملها‬
‫ما عزم عليه‪ ،‬فقد قرع باب الشرك‬ ‫النسان فرجع بها عن سفره وامتنع بها ع ّ‬
‫بل ولجه وبرئ من التوكل على الله‪ ،‬وفتح على نفسه باب الخوف والتعلق‬
‫ن{ فيصير قلبه‬ ‫ست َِعي ُ‬ ‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫بغير الله‪ ،‬وذلك قاطع له عن مقام }إ ِّيا َ‬
‫متعلقا ً بغير الله‪ ،‬وذلك شرك‪ ،‬فيفسد عليه إيمانه‪ ،‬ويبقى هدًفا لسهام‬
‫الطيرة‪ ،‬ويقّيض له الشيطان من ذلك ما يفسد عليه دينه ودنياه‪ ،‬وكم ممن‬
‫هلك بذلك وخسر الدنيا والخرة"‪.‬‬
‫‪ -2‬إتيان الكهان والعرافين وتصديقهم‪:‬‬
‫عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪)) :‬من أتى عّرافا ً فسأله عن شيء لم تقبل له صلة أربعين ليلة((‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬من‬
‫أتى كاهنا ً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم((‪.‬‬
‫دعي مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن‬ ‫قال الخطابي‪" :‬الكاهن هو الذي ي ّ‬
‫مى عرافا‪ ،‬وهو الذي يزعم أنه يعرف المور‬ ‫ً‬ ‫الكوائن‪ ...‬وكان منهم من يس ّ‬
‫بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها‪ ،‬كالشيء ُيسرق فيعرف المظنون‬
‫به السرقة"‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ‪ " :‬وأكثر ما يقع في هذه المة ما يخبر‬
‫به الجن أولياءهم من النس عن الشياء الغائبة بما يقع في الرض من‬
‫الخبار فيظنه الجاهل كشفا ً وكرامة‪ ،‬وقد اغتّر بذلك كثير من الناس‪ ،‬يظنون‬
‫المخِبر لهم بذلك عن الجن وليا ً لله‪ ،‬وهو من أولياء الشيطان"‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ن هذا الوعيد مرّتب على‬‫قال الشيخ سليمان آل الشيخ‪" :‬وظاهر الحديث أ ّ‬


‫ك في خبره‪ ،‬لن إتيان الكهان منهي عنه‬ ‫دقه أو ش ّ‬‫مجيئه وسؤاله‪ ،‬سواء ص ّ‬
‫كما في حديث معاوية بن الحكم السلمي قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إن منا رجل ً‬
‫ك في أّنه ل‬‫ك في خبره فقد ش ّ‬ ‫يأتون الكهان‪ ،‬قال‪)) :‬فل تأتهم((‪ ،‬ولنه إذا ش ّ‬
‫يعلم الغيب‪ ،‬وذلك موجب للوعيد‪ ،‬بل يجب عليه أن يقطع ويعتقد أنه ل يعلم‬
‫الغيب إل الله"‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال الشيخ أيضا‪" :‬وظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان‬
‫لعتقاده أنه يعلم الغيب‪ ،‬وسواء كان ذلك من قبل الشياطين‪ ،‬أو من قبل‬
‫اللهام‪ ،‬ل سيما وغالب الكهان في وقت النبوة إنما كانوا يأخذون عن‬
‫الشياطين"‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ‪" :‬وهل الكفر في هذا الموضع كفر‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دون كفر‪ ،‬فل ينقل عن الملة‪ ،‬أم يتوقف فيه‪ ،‬فل يقال‪ :‬يخرج عن الملة ول‬
‫يخرج؟ وهذا أشهر الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى"‪.‬‬
‫وقال ابن قاسم‪" :‬الحاديث التي فيها الكفر مقّيدة بتصديقه"‪.‬‬
‫وقال ابن عثيمين‪" :‬وظاهر الحديث أن مجّرد سؤاله يوجب عدم قبول صلته‬
‫أربعين يومًا‪ ،‬ولكنه ليس على إطلقه‪ ،‬فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى‬
‫أقسام‪:‬‬
‫ً‬
‫القسم الول‪ :‬أن يسأله سؤال ً مجّردا فهذا حرام‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬من أتى عرافًا‪ ((...‬إلخ‪ ،‬فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على‬
‫تحريمه‪ ،‬إذ ل عقوبة إل على محّرم‪.‬‬
‫َ‬
‫القسم الثاني‪ :‬أن يسأله فيصدقه‪ ،‬ويعتبر قوله‪ ،‬فهذا كفر‪ ،‬لن تصديقه في‬
‫علم الغيب تكذيب للقرآن‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬أن يسأله ليختبره‪ :‬هل هو صادق أو كاذب؟ ل لجل أن يأخذ‬
‫بقوله‪ ،‬فهذا ل بأس به‪ ،‬ول يدخل في الحديث‪.‬‬
‫مور‪ ،‬وهذا قد‬ ‫القسم الرابع‪ :‬أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه‪ ،‬فيمتحنه في أ ُ‬
‫يكون واجبا ً أو مطلوبًا"‪.‬‬
‫وقال ابن عثيمين أيضًا‪" :‬قوله‪)) :‬كفر بما أنزل على محمد(( وجه ذلك‪ :‬أن ما‬
‫ض‬
‫ت والْر ِ‬ ‫ماوا ِ‬
‫س َ‬ ‫من ِفى ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫أنزل على محمد قال الله تعالى فيه‪ُ} :‬قل ل ّ ي َعْل َ ُ‬
‫ه{ ]النمل‪ ،[65:‬وهذا من أقوى طرق الحصر‪ ،‬لن فيه النفي‬ ‫ب إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ال ْغَي ْ َ‬
‫والثبات‪ ،‬فالذي يصدق الكاهن في علم الغيب‪ ،‬وهو يعلم أنه ل يعلم الغيب إل‬
‫الله‪ ،‬فهو كافر كفرا ً أكبر مخرجا ً عن الملة‪ ،‬وإن كان جاهل ً ول يعتقد أن‬
‫القرآن فيه كذب فكفره كفر دون كفر"‪.‬‬
‫‪ -3‬لبس الحلقة والخيط ونحوها‪:‬‬
‫قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪" :‬باب‪ :‬من الشرك لبس الحلقة والخيط‬
‫َ‬
‫ن‬‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬‫عو َ‬ ‫وغيرهما لرفع البلء أو دفعه‪ ،‬وقول الله تعالى‪} :‬أفََراي ُْتم ّ‬
‫ما ت َد ْ ُ‬
‫الل ّه إ َ‬
‫ه{ ]الزمر‪."[38:‬‬ ‫ضّر ِ‬ ‫ت ُ‬‫فا ُ‬
‫ش َ‬ ‫ن َ‬
‫كا ِ‬ ‫ضّر هَ ْ‬
‫ل هُ ّ‬ ‫ى الل ّ ُ‬
‫ه بِ ُ‬ ‫ن أَراد َن ِ َ‬ ‫ِ ِ ْ‬
‫ن ذلك لله وحده‪ ،‬وقد دخل في ذلك‬ ‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬فهم يعلمون أ ّ‬
‫ً‬
‫ل من دعا من دون الله من الملئكة والنبياء والصالحين فضل عن غيرهم‪،‬‬ ‫ك ّ‬
‫فل يقدر أحد على كشف ضر ول إمساك رحمة‪ ،‬وإذا كان كذلك بطلت‬
‫عبادتهم من دون الله‪ ،‬وإذا بطلت عبادتهم فبطلن دعوة اللهة والصنام‬
‫أبطل وأبطل‪ ،‬ولبس الحلقة والخيط لرفع البلء أو دفعه كذلك‪ ،‬فهذا وجه‬
‫استدلل المصنف بالية‪ ،‬وإن كانت الترجمة في الشرك الصغر‪ ،‬فإن السلف‬
‫يستدلون بما نزل في الكبر على الصغر‪ ،‬كما استدل حذيفة وابن عباس‬
‫وغيرهما‪ ،‬وكذلك من جعل رؤوس الحمر ونحوها في البيت والزرع لدفع‬
‫العين كما يفعله أشباه المشركين‪ ،‬فإنه يدخل في ذلك"‪.‬‬
‫وقال ابن عثيمين‪" :‬ولبس هذه الشياء قد يكون شركا ً أصغر‪ ،‬وقد يكون‬
‫شركا ً أكبر‪ ،‬بحسب اعتقاد لبسها‪ ،‬وكان لبس هذه الشياء من الشرك لن‬
‫كل من أثبت له سببا ً لم يجعله الله سببا ً شرعيا ً ول قدريا ً فقد أشرك بالله"‪.‬‬
‫وقال أيضًا‪" :‬ولبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لبسها أنها مؤثرة بنفسها دون‬
‫الله فهو مشرك شركا ً أكبر في توحيد الربوبية‪ ،‬لنه اعتقد أن مع الله خالقا ً‬
‫غيره‪ ،‬وإن اعتقد أنها سبب‪ ،‬ولكنه ليس مؤثرا ً بنفسه فهو مشرك شركا ً‬
‫أصغر‪ ،‬لنه اعتقد أن ما ليس بسبب سبب‪ ،‬فقد شارك الله في الحكم لهذا‬
‫الشيء بأنه سبب‪ ،‬والله تعالى لم يجعله سببًا"‪.‬‬
‫‪-4‬تعليق التمائم‪:‬‬
‫عن زينب امرأة عبد الله‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪:‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولة‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪)) :‬إن الرقى والتمائم والت ّ َ‬
‫شرك((‪ ،‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬لم تقول هذا؟ والله لقد كان عيني تقذف‪ ،‬وكنت‬
‫أختلف إلى فلن اليهودي يرقيني‪ ،‬فإذا رقاني سكنت‪ ،‬فقال عبد الله‪ :‬إنما‬
‫ف عنها‪ ،‬إنما كان يكفيك‬ ‫ذاك عمل الشيطان‪ ،‬كان ينخسها بيده‪ ،‬فإذا رقاها ك ّ‬
‫هب البأس‪،‬‬ ‫أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪)) :‬أذ ِ‬
‫ب الناس‪ ،‬اشف أنت الشافي‪ ،‬ل شفاء إل شفاؤك‪ ،‬شفاًء ل يغادر سقمًا((‪.‬‬ ‫ر ّ‬
‫قال ابن الثير‪" :‬التمائم جمع تميمة‪ ،‬وهي خرزات كانت العرب تحلقها على‬
‫أولدهم يتقون بها العين في زعمهم‪ ،‬فأبطلها السلم"‪.‬‬
‫وقال أيضًا‪" :‬وإنما جعلها شركا ً لنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم‪،‬‬
‫فطلبوا دفع الذى من غير الله الذي هو دافعه"‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪" :‬التمائم‪ :‬شيء يعلق على الولد عن‬
‫خص فيه بعض السلف‪ ،‬وبعضهم لم‬ ‫العين‪ ،‬لكن إذا كان المعّلق من القرآن فر ّ‬
‫خص فيه ويجعله من المنهي عنه‪ ،‬منهم ابن مسعود رضي الله عنه‪.‬‬ ‫ير ّ‬
‫مى العزائم‪ ،‬فخص منه الدليل ما خل من الشرك‪ ،‬فقد‬ ‫والرقى‪ :‬هي التي تس ّ‬
‫خص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة‪.‬‬ ‫ر ّ‬
‫والتولة‪ :‬شيء يصنعونه يزعمون أنه يحّبب المرأة إلى زوجها‪ ،‬والرجل إلى‬
‫امرأته"‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ‪" :‬اعلم أن العلماء من الصحابة‬
‫والتابعين فمن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن‬
‫وأسماء الله وصفاته‪:‬‬
‫فقالت طائفة‪ :‬يجوز ذلك‪ ،‬وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص‪ ،‬وهو ظاهر‬
‫ما روي عن عائشة‪ ،‬وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية‪ ،‬وحملوا‬
‫الحديث على التمائم التي فيها شرك‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬ل يجوز ذلك‪ ،‬وبه قال ابن مسعود وابن عباس‪ ،‬وهو ظاهر‬
‫قول حذيفة وعقبة بن عامر‪ ،‬وبه قال جماعة من التابعين‪ ،‬منهم أصحاب ابن‬
‫مسعود‪ ،‬وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه‪ ،‬وجزم بها المتأخرون‪،‬‬
‫واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه‪.‬‬
‫وهذا هو الصحيح لوجوه ثلثة تظهر للمتأمل‪:‬‬
‫صص للعموم‪.‬‬ ‫الول‪ :‬عموم النهي ول مخ ّ‬
‫الثاني‪ :‬سد ّ الذريعة‪ ،‬فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه إذا عّلق فل بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء‬
‫الحاجة والستنجاء ونحو ذلك"‪.‬‬
‫قال ابن عثيمين‪" :‬قوله‪)) :‬شرك(( هل هي شرك أصغر أو أكبر؟‬
‫قدا ً أن المسّبب هو الله‬
‫نقول‪ :‬بحسب ما يريد النسان منها‪ ،‬إن اتخذها معت ِ‬
‫فهي شرك أصغر‪ ،‬وإن اعتقد أنها تفعل بنفسها فهي شرك أكبر"‪.‬‬
‫ج‪ -‬قلبي‪:‬‬
‫ومن أمثلته الرياء‪ ،‬عن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪)) :‬إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الصغر((‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫وما الشرك الصغر يا رسول الله؟ قال‪)) :‬الرياء‪ ،‬يقول الله عز وجل لهم يوم‬
‫القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم‪ :‬اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا‪،‬‬
‫فانظروا هل تجدون عندهم جزاء((‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪" :‬فيه مسائل‪:‬‬


‫الولى‪ :‬الخوف من الشرك‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن الرياء من الشرك‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أنه من الشرك الصغر‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين"‪.‬‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬ولما كانت النفوس مجبولة على محبة الرياسة‬
‫والمنزلة في قلوب الخلق إل من سلم الله‪ ،‬كان هذا أخوف ما يخاف على‬
‫الصالحين‪ ،‬لقوة الداعي إلى ذلك‪ ،‬والمعصوم من عصمه الله‪ ،‬وهذا بخلف‬
‫الداعي إلى الشرك الكبر‪ ،‬فإنه إما معدوم في قلوب المؤمنين الكاملين‪،‬‬
‫ولهذا يكون اللقاء في النار أسهل عندهم من الكفر‪ ،‬وإما ضعيف‪ ،‬هذا مع‬
‫العافية‪ ،‬وأما مع البلء فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا‬
‫والخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء"‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا‪)) :‬قال الله تعالى‪ :‬أنا أغنى الشركاء‬
‫عن الشرك‪ ،‬من عمل عمل ً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه((‪.‬‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬لما كان المرائي قاصدا ً بعمله الله تعالى وغيره كان‬
‫قد جعل الله تعالى شريكًا‪ ،‬فإذا كان كذلك فالله تعالى هو الغني على‬
‫الطلق‪ ،‬والشركاء بل جميع الخلق فقراء إليه بكل اعتبار‪ ،‬فل يليق بكرمه‬
‫وغناه التام أن يقبل العمل الذي جعل له فيه شريك‪ ،‬فإن كماله تبارك وتعالى‬
‫وكرمه وغناه يوجب أن ل يقبل ذلك"‪.‬‬
‫وقال ابن عثيمين‪" :‬الرياء من الشرك الصغر‪ ،‬لن النسان قصد بعمله غير‬
‫الله‪ ،‬وقد يصل إلى الكبر‪ ،‬وقد مّثل ابن القيم للشرك الصغر فقال‪ :‬مثل‬
‫يسير الرياء‪ ،‬وهذا يدل على أن الرياء كثيره قد يصل إلى الكبر"‪.‬‬
‫والرياء له صور متعددة‪:‬‬
‫فقد يكون بالعمال‪ ،‬كمن يصلي فيطيل القيام‪ ،‬ويطيل الركوع والسجود‪،‬‬
‫ويظهر الخشوع عند رؤية الناس له‪.‬‬
‫وقد يكون بالقوال‪ ،‬كالرياء بالوعظ والتذكير وحفظ الخبار والثار لجل‬
‫المحاورة وإظهار غزارة العلم‪ ،‬وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس مع‬
‫التغافل عنه إذا كان في منزله‪.‬‬
‫وقد يكون بالزي‪ ،‬كإبقاء أثر السجود على جبهته‪ ،‬ولبس الغليظ من الثياب‬
‫وخشنها مع تشميرها كثيرا ً ليقال‪ :‬عابد زاهد‪.‬‬
‫وقد يكون بالصحاب والزائرين‪ ،‬كالذي يتكّلف أن يستزير عالما ً أو عابدا ً‬
‫ليقال‪ :‬إن فلنا ً قد زار فلنًا‪.‬‬
‫وقد يكون الرياء لهل الدنيا‪ ،‬كمن يتبختر ويختال في مشيته وتحريك يديه‬
‫وتقريب خطاه‪ ،‬أو يأخذ بطرف ثوبه أو يصّعر خده ونحو ذلك‪.‬‬
‫س‬
‫وقد يكون من جهة البدن‪ ،‬كأن يرائي بإظهار النحول والصفار ليوهم النا َ‬
‫أنه جاد ّ في العبادة كثير الخوف والحزن‪ ،‬أو يرائي بتشعيث الشعر ليظهر أنه‬
‫م الدين ل يتفّرغ لتسريح شعره ونحو ذلك‪.‬‬ ‫مستغرق في ه ّ‬
‫حكم العمل إذا خالطه الرياء‪:‬‬
‫قال ابن رجب‪" :‬واعلم أن العمل لغير الله أقسام‪:‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫فتارة يكون رياء محضا ً بحيث ل يراد به سوى مراعاة المخلوقين لغرض‬
‫موا ْ إ َِلى‬
‫دنيوي‪ ،‬كحال المنافقين في صلتهم‪ ،‬كما قال الله عز وجل‪} :‬وَإ َِذا َقا ُ‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫س{ ]النساء‪ ،[142:‬وهذا الرياء المحض ل‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫ساَلى ي َُراءو َ‬ ‫موا ْ ك ُ َ‬


‫الصلةِ َقا ُ‬
‫يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلة والصيام‪ ،‬وقد يصدر في الصدقة‬
‫الواجبة والحج وغيرهما من العمال الظاهرة والتي يتعدى نفعها فإن الخلص‬
‫فيها عزيز‪ ،‬وهذا العمل ل يشك مسلم أنه حابط‪ ،‬وأن صاحبه يستحق المقت‬
‫من الله والعقوبة‪.‬‬
‫وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء‪ ،‬فإن شاركه من أصله فالنصوص‬
‫الصحيحة تدل على بطلنه أيضا ً وحبوطه كحديث أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬قال الله تعالى‪)) :‬أنا أغنى الشركاء عن‬
‫الشرك‪ ،‬من عمل عمل ً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه(( ‪ ،‬وروي عن‬
‫طائفة من السلف‪ ،‬منهم عبادة بن الصامت وأبو الدرداء والحسن وابن‬
‫المسيب وغيرهم‪.‬‬
‫ً‬
‫فإن خالط نية الجهاد مثل نية غير الرياء مثل أخذه أجرة للخدمة أو أخذ شيء‬
‫من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهاده ولم يبطل بالكلية‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪)) :‬إن الغزاة إذا غنموا غنيمة تعجلوا ثلثي أجرهم‪ ،‬فإن‬
‫لم يغنموا شيئا ً تم لهم أجرهم((‪.‬‬
‫وأما إن كان أصل العمل لله‪ ،‬ثم طرأت عليه نية الرياء‪ ،‬فإن كان خاطرا‬
‫ودفعه فل يضر بغير خلف‪ ،‬فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم ل يضره‬
‫ذلك ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلف بين السلف قد حكاه المام‬
‫أحمد وابن جرير الطبري‪ ،‬وأرجو أن عمله ل يبطل بذلك‪ ،‬وأنه يجازى بنيته‬
‫الولى‪ ،‬وهو مروي عن الحسن البصري"‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬الشرك الخفي‪:‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪)) :‬أل أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح عندي؟(( قال‪ :‬قلنا‪ :‬بلى‪،‬‬
‫قال‪)) :‬الشرك الخفي؛ أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل((‪.‬‬
‫وعن أبي موسى الشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪)) :‬أيها الناس‪ ،‬اتقوا هذا الشرك‪ ،‬فإنه أخفى من دبيب النمل((‪،‬‬
‫فقال له من شاء الله أن يقول‪ :‬وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا‬
‫رسول الله؟ قال‪)) :‬قولوا‪ :‬اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا ً نعلمه‪،‬‬
‫ونستغفره لما ل نعلم((‪.‬‬
‫مى الشرك الخفي‪،‬‬ ‫ل على أن هناك نوعا ً آخر من الشرك يس ّ‬ ‫هذه النصوص تد ّ‬
‫فهل هذا يدخل تحت أحد نوعي الشرك أم هو نوع مستقل بذاته؟ اختلفوا في‬
‫ذلك‪ ،‬فقيل‪ :‬يمكن أن يجعل الشرك الخفي نوعا ً من الشرك الصغر‪ ،‬فيكون‬
‫الشرك حينئذ نوعين‪ :‬شرك أكبر ويكون في عقائد القلوب‪ ،‬وشرك أصغر‬
‫ويكون في هيئة الفعال وأقوال اللسان والرادات الخفية‪ ،‬ولكن الظاهر من‬
‫النصوص أن الشرك الخفي قد يكون من الشرك الكبر‪ ،‬وقد يكون من‬
‫الشرك الصغر‪ ،‬وليس له وصف منضبط‪ ،‬بل دائما ً يترّدد بين أن يكون من‬
‫الشرك الكبر أو الشرك الصغر‪ ،‬بل هو كل ما خفي من أنواع الشرك‪.‬‬
‫ومن أمثلة الشرك الخفي ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير‬
‫دادًا{ ]البقرة‪ [22:‬قال‪) :‬النداد هو الشرك‬ ‫َ‬
‫جعَُلوا ْ لل ّهِ أن َ‬
‫قوله تعالى‪} :‬فَل َ ت َ ْ‬
‫أخفى من دبيب النمل على صفاء سوداء‪ ،‬في ظلمة الليل‪ .‬وهو أن يقول‪:‬‬
‫والله وحياتك يا فلنة وحياتي‪ ،‬ويقول‪ :‬لول كلبة هذا لتانا اللصوص‪ ،‬ولول البط‬
‫في الدار لتى اللصوص‪ ،‬وقول الرجل لصاحبه‪ :‬ما شاء الله وشئت‪ ،‬وقول‬
‫الرجل‪ :‬لول الله وفلن‪ ،‬ل تجعل فيها فلن‪ ،‬فإن هذا كله به شرك(‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة في الناس‪ ،‬ل‬ ‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬أي‪ :‬إن هذه المور من الشرك خفي ٌ‬
‫يكاد يتفطن لها ول يعرفها إل القليل‪ ،‬وضرب المثل لخفائها بما هو أخفى‬
‫شيء وهو أثر النمل‪ ،‬فإنه خفي‪ ،‬فكيف إذا كان على صفاة؟ فكيف إذا كانت‬
‫سوداء؟ فكيف إذا كانت في ظلمة الليل؟ وهذا يدل على شدة خفائه على‬
‫دعي السلم وعسر التخلص منه"‪.‬‬ ‫من ي ّ‬
‫وقال ابن عثيمين‪" :‬قوله‪) :‬هذا كله به شرك( وهو شرك أكبر أو أصغر‪،‬‬
‫حسب ما يكون في قلب الشخص من نوع هذا التشريك"‪.‬‬
‫وعلى هذا فيجب الحذر من هذا النوع من الشرك لكثرة الشتباه فيه‪ ،‬فربما‬
‫يظن في أمر من المور أنه من الشرك الصغر وهو في واقع المر من‬
‫الشرك الكبر‪ ،‬وهكذا العكس‪ ،‬وذلك لخفاء مأخذه‪ ،‬ودقة أمره‪ ،‬وصعوبة‬
‫معرفته‪ ،‬فيكون مجاله المر المشتبه الذي ل يعرفه إل الحذاق من أهل العلم‪،‬‬
‫وإن كان قد يخفى على غيرهم ممن لم يكمل نظره‪ ،‬وضعف فهمه في أدلة‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مدارج السالكين )‪ ،(1/368‬وتيسير العزيز الحميد )ص ‪ ،(45‬والدرر‬
‫السنية في الجوبة النجدية )‪.(2/69‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )ص ‪.(43‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(1/92‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(43‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(44-43‬‬
‫انظر‪ :‬الجواب الكافي )ص ‪ .(157 ،156‬والشرك في القديم والحديث )‬
‫‪.(146-1/145‬‬
‫الشرك في القديم والحديث )‪.(1/146‬‬
‫انظر‪ :‬تيسير العزيز الحميد )‪ ،(44‬والشرك في القديم والحديث )‪-1/146‬‬
‫‪.(147‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(1/91‬‬
‫تجريد التوحيد المفيد )‪.(53-52‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫جامع البيان )‪.(10/159‬‬


‫جامع البيان )‪.(6/618‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(238-237‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(239‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪ (216-215‬بتصرف واختصار‪.‬‬
‫انظر‪ :‬النصاف )‪ (27/108‬مع المقنع والشرح الكبير‪.‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/375‬‬
‫الدرر السنية )‪.(4/7‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(227‬‬
‫جامع البيان )‪.(7/13‬‬
‫الجواب الكافي )‪.(163‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪ (538-536‬باختصار‪.‬‬
‫ضوابط التكفير للدكتور عبد الله القرني )‪.(128‬‬
‫الدرر السنية )‪.(2/70‬‬
‫أخرجه الترمذي في التفسير‪ ،‬باب‪ :‬ومن سورة التوبة )‪ (3095‬واللفظ له‪،‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وابن جرير في تفسيره‪ ،‬والبيهقي )‪ ،(10/116‬وحسنه ابن تيمية في اليمان )‬


‫‪7/67‬ـمجموع الفتاوى(‪ ،‬كما حسنه اللباني في صحيح سنن الترمذي )‬
‫‪.(2471‬‬
‫كذا العبارة في المجموع وفيها قلب ولعل صوابها‪" :‬بتحريم الحرام وتحليل‬
‫الحلل"‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في الحكام‪ ،‬باب‪ :‬السمع والطاعة للمام ما لم تكن معصية )‬
‫‪ ،(7145‬ومسلم في المارة )‪ (1840‬من حديث علي رضي الله عنه‪.‬‬
‫أخرجه البخاري بنحوه في الحكام‪ ،‬باب‪ :‬السمع والطاعة للمام ما لم تكن‬
‫معصية )‪ (7144‬من حديث ابن عمر رضي الله عنهما‪.‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(7/70‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(7/71‬‬
‫كتاب التوحيد‪ ،‬ضمن الجامع الفريد )‪.(163‬‬
‫كذا في المطبوع‪ ،‬ولعله تصحيف‪.‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(553‬‬
‫جامع البيان )‪.(3/280‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(7-3/6‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(468-467‬‬
‫جامع البيان )‪.(3/525‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪ (486-484‬بتصرف واختصار‪.‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(497‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/452‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(114-2/113‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(498-497‬‬
‫القول السديد )‪.(15‬‬
‫الكواشف الجلية )‪.(321‬‬
‫المدخل لدراسة العقيدة السلمية للبريكان )‪.(127 ،126‬‬
‫انظر‪ :‬مدارج السالكين )‪ ،(1/373‬والشرك في القديم والحديث )‪.(1/167‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند )‪ ،(429 ،5/428‬والبيهقي في الشعب )‪،(5/333‬‬
‫سن الحافظ إسناده في بلوغ المرام )‪4/355‬ـ سبل السلم(‪ ،‬وصححه‬ ‫وح ّ‬
‫اللباني في صحيح الترغيب )‪.(29‬‬
‫أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة )‪ ،(1/34‬والطبراني في الكبير )‪،(7/289‬‬
‫والبيهقي في الشعب )‪ ،(5/337‬وصححه الحاكم في المستدرك )‪،(4/365‬‬
‫واللباني في صحيح الترغيب )‪.(32‬‬
‫أخرجه الترمذي في النذور واليمان‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في كراهية الحلف بغير الله‬
‫)‪ ،(1535‬والحاكم في المستدرك )‪ ،(4/330‬والبيهقي في الكبرى )‪،(10/29‬‬
‫وقال الترمذي‪" :‬حسن صحيح"‪ ،‬وصححه الحاكم على شرط الشيخين‪،‬‬
‫واللباني في صحيح الترغيب )‪.(2952‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(1/204‬‬
‫أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب‪} :‬أفرأيتم اللت والعزى{ )‪،(4860‬‬
‫ومسلم في اليمان )‪ (1647‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )ص ‪.(593‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند )‪ ،(372-6/371‬والنسائي في اليمان )‪،(3773‬‬
‫والحاكم )‪ ،(4/297‬والبيهقي في الكبرى )‪ ،(3/216‬وصححه الحاكم‪ ،‬ووافقه‬
‫الذهبي‪ ،‬واللباني في السلسلة الصحيحة )‪.(136‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخرجه ابن ماجة في الكفارات‪ ،‬باب‪ :‬النهي أن يقول‪ :‬ما شاء الله وشئت )‬
‫‪ ،(2117‬وقال اللباني في الصحيحة )‪" :(1093‬إسناده حسن"‪ ،‬وذكر له‬
‫شواهد أخرى بأرقام )‪.(139 ،137 ،136‬‬
‫هو حديث أن رجل ً قال للنبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ما شاء الله وشئت‪،‬‬
‫فقال‪)) :‬أجعلتني لله ندًا؟! بل ما شاء الله وحده((‪ .‬أخرجه أحمد )‪،(1/214‬‬
‫والبخاري في الدب المفرد )‪ ،(783‬والنسائي في عمل اليوم والليلة‪،‬‬
‫والطبراني في الكبير )‪ ،(13005‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة )‬
‫‪.(139‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(599‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪ ، (601-600‬وانظر‪ :‬مدارج السالكين )‪.(1/373‬‬
‫جامع البيان )‪.(11/662‬‬
‫جامع البيان )‪.(11/662‬‬
‫أخرجه البخاري في الذان‪ ،‬باب‪ :‬يستقبل المام الناس إذا سلم )‪،(846‬‬
‫ومسلم في اليمان )‪.(71‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(458‬‬
‫فتح المجيد )‪.(282‬‬
‫النهاية في غريب الحديث )‪.(3/152‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند )‪ ،(1/389‬وأبو داود في الطب‪ ،‬باب‪ :‬في الطيرة )‬
‫‪ ،(3910‬والترمذي في السير‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في الطيرة )‪ ،(1614‬وابن ماجه‬
‫في الطب‪ ،‬باب‪ :‬من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة )‪ ،(3538‬وصححه‬
‫الترمذي‪ ،‬والحاكم )‪ ،(18-1/17‬وأقره الذهبي‪ ،‬واللباني في السلسلة‬
‫الصحيحة )‪.(429‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(23/67‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(438‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند )‪ ،(2/220‬قال الهيثمي في المجمع )‪:(5/105‬‬
‫"رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة‪ ،‬وحديثه حسن‪ ،‬وفيه ضعف‪ ،‬وبقية‬
‫رجاله ثقات"‪ ،‬لكن رواه عن ابن لهيعة عبد الله بن وهب كما في جامعه )‬
‫‪ ،(1/110‬ومن طريقه أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة )‪،(293‬‬
‫وحسن الحديث شعيب الرنؤوط في تحقيقه للمسند )‪ ،(11/623‬وصححه‬
‫اللباني في السلسلة الصحيحة )‪.(1065‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(439‬‬
‫أخرجه مسلم في السلم )‪.(2230‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫أخرجه أحمد في المسند )‪ ،(476 ،2/408‬وأبو داود في الطب‪ ،‬باب‪ :‬في‬


‫الكاهن )‪ ،(3904‬والترمذي في الطهارة‪ ،‬باب‪ :‬في كراهية إتيان الحائض )‬
‫‪ ،(135‬والنسائي في الكبرى )‪ ،(9017‬وابن ماجه في الطهارة‪ ،‬باب‪ :‬النهي‬
‫عن إتيان الحائض )‪ ،(339‬والدارمي )‪ ،(1136‬وابن الجارود )‪ ،(107‬والحاكم‬
‫)‪ ،(1/8‬وقال الترمذي‪" :‬وضعف محمد ـ يعني‪ :‬البخاري ـ هذا الحديث من‬
‫قبل إسناده"‪ ،‬ونقل المناوي في الفيض )‪ (6/24‬تضعيف البغوي وابن سيد‬
‫الناس والذهبي لهذا الحديث‪ ،‬ووافقهم على ذلك‪ .‬وله شاهد من حديث جابر‬
‫أخرجه البزار )‪ -9045‬كشف الستار(‪ ،‬وجوده المنذري في الترغيب )‬
‫‪ ،(3/619‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" :(11715‬رجاله رجال الصحيح خل‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عقبة بن سنان وهو ضعيف"‪ ،‬وصححه اللباني في غاية المرام )‪.(285‬‬


‫معالم السنن )‪.(212-4/211‬‬
‫فتح المجيد )‪.(255‬‬
‫أي‪ :‬حديث ))من أتى عرافا ً فسأله‪ ((...‬الخ‪.‬‬
‫أخرجه مسلم في المساجد )‪.(537‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(407-406‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(409‬‬
‫فتح المجيد )‪.(257‬‬
‫حاشية كتاب التوحيد )‪.(204‬‬
‫القول المفيد )‪.(2/49‬‬
‫القول المفيد )‪.(2/55‬‬
‫كاب التوحيد‪ ،‬ضمن الجامع الفريد )‪.(49‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(154‬‬
‫القول المفيد )‪.(1/159‬‬
‫القول المفيد )‪.(163-1/162‬‬
‫أخرجه أحمد )‪ ،(1/381‬وأبو داود في الطب‪ ،‬باب‪ :‬في تعليق التمائم )‪(3883‬‬
‫واللفظ له‪ ،‬وابن ماجه في الطب‪ ،‬باب‪ :‬تعليق التمائم )‪ (3530‬بأطول منه‪،‬‬
‫وصححه ابن حبان )‪ ،(13/456‬والحاكم )‪ ،(4/418‬وأقره الذهبي‪ ،‬وصححه‬
‫اللباني في صحيح أبي داود )‪.(3288‬‬
‫النهاية في غريب الحديث )‪.(1/197‬‬
‫النهاية في غريب الحديث )‪.(1/198‬‬
‫كتاب التوحيد‪ ،‬ضمن الجامع الفريد )‪.(55‬‬
‫قال الشيخ ابن باز‪" :‬الرواية بذلك ضعيفة‪ ،‬ول تدل على هذا‪ ،‬لن فيها أن ابن‬
‫عمرو كان يحفظه أولده الكبار ويكتبه في ألواح ويعلقه في عنق الصغار‪،‬‬
‫فالظاهر أنه كان يعلقه في اللوح ليحفظه الصغير ل على أنه تميمة‪ ،‬والتميمة‬
‫تكتب في ورقة ل في لوح‪ ،‬وكيفما كان فهو عمل فردي من عبد الله بن‬
‫عمرو‪ ،‬ل يترك به حديث رسول الله وعمل كبار الصحابة الذين لم يعملوا‬
‫مثله"‪ .‬من تعليق الشيخ على فتح المجيد )‪.(109‬‬
‫فتح المجيد )‪.(109‬‬
‫القول المفيد )‪.(1/179‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند )‪ (429 ،5/428‬والبيهقي في الشعب )‪،(5/333‬‬
‫سن الحافظ إسناده في بلوغ المرام )‪4/355‬ـ سبل السلم(‪ ،‬وصححه‬ ‫وح ّ‬
‫اللباني في صحيح الترغيب )‪.(29‬‬
‫كتاب التوحيد‪ ،‬ضمن مجموعة التوحيد )‪.(162‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(119-118‬‬
‫أخرجه مسلم في الزهد والرقائق )‪.(2985‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(527‬‬
‫القول المفيد )‪.(2/226‬‬
‫انظر‪ :‬الشرك في القديم والحديث )‪.(172-1/171‬‬
‫أخرجه مسلم في الزهد والرقائق )‪.(2985‬‬
‫أخرجه مسلم في المارة )‪ ،(1906‬ولفظه‪)) :‬ما من غازية تغزو في سبيل‬
‫الله فيصيبون الغنيمة إل تعجلوا ثلثي أجرهم ويبقى لهم الثلث‪ ،‬وإن لم يصيبوا‬
‫غنيمة تم لهم أجرهم((‪.‬‬
‫جامع العلوم والحكم )‪ (41-1/38‬باختصار‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخرجه أحمد في المسند )‪ ،(3/30‬وابن ماجه في الزهد‪ ،‬باب‪ :‬الرياء بالسمعة‬


‫)‪ ،(4204‬والبيهقي في الشعب )‪ ،(5/334‬وصححه الحاكم في المستدرك )‬
‫‪ ،(4/329‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وحسنه اللباني في صحيح الترغيب )‪.(30‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند )‪ ،(4/403‬وابن أبي شيبة في المصنف )‪،(6/70‬‬
‫وأبو يعلي في مسند )‪ ،(1/60‬وحسنه لغيره اللباني في صحيح الترغيب )‬
‫‪.(36‬‬
‫الشرك في القديم والحديث )‪ (1/179‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير )‪ ،(1/81‬وقال الشيخ سليمان آل الشيخ‪:‬‬
‫"وسنده جيد"‪ .‬تيسير العزيز الحميد )‪ ،(587‬وقال المحقق‪" :‬إسناده حسن"‪.‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(587‬‬
‫القول المفيد )‪.(2/323‬‬
‫الشرك في القديم والحديث )‪.(180-1/179‬‬
‫رابعا‪ :‬الفرق بين أنواع الشرك‪:‬‬
‫‪ -1‬الشرك الكبر ل يغفر الله لصاحبه إل بالتوبة منه‪ ،‬وأما الصغر فقد اختلف‬
‫فيه‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه تحت المشيئة‪ ،‬وقيل‪ :‬إن صحابه إذا مات فل بد أن يعاقبه الله‬
‫عليه‪ ،‬لكن ل يخّلد في النار‪ .‬وقد اختلف كلم ابن تيمية في هذه المسألة‪،‬‬
‫فمرة قال‪ :‬الشرك ل يغفره الله ولو كان أصغر‪ ،‬ومرة قال‪ :‬الشرك الذي ل‬
‫يغفره الله هو الشرك الكبر‪.‬‬
‫‪ -2‬الشرك الكبر محِبط لجميع العمال‪ ،‬وأما الشرك الصغر فل يحبط إل‬
‫العمل الذي قارنه على القول الراجح‪.‬‬
‫‪ -3‬الشرك الكبر يخرج من ملة السلم‪ ،‬وأما الشرك الصغر فل يخرج منها‪،‬‬
‫ة المسلمين فيناكح‪ ،‬وتؤكل ذبيحته‪ ،‬ويرث‬ ‫ل معامل َ‬‫ولذا فمن أحكامه أن يعام َ‬
‫ويورث‪ ،‬ويصلى عليه‪ ،‬ويدفن في مقابر المسلمين‪.‬‬
‫‪ -4‬أن الشرك الكبر صاحبه خالد مخّلد في النار‪ ،‬وأما الصغر فل يخلد في‬
‫ّ‬
‫النار وإن دخلها كسائر مرتكبي الكبائر‪.‬‬
‫ل النفس والموال‪ ،‬وأما الشرك الصغر فإن صاحبه‬ ‫‪ -5‬الشرك الكبر يح ّ‬
‫مسلم مؤمن ناقص اليمان‪ ،‬فاسق من حيث الحكم الديني‪.‬‬
‫‪ -6‬أما الشرك الخفي فهو قد يكون أصغر وقد يكون أكبر‪ ،‬فيختلف حاله‪،‬‬
‫ويختلف الحكم عليه‪ ،‬لذا ل يحكم عليه إل إذا تبّين من أيّ نوع هو‪.‬‬
‫انظر‪ :‬القول المفيد )‪ ،(1/110‬والشرك في القديم والحديث )‪.(1/176‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫انظر‪ :‬المدخل لدراسة العقيدة السلمية للعبيكان )‪ (128 ،127‬والشرك في‬


‫القديم الحديث )‪.(1/171‬‬
‫خامسا‪ :‬تحريم الشرك وبيان أنه أكبر الكبائر‪:‬‬
‫‪ -1‬الشرك أعظم الظلم‪:‬‬
‫م{ ]لقمان‪.[13:‬‬ ‫ظي ٌ‬
‫م عَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك لظل ٌ‬ ‫شْر َ‬
‫ن ال ّ‬
‫قال تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬هو أعظم الظلم"‪.‬‬
‫وقال ابن سعدي‪" :‬ووجه كونه عظيما ً أنه ل أفظع وأبشع ممن س ّ‬
‫وى المخلوق‬
‫وى الذي ل يملك من المر شيئا ً بمن له المر‬ ‫من تراب بمالك الرقاب‪ ،‬وس ّ‬
‫ب الكامل الغني من جميع‬ ‫وى الناقص الفقير من جميع الوجوه بالر ّ‬ ‫كله‪ ،‬وس ّ‬
‫وى من لم ينعم بمثقال ذرة ]من النعم[ بالذي ما بالخلق من‬ ‫الوجوه‪ ،‬وس ّ‬
‫نعمة في دينهم ودنياهم وأخراهم وقلوبهم وأبدانهم إل منه‪ ،‬ول يصرف السوء‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إل هو‪ ،‬فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟!"‪.‬‬


‫‪ -2‬الشرك مما نهى الله تعالى عنه وحّرمه‪:‬‬
‫كوا ْ ب ِهِ شْيئا{ ]النساء‪.[36:‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ه وَل َ ت ُ ْ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ} :‬واعْب ُ ُ‬
‫شْيئًا{‬ ‫كوا ْ ب ِهِ َ‬
‫شرِ ُ‬ ‫َ‬
‫م أل ّ ت ُ ْ‬ ‫م عَل َي ْك ُْ‬ ‫م َرب ّك ُْ‬ ‫ل تعال َوا ْ أ َ‬
‫وقال سبحانه‪} :‬قُ ْ َ َ ْ ْ َ َ ّ َ‬
‫ر‬‫ح‬ ‫ما‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ت‬
‫]النعام‪.[151:‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يأمر تبارك وتعالى بعبادته وحده ل شريك له‪ ،‬فإنه هو الخالق‬
‫ق‬
‫ضل على خلقه في جميع النات والحالت‪ ،‬فهو المستح ّ‬ ‫الرازق المنعم المتف ّ‬
‫ً‬
‫حدوه ول يشركوا به شيئا من مخلوقاته"‪.‬‬ ‫منهم أن يو ّ‬
‫وقال ابن سعدي‪" :‬يأمر تعالى عباده بعبادته وحده ل شريك له‪ ،‬وهو الدخول‬
‫تحت رقّ عبوديته‪ ،‬والنقياد لوامره ونواهيه‪ ،‬محبة وذل ً وإخلصا ً له‪ ،‬في جميع‬
‫العبادات الظاهرة والباطنة‪ .‬وينهي عن الشرك به شيئًا‪ ،‬ل شركا ً أصغر ول‬
‫أكبر‪ ،‬ل مَلكا ً ول نبيا ً ول وليا ً ول غيرهم من المخلوقين الذين ل يملكون‬
‫لنفسهم نفعا ً ول ضرًا‪ ،‬ول موتا ً ول حياةً ول نشورًا"‪.‬‬
‫‪ -3‬الشرك أكبر الكبائر‪:‬‬
‫عن أبي بكرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))أل أنبئكم بأكبر الكبائر؟(( قلنا‪ :‬بلى يا رسول الله‪ ،‬قال‪)) :‬الشراك بالله‪،‬‬
‫وعقوق الوالدين((‪ ،‬وكان متكئا فجلس فقال‪)) :‬أل وقول الزور وشهادة‬
‫الزور‪ ،‬أل وقول الزور وشهادة الزور((‪ ،‬فما زال يقولها حتى قلت‪ :‬ل يسكت‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر قال‪:‬‬
‫))الشرك بالله‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬وقتل النفس‪ ،‬وقول الزور((‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫))اجتنبوا السبع الموبقات((‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬وما هن؟ قال‪)) :‬الشرك‬
‫بالله‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي حرم الله إل بالحق‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬وأكل‬
‫الربا‪ ،‬والتولي يوم الزحف‪ ،‬وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات((‪.‬‬
‫عصي الله‬ ‫قال ابن تيمية‪" :‬اعلم ـ رحمك الله ـ أن الشرك بالله أعظم ذنب ُ‬
‫من‬ ‫َ‬
‫ن ذ َل ِك ل ِ َ‬‫ما ُدو َ‬ ‫فُر َ‬ ‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫فُر َأن ي ُ ْ‬ ‫ه ل َ ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫به‪ ،‬قال الله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫شاء{ ]النساء‪ ،[48:‬وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سئل‪ :‬أي‬ ‫يَ َ‬
‫ً‬
‫الذنب أعظم؟ قال‪)) :‬أن تجعل لله ندا وهو خلقك(("‪.‬‬
‫وقال حافظ الحكمي‪" :‬والمقصود أن الشرك أعظم ما نهى الله عنه‪ ،‬كما أن‬
‫التوحيد أعظم ما أمر الله به‪ ،‬ولهذا كان أول دعوة الرسل كلهم إلى توحيد‬
‫الله عز وجل ونفي الشرك‪ ،‬فلم يأمروا بشيء قبل التوحيد‪ ،‬ولم ينهوا عن‬
‫شيء قبل الشرك‪ ،‬وما ذكر الله تعالى التوحيد مع شيء من الوامر إل جعله‬
‫أّولها‪ ،‬ول ذكر الشرك مع شيء من النواهي إل جعله أولها"‪.‬‬
‫‪ -4‬الشرك ل يغفره الله‪:‬‬
‫َ‬
‫شاء{‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫ما ُدو َ‬ ‫فُر َ‬ ‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫فُر أن ي ُ ْ‬ ‫ه ل َ ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫]النساء‪.[48:‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أخبر تعالى أنه ل يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به‪ ،‬ويغفر ما‬
‫دون ذلك من الذنوب لمن يشاء من عباده"‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬فالشرك ل يغفره الله‪ ،‬وما دون الشرك أمُره إلى الله إن‬
‫شاء عاقب عليه‪ ،‬وإن شاء عفا عنه"‪.‬‬
‫وقال سليمان آل الشيخ‪" :‬فتبين بهذا أن الشرك أعظم الذنوب‪ ،‬لن الله‬
‫تعالى أخبر أنه ل يغفره‪ ،‬أي‪ :‬إل بالتوبة منه‪ ،‬وما عداه فهو داخل تحت مشيئة‬
‫ذبه‪ ،‬وهذا يوجب للعبد شدة الخوف‬ ‫الله إن شاء غفره بل توبة‪ ،‬وإن شاء ع ّ‬
‫من هذا الذنب الذي هذا شأنه عند الله"‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال الشنقيطي‪" :‬ذكر الله في هذه الية الكريمة أنه تعالى ل يغفر الشراك‬
‫ن من أشرك به فقد افترى إثما ً عظيما‪ً.‬‬ ‫به‪ ،‬وأنه يغفر غير ذلك لمن يشاء‪ ،‬وأ ّ‬
‫وذكر في مواضع أخر أن محل كونه ل يغفر الشراك به إذا لم يتب المشرك‬
‫صاِلحًا{‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬
‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب َوءا َ‬ ‫من َتا َ‬ ‫من ذلك‪ ،‬فإن تاب غفر له‪ ،‬كقوله‪} :‬إ ِل ّ َ‬
‫معَ الل ّهِ الها‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬‫ن ل َ ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬‫]مريم‪ [60:‬الية‪ ،‬فإن الستثناء راجع لقوله‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫من‬ ‫جمع في قوله‪} :‬وَ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫خَر{ ]الفرقان‪ [68:‬وما عطف عليه‪ ،‬لن معنى الك ّ‬ ‫ءا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل ذال ِ َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬ ‫فْر لهُ ْ‬‫فُروا ِإن َينت َُهوا ي ُغْ َ‬ ‫ذي َ‬‫ك ي َلقَ أَثاما{ الية‪ ،‬وقوله‪ُ} :‬قل ل ِل ِ‬ ‫فعَ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫ف{ ]النفال‪."[28:‬‬ ‫َ‬
‫سل َ‬ ‫قَد ْ َ‬
‫‪ -5‬الشرك يحبط العمال‪:‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫حب َط َ ّ‬
‫ن‬ ‫ت ل َي َ ْ‬
‫شَرك ْ َ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫ك ل َئ ِ ْ‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫ن ِ‬‫ذي َ‬ ‫ك وَإ َِلى ال ّ ِ‬ ‫ى إ ِل َي ْ َ‬‫ح َ‬ ‫قد ْ أ ُوْ ِ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَل َ َ‬
‫ن{ ]الزمر‪.[65:‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ك وَل َت َ ُ‬
‫كون َ ّ‬ ‫مل ُ َ‬
‫عَ َ‬
‫ن{ ]النعام‪.[88:‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال عز وجل‪} :‬وَلوْ أ ْ‬
‫ملو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫م ّ‬‫حب ِط عَن ْهُ ْ‬ ‫شَركوا ل َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا تشديد ٌ لمر الشرك‪ ،‬وتغليظ لشأنه‪ ،‬وتعظيم لملبسته"‪.‬‬
‫وقال ابن سعدي‪" :‬فإن الشرك محبط للعمل‪ ،‬موجب للخلود في النار‪ ،‬فإذا‬
‫كان هؤلء الصفوة الخيار لو أشركوا ـ وحاشاهم ـ لحبطت أعمالهم‪ ،‬فغيرهم‬
‫أولى"‪.‬‬
‫‪ -6‬الشرك يوجب الخلود في النار وتحريم الجنة‪:‬‬
‫ْ‬
‫مأَواهُ الّناُر{‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ه عََليهِ ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫قد ْ َ‬‫ك ِبالل ّهِ فَ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬إ ِن ّ ُ‬
‫]المائدة‪.[72:‬‬
‫وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫))من مات وهو يدعو من دون الله ندا ً دخل النار((‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪)) :‬من لقي الله ل يشرك به شيئا ً دخل الجنة‪ ،‬ومن لقيه يشرك به شيئا ً‬
‫دخل النار((‪.‬‬
‫ً‬
‫قال القرطبي‪" :‬أي‪ :‬من لم يّتخذ معه شريكا في اللهية ول في الخلق ول في‬
‫العبادة‪ ،‬ومن المعلوم من الشرع المجمع عليه عند أهل السنة أن من مات‬
‫على ذلك فل بد له من دخول الجنة وإن جرت عليه قبل ذلك أنواع من‬
‫العذاب والمحنة‪ ،‬وإن مات على الشرك ل يدخل الجنة‪ ،‬ول يناله من الله‬
‫رحمة‪ ،‬ويخلد في النار أبد الباد من غير انقطاع عذاب‪ ،‬ول تصرم آماد‪ ،‬وهذا‬
‫معلوم ضروري من الدين مجمع عليه بين المسلمين"‪.‬‬
‫وقال النووي‪" :‬فأما دخول المشرك النار فهو على عمومه‪ ،‬فيدخلها ويخلد‬
‫فيها‪ ،‬ول فرق بين الكتابي اليهودي والنصراني‪ ،‬وبين عبدة الوثان وسائر‬
‫الكفرة‪ ،‬ول فرق عند أهل الحق بين الكافر عنادا ً وغيره‪ ،‬ول بين من خالف‬
‫ملة السلم وبين من انتسب إليها ثم حكم بكفره بجحده ما يكفر بجحده‬
‫وغير ذلك"‪.‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(3/708‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )‪.(648‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/468‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )‪.(178‬‬
‫أخرجه البخاري في الدب‪ ،‬باب‪ :‬عقوق الوالدين من الكبائر )‪ ،(5976‬ومسلم‬
‫في اليمان )‪.(87‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخرجه البخاري في الدب‪ ،‬باب‪ :‬عقوق الوالدين من الكبائر )‪ ،(5977‬ومسلم‬


‫في اليمان )‪.(88‬‬
‫أخرجه البخاري في الحدود‪ ،‬باب‪ :‬رمي المحصنات )‪ ،(6857‬ومسلم في‬
‫اليمان )‪.(89‬‬
‫أخرجه البخاري في الدب‪ ،‬باب قتل الولد خشية أن يأكل معه )‪،(6001‬‬
‫ومسلم في اليمان )‪.(86‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(1/88‬‬
‫معارج القبول )‪.(1/318‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(1/482‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(11/663‬‬
‫التيسير العزيز الحميد )‪.(115‬‬
‫أضواء البيان )‪.(1/291‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/174‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )‪.(264‬‬
‫أخرجه البخاري في التفسير‪ ،‬باب‪ :‬قوله‪} :‬ومن الناس من يتخذ من دون الله‬
‫أندادًا{ )‪.(4497‬‬
‫أخرجه مسلم في اليمان )‪.(93‬‬
‫المفهم )‪.(1/290‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(2/97‬‬
‫سادسا‪ :‬بيان بطلن الشرك بأوضح الدلة‪:‬‬
‫ة كثيرة على بطلن الشرك‪ ،‬فمن‬ ‫ذكر الله تعالى في القرآن العظيم أمثل ً‬
‫ذلك‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫مان ُك ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل ك ْ‬ ‫ما َ‬ ‫من ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ل لك ْ‬ ‫م هَ ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مث َل ً ّ‬‫م ّ‬ ‫ب لك ْ‬ ‫ضَر َ‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م ك َذ َل ِكَ‬ ‫سك ُْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫شَر َ‬
‫ف َ‬ ‫م أن ُ‬ ‫فت ِك ْ‬ ‫خي َ‬ ‫مك ِ‬ ‫خاُفون َهُ ْ‬ ‫واء ت َ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفيهِ َ‬ ‫م فَأنت ُ ْ‬ ‫ما َرَزقَْناك ْ‬ ‫كاء ِفى َ‬ ‫من ُ‬ ‫ّ‬
‫ن{ ]الروم‪.[28:‬‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْ ِ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫نُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫ج الله سبحانه به على المشركين‪ ،‬حيث‬ ‫قال ابن القيم‪" :‬هذا دليل قياس احت ّ‬
‫حتها من‬ ‫جة يعرفون ص ّ‬ ‫جعلوا له من عبيده وملكه شركاء‪ ،‬فأقام عليهم ح ّ‬
‫نفوسهم‪ ،‬فقال‪ :‬هل لكم مما ملكت إيمانكم من عبيدكم وإمائكم شركاء في‬
‫المال والهل؟ أي‪ :‬هل يشارككم عبيدكم في أموالكم وأهليكم‪ ،‬فأنتم وهم‬
‫في ذلك سواء؟ أتخافون أن يقاسموكم أموالكم ويشاطروكم إياها‬
‫ويستأثرون ببعضها عليكم كما يخاف الشريك شريكه؟ فإذا لم ترضوا ذلك‬
‫خلقي من هو مملوك لي؟ فإن كان هذا الحكم‬ ‫لنفسكم‪ ،‬فِلم عدلتم بي من َ‬
‫قكم‪ ،‬إذ ليس‬ ‫باطل ً في فطركم وعقولكم مع أنه جائز عليكم ممكن في ح ّ‬
‫ة‪ ،‬وإنما هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم‪ ،‬وأنتم‬ ‫عبيدكم ملكا ً لكم حقيق ً‬
‫قي مع أن من‬ ‫وهم عباد لي‪ ،‬فكيف تستجيزون مثل هذا الحكم في ح ّ‬
‫جعلتموه لي شركاء عبيدي وملكي وخلقي؟!"‪.‬‬
‫من‬ ‫ىء وَ َ‬ ‫َ‬
‫قدُِر عَلى َ‬ ‫ّ‬ ‫مُلو ً‬ ‫مث َل ً عَب ْ ً‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫ش ْ‬ ‫كا ل ي َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫دا ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫‪ -2‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ل‬ ‫ّ‬
‫مد ُ ل ِلهِ ب َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫وو َ‬ ‫ست َ ُ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫جهًْرا هَ ْ‬ ‫سّرا وَ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫فق ُ ِ‬ ‫سًنا فَهُوَ ُين ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مّنا رِْزًقا َ‬ ‫ّرَزقَْناه ُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]النحل‪.[25:‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫أك ْث َُرهُ ْ‬

‫)‪(17 /‬‬

‫قال ابن القيم عن هذا المثل‪" :‬ضربه الله سبحانه لنفسه وللوثان‪ ،‬فالله‬
‫سبحانه هو المالك لكل شيء‪ ،‬ينفق كيف يشاء على عبيده سرا ً وجهرًا‪ ،‬وليل ً‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حاء الليل والنهار‪ ،‬والوثان مملوكة‬ ‫ونهارًا‪ ،‬يمينه ملى ل يغيضها نفقة‪ ،‬س ّ‬
‫عاجزة ل تقدر على شيء‪ ،‬فكيف يجعلونها شركاء لي ويعبدونها من دوني مع‬
‫هذا التفاوت العظيم والفرق المبين؟! هذا قول مجاهد وغيره وهو أشبه‬
‫بالمراد‪ ،‬فإنه أظهُر في بطلن الشرك وأوضح عند المخاطب‪ ،‬وأعظم في‬
‫إقامة الحجة"‪.‬‬
‫ل اله‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ن إ ِل َهٍ ِإذا ً ل ّذ َهَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫من وَل َد ٍ وَ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫‪ -3‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ض{ ]المؤمنون‪.[91:‬‬ ‫َ‬ ‫خل َقَ وَل َعَل َ ب َعْ ُ‬
‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫قال ابن القيم‪" :‬فتأمل هذا البرهان بهذا اللفظ الوجيز الظاهر‪ ،‬فإن الله‬
‫ل‪ ،‬يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضر‪ ،‬فلو‬ ‫الحق ل بد أن يكون خالقا ً فاع ً‬
‫كان معه سبحانه إله آخر يشركه في ملكه لكان له خلق وفعل‪ ،‬وحينئذٍ فل‬
‫يرضى تلك الشركة‪ ،‬بل إن قدر على قهر ذلك الشريك وتفّرده بالملك‬
‫واللهية دونه فعل‪ ،‬وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه‪ ،‬وذهب بذلك الخلق‪،‬‬
‫كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم عن بعض بممالكه‪ ،‬إذا لم يقدر المنفرد منهم‬
‫على قهر الخر والعلو عليه‪ ،‬فل بد من أحد ثلثة أمور‪ :‬إما أن يذهب كل إله‬
‫بخلقه وسلطانه‪ ،‬وإما أن يعلو بعضهم على بعض‪ ،‬وإما أن يكونوا تحت قهر‬
‫ملك واحد يتصرف فيهم كيف يشاء ول يتصرفون فيه‪ ،‬بل يكون وحده هو‬
‫م أمر العالم كله‬ ‫الله‪ ،‬وهم العبيد المربوبون المقهورون من كل وجه‪ ،‬وانتظا ُ‬
‫ل دليل على أن مدبره إله واحد ومِلك واحد ورب واحد‪،‬‬ ‫وإحكام أمره من أد ّ‬
‫ل إله للخلق غيره‪ ،‬ول رب لهم سواه"‪.‬‬
‫ل ذ َّر ٍ‬
‫ة‬ ‫قا َ‬‫مث ُ َ‬‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ن الل ّهِ ل َ ي َ ْ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫م ّ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ن َزعَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عوا ْ ال ّ ِ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫‪ -4‬وقوله تعالى‪} :‬قُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫من ظِهي ٍ‬ ‫م ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل ُ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫شْر ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ِفيهِ َ‬ ‫ما لهُ ْ‬
‫َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ت وَل َ ِفى الْر ِ‬ ‫ماوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ِفى ال ّ‬
‫ه{ ]سبأ‪.[23 ،22:‬‬ ‫نل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن أذِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عند َه ُ إ ِل ّ ل ِ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫فاعَ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫فعُ ال ّ‬ ‫* وَل َ َتن َ‬
‫قال ابن القيم‪" :‬فتأمل كيف أخذت هذه الية على المشركين مجامع الطرق‬
‫التي دخلوا منها إلى الشرك‪ ،‬وسد ّ بها عليهم أبلغ سد ّ وأحكمه‪ ،‬فإن العابد إنما‬
‫يتعلق بالمعبود لما يرجو من نفعه‪ ،‬وإل فلو كان ل يرجو منفعة لم يتعلق قلبه‬
‫به‪ ،‬وحينئذ ٍ فل بد أن يكون المعبود مالكا ً للسباب التي ينفع بها عابده‪ ،‬أو‬
‫شريكا ً لمالكها‪ ،‬أو ظهيرا ً أو وزيرا ً أو معاونا ً له‪ ،‬أو وجيها ً ذا حرمة وقدر يشفع‬
‫عنده‪ ،‬فإذا انتفت هذه المور الربعة من كل وجه انتفت أسباب الشرك‬
‫وانقطعت مواّده‪ ،‬فنفى سبحانه عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في‬
‫السموات والرض‪ ،‬فقد يقول المشرك‪ :‬هي شريكة المِلك الحق‪ ،‬فنفى‬
‫ما‬‫كها له‪ ،‬فيقول المشرك‪ :‬قد يكون ظهيرا ً أو وزيرا ً أو معاونًا‪ ،‬فقال‪} :‬وَ َ‬ ‫شر َ‬
‫ر{‪ ،‬ولم يبق إل الشفاعة‪ ،‬فنفاها عن آلهتهم‪ ،‬وأخبر أنه ل‬ ‫من ظ َِهي ٍ‬ ‫م ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫يشفع أحد عنده إل بإذنه‪ ،‬فإن لم يأذن للشافع لم يتقدم بالشفاعة بين يديه"‪.‬‬
‫َ‬
‫من‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫مُعوا ْ ل َ ُ‬ ‫ل َفا ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫مث َ ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫‪ -5‬وقوله تعالى‪} :‬ياأي َّها الّنا ُ‬
‫شْيئا ً ل ّ‬ ‫ب َ‬ ‫م الذ َّبا ُ‬ ‫سل ُب ْهُ ُ‬ ‫ه وَِإن ي َ ْ‬ ‫مُعوا ْ ل َ ُ‬ ‫جت َ َ‬ ‫قوا ْ ذ َُبابا ً وَل َوِ ا ْ‬ ‫خل ُ ُ‬‫ن الل ّهِ َلن ي َ ْ‬ ‫ُدو ِ‬
‫ب{ ]الحج‪.[73:‬‬ ‫مطلو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ب َوال َ‬ ‫ّ‬
‫ف الطال ِ ُ‬ ‫ضعُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ذوه ُ ِ‬ ‫ق ُ‬‫سَتن ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫مل هذا المثل الذي أمر الناس كلهم باستماعه‪ ،‬فمن لم‬ ‫قال ابن القيم‪" :‬فتأ ّ‬
‫من إبطال الشرك وأسبابه بأوضح برهان‬ ‫يسمعه فقد عصى أمره‪ ،‬كيف تض ّ‬
‫جل على جميع آلهة المشركين أنهم لو‬ ‫في أوجز عبارة وأحسنها وأحلها‪ ،‬وس ّ‬
‫ً‬
‫اجتمعوا كلهم في صعيد واحد وعاون بعضهم بعضا بأبلغ المعاونة لعجزوا عن‬
‫خلق ذباب واحد‪ ،‬ثم بّين عجزهم وضعفهم عن استنقاذ ما يسلبهم الذباب إياه‬
‫حين يسقط عليهم‪ ،‬فأي شيء أضعف من هذا الله المطلوب‪ ،‬ومن عابده‬
‫در القوي العزيز حقا ً قدره من أشرك معه آلهة‬ ‫الطالب نفعه وحده؟ فهل ق ّ‬
‫ظ وأحسنها‪ ،‬لم‬ ‫ٍ‬ ‫ألفا‬ ‫بأعذب‬ ‫ذلك‬ ‫ين‬‫ّ‬ ‫وب‬ ‫التوحيد‪،‬‬ ‫حجة‬ ‫هذا شأنها؟ فأقام سبحانه‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستنكرها غموض‪ ،‬ولم يشنها تطويل‪ ،‬ولم يعبها تقصير"‪.‬‬


‫ب‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ َر ّ‬
‫حا َ‬ ‫سد ََتا فَ ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ة إ ِل ّ الل ّ ُ‬
‫ما ءال ِهَ ٌ‬
‫ن ِفيهِ َ‬ ‫‪ -6‬وقوله تعالى‪} :‬ل َوْ َ‬
‫كا َ‬
‫ن{ ]النبياء‪.[22:‬‬ ‫فو َ‬
‫ص ُ‬
‫ما ي َ ِ‬
‫ش عَ ّ‬ ‫ْ‬
‫العَْر ِ‬
‫سد ََتا{ في ذاتهما‪ ،‬وفسد‬ ‫ف َ‬‫قال ابن سعدي‪" :‬أي‪ :‬في السموات والرض }ل َ َ‬
‫من فيهما من المخلوقات‪.‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫وبيان ذلك أن العالم العلوي والسفلي ـ على ما يرى ـ في أكمل ما يكون من‬
‫الصلح والنتظام الذي ما فيه خلل ول عيب‪ ،‬ول ممانعة ول معارضة‪ ،‬فد ّ‬
‫ل‬
‫ذلك على أن مدّبره واحد وربه واحد وإلهه واحد‪ ،‬فلو كان له مدّبران ورّبان أو‬
‫وضت أركانه‪ ،‬فإنهما يتمانعان ويتعارضان‪ ،‬وإذا‬ ‫ل نظامه وتق ّ‬ ‫أكثر من ذلك لخت ّ‬
‫أراد أحدهما تدبير شيء وأراد الخر عدمه فإنه محال وجود مرادهما معا‪ً،‬‬
‫ل على عجز الخر وعدم اقتداره‪ ،‬واتفاقهما‬ ‫ووجود مراد أحدهما دون الخر يد ّ‬
‫ً‬
‫على مرادٍ واحد في جميع المور غير ممكن‪ ،‬فإذا يتعّين أن القاهر الذي يوجد‬
‫ده من غير ممانع ول مدافع هو الله الواحد القهار"‪.‬‬ ‫مراده وح َ‬
‫إعلم الموقعين )‪ (1/211‬بتصرف‪.‬‬
‫إعلم الموقعين )‪ (212-1/211‬بتصرف‪.‬‬
‫مختصر الصواعق )‪.(96 ،95‬‬
‫مختصر الصواعق )‪.(94‬‬
‫مختصر الصواعق )‪.(97‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )‪.(521‬‬
‫سابعا‪ :‬آثار الشرك وأضراره‪:‬‬
‫ب تعالى ومحبته في قلب صاحبه‪:‬‬ ‫‪ -1‬ضعف تعظيم الر ّ‬
‫ذكر العلماء في وصف حال المشركين أنهم يحبون معبوداتهم ويعظمونها‬
‫ويوالونها من دون الله‪ ،‬وكثير منهم ـ بل أكثرهم ـ يحبون آلهتهم أعظم من‬
‫محبة الله‪ ،‬ويستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله وحده‪،‬‬
‫ويغضبون لمنتقص معبوديهم وآلهتهم من المشايخ أعظم مما يغضبون إذا‬
‫ب العالمين‪ ،‬وإذا انتهكت حرمة من حرمات آلهتهم ومعبوداتهم‬ ‫انتقص أحد ر ّ‬
‫ب الليث إذا حَرد‪ ،‬وإذا انتهكت حرمات الله لم يغضبوا لها‪ ،‬بل إذا‬ ‫غضبوا غض َ‬
‫قام المنتهك لها بإطعامهم شيئا رضوا عنه‪ ،‬ولم تتنكر له قلوبهم‪ ...‬فهذه حال‬‫ً‬
‫من اتخذ من دون الله وليًا‪ ،‬ويزعم أنه يقربه إلى الله‪.‬‬
‫‪ -2‬سقوط صاحبه من أوج العزة والكرامة إلى حضيض السفول والقلق‬
‫والرذيلة‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وى‬‫ه الط ّي ُْر أوْ ت َهْ ِ‬ ‫خط َ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ماء فَت َ ْ‬‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫خّر ِ‬
‫ما َ‬‫ك ِبالل ّهِ فَك َأن ّ َ‬‫شرِ ْ‬‫من ي ُ ْ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ق{ ]الحج‪.[31:‬‬ ‫حي ٍ‬‫س ِ‬‫ن َ‬ ‫م َ‬
‫كا ٍ‬ ‫ح ِفى َ‬‫ب ِهِ الّري ُ‬
‫قال ابن القيم‪" :‬تأمل هذا المثل ومطابقته لحال من أشرك بالله وتعلق‬
‫بغيره‪ ،‬ويجوز لك في هذا التشبيه أمران‪:‬‬
‫كبا‪ ،‬ويكون قد شبه من أشرك بالله وعبد معه‬ ‫أحدهما‪ :‬أن تجعله تشبيها مر ّ‬
‫ور حاله‬ ‫غيَره برجل قد تسّبب إلى هلك نفسه هلكا ل ُيرجى معه نجاة‪ ،‬فص ّ‬
‫بصورة حال من خّر من السماء فاختطفته الطير في الهوى فتمّزق مزقا في‬
‫حواصلها‪ ،‬أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطارح البعيدة‪ ،‬وعلى‬
‫ل فرد من أفراد المشبه ومقابله من المشبه به‪.‬‬ ‫هذا ل تنظر إلى ك ّ‬
‫ّ‬
‫والثاني‪ :‬أن يكون من التشبيه المفّرق‪ ،‬فيقاَبل كل واحد من أجزاء الممثل‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وه وسعته‬ ‫بالممّثل به‪ ،‬وعلى هذا فيكون قد شّبه اليمان والتوحيد في عل ّ‬
‫وشرفه بالسماء التي هي مصعده ومهبطه‪ ،‬فمنها هبط إلى الرض‪ ،‬وإليها‬
‫ك اليمان والتوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل‬ ‫يصعد منها‪ ،‬وشّبه تار َ‬
‫سافلين من حيث التضييق الشديد واللم المتراكمة والطير الذي تخطف‬
‫ل ممزق بالشياطين التي يرسلها الله سبحانه وتعالى عليه‬ ‫أعضاءه وتمزقه ك ّ‬
‫وتؤّزه أّزا وتزعجه وتقلقه إلى مظان هلكه‪ ،‬فكل شيطان له مزعة من دينه‬
‫ل طير مزعة من لحمه وأعضائه‪ ،‬والريح التي تهوي به في‬ ‫وقلبه كما أن لك ّ‬
‫مكان سحيق هو هواه الذي يحمله على إلقاء نفسه في أسفل مكان وأبعده‬
‫من السماء"‪.‬‬
‫‪ -3‬نجاسة صاحبه‪:‬‬
‫س{ ]التوبة‪.[28:‬‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ج ٌ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫شرِكو َ‬ ‫ما ال ُ‬‫مُنوا إ ِن ّ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ياأي َّها ال ِ‬
‫جسا ً‬ ‫قال ابن القيم‪" :‬ونجاسة الشرك عينية‪ ،‬ولهذا جعل سبحانه الشرك ن َ‬
‫جس عين‬ ‫جس بالكسر‪ ،‬فإن الن ّ َ‬ ‫بفتح الجيم‪ ،‬ولم يقل‪ :‬إنما المشركون ن ِ‬
‫جس‪ ،‬فأنجس النجاسة الشرك‪ ،‬كما أنه أظلم‬ ‫جس بالكسر المتن ّ‬ ‫النجاسة‪ ،‬والن ِ‬
‫الظلم"‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه يوجب لصاحبه عذاب الله تعالى في الدنيا والخرة‪:‬‬
‫ت{‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫كي َ َ ُ ِ‬
‫ش‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َوال ْ ُ‬ ‫قا ِ‬‫مَنافِ َ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬‫ه ال ْ ُ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ل ّي ُعَذ ّ َ‬
‫]الحزاب‪.[73:‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬والمقصود أن الشرك لما كان أظلم الظلم وأقبح القبائح‬
‫وأنكر المنكرات كان أبغض الشياء إلى الله وأكرهها له وأشدها مقتا ً لديه‪،‬‬
‫ورّتب عليه من عقوبات الدنيا والخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه‪ ،‬وأخبر أنه‬
‫مه‪ ،‬وحّرم ذبائحهم‬ ‫حَر ِ‬ ‫ل يغفره‪ ،‬وأن أهله نجس‪ ،‬ومنعهم من قربان َ‬
‫ومناكحتهم‪ ،‬وقطع الموالة بينهم وبين المؤمنين‪ ،‬وجعلهم أعداًء له سبحانه‬
‫ولملئكته ورسله وللمؤمنين‪ ،‬وأباح لهل التوحيد أموالهم ونساءهم وأبناءهم‬
‫وأن يتخذوهم عبيدًا‪ ،‬وهذا لن الشرك هضم لحقّ الربوبية‪ ،‬وتنقيص لعظمة‬
‫اللهية"‪.‬‬
‫ب العالمين ويتنقصه تعالى‪:‬‬ ‫‪ -5‬أن المتلّبس به يسيء الظن بر ّ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫ت الظاّني َ‬ ‫َ‬
‫شرِكا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ت َوال ُ‬ ‫قا ِ‬ ‫مَنافِ َ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَي ُعَذ ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫م وَأعَد ّ لهُ ْ‬ ‫م وَلعَن َهُ ْ‬ ‫ه عَلي ْهِ ْ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬
‫وء وَغ ِ‬ ‫س ْ‬‫م َدائ َِرةُ ال ّ‬ ‫وء عَل َي ْهِ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬‫ِبالل ّهِ ظ َ ّ‬
‫صيرًا{ ]الفتح‪.[1:‬‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساء ْ‬
‫م وَ َ‬‫جهَن ّ َ‬
‫َ‬

‫)‪(19 /‬‬

‫قال ابن القيم‪" :‬فلم يجمع على أحد من الوعيد والعقوبة ما جمع على أهل‬
‫ن‬
‫ن السوء حتى أشركوا به‪ ،‬ولو أحسنوا به الظ ّ‬ ‫الشراك‪ ،‬فإنهم ظّنوا به ظ ّ‬
‫حدوه حقّ توحيده"‪.‬‬ ‫لو ّ‬
‫قص لزم له ضرورة‪،‬‬ ‫ب سبحانه‪ ،‬والتن ّ‬
‫قص الر ّ‬ ‫ً‬
‫وقال أيضا‪" :‬فالشرك ملزوم لتن ّ‬
‫ده سبحانه وكمال ربوبيته أن ل‬ ‫رك أم أبى‪ ،‬ولهذا اقتضى حم ُ‬ ‫شاء المش ِ‬
‫ّ‬
‫يغفره‪ ،‬وأن يخلد َ صاحَبه في العذاب الليم ويجعله أشقى البرية‪ ،‬فل تجد‬
‫قص لله سبحانه"‪.‬‬ ‫مشركا ً إل وهو متن ّ‬
‫‪ -6‬أن التلبس به يوقع الفرد والمجتمع في ظلمات متراكمة‪:‬‬
‫إن أكبر الكبائر الشراك بالله تعالى‪ ،‬ذلك لن الشرك ظلمات متراكمة بعضها‬
‫فوق بعض‪ ،‬وحجب متلطمة ل يقّر لها قرار‪ ،‬فهو يجعل النسان عبدا ً‬
‫للمخلوق‪ ،‬وهو ل يعبد المخلوق إل جلبا ً لفائدة أو دفعا ً لضرر‪ ،‬فهو في الواقع‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عبد لمصلحته‪ ،‬وبالتالي هو عبد لنفسه‪ ،‬وعبادة النفس معناها أن الشخص‬


‫غير صالح ليكون عضوا ً كريما ً عامل ً على الرقي بالجماعة النسانية محققا ً‬
‫لسعادتها‪ ،‬بل هو على الضد من ذلك يكون عدوا ً للنسانية‪ ،‬هادما ً لركانها‪،‬‬
‫ساعيا ً في شقائها دون أن يدري؛ إذ إن الشرك يقلب الوضاع‪ ،‬فيجعل الح ّ‬
‫ق‬
‫ل‪ ،‬والباطل حقًا‪ ،‬والخالق مخلوقًا‪ ،‬والمخلوق خالقًا‪ ،‬وعلى هذا الساس ل‬ ‫باط ً‬
‫يمكن أن تبنى قواعد الجماعات على أسس سليمة‪ ،‬ذلك لن العلقات‬
‫النسانية تكون مبنية على مستلزمات الشرك‪ ،‬وهي الجشع والتربص والحقد‬
‫والكذب وسفك الدماء والعدوان والستعباد والذلل‪.‬‬
‫ول إلى فوضى ل‬ ‫كل ذلك يؤدي إلى انفراط نظام العقد النساني الذي يتح ّ‬
‫ّ‬
‫ضابط لها ول رابط‪ ،‬يسودها الخوف‪ ،‬ويخّيم عليها القلق‪ ،‬وتتخللها الحروب‬
‫التي ل تنتهي‪ ،‬والتي تسببها الطماع التي ل تنتهي‪ ،‬وحينئذ تصبح الحياة شقاء‬
‫ذب فيه البشر بعضهم بعضًا‪.‬‬ ‫ل سعادة فيه‪ ،‬وجحيما ً ل يطاق‪ ،‬يع ّ‬
‫مدارج السالكين )‪.(369-1/368‬‬
‫إعلم الموقعين )‪.(1/180‬‬
‫إغاثة اللهفان )‪.(1/98‬‬
‫إغاثة اللهفان )‪.(1/99‬‬
‫إغاثة اللهفان )‪.(1/99‬‬
‫إغاثة اللهفان )‪.(1/101‬‬
‫انظر‪ :‬دعوة التوحيد‪ ،‬لمحمد خليل هراس )‪.(73-72‬‬
‫ثامنا‪ :‬سد ّ الذرائع المفضية إلى الشرك‪:‬‬
‫جاءت الشريعة السلمية الغراء بالتدابير الواقية من الوقوع في الشرك‪،‬‬
‫فمن ذلك‪:‬‬
‫أ‪ -‬التحذير من الوقوع في الشرك فيما يتعلق بذات الله سبحانه وأسمائه‬
‫وصفاته‪:‬‬
‫‪ -1‬التحذير من الوساوس والشكوك والوهام‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫))قال الله عز وجل‪ :‬إن أمتك ل يزالون يقولون‪ :‬ما كذا؟ ما كذا؟ حتى‬
‫يقولون‪ :‬هذا الله خَلق الخْلق‪ ،‬فمن خلق الله؟((‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬ل‬
‫يزال الناس يسألونكم عن العلم حتى يقولوا‪ :‬هذا الله خلقنا‪ ،‬فمن خلق‬
‫الله؟(( ‪.‬‬
‫ذر النبي‬ ‫كن في القلب يحصل الشرك في ذاته سبحانه‪ ،‬فح ّ‬ ‫ك إذا تم ّ‬
‫فهذا الش ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم من الوقوع في ذلك‪ ،‬وبّين للناس كيفية اّتقائه‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))يأتي الشيطان أحدكم فيقول‪ :‬من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له‪ :‬من خلق‬
‫ه((‪ ،‬وفي رواية‪)) :‬فمن وجد من ذلك‬ ‫ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينت َ ِ‬
‫شيئا ً فليقل‪ :‬آمنت بالله((‪ ،‬زاد في رواية‪)) :‬ورسله((‪.‬‬
‫‪ -2‬التحذير من الكبر الذي هو حق الله تعالى‪:‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪)) :‬العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته((‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬ومعنى ))ينازعني((‪ :‬يتخّلق بذلك فيصير بمعنى المشارك‪ ،‬وهذا‬
‫وعيد شديد في الكبر"‪.‬‬
‫‪ -3‬التحذير من التشبه بالله تعالى في السم الذي ل ينبغي إل له وحده‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬أخنع‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مى بملك الملك((‪ ،‬وفي لفظ‪)) :‬أغيظ رجل على‬ ‫السماء عند الله رجل تس ّ‬
‫الله رجل يسمى بملك الملك((‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬واعلم أن التسمي بهذا السم حرام‪ ،‬وكذلك التسمي بأسماء‬
‫الله تعالى المختصة به كالرحمن والقدوس والمهيمن وخالق الخلق ونحوها"‪.‬‬
‫ب‪ -‬التحذير من الوقوع في الشرك في عبادة الله تعالى‪:‬‬
‫‪ -1‬الخبار بوقوع الشرك في آخر الزمان‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))ل تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة((‪،‬‬
‫وكانت صنما ً تعبدها دوس في الجاهلية بتبالة‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول‪)) :‬ل يذهب الليل والنهار حتى ُتعَبد اللت والعزى((‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول‬
‫َ‬
‫ن‬
‫دى وَِدي ِ‬‫ه ِبال ْهُ َ‬
‫سول َ ُ‬ ‫س َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ذى أْر َ‬ ‫ن حين أنزل الله‪} :‬هُوَ ال ّ ِ‬ ‫الله‪ ،‬إن كنت لظ ّ‬
‫ً‬
‫ن ذلك تاما!!‬ ‫ن{ ]الصف‪ [9:‬أ ّ‬ ‫ُ‬
‫شرِكو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن كلهِ وَلوْ كرِهَ ال ُ‬ ‫حقّ ل ِي ُظ ْهَِرهُ عََلى ال ّ‬
‫ال ْ َ‬
‫دي ِ‬
‫قال‪)) :‬إنه سيكون من ذلك ما شاء الله‪ ،‬ثم يبعث الله ريحا ً طيبة فتوّفي ك ّ‬
‫ل‬
‫من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان‪ ،‬فيبقى من ل خير فيه‪ ،‬فيرجعون‬
‫إلى دين آبائهم((‪.‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فرجعت دوس وما حولها من‬
‫القبائل لعبادة الخلصة وافتتنوا بها‪ ،‬حتى قامت دعوة الشيخ محمد بن عبد‬
‫دد ما اندرس من الدين وعاد السلم لجزيرة العرب‪ ،‬فهدمت‬ ‫الوهاب‪ ،‬وتج ّ‬
‫ذي الخلصة وأزيلت آثارها ولله الحمد‪.‬‬
‫‪ -2‬النهي عن الطراء في مدحه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫عن عمر رضي الله عنه قال‪ :‬سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪)) :‬ل‬
‫تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم‪ ،‬فإنما أنا عبد‪ ،‬فقولوا‪ :‬عبد الله‬
‫ورسوله((‪.‬‬
‫إذ الغلو في تعظيمه يؤّدي إلى استشعار القلب بالخوف والرهبة منه والرجاء‬
‫فيه‪ ،‬فيصرف إليه عندئذ ٍ شيئا ً من حقوق الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬النهي عن البناء على القبور‪ ،‬وعن اتخاذها عيدا ً ومساجد‪:‬‬
‫عن عائشة أن أم سلمة رضي الله عنهما ذكرت لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها‪ :‬مارية‪ ،‬فذكرت له ما رأت فيها‬
‫من الصور‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬أولئك قوم إذا مات‬
‫وروا فيه تلك‬ ‫فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا‪ ،‬وص ّ‬
‫الصور‪ ،‬أولئك شرار الخلق عند الله((‪.‬‬
‫وعن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬لما نزل برسول الله صلى‬
‫م بها كشفها عن‬ ‫الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه‪ ،‬فإذا اغت ّ‬
‫وجهه فقال وهو كذلك‪)) :‬لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور‬
‫أنبيائهم مساجد((‪ ،‬يحذر ما صنعوا‪.‬‬
‫قال الحافظ‪" :‬وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض‪،‬‬
‫ظم قبره كما فعل من مضى‪ ،‬فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى‬ ‫فخاف أن يع ّ‬
‫م من يفعل فعلهم"‪.‬‬ ‫ذ ّ‬
‫وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ :‬نهى رسول الله صلى الله عليه‬
‫صص القبر‪ ،‬وأن يقعد عليه‪ ،‬وأن يبنى عليه‪.‬‬ ‫وسلم أن يج ّ‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -4‬النهي عن الصلة إلى القبور‪:‬‬


‫عن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬ل تصلوا إلى القبور‪ ،‬ول تجلسوا عليها((‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬فيه تصريح بالنهي عن الصلة إلى قبر"‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬فإن هذا وأمثاله من النبي صلى الله عليه وسلم صيانة‬
‫لحمى التوحيد أن يلحقه الشرك ويغشاه‪ ،‬وتجريد له وغضب لربه أن يعدل به‬
‫سواء"‪.‬‬
‫‪ -5‬المر بتسوية القبور وهدم ما بني عليها‪:‬‬
‫عن ثمامة بن شفي قال‪ :‬كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس‪ ،‬فتوفي‬
‫وي‪ ،‬ثم قال‪ :‬سمعت رسول الله‬ ‫صاحب لنا‪ ،‬فأمر فضالة بن عبيد بقبره فس ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها‪.‬‬
‫وعن أبي الهّياج السدي قال‪ :‬قال لي علي بن أبي طالب‪ :‬أل أبعثك على ما‬
‫بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أن ل تدع تمثال ً إل طمسَته‪ ،‬ول‬
‫ويته‪.‬‬‫قبرا ً مشرفا ً إل س ّ‬
‫قال سليمان آل الشيخ‪" :‬وقد أجمع العلماء على النهي عن البناء على القبور‬
‫وتحريمه ووجوب هدمه لهذه الحاديث الصحيحة الصريحة التي ل مطعن فيها‬
‫بوجه من الوجوه‪ ،‬ول فرق في ذلك بين البناء في مقبرة مسّبلة أو مملوكة إل‬
‫د"‪.‬‬
‫أنه في المملوكة أش ّ‬
‫‪ -6‬التحذير من زيارة القبور للصلة في المساجد المبنية عليها أو الدعاء‬
‫عندها وشد ّ الرحال إليها‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬ل تشد ّ‬
‫الرحال إل إلى ثلثة مساجد‪ :‬المسجد الحرام‪ ،‬ومسجد الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ومسجد القصى((‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر إلى غير‬
‫المساجد الثلثة"‪.‬‬
‫وقال أيضًا‪" :‬وهذا النهي يعم السفر إلى المساجد والمشاهد‪ ،‬وكل مكان‬
‫يقصد السفر إلى عينه للتقرب"‪.‬‬
‫‪ -7‬النهي عن الحلف بغير الله‪:‬‬
‫عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وهو‬
‫يحلف بأبيه‪ ،‬فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬أل إن الله ينهاكم‬
‫أن تحلفوا بآبائكم‪ ،‬فمن كان حالفا ً فليحلف بالله أو ليصمت((‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))من حلف منكم فقال في حلفه‪ :‬باللت والعزى فليقل‪ :‬ل إله إل الله((‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬وهو صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلف بغير الله‪ ،‬وعن‬
‫الصلة عند طلوع الشمس وغروبها‪ ،‬وعن اتخاذ القبور مساجد‪ ،‬واتخاذ قبره‬
‫عيدًا‪ ،‬ونهى عن السفر إلى غير المساجد الثلثة‪ ،‬وأمثال ذلك لتحقيق إخلص‬
‫الدين لله‪ ،‬وعبادة الله وحده ل شريك له‪ ،‬فهذا كله محافظة على توحيد الله‬
‫عز وجل وأن يكون الدين كله لله‪ ،‬فل يعبد غيره‪ ،‬ول يتوكل إل عليه‪ ،‬ول‬
‫يدعى إل هو‪ ،‬ول يّتقى إل هو‪ ،‬ول يصلى ول يصام إل له‪ ،‬ول ينذر إل له‪ ،‬ول‬
‫يحلف إل به‪ ،‬ول يحج إل إلى بيته"‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،،‬‬
‫أخرجه مسلم في اليمان )‪.(136‬‬
‫أخرجه مسلم في اليمان )‪.(135‬‬
‫أخرجه البخاري في بدء الخلق‪ ،‬باب‪ :‬صفة إبليس وجنوده )‪ ،(3276‬ومسلم‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في اليمان )‪.(134‬‬


‫وهي رواية لمسلم )‪.(134‬‬
‫وهي رواية لمسلم )‪.(134‬‬
‫أخرجه مسلم في البر والصلة )‪.(2620‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(16/173‬‬
‫أخرجه البخاري في الدب‪ ،‬باب‪ :‬أبغض السماء إلى الله )‪.(6206‬‬
‫هذا اللفظ عند مسلم في الداب )‪.(2143‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫شرح صحيح مسلم )‪.(14/122‬‬


‫أخرجه البخاري في الفتن‪ ،‬باب‪ :‬تغيير الزمان حتى تعبد الوثان )‪،(7116‬‬
‫ومسلم في الفتن )‪.(2906‬‬
‫أخرجه مسلم في الفتن )‪.(2907‬‬
‫الشرك في القديم والحديث )‪.(1/600‬‬
‫أخرجه البخاري في أحاديث النبياء‪ ،‬باب‪ :‬قول الله‪} :‬واذكر في الكتاب‬
‫مريم{ )‪.(3445‬‬
‫الشرك في القديم والحديث )‪.(1/612‬‬
‫أخرجه البخاري في الصلة‪ ،‬باب‪ :‬الصلة في البيعة )‪.(434‬‬
‫أخرجه البخاري في الصلة‪ ،‬باب‪ :‬حدثنا أبو اليمان )‪.(435‬‬
‫فتح الباري )‪.(1/634‬‬
‫أخرجه مسلم في الجنائز )‪.(970‬‬
‫أخرجه مسلم في الجنائز )‪.(972‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(7/38‬‬
‫إغاثة اللهفان )‪.(1/189‬‬
‫أخرجه مسلم في الجنائز )‪.(968‬‬
‫أخرجه مسلم في الجنائز )‪.(969‬‬
‫تيسير العزيز الحميد )‪.(332‬‬
‫أخرجه البخاري في فضل الصلة في مسجد مكة والمدينة‪ ،‬باب‪ :‬فضل‬
‫الصلة في مسجد مكة والمدينة )‪ .(1189‬ومسلم في الحج )‪.(511‬‬
‫اقتضاء الصراط المستقيم )‪.(2/153‬‬
‫اقتضاء الصراط المستقيم )‪.(2/182‬‬
‫أخرجه البخاري في الدب‪ ،‬باب‪ :‬من لم ير إكفار من قال ذلك متأول ً )‬
‫‪ ،(6108‬ومسلم في اليمان )‪.(1646‬‬
‫أخرجه البخاري في الدب‪ ،‬باب‪ :‬من لم ير إكفار من قال ذلك متأول ً )‬
‫‪ ،(6107‬ومسلم في اليمان )‪.(1647‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(351-27/350‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫الشركات النقية والسهم المختلطة!‬


‫تركي بن محمد اليحيى ‪1/7/1427‬‬
‫‪26/07/2006‬‬
‫مصطلح "السهم النقية" يراد به أن تكون الشركة خالية من الستثمارات‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المحرمة المعلنة أو البارزة في نشاط الشركة أو قوائمها‪ ،‬وذلك أنه ل يمكن‬


‫أن يشترط على المسلم أن يتتبع جزئيات الشركة وأعمالها اليومية‪ ،‬فهذا‬
‫متعذر ول يمكن اشتراطه‪ ،‬فُيكتفي بما يظهر من أعمال الشركة ونشاطاتها‬
‫وقوائمها‪.‬‬
‫أما ما يسمى بـ"الشركات المختلطة" فهي الشركات ذات النشاط المباح في‬
‫الصل لكنها تتعامل ببعض المعاملت المحرمة كالربا وغيره‪ ،‬وهذه أجازها‬
‫ف بينهم في ضوابط الجواز‪ ،‬بينما حرمها بعض‬ ‫بعض أهل العلم على اختل ٍ‬
‫أهل العلم مهما كانت نسبة الختلط فيها‪.‬‬
‫والذي ظهر لي من خلل بحث المسألة والقوال والدلة فيها رجحان القول‬
‫بالتحريم‪.‬‬
‫وليس المقصود هنا بحث هذه المسألة‪ ،‬وإنما المراد الحديث عن مسألة‬
‫مبنية على القول بتحريم السهم المختلطة‪.‬‬
‫وهي أن بعض الشركات "النقية" التي ل تستثمر بالحرام‪ ،‬قد تستثمر في‬
‫ل حول تأثير هذا‬ ‫أسهم الشركات المختلطة‪ ،‬وقد يرد على الباحث إشكا ٌ‬
‫الستثمار على جواز تلك الشركات النقية‪.‬‬
‫وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن مثل هذا الستثمار يؤدي إلى اعتبار تلك‬
‫الشركات شركات مختلطة ويخرجها عن كونها من الشركات النقية‪.‬‬
‫وحيث إن هذه المسألة متصلة بأحد مباحث رسالة الدكتوراه التي أقوم‬
‫بإعدادها فقد كتبت فيها وجهة نظر أحببت أن أطرحها بين يدي إخواني من‬
‫الباحثين وطلبة العلم‪ ،‬أرجو أن أستفيد من مداخلتهم حولها‪.‬‬
‫ولعلي أطرح المسألة من خلل النقاط التالية‪:‬‬
‫ل‪ :‬لبد أن نحدد الوصف الفقهي لتحريم السهم المختلطة‪ ،‬ثم نبني الحكم‬ ‫أو ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫انطلقا من ذلك الوصف‪ ،‬بحيث نعطي حكما مطردا لكل مسألة مماثلة‪ ،‬فل‬ ‫ً‬
‫نفرق بين المتماثلت في الحكم أو العكس‪.‬‬
‫فإذا اعتبرنا تحريم السهم المختلطة أمرا ً قطعيا‪ ،‬أو أن الخلف فيها خل ٌ‬
‫ف‬ ‫ً‬
‫شاذ‪ ،‬فيجب أن يكون أثر الستثمار فيها على الشركات‪ ،‬كأثر الستثمار بالربا‬
‫وغيره من المعاملت المحرمة‪.‬‬
‫أما إذا اعتبرنا أن تحريمها مسألة اجتهادية مختلف فيها وأنه مع كون الراجح‬
‫هو تحريمها‪ ،‬إل أنها تظل مسألة اجتهادية‪ ،‬والخلف فيها له حظ من النظر‪،‬‬
‫فيجب هنا أن نعطيها حكم المعاملت المختلف فيها‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إذا كان محل العقد أو النشاط الغالب في الشركة هو المختلف فيه‪،‬‬
‫فإن الشريك الذي يرى القول بالتحريم يحرم عليه الدخول في الشركة‪ ،‬أو‬
‫الستمرار إذا كان داخل ً فيها‪ ،‬لنه يعتقد حرمة المحل‪.‬‬
‫أما إن كان محل العقد أو النشاط الغالب في الشركة مما يعتقد الشريك حله‬
‫ط‬
‫وإباحته‪ ،‬فإن المشاركة تجوز له بالتفاق‪ ،‬فإذا دخلت الشركة في نشا ٍ‬
‫مختلف فيه لكون الشركاء يعتقدون الباحة فالحكم هنا مختلف وهو محل‬
‫البحث‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المعاملت المختلف فيها كثيرة جدا‪ ،‬والشركاء قد يتفقون أن يكون‬
‫ً‬
‫محل الشركة ونشاطها مما يتفقون على جوازه‪ ،‬ولكن قد يقع من بعضهم‬
‫من المعاملت ما يرى إباحته هو ويدخلها بتأويل سائغ‪ ،‬بينما قد يكون بعض‬
‫الشركاء ممن يرى التحريم‪ ،‬فهل تخرج الشركة من كونها نقية إلى أن تكون‬
‫مختلطة بمجرد أن تدخل في أي عقد مختلف فيه؟‪ ،‬ل سيما إذا كان دخولها‬
‫في هذا المختلف فيه مبنيا ً على تأويل سائغ وفتوى معتبرة‪ ،‬فلو كان المر‬
‫كذلك لم يصح من الشركات إل التي تكون جميع المعاملت فيها جائزة‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذر لكثرة الخلف في المعاملت‪ ،‬أو التي يكون الشركاء‬ ‫بالجماع‪ ،‬وهذا متع ّ‬
‫فيها متفقين في جميع مسائل الخلف‪ ،‬وهذا ل يقول به أحد‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬نظرا ً لختلف أقوال العلماء في بعض مسائل المعاملت المالية‬
‫الجتهادية‪ ،‬فإن الشركاء إذا كانوا من مذهبين مختلفين‪ ،‬قد يقع من أحدهما‬
‫معاملة مالية جائزة في مذهبه‪ ،‬لكنها محرمة في مذهب شريكه‪ ،‬فيرد بناًء‬
‫على هذا مسألة حكم مشاركة المسلم للمسلم إذا كانا من مذهبين مختلفين‪.‬‬
‫وإذا كانت العلة من اشتراط أن ل يلي الكافر العمل إذا شاركه المسلم‪ ،‬هي‬
‫في كونه قد يتعامل بالحرام‪ ،‬فإن العلة موجودة هنا‪ ،‬وهي أنه من المحتمل‬
‫ن من يلي العمل من الشريكين قد يتعامل بما هو عند شريكه محرم‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫ورغم ذلك لم أجد من أهل العلم من اشتراط اتحاد المذهب‪ ،‬مما يدل على‬
‫ص على الجواز في أوسع نوع‬ ‫أنها على الصل وهو الجواز‪ ،‬بل إن هناك من ن ّ‬
‫من أنواع الشركات وهي المفاوضة‪ ،‬كما جاء عند الحنفية‪" :‬وتصح المفاوضة)‬
‫ي‪ ،‬وإن تفاوتا تصرفا ً في متروك التسمية؛ لتساويهما‬
‫ي وشافع ّ‬ ‫‪(1‬بين حنف ّ‬
‫مل ّ ّ‬
‫ة")‪.(2‬‬
‫المذاهب الربعة بالتفاق تصحح الشركة بين مختلفي المذهب‪ ،‬رغم أنه من‬
‫المعلوم اختلف المذاهب في كثير من مسائل المعاملت‪ ،‬وأن الشريك لبد‬
‫أن يقع منه من العقود والمعاملت ما يرى جوازه بينما شريكه يرى التحريم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولو لم نقل بهذا للزم أن يشترط في المضاربة مثل ً أن ل يدفع رب المال‬


‫ماله لحد ليتاجر به‪ ،‬إل إذا حدد له أنواع العقود بدقة‪ ،‬أو كان متفقا ً معه في‬
‫جميع مسائل الخلف بل استثناء‪ ،‬حتى ولو كان العامل مسلمًا‪ ،‬ل يجري من‬
‫العقود إل ما اعتقد جوازه‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬من الواضح اتفاق الفقهاء من المذاهب الربعة على التفريق بين‬
‫أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬دخول الشركة في الحرام المحض‪ ،‬ولذلك يشترطون لجواز مشاركة‬
‫الكافر أن ل يلي التصرف؛ لكونه قد يعقد على الحرام المحض‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬دخول الشركة في المعاملت المختلف فيها إذا كان من يلي عقدها‬
‫هو من يرى الجواز بناء على مذهبه‪ ،‬أو اجتهاده‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬ولذلك ل‬
‫يشترط أحد منهم أن يتفق الشركاء في المذهب‪.‬‬
‫ولذلك من المهم التفريق بين المرين في مسألتنا‪ ،‬وأقصد التفريق بين‬
‫الدخول في الشركة التي تتعامل بالحرام المحض‪ ،‬وبين الشركة التي تستثمر‬
‫في مجالت هي محل خلف بين أهل العلم‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬من المهم أن يقال لمن اعتبر الشركات النقية شركات مختلطة إذا‬
‫ما استثمرت بالسهم المختلطة‪ :‬ما ضابط الشركات المختلطة؟‬
‫فإن قيل‪ :‬هي التي تتعامل بالحرام المحض المقطوع بحرمته‪ ،‬أو ما كان‬
‫القول بجوازه قول ً شاذًا‪.‬‬
‫قيل‪ :‬فالسهم المختلطة ليست من المقطوع بحرمته‪ ،‬وليس القول بالجواز‬
‫من القوال الشاذة التي ل اعتبار لها –رغم أننا نقول برجحان التحريم‪.-‬‬
‫وإن قيل‪ :‬بل بالمختلطة تشمل حتى التي تتعامل بالمعاملت المختلف فيها‪.‬‬
‫قيل‪ :‬كل الشركات –سواء المساهمة أو غيرها‪ -‬تتعامل بالمختلف فيه‪ ،‬بل‬
‫أنتم ذكرتم شركة مكة مثل ً من النقية‪ ،‬رغم الخلف المشهور في حكم تأجير‬
‫دور مكة‪ ،‬ورغم كونها تؤجر بعض المحرمات‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وذكرتم نادك من النقية‪ ،‬رغم وجود عقد تأمين صحي عندها وهو محل خلف‪.‬‬
‫والتورق مختلف فيه فهل نقول بأن كل الشركات التي لديها تورق مختلطة؟‪.‬‬
‫وكذلك المرابحة للمر بالشراء‪ ،‬والتأجير المنتهي بالتمليك وغيرها‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬لعلي أمّثل لما أشرت إليه من أنه لبد أن يكون المحل جائزا ً أو‬
‫مطلقًا‪ ،‬وأن يكون المختلف فيه تابعًا‪ ،‬أما إن كان محل الشركة المختلف فيه‬
‫فإن من يرى التحريم‪ ،‬يحرم عليه الدخول في الشركة‪.‬‬
‫م عند الحنابلة‪ ،‬والشافعية‪ ،‬وجائٌز عند‬ ‫ومثال ذلك‪ :‬بيع كلب الصيد محر ٌ‬
‫الحناف‪.‬‬
‫ة مطلقة‪ ،‬فل إشكال في الجواز‪.‬‬ ‫ي شرك ً‬‫ي وحنف ٌ‬ ‫فلو تشارك حنبل ٌ‬
‫ح في‬ ‫ل‪ ،‬فإن محل العقد هنا مبا ٌ‬ ‫ة محددةً في بيع البهائم مث ً‬ ‫وإن تشاركا شرك ً‬
‫ي في الصورتين كلب الصيد أحيانا‪ً،‬‬ ‫الجملة عندهما‪ ،‬مع احتمال أن يبيع الحنف ُ‬
‫فالشركة هنا جائزة أيضًا‪.‬‬
‫ولو تشاركا على أن يتاجرا ببيع كلب الصيد بالتحديد‪ ،‬أو بأنها الغلب على‬
‫تجارتهما‪ ،‬فهذه هي الصورة الثالثة‪ ،‬والتي يظهر للباحث تحريمها؛ لن محل‬
‫م عند الحنبلي فل يجوز له القدام عليه‪.‬‬ ‫العقد محر ّ‬
‫ومثله ما يتعلق بالسهم المختلطة‪ ،‬فإن الشركة إذا كان محلها المتاجرة في‬
‫السهم المختلطة فإنه يحرم على من يرى تحريم السهم المختلطة الدخول‬
‫في الشركة‪ ،‬أما إن كانت الشركة في الصناعة‪ ،‬أو الزراعة‪ ،‬أو غيرها‪ ،‬ثم‬
‫استثمرت في السهم المختلطة لكونها ترى الجواز ودخلت بتأويل سائغ‪ ،‬فإن‬
‫الصل هو الجواز‪ ،‬إل إن رأى أن القول بجواز المختلطة قول ً شاذا ً وأن‬
‫التحريم مقطوعٌ به‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬يتلخص مما سبق أن الشركات النقية إذا استثمرت بالسهم المختلطة‬
‫ل تخرج من كونها نقية‪ ،‬وذلك وفق الضوابط التالية‪:‬‬
‫* أن ل يكون الستثمار بالمختلط هو محل الشركة‪ ،‬أو النشاط الغالب فيها‪.‬‬
‫* أن يكون الستثمار في السهم المختلطة مبنيا ً على تأويل سائغ‪ ،‬واتباعا ً‬
‫لفتوى من يعتد بقوله من أهل العلم‪.‬‬
‫أسأل الله أن يجنبنا‪ ،‬والمسلمين ما يغضبه‪ ،‬ويسخطه من القوال‪ ،‬والفعال‪..‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬كونهم ينصون على صحة المفاوضة بينهما أبلغ؛ لن التصرف في‬
‫المفاوضة عند الحناف أوسع من العنان‪ ،‬ولذلك يشترطون فيها اتحاد الدين‪،‬‬
‫فل يصح مشاركة الكافر مفاوضة مطلقًا‪ ،‬وذلك أن التصرف الشركة في‬
‫المفاوضة مطلق‪ ،‬ويعمل الشريك فيها بالتفويض المطلق في كل أنواع‬
‫التجارة وبدون علم صاحبه ويتساويات في التصرف وفي العمل وفي المال‬
‫وفي الربح من كل وجه‪.‬‬
‫)‪ (2‬حاشية ابن عابدين )‪ ،(6/471‬والنص هو من شرح تنوير البصار الذي‬
‫عليه الحاشية‪ ،‬وانظر‪ :‬شرح فتح القدير )‪.(6/150‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الشروط القرآنية للنصر والتمكين‬


‫]بقلم ‪ *:‬محمد أسعد بيوض التميمي )الكاتب والباحث والمحلل السياسي‬
‫الفلسطيني([ بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م( )محمد‪(7:‬‬ ‫ُ‬
‫مك ْ‬‫دا َ‬ ‫ْ‬
‫ت أق َ‬ ‫َ‬
‫م وَي ُثب ّ ْ‬ ‫ُ‬
‫صْرك ْ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬
‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬
‫مُنوا إ ِ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫)َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطائفة المنصورة ما هي وما مواصفاتها القرآنية‬


‫إننا نحن المسلمون ل ننتصر ل بكثرة عدد ولعدة وإنما ننتصر بهذا الدين‬
‫) بالقرآن العظيم ( الذي أنزل الله فيه شروطا ً للنصر عندما التزمنا بها نصرنا‬
‫الله مهما كان عددنا قليل ً ومهما كانت قوتنا ضعيفة قال تعالى ) كم من فئة‬
‫قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين( ‪249‬البقره ‪ ,‬فبهذه‬
‫الشروط الربانية انتصرنا في بدر أول معركة في السلم ومرورا ً ) بالقادسية‬
‫واليرموك وأجنادين وحطين وعين جالوت وبهذه الشروط فتحنا الندلس‬
‫والقسطنطينية( وغيرها كثير من المعارك الخالدة في تاريخنا المجيد الطويل‬
‫المفعم بالنتصارات والعزة والسؤدد والفخار ‪ ,‬وبهذه الشروط وقفنا يوما ً‬
‫على قمة القرون نحمل مصابيح الهدى نضيء للبشرية الطريق بنور‬
‫السلم ‪ ,‬وبهذه الشروط ارتقينا ذرى العزة والكرامة والمجد وقبضنا على‬
‫زمام التاريخ بأيدينا ‪ ,‬وبهذه الشروط أصبحنا سادة الدنيا وقادة البشرية ننشر‬
‫الرحمة والعدل والمن والمان في الرض فدخل الناس في دين الله أفواجا‬
‫دون إكراه ‪ ,‬وبهذه الشروط رفعنا راية التوحيد خفاقة من الندلس غربا إلى‬
‫حدود الصين شرقا ‪ ,‬وعندما تنكرنا لهذه الشروط والمواصفات وأبعد السلم‬
‫حورب دون هوادة تحت غطاء‬ ‫بقصد وتخطيط شيطاني عن المعركة بل و ُ‬
‫الحداثة و محاربة الرجعية والظلمية والدعوة إلى القومية والثورية والتقدمية‬
‫والعلمانية والشتراكية وعندما أخذ ) علماء السلطين ( يحرفون كلم الله‬
‫إرضاء للحكام الظالمين الفاسدين وامتهنوا التجارة بالدين ليشتروا به ثمنا‬
‫قليل ً وأصبحوا مرجعيتنا وحجتنا بدل ً من القرأن والسنة فكما قال صلى الله‬
‫عليه وسلم ) تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله‬
‫وسنتي ( حلت بنا الهزائم والكوارث وأصابنا الوهن ولحق بنا البوار والخزي‬
‫والعار والذل والهوان والنحطاط وتاهت بنا السبل وأصبحنا غثاء كغثاء السيل‬
‫تتداعى علينا المم من كل حدب وصوب كما تتداعى ألكلة إلى قصعتها‬
‫وتتقاذفنا الدول وتصفعنا بأيديها على وجوهنا وتركلنا بأرجلها على أدبارنا‬
‫ونحن كاليتام على مآدب اللئام ل أحد يدفع عنا ‪.‬‬
‫فما هي هذه الشروط التي وضعها الله سبحانه وتعالى حتى يأتي بنصره لنا‬
‫فنستعيد سيرتنا الولى و حتى نكون من الطائفة المنصورة التي يمكن الله‬
‫على أيديها لدينه في الرض ) وما النصر إل من عند الله ( ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬العقيدة الصحيحة القائمة على التوحيد الخالص لله رب العالمين فإذا‬
‫صحت العقيدة صح العمل وإذا بطلت العقيدة بطل العمل ولن يتقبله الله بل‬
‫ان من كانت عقيدته باطله ينطبق عليه قول الله تعالى) قل هل ننبئكم‬
‫بالخسرين أعمال ً * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم‬
‫يحسنون صنعا (‪104+03‬الكهف وقال تعالى ) ولقد أوحي إليك وإلى الذين‬
‫من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين (‪65‬الزمر‪.‬‬
‫والعقيدة الصحيحة هي الخالية من الشرك بتوحيد اللوهية وتوحيد الربوبية‬
‫وتوحيد السماء‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والصفات لله رب العالمين كما جاءت) بالقرآن والسنة( وكما اعتقد بها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته دون تأويل أو تعطيل أو تحريف أو‬
‫تشبيه أوتكييف قال تعالى) ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ( ‪11‬‬
‫الشورى ‪ ,‬و بأن نثبت لله ما أثبته لنفسه في القرآن وما أثبته له رسول الله‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم في سنته وأن ل نشرك بالله شيئا ً لنبي ول ولي ول‬
‫صاحب قبر ول شيخا ً ول )صاحب زمان‪ :‬المهدي المنتظر ( الذي يدعي من‬
‫يدعون أنهم من شيعة أ ل البيت وأ ل البيت منهم براء وما هم إل شيعة عبد‬
‫الله بن سبأ وصفويون متعصبون حاقدون على صحابة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم انه يرفع الكون بيمينه وأن العمال تعرض عليه ليلة الثنين‬
‫والخميس وأنه يرزق ويشفي وينصر ويستجيب لدعاء العباد ويقضي لهم‬
‫حاجاتهم التي ل يقدر عليها إل الله وهي من أساسيات التوحيد أي أنه إله يبت‬
‫في أعمال العباد نيابة عن الله سبحانه وتعالى ‪) ,‬قاتلهم الله أنى يؤفكون ( ‪,‬‬
‫إنها والله عقيدة التلمود )وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له‬
‫شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا (‪111‬السراء قال‬
‫تعالى )لله ما في السموات وما في الرض وإن ُتبدوا ما في أنفسكم أو‬
‫تخفوه ُيحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء وُيعذب من يشاء والله على كل‬
‫شيء قدير( ‪ 284‬البقرة وقال تعالى ) ولله غيب السماوات والرض وإليه‬
‫كله فأعبده وتوكل عليه وما رُبك بغافل عما تعملون (‪123‬هود‬ ‫يرجع المر ُ‬
‫وقال تعالى ) يوم ببعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه‬
‫والله على كل شيء شهيد ( ‪6‬المجادله ‪ ,‬فل معصوم إل النبياء وأن الحساب‬
‫والثواب والعقاب والكون والسماوات والرض بيد الله سبحانه وتعالى فكل‬
‫من يقول بغير ذلك فهو ليس من المسلمين وقد كذب بما أنزل على محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم الذي يقول الله له في كتابه العزيز ) ليس لك من‬
‫المر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون (‪128‬ال عمران وقال‬
‫تعالى ) قل ل أملك لنفسي نفعا ول ضرا ً إل ما شاء الله و لو كنت أعلم‬
‫الغيب لستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إل نذير وبشير لقوم‬
‫يؤمنون( ‪188‬العراف وقال تعالى ) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما‬
‫إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عمل ً صالحا ً ول يشرك‬
‫بعبادة ربه أحدًا( ‪110‬الكهف ‪.‬‬
‫فكيف بمن يستمدون شرفهم واحترامهم من النتساب إليه أو غيرهم من‬
‫البشر ‪.‬‬
‫ً‬
‫فمن التوحيد أن تؤمن إيمانا لريب فيه ول شك بأن الله هو الرزاق وهو‬
‫الناصر وهو المجيب وهو القادر على كل شيء وهو الذي يحي ويميت فمن‬
‫دعا غير الله أو جعل بينه وبين الله واسطة أو وسيلة أوتوسل بصاحب قبر‬
‫فقد أشرك )إن الله ل يغفر أن ُيشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن‬
‫ُيشرك بالله فقد افترى إثما ً عظيمًا( ‪48‬النساء ‪.‬‬
‫شرهم جميعا ثم نقول للذين‬ ‫إن الشرك لظلم عظيم قا ل تعالى) ويوم نح ُ‬
‫أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون( ‪22‬النعام ‪ ,‬ومن صحة العقيده‬
‫أن تكون العلقة بين العبد وربه علقة مباشرة ل تحتاج إلى واسطة قال‬
‫تعالى) وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان‬
‫فليستجيبوا لي وليؤمنوابي لعلهم يرشدون ( البقرة ‪ 186‬وكما قال صلى الله‬
‫عليه وسلم لبن عباس رضي الله عنه ) إني أعلمك كلمات أحفظ الله‬
‫يحفظك أحفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن‬
‫بالله واعلم بأن المة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء فلن ينفعوك إل‬
‫بشيء قد كتبه الله لك وان لو اجتمعت المة على أن يضروك بشيء لن‬
‫يضروك إل بشيء قد كتبه الله عليك رفعت القلم وجفت الصحف ( وقال‬
‫تعالى ) قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين (‪11‬الزمر ‪.‬‬
‫و من صحة العقيدة أن نؤمن بأن القران الذي أنزل على محمد صلى الله‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم هو الذي بين أيدينا دون نقصان أو زيادة أوتحريف والذي تكفل‬
‫الله بحفظه قال تعالى) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ( ‪ 9‬الحجر ‪,‬‬
‫وأن الوحي قد انقطع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وان الدين قد‬
‫اكتمل بنزول الية الكريمة) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي‬
‫ورضيت لكم السلم دينا (‪3‬المائدة ‪,‬و قال تعالى ) وأن أقم وجهك للدين‬
‫حنيفا ً ول تكونن من المشركين ( ‪ 105‬يونس ‪ ,‬وقال تعالى ) قل إنما أمرت‬
‫أن أعبد الله ول أشرك به إليه أدعو وإليه مآب( ‪ 36‬الرعد وقال تعالى ) قل‬
‫إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه‬
‫وويل للمشركين ( ‪ 6‬فصلت ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬أن يكون العمل صحيحا خالصا ً لوجه الله رب العالمين أي صحيحا من‬
‫ناحية شرعية وأن ل يكون مخالفا للقرآن والسنة ‪ ,‬وأن تكون النية خالصة لله‬
‫و هي الجهاد والقتال في سبيل الله لعلء كلمة الله في الرض والهدف‬
‫والغاية هو إرضاء الله سبحانه وتعالى فإما الشهادة وإما الفوز بجنته ‪ ,‬وأن ل‬
‫يكون القتال في سبيل عصبية جاهلية أو قومية أو وطنية أو لتحقيق مأرب‬
‫دنيوية أو مكتسبات فئوية ضيقة أو من أجل الشهرة أو من أجل الفوز‬
‫بانتخابات ‪.‬‬
‫فالدفاع عن الوطان يجب أن يكون بالجهاد في سبيل الله لمنع خضوعها‬
‫لراية الكفر وتخليصها من حكم الكفار وإبقائها موحدة لله رب العالمين تحت‬
‫راية التوحيد ‪.‬‬
‫ً‬
‫فكل قتال مهما كان هدفه نبيل ً وساميا ل تكون النية من ورائه هي رفع راية‬
‫التوحيد والجهاد في سبيل الله فهو ل يعتبر خالصا ً لوجه الله رب العالمين‬
‫فالنية يجب أن تكون لله كما قال صلى الله عليه وسلم ) إنما العمال‬
‫بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته لله ورسول فهجرته لله‬
‫ورسوله ومن كانت هجرته إلى امرأة ينكحها أو دنيا يصيبها فهجرته إلى ما‬
‫هاجر إليه( و قال تعالى ) إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن‬
‫لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون وُيقتلون وعدا ً عليه حقا ً في التوراة‬
‫والنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم‬
‫به وذلك هو الفوز العظيم ( ‪111‬التوبة و قال تعالى ) وليمحص الله الذين‬
‫أمنوا ويمحق الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين‬
‫جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ( ‪ 142-141‬أل عمران وقال تعالى )و لو يشاُء‬
‫الله لنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين ُقتلوا في سبيل الله فلن‬
‫يضل أعمالهم ( ‪ 4‬محمد وقال تعالى ) الذين آمنوا ُيقاتلون في سبيل الله‬
‫والذين كفروا ُيقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد‬
‫الشيطان كان ضعيفا ً ( ‪ 76‬النساء وقال تعالى )ولنبلونكم حتى نعلم‬
‫المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم (‪31‬محمد‬
‫ثالثا‪ :‬العتقاد اعتقادا ً جازما ً يقينا ً ل شك فيه ول ريب ول ظن بأن النصر من‬
‫عند الله فل يطلب من غيره ل من نبي ول من ولي ول من صاحب قبر ول‬
‫معصوم فيجب أن يكون في المعركة استغاثة بالله وحده حتى تتنزل ملئكة‬
‫الله فالرسول صلى الله عليه وسلم في يوم بدر حتى ُيعلمنا أخذ يناجي ربه‬
‫وهو يرفع يديه إلى السماء حتى بان بياض إبطيه قائل )رب! إن تهلك هذه‬
‫العصابة فلن تعبد في الرض ( ويجب في المعركة ذكر الله كثيرا قال تعالى )‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا ً لعلكم تفلحون( ‪45‬‬
‫النفال )إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملئكة‬
‫مردفين * وما جعله الله إل بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إل من عند‬ ‫ُ‬
‫الله إن الله عزيز حكيم (‪10+9‬النفال و قال تعالى ) إن ينصركم الله فل‬
‫صركم من بعده وعلى الله فليتوكل‬ ‫غالب لكم وإن يخ ُ‬
‫ذلكم فمن ذا الذي ين ُ‬
‫المؤمنون (‪160‬أل عمران وقال تعالى ) إنما المؤمنون الذين أمنوا بالله‬
‫فسهم في سبيل الله أولئك هم‬ ‫سوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأن ُ‬‫ور ُ‬
‫الصادقون ( ‪ 15‬الحجرات ‪ ,‬وقال تعالى ) وما النصر إل من عند الله إن الله‬
‫عزيز حكيم ( ‪10‬النفال وقال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله‬
‫ينصركم ويثبت أقدامكم (‪ 7‬محمد وقال تعالى ) فلم تقتلوهم ولكن الله‬
‫ً‬
‫قتلُهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ولُيبلى المؤمنين منه بلًء حسنا إن‬
‫الله سميع عليم ( ‪17‬النفال‪.‬‬
‫ومن استغاث بغير الله فقد أشرك مثل أن يقول يا بدوي و يا دسوقي ويا‬
‫حسين ويا علي ويا صاحب الزمان اغثني وانصرني ‪ ,‬فهؤلء سيكلهم الله إلى‬
‫أنفسهم فلن ينصرهم ولن يذهب غيظ قلوبهم قال تعالى) من كان يظن أن‬
‫صره الله في الدنيا والخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر‬ ‫لن ين ُ‬
‫هل ُيذهبن كيده ما يغيظ ( ‪ 15‬الحج ‪.‬‬
‫فجميع الهزائم والكوارث التي حلت بالمة منذ عقود طويلة كانت بسبب أن‬
‫الحكام كانوا يستغيثون إما بالشرق وإما بالغرب ويستمدون معنوياتهم من‬
‫) أم كلثوم وعبد الحليم حافظ والعوالم ( فكانوا يقولون أم كلثوم وعبدالحليم‬
‫حافظ معكم في المعركة بدل ً من أن يقولوا الله معكم في المعركة فممنوع‬
‫ذكر الله والستغاثة به و شعار) الله أكبر ( شعار النصر لمتنا والذي تستجيب‬
‫له ملئكة الله بإذن ربها محرم في معظم الجيوش السلمية بل واستبدل‬
‫بشعار شيطاني عبثي ليس له معنى ) بر بحر جو ( و صرخات )هاااعع (‬
‫أوكصرخات الوحوش والحيوانات أو كنباح الكلب لن معظم هذه الجيوش‬
‫أعدت لصناعة الهزائم وليس لصناعة النصر حتى تبقى إسرائيل في أمان‬

‫)‪(3 /‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬الولء لله ورسوله والمؤمنين والبراءة من المشركين والكافرين‬


‫والمضلين والملحدين أعداء السلم مهما كانت أسمائهم ومسمياتهم‬
‫وشعاراتهم ونواياهم المعلنة ومهما كانت الروابط التي تربطنا بهم وأواصر‬
‫القربى التي تجمعنا بهم فأبو لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم ولكننا‬
‫نتعبد بلعنه إلى يوم الدين قال تعالى‬
‫ه إ ِذ ْ َقاُلوا ل ِ َ‬ ‫كانت ل َك ُ ُ‬
‫م إ ِّنا ب َُرآءُ‬‫مهِ ْ‬‫قو ْ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ة ِفي إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫)قَد ْ َ َ ْ‬
‫ضاُء‬ ‫ْ‬
‫داوَة ُ َوالب َغْ َ‬ ‫ْ‬
‫م العَ َ‬ ‫دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ‬
‫م وَب َ َ‬ ‫فْرَنا ب ِك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ك َ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫م ّ‬‫م وَ ِ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫ِ‬
‫كل َ‬‫َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫نل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حد َه ُ إ ِل قَوْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫فَر ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫م ِلِبيهِ ل ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫مُنوا ِباللهِ وَ ْ‬ ‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫أَبدا َ‬
‫صيُر( )الممتحنة‪(4:‬‬ ‫م ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬‫ك أ َن َب َْنا وَإ ِل َي ْ َ‬ ‫ك ت َوَك ّل َْنا وَإ ِل َي ْ َ‬
‫يٍء َرب َّنا عَل َي ْ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫وقال تعالى )يا أيها الذين أمنوا ل تتخذواعدوي وعدوكم أولياء ُتلقون إليهم‬
‫بالمودة(‪1‬الممتحنة‬
‫ول يمكن بأي حال من الحوال أن يكون هناك تحالف بين من يقاتل في‬
‫سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وبين من يحارب الله ورسوله ويدعو‬
‫إلى اللحاد والكفر ويعتبر السلم تخلف وظلميه ورجعيه ويعتبر الكفر‬
‫تقدميه وثوريه فهل ممكن أن يجتمع المتضادان وهل يستوي الخبيث والطيب‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهل ممكن أن يتحالف من كان الله موله ومن ل مولى له قال تعالى ) ذلك‬
‫بأن الله مولى الذين أمنوا وأن الكافرين لمولى لهم( ‪11‬محمد‬
‫وقال تعالى ) ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض‬
‫ه في جهنم أولئك هم الخاسرون ( ‪ 37‬النفال‪.‬‬ ‫ه جميعا ً فيجعل ُ‬
‫كم ُ‬‫فير ُ‬
‫فالتحالف مع الكفار مهما كانت مسمياتهم وأسمائهم وانتماءاتهم هو اعتراف‬
‫بالكفر وإقرار به واستخفاف بكتاب الله وإعراض عن ذكر الله قال تعالى‬
‫) الذين جعلوا القرآن عضين * فوربك لنسئلنُهم أجمعين * عما كانوا يعملون‬
‫* فاصدع بما ُتؤمر وأعرض عن المشركين( ‪94 -91‬الحجر وسواء كانت هذه‬
‫المسميات وطنية أو قومية أو يسارية أو ثورية أو شيوعية فكل هذه‬
‫المسميات تلتقي على معاداة السلم والحقد على أهله ولو إدعى البعض‬
‫منهم غير ذلك منافقة للمد السلمي فهم يستهزئون بالغيب وبعقيدة التوحيد‬
‫ويسمون أصحاب عقيدة التوحيد بالغيبيين قال تعالى) فأعرض عن من تولى‬
‫عن ذكرنا ولم ُيرد إل الحياة الدنيا (‪29‬النجم و قال تعالى) يا أيها الذين أمنوا‬
‫ل تتخذوا بطانة من دونكم ل يألونكم خبال ً وُدوا ما عنتم قد بدت البغضاء من‬
‫أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم اليات إن كنتم تعقلون( ‪118‬ال‬
‫عمران و قال تعالى ) يا أيها الذين أمنوا ل تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن‬
‫استحبوا الكفر على اليمان ومن يتولُهم منكم فأولئك هم الظالمون ( ‪23‬‬
‫مضلين عضدا ً ( ‪ 51‬الكهف‬‫ت متخذ ال ُ‬ ‫كن ُ‬‫التوبة وقال تعالى ) وما ُ‬
‫فالكفار ل يمكن أن يعملوا لمصلحة المسلمين الموحدين لله رب العالمين‬
‫الذين تتناقض عقائدهم الباطله مع عقيدة التوحيد والذين يتوحدون في‬
‫ضُهم‬
‫حربهم على السلم فملة الكفر واحدة قال تعالى ) والذين كفروا بع ُ‬
‫أولياء بعض إل تفعلوه تكن فتنه في الرض وفساد كبير ( ‪ 73‬النفال وقال‬
‫تعالى ) يا أيها الذين آمنوا إن تطيُعوا الذين كفروا يُرُدوكم على أعقابكم‬
‫ه مولكم وهو خير الناصرين ( ‪ّ 150+149‬ال‬ ‫فتنقلبوا خاسرين* بل الل ُ‬
‫ً‬
‫عمران وقال تعالى ) ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت‬
‫ه عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا‬ ‫سهم أن سخط الل ُ‬ ‫ف ُ‬‫لهم أن ُ‬
‫ً‬
‫ُيؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم‬
‫فاسقون ( ‪ 81+80‬المائدة ‪.‬‬
‫فالتحالف في المعركة وفي غير المعركة أو حتى في النتخابات سواء كانت‬
‫برلمانية أو نقابية أو طلبية مع الذين كفروا مدعاة لسخط الله ولن يؤدي هذا‬
‫التحالف إلى خير بل إلى شر وإلى غضب الله في الدنيا والخرة قال تعالى )‬
‫ي‬
‫ضُهم أولياُء بعض والله ول ُ‬ ‫إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ً وإن الظالمين بع ُ‬
‫المتقين ( ‪ 19‬الجاثية ‪.‬‬
‫فالمجاهدون في سبيل الله حق جهاده ويفقهون حقيقة المعركة وعقيدتهم‬
‫صحيحة ل يمكن أن يتخذوا الكافرين أولياء ولو كانوا أقرب الناس إليهم ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫فالسلم يفصل بين الناس على أساس عقائدي وليس على أساس عنصري‬
‫أو قومي أو على أساس النسب فالعجب كل العجب من بعض من تسمي‬
‫نفسها أحزاب إسلمية أو حركات إسلمية جهادية وتتحالف مع من يحادون‬
‫الله ورسوله فكيف سينصر الله هؤلء ‪ ,‬قال تعالى ) إن الذين يحادون الله‬
‫سوله أولئك في الذلين *كتب الله لغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز*‬ ‫ور ُ‬
‫ً‬
‫ل تجد قوما يؤمنون بالله واليوم والخر ُيوادون من حاد الله ورسوله ولو‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كاُنوا آباءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم اليمان‬


‫وأيدهم بروح منه وُيدخلهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها رضي‬
‫الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله أل إن حزب الله هم المفلحون ( ‪-19‬‬
‫‪ 22‬المجادلة ‪.‬‬
‫فالذي يتحالف مع أعداء الله من الذين يسمون أنفسهم بالقوى الوطنية التي‬
‫تنتمي إلى المسميات والعناوين التي ذكرناها سابقا إنما قد دخل بالضلل‬
‫المبين وتاهت به السبل ولن يهده الله سواء السبيل قال تعالى ) والذين‬
‫جاهدوا فينا لنهدينُهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين(‪69‬العنكبوت ‪ ,‬فأبو لهب‬
‫وأبو جهل وعتبة والوليد كانوا يمثلون القوى الوطنية في مكة والتي حاربت‬
‫الله ورسوله دفاعا ً عن نفوذهم وسيطرتهم ومصالحهم ومكتسباتهم فيها فهل‬
‫تحالف معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حاربهم حربا ً ل هوادة فيها‬
‫وجاهدهم جهادا ً كبيرا ً رغم جميع المغريات التي عرضوها عليه والتي كان رده‬
‫عليها )والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا‬
‫المر حتى أهلك دونه( ‪.‬‬
‫ففي القرآن الكريم ل يوجد قوى وطنيه وإنما إسلم وكفر فكل من يعادي‬
‫السلم ويحاربه ويرفض وجوده بين الناس ويستهزئ به انم اهو في ميزان‬
‫القرآن كمثل أبي جهل وأبي لهب وشارون وأولمرت وبوش وبلير وجميع‬
‫أعداء الله ‪ ,‬فهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة هي‬
‫انتصار لولء العقيدة على ولء الوطن حيث قدم ولء العقيدة على ولء‬
‫الوطن وهذا ل يعني أننا ل نحب الوطن فنحن الموحدون لله رب العالمين‬
‫أشد الناس حبا ً للوطن فالرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكرت مكة‬
‫أمامه كان يقول دعوا القلوب تهدأ ‪.‬‬
‫قال تعالى ) يا أيها الذين أمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم‬
‫كم أن تؤمنوا‬ ‫كم من الحق ُيخرجون الرسول وإيا ُ‬ ‫بالمودة وقد كفروا بما جاء ُ‬
‫سرون إليهم‬ ‫كنتم خرجتم جهادا ً في سبيلي وابتغاء مرضاتي ت ُ‬ ‫كم إن ُ‬ ‫بالله رب ُ‬
‫كم فقد ضل سواء‬ ‫ه من ُ‬
‫بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعل ُ‬
‫السبيل( ‪ 1‬الممتحنة وقال تعالى ) أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين‬
‫سوله ول المؤمنين وليجة والله‬ ‫جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ول ر ُ‬
‫خبير بما تعملون ( ‪ 16‬التوبة وقال تعالى ) بشر المنافقين بأن لهم عذابا ً‬
‫أليما ً *الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة‬
‫فإن العزة لله جميعا ً ( ‪ 139 +138‬النساء ‪.‬‬
‫فمبدأ الولء والبراء مبدأ أساسي في عقيدة التوحيد )إنما وليكم الله ورسوله‬
‫والذين آمنوا الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول‬
‫الله ورسوله والذين أمنوا فإن حزب الله هم الغالبون (‪56+55‬المائدة‬
‫خامسًا‪ :‬إن من شروط النصر التي وضعها الله سبحانه وتعالى العداد بقدر‬
‫المستطاع فالمجاهدون في سبيل الله مطلوب منهم إعداد القوة لمقاتلة‬
‫العدو ولكن الله سبحانه وتعالى لم يشترط أن يكون هناك تكافؤ أو توازن‬
‫بالقوة مع العدو فهذا غير مطلوب وإنما المطلوب هو العداد بقدر المستطاع‬
‫ولو كان حجرا ً أو سكينا ً أو بندقية‪ .‬قال تعالى ) وأعدوا لهم ما استطعتم من‬
‫قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم ل‬
‫تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله ُيوف إليكم وأنُتم ل‬
‫تظلمون( ‪ 60‬النفال‪.‬‬
‫وإعداد القوة المستطاعة هو من باب الخذ بالسباب وحتى يكون هذا العداد‬
‫دللة على صدق النية في مقاتلة العدو ومنازلته والجهاد في سبيل الله ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫أما بعض المسلمين الذين يقولون بأن إعداد العدة حرام لنه ل يجوز‬
‫استخدام الوسائل المادية لنصرة دين الله لن استخدامها مخالف للقرآن‬
‫والسنة بحجة ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعملها في العصر‬
‫المكي وهم يعتبرون أنفسهم اليوم في العصر المكي كما يقولون ويدعون ‪,‬‬
‫لذلك فإنهم يطلبون من غيرهم أن ينصر السلم واستعادة الخلفة وهم‬
‫قاعدون على الرائك ينظرون ويثبطون ألمه ويحبطونها بالتشكيك بكل بادرة‬
‫أمل وخير تنبعث من وسط الظلم وبكل مجاهد مخلص في هذه المة يعمل‬
‫حقيقة لنصرة السلم واستعادة مجد المة الضائع ويتهمونه بالعمالة إما‬
‫لبريطانيا وإما لمريكا فالتاريخ عندهم تتحكم به المؤامرة التي تحيكها‬
‫بريطانيا وأمريكا فهم يفسرون الحداث على قاعدة الصراع البريطاني‬
‫المريكي الذي انتهى منذ عقود طويلة ولكنهم يصرون على استمراره إلى‬
‫الن حتى أنهم يعتبرون الصراع في فلسطين بين ) بريطانيا وأمريكا وليس‬
‫بيننا وبين اليهود ( فهم ل يؤمنون بالجهاد وإنما بالكفاح السياسي وإصدار‬
‫المناشير الساذجة الركيكة مدعين بأن هذه هي طريق الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم التي أقام بها دولة السلم فهل يوجد في السلم مصطلح الكفاح‬
‫السياسي ومن الغريب أن العصر المكي في عهد النبوة كانت مدته ثلثة‬
‫عشر سنة أما العصر المكي لهؤلء مستمر منذ خمسة عقود حتى الن وأل‬
‫يعلم هؤلء أن العصر المكي موقوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫حيث بدء القرآن يتنزل‪ ,‬فهل يتنزل القرآن من جديد حتى يكون هناك عصر‬
‫مكي أخر غير عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم !! فمثل هؤلء كمثل‬
‫بني إسرائيل الذين قالوا لنبيهم موسى عليه السلم ) اذهب أنت وربك فقاتل‬
‫إنا هاهنا قاعدون( والله سبحانه وتعالى يرد على هؤلء بقوله ) ولو أرادوا‬
‫عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطُهم وقيل اقعدوا مع‬ ‫الخروج لعدوا له ُ‬
‫القاعدين * لو خرجوا فيكم ما زاُدوكم إل خبال ً ولوضعوا خل لكم يبغونكم‬
‫الفتنة وفيكم سماعون لُهم والله عليم بالظالمين (‪ 47+46‬التوبه) يا أيها‬
‫الذين آمنوا لما تقولن مال تفعلون كبر مقتا عند الله آن تقولوا ما ل تفعلون‬
‫إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيا مرصوص ( ‪3+2‬الصف‬
‫فهم يدعون للخلفة ول يعملون لها وإنما يطلبون من غيرهم أن يقيمها ثم‬
‫يقدمها لهم على طبق من ذهب فاحذروا يا أبناء السلم من كل مثبط ليبرر‬
‫عدم أخذه بالسباب المادية التي أمرنا الله بها ‪.‬‬
‫وكثير من الحكام الدجالين والكذابين في عصرنا الحالي ساقوا المة إلى‬
‫المذبح في كل حروبهم الكاذبة مع الكيان اليهودي وهي ترقص وتغني بالخداع‬
‫والتضليل والتزييف حيث كانوا يطلقون الشعارات والخطابات النارية التي‬
‫تتوعد الكيان اليهودي بالثبور وعظائم المور ‪ ,‬ولكنهم بالحقيقة لم يعدوا‬
‫العدة لمحاربة العدو ولم يكونوا صادقين في شعاراتهم وخطاباتهم لن الهدف‬
‫كان هو تخدير وعي المة وتغييب فكرها حتى يقدموها لقمة سائغة لعدوها‬
‫كما حصل في كارثة عام ‪ 1967‬فكل من ينادي بمحاربة العدو ومنازلته دون‬
‫أن يعد العدة بما يستطيع فهو غير صادق النية ‪.‬‬
‫فطلب النصر من الله يكون بعد الخذ بالسباب المادية بإعداد القوه‬
‫المستطاعة فمهما كانت القوة ضعيفة وعددنا قليل وكنا صادقين مع الله فإن‬
‫كم شيئا ُولو كثرت وأن‬ ‫الله تكفل بنصر عباده المؤمنين ) ولن تغني عنكم فئت ُ‬
‫مستضعفون‬ ‫ُ‬ ‫الله مع المؤمنين( ‪19‬النفال ‪ ,‬قال تعالى )واذكروا إذ أنتم قلي ُ‬
‫ل ُ‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كم من‬‫كم بنصره ورزق ُ‬ ‫كم الناس فآواكم وأيد ُ‬ ‫في الرض تخافون أن يتخطف ُ‬
‫كرون ( ‪26‬النفال ‪.‬‬ ‫كم تش ُ‬
‫الطيبات لعل ُ‬
‫أما إذا كان المؤمنون كثيري العدد والعدة فل يجوز أن يركن المسلمون لهذا‬
‫فيقولوا والله إننا لن نغلب اليوم عن قلة كما حصل في معركة حنين عندما‬
‫أعجبت المسلمون كثرتهم فكانت الهزيمة في بداية المعركة حتى يتعلم‬
‫المسلمون ويرسخ في عقولهم وضمائرهم بأن النصر من عند الله قال تعالى‬
‫كم فلم تغن‬ ‫كم كثرت ُ‬
‫حنين إذ أعجبت ُ‬‫) لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم ُ‬
‫ه‬
‫مدبرين * ثم أنزل الل ُ‬ ‫حبت ثم وليتم ُ‬ ‫كم الرض بما ر ُ‬ ‫كم شيئا ً وضاقت علي ُ‬ ‫عن ُ‬
‫ً‬
‫سوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين‬ ‫ه على ر ُ‬ ‫سكينت ُ‬
‫كفروا وذلك جزاُء الكافرين ( ‪ 26+25‬التوبة ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫سادسًا‪ :‬إن من شروط النصر التي يجب أن تتوفر فيمن تكفل الله بنصرهم‬
‫من الطائفة المنصورة أن يكونوا ممن يحبهم الله و يحبون الله أكثر من‬
‫أنفسهم ومن ولدهم ومن أموالهم ويتصفون بالعزة والكرامة ومتواضعين مع‬
‫المؤمنين ل يستكبرون عليهم ول يخشون أحدا ً من الناس ول يهتمون أو‬
‫يلقون بال ً بما سيقوله أعداء الله عنهم بوصفهم إرهابيين أو متطرفين أو‬
‫أصوليين أو مجرمين فالهدف عندهم والغاية هو الحصول على مرضاة الله‬
‫سبحانه وتعالى والفوز بالشهادة أو النصر وهؤلء قد وصفهم الله سبحانه‬
‫كم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم‬ ‫وتعالى ) يا أيها الذين آمنوا من يرتد من ُ‬
‫حبُهم وُيحُبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل‬ ‫يُ ُ‬
‫ه واسعُ عليم (‬ ‫الله ول يخافون لومة لئم ذلك فض ُ‬
‫ل الله ُيؤتيه من يشاُء والل ُ‬
‫‪ 54‬المائدة ومن صفاتهم أيضا ) التائبون العابدون الحامدون السائحون‬
‫الراكعون الساجدون المرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون‬
‫لحدود الله وبشر المؤمنين( ‪ 112‬التوبة ‪.‬‬
‫هذه هي شروط النصر التي وضعها الله سبحانه وتعالى للنصر وهي التي‬
‫التزم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين من بعدهم‬
‫وجميع المجاهدين في سبيل الله الذين نصرهم الله ‪.‬‬
‫فعلى كل من يريد أن يصبح من الطائفة المنصورة أن يلتزم بهذه الشروط‬
‫سواء كان ) فردا ً مسلما أو حزبا ً إسلميا أو حركة جهادية أو دولة مسلمة (‬
‫فهذه ليست وجهة نظرنا فنحن لم نأتي بشيء من عندنا ول هي شروطنا بل‬
‫هي شروط رب العالمين التي أنزلها في كتابه العزيز وهي حجة علينا و على‬
‫المؤمنين و حجة على النبياء والمرسلين وعلى المسلمين والناس أجمعين‪.‬‬
‫ومن باب النصيحة والتذكير وإقامة الحجة فإنني أذكر أخواني في بعض‬
‫الحزاب السلمية والحركات السلمية المقاتلة وخصوصا ً في فلسطين أن‬
‫لديها خلل كبير ببعض هذه الشروط ‪ ,‬فبعضها مثل ً يتحالف مع الحزاب‬
‫والمنظمات التي تحمل عقيدة اللحاد والكفر والعداء لله ورسوله ويسمون‬
‫هذا التحالف ب) تحالف القوى الوطنية والسلمية ( والمستفيد من هذا‬
‫التحالف هم الحزاب والمنظمات الكافرة الملحدة لنها ل تمثل شيئا ً بين أبناء‬
‫المة و بين أبناء الشعب الفلسطيني وهي ليست أكثر من أفراد أصواتهم‬
‫عالية وشعاراتهم عفى عليها الزمن فهم في حالة إنحسار بعد أن إنكشف‬
‫كذبهم وتضليلهم وسوء نواياهم ضد عقيدة المة فلم يكن تحرير فلسطين‬
‫في يوم من اليام أكبر همهم بل كان محاربة السلم م شغلهم الشاغل ولو‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كانوا اليوم في حالة مد وانتشار كما كانوا في الخمسينات والستينات من‬


‫القرن العشرين لما تحالفوا مع الحزاب والحركات السلمية لنهم يعتبرونها‬
‫رجعية وظلمية وحليفة للستعمار ويجب محاربتها كما يقولون في أدبياتهم‬
‫فهم أصل ً أسسوا من أجل محاربة السلم فلول هذا التحالف لندثر هؤلء‬
‫وبادوا كما باد اتحادهم السوفياتي اللحادي ‪.‬‬
‫وكيف لحركة جهادية في فلسطين أن تتبع وتوالي دولة رافضية صفوية‬
‫تتقرب إلى الشيطان بتكفير أبي بكر وعمر وعثمان وجميع صحابة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم الذين جاهدوا في الله حق جهاده وحملوا راية التوحيد‬
‫ونشروا السلم في الرض من بعده وهذه الدولة الصفو يه وهي إيران‬
‫تتقاطع اليوم مع أمريكا الصليبية في عدائها للمجاهدين في أفغانستان‬
‫والعراق من أهل السنة والجماعة ‪ ,‬بالضافة إلى ذلك إن مذهبها الذي تعتنقه‬
‫قائم على الشرك الخالص بالله رب العالمين كما وضحنا في بداية‬
‫الموضوع ‪ ,‬فهل هناك شرك أعظم من هذا الشرك ‪ ,‬لذلك لم ينصرها الله‬
‫في حربها على العراق في عقد الثمانينات رغم أن الذي كان يحكم العراق‬
‫في ذلك الحين حزب البعث العلماني الكافر‪ ,‬فكيف سينتصر من يتحالف مع‬
‫مثل هؤلء المشركين الذين الن يرتكبون المذابح ضد أبناء الشعب‬
‫الفلسطيني الذي تنتمي له هذه الحركة والذين تم تهجيرهم إلى العراق عام‬
‫‪ 1948‬وضد أهل عقيدة التوحيد من العراقيين ل لذنب إل لنهم من أهل‬
‫السنة والجماعة‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وهناك خلل خطير آخر لدى بعض هذه الحزاب والحركات وهو استعمالها‬
‫لمفاهيم ومصطلحات في خطابها السياسي يتناقض تناقضا ً كبيرا ً مع هذه‬
‫الشروط القرآنية إلى درجة أنها تستعمل مفاهيم ومصطلحات الحركات‬
‫والمنظمات العلمانية والماركسية المعادية للسلم بشكل كامل وعلني فهي‬
‫أول ً تستعمل مصطلح المقاومة والكفاح والنضال والمقاومين بدل ً من‬
‫المصطلح القرآني وهو) الجهاد والمجاهدين ( فالجهاد ليس له إل معنى واحد‬
‫وهو القتال في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا‬
‫السفلى أما مصطلح المقاومة و الكفاح والنضال فله معاني كثيرة إل الجهاد‬
‫في سبيل الله بل قد تعني هذه المصطلحات مماتعني ) الحرب على السلم‬
‫( الذي يمثل بالنسبة لهم الرجعية وهو بالنسبة لهم أفيون الشعوب‬
‫ويستعملون أيضا مصطلح ) المتين العربية والسلمية ( بدل ً من مصطلح‬
‫) المه السلمية أمة التوحيد( فل يوجد في السلم أمتين بل أمة واحدة هي‬
‫أمة السلم والتوحيد ‪ ,‬قال تعالى) وان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا رُبكم‬
‫فاتقون ( ‪52‬المؤمنون فالذي اخترع مصطلح المتين هم الكفار الذين هدموا‬
‫دولة السلم في مطلع القرن العشرين فأنشأوا القومية العربية والقومية‬
‫التركية لتكونا بديل لمة السلم ‪ ,‬فإستعمال هذا المصطلح هو إقرار بفعل‬
‫الكفار ضد أمتنا الواحدةالموحده لله رب العالمين عربا ً وعجما ً ‪,‬وكذلك‬
‫يستعملون مصطلح الوحدة الوطنية فهم يقدمون الولء للوطن على الولء‬
‫للعقيدة فالذي يحارب عقيدتنا ل يمكن أن يكون من أمتنا ‪ ,‬فالرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة الى المدينة قدم ولء العقيدة على‬
‫الولء للوطن ولكن حماية الوطن والدفاع عنه واجب شرعي ويستخدمون‬
‫أيضا كلمة ) الصهاينة والسرائيليين ( بدل ً من ) اليهود ( مما يعني تفريغ‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصراع في فلسطين من بعده العقائدي ‪ ,‬فالماركسيون مثل يعتبرون أن‬


‫الصراع في فلسطين إنما هو صراع مع الصهاينة الرأسماليين وليس مع‬
‫اليهود فالصراع صراع طبقي وليس صراع عقائدي أل يعلم هؤلء أن الكيان‬
‫الغاصب في فلسطين هو كيان يهودي والذين يذبحون أهلنا في فلسطين هم‬
‫اليهود فكل يهودي جاء إلى فلسطين سواء كان فقيرا ً أو غنيا ً رأسماليا أو‬
‫اشتراكيا عاما أو كناسا ً فهو عدو لنا ‪.‬‬
‫فأنني أدعو جميع الكتائب المقاتلة في فلسطين بأن تعيد النظر بجميع‬
‫تحالفاتها وأدبياتها وأفكارها ومناهجها ومصطلحاتها وخطابها السياسي وإعادة‬
‫صياغتها صياعة جديده لتكون منسجمة مع القرآن والسنة وخصوصا ً مع‬
‫اليات التي أوردناها والتي تتضمن شروط النصر والتمكين )‬
‫الطائفة المنصورة ( حتى ل يحبط عملها) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله‬
‫وأطيعوا الرسول ول تبطلوا أعمالكم( ‪33‬محمد ‪.‬‬
‫يا أيها المقاتلون الشاوس البطال يا جند السلم يا أحفاد ) أبي بكر وعمر‬
‫وعلي والحسين وخالد وسعد وأبى عبيده رضوان الله عليهم أجمعين ( في‬
‫جميع الكتائب المقاتلة في فلسطين وأخص بالذكر) كتائب القسام وألوية‬
‫الناصر صلح الدين وكتائب شهداء القصى و أحمد أبو الريش( يا من علمتم‬
‫الدنيا كيف تكون مقارعة العدو ومنازلته لكم القدوة والمثل بالمجاهدين في‬
‫العراق وأفغانستان فهم مسلحون بأبسط السلحة فسلحهم ل يتعدى بندقية‬
‫كلشنكوف ومضاد للدروع وعبوات ناسفه بدائية الصنع وهم حفاة عراة‬
‫ولكنهم على وشك أن يهزموا الوليات المتحدة المريكية أكبر دوله في‬
‫العالم التي تملك ترسانة من السلح ليس لها مثيل‪ ,‬ففجر السلم يوشك أن‬
‫يبزغ من جديد على أيديهم لنهم كما هو واضح من مواقفهم السياسية‬
‫وشعارات المعركة التي يرفعونها ومفاهيمهم ومصطلحاتهم التي يستخدمونها‬
‫في خطابهم السياسي وبياناتهم العسكرية وأدبياتهم انهم يأخذون بشروط‬
‫النصر التي وضعها الله رب العالمين دون أي خلل يذكر وتنطبق عليهم والله‬
‫أعلم صفات ) الطائفة المنصورة ( ‪ ,‬ففقه المعركة لديهم واضح وضوح‬
‫الشمس فليس لديهم خلط بالمفاهيم ‪,‬وألم يأتكم نبأ المجاهدين في الفلوجة‬
‫الذين هزموا أمريكا وأنزلوها عن عرشها وأجبروها على تغيير إستراتيجيتها‬
‫بالعراق وبالمنطقة‪.‬‬
‫وإنني أدعوكم أيها البطال أن تتوحدوا تحت قيادة واحدة في ظلل عقيدة‬
‫التوحيد الخالص لله رب العالمين وأن تكون آيات شروط النصر وصفات‬
‫الطائفة المنصورة دستوركم ومنهاجكم وليس ما يسميه البعض) ببرنامج‬
‫المقاومة( الذي ليس له علقة بشروط النصر وصفات الطائفة المنصورة‬
‫فهو ليس مرجعيته القرآن والسنة وإنما مرجعيته خليط من برامج منظمات‬
‫وأحزاب بعضها يعادي السلم ويعتبره رجعيه فل يجوز أن تبقى المور على‬
‫هذا الحال الضبابي الذي ل يرضى عنه الله بناًء على الشروط القرآنيه‬
‫السابقة ‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫فأنتم يا أبناء الرض المباركة أحق الناس بهذه الشروط والصفات فكما يقول‬
‫الرسول صلى اله عليه وسلم) لتزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين‬
‫لعدوهم قاهرين ل يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله قالوا أين هم يا‬
‫رسول الله قال في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ( ول يجوز أن‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستثمر تضحياتكم وجهادكم وبطولتكم قيادات تتذوق ارتداء البدل ت‬


‫وربطات العنق النيقة وكأنهم يقودون شعبا من الرستقراطيين و ثقافتهم‬
‫مشوشة عن فقه المعركة والجهاد والولء والبراء وتخلط الحابل بالنابل‬
‫وليست على مستوى قيادة المعركة وتبين أن الدنيا و الحكومة والسلطة أكبر‬
‫همهم ولو كانت هذ الحكومة والسلطة نكرتين وتحت حراب العدو وصورت‬
‫فوزها بانتخابات وضع شروطها العدو) الكيان الغاصب (على أنها بمثابة تحرير‬
‫لفلسطين وإقامة للدولة السلمية وأنها نصر من الله وفتح مبين وتحول‬
‫هدفها من تحرير فلسطين إلى التمسك بحكومة ليس لها وجود إل في‬
‫السراب وهي بمثابة ضحك على الذقون ومهما كلف الثمن فهذه القيادات‬
‫صارت تعلن ليل نهارا بأن العدوا ليس له هدف إل إسقاط الحكومة وما‬
‫دامت الحكومة موجودة ولو على الورق وفي خيمه فنحن المنتصرون ولو‬
‫أبيد جميع أبناء الشعب الفلسطيني ‪.‬‬
‫إنها والله لمهزلة !! ‪ ,‬فوالله لو كانوا صادقين في نيتهم وجهادهم ما ورطوا‬
‫أنفسهم في هكذا واقع مثل هذه الورطة التي ل خروج منها إل بحل الحكومة‬
‫والسلطة و بالتوبة والعودة إلى صفوف المجاهدين والخذ بشروط النصر‬
‫وصفات الطائفة المنصورة حتى ُيمكن الله للمجاهدين في الرض‪ ,‬فالمر من‬
‫ناحية شرعيه جد ُ ل هزل فيه ‪.‬‬
‫فالمجاهدون في سبيل الله حقا ً من أصحاب العقيدة الصحيحة يريدون حرث‬
‫الخرة وهي أكبر همهم ول يضحون إل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي‬
‫العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ودفاعا ً عن هذه العقيدة وهذا الدين‬
‫وهدفهم إما النصر وأن تعود فلسطين موحدة لله رب العالمين وإما الشهادة‬
‫وهذا كله يؤدي بالضرورة إلى أن يعيش المسلمون أحرارا ً أعزاء في وطنهم‬
‫آمنين مطمئنين ‪ ,‬فيجب أن يكون عملنا صحيحا خالصا ً لوجه الله حتى يتقبله‬
‫الله منا ‪.‬‬
‫فعلى جميع الكتائب المجاهدة في فلسطين والتي ل نشك بإخلص أفرادها‬
‫ول بولئهم لدينهم وحسن سريرتهم وصدق نيتهم بأن تبادر إلى تشكيل‬
‫) مجلس شورى ( من القيادات الميدانية تجتمع تحت قيادة واحدة تحت راية‬
‫) القرآن والتوحيد(وحتى ل يضيع عملكم أيها البطال هباًء منثورا ً وحتى ُيمكن‬
‫الله لكم في الرض‪ ,‬قال تعالى‬
‫م ِفي اْل َْرض ك ََ‬
‫ما‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫خ‬‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬‫َ‬
‫ّ ِ َ ِ َ ْ َ ْ ِ ُّ ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫حا‬ ‫ل‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫م‬
‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫)وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ِ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫م وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬‫ضى ل َهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫مك ّن َ ّ‬‫م وَل َي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ا ْ‬
‫ُ‬
‫ك فَأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ك هُ ُ‬ ‫فَر ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شْيئا ً وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫دون َِني ل ي ُ ْ‬ ‫منا ً ي َعْب ُ ُ‬‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫ب َعْد ِ َ‬
‫ن( )النور‪ (55:‬اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫)‪(9 /‬‬

‫الشريعة السلمية شريعة شاملة‪ ...‬كاملة‬


‫]الكاتب‪ :‬الشيخ عمر عبد الرحمن حفظه الله [‬
‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‬
‫ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪،‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‪.‬‬
‫اللهم صل وسلم على سيدنا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه‪ ،‬ومن اهتدى بهديه إلى‬
‫يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪...‬‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ل الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سو ُ‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫فيقول رب العزة تبارك وتعالى‪ } :‬قُ ْ‬
‫مُنوا ِبالل ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ ي ُ ْ‬ ‫َْ‬
‫ه‬ ‫ت فَآ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ض َل إ ِل َ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ميًعا ال ّ ِ‬ ‫ج ِ‬‫َ‬
‫ن )‪(158‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مات ِهِ َوات ّب ُِعوه ُ لعَلك ْ‬ ‫ن ِباللهِ وَكل ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ذي ي ُؤ ِ‬ ‫ي ال ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سول ِهِ الن ّب ِ ّ‬ ‫وََر ُ‬
‫]العراف‪.{ [158/‬‬
‫من الناس من يفهم السلم على أنه بعض صلوات يؤديها‪ ،‬وكثيرا ً ما تكون‬
‫خالية من الخشوع والخضوع لله‪.‬‬
‫ومن الناس من يفهم السلم على أنه يؤدي مناسك الحج أو يعتمر‪ ،‬وقد‬
‫يكون في عنقه من كثير من المظالم‪ ،‬فنرى ظالمين طغاة يؤدون الحج‬
‫والعمرة‪ ،‬ويظنون أنهم بذلك فعلوا ما عليهم من واجبات نحو دينهم‪.‬‬
‫ومن الناس من يرى السلم مظاهرا ً وأشكال ً وأضواء وأنوارا ً تعلق‪،‬‬
‫ت تنصب‪ ،‬ومقاعد ُيدفع فيها بعض المال‪ ،‬ويظن أنه بذلك أدى ما‬ ‫وسرادقا ٍ‬
‫عليه‪.‬‬
‫أهذا هو دين السلم الذي جعله الله خاتم الديان؟‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫أهذا هو دين محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعث به ليخرج } الّنا َ‬
‫ميد ِ )‪] (1‬إبراهيم‪{ [1/‬؟‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال ْ َ‬ ‫ط ال ْعَ ِ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫م إ َِلى ِ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫ت إ َِلى الّنورِ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫الظ ّل ُ َ‬
‫أهذا هو الذي أكمل الله به الدين‪ ،‬وأتم به النعمة‪ ،‬وجعل فيه الحل الكامل‬
‫لدواء الشعوب ومشاكل المم؟‬
‫كل! إن السلم ليس كذلك أبدًا‪ ،‬إنه دين عالمي‪ ،‬صالح لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫فالذين يفهمون أن السلم؛ قاصر على المسجد‪ ،‬وما صرح به بعض‬
‫المسئولين)‪ (1‬؛ من أن مكان السلم المسجد‪ ،‬وأنه ل يتجاوزه إلى غيره‪،‬‬
‫وهدد هذا المسؤول وتوعد‪.‬‬
‫هكذا يفهمون السلم‪ ،‬كما قال لي بعضهم؛ "أنه صلة وصوم‪ ،‬ورجب‬
‫وشعبان"!‬
‫بهذا الفهم السقيم وبهذا القصور؛ يفهم السلم وعظمته؛ ]‪ [. . .‬من يسمون‬
‫أنفسهم بالمسلمين‪.‬‬
‫ً‬
‫إن السلم دين له قواعد وأصول شاملة جامعة للناس جميعا‪ ،‬وانه ل يكون‬
‫في المسجد فقط‪ ،‬إنما المسجد مركز الشعاع‪ ،‬وهو الطاقة والقوة التي‬
‫يستمد منها المسلم انطلقه‪ } ،‬في بيوت أ َذن الل ّ َ‬
‫ه‬
‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ت ُْرفَعَ وَي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ ٍ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫هّ‬
‫ن ذِكرِ الل ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جاَرةٌ وَل ب َي ْعٌ عَ ْ‬ ‫م تِ َ‬ ‫ْ‬
‫جال ل ت ُلِهيهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ل )‪ (36‬رِ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ه ِفيَها ِبال ْغُد ُوّ َواْل َ َ‬ ‫ح لَ ُ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫صاُر )‪(37‬‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫وا‬ ‫ب‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫في‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫خا‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫تا‬ ‫إي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ُ َ ْ َ‬ ‫ُ ِ ِ‬ ‫َ َ ْ ً ََ‬ ‫ّ ِ َ َ‬ ‫ّ ِ َِ َ‬
‫َ‬ ‫وَإ ِ ِ‬
‫م‬ ‫قا‬
‫ر‬
‫شاُء ب ِغَي ْ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ي َْرُزقُ َ‬ ‫ضل ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫زيد َهُ ْ‬ ‫مُلوا وَي َ ِ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫جزِي َهُ ُ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫ب )‪] (38‬النور‪.{ [38-36/‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫فليس السلم مكانه المسجد‪ ،‬إنما مكانه كل ميادين الحياة‪ ،‬مكان السلم‬
‫دواوين الحكومة‪ ،‬والوزارات‪ ،‬والمحافظات‪ ،‬و "القسام")‪ ، (2‬وكل مكان في‬
‫الحياة ينطلق منه السلم‪ ،‬وُيدعى إلى السلم بهذه الماكن كلها‪.‬‬
‫هذا الفهم القاصر يجب أن يرجع عنه من ل يفهمون السلم‪.‬‬
‫إن السلم نظام متكامل للحياة‪ ،‬فيه السياسة والقتصاد‪ ،‬وفيه الجتماع‬
‫والسرة‪ ،‬فيه الحرب والسلم‪ ،‬ونظام المعاش والمعاد‪ ،‬كل شيء يتضمنه‬
‫السلم ويتكفل به‪.‬‬
‫حتى قال خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه‪:‬‬
‫)والله لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله(‪.‬‬
‫إن كتاب الله وسنة رسوله تشمل ما يحتاجه النسان في حياته كلها‪ ،‬والذين‬
‫يزعمون؛ أن السياسة منفصلة عن السلم؛ أولئك قوم جهال‪ ،‬أضلهم ما هم‬
‫فيه من جاه حكم وسلطة‪ ،‬وأبعدهم عن الحق‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالسلم فيه السياسة‪ ،‬كما فيه قيادة الحرب‪ ،‬كما فيه نظام القتصاد‪ ،‬ل فرق‬
‫بين هذا وذاك‪.‬‬
‫وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم هو الذي يؤم الناس في المسجد‬
‫ويعلمهم ويربيهم‪ ،‬وكان هو القائد والسياسي المحنك والرجل الذي لم تعرف‬
‫البشرية مثله؛ عظمة ورفعة وقوة‪ ،‬فكيف انفصلت السياسة عن الدين؟!‬
‫والذين يدرسون القتصاد؛ يدرسون اقتصاد الشرق واقتصاد الغرب‪ ،‬يدرسون‬
‫الشيوعية والرأسمالية‪ ،‬ول يتحدثون في قليل ول كثير عن اقتصاد السلم‪،‬‬
‫ومن تحدث منهم؛ فإنه يتحدث بكلمات على استحياء‪ ،‬مشيرا َ إلى بعض ما‬
‫في السلم في هذا المر‪ ،‬ولم يعرف أن للسلم نظاما ً اقتصاديا ً منفص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫فقد تكلم السلم عن الزكاة؛ فأوجبها‪ ،‬وعن الربا؛ فحرمه‪ ،‬ودفع بالمال إلى‬
‫السواق‪ ،‬واستخرج المال من أماكن كنزه حتى تقوم الدورة المالية‬
‫بوظيفتها‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬هو الطاغوت الهالك أنور السادات لعنه الله‪.‬‬
‫)‪- (2‬القسام؛ مراكز الشرطة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل يتحدثون عن نظام القتصاد في السلم؛ ]الذي[ يحقق قول الله تعالى؛‬


‫َ‬
‫م ِفيَها‬ ‫ما َواْرُزُقوهُ ْ‬ ‫م قَِيا ً‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م ال ِّتي َ‬ ‫وال َك ُ ُ‬ ‫م َ‬‫فَهاَء أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫} وََل ت ُؤُْتوا ال ّ‬
‫معُْروًفا )‪] (5‬النساء‪ ،{ [5/‬فللسلم نظام‬ ‫م قَوًْل َ‬ ‫م وَُقوُلوا ل َهُ ْ‬ ‫سوهُ ْ‬ ‫َواك ْ ُ‬
‫اقتصادي متكامل‪.‬‬
‫قالً‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫• وفيه نظام الدفاع والجندية؛ يحقق قول الله تعالى؛ } ان ْ ِ‬
‫َ‬ ‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫‪] (41‬التوبة‪.{ [41/‬‬
‫• ونظام ثقافي علمي؛ دعا إليه الوحي في أول آيات الذكر الحكيم؛ } اقْرأ ْ‬
‫َ‬
‫من عَل َق )‪ (2‬اقْرأ ْ ورب ّ َ َ‬
‫م )‪(3‬‬ ‫ك اْلك َْر ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ِ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫خل َقَ اْل ِن ْ َ‬ ‫خل َقَ )‪َ (1‬‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫ِبا ْ‬
‫م )‪] (5‬العلق‪.{ [5-1/‬‬ ‫َ‬
‫م ي َعْل ْ‬ ‫َ‬
‫ما ل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِن ْ َ‬ ‫ّ‬
‫قلم ِ )‪ (4‬عَل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ِبال َ‬ ‫ّ‬
‫ذي عَل َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫• وفيه نظام للسرة؛ ينظم البيت‪ ،‬ويحقق فيه الفضيلة والعفة والطهر‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫مُنوا ُقوا أ َن ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫م َناًرا‬ ‫م وَأهِْليك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫نآ َ‬ ‫والنقاء‪ ،‬وهو ينادي المؤمنين؛ } َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫مَرهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صو َ‬ ‫داد ٌ َل ي َعْ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ة ِغَل ٌ‬ ‫مَلئ ِك َ ٌ‬ ‫جاَرةُ عَل َي َْها َ‬ ‫ح َ‬ ‫س َوال ْ ِ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫وَُقود ُ َ‬
‫ن )‪] (6‬التحريم‪.{ [7 ،6/‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما ي ُؤْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫إنها نار خاصة‪ ،‬ل توقد بالمواد المشتعلة‪ ،‬إنما توقد بالناس!‪..‬‬
‫بالناس الذين بعدوا عن السلم وقصر فهمهم عن الفهم الصحيح للسلم‪،‬‬
‫وقودها الطغاة والظلمة‪ ،‬وقودها الذين يقفون لشريعة السلم بالمرصاد‪،‬‬
‫يؤخرون تطبيقها‪ ،‬بل يؤخرون الكلم فيها‪ ،‬ويتخذون أوقات متباعدة‪ ،‬ويصدون‬
‫كل من يريد أن يتحدث عن الشريعة السلمية‪.‬‬
‫وقودها الناس الذين ‪ 0000‬يحققون الديكتاتورية والستبداد والظلم‬
‫والطغيان‪.‬‬
‫وقودها هؤلء الناس‪ ،‬ومعهم الحجارة‪ ...‬حجارة! ل يساوي هؤلء الناس إل‬
‫تلك الحجارة‪ ،‬تجتمع معهم‪ ،‬فأي مهانة وأي مذلة أشد من هذا؟!‬
‫لنهم يهينون السلم‪ ،‬ويهينون شريعته‪ ،‬ويصدون الناس ل عن تطبيقها‬
‫ن‬‫صو َ‬ ‫داد ٌ َل ي َعْ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ة ِغَل ٌ‬ ‫مَلئ ِك َ ٌ‬ ‫فحسب‪ ،‬إنما عن مجرد الكلم فيها‪} ...‬عَل َي َْها َ‬
‫َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما ي ُؤْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫• في السلم نظام للفرد؛ يحقق طهارته ونظافته في قول الله تعالى؛ }قَد ْ‬
‫َ‬
‫ها{؛ من طهرها ونقاها وأبعدها عن الدنس والقذر ووجهها‬ ‫كا َ‬ ‫من َز ّ‬ ‫ح َ‬ ‫أفْل َ َ‬
‫الوجهة الصحيحة‪ ،‬وارتفع بنفسه عن أشواك الطريق‪ ،‬أشواك المطامع‬
‫والمصالح‪ ،‬أشواك الرجاء فيما عند الناس الذين ل يملكون جلب نفع ودفع‬
‫ضر‪.‬‬
‫َ‬
‫ها )‪] (10‬الشمس‪{ [11-9/‬؛ من‬ ‫سا َ‬ ‫ن دَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫ها )‪ (9‬وَقَد ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َز ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ح َ‬ ‫} قَد ْ أفْل َ َ‬
‫دنسها وقذرها بالخطايا والمعاصي وبالظلم والتعدي على عباد الله‪.‬‬
‫للسلم نظام للعدل والمانة؛ يبين للحاكم موقفه‪ ،‬وأنه ل يستبد بمحكوميه‪،‬‬
‫ول يطغى عليهم‪ ،‬وليس الحكم غنيمة‪ ،‬وليس الحكم ُأمنية يتطلع إليها ليغترف‬
‫من خيراتها وأموالها‪.‬‬
‫إنما الحكم أمانة ومسؤولية‪ُ ،‬يسأل عنها أمام الله‪ ،‬فلو عثرت بغلة‪ ،‬لو عثر‬
‫م لم‬ ‫حيوان في أقصى الماكن التي يحكمها؛ لسأله الله عن هذا الحيوان‪ ،‬ل ِ َ‬
‫تعبد له الطريق؟‬
‫إن السلم نظام يجعل الحاكم مسئول يوم القيامة‪ ،‬وأن الحكم أمانة يجب أن‬ ‫ً‬
‫ظ ذ َل ِ َ َ‬ ‫ف َ‬
‫ع‪،‬‬
‫ضي ّ َ‬
‫م َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ح ِ‬‫ه‪َ ،‬‬ ‫عا ُ‬‫ست َْر َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ل َراٍع عَ ّ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫سائ ِ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫يؤديها إلى أهلها‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫ه‪،‬أخرجه أبو عوانة في مستخرجه برقم )‬ ‫ل ب َي ْت ِ ِ‬
‫َ‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫سأ َ َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ذى‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ر‬ ‫مي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ر‬
‫َ ْ َ ِ ِّ ِ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫ئو‬‫ُ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ع‬ ‫را‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫»‬ ‫}‬ ‫و‬ ‫؟‬ ‫{‬ ‫(‬ ‫‪5560‬‬
‫ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ُ‬
‫َ‬
‫ْ َ ٍ َ ْ‬
‫م‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ٌ‬ ‫ئو‬‫ُ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ع‬ ‫ج ُ‬ ‫سُئو ٌ‬
‫ُْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ َِْ ِ َ ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل َ ٍ‬
‫را‬ ‫م ‪َ ،‬والّر ُ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َراٍع وَهْوَ َ‬
‫م ‪َ ،‬وال ْعَب ْد ُ َراٍع عََلى‬ ‫ة عَن ْهُ ْ‬ ‫سُئول َ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ى َ‬ ‫َ‬
‫ت ب َعْل َِها َوَوَلدِهِ وَهْ َ‬ ‫ة عََلى ب َي ْ ِ‬ ‫عي َ ٌ‬ ‫مْرأ َة ُ َرا ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫عي ّت ِهِ « {‬ ‫ن َر ِ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫سُئو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬‫م َراٍع وَك ُل ّك ُ ْ‬ ‫ه ‪ ،‬أل َ فَك ُل ّك ُ ْ‬ ‫ل عَن ْ ُ‬ ‫سُئو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫سي ّدِهِ وَهْوَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫أخرجه البخاري برقم )‪(2554‬‬
‫وهكذا نجد السلم يشمل كل ميادين الحياة؛ المعاش والمعاد‪ ،‬الحرب‬
‫لسرة والبيت‪ ،‬ونظام‬ ‫والسلم‪ ،‬الدنيا والخرة‪ ،‬القتصاد والسياسة‪ ،‬فيه نظام ل ُ‬
‫للفراد والجماعات‪ ،‬ونظام للسياسة والقتصاد‪ ،‬ولم يترك السلم ميدانا ً من‬
‫ميادين الحياة إل وبينه‪ ،‬وقال فيه ما ينظم كل شأن من شؤون الحياة‪.‬‬
‫فكيف بعد هذا يقول قائل ويجرئ متجرأ؛ بأن السلم مكانه المسجد؟! وأن‬
‫السلم ل تذكر مبادئه ول تشرح أصوله إل في المساجد؟! من الذي قال‬
‫هّ‬ ‫ل أ َأ َنتم أ َعْل َ َ‬
‫م أم ِ الل ُ‬ ‫ُ‬ ‫هذا؟! أافتراًء على الله؟! أشريعة غير شريعة الله؟! } قُ ْ ْ ُ ْ‬
‫وم َ‬
‫ن )‪(140‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫ه ب َِغافِ ٍ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َه ُ ِ‬ ‫شَهاد َة ً ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َت َ َ‬ ‫م ْ‬
‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫]البقرة‪.{ [140/‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أنتم شهداء فل تكتموا الشهادة‪ ،‬وقولوا لمن يتعدى على السلم؛ أنت ظالم‪،‬‬
‫أنت مخطئ‪ ،‬فقف مكانك‪ ،‬ل تتجاوزه ول تتعداه‪ ،‬وكيف تتحدث عن السلم؟!‬
‫هل أنت من رجال السلم الذين درسوه ووعوا أحكامه وعرفوا أصوله؟!‬
‫نحن نعرف أن كل شيء فيه تخصص‪ ،‬فلماذا ل يكون السلم كذلك‪ ،‬لماذا‬
‫نعتبر السلم؛ كل مباحًا‪ ،‬يتكلم فيه أي إنسان ويهرف بما ل يعرف‪ ،‬ويتجرأ‬
‫على الله وعلى كتاب الله؟‬
‫وهكذا يظن المسؤول؛ أنه حين يقول أن مكان السلم المسجد‪ ،‬ويتهدد‬
‫ويتوعد‪ ،‬يظن؛ أننا نخاف؟! كيف نخاف؟! إننا ل نخاف إل من مالك السموات‬
‫والرض‪ ،‬وخالق هذا الوجود‪ ،‬الذي بيده قبض الرواح‪ ،‬والذي يحي ويميت‪،‬‬
‫والذي يملك الجل والرزق‪ ،‬كيف نخاف من مخلوق مهما كان مركزه‪ ،‬ومهما‬
‫كان مقامه في الوزارة أو في المارة أو في أي مكان؟!‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإننا ل نخافه ول نرهبه‪ ،‬إن القلوب يجب أن تمتلئ من الله وحده‪ ،‬والخوف‬
‫ن‬
‫جو َ‬ ‫م َل ت َْر ُ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬‫من ذي الجلل والكرام؛ تخاف عظمته وهيبته ووقاره‪َ } ،‬‬
‫قك ُ َ‬
‫واًرا )‪] (14‬نوح‪.{ [14 ،13/‬‬ ‫م أط ْ َ‬ ‫خل َ َ ْ‬ ‫ل ِل ّهِ وََقاًرا )‪ (13‬وَقَد ْ َ‬
‫إنه يهدد ويتوعد‪ ،‬ولبد أن نسمع كلمه ونترك كلم الله‪ ،‬ونترك ديننا‪ ،‬وإل فهو‬
‫السجن والمعتقل‪ ،‬وإل فهو اليذاء والتعذيب‪ ،‬وإل فهو أن ُيصب العذاب صبا ً‬
‫وأن نجد من ألوان العذاب وأصناف اليذاء ما وجده المسلمون‪ ،‬ووجده آلف‬
‫المسلمين في السجون والمعتقلت؛ إنهم ضربوا بالسياط على ظهورهم‬
‫وسائر أجسامهم‪ ،‬وأحرقوا بالنار وبالصعق الكهربائي‪ ،‬وأطلقت عليهم الكلب‬
‫المسعورة المجوعة‪ ،‬وعلقوا من أيديهم وأرجلهم‪ ،‬وهددوا بهتك العراض‬
‫وإحضار نسائهم وأطفالهم ليفعل بهم "كذا" و "كذا"‪ ،‬وهكذا صنع باللف من‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ثم نسمع النغمة تعود‪ ...‬نسمع التهديد والوعيد‪ ،‬وأن مكان السلم المسجد‪،‬‬
‫وإل ]فسيعود[ ما فُِعل في السجون والمعتقلت‪ ،‬وما أصاب المسلمين مما‬
‫أصابهم ما يستطيع النسان أن يقوله‪ ،‬وما ل يستطيع أن يقوله؛ فضيحة‬
‫وشنارا ً وعارا ً لمن قاموا بهذا المر‪.‬‬
‫إنا ل نخاف إل الله‪ ،‬مهما كانت السجون والمعتقلت‪ ،‬ومهما كان اليذاء‬
‫والتعذيب‪ ،‬فهذا هو طريق الرسل صلوات الله وسلمه عليهم أجمعين‪.‬‬
‫ُ‬
‫طريق رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وهو يصدع بالدعوة حينما أمر‪} ،‬‬
‫َ‬
‫ن )‪] (94‬الحجر‪ ،{ [95 ،94/‬واجه‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ض عَ ِ‬ ‫مُر وَأعْرِ ْ‬ ‫ما ت ُؤْ َ‬‫صد َع ْ ب ِ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫البشرية كلها‪ ،‬واجه الظلم والطغيان‪ ،‬وأصحاب القوة والثروة‪ ،‬وأصحاب‬
‫الحكم والسلطة‪ ،‬واجههم حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لم تأخذه في‬
‫الله لومة لئم‪ ،‬ولم يمتنع عن قول الحق‪ ...‬لم يمتنع عن قولة حق يجب أن‬
‫تقال‪ ،‬ولم يقل أخر هذا المبدأ في السلم للوقت المناسب‪ ،‬إنما كل ما جاءه‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ل ب َل ّغْ َ‬
‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫من عند الله؛ بّلغه وأدى رسالة ربه‪َ } ،‬يا أي َّها الّر ُ‬
‫دي‬ ‫ه َل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫م َ‬‫ص ُ‬‫ه ي َعْ ِ‬‫ه َوالل ّ ُ‬‫سال َت َ ُ‬‫ت رِ َ‬ ‫ما ب َل ّغْ َ‬
‫ل فَ َ‬
‫فعَ ْ‬ ‫م تَ ْ‬‫ن لَ ْ‬ ‫ك وَإ ِ ْ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ن )‪] (67‬المائدة‪.{ [67/‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫م ال ْ َ‬ ‫قو ْ َ‬‫ال ْ َ‬
‫وهكذا انطلق الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بدعوة الحق‪ ،‬ل يخاف‬
‫أحدًا‪ ،‬ول يداهن في دعوته‪ ،‬ولم يتأخر عن كلمة حق كان ينبغي أن تقال‪،‬‬
‫ن )‪] (9‬القلم‪/‬‬ ‫ن فَي ُد ْهُِنو َ‬ ‫ن )‪ (8‬وَّدوا ل َوْ ت ُد ْهِ ُ‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫امتثال ً لمر ربه؛ } فََل ت ُط ِِع ال ْ ُ‬
‫‪ ،{ [9 ،8‬ودوا لو تلين فيلينون‪ ،‬لو تميل فيميلون‪ ،‬ودوا لو تداهن وتتنازل عن‬
‫بعض مبادئك فيتنازلون‪ ،‬لكن الحق ل تنازل فيه أبدًا‪ ،‬الحق واحد ل يتعدد ول‬
‫يتجزأ ول ينقسم‪ ،‬إن الحق ل يمكن أن يتنازل عن أي مبدأ من مبادئه‪ ،‬فإذا‬
‫تنازل الباطل؛ فإن الحق ل يتنازل أبدًا‪ ،‬لنه ليس كالباطل بل مبادئ وليس‬
‫]له[ قواعد‪ ،‬إنما الحق هو الذي له هذه الصول والقواعد والمبادئ‪ ،‬ول يتنازل‬
‫الحق عن صغير فيه أو كبير‪.‬‬
‫وهكذا ل يمكن أن يوجد معبر أو "كبري")‪ (1‬بين الحق والباطل‪ ،‬ل يلتقي‬ ‫ُ‬
‫الحق والباطل أبدًا‪ ،‬ل في أول الطريق‪ ،‬ول في منتصف الطريق‪ ،‬ول في‬
‫نهاية الطريق‪ ،‬ول يجلس الحق مع الباطل؛ يتفاوضان على مائدة مستديرة أو‬
‫مستطيلة‪ ،‬فإن هذا قد ينفع في السياسة الملتوية والدبلوماسية المعوجة‪،‬‬
‫لكنه ل ينفع مع الحق أبدًا‪ ،‬هذا أسلوب تجاري؛ "أساومك بعشر! ل‪ ...‬بثمانية!‬
‫فلنتفق على تسع!"‪ ،‬ينفع هذا في التجارة أو في السياسة‪ ،‬لكنه ل ينفع في‬
‫أمر السلم‪ ،‬ل ينفع في الحق أبدًا‪ ،‬فالحق ل يتنازل عن شيء من مبادئه‪.‬‬
‫وصدع النبي صلى الله عليه وسلم بالحق‪ ،‬ولم يخف في الله لومة لئم‪ ،‬ولم‬
‫يداهن‪ ،‬ولم يلين أبدًا‪ ،‬ولم يرض أي أسلوب ضعيف أو كليل الحد‪ ،‬لم يرض‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الساليب الملتوية‪ ،‬إنما لبد أن يكون الحق واضحا ً بينًا‪ ،‬ل غموض فيه ول‬
‫شبهة ول التباس‪.‬‬
‫وهكذا‪ ...‬يخوفوننا باليذاء والتعذيب‪ ،‬بالكلب المسعورة والصعق الكهربائي‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬كبري؛ جسر‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وخرج المسلمون من السجون وعندهم أمراض مختلفة؛ بعضهم أصيب‬


‫بالصرع‪ ،‬وبعضهم أصيب بالشلل‪ ،‬وبعضهم أصابه من المراض العقلية ما‬
‫أصابه‪ ،‬وبعضهم أصيب في رجليه أو يديه أو جسمه إصابات بالغة‪ ،‬ولكن كل‬
‫هذا ل ُيرهب المسلمين أبدًا‪ ،‬ول يوقفهم عن قولة الحق‪ ،‬لنهم يعتقدون إن‬
‫الذي يملك الرزق هو الله‪ ،‬والذي يملك الجل هو الله‪ ،‬والذي يملك الضر‬
‫والنفع هو الله‪ ،‬وأن أي مخلوق ‪ -‬مهما كان؛ وزيرا ً أو رئيسا ً ‪ -‬فإنه ل يملك من‬
‫ذلك شيئا ً أبدًا‪.‬‬
‫والشيطان يجسم الخطب‪ ،‬ويضخم أوليائه‪ ،‬فل تتبعوا الشيطان‪ } ،‬وََل ت َت ّب ُِعوا‬
‫ن )‪] (168‬البقرة‪ ،{ [169 ،168/‬إنه‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫م عَد ُوّ ُ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫خط ُ َ‬ ‫ُ‬
‫يضخم من أوليائه‪ ،‬ويجسم هيبتهم وعظمتهم وسلطانهم‪ ،‬ويقول لهم؛ "إنهم‬
‫قادرون على نقلكم من أماكنكم‪ ،‬وعلى أن ينقصوا من مكافأتكم وعلواتكم‪،‬‬
‫وقادرون على أن يحاربوكم في معاشكم‪ ،‬وقادرون على أن يفرقوا بينكم‬
‫وبين أولدكم‪ ،‬ثم هم قادرون على أن ينقصوا من أجالكم"!‬
‫خاُفوهُ ْ‬
‫م‬ ‫ف أ َوْل َِياَءه ُ فََل ت َ َ‬ ‫خوّ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ما ذ َل ِك ُ ُ‬‫هذا كلم الشيطان‪ } ،‬إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪] (175‬آل عمران‪ ،{ [175/‬والله ل يستطيع أحد‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫خاُفو ِ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ً‬
‫في الوجود من البشر؛ أن ُينقصك "قرشا" واحدا‪ ،‬والله ل يستطيع أن ينقص‬ ‫ً‬
‫ة وََل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أجلك ثانية واحدة‪ } ،‬ول ِك ُ ّ ُ‬
‫ساعَ ً‬ ‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫م َل ي َ ْ‬ ‫جل ُهُ ْ‬‫جاَء أ َ‬ ‫ل فَإ َِذا َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] (34‬العراف‪.{ [35 ،34/‬‬ ‫مو َ‬ ‫قد ِ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫وهكذا‪ ...‬ل تخافوا من ل يملك شيئا‪ ،‬وخافوا من يملك كل شيء‪ ،‬خافوا رب‬ ‫ً‬
‫هذا الوجود‪ ،‬وفاطر السموات والرض‪ ،‬وكل شيء يملكه ويدبره ويقدره‪ ،‬هذا‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫كنُتم ّ‬ ‫ن ِإن ُ‬ ‫خاُفو ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خاُفوهُ ْ‬ ‫هو الذي تخافونه‪} ،‬فَل َ ت َ َ‬
‫لن يرهبنا أحد بإذن الله‪ ،‬وعليكم أن تستمروا في الدعوة إلى الله‪ ،‬وأن تبلغوا‬
‫رسالة الله في كل مكان‪ ،‬وأن تبينوا للناس هدي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬غير مبالين بتهديد ول وعيد‪ ،‬وغير مبالين بقول هذا المسؤول؛ )إن‬
‫مكان السلم المسجد(!‬
‫ل أيها المسؤول! ل! سنرفض كلمك‪ ،‬ول نبالي به‪ ،‬ونلقيه وراء ظهورنا‪...‬‬
‫لماذا؟! لننا ل نفضل كلمك ‪ -‬مهما كان سلطانك وقوتك ‪ -‬على كلم الله‬
‫ه{‪،‬‬ ‫حب ّا ً ل ّل ّ ِ‬‫شد ّ ُ‬ ‫مُنوا ْ أ َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أبداً‪ ،‬فإن الذي يملك القوة والسلطان هو الله‪َ} ،‬وال ّ ِ‬
‫ديد ُ ال ْعَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب{‪.‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ميعا ً وَأ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫قوّة َ ل ِل ّهِ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وهم يعلمون؛ }أ ّ‬
‫وهكذا‪ ...‬يجب على المؤمن؛ أن ل يداهن في دينه وأن ل يلين‪ ،‬وأن يأخذ دينه‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫قو َ‬ ‫ما ِفيهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َت ّ ُ‬ ‫قوّةٍ َواذ ْك ُُروا َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما آت َي َْناك ُ ْ‬ ‫ذوا َ‬ ‫خ ُ‬ ‫بعزم ونشاط‪ ،‬وقوة‪ُ } ،‬‬
‫‪] (63‬البقرة‪.{ [63/‬‬
‫وهكذا‪ ...‬ل يكن في دينك رخاوة‪ ،‬ول طراوة‪ ،‬ول ليونة‪ ،‬ول ميل‪ ،‬ول مداهنة‪،‬‬
‫ول مصانعة‪ ،‬إنما عليك أن تتمسك بدينك وأن تثبت على الحق‪ ،‬وإن الله‬
‫معك؛ يؤيدك بنصر من عنده‪.‬‬
‫أيها الخوة الجلء‪...‬‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل بد أن نتسلح‪ ...‬ل بالسلح المعروف! إنما نتسلح بما تسلح به السلف‬


‫الصالح‪ ،‬لقد تسلحوا باليمان‪ ،‬لقد آمنوا أشد اليمان وأقواه وأمكنه وأخلده‪...‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫• أمنوا بالله وبنصره وتأييده‪ ،‬وأن الله ينصر من ينصر دينه‪َ } ،‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م )‪] (7‬محمد‪ } ،{ [8 ،7/‬إ ِ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫آ َ‬
‫ه‬
‫ن ب َعْدِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صُرك ُ ْ‬‫ذي ي َن ْ ُ‬ ‫ن َذا ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫خذ ُل ْك ُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫غال ِ َ‬ ‫ه فََل َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫صْرك ُ ُ‬ ‫ي َن ْ ُ‬
‫ن )‪] (160‬آل عمران‪.{ [161 ،160/‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ال ْ ُ‬ ‫وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ‬
‫• آمنوا بالله‪ ،‬وبأنه واحد ل شريك له‪ ،‬وحينما قالوا؛ "ل إله إل الله"‪ ،‬قالوها‬
‫مخلصين له الدين‪ ،‬مستيقنة بها قلوبهم‪ ،‬ثابتة عليها أفئدتهم‪.‬‬
‫• وآمنوا بالقائد والزعيم والحبيب محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وبأنه خاتم‬
‫قد ْ‬ ‫َ‬
‫النبيين والمرسلين‪ ،‬وأنه جاء بكل خير للنسانية‪ ،‬كما أنه جنبها كل شر‪ } ،‬ل َ‬
‫م اْل َ ِ‬ ‫ُ‬
‫خَر وَذ َك ََر‬ ‫ه َوال ْي َوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ه ك َِثيًرا )‪] (21‬الحزاب‪.{ [22 ،21/‬‬ ‫الل ّ َ‬
‫ن)‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن الل ّهِ ُنوٌر وَك َِتا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫• وآمنوا بالكتاب وبقدسيته وعظمته‪ } ،‬قَد ْ َ‬
‫َ‬
‫ت إ ِلى‬ ‫ما ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الظل َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫سلم ِ وَي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫وان َ ُ‬‫ض َ‬ ‫ن ات ّب َعَ رِ ْ‬ ‫دي ب ِهِ الل ّ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ه َ‬ ‫‪ (15‬ي َهْ ِ‬
‫قيم ٍ )‪] (16‬المائدة‪.{ [16 ،15/‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫م إ ِلى ِ‬ ‫َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫الّنورِ ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَي َهْ ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫خوَي ْك ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫حوا ب َي ْ َ‬ ‫صل ِ ُ‬‫خوَة ٌ فأ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ما ال ُ‬ ‫• وآمنوا بالخوة وبحقوقها‪ } ،‬إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪] (10‬الحجرات‪[10/‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫َوات ّ ُ‬

‫)‪(4 /‬‬
‫كا َ َ‬
‫ن‬
‫مَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوْل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫دين َةِ وَ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ن ِلهْ َ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫• وآمنوا بالجزاء وبحقيته وبعدالته‪َ } ،‬‬
‫م‬ ‫سهِ ذ َل ِ َ‬ ‫ل الل ّهِ وََل ي َْرغَُبوا ب ِأن ْ ُ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫اْل َعَْرا‬
‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫فوا عَ ْ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ِ‬
‫موْط ًِئا ي َِغي ُ‬ ‫َل يصيبهم ظ َ ٌ‬
‫ظ‬ ‫ن َ‬ ‫ل الل ّهِ وََل ي َط َُئو َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫ص ٌ‬‫م َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬‫ب وََل َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫مأ وََل ن َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ ُُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫جَر‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫صال ِ ٌ‬‫ل َ‬ ‫م ٌ‬ ‫م ب ِهِ عَ َ‬ ‫ب لهُ ْ‬ ‫ن عَد ُوّ ن َي ْل إ ِل ك ُت ِ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫فاَر وََل ي ََنالو َ‬
‫ُ‬ ‫ال ْك ُ ّ‬
‫ن َوادًِيا إ ِّل‬ ‫قط َُعو َ‬ ‫صِغيَرة ً وََل ك َِبيَرة ً وََل ي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ً‬ ‫ف َ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن )‪ (120‬وََل ي ُن ْفِ ُ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪] (121‬التوبة‪.{ [121 ،120/‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫جزِي َهُ ُ‬ ‫م ل ِي َ ْ‬ ‫ب ل َهُ ْ‬ ‫ك ُت ِ َ‬
‫هكذا آمنوا‪ ...‬فكان اليمان هو المر الول فيما يلتزمه المسلم من عدة‬
‫وسلح‪.‬‬
‫**************‬
‫وكان المر الثاني‪ ،‬هو الجهاد‪...‬‬
‫الجهاد في سبيل الله لعلء كلمة الله‪ ،‬وآيات القرآنية ناطقة بالمرين جميعا‪ً،‬‬
‫َ‬ ‫ذي َ‬
‫م‬
‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬
‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫م ي َْرَتاُبوا وَ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫} إ ِن ّ َ‬
‫ُ‬
‫ل الل ّهِ أول َئ ِ َ‬ ‫وَأ َن ْ ُ‬
‫ن )‪] (15‬الحجرات‪ ،{ [15/‬آمنوا‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫ن‬ ‫بالله حين سمعوا منادي اليمان؛ } ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي ل ِْليما َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫َ َّ َِّ َ ِ ْ َ ُ َ ِ ً َُ ِ‬
‫معَ اْل َب َْرارِ )‬ ‫سي َّئات َِنا وَت َوَفّ َ َ‬
‫نا‬ ‫فْر عَّنا َ‬ ‫فْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَك َ ّ‬ ‫مّنا َرب َّنا َفاغْ ِ‬ ‫َ‬
‫م فَآ َ‬ ‫مُنوا ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫آَ ِ‬
‫‪] (193‬آل عمران‪ ،{ [193/‬وآمنوا بالجهاد‪ ،‬وبأنه الفرض الذي يقوي السلم‬
‫ويدفع بأهله إلى أن يبلغوا رسالت ربهم‪.‬‬
‫وُيضرب الرجل‪ُ ..‬يقتل‪ ..‬فماذا يقول والضربة تنفذ إلى أحشائه؟! يقول‪:‬‬
‫)فزت ورب الكعبة()‪ !(1‬ويقول الخر‪:‬‬
‫__________‬
‫ى ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫س ‪ -‬رضى الله عنه ‪َ -‬قا َ‬ ‫)‪ - (1‬عَ َ‬
‫ث الن ّب ِ ّ‬ ‫ل ب َعَ َ‬ ‫ن أن َ ٍ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫خاِلى‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫موا ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ما قَدِ ُ‬ ‫ن ‪ ،‬فَل َ ّ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫مرٍ ِفى َ‬ ‫عا ِ‬ ‫سل َي ْم ٍ إ َِلى ب َِنى َ‬ ‫ن ب َِنى ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫وا ً‬ ‫أقْ َ‬
‫ل الل ّهِ ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫قدمك ُم ‪ ،‬فَإ َ‬ ‫َ‬
‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫حّتى أب َل ّغَهُ ْ‬ ‫مُنوِنى َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ِ ْ‬ ‫أت َ َ ّ ُ ْ‬
‫َ‬
‫ى ‪ -‬صلى الله‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫حد ّث ُهُ ْ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫مُنوه ُ ‪ ،‬فَب َي ْن َ َ‬ ‫م ‪ ،‬فَأ ّ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫ريًبا ‪ .‬فَت َ َ‬ ‫مّنى قَ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫وَإ ِل ّ ك ُن ْت ُ ْ‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت‬ ‫ه أك ْب َُر ‪ ،‬فُْز ُ‬


‫ل الل ّ َ‬
‫ُ‬ ‫قا َ‬‫فذ َه ُ فَ َ‬ ‫ه فَأ َن ْ َ‬ ‫م ‪ ،‬فَط َعَن َ ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫مُئوا إ َِلى َر ُ‬
‫َ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬إ ِذ ْ أوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جب َ َ‬
‫ل‬ ‫صعِد َ ال ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫جل ً أعَْر َ‬ ‫م ‪ ،‬إ ِل ّ َر ُ‬ ‫قت َُلوهُ ْ‬ ‫حاب ِهِ فَ َ‬ ‫ص َ‬
‫قي َ ّةِ أ ْ‬ ‫ماُلوا عََلى ب َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ال ْك َعْب َةِ ‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫وََر ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ى ‪ -‬صلى الله‬ ‫م ‪ -‬الن ّب ِ ّ‬ ‫سل ُ‬ ‫ريل ‪ -‬عَلي ْهِ ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫جب ْ ِ‬‫خب ََر ِ‬ ‫ه ‪ ،‬فأ ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫م فأَراهُ آ َ‬ ‫‪َ .‬قال هَ ّ‬
‫ما ٌ‬ ‫َ‬
‫ن ب َل ُّغوا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م ‪ ،‬فَك ُّنا ن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫م قَد ْ ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫قَرأ أ ْ‬ ‫ضاهُ ْ‬ ‫م وَأْر َ‬ ‫ى عَن ْهُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫م ‪ ،‬فََر ِ‬ ‫قوا َرب ّهُ ْ‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬أن ّهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م أْرب َِعي َ‬ ‫عا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خ ب َعْد ُ ‪ ،‬فَد َ َ‬ ‫س َ‬ ‫م نُ ِ‬ ‫ضاَنا ‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫ى عَّنا وَأْر َ‬ ‫ض َ‬‫قيَنا َرب َّنا فََر ِ‬ ‫ن قَد ْ ل َ ِ‬‫مَنا أ ْ‬ ‫قَوْ َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫وا الل ّ َ‬ ‫ص ُ‬‫ن عَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫صي ّ َ‬ ‫ن وَب َِنى عُ َ‬ ‫حَيا َ‬ ‫ن وَب َِنى ل ِ ْ‬ ‫وا َ‬‫ل وَذ َك ْ َ‬ ‫حا ‪ ،‬عََلى رِعْ ٍ‬ ‫صَبا ً‬‫َ‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري في صحيحه برقم )‪(2801‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ولست أبالي حين أقتل مسلما ً ‪ ...‬على أي جنب كان في الله مصرعي)‪(1‬‬
‫__________‬
‫ة‬‫جارِي َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن الّزهْرِىّ َقا َ‬
‫ن َ‬ ‫سيد ِ ب ْ َ ِ‬ ‫نأ ِ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫فَيا َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن أِبى ُ‬ ‫مُرو ب ْ ُ‬ ‫خب ََرِنى عَ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫)‪ - (1‬عَ ِ‬
‫ن أَبا هَُري َْرة َ ‪-‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الث ّ َ‬
‫ب أِبى هَُري َْرةَ ‪ -‬أ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ف ل ِب َِنى ُزهَْرةَ وَكا َ‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫ى ‪ -‬وَهْوَ َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ق ِ‬
‫ط‬
‫شَرةَ َرهْ ٍ‬ ‫ل اللهِ ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عَ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ث َر ُ‬ ‫ل ب َعَ َ‬ ‫رضى الله عنه ‪َ -‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَر ‪،‬‬ ‫ن عُ َ‬ ‫صم ِ ب ْ ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫جد ّ َ‬ ‫صارِىّ َ‬ ‫ت الن ْ َ‬ ‫ن َثاب ِ ٍ‬ ‫م بْ َ‬ ‫ص َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مَر عَلي ْهِ ْ‬ ‫ة عَي ًْنا ‪ ،‬وَأ ّ‬ ‫سرِي ّ ً‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َفان ْطل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ن هُذ َي ْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ى ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ة ذ ُك ُِروا ل ِ َ‬ ‫مك َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫فا َ‬ ‫س َ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا كاُنوا ِبالهَد َأةِ وَهْوَ ب َي ْ َ‬ ‫قوا َ‬
‫صوا‬ ‫م َرام ٍ ‪َ ،‬فاقْت َ ّ‬ ‫ل ‪ ،‬ك ُل ّهُ ْ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ى َر ُ‬ ‫مائ َت َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ريًبا ِ‬ ‫م قَ ِ‬ ‫فُروا ل َهُ ْ‬ ‫ن ‪ ،‬فَن َ َ‬ ‫حَيا َ‬ ‫م ب َُنو ل ِ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫قا ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب‪.‬‬ ‫َ َ ْ ُ َ ِ َ‬ ‫ر‬ ‫ث‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫لوا‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬
‫َ ِ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ ْ َ ْ ً ََ ّ ُ ُ ِ َ‬ ‫ه‬ ‫دو‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫را‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫دوا‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫تى‬ ‫آَ َ ُ ْ َ ّ‬
‫ح‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ثا‬
‫حا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ط ب ِهِ ُ‬ ‫جُئوا إ َِلى فَد ْفَد ٍ ‪ ،‬وَأ َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫حاب ُ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫م َ وَأ ْ‬ ‫ص ٌ‬ ‫عا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما َرآهُ ْ‬ ‫م ‪ ،‬فَل َ ّ‬ ‫صوا آَثاَرهُ ْ‬ ‫َفاقْت َ ّ‬
‫َ‬
‫قت ُ ُ‬
‫ل‬ ‫ميَثاقُ ‪ ،‬وَل َ ن َ ْ‬ ‫م ال ْعَهْد ُ َوال ْ ِ‬ ‫م ‪ ،‬وَل َك ُ ُ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫طوَنا ب ِأي ْ ِ‬ ‫م ان ْزُِلوا وَأعْ ُ‬ ‫قاُلوا ل َهُ ُ‬ ‫م فَ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِفى‬ ‫ل ال ْي َوْ َ‬ ‫والل ّهِ ل َ أن ْزِ ُ‬ ‫ما أَنا فَ َ‬ ‫سرِي ّةِ أ ّ‬ ‫ميُر ال ّ‬ ‫تأ ِ‬ ‫ن َثاب ِ ٍ‬ ‫م بْ ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫دا ‪َ .‬قا َ‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ل ‪ ،‬فَ َ‬ ‫خب ِْر عَّنا ن َب ِي ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مةِ َ‬
‫سب ْعَةٍ ‪،‬‬ ‫ما ِفى َ‬ ‫ص ً‬ ‫عا ِ‬ ‫قت َلوا َ‬ ‫م ِبالن ّب ْ ِ‬ ‫موْهُ ْ‬ ‫ك ‪ .‬فََر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫كافِرٍ ‪ ،‬اللهُ ّ‬ ‫ذِ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م ث َل َث َ ُ‬ ‫َ‬ ‫فَن ََز َ‬
‫ة‬
‫ن د َث ِن َ َ‬ ‫صارِىّ َواب ْ ُ‬ ‫ب الن ْ َ َ‬ ‫خب َي ْ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫َ‬
‫ق‪ِ ،‬‬ ‫مي ََثا ِ‬ ‫ط ِبالعَهْد ِ َوال ِ‬ ‫ة َرهْ ٍ‬ ‫ل إ ِلي ْهِ ْ‬
‫ج ُ‬
‫ل‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫قوهُ ْ‬ ‫م فَأوْث َ ُ‬ ‫سي ّهِ ْ‬ ‫قوا أوَْتاَر قِ ِ‬ ‫م أطل ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫مكُنوا ِ‬ ‫َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫خُر ‪ ،‬فَل ّ‬ ‫َ‬ ‫لآ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫وََر ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ذا أوّ ُ‬ ‫َ‬ ‫الّثال ِ ُ‬
‫قت ْلى ‪،‬‬ ‫ريد ُ ال َ‬ ‫سوَة ً ‪ .‬ي ُ ِ‬ ‫ن ِفى هَؤُلِء ل ْ‬ ‫م ‪ ،‬إِ ّ‬ ‫حب ُك ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ل الغَد ْرِ ‪َ ،‬واللهِ ل أ ْ‬ ‫ث هَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قت َلوه ُ ‪َ ،‬فان ْطل ُ‬ ‫ُ‬ ‫م فَأَبى فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫ن د َث ِن َ َ‬ ‫ب َواب ْ ِ‬ ‫خب َي ْ ٍ‬ ‫قوا ب ِ ُ‬ ‫حب َهُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫جوه ُ عَلى أ ْ‬ ‫عال ُ‬ ‫جّرُروهُ وَ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن ن َوْفَ ِ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ة ب َعْد َ وَقْعَةِ ب َد ْرٍ ‪َ ،‬فاب َْتاع َ ُ‬ ‫ّ‬
‫مرِ ب ْ ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ث بْ ِ‬ ‫حارِ ِ‬ ‫خب َي ًْبا ب َُنو ال َ‬ ‫مك َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫عوهُ َ‬ ‫حّتى َبا ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫خب َي ْ ٌ‬ ‫ث ُ‬ ‫م ب َد ْرٍ ‪ ،‬فلب ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مرٍ ي َوْ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ث بْ َ‬ ‫حارِ َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ب هُوَ قت َ َ‬ ‫َ‬ ‫خب َي ْ ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫ف ‪ ،‬وَكا َ‬ ‫َ‬ ‫مَنا ٍ‬ ‫ن عَب ْد ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بْ ِ‬
‫م‬
‫ه أن ّهُ ْ‬ ‫خب ََرت ْ ُ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫حارِ ِ‬ ‫ت ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ب ِن ْ َ‬ ‫ضأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَيا ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫خب ََرِنى عُب َي ْد ُ اللهِ ب ْ ُ‬ ‫سيًرا ‪ ،‬فأ ْ‬ ‫مأ ِ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ةَ‬ ‫َ‬
‫خذ َ اب ًْنا ِلى وَأَنا غافِل ٌ‬ ‫ه ‪ ،‬فأ َ‬ ‫َ‬ ‫عاَرت ْ ُ‬ ‫حد ّ ب َِها فأ َ‬ ‫َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫سى ي َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫من َْها ُ‬ ‫ست ََعاَر ِ‬ ‫مُعوا ا ْ‬ ‫جت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫حي َ‬ ‫ِ‬
‫ة‬‫ِ ْ ُ ْ َ ً‬ ‫ع‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫سى‬ ‫مو‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ َ ُْ ُ ُ ْ ِ َ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫تا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫حي‬
‫َِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬
‫ك‪.‬‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫ت ل َفْعَ َ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫شين أ َن أ َ‬ ‫َ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫هى‬ ‫عََرفََها ُ‬
‫ْ‬
‫ْ ُ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫خ ََْ ٌ ِ َ َ ْ ِ‬
‫ج‬ ‫و‬ ‫فى‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ي َأك ُ ُ‬ ‫ه ي َوْ ً‬ ‫جد ْت ُ ُ‬ ‫قد ْ و َ َ‬ ‫ب ‪َ ،‬والل ّهِ ل َ َ‬ ‫خب َي ْ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ًْرا ِ‬ ‫ط َ‬ ‫سيًرا قَ ّ‬ ‫تأ ِ‬ ‫ما َرأي ْ ُ‬ ‫َوالل ّهِ َ‬
‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫ت تَ ُ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫مرٍ وَ َ‬ ‫ن ثَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫ديد ِ ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫موث َقٌ ِفى ال ْ َ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ب ِفى ي َدِهِ ‪ ،‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫عن َ ٍ‬ ‫ف ِ‬ ‫قِط ْ ِ‬
‫ل‬‫ل ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫قت ُلوه ُ ِفى ال ِ‬ ‫ُ‬ ‫حَرم ِ ل ِي َ ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫خب َي ًْبا ‪ ،‬فَل ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن اللهِ َرَزقَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ل َرِْزقٌ ِ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ت َظّنوا‬ ‫ل لوْل َ أ ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫كوه ُ ‪ ،‬فََرك َعَ َرك ْعَت َي ْ‬ ‫ن ‪ .‬فَت ََر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب ذ َُروِنى أْرك َعْ َرك ْعَت َي ْ‬ ‫خب َي ْ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ما‬ ‫سل ِ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن أ ُقْت َ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ت أ َُباِلى ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م عَد ًَدا ‪ .‬وَل َ ْ‬ ‫صهِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫مأ ْ‬
‫أ َن ما بى جزعٌ ل َط َول ْتها الل ّه َ‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ َ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫شأ ي َُبارِك عَلى‬ ‫ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ت ال ِلهِ وَإ ِ ْ‬ ‫عى وَذ َل ِك ِفى َذا ِ‬ ‫َ‬ ‫صَر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ل ِلهِ َ‬ ‫شقّ كا َ‬ ‫َ‬ ‫عََلى أىّ ِ‬
‫ل‬ ‫ن ل ِك ُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن الّرك ْعَت َي ْ‬ ‫ّ‬ ‫س‬ ‫ب هُوَ َ‬ ‫خب َي ْ ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ث ‪ ،‬فَ َ‬ ‫حارِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ه اب ْ‬ ‫قت َل َ ُ‬ ‫مّزِع فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫شل ْوٍ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫صا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أ َو‬
‫َ‬ ‫ل صبرا ‪َ ،‬فاستجاب الل ّه ل ِعاصم بن َثابت يو ُ‬
‫خب ََر‬ ‫ب ‪ ،‬فَأ ْ‬ ‫صي َ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ُ َ ِ ِ ْ ِ ِ ٍ َ ْ َ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫سل ِم ٍ قُت ِ َ َ ْ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ئ ُ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫ا ْ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ث َنا ٌ‬ ‫صيُبوا ‪ ،‬وَب َعَ َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خب ََرهُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫حاب َ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ى ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أ ْ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ه قت ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كُ ّ‬
‫ن‬ ‫ف ‪ ،‬وَكا َ‬ ‫ه ي ُعَْر ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ىٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫وا ب ِ َ‬ ‫ل ل ِي ُؤْت َ ْ‬ ‫حد ُّثوا أن ّ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫حي َ‬ ‫صم ٍ ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫ش إ ِلى َ‬ ‫فارِ قَري ْ ٍ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ل الظ ّل ّةِ ِ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫صم ٍ ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫ث عََلى َ‬ ‫م ب َد ْرٍ ‪ ،‬فَب ُعِ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫مائ ِهِ ْ‬ ‫ن عُظ َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جل ً ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قَد ْ قَت َ َ‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫شي ًْئا‬
‫مهِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫قط َعَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫قدُِروا عََلى أ ْ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫م ‪ ،‬فَل َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫سول ِهِ ْ‬
‫ن َر ُ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬
‫مت ْ ُ‬ ‫الد ّب ْرِ ‪ ،‬فَ َ‬
‫ح َ‬
‫أخرجه البخاري في صحيحه برقم )‪(3045‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ل بد من اليمان بالله‪ ،‬والجهاد في سبيله‪ ،‬والتضحية بكل ما تملك لعلء‬


‫كلمة السلم‪ ،‬فإذا قدمت حب الباء والبناء والخوة والموال والتجارة‬
‫والسكن؛ فأنت بذلك خارج عما شرع الله وأوجب‪ ،‬ومن يفعل ذلك فلينتظر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كا َ َ‬
‫م‬‫جك ُ ْ‬ ‫م وَأْزَوا ُ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬‫م وَأب َْناؤُك ُ ْ‬ ‫ن آَباؤُك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫جزاء الفاسقين‪ } ،‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫ضوْن ََها‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫سا ْك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ساد َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫ها وَت ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬ ‫وا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرت ُك ُ ْ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مرِهِ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫صوا َ‬ ‫سِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُ‬ ‫جَهادٍ ِفي َ‬ ‫سول ِهِ وَ ِ‬ ‫ن اللهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب إ ِلي ْك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫أ َ‬
‫ن )‪] (24‬التوبة‪.{ [24/‬‬ ‫قي َ‬‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه َل ي َهْ ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫أيها الخوة الجلء‪...‬‬
‫انطلقوا بالدعوة إلى الله‪ ،‬وبلغوها للناس في الفاق‪ ،‬واذهبوا إلى المدن‬
‫فور‪ ،‬وكل مكان‪ ،‬انطلقوا بدعوتكم بدينكم‪ ،‬وبينوه‬ ‫والريف‪ ،‬والعَِزب والك ُ ُ‬
‫للناس‪ ،‬بينوا هدي رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ل تخافوا في الله‬
‫لومة لئم‪ ،‬ول ترتعبوا من قول مسئول‪ ،‬ل ترتعبوا ول تخافوا من تهديدٍ أو‬
‫وعيد‪ ،‬انطلقوا بالدعوة إلى الله‪ ،‬ل تداهنوا ول تلينوا ول تميلوا ول تبتعدوا عن‬
‫قول الحق أبدًا‪ ،‬مهما كان التهديد والوعيد‪ ،‬قوموا في الله قومة رجل واحد‪،‬‬
‫وأعملوا لدينكم‪ ،‬وجاهدوا في الله حق جهاده؛ جاهدوا شبابا ً وشيوخًا‪ ،‬صغارا ً‬
‫عوا إ َِلى ال ّ ْ‬ ‫وكبارًا‪ ،‬جاهدوا في سبيل لتعلوا كلمة الله‪ } ،‬فََل ت َهُِنوا وَت َد ْ ُ‬
‫س لم ِ‬ ‫وأ َنتم اْل َعْل َون والل ّه معك ُم ول َن يت ِرك ُ َ‬
‫م )‪] (35‬محمد‪.{ [35/‬‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ْ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ‬ ‫َ ُْ ُ‬
‫أقول قولي هذا‪ ،‬وأستغفر الله لي ولكم‪.‬‬
‫* * **************‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪.‬‬
‫أما بعد‪...‬‬
‫فيا عباد الله‪...‬‬
‫أوصي نفسي وأوصيكم؛ بتقوى الله‪ ،‬وأعملوا للسلم‪ ،‬وجدوا في نشره‪ ،‬فإن‬
‫أهل الباطل يجدون في نشر باطلهم في الليل والنهار والصباح والمساء‪،‬‬
‫ومعهم قوة‪ ،‬معهم قوة مالية‪ ،‬ومعهم قوة إعلمية‪ ،‬ومعهم قوة لنشر هذا‬
‫الباطل‪ ،‬فنجد وسائل العلم؛ مواخير تنطلق في البيوت لتوقض الغرائز‬
‫وتحيي الشهوات‪.‬‬
‫انطلقوا بالحق؛ قولوا الحق وإن كان مرًا‪ ،‬وأمروا بالمعروف وانهوا عن‬
‫المنكر‪ ،‬وارفعوا أصواتكم بهذا الحق‪ ،‬وقولوا للظالم؛ "أنت ظالم! فتوقف عن‬
‫ظلمك"‪ ،‬هذا هو واجبك أيها المسلم‪.‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َه ُ ِ‬ ‫شَهاد َةً ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َت َ َ‬ ‫م ْ‬
‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫واجبك أن تقول شهادة الحق‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن )‪] (140‬البقرة‪ ،{ [140/‬أنت مسؤول أمام الله‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫ه ب َِغافِ ٍ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫عن كتمان الشهادة‪ ،‬هذه شهادة لبد أن تقولها‪ ،‬قل لهذا المسؤول الذي‬
‫يزعم؛ أن السلم مكانه المسجد!‬
‫قل له؛ "أنت ظالم بهذا القول‪ ،‬واعزف عن قولك‪ ،‬ابتعد عما تقول‪ ،‬ول تخرب‬
‫مساجد الله‪ ،‬ل تخربها بما تضعه عليها من رقابة"‪ } ،‬وم َ‬
‫ع‬
‫من َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫خَراب َِها ُأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫سَعى ِفي َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬
‫س ُ‬ ‫ن ي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬ ‫جد َ الل ّهِ أ ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(114‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ِفي ال ِ‬ ‫َ‬
‫خْزيٌ وَلهُ ْ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا ِ‬ ‫َ‬
‫ن لهُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫في َ‬ ‫خائ ِ ِ‬ ‫ها إ ِل َ‬ ‫خلو َ‬ ‫ي َد ْ ُ‬
‫]البقرة‪.{ [115 ،114/‬‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لبد أن نرفع أصواتنا بقول الحق‪ ،‬لنقول لـ "رئيس مجلس الشعب"‪ ،‬وهو يمنع‬
‫أن يتحدث أحد في تطبيق الشريعة السلمية‪.‬‬
‫وهكذا ظهرت الحزاب على حقيقتها‪ ،‬الحزاب التي كانت ُتتاجر ‪ -‬وما زالت‬
‫تتاجر ‪ -‬بالدين ظهرت على حقيقتها‪ ،‬كل الحزاب ]قدمت[ في ]برامجها[؛‬
‫]أنها تؤيد[ تطبيق الشريعة السلمية‪ ،‬وواحد منهم يقول‪) :‬إن الشريعة‬
‫السلمية هي المبدأ الوحيد‪ ...‬أو المبدأ الصيل(! وظهرت برامج الحزاب‪،‬‬
‫وهي متاجرة بالدين‪ ،‬إن الحزاب تتاجر بالسلم؛ لتلقى أكثر أعداد من‬
‫الصوت‪ ،‬تتاجر بالسلم وتقدم في برامجها؛ أن الشريعة السلمية هي‬
‫المصدر الوحيد‪.‬‬
‫جاَء‬
‫حّتى َ‬
‫موَر َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل وَقَلُبوا ل َ‬
‫ن قَب ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك ال ُ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫فت ْن َ َ‬
‫وا ال ِ‬
‫قدِ اب ْت َغَ ُ‬
‫وهكذا ظهر الحق‪ } ،‬ل َ‬
‫َ‬
‫ن )‪] (48‬التوبة‪ ،{ [48/‬ظهروا على حقيقتهم‬ ‫هو َ‬ ‫َ‬
‫م كارِ ُ‬ ‫مُر الل ّهِ وَهُ ْ‬
‫حقّ وَظ َهََر أ ْ‬
‫ال ْ َ‬
‫حينما قام من يدافع الشريعة السلمية‪ ،‬فوقف الكل أمامه‪ ،‬وقالوا؛ "إن هذا‬
‫ليس هو الوقت"! إنهم يحددون أوقاتا ً للكلم عن الشريعة السلمية! وامتنع‬
‫رئيس مجلس الشعب عن أن يعطي الكلمة لمن يريد أن يتحدث عن‬
‫الشريعة السلمية‪.‬‬
‫قولوا لرئيس مجلس الشعب؛ "إن هذا الطريق المظلم الذي تسير فيه‪،‬‬
‫طريق من سبقك من رؤساء مجالس الشعب‪ ،‬هذا الطريق المظلم يؤدي‬
‫ويودي بك إلى جهنم وبئس القرار‪ ،‬إن كنت تؤمن بالجنة والنار‪ ،‬أم أنت ل‬
‫تؤمن بشيء؟!"‬
‫إن النسان يجب أن يعرف دينه ويعرف أعداء السلم‪ ...‬ي‬
‫عرف أعداء السلم الذين يقفون للشريعة السلمية بالمرصاد‪.‬‬
‫ورئيس مجلس الشعب يقول‪) :‬إن الدورات السابقة ُقطعت وُقطعت‬
‫برامجها‪ ،‬وان هذه دورة ابتدأت‪ ،‬فل بد أن نصرف عما قيل(‪ ،‬وأن تقنين‬
‫الشريعة السلمية الذي اجتهد فيه علماء ومتخصصون يريد أن يضرب به‬
‫عرض الحائط‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ونقول له؛ ومتى كانت الشريعة السلمية تحتاج إلى تقنين؟!‬


‫إنها تطبق بغير تقنين‪ ،‬ولقد طبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وطبقها‬
‫الصحابة والتابعون وتابعوا التابعين‪ ،‬واستمر التطبيق للشريعة السلمية أكثر‬
‫من عشرة قرون‪ ،‬ولم تكن مقننة في مواد‪ ،‬فمن الذي يزعم أن الشريعة‬
‫السلمية تحتاج إلى تقنين؟!‬
‫هذا باطل‪] ،‬وهذه[ محاولة للبعد عن تطبيق الشريعة السلمية‪.‬‬
‫ذكروه وذكروا أمثاله بقول الله تعالى في نظامه السلمي القضائي‪ ...‬ذكروه‬
‫م َل‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك َل ي ُؤْ ِ‬ ‫بقوله تعالى‪ } :‬فََل وََرب ّ َ‬
‫ما )‪] (65‬النساء‪.{ [65/‬‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫حَر ً‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫دوا ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫يَ ِ‬
‫لم ينزل الكتاب ليقرأ في المآتم‪ ،‬ولم ينزل الكتاب ليتخذ أحجبة‪ ،‬ولم ينزل‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫القران ليقرأ في السرادقات عند الحزان‪ } ،‬وَأ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ه وََل‬ ‫َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫مًنا عَل َي ْهِ َفا ْ‬ ‫مهَي ْ ِ‬ ‫ب وَ ُ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫صد ًّقا ل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫شاَء‬ ‫جا وَلوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫حقّ ل ِك ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من َْها ً‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫شْرعَ ً‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫جعَلَنا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫جاَءك ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م عَ ّ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت إ ِلى‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫قوا ال َ‬ ‫ست َب ِ ُ‬‫م َفا ْ‬ ‫ُ‬
‫ما آَتاك ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ُ‬
‫ن ل ِي َب ْلوَك ْ‬ ‫حد َة ً وَلك ِ ْ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫ُ‬
‫جعَلك ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ما‬‫م بِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬‫حك ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ن )‪ (48‬وَأ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬ ‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ميًعا فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫ه إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َن َْز َ‬
‫ك‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ب َعْ ِ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫فت ُِنو َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫مأ ْ‬ ‫حذ َْرهُ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ه وََل ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫فَإن تول ّوا َفاعْل َم أ َنما يريد الل ّ َ‬
‫س‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َِثيًرا ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ض ذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫م ب ِب َعْ َ ِ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ّ َ ُ ِ ُ‬ ‫ِ ْ َ َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫قوْم ٍ‬ ‫ما ل ِ َ‬ ‫حك ً‬ ‫ن اللهِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ ي َب ُْغو َ‬ ‫م ال َ‬ ‫حك َ‬ ‫ن )‪ (49‬أف ُ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬
‫ن )‪] (50‬المائدة‪ ،{ [50-48/‬احذرهم أن يفتنوك عن "بعض"! ما أنزل‬ ‫ُيوقُِنو َ‬
‫الله إليك‪ ،‬فإذا فتنونا عن كل ما ُأنزل الله إلينا‪ ،‬وسحبوا الشريعة السلمية‬
‫من كل ميادين الحياة‪ ،‬فماذا يكون المر؟ وماذا ننتظر؟ إل غضب الله‬
‫وسخطه!‬
‫فأسرعوا الخطى قبل أن يأتي غضب الله‪ ،‬ارفعوا أصواتكم؛ بأن الحكم بكتاب‬
‫َ‬
‫ن‬‫جاهِل ِي ّةِ ي َب ُْغو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫الله واجب وضرورة‪ ،‬وأننا نبتعد عن حكم الجاهلية‪} ،‬أفَ ُ‬
‫كما ً ل ّ َ‬ ‫وم َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن الل ّهِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫وهكذا نجد من يصد الناس عن سبيل الله‪ ،‬ول يعطي الكلمة لمن يريد أن‬
‫يتحدث عن الشريعة السلمية‪ ،‬وظهر موقف الحزاب‪ ..‬جميع الحزاب‪ ..‬وهي‬
‫تتاجر بدين الله‪ ،‬وهي تكذب على شعبها‪ ،‬تكذب على المة‪ ،‬حيث تعد بأنها‬
‫تأخذ خطوات في تطبيق الشريعة‪ ،‬فإذا هي تمتنع مجتمعة عن أن تتكلم‬
‫مجرد الكلم في شريعة الله!‬
‫ن‬
‫حاّدو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫اعرفوا أيها الخوة من يحارب الله ورسوله‪ ،‬وما جزاءه؛ } إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت وَل ِلكافِ ِ‬ ‫ت ب َي َّنا ٍ‬ ‫م وَقَد ْ أن َْزل َْنا آ ََيا ٍ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫ما ك ُب ِ َ‬ ‫ه ك ُب ُِتوا ك َ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬
‫سوهُ‬ ‫ه وَن َ ُ‬ ‫صاهُ الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مُلوا أ ْ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ميًعا فَي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م ي َب ْعَث ُهُ ُ‬ ‫ن )‪ (5‬ي َوْ َ‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫ه‬‫ن الل ّ َ‬ ‫حاّدو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫شِهيد ٌ )‪] (6‬المجادلة‪ } ،{ [6 ،5/‬إ ِ ّ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه قَوِ ّ‬
‫ي‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫ه َلغْل ِب َ ّ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ن )‪ (20‬ك َت َ َ‬ ‫ك ِفي اْلذ َّلي َ‬ ‫ه أول َئ ِ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫زيٌز )‪] (21‬المجادلة‪.{ [21 ،20/‬‬ ‫عَ ِ‬
‫وهكذا يجب أن يتعاون كل مسلم‪ ،‬وأن يرفع صوته بأننا نريد أن نطبق‬
‫الشريعة السلمية‪ ،‬وأن القوانين الوضعية أودت بنا إلى حالة من الفساد‬
‫والفجور والذعر مما نراه‪ ،‬وقد اختطف البنات والنساء هنا وهناك‪ ،‬لن‬
‫العقوبات غير رادعة‪ ،‬ولن الحدود ل تقام‪ ،‬ولو كانت هناك حدود تقام لرأيت‬
‫المن والمان‪ ،‬والسلم والسلم‪ ،‬ورأيت البعد عن الجريمة في كل مكان‪،‬‬
‫فهذه هي "الحداث" وها هي "الحوادث" )‪ (1‬نراها هنا وهناك‪ ،‬فعلينا أن نرفع‬
‫أصواتنا‪ ،‬وأن نقول لحكامنا أننا نريد أن ُنحكم بكتاب الله‪ ،‬ل بقوانين وضعية‬
‫من صنع البشر‪ ،‬وعلينا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر‪.‬‬
‫أيها الخوة‪...‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(102‬‬ ‫مو‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬
‫َ َ ّ ُ ِ ِ َ َ ُ ُ ّ ِ َ ُْ ْ ُ ْ ِ ُ َ‬‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫مو‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫نوا‬ ‫ذي َ َ ُ‬
‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫قوا‬ ‫طيُعوا وَأ َن ْفِ ُ‬ ‫َ‬
‫مُعوا وَأ ِ‬ ‫س َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫]آل عمران‪َ } ،{ [102/‬فات ّ ُ‬
‫ُ‬ ‫خي ًْرا ِل َن ْ ُ‬
‫ن )‪] (16‬التغابن‪،16/‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫سهِ فَأول َئ ِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح نَ ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫ن ُيوقَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫‪.{ [17‬‬
‫• اتقوا الله؛ فقولوا الحق‪ ،‬وارفعوا أصواتكم به‪.‬‬
‫• اتقوا الله؛ فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر‪ ،‬وأسدوا النصيحة ‪ -‬للحاكم‬
‫والمحكوم على السواء ‪-‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬الحداث و الحوادث؛ أسماء لصحيفة ومجلة تصدران في مصر‬

‫)‪(8 /‬‬

‫• اتقوا الله ول تداهنوا في دينكم أو تلينوا‪ ،‬واقتدوا برسولكم صلى الله عليه‬
‫ن )‪ (8‬وَّدوا ل َوْ ت ُد ْهِ ُ‬
‫ن‬ ‫وسلم‪ ،‬والله سبحانه وتعالى يقول له‪ } :‬فََل ت ُط ِِع ال ْ ُ‬
‫مك َذ ِّبي َ‬
‫فَي ُد ْهُِنو َ‬
‫ن )‪] (9‬القلم‪.{ [9 ،8/‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪،‬‬‫• اتقوا الله ول تخافوا أحدا ً من الناس‪ ،‬فإن أحدا ً ل يملك لك رزقا ً ول أج ً‬
‫ما‬ ‫ن قَوْ ً‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫ول ضرا ً ول نفعًا‪ ،‬خافوا الله وحده‪ ،‬ولماذا تخاف إنسانًا؟! } أ ََل ت ُ َ‬
‫م َفالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫شوْن َهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫مّرةٍ أ َت َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م أ َوّ َ‬ ‫م ب َد َُءوك ُ ْ‬ ‫ل وَهُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫خَراِج الّر ُ‬ ‫موا ب ِإ ِ ْ‬ ‫م وَهَ ّ‬ ‫مان َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن َك َُثوا أي ْ َ‬
‫ن )‪] (13‬التوبة‪ ،{ [13/‬كيف تخشون ناسا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫شوْه ُ إ ِ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫حق ّ أ ْ‬ ‫أ َ‬
‫وأنتم عمار المساجد؟!‬
‫عمار المساجد ينبغي أن ل يخشوا إل الله‪ ،‬كما قال الله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫صَلة َ وَآ ََتى الّز َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ‬ ‫} إن ّما ي َعْمر مساجد َ الل ّهِ م َ‬
‫كاةَ‬ ‫م ال ّ‬ ‫خرِ وَأَقا َ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ُ َ َ ِ‬ ‫ِ َ‬
‫ْ‬ ‫ك أَ‬ ‫َ‬ ‫خش إّل الل ّه فَعسى ُ‬
‫ن )‪] (18‬التوبة‪.{ [18/‬‬ ‫َ‬ ‫دي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ه‬
‫ُ ْ‬‫م‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫نوا‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫وَل َ ْ‬
‫• اتقوا الله وانطلقوا بدينكم‪ ،‬فادعوا إلى الله‪ ...‬ادعوا أهليكم وأسركم‪،‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫وادعوا جيرانكم وأقاربكم‪ ،‬وادعوا من هنا ومن هناك‪ ،‬فهذا واجب‪ } ،‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِن ِّني ِ‬ ‫حا وََقا َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫عا إ َِلى الل ّهِ وَعَ ِ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬‫ن قَوًْل ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫]فصلت‪.{ [33/‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫م العْلوْ َ‬ ‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬ ‫ل تخافوا‪ ...‬ل تضعفوا‪ ...‬ل تهنوا‪ } ،‬وَل ت َهُِنوا وَل ت َ ْ‬
‫ن )‪] (139‬آل عمران‪ ،{ [139/‬انطلقوا والله معكم‪ ،‬والله يرعاكم‪ ،‬الله‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫يسدد خطاكم‪ ،‬ولن يضيع جهد أبدا‪ ،‬ولن يضيع عمل أبدا‪ ،‬والله يجازي كل‬ ‫ً‬
‫امرئ عما بذل في دينه‪ ،‬وعما أنفق من طاقة‪ ،‬فعليكم أن تفعلوا ما أمركم‬
‫الله به‪ ،‬وأن تبينوا للناس هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإنا نجد‬
‫من يدافع عن الباطل‪ ،‬ومن ينشر الباطل‪ ،‬ومن يقف بجانب الباطل‪ ،‬ثم‬
‫يتركون الحق ل يقف أحد بجانبه‪ ،‬قفوا بجانب الحق وكونوا من أهل الحق‪،‬‬
‫عوا إَلى السل ْم وأ َنتم اْل َعْل َون والل ّه معك ُم ول َن يت ِرك ُ َ‬
‫مال َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ْ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ‬ ‫ّ ِ َ ُْ ُ‬ ‫} فََل ت َهُِنوا وَت َد ْ ُ ِ‬
‫)‪] (35‬محمد‪.{ [36 ،35/‬‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬ ‫أل وصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما أمركم الله إذ قال‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ما )‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫صّلوا عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ي َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬ ‫ن عََلى الن ّب ِ ّ‬ ‫صّلو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫مَلئ ِك َت َ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫‪] (56‬الحزاب‪.{ [56/‬‬
‫اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬اللهم إنا‬
‫نسألك موجبات رحمتك‪ ،‬وعزائم مغفرتك‪ ،‬والعصمة من كل ذنب‪ ،‬والغنيمة‬
‫من كل بر‪ ،‬والسلمة من كل إثم‪ ،‬ل تدع لنا ذنبا ً إل غفرته‪ ،‬ول هما ً إل فرجته‪،‬‬
‫ول حاجة هي لك رضى إل قضيتها يا أرحم الراحمين‪ ،‬اللهم أعز السلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬وأذل الشرك والمشركين‪ ،‬ودمر أعدائك‪ ..‬أعداء الدين‪ ،‬وانصر‬
‫عبادك الموحدين‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا‬
‫التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا‪ ،‬واجعل الحياة زيادة لنا‬
‫في كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪.‬‬
‫اللهم نجنا من القوم الظالمين‪ ،‬اللهم من أراد السلم والمسلمين بسوء فرد‬
‫كيده في نحره‪ ،‬واشغله بنفسه‪ ،‬واجعل تدميره في تدبيره‪ ،‬وأنزل مقتك‬
‫وغضبك عليه‪.‬‬
‫اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم‪ ،‬ونعوذ بك من شرورهم‪ ،‬ونستعين بك عليهم‪،‬‬
‫فاكفهم بما شئت‪ ،‬إنك على ما تشاء قدير‪ ،‬اللهم شتت شملهم‪ ،‬اللهم فرق‬
‫جمعهم‪ ،‬اللهم اجعل الدائرة عليهم‪ ،‬اللهم احصهم عددًا‪ ،‬اللهم فرقهم بددًا‪،‬‬
‫اللهم ل تبق منهم أحدًا‪ ،‬اللهم اجعلهم للناس آية‪ ،‬اللهم اجعلهم للناس عبرة‪،‬‬
‫اللهم مزقهم كل ممزق‪ ،‬اللهم زلزل الرض من تحت أقدامهم‪ ،‬اللهم‬
‫افضحهم في كل مكان‪ ،‬اللهم افضحهم في عقر دارهم‪ ،‬اللهم أنزل مقتك‬
‫وغضبك عليهم‪ ،‬اللهم آذهم في أنفسهم‪ ،‬اللهم آذهم في أجسادهم‪ ،‬اللهم‬
‫آذهم في عيونهم‪ ،‬اللهم آذهم في أسماعهم كما آذوا المسلمين يا رب‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫الشريعة السلمية وحدة في الصول وتيسير في الفروع‬


‫أ‪.‬د‪ .‬محمد بن أحمد الصالح ‪20/12/1425‬‬
‫‪31/01/2005‬‬
‫الفكر السلمي محصلة حضارية بنيت على أركان العقيدة السلمية التي‬
‫جعلها الله دينه الخاتم وبعث خاتم النبيين – صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬ونريد أن‬
‫نقنع المسلم بأنه يعتنق أكمل الديان وأعدلها‪ ،‬وأن مبادئ هذا الدين وأحكامه‬
‫ومثله ومقاييسه هي المبادئ السليمة الكفيلة بإسعاد الفرد والمجتمع‪ ،‬كما‬
‫نعمل على إقناع غير المسلم بهذا المعنى حتى ل يتصور السلم دعوة عصبية‬
‫أو قاصرة عما يكفل الحياة السعيدة للناس‪ ،‬وأن يعرف أن ما جاء به السلم‬
‫إنما هو برنامج عملي إصلحي للبشرية كافة‪ ،‬قال تعالى‪" :‬وما أرسلناك إل‬
‫رحمة للعالمين" ]النبياء‪ ،[107 :‬وقال صلى الله عليه وسلم ‪) :-‬إن الله‬
‫يبعث إلى هذه المة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها أمر دينها(‪ ،‬وإذا‬
‫كانت العبادات قد استقرت وأصبحت توقيفية ل يدخلها التبديل ول التغيير‪،‬‬
‫فإن أمور المعاملت قابلة للتجديد والتطوير‪ ،‬الذي يعتمد على الجتهاد‬
‫الجماعي الذي يقوم على ركنين‪ :‬اعتماد على الصول‪ ،‬واتصال بالعصر‪ ،‬أما‬
‫العتماد على الصل فنحن نعتمد على الشرعية التي تقوم على الثوابت‬
‫الكبرى‪ ،‬وهي حفظ الضروريات الست‪ :‬حفظ الدين‪ ،‬وحفظ النفس‪ ،‬وحفظ‬
‫النسل‪ ،‬وحفظ العرض‪ ،‬وحفظ العقل‪ ،‬وحفظ المال‪ ،‬والمحافظة على‬
‫قطعيات الشريعة وأحكامها‪ ،‬وعلى الفرائض وعلى القيم الخلقية‪.‬‬
‫وشريعة السلم قد اتسعت في كل عصر ومصر عبر آلية الجتهاد والتجديد‪،‬‬
‫ولهذا قال فقهاؤنا‪ :‬إن الفتوى تتغير بتغيير الزمان والمكان والحوال‬
‫والعراف‪ ،‬فهذا أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي المام أبي حنيفة قد‬
‫خالفوا إمامهم في كم هائل من مسائل الفقه‪ ،‬وقال‪ :‬لو رأى إمامنا ما رأينا‬
‫لغير رأيه بناء على ما طرأ من تغير الزمان والمكان وتطور في مسيرة‬
‫الحياة‪.‬‬
‫وهذا المام محمد بن إدريس الشافعي أثر عنه المذهب القديم لما كان في‬
‫العراق‪ ،‬ولما تحول إلى مصر دون مذهبه الجديد بناء على تغير الحوال‬
‫والعراف‪ ،‬وهذا المام أحمد _رضي الله عنهم جميعًا_ يؤثر عنه في المسألة‬
‫أكثر من رواية‪ ،‬إما من باب التيسير أو العتماد على نص علمه‪.‬‬
‫إذن فأعمال الجتهاد والتجديد ضرورة ملحة لستيعاب قضايا العصر‬
‫ومتطلبات الحياة‪ ،‬ومن خلل الثبات على مقاصد الشريعة وقواعدها العامة‬
‫ومبادئها الكلية مع المرونة في الوسائل ودقة الفهم وإدراك المصلحة‪.‬‬
‫والتغيير في الحكام يعني‪ :‬تعظيم الصول وتيسير الفروع؛ لن تعظيم‬
‫الصول يندرج تحت قوله تعالى‪" :‬بسم الله الرحمن الرحيم الم ذلك الكتاب‬
‫ل ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما‬
‫رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وبما أنزل من قبلك وبالخرة‬
‫هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون"‪ ،‬وقال عليه‬
‫الصلة والسلم )بني السلم على خمس إيمان بالله ورسوله والصلوات‬
‫الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت(‪.‬‬
‫وهذا يقتضي أن من يتصدى للفتوى في قضية الحكام أن يكون لديه الهلية‬
‫في العلم والفهم والدراك‪ ،‬قال تعالى‪" :‬هل يستوي الذين يعلمون والذين ل‬
‫يعلمون إنما يتذكر أولو اللباب" ]الزمر‪ ،[9:‬وقال تعالى‪" :‬يرفع الله الذين‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"‪ ،‬وقال تعالى‪" :‬شهد الله أنه ل إله إل‬
‫هو الملئكة وأولو العلم قائما بالقسط ل إله إل هو العزيز الحكيم" ]آل‬
‫عمران‪.[18 :‬‬
‫ولكن _ويا للسف_ نعيش اليوم في عصرنا مع شباب حدثاء السنان سفهاء‬
‫الحلم لم يأخذوا العلم عن الثقات ول عن مصادر العلم الصيلة‪ ،‬ولم‬
‫يستمعوا لقول الله تعالى‪" :‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون"‪ ،‬كما أن‬
‫هؤلء لم يرجعوا إلى الراسخين في العلم‪ ،‬وإنما قرأوا جملة من اليات أو‬
‫جملة من الحاديث ثم نصبوا أنفسهم للفتاء بآراء شاذة ومنحرفة‪ ،‬فاخذوا‬
‫يكفرون المة ويفسقونها ويجهلون العلماء ويسفهونهم ويخوضون في‬
‫أعراضهم‪ ،‬ويسعى هؤلء الشباب في تضليل الناس ووصفهم بالبتداع‪،‬‬
‫ويصدرون من الفتاوى ما يؤدي إلى الفتنة والبلبلة والضطراب‪ ،‬ويخوضون‬
‫في القضايا الكبرى للمة ومصالحها العليا‪ ،‬وهذا من الفتن العظيمة ومن‬
‫الشر المستطير‪ ،‬فيجب على العلماء وأولي المر والرأي أن يتصدوا لهؤلء‬
‫ويبعدونهم عن الساحة‪ ،‬ليسلم الناس من هذا الهراء‪ ،‬ول يتصدى للفتوى إل‬
‫الراسخون في العلم‪ ،‬ومن وهبهم الله فهما ً دقيقا ً وفقها ً عميقًا‪ ،‬ولهذا نرى أن‬
‫الصيغة المثلى في علج قضايا المة وحل مشكلتها إنما تتحقق بالجتهاد‬
‫الجماعي الذي يجمع بين فقهاء الشرع وخبراء العصر؛ لن الفقهاء يعلمون‬
‫النصوص ومدلولتها ومقاصدها‪ ،‬والخبراء يعرفون الواقع ومآلته وتحدياته‪،‬‬
‫والحكم الشرعي مركب من العلم بالنصوص والعلم بالواقع‪ ،‬فالجتهاد‬
‫الجماعي أقرب إلى السداد‪ ،‬وأبعد عن الخلف في مثل هذه القضايا‪.‬‬
‫ونحن نعتز بديننا ونفاخر بتراثنا المستخلص من كتاب ربنا وسنة نبينا محمد –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وإذن فلبد أن نستفيد من الماضي ونعيش الحاضر ونستشرف المستقبل‪،‬‬


‫ونعمل على علج قضايا الناس وحل مشكلتهم‪ ،‬معتمدين على النص‬
‫الشرعي مع الستشارة بالعقل‪ ،‬والنظر في المصالح‪ ،‬والعمل على تكثيرها‪،‬‬
‫والقضاء على المفاسد وتقليلها في كل مجالت الحياة‪ ،‬فالمر بالمعروف هو‬
‫من الصفات الخيرة في هذه المة‪ ،‬قال تعالى‪" :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس‬
‫تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" ]آل عمران‪،[110:‬‬
‫وقال تعالى‪" :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون‬
‫عن المنكر وأولئك هم المفلحون" ]آل عمران‪.[104:‬‬
‫ولكن لبد من الحكمة عند المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والنظر في‬
‫مجريات المور وما ينشأ عن هذا المر من تحقيق المصالح ودفع المفاسد‪،‬‬
‫ولبد من الموازنة بين الخير والشر‪ ،‬وما يترتب على هذا التصرف من المآل‬
‫والثار‪ ،‬فليس كل منكر نراه نحمل عليه سيف التغيير والتبديل إل بعد ما‬
‫ننظر إلى ما يترتب عليه من أثر‪ ،‬فإذا كانت المفاسد المترتبة على التغيير‬
‫أكثر فل يجوز النكار‪ ،‬وإذا كانت المصالح أكبر وأرجح فلبد من النكار‪ ،‬فهذا‬
‫يدركه أهل النظر والوعي وأهل الحكمة وأولي المر الذين يقدرون المفاسد‬
‫ويدركون المصالح‪.‬‬
‫وهذا يتمثل فيما قاله المام سفيان الثوري رحمه الله‪ :‬ل بد لمن يأمر‬
‫بالمعروف أو ينهى عن المنكر أن يتحقق فيه ثلث‪ :‬أن يكون عالما ً بما يأمر‬
‫به‪ ،‬عالما ً بما ينهى عنه‪ ،‬عدل ً فيما يأمر به‪ ،‬عدل ً فيما ينهى عنه‪ ،‬رفيقا ً فيما‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يأمر به‪ ،‬رفيقا ً فيما ينهى عنه‪.‬‬


‫ولقد أثر عن المام الجليل شيخ السلم أحمد بن تيمية – رضي الله عنه ‪،-‬‬
‫أنه مر مع أصحابه على أناس من التتار الذين غزو بلد الشام وكانوا سكارى‪،‬‬
‫فأراد من كان مع المام التغيير عليهم فنهاهم المام؛ لن أمامه مفسدتان‪:‬‬
‫مفسدة شرب الخمر‪ ،‬وهي منكر‪ ،‬غير أنها جريمة قاصرة‪ ،‬والمفسدة الثانية‬
‫قتل المسلمين وإزهاق أرواحهم وسفك دمائهم‪ ،‬ولهذا قال المام الجليل‪:‬‬
‫دعوهم‪ ،‬إنما نهى الله عن الخمر لنها تصد عن ذكر الله وعن الصلة‪ ،‬وهؤلء‬
‫إنما تصدهم الخمر عن قتل المسلمين وإراقة دمائهم‪ ،‬ولزوال الدنيا بأسرها‬
‫أهون على الله من إراقة دم مسلم بغير حق‪.‬‬
‫ولقد أراد النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد فتح مكة أن يعيد بناء الكعبة‬
‫على قواعد إبراهيم الخليل عليه السلم‪ ،‬فقال لعائشة‪ :‬لول أن قومك حدثا‬
‫عهد بالكفر لهدمت الكعبة وأعدتها على قواعد إبراهيم عليه السلم‪ ،‬حيث‬
‫يشمل الكعبة حجر إسماعيل ‪ ،‬ويكون لها بابان على وجه الرض‪.‬‬
‫ومما يؤيد فقه الموازنات والمقارنة بين التصرف وعدمه ما قاله الله تعالى‪:‬‬
‫"ول تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم" ]النعام‪:‬‬
‫‪ ،[108‬فسب الصنام أمر مباح ولكن لما كان يؤدي إلى التعرض للذات‬
‫العلية صار أمرا ًً ممنوعًا‪.‬‬
‫ونحن أمة نعيش ضمن قرية كونية زالت فيها حواجز الزمان والمكان‪ ،‬وليس‬
‫لنا من سبيل أن ننكفي على أنفسنا أو نتقوقع على ذاتنا‪ ،‬حيث لبد من تبادل‬
‫المنافع ورعاية المصالح ومد الجسور مع الخرين والتفاعل اليجابي من غير‬
‫أن تذوب شخصيتنا وخصوصية حضارتنا من غير انطواء أي أن الحكمة ضالة‬
‫المؤمن يأخذها أنى وجدها وممن جاء بها‪.‬‬
‫والحضارات تتقاسم أقدار من القيم‪ ،‬ولهذا لبد أن نأخذ بالنافع المفيد من‬
‫اللباب والجوهر‪ ،‬ونعرض عن القشور وما يتنافى مع أخلقنا وقيمنا‪ ،‬فقد‬
‫اتصل المسلمون في صدر السلم وفي القرون الولى بالدول المجاورة‪،‬‬
‫وفتحوا نوافذهم على المم من حولهم‪ ،‬واستقبلوا الكتب وقاموا بالترجمة‪،‬‬
‫ونشر المسلمون علومهم في شتى المعارف والثقافات حتى وصلوا بهذا عن‬
‫طريق الندلس إلى بلد أوربا كفرنسا وغيرها‪ ،‬ولهذا حدث التفاعل اليجابي‬
‫بين المسلمين وغيرهم من اليونان والروم وفارس‪.‬‬
‫فأمة السلم وهي تعيش في هذا المنتدى البشري الذي نبحث فيه عن‬
‫شراكة إنسانية يتجلى فيها التفاعل وحوار الحضارات والخذ بالجديد المفيد‬
‫الذي يقوم على الخوة النسانية والكرامة الدمية وعلى التبادل العادل‬
‫للمصالح وعلى الحق والعدل‪ ،‬ولقد قال الخليفة الراشد علي – رضي الله‬
‫عنه – لواليه على مصر )الناس صنفان أما أخ لك في السلم وأما نظير لك‬
‫في الخلق أخوك في النسانية يفرط منه الخطأ والزلل وتغلب عليهم العلل‬
‫ويؤتي على أيديهم من العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثلما‬
‫تحب أن يعطيك الله من العفو والصفح‪ ،‬فإنك فوقهم ووالي المر فوقك‬
‫والله فوق من ولك"‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إذن فهذه قاعدة التفاعل الحضاري نرعى المنافع ونتبادل المصالح لتحقيق‬
‫السلم والمن بين الشعوب في ظل موازين ل تختل فيها قيم العدالة أو‬
‫الكيل بمكيالين وإنما نلتزم العدل‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬وإذا قلتم فاعدلوا ولو‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون" ]النعام‪[152:‬‬
‫وقال تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ول‬
‫يجرمنكم شنئان قوم على إل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" ]المائدة‪،[8:‬‬
‫وقال تعالى‪" :‬ل ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم‬
‫من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" ]الممتحنة‪:‬‬
‫‪.[8‬‬
‫حد المة على مصدر الكتاب الذي هو‬ ‫ونحن نحتاج إلى معرفة الخلف فالله و ّ‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من‬
‫حكيم حميد‪ ،‬ويقوم توحيد المة واجتماع كلمتها على ما صح من سنة‬
‫المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وعلى وحدة القبلة وعلى وحدة المصير‬
‫والجزاء المشترك‪ ،‬ولقد كان من رحمة الله أن يجري الخلف في المة في‬
‫فروع الشريعة‪ ،‬فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين‪ ،‬ونزل على سبعة‬
‫أحرف‪ ،‬تيسيرا ً على الناس ومراعاة للهجاتهم واختلف ألسنتهم‪ ،‬واشتمل‬
‫القرآن على العام والخاص‪ ،‬وعلى المطلق والمقّيد‪ ،‬والمجمل والمفصل‪،‬‬
‫والمبهم والمبين‪ ،‬والناسخ والمنسوخ‪ ،‬وفيه الحقيقة والمجاز على أن القرآن‬
‫لم تنزل آياته كلها محكمة بل فيها المحكم والمتشابه‪ ،‬قال تعالى‪" :‬هو الذي‬
‫أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما‬
‫الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما‬
‫يعلم تأويله إل الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما‬
‫يذكر إل أولو اللباب" ]آل عمران‪.[7:‬‬
‫فالمتشابهات هي التي تحتمل أكثر من وجه في التفسير‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫الوحدة التي ندعو أمتنا إليها هي وحدة في الصول وحدة في المقاصد‪ ،‬وحدة‬
‫في الكليات‪ ،‬وحدة في المصالح‪ ،‬وإن وقع اختلف في الفروع فهذا ل ينبغي‬
‫أن يؤدي إلى الهجر والقطيعة أو تدابر أو تشاحن‪ ،‬إنما ينبغي أن يؤدي إلى‬
‫الرحمة‪.‬‬
‫فل ريب أن في الختلف في الفروع سعة ورحمة‪ ،‬وقد قال بهذا الصدد أحد‬
‫الفقهاء السبعة وهو القاسم بن محمد‪ :‬ما يسرني أن يّتفق أصحاب رسول‬
‫الله لنهم لو اتفقوا صار في هذا ضيق وحرج وفي اختلفهم يسر وسعة‬
‫ورحمة‪.‬‬
‫والمام محمد بن إدريس الشافعي تلقى علومه عن المام مالك بن أنس وقد‬
‫اختلف التلميذ مع أستاذه ولكن الشافعي يحمل الود والجلل والحترام‬
‫والتقدير للمام مالك ويقول‪ :‬ما تحت أديم السماء أعلم من المام مالك‪ ،‬ول‬
‫أصح بعد القرآن الكريم من كتاب الموطأ‪ ،‬ويقول‪ :‬إذا ذكر العلماء فالمام‬
‫مالك النجم بينهم‪ ،‬ويقول ‪ :‬مالك حجة الله على خلقه‪ ،‬وكان المام مالك‬
‫يرعى تلميذه الشافعي‪ ،‬ويقول له يا شافعي أرى أن الله قد ألقى عليك نور‬
‫العلم فل تطفئه بظلمة المعاصي ولما رحل المام الشافعي إلى بغداد تتلمذ‬
‫على يده المام أحمد بن حنبل وقد جرى خلف بين هذين المامين الجليلين‬
‫في مسائل عدة‪ ،‬ولكن انظر إلى أدب الخلف الذي نحتاج إليه بين أهل‬
‫العلم‪ ،‬قال المام أحمد‪ :‬لولده عبد الله منذ ثلثين عاما ً وأنا أدعو للمام‬
‫الشافعي فقال البن لبيه‪ :‬لقد سمعتك تدعو للشافعي كثيرًا‪ ،‬فمن هو هذا‬
‫الشافعي؟ فقال‪ :‬يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس‪،‬‬
‫وبالمقابل فإن المام الشافعي لما رحل إلى مصر قال‪ :‬ما تركت في بغداد‬
‫أعلم ول أورع ول أهدى من أحمد بن حنبل‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫قالوا يزورك أحمد وتزوره *** قلت المكارم ل تفارق منزله‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن زارني فبفضله أو زرته فلفضله *** فالفضل في الحالين له‬


‫والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الشغف بالغرب والزمة النفسية للمثقف المسلم )‪(1/2‬‬


‫‪03-7-2006‬‬
‫بقلم د‪ .‬أحمد إدريس الطعان‬
‫"‪...‬فبحسب الخطاب التغريبي لن نتخلص من عقدة التخلف إل إذا شعر‬
‫وم الشياء كما ُيقومها ونحكم على‬ ‫الوربي بأننا نرى الشياء كما يراها ‪ ،‬وُنق ّ‬
‫لشياء كما يحكم عليها‬ ‫ا ِ‬
‫‪"...‬‬
‫لقد وقعت معظم البلدان العربية والسلمية تحت نير الستعمار الغربي‬
‫فالجزائر منذ عام ‪1830‬م خاصعة للستعمار الفرنسي ‪ ،‬وتونس منذ عام‬
‫‪1881‬م ‪ ،‬ومراكش منذ عام ‪1912‬م وأما العراق فقد وقعت تحت براثن‬
‫الحتلل النكليزي سنة ‪1914‬م ‪ ،‬وفلسطين عام ‪1918‬م ‪ ،‬ومصر ‪1882‬م ‪،‬‬
‫والهند ‪1857‬م ]‪. [1‬‬
‫ورافق هذا الحتلل محاولت متواصلة وجهود مكثفة لقطع الشعوب‬
‫السلمية "الغافية" عن ماضيها وتراثها ودينها ولغتها ‪ ،‬وصبغها بصبغات‬
‫غربية ‪ ،‬وإشاعة الفواحش والمنكرات والعادات الغربية بين أبناء المسلمين‪،‬‬
‫وساعد على ذلك الفقر الشديد الذي تعانيه المجتمعات السلمية نتيجة‬
‫للستعمار‪ ،‬والحكام والملوك المستبدين الذين صنعهم الستعمار ووطد‬
‫سلطانهم لخدمة مصالحه واستفحل نتيجة لذلك الجهل والمية‪ ،‬وظل التعليم‬
‫محصورا ً في بعض الطبقات الثرية ‪ ،‬والسر الرستقراطية ‪.‬‬
‫وقد أدرك المستعمر أن تغيير الفكر‪ ،‬وغسل الدمغة يجب أن يتم قبل أي‬
‫مشروع آخر وذلك لتسهيل مهمته في استعباد الشعوب واستغللها‪ ،‬وجعلها‬
‫دائما ً في دوامة التبعية الحضارية والحاجة إلى الوصاية والنتداب‪ ،‬فكانت‬
‫ل طائلة وُبذلت من أجلها‬ ‫ظفت لها أموا ٌ‬ ‫دراسات المستشرقين الهائلة التي وُ ّ‬
‫جهود ٌ جبارة‪ ،‬وكانت في معظمها قائمة على التزوير والتحريف والفتراء ]‬
‫‪. [2‬‬
‫ً‬
‫ومن هنا ظلت أعين المسلمين دائما تنظر إلى النتاج الستشراقي بالريبة‬
‫والحذر بل غالبا ً ما يتعامل معها المسلمون على أنها جهود استعمارية‬
‫معادية ‪ ،‬والحسن فيها استثناًء نادرًا‪ ،‬ولذلك رأى المستعمر أن يصنع لهذه‬
‫المة قادة من أبنائها يربيهم على موائده ‪ ،‬ويعلمهم في معاقله ‪ ،‬ثم يفيض‬
‫عليهم من إحسانه ‪ ،‬ويمرغهم في إنعامه ‪ ،‬ويغمسهم في ملذاته ‪ ،‬ويسديهم‬
‫من خيراته ‪ ،‬ثم يضفي عليهم من الشهرة والمجد ما يجعلهم محط النظار‬
‫وقادة الفكار ‪ ،‬ورواد الصلح ‪ ،‬وزعماء التجديد ‪،‬وقد كانت هذه نصيحة زويمر‬
‫للمبشرين ‪" :‬تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم‬
‫ومن بين صفوفهم لن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها" ]‪. [3‬‬
‫وهذا ما فعله الغرب المستعمر فأبرز من أبرز وطمس من طمس ‪ ،‬وكان‬
‫الذين برزوا هم الذين أخلصوا لسادتهم المستعمرين ‪ ،‬وتحقق هؤلء السادة‬
‫دونها إلى التغّرب ‪ ،‬ويزينون‬ ‫من عمالتهم ودناءتهم فجعلوهم نجوما ً للمة َيه ُ‬
‫لها التأوُْرب ‪.‬‬
‫وقد تناولت هذه المسألة في مطلبين وخاتمة ‪:‬‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المطلب الول ‪ :‬الزمة النفسية والنسلخ من الذات ‪.‬‬


‫المطلب الثاني ‪ :‬مراجعة نقدية ‪.‬‬
‫ثم خاتمة البحث ‪.‬‬
‫المطلب الول الزمة النفسية والنسلخ من الذات‬
‫أول ً ‪ :‬نموذجان من مصر ‪:‬‬
‫إن التغرب هو القنطرة التي عبرت عليها العلمانية إلى الشرق ‪ ،‬وهذا التغرب‬
‫لم يكن لحظة انبهار ‪ ،‬لن النبهار كما أشرنا يزول سريعا ً فتبدو الشياء على‬
‫حقيقتها ‪ ،‬وإنما كان لحظة عمى وعمهٍ حضاري ‪ ،‬كان لحظة تعاقد تآمري أو‬
‫على حد تعبير د‪ .‬محمد عمارة ‪" :‬عمالة فكرية وحضارية" ]‪. [4‬‬
‫ونريد هنا أن نختار نموذجين لهذا التغرب هما )سلمة موسى( و )طه حسين(‬
‫‪ ،‬ولكن قبل ذلك يجب أن أشير إلى أن التغرب كان قد استشرى على كافة‬
‫المستويات والحقول الفكرية من أدب وفن وفلسفة وتاريخ وحضارة ‪،‬‬
‫واستولى على كثير من عقول النخبة ‪ ،‬وظهر ذلك عبر شكلين ‪:‬‬
‫‪ -‬الدعوة إلى تبني النموذج الغربي في كل شيء ‪.‬‬
‫‪ -‬الدعوة إلى القطيعة المعرفية الكاملة مع التراث العربي والحضارة‬
‫السلمية ]‪. [5‬‬
‫ولقد كان سلمة موسى يمثل ذلك إلى أبعد الحدود وتزامنت دعوته إلى‬
‫التغرب مع إلغاء الخلفة في تركيا ‪ ،‬والقضاء على كل مظاهر السلم فيها ‪،‬‬
‫كما تزامن مع صدور كتابين يسيران في نفس التجاه التآمري هما كتاب‬
‫"السلم وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق سنة ‪1925‬م وكتاب "في الشعر‬
‫الجاهلي" لطه حسين ‪1926‬م ]‪ ، [6‬وكانت مقالت سلمة موسى في هاتين‬
‫السنتين جمعت في كتابه "اليوم والغد" ]‪ . [7‬فكيف عبر سلمة موسى عن‬
‫إخلصه لسادته الوربيين ؟‬
‫سلمة موسى ل يحمد الله ]عز وجل[ وإنما "يحمد القدار لن الشعب‬
‫سحنته ونزعته أوربيا ً ‪ ،‬فهو أقرب في هيئة الوجه ونزعة‬ ‫المصري ل يزال في ُ‬
‫الفكر إلى النجليزي واليطالي ‪ ،‬وكذلك الحال بنظره في سوريا وشمال‬
‫ة ونزعة ‪ ،‬فلماذا ل‬ ‫إفريقيا العربي فإن سكان هذه القطار أوربيون سحن ً‬
‫نصطنع جميعا ً الثقافة والحضارة الوربيتين ‪ ،‬ونخلع عنا ما تقمصناه من ثياب‬
‫آسيا ‪ ...‬هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي سرا ً وجهرا ً فأنا كافر‬
‫بالشرق مؤمن بالغرب ‪ ،‬وفي كل ما أكتب أحاول أن أغرس في ذهن القارئ‬
‫تلك النزعات التي اتسمت بها أوربا في العصر الحديث ‪ ،‬وأن أجعل قرائي‬
‫يولون وجوههم نحو الغرب ‪ ،‬ويتنصلون من الشرق" ]‪. [8‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويسخر من الرابطة الشرقية والدينية فيقول ‪" :‬وإذا كانت الرابطة الشرقية‬
‫سخافة فإن الرابطة الدينية وقاحة" ]‪ [9‬ويرى ‪ -‬كما يرى طه حسين ‪ -‬أن‬
‫مصر أقرب إلى الغرب ‪ ،‬وعليها أن تتضامن معه وترتبط به فما لها وللهند‬
‫ولجاوة ‪ ،‬عليها أن تتوجه إلى "السويسريين والنجليز والنرويجيين هؤلء‬
‫النظاف الذكياء" ]‪. [10‬‬
‫ول ينسى الرجل أن يكشف عن جهله بحماقة نادرة عندما يزعم أن العرب‬
‫في الصل ليسوا شرقيين ‪ ،‬وإنما أصبحوا كذلك "بتوغلهم في آسيا إلى حدود‬
‫الصين ‪ ،‬وأيضا بعادة التسري وعادة الضرار ‪ -‬تعدد الزوجات ‪ -‬اللتين أجازهما‬
‫مة بمعنى‬ ‫َ‬
‫لهم السلم ‪ ،‬فدخلهم دم آسيوي وخاصة صيني كثير ‪ ،‬فإن لفظة أ َ‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جارية هي لفظة صينية وقد دخلت اللغة العربية لكثرة الماء التي كان‬
‫يشتريها العرب من الصين" ]‪. [11‬‬
‫هذه العبارة محشوة بالكاذيب المكشوفة والمضحكة ول تحتاج إلى رد ‪،‬‬
‫وعلى التزويريين الذين يشيدون بسلمة موسى ويسبحون بحمده أن يخجلوا‬
‫مة وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية قبل أن‬ ‫َ‬
‫من أنفسهم لن كلمة أ َ‬
‫يختلط العرب بالصين أو غيرهم ]‪. [12‬‬
‫ثم يتابع الرجل صراحته "إن هذا العتقاد بأننا شرقيون قد بات عندنا كالمرض‬
‫‪ ،‬ولهذا المرض مضاعفات فنحن ل نكره الغربيين فقط ‪ ،‬ول نتأفف من‬
‫طغيان حضارتهم فقط ‪ ،‬بل يقوم بذهننا أنه يجب أن نكون على ولء للثقافة‬
‫العربية فندرس كتب العرب ‪ ،‬ونحفظ عباراتهم عن ظهر قلب ‪ -‬كما يفعل‬
‫أدباؤنا المساكين أمثال المازني والرافعي ‪ -‬وندرس ابن الرومي ‪ ،‬ونبحث عن‬
‫أصل المتنبي ونبحث عن علي ومعاوية ‪ ،‬ونفاضل بينهما‪ ،‬ونتعصب للجاحظ‬
‫ونحاول أن نثبت أن العرب عرفوا الفنون ‪ ...‬وكل ذلك إنما يدفعه في أنفسنا‬
‫كراهتنا للغرب‪ ،‬وأنفتنا من جهة ‪ ،‬واعتقادنا أننا شرقيون من جهة أخرى" ]‬
‫‪. [13‬‬
‫هكذا يصبح الحتفاظ بالهوية مرض ‪ ،‬والعتزاز بالذات داء يحتاج إلى علج‬
‫عند سلمة موسى ‪ ،‬والعلج هو القضاء على التعصب المركوز في نفوسنا ‪،‬‬
‫ولكن التعصب "المرض" هو التعصب للعرب أما التعصب للغرب فهو عين‬
‫العافية ‪ ،‬وروح التحضر ‪.‬‬
‫ويتابع الرجل مخلصا ً !! ‪" :‬إنه ليس علينا للعرب أي ولء ‪ ،‬وإدمان الدرس‬
‫لثقافتهم مضيعة للشباب وبعثرة لقواهم ‪ ،‬فيجب أن نعودهم الكتابة بالسلوب‬
‫المصري الحديث ‪ ،‬ل بالسلوب العربي القديم ‪ ،‬ويجب أن يعرفوا أننا أرقى‬
‫من العرب ‪ ،‬وليس معنى هذا تحريم درس العرب وتاريخهم وثقافتهم ‪ ،‬فإن‬
‫العرب أمة قديمة ‪ ،‬يجب أن يكون لها أثريون يدرسونها كما يدرسون آشور‬
‫وبابل" ]‪. [14‬‬
‫المصريون أرقى من العرب لماذا ؟ لنهم يمتلكون الهرامات والعرب ل‬
‫أهرامات لديهم ‪ ،‬ولديهم فراعنة ول فراعنة عند العرب ‪ ،‬والعرب أمة مندثرة‬
‫تحتاج إلى أثريين ؟ ثم ماذا ؟ ثم ‪" :‬إننا نحتاج الن ما يهيج قلوبنا ‪ ،‬ويملؤها‬
‫تفاؤل ً بالحياة ‪ ،‬ولن نجد ذلك إل بارتباطنا بالغرب واصطناع ما عند الغربيين‬
‫من رقص وألحان وموسيقى ‪ ،‬وأما الشعر العربي فقد سئمنا قوافيه الرتيبة‬
‫التي تشبه دق الطبل عند السودانيين" ]‪. [15‬‬
‫ويخطر في البال سؤال! أيهما الذي يهيج القلوب ؟ الشعر العربي أم الرقص‬
‫الغربي ؟ وما صلة الرقص الغربي بالقلوب ؟ لقد أشار رفاعة الطهطاوي أن‬
‫الرقص الغربي يتعاطونه على أنه لون من ألوان الرياضة والرشاقة والفن‬
‫تتعاطاه المرأة في الحفلة الواحدة مع أعداد كبيرة من الرجال دون أي حرج‬
‫صلته بالعضاء وليس بالقلوب ]‪ ،[16‬ولكن يبدو أن سلمة موسى ل يميز‬ ‫فَ ِ‬
‫ضر‪ ،‬وأعضائه الخرى التي تهيج عندما يشارك الغربيين في‬ ‫بين قلبه الذي ُيحت َ َ‬
‫رقصهم ومجونهم ‪.‬‬
‫وماذا أيضا ً ؟ ‪ :‬إنها اللغة التي يحفظها القرآن ‪ ،‬وتحفظ هي هوية المة من‬
‫النحلل والذوبان ‪ ،‬إنها بنظر سلمة موسى بدوية عاجزة ‪ ،‬وليست راقية‬
‫كالنجليزية "لغة بدوية ل تكاد تكفل الداء إذا تعرضت لحالة مدنية راقية كتلك‬
‫التي نعيش بين ظهرانيها الن ‪ ،‬فها أنا ذا في غرفتي ل أعرف كيف أصف‬
‫أثاثها بالعربية ‪ ،‬ولكني أستطع إجادة وصفها بالنجليزية" ]‪. [17‬‬
‫إنها لغة ميتة ‪ ،‬لغة القرون المظلمة ‪ ،‬لغة الشرق السخيف ‪ ،‬إنها كارثة "إن‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفصحى في اعتقادي كانت لغة الكتابة فقط ‪ ،‬أي لغة ميتة حتى في زمن‬
‫ظهور القرآن ‪ ،‬ولكن تعليم العربية في مصر ل يزال في أيدي الشيوخ الذين‬
‫ينقعون أدمغتهم نقعا ً في الثقافة العربية ‪ ،‬أي في ثقافة القرون المظلمة ‪،‬‬
‫فل رجاء لنا بإصلح التعليم حتى نمنع هؤلء الشيوخ منه ‪ ،‬ونسلمه للفندية‬
‫الذين ساروا شوطا ً بعيدا ً في الثقافة الحديثة ‪ ،‬ونحن إنما ننزع للغة العرب‬
‫القديمة لما تأصل في أذهاننا من ذلك الفرض السخيف وهو أننا شرقيون‬
‫يجب علينا أن نحافظ على كرامة العرب وندافع عن تاريخهم ‪ ،‬وهذا العتقاد‬
‫في شرقيتنا يجر علينا عددا ً من الكوارث قد ل يكون الولء للغة أهونها" ]‪[18‬‬
‫‪.‬‬
‫ل شك أنه يقصد أن أعظمها هو الولء للسلم ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولكن ما هو البديل عن الفصحى بنظر سلمة موسى ؟ إنها العامية المصرية‪،‬‬


‫ولكن لماذا العامية المصرية وهي بنظر موسى نفسه ليست مصرية أصيلة‬
‫وإنما هي ‪ -‬متابعة لـ "ولكوكس النجليزي ‪ -‬جاءت مع الهكسوس الذين‬
‫أقاموا في مصر نحو خمسمائة سنة ؟ ]‪. ([19‬‬
‫السبب هو أن الفصحى تجمع مصر بالعرب والمسلمين والشرقيين ورسالته‬
‫تقوم على سلخ مصر عن العروبة والسلم ‪ ،‬ول يمكن ذلك إل بالتخلص من‬
‫الفصحى ]‪ ، [20‬والتخلص من الفصحى يعني "أن ننظر إلى لغة النابغة‬
‫والمتنبي كما ننظر إلى اللغة الروسية أو اليطالية ‪ ،‬لنها ليست لغتنا ولسنا‬
‫نستفيد بدرسها" ]‪ . [21‬والطريق إلى ذلك في مصر هو "إلغاء الزهر"‬
‫والكتفاء بالجامعة المصرية لنها أداة الثقافة الجديدة النيرة ]‪. [22‬‬
‫لم يكتف سلمة موسى بذلك لن أسياده يطلبون منه أكثر حتى يمنحوه‬
‫رضاهم ‪ ،‬فبدأت حدة كلمة تزداد ‪ ،‬وقسوة لهجته تتفاقم حتى طفق يتجاوز‬
‫الخطوط الحمراء ‪ ،‬وبدا كأنه يدق طبول الحرب على السلم والمسلمين في‬
‫عقر دارهم ‪ ،‬وهو يستغل في ذلك ضعف المسلمين ‪ ،‬وتردي أحوالهم ‪،‬‬
‫ومساندة النكليز له ولمثاله ولنقرأ هذا النص الطويل الذي يعبر عما نقول ‪:‬‬
‫" لقد مضى علينا أكثر من ‪ 13‬سنة ]‪ [23‬ونحن في موقف التردد ل ندري‬
‫هل نحن شرقيون يجب أن نسير على ما سارت عليه آسيا ؟ أم غربيون يجب‬
‫أن ننضم إلى أوربا قلبا ً وقالبا ً ‪ ،‬نعتاد عادات الوربيين ونلبس لباسهم ونأكل‬
‫طعامهم ‪ ،‬ونصطنع أساليبهم في الحكومة والعائلة والجتماع والصناعة‬
‫والزراعة ‪ ،‬ولقد شرع نابليون يغرس فينا الحضارة الوربية ‪ ،‬ويزيل عنا‬
‫كابوس الشرق ‪ ،‬ثم جاء محمد علي فاعتمد على فرنسا في تمدين البلد ‪...‬‬
‫ثم استمررنا نتراوح بين الشرق والغرب حتى زمن إسماعيل حين رأى بنافذ‬
‫بصيرته أنه ل بد لنا من أن نتفرنج ‪ ،‬ونقطع الصلة بيننا وبين آسيا ‪ ،‬ثم جعلنا‬
‫نلبس الملبس الوربية ‪ ،‬ووزع بين أعيان البلد فتيات من الجركس لكي‬
‫يتحسن اللون ويقارب البشرة الوربية ‪ ...‬وجاء النجليز فساروا بنا شوطا ً‬
‫بعيدا ً في إدخال الساليب الوربية في إدارة الحكومة ‪ ،‬وهانحن أولء نجد‬
‫أنفسنا الن مترددين بين الشرق والغرب ‪ ،‬ولنا حكومة منظمة على الساليب‬
‫الوربية ‪ ،‬ولكن وسط الحكومة أجساما ً شرقية مثل وزارة الوقاف والمحاكم‬
‫الشرعية تؤخر البلد‪ ،‬ولنا جامعة تبعث فينا ثقافة العالم المتمدن‪ ،‬ولكن‬
‫الزهر يقف إلى جانبها يبث فينا ثقافة القرون المظلمة ‪ ،‬ولنا أفندية قد‬
‫تفرنجوا‪ ،‬ولكن إلى جانبهم شيوخا ً ل يزالون يلبسون الجبب والقفاطين ول‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتورعون من التوضؤ على قوارع الطرق في الرياف‪ ،‬ول يزالون يسمون‬


‫القباط واليهود كفارا ً كما كان يسميهم عمر بن الخطاب قبل ‪ 13‬سنة‪ ،‬إنهم‬
‫شيوخ مأفونون ! يعدون التفرنج رذيلة‪ ،‬مع أنه عين الفضيلة" ]‪. [24‬‬
‫ل نحتاج إلى كثير تأمل في النص السابق لنلحظ ما فيه من عناصر للتفرنج ‪:‬‬
‫‪ -‬تحسين لون البشرة لكي يصبح أشقر ‪ ،‬أو أبيض !‬
‫‪ -‬اصطناع اللباس الوربي كالقبعة بدل ً من الجبب والقفاطين !‬
‫‪ -‬الفندية بدل ً من الشيوخ المأفونين الذين يتوضؤن في الطرق !‬
‫‪ -‬الجامعة المدنية المستنيرة بدل ً من الزهر المظلم !‬
‫‪ -‬الكف عن تكفير النصارى واليهود كما كان يفعل عمر بن الخطاب قبل ‪13‬‬
‫سنة ‪ .‬لن عمر بنظره كان مستبدا ً والبابا أفضل منه ]‪. [25‬‬
‫وبعد أن انتهى سلمة موسى من حربه المعلنة على الحضارة العربية‬
‫والسلمية ينتقل إلى الغزل والغرام بالنسان الوربي والنجليزي "هؤلء‬
‫النظاف الذكياء" ]‪" [26‬فإن النسان الوربي أرقى إنسان ظهر في العالم‬
‫للن ‪ ،‬والحضارة الوربية على ما فيها من عيوب تعد بالمئات هي آخر درجات‬
‫التطور الجتماعي ‪ ،‬ومن البلهة البالغة أن يظن أحد الشيوخ أن حضارة‬
‫بغداد أو القاهرة أو الندلس كانت تبلغ في السمو عشرا ً أو جزءا ً من مائة‬
‫مما تبلغه الحضارة الوربية الن" ]‪. [27‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أعقب هنا بالقول ‪ :‬على العلمانيين أن يكفوا عن اتهام السلميين بالوثوقية‬


‫المطلقة والتبجيلية البالغة ‪ ،‬والنفي والقصاء وهم يقرؤون مثل هذا الكلم‬
‫لستاذهم التنويري وداعية النهضة ‪" .‬إن النجليز ‪ ...‬أرقى أمة موجودة الن‬
‫في العالم ‪ ،‬والخلق النجليزي يمتاز عن سائر الخلق ‪ ،‬والنسان النجليزي‬
‫هو أرقى إنسان من حيث الجسم والعقل والخلق" ]‪ . [28‬لقد استشعر ‪ -‬من‬
‫الشاعرية ‪ -‬سلمة موسى ‪ ،‬ول غرابة فالغرام والهوى قد يدفع صاحبه إلى‬
‫الجنون أو الخبل ‪ ،‬لقد كان مجنون ليلى ُيقبل الجدران لن ليلى سكنت‬
‫مه محبوبته ‪ ،‬وهكذا كان حال مجنون‬ ‫وراءها ‪ ،‬ويذوب قلبه عندما ُتذكر أما َ‬
‫إنكلترة أو مجنون أوربا فقد قال ‪" :‬وقد يكون اصطناع القبعة أكبر ما يقرب‬
‫بيننا وبين الجانب ويجعلنا أمة واحدة ‪ ،‬القبعة هي رمز الحضارة يلبسها كل‬
‫رجل متحضر ‪ ...‬ونحن إذا لبسنا القبعة فلسنا بذلك نلبس لباس أوربا فقط ‪،‬‬
‫بل نصطنع لباسا ً اتفق المتحضرون على وضعه على رؤوسهم ‪ ...‬فإن‬
‫للمتحضرين عادات يتعارفون بها ويصطلحون عليها ‪ ،‬واتخاذ القبعة من هذه‬
‫العادات ‪ ...‬إننا سنبقى في نظر أنفسنا ونظر الوربيين شرقيين حتى نتخذ‬
‫القبعة لرجالنا ونسائنا ونعلن انسلخنا من الشرق" ]‪. [29‬‬
‫إن القبعة ‪ -‬بنظر موسى ‪ -‬تجعل الحمق عاقل ً "لغرامي بالحضارة الوربية‬
‫فإني أحث بني وطني أن يلبسوا القبعة ‪ ...‬لنها تبعث فينا العقلية الوربية" ]‬
‫‪. [30‬‬
‫ً‬
‫في هذه الفترة وفي نوفمبر سنة ‪ 1925‬م تحديدا كان أتاتورك يفرض على‬
‫الشعب التركي القبعة غطاًء للرأس ويمنع الطربوش ]‪ [31‬ويتحدث بلغة‬
‫سلمة موسى نفسها "يجب علينا أن نلبس ملبس الشعوب المتحضرة‬
‫الراقية ‪ ،‬وعلينا أن نبرهن للعالم أننا أمة كبيرة راقية ‪ ،‬ول نسمح لمن يجهلنا‬
‫من الشعوب الخرى بالضحك علينا وعلى موضتنا القديمة البالية ‪ ،‬نريد أن‬
‫نسير مع التيار والزمن" ]‪. [32‬‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا قبس من رسالة سلمة موسى الجريئة ! التي تبعث فينا روح التنوير ‪،‬‬
‫والمل في الخروج من الظلم ‪ ،‬والرغبة في النهوض ‪ ،‬وتجدد فينا بواعث‬
‫التقدم ]‪. [33‬‬
‫هذا هو سلمة موسى الذي يمثل في منظور الخطاب العلماني الدعوة إلى‬
‫التحرير الفكري والعقلي ]‪ [34‬نمطا ً فريدا ً بين المفكرين المحدثين ‪،‬‬
‫وصاحب الفضل في إشاعة الفكر العلمي بين الناس وتعميمه وتطبيقه على‬
‫الحياة الجتماعية ‪.‬‬
‫ل كامل وقوة اجتماعية دافعة وموجهة ‪ ،‬إنه رائد عظيم‬ ‫لقد كان معلما ً لجي ٍ‬
‫ستبقى ذكراه بيننا عطرة ‪ ،‬وسيبقى اسمه شعارا ً مضيئا ً وملهما ً للجيال ]‪[35‬‬
‫‪ .‬وهكذا نرى كيف يصبح التقليد العمى تقدما ً ‪ ،‬والخيانة تنويرا ً ‪ ،‬والستسلم‬
‫تحضرا ً ‪ ،‬والنهزام جرأة وشجاعة ‪.‬‬
‫مع أنه كان يكفي سلمة موسى كنموذج يمثل العمه الحضاري الذي يستورد‬
‫النموذج الغربي العلماني دون وعي في لحظة العشق والهيام بال َوَْربة ‪ ،‬فإن‬
‫هناك عاشقا ً آخر من المسلمين هذه المرة وليس من المسيحيين ‪ ،‬ومن‬
‫الزهر بالتحديد الصرح الذي تضع فيه المة السلمية ثقتها وطموحها في‬
‫مواجهة الغزو الثقافي والغارة الفكرية ‪ ،‬إنه طه حسين الذي توغل في نفس‬
‫التيار التغريبي فأعلن أن السبيل "واضحة بينة ‪ ،‬مستقيمة ليس فيها عوج ول‬
‫التواء ‪ ،‬وهي واحدة فذة ‪ ،‬ليس لها تعدد ‪ ،‬وهي أن نسير سيرة الوربيين‬
‫ونسلك طريقهم ‪ ،‬لنكون لهم أندادا ً ‪ ،‬ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها‬
‫وشرها ‪ ،‬حلوها ومرها ‪ ،‬ما ُيحب منها وما ُيكره‪ ،‬وما ُيحمد منها وما ُيعاب‬
‫ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع" ]‪. [36‬‬
‫إنها الوثوقية المطلقة ‪ ،‬ولست أدري أين ذهب الشكك الديكارتي الذي دعا‬
‫إليه طه حسين في " الشعر الجاهلي " ]‪ [37‬؟ لماذا ل تكون هناك مسالك‬
‫أخرى للحضارة تختلف عن المسار الذي سلكته حضارة أوربا ‪ ،‬ثم لماذا ما‬
‫ُيحب وما ُيكره ‪ ،‬وما ُيحمد وما ُيذم ؟ لماذا ل تكون الولى دون الثانية ؟ أم‬
‫أن "الما" يكره من أوربا ‪ ،‬و"الما" يعاب منها له مذاق آخر ل بد من تذوقه‬
‫في نظر عميد الدب العربي ؟!‬
‫ُ‬
‫ويدعو طه حسين أمته إلى الستسلم والذعان ما دامت قد كبلت‬
‫بالمعاهدات ‪ ،‬وٌقيدت بالمتيازات ‪ ،‬لنه ليس أمامنا خيار آخر فقد "التزمنا‬
‫أمام أوربا أن نذهب مذهبا ً في الحكم ‪ ،‬ونسير سيرتها في الدارة ونسلك‬
‫طريقها في التشريع ‪ ...‬فلو أننا هممنا الن أن نعود أدراجنا وأن نحيي النظم‬
‫العتيقة لما وجدنا إلى ذلك سبيل ً ‪ ،‬ولوجدنا أمامنا عقابا ً ل تجتاز ول تذلل ‪،‬‬
‫عقابا ً نقيمها نحن لننا حراص على التقدم والرقي ‪ ،‬وعقابا ً تقيمها أوربا لننا‬
‫عاهدناها على أن نسايرها ونجاريها في طريق الحضارة الحديثة" ]‪. [38‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫عقبات لن حياتنا المادية أصبحت أوربية خالصة ‪ ،‬ولن المثل العلى للمصري‬
‫] لم يعد السلم ونبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وإنما الوربي في‬
‫حياته المادية ]‪ ، [39‬وهذا يدل على أننا نسعى لكي نصبح يوما ً بعد يوم جزءا ً‬
‫سخف الذي‬ ‫من أوربا لفظا ً ومعنى حقيقة وشكل ً ]‪ ،[40‬ولذلك فإنه من "ال ّ‬
‫سخف اعتبار مصر جزءا ً من الشرق واعتبار العقلية المصرية‬ ‫ليس بعده ُ‬
‫عقلية شرقية كعقلية الهند والصين" ]‪. [41‬‬
‫ولكي نتخلص من هذه العقدة علينا "أن ُنشعر الوربي بأننا نرى الشياء كما‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لشياء كما يحكم عليها" ]‬ ‫وم الشياء كما ُيقومها ونحكم على ا ِ‬ ‫يراها ‪ ،‬وُنق ّ‬
‫‪. [42‬‬
‫الوربي هو المثل الذي يجب أن نترسم خطاه ‪ ،‬ونتلمس رضاه !‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬استشراء الداء في العالم السلمي ‪:‬‬
‫كان هذا في مصر متزامنا ً مع ما يحصل في العالم السلمي والعربي من‬
‫دعوات تردد نفس النغمات وكأنها تصدر عن عازف واحد في أبواق متفرقة ‪،‬‬
‫والعازف هو الغرب المستعمر فعل ً ‪ ،‬والبواق هم صنائعه المتفرقين في البلد‬
‫السلمية ‪.‬‬
‫لقد عبر سارتر عن هذه الصناعة بصراحة مدهشة عندما قال ‪" :‬كنا ُنحضر‬
‫أبناء رؤساء القبائل وأبناء الشراف والثرياء والسادة من أفريقيا وآسيا ‪،‬‬
‫ونطوف بهم بضعة أيام في لندن وباريس وأمستردام ‪ ،‬فتتغير ملبسهم ‪،‬‬
‫ويلتقطون بعض أنماط العلقات الجتماعية الجديدة ‪ ،‬ويرتدون السترات‬
‫والسراويل ‪ ،‬ويتعلمون لغتنا وأساليب رقصنا وركوب عرباتنا ‪ ،‬وكنا نزوج‬
‫بعضهم من أوربا ‪ ،‬ونلقنهم أسلوب الحياة على أثاث جديد ‪ ،‬وطرز جديد من‬
‫الزينة ‪ ،‬واستهلك أوربي ‪ ،‬وغذاء أوربي ‪ ،‬كما نضع في أعماق قلوبهم أوربا ‪،‬‬
‫والرغبة في تحويل بلدهم إلى أوربا ‪ ،‬ثم نرسلهم إلى بلدهم حيث يرددون ما‬
‫نقوله بالحرف تماما ً مثل الثقب الذي يتدفق منه الماء في الحوض ‪ ،‬هذه‬
‫أصواتنا تخرج من أفواههم ‪ ،‬وحينما كنا نصمت كانت ثقوب الحواض هذه‬
‫تصمت أيضا ً ‪ ،‬وحينما كنا نتحدث كنا نسمع انعكاسا ً صادقا ً وأمينا ً لصواتنا من‬
‫الحلوق التي صنعناها ‪ ،‬ونحن واثقون أن هؤلء المفكرين ل يملكون كلمة‬
‫واحدة يقولونها غير ما وضعنا في أفواههم ‪ ،‬وليس هذا فحسب ‪ ،‬بل إنهم‬
‫سلبوا حق الكلم من مواطنيهم" ]‪. [43‬‬ ‫َ‬
‫لقد كان في تركيا ضياء كوك ألب ‪ - 1875‬م يردد نفس ما يردده سلمة‬
‫موسى وطه حسين فدعا إلى سلخ تركيا من ماضيها القريب ‪ ،‬وتكوينها تكوينا ً‬
‫قوميا ً خالصا ً ‪ ،‬واعتبر تركيا صانعة للحضارة الغربية ومشاركة فيها ‪ ،‬لنها‬
‫امتداد لحضارة المتوسط ‪ ،‬ويبدو أنه أول من طرح فكرة "الحضارة‬
‫المتوسطية" ‪ ،‬أمل ً في النضواء تحتها دون شعور بالنقص والدونية كما نصح‬
‫جاك بيرك فيما بعد عندما قال ‪" :‬فإذا قبل العرب الدعوة المتوسطية‬
‫يتخلصون تماما ً من تناقضهم مع التفرنج ‪ ،‬ذلك أنه يصبح سمة طبيعية ل‬
‫مفروضة عليهم" ]‪. [44‬‬
‫وكما قرر وحسم طه حسين يقرر ويحسم ضياء كوك ألب بقوله ‪" :‬الحضارة‬
‫الغربية هي الشارع الوحيد إلى التقدم" ]‪" . [45‬علينا أن نختار إحدى‬
‫الطريقين إما أن نقبل الحضارة الغربية أو نظل مستعَبدين" ]‪ . [46‬للغرب‬
‫طبعا ً ! ‪.‬‬
‫إنه طريق سهل لتحقيق حلم طالما انتظره العالم الغربي المسيحي وسعى‬
‫بكل الوسائل لتحقيقه على مدى قرون عديدة وهو سلخ تركيا من جلدها‬
‫السلمي حتى العظم ]‪. [47‬‬
‫وقد قام أتاتورك ‪1934 ، 1881‬م بتحقيق أحلم ضياء كوك ألب وسلمة‬
‫موسى ‪ ،‬فكان يعتبر نفسه في حالة حرب مع الشعب "انتصرت على العدو‬
‫وفتحت البلد ‪ ،‬فهل أستطيع أن أنتصر على الشعب" ]‪ . [48‬ألغى الخلفة‬
‫في ‪ 3‬آذار " مارس" ‪1924‬م وقال ‪" :‬بأن السلم يخنق الطموح في نفوس‬
‫أصحابه ‪ ،‬ويقيد فيهم روح المغامرة والقتحام ‪ ،‬والدولة ل تزال في خطر‬
‫دائم ما دام السلم دينها الرسمي" ]‪. [49‬‬
‫ولكن كانت أخطر خطوة قام بها في اتجاه التغريب هي إلغاؤه للحرف‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العربي وإحلل الحرف اللتيني محله في ‪ 1‬نوفمبر ‪1928‬م وذلك ليضمن‬


‫تخلص العقل التركي من الهيمنة السلمية ‪ ،‬وأصبحت الكتب السلمية بعيدا ً‬
‫عن متناول القراء ‪ ،‬لن الحروف التي كانوا يقرؤون بها ُألغيت ‪ ،‬وبذلك‬
‫ستظل الذخائر العلمية مقفلة وينسج عليها العنكبوت ‪ ،‬ول يطمع في قراءتها‬
‫إل بعض الشيوخ المسنين من العلماء ]‪ . [50‬واتخذ أتاتورك خطوات مجنونة‬
‫لترسيخ العلمنة فأعلنت الجمهورية في ‪ 29‬أكتوبر في ‪ 1928‬م وألغيت‬
‫حّلت المنشآت الدينية ‪ ،‬والمحاكم الشرعية في‬ ‫وزارة الشؤون الدينية ‪ ،‬و ُ‬
‫ّ‬
‫حلت‬ ‫نفس العام ‪ ،‬واّتخذت القبعة غطاًء للرأس في نوفمبر ‪1925‬م ‪ ،‬و ُ‬
‫الطرق الدينية في ‪ 3‬نوفمبر ‪1925‬م وتم تغيير التقويم السنوي الهجري في‬
‫ا جانفي ‪1926‬م وتم وضع قانون جزائي جديد تبنى القانون السويسري في‬
‫أكتوبر ‪1926‬م وألغى اعتماد السلم كدين رسمي للدولة في ‪ 1‬أبريل‬
‫‪1928‬م ‪ ،‬ورفع الذان بالتركية في ‪ 3‬فيفري ‪1932‬م وانخفضت نسبة‬
‫المسلمين في تركيا إلى ‪ 95‬بالمائة بعد تبادل عدد من السكان مع اليونان ]‬
‫‪. [51‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ومع كل هذا فإن أهم سمة تلفت النتباه في سلوك التراك هي أن رسوخ‬
‫العقيدة الدينية وعمقها لم تتغيرا ‪ ،‬وما زال يفعلن فعلهما في مجموعات‬
‫واسعة من الشعب التركي منذ خمس وعشرين سنة ]‪ . [52‬وبعد هذه الفترة‬
‫الطويلة من سياسة العلمنة ‪ ،‬ومع كل ذلك أيضا ً ل يزال العلمانيون التراك‬
‫يعتبرون ذلك انتصارا ً للظلمية على العلم ]‪. [53‬‬
‫ً‬
‫أما في الهند فقد ظهر سيد أحمد خان ‪1898 — 1817‬م وكان متعاونا مع‬
‫النجليز وسعى في إخماد ثورة ‪1857‬م وكافأته الحكومة النجليزية براتب‬
‫شهري ‪ ،‬وهو مثله مثل طه حسين وسلمة موسى وضياء كوك ألب يردد‬
‫نفس الكلم الذي عبر عنه سارتر آنفا ً ‪ ،‬يقول أحمد خان ‪" :‬ل بد أن يرغب‬
‫المسلمون في قبول هذه الحضارة الغربية بكمالها حتى ل تعود المم‬
‫المتحضرة تزدريهم أعينها ‪ ،‬ويعتبروا من الشعوب المتحضرة المثقفة" ]‪. [54‬‬
‫وفي إيران قال تقي زادة ‪" :‬فلنلق بقنبلة الستسلم للوربي في هذه البيئة‬
‫ولنفجرها والخلصة ‪ :‬لنصبح أوربيين من قمة الرأس إلى أخمص القدم" ]‬
‫‪. [55‬‬
‫إنه صوت واحد ينبعث من الغرب عبر أبواق متعددة موزعة في البلد‬
‫السلمية ‪.‬‬
‫وفي تونس عبر عبد العزيز الثعالبي — قبل اعتداله — عن استسلمه‬
‫للحضارة الغازية واستلبها لعقله ورشده وذلك عندما دعا إلى تأويل القرآن‬
‫تأويل ً صحيحا ً ويكون ذلك بنظره بمطابقته لمبادئ الثورة الفرنسية حتى يصبح‬
‫النسان المسلم متحضرا ً راقيا ً ‪ ،‬ويستشهد لذلك بحال مصر فلول فرنسا لما‬
‫رأينا اليوم ما تشهده مصر من نهضة وتقدم ]‪. [56‬‬
‫كان ذلك في الوقت الذي ترتكب فرنسا فيه الفظائع مع الشعب التونسي‬
‫ولكن الثعالبي لم يكن يرى ذلك لنه مشغول بالبحث عما يرضي‬
‫المستعمرين فيحرف آيات الجهاد كما فعل أحمد خان بالهند ‪ ،‬ويتعاطف مع‬
‫المحتلين ويعتبر التعاون معهم أجدى الوسائل للحضارة والنهوض ]‪. [57‬‬
‫ويكشف جوزيف شاخت عن الشوط الذي قطعته تونس في طريق العلمنة ‪:‬‬
‫"وأخيرا ً قبلت تونس قانون ‪1956‬م وأثبتت أنها في مقدمة البلد التي آمنت‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بتغيير الفقه السلمي فألغيت الوقاف العامة والمحاكم الشرعية ‪ ،‬وصدرت‬


‫مسخت فيها أحكام النكاح والطلق مسخا ً شديدا ً ‪،‬‬ ‫مجلة الحكام الشخصية ُ‬
‫منع تعدد الزوجات ‪ ،‬واعُتبر جناية تستحق‬ ‫حتى لم يعرف شكلها الصحيح ‪ ،‬و ُ‬
‫العقوبة ‪ ،‬ومهما زعم أهل الحل والعقد في تونس فإن قانونهم الشخصي‬
‫يختلف عن القانون التقليدي" ]‪. [58‬‬
‫والرئيس التونسي بورقيبة تواقح تواقحا ً شديدا ً فتهجم على القرآن ‪ ،‬وتفوه‬
‫بألفاظ أثارت سخط العالم السلمي فقال ‪ :‬بأن القرآن متناقض ولم يعد‬
‫ن‬‫لل ْ‬‫َ‬ ‫يقبله العقل ‪ ،‬ويضرب مثل ً لذلك ‪ -‬يعبر عن غبائه وجهله ‪ -‬بين آيتين }قُ ْ‬
‫ن{ ]‪ [59‬و‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫موَْلَنا وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ْ‬ ‫ه ل ََنا هُوَ َ‬
‫ب الل ّ ُ‬ ‫ما ك َت َ َ‬‫صيب ََنا إ ِّل َ‬‫يُ ِ‬
‫م{ ]‪ [60‬لنه لم يتعلم في‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ب ِأن ُ‬
‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬
‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬‫ن الل َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫مه‬ ‫علم الكلم أن كل ما في الكون من تغيير أو تبديل مسجل ومدون كما عَل ِ َ‬
‫الله عز وجل دون أن يمس ذلك اختيارات العباد بأي إلزام أو إكراه ‪ ،‬لم‬
‫يتعلم أن العلم صفة كاشفة ‪ ،‬وليس صفة ملزمة ‪.‬‬
‫وقال بورقيبة ‪" :‬إن الرسول محمد ] صلى الله عليه وسلم [ كان إنسانا ً‬
‫بسيطا ً يسافر كثيرا ً عبر الصحراء العربية ‪ ،‬ويستمع إلى الخرافات البسيطة‬
‫السائدة في ذلك الوقت ‪ ،‬وقد نقل تلك الخرافات إلى القرآن مثال ذلك‬
‫"عصا موسى" ‪ -‬وهذا شيء ل يقبله العقل بعد اكتشاف باستور — وقصة‬
‫أهل الكهف ‪ ،‬والله يصلي على محمد وهذا تأليه لمحمد" ]‪] [61‬صلى الله‬
‫على محمد[ ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫]‪ [2] [1‬انظر ‪:‬د ‪ .‬سيد رزق الحجر " مدخل لدراسة الفكر السلمي الحديث‬
‫والمعاصر " ص ‪ 24‬فما بعد ‪ .‬وله "" اضمحلل المشروع العلماني للنهضة "‬
‫ص ‪ 8‬فما بعد بحث ضمن المؤتمر الدولي السادس للفلسفة السلمية —‬
‫كلية دار العلوم ‪ 21‬م ‪.‬‬
‫]‪ [3‬الغارة على العالم السلمي ص ‪. 8‬‬
‫]‪ [4‬انظر ‪ :‬د ‪ .‬محمد عمارة " السلم بين التنوير والتزوير " ص ‪. 97‬‬
‫]‪ [5‬انظر ‪ :‬لستاذنا د‪ .‬السيد رزق الحجر " اضمحلل المشروع العلماني "‬
‫ص ‪ 6‬بحث ضمن كتاب المؤتمر الدولي السادس للفلسفة السلمية — كلية‬
‫دار العلوم ‪ 21‬م و د ‪ .‬عبد العزيز حمودة " المرايا المقعرة ‪ ،‬نحو نظرية‬
‫نقدية عربية " ص ‪ . 31‬عالم المعرفة — الكويت ‪ 21‬م ‪.‬‬
‫]‪ [6‬ل تكمن أهمية الكتابين في القيمة العلمية التي يحتويان عليها بقدر ما‬
‫تكمن في الظروف التي صدر فيها هذان الكتابان حيث تزامن صدورهما مع‬
‫إلغاء الخلفة وتميزا بالجرأة في مصادمة المسلمات التي استقرت عليها‬
‫المة منذ قرون طويلة ‪ .‬انظر ‪ :‬د ‪ .‬محمد محمد حسين " التجاهات الوطنية‬
‫في الدب المعاصر " ‪ . 81 / 1‬بالضافة إلى جهة صدور الكتابين حيث صدرا‬
‫من عالمين أزهريين متمرسين في العلوم الشرعية ‪.‬‬
‫]‪ [7‬انظر ‪ :‬د ‪ .‬محمد عمارة " السلم بين التنوير والتزوير " ص ‪. 99 - 96‬‬
‫]‪ [8‬سلمة موسى " اليوم والغد " ‪. 9 - 8‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫]‪ [9‬سلمة موسى " اليوم والغد " ص ‪. 239‬‬


‫]‪ [10‬السابق ص ‪ 239 - 238‬و طه حسين " مستقبل الثقافة " ‪12 / 1‬‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الهيئة المصرية العامة للكتاب — ‪ 1993‬د‪.‬ط ‪.‬‬


‫]‪ [11‬سلمة موسى " اليوم والغد " ص ‪. 248‬‬
‫]‪ [12‬انظر ‪ :‬سورة البقرة أية ‪ 221‬وسورة النور ‪ 32‬والحاديث كثيرة وانظر‬
‫د ‪ .‬عمارة " السلم بين التنوير والتزوير " ص ‪. 121‬‬
‫]‪ [13‬سلمة موسى " اليوم والغد " ص ‪. 235‬‬
‫]‪ [14‬السابق ص ‪. 236 — 235‬‬
‫]‪ [15‬السابق ص ‪. 242‬‬
‫]‪ [16‬راجع ‪ :‬رفاعة الطهطاوي " تلخيص البريز في تاريخ باريز " ‪.‬‬
‫]‪ [17‬سلمة موسى " اليوم والغد " ص ‪. 237‬‬
‫]‪ [18‬السابق ‪. 238‬‬
‫]‪ [19‬انظر ‪ :‬سلمة موسى " اليوم والغد " ص ‪. 131 — 123‬‬
‫]‪ [20‬انظر ‪ :‬د ‪ .‬عمارة " السلم بين التنوير والتزوير " ص ‪.129‬‬
‫]‪ [21‬انظر ‪ :‬سلمة موسى " اليوم والغد " ص ‪. 235‬‬
‫]‪ [22‬انظر ‪ :‬السابق ص ‪. 231-229‬‬
‫]‪ [23‬الفترة الفاصلة بين كلمات سلمة موسى وحملة نابليون ‪.‬‬
‫]‪ [24‬سلمة موسى " اليوم والغد "ص ‪. 231 - 229‬‬
‫]‪ [25‬انظر ‪ :‬السابق ص ‪. 231‬‬
‫]‪ [26‬انظر ‪ :‬السابق ص ‪. 239‬‬
‫]‪ [27‬سلمة موسى " اليوم والغد " ص ‪. 255‬‬
‫]‪ [28‬السابق ص ‪. 63 — 58‬‬
‫]‪ [29‬سلمة موسى " اليوم والغد " ص ‪. 254‬‬
‫]‪ [30‬السابق ص ‪. 136 — 135‬‬
‫]‪ [31‬انظر ‪ :‬الباحث التركي شريف ماردن مقال ضمن كتاب " أبعاد الدين‬
‫الجتماعية " ص ‪ 5‬تعريب صالح البكاري — الدار التونسية للنشر ‪ -‬سلسلة‬
‫موافقات — العدد ‪ . 12‬شريف ماردن ‪ :‬باحث وعالم اجتماع التركي عميد‬
‫مدرسة العلوم الدراية وأستاذ بجامعة بوجازيي وقد كان أستاذا ً مشاركا ً في‬
‫عدة جامعات أمريكية نشر عدة كتب منها " نشأة تفكير الشباب العثماني‬
‫‪ 1962‬م " الدين واليديولوجيا ‪ 1969‬م " باللغة التركية‪.‬‬
‫]‪ [32‬كما ينقل عنه الشيخ أبو الحسن الندوي " الصراع بين الفكرة السلمية‬
‫والفكرة الغربية " ص ‪ 52‬دار القلم — الكويت — ط ‪ 5‬م ‪ 145‬هـ ‪. 1985‬‬
‫]‪ [33‬انظر ‪ :‬منى حلمي " في ذكراه " القلم الجريء سلمة موسى "‬
‫الهرام عدد ‪ 4‬أغسطس ‪ 1993‬م نقل ً عن د‪ .‬محمد عمارة " السلم بين‬
‫التنوير والتزوير " ص ‪ . 157‬وانظر ‪ :‬د ‪ .‬فتحي القاسمي " العلمانية‬
‫وانتشارها شرقا ً وغربا ً " ص ‪.2 ، 19 ، 235 ، 234 ، 243 ، 242‬‬
‫]‪ [34‬انظر ‪ :‬د ‪ .‬نصر حامد أبو زيد " نقد الخطاب الديني " ص ‪. 17‬‬
‫]‪ [35‬انظر ‪ :‬د‪ .‬محمود أمين العالم " النسان موقف " ص ‪. 61 — 55‬‬
‫مكتبة السرة — القاهرة ‪ 21‬د ‪ .‬ط ‪.‬‬
‫]‪ [36‬طه حسين " مستقبل الثقافة في مصر " ‪ . 41 / 1‬الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب — ‪ / 1993‬د ‪ .‬ط ‪.‬‬
‫]‪ [37‬انظر ‪ :‬طه حسين " في الشعر الجاهلي " ص ‪ . 21‬دار المعارف‬
‫للطباعة والنشر — سوسة — تونس — الطبعة الثالثة — ‪ 2‬م ‪.‬‬
‫]‪ [38‬طه حسين " مستقبل الثقافة " ‪. 35 - 34 / 1‬‬
‫]‪ [39‬السابق ‪. 31 - 3 / 1‬‬
‫]‪ [40‬السابق ‪. 42 / 1‬‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [41‬السابق ‪. 41 / 1‬‬


‫]‪ [42‬السابق ‪. 44 / 1‬‬
‫]‪ [43‬نقل ً عن د ‪ .‬يحيى هاشم فرغل " العلمانية بين الخرافة والتخريب " ص‬
‫‪ . 27‬هذا الكلم الذي يتكلم به سارتر ينطبق تماما ً بالذات على بعض الحكام‬
‫العرب الذين ما إن تنطق أمريكا بكلمة حتى تجدهم كالخراف التي تجيب‬
‫أمهاتها بالثغاء يرددون كل ما تقوله دون خجل مثل ضرورة إخلء المنطقة‬
‫من أسلحة الدمار الشامل ‪ ،‬ووجوب تنفيذ قرارات المم المتحدة عندما‬
‫تكون ملزمة للعرب ومحاربة الرهاب وغير ذلك مما تراه أمريكا ‪.‬‬
‫]‪ [44‬صحيفة الحياة عدد أغسطس ‪ 1993‬نقل ً عن د ‪ .‬عمارة " السلم بين‬
‫التنوير والتزوير " ص ‪. 178‬‬
‫]‪ [45‬نقل ً عن الشيخ الندوي ‪ " :‬الصراع بين الفكرة السلمية والفكرة‬
‫الغربية " ص ‪. 41‬‬
‫]‪ [46‬الشيخ الندوي ‪ " :‬السابق " ص ‪. 41‬‬
‫]‪ [47‬راجع لستاذنا الدكتور سيد رزق الحجر " مدخل لدراسة الفكر‬
‫السلمي الحديث والمعاصر " ص ‪ 219‬فما بعد ‪.‬‬
‫]‪ [48‬الشيخ الندوي ‪ " :‬السابق " ص ‪. 55‬‬
‫]‪ [49‬الشيخ الندوي ‪ " :‬السابق " ص ‪. 55‬‬
‫]‪ [50‬انظر ‪ :‬السابق ‪ :‬ص ‪. 57‬‬
‫]‪ [51‬انظر ‪ :‬للباحث التركي شريف ماردن ص ‪ 5‬مقال ضمن " كتاب أبعاد‬
‫الدين الجتماعية " تعريب صالح البكاري — الدار التونسية للنشر — سلسلة‬
‫موافقات العدد ‪. 12‬‬
‫]‪ [52‬ملحظة ‪ :‬يعني أن الباحث يتكلم منذ الستينات ‪.‬‬
‫]‪ [53‬انظر ‪ :‬السابق ص ‪. 146 — 144‬‬
‫]‪ [54‬الندوي " الصراع بين الفكرة السلمية والفكرة الغربية " ص ‪. 66‬‬
‫]‪ [55‬علي شريعتي ص ‪ . 6‬ترجمة د ‪ .‬ابراهيم الدسوقي شتا ‪ -‬الزهراء‬
‫للعلم العربي — القاهرة — الطبعة الثانية ‪ 1413‬هـ ‪ 1993‬م ‪.‬‬
‫]‪ [56‬انظر ‪ :‬عبد العزيز الثعالبي " روح التحرر في القرآن " ص ‪. 117‬‬
‫]‪ [57‬انظر ‪ :‬السابق ص ‪. 11 — 14 ، 41‬‬
‫]‪ [58‬عن الندوي " السابق " ص ‪. 145 — 144‬‬
‫]‪ [59‬سورة التوبة آية ‪. 51‬‬
‫]‪ [60‬سورة الرعد آية ‪. 11‬‬
‫]‪ [61‬انظر ‪ :‬جريدة الصباح التونسية ‪ 2‬و ‪ 21‬آذار مارس ‪ 1974‬وانظر‬
‫صحيفة الشهاب اللبنانية العدد الول ‪ 15 -‬نيسان ‪ - 1974‬بيروت ‪ .‬وراجع‬
‫الندوي " الصراع بين الفكرة السلمية والفكرة الغربية "ص ‪145 ، 144‬‬
‫والدكتور القرضاوي " التطرف العلماني في مواجهة السلم ص ‪146 ، 145‬‬
‫‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫الشباب‬
‫كلمة ) شباب ( تعنى في اصلها اللغوي النماء والقوة ‪ ،‬والشباب جمع شاب‬
‫ويجمع ايضا على شبان وشببة ‪ ،‬وشباب الشيء اوله يقال لقيت فلنا في‬
‫شباب النهار أي في اوله ‪0‬‬
‫متى تبدأ مرحلة الشباب ومتى تنتهي ؟‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تبدأ مرحلة الشباب بالبلوغ كما جاء في قول الله تعالى ‪ ) :‬واذا بلغ الطفال‬
‫منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ( " النور ‪0 " 59 :‬‬
‫وفي الحديث عن علي بن ابي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ " :‬رفع القلم عن ثلثة ‪ :‬عن النائم حتى‬
‫يستيقظ ‪ ،‬وعن الصبي حتى يشب ‪ ،‬وعن المعتوه حتى يعقل " ) اخرجه‬
‫الترمذي ( وغير ذلك من النصوص الشرعية ‪0‬‬
‫بالنظر الى تلكم النصوص نجد ان الله ـ سبحانه وتعالى ـ سمى النسان قبل‬
‫الحتلم طفل وفي حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ الذي طيه " يا معشر‬
‫الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ـ نجد ان رسول الله ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ خاطب جماعة باسم الشباب حاثا لهم على الزواج ‪ ،‬وليكون‬
‫الزواج ال بعد الحتلم ‪ ،‬وفي حديث علي ـ رضي الله عنه المتقدم انفا ـ نجد‬
‫ان النبي صلى الله عليه وسلم ـ جعل بداية الشباب بلوغ النسان ‪ ،‬وعلى‬
‫هذا الساس فان مرحلة الشباب تبدأ بالبلوغ والتحديد المختار لمرحلة‬
‫الشباب هو ‪ :‬من البلوغ حتى سن الربعين ‪0‬‬
‫وسبب هذا الختيار ان الصل اللغوي لكلمة الشباب يدل على امرين ‪:‬‬
‫‪1‬ـ النماء ‪2‬ـ القوة‬
‫ونجد في القران الكريم ان سن الربعين داخلة في هذا المعنى وانها نهاية‬
‫للنماء كما في قوله تعالى ‪ ) :‬حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعين سنة ( "‬
‫الحقاف ‪0 " 15 :‬‬
‫أهمية مرحلة الشباب‬
‫تعود أهمية هذه المرحلة الى عدة سمات منها ‪:‬‬
‫‪1‬ـ انها بداية التكليف عن على بي ابي طالب ـ رضي الله عنه ـ ان رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬رفع القلم عن ثلثة ‪ :‬عن النائم حتى‬
‫يستيقظ وعن الصبي حتى يشب وعن المعتوه حتى يعقل " ) اخرجه الترمذي‬
‫( ‪ 0‬ومرحلة الشباب هي المرحلة التي يحصل فيها العلم والقدرة على‬
‫التكليف الشرعي ‪0‬‬
‫‪2‬ـ انها فترة قوة ‪ ،‬ولكن هذه المرحلة من القوة ل تدوم مع النسان بل اذا‬
‫طال به العمر عاد مرة اخرى الى الضعف قال تعالى ‪ ) :‬ومن نعمره ننكسه‬
‫في الخلق افل يعقلون ( " يس ‪ ، " 68 :‬وقوله تعالى ‪) :‬الله الذي خلقكم من‬
‫ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جطعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق‬
‫ما يشاء وهو العليم القدير ( " الروم ‪0 " 54 :‬‬
‫قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ " يعني جعل بعد ضعف الطفولة قوة الشباب‬
‫ثم جعل من بعد قوة الشباب ضعف الكبر وشيبه " والقوة في هذه المرحلة‬
‫في كل شيء ‪ :‬قوة في البدن وقوة في الحواس وقوة على العمل والتكسب‬
‫وقوة على طلب العلم قال الشافعي ‪:‬‬
‫ول ينال العلم ال فتي ‪ 000‬خال من الفكار والشغل‬
‫‪3‬ـ انها افضل فترات العمر ‪ ،‬وتعود افضليتها لما يجتمع للنسان فيها من‬
‫القوة والنشاط دون غيرها وراحة الحياة وبهجتها في الدنيا غالبا ماتكون في‬
‫مرحلة الشباب فهي مرحةل يتطلع الصغير ان يصل اليها ويتمنى الكبير ان‬
‫يرجع اليها مرحلة بكى عليها الشيوخ وتغني بها الشعراء قال ابوالعتاهية ‪:‬‬
‫بكيت على الشباب بدمع عيني ‪ -------‬فلم يغن البكاء ول النحيب‬
‫فيا أسفا اسفت على شباب ‪ -------‬نعاه الشيب والرأس الخضيب‬
‫عريت من الشباب وكنت غصنا ‪ -------‬كما يعرى من الورق القضيب‬
‫فيا ليت الشباب يعود يوما ‪ -------‬لخبره بما فعل المشيب‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪4‬ـ انها اطول مراحل العمر ‪ ،‬اذا كان عمر النسان في هذه المة بين الستين‬
‫والسبعين كما في الحديث الشريف الذي رواه ابو هريرة ـ رضي الله عنه ـ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ " :‬اعمار امتي بين الستين‬
‫الى السبعين واقلهم من يجوز ذلك " ) اخرجه الترمذي ( ‪0‬‬
‫‪5‬ـ سرعة الستجابة ‪ :‬فان الشباب على مدار التاريخ في جميع الطوار وفي‬
‫أي قطر وعلى اختلف الدعوات هم اكثر الناس تأثرا واسرعهم استجابة‬
‫) انهم فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى ( " الكهف ‪0 " 13 :‬‬
‫‪6‬ـ انهم عماد المم ‪ ،‬فالشباب هم عماد حضارة المم وسر نهضتها وحاملو‬
‫لوائها ‪ ،‬وهم في سن الهمم المتوثبة والجهود المبذولة سن البذل والعطاء ‪0‬‬
‫أحاديث ورد فيها ذكر الشباب‬
‫ـ عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬يا معشر الشباب ‪ ،‬من استطاع منكم الباءة فليتزوج ‪ ،‬فانه‬
‫اغض للبصر واحسن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء "‬
‫) متفق عليه ( ‪0‬‬
‫ـ وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬سبعة يظلهم الله بظله يوم لظل ال ظله ‪:‬‬
‫امام عادل وشاب نشأ في طاعة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد ‪" 000‬‬
‫) رواه البخاري ( ‪0‬‬
‫ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬قال ‪ " :‬لتزول قدم ابن ادم يوم القيامة‬
‫من عند ربه حتى يسأل عن خمس ‪ :‬عن عمره فيما افناه ‪ ،‬وعن شبابه فيما‬
‫ابله ‪ ،‬وماله من اين اكتسبه وفيم انفقه ‪ ،‬وعلمه ماذا عمل به " ) رواه‬
‫البخاري ( ‪0‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ـ عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬أهل الجنة شباب‬
‫جرد ‪ ،‬مرد كحل ‪ ،‬لتبلى ثيابهم ‪ ،‬وليفني شبابهم " ) رواه مسلم ( ‪0‬‬
‫ـ دخل النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬على شاب وهو في سياق الموت‬
‫فقال له ‪ " :‬كيف تجدك " قال ‪ :‬ارجو الله يارسول الله ‪ ،‬واخاف ذنوبي ‪،‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ليجتمعان في قلب عبد في مثل هذه‬
‫الموطن ال اعطاه الله مايرجوه وامنه مما يخافه " ) رواه مسلم ( ‪0‬‬
‫ـ وقال ‪ " :‬يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة " ) رواه احمد ( ‪0‬‬
‫ومعنى الصبوة ‪ :‬الهوى والميل عن طريق الحق ‪0‬‬
‫ـ وقال ايضا ‪ " :‬ما اكرم شاب شيخا لسنه ال قيض الله له من يكرمه عند‬
‫سنه " ) رواه الترمذي (‬
‫فتاوى ورسائل للشباب‬
‫جمع وترتيب ‪:‬‬
‫أحمد بن صالح بن فهد الخليف‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الشفاعة ‪...‬‬
‫يوم القيامة وإن كان يوم المخاوف والهوال ‪ ،‬إل أن رحمة الله تعالى تدرك‬
‫عباده المؤمنين ‪ ،‬وتتجلى تلك الرحمة في إذنه سبحانه لمن شاء من عباده‬
‫ذي‬‫ن َذا ال ّ ِ‬
‫م ْ‬
‫أن يشفعوا في العصاة ممن يرضى الله عنهم ‪ ،‬قال تعالى ‪َ } :‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن ْد َه ُ ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ { ) البقرة‪ :‬من الية ‪ ، (255‬وقال تعالى ‪َ } :‬ول‬ ‫فع ُ ِ‬
‫ش َ‬‫يَ ْ‬
‫ن { ) النبياء ‪، ( (28:‬‬
‫قو َ‬ ‫م ْ‬
‫شفِ ُ‬ ‫خ ْ‬
‫شي َت ِهِ ُ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬‫ضى وَهُ ْ‬
‫ن اْرت َ َ‬
‫م ِ‬
‫ن ِإل ل ِ َ‬
‫فُعو َ‬ ‫ش َ‬‫يَ ْ‬
‫فالشفاعة في ذلك اليوم من أعظم الرحمات التي يمتن الله بها على عباده ‪،‬‬
‫ول سيما في حق العصاة ممن استحقوا دخول النار أو دخلوها ‪ ،‬فكم هي‬
‫فرحتهم وكم هي سعادتهم عندما يحال بينهم وبين دخول النار ‪ ،‬أو عندما‬
‫يخرجون منها بعد دخلوهم فيها ‪.‬‬
‫وأعظم الشفاعات التي تجري في ذلك اليوم هي شفاعته صلى الله عليه‬
‫وسلم في بدء الحساب للفصل بين العباد ‪ ،‬ذلك أن الخلق يطول بهم المقام‬
‫في ساحة الحساب ‪ ،‬وتدنوا الشمس من رؤوسهم مقدار ميل ‪ ،‬ويبلغ بهم‬
‫الجهد والعرق مبلغا ً عظيما ً ‪ ،‬فيجتمع رأيهم حينئذ على طلب الشفاعة من‬
‫النبياء ‪ ،‬ليشفعوا لهم عند ربهم ‪ ،‬فيأتون آدم ونوحا وإبراهيم وموسى‬
‫وعيسى وكلهم يأبى عليهم ‪ ،‬ويذكر لنفسه ذنبا إل عيسى بن مريم ‪ ،‬فل يذكر‬
‫لنفسه ذنبا ولكنه يأبى الشفاعة ويحيل الناس على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فيأتونه ‪ ،‬فيقول أنا لها ‪ ،‬أنا لها ‪ ،‬فيشفع صلى الله عليه وسلم إلى ربه‬
‫ليفصل بين عباده ويريحهم مما هم فيه ‪.‬‬
‫وهذه الشفاعة مما اختص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم‬
‫وهي المقام المحمود الذي وعده ‪ ،‬وهناك شفاعات أخرى يكرم الله بها نبيه ‪،‬‬
‫ويخصه بها دون سائر النبياء ‪ ،‬منها شفاعته صلى الله عليه وسلم في‬
‫استفتاح باب الجنة ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬أنا أول شفيع في الجنة (‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬
‫ومن أنواع شفاعته صلى الله عليه وسلم شفاعته في تخفيف العذاب عن‬
‫عمه أبي طالب ‪ ،‬فقد قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ما أغنيت عن عمك ‪ -‬يعني أبا طالب ‪ -‬فإنه كان‬
‫يحوطك ‪ -‬يحميك ‪ -‬ويغضب لك ‪ ،‬قال ‪ ) :‬هو في ضحضاح من نار ‪ ،‬ولول أنا‬
‫لكان في الدرك السفل من النار ( متفق عليه ‪.‬‬
‫ومن أنواع الشفاعة شفاعته صلى الله عليه وسلم في عصاة المؤمنين ‪،‬‬
‫وهذه المرتبة من الشفاعة يشركه فيها سائر إخوانه من النبياء عليهم السلم‬
‫‪ ،‬والملئكة ‪ ،‬وصالحي المة وشهدائها ‪ ،‬وهي تكون فيمن استحق النار أل‬
‫يدخلها ‪ ،‬ومن دخلها أن يخرج منها ‪ .‬وقد تواترت الدلة في إثبات هذا النوع‬
‫من الشفاعة ‪ ،‬منها ما ثبت في صحيح البخاري أن المؤمنين الذين اجتازوا‬
‫الصراط يقفون يجادلون في إخوانهم الذين دخلوا النار فيقولون ‪ :‬ربنا كانوا‬
‫يصومون معنا ويصلون ويحجون ‪ ،‬فيقال لهم ‪ :‬أخرجوا من عرفتم ‪ ،‬فُيخرجون‬
‫خلقا كثيرا ‪ ،‬منهم من قد أخذته النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ‪ .‬ثم‬
‫يقولون ‪ :‬ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ارجعوا فمن وجدتم‬
‫في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه ‪ ،‬فيخرجون خلقا كثيرا ‪ ،‬ثم يقولون ‪:‬‬
‫ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬ارجعوا فمن وجدتم في قلبه‬
‫مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه ‪ ،‬فيخرجون خلقا كثيرا ‪ ،‬ثم يقولون ربنا‬
‫لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال‬
‫ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ‪ ،‬ثم يقولون ‪ :‬ربنا لم نذر فيها‬
‫خيرا ‪ ،‬فيقول الله عز وجل ‪ :‬شفعت الملئكة ‪ ،‬وشفع النبيون ‪ ،‬وشفع‬
‫المؤمنون ‪ ،‬ولم يبق إل أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها‬
‫قوما لم يعملوا خيرا قط ‪ -‬أي مع إتيانهم بأصل التوحيد وأركانه ‪ -‬قد عادوا‬
‫حمما ‪ ،‬فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما‬
‫تخرج الحبة في حميل ‪ -‬جانب ‪ -‬السيل ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هذه هي الشفاعة رحمة الله لعباده المؤمنين في ذلك اليوم العظيم ‪ ،‬الذي‬
‫لم يغضب الله قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ‪ ،‬ومع شدة غضبه سبحانه إل‬
‫ن على عباده بالشفاعة ‪ ،‬فيا لها من رحمة ويالها‬ ‫أن رحمته سبقت غضبه فم ّ‬
‫من منة ‪ ،‬فينبغي للمسلم أن يحرص على تعاطي السباب الموجبة لشفاعة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأعظم تلك السباب توحيد الله سبحانه حقا ً ‪،‬‬
‫فقد قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من‬
‫قال ل إله إل الله خالصا من قلبه ( رواه البخاري ‪ ،‬ومن السباب الموجبة‬
‫لشفاعته صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬الدعاء له بالمقام المحمود ‪ ،‬ففي الحديث‬
‫عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ ) :‬من قال حين يسمع النداء ‪ :‬اللهم رب‬
‫هذه الدعوة التامة والصلة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما‬
‫محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ( رواه البخاري ‪ ،‬ومن‬
‫أسباب شفاعته صلى الله عليه وسلم الصلة عليه عشرا في الصباح وعشرا‬
‫في المساء ‪ ،‬فعن أبي الدرداء رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ) :‬من صلى علي حين يصبح عشرا ً وحين يمسي عشرا ً‬
‫أدركته شفاعتي يوم القيامة ( رواه الطبراني وحسنه الشيخ للباني‪ .‬نسأل‬
‫المولى عز وجل أن يعيينا على اليمان والعمل الصالح حتى نلقاه وهو راض‬
‫عنا ‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪ ،‬والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫كل‬‫الشكُر‪ ..‬والتو ّ‬
‫د‪ .‬محمد عمر دولة*‬
‫ّ‬
‫صلةِ بالله عّز وجل‪ ،‬كثيُر‬ ‫دنا أنه قويّ ال ّ‬ ‫ج ْ‬ ‫َ‬
‫ت العبد ِ الشاكر‪ ..‬لوَ َ‬ ‫صفا ِ‬ ‫مْلنا ِ‬ ‫لو تأ ّ‬
‫من كثرةِ ن ِعَم ِ الله‬ ‫ُ‬
‫ل عليه؛ ِلما يعرفه ِ‬ ‫ّ‬
‫م التوك ِ‬ ‫ضِله‪ ،‬عظي ُ‬ ‫مِته وف ْ‬‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫الّرجاِء في َر ْ‬
‫دون والمنقط ُِعون عن الله!‬ ‫ِ ُ‬‫ح‬ ‫الجا‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫يعل‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫الله‬ ‫من‬ ‫عليه؛ فهو يعل ُ ِ‬
‫م‬
‫كو ب َّثي‬ ‫ش ُ‬ ‫ل يعقوب عليه السلم‪) :‬إّنما أ ْ‬ ‫وانظْر هذه المعاِني اليمانية في قو ِ‬
‫ن كثير رحمه الله‪:‬‬ ‫مون(‪ [1].‬قال اب ُ‬ ‫من اللهِ ما ل ت َعْل َ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫حْزِني إلى اللهِ وأعْل َ ُ‬ ‫و ُ‬
‫ل خير"‪ [2].‬وروى الطبري‬ ‫جو منه ك ّ‬ ‫مون(‪ :‬أي أْر ُ‬ ‫َ‬
‫من الله ما ل تعل ُ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫")وأعل ُ‬
‫ل به بلٌء َقط إل‬ ‫ب لم ينز ْ‬ ‫ي الله يعقو َ‬ ‫ن ن َب ِ ّ‬ ‫رحمه الله عن قتادة قال‪ :‬ذ ُك َِر لنا أ ّ‬
‫ة‬
‫من ورائه‪ ...‬وعن الحسن قال‪ :‬وما ساَء ظّنه بالله ساع ً‬ ‫ن ظّنه بالله ِ‬ ‫س ُ‬‫ح ْ‬ ‫أَتى ُ‬
‫َ‬
‫حم الله الشوكاني فقد قال‪)" :‬وأعلم من الله ما ل‬ ‫ل ول نهار"!]‪ [3‬وَر ِ‬ ‫من لي ٍ‬
‫حساِنه وَثواِبه على المصيبةِ ما ل تعلمونه‬ ‫فه وإ ْ‬ ‫من لط ِ‬ ‫ُ‬ ‫م ِ‬ ‫تعَلمون(‪ :‬أي أعل ُ‬
‫من إجابةِ المضطرين إلى الله ما ل تعلمون"‪[4].‬‬ ‫أنتم‪ ...‬وقيل‪ :‬أعلم ِ‬
‫ل جلله والنابةِ إليه‬ ‫ُ‬ ‫ل على الله ج ّ‬ ‫ّ‬
‫ن على التوك ِ‬ ‫ل ي ُِعي ُ‬ ‫ن حمد َ الله عّز وج ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ج ّ‬
‫ل‬ ‫ل على الله عّز و َ‬ ‫ّ‬
‫ق اللِتجاء إليه‪ .‬ولما كان التوك ُ‬ ‫صد ْ ِ‬ ‫ده و ِ‬ ‫والّرجاِء في ما عن َ‬
‫مد ّة ً من قوةِ الرجاِء في‬‫ُ‬ ‫مست َ َ‬ ‫ة ُ‬ ‫معرف ً‬ ‫ن بالله‪ ،‬و َ‬ ‫ن الظ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ة على ُ‬ ‫عقيدة ً قائم ً‬
‫ُ‬
‫حساِنه؛]‪ [5‬فكلما زاد العبد ُ من شكرِ الله بجميِع‬ ‫جودِهِ وإ ْ‬ ‫َفضِله ومّنه و ُ‬
‫ل جلُله‪ .‬ولله‬ ‫ق التجائه إلى الله ج ّ‬ ‫د؛ زاد قوةً في توك ِّله واعتماِده وصد ِ‬ ‫المحام ِ‬
‫ة‬
‫هي ِ‬ ‫ُ‬
‫شُعوُر بالُلو ِ‬ ‫جّلي ال ّ‬ ‫ت ي َت َ َ‬‫ن قوَله‪" :‬في هذه الك َِلما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫دّر سيد قطب ما أ ْ‬
‫معْرِفَُته سبحانه هذا‬ ‫ن بالله و َ‬ ‫ة اليما ِ‬ ‫ل‪ ...‬وهذه ِقيم ُ‬ ‫صو ِ‬ ‫ب المو ُ‬ ‫قل ْ ِ‬
‫في هذا ال َ‬
‫ة‬
‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫مل َ‬ ‫سةِ قُد َْرِته وَقَد َِره و ُ‬ ‫ملب َ َ‬ ‫شُهودِ و ُ‬ ‫جّلي وال ّ‬ ‫معرفةِ الت ّ َ‬ ‫ة‪َ :‬‬ ‫من المعرف ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫الل ّوْ َ‬
‫ت‬
‫ن هذه الكلما ِ‬ ‫هيةِ مع العبيد ِ الصالحين؛ إ ّ‬ ‫ُ‬
‫ن اللو ِ‬ ‫ُ‬
‫مِته وِرعاي َِته‪ ،‬وإدراك شأ ِ‬ ‫ح َ‬‫َر ْ‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫ك كلماُتنا أ ْ‬ ‫ة بما ل َتمل ِ ُ‬ ‫جُلو هذه الحقيق َ‬ ‫مون( ت َ ْ‬ ‫من اللهِ ما ل ت َعْل َ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫)وأعْل َ ُ‬
‫ت‬‫مثَله؛ فُيدِرك ماذا تعني هذه الكلما ُ‬ ‫ن ذاقَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مذاقا ً ي َعْرُِفه َ‬ ‫ض َ‬ ‫وها وَتعرِ ُ‬ ‫جل ُ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫س العبد ِ الصالِح َيعقوب"‪[6].‬‬ ‫في نف ِ‬
‫م الله القرطبي حيث قال في تفسيرِ قوله تعالى‪) :‬إنما المؤمنون الذين‬ ‫ح َ‬ ‫وَر ِ‬
‫ت عليهم آياُته زاد َْتهم إيمانا ً وعلى رّبهم‬ ‫ت قلوُبهم وإذا ُتلي ْ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫ه وَ ِ‬‫كر الل ُ‬ ‫إذا ذ ُ ِ‬
‫ل عند‬ ‫ج ِ‬‫ف والوَ َ‬ ‫مِنين في هذه اليةِ بالخو ِ‬ ‫ف الله تعالى المؤ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ي َت َوَك ُّلون(]‪" [7‬وَ َ‬
‫مراعاِتهم ل َِرّبهم وكأنهم بين ي َد َْيه‪ ،‬ونظيُر هذه‬ ‫ره؛ وذلك ِلقوّةِ إيماِنهم‪ ،‬و ُ‬ ‫ذِك ْ ِ‬
‫ن‬
‫مئ ّ‬ ‫ْ‬
‫ت قُلوُبهم(‪ [8]،‬وقال‪) :‬وت َط َ‬ ‫ُ‬ ‫جل ْ‬‫َ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫كر الل ُ‬ ‫شرِ المخب ِِتين الذين إذا ذ ُ ِ‬ ‫الية‪) :‬وب َ ّ‬
‫ع‬
‫م َ‬
‫ج َ‬ ‫ب‪ ...‬وقد َ‬ ‫قةِ القل ِ‬ ‫ل المعرفةِ وث ِ َ‬ ‫كما ِ‬ ‫ُقلوُبهم ب ِذِك ْرِ الله(؛]‪ [9‬فهذا يرجعُ إلى َ‬
‫مَتشاِبها ً‬ ‫ً‬
‫كتابا ُ‬ ‫ث ِ‬ ‫ن الحدي ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ه ن َّز َ‬‫ه بين هذين المعن َي َْين في قوِله‪) :‬الل ُ‬ ‫الل ُ‬
‫ُ‬
‫جلوُدهم وقُلوُبهم إلى‬ ‫ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ون رّبهم ثم ت َِلي ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫خ َ‬ ‫جلود ُ الذين ي َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫شعِّر منه ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ي تَ ْ‬ ‫مثان ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن كانوا‬ ‫من حيث اليقين إلى اللهِ وإ ْ‬ ‫سهم ِ‬ ‫ن ُنفو ُ‬ ‫ُ‬
‫سك ُ‬ ‫ذِكرِ الله(‪ [10]،‬أي ت َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ة العارِِفين بالله"‪[11].‬‬ ‫َيخاُفون الله؛ فهذه حال ُ‬
‫ن‬‫ب على الرحم ِ‬ ‫ل هو اعتماد ُ القل ِ‬ ‫ّ‬
‫ن التوك َ‬ ‫ل‪ :‬أ ّ‬ ‫ة الحمد ِ بالتوك ِ‬ ‫ح علق َ‬ ‫ض ُ‬ ‫مما ُيو ّ‬ ‫و ِ‬
‫ده؛‬ ‫ق وَعْ ِ‬ ‫صد ْ ِ‬ ‫صرِ الله و ِ‬ ‫ن ب ِن َ ْ‬‫ن على اليقي ِ‬ ‫ة التي ُتعي ُ‬ ‫م‪ ،‬وهو القوةُ الدافع ُ‬ ‫الرحي ِ‬
‫ن الصحابة وكمال معرفِتهم برّبهم ورجائهم في رحمِته‬ ‫ُ‬ ‫ولول قوةُ إيما ِ‬
‫ن‬
‫ُ ّ‬ ‫إ‬ ‫س‬ ‫النا‬ ‫لهم‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫)الذين‬ ‫قين‬ ‫ِ ِ‬ ‫د‬ ‫الصا‬ ‫لين‬ ‫َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫المت‬ ‫من‬ ‫كانوا‬ ‫ما‬ ‫منه‬ ‫واستمدادهم‬
‫كيل‬ ‫م الوَ ِ‬ ‫ه ون ِعْ َ‬ ‫سُبنا الل ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫هم فزاَدهم إيمانا ً وقالوا َ‬ ‫شو ْ ُ‬‫خ َ‬ ‫مُعوا لكم فا ْ‬ ‫ج َ‬
‫س قد َ‬ ‫النا َ‬
‫ه ذو‬ ‫ن اللهِ والل ُ‬ ‫ضوا َ‬ ‫سوٌء وات ّب َُعوا رِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫سهُ ْ‬‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫ض ٍ‬‫من اللهِ وفَ ْ‬ ‫قل َُبوا ب ِن ِْعمةٍ ِ‬ ‫فان ْ َ‬
‫ظيم(‪[12].‬‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫فَ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ره‪،‬‬‫ض ذكرِ رحمِته المقتضيةِ لشك ِ‬ ‫معَْر ِ‬ ‫ل عليه في َ‬ ‫ل بالتوك ّ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫مَر الله عّز و َ‬ ‫وقد أ َ‬
‫ل‬‫ن الله ق ْ‬ ‫ض ليقول ّ‬ ‫ت والر َ‬ ‫خلقَ السموا ِ‬ ‫من َ‬ ‫ل جلله‪) :‬ولئن سألَتهم َ‬ ‫ُ‬ ‫فقال ج ّ‬
‫ضّره أو‬ ‫ت ُ‬ ‫شفا ُ‬ ‫ن كا ِ‬ ‫ضّر هل هُ ّ‬ ‫ن أرادني الله ب ِ ُ‬ ‫ن الله إ ْ‬ ‫من دو ِ‬ ‫عون ِ‬ ‫أفرأيتم ما تد ُ‬
‫ل‬ ‫ّ‬
‫ي الله عليه يتوك ُ‬ ‫سب ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت رحمِته ق ْ‬ ‫سكا ُ‬ ‫م ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫أرادِني برحمةٍ هل ه ّ‬
‫حيم ِ الذي يراك حين‬ ‫ل على العزيزِ الّر ِ‬ ‫المتوك ُّلون(‪ [13]،‬وقال تعالى‪) :‬وت َوَك ْ‬
‫ّ‬
‫ض أمَرك‬ ‫سميعُ العَِليم(]‪" [14‬أي فَوّ ْ‬ ‫دين إنه هو ال ّ‬ ‫ج ِ‬‫قل َّبك في السا ِ‬ ‫م وت َ َ‬ ‫تقو ُ‬
‫ن‬‫م الذي ل يخذل أولياَءه"‪ [15].‬ذلك أ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه العزيُز الذي ل ُيغالب‪ ،‬الّرحي ُ‬ ‫إليه؛ فإن ُ‬
‫مع‬ ‫ب المنافِِع ود َفِع المضاّر َ‬ ‫ْ‬ ‫جل ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب على اللهِ تعالى في َ‬ ‫كل هو اعتماد ُ القل ِ‬ ‫"التو ّ‬
‫م‪ :‬ب ِعِّزِته َيقدُِر على‬ ‫مط ُْلوِبه؛ فإنه عزيٌز رحي ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ظ َّنه بحصو ِ‬ ‫س ِ‬‫ح ْ‬‫قِته به و ُ‬ ‫ثِ َ‬
‫ده‪ ،‬وبرحمِته به يفعل ذلك"‪[16].‬‬ ‫عب ِ‬‫ل الخيرِ وَدفِع الشّر عن َ‬ ‫إيصا ِ‬
‫ط به‪،‬‬ ‫ن نعمِته ُتحي ُ‬ ‫ل العبد ُ على رّبه وهو يرى ألوا َ‬ ‫وليت شعري كيف ل يتوك ّ‬
‫ن الجاحد َ ل يشعُر بنعمةِ الله عليه‪ ،‬إل حين‬ ‫ب رحمِته تنزل عليه؟ ولك ّ‬ ‫وشآبي َ‬
‫ض عن شكرِ الله‬ ‫شقوُته؛ فُيعر ُ‬ ‫ب عليه ِ‬ ‫يضطّر اضطرارا! ثم ما يلبث أن تغل َ‬ ‫ً‬
‫كم‬ ‫ب اللهِ أو أت َت ْ ُ‬ ‫كم عذا ُ‬ ‫ن أتا ُ‬ ‫مإ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت َك ُ ْ‬ ‫ل‪ ،‬كما قال تبارك وتعالى‪) :‬قُ ْ‬ ‫عز وج ّ‬
‫عون‬ ‫ف ما تد ْ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫عون فَيك ِ‬ ‫ل إياه ت َد ْ ُ‬ ‫ن كنتم صادِِقين ب ْ‬ ‫ُ‬ ‫عون إ ْ‬ ‫ة أغَي َْر اللهِ ت َد ْ ُ‬ ‫الساع ُ‬
‫جيكم‬ ‫ن ي ُن َ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل جلله‪) :‬قُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫شرِكون(‪ [17].‬وقال َ‬ ‫ُ‬ ‫ون ما ت ُ ْ‬ ‫س ْ‬
‫ن شاء وت َن ْ َ‬ ‫إليه إ ْ‬
‫من‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫ن هذه لن َكون َ ّ‬‫َ‬ ‫م ْ‬‫ة لئن أْنجانا ِ‬ ‫في ً‬ ‫خ ْ‬ ‫ً‬
‫ضّرعا و ُ‬ ‫عوَنه ت َ َ‬ ‫ت الب َّر والَبحرِ ت َد ْ ُ‬ ‫من ظ ُلما ِ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫شرِكون(‪[18]،‬‬ ‫ُ‬ ‫ب ثم أنتم ت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ل كْر ٍ‬ ‫نك ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫منها و ِ‬ ‫جيكم ِ‬ ‫رين ُقل الله ي ُن َ ّ‬ ‫الشاك ِ ِ‬
‫‪----------‬‬
‫]‪ [1‬يوسف ‪.86‬‬
‫]‪ [2‬تفسير القرآن العظيم ‪.2/489‬‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [3‬جامع البيان ‪.13/46‬‬


‫]‪ [4‬فتح القدير للشوكاني ‪.3/49‬‬
‫ي القيوم(‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ب الهموم؛ توكلوا على الح ّ‬ ‫]‪ [5‬راجع كتاب )يا أصحا َ‬
‫]‪ [6‬في ظلل القرآن لسيد قطب ‪.13/2016‬‬
‫]‪ [7‬النفال ‪.2‬‬
‫]‪ [8‬الحج ‪.34‬‬
‫]‪ [9‬الرعد ‪.28‬‬
‫]‪ [10‬الزمر ‪.23‬‬
‫]‪ [11‬الجامع لحكام القرآن ‪.7/366‬‬
‫]‪ [12‬آل عمران ‪.174-173‬‬
‫]‪ [13‬الزمر ‪.38‬‬
‫]‪ [14‬الشعراء ‪.218-217‬‬
‫]‪ [15‬الجامع لحكام القرآن ‪.13/144‬‬
‫]‪ [16‬تيسير الكريم الرحمن ص ‪.599‬‬
‫]‪ [17‬النعام ‪.41-40‬‬
‫]‪ [18‬النعام ‪.64-63‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الشمائل المحمدية‬
‫خلقه في الوفاء ‪:‬‬
‫مما تحلى به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬من الخلق الفاضلة ‪،‬‬
‫والشمائل الطيبة‪ ،‬الوفاء بالعهد ‪ ،‬وأداء الحقوق لصحابها ‪ ،‬وعدم الغدر ‪،‬‬
‫امتثال ً لمر الله في كتابه العزيز حيث قال }ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي‬
‫هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ل نكلف نفسا إل‬
‫وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به‬
‫لعلكم تذكرون{ )النعام ‪ . (152‬وتخلق الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا‬
‫الخلق الكريم ظاهر بّين ‪ ،‬سواء في تعامله مع ربه جل وعل ‪ ،‬أو في تعامله‬
‫مع أزواجه ‪ ،‬أو أصحابه ‪ ،‬أو حتى مع أعدائه‪ .‬ففي تعامله مع ربه كان صلى‬
‫الله عليه وسلم وفيا ً أمينا ً ‪ ،‬فقام بالطاعة والعبادة خير قيام ‪ ،‬وقام بتبليغ‬
‫رسالة ربه بكل أمانة ووفاء ‪ ،‬فبّين للناس دين الله القويم ‪ ،‬وهداهم إلى‬
‫صراطه المستقيم ‪ ،‬وفق ما جاءه من الله ‪ ،‬وأمره به ‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وأنزلنا‬
‫إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون{ )سورة النحل ‪. (44‬‬
‫وكان وفيا ً مع زوجاته ‪ ،‬فحفظ لخديجة رضي الله عنها مواقفها العظيمة ‪،‬‬
‫وبذلها السخي ‪ ،‬وعقلها الراجح‪ ،‬وتضحياتها المتعددة ‪ ،‬حتى إنه لم يتزوج‬
‫عليها في حياتها ‪ ،‬وكان يذكرها بالخير بعد وفاتها ‪ ،‬ويصل أقرباءها‪ ،‬ويحسن‬
‫إلى صديقاتها‪ ،‬وهذا كله وفاءا ً لها رضي الله عنها‪ ،‬وكان وفيا ً لقاربه ‪ ،‬فلم‬
‫ينس مواقف عمه أبي طالب من تربيته وهو في الثامنة من عمره ‪ ،‬ورعايته‬
‫له ‪ ،‬فكان حريصا ً على هدايته قبل موته ‪ ،‬ويستغفر له بعد موته حتى نهي عن‬
‫ذلك‪ ،‬وكان من وفائه لصحابه موقفه مع حاطب بن أبي بلتعة مع ما بدر منه‬
‫حين أفشى سر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام في أشد‬
‫المواقف خطورة ‪ ،‬حيث كتب إلى قريش يخبرها بمقدم رسول الله وجيشه‪،‬‬
‫فعفى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وفاءا ً لهل بدر ‪ ،‬وقال ‪) :‬إنه قد‬
‫شهد بدرا ً ‪ ،‬وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر ‪ ،‬فقال اعملوا ما شئتم‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقد غفرت لكم ( رواه البخاري و مسلم‪ ،‬أما وفاؤه لعدائه فظاهر كما في‬
‫صلح الحديبة ‪ ،‬حيث كان ملتزما ً بالشروط وفيا ً مع قريش ‪ ،‬فعن أنس رضي‬
‫الله عنه أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم لعلي ‪) :‬اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ‪ ،‬قال سهيل ‪ :‬أما‬
‫باسم الله فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ‪ ،‬ولكن اكتب ما نعرف‪:‬‬
‫باسمك اللهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬اكتب من محمد رسول الله ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لو علمنا أنك‬
‫رسول الله لتبعناك ‪ ،‬ولكن اكتب اسمك ‪ ،‬واسم أبيك ‪ ،‬فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ :‬اكتب من محمد بن عبد الله ‪ ،‬فاشترطوا على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬أن من جاء منكم لم نرده عليكم ‪ ،‬ومن جاءكم منا رددتموه‬
‫علينا ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول الله أنكتب هذا ‪ ،‬قال نعم ‪ ،‬إنه من ذهب منا إليهم‬
‫فأبعده الله ‪ ،‬ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا( رواه مسلم ‪.‬‬
‫وتم إرجاع أبي بصير مع مجيئه مسلما ً وفاءا ً بالعهد‪ .‬وعن حذيفة بن اليمان‬
‫قال ‪ :‬ما منعني أن أشهد بدرا ً إل أني خرجت أنا وأبي حسيل ‪ ،‬فأخذنا كفار‬
‫قريش ‪ ،‬قالوا ‪ :‬إنكم تريدون محمدا ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬ما نريده ‪ ،‬ما نريد إل المدينة ‪،‬‬
‫فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ‪ ،‬ول نقاتل معه ‪ ،‬فأتينا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر‪ ،‬فقال ‪) :‬انصرفا ‪ ،‬نفي لهم‬
‫بعهدهم‪ ،‬ونستعين الله عليهم( رواه مسلم‪ .‬وعد ّ صلى الله عليه وسلم نقض‬
‫العهد‪ ،‬وإخلف الوعد من علمات المنافقين‪ ،‬فقال ‪) :‬آية المنافق ثلث‪ :‬إذا‬
‫حدث كذب ‪ ،‬وإذا وعد أخلف ‪ ،‬وإذا أؤتمن خان( رواه البخاري و مسلم‪ .‬هذا‬
‫هو وفاء النبي العظيم ‪ ،‬أ َن ِْعم به من خلق كريم ‪ ،‬تعددت مجالته‪ ،‬وتنوعت‬
‫مظاهره‪ ،‬فكان لكل صنف من الناس نصيب من وفاءه صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،‬فهل أنت أخي المسلم لك نصيب من خلق نبيك ورسولك؟ ‪ ،‬اللهم ارزقنا‬
‫التباع وفاءا ً لك ولنبيك صلى الله عليه وسلم‪ ... .‬حياؤه صلى الله عليه وسلم‬
‫‪:‬‬
‫الحياء خلق إسلمي رفيع يبعث على تجنب القبائح ‪ ،‬ويرغب النسان في فعل‬
‫الحسن‪ ،‬ويمنع من التقصير في حق أصحاب الحقوق‪ .‬ويكفي لبيان منزلة هذا‬
‫الخلق في السلم قوله صلى الله عليه وسلم )إن لكل دين خلقًا‪ ،‬وخلق‬
‫السلم الحياء( رواه ابن ماجه وصححه اللباني ‪.‬‬
‫والحياء من شعب اليمان كما ثبت في الحديث الصحيح )اليمان بضع وستون‬
‫شعبة أعلها ل إله إل الله وأدناها إماطة الذى عن الطريق والحياء شعبة من‬
‫اليمان( ‪.‬رواه الجماعة واللفظ للبخاري‬
‫وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الناس حياًء وأعظمهم اتصافا ً‬
‫بهذا الخلق الرفيع‪ ،‬فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال )كان رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أشد حياًء من العذراء في خدرها( متفق عليه‪.‬‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم يستحي من الخالق سبحانه وتعالى ومن الخلق‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل وعل فهو أكمل الحياء‪،‬ومنه قوله صلى الله عليه‬ ‫أما حياؤه من الخالق ج ّ‬
‫وسلم لموسى عليه السلم ليلة المعراج لما طلب منه مرة بعد مرة أن يرجع‬
‫إلى ربه فيسأله التخفيف من الصلوات قال‪ ) :‬استحييت من ربي( رواه‬
‫البخاري‪ .‬وأما حياؤه من الناس فأدلته كثيرة منها ما روته أم المؤمنين عائشة‬
‫رضي الله عنها‪) ،‬أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من‬
‫المحيض‪ ،‬فأمرها كيف تغتسل‪ ،‬قال خذي فرصة من مسك فتطهري‪ ،‬بها‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قالت كيف أتطهر؟ قال تطهري بها قالت كيف؟ قال سبحان الله! تطهري‪ ،‬و‬
‫استحيا وأعرض عنها‪ ،‬فجذبْتها عائشة رضي الله عنها وقالت تتبعي بها أثر‬
‫الدم( متفق عليه‪ .‬فانظر كيف حمله الحياء على العراض عن التفصيل في‬
‫هذا المر‪ ،‬حتى تولته أم المؤمنين‪ ،‬لتعلقه بأمور النساء الخاصة‪.‬‬
‫ومن الدلة على حيائه كذلك ما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه في‬
‫قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ‪ ،‬فبعد أن أكل‬
‫الصحابة تفرقوا‪ ،‬وبقي ثلثة منهم في البيت يتحدثون‪ ،‬والنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يريد خروجهم‪ ،‬قال أنس رضي الله عنه ‪ ) :‬وكان النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم شديد الحياء‪ .‬وفي رواية‪ ،‬جعل النبي صلى الله عليه وسلم يستحي‬
‫منهم أن يقول لهم شيئا ً ( وهذا الحديث من أعظم الدلة على شدة حيائه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬فقد حمله الحياء على عدم مواجهة أصحابه بشأن‬
‫خروجهم‪ ،‬حتى تولى الله تعالى بيان ذلك‪ ،‬إعظاما ً لحق نبيه صلى الله عليه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫ن ي ُؤْذ َ َ‬ ‫ي إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬‫خُلوا ب ُُيو َ‬ ‫مُنوا ل ت َد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫وسلم‪ ،‬قال تعالى‪َ} :‬يا أي َّها الذي َ‬
‫شُروا َول‬ ‫م َفان ْت َ ِ‬ ‫خُلوا فَإ َِذا ط َعِ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫م َفاد ْ ُ‬ ‫ن إ َِناه ُ وَل َك ِ ْ‬
‫ن إ َِذا د ُ ِ‬
‫عيت ُ ْ‬ ‫ري َ‬‫إ َِلى ْط ََعام ٍ غَي َْر َناظ ِ ِ‬
‫حِيي‬ ‫ست َ ْ‬
‫ه ل يَ ْ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫حِيي ِ‬ ‫ي فَي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ن ي ُؤِْذي الن ّب ِ ّ‬ ‫م َ‬
‫كا َ‬ ‫ن ذ َل ِك ُ ْ‬
‫ث إِ ّ‬ ‫دي ٍ‬‫ح ِ‬
‫ن لِ َ‬‫سي َ‬ ‫ست َأن ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ُ‬
‫ق{ ]الحزاب‪.[53:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫د‪ :‬ففيما قدمنا قليل من كثير ‪،‬من حياء النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وبع‬
‫فحريّ بنا أن نتأسى به ‪ ،‬ونقتفي أثره لنكون من السعداء في الدنيا والخرة ‪،‬‬
‫وفق الله الجميع للقتداء به عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫حسن خلقه وعشرته ‪:‬‬
‫حسن الخلق‪،‬ولين الجانب‪،‬وطيب العشرة‪ ،‬صفات أجمع العقلء على حسنها ‪،‬‬
‫وفضل التخلق بها‪ .‬وقد توافرت الدلة الشرعية على مدح الخلق الحسنة‪،‬‬
‫والحض عليها ‪ ،‬من ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله‬
‫ى أحسنكم‬ ‫عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ ) :‬إن من أحبكم إل ّ‬
‫أخلقا ً ( رواه البخاري‪ .‬وقد كان رسول الله صلى عليه وسلم أحسن الناس‬
‫ك‬‫خُلقًا‪ ،‬وأطيبهم عشرة‪ ،‬وقد وصفه سبحانه بذلك فقال }وَإ ِن ّ َ‬ ‫سمتًا‪ ،‬وأكملهم ُ‬
‫م{ )القلم‪ (4:‬فما من خصلة من خصال الخير إل ولرسول‬ ‫ل َعََلى ُ ُ‬
‫ظي ٍ‬‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬
‫صلى الله عليه وسلم أوفر الحظ والنصيب من التخلق بها ‪ ،‬وقد وصف‬
‫الصحابة حسن خلقه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة فعن علي بن‬
‫أبي طالب رضي الله عنه قال‪ ) :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسع‬
‫الناس صدرا ً ‪ ،‬وأصدق الناس لهجة ‪ ،‬وألينهم عريكة‪ ،‬وأكرمهم عشرة( رواه‬
‫الترمذي ‪ .‬والعريكة هي الطبيعة‪.‬ووصفه الله تعالى بلين الجانب لصحابه‬
‫فقال } فبما رحمة من الله لنت لهم { )آل عمران ‪ .(159‬ففي معاشرته‬
‫لصحابه من حسن الخلق ما ل يخفي‪ ،‬فقد كان يجيب دعوة الداعي إذا دعاه‪،‬‬
‫ويقبل الهدية ممن جادت بها نفسه و يكافئ عليها‪ .‬وكان عليه الصلة والسلم‬
‫ن جالسه نصيبه من‬ ‫م ْ‬
‫ل َ‬‫يؤلفهم ول ينفرهم‪ ،‬ويتفقدهم ويعودهم‪ ،‬ويعطى ك ّ‬
‫العناية و الهتمام‪ ،‬حتى يظن جليسه أنه ليس أحد ٌ أكرم منه‪ ،‬وكان ول يواجه‬
‫أحدا ً منهم بما يكره‪ .‬قال أنس رضي الله عنه ‪ ) :‬خدمت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم عشر سنين ‪ ،‬فما قال لي أف قط‪ ،‬وما قال لي لشيٍء‬
‫م تصنع هذا( ‪.‬رواه الترمذي و‬ ‫م لَ ْ‬ ‫صنعته لم صنعت هذا‪ ،‬ول شيء لم أصنعه ل ِ َ‬
‫أبو داود‪ ،‬وذكر عبد الله بن جرير البجلي رضي الله عنه معاملة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم له فقال ‪ ) :‬ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ‬
‫أسلمت‪ ،‬ول رآني إل تبسم في وجهي‪ ،‬ولقد شكوت إليه أني ل أثبت على‬
‫الخيل فضرب بيده في صدري وقال اللهم ثبته واجعله هاديا ً مهديًا‪ (.‬رواه ابن‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ماجة‪ .‬ومعنى قوله ما حجبني‪ :‬أي ما منعني الدخول عليه متى ما أردت ذلك‪.‬‬
‫وهذا الذي ذكرناه من حسن خلقه وعشرته قليل من كثير وغيض من فيض‬
‫مما ل يمكن التيان على جميعه في مقال أو كتاب‪ ،‬والله نسأل أن يرزقنا‬
‫حسن الخلق وحسن العمل ‪ .‬والحمد لله أول وأخرا ً ‪.‬‬
‫النصاف ‪ :‬في اللغة مصدر قولهم ‪ :‬أنصف ينصف ‪ ...‬ويقال ‪ :‬أنصفه من‬
‫نفسه‪ ،‬وانتصفت أنا منه ‪ ،‬وتناصف القوم ‪ :‬أي أنصف بعضهم بعضا من نفسه‬
‫‪ ...‬وأنصفت الرجل إنصافا ً ‪ :‬عاملته بالعدل والقسط ‪.‬‬
‫ويمكن تعريف النصاف بأنه ‪ :‬أن تعطي غيرك من الحق مثل الذي تحب أن‬
‫تأخذه منه لو كنت مكانه ‪ ،‬ويكون ذلك بالقوال والفعال ‪ ،‬وفي الرضا‬
‫والغضب ‪ ،‬مع من نحب ومن نكره ‪.‬‬
‫وللنصاف أنواع عديدة ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫? أن ينصف المرء نفسه من نفسه ؛ إذ كيف ينصف الناس من ل ينصف‬


‫نفسه‪ .‬ـ أن ينصف المرء خالقه عز وجل ‪ ،‬فل يرى ربه إل محسنا ‪ ،‬ول يرى‬
‫نفسه إل مسيئا أو مفرطا أو مقصرا ً ‪ ،‬فيعطى العبودية حقها ‪ ،‬ول ينازع ربه‬
‫صفات إلهتيه ‪ ،‬ول يشكر على نعمه سواه ‪ ،‬ول يستعين بها على معاصيه ‪.‬‬
‫? إنصاف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك باليمان به ومحبته وتوقيره‬
‫وطاعته والقيام بحقوقه‪.‬‬
‫? إنصاف العباد ‪ ،‬بأداء حقوقهم وعدم مطالبة المرء إياهم ما ليس له ‪..‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫القرآن الكريم يقدم المثل العلى للنصاف ‪:‬إن إنصاف المرء أخاه في‬
‫النسب أو الدين قد يكون أمرا ً معقول تقره الطبائع السليمة والفطر النقية ‪،‬‬
‫أما إنصاف العدو وتبرئة ساحته مع مخالفته لنا في الدين فهذا ما ل يستطيعه‬
‫إل من تربى على مائدة السلم وتشبع بروح العدل والنصاف التي جاء بها‬
‫ب‬‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫القرآن ‪ ،‬يقول أبو حيان في تفسير قول الله تعالى ‪):‬إ ِّنا أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫صيمًا( ]النساء‪:‬‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫خائ ِِني َ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫ه َول ت َك ُ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ما أ ََرا َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫حقّ ل ِت َ ْ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫‪ :،[105‬ويتلخص سبب النزول في )) أن طعمة بن أبيرق سرق درعا في‬
‫جراب فيه دقيق لقتادة بن النعمان ‪ ،‬وخبأها عند يهودي ‪ ،‬فحلف طعمة مالي‬
‫ي‬
‫بها علم ‪ ،‬فاتبعوا أثر الدقيق إلى دار اليهودي ‪ ،‬فقال اليهودي ‪ :‬دفعها إل ّ‬
‫طعمة (( ‪ .‬فلما هم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقضاء في هذه المسألة‬
‫ما‬ ‫س بِ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫حقّ ل ِت َ ْ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫نزلت اليات الكريمة ‪) :‬إ ِّنا أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫فورا ً‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫فرِ الل ّ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫صيما* َوا ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫خائ ِِني َ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫ه َول ت َك ُ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫أ ََرا َ‬
‫وانا ً‬ ‫خ ّ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫خَتاُنو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫جادِ ْ‬ ‫حيمًا*َول ت ُ َ‬ ‫َر ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما ل‬ ‫ن َ‬ ‫م إ ِذ ْ ي ُب َي ُّتو َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ن اللهِ وَهُوَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫س َول ي َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن الّنا‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬‫ست َ ْ‬ ‫أِثيما*ي َ ْ‬
‫حيطا* َ َ‬
‫م‬
‫م عَن ْهُ ْ‬ ‫جاد َل ْت ُ ْ‬ ‫ؤلِء َ‬ ‫م هَ ُ‬ ‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ضى ِ‬ ‫ي َْر َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫ن ي َكو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫مةِ أ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ل الل َ‬ ‫جادِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا فَ َ‬ ‫ِفي ال َ‬
‫حيما ً‬ ‫ً‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫كي ً‬
‫فورا َر ِ‬ ‫جدِ الل َ‬ ‫ه يَ ِ‬ ‫فرِ الل َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫سوءا أوْ ي َظل ِ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل*وَ َ‬ ‫وَ ِ‬
‫ل ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ً‬ ‫م َ‬ ‫ريئا فَ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫طيئ َ ً‬ ‫ْ‬
‫حت َ َ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫م ي َْرم ِ ب ِهِ ب َ ِ‬ ‫ة أوْ إ ِْثما ث ُ ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ي َك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫*وَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ما‬ ‫ضلوك وَ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ت طائ ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه لهَ ّ‬ ‫مت ُ ُ‬‫ح َ‬ ‫ل اللهِ عَلي ْك وََر ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ول فَ ْ‬ ‫مِبينا*وَل ْ‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫يٍء وَأن َْز َ‬‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حك َ‬ ‫ب َوال ِ‬ ‫ه عَلي ْك الك َِتا َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ضّرون َك ِ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن إ ِل أن ْ ُ‬ ‫ضلو َ‬ ‫يُ ِ‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظيم(]اليات ‪ 105‬ـ ‪ 113‬من‬ ‫ك عَ ِ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْ َ‬ ‫ن فَ ْ‬


‫ض ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن ت َعْل َ ُ‬
‫م وَ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫م َ‬‫وَعَل ّ َ‬
‫سورة النساء [ مبرءة ساحة هذا اليهودي ومنصفة ‪ .‬يقول بعض العلماء‬
‫المعاصرين معلقا على هذه الواقعة ‪ :‬يالله ! إنه السلم وحده في تاريخ‬
‫البشرية كله ‪ ..‬وغير السلم لم يكن ضميره ليتحرك لتبرئة متهم ينتمي إلى‬
‫قوم بينه وبينهم كل ذلك العداء ‪ .‬أل إنها القمة السامقة التي ل يقيمها ابتداء‬
‫إل السلم ‪ ،‬ول يرقاها إل المسلمون في كل التاريخ ‪ .‬لقد كانت كل الظروف‬
‫)) مشجعة (( على اتهام ذلك اليهودي وتبرئة ذلك المنافق الذي ينتمي ولو‬
‫شكل إلى السلم !‪ .‬فالعداوة بين المسلمين واليهود قائمة في المدينة ‪،‬وكيد‬
‫اليهود للمسلمين قائم واضح للعيان ‪.‬إل أن السلم ما جاء ليتستر على‬
‫انحرافات البشرية أو يتسامح مع شيء منها ! وما جاء ليجاري الجاهليات‬
‫فيما تقع فيه من انحراف ‪ .‬وإنما جاء لينشئ النسان الصالح في الرض‪ .‬إنها‬
‫ليست حادثا عارضا يمر فينسى ‪ ،‬إنها درس هائل في التربية على الفق‬
‫العلى ل يقدمه إل السلم ‪ ،‬و ل يقدر عليه إل المسلمون‪ ،‬وإنه لدرس في‬
‫التطبيق العملي للنصاف اللهي والعدل الرباني الذي لم تعرفه أمة في‬
‫التاريخ ‪ ،‬إل المة التي رباها القرآن الكريم ‪ ،‬تسع آيات كريمة تنزل لكشف‬
‫ذلك المنافق الذي انضم إلى المشركين بعد فضحه ‪ ،‬ولتبرئة ساحة ذلك‬
‫اليهودي ‪ ،‬وما كان السلم ليتألف قلب المنافق لنه يحمل اسما مسلما على‬
‫حساب النصاف والعدل الذي يريد إقامتهما في الرض نبراسا لكل‬
‫البشرية ‪ ...‬لقد ذهب ابن أبيرق مع الشيطان ‪ ،‬وبقي ذلك الدرس الرباني‬
‫الخالد درسا وعاه المسلمون وحفظوه ‪ ،‬لتتعلمه البشرية منهم يوم تفيء إلى‬
‫رشدها وتحب أن تعرف الطريق إلى ما فيه خيرها وسعادتها ‪ .‬ومع أن هؤلء‬
‫اليهود هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا إل أن هذه العداوة لم تمنع القرآن‬
‫الكريم من إنصافهم إن هم أحسنوا أو أحسن بعضهم ‪ ،‬ومن مظاهر هذا‬
‫النصاف ثناؤه عز وجل على بني إسرائيل ثناء عظيما ‪ ،‬يبلغ بهم ذروة شاهقة‬
‫ُ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ة ي َهْ ُ‬
‫م ٌ‬‫سى أ ّ‬ ‫ن قَوْم ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م ْ‬ ‫من الرضا والتقدير ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ) :‬وَ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫م ً‬
‫م أئ ِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫جعَلَنا ِ‬ ‫ن( ]العراف‪ .[159:‬وقوله عز وجل من قائل ‪):‬وَ َ‬ ‫وَب ِهِ ي َعْدُِلو َ‬
‫َ‬
‫ن( ]السجدة‪ ، [24:‬ثم في معظم‬ ‫صب َُروا وَ َ‬
‫كاُنوا ِبآيات َِنا ُيوقُِنو َ‬ ‫ما َ‬ ‫مرَِنا ل َ ّ‬‫ن ب ِأ ْ‬
‫دو َ‬ ‫ي َهْ ُ‬
‫ً‬
‫الحيان تبلغ حملته عليهم حدا رهيبا من التقريع والتنديد ‪ ،‬والذم والتوبيخ‬
‫والسبب في هذا الموقف القرآني هو النصاف التام ‪ ،‬وإعطاء كل ذي حق‬
‫حقه ‪ ،‬وكل ذي باطل ما يستحقه ‪ ،‬فهو يمدحهم إن أحسنوا وأطاعوا ‪ ،‬وهو‬
‫يذمهم إن عاندوا وشاقوا ‪ ،‬وقد كان‬

‫)‪(4 /‬‬

‫من تمام إنصافه عز وجل معهم أنه دائما يستثني منهم القلة الصالحة ـ على‬
‫م(‬ ‫م إ ِّل قَِليل ً ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ت َط ّل ِعُ عََلى َ‬
‫خائ ِن َةٍ ِ‬ ‫ندرتها ـ كما قال تعالى ) َول ت ََزا ُ‬
‫]المائدة‪ .[13 :‬إنصاف الرسول صلى الله عليه وسلم و الخلفاء الراشدين‬
‫لهل الذمة‪ ،‬لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنصاف أهل الذمة‬
‫والمستأمنين ‪ ،‬ونهى عن ظلهم في أحاديث كثيرة ‪ ،‬فهو القائل صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬من ظلم معاهدا ً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته ‪ ،‬أو أخذ منه‬
‫شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة " وقال صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫" من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ‪ ،‬وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين‬
‫عاما " ‪ .‬وحرص الخلفاء الراشدون والصحابة على ذلك ‪ ،‬فها هو عمر بن‬
‫الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يوصي بأهل الذمة قائل ‪ " :‬أوصيكم بذمة الله‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإنها ذمة نبيكم ورزق عيالكم " ‪ .‬وروى مسلم عن المستورد بن شداد‬
‫القرشي أنه حدث عن عمرو بن العاص فقال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول ‪ " :‬تقوم الساعة والروم أكثر الناس " ‪ .‬فقال عمرو ‪ :‬أبصر‬
‫ما تقول ‪ ،‬قال أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫لئن قلت ذاك إن فيهم لخصال ً أربعا ً ‪ :‬إنهم أحلم الناس عند فتنة ‪ ،‬وأسرعهم‬
‫إفاقة بعد مصيبة ‪ ،‬وأوشكهم كرة بعد فرة ‪ ،‬وخيرهم لمسكين ويتيم‬
‫وضعيف ‪ ،‬وخامسة حسنة جملية ‪ :‬وأمنعهم من ظلم الملوك " ‪ .‬فانظر إلى‬
‫إنصاف عمرو وذكره ما يعلمه من الخصال الحسنة للروم ‪ ،‬مع أننا ل نشك‬
‫في براءته منهم وعداوته لهم ‪ .‬وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد‬
‫الله بن رواحة إلى خيبر ليخرص لهم الثمار ‪ ،‬فأرادوا أن يرشوه ‪ ،‬فقال عبد‬
‫الله ‪ " :‬يا معشر اليهود ‪ ،‬أنتم أبغض الخلق إلي ‪ ،‬قتلتم أنبياء الله ـ عز وجل ـ‬
‫‪ ،‬وكذبتم على الله ‪ ،‬وليس يحملني حبي إياه وبغضي إياكم على أن أحيف‬
‫عليكم ‪ .‬فقال اليهود ‪ :‬بهذا قامت السموات والرض "‪ .‬قال الحافظ ابن عبد‬
‫البر ‪ :‬وفيه أن المؤمن وإن أبغض في الله فل يحمله بغضه على ظلم من‬
‫أبغضه " ‪ .‬لقد امتثل عبد الله بن رواحة ـ رضي الله عنه للمنهج الرباني الذي‬
‫يكفل العدل للناس ‪ ،‬والذي يعطي كل ذي حق حقه من المسلمين وغير‬
‫المسلمين ففي هذا الحق يتساوى عند الله المؤمنون وغير المؤمنين ‪ .‬قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كا َ‬‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ضوا فَإ ِ ّ‬ ‫ن ت َل ْ ُ‬
‫ووا أوْ ت ُعْرِ ُ‬ ‫ن ت َعْدُِلوا وَإ ِ ْ‬ ‫الله تعالى ‪َ) :‬فل ت َت ّب ُِعوا ال ْهَ َ‬
‫وى أ ْ‬
‫خِبيرًا(]النساء‪ .[135:‬وقد أقر اليهود صنيع عبد الله بن رواحة‬ ‫ن َ‬‫مُلو َ‬
‫ما ت َعْ َ‬
‫بِ َ‬
‫لعلمهم أن العدل قد أمر الله ـ عز وجل ـ به الناس جميعا ‪ ،‬لنه واجب لكل‬
‫أحد على كل أحد في جميع الحوال‪ .‬والظلم ل يباح منه شيء بحال ‪ ،‬ولذا‬
‫قالوا لعبد الله بن رواحة ‪ ) :‬هذا الحق به تقوم السماء والرض ( ‪ :‬أي بهذا‬
‫الحق والعدل قامت السموات فوق الرءوس بغير عمد‪ ،‬والرض استقرت‬
‫على الماء تحت القدام ‪.‬‬
‫آداب أهل النصاف ‪:‬‬
‫التحلي بصفة النصاف ‪ ،‬وسلوك درب المنصفين يلزم معه التأدب بآداب‬
‫خاصة ‪ ،‬وقد التزم بها أهل السنة والجماعة وقدوتهم في ذلك الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وأهمها ‪:‬‬
‫التجرد وتحري القصد عند الكلم على المخالفين ‪:‬وذلك أنه قد تلتبس‬
‫المقاصد عند الكلم عن المخالفين ‪ ،‬فهناك قصد حب الظهور ‪ ،‬وقصد‬
‫التشفي والنتقام والنتصار للنفس أو للطائفة التي ينتمي إليها الناقد ‪ ..‬وقد‬
‫من يرد على أهل البدع من التباس المقاصد فقال ‪ " :‬وهكذا‬ ‫حذر ابن تيمية َ‬
‫الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم ‪ ،‬وإذا غلط في ذم بدعة أو معصية‬
‫كان قصده بيان ما فيها من إفساد ليحذر العباد ‪ ،‬كما في نصوص الوعيد‬
‫وغيرها‪ ،‬وقد يهجر الرجل عقوبة وتعزيرا ً والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله‬
‫للرحمة والحسان ‪ ،‬ل للتشفي والنتقام " وقد انتبه ابن القيم ـ رحمه الله ـ‬
‫إلى هذا المر فوضع قاعدة لمن يريد أن يتجرد من الهوى فقال ‪ " :‬وكل أهل‬
‫نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من اللفاظ ‪،‬‬
‫ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من اللفاظ ومن رزقه الله بصيرة‬
‫فهو يكشف بها حقيقة ما تحت اللفاظ من الحق و الباطل ‪ ،‬ول تغتر باللفظ‬
‫كما قيل في هذا المعنى‪ :‬تقول هذا جنى النحل تمدحه وإن تشأ قلت ‪ :‬ذا‬
‫قيء الزنابير مدحا وذما وما جاوزت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبير‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أهمية التبين والتثبت قبل إصدار الحكام ‪ :‬وذلك امتثال لقول الله تعالى ‪َ) :‬يا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حوا‬ ‫جَهال َةٍ فَت ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬ ‫وما ً ب ِ َ‬
‫صيُبوا قَ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬‫سقٌ ب ِن َب َأ ٍ فَت َب َي ُّنوا أ ْ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬‫نآ َ‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫مُنوا إ َِذا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن( ]الحجرات‪ ،[6:‬وقوله تعالى ‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫م َنادِ ِ‬‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬
‫عََلى َ‬
‫منًا(‬ ‫َ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫س َ‬‫م لَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قى إ ِل َي ْك ُ ُ‬ ‫ن أل ْ َ‬ ‫قوُلوا ل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ فَت َب َي ُّنوا َول ت َ ُ‬ ‫سِبي ِ‬‫م ِفي َ‬ ‫ضَرب ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫]النساء‪ [94:‬والتبين والتثبت من خصائص أهل اليمان ‪ ،‬قال الحسن البصري‬
‫ـ رحمه الله ـ ‪ " :‬المؤمن وقاف حتى يتبين " وقال المام محمد بن عبد‬
‫الوهاب ـ رحمه الله ـ ‪ " :‬ومتى لم يتبين لكم المسألة لم يحل لكم النكار‬
‫على من أفتى أو عمل حتى يتبين لكم خطؤة ‪ ،‬بل الواجب السكوت والتوقف‬
‫"‪.‬‬
‫حمل الكلم على أحسن الوجوه ‪ ،‬وإحسان الظن بالمسلمين ‪ :‬فالواجب على‬
‫المسلم أن يحسن الظن بكلم أخيه المسلم ‪ ،‬وأن يحمل العبارة المحتملة‬
‫محمل ً حسنا ً فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على إحسان الظن‬
‫بالمسلم حين قال وهو يطوف بالكعبة ‪ ":‬ما أطيبك وأطيب ريحك ‪ ،‬وما‬
‫أعظمك وأعظم حرمتك ‪ ،‬والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند‬
‫الله حرمه منك ‪ ،‬ماله ودمه ‪ ،‬وأن ل يظن به إل خيرا ً " ‪.‬‬
‫وقال سعيد بن المسيب ‪ :‬كتب بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ " :‬أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك ‪ ،‬ول‬
‫تظنن بكلمة خرجت من امريء مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محمل " ‪.‬‬
‫أل ينشر سيئات المخالف ويدفن حسناته ‪:‬‬
‫فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بحسنات حاطب فقال ‪ " :‬وما‬
‫يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال ‪ :‬اعملوا ما شئتم فقد‬
‫غفرت لكم"‪ .‬فكون حاطب من أهل بدر ترفعه وُيذكر له في مقابل خطئه‬
‫الفاحش ‪،‬ولذا غفر له خطؤه ‪.‬‬
‫النقد يكون للرأي وليس لصاحب الرأي ‪ :‬فالنقد الموضوعي هو الذي يتجه‬
‫إلى الموضوع ذاته وليس إلى صاحبه ‪ .‬وكان الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫إذا حدث خطأ من أحد أصحابه أو بعضهم ‪ .‬ل يسميهم غالبا وإنما يقول ‪ )) :‬ما‬
‫بال أقوام (( ‪ )) ،‬ما بال رجال (( ‪.‬‬
‫المتناع عن المجادلة المفضية إلى النزاع ‪ :‬وقد حذر الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم من الجدل المفضي إلى الخصومة فقال ‪ " :‬إن ابغض الرجال إلى الله‬
‫اللد الخصم " ‪.‬وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ‪ " :‬ل تمار أخاك فإن‬
‫المراء ل تفهم حكمته ‪ ،‬ول تؤمن غائلته ‪ . "..‬وقال مالك بن أنس ‪ " :‬المراء‬
‫يقسي القلوب ‪ ،‬ويورث الضغائن "‪.‬‬
‫حمل كلم المخالف على ظاهره وعدم التعرض للنوايا والبواطن ‪:‬‬
‫وقد علمنا ذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حينما قتل أسامة بن زيد‬
‫الرجل بعد أن قال ل إله إل الله ‪ ،‬فلما علم صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك‬
‫عليه ‪ ،‬فقال أسامة ‪ :‬إنما قالها متعوذا ‪ .‬فقال صلى الله عليه وسلم‪ ":‬هل‬
‫شققت عن قلبه "‪ .‬وهكذا يضع النبي صلى الله عليه وسلم السس السليمة‬
‫للتعامل مع الناس وأول هذه السس النصاف‪،‬بل لقد أسوة لهم في ذلك فها‬
‫هو في غزوة بدر يسوي الصفوف ويرى سواد بن غزية بارزا فيضربه بقدح‬
‫في بطنه ويقول ‪":‬استو يا سواد"‪،‬فيقول سواد يا رسول الله أوجعتني‬
‫فأقدني ‪،‬فيكشف الرسول عن بطنه وهو يقول ‪":‬استقد يا سواد"‪،‬فيلتزم‬
‫سواد بطن النبي ويقبله‪ ..‬فانظر إلى هذا النصاف من النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وموقف آخر عجيب يدل على مدى إنصافه‪،‬فقد روى ابن ماجة عن أبي سعيد‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخدري رضي الله عنه قال ‪:‬جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يتقاضاه دينا كان عليه فاشتد عليه حتى قال له‪ :‬أحرج عليك إل قضيتني‬
‫‪،‬فانتهره أصحابه وقالوا ‪:‬ويحك ‪،‬تدري من تكلم !قال‪ :‬إني أطلب حقي‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪":‬هل مع صاحب الحق كنتم"‪ ،‬ثم أرسل إلى خولة‬
‫بنت قيس فقال لها‪ ":‬إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك‬
‫"‪،‬فقالت‪ :‬نعم بأبي أنت يا رسول الله قال فأقرضته فقضى العرابي وأطعمه‬
‫فقال‪ :‬أوفيت أوفى الله لك‪ ،‬فقال ‪":‬أولئك خيار الناس إنه ل قدست أمة ل‬
‫يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع"‪.‬‬
‫يا لله!رسول الله يأمر أصحابه أن يكونوا مع صاحب الحق حتى وإن كان هو‬
‫أحد أطراف القضية‪،‬إنه النصاف‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وها هو صلى الله عليه وسلم يوجه المة كلها إلى النصاف‪ • ،‬فعن قتادة عن‬
‫أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬ل يؤمن أحدكم حتى يجب لخيه‬
‫ما يحب لنفسه " ) رواه البخاري (‪ .‬وعن المعرور قال ‪ :‬لقيت أبا ذر بالربذة‬
‫وعليه حلة وعلى غلمه حلة فسألناه عن ذلك فقال‪ :‬إني ساببت رجل‬
‫فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ":‬أعيرته بأمه ؟‪ ،‬ثم قال إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم‬
‫فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ول تكلفوهم‬
‫ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم" ‪) .‬رواه البخاري (‪ .‬و عن عبد‬
‫الله بن بريدة عن أبيه قال ‪ ... " :‬فجاءت الغامدية فقالت يا رسول الله ‪ ،‬إني‬
‫قد زنيت فطهرني ‪ ،‬وإنه ردها ‪ .‬فلما كان الغد قالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬لم‬
‫تردني ؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزا ‪ .‬فوالله إني لحبلى ‪ .‬قال ‪ " : .‬إما‬
‫ل فاذهبي حتى تلدي " فلما ولدته أتته بالصبي في خرقة ‪ .‬قالت ‪ :‬هذا قد‬
‫ولدته قال ‪ " :‬اذهبي فارضعيه حتى تفطميه " ‪ .‬فلما فطمته أتته بالصبي في‬
‫يده كسرة خبز ‪ ،‬فقالت ‪ :‬هذا يا نبي الله ‪ ،‬قد فطمته ‪ ،‬وقد أكل الطعام ‪،‬‬
‫فدفع الصبي إلي رجل من المسلمين ‪ ،‬ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها ‪،‬‬
‫وأمر الناس فرجموها ‪ .‬فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها ‪ ،‬فتنضح‬
‫الدم على وجه خالد ‪ ،‬فسبها ‪ ،‬فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه‬
‫إياها ‪ ،‬فقال ‪ " :‬مهل يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها‬
‫كس لغفر له (‪ ) .‬رواه مسلم ( فالنصاف يدفعه صلى الله عليه‬ ‫صاحب م ٍ‬
‫وسلم للدفاع عن هذه المرأة التي أتت تائبة‪ .‬وعلى هذا الخلق الكريم تربى‬
‫العلماء والصالحون من هذه المة وهذه قطوف من أقوالهم في هذا الشأن‪:‬‬
‫) قال عمار بن ياسر ـ رضي الله عنهما ‪:‬ثلث من جمعهن فقد جمع اليمان ‪:‬‬
‫النصاف من نفسك ‪ ،‬وبذل السلم للعالم والنفاق من القتار(‪ ) .‬وقال ابن‬
‫القيم أيضا ‪ :‬وجاء في أثر آخر ‪ ) :‬ابن آدم ما أنصفتني ‪ ،‬أخلقك وتعبد غيري ‪،‬‬
‫وأرزقك وتشكر سواي ( ‪).‬سمعت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عروة ابن الزبير‬
‫يسب حسان بن ثابت ‪ ،‬وكان ممن خاض في حديث الفك ‪ ...‬فقالت ـ رضي‬
‫الله عنها ـ ‪ :‬يا ابن أختي دعه ‪ ،‬فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم " ( ‪) .‬رواه البخاري (‪ ) •.‬وقال عروة ‪ :‬كانت عائشة تكره أن يسب‬
‫عندها حسان وتقول إنه الذي قال ‪ :‬فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد‬
‫منكم وقاء ( ) البخاري ومسلم (‪ ).‬عن عاصم بن كليب عن أبيه قال انتهينا‬
‫إلى علي ـ رضي الله عنه ـ فذكر عائشة فقال ‪ :‬خليلة رسول صلى الله عليه‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم ‪ ،‬يقول الذهبي ‪ :‬هذا يقوله أمير المؤمنين في حق عائشة ما وقع‬


‫بينهما ( ‪ ) .‬عن عبد الرحمن بن شماسة قال ‪ :‬دخلت على عائشة ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫حديج –وهو‬ ‫ممن أنت ؟ قلت ‪ :‬من أهل مصر ‪ ،‬قالت ‪ : ،‬كيف وجدتم ابن ُ‬
‫قاتل محمد بن أبي بكر أخي عائشة‪-‬في غزاتكم هذه ؟ قلت ‪ :‬خير أمير ‪ ،‬ما‬
‫يقف لرجل منا فرس ول بعير إل أبدله مكانه بعيرا‪ ،‬ول غلم إل أبدل مكانه‬
‫غلما ‪ ،‬وقالت ‪ :‬إنه ل يمنعني قتله أخي أن أحدثكم ما سمعت من رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إني سمعته يقول ‪ :‬اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا ً‬
‫فرفق بهم فارفق به ‪ ،‬ومن شق عليهم فاشقق عليه(‪.‬فلم تمنعها كراهية قتل‬
‫أخيها على يديه من إنصافه بذكر بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم له‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫عن سعيد بن المسيب أن رجل من أهل الشام يقال له ابن خيبري وجد مع‬
‫امرأته رجل فقتله أو قتلهما معا فأشكل على معاوية بن أبي سفيان القضاء‬
‫فيه فكتب إلى أبي موسى الشعري يسأل له علي بن أبي طالب عن ذلك‬
‫فسأل أبو موسى عن ذلك علي بن أبي طالب فقال له علي إن هذا الشيء‬
‫ما هو بأرضي عزمت عليك لتخبرني فقال له أبو موسى كتب إلي معاوية بن‬
‫أبي سفيان أن أسألك عن ذلك فقال علي أنا أبو حسن إن لم يأت بأربعة‬
‫شهداء فليعط برمته ‪-‬أي يسلم إلى أولياء المقتول يقتلونه قصاصا‪ ).-‬رواه‬
‫مالك ( وفيه ‪ :‬شهادة من معاوية بفقه وعلم علي رغم ما حدث بينهما (‬
‫‪.‬وجاء رجل فوقع في على وفي عمار رضي الله عنهما ـ عند عائشة ‪،‬‬
‫فقالت ‪ :‬أما علي فلست قائلة لك فيه شيئا ‪ ،‬أما عمار فإني سمعت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪ " :‬ل يخير بين أمرين إل اختار أرشدهما (‬
‫) رواه أحمد (‪) .‬خطب عمار بن ياسر ـ رضي الله عنهما ـ في أهل العراق ـ‬
‫قبل واقعة الجمل ـ ليكفهم عن الخروج مع أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله‬
‫عنها ـ فقال ‪ " :‬والله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬ولكن الله تبارك وتعالى ابتلكم ليعلم إياه تطيعون أم هي "‪ .‬ومعلو‬
‫م أن عمارا ً كان في صف علي ـ رضي الله عنهما ـ قال ابن هبيرة ‪ " :‬في‬
‫هذا الحديث أن عمارا ً كان صادق اللهجة ‪ ،‬وكان ل تستخفه الخصومة إلى أن‬
‫ينتقص خصمه ‪ ،‬فإنه شهد لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما من الحرب "‪.‬‬
‫قال ابن حجر ‪ :‬مراد عمار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع علي ‪،‬‬
‫وأن عائشة مع ذلك لم تخرج عن السلم ول أن تكون زوجة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في الجنة ‪ ،‬فكان ذلك يعد من إنصاف عمار وشدة ورعه وتحريه‬
‫قول الحق ( ‪ ) .‬قال المام الشافعي في المام أحمد أحدا أورع ول أتقى ول‬
‫أفقه ول أعلم من أحمد بن حنبل " (‪) .‬قال محمد بن سيرين ‪ " :‬ظلم لحيك‬
‫أن تذكر منه أسوأ ما رأيت وتكتم خيره " (‪ ) .‬قال المام الذهبي في ترجمة‬
‫لقتادة بن دعامة ‪ " :‬وكان من أوعية العلم ‪ ،‬وممن يضرب به المثل في قوة‬
‫الحفظ ‪،‬وهو حجة بالجماع إذا بين السماع ‪ ،‬فإنه مدلس معروف بذلك ‪،‬‬
‫وكان يرى القدر ـ نسأل الله العفو ـ ومع هذا يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة‬
‫يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه ‪ ،‬وبذل وسعه ‪ ،‬والله حكم عدل لطيف‬
‫بعباده ‪ ،‬ول يسأل عما يفعل ‪ .‬ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ‪،‬‬
‫وعلم تحريه للحق واتسع علمه ‪ ،‬وظهر ذكاؤه ‪ ،‬وعرف صلحه وورعه واتباعه‬
‫‪ ،‬ويغفر له زلله ‪ ،‬ول نضلله ونطرحه وننسى محاسنه ‪ ،‬نعم ول نقتدي به في‬
‫بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك " ( ‪ .‬فهذه أقوال بعض أهل السنة‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتبين بها نتاج التربية النبوية الكريمة التي زرعت النصاف في النفوس حتى‬
‫أنصف كل واحد من نفسه‪... ... .‬‬
‫ه صلى الله عليه وسلم في جلوسه واتكائه ‪:‬‬ ‫هدي ُ‬
‫كان صلى الله عليه وسلم يجلس على الرض ‪ ،‬وعلى الحصير والبساط‬
‫وقالت قَي َّلة بنت مخرمة ‪ :‬أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد‬
‫القرفصاء قالت فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كالمتخشع في‬
‫فَرق ‪ ،‬ولما قدم عليه عدي بن حاتم ‪ ،‬دعاه إلى منزله‬ ‫الجلسة ‪ ،‬أرعدت من ال َ‬
‫‪ ،‬فألقت إليه الجارية وسادة يجلس عليها ‪ ،‬فجعلها بينه وبين عدي ‪ ،‬وجلس‬
‫على الرض ‪ ،‬قال عدي ‪ :‬فعرفت أنه ليس بملك وكان يستلقي أحيانا ً ‪ ،‬وربما‬
‫وضع إحدى رجليه على الخرى وكان يتكيء على الوسادة وربما اتكأ على‬
‫يساره ‪ ،‬وربما اتكأ على يمينه ‪ ،‬وكان إذا إحتاج في خروجه توكأ على بعض‬
‫أصحابه من الضعف‬
‫هدية صلى الله عليه وسلم في مشيه‬
‫ً‬
‫فأ تكفؤا ‪ ،‬وكان أسرع الناس‬ ‫كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى ‪ ،‬تك ّ‬
‫ً‬
‫ة ‪ ،‬وأحسَنها وأسكنها قال أبو هريرة ‪ :‬ما رأيت شيئا أحسن من رسول‬ ‫مشي ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه ‪ ،‬وما رأيت أحدا ً‬
‫ض تطوي‬ ‫أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كأنما الر ُ‬
‫له ‪ ،‬وإنا لنجهد أنفسنا وإنه غير مكترث وقال علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله‬
‫عنه‪-‬‬
‫فأ تكفؤا ً كأنما ينحط من‬ ‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تك ّ‬
‫ّ‬
‫قلع ) والتقلع هو الرتفاع من‬ ‫ة‪ :‬إذا مشى ت ّ‬ ‫صبب) أي من منحدر ( ‪ ،‬وقال مّر ً‬
‫الرض بجملته ‪ ،‬كحال المنحط من المنحدر(وهي مشية أولى العزم والهمة‬
‫والشجاعة ‪ 0‬وهي أعدل المشيات وأروحها للعضاء ‪ ،‬وأبعدها من مشية‬
‫وج والمهانة والتماوت بل كان مشية صلى الله عليه وسلم هونا ً كما قال‬ ‫الهَ َ‬
‫الله تعالي ‪ )) :‬وعباد الرحمن الذين يمشون على الرض هونا(( الفرقان ‪63/‬‬
‫‪ 0‬قال غير واحد من السلف ‪ ،‬السبكينة ووقار من غير تكّبر ول هي مشية‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فإنه مع هذه المشية كان كأنما ينحط من‬
‫صبب ‪ ،‬وكأنما الرض تطوي له صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫)) وكان صلى الله عليه وسلم إذا مشي لم يلتفت (( صحيح الجامع الصغير‬
‫برقم )‪ (4786‬عن جابر‬

‫)‪(8 /‬‬

‫)) وكان صلى الله عليه وسلم إذا مشى أقلع (( حديث صحيح ‪ -‬صحيح الجامع‬
‫برقم )‪ (4784‬وأما مشيه مع أصحابه ‪ ،‬فكانو يمشون بين يديه وهو خلفهم‬
‫ويقول دعوا ظهري للملئكة (( رواه ُ أحمد )‪ (13719‬وإبن ماجه )‪ (226‬عن‬
‫جابر رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ )) :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مشى ‪،‬‬
‫مشى أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملئكة (( في صحيح الجامع الصغير‬
‫برقم )‪ (4787‬ولهذا جاء في الحديث ‪ :‬وكان يسوق أصحابه ‪ 0‬وكان يمشي‬
‫حافيا ً ومنتعل ً ‪ ،‬وكان يماشي أصحابه فرادي وجماعه ومشي في بعض غزواته‬
‫ميت وفي سبيل‬ ‫ه ‪ ،‬وسال منه الدم فقال ‪ :‬هل أنت إل إصبع د ِ‬‫فدميت أصبعُ ُ‬
‫قيت ) متفق عليه (‬ ‫الله مال َ َ‬
‫ضحك النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ً‬
‫محمد عليه الصلة والسلم يضحك‪ ،‬نعيش معه ضاحكا‪ ،‬كما عشنا معه وهو‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ك متأثر خاشع لله – عز وجل‪ .-‬من الذي أضحكه ؟ إنه الله الواحد الحد‪،‬‬ ‫با ٍ‬
‫)وأنه هو أضحك وأبكى( ]النجم‪.[43:‬وماله ل يضحك عليه الصلة والسلم‬
‫ودينه رحمة‪ ،‬ومنهجه سعادة‪ ،‬ودستوره فلح؟‪ .‬لقد عشنا معه عليه الصلة‬
‫والسلم في مواطن التأثر باكيًا‪ ،‬تدمع عيناه وينجرح فؤاده‪ ،‬ونعيش معه وهو‬
‫ش للدعابة‪ ،‬ويضحك للطرفة‪ ،‬ويتفاعل مع أصحابه في مجريات أمورهم‬ ‫يه ّ‬
‫وأحاديثهم‪ .‬إن مدرسة التصوف تملي على منسوبيها أل يضحكوا‪ ،‬يقول‬
‫أحدهم‪ :‬ما ضحكت منذ أربعين سنة‪ .‬لكن المام العظم‪ ،‬والقائد الكمل‬
‫يضحك في مواطن من حياته‪ .‬وضحكه ‪ ،‬له مقاصد‪ ،‬ضحك نافع‪ ،‬يربى‬
‫بالبسمة‪ ،‬ويدّرس بالضحك‪ ،‬ويعلم بالمزحة‪ .‬فتعالوا ننظر إلى أحاديثه عليه‬
‫الصلة والسلم وهو يضحك‪:‬‬
‫روى أحمد في المسند بسند صحيح‪ ،‬والبيهقي‪ :‬أن الرسول عليه الصلة‬
‫والسلم‪ ،‬ركب حمارا ً له يدعى يعفور‪ ،‬رسُنه من ليف‪ ،‬ثم قال‪)) :‬اركب يا‬
‫معاذ((‪ ،‬فقلت‪ :‬سر يا رسول الله‪ ،‬فقال‪)) :‬اركب‪ ،‬فردفته((‪ .‬من هو‬
‫الراكب؟‪ ،‬إنه محمد الذي أخرج البشرية من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد‪،‬‬
‫يركب الحمار‪ ،‬ويردف خلفه تلميذا ً نجيبا ً من تلمذته‪ .‬قال معاذ‪ :‬فردفته‪،‬‬
‫فصرع الحمار بنا‪ .‬سقط الحمار‪ ،‬وسقط النبي ‪ ،‬وسقط معاذ ‪ -‬فماذا فعل‬
‫النبي ؟‪ .‬قال معاذ‪) :‬فقام النبي يضحك‪ ،‬وقمت أذكر من نفسي أسفًا‪ (.‬قام‬
‫يضحك‪ ..‬رسالته مليئة بالبسمة‪ ،‬والبشرى‪ ،‬والرحمة لكل إنسان‪ ،‬يفيض على‬
‫محبيه بشاشة‪ ،‬ويقربهم من السعادة بكل صورها‪ ،‬يقول جرير بن عبد الله‪:‬‬
‫والله ما رآني رسول الله إل تبسم في وجهي‪ .‬قال معاذ‪ :‬فقام النبي يضحك‪،‬‬
‫وقمت أذكر من نفسي أسفا ً فعل ذلك الثانية‪ ،‬والثالثة‪ ،‬فركب‪ ،‬وسار بنا‬
‫الحمار‪ ،‬فأخلف يده‪ ،‬فضرب ظهري بسوط معه أو عصا ثم قال‪)) :‬يا معاذ‪،‬‬
‫هل تدري ما حق الله على العباد؟(( فقلت‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬فإن حق‬
‫الله على العباد؛ أن يعبدوه ول يشركوا به شيئًا‪ ،‬قال‪ :‬ثم سار ما شاء الله‪ ،‬ثم‬
‫أخلف يده‪ ،‬فضرب ظهري‪ ،‬فقال‪)) :‬يا معاذ‪ ،‬يا ابن أم معاذ‪ ،‬هل تدري ما حق‬
‫العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟(( قلت‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪)) :‬فإن‬
‫حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؛ أن يدخلهم الجنة((]اخرحه احمد وروى‬
‫بعضه البخاري ومسلم[‪.‬‬
‫روى الترمذي‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬بأسانيد صحيحة‪ ،‬عن علي بن ربيعة قال‪ :‬شهدت‬
‫عليًا‪ ،‬وأتي بدابة ليركبها‪ ،‬فلما وضع رجله في الركاب قال‪)) :‬بسم الله((‪،‬‬
‫خر لنا‬ ‫فلما استوى على ظهرها قال‪ :‬الحمد لله‪ ،‬ثم قال‪) :‬سبحان الذي س ّ‬
‫هذا وما كنا له مقرنين ‪ ،‬وإنا إلى ربنا لمنقلبون (‪].‬الزخرف‪ .[14-13:‬ثم قال‪:‬‬
‫الحمد ثلث مرات‪ ،‬ثم قال‪ :‬الله أكبر ثلث مرات‪ ،‬ثم قال‪ :‬سبحانك إني‬
‫ظلمت نفسي فاغفر لي‪ ،‬فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت‪ ،‬ثم ضحك‪ ،‬فقيل يا‬
‫أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت؟ قال‪ :‬رأيت النبي فعل كما فعلت ثم‬
‫ضحك‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬من أي شيء ضحكت؟ قال‪)) :‬إن ربك يعجب‬
‫م أنه ل يغفر الذنوب غيري((]ابو داوود‬ ‫من عبده إذا قال‪ :‬اغفر لي ذنوبي‪ ،‬يعل ُ‬
‫والترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬حسن صحيح[‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫فالرسول يضحك لن هذه المة تعرف ربها‪ ،‬وتتوجه إليه بالدعاء ليغفر ذنوبها‪،‬‬
‫ة لهذه المة‪ ،‬وفرحا ً لن الله – عز وجل – يغفر الذنوب‬‫فيضحك النبي رحم ً‬
‫ً‬
‫لكل من استغفر وتاب‪ .‬ضحك حتى بدت نواجذه ويضحك‪ ،‬أيضا كما في‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬فقد روى أبو هريرة عن النبي عليه الصلة والسلم‪ "،‬أن آخر‬
‫أهل الجنة دخول ً الجنة رجل مقبل بوجهه إلى النار‪ ،‬فيقول‪ :‬أي رب‪ ،‬اصرف‬
‫وجهي عن النار‪ ،‬فإنه قد قشبني ريحها]آذاني[ وأحرقني ذكاؤها ]لهبها[‬
‫فيدعوا الله ما شاء الله أن يدعوه‪ ،‬ثم يقول الله تبارك وتعالى‪ :‬هل عسيت‬
‫إن فعلت ذلك أن تسأل غيره؟‪ ،‬فيقول ل أسألك غيره‪ ،‬ويعطي ربه من عهود‬
‫ومواثيق ما شاء الله‪ ،‬فيصرف الله وجه عن النار‪ ،‬فإذا أقبل على الجنة‬
‫ورآها‪ ،‬سكت ما شاء الله أن يسكت‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أي رب‪ ،‬قدمني إلى باب‬
‫الجنة‪ ،‬فيقول الله له‪ :‬أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك‪ ،‬ل تسألني غير‬
‫الذي أعطيتك؟‪ ،‬ويلك‪ :‬ابن آدم ما أغدرك! فيقول‪ :‬أي رب‪ ،‬ويدعو الله حتى‬
‫يقول له‪ :‬فهل عسيت أن أعطيك ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول‪ :‬ل وعزتك‪،‬‬
‫يعطي ربه ما شاء الله من عهود ومواثيق‪ ،‬فيقدمه إلى باب الجنة‪ ،‬فإذا قام‬
‫على باب الجنة‪ ،‬انفهقت ]انفتحت[ له الجنة‪ ،‬فرأى ما فيها من الخير‬
‫والسرور‪ ،‬فيسكت ما شاء الله أن يسكت‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أي رب‪ ،‬أدخلني الجنة‬
‫فيقول الله تبارك وتعالى له‪ :‬أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن ل تسأل‬
‫غير ما أعطيت؟‪ ،‬ويلك يا ابن آدم‪ ،‬ما أغدرك! فيقول‪ :‬أي رب‪ ،‬ل أكون أشقى‬
‫خلقك‪ ،‬فل يزال يدعو الله‪ ،‬حتى يضحك الله تبارك وتعالى منه فإذا ضحك الله‬
‫منه‪ ،‬قال‪ :‬أدخل الجنة‪ ،‬فإذا دخلها‪ ،‬قال الله له‪ :‬تمّنه‪ ،‬فيسأل ربه ويتمنى‬
‫كره من كذا وكذا‪ ،‬حتى إذا انقطعت به الماني‪ ،‬قال الله‬ ‫حتى إن الله ليذ ّ‬
‫تعالى‪ :‬ذلك لك ومثله معه "‪ .‬قال أبو سعيد‪ :‬أشهد أني حفظت من رسول‬
‫الله‪ ،‬قوله‪ :‬ذلك لك وعشرة أمثاله‪ .‬قال ابن مسعود‪ :‬لقد رأيت رسول الله ‪،‬‬
‫ضحك حتى بدت نواجذه]البخاري ومسلم[‪ .‬هذه عقيدة ربانية ينبغي اليمان‬
‫بها‪ ،‬يضحك الربا تبارك وتعالى‪ ،‬وإذا ضحك‪ ،‬أذن لهذا العبد في دخول الجنة‪،‬‬
‫وأعطاه مثل أعظم ملك من ملوك الدنيا‪ ،‬وعشرة أمثاله‪ ،‬وهذا أدنى أهل‬
‫الجنة منزلة‪ ،‬فما بالك بأعلهم منزلة!‪ .‬وإنما ضحك الرسول من طمع العبد‪،‬‬
‫ومن نقضه لميثاقه مع ربه‪ ،‬ومن رحمة أرحم الراحمين‪ .‬ضحك متعجبا‬
‫ويضحك الرسول أيضا ً يأتيه حبر من أحبار يهود فيقول له‪ :‬يا أبا القاسم إن‬
‫الله يمسك السموات على إصبع‪ ،‬والرضين على إصبع‪ ،‬والشجر والثرى على‬
‫إصبع‪،‬والخلئق على إصبع‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أنا الملك‪ ،‬أنا الملك‪ ،‬فضحك رسول الله‬
‫تعجبا ً مما قال الحبر‪ ،‬تصديقا ً له‪ ،‬ثم قرأ‪) :‬وما قدروا الله حق قدره والرض‬
‫جميعا ً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عمار‬
‫يشركون( ]الزمر‪] [67:‬البخاري ومسلم[ وإنما ضحك عليه الصلة والسلم‬
‫لمور‪ :‬منها‪ :‬أن القرآن صدق ما قاله هذا الحبر من أمور القيامة‪ .‬ومنها‪ :‬أن‬
‫اليهود يعلمون صدق النبي وصدق ما أخبر به‪ ،‬ثم يكذبون على الله‪ ،‬ويكذبون‬
‫رسوله ‪ .‬ومنها‪ :‬التعجب من قدرة الباري تبارك وتعالى‪ .‬ومنها‪ :‬أن العبد مهما‬
‫بلغت عبوديته لله تعالى‪ ،‬فإنه ل يستطيع أن يوفي الله – عز وجل – حقه‪،‬‬
‫وغير ذلك من المعاني‪ .‬يضحك فرحا بانتشار السلم‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ملحان]اتفق العلماء على انها كانت‬


‫يذهب النبي فيدخل على أم حرام بنت ِ‬
‫ً‬
‫من محارمه[‪ ،‬فتطعمه‪ ،‬فدخل عليها رسول الله ‪ ،‬يوما فأطعمته‪ ،‬ثم جلست‬
‫تفلي رأسه‪ ،‬فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬ما‬
‫يضحكك يا رسول الله؟ قال‪)) :‬ناس من أمتي‪ ،‬عرضوا علي غزاة في سبيل‬
‫سّرة‪ ،‬أو مثل الملوك على‬‫الله‪ ،‬يركبون ثبج]وسط[ البحر‪ ،‬ملوكا ً على ال ِ‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السرة(( – يشك الراوي‪ .‬يضحك النبي من ذلك لنه رأى البشرى‪ ،‬رأى‬
‫تلمذته وأتباعه وكتيبته‪ ،‬سيركبون البحار والمحيطات؛ غزاة في سبيل الله‪،‬‬
‫ينشرون ل إله إل الله في الفاق‪ ،‬ويعبرون بها حدود الزمان والمكان‪ .‬يضحك‬
‫لن السلم سوف ينتشر ويظهر‪ ،‬وينفذ إلى القفار والصحاري‪ ،‬ويصل إلى‬
‫عباد البقر والشجر والنار والطوطم والصنم‪ .‬فقالت المرأة‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬
‫ادع الله أن يجعلني منهم‪ ،‬فدعا لها‪ ،‬ثم وضع رأسه فنام‪ ،‬ثم استيقظ وهو‬
‫يضحك قالت‪ :‬ما يضحكك يا رسول الله؟ قال‪)) :‬ناس من أمتي عرضوا علي‬
‫غزاة في سبيل الله((‪ ،‬كما قال في الولى قالت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ادع الله أن‬
‫يجعلني منهم‪ ،‬قال‪)) :‬أنت من الولين((‪ .‬فركبت أم حرام بن ملحان البحر‬
‫في فتح قبرص‪ ،‬فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر‪ ،‬فهلكت]البخاري‬
‫ومسلم[‪ .‬ماتت هذه المرأة الصالحة‪ ،‬وهي تجاهد في سبيل الله‪ ،‬فكانت‬
‫شهيدة‪ ،‬ودفنت هناك في أرض غريبة‪ .‬يضحك ممازحا ومواسيا أبا هريرة ففي‬
‫هذا السياق‪ ،‬وفي هذا الباب‪ ،‬معنا حديث صحيح متصل‪ ،‬أخرجه المام‬
‫البخاري‪ ،‬في باب‪ :‬كيف كان عيش النبي وأصحابه‪ ،‬وتخليهم من الدنيا‪ ،‬من‬
‫كتاب الرقاق‪ ،‬ذكر مجاهد أن أبا هريرة كان يقول‪ :‬آلله الذي ل إله إل هو‪ ،‬إن‬
‫ت لعتمد بكبدي على الرض من الجوع‪ ،‬وإن كنت لشد ّ الحجر على بطني‬ ‫كن ُ‬
‫من الجوع‪ ،‬ولقد قعدت يوما ً على طريقهم الذي يخرجون منه‪ ،‬فمر أبو بكر‬
‫فسألته عن آية من كتاب الله‪ ،‬ما سألته إل ليشبعني‪ ،‬فمّر ولم يفعل‪ .‬ثم مّر‬
‫بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إل ليشبعني‪ ،‬فمر ولم يفعل‪،‬‬
‫ثم مّر بي أبو القاسم فتبسم حين رآني‪ ،‬وعرف ما في نفسي‪ ،‬وما في‬
‫وجهي‪ .‬عرف النبي أنه يحمل سرا ً من السرار‪ ،‬عرف أن له حاجة‪ ،‬فتهلل‬
‫في وجهه متبسمًا‪ .‬تراه إذا ما جئته متهل ّل ً كأنك ُتعطيه الذي أنت سائله!!‬
‫فقال‪ :‬يا أبا هّر‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك يا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬الحق‪ ،‬ومضى‪ ،‬فتبعته‪ ،‬فدخل‬
‫فاستأذن‪ ،‬فأذن لي‪ ،‬فدخل‪ ،‬فوجد لبنا ً في قدح‪ ،‬فقال‪ :‬من أين هذا اللبن؟‬
‫ن أو فلنة‪ ،‬قال‪ :‬أبا هّر‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك يا رسول الله‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫قالوا‪ :‬أهداه لك فل ٌ‬
‫الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي‪ ،‬قال‪ - :‬أي أبو هريرة – وأهل الصفة‬
‫د‪ ،‬إذا أتته صدقة‪ ،‬بعث‬ ‫ل ول على أح ٍ‬
‫أضياف السلم‪ ،‬ل يأوون إلى أهل‪ ،‬ول ما ٍ‬
‫بها إليهم‪ ،‬ولم يتناول منها شيئًا‪ ،‬وإذا أتت هدية‪ ،‬أرسل إليهم وأصاب منها‪،‬‬
‫وأشركهم فيها‪ ،‬فساءني ذلك‪ ،‬فقلت‪ :‬وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت‬
‫أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة‪ ،‬أتقوى به‪ ،‬ولم يكن من طاعة الله‪،‬‬
‫د‪ ،‬فأتيتهم فدعوتهم‪ ،‬فأقبلوا‪ ،‬فاستأذنوا‪ ،‬فأذن لهم‪ ،‬وأخذوا‬ ‫وطاعة رسوله ب ٌ‬
‫مجالسهم من البيت‪ ،‬قال‪ :‬يا أبا هّر‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك يا رسول الله قال‪ :‬خذ‬
‫فأعطهم‪ ،‬قال‪ :‬فأخذت القدح‪ ،‬فجعلت أعطيه الرجل‪ ،‬فيشرب حتى يروي‪ ،‬ثم‬
‫يرد علي القدح‪ ،‬حتى انتهيت إلى النبي وقد روي القوم كلهم‪ ،‬فأخذ القدح‪،‬‬
‫ي فتبسم‪ ،‬فقال‪ :‬أبا هّر‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك يا رسول الله‪،‬‬ ‫فوضعه على يده‪ ،‬فنظر إل ّ‬
‫قال‪ :‬بقيت أنا وأنت قلت‪ :‬صدقت يا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬اقعد فاشرب‪ ،‬فقعدت‬
‫فشربت‪ ،‬فقال‪ :‬اشرب‪ ،‬فشربت‪ ،‬فما زال يقول‪ :‬اشرب‪ ،‬حتى قلت‪ :‬ل‬
‫والذي بعثك بالحق‪ ،‬ما أجد له مسلكًا‪ ،‬قال‪ :‬فأرني‪ ،‬فأعطيته القدح‪ ،‬فحمد‬
‫الله‪ ،‬وسمى‪ ،‬وشرب الفضلة‪.‬‬
‫فالنبي كان يتبسم‪ ،‬لنه يعلم ما يدور في نفس أبي هريرة‪ ،‬لقد تعرض لبي‬
‫بكر وعمر‪ ،‬من أجل أن يشبع فما شبع‪ ،‬ثم تعرض للرسول فأدخله البيت‪،‬‬
‫ورأى اللبن وقّلته‪ ،‬ثم هو يأمره بأن ينادي أهل الصفة‪ ،‬فتتداعى كل هذه‬
‫المعاني‪ ،‬أمام عينيه ‪ ،‬فيتبسم‪ .‬ولكنه يريد أن يعلم أبا هريرة‪ ،‬ويعلم المة من‬
‫ورائه مبدأ اليثار‪ ،‬وتفقد الخرين‪ ،‬والسؤال عن المساكين‪ ،‬فكان ضحكه‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومداعبته‪ ،‬سلوى للمحرومين‪ ،‬وتسلية للمظلومين‪ ،‬وتصبيرا ً للمعدمين‪ .‬إن‬


‫قوما ً عاشوا معه‪ ،‬رأوا ابتسامته‪ ،‬وتحيته‪ ،‬ويسره‪ ،‬وسهولته‪ ،‬فتمنوا أن يفقدوا‬
‫الباء والمهات والبناء والنفس‪ ،‬ول يشاك هو بشوكة‪ .‬إن جيل ً رباه‬
‫المصطفى على هذه المعالم‪ ،‬وهذه التعاليم‪ ،‬لجديٌر بأن يفتح المعمورة‪،‬‬
‫وتدين له الدنيا كلها‪ .‬وإذا قارنا بين هذه الصور المشرقة‪ ،‬وبين صور طغاة‬
‫الرض‪ ،‬فترى الواحد منهم عليه من الكبر والجبروت والظلمة‪ ،‬ما يجعله‬
‫بغيضا ً إلى النفوس‪ .‬لقد رأينا ورأيتم كثيرا ً من هؤلء الطغاة ‪ ،‬وقد قيل عنهم‪:‬‬
‫إنه ما رؤى أحدهم متبسما ً أبدًا‪ ،‬فهؤلء نحاكمهم إلى المعصوم‪ ، ،‬وهو‬
‫يضحك‪ ،‬ونأتي بهم ونوقفهم أمام التاريخ‪ ،‬تاريخ محمد ‪ ،‬ونسألهم أن يتقوا الله‬
‫– عز وجل – في أنفسهم‪ ،‬وفي رعاياهم‪ ،‬فمحمد يضحك‪.‬‬
‫مزاحه ومداعبته صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫المزاح والمداعبة شئ محبب إلى النفوس ‪ ،‬فهو يبعث على النشاط والقبال‬
‫على العمال بجد وطاقة ‪ ،‬ول حرج فيه ما دام منضبطا بضوابط الشرع ‪ ،‬ول‬
‫يترتب عليه ضرر ‪ ،‬بل هو مطلوب ومرغوب ‪ ،‬وذلك لن النفس يعتريها‬
‫السآمة والملل ‪ ،‬فل بد من فترات راحة ‪ ،‬وليس أدل على أهمية المزاح‬
‫والحاجة إليه ‪ ،‬مما كان عليه سيد الخلق وخاتم الرسل ‪ ،‬فقد كان صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬يمازح أصحابه ‪ ،‬ويداعب أهله ‪ ،‬وكان يعتني بصغار السن ويجعل‬
‫لهم جزءا ً من وقته ‪ ،‬ويعاملهم بما يطيقون ويفهمون‪ .‬فعن أنس بن مالك‬
‫رضي الله عنه )أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ‪ :‬يا ذا الذنين( رواه‬
‫أبو داود و الترمذي وصححه اللباني‪ .‬وأتى رجل ً إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله احملني قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪) :‬إنا‬
‫حاملوك على ولد ناقة ‪ ،‬قال ‪ :‬وما أصنع بولد الناقة فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ :‬وهل تلد البل إل النوق( ‪ .‬رواه أحمد و أبو داود وصححه‬
‫اللباني‪ .‬وعن أنس قال ‪) :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس‬
‫خلقا ‪ ،‬وكان لي أخ يقال له أبو عمير ‪ ،‬وكان إذا جاء قال ‪ :‬يا أبا عمير ما فعل‬
‫النغير ( رواه البخاري و مسلم ‪ .‬والنغير هو طائر صغير كان يلعب به‪ .‬وطعن‬
‫صلى الله عليه وسلم مرة أحد أصحابه بقضيب في يده مداعبة له ‪ ،‬فعن‬
‫أسيد بن حضير قال ‪) :‬بينما هو ‪ -‬يعني أسيد ‪ -‬يحدث القوم ‪ ،‬وكان فيه‬
‫مزاح ‪ ،‬يضحكهم ‪ ،‬فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬أصبرني ‪ -‬أي اجعلني اقتص منك ‪ ، -‬فقال ‪ :‬اصطبر ‪ ،‬قال ‪ :‬إن عليك‬
‫قميصا ‪ ،‬وليس علي قميص ‪ ،‬فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه ‪،‬‬
‫فاحتضنه ‪ ،‬وجعل يقبل كشحه ‪ -‬ما بين الخاصرة والضلع ‪ ، -‬قال إنما أردت‬
‫هذا يا رسول الله( رواه أبو داود ‪ ،‬وصححه اللباني‪ .‬وكان يبتسم صلى الله‬
‫عليه وسلم في وجوه أصحابه ‪ ،‬ويسمعهم الكلم الطيب ‪ ،‬ويتقبل شكواهم‬
‫بصدر رحب وأدب جم ‪ ،‬فعن جرير رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪) :‬ما حجبني النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ‪ ،‬ول رآني إل تبسم في وجهي ‪ ،‬ولقد‬
‫شكوت إليه إني ل أثبت على الخيل ‪ ،‬فضرب بيده في صدري وقال اللهم‬
‫ثبته ‪ ،‬واجعله هاديا مهديا( ‪ .‬رواه البخاري‪ .‬وكان صلى الله عليه وسلم يمزح‬
‫مع أقاربه ‪ ،‬فيأتي عليا ً ابن عمه وزوج ابنته ‪ ،‬وهو مضطجع في المسجد ‪ ،‬بعد‬
‫أن سأل عنه فاطمة رضي الله عنها ‪ ،‬فقالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني‬
‫فخرج ‪ ،‬فيقول له ‪) :‬قم أبا التراب قم أبا التراب( ‪ .‬رواه البخاري و مسلم‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما مزاحه مع أهله ‪ ،‬ومداعبته لزوجاته ‪ ،‬وبناته ‪ ،‬فكان لهم نصيب وافر من‬
‫خلقه العظيم في هذا الجانب المهم ‪ ،‬فكان يسابق عائشة رضي الله عنها ‪،‬‬
‫ويقر لعبها مع صواحبها فعنها رضي الله عنها قالت ‪) :‬كنت ألعب بالبنات عند‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي( ‪.‬‬
‫رواه البخاري ‪.‬‬
‫أما بالنسبة للصغار ‪ ،‬واعتنائه صلى الله عليه وسلم بهم‪ ،‬ومداعبته لهم ‪،‬‬
‫فيظهر واضحا ً جليا ً فيما ورد مع الحسن و الحسين رضي الله عنهما ‪ ،‬فعن‬
‫عبد الله بن شداد عن أبيه قال ‪) :‬خرج علينا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في إحدى صلتي العشاء ‪ ،‬وهو حامل حسنا أو حسينا ‪ ،‬فتقدم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ‪ ،‬ثم كبر للصلة فصلى ‪ ،‬فسجد بين‬
‫ظهراني صلته سجدة أطالها ‪ ،‬قال أبي‪ :‬فرفعت رأسي‪ ،‬وإذا الصبي على‬
‫ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهو ساجد ‪ ،‬فرجعت إلى سجودي ‪،‬‬
‫فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلة قال الناس ‪ :‬يا رسول‬
‫الله إنك سجدت بين ظهراني صلتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث‬
‫أمر ‪ ،‬أو أنه يوحى إليك ‪ ،‬قال ‪ :‬كل ذلك لم يكن ‪ ،‬ولكن ابني ارتحلني‬
‫فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته( ‪ .‬رواه أحمد و النسائي وصححه‬
‫اللباني‪ .‬ومن خلل ذلك يتبين مجال الفسحة في ديننا العظيم ‪ ،‬وأنه ل‬
‫تعارض بين الجد والمرح أحيانا ً ‪ ،‬وكما أن في ديننا السلمي غذاء للقلوب‬
‫والرواح ‪ ،‬وتوجيهات لما يصلح الجساد ‪ ،‬ففيه أيضا ً ما يروح عن النفوس ‪،‬‬
‫ويبعث فيها الفرح والسرور ‪ ،‬فالحمد لله على نعمة السلم‪.‬‬
‫زهده صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫الزهد في حقيقته هو العراض عن الشيء ‪ ،‬ول يطلق هذا الوصف إل على‬


‫من تيسر له أمر من المور فأعرض عنه وتركه زهدا فيه ‪ ,‬وأما من لم يتيسر‬
‫له ذلك فل يقال إنه زهد فيه ‪ ،‬ولذلك قال كثير من السلف ‪ :‬إن عمر بن عبد‬
‫العزيز كان أزهد من أويس رحمة على الله الجميع ‪ ،‬وقال مالك بن دينار عن‬
‫نفسه ‪ :‬الناس يقولون مالك زاهد ‪ ،‬إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬أي إنه‬
‫هو الزاهد حقيقة فإن الدنيا كانت بين يديه فلم يلتفت إليها‪ .‬وقد كان نبينا‬
‫صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا ‪ ,‬وأقلهم رغبة فيها ‪ ،‬مكتفيا ً منها‬
‫بالبلغ ‪ ،‬راضيا ً فيها بحياة الشظف ‪ ،‬ممتثل ً قول ربه عز وجل ‪ } :‬ول تمدن‬
‫عينيك إلى ما متعنا به أزواجا ً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك‬
‫خير وأبقى{ )طه ‪ ، (131‬مع أن الدنيا كانت بين يديه ‪ ،‬ومع أنه أكرم الخلق‬
‫على الله ‪ ،‬ولو شاء لجرى الله له الجبال ذهبا ً وفضة ‪.‬‬
‫وقد ذكر المام ابن كثير في تفسيره عن خيثمة أنه قيل للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬إن شئت أن نعطيك خزائن الرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبيا ً قبلك ‪,‬‬
‫ول نعطي أحدا ً من بعدك ‪ ،‬ول ينقص ذلك مما لك عند الله ‪ ,‬فقال ‪ :‬اجمعوها‬
‫لي في الخرة ‪ ،‬فأنزل الله عز وجل في ذلك ‪} :‬تبارك الذي إن شاء جعل‬
‫لك خيرا ً من ذلك جنات تجري من تحتها النهار ويجعل لك قصورا { )الفرقان‬
‫خّير صلى الله عليه وسلم بين أن يكون مِلكا ً نبيا ً أو عبدا ً رسول ً ‪،‬‬
‫‪ ، (10‬و ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فاختار أن يكون عبدا رسول‪ .‬وأما حياته صلى الله عليه وسلم ومعيشته‬
‫فعجب من العجب ‪ ،‬يقول أبو ذر رضي الله عنه ‪:‬كنت أمشي مع النبي صلى‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عليه وسلم في حرة المدينة ‪ ،‬فاستقبَلنا أحد ٌ ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬يا أبا ذر ‪ :‬قلت ‪:‬‬
‫لبيك يا رسول الله ‪ ،‬قال ‪ :‬ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا ‪ ،‬تمضي‬
‫علي ثالثة وعندي منه دينار ‪ ،‬إل شيئا ً أرصده لدين ‪ ،‬إل أن أقول به في عباد‬
‫الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ‪ ،‬ثم مشى فقال ‪:‬‬
‫إن الكثرين هم القلون يوم القيامة إل من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه‬
‫وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم ( ‪ .‬رواه البخاري ‪ ،‬وكان من دعائه صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪) :‬اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ‪ -‬وفي رواية ‪ -‬كفافا ( ‪،‬‬
‫ل وحصٍير‬ ‫ً‬
‫ودخل عليه عمر رضي الله عنه يوما ‪ ،‬فإذا هو مضطجع على رما ٍِ‬
‫ليس بينه وبينه فراش ‪ ،‬وقد أثر في جنبه ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬فرفعت بصري في‬
‫بيته ‪ ،‬فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ادع الله فليوسع على‬
‫أمتك ‪ ،‬فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم ل يعبدون الله ‪،‬‬
‫جلت لهم طيباتهم في‬ ‫فقال ‪ ) :‬أَوفي شك أنت يا ابن الخطاب ‪ ،‬أولئك قوم عُ ّ‬
‫الحياة الدنيا( ‪ ،‬وكان يقول ‪) :‬ما لي وللدنيا ‪ ،‬ما أنا في الدنيا إل كراكب‬
‫استظل تحت شجرة ‪ ،‬ثم راح وتركها ( ‪ ،‬وكان فراشه صلى الله عليه وسلم‬
‫من الجلد وحشوه من الليف‪ .‬وأما طعامه فقد كان يمر عليه الهلل ثم الهلل‬
‫ثم الهلل ‪ ،‬ثلثة أهلة ‪ ،‬وما توقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫نار ‪ ،‬وإنما هما السودان التمر والماء ‪ ،‬وربما ظل يومه يلتوي من شدة‬
‫دقل ‪ -‬وهو رديء التمر ‪ -‬ما يمل به بطنه ‪ ،‬وما شبع‬ ‫الجوع وما يجد من ال ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ثلثة أيام تباعا من خبز بر حتى قبض ‪ ،‬ولم يأكل صلى‬
‫خوان ‪ -‬وهو ما يوضع عليه الطعام ‪ -‬حتى مات‪ .‬ولم‬ ‫الله عليه وسلم على ِ‬
‫يترك صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ول دينارا ول عبدا ول أمة ول‬
‫شيئا إل بغلته البيضاء وسلحه وأرضا جعلها صدقة ‪ ،‬قالت عائشة رضي الله‬
‫عنها ‪ ":‬توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في رّفي من شيء يأكله‬
‫ي "‪ .‬إن ما‬ ‫ت منه حتى طال عل ّ‬ ‫ف لي ‪ ،‬فأكل ُ‬ ‫ذو كبد إل شطر شعير في ر ّ‬
‫ذكرناه في هذه العجالة هو شيء يسير من أخبار إمام الزاهدين وسيد‬
‫العابدين صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وغيرها كثير لم يذكر‪ ،‬وستظل هذه الخبار‬
‫شواهد صدق على نبوته وزهده وإيثاره ما عند الله عز وجل‪ ,‬وإن فيها دعوة‬
‫للمة وللجيال المؤمنة إلى الزهد في الدنيا والحذر من فتنتها‪ ،‬فلو كانت‬
‫الدنيا دليل محبة الله لصاحبها‪ ،‬لفاز بها خير الخلق وأكرمهم على الله‪,‬‬
‫فصلوات الله وسلمه على خاتم النبيين وإمام المتقين ‪.‬‬
‫عدل النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫العدل خلق كريم وصفة عظيمة جليلة ‪ ،‬محببة إلى النفوس ‪ ،‬تبعث المل‬
‫لدى المظلومين ‪ ،‬ويحسب لها الظالمون ألف حساب ‪ ،‬فالعدل يعيد المور‬
‫إلى نصابها ‪ ،‬وبه تؤدى الحقوق لصحابها ‪ ،‬به يسعد الناس ‪ ،‬وتستقيم الحياة ‪،‬‬
‫ما وجد العدل في قوم إل سعدوا ‪ ،‬وما فقد عند آخرين إل شقوا‬
‫العدل خلق العظماء ‪ ،‬وصفة التقياء ‪ ،‬ودأب الصالحين ‪ ،‬وطريق الفلح‬
‫للمؤمنين في الدنيا ويوم الدين ‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫تحلى به النبياء والصالحون والقادة والمربون ‪ ،‬وكان أعظمهم في ذلك‬


‫‪،‬وأكثرهم قدرا ً ونصيبا ً سيد العالمين ‪ ،‬وخاتم الرسل أجمعين ‪ ،‬محمد بن‬
‫عبدالله عليه أفضل صلة وأزكى تسليم‪ .‬فالعدل خلق من أخلقه ‪ ،‬ضمن‬
‫شمائله العظيمة ‪ ،‬وصفاته الجليلة ‪ ،‬عدل في تعامله مع ربه جل وعل ‪ ،‬وعدل‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في تعامله مع نفسه ‪ ،‬وعدل في تعامله مع الخرين ‪ ،‬من قريب أوبعيد ‪ ،‬ومن‬
‫صاحب أو صديق ‪ ،‬ومن موافق أو مخالف ‪ ،‬حتى العدو المكابر‪ ،‬له نصيب من‬
‫عدله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكيف ل يعدل من خوطب بقول واضح مبين‪،‬‬
‫}يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ول يجرمنكم شنآن قوم‬
‫على أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون{‬
‫)المائدة‪ ، (8:‬فكان يمتثل أمر الله عز وجل في كل شأن من شؤونه ‪ ،‬مع‬
‫أصحابه وأعدائه ‪ ،‬آخذا ً بالعدل مع الجميع‪ .‬يعترض عليه القوم ويخطئ في‬
‫حقه أناس ‪ ،‬فل يتخلى عن العدل ‪ ،‬بل يعفو ويصفح ‪ ،‬كما في حادثة يرويها‬
‫أبو سعيد الخدري قال‪ :‬بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقسمها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بين أربعة نفر‪ ،‬القرع بن حابس الحنظلي‪ ،‬و عيينة بن بدر الفزاري‪ ،‬و‬
‫علقمة بن علثة العامري‪ ،‬ثم أحد بني كلب‪ ،‬و زيد الخير الطائي‪ ،‬ثم أحد بني‬
‫نبهان‪ ،‬فغضبت قريش‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أتعطي صناديد نجد وتدعنا ‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪) :‬إني إنما فعلت ذلك لتألفهم ‪ ،‬فجاء رجل كث اللحية‬
‫مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس ‪ ،‬فقال اتق الله يا‬
‫محمد ‪ ،‬قال ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬فمن يطع الله إن‬
‫عصيته‪ ،‬أيأمنني على أهل الرض ‪ ،‬ول تأمنوني ( رواه البخاري و مسلم‪.‬‬
‫ويظهر هذا الخلق العظيم منه صلى الله عليه وسلم في أبهى صورة ‪ ،‬عندما‬
‫يطلب ممن ظن أنه أخطأ في حقه ‪ ،‬أن يستوفي حقه ‪ ،‬بالقود منه ‪ ،‬فعن‬
‫أبي سعيد الخدري قال )بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئا ‪،‬‬
‫أقبل رجل فأكب عليه ‪ ،‬فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون‬
‫كان معه ‪ ،‬فخرج الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬تعال‬
‫فاستقد ‪ ،‬قال ‪ :‬بل قد عفوت يا رسول الله( رواه النسائي ‪ .‬والعدل ملزم‬
‫للرسول صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله ‪ ،‬فهو يكره التميز على‬
‫أصحابه ‪ ،‬بل يحب العدل والمساواة ‪ ،‬وتحمل المشاق والمتاعب مثلهم ‪،‬‬
‫فعن عبد الله بن مسعود قال )كنا يوم بدر كل ثلثة على بعير‪ ،‬وكان أبو لبابة‬
‫و علي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال‪ :‬وكانت‬
‫عقبة ‪-‬دور‪ -‬رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬نحن نمشي عنك‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ما أنتما بأقوى مني ‪ ،‬ول أنا بأغنى عن الجر منكما( رواه أحمد في‬
‫مسنده‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ولم ينشغل صلى الله عليه وسلم بالدولة وقيادتها ‪ ،‬والغزوات وكثرتها ‪ ،‬عن‬
‫ممارسة العدل في نطاق السرة الكريمة ‪ ،‬وبين زوجاته أمهات المؤمنين ‪،‬‬
‫فقد )كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول اللهم هذه قسمتي فيما أملك فل‬
‫تلمني فيما تملك ول أملك ( رواه الترمذي وفيه ضعف ‪ ،‬ومعنى قوله ل‬
‫تلمني فيما تملك ول أملك‪ ،‬أي الحب والمودة القلبية ‪ ،‬كما قال أهل العلم‪.‬‬
‫وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت ‪) :‬كان رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ‪ ،‬فأيتهن خرج سهمها‬
‫خرج بها( رواه البخاري و مسلم‪ .‬فعن أنس قال ) أهدت بعض أزواج النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم طعاما في قصعة ‪،‬‬
‫فضربت عائشة القصعة بيدها‪ ،‬فألقت ما فيها‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬طعام بطعام ‪ ،‬وإناء بإناء( رواه الترمذي وحسنه ‪ ،‬والحديث في‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البخاري بلفظ آخر‪ .‬وفي قضائه بين المتخاصمين كان عادل ً صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬بعيدا ً عن الحيف والظلم ‪ ،‬فعن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة‬
‫للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته )فقضى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم على أهل الموال حفظها بالنهار ‪ ،‬وعلى أهل المواشي حفظها‬
‫بالليل( رواه أحمد‪ .‬وكان صلى الله عليه وسلم ل يرضى تعطيل حدود الله ‪،‬‬
‫التي شرعها سبحانه لقامة العدل بين الناس ‪ ،‬ولو كان الجاني من أقربائه‬
‫وأحبابه ‪ ،‬ففي حادثة المرأة المخزومية التي سرقت لم يقبل شفاعة أسامة ‪،‬‬
‫وقال مقالته المشهورة ‪ ) :‬أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا‬
‫سرق فيهم الشريف تركوه ‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ‪،‬‬
‫وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها( رواه البخاري و‬
‫مسلم‪ .‬وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالعدل في المور ‪ ،‬وعدم‬
‫تغليب جانب على حساب آخر ‪ ،‬وإنما الموازنة وإعطاء كل ذي حق حقه ‪،‬‬
‫فقال ‪) :‬يا عبد الله بن عمرو بلغني أنك تصوم النهار ‪ ،‬وتقوم الليل فل تفعل ‪،‬‬
‫فإن لجسدك عليك حظا ‪ ،‬ولعينك عليك حظا ‪ ،‬وإن لزوجك عليك حظا( رواه‬
‫مسلم‪ .‬وبهذا الخلق العظيم ‪ ،‬والدب الرفيع ‪ ،‬استطاع صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬أن يلفت النظار نحوه ‪ ،‬ويحرك المشاعر والحاسيس إلى مبادئه‬
‫العظيمة ‪ ،‬ويرسم منهاجا ً فريدا ً لخير أمة أخرجت للناس ‪ ،‬تحمل العدل إلى‬
‫الناس أجمعين ‪ ،‬وتبدد به ظلمات القهر والظلم ‪... ... ... ... .‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫الشمائل النبوية آثاٌر وأخباٌر د‪ .‬محمد عمر دولة*‬


‫ل الله المين‪ ،‬وعلى آِله‬ ‫ب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على رسو ِ‬ ‫الحمد لله ر ّ‬
‫ص وأخبار‪ ،‬وإنما‬ ‫ل النبوية مجرد َ قص ٍ‬ ‫وصحِبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪ ،‬فليست الشمائ ُ‬
‫ب الصالحين تتّبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ت وآثاٌر‪ ،‬وما زال دأ ُ‬ ‫نفحا ٌ‬
‫ملية‪.‬‬ ‫الِعلمية والعَ َ‬
‫ج البخاري رحمه الله في كتاب الحج )باب قول النبي صلى الله عليه‬ ‫وقد أخر َ‬
‫مباَرك( عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم‪:‬‬ ‫وسلم‪ :‬العقيقُ واد ٍ ُ‬
‫س‬
‫معَّر َ‬ ‫خ يتحّرى ُ‬ ‫مناِخ الذي كان عبد الله ي ُِني ُ‬ ‫خى بال ُ‬ ‫)قد أناخ بنا سالم يتو ّ‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم وهو أسفل من المسجد الذي ببطن‬ ‫رسو ِ‬
‫الوادي(‪.‬‬
‫ه‬
‫ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫مزا‬ ‫ّ‬
‫ط‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫الحبا‬ ‫عن‬ ‫ب‬‫َ ّ‬ ‫ص‬ ‫**‬ ‫ه‬
‫ُ ُ‬ ‫ر‬‫تذكا‬ ‫َ َ‬‫جه‬ ‫فها‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫العقي‬ ‫َذكَر‬
‫مت بين الجوان ِِح ناُرهُ‬ ‫ضّر َ‬ ‫سلٍع نوازعُ قلب ِهِ ** فت َ َ‬ ‫فت إلى َ‬ ‫وهَ َ‬
‫ه!‬ ‫عراُر ُ‬ ‫حجازِ وَرن ْد ُهُ و َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫ه ** با ُ‬ ‫لول هواه ُ َلما َثنت أعطافَ ُ‬
‫ُ‬
‫م القرى(‪:‬‬ ‫صد ِ أ ّ‬ ‫قرى لقا ِ‬ ‫ن قوَله في )ال ِ‬ ‫ب الطبري ما أحس َ‬ ‫حم الله المح ّ‬ ‫وَر ِ‬
‫ه‬
‫صلت ِ ِ‬
‫ة َ‬‫مظ ِن ّ ُ‬ ‫ن التي هي َ‬ ‫صلت ِهِ الماك َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫صد َ آثاَر الّنبوّةِ أن ي َعُ ّ‬ ‫من قَ َ‬ ‫"ينبغي ل ِ َ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ّ‬ ‫صلى الن ّب ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫فَر ب ِ ُ‬ ‫ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم فيها؛ رجاَء أن ي َظ َ‬
‫ن‪:‬‬ ‫ل مكا ٍ‬ ‫من ك ّ‬ ‫وسلم ِ‬
‫ت‬‫حل ِ‬ ‫ّ‬ ‫ث َ‬ ‫زل حي ُ‬ ‫صي ْكما ثم ان ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قل ** قَلو َ‬ ‫عزةَ فاعْ ِ‬ ‫ي هذا َربعُ َ‬ ‫خليل ّ‬
‫ت‬ ‫ّ‬
‫ت وظل ِ‬ ‫َ‬ ‫ث بات َ ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫س ذيلها ** وبْيتا وظ ِل حي ُ‬ ‫َ‬ ‫م ّ‬ ‫ً‬
‫سا ترابا طّيبا َ‬‫ً‬ ‫م ّ‬ ‫و ُ‬
‫ت"]‪[1‬‬ ‫صل ِ‬ ‫ّ‬ ‫ث َ‬ ‫ّ‬
‫ول تْيأسا أن يعفوَ الله عْنكما** إذا أنُتما صلي ُْتما حي ُ‬
‫حت في أرجائها‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم وفا َ‬ ‫م النب ّ‬ ‫ض قد َوطئتها أقدا ُ‬ ‫فهذه الر ُ‬
‫جنباِتها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة‬ ‫سه الطاهرة‪ ,‬وسار في َ‬ ‫أنفا ُ‬
‫والزبير رضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سم ِ‬‫مّر الّرياِح الَنوا ِ‬ ‫طيِبها َ‬ ‫م حتى يدل ِّني ** على ِ‬ ‫ف العل َ‬ ‫وأستشر ُ‬
‫م!‬
‫مّر على تلك الّرَبى والمعال ِ ِ‬ ‫ح إل لّنها** ت َ ُ‬ ‫م الروا َ‬ ‫وما أنس ُ‬
‫ن دقيق العيد حيث قال‪:‬‬ ‫حم الله اب َ‬ ‫وَر ِ‬
‫سرى‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫َ ِ‬ ‫و‬ ‫سير‬ ‫َ ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫تك‬ ‫ي‬ ‫د‬
‫ْ َ ْ َُْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ا‬ ‫**‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫مر‬ ‫ُ ّ‬ ‫مش‬ ‫الحجاز‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫نح‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫سائر‬ ‫يا‬
‫مك َّررا‬ ‫ب ُ‬ ‫حبي ِ‬ ‫عد ْ ل ََها ذِك َْر ال َ‬ ‫ب تارةً ** فأ ِ‬ ‫ب الركائ ُ‬ ‫ت الّنج ُ‬ ‫ن ك َل ّ ِ‬ ‫إ ْ‬
‫قَرى‬ ‫م ال ُ‬ ‫حمى أ ّ‬ ‫ن ** وادي قباَء إ َِلى ِ‬ ‫من ل َد ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫مناهِ ِ‬ ‫ل وال َ‬ ‫ف بالمناز ِ‬ ‫قِ ْ‬
‫فر الث َّرى‬ ‫ك ِفي ع َ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ً‬
‫مَتشّرفا َ‬ ‫ضعْ ب َِها ** ُ‬ ‫خ آثاَر الّنبي فَ َ‬ ‫وتوَ ّ‬
‫ً‬
‫ت عَلى الفاق ُنورا ن َوَّرا‬ ‫َ‬ ‫شر ْ‬ ‫ي الِتي ** ن َ َ‬ ‫ّ‬ ‫مهاب ِط الوح ِ‬ ‫َ‬ ‫ت َ‬ ‫َوإَذا َرأي َ‬
‫ي الّزمان ول ُيرى‬ ‫ت ِفي ماض َ‬ ‫كن َ‬ ‫مذ ْ ُ‬ ‫شِبيهََها ** ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ما َرأي َ‬ ‫ك َ‬ ‫م بأن ّ َ‬ ‫فاعل َ ْ‬
‫خّبرا‬‫م َ‬ ‫ب السماِء ُ‬ ‫ل عن ر ّ‬ ‫جْبري ُ‬ ‫ل ب َي َْنها ** ِ‬ ‫شرفا ً لمكنةٍ ت َن َّز َ‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مؤَّثرا‬ ‫مؤّثرا و ُ‬ ‫ل ُ‬ ‫جما َ‬ ‫دي ال َ‬ ‫ن َبهجةٍ ** أف ِ‬ ‫ه بأحس ِ‬ ‫ت عن ُ‬ ‫فَت َأث َّر ْ‬
‫ضَرا‬ ‫ح ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ديا ُ‬ ‫ً‬ ‫مَتب ّ‬ ‫ريِبها ُ‬ ‫ها ** وقَ ِ‬ ‫ن ب َِعيدِ َ‬ ‫مختاُر ب َي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫فترد ّد َ ال ُ‬
‫ت‬‫ن قدامة حيث قال رحمه الله‪" :‬أما المدينة الشريفة‪ ،‬فإذا لح ْ‬ ‫ولله دّر اب ِ‬
‫إليك فتذك ّْر أنها البلدة ُ التي اختارها الله لنبي ّهِ محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ل‬‫سك مواضعَ أقدام ِ رسو ِ‬ ‫ل في نف ِ‬ ‫وشرع إليها هجرته وجعل فيها ُتربَته‪ ،‬ثم مث ّ ْ‬
‫عه وسكينَته؛ فإذا‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم عند ترد ّدِهِ فيها وتصوّْر خشو َ‬
‫ه الكريمة‬ ‫ُ َ ُ‬‫ت‬ ‫صور‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫مهِ والهيبةِ له‪ ،‬وم‬ ‫ضْر قلَبك لتعظي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ت زيارة َ القبرِ فأ ْ‬ ‫قصد َ‬
‫م‬
‫م أنه عال ِ ٌ‬ ‫م عليه‪ ،‬واعل ْ‬ ‫سل ّ ْ‬ ‫م مرتبت ِهِ في قلِبك‪ ،‬ثم َ‬ ‫ضْر عظي َ‬ ‫في خياِلك‪ ،‬واستح ِ‬
‫ك كما ورد َ في الحديث"‪[2].‬‬ ‫م َ‬ ‫بحضوِرك وتسلي ِ‬
‫ن الصباغ حيث قال‪:‬‬ ‫حم الله اب َ َ‬ ‫وَر ِ‬
‫خلفاُء والبراُر!‬ ‫ْ‬
‫حمد ُ ** والسادةُ ال ُ‬ ‫ل فيها أ ْ‬ ‫يا ربعَ دارٍ ح ّ‬
‫دراُر!‬ ‫م ْ‬ ‫حها ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ن َ‬ ‫عي ٍ‬ ‫موِع َ‬ ‫مّرٍغ ** ود ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫خد ّ في َثراك ُ‬ ‫من لي ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫ب الجوانِح ناُر!‬ ‫ِ َ ُ ِ‬ ‫هو‬ ‫مل‬ ‫ح‬ ‫لف‬ ‫َ‬ ‫من‬ ‫**‬ ‫بها‬ ‫فى‬ ‫َ‬ ‫يط‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫نظر‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫لمح‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫َ‬
‫ب َبراه ُأواُر!‬ ‫ص ّ‬ ‫َ‬ ‫به‬ ‫فى‬ ‫َ‬ ‫يش‬ ‫ُ‬ ‫**‬ ‫ده‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫عذ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫مور‬ ‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫جَنباِته آثاُر!‬ ‫ي في َ‬ ‫َ ِ‬ ‫وح‬ ‫لل‬
‫ِ‬ ‫**‬ ‫ل‬
‫ٍ‬ ‫نز‬‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫بزور‬ ‫ظى‬ ‫َ‬ ‫أح‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫من ِلي بأ‬ ‫َ‬
‫عناَء الخطارِ وَوعثاَء السفار‪،‬‬ ‫وقد كان علماُء المسلمين وُفضلؤهم يتحملون َ‬
‫ل الحطاب‬ ‫سهم عن زيارةِ النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬كما نق َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ول يرغبون بأن ُ‬
‫خمي‬ ‫ّ‬
‫خنا أبي الحسن الل ْ‬ ‫س شي ِ‬ ‫مل مجل ُ‬ ‫َ‬ ‫عن المازري رحمهما الله‪" :‬لقد عُ ِ‬
‫من تلمذِته وهم يتكلمون على هذه‬‫ّ‬ ‫بصفاقص]‪ [3‬وحوَله جمعٌ من أهل العلم ِ‬
‫ف‬‫متوقّ ٍ‬ ‫من ُ‬ ‫طو ِ‬ ‫ل بالسقا ِ‬ ‫المسألة فأكثروا القول والتنازع فيها‪ :‬فمن قائ ٍ‬
‫س الشيخ أبو‬ ‫م‪ ،‬وكان معنا في المجل ِ‬ ‫خ رحمه الله ل يتكل ّ ُ‬ ‫ت‪ ،‬والشي ُ‬ ‫صام ٍ‬
‫ب الشي َ‬
‫خ‬ ‫سه في الحلقة‪ ،‬وخاط َ‬ ‫ل رأ َ‬ ‫صْرناه‪ .‬فأدخ َ‬ ‫كنا ما أب َ‬ ‫الطّيب الواعظ‪ ،‬و ُ‬
‫الّلخمي‪ ،‬وقال‪ :‬يا مولي الشيخ‬
‫ك دمي!‬ ‫سف ِ‬ ‫ت نظرة ٌ منهم ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫مراِدهم ** فما غَل ْ‬ ‫صى ُ‬ ‫ك دمي أق َ‬ ‫سف ُ‬ ‫ن كان َ‬ ‫إ ْ‬
‫ن اللخمي هذه الشارة"‪[4].‬‬ ‫ّ‬ ‫فاسَتحس َ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫ة أربٍع‬ ‫جوا سن َ‬ ‫ح ّ‬‫ن وفدا ً من العراقّيين َ‬‫ن كثير رحمه الله أ ّ‬ ‫ف ما رواه اب ُ‬‫وما ألط َ‬
‫ّ‬
‫وتسعين وثلثمائة وكانوا يخافون قُطاعَ الطريق‪ ،‬ومعهما قارئان من أحس ِ‬
‫ن‬
‫م على الَعودِ سريعا ً إلى بغداد على‬ ‫عز َ‬
‫ق َ‬ ‫صوتًا‪" ،‬وقد كان أميُر العرا ِ‬ ‫الناس َ‬
‫ً‬
‫ن ل يسيروا إلى المدينة النبوّية؛ خوفا من‬ ‫قهم التي جاؤوا منها‪ ،‬وأ ٍ‬ ‫طري ِ‬
‫ف هذان الرجلن القارئان على جاّدة‬ ‫العراب‪ ...‬فشقّ ذلك على الناس‪ ،‬فوق َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق التي منها ُيعد َ ُ‬
‫م ْ‬ ‫دين َةِ وَ َ‬
‫م ِ‬
‫ل ال َ‬ ‫ن ِلهْ ِ‬
‫ما كا َ‬
‫ل إلى المدينة النبوّية‪ ،‬وقرءا‪َ :‬‬ ‫الطري ِ‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه‬
‫س ِ‬‫ف ِ‬‫عن ن ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل الل ّهِ وَل َ ي َْرغَُبوا ْ ب َِأن ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫عن ّر ُ‬ ‫فوا ْ َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫ب َأن ي َت َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ال َعَْرا‬ ‫م َ‬ ‫حوْل َُهم ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل اللهِ وَل ي َط ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ؤو َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫م َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب وَل َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫مأ وَل ن َ َ‬ ‫مظ َ‬ ‫صيب ُهُ ْ‬ ‫م ل يُ ِ‬ ‫ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ْ‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫صال ِ ٌ‬ ‫مل َ‬ ‫ٌ‬ ‫ب لُهم ب ِهِ عَ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن عَد ُوّ ن ّي ْل إ ِل كت ِ َ‬ ‫ً‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫فاَر وَل ي ََنالو َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫طئا ً ي َِغيظ الك ّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫س بالبكاء‪ ،‬وأمالت‬ ‫النا‬ ‫ج‬ ‫فض‬ ‫(‪.‬‬ ‫‪120‬‬ ‫)التوبة‬ ‫اليات‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫ضي‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ْ ِ ِ َ‬ ‫ُ ِ ُ ْ َ‬
‫س بأجمعهم والمير إلى المدينة النبوّية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫النا‬ ‫فمال‬ ‫نحوهما؛‬ ‫أعناقها‬ ‫النوقُ‬
‫فزاروا وعادوا سالمين إلى بلدهم"‪[5].‬‬
‫كم ِإذا لم ت ُد ِْننا الداُر؟‬ ‫َ‬ ‫هل ِلذاك الَعهد ِ َتذكاُر ** ُيدِني إَلي ُ‬ ‫َأحباَبنا َ‬
‫ُ‬
‫كم جاُر!‬ ‫من ب َعْدِ ُ‬ ‫ن ** َيوما ً َول راَقنا ِ‬ ‫ٌ‬ ‫سك َ‬ ‫كم َ‬ ‫س ُ‬ ‫من أن ْ ِ‬ ‫ِبنُتم فََلم ي ُغِْننا ِ‬
‫ل َأوطاُر‬ ‫غير جمع ال َّ‬
‫شم ِ‬ ‫ِ‬ ‫رنا** َوما َلها َ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫خواط ِ‬ ‫ت في َ‬ ‫مَنى ساِنحا ٍ‬ ‫َتجري ال ْ ُ‬
‫ث وََأسراُر‬ ‫كم َأحادي ٌ‬ ‫من ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫قل ِ‬ ‫ت ** في ال َ‬ ‫ح ْ‬ ‫طع الُبعد ُ َنجوانا َوما ب َرِ َ‬ ‫َقد قَ ّ‬
‫َ‬ ‫قت ربَعكم ِلل َّ‬ ‫م لَ ُ‬
‫دمِع أمطاُر‬ ‫س َ ْ َ‬ ‫كم ** وََقد َ‬ ‫سقي الَغما َ‬ ‫ت في الّربِع َنست َ ْ‬ ‫َنبي ُ‬
‫م وَأنُتم فيهِ ُزّواُر؟‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه ** فَهَ ْ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫ل َنراك ْ‬ ‫حقّ عَلينا وَِإن ِغبُتم َزيارت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل أستاُر‬ ‫ت اللي ِ‬ ‫من ظلما ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل ِإذا ** واَرت ْ ُ‬ ‫خيا َ‬ ‫ه ال َ‬ ‫عن ُ‬ ‫سلوا َ‬ ‫ما الكرى فَ َ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫دمِع آثاُر!‬ ‫ش ال َ‬ ‫من َرشا ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫حتى َيعود وََقد ** أصاب َ ُ‬ ‫حوِلنا َ‬ ‫من َ‬ ‫ف ِ‬ ‫َيطو ُ‬
‫ب‬
‫ح ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫ن ذلك من علما ِ‬ ‫ن إلى زيارةِ طْيبة الطّيبة؛ فإ ّ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وليت شعري من ل ي َ ِ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما قال القاضي عياض رحمه الله‪" :‬ومن‬ ‫النب ِ ّ‬
‫كة‬‫من م ّ‬ ‫ته‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ده‬ ‫ه‬ ‫مشا‬ ‫م‬ ‫وإكرا‬ ‫به‪،‬‬ ‫أسبا‬ ‫ع‬ ‫جمي‬ ‫م‬ ‫إعظا‬ ‫ره‬ ‫وإكبا‬ ‫إعظامه‬
‫ْ َِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ت أن‬ ‫ُ ّ ُ‬ ‫دث‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫به‪...‬‬ ‫عرف‬ ‫ُ‬ ‫أو‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫سه‬ ‫ِ َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫وما‬ ‫ده‬ ‫ِ‬ ‫معاه‬ ‫والمدينة و َ‬
‫ل‬ ‫ج َ‬ ‫أبا الفضل الفضل الجوهري لما ورد المدية زائرا ً وقرب من بيوِتها تر ّ‬
‫شدًا‪:‬‬ ‫من ِ‬ ‫ومشى باكيا ً ُ‬
‫سوم ول ُلبا!ّ‬ ‫من لم ي َد َع ْ لنا** ُفؤادا ل ِعِْرفا ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ول َ ّ‬
‫ن الّر ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ما رأينا َر ْ‬
‫كبا!‬ ‫م ب ِهِ َر ْ‬ ‫ن عنه أن ن ُل ِ ّ‬ ‫من با َ‬ ‫ة** ل ِ َ‬ ‫شي كرام ً‬ ‫كوارِ َنم ِ‬ ‫نَزْلنا عن ال ْ‬
‫ل وميكائيل‪،‬‬ ‫زيل‪ ،‬وترّدد بها جبري ُ‬ ‫ي والتن ْ ِ‬ ‫وح ِ‬ ‫ت بال َ‬ ‫مَر ْ‬ ‫ن عُ ّ‬ ‫مواط ِ َ‬ ‫ديٌر ل ِ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫‪ ...‬و َ‬
‫س والتسبيح‪،‬‬ ‫جت عََرصاُتها بالتقدي ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫ة والّروح‪ ،‬و َ‬ ‫ت منها الملئك ُ‬ ‫وعَرج ْ‬
‫ة‬
‫سن ّ ِ‬ ‫ن الله و ُ‬ ‫من دي ِ‬ ‫سدِ سي ّدِ البشر‪ ،‬وانَتشَر عنها ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ت ت ُْرب َُتها على َ‬ ‫مل َ ْ‬ ‫واشت َ‬
‫ل‬ ‫مشاهِد ُ الفضائ ِ‬ ‫صلوات‪ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫جد ُ و َ‬ ‫س آيات‪ ،‬ومسا ِ‬ ‫شر! مدارِ ُ‬ ‫رسوِله ما انت َ‬
‫عُر‬ ‫مشا ِ‬ ‫دين‪ ،‬و َ‬ ‫سك ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫منا ِ‬ ‫جزات‪ ،‬و َ‬ ‫ن والمع ِ‬ ‫معاهِد ُ البراهي ِ‬ ‫والخيرات‪ ،‬و َ‬
‫فجَرت‬ ‫ث ان َ‬ ‫وأ خات َم ِ النبّيين! حي ُ‬ ‫متب ّ‬ ‫سِلين‪ ،‬و ُ‬ ‫ف سي ّدِ المر َ‬ ‫المسلمين‪ ،‬ومواق ُ‬
‫س جلد َ‬ ‫ضم ّ‬ ‫ط الرسالة‪ ،‬وأول أر ٍ‬ ‫ُ‬ ‫مهب ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مواط ِ ُ‬ ‫عباُبها‪ ،‬و َ‬ ‫ض ُ‬ ‫وة‪ ،‬وأين فا َ‬ ‫الّنب ّ‬
‫عها‬ ‫ُ ّ ُ ُ ُ‬ ‫بو‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫تق‬ ‫و‬ ‫تها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫نفحا‬ ‫سم‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫ن‬ ‫تت‬ ‫و‬ ‫عرصاتها‪،‬‬ ‫ظم‬ ‫ّ‬ ‫تع‬ ‫ُ‬ ‫أن‬ ‫بها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ترا‬ ‫المصطفى‬
‫دراُنها‪:‬‬ ‫ج ُ‬ ‫و ُ‬
‫ت‬ ‫ص باليا ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫مو ُ‬ ‫من به ** هُدِيَ النا ُ‬ ‫سِلين و َ‬ ‫خيرِ المر َ‬ ‫يا داَر َ‬
‫ت!‬ ‫مرا ِ‬ ‫متوَقّد ُ الج َ‬ ‫شوّقٌ ُ‬ ‫ة ** وت َ َ‬ ‫صباب ٌ‬ ‫ةو َ‬ ‫وع ٌ‬ ‫عندي لجِلك ل َ ْ‬
‫ت!‬ ‫ن والعََرصا ِ‬ ‫درا ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫من ِتلك ُ ُ‬ ‫ري** ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫محا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫مل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ي عَهْد ٌ إ ْ‬ ‫وعَل َ ّ‬
‫ت!‬ ‫شفا ِ‬ ‫ل والّر َ‬ ‫كثرةِ التقِبي ِ‬ ‫من َ‬ ‫شي ِْبي بيَنها ** ِ‬ ‫ن َ‬ ‫صو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن َ‬ ‫فَر ّ‬ ‫ل ُعَ ّ‬
‫ت!‬ ‫جنا ِ‬ ‫حبا ً على الوَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫لول الَعوادي والعادي ُزرُتها** أبدا ً ولو َ‬
‫ُ‬
‫ت‬ ‫جرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن تلك الدارِ وال ْ ُ‬ ‫طي ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ل تحي ِّتي ** ل ِ َ‬ ‫في ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫دي من َ‬ ‫ن سأهْ ِ‬ ‫ل َك ِ ْ‬
‫ت"]‪[6‬‬ ‫كرا ِ‬ ‫ل والب ُ ُ‬ ‫ة** تغشاهُ بالصا ِ‬ ‫ق نفح ً‬ ‫ك المفت ّ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كى من ال ْ ِ‬ ‫أْز َ‬
‫ن والشواق والثارِ والخبار‪،‬‬ ‫صرةً على الحني ِ‬ ‫ل ليست قا ِ‬ ‫ن الشمائ َ‬ ‫ول يخفى أ ّ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ل ِإن كنت ُ ْ‬ ‫ل‪ :‬قُ ْ‬ ‫ل الّتباع َ واكتساب الخلق‪ ،‬كما قال الله عّز وج ّ‬ ‫بل تشم ُ‬
‫م )آل‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫َ‬
‫هغ ُ‬ ‫م َوالل ُ‬‫ّ‬ ‫ُ‬
‫م ذ ُُنوب َك ْ‬ ‫فْر لك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫حب ِب ْك ُ‬ ‫ه فات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫تُ ِ‬
‫عمران ‪ ..(31‬والحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وعلى آِله‬
‫من واله‪.‬‬ ‫وصحِبه و َ‬
‫‪---------------------------‬‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [1‬القرى لقاصد أم القرى ص ‪.350‬‬


‫]‪ [2‬مختصر منهاج القاصدين ص ‪.50‬‬
‫سب إليها علي النوري الصفاقصي صاحب‬ ‫]‪ [3‬مدينة من مدن تونس‪ُ ،‬ين َ‬
‫)غيث النفع في القراءات السبع(‪.‬‬
‫]‪ [4‬مواهب الجليل للحطاب ‪ .498-2/497‬دار الفكر بيروت‪ .‬ط ‪.1398 .2‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫]‪ [5‬البداية والنهاية لبن كثير ‪ .6/406‬دار المعرفة بيروت‪ .‬ط ‪1419 -4‬هـ‪.‬‬
‫ت هذه القصة في )الشمائل حنين وأشواق(‪ ،‬وكّررتها هنا في‬ ‫وقد ذكر ُ‬
‫)الشمائل آثاٌر وأخبار(؛ لمناسبة القصة للمقالتين‪.‬‬
‫]‪ [6‬الشفا ص ‪.262-260‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الشهداء بروج هادية طارق مصطفى حميدة*‬


‫تتحدث سورة البروج عن ظروف صعبة عاشها دعاة التوحيد‪ ،‬في مكة زمن‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬وأصحابه رضي الله عنهم‪ ،‬ومن قبلهم‬
‫المؤمنون السابقون أصحاب قصة الخدود‪.‬‬
‫وتحكي عن حالة ظلمة حالكة في ليل بهيم‪ ،‬ل يكاد الواحد يرى موضع قدمه‪،‬‬
‫وتصف كيف اشتد الذى بالمسلمين حتى نشروا بالمناشير‪ ،‬وحّرقوا في‬
‫الخاديد‪.‬‬
‫س المؤمنة والمستضعفة‬ ‫وحيث يعم الظلم والظلم‪ ،‬ويلف النفو َ‬
‫مشاعرالحزن والكآبة‪ ،‬حزنا ً على الذين دفنوا تحت التراب من حملة مشاعل‬
‫اليمان‪ ،‬وخوفا ً على النفس‪ ،‬وقلقا ً على مصير دين الله‪ ،‬مما يلقيه أتباعه‬
‫على أيدي أعدائه‪.‬‬
‫ً‬
‫عند ذلك كله يقسم الله تعالى بالسماء ذات البروج‪ ،‬مطمئنا المؤمنين أن‬
‫دين الله في سماء عالية ذات بروج حصينة‪ ،‬وأن الكفرة من أعداء الدين‪،‬‬
‫ليسوا أكثر من أقزام ينفخون على الشمس ليطفئوها‪ ،‬أو يصعدون "السللم"‬
‫لينزلوها‪ .‬ولهذا يأتي ختام السورة مطمئنا ً المؤمنين أن هذا القرآن في مأمن‪،‬‬
‫من أن تصل إليه أي يد بإحراق أو إلغاء أو إنقاص‪ ،‬فإنه )قرآن مجيد في لوح‬
‫محفوظ(‪.‬‬
‫وتبرز هذه السورة عظمة الجريمة بتحريق المؤمنين‪ ،‬وتكشف عن سببها‬
‫"وما نقموا منهم إل أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" ‪ .‬فالكفار لغبائهم‬
‫يتحرشون بالذين آمنوا بالله )العزيز( الذي تأبى عزته أن يترك عباده لعدائه‪،‬‬
‫وإن كان يمهلهم أن يتوبوا حتى بعد أن فتنوا المؤمنين والمؤمنات‪ ...‬فيبشر‬
‫المؤمنين بجنته‪ ،‬وينذر الكفار ناره وبطشته‪.‬‬
‫ولعل في لفت النظار إلى السماء ذات البروج في جو الظلم البهيم‪ ،‬ما‬
‫يرقى بأبصار المؤمنين إلى السماء لترى البروج الجميلة‪ ،‬فتزول عنها مشاعر‬
‫الكآبة والحزن والنكسار‪ ،‬كيف ل وقد قال رب العزة "ولقد جعلنا في السماء‬
‫بروجا ً وزيناها للناظرين" إن هذه البروج زينة وبهجة للنفوس‪ ،‬وسعادة‬
‫للقلوب وشرح للصدور‪ ،‬ولكن شريطة أن تجد لها جماعة من الناظرين‪.‬‬
‫فتنشط نفوسهم من جديد لعمل الخير والقيام بأمر الدين‪.‬‬
‫ويبدو أن هنالك تشبيها ً للشهداء بالبروج‪ ،‬وكأن اليات تقول للمؤمنين ل تظنوا‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مُثل‬
‫أن هؤلء قد غيبهم الثرى وطوتهم القبور‪ ،‬بل هم نجوم وبروج مضيئة و ُ‬
‫عليا‪ ،‬تستدعي منكم أن تشخصوا بأبصاركم إلى عليائهم‪ ،‬وتتابعوا مسيرهم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وهو ما رأيناه في قصة أصحاب الخدود الواردة في الحديث حيث كان‬
‫استشهاد حملة الدين دافعا ً إلى اليمان الجماعي‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشهر المحرم‬
‫ل‪ :‬تعريف وبيان‪.‬‬‫أو ً‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬ما ورد في صيامه‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مسألة‪ :‬لماذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم في‬
‫المحرم مع ما ذكر فيه من الفضل؟!‬
‫ل‪ :‬تعريف وبيان‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫مي بذلك لن العرب في‬ ‫المحرم أو شهر المحرم هو أول شهور العام‪ ،‬س ّ‬
‫الجاهلية كانوا يحّرمون فيه القتال‪ ،‬ويجمع على محرمات ومحارم ومحاريم]‬
‫‪.[1‬‬
‫وكانت العرب في جاهليتها مع ما كونوا عليه من الضلل والكفر يعظمونه مع‬
‫باقي الشهر الحرم‪ ،‬ويحّرمون القتال فيها‪ ،‬حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه لم‬
‫يهيجه‪ ،‬إلى أن حدث فيهم النسيء‪ ،‬فكانوا يؤخرون حرمة شهر إلى شهر آخر‬
‫ليستبيحوا القتال في الشهر الحرم‪.‬‬
‫ويضاف إلى الله تعالى فيقال‪ :‬شهر الله المحرم‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما الحكمة في إضافته إلى الله تعالى مع أن الشهور كلها لله؟!‬
‫فيقال‪ :‬يحتمل أنه لما كان من الشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال وكان‬
‫ح إضافة شهر من‬ ‫أول شهور السنة أضيف إليه إضافة تخصيص‪ ،‬ولم يص ّ‬
‫الشهور إلى الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم إل شهر الله المحرم]‬
‫‪.[2‬‬
‫ً‬
‫وقيل‪ :‬أضيف إلى الله تعالى إعظاما له]‪.[3‬‬
‫مَر القوم إذا كثروا‪ ،‬بمعنى‬ ‫مر أخذا ً من أ ِ‬ ‫وكانت العرب العاربة تسميه المؤت ِ‬
‫ً‬
‫أنهم يحّرمون فيه القتال فيكثرون‪ ،‬وقيل‪ :‬أخذا من الئتمار بمعنى أنه يؤمر‬
‫فيه بترك الحرب‪ ،‬ويجمع على مؤتمرات ومآمر ومآمير]‪.[4‬‬
‫]‪ [1‬انظر‪ :‬صبح العشى )‪ ،(2/401‬ولسان العرب )‪ (2/845‬مادة )حرم(‪.‬‬
‫]‪ [2‬انظره من كلم أبي الفضل العراقي كما في حاشية السيوطي على‬
‫سنن النسائي )‪.(3/206‬‬
‫]‪ [3‬انظر‪ :‬لسان العرب )‪ (2/845‬مادة )حرم(‪.‬‬
‫]‪ [4‬انظر‪ :‬صبح العشي )‪.(2/405‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ما ورد في صيام المحرم‪.‬‬
‫‪ – 1‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬أفضل الصيام بعد رمضان شهر الّله المحّرم‪ ،‬وأفضل الصلة بعد‬
‫الفريضة صلة الليل((]‪.[1‬‬
‫قال النووي‪" :‬قوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬أفضل الصيام بعد رمضان شهر‬
‫الله المحرم(( تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم"]‪.[2‬‬
‫وع صوم شهر‬ ‫ن أفضل صيام الّتط ّ‬ ‫وقال الشوكاني‪" :‬وفيه دليل على أ ّ‬
‫ّ‬
‫المحّرم‪ ,‬ول يعارضه حديث أنس عند الّترمذيّ قال‪ :‬سئل رسول الله صلى‬
‫صوم أفضل بعد رمضان؟ قال‪)) :‬شعبان لتعظيم‬ ‫الله عليه وسلم‪ :‬أيّ ال ّ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي"]‪.[4‬‬ ‫ن في إسناده صدقة بن موسى وليس بالقو ّ‬ ‫رمضان((]‪[3‬؛ ل ّ‬


‫صيام بدليل‬ ‫وع المطلق بال ّ‬ ‫ن صيامه أفضل في الّتط ّ‬ ‫وحمله ابن رجب على أ ّ‬
‫صلة بعد المكتوبة جوف‬ ‫سلم‪)) :‬أفضل ال ّ‬ ‫صلة وال ّ‬ ‫قوله عليه أفضل ال ّ‬
‫صلة‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ية‬
‫ّ‬ ‫بالفضل‬ ‫فمراده‬ ‫أفضل‪,‬‬ ‫رواتب‬ ‫ّ ّ‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ّ‬
‫ك‬ ‫الّليل((‪ ،‬قال‪" :‬ول ش‬
‫وع المطلق‪ ,‬وقال‪ :‬صوم شعبان أفضل من صوم المحّرم; لّنه‬ ‫صوم الّتط ّ‬
‫وال ّ‬
‫وع ما كان قريبا من رمضان‪,‬‬ ‫ن فضل الّتط ّ‬‫كالّراتبة مع الفرائض‪ .‬قال‪ :‬فظهر أ ّ‬
‫قبله أو بعده‪ ,‬وذلك ملتحق بصيام رمضان لقربه منه‪ ,‬وهو أظهر"]‪.[5‬‬
‫وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله‪" :‬اختلف العلماء رحمهم الله أيهما أفضل‪:‬‬
‫صوم شهر المحرم أم صوم شهر شعبان؟ فقال بعض العلماء‪ :‬شهر شعبان‬
‫أفضل؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه كله‪ ،‬أو إل قليل منه‪ ،‬ولم‬
‫ث على صيامه بقوله‪)) :‬إنه‬ ‫يحفظ عنه أنه كان يصوم شهر المحرم‪ ،‬لكنه ح ّ‬
‫أفضل الصيام بعد رمضان((‪ ،‬قالوا‪ :‬ولن صوم شعبان ينّزل منزلة الراتبة قبل‬
‫الفريضة‪ ،‬وصوم المحرم ينزل منزلة النفل المطلق‪ ،‬ومنزلة الراتبة أفضل‬
‫من منزلة النفل المطلق‪ ،‬وعلى كل فهذان الشهران يسن صومهما"]‪.[6‬‬
‫‪ -2‬عن علي رضي الله عنه أنه سمع رجل ً يسأل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو قاعد فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أي الشهر تأمرني أن أصوم بعد شهر‬
‫رمضان؟ فقال‪)) :‬إن كنت صائما ً بعد شهر رمضان فصم المحّرم‪ ،‬فإنه شهر‬
‫الله‪ ،‬فيه يوم تاب الله فيه على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين((]‪.[7‬‬
‫وبما تقدم يتبين مشروعية صيام شهر محرم واستحبابه‪ ،‬قال الشيخ ابن باز‬
‫رحمه الله‪" :‬شهر محرم مشروع صيامه وشعبان كذلك‪ ،‬وأما عشر ذي الحجة‬
‫فليس هناك دليل عليه‪ ،‬لكن لو صامها دون اعتقاد أنها خاصة‪ ،‬أو أن لها‬
‫خصوصية معينة فل بأس‪ .‬أما شهر الله المحرم فقد قال الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪)) :‬أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم((‪ ،‬فإذا صامه كله‬
‫فهذا طيب‪ ،‬أو صام التاسع والعاشر والحادي عشر فذلك طيب‪ ،‬وهكذا‬
‫شعبان فقد كان يصومه صلى الله عليه وسلم"]‪.[8‬‬
‫]‪ [1‬أخرجه مسلم في الصيام )‪.(1163‬‬
‫]‪ [2‬شرح صحيح مسلم )‪.(8/55‬‬
‫]‪ [3‬أخرجه الترمذي في الزكاة )‪ ،(663‬وقال‪" :‬هذا حديث غريب‪ ،‬وصدقة بن‬
‫موسى ليس عندهم بذاك القوي"‪.‬‬
‫]‪ [4‬نيل الوطار )‪ 4/241‬ـ ‪.(242‬‬
‫]‪ [5‬لطائف المعارف‪.‬‬
‫]‪ [6‬الشرح الممتع )‪.(6/469‬‬
‫]‪ [7‬أخرجه الدارمي )‪ ،(1756‬والترمذي )‪ (741‬وقال‪" :‬حسن غريب"‪ ،‬وفي‬
‫سنده النعمان بن سعد – الراوي عن علي – لم يرو عنه غير ابن أخته عبد‬
‫الرحمن بن إسحاق الكوفي‪ ،‬فهو مجهول‪ ،‬وعبد الرحمن هذا متفق على‬
‫ضعفه‪ .‬انظر‪ :‬الميزان )‪ (4/265‬والتهذيب )‪ ،(10/453‬ولذا ضعفه اللباني‬
‫فأورده في ضعيف الترغيب والترهيب )‪.(614‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫]‪[8‬مجموع فتاوى سماحة الشيخ في الزكاة والصيام‪ ،‬إعداد الطيار )ص‬


‫‪.(269‬‬
‫ثالثًا‪ :‬علة عدم إكثار صلى الله عليه وسلم الصوم في المحرم‪:‬‬
‫قال النووي‪" :‬قد سبق الجواب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صوم شعبان دون المحرم‪ ,‬وذكرنا فيه جوابين‪:‬‬


‫أحدهما‪ :‬لعله إنما علم فضله في آخر حياته‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬لعله كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيرهما"]‪.[1‬‬
‫ونقله الحافظ في الفتح ولم يتعقبه]‪.[2‬‬
‫]‪ [1‬شرح صحيح مسلم )‪.(8/55‬‬
‫]‪ [2‬فتح الباري )‪.(4/215‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الشهيد ‪ ...‬والفأس‬
‫شعر‪ :‬داود معل‬
‫نادى ترابك حين ضم ‪ii‬العظما‬
‫هم بعدك العلم فانظر ‪ii‬حولهم‬
‫هم كالصخور ‪ ..‬وكالجمار فما ‪ii‬يد‬
‫قست الحياة على البريء ‪ii‬فزادها‬
‫فأطل ملء الباب تقدح ‪ii‬عينه‬
‫فرأى اليهود وقد تقدمهم ‪ii‬فتى‬
‫وهوى عليه بفأسه ‪ii‬فأطاحه‬
‫وهوت عليه من البنادق ‪)ii‬صلبة(‬
‫أواه يا بلدي وحبك غيمة‬
‫ظمئت شفاه بنيك فاعتصرت ‪ii‬دما ً‬
‫أطفالنا يا قدس صار ‪ii‬سلحهم‬
‫زرعوا سواعدهم جذورا ً في الثرى‬
‫ل يعرفون الليل إل في السرى‬
‫ولدوا لباٍء أقل ‪ii‬قليلهم‬
‫ولمهات حافظات كلما‬
‫الله أكبر هذه صيحاتهم‬
‫أطفالنا ليسو ربائب سهرة‬
‫حتى إذ دار الشراب ‪ii‬رأيتهم‬
‫أطفالنا يا قدس أصغرهم ‪ii‬يدا ً‬
‫أطفالنا مثل السنابل ‪ii‬روعة‬
‫أطفالنا كبروا وهذا ‪ii‬يومهم‬
‫أمجاذبين الموت من ‪ii‬أطرافه‬
‫سيروا فما الموت الذي ‪ii‬تلقونه‬
‫من كانت الدنيا عصارة ‪ii‬همه‬
‫حتى إذا قضى إلى ‪ii‬أوهامه ‪ ...‬لله بعدك ‪ ..‬قد تركت ‪ii‬اليتما‬
‫كم ساعد صلى عليك ‪ii‬وسلما‬
‫تمتد حتى تستحيل ‪ii‬جهنما‬
‫صبرا ً وكان أشدها أن ‪ii‬يظلما‬
‫شررا ً ‪ ..‬وتغلي في مفاصله ‪ii‬الدما‬
‫منهم يقول ‪ ..‬تقدموا ‪ ..‬فتقدما‬
‫عجل ً لو اسطاع الكلم ‪ii‬تكلما‬
‫خرقت حشاشة قلبه ‪ii‬فتبسما‬
‫حمراء تنثر في ثراك ‪ii‬النجما‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من ساعد يحمي الشفاه من ‪ii‬الظما‬


‫دمهم ‪ ..‬فحق لرضهم أن تسلما‬
‫وسقوا أصابعهم فصارت موسما ً‬
‫والفجر نارا ً والعوائق سلما‬
‫يلقى الكثير بصدره ‪ii‬مترنما ً‬
‫أرضعنهم لبسوا الشهادة ‪ii‬مغنما‬
‫الله أكبر هذه ملء ‪ii‬السما‬
‫حمراء تخديرا ً ورقصا ً مجرما‬
‫يتحركون كما تحركت ‪ii‬الدمى‬
‫حمل الشهادة عالما ً ‪ii‬ومعلما ً‬
‫وتدفقا ً ويدا ً ‪ ...‬وكفا ً ‪ii‬محكما‬
‫أو يستطيع الدهر أن يتبرما‬
‫طلب الشهادة ما أعز ‪ii‬وأكرما‬
‫إل نعيم ل يزال ‪ii‬منعما ً‬
‫فتحت له في الشر بابا ً ‪ii‬مظلما ً‬
‫مالت عليه فجرعته ‪ii‬العلقما‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشهيد المجهول‬
‫شعر‪ :‬فؤاد الخطيب‬
‫جع شكوانا‬ ‫ن هل من يسأل البانا إن كان فيه صدىً من َر ْ‬ ‫جيرة َ البا ِ‬ ‫يا ِ‬
‫واُر يقظانا‬ ‫ّ‬ ‫الن‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫وانتف‬ ‫إليه‪،‬‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫مصغي‬ ‫ُ ُ‬ ‫ن‬ ‫الفنا‬ ‫لت‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫اب‬ ‫فكم‬
‫ث الوجد َ ألحانا‬ ‫ّ‬ ‫تب‬ ‫الكثيب‬ ‫على‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫مصفق‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫أسراب‬ ‫ت ُْ ُ‬
‫ق‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫ف ِ‬ ‫والت ّ‬
‫ب لللهام آذانا‬ ‫ة والزهُر ينص ُ‬ ‫ملهم ً‬ ‫س في الذان ُ‬ ‫ح تهم ُ‬ ‫والري ُ‬
‫ً‬
‫وى وضحى برحا وأشجانا‬ ‫ج ّ‬ ‫ت َ‬ ‫ج أمس ْ‬ ‫ت حج ٌ‬ ‫ت وانطو ْ‬ ‫تلك الملعب أقو ْ‬
‫س نيرانا‬ ‫ج به النفا ُ‬ ‫ً‬
‫ت هما تع ّ‬ ‫ت في حنايا الصدر فانعقد ْ‬ ‫تسّرب ْ‬
‫ب الويل ألوانا‬ ‫م( تص ّ‬ ‫ن )الهمو َ‬ ‫ل عنها الخبيَر بها إ ّ‬ ‫م( فس ْ‬ ‫هي )الهمو ُ‬
‫ن إنسانا‬ ‫ف النسا ُ‬ ‫ت في الجسم ما فعلت في النفس لم َيعر ِ‬ ‫بالله لو فعل ْ‬
‫شيبا وولدانا‬ ‫ً‬ ‫صوَرٍ شنعاء تمنحهم ِ‬ ‫س من ُ‬ ‫س غيَر النا ِ‬ ‫ح النا ُ‬ ‫وأصب َ‬
‫جن ّا وِغيلنا‬ ‫ً‬ ‫ت قبلهم ِ‬ ‫ة( تلقاهم فُتنكرهم وإن رأ ْ‬ ‫حتى )الطبيع ُ‬
‫جَر أحقادا وأضغانا‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬
‫م بين أضلعهم غيظ تف ّ‬ ‫ه قو ٌ‬ ‫ق الل َ‬ ‫فليت ّ ِ‬
‫خابا ً ولعانا ً‬ ‫ة الجيال تقذفهم في وجه إبليس ص ّ‬ ‫ُ‬ ‫ت بهم لعن ُ‬ ‫أهو ْ‬
‫ل حقّ يكون على الخلص برهانا‬ ‫م منهم إلى عم ٍ‬ ‫لم تنتقل قد ٌ‬
‫ج تبيانا‬ ‫ق سمٍج وكل َوقاح ل ّ‬ ‫َ‬ ‫وحوَلهم ضج ٌ‬
‫مل ٍ‬ ‫ة من كل ذي َ‬
‫ت ُوحدانا‬ ‫سح ِ‬ ‫مسَتوفزين لجمع ال ّ‬ ‫ط ُ‬‫مستهترين فما يخشون من شط َ ٍ‬
‫ك يرفع أنصابا ً وأوثانا‬ ‫شْر ِ‬ ‫ي والهواء ترفعهم كال ِ‬ ‫يمشون في الغَ ّ‬
‫جل إيقانا‬ ‫ل له زبد ٌ من فوق شدَقيهِ يخفى الد ْ‬ ‫جا ٌ‬ ‫وكم هنالك د ّ‬
‫م إيمانا‬ ‫ج القو ُ‬ ‫شّنج ض ّ‬ ‫ت حد ّ الت ّ َ‬ ‫ُيبدي الحماسة إرغاء ‪ ،‬فإن بلغ ْ‬
‫ة على الطريق مشاة ً فيه ُركبانا‬ ‫ت جموع َ الخلق مطبق ً‬ ‫وكم شهد َ‬
‫ة إلى العواقب حتى كان ما كانا‬ ‫تترى المواكب والبصاُر خاشع ٌ‬
‫سع الكوان غفرانا‬ ‫ت من أمل من منعم و ِ‬ ‫والعفو أقرب ما استدني َ‬
‫صبرا ً على العصبة المزوّر جانبها من فرط ما احتملت بغيا وعدوانا‬
‫ً‬
‫ظ أحيانا ً‬ ‫وكيف تنقم منها عند محنتها عنفا ً تجيش به اللفا ُ‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلقا ً َوعرا ً وخذلنا‬ ‫ت عليك أو ُ‬ ‫قل ْ‬ ‫ةث ُ‬ ‫شْزرة ً أو لفت ً‬ ‫ة َ‬ ‫ولمح ً‬


‫َ‬ ‫ً‬
‫فانظْر إلى النسم العلويّ منطلقا فوق الجبال يجّر الذيل نشوانا‬
‫غضبانا‬ ‫ب النفاس َ‬ ‫ل من كمدٍ وارتد ّ ملته َ‬ ‫ط منها اعت ّ‬ ‫فإن هو انح ّ‬
‫ل بين زوايا الصخر حيرانا‬ ‫ل اليك مختبئا ً وانس ّ‬ ‫س تحت ذيو ِ‬ ‫فاند ّ‬
‫س أصدقُ إحساسا ً ووجدانا‬ ‫ت والنف ُ‬ ‫عليائها انحدر ْ‬ ‫فكيف بالنفس من َ‬
‫سريّ النفس حرمانا‬ ‫ظ َ‬ ‫ة وكان ح ّ‬ ‫س طنطن ً‬ ‫ف الد ّ‬ ‫ن حظ حل ِ‬ ‫فإن يك ْ‬
‫س نقصانا‬‫ت لدى الكسوف وتأبى الشم ُ‬ ‫س تظهر للعينين قد نقص ْ‬ ‫فالشم ُ‬
‫دك نسيانا‬ ‫ف لم تذكريه فلم يجح ْ‬ ‫جع َدن ٍ‬‫مو َ‬ ‫ب كم من ُ‬ ‫ت َيعر َ‬ ‫يا بن َ‬
‫جذلنا‬ ‫ي الختل منغمسا في الهول يحمل ما ُيرضيك َ‬ ‫ً‬ ‫ك خف ّ‬ ‫يذود عن ِ‬
‫ف إثخانا‬ ‫ت وأمعن فيه السي ُ‬ ‫ة خرساء دامية شب ّ ْ‬ ‫كم خاض معرك ً‬
‫ب واحتمل اللم كتمانا‬ ‫ً‬
‫ن منتفخا بالُعج ِ‬ ‫ك عبَء الم ّ‬ ‫شم ِ‬ ‫فلم يج َ‬
‫ً‬
‫ن إعراضا وهجرانا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ك عنه الصائحون معا حبا فتنبي َ‬ ‫ت ُيلهي ِ‬ ‫وأن ِ‬
‫ب الثوب عريانا‬ ‫صعيد سلي َ‬ ‫ل منجدل على ال ّ‬ ‫ك المجهو ِ‬ ‫ح جندي ّ ِ‬ ‫يا وي َ‬
‫ك عند الموت أكفانا‬ ‫ً‬
‫ن عليك أبدا ولم ينل من ِ‬ ‫ك لم يمن ْ‬ ‫قد مات دون ِ‬
‫دل النا‬ ‫ك والتاريخ يوم غدٍ سيرفعان ِغشاء ُيس َ‬ ‫حب ِ‬ ‫مهل ً فص ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشهيد وشجرة الزيتون‬


‫شعر‪ :‬داود معل‬
‫لبيك وارتعشت ‪ii‬تقبلني‬
‫وتفيء لي من فيئها ‪ii‬سكنا ً‬
‫يا شجرة الزيتون أي يد ‪..ii‬‬
‫أهوي إليك فإن وقعت ‪ii‬على‬
‫أطوي على تلك الجذور يدي‬
‫سيفي يسيل دما ً على قدمي‬
‫ودموعك الحرى ‪ii‬تعانقني‬
‫إني زحفت إليك ‪ii‬فابتسمي‬
‫شما ً تأرجحها الهضاب على‬
‫الله أكبر أي ‪ii‬ملحمة‬
‫الله أكبر أي زلزلة‬
‫هذا النداء ‪ ..‬وأي ‪ii‬معركة‬
‫لونت بعض ترابها ‪ii‬بدمي‬
‫هذا الضياء وأي بارقة‬
‫يا شجرة الزيتون ما ‪ii‬اقتربت‬
‫إل لرسم فيك ما ‪ii‬عجزت‬
‫أنا طينة حمراء من ‪ii‬حمأ ‪ ...‬أوراقها الخضرا ‪ii‬وتسقيني‬
‫وأنا على أبواب تشرين‬
‫قبلت راحة كفها ‪ii‬دوني‬
‫هذا التراب فذاك ‪ii‬يكفيني‬
‫وأشدها نحوي فتطويني‬
‫والريح تلفح وجه ‪ii‬سكيني‬
‫وهجا ً وتسبح في ‪ii‬شراييني‬
‫وتطلعي طلع ‪ii‬العرانين‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صهوات ربات ‪ii‬البراكين‬


‫حملت لنا عطر ‪ii‬الميامين‬
‫تمتد من بدر ‪ii‬وحطين‬
‫قامت على قدر ‪ii‬تناديني‬
‫فتحولت شهبا ً ‪ii‬تليني‬
‫بالنصر تهتف في ‪ii‬فلسطين‬
‫من صدرك العاري ‪ii‬سكاكيني‬
‫عنه رسومات المليين‬
‫ما الفرق بين الطين ‪ii‬والطين‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشورى ‪ ..‬ل الديمقراطية‬


‫مرهم شورى‬ ‫َ‬
‫قال الله تعالى‪} :‬والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلة وأ ْ‬
‫بينهم ومما رزقناهم ينفقون{ ]الشورى‪ ،[380 :‬وقال تعالى‪} :‬فبما رحمة‬
‫ف عنهم‬ ‫ضوا من حولك فاع ُ‬ ‫ت فظ ّا ً غليظ القلب لنف ّ‬ ‫ت لهم ولو كن َ‬ ‫من الله لن ِ َ‬
‫ل على الله إن الله يحب‬ ‫ّ‬
‫ت فتوك ْ‬ ‫واستغفْر لهم وشاوْرهم في المر فإذا عزم َ‬
‫المتوكلين{ ]آل عمران‪.[159 :‬‬
‫لقد ساءني كثيرا ً ما رأيت من الثار السلبية التي تركتها ممارسة‬
‫الديمقراطية في المجتمعات التي تتعاطها‪ ،‬وأيقنت بمدى الثم الكبير الواقع‬
‫ون بهذا الواقع الليم وعدم السعي للتغيير من‬ ‫ض ْ‬‫على المسلمين الذين ير َ‬
‫خلل التوعية والنصح والرشاد‪ ،‬فالمراقب لحوال المجتمعات التي تمارس‬
‫الديمقراطية من أجل اختيار "ممثلين لهم" ـ كما يقولون ـ في مواقع‬
‫"القرار" َيهوله كم كانت النتيجة سلبية للغاية‪ .‬فالعائلة الواحدة تمزقت‬
‫شّلت‪ ...‬كل ذلك نتيجة الضغط العلمي‬ ‫سمت‪ ،‬والمدينة ُ‬ ‫وتقاطعت والقرية قُ ّ‬
‫ّ‬
‫الكثيف الذي يدعوهم لينحازوا إلى هذه الجهة أو تلك معلل ً هذه الدعوات‬
‫بمحاسن مبتكرة مزعومة متغاضيا ً عن كل المساوىء الظاهرة‪.‬‬
‫ت أن أكتب هذه الكلمات مبينا ً عددا ً من الثار السلبية التي تفضح‬ ‫ولقد رأي ُ‬
‫كذب الديمقراطية الزائفة‪ ،‬وأّنها الطريقة المثلى التي تحمل في طياتها‬
‫ضحا ً للطريقة المثلى التي شرعها الله لنا في اختيار‬ ‫مو ّ‬ ‫السعادة للبشرية‪ ،‬و ُ‬
‫جهات‪ ،‬خاصة أن بعض‬ ‫القادة والمسؤولين وفي أخذ القرارات والتو ّ‬
‫المسلمين كلما تقدمت بهم التجارب في هذا المضمار أدركوا أن سراب نعيم‬
‫ب في مصلحة "السادة‬ ‫وحون به للناس ما دامت تص ّ‬ ‫الديمقراطية المزعوم يل ّ‬
‫الكبار"‪ ،‬أما إذا كان المر عكس ذلك فل ديمقراطية مقبولة عندهم ول نتائجها‬
‫ح مساء‪ .‬هذا عدا عن أنها تفرض في كثير‬ ‫ون بها صبا َ‬ ‫لها اعتبار ولو كانوا يتغن ّ ْ‬
‫من الحيان على السلميين المؤمنين بجدواها تحالفات مشبوهة تجعل‬
‫القاعدة السلمية في حالة إرباك وتشويش فكري وعقائدي مع ضياع مبدأ‬
‫الولء والبراء بقصد ٍ أو بغير قصد حيث تصبح المصلحة المزعومة هي التي‬
‫جهات‪.‬‬ ‫تتحكم في المواقف والتو ّ‬
‫* مفهوم الديمقراطية‪:‬‬
‫فالديمقراطية تقوم على أسس ومبادىء عديدة بالضافة إلى عمليات‬
‫التطبيق‪ ،‬التي في معظمها يحمل مخالفات واضحة للشريعة السلمية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ في التسمية والمبادىء‪:‬‬
‫الديمقراطية ‪ Democracy‬كلمة مشتقة من كلمتين يونانيتين "‪"Demos‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)الشعب( ـ "‪) "Kratos‬سلطة(‪ .‬فيكون معناها الحكم الذي تكون فيه السلطة‬
‫للشعب‪.‬‬
‫وقد ظهرت فلسفة الديمقراطية كنزعة عدائية للكنيسة في أوروبا بعد الثورة‬
‫الفرنسية وذلك بسبب اضطهاد الكنيسة للكثير من العلماء والمفكرين‬
‫فجاءت الديمقراطية ناقمة على كل شيء اسمه "دين" ومن أهم مبادئها‪:‬‬
‫سلطات ومصدر التشريع‪.‬‬ ‫ـ الشعب مصدر ال ُ‬
‫ـ حرية العتقاد مكفولة أيا ً كان هذا العتقاد‪.‬‬
‫ـ حرية التعبير والفصاح مكفولة أيا ً كان هذا التعبير ولو كان مخالفا لكل‬
‫ً‬
‫المبادىء والداب والعقائد‪.‬‬
‫ـ فصل الدين عن الدولة‪.‬‬
‫ً‬
‫ـ حرية تشكيل الحزاب والتجمعات أيا كانت عقائدها ومبادئها‪.‬‬
‫ـ الحق عندها ما اجتمعت عليه الكثرية وإن كان على ضلل‪.‬‬
‫ـ ليس لشيء عندها َقداسة بل كل شيء خاضع للتصويت‪.‬‬
‫وبالنظر إلى هذه المور مجتمعة نجد بأن الديمقراطية من منظار إسلمي‬
‫تعني الباحية بشكلها الكامل فكل شيء عندها مباح ما دامت تجتمع عليه‬
‫أكثرية الصوات‪ ،‬وهذا الحكم ل ينافيه أن بعض آلياتها ل يتعارض مع السلم‬
‫بل ل مانع من الستفادة منها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ في التطبيق‪:‬‬
‫أ ـ مبدأ المساواة في التصويت‪ :‬فالعالم والمفكر والعبقري والسياسي‬
‫ي وحتى المعتوه‬ ‫ي والم ّ‬ ‫وغيرهم من أصحاب العلم والفكر يتساوون مع العام ّ‬
‫من الناس‪} :‬قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون{؟‪.‬‬
‫ب ـ مبدأ الترشيح للمنصب وأسلوب الدعاية الذي نراه‪ :‬إذ غالبا ً ما يقوم على‬
‫أساس الوعود الكاذبة وإظهار المحاسن المبتكرة وإخفاء المساوىء الظاهرة‬
‫وكثيرا ً ما تلعب الماديات دورا ً بارزا ً في هذا المجال وفي التأثير على عقول‬
‫الناس ومبادئهم‪.‬‬
‫ج ـ ضياع المبادىء‪ :‬إذ في العملية التطبيقية للديمقراطية يضيع المبدأ عند‬
‫م الكبر من عدد‬ ‫ممارسيها لن الهدف الوحيد يصبح عندهم هو تجميع الك ّ‬
‫ت مشبوهة أو طرق وأساليب خسيسة أو وعود‬ ‫الناخبين ولو كان ذلك بتحالفا ٍ‬
‫كاذبة‪.‬‬
‫د ـ استبدادية الديمقراطية‪ :‬إذ عند التطبيق تتحول الكثرية إلى أقلية وذلك‬
‫لن الشعب يختار ممثليه وتصبح زمام المور في أيديهم من غير أن يحق‬
‫للشعب إقالتهم أو مناقشتهم ومحاسبتهم فكل أمر يصدر عن هذه القلية‬
‫يصبح تشريعا ً واجبا ً على جميع أفراد الشعب تطبيقه واّتباعه ولو رفضه‬
‫الشعب أو أكثره "فهل هناك استبدادية أكبر أو دكتاتورية أعظم من هذا"؟!!!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وبعد هذه الُعجالة حول مفهوم الديمقراطية وتطبيقها وما تحمله من سلبيات‬
‫على المجتمع وعلى المة فل ينبغي لنا إل العودة إلى الصول التي شرعها‬
‫الله لنا وسار عليها السلف الصالح رضوان الله عليهم فعدلنا عنها نتيجة الغزو‬
‫الفكري والستعمار الحضاري والُبعد عن الدين‪.‬‬
‫ي صلى‬ ‫فمبدأ الشورى الذي رسمه الله لنا من خلل كتابه الكريم وطبقه الّنب ّ‬
‫ل أصعب الظروف التي مّرت عليه في حياته هو‬ ‫الله عليه وسّلم في ظ ّ‬
‫ه والعودةُ إليه ودعوة المة إلى تطبيقه في جميع شؤون‬ ‫الصل الواجب اتباعُ ُ‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حياتها‪.‬‬
‫* مفهوم الشورى‪:‬‬
‫فالمقصود بالشورى عن عرض أمر من المور التي تهم الفرد أو المجتمع أو‬
‫سّنة أو‬‫المة والتي لم يظهر فيها وجه الصواب بدليله الشرعي من الكتاب وال ُ‬
‫لم يبّين الدليل كيفية تنفيذ هذا المر فُيعَرض على أهل الحل والعقد وهم أولو‬
‫المر من وجهاء المسلمين وأعيانهم وعلى رأسهم العلماء والزعماء وذوو‬
‫الخبرة والختصاص المتميزون‪.‬‬
‫فالشورى نظام رباني وضعه الله سبحانه وأمرنا به لنه العلم بهذا النسان‬
‫وبالساليب التي يحصل من خللها على حياة سعيدة كريمة‪ .‬فالحاكم في‬
‫السلم أيا ً كانت درجة حكمه خاضعٌ لسلطان الله المتمثل بالشريعة الغَّراء‪،‬‬
‫فهو يحكم بهذه الشريعة على نفسه وعلى رعيته وإن استشارهم في أمرٍ من‬
‫حص آراءهم وقّلب وجهة نظرهم فهو ليس ملزما ً أن يأخذ برأي‬ ‫المور وتف ّ‬
‫جح عنه أنه القرب‬ ‫ّ‬
‫الكثرية فيتعطل دوره‪ ،‬بل الواجب عليه أن يأخذ بما تر ّ‬
‫إلى الصواب والرجح أن يكون الحق عنده‪.‬‬
‫فالحاكم في السلم مقّيد بالشريعة السلمية فل رأي لمن كان رأيه مخالفا ً‬
‫لشرع الله ول مصلحة لمن يرى أن المصلحة في أمر مخالف لتعاليم‬
‫السلم‪ ،‬فالكل يجب أن يكون خاضعا ً للكتاب الله وسّنة رسوله‪ .‬والشورى‬
‫ب على الجميع‬ ‫ركن من أركان ممارسة الحكم أو المارة في السلم فواج ٌ‬
‫تطبيقها حكاما ً كانوا أو محكومين‪.‬‬
‫والشورى كما بّينا تختص بالنخبة من أصحاب العلم والختصاص والتقوى‬
‫والورع واللتزام وهي بذلك تقطع الطريق على الّرعاع من الناس الذين‬
‫تلعب بهم الهواء ويميلون مع الرغبات وينظرون إلى المصالح النّية‬
‫والرغبات الشخصية حتى ل يوصلوا إلى مراكز القرار وحكم الناس من هو‬
‫ليس أهل ً لذلك كما هو حاصل في الذين توصلهم الديمقراطية إلى مناصب‬
‫رفيعة تحت ضغط التأثير العلمي والماّدي والوعود بتحقيق الرغبات‬
‫والنزوات الشخصية‪.‬‬
‫وتطبيق الشورى بين المسلمين واحد من العبادات التي أمرهم الله بها‪ ،‬وهل‬
‫ي الصلة والزكاة؟‬ ‫ل على هذا من أن المر بها أتى بين عبادت َ ْ‬ ‫هناك أ َد َ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسّلم في أشد ّ مراحل‬ ‫وقد بينها الله لنا وأمر بها الّنب ّ‬
‫ي‬
‫ّ ّ‬‫نب‬ ‫ال‬ ‫هو‬ ‫فهذا‬ ‫المسلمين‪.‬‬ ‫على‬ ‫الكبير‬ ‫الثر‬ ‫الدعوة وبعد حدث جلل كان له‬
‫صلى الله عليه وسّلم يستشير أصحابه في الخروج إلى لقاء العدو أو البقاء‬
‫في المدينة فأخذ برأي من أشار عليه بالخروج ولكن النتيجة كانت سلبية إذ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ي صلى‬ ‫حد( وُقتل عدد من كبار الصحابة وأصيب الّنب ّ‬ ‫وقعت الهزيمة في )أ ُ‬
‫الله عليه وسّلم‪ .‬ومع هذا كله فإن المبدأ الرباني أكبر من الحدث الضيق‪،‬‬
‫فالمبدأ فيه تربية للمة وتنشئتها على أساس متين لذا جاء المر بعد الحدث‬
‫وبعد الخسارة وبعد الشورى‪ :‬بالتأكيد على مبدأ الشورى وعلى أنه أساس‬
‫يجب التمسك به والعمل بمقتضاه‪ .‬وما أجمل الكلمات والتوجيهات التي‬
‫جاءت عقب كلمة الشورى في الية الكريمة من سورة آل عمران‪:‬‬
‫}وشاورهم في المر فإذا عزمت فتوكل على الله‪}....‬‬
‫ت على‬ ‫جه لخذ واحد من الراء فإذا عزم َ‬ ‫فبعد تقليب وجهات النظر والتو ّ‬
‫ت قاصدا بذلك مرضاة‬ ‫ً‬ ‫سْر ما دم َ‬ ‫ي في اتجاه معّين فتوكل على الله و ِ‬ ‫مض ّ‬ ‫ال ُ‬
‫الله وُنصَرة السلم والمسلمين وإياك أن تلتفت إلى النتائج لن المر بيد الله‬
‫يجعل النتيجة حيث يشاء وكيف يشاء‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الشورى السلمية والديمقراطية الغربية‬


‫د‪ .‬محمد عمارة*‬
‫الشورى‪ :‬مصطلح إسلمي خالص وأصيل ‪ ...‬وهو اسم – من "المشاورة" –‬
‫التي تعني‪ ،‬في اصطلح العربية‪ :‬استخراج الرأي ‪ ...‬فهي فعل إيجابي‪ ،‬ل‬
‫يقف عند حدود "التطوع" بالرأي ‪ ...‬بل يزيد على "التطوع" الى درجة‬
‫"العمل" على استخراج الرأى‪ /‬استخراجا ً واستدعائه قصوا ً ؟‬
‫وإذا قلنا‪ :‬أشار فلن على فلن بالرأي ‪ ...‬فإن معناه – في اصطلح العربية ‪:‬‬
‫أمره به! ‪ ..‬وليس مجرد إبراء الذمة بإلقاء الرأي فقط؟!‪...‬‬
‫والشورى‪ ،‬في الفكر السياسي السلمي‪ ،‬هي فلسفة نظام الحكم ‪...‬‬
‫والجتماع ‪ ...‬والسرة ‪ ...‬لنها تعني إدارة أمر الجتماع النساني‪ ،‬الخاص‬
‫والعام ‪ ،‬بواسطة الئتمار المشترك والجماعي‪ ،‬الذي هو سبيل النسان‬
‫للمشاركة في تغيير شئون هذا الجتماع ‪ ...‬فالشورى‪ ،‬أي الئتمار المشترك‪،‬‬
‫هي السبيل إلى المارة‪ ،‬أي القيادة والنظام والسلطة والسلطان إمارة‬
‫النسان في السرة ‪ ...‬وفي المجتمع ‪ ...‬وفي الدولة ‪ ...‬أي في تنظيم‬
‫المجتمع وحكمه‪ ،‬صغيرا ً كان المجتمع أو كبيرا ً ‪...‬‬
‫ولما كان التصور الفلسفي السلمي لوجود النسان في هذه الحياة‪،‬‬
‫ولوظيفته ومكانته فيها‪ ،‬ولعلقته بالخرين‪ ،‬قائم على حقيقة أن هذا النسان‬
‫مخلوق لله سبحانه وتعالى‪ ،‬ومستخلف عنه في عمارة الكون ‪ ...‬كانت مكانة‬
‫النسان في العمران هي مكانة الخليفة عن الله ‪ ...‬فهو ليس سيد الكون‬
‫حتى تكون حريته مطلقة دون حدود‪ ،‬وشوراه وائتماره وإمارته وسلطته دون‬
‫ضوابط وأطر ‪ ...‬وفي ذات الوقت‪ ،‬فإن خلفته عن الله سبحانه تعني‬
‫وتقتضي أن تكون له سلطة وإرادة وحرية وشورى وإمارة تمكنه من النهوض‬
‫بتكليف العمران لهذا الوجود ‪ ...‬فهو‪ ،‬لهذا ليس الكائن المجبر المسّير‬
‫المهمش بإطلق ‪...‬‬
‫إنه في المكانة الوسط ‪ ...‬ليس سيد الكون ‪ ...‬وليس العبد المجرد من‬
‫الحرية والرادة والستقلل والمسئولية ‪ ...‬وإنما هو الخليفة عن سيد الكون‪،‬‬
‫وله في أطار عقد وعهد الستخلف السلطات التي تمكنه من النهوض بمهام‬
‫هذا الستخلف‪.‬‬
‫وانطلقا ً من هذه الفلسفة السلمية‪ ،‬في مكانة النسان في هذا الوجود‪،‬‬
‫يتميز المذهب السلمي في "إطار الشورى" ‪ ...‬فبنود عقد وعهد الستخلف‬
‫اللهي‪ ،‬التي هي قضاء الله الحتمي في كونه ‪ ...‬وكذلك احكامه التي جعلها‬
‫إطارا ً حاكما ً لحرية النسان وسلطاته ‪ ...‬هي "الوضع اللهي"‪ ،‬الذي تظهر فيه‬
‫عبودية وما } المخلوق للخالق‪ ،‬وقضاء الله الذي ل شورى فيه ولخيار ول‬
‫اختيار كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى الله ورسوله امرا ً ان يكون لهم الخبرة‬
‫من ‪ { .‬أمرهم ومن بعض الله ورسوله فقد ضل ضلل ً مبينا ً‬
‫هنا‪ ،‬وفيما يتعلق بهذا الطار الحاكم‪ ،‬نحن أمام " سيادة الله ‪ ...‬وحاكميته "‪،‬‬
‫المتمثلة في قضائه الحتمي‪ ،‬وشرعيته الممثلة لبنود عقد وعهد الستخلف ‪...‬‬
‫على الخليفة – النسان – أن يجعلها الطار الحاكم لحريته وشوراه ولسلطته‬
‫وإمارته‪ ،‬ولحركته أثناء قيامه بالوكالة والنيابة والستخلف‪...‬‬
‫وإذا كان النسان قد اختار ‪-‬دون سائر المخلوقات‪ -‬حمل أمانة الخلفة في‬
‫عمران هذه إنا عرضنا المانة على السموات والرض والجبال فأبين أن‬
‫يحملنها } الرض ‪ .‬فإن الله سبحانه { وأشفقن منها وحملها النسان إنه كان‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظلوما ً جهول وتعالى‪ ،‬إعانة منه للنسان على أداء هذه المانة‪ ،‬قد ميزه‬
‫بالختيار والحرية‪ ،‬ودعاه إلى أن يمارس "حاكمية إنسانية" و "سلطة‬
‫وضه منه للنسان كجزء من‬ ‫ف ّ‬
‫م ّ‬
‫مرادة لله سبحانه وتعالى‪ ،‬و ُ‬ ‫بشرية"‪ ،‬هي ُ‬
‫استخلفه لهذا النسان ‪ ...‬وبعبارة المام ابن حزم الندلسي } ‪456 ،384‬هـ‪،‬‬
‫‪1064 – 994‬م { ‪ " :‬فإن من حكم الله أن يجعل الحكم لغير الله "‪ ،‬أي أن‬
‫جعل للنسان حاكمية السلطة التي ينفذ بها حاكمية شريعة الله‪ ،‬لينهض‬
‫بالمانة التي فوضها إليه الله ‪...‬‬
‫وإذا كان النفراد بالرأي والسلطة‪ ،‬في أي ميدان من ميادين الرأي والسلطة‪،‬‬
‫هو كل إن النسان ليطغى‪ ،‬أن رآه } المقدمة للستبداد والستفراد والطغيان‬
‫وهي سنة قرآنية‪ ،‬صدق عليها تاريخ النسان والنظم والحضارات ‪{ ...‬‬
‫استغنى فان المنقذ للنسان وللعمران البشري من هذا الطغيان هو نظام‬
‫الشورى السلمية‪ ،‬الذي يكفل للنسان –مطلق النسان‪ -‬المشاركة في تدبير‬
‫شئون العمران‪ ،‬صغيرها وكبيرها‪ ،‬فتنجو دنياه من الطغيان‪ ،‬وذلك دون أن‬
‫يطغى هذا النسان على التدبير اللهي المتمثل في الشريعة اللهية‪ ،‬والتي –‬
‫ومات العدل في هذا العمران‪.‬‬ ‫وم من مق ّ‬ ‫هي الخرى‪ -‬مق ّ‬
‫ولهذه الحقيقة – من حقائق مكانة الشورى – جعلها السلم " فريضة إلهية "‪،‬‬
‫وليست مجرد "حق" من حقوق النسان ‪ ...‬أي أنه ل يجوز للنسان أن يتنازل‬
‫عنها حتى بالرضا والختيار إن هو اراد! ‪ ...‬كما عمم السلم ميادينها لتشمل‬
‫سائر ميادين الحياة النسانية‪ ،‬العام منها والخاص ‪ ...‬من السرة ‪ ...‬إلى‬
‫المؤسسة الى المجتمع ‪ ...‬إلى الدولة ‪ ...‬إلى الجتماع النساني ونظامه‬
‫الدولي وعلقاته الدولية!‪ ...‬فهي ليست شأنا ً من شئون النظام السياسي‬
‫للدولة ل تتعداه‪...‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ففي " مجتمع السرة " يعتمد السلم الشورى فلسفة للتراضي والمشاركة‬
‫في تدبير شئون السرة‪ ،‬لتتأسس عليها المودة والتراضي والنتظام‬
‫} والوالدات يرضعن اولدهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة وعلى‬
‫المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ل تكلف نفس ال وسعها ل تضار‬
‫والدة بولدها ول مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أراد فصال ً عن‬
‫تراض منهما وتشاور فل جناح عليهما وإن اردتم ان تسترضعو اولدكم فل‬
‫جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف‪ ،‬واتقوا الله واعلموا ان الله بما‬
‫تعملون بصير ‪.‬‬
‫وفي شئون الدولة يفرض السلم ويوجب ان تكون الشورى شورى‬
‫الجماعه ‪ ،‬هى الفلسفة واللية لترتيب المور‪ ...‬سواء أكان ذالك فى داخل‬
‫مؤسسات الدولة‪ ،‬أو فى العلقة بين هذه المؤسسات وبين جمهور المة ‪،،‬‬
‫ففى ادارة مؤسسات الدولة لشئونها يلفت القرأن الكريم انظارنا الى معنى‬
‫عظيم عندما ليرد فيه‪ -‬القرآن‪-‬مصطلح "ولى المر" بصيغة المفرد التى تدل‬
‫على " النفراد والستفراد" وإنما يرد فيه هذا المصطلح‪ ،‬فقط‪،‬‬
‫بصيغة"الجمع"‪} -‬أولى المر{‪ -‬الى الجماعية" وتزكية للمشاركة والشورى"يا‬
‫أيها الذين آمنوا وأطيعوا الله والرسول وأولى المر منكم {‪-‬النساء ‪.. 59‬‬
‫}واذاجاءهم امر من المن أوالخوف أذاعوا به ولو ردوه الى الرسول وإلى‬
‫أولى المر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم{‪-‬النسأء‪-83:‬كما يحرص‬
‫القرآن الكريم على التنبيه على ان يكون }أولو المر{ من المة " حتى تكون‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلطة نابعة من المة وليست مفروضة عليها من خارج ‪ ..‬حتى لكأنه يشير‬
‫الى مبدأ "السيادة الوطنيه‪ ..‬والقوميه‪ ..‬والحضاريه" للمم والشعوب‬
‫والمجتمعات؟؟"‬
‫اما فى العلقه بين الدوله " وبين جمهور "المه " فان القرآن يجعل الشورى‬
‫والمشاركه فى صنع القرار "فريضة إلهية" حتى ولو كانت "الدولة" يقودها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم }فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت‬
‫فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى‬
‫المر فاذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين {‪-‬آل عمران ‪:‬‬
‫‪..-159‬فالعزم " اى تنفيذ القرار "هو ثمرة للشورى اى المرحله التاليه‬
‫لشتراك الناس في انضاج الرأي وصناعه القرار‪.‬هذا القرار الشوري الذي‬
‫يضعه ولة المربالعزم في الممارسه والتنفيذ‪.‬وهذا المعني هو الذي جعل‬
‫مفسري القرآن الكريم يقولون في تفسيرهم لهذه اليه نقل عن المفسر‬
‫الكبير "ابن عطية")‪ 1148 – 1088 – 542 – 481‬م(* ‪":‬إن الشوري من‬
‫قواعدالشريعه وعزائم الحكام ومن ل يستشير اهل العلم والدين فعزله‬
‫واجب‪.‬وهذا مما لخلف فيه)‪"(1‬فالشورى من قواعد الشريعه ومن عزائم‬
‫الحكام‪.‬اما اهلها فالمه لنها فريضه علي المه ينهض بها كفريضه‬
‫كفائيه_اهل الكفاءة بحسب موضوعاتها وميادينها لذلك جاء في عبارة‬
‫المفسرين ليآتها الشارة لهل "العلم" واهل" الدين" وليس فقط اهل"‬
‫الدين" وايضا ليس فقط اهل" العلم" دون اهل" الدين"‪.‬‬
‫وكون النهوض بفريضة الشورى من الفرائض الكفائيه التي اذا قام بها البعض‬
‫سقطت عن الباقين يجعلها اهم وآكد من الفرائض الفردية لن الثم في‬
‫التخلف عن آداء الفريضة الفردية يقف عند الفرد وحده بينما الثم في‬
‫التخلف عن اقامة الفريضه الكفائية يلحق المة باسرها‪.‬‬
‫ويؤكد هذه الحقيقة حقيقة توجه التكليف السلمي بالشورى الي المه جميعا‬
‫انها قد جاءت _اي الشورى _في القرآن الكريم صفة من صفات المة‬
‫المؤمنة وليست وقفا علي فريق دون فريق )والذين استجابوا لربهم واقاموا‬
‫الصلة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ( _الشورى‪ ...38:‬فهي‬
‫ليست امتيازا" للحرار ‪..‬الشراف‪..‬الملك‪..‬الفرسان" كما كان حال‬
‫"الديمقراطيه"عند الغريق والرومان وهي ليست مجرد"حق"من حقوق‬
‫النسان حتي يجوز له التنازل عنه بالرضا والختيار ‪..‬وانما هي فريضة الهية‬
‫وتكليف سماوي علي الكافة ‪..‬وضرورة من ضرورات الجتماع النساني‬
‫صغيرة او كبيرة دائرة هذا الجتماع ‪.‬بل لقد بلغ السلم في تزكيه الشورى‬
‫الي الحد الذي جعل "العصمه" للمة ومن ثم للرأي والقرار المؤسس علي‬
‫شوراها فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إن أمتي ل تجتمع علي‬
‫ضللة"‪.‬رواه ابن ماجه‪.‬وذلك لتطمئن القلوب الي حكمه الرأي وصواب القرار‬
‫اذا كانا مؤسسين علي شوري المة في امورها بواسطة اهل العلم والدين‬
‫من ابنائها ‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولقد جاءت السنة النبوية العملية والقولية البيان النبوى للبلغ القرآني في‬
‫الشورى ‪..‬وكانت السابقة الدستورية التي تمثل النموذج والسوة للنظام‬
‫السلمي في المشاركه بصنع القرار ‪..‬فحتي المعصوم صلي الله عليه وسلم‬
‫كان التزامه بالشوري علي النحو الذي يروى ابو هريرة فيقول ‪":‬ما رأيت‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحدا ً اكثر مشورة لصحابه من رسول الله ‪_"...‬رواه الترمذي_‪ ..‬وكان‬


‫صحابته رضوان الله عليهم حريصين في زمن البعثة علي التمييز بين‬
‫منطقه"السيادة اللهية وفيها السمع والطاعة و إسلم الوجه لله " وبين‬
‫منطقة السلطه البشريه" ليمارسوا فيها الشورى المؤسسة والمثمرة لصنع‬
‫القرار فكانوا يسالون رسول الله صلي الله عليه وسلم في المواطن التي ل‬
‫تتمايز فيها هاتان المنطقتان بذاتهما فيقولون ‪:‬يا رسول الله اهو الوحي ؟ ام‬
‫الرأي و)المشورة (‪.‬‬
‫فاذا كان المقام من مقامات الرأي والمشورة "السلطه البشريه"شاركوا في‬
‫انضاج الرأي وصناعة القرار والتزموا به عند العزم علي وضعه في الممارسة‬
‫والتطبيق ‪ ,‬حدث ذلك في مواطن كثيرة من اشهرها تحديد المكان الذي‬
‫ينزل به جيش المسلمين في موقعة بدر والموقف من مصالحة بعض‬
‫المشركين في موقعه"الخندق"بل ان اللتزام بثمرات الشوري وقرارتها لم‬
‫يكن وقفا علي الصحابه وحدهم‪ ,‬وانماشمل رسول الله صلي الله عليه وسلم‬
‫ايضالنه في غير التبليغ عن الله سبحانه وتعالي "مجتهد" والجتهاد ابداع‬
‫بشرى غير معصوم ومن ثم فهو من مواطن الشوري بل هو واحد من‬
‫مستوياتها العليا ‪..‬وفي هذا المعني وعلي ضوء هذه الحقيقة نقرأ حديث‬
‫رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يقول فيه لبي بكر الصديق )‪ 51‬ق‬
‫هـ‪ 13 ،‬هـ ‪ 634-573‬م( ولعمر بن الخطاب )‪ 40‬ق هـ‪23-‬هـ ‪644-584‬م(‬
‫رضي الله عنهما‪ " :‬لو إجتمعتما في مشورة ما خالفتكما "‪ -‬رواه المام احمد‬
‫‪ ... -‬وفيه تشريع لقاعدة الكثرية والقلية في القرارت الشورية‪ ،‬واعتماد رأي‬
‫الغلبية عند اتخاذ القرار‪ ،‬حتى ولو كانت القلية فيها رئيس الدولة‪ ،‬رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم!‪ ...‬ونقرأ –كذلك‪ -‬حديث رسول الله صلى الله‬
‫مرا ً احدا ً دون مشورة المؤمنين‬‫مؤ ّ‬
‫ت ُ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬الذي يقول فيه " لو كن ُ‬
‫ت ابن أم عبد " } عبدالله بن مسعود{ – رواه الترمذي وابن ماجة‬ ‫مر ُ‬
‫ل ّ‬
‫والمام احمد ‪ ...‬فتعيين أمير للجيش‪ ،‬هو اجتهاد في الشئون السياسة‬
‫والعسكرية‪ ،‬ولذلك كانت الشورى هي السبيل لتخاذ القرار فيه‪ ،‬ول يجوز‬
‫لرئيس الدولة النفراد بتعيين امراء الجيوش دون مشورة أهل الشورى‪ ،‬حتى‬
‫م‪...‬‬
‫ولوكان رئيس الدولة هو رسول الله صلى الله عليه وسل َ‬
‫وعلي هذه السنة النبوية سارت الخلفة الراشدة ‪ ...‬ففي عهد أبي بكر‬
‫الصديق‪ ،‬كانت كل المور تبرم بالشورى‪ ،‬وجميع القرارات تتأسس على‬
‫المشاركة الشورية ‪ ...‬حتى القوانين التي يقضي بها بين الناس‪ ،‬إذا لم يرد‬
‫بها نص في الكتاب او السنة " فعن ميمون بن مهران‪ ،‬قال ‪ " :‬كان ابوبكر إذا‬
‫ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله‪ ،‬فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى‪،‬‬
‫وان لم يكن في الكتاب‪ ،‬وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬في‬
‫ذلك المر سنة قضى به‪ ،‬فأن أعياه خرج فسأل المسلمين‪ ،‬وقال‪ :‬أتاني كذا‬
‫وكذا‪ ،‬فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قضى في ذلك‬
‫بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله فيه قضاء‪ ،‬فيقول‬
‫ابوبكر‪ :‬الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا‪ .‬فإن أعياه أن يجد فيه‬
‫سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬جمع رؤوس الناس وخيارهم‬
‫فاستشارهم‪ ،‬فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به‪" ...‬‬
‫أما عمر بن الخطاب‪ ،‬فهو القائل ‪ " :‬الخلفة شورى" ‪ ...‬و " من بايع عن غير‬
‫مشوره المسلمين فل بيعة له‪ ،‬ول بيعة للذي بايعه" ‪.‬‬
‫ولقد شهد عهد سيدنا عمر بن الخطاب – الذي اتسعت فيه الدولةالسلمية‬
‫واكتملت الصورة المعتددة للشوري المؤسسة فكان هنالك مجلس للشوري‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من سبعين عضوا يجتمع في مكان محدد بأوقات محددة في مسجد المدينة –‬
‫الذي كان دار الحكومة – والشورىهي التي بنت الحضارة بالمؤسسات الهلية‬
‫–مؤسسات الفقهاء والعلماء والمحدثين والمقرين والنحويين واللغويين‬
‫والدباء والشعراء والصوفية والتجار والصناع ‪ ...‬تلك التي ارخ لها من "‬
‫الخطط " في التاريخ السلمي – كما أن " المة " هي التي حولت صناعة‬
‫الحضارة‪ ،‬بواسطة "الوقاف" ‪ ...‬فكانت الحضارة السلمية صناعة اهلية‪،‬‬
‫اقامتها "المة"‪ ،‬ولم يجن عليها انحراف "الدولة" ‪...‬‬
‫وفي هذه الحضارة السلمية‪ ،‬ظلت المة وفية لفريضة الشورى السلمية ‪...‬‬
‫بنت بها مذاهبها الفقهية والكلمية‪ ،‬وطبقتها في مؤسساتها الهلية‪ ،‬التي‬
‫اقامت النسيج الجتماعي على العدل والشورى‪ ،‬بينما كانت "الدولة" – في‬
‫كثير من الحيان فريسة للستفراد والطغيان !‪...‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لكن "الدولة الحديثة "‪ ،‬التي قامت في المجتمعات السلمية عبر القرنين‬
‫الماضيين‪ ،‬والتي جاءت إلى بلدنا من نمط " الدولة القومية " الوربية‪ ،‬منذ‬
‫عهد محمد علي باشا الكبير } ‪1265 – 1184‬هـ ‪1849-1770‬م{ قد مثلت‬
‫نموذج الدولة الشمولية‪ ،‬متعاظمة النفوذ والسلطات‪ ،‬فمدت استبدادها –‬
‫عندما استبدت – الى مختلف ميادين الحياة السياسية والقتصادية‬
‫والجتماعية‪ ،‬المر الذي قلب المعادلة‪ ،‬فحل " تعظيم الدولة" محل "تحجيمها‬
‫"‪ ،‬المر الذي أدى الى "تحجيم المة" بدل ً من من "تعظيمها" فحدث الخلل‬
‫في العلقة بين "الدولة" و "المة"‪ ،‬وتراجعت "المة" ومذاهب علمائها‬
‫وسلطات أعلمها‪ ،‬وافترست " الدولة " أغلب حريات النسان !‪ ...‬ولقد كانت‬
‫معركة دولة محمد علي باشا‪ ،‬في العقود الولى من القرن التاسع عشر‬
‫الميلدي ضد عمر مكرم } ‪1237-1168‬هـ ‪1822-1755‬م{ ومن ورائه‬
‫الزهر ومؤسسات المجتمع الهلي‪ ،‬التجسيد لهذا التحول والنقلب في هذا‬
‫الميدان ‪ ...‬وساعد على استحواذ " الدولة " على ذلك مخاطر الغزو‬
‫الستعماري الغربي الحديث‪ ،‬التي استدعت تعظيم سلطان " الدولة " لنها‬
‫القدر على حراسة المن الوطني والقومي والحضاري من ثغرات الختراق‬
‫الستعماري لوطان عالم السلم ‪...‬‬
‫لذلك‪ ،‬كان من واجبات حركة الحياء السلمي – الحديثة والمعاصرة – إقامة‬
‫التوازن بين " المة " و "الدولة"‪ ،‬بجعل الشورى السلمية منهاج الحياة‬
‫لمختلف الميادين‪ ،‬وبلورة إرادة المة وسلطاتها في " المؤسسات القادرة‬
‫على تدبير امور المجتمعات التي تعقدت شئونها على نحو ل تجدي معه‬
‫شورى الفراد ‪ ...‬وعلى النحوالذي يجعل الشورى شاملة لمؤسسات "‬
‫الدولة " و " المة " جميعًا‪ ،‬فتكون حراسة المن الوطني والقومي‬
‫والحضاري " بالشورى "‪ ،‬وليس " بالستبداد " قل هذا عن الشورى‬
‫السلمية‪ ،‬في " الفكر " ‪ ...‬و " التطبيق " ‪ ...‬و "التأريخ"‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه هي " الشورى السلمية " ‪ ...‬الفريضة‪ ،‬التي لبد من تحويلها‬
‫الى فلسفة حياة للجتماع والنظام السلمي ‪ ...‬فإن هناك قضية برزت من‬
‫خلل الحتكاك الحضاري بين السلم وامته وبين الفكر الغربي وتجاربه في‬
‫العصر الحديث ‪ ...‬وهي مشكلة موقف الشورى السلمية من الديمقراطية‬
‫الغربية ‪ ...‬التي تبنتها أحزاب ومدارس فكرية واجتماعية في العديد من البلد‬
‫السلمية ‪ ...‬وهل بينهما – الشورى ‪ ...‬والديمقراطية – تطابق كامل؟ أم‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تناقض مطلق؟ أم اوجه للشبه وأوجه للفتراق؟‪...‬‬


‫وبادئ ذي بدء‪ ،‬فلبد من التأكيد على حق المم والشعوب والحضارات في‬
‫التمايز والختلف في النماذج والخيارات السياسية والثقافية والحضارية ‪...‬‬
‫فهذا هو منطق " الليبرالية " في الديمقراطية الغربية ‪ ...‬ومنطق " التعددية‬
‫" التي هي في السلم سنة كونية‪ ،‬وقانون حاكم وسائد في كل عوالم‬
‫المخلوقات ‪ ...‬فل حرج ول ضير إن اختلفت الشورى عن الديمقراطية‪ ،‬او‬
‫تمايزت الديمقراطية عن الشورى ‪ ...‬المهم هو وفاء كل نموذج بتحقيق‬
‫المقاصد النسانية التي تحددها رؤية النسان للكون في كل حضارة من‬
‫الحضارات ‪ ...‬وجدارة كل نموذج بتفجير طاقات الخلق والبداع في هذا‬
‫النسان ‪...‬‬
‫وبعد التفاق على هذه " الحقيقة – الولية "‪ ،‬لبد من التنبيه – في الحديث‬
‫عن علقة الشورى السلمية بالديمقراطية الغربية – ضرورة التمييز – في‬
‫هذه الديمقراطية – بين "الفلسفة" وبين " الليات ‪ ...‬والخبرات ‪...‬‬
‫والمؤسسات "‪...‬‬
‫فالديمقراطية‪ ،‬نظام سياسي – اجتماعي‪ ،‬غربي النشأة ‪ ...‬عرفته الحضارة‬
‫الغربية في حقبتها اليونانية القديمة‪ ،‬وطورته نهضتها الحديثة والمعاصرة ‪...‬‬
‫وهو يقيم العلقة بين أفراد المجتمع والدولة وفق مبدأ المساواة بين‬
‫المواطنين في حقوق المواطنة وواجباتها‪ ،‬وعلى مشاركتهم الحرة في صنع‬
‫التشريعات التي تنظم الحياة العامة‪ ،‬وذلك استنادا ً الى المبدا القائل بأن‬
‫الشعب هو صاحب السيادة ومصدر الشرعية ‪ ...‬فالسلطة‪ ،‬في النظام‬
‫الديمقراطي‪ ،‬هي للشعب‪ ،‬بواسطة الشعب‪ ،‬لتحقيق سيادة الشعب‬
‫ومقاصده ومصالحه‪...‬‬
‫هذا عن فلسفة الديمقراطية الغربية ‪...‬‬
‫أما "النظام النيابي "‪ ،‬الذي ينوب فيه نواب المة المنتخبون عن جمهور‬
‫المة‪ ،‬للقيام بمهام سلطات التشريع‪ ،‬والرقابة والمحاسبة لسلطات التنفيذ‬
‫في " الدولة" فهو من " آليات" الديمقراطية‪ ،‬وتراث مؤسساتها‪ ،‬وبه توسلت‬
‫تجاربها عندما تعذرت "الديمقراطية المباشرة "‪ ،‬التي تمارس فيها المة كلها‪،‬‬
‫وبشكل مباشر‪ ،‬هذه المهام والسلطات ‪ ...‬توسلت الديمقراطية الحديثة بهذه‬
‫" اللية" الى تحقيق مقاصدها وفلسفاتها ‪...‬‬
‫وإذا كان البعض يضع الشورى السلمية في مقابلة الديمقراطية –سواء‬
‫بالتسوية التامة بينهما ‪ ...‬أو بالتناقص الكامل بينهما – فإن هذا الموقف ليس‬
‫بالصحيح إسلميا ً ‪ ...‬فليس هناك تطابق بينهما باطلق ‪ ...‬ول تناقص بينهما‬
‫بإطلق ‪ ...‬وإنما هناك تمايز بين الشورى وبين الديمقراطية‪ ،‬يكشف مساحة‬
‫التفاق ومساحة الختلف بينهما‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫فمن حيث الليات والسبل والنظم والمؤسسات والخبرات "التي تحقق‬


‫المقاصد والغايات من كل الديمقراطية والشورى‪ ،‬فانها تجارب وخبرات‬
‫إنسانية ليس فيها "ثوابت مقدسة " ‪ ...‬وهي قد عرفت التطور في التجارب‬
‫الديمقراطية‪ ،‬ومن ثم فإن تطورها وارد في تجارب الشورى السلمية‪ ،‬وفق‬
‫الزمان والمكان والمصالح والملبسات ‪ ...‬والخبرات التي حققتها تجارب‬
‫الديمقراطية في تطور الحضارة الغربية‪ ،‬والتي افرزت النظام الدستوري‪،‬‬
‫والتمثيل النيابي عبر النتخابات‪ ،‬هي خبرات غنية وثروة انسانية‪ ،‬ل نعدو‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحقيقة إذا قلنا انها تعتبر خلفة لما عرفته حضارتنا السلمية‪ ،‬مبكرا‪ ،‬من‬
‫اشكال اولية وضنينة في " البيعة" و "المؤسسات"‪...‬‬
‫أما الجزئية التي تفترق فيها الشورى السلمية عن الديمقراطية الغربية‪،‬‬
‫فهي خاصة "بمصدر السيادة في التشريع البتدائي "‪...‬‬
‫فالديمقراطية تجعل "السيادة" في التشريع ابتداء للشعب والمة‪ ،‬إما‬
‫صراحة‪ ،‬وإما في صورة ما أسماه بعض مفكريها بـ " القانون الطبيعي " الذي‬
‫يمثل بنظرهم‪ -‬أصول الفطرة النسانية ‪ ...‬ومن ثم‪ ،‬فإن "السيادة"‪ ،‬وكذلك‬
‫"السلطة" في الديمقراطية‪ ،‬هما للنسان ‪ ...‬للشعب والمة ‪...‬‬
‫أما في الشورى السلمية‪ ،‬فإن " السيادة" في التشريع ابتداء‪ ،‬هي لله‪،‬‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬تجسدت في " الشريعة" التي هي " وضع إلهي " وليست‬
‫إفرازا ً بشريا ً ول طبيعيا ً ‪ ...‬وما للنسان في " التشريع" إل سلطة البناء على‬
‫هذه الشريعة اللهية‪ ،‬والتفصيل لمجملها‪ ،‬والستنباط من نصوصها وقواعدها‬
‫واصولها ومبادئها‪ ،‬والتفريع لكلياتها والتقنين لنظرياتها ‪ ...‬وكذلك‪ ،‬لهذا‬
‫النسان سلطة الجتهاد فيما لم ينزل به شرع سماوي‪ ،‬شريطة ان تظل‬
‫"السلطة البشرية" محكومة بإطار معايير الحلل والحرام الشرعي‪ ،‬أي‬
‫محكومة بإطار فلسفة السلم في التشريع ‪...‬‬
‫ولذلك كان الله سبحانه وتعالى في التصور السلمي‪ ،‬هو " الشارع" ل‬
‫النسان‪ ...‬وكان النسان هو "الفقيه"‪ ،‬ل الله ‪ ...‬فأصول الشريعة ومبادؤها‬
‫وثوابتها وفلسفتها إلهية‪ ،‬يتمثل فيها "حكم الله وحاكميته "‪...‬‬
‫أما البناء عليها‪ ،‬تفصيل ً وتنمية وتفريعا وتطويرا ً واجتهادا ً للمستجدات‬
‫ولمناطق "العفو" التي هي المساحة الوسع في المتغيرات الدنيوية‪ ،‬فهو فقه‬
‫وتقنين‪ ،‬تتمثل فيهما سلطات النسان‪ ،‬المحكومة بحاكمية الله ‪ ...‬وفي هذا‬
‫الجانب يتمثل الفارق الجوهري والختلف الساسي بين الشورى السلمية‬
‫وبين الديمقراطية الغربية ‪...‬‬
‫ولهذا التمايز والختلف –بين الشورى والديمقراطية‪ -‬صلة وثيقة بنظرة كل‬
‫من الحضارتين –السلمية‪-‬والغربية‪ -‬للكون‪ ،‬ولحدود نطاق عمل وتدبير الذات‬
‫اللهية ‪ ...‬وحدود تدبير النسان‪ ،‬ولمكانته في الكون ‪ ...‬وللعلقة بين النسان‬
‫وبين الله ‪...‬‬
‫ففي النظرة اليونانية القديمة‪ ،‬وخاصة عند "ارسطو" } ‪ 322-384‬ق م {‬
‫وهي التي مثلت تراث النهضة الغربية الحديثة – نجد أن الله قد خلق العالم‪،‬‬
‫وحركه‪ ،‬ثم تركه يعمل وفق طبائعه وقوانينه والسباب الذاتية المودعة فيه‪،‬‬
‫دونما تدخل أو رعاية او تدبير إلهي لحركة هذا العالم ‪ ...‬فالعالم هنا‪ ،‬وفي‬
‫هذه الفلسفة‪ ،‬مستقل بذاته ‪ ...‬بعد الخلق عن تدبير الله‪ ،‬وحاكمية شرائعه‬
‫السماوية ‪...‬‬
‫وهذه ‪ -‬النظرة لحدود التدبير اللهي‪ ،‬وجدناها في النهضة العلمانية الغربية‬
‫الحديثة تعتمد على المبدأ النجيلي الذي يجعل مالقيصر لقيصر ومالله لله‪،‬‬
‫فيفصل بين إطار التدبير اللهي الذي وقف عند "الخلق" وعند خلص الروح‬
‫ومملكة السماء – وبين إطار التدبير النساني – الذي أعطاه السيادة في‬
‫تدبير العمران النساني‪ ،‬والملكوت الدنيوي‪ ،‬دونما قيود من الحاكمية اللهية‬
‫على هذه السيادة والسلطة البشرية فكلما أن العالم في هذه الفلسفة‬
‫الغربية للديمقراطية – مستقل بذاته عن تدبير خالقه تديره السباب والقوى‬
‫الذاتية المودعة فيه ‪ ...‬فكذلك النسان في هذه الفلسفة مستقل بذاته‪ ،‬يدير‬
‫الدولة والمجتمع بالعقل والتجربة‪ ،‬دونما حاكمية إلهية ول رعاية شرعية‬
‫سماوية ‪ ...‬فهو "سيد الكون "‪ ،‬الحر والمختار بإطلق ‪ ...‬ومن هنا كانت له‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"السيادة" في التشريع‪ ،‬مع "السلطة" في التنفيذ‪ ،‬بتعميم وإطلق ‪ ...‬بل إن‬


‫له هذا الستقلل والحرية المطلقة في العلمانية الشاملة‪ ،‬منظومة للقيم‬
‫والخلق ‪.‬‬
‫هذا عن ‪ -‬البعد الفلسفي للرؤية الكونية ‪ ...‬ونطاق عمل الذات اللهية ‪...‬‬
‫ومكانة النسان في الكون ‪ ...‬وحريته وسيادته‪ ،‬في الساس الفلسفي‬
‫للديمقراطية الغربية ‪ ...‬والتي كانت‪ ،‬لذلك‪ ،‬علمانية – في النشأة والتطبيقات‬
‫‪...‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫أما في ‪ -‬النظرة السلمية‪ ،‬فان الله سبحانه وتعالى‪ ،‬ليس مجرد "خالق"‬
‫وفقط ‪ ...‬وإنما هو " خالق ‪ ...‬ومدبر " وكما أن خلقه دائم ابدا‪ ،‬فان تدبيره‬
‫دائم ابدا‪ ،‬وله "حاكمية" في التكوين وفي التشريع معا‪ ،‬ورعاية لكل عوام‬
‫المخلوقات‪ .‬ونحن نقرأ‪ ،‬في القرآن الكريم عن نطاق عمل الذات اللهية "‪" :‬‬
‫ال له الخلق والمر " ‪ ...‬قال فمن ربكما يا موسى ‪ ..‬قال ربنا الذي اعطى‬
‫كل شئ خلقه ثم هدى " وإذا كان الله سبحانه وتعالى‪ ،‬قد استخلف النسان‬
‫لعمران هذه الرض " واذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الرض خليفة " ‪...‬‬
‫فإن هذا الستخلف قد جعل النسان –في التصور السلمي‪ -‬بالمرتبة‬
‫الوسط ‪ ...‬فهو نائب ‪ ...‬ووكيل وحر ‪ ..‬وقادر ‪ ...‬ومستطيع ‪ ...‬ومبدع‪ ،‬لكن‬
‫في حدود الشريعة اللهية‪ ،‬التي هي بنود عقد وعهد الستخلف ‪ ...‬نعم‪ ،‬إنه‬
‫ليس الفاني في الذات اللهية ‪ ...‬لكنه‪ ،‬ايضًا‪ ،‬ليس "سيد الكون" وإنما خليفة‬
‫لسيد الكون ‪ ...‬وبعبارة المام محمد عبده } ‪ 1323-1265‬هـ ‪-1849‬‬
‫‪1905‬م { فإن هذا النسان " عبدالله وحده‪ ،‬وسيد لكل شئ بعده "‪.‬‬
‫إنه ‪ -‬النسان خلقه الله ‪ ...‬واستخلفه عن الله ل يخرجه من مظلة التدبير‬
‫اللهي‪ ،‬بل يجب أن يظل دائما ً وابدا ً في إطار هذه الرعاية وهذا التدبير‪ ،‬حتى‬
‫أن عبوديته لله هي قمة حريته‪ ،‬لنها هي التي تحرره من العبودية لكل‬
‫الطواغيت ‪ " ...‬قل إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ل‬
‫شريك له " وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " ولذلك‪ ،‬كانت شهادة أن ل إله‬
‫ال الله‪ ،‬جامعة لحرية النسان وتحرره‪ ،‬ولعبوديته لله وحده‪ ،‬حتى لكأنها‬
‫وجهان لعملة واحدة !‪..‬‬
‫‪ -‬تلك هي على وجه الحصر والتحديد‪ ،‬الجزئية الفلسفية التي تتمايز فيها‬
‫الشورى السلمية عن الديمقراطية الغربية ‪...‬‬
‫أما ما ‪ -‬عدا ذلك‪ ،‬من تأسيس الحكم والسلطة على رضا المة وراي‬
‫الجمهور واتجاه الرأي العام ‪ ...‬وجعل السلطة في اختيار الحكام‪ ،‬وفي‬
‫مراقبتهم ومحاسبتهم‪ ،‬وفي عزلهم‪ ،‬هي للمة ‪ ...‬وكذلك لك اختيار الليات‬
‫والنظم النيابية لتكوين المؤسسات الممثلة لسلطات التقنين والتنفيذ‬
‫والرقابة والقضاء ‪ ...‬فإنها على وجه الجمال مساحة اتفاق بين الديمقراطية‬
‫الغربية وبين الشورى السلمية ‪..‬‬
‫وكذلك ‪ -‬الحال مع مبدأ ونظام الفصل بين السلطات –سلطات التشريع‬
‫والتنفيذ والقضاء ‪ ...‬وهو المبدأ الذي تعارفت عليه الديمقراطية الغربية ‪...‬‬
‫فإنه مما تقبله وتحتاجه الشورى السلمية ‪ ...‬بل ربما ذهبت فيه تجربة‬
‫الحضارة السلمية أبعد وأعمق وأفضل مما ذهبت التجارب الديمقراطية‬
‫الغربية‪ ،‬ذلك أن تمييز سلطة الجتهاد الفقهي في النظام الشوري السلمي‬
‫عن السلطات الرقابية والتنفيذية والقضائية‪ ،‬يجعل السلطات –في النظام‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمي ‪ ...‬اربعا ً بدل ً من ثلث ‪ ...‬كما يجعل سلطة التشريع فوق الدولة‪،‬‬
‫بسبب إلهية الشريعة‪ ،‬المر الذي يحرر القانون من سلطان الستبداد‬
‫البشري والهواء البشرية ‪ ...‬وفوق ذلك‪ ،‬يحقق هذا النظام السلمي الفصل‬
‫الحقيقي بين السلطات‪ ،‬ذلك أن التجربة الديمقراطية الغربية‪ ،‬التي آلت فيها‬
‫سلطة التشريع للبرلمان‪ ،‬قد جعلت –من الناحية العملية‪ -‬سلطة التشريع‬
‫وسلطة التنفيذ متماهيتان في الهيئة البرلمانية لحزب الغلبية الحاكم‪ ،‬المر‬
‫الذي جعل الفصل الحقيقي بين سلطتي التشريع والتنفيذ باهتا ً الى حد‬
‫كبير ‪ ...‬أما استقلل سلطة خاصة بالجتهاد والتقنين‪ ،‬مع التزامها بحاكمية‬
‫الشريعة اللهية‪ ،‬فهو القرب الى تحقيق مبدأ فصل السلطات‪ ،‬والكثر تحقيقا‬
‫لسيادة القانون على باقي السلطات ‪...‬‬
‫ولقد ‪ -‬أدرك هذه الحقيقة – حقيقة هذا التمايز بين الشورى السلمية وبين‬
‫الديمقراطية الغربية ‪ ...‬في عصور القانون بكل منهما –العلماء الغربيون‬
‫الذين خبروا وتخصصوا في الشريعة السلمية وفي القانون الروماني‪،‬‬
‫وقارنوا بين الفقه السلمي وبين المدونات القانونية في الحضارة الغربية ‪...‬‬
‫أدركوا هذه الحقيقه‪،‬ولفتوا إليها النظار وسلطوا عليها الضواء ‪...‬‬
‫لقد ‪ -‬كتب المستشرق " دافيد دي سانتيلنا " }‪1931 – 1845‬م { عن‬
‫فلسفة التشريع في القانون الوضعي الغربي " إن معنى الفقه والقانون‬
‫بالنسبة إلينا وإلى السلف ‪ :‬مجموعة من القواعد السائدة التي اقرها‬
‫الشعب‪ ،‬إما رأسا ً أو عن طريق ممثلية÷ وسلطانه مستمد من الرادة‬
‫والدراك وأخلق البشر وعاداتهم "‪.‬‬
‫‪ -‬فهو قانون "دنيوي" أي "علماني" خالص الدنيوية ‪...‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ثم ‪ -‬استطرد " سانتيلنا "‪ ،‬مقارنا هذه الفلسفة العلمانية للقانون في‬
‫الديمقراطية الغربية‪ ،‬بالفلسفة السلمية في التشريع والفقه السلمي‪،‬‬
‫فقال " إل أن التفسير السلمي للقانون هو خلف ذلك ‪ ...‬فالخضوع للقانون‬
‫السلمي هو واجب اجتماعي وفرض ديني في الوقت نفسه‪ ،‬ومن ينتهك‬
‫ً‬
‫حرمته ل يأثم تجاه النظام الجتماعي فقط‪ ،‬بل يقترف خطيئة دينية ايضا ‪...‬‬
‫فالنظام القضائي والدين‪ ،‬والقانون والخلق‪ ،‬هما شكلن ل ثالث لها لتلك‬
‫الرادة التي إستمد منها المجتمع السلمي وجوده وتعاليمه‪ ،‬فكل مسألة‬
‫قانونية إنما هي مسألة ضمير ‪ ...‬والصبغة الخلقية تسود القانون ‪...‬‬
‫فالشريعة السلمية شريعة دينية تغاير أفكارنا اصل ً ‪."...‬‬
‫وذات ‪ -‬هذه الحقيقة – حقيقة اختلف فلسفة الشورى وقانونها السلمي عن‬
‫الديمقراطية وقانونها الوضعي العلماني –يؤكد عليها المستشرق السويسري‬
‫" مارسيل بوازار " ‪ ...‬فيقول –عن اختلف المصدر والمقاصد بينهما ‪...‬‬
‫) ومن المفيد أن نذكر فرقا ً جوهريا ً بين الشريعة السلمية والتشريع الدبي‬
‫الحديث ‪ ،‬سواء في مصدريهما المتخالفين‪ ،‬او في اهدافهما النهائية ‪...‬‬
‫فمصدر القانون في الديمقراطية الغربية هو ‪ :‬ارادة الشعب‪ ،‬وهدفه‪ :‬النظام‬
‫والعدل داخل المجتمع أما السلم‪ ،‬فالقانون صادر عن الله‪ ،‬وبناء عليه يصير‬
‫الهدف الساسي الذي ينشده المؤمن هو البحث عن التقرب الى الله‪،‬‬
‫باحترام الوحي والتقيد به ‪ ...‬فالسلطة يجب في السلم تفرض عددا ً من‬
‫المعايير الخلقية ‪ ...‬بينما تسمح في الطابع الغربي ان يختار الناس المعايير‬
‫حسب الحتياجات والرغبات السائدة في عصرهم ‪(...‬‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هكذا ‪ -‬شهد العلماء الخبراء الغربيون بالتمايز –في البعد الفلسفي‪ -‬بين‬
‫الشورى السلمية وفقهها وبين الديمقراطية الغربية وقانونها ‪...‬‬
‫إن ‪ -‬الشورى في حقيقتها‪ -‬هي اسم من "المشاورة" ‪ ...‬والمشاورة هي‬
‫استخراج الرأي فهي –في حد ذاتها‪ -‬أدخل في "الليات" ‪ ...‬آليات استخراج‬
‫الرأي ‪ ...‬وهي –بهذا العتبار‪ -‬ليمكن ان تكون نقيضا ً لليات الديمقراطية ‪...‬‬
‫اما التمايز بينهما فإنه يأتي في الموضوع الذي تعمل فيه هذه الليات ‪ ...‬وفي‬
‫نطاق عمل هذه الليات ‪ ...‬فعلى حين ل تعرف الديمقراطية حدودا إلهية‬
‫لسلطات عمل وإعمال آلياتها‪ ،‬تميز الشورى السلمية بين نطاقين من‬
‫"المر" ‪ ...‬أمر هو لله ‪ ..‬أي تدبيره الذي يختص به سبحانه ‪" ...‬وأمر"‪ ،‬اي‬
‫تدبير‪ ،‬هو في مقدور النسان‪ ،‬وفيه تكون شوراه ‪ ...‬وفي القرآن الكريم عن‬
‫"المر" الول ) ال له الخلق والمر ( – وعن " المر " الثاني " ) أمره ‪...‬‬
‫وتدبيره ( ‪ ...‬وبحكم خلفة النسان لله‪ ،‬سبحانه وتعالى‪ ،‬فان " امره ‪...‬‬
‫وتدبيره " أي حاكميته النسانية محكومة بإطار و ) امر الله وتدبيره ( التي‬
‫هي حاكمية الله وحدود شريعته اللهية‪...‬‬
‫ففي ‪ -‬المرجعية ‪ ...‬وفي الفلسفة ‪ ...‬وفي الحدود ‪ ...‬وفي المقاصد يرد‬
‫التمايز بين الشورى السلمية وبين الديمقراطية الغربية ‪ ...‬وليس في‬
‫الليات ‪ ...‬والمؤسسات ‪ ...‬والنظم ‪ ...‬والخبرات ‪...‬‬
‫ان ‪ -‬الديمقراطية كفكر وضعي وفلسفة دنيوية لتمد بصرها الى ما هو ابعد‬
‫من صلح دنيا النسان‪ ،‬بالمقاييس الدنيوية لهذا الصلح ‪ ...‬على حين نجد‬
‫الشورى كفريضة الهية تربط بين صلح الدنيا وسعادة الخرة‪ ،‬فتعطي الصلح‬
‫الدنيوي بعدا دينيا‪ ،‬يتمثل في المعيار الديني لهذا الصلح‪.‬‬
‫مع ‪ -‬ضرورة التنبيه والتأكيد على أن الستبداد مفسد للدنيا والخرة جميعا‪،‬‬
‫ذلك ان " نظام الدين كما يقول حجة السلم ابو حامد الغزالي }‪-450‬‬
‫‪505‬هـ ‪1111 – 1058‬م { ل يحصل ال بنظام الدنيا ‪ ...‬فنظام الدين‪،‬‬
‫بالمعرفة والعبادة ل يتوصل اليهما ال بصحة البدن‪ ،‬وبقاء الحياة‪ ،‬وسلمة قدر‬
‫الحاجات‪ ،‬من‪ :‬الكسوة والمسكن والقوات والمن ‪ ...‬فل ينتظم الدين ال‬
‫بتحقيق المن على هذه المهمات الضرورية ‪ ...‬فنظام الدنيا شرط النظام‬
‫الدين "‪.‬‬
‫فحتى ‪ -‬لو وقفت فوائد الديمقراطية عند صلح الدنيا‪ ،‬فيجب عدم الستهانة‬
‫بذلك‪ ،‬وخاصة اذا كان البديل هو الستبداد‪ ،‬المفسد للفرد والمجموع‪ ،‬وللدين‬
‫والدنيا جميعا !‪...‬‬
‫‪ -‬وأخيرا ً ‪ ...‬فسواء أكان أمر الشورى السلمية‪ ،‬أو أمر الديمقراطية الغربية‪،‬‬
‫فان هناك فارقا ً بين " المثال " وبين " الواقع " عند الممارسة والتطبيق ‪...‬‬
‫وإنها لحكمة إلهية أن تظل التطبيقات لكل المبادئ والفلسفات دون " المثال‬
‫" الذي يصوره الفكر لهذه المبادئ والفلسفات‪ ،‬وذلك حتى يظل السعي‬
‫النساني دائبا ً ودائما ً على طريق القتراب "بالواقع" من " المثال " فينفسح‬
‫المل دائما ً وأبدا ً أمام التسابق النساني على طريق التقدم والرتقاء ‪ ...‬وإل‬
‫فلو حقق النسان كامل المثال ل نتهي " جدول أعمال " الحياة النسانية‪،‬‬
‫وحل القنوط محل التطلع لتحقيق المزيد من المال ‪...‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫لقد ‪ -‬كانت تطبيقات الشورى السلمية‪ ،‬في تأريخ المة والحضارة السلمية‪،‬‬
‫ادنى بكثير من جدا ً من " مثال " هذه الشورى في الفكر السلمي ‪ ...‬وكذلك‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حال التطبيقات الغربية للديمقراطية‪ ،‬لم تمنع هذه الحضارة الديمقراطية من‬
‫انتاج العنصرية ‪ ...‬والحروب الدينية ‪ ...‬والقومية ‪ ...‬والستعمارية والنظم‬
‫الفاشية ‪ ...‬والحروب الكونية التي جعلت هذه المجتمعات الديمقراطية‬
‫تتفوق على وحشية النسان البدائي في البادة والتدمير!‪ ...‬ولم تمنعها من‬
‫أثرة الرأسمالية المتوحشة‪ ،‬التي جعلت وتجعل ‪ %20‬من البشر _ هم سكان‬
‫الشمال الديمقراطي –يتأثرون بـ ‪ %86‬من خيرات العالم‪ ،‬تاركين ‪ %14‬من‬
‫ثروات العالم لـ ‪ %80‬من السكان !! ‪ ...‬ناهيكم عن أن هذه التطبيقات‬
‫الغربية للديمقراطية لم تمنع من أن تكون التجارة الولى للدول الديمقراطية‬
‫هي تجارة السلح ‪ ...‬تليها تجارة المخدرات ‪ ...‬تليها تجارة الدعارة!! ‪ ...‬ولم‬
‫تمنعها من ان يكون ماينفق على القطط والكلب والخمور والترف المستفز‬
‫اضعاف ما ينفق على الصحة والغذاء والتعليم!‪..‬‬
‫فل ‪ -‬الشورى تمثل الوصفة السحرية للتقدم والصلح ‪ ...‬ول الديمقراطية‬
‫هي الحل السحري لمشكلت المجتمعات المعاصرة ‪ ...‬وإنما الحل هو الكدح‬
‫النساني كي تكون التطبيقات للشورى ‪ ...‬او الديمقراطية – اقرب ما تكون‬
‫إلى تحقيق إنسانية النسان‪.‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫‪ .1‬القرطبي ) الجامع لحكام القرآن ( ج ‪ 2‬ص ‪ ،249‬طبعة دار الكتب‬
‫المصرية – القاهرة‪.‬‬
‫‪ .2‬روى البخاري ذلك في البيعة العامة للراشد الثالث عثمان بن عفان‪.‬‬
‫‪ .3‬انظر ‪ ) :‬موسوعة السياسة ( المؤسسة العربية للدراسات والنشر –‬
‫بيروت ‪1981‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬سانتيلنا )القانون والمجتمع( ضمن كتاب )تراث السلم( ص ‪،438 ،411‬‬
‫‪ 431‬ترجمة جريس فتح الله‪ .‬طبعة بيروت سنة ‪1972‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬لواء احمد عبدالوهاب )السلم في الفكر العربي ( نصوص ص ‪83 – 81‬‬
‫طبعة القاهرة سنة ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬الغزالي ) القتصاد في العتقاد ( ص ‪ 135‬طبعة مكتبة ومطبعة صبيح –‬
‫القاهرة بدون تاريخ‪.‬‬
‫* كاتب إسلمي مصري‬

‫)‪(8 /‬‬

‫الشورى سبيل هداية‬


‫)الشبكة السلمية(‬
‫ما قالوا‪ :‬ما خاب من استخار ول ندم من استشار‪ ،‬وعلى الجانب الخر‬ ‫قدي ً‬
‫دا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫قالوا‪ :‬من أعجب برأيه ضل‪ ،‬وقالوا‪ :‬من استبد برأيه كان من الصواب بعي ً‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫ل‬‫ل ‪ .. .. ..‬واقبل نصيحة ناصٍح متفض ِ‬ ‫م ْ‬
‫شك ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫شاور صديقك في الخفي ال ُ‬
‫ل‬ ‫ّ‬
‫م وتوك ِ‬
‫فالله قد أوصى بذاك نبيه ‪ .. .. ..‬في قوله شاورهُ ُ‬
‫إن الشورى هي استنباط المرء الرأي من غيره فيما يعرض له من مشكلت‬
‫المور‪.‬‬
‫ً‬
‫ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس رأًيا فضل عن كونه‬
‫دا بالوحي اللهي فقد أمره الله تعالى بمشاورة أصحابه ليعلم المة ما‬ ‫مؤي ً‬
‫في المشاورة من الفضل‪ ،‬ولتقتدي به أمته من بعده‪ ،‬حيث يقول الله لنبيه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪} :‬وشاورهم في المر{ ]آل عمران‪.[159:‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما وصف الله تبارك وتعالى مجتمع المؤمنين بالعديد من الصفات الكريمة‬
‫س من الشورى‪} :‬وأمرهم‬ ‫التي كان من أهمها‪ :‬قيام المجتمع على أسا ٍ‬
‫شورى بينهم{ ]الشورى‪.[38:‬‬
‫الشورى من قواعد الشريعة‪:‬‬
‫من ل‬‫قال ابن عطية‪ :‬والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الحكام‪َ ،‬‬
‫يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب‪ ،‬هذا ما ل خلف فيه‪ ،‬وقد مدح الله‬
‫ت قط حتى‬ ‫غبن ُ‬‫المؤمنين بقوله‪} :‬وأمرهم شورى بينهم{‪ .‬قال أعرابي‪ :‬ما ُ‬
‫ي ُْغبن قومي‪ .‬قيل‪ :‬وكيف ذلك؟ قال‪ :‬ل أفعل شيًئا حتى أشاورهم‪.‬‬
‫داَد‪ :‬واجب على الولة مشاورة العلماء فيما ل يعلمون وما‬ ‫من ْ َ‬‫خوَْيز َ‬
‫وقال ابن ُ‬
‫أشكل عليهم من أمور الدين‪ ،‬ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب‪ ،‬ووجوه‬
‫الناس فيما يتعلق بالمصالح‪ ،‬ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق‬
‫بمصالح البلد وعمارتها‪ ،‬وكان يقال‪ :‬ما ندم من استشار‪ ،‬وكان يقال‪ :‬من‬
‫ُأعجب برأيه ضل‪.‬‬
‫صفات المستشار‪:‬‬
‫ينبغي للحازم أن يشاور في أمره ذا الرأي الناصح والعقل الراجح‪ ،‬وقد‬
‫طا خمسة‪:‬‬‫اشترطوا لهلية المستشار شرو ً‬
‫ل‪ ،‬مع تجربة سالفة‪ ،‬قال أبو السود الدؤلي‪:‬‬ ‫ل كام ٌ‬‫‪ -1‬عق ٌ‬
‫ب‬‫حه ‪ .. ... ..‬ول كل مؤت ُنصحه بلبي ِ‬ ‫ص َ‬
‫وما كل ذي لب بمؤتيك ن ُ ْ‬
‫ب‬‫ولكن إذا ما استجمعا عند صاحب ‪.. ... ..‬فحق له من طاعة بنصي ِ‬
‫وقال بعضهم‪ :‬شاور من جرب المور ؛ فإنه يعطيك من رأيه ما دفع عليه غالًيا‬
‫وأنت تأخذه مجاًنا‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون ذا دين وتقى؛ فقد ورد في الثر عن ابن عباس رضي الله عنهما‪:‬‬
‫ما وفقه الله لرشد أموره‪.‬‬ ‫من أراد أمًرا فشاور فيه امرًءا مسل ً‬
‫إن الرسول صلى الله عليه وسلم بّين أن "المستشار مؤتمن" فإذا كان ذا‬
‫دين أدى المانة كما ينبغي‪.‬‬
‫دقان الفكرة ويخلصان‬ ‫حا ودوًدا؛ فإن النصح والمودة ُيص ّ‬ ‫‪ -3‬أن يكون ناص ً‬
‫الرأي‪،‬قال القرطبي‪:‬وصفة المستشار في أمور الدنيا أن يكون عاقل مجربا‬
‫واّدا في المستشير‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون سليم الفكر من هم قاطع وغم شاغل‪ ،‬فإن من عارضت فكره‬
‫شوائب الهموم ل يسلم له رأي‪ ،‬ول يستقيم له خاطر‪.‬‬
‫ض يتابعه‪ ،‬ول هوىً يساعده؛ فإن‬ ‫‪ -5‬أل يكون له في المر المستشار فيه غر ٌ‬
‫الرأي إذا عارضه الهوى وجاذبته الغراض فسد‪.‬‬
‫الرسول يشارو أصحابه‪:‬‬
‫ولقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في العديد من‬
‫القضايا والمسائل‪ ،‬فقد استشارهم في أسارى بدر‪ ،‬فأشار أبو بكر بالفداء‪،‬‬
‫وأشار عمر بالقتل‪ ،‬فمال إلى رأي أبي بكر‪ .‬واستشار أصحابه في الخروج‬
‫لبدر فأشاروا بما قرت به عينه‪،‬كما أشار عليه بعضهم في هذه الغزوة‬
‫بالنزول قريبا من آبار بدر ومنع المشركين من الماء وهو ما كان له أكبر الثر‬
‫في نتيجة المعركة‪ .‬واستشارهم في أحد واستجاب لرأيهم مع أنه على خلف‬
‫رأيه‪ .‬واستشارهم في غزوة الحزاب وكان من بركة الستشارة أن هدى الله‬
‫سلمان للنصح بحفر الخندق‪ .‬وفي الحديبية استشار زوجه أم سلمة رضي‬
‫الله عنها‪ ،‬فأشارت عليه بما هو خير للمسلمين‪.‬‬
‫الخلفاء يشاورون‪:‬‬
‫ولقد سار الخلفاء الراشدون على نهج نبيهم صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكانوا ل‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستبدون برأي‪ ،‬بل يشاورون أهل الديانة والتقى والخبرة‪ .‬هذا أبو بكر كان إذا‬
‫ورد عليه المر نظر في كتاب الله‪ ،‬فإن وجد منه ما يقضي به قضى بينهم‪،‬‬
‫وإن علمه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به‪ ،‬وإن لم يعلم‬
‫خرج فسأل المسلمين عن السنة‪ ،‬فإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين‬
‫وعلماءهم واستشارهم‪.‬‬
‫وهذا عمر يشاور أصحابه وقصة مشاورته المسلمين عند خروجه إلى الشام‪،‬‬
‫وقد وقع الطاعون بها مشهورة معروفة‪ .‬وهكذا كان عثمان وعلي رضي الله‬
‫عنهم وأرضاهم أجمعين‪ .‬فهل لك فيهم أسوة؟ وهل ّ استهديت بآراء ونصائح‬
‫ذوي اللباب التقياء حتى تكون مشورتهم مؤازرة لك وسبيل هداية؟!‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشورى في السلم‬
‫إعداد ‪ /‬باسل علوظي برلين ‪5/9/1424‬‬
‫‪30/10/2003‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪...‬وبعد‪،‬‬
‫ضوا ْ‬‫ف ّ‬ ‫َ‬
‫ب لن َ‬ ‫ْ‬
‫قل ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت فظا غِليظ ال َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م وَل َوْ ُ‬
‫كن َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬‫ن الل ّهِ ِلن َ‬ ‫م َ‬‫مةٍ ّ‬ ‫ح َ‬‫ما َر ْ‬ ‫قال تعالى‪} :‬فَب ِ َ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ت فَت َوَك ّ ْ‬‫م َ‬ ‫مرِ فَإ َِذا عََز ْ‬ ‫م ِفي ال ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬‫فْر ل َهُ ْ‬
‫ست َغْ ِ‬
‫م َوا ْ‬ ‫ف عَن ْهُ ْ‬ ‫ك َفاعْ ُ‬ ‫حوْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن{‪159 -‬سورة آل عمران‪.‬‬ ‫لي‬‫ّ‬ ‫ك‬ ‫و‬
‫ُ َ َ ِ َ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ب‬ ‫ح‬
‫َ ُ ِ ّ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫ِ ِ ّ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫شوَرى‬ ‫م ُ‬ ‫ه‬‫ر‬ ‫م‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ص‬‫ال‬ ‫موا‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫بوا‬ ‫جا‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ذين‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬
‫ّ َ َ ْ ُ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ ُ َِ ِّ ْ َ‬ ‫َ ِ‬
‫م‪38 {...‬سورة الشورى‪.‬‬ ‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الية‪" :‬أي ل يبرمون أمرا حتى‬
‫يتشاوروا فيه"‪.‬‬
‫وروى ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال‪ :‬سئل رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عن العزم‪ ،‬فقال‪" :‬مشاورة أهل الرأي ثم‬
‫إتباعهم"‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"المستشار مؤتمن"‪.‬‬
‫وروى المام أحمد رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‬
‫لبي بكر وعمر‪" :‬لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما"‪ .‬قال الشيخ د‪/‬‬
‫يوسف القرضاوي حفظه الله في كتابه السياسة الشرعية في ضوء نصوص‬
‫الشريعة ومقاصدها‪" :‬معناه‪ :‬أنه يرجح رأي الثنين على رأي الواحد ولو كان‬
‫هو رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪ .‬وقال حفظه الله‪" :‬سمي أهل‬
‫الشورى في السلم أهل الحل والعقد فإذا لم يكن لرأيهم وزن فماذا يحلون‬
‫ويعقدون إذا؟"‪.‬‬
‫والمتأمل لسيرته صلى الله عليه وسلم يجده كثير التشاور مع أصحابه وحتى‬
‫مع زوجاته عليه السلم‪ ،‬بل كان أصحابه رضي الله عنهم يبادرونه بالرأي‬
‫والمشورة‪ ،‬فكانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أهو الرأي‬
‫والمشورة أم هو وحي من الله‪ ،‬فإذا قال بل الرأي والمشورة بادروه بآرائهم‪،‬‬
‫وكان عليه السلم يأخذ بآرائهم إذا شاورهم أو بادروه بالمشورة إل إذا حسم‬
‫المر بالوحي‪ ،‬وكان ينزل عند رأي الجمهور – الغلبية – حتى وإن كان يرى‬
‫غيره أفضل منه‪ ،‬وسيأتي مثال مشهور من سيرته على ذلك‪ ،‬وكان عليه‬
‫السلم أمر الصحابة مرة بعدم تأبير النخل )تلقيحه( فلما تركوه لم يحمل‬
‫النخل ثمًرا‪ ،‬فعاد وقال لهم‪ ..." :‬أنتم أدرى بأمور دنياكم"‪ .‬وهذا تشريع وليس‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مجاملة يطيب بها خاطرهم‪ ،‬ولم يكن هذا الحدث عبثا بل جعله الله ليشرع به‬
‫هذا الموقف المهم‪.‬‬
‫وفي تفسير قوله تعالى‪" :‬وشاورهم في المر" يقول شهيد الصحوة‬
‫السلمية سيد قطب – رحمه الله‪ -‬الذي قال كلمة حق أمام سلطان جائر‬
‫فقتله‪ ،‬في كتابه المعروف "في ظلل القرآن"‪ :‬يقرر السلم هذا المبدأ في‬
‫نظام الحكم – حتى ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يتوله‪،‬‬
‫وهو نص قاطع ل يدع للمة المسلمة شكا في أن الشورى مبدأ أساسي‪ ،‬ل‬
‫يقوم نظام السلم على أساس سواه‪...‬‬
‫أما شكل الشورى والوسيلة التي تتحقق بها‪ ،‬فهذه أمور قابلة للتحوير‬
‫والتطوير وفق أوضاع المة وملبسات حياتها‪ ،‬وكل شكل وكل وسيلة‪ ،‬تتم بها‬
‫حقيقة الشورى – ل مظهرها – فهي من السلم‪.‬‬
‫وقد نزلت هذه الية بعد هزيمة المسلمين في "أحد" وكان رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يميل إلى البقاء في المدينة ومواجهة من يدخلها عليهم في‬
‫الداخل‪ ،‬ولكنه نزل على رأي جمهور الصحابة الذين أرادوا الخروج لملقاة‬
‫العدو خارج المدينة فنزلت الية‪" :‬فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في‬
‫المر" ليقرر مبدأ الشورى في مواجهة أخطر الخطار التي واجهت استعماله‪،‬‬
‫وليثبت هذا المبدأ في حياة المة المسلمة‪ ،‬أًيا كانت الخطار التي تقع في‬
‫أثناء التطبيق‪ ،‬وليسقط الحجة الواهية التي تثار لبطال هذا المبدأ في حياة‬
‫المة المسلمة‪ ،‬كلما نشأ عن استعماله بعض العواقب التي تبدو سيئة‪ ،‬ولو‬
‫كان هو انقسام الصف كما وقع في "أحد" والعدو على البواب‪ ،‬لن وجود‬
‫المة الراشدة مرهون بهذا المبدأ‪ ،‬ووجود المة الراشدة أكبر من كل خسارة‬
‫أخرى في الطريق‪...‬‬
‫ويقول الشيخ د‪ /‬يوسف القرضاوي في "الفتاوى المعاصرة"‪:‬‬
‫"ومن القواعد الشرعية المقررة‪ :‬أن ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب‪ ،‬وأن‬
‫المقاصد الشرعية المطلوبة‪ ،‬إذا تعينت لها وسيلة لتحقيقها‪ ،‬أخذت هذه‬
‫الوسيلة حكم ذلك المقصد"‪.‬‬
‫عا ما يمنع اقتباس فكرة نظرية أو حل عملي‪ ،‬من غير‬ ‫ول يوجد شر ً‬
‫المسلمين‪ ،‬فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بفكرة "حفر الخندق" وهو‬
‫من أساليب الفرس‪.‬‬
‫ويقول‪" :‬أن من حقنا أن نقتبس من غيرنا من الفكار والساليب والنظمة ما‬
‫ما‪ ،‬ول قاعدة شرعية ثابتة‪ .‬وعلينا أن‬ ‫صا محك ً‬
‫يفيدنا‪ ....‬ما دام ل يعارض ن ً‬
‫نحور فيما نقتبسه‪ ،‬ونضيف إليه‪ ،‬ونضفي عليه من روحنا ما يجعله جزًءا منا‪،‬‬
‫ويفقده جنسيته الولى‪) .‬من كتاب الحل السلمي فريضة وضرورة(‪.‬‬
‫الخلفاء الراشدون والشورى‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع أهل الحل والعقد من‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من النصار ومن قريش لتنصيب‬
‫خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم )وأهل بيته وأبناء عمومته عليه‬
‫الصلة والسلم كانوا منشغلين بتكفين جثمانه الشريف صلى الله عليه‬
‫وسلم( فأخذوا يتناقشون حول كيفية ترشيح الخليفة‪ ،‬أيكون من النصار؟ أم‬
‫من المهاجرين؟ أم واحد من هؤلء وواحد من هؤلء؟ حتى استقروا بعد‬
‫نقاش مستفيض على أبي بكر رضي الله عنه وبايعوه جميًعا ثم خرج يخطب‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الناس خطبة توليه الخلفة وقبوله البيعة‪ ،‬فكان مما قال‪" :‬أيها الناس إني‬
‫قد وليت عليكم ولست بخيركم‪ ،‬فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن‬
‫رأيتموني على باطل فقوموني‪ ،‬أطيعوني ما أطعت الله فيكم‪ ،‬فإن عصيته‬
‫فل طاعة لي عليكم‪."...‬‬
‫وبعد حكم عامين أوصى أبو بكر بالخلفة لعمر رضي الله عنهما – وذلك‬
‫بعدما استشار كبار الصحابة – ولم تنعقد الخلفة لعمر )رضي الله عنه(‬
‫بمجرد وصية أبي بكر )رضي الله عنه(‪ ،‬بل كانت هذه الوصية بمثابة ترشيح‬
‫من أبي بكر لعمر‪ ،‬وكان عمر الفاروق هو المرشح الوحيد الذي اختاره أبو‬
‫بكر لدرايته به وبإمكانياته وأمانته وجدارته وتوقعه قبول الناس به‪ ،‬فلما مات‬
‫أبو بكر )رضي الله عنه( أعلن أهل الحل والعقد قبولهم بعمر – مرشح أبي‬
‫بكر )رضي الله عنه( – لهذا المنصب‪ ،‬فبايعوه ليبايعه عامة الناس من‬
‫عا لعمر )رضي الله عنه( وليس‬ ‫ورائهم‪ ،‬وبهذه البيعة انعقدت الخلفة شر ً‬
‫بمجرد ترشيح أبي بكر له‪ ،‬فخطب بالناس خطبة شبيهة بخطبة أبي بكر‪،‬‬
‫جا فليقومني‪"...‬ويرد عليه‬ ‫وكان مما قال فيها‪" :‬أيها الناس من رأى في اعوجا ً‬
‫واحد من الجمهور أمام الناس فيقول‪" :‬والله يا ابن الخطاب لو رأينا فيك‬
‫جا لقومناه بحد سيوفنا!"‪.‬‬ ‫اعوجا ً‬
‫فكان يحض الناس ويشجعهم ويفتح لهم الباب للتدخل لتقويمه وإصلح‬
‫خطأه‪ ،‬فلم تكن البشرية آنذاك قد عرفت مجالس الشورى المنتخبة ذات‬
‫الصلحية الرسمية لمحاسبة الرئيس إذا ظهر منه اعوجاج عن الدستور‬
‫المنظم لمصالح البلد‪ ،‬ولو كانت موجودة وقتها لسارع عمر رضي الله عنه‬
‫لسلمتها لحماية دستور المة السلمية )الشريعة المستقاة من القرآن‬
‫والسنة الصحيحة‪ (..‬من استبداد أمير أو حتى سهوه وخطأه غير المتعمد‪،‬‬
‫حتى ولو كان ذلك المير هو عمر نفسه رضي الله عنه‪ ،‬فما أحرصه وأغيره‬
‫على هذه المانة العظيمة – هذا الدين الحنيف ‪ ،-‬فهو الذي قام بأسلمة نظام‬
‫الديوان الفارسي وطوعه لخدمة السلم والمسلين‪.‬‬
‫وهو الذي ردت عليه امرأة رأيه وهو فوق المنبر أمام الناس‪ ،‬فلم يجد في‬
‫نفسه غضاضة‪ ،‬بل قال أمام المل‪" :‬أصابت امرأة وأخطاء عمر" وتراجع عن‬
‫رأيه‪.‬‬
‫وكان عمر رضي الله عنه إذا حزبه أمر لم يجده في الكتاب والسنة‪ ،‬جمع له‬
‫أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وجعله شورى بينهم!‪.‬‬
‫ومن شدة حرصه على مصلحة المة حين أراد أن يرشح لهم خليفة – ولم‬
‫دا يعلم أن المة ستجتمع عليه‪ -‬فيسميه ويرشحه للخلفة‬ ‫دا مميًزا ج ً‬ ‫يجد واح ً‬
‫من بعده‪ ،‬كما فعل أبو بكر رضي الله عنه فاختار من الصفوة ستة‪ ،‬رشحهم‬
‫ن لهم أول نظام عرفه العالم في‬ ‫لهذا المنصب‪ ،‬ولم يكتف بذلك بل وس ّ‬
‫انتخاب الرئيس‪ ،‬وذلك قبل ظهور ديموقراطية أوروبا بأكثر من ألف عام‪،‬‬
‫ففي ذلك الوقت ما كانت تعرف البشرية هذه النتخابات‪ ،‬وكان للفرس ملك‬
‫)شاه( يدعى كسرى‪ ،‬وكان للروم ملوك هم القياصرة يتوارثون الملك‬
‫ويستبدون بالشعوب بل رقيب ول حسيب ول دستور ضابط أو مرجعية تحسم‬
‫الخلف‪ .‬وكان للسلم دستور هو القرآن والسنة ومرجعية وهم العلماء الذين‬
‫يستنبطون الحكام من القرآن والسنة وفق منهج بينه لنا رسولنا الكريم عليه‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ل وَإ َِلى أوِْلي ال ْ‬
‫مرِ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫الصلة والسلم‪ ،‬قال تعالى‪" }:‬وَل َوْ َرّدوه ُ إ َِلى الّر ُ‬
‫م { ‪ -83‬النساء‪ .‬الذين يستنبطونه هم العلماء‪،‬‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ه ِ‬‫طون َ ُ‬‫سَتنب ِ ُ‬
‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬
‫م ُ‬‫ل َعَل ِ َ‬
‫فأولو المر ليسو فقط المراء بل هم المراء والعلماء‪ ،‬وهي بصيغة الجمع‬
‫كناية عن أهل الحل والعقد‪ ،‬فلم يقل سبحانه إلى المير أو إلى الخليفة بل‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫طيُعوا ْ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫مُنوا ْ أ ِ‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫قال‪" :‬وإلى أولي المر منهم"‪ ،‬وقال تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫وأ َطيعوا ْ الرسو َ ُ‬
‫يٍء فَُرّدوهُ إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫م ِفي َ‬ ‫منك ُ ْ‬
‫م فَِإن ت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫مرِ ِ‬
‫ل وَأوِْلي ال ْ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ ِ ُ‬
‫ً‬
‫ن ت َأِويل{‪-59‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫س ُ‬‫ح َ‬
‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫خرِ ذل ِك َ‬ ‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬‫مُنو َ‬
‫م ت ُؤ ِ‬
‫ل ِإن كنت ُ ْ‬
‫سو ِ‬
‫َوالّر ُ‬
‫النساء‪ ،‬ففي الشطر الثاني عند ذكر النزاع لم يذكر ولة المر لنهم قد‬
‫يكونون طرًفا في النزاع فإلى من يرد المر عندها؟ إلى الله والرسول‪ ،‬ومن‬
‫يستنبط حكم الله والرسول؟ هم العلماء ومن يفصل في النزاع إذا كان ولي‬
‫المر طرًفا فيه؟ هم القضاة‪ ،‬وهذا وقع في تاريخ السلم عدة مرات لما‬
‫كانت المة في عافيتها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وجد عمر أن الستة يمكن أن يصيروا ثلثة مقابل ثلثة‪ ،‬فحتى يحسم نتيجة‬
‫النتخاب بوضوح رشح ابنه عبد الله – ليس لنه ابنه فجمع الناس يعرفون‬
‫قدر عبد الله بن عمر – رشحه كعضو في هذا المجلس‪ ،‬ولكن أعطاه حق‬
‫التصويت فقط ولم يعطه حق الترشيح‪ ،‬فليس لعبد الله بن عمر أن يرشح‬
‫نفسه بل له فقط أن يعطي صوته لحد المرشحين إذا تساوت الصوات‪،‬‬
‫والعبرة هنا ليس بتحديد العدد بل بالفكرة التي أحدثها عمر في السلم على‬
‫أسس السلم خدمة لمقاصده‪ ،‬فأقر مبدأ التشاور والترشيح والتصويت‬
‫والنتخاب‪ ،‬بل وزاد على ذلك أن كلف إحدى القبائل بمحاسبة أعضاء هذا‬
‫المجلس إذا هم أخفقوا في التوصل إلى حل في مدة ثلثة أيام‪ ،‬وقال لهم أن‬
‫يقتلوا كل هؤلء المرشحين إذا لم يتوصلوا إلى حل ويتفقوا بعد ثلثة أيام‪.‬‬
‫وأعود فأقول ليست العبرة هنا بالمدة التي حددها عمر رضي الله عنه ول‬
‫بنوع العقوبة‪ ،‬بل بالمبدأ الذي أقره‪ ،‬وأقره عليه الصحابة بقبوله وتطبيقه‬
‫وفق فهمهم لمنهج النبوة الذي كانوا على عهد قريب به‪ ،‬وهو محاسبة أولي‬
‫المر وأهل الحل والعقد بالضافة إلى موضوع النتخاب‪.‬‬
‫إن تطورات المور في هذا المجلس أدت إلى أن بقي مرشحان هما علي بن‬
‫أبي طالب رضي الله عنه‪ ،‬وعثمان بن عفان رضي الله عنه‪ ،‬وكانت الكلمة‬
‫التي تحدد من منهما يكون الخليفة هي كلمة أو لنقل صوت الصحابي الجليل‬
‫عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه‪ ،‬وهذا الصحابي لم يرد أن يغامر في‬
‫هذه المسؤولية ويختار للمة إل بعد أن يسألهم ليطمئن أنه اختار لهم من‬
‫يقبلوه‪ ،‬فذهب يسأل أهل المدينة بيًتا بيًتا‪ ،‬حتى أنه كان يسأل النساء أيضا‬
‫)علي أو عثمان( وكانت نتيجة هذا الستفتاء تميل إلى كفة عثمان‪ ،‬ليس‬
‫ضا لعلي رضي الله عنه بل ميًل إلى سهولة وسخاء عثمان مقارنة بشدة‬ ‫رف ً‬
‫علي – في الحق طبًعا – وعند انقضاء المدة أعلن عبد الرحمن بن عوف بيعة‬
‫عثمان‪ ،‬وبايعه علي رضي الله عنه ثم بايع سائر الناس‪ ،‬فكم من درس يمكن‬
‫أن نستنبط من هذه القصة؟؟؟‬
‫وفي خلفة عثمان رضي الله عنه رأى عثمان أل يجمع الناس بين الحج‬
‫والعمرة في وقت الحج‪ ،‬فقال للناس في الحج‪" :‬أتموا الحج وأخلصوه في‬
‫أشهر الحج‪ ،‬فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل‬
‫فأن الله قد أوسع في الخير"‪ ،‬فقال له على رضي الله عنه‪" :‬عمدت إلى‬
‫سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورخصة رخص الله للعباد بها في‬
‫كتابه‪ ،‬تضيق عليهم فيها وتنهي عنها‪ ،‬وكانت لذي الحاجة ولنائي الدار" ثم أهل‬
‫علي رضي الله عنه بعمرة وحج مًعا‪ ،‬فأقبل عثمان بن عفان رضي الله عنه‬
‫على الناس فقال‪" :‬إني لم أنه عنها‪ ،‬إنما كان رأًيا أشرت به‪ ،‬فمن شاء أخذه‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن شاء تركه"‪ .‬فكون عثمان هو الخليفة والمير لم يمنع علًيا أن يواجهه‬
‫بالخلف بالرأي ويصوبه‪ ،‬ولم يتعال عثمان على الحق‪ ،‬فسارع ليبين للناس‬
‫أن رأيه ليس بلزم للمة الخذ به‪.‬‬
‫وفي فترة خلفة علي رضي الله عنه عارضه رجل في أمر‪ ،‬فقال له علي‬
‫ل ِذي ِ ْ‬
‫رضي الله عنه‪" :‬أصبت – وأخطأت‪ ،‬وتل قوله تعالى‪" :‬وَفَوْقَ ك ُ ّ‬
‫علم ٍ‬
‫م" – ‪76‬سورة يوسف‪.‬‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫وبعد مقتل عثمان رضي الله عنه‪ ،‬ولم يكن عثمان قد قدم أي مرشح أو‬
‫مجموعة مرشحين للخلفة من بعده‪ ،‬ومع توسع الدولة السلمية لم يعد‬
‫سهًل أن يجتمع أهل الحل والعقد في مكان واحد‪ ،‬وزاد على ذلك الخلف‬
‫الذي وقع بن علي رضي الله عنه وبين معاوية رضي الله عنه بداية حول‬
‫القصاص بدم عثمان رضي الله عنه‪ ،‬فصارت فجوة‪ ،‬وظهر فراغ‪ ،‬أدى إلى‬
‫فتنة واقتتال بين المسلمين حتى حسم بمقتل أحد الخليفتين وهو علي رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬ومما ل شك فيه بين أهل السنة أن المسلمين لو اتفقوا على علي‬
‫أو على معاوية رضي الله عنهما لكان خيًرا من القتتال فكلهما من أهل‬
‫الفضل وإن زاد فضل علي على معاوية رضي الله عنه‪ ،‬فإنه يبقى صحابي‬
‫جليل له فضله وقدره وجهاده في السلم‪ ،‬ولكنها الفتنة التي نريد أن نتعلم‬
‫سا حتى ل نقع فيها‪ ،‬فالمؤمن ل يلدغ من جحر مرتين‪ ،‬وعلينا أن‬ ‫منها در ً‬
‫نجتهد في ذلك‪ ،‬ونتوكل على الله مع بذل السباب‪.‬‬
‫حصل درس آخر في عهد علي رضي الله عنه في العراق ل يجب أن نفوت‬
‫الستفادة منه في هذا المقام‪ ،‬أل وهو ظهور الخوارج‪ ،‬رغم معارضتهم لعدة‬
‫مسائل‪ ،‬قال فيهم علي رضي الله عنه‪" :‬لهم علينا ثلث‪ ،‬ل نمنعهم مساجد‬
‫الله‪ ،‬ونقاسمهم الفيء ما دامت أيديهم في أيدينا‪ ،‬ول نبدأهم بقتال"‪ .‬فانظر‬
‫أيها المتدبر إلى هذه القواعد التي استنبطها وسنها علي رضي الله عنه في‬
‫التعامل الشرعي الحكيم والعادل الذي يرعى مصالح الناس وحقوقهم‪ ،‬حتى‬
‫مع المعارضة المنظمة‪ ،‬ومن هذا يمكن أن نستنبط ونفهم التالي‪:‬‬
‫‪#‬‬
‫المعارضة والمخالفة للخليفة أو للحاكم ليست في حد ذاتها جريمة يعاقب‬
‫عليها الشرع‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫المخالفون يتمتعون بكامل حقوقهم في الدولة ويأخذون مالهم إذا أدوا ما‬
‫عليهم‪.‬‬
‫‪#‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫المساجد لم تكن أماكن عبادة فقط في ذلك الوقت بل كانت أماكن تجمع‬
‫للتشاور في المسائل العامة التي تعني المة وأماكن لتجييش الجيوش‬
‫وأماكن للعلن عن أمور هامة وللتباحث في المسائل العلمية‪ ،‬فلم يحرم‬
‫أصحاب الرأي الخر من دخولها فهي وسائل العلم والبرلمانات )مجالس‬
‫الشورى( ومنتديات الحوار الهادف والجاد‪ ،‬ومن حق المعارضة أل تحرم من‬
‫هذه الماكن‪ ،‬وإذا حرمت منها وأغلقت أمامها هذه البواب فستكون لهم‬
‫حجة لستخدام أبواب ممنوعة وعاقبتها وخيمة على المة السلمية لما يمكن‬
‫أن يلحق بالمة عن تفكك وانقسام‪ ،‬ولو حفظ أئمة المويين والعباسين هذه‬
‫الحقوق للمسلمين لما تعرض أئمة مثل المام أحمد بن حنبل والمام ابن‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تيمية وغيرهم للسجن والضرب والنفي لمخالفتهم في الرأي مع أنهم كانوا‬


‫على الحق‪ ،‬وهذا ما بعد ذلك‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫أنهم ل يقاتلون ول يسجنون ما داموا منضبطين بضوابط الخلف يناقشون‬
‫ما مع‬ ‫بالدليل والحجة‪ ،‬ويستوضحون ويوضحون آراءهم‪ ،‬فليس الصواب دائ ً‬
‫الخليفة أو المير فهم في اعتقاد أهل السنة ليسوا معصومين‪ ،‬فكيف يتضح‬
‫الصواب والخطأ إذا لم يفتح المجال للحوار والنقاش والستدلل والتناظر‪،‬‬
‫دا في عهد الصحابة وفي عهد الخلفاء الراشدين‪،‬‬ ‫ومعروف أن هذا كان سائ ً‬
‫كا‬‫ورغم تناقصه في الفترة التي سمها الرسول صلى الله عليه وسلم )مل ً‬
‫ضا( إل أن التاريخ لم يخل من شواهد مشرقة في هذا الجانب‪ ،‬فكان‬ ‫عا ً‬
‫الشافعي رحمه الله يناظر العلماء في المسائل العلمية‪ ،‬وكان الوزاعي وابن‬
‫عساكر وغيرهم يناصحون المراء أمام الناس‪ ،‬وما كان الخلفاء يقتلون أو‬
‫يسجنون أو ينفون كل من يخالفهم أو يناصحهم‪ ،‬ولكن الحرى بالمة أن‬
‫تضبط هذا المر حتى ل يبقى عرضة لهوى الحاكم فإن لم يتق الله فالويل‬
‫جا‬‫لكل من تسول له نفسه معارضته أو مناصحته أمام الناس‪ ،‬فيعدها خرو ً‬
‫عن طاعته أو دعوة إلى فتنة لشق الصف فيطبق عليهم عقوبة ما ألصق بهم‬
‫من تهم‪ ،‬وأحياًنا يصدر الحكم غيابًيا مع أن المتهم موجود ويمكن استدعاؤه‬
‫واستجوابه في مجلس القضاء‪.‬‬
‫وهناك مسألة التحكيم المشهورة!!! فما هي؟‪ ...‬وما الفائدة التي تستفاد‬
‫منها؟‬
‫في الفتنة التي وقعت بين المامين علي ومعاوية رضي الله عنهما‪ ،‬اتفق‬
‫الفريقان على التحكيم‪ ،‬ولو قبل الطرفان بنتيجة التحكيم مهما كانت لكان‬
‫هذا سبًبا لتجنب الفتنة‪.‬‬
‫وهنا عاد الخوارج ليزيدوا المشكلة ويؤججوا نارها ويرفضوا التحكيم بحجة‬
‫قالوها‪" :‬ل حكم إل لله"‪ ،‬وهي مقولة حق في حد ذاتها‪ ،‬لكنهم استدلوا بها‬
‫للتضليل وليرفضوا بذلك تحكيم البشر في النزاع‪ ،‬وهو خلف ما قرره القرآن‬
‫في أكثر من موضع‪ ،‬منها التحكيم بين الزوجين إن وقع بينهما شقاق‪ ،‬فالحكم‬
‫لله ولكن من الذي يستنبط هذه الحكام وينزلها باجتهاده على الحوادث؟‬
‫أليسوا هم الفقهاء؟ ليحلوا بها الخلف ويحسموا بها القرارات! أليسوا هم‬
‫أهل الحل والعقد؟ ولهذا رد عليهم علي رضي الله عنه بقولته المشهورة‪:‬‬
‫"كلمة حق أريد بها باطل"‪.‬‬
‫فهو يرد عليهم حجتهم ويدحضها ولم يستخدم سلطته في قمعهم‪ ،‬ليس جبًنا‬
‫فا ولكنها عين القوة التي تعلمها من بيت النبوة على منهاج النبوة‪:‬‬ ‫ول ضع ً‬
‫"ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" ول‬
‫يعاقب أحدا بذنب لم يقترفه‪ ،‬فما داموا لم يحملوا السلح‪ ،‬ولم يدعوا الناس‬
‫لشق الصف‪ ،‬فل يقاتلهم ما داموا ملتزمين بمنهج الحوار فل سجن ول نفي‪.‬‬
‫ولكن عندما خرجوا عن الضوابط الشرعية قاتلهم‪ ،‬وهذا عندما خرجوا عن‬
‫القانون وخالفوه وليس عندما ظن أنهم سيخرجون عن القانون ويخالفوه‪ ،‬و‬
‫إل ل يعتبر كل من ناصح أو خالف المير صاحب فتنة لن نصيحته أو مخالفته‬
‫ما ما – بقصد أو بدون قصد – إلى فتنة!!! فسبحان الله‬ ‫يمكن أن تؤدي يو ً‬
‫ب‪{."...‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ن الك َِتا َ‬
‫م ت َت ْلو َ‬
‫م وَأنت ُ ْ‬
‫سك ْ‬‫ف َ‬
‫ن أن ُ‬
‫سو ْ َ‬
‫س ِبالب ِّر وََتن َ‬
‫ن الّنا َ‬
‫مُرو َ‬‫الذي قال‪ } :‬أت َأ ُ‬
‫وحسب قاعدة سد الذرائع في الفقه السلمي‪ ،‬هل نمنع كل الراء المخالفة‪،‬‬
‫ونكمم الفواه بحجة تجنب الفتنة المحتمل وقوعها ظًنا؟؟ أم نحاور أهل الراء‬
‫المخالفة لنفيدهم أو نستفيد منهم ول نعاقب إل من يرتكب ذنًبا‪ ،‬فيحمل علينا‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلح أو يسعى حقيقة بشكل ملموس لشق الصف والفساد‪ ،‬ونسد بذلك‬
‫ذريعة تكميم الفواه والستبداد‪ ،‬بحيث نضمن مجاًل من الحرية للناصحين‬
‫بصدق وللمخالفين بحق‪ ،‬نشجعهم على ذلك كما فعل عمر اهتداء منه وتأسًيا‬
‫بمنهج النبوة الذي تشربه من ينبوعه الصافي!!!‬
‫وعندما أراد معاوية رضي الله عنه استخلف ابنه يزيد من بعده تصدى له‬
‫فقهاء الصحابة ومنهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير فردوا عليه‪:‬‬
‫"أتريد أن تجعلها هرقلية؟ ولن نبايع إل أن تترك المر للمسلمين‪ ،‬أو تفعل‬
‫كما فعل أبو بكر بترشيح رجل كفى ليس من أهله وولده‪ ،‬أو كما فعل عمر‬
‫بترشيح نفر من الصفوة كلهم أكفاء وتركهم يختارون واحدا من بينهم"‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ولكن معاوية لم يتراجع بالفعل عن قراره هذا – وهو قرار خاطئ ل محالة –‬
‫فلو سكت جميع الصحابة لكان ذلك بمثابة إقرار للباطل‪ ،‬ومعاذ الله أن تجمع‬
‫هذه المة على ضللة‪ ،‬فما كان من أهل المدينة إل أن بايعوا عبد الله بن‬
‫الزبير خليفة‪ ،‬لنهم لم يعترفوا ولم يقبلوا بطريقة استخلف معاوية ليزيد‪،،‬‬
‫وبقي عبد الله بن الزبير خليفة في المدينة ومكة نحو تسع سنين ل يخضعون‬
‫ول يعترفون بخلفة يزيد‪ ،‬حتى أرسل يزيد إليهم جي ً‬
‫شا بقيادة الحجاج –‬
‫الظالم – فقتل عبد الله عند الكعبة بعدما حاصره فيها‪ ،‬فانظروا أيها الخوة‬
‫إلى العاقبة الوخيمة إذا ترك المسلمون التحاكم عند التنازع في المر إلى‬
‫كتاب الله وسنة رسوله‪ ،‬وآثروا التحاكم إلى القوة والبطش والسيف الذي‬
‫نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعمله ونشهره في صدور إخواننا‪،‬‬
‫فقال عليه السلم‪" :‬إذا التقى مسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في‬
‫النار"‪ ،‬فما أحوجنا إلى التحاور والتشاور والتحاكم حتى ل نقع فيما نهينا عنه‬
‫من التخاصم والتدابر والتهاجر‪ ،‬وما قد ينجم عن ذلك من اقتتال والعياذ بالله!‬
‫كلمة أخيرة‪ :‬في الحديث الصحيح المعروف الذي يرويه حذيفة رضي الله عنه‬
‫يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬تكون النبوة ما شاء الله أن‬
‫تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها‪ ،‬ثم تكون خلفة على منهاج النبوة فتكون‬
‫ضا ما‬ ‫ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون مل ً‬
‫كا عار ً‬
‫كا جبرًيا فتكون‬‫شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون مل ً‬
‫ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها‪ ،‬ثم تكون خلفة على‬
‫منهاج النبوة ثم سكت"‪ – .‬رواه أحمد في مسنده وصححه الحافظ العراقي‬
‫ووافقه اللباني‪.‬‬
‫والجماع على أننا في مرحلة الملك الجبري‪ ،‬ولن يكون بعده حل وسط‪ ،‬إنما‬
‫خلفة على منهاج النبوة‪ ،‬وقد تكون بوسائل جديدة كما فعل الخلفاء‬
‫الراشدون باستحداث وسائل لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫المهم أن تكون على منهاج النبوة بموافقتها قواعد السلم وأصوله‪ ،‬وعدم‬
‫معارضتها لنصوصه قطعية الثبوت والدللة وتحقيقها لمقاصد الشريعة‪.‬‬
‫هذا والله أعلم‪ ،‬فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي‪ ،‬ومن رد علي‬
‫بتصويب علمي وتجنب التجريح والتسفيه‪ ،‬فأسأل الله العلي القدير أن يثيبه‬
‫عني وعن المسلمين خيرا‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشورى‬
‫م‬‫ف عَن ْهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حوْل ِك فاعْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ضوا ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫َ‬
‫ب لن َ‬ ‫ْ‬
‫قل ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت فظا غِليظ ال َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى‪?:‬وَلوْ كن َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫ح ّ‬‫ه يُ ِ‬‫ن الل َ‬ ‫ْ‬
‫ت فت َوَكل عَلى اللهِ إ ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫مرِ فإ ِذا عََز ْ‬ ‫َ‬ ‫م ِفي ال ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬‫ست َغْ ِ‬
‫َوا ْ‬
‫ن? ]آل عمران ‪.[ 159‬‬ ‫ّ‬
‫مت َ َ ِ َ‬
‫لي‬ ‫ك‬‫و‬ ‫ال ْ ُ‬
‫جاءت صيغة طلب المشاورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصحابه‬
‫بلفظ المر‪ :‬وشاورهم‪ ،‬والمر يقتضي الوجوب‪ ،‬ومع أن النبي صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم هو المعروف بحرصه على العدل‪ ،‬في كل ما يصدر عنه سواء قبل‬
‫البعثة أو بعدها‪ ،‬فهو ذلك الرجل الذي عزف عن الدنيا‪ ،‬ولم يمل إلى هواه‬
‫أدنى ميل‪ ،‬مع كل ذلك فإن الله سبحانه يأمره بالشورى في ما لم ينزل فيه‬
‫وحي في أمر الحكم وتدبير شئون المة بتشاور مع المؤمنين‪ ،‬وذلك لما في‬
‫التشاور من الفوائد التية ‪:‬‬
‫‪ -1‬للمصلحة العامة المترتبة على المشاورة‪ ،‬حتى تصبح المسئولية جماعية‬
‫ورأي ُيستخلص من رأي بعد التشاور‪ ،‬وبهذا يتم التعاون والتضامن في الرأي‬
‫والتنفيذ‪.‬‬
‫‪ -2‬في التشاور إبعاد لي نقد يصور من بعض الفراد عند التنفيذ‪ ،‬ذلك أن‬
‫شئون الحياة تختلف فيها نزعات الناس ورغباتهم‪ ،‬لكنهم عند التشاور‬
‫يصدرون جميعا ً عن رأي واحد‪.‬‬
‫وهو القرب لحل المشكلة‪ ،‬وبذلك يحصل الرضا النفسي عند الجميع وُتسكت‬
‫اللسنة التي دأبها النتقاد والطعن والتشكيك ‪.‬‬
‫وبذلك تستفيد المة ما يأتي ‪:‬‬
‫أ ـ نضوج الرأي ‪.‬‬
‫ب ـ التفاق عليه ‪.‬‬
‫ج ـ مع اللتزام به وتحمل المسئولية في تنفيذه‪ ،‬ويظل الترابط والتعاون بين‬
‫الحاكم والمحكوم قويا ً والثقة تامة‪.‬‬
‫‪ -3‬وهناك أيضا ً فائدة جليلة ‪ ،‬وهي ‪ :‬إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم قد سلك مسلك الشورى مع المؤمنين‪ ،‬فإنه أحرى بمن يأتي بعده أن‬
‫يلتزم بمبدأ الشورى‪ ،‬ذلك أن غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫أحوج ما يكون إلى المشورة لقصور رأيه ‪ ،‬واحتمال خطئه احتمال ً كبيرا ً ‪.‬‬
‫‪ -4‬عندما يشرع الله سبحانه الشورى لعباده ‪ ،‬ويجعل رسوله صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم وهو أول من يطبقها‪ ،‬فإن معنى ذلك ‪ ،‬أن الله سبحانه يريد حماية‬
‫الناس من تسلط من يحكم رقاب المسلمين بالستبداد في الرأي‪ ،‬وارتكاب‬
‫الهوى‪ ،‬وإصدار الحكام دون الرجوع إلى أهل الرأي والمشورة ‪.‬‬
‫‪ -5‬والتشاور حينما يحصل بين الحاكم وأهل الشورى‪ ،‬إنما يكون فيما ل نص‬
‫فيه من كتاب وسنة ‪ ،‬وليست العصمة قائمة للمتشاورين عن الخطأ‪ ،‬فكما‬
‫يحتمل خطأ الحاكم‪ ،‬يحتمل كذلك خطأ أهل الشورى‪ ،‬لنهم بشر ‪ ،‬لكن‬
‫احتمال الخطأ منهم‪ ،‬أقل بدرجات ومراحل من احتمال الخطأ من فرد واحد‪،‬‬
‫إذن فالشورى أقرب إلى المان وأبعد عن الخطأ‪ ،‬كما أن فيها حماية‬
‫للنقسام والتمزق داخل الصف اليماني ‪.‬‬
‫‪ -6‬والشورى كذلك ليست حقا ً محضا ً للحاكم إن شاء منحها للمؤمنين وإن‬
‫م ِفي‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫شاء حرمهم إياها‪ ،‬بل هي واجبة عليه بأمر الله عز وجل‪? :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن? ]آل عمران‪:‬‬ ‫مت َوَك ِّلي َ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ت فَت َوَك ّ ْ‬ ‫م َ‬‫مرِ فَإ َِذا عََز ْ‬ ‫ال ْ‬
‫‪ ،[159‬ولن الشورى نفسها تضبط تصرفات الحاكم فيما ل يحق له ول يخول‬
‫له الشرع أن يتصرف فيه مثل العبث بأموال المسلمين‪ ،‬وتولية الظالمين‬
‫وغير الكفاء على رقاب المسلمين ونحو ذلك ثم إن القرآن الكريم لم يكتف‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بصيغة المر في الشورى والتي سبقت الشارة إليها بل هناك صيغة أخرى ‪،‬‬
‫َ‬
‫قوا‬ ‫م َوات ّ ُ‬ ‫خوَي ْك ُ ْ‬ ‫ن أَ َ‬‫حوا ب َي ْ َ‬ ‫صل ِ ُ‬‫خوَة ٌ فَأ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ما ال ْ ُ‬ ‫تأملوا في قوله تعالى‪ ? :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن? الحجرات‪ ،[10:‬هذه الية جاءت بصيغة الخبر عن أخوة‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫المؤمنين فالله سبحانه وتعالى لم يقل‪ :‬كونوا إخوة‪ ،‬ذلك أن صيغة الخبر‬
‫أقوى في الدللة من صيغة المر‪ ،‬وأدعى إلى مبادرة المتثال من المؤمنين‪،‬‬
‫لن فيها الخبار عن طبيعة المؤمنين التي ل يتخلون عنها ول تفارقهم‪ ،‬فهي‬
‫ما‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مُرهُ ْ‬ ‫جزء من كيانهم‪ ،‬ومثل هذه قول الله تعالى‪ ? :‬وَأ ْ‬
‫ن?] الشورى‪ ، [38 :‬ضمن اليات الواردة في سورة الشورى‬ ‫قو َ‬ ‫م ُينفِ ُ‬ ‫َرَزقَْناهُ ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫خي ٌْر‬ ‫عند َ اللهِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫مَتاعُ ال َ‬ ‫يٍء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ما أوِتيُتم ّ‬ ‫في قوله تعالى‪َ ? :‬‬
‫ش‬
‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن كَبائ َِر ال ِث ْم ِ َوال َ‬ ‫َ‬ ‫جت َن ُِبو َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م ي َت َوَكلو َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا وَعَلى َرب ّهِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫قى ل ِل ّ ِ‬ ‫وَأ َب ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫مُرهُ ْ‬ ‫صَلة َ وَأ ْ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م وَأَقا ُ‬ ‫جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ي َغْ ِ‬
‫ضُبوا هُ ْ‬ ‫ما غَ ِ‬ ‫وَإ َِذا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن?‬‫صُرو َ‬ ‫م َينت َ ِ‬ ‫ي هُ ْ‬ ‫م الب َغْ ُ‬ ‫صاب َهُ ُ‬ ‫ن إ َِذا أ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ِ‬ ‫قو َ‬ ‫م ُينفِ ُ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫] الشورى‪.[39-36 :‬‬
‫فإذا كانت الصلة والزكاة واجتناب الفواحش صفات من صفات المؤمنين ل‬
‫تنفك عنهم‪ ،‬فإن الشورى كذلك صفة للمؤمنين ل تنفك عنهم‪ ،‬لن المؤمن‬
‫أبعد ما يكون عن الظلم ومظانه من احتكار الرأي والستبداد به وارتكاب‬
‫الهوى وعدم الرجوع إلى رأي أهل الختصاص من أهل العلم والحنكة والدربة‬
‫والروية وحصافة الرأي‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهذه الصفات الكريمة التي اشتملت عليها هذه اليات‪ ،‬عندما نتأملها نجد أنها‬
‫أشد لصوقا ً بالحاكم المسلم‪ ،‬وإن كانت عامة لكل مسلم‪.‬‬
‫وكما قلنا فإن أهل الشورى هم العارفون بكتاب الله تعالى‪ ،‬المتفقهون في‬
‫دينه‪ ،‬من أهل التقوى والصلح والخبرة في الشورى العامة والخاصة‪.‬‬
‫وحكم الشورى هو حكم السلم الذي لم يعرف غيره ‪ ،‬أما أنواع الحكم التي‬
‫ظهرت في أوروبا‪ ،‬وتخبطت فيها الشعوب وتصارعت فهي باطلة ل تأتي بخير‬
‫وذلك مثل‪:‬‬
‫‪ -1‬الديمقراطية ‪ :‬حكم العامة أو الشعب ‪ ،‬وسيادة من ينتمون إلى النسبة‬
‫العددية الكبرى في المجتمع أي أن الشعب مطلق العنان ل يتقيد بنظام‬
‫رباني ‪ ،‬وإنما يكون كل شيء في الدولة تابعا ً لهواه‪.‬‬
‫‪ -2‬الرستقراطية‪ :‬نظام حكم النبلء والشراف‪ ،‬أو المتميزين في المجتمع‬
‫من أصحاب الطبقة العليا‪ ،‬إما لشرف السرة أو كثرة المال أو نحوهما‪.‬‬
‫‪ -3‬الوتوقراطية‪ :‬نظام الحكم المطلق غير المحدد وغير المقيد بأي عهد أو‬
‫ميثاق‪.‬‬
‫‪ -4‬الثيوقراطية ‪ :‬نظام الحكم الذي يعترف بالله كحاكم مدني أعلى‪ ،‬تفسر‬
‫قانونه سلطة روحانية خاصة مكونة من رجلي الكليروس )الكهنوت(‪.‬‬
‫‪ -5‬إن المجتمع المسلم يضم أفرادا ً مؤمنين بالله يصدرون في كل شيء عن‬
‫حكمه وشرعه ل عن هوى وعصبية‪.‬‬
‫والمجتمع الوربي مجتمع لم يعرف التوحيد‪ ،‬بل هو قائم على الوثنية القائمة‬
‫في صورة الثالوث لذلك يتباينا كل التباين في صيغة الحكم وأنماط الحياة‬
‫كلها‪.‬‬
‫راجعه‪ :‬عبد الحميد أحمد مرشد‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الشيخ فتح الله كولن وسكونية العقل المسلم‬


‫بقلم‪ :‬أديب إبراهيم الدباغ‬
‫‪-1-‬‬
‫يأسى "الشيخ فتح الله كولن" لهذه السكونية التي تسكن عقل المسلم‬
‫وتمنعه من النطلق في دنيا الله بما يحمله من إيمان وإسلم‪ ،‬وهو يرى في‬
‫هذه السكونية نوعا ً من الموت الفكري يجب على العقل المسلم أن ينأى‬
‫بنفسه عنه‪.‬‬
‫ً‬
‫فالسكونية في عالم مضطرب ومتحرك ل يتوقف أبدا هي نوع من النتحار‬
‫جهات‬ ‫ه عن ملحقة ما يستجد ّ في العالم من تو ّ‬ ‫حب ُ‬
‫جُز صا ِ‬‫اليماني‪ ،‬وشلل ُيع ِ‬
‫فكرية وروحية‪.‬‬
‫وقلب الشيخ مفعم بالسى من أجل الجنس البشري المتلهف لسماع كلمة‬
‫الحق من أفواه أهل الحق‪ ،‬ولكن هذه السكونية الكسول هي التي أقعدت‬
‫م كّله‪.‬‬ ‫معََها العال ُ‬ ‫المسلمين ومنعتهم من السير بكلمة الحق شرقا ً وغربا ً لي َ ْ‬
‫س َ‬
‫فالسكونية حالة بائسة مرفوضة من قبل الكون والحياة المبنيين على الحركة‬
‫والتحول‪ ،‬لنها على النقيض منهما‪ ،‬فمناكفة الكون‪ ،‬ومعاندة الحياة‪ ،‬تعودان‬
‫بأشد ّ الضرر على صاحب العقل السكوني‪ ،‬حيث يتجاوزه ركب التجديد‬
‫ويخلفه وراءه منكفئا ً على آلم سكونيته بخوائه الفكري وجوعه الروحي‪.‬‬
‫‪-2-‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫م عليه – كما يقول الشيخ – أ ْ‬ ‫حت ّ ُ‬‫ن مسؤولية المسلم الخلقية والدبية ت ُ َ‬ ‫إ ّ‬
‫ينزع عنه ثوب السكونية‪ .‬وأن يغادر أرائك الراحة والكسل المطمئن إلى غير‬
‫رجعة‪ ،‬وأن يستبدل بهما شيئا ً عظيما ً من القلق والتوتر الروحي إلى آخر‬
‫مداه‪ ،‬وأن يضرب في الرض حيثما تقوده قدماه‪ ،‬مفتشا ً عن النسان الذي‬
‫تضنيه قضية الحياة وغاية الوجود‪ ،‬ويعذبه تردده بين الشك واليقين‪ ،‬وأن‬
‫يسارع إلى مد ّ يد النقاذ إلى أولئك الساقطين في هوة اليأس‪ ،‬والهاربين من‬
‫وجه الله إلى غير وجه‪ ،‬والرافضين للحياة‪ ،‬والغائصين في مهاوي العبثية‬
‫ل أحياًء فوق هذه‬ ‫ن لسان حالهم يقول‪ :‬لماذا نظ ّ‬ ‫والرغبة في النتحار‪ ،‬وكأ ّ‬
‫الرض إذا كان القبر قد فغر فاهه لبتلعنا في آخر المطاف‪...‬؟!‬
‫‪-3-‬‬
‫ن التحولت اليمانية الكبرى‪ ،‬ليقوى عليها إل ّ أصحاب الرواح العظيمة‬ ‫إ ّ‬
‫القلقة المؤرقة‪ ،‬التي يقلقها ويؤرقها ثقل المسؤولية التي شرفهم الله تعالى‬
‫بتقليدهم إياها‪.‬‬
‫والشيخ "فتح الله" يرى أن جوهر "الحضارة السلمية" يكمن في هذا القلق‬
‫الروحي والرق الفكري‪ ،‬الباعثان على التغيير على الرض وفي الوجدان‪،‬‬
‫والمحفزان على النعتاق من سجن "المكانية" الثقيل‪ ،‬والتحرر من خناقها‬
‫ل به المسلم وتجعله يخلد الى عتيق‬ ‫على الذهن‪ ،‬والنفكاك من ِغّلها الذي تغ ّ‬
‫ح عليه في العماق نازع ينزع به نحو‬ ‫فهمه‪ ،‬ويطمئن الى قديم علمه‪ ،‬بينما يل ّ‬
‫ارتقاء عقلي أعلى‪ ،‬وسمو قلبي أرفع‪.‬‬
‫‪-4-‬‬
‫ما يثلج صدر "الشيخ"‪ ،‬ويدخل على قلبه الحبور‪ ،‬رؤيته ل ِث ُل ّةٍ من‬ ‫م ّ‬
‫ن ِ‬
‫وإ ّ‬
‫المؤمنين وهم يضربون في معارج الرقي الروحي‪ ،‬ويشكلون بعروجهم هذا‬
‫مفخرةً لجنس النسان‪ ،‬وإكليل مجد ٍ فوق جبين البشرية‪ ،‬ولسان حالهم‬
‫خّلوا سبيلنا ودعونا نضرب في الرض‪ ،‬حاملين ذلك القبس القرآن ّ‬
‫ي‬ ‫يقول‪َ " :‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى أقاصي العالم"‪ ،‬هؤلء المؤمنون البسطاء في عظمتهم‪ ،‬القوياء في‬


‫ضعفهم‪ ،‬الغنياء في فقرهم‪ ،‬إنهم أرسخ قدما ً في دنيا الحق‪ ،‬وأشد ّ توقا ً إلى‬
‫عالم الخلود‪ ،‬ل يقبلون عنه بديل ً ول يرضون سواه وموئل ً وملذًا‪.‬‬
‫وهؤلء – كما يؤمل الشيخ – هم القوة التي ستوطد أركان الحقيقة اليمانية‬
‫على ظهر الرض‪ ،‬يحركهم شوق عظيم ل يقاوم‪ ،‬وي ُوِْري زَِناد َ أفكارهم بوارق‬
‫ن فيهم شيئا ً ِإلهيا ً ل يني يزور أرواحهم ليديم شعلة الروح‬ ‫من عالم الغيب‪ ،‬إ ّ‬
‫ذاكية قوية ليكون بإمكانهم أن يغزوا قلب الليل بقوة وشجاعة‪.‬‬
‫‪-5-‬‬
‫والعجب كل العجب من هذا الكوكب الرضي‪ ،‬كيف ل يتلشى ويتمزق من‬
‫الغيظ شظايا في الفضاء وهو يرى غدر النسان وإدباره عن رّبه وخالقه‪ ،‬فإذا‬
‫أقفرت الرض من العارفين الساجدين فأنها تفقد معنى وجودها ومغزى‬
‫ن اليمان حياة‪ ،‬بل هو‬ ‫خلقها‪ ،‬ل بل تفقد الحياة التي تمدها بأسباب البقاء‪ ،‬ل ّ‬
‫ض هلعٌ رهيب‬ ‫ب الر َ‬ ‫قلب الحياة‪ ،‬وروح الوجود‪ ،‬ومن دون هذا اليمان سينتا ُ‬
‫يقصيها عن أمومتها لنا‪ ،‬واحتضانها لنا‪ ،‬فتتركنا في هوة أتراحنا وعذاباتنا‬
‫ن النسان عنصر‬ ‫نتجرع مرارة اختفاء إنسانية النسان فوق هذه الرض‪ ،‬ل ّ‬
‫ً‬
‫روحي في قالب ماديّ فإذا فقد جوهره الروحي صارت حياته خلوا من‬
‫الحياة‪ ،‬وصار قالبه النساني خلوا ً من النسانية‪.‬‬
‫ن على ظهرها‬ ‫ما يؤنس الرض ويطمئنها على مصيرها‪ ،‬إحساسها بأ ّ‬ ‫م ّ‬
‫ن ِ‬‫َوإ ّ‬
‫عبقريات قرآنية تجوب آفاقها‪ ،‬وتبحث في أرجائها عن النسان التائه في‬
‫لدينية" المهلكة حيث يجد من أبطال المحّبة – كما يسميهم الستاذ‬ ‫شعاب "ال ّ‬
‫ن يحنو عليه ويأخذ بيده الى الطريق القرآني المشرق بالنور والمل‬ ‫م ْ‬‫– َ‬
‫والسلم‪.‬‬
‫‪-6-‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دت وتيرة‬ ‫وإذا ما ماجت الروح‪ ،‬وطفحت الشواق‪ ،‬وتعالى الوجد‪ ،‬واشت ّ‬
‫اليمان‪ ،‬وارتفع لهب العقل‪ ،‬فل شيء يمكن عندئذٍ أن يسع المؤمن‪ ،‬ويحد ّ من‬
‫انسيابه في عروق الرض وشرايينها‪ ،‬فيأتي الحضارات يدقّ أبوابها‪ ،‬والمدنيات‬
‫ك الغازها‪ ،‬والبلدان والقوام والشعوب فيخالط وجدانها‪ ،‬ويأتي العقول‬ ‫ف ّ‬‫في َ ُ‬
‫من أبوابها‪ ،‬والرواح من منافذها‪.‬‬
‫أعطني –يا صديقي‪ -‬ألفا ً من الفتيان السائرين في الصدق على قدم أبي بكر‪،‬‬
‫صلبين في الحق صلبة عمر‪ ،‬والعاشقين للقرآن عشق عثمان‪ ،‬والمقدمين‬ ‫وال ّ‬
‫ي "رضي الله عنهم أجمعين" أفتح لك قلب العالم‪،‬‬ ‫في الملمات إقدام عل ّ‬
‫وأ ُن ِْر لك ظلم الدنيا‪ ،‬وآتيك بالتاريخ طوعا ً أو كرهًا‪ ،‬وأزلزل الفكار‪ ،‬وأقلب‬
‫المفاهيم‪ ،‬وأجعل الرض غير الرض‪ ،‬والسماء غير السماء‪ ،‬وأصل ما بين‬
‫قلب الكون والنسان‪ ،‬وبين روح النسان وروح الله‪" .‬لذلك نؤمن بضرورة‬
‫توجيه العالم السلمي جميعا ً إلى التجدد بكل أجزائه في فهم اليمان‪،‬‬
‫وتلقيات السلم‪ .‬وشعور الحسان‪ ،‬والعشق والشوق‪ ،‬والمنطق وطريقة‬
‫التفكير‪ ،‬وأسلوب الفادة عن نفسه‪ ،‬بمؤسساته ونظمه التي تكسبه هذه‬
‫الحوال"]‪ [1‬بمثل هؤلء "السامعين بوجدانهم أناشيد "الماورائية" تناديهم‬
‫الى الله"]‪ [2‬يمكن للعقل المسلم أن يتحرر من سكونيته‪ ،‬ويخرج من‬
‫شرنقته‪.‬‬
‫ملحظة مهمة‪ :‬الفكار الواردة في هذا المقال يجد القارئ أصولها في كتب‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستاذ فتح الله المترجمة للعربية وهي‪ :‬النور الخالد‪ ،‬أضواء قرآنية‪،‬‬
‫الموازين‪ ،‬طرق الرشاد في الفكر والحياة‪ ،‬روح الجهاد وحقيقته في السلم‪،‬‬
‫ترانيم روح وأشجان قلب‪ ،‬ونحن نقيم صرح الروح‪...‬‬
‫]‪ [1‬فتح الله كولن‪ ،‬ونحن نقيم صرح الروح‪ ،‬ترجمة عوني لطفي أوغلو‪ ،‬دار‬
‫النيل للطباعة والنشر‬
‫]‪ [2‬المصدر نفسه‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الشيخ أمجد الزهاوي‬


‫وليد العظمي‬
‫ولد الشيخ أمجد بن محمد سعيد الزهاوي سنة ‪1883‬م ونشأ في أسرة‬
‫علمية ذات مكانة دينية واجتماعية مرموقة في محلة جديد حسن باشا في‬
‫دار ملصقة لجامع السراي )القشلة( وكان لجده رحمه الله مجلس يتردد‬
‫عليه العلماء والوجهاء وكثيرا ً ما كان الشيخ أمجد يدخل المجلس وهو صبي‬
‫صغير وكان جده يحبه كثيرا ً حتى إنه كان يردد على الدوام‪:‬‬
‫ابن ابننا من ابننا أحب البن قشر والحفيد لب‬
‫ويعد الشيخ أمجد من العلماء المرموقين في العراق والعالم السلمي وقد‬
‫نهل من منابع العلم وتلقاه على أيدي أعلمه وجهابذته‪ ،‬ساعده في ذلك‬
‫ذكاؤه الحاد فقد كان سريع الحفظ وقوي الذاكرة يتذكر أرقام الصفحات‬
‫والمواضيع والسماء التي يستشهد بمضامينها وساعدته البيئة العلمية التي‬
‫نشأ فيها فهو ابن مفتي العراق وحفيد المفتي‪ ،‬وفتح عينيه على ديوان جده‬
‫محمد فيضي الزهاوي الذي كان يغص بالعلماء وطلب العلم‪ ،‬وكذلك حال‬
‫مجلس أبيه‪.‬‬
‫وكان الشيخ أمجد يرتاد المكتبات منذ شبابه وكان يذهب كل يوم إلى مكتبة‬
‫جامع عثمان أفندي‪ ،‬في سوق الصاغة ببغداد وعين رئيسا ً لمجلس التمييز‬
‫الشرعي حتى أحيل إلى التقاعد‪ ،‬وكان للشيخ وقفات طويلة مع قضية المة‬
‫– فلسطين – فقد لزمها منذ بدايتها وحتى وفاته – رحمه الله – وحضر جميع‬
‫المؤتمرات التي عقدت من أجلها ومما يروى عن الشيخ بهذا الخصوص أن‬
‫أحد الساسة العراقيين كان يخطب يائسا ً مما وصلت إليه المور في‬
‫فلسطين والعالم العربي من ذل وهوان فتمنى الموت‪ ،‬فقال له الشيخ‪:‬‬
‫ن أن تعمل صالحا ً لما بعد الموت كي‬ ‫ن الموت بل تم ّ‬ ‫)أخي المؤمن ل تتم ّ‬
‫تنال الدرجة العالية في الخرة فنحن لم نخلق لنأكل ونتمتع بل نعيش لنعمر‬
‫الرض بالعمل الصالح وقد فتح الله لنا أسمى العمال الصالحة وهو الجهاد‬
‫في سبيل الله والمؤمن ل ييئس من روح الله فهيا لتحرير الرض المقدسة(‪.‬‬
‫وأكثر ما أثار استغراب الشيخ أمجد الزهاوي في حياته هو ركون الكثير من‬
‫علماء عصره إلى التأليف والشرح وترك الدعوة إلى السلم وعدم اهتمامهم‬
‫بمصالح المسلمين ومما قاله في واحدة من خطبه في جامع أبي حنيفة‬
‫النعمان في العظمية‪:‬‬
‫)مما يؤلمني أني قضيت أكثر عمري أعمل في أمور فقهية وقد غفلنا عن أمر‬
‫عظيم جدا ً وهو تبليغ هذه الدعوة المباركة إلى الناس لذا أطلب منكم أيها‬
‫الشباب أن ترفعوا راية الدعوة إلى الله تعالى خفاقة عالية(‪.‬‬
‫ومما قاله لرجال الدعوة والعمل الصالح‪:‬‬
‫)إنكم اليوم تقومون بعمل كبير جدا ً ربما يوازي ما قام به الئمة الربعة – أبو‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حنيفة ومالك وابن حنبل والشافعي – لنهم عملوا للسلم واجتهدوا وكان‬
‫السلم دولة وقوة ومنعة‪ ..‬أما أنتم اليوم فتعملون للسلم وليس للسلم‬
‫دولة ول قوة وأزيد على ذلك بأنني لو كنت قاضيا ً وأتاني شاهد وعلمت بأنه‬
‫يقطع الليل والنهار بالعبادة ول يعمل للسلم لرددت شهادته(‪.‬‬
‫وقام الشيخ أمجد رحمه الله بجمع التبرعات من أجل الجزائر التي كانت‬
‫تخوض حربا ً شرسة ضد الستعمار والحتلل الفرنسي‪ ،‬والتقى الشيخ أمجد‬
‫بالمجاهد الكبير عبد الكريم الخطابي قائد الثورة ضد الحتلل الفرنسي‬
‫والسباني في المغرب وكان الشيخ رحمه الله يركز في خطبه على الدعوة‬
‫ووحدة الصف وعلى البذل والعطاء والسخاء والنفاق في سبيل الله تعالى‪،‬‬
‫ومن أقوال الشيخ الشهيرة وحكمه الرائعة قوله‪:‬‬
‫)نحن أصحاب دعوة ربانية يجب أن نصدع بها في كل مكان فإن لم نغير فلبد‬
‫أن نؤثر(‪.‬‬
‫ومن حكمه أيضا‪ً:‬‬
‫)إن العمل للسلم يجب أن يتوج بالنجاح فإذا رأيت عملك ليس كذلك فهذا‬
‫يعني أن طريقة العمل خاطئة‪ ،‬مع صحة الهدف‪ ،‬وهناك خطأ في العمل‬
‫وليس في الهدف(‪.‬‬
‫و)الوهن بفقد الثقة بالله تعالى‪ ،‬يدفع إلى تقليد العدو ومحبته(‪.‬‬
‫ومن أشهر الدعاوى التي ترافع فيها محاميا ً دون مقابل حسبة لله تعالى‬
‫ثلث‪:‬‬
‫أولها الدعوة ضد الحركة البهائية الهدامة في العراق‪.‬‬
‫والثانية للدفاع عن الشيخ ضاري الزوبعي قاتل الكولونيل لجمن سنة ‪.1920‬‬
‫والدفاع عن ناظم الزهاوي سنة ‪ 1946‬للدفاع عن الراء الصحفية الحرة‬
‫النزيهة‪.‬‬
‫وذلك بعد اعتزاله القضاء ثم التدريس في مدرسة السليمانية ودار العلوم في‬
‫العظمية وكلية الحقوق حيث كان يدرس الحوال الشخصية والوصايا‬
‫والفرائض وطبع له كتاب بهذا العنوان وفتاواه أشهر من نار على علم وكذلك‬
‫طلبه الذين نشروا العلم الشرعي في كل مكان‪.‬‬
‫ومن المناصب التي تقلدها الشيخ تكليفا ً ل تشريفا‪ً:‬‬
‫‪ -‬رئاسة جمعية الداب السلمية سنة ‪.1947‬‬
‫‪ -‬ورئيسا ً لجمعية إنقاذ فلسطين حتى إلغائها‪.‬‬
‫‪ -‬ورئيسا ً لجمعية التربية السلمية منذ تأسيسها سنة ‪ 1949‬حتى توفاه الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫‪ -‬ورئيسا ً للجنة الجزائر إبان حرب التحرير‪.‬‬
‫ً‬
‫وسافر إلى الهند وباكستان وإندونيسيا وجنوب شرقي أسيا داعيا لقضية‬
‫فلسطين‪.‬‬
‫وكان عفيفا ً ورعا ً رقيقا ً في نصحه ووعظه‪ ،‬شديدا ً في الحق‪ ،‬ناصحا ً ومرشدا ً‬
‫ومفكرا ً ومذكرا ً ومنذر‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫توفي‪ ،‬رحمه الله تعالى‪ ،‬يوم الجمعة ‪ /14‬شعبان ‪1387‬هـ الموافق ‪/17‬‬
‫تشرين الثاني ‪ 1967‬ودفن في مقبرة المام العظم فنعاه بعض أحبائه قائل‪ً:‬‬
‫وترسم درب الجهاد ‪ii‬الطويل يطل على العالم الوسع‬
‫وتسرع يا أمجد في الخطوب تشير إلى النور بالصبع‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فتنفق ما ملكته ‪ii‬يداك وتهتف‪ :‬يا كائنات ‪ii‬اشبعي‬


‫ويعطف قلبك ‪ii‬للبائسين ‪ ...‬وللجائع المترب المقطع‬
‫‪...‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫الشيخ صلح أبو إسماعيل‬


‫محمد المجذوب‬
‫كثيرون جدا ً أولئك الذين يريدون أن يقرؤوا سيرة هذا الرجل في مختلف‬
‫أرجاء العالم السلمي‪ ،‬وليس مرد تلك الرادة إلى آثار علمية كثيرة قدمها‬
‫إلى أمته أو كشف جديد أضافه إلى حقول المعرفة البشرية‪ ،‬وليس هو واحدا ً‬
‫من أولئك النقلبيين الذين يستولون بالحديد والنار على أزمة شعوبهم‪ ،‬ومن‬
‫ثم على وسائل إعلمها‪ ،‬فيملئون الدنيا صراخا ً بمآثرهم وعجائب عبقرياتهم‪،‬‬
‫ويقرعون السماع صباح مساء بالحديث عن مواهبهم التي أحالت الصحارى‬
‫جنانًا‪ ،‬والهزائم انتصارات‪ ،‬والتخلف تقدما ً وازدهارًا‪..‬‬
‫أجل‪ ..‬ل لشيء من هذا أو ذاك يريد المسلمون المعنيون بشئون دينهم‬
‫وأحوال أمتهم أن يقفوا على بعض التفاصيل من سيرة هذا الرجل‪ ،‬ولكن‬
‫لسبب آخر من حقه أن يجتذب أنظارهم وأفكارهم‪ ،‬لنه بات في أيامهم هذه‬
‫من التحف النادرة التي قلما يقعون عليها في واقعهم‪ ،‬مع أنها من الخصائص‬
‫الولى لهذه المة التي ميزها الله بالخيرية‪ ،‬المتمثلة في المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر واليمان بالله‪.‬‬
‫ولعل معظم هؤلء الكثيرين قد فوجئوا لول مرة باسم هذا الرجل يوم ألقى‬
‫بقذيفته المدوية أمام المحكمة المنعقدة لمحاكمة من يسمونهم " جماعة‬
‫الجهاد " في القاهرة‪ ،‬فانطلق صداها يتردد في الصحف والذاعات العالمية‪،‬‬
‫جئوا‪ ،‬وحق لوسائل العلم‬ ‫ثم لم يتوقف دويها حتى اليوم‪ ..‬وحق لهم أن يفا َ‬
‫العالمية أن تردد ذلك الصدى‪ ،‬لنه كان نذيرا ً بأنه ل يزال بين علماء السلم‬
‫من يؤثر مرضاة الله على النفس والحياة والمنصب‪ ،‬فيعلن شهادة الحق في‬
‫أحرج المواقف‪ ،‬يرسلها مجلجلة ناصعة ل تخاف في الله لومة لئم‪ ،‬حفاظا ً‬
‫على قلبه من أن يخالطه الثم الذي أوعد الله به كاتمي الشهادة‪..‬‬
‫وإنها لعمر الحق لبطولة تفوق سائر البطولت التي ألف الناس أن يمجدوها‬
‫ويقيموا لها النصاب والمعالم‪ ..‬وبخاصة بعد أن خرست أصوات الصادقين‬
‫وطغت ضوضاء المنافقين‪ ،‬وأصبحت فنون البلء موكلة باللسن‪ ،‬فهي تتهيب‬
‫أن تهمس بكلمة الحق خشية أن تقطع أو تنزع‪..‬‬
‫وبهذه الروح‪ ،‬وبهذه النظرة إلى موقف الرجل في ذلك اليوم التاريخي‪،‬‬
‫قصدت إلى زيارته في داره بحي الدقي من القاهرة‪ ،‬وكان الحوار الذي‬
‫أفضى إلى هذه الصفحات‪.‬‬
‫إنه الشيخ صلح أبو إسماعيل من علماء الزهر الغالي على قلوب المسلمين‪،‬‬
‫وعضو مجلس الشعب الذي عرفه من أشد المنافحين عن شريعة الله‬
‫والصادعين بالكلمة التي ترضي الله وتسخط كل عدو له‪..‬‬
‫يقول إنه ولد في بهرمس ـ مركز إمبابة ـ محافظة الجيزة بمصر‪ ،‬يوم السابع‬
‫عشر من مارس عام ‪ ،1927‬في بيت معروف بحفاوته بالعلم والعلماء‪،‬‬
‫فجده العلى كان إماما ً للخديوي إسماعيل‪ ،‬وأنجب ولدين تخرجا في الزهر‪،‬‬
‫ثم كانا عضوين في مجلس النواب‪.‬‬
‫فالبيت بيئة وجاهة وعلم ويسار‪ ،‬ويصفه الشيخ بأنه كان منتدى لهل العلم‪،‬‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعمرونه بزياراتهم ويعمرون مجالسه بمحاوراتهم ونقاشهم وأسمارهم‬


‫وفتاواهم‪ ،‬كما كان مرتادا ً لذوي الحاجات‪ ،‬يمكثون في مضافته اليام حتى‬
‫تقضى مصالحهم‪ .‬وقد الناس لهذا البيت مودته أثناء الضائقة التي اجتاحته ـ‬
‫فيما اجتاحت من مصر ـ خلل الثلثينات‪ ،‬فل ينجح مرشح في دائرته النتخابية‬
‫إل بتأييد من أهله‪.‬‬
‫وقد توفي والد الشيخ بعد تخرجه في جامعة القاهرة وهو في ميعة الشباب‪،‬‬
‫وحبست الوالدة نفسها عليه وعلى أخته فحاطتهما بأحسن الرعاية والتربية‪،‬‬
‫فكان لها بهذا وغيره ـ يقول الشيخ ـ أبلغ الثر في حياتهما‪.‬‬
‫ً‬
‫تلك هي البيئة التي نشأ فيها الشيخ‪ ،‬فل بد أنها تركت أثرها عميقا في نفسه‬
‫وخلقه وسلوكه‪ ،‬فهناك الجو العلمي الذي يواجه من خلله وجوه كبار العلماء‬
‫يترددون على ذلك البيت‪ ،‬وهناك " المكتبة الحافلة بنوادر المطبوعات‬
‫والمخطوطات " وهناك الفواج من الضيفان تتوافد على شيوخه تلتمس‬
‫الحلول لمشكلتها والفصل في خلفاتها‪ ،‬ول يستبعد أن تستشفع بهم لنجاز‬
‫مصالحها لدى الجهات الرسمية عن طريق علقاتهم بالمقام الخديوي‬
‫والمجلس النيابي‪..‬‬
‫والغريب أن يمتد أثر هذا الجو في حياة الشيخ صلح نفسه إلى حد التكرار‬
‫لهذه الصور الخيرة‪ ،‬التي شهدت مثلها في منزله‪ ،‬حيث رأيت أصحاب‬
‫المصالح يحتلون بهو الستقبال‪ ،‬فيستمع من هذا إلى قضيته الجديدة‪ ،‬ويراجع‬
‫ذاك في ما انتهى إليه بشأن مشكلته القديمة‪ ،‬ويتصل من أجل الثالث‬
‫بالمرجع الحكومي المختص بموضوعه‪ ،‬ول ينفك خلل ذلك متكلما ً بالهاتفين‬
‫أو مسجل ً في مذكرته اليومية مطالب هؤلء وأولئك‪ ،‬حتى إذا حان موعد‬
‫التحرك لمتابعة هذه الحاجات نهض ليقود سيارته وفيها ملؤها من هؤلء‪....‬‬
‫ثم ل يزال يجول بهم بين هذه الدائرة وتلك وبين هذا الرئيس وذاك‪ ،‬حتى‬
‫يستنفدوا إمكاناته وقد نهكه النصب‪ .‬وأخذ طريقه في زحام السيارات إلى‬
‫منزله ليتنفس الصعداء‪ ،‬وليستأنف بعد ذلك متاعبه في خدمة المراجعين‪،‬‬
‫الذين ل يرى أحدهم سوى مشكلته وحدها‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويحدثنا فضيلته عن دراسته فيقول إنه بدأها في مدارس التعليم العام‪ ،‬إذ‬
‫التحق بمدرسة محمد علي البتدائية في ميدان السيدة زينب بالقاهرة‪ ،‬ومنها‬
‫نال الشهادة الولى‪ ،‬ولكن القدر الحكيم حال دون متابعة المنهج العام هذا‪،‬‬
‫لن والده وجده قد اتفقا على تحويله إلى الدراسة الزهرية‪ ،‬حفاظا ً على‬
‫طابع البيت‪ ،‬ورعاية المكتبة العلمية الكبيرة التي ل بد لها من متخصص ينتفع‬
‫بها وينفع‪ ،‬وهكذا عهدا به إلى مقرئ يحفظه القرآن الكريم‪ ،‬ويلقنه أحكام‬
‫تجويده‪ .‬وبذلك أضيف إلى سنيه الدراسية ست سنوات‪ ،‬فقد كان أمامه تسع‬
‫سنوات أخرى للحصول على المؤهل الجامعي‪ ،‬فارتفعت المدة إلى خمس‬
‫عشرة سنة في نطاق التعليم الزهري‪..‬‬
‫ويصف الشيخ رحلته الدراسية بأنها كانت موفقة بفضل الله ‪ ،‬إذ اجتاز‬
‫أقسامها الربعة البتدائي فالثانوي فالكلية فمعهد التربية العالي للمعلمين‪،‬‬
‫بنجاح مستمر دون توقف‪ ،‬وكان قد أفرز بنهاية امتحان الثانوية العامة إلى‬
‫كلية دار العلوم‪ ،‬ومع أنها الكلية المفضلة بنظر الطلب‪ ،‬لما لخريجها من‬
‫الحظوة لدى وزارة التربية والتعليم‪ .‬فقد آثر عليها كلية اللغة العربية ـ شعبة‬
‫الشريعة السلمية بالزهر ـ وفيها تخرج عام ‪ 1954‬وهو العام الذي واجه فيه‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العتقال للمرة الولى عقيب الحل الذي فرضه جمال عبد الناصر على‬
‫جماعة الخوان المسلمين‪ ...‬وكان لهذا العتقال أثره النفسي في نتيجة‬
‫امتحانه للشهادة العالية بعد ذلك‪ ،‬فلم يتجاوز درجة " مقبول " وهو الذي لم‬
‫ينزل عن مستوى التفوق طوال حياته الدراسية‪ ،‬وبهذا حيل دون قبوله في‬
‫الدراسات العليا‪ ،‬فاضطر إلى التحول لكلية التربية للمعلمين‪ ،‬حيث حصل‬
‫على الولية في دبلومها العالي للتربية وعلم النفس ومن ثم عين مدرسا ً‬
‫للدين والعربية في مدارس المتفوقين والمدارس النموذجية‪ .‬وقد أحب علمه‬
‫فلم يفكر بتغييره قط‪ .‬إل أن اشتعال الجو الرهابي الناصري في منتصف‬
‫الستينات على الخوان المسلمين اضطره إلى قبول عرض بالنقلة من‬
‫التدريس إلى أن يكون مديرا ً لمكتب شيخ الزهر‪.‬‬
‫ويذكر الشيخ من الحداث التي رافقت رحلته الدراسية‪ ،‬أثر الزمة التي مرت‬
‫بها بلده أثناء الثلثينات كما أسلفنا‪ ،‬فقد كان نصيب بيتهم منها أن ذهبت‬
‫بالخضر واليابس من ممتلكاتهم‪ ،‬وأبهظت كواهلهم بالديون الفادحة‪ ،‬ولكن‬
‫شاء الله أن يحدث له موردا ً من الرزق الحلل في هذه الغمرة من العسر‪،‬‬
‫وذلك حين اكتشف في نفسه‪ ،‬أو اكتشف فيه آخرون‪ ،‬ذاك الصوت الرخيم‬
‫الذي يصلح لترتيل كتاب الله ‪ ،‬فإذا هو واحد من مقرئي الذاعة المشهورين‪..‬‬
‫ومن هذا الباب تدفقت عليه نعم الله بوفرة كادت تشغله عن مواصلة‬
‫دراسته‪ ،‬وهو المكب عليها بكل طاقته‪ .‬إل أنه استطاع أخيرا ً التوفيق بين‬
‫الدراسة والحاجة‪ ،‬فاكتفى من حصص الذاعة بما يساعده على المضي في‬
‫سبيله‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وسألنا فضيلته عن آثاره العلمية سواء منها ما كان منشورا أو معدا للنشر أو‬
‫في حيز المشروعات المتوقعة‪ ..‬فكان جوابه‪:‬‬
‫ً‬
‫" إن العمل الذي بدأت به في نطاق التعليم عقيب التخرج‪ ،‬مضافا إليه تبعات‬
‫الدعوة في المحافل والمساجد ووسائل العلم‪ ،‬كل ذلك قد استأثر بوقته‬
‫ل‪ ،‬ومن خلل هذا القليل أقدرني الله على‬ ‫فلم يستطع التفرغ لسواه إل قلي ً‬
‫الكتابات التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ حلقات إذاعية في تفسير القرآن العظيم لتلفاز " أبي ظبي " وقد وصلت‬
‫حتى الن إلى آخر سورة الحجر وأول سورة النحل‪ ،‬وبلغ رقمها نهاية المئة‬
‫الخامسة‪..‬‬
‫‪ 2‬ـ تفسير سورة يوسف في ثلثين حلقة لتلفاز دولة البحرين‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ مئات الحلقات لتلفاز قطر في إطار البرامج الدينية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ عشرات المشاركات في الحلقات الدينية لتلفاز سلطنة عمان‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ثلثين حلقة في التفسير لتلفاز المملكة العربية السعودية‪ ،‬وقد أهديت‬
‫إلى مؤسسات التلفزة في دول الخليج " المصحف المفسر" ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ موضوعات متعددة سجلتها لذاعة الكويت على نحو فريد‪ ،‬انتظم كل منها‬
‫ثلثين حلقة‪ ،‬أحدها بعنوان " أسلوب السلم في بناء النسان " وآخر باسم "‬
‫العدل في السلم " ثم " السلم والقتال " و " اليهود في القرآن " وقد‬
‫أخبرني معالي الشيخ يوسف جاسم الحجي أن " جمعية الشيخ عبد الله "‬
‫التي يراسلها قد تولت طباعة حلقات هذا الموضوع‪..‬‬
‫هذا بالنسبة إلى وسائل العلم المسموعة والمرئية‪ .‬أما في ميدان الصحافة‬
‫فقد أسهمت بنصيب كبير من الكتابات في نطاق الدفاع عن السلم وإبراز‬
‫حقائقه‪ ،‬من ذلك ردودي على أحمد حسن الزيات وتوفيق الحكيم وعبد‬
‫الرحمن الشرقاوي‪ ..‬وشاركت طوال سنين في مجلة " لواء السلم " سواء‬
‫في ندوتها الشهرية أو مقالتها الدورية‪ ..‬وكذلك المحاضرات فقد قدر الله لي‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيها حظا ً غير قليل ألقيت كثيرا ً منها في مصر‪ ،‬وبعضها في السودان وقطر‬
‫والبحرين والمارات والكويت‪ ،‬ثم في الهند وإندونيسية وسنغافورة‪ ،‬ثم في‬
‫إنجلترة وأمريكة‪ ،‬وقد أكرم الله كلمتي بالقبول‪ ،‬وأن تكون سببا ً في هداية‬
‫خلق كثير إلى نور السلم‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يقول أبو غسان‪ :‬ل جرم أن قارئا ً لم يطلع على آثار الشيخ التي يشير إليها‬
‫سيستغرب وفرتها‪ ،‬ولكنه لو اطلع على شهادته المرتجلة في قضية الجهاد‪،‬‬
‫وقد استغرقت أكثر من إحدى عشرة ساعة على امتداد جلستين‪ ،‬ثم ردوده‬
‫المتلحقة على تقرير لجنة الزهر الذي مل خمسين صفحة فولسكاب حول‬
‫هذه الشهادة على الرغم من أعبائه التي تحاصره من كل صوب‪ ،‬والتي تنوء‬
‫بها العصبة أولو القوة‪ ،‬أقول‪ :‬لو اطلع القارئ على هذا كله لزال اسغرابه‪،‬‬
‫ولستيقن أنه تلقاء رجل معان من قبل الله ‪ ،‬والله يؤتي فضله من يشاء‪..‬‬
‫وأما من حيث التأليف فيقول الشيخ‪ :‬إن لدي أصول ً لخمسة عشر كتابا ً تنتظر‬
‫مني التفرغ الكافي لخراجها‪ ،‬وإنما يحول دون ذلك مشاغلي في متطلبات‬
‫المهمة النتخابية‪ ،‬فالدفاع عن حقوق الله في المجلس التشريعي‪ ،‬ثم العمل‬
‫لمصالح الناخبين في المكاتب الرسمية‪ ،‬كل ذلك يقيدني عن ذلك التفرغ‬
‫المنشود‪ ،‬ولعل الله يسهل الطريق إلى ذلك فهو الذي يخلق ما يشاء ويختار‪.‬‬
‫ويتم الشيخ حديثه في موضوع الذاعة والتأليف فيقول‪ :‬ومما هو جدير بالذكر‬
‫أن العلم المصري الذي قدمت من خلله الكثير من العمال الدينية في‬
‫الذاعة والتلفاز على مدى سنين‪ ،‬قد أدار لي ظهر المجن منذ دخلت مجلس‬
‫الشعب‪ ،‬وارتفع صوتي بالدعوة إلى تطبيق الشريعة السلمية‪ ،‬فقد صدرت‬
‫الوامر بمنع التعامل معي في العلم المصري منذ العام ‪ ،1978‬بل إن‬
‫التلفاز المصري ل يسمح أن أشارك في أي لي دولة ترتبط معه باتفاق‬
‫إعلمي‪ ..‬ولكن رحمة الله ل تنتظر أوامرهم وأصبحت تلك الدول هي التي‬
‫تطلبني مباشرة‪ ،‬وذلك الفضل من الله ‪ ،‬وما كان عطاء ربك محظورًا‪..‬‬
‫وسرعان ما ردتني هذه الكلمات إلى حديث كتبه المغفور له المام محمد أبو‬
‫زهرة ذات يوم‪ ،‬وفيه يقول‪:‬إن بعض الفضلء قد سأل مدير التلفاز المصري‬
‫عن السبب في استبعاد أبي زهرة عنه ‪ ،‬فكان جوابه‪ :‬لني ل أستريح إليه !‪..‬‬
‫وما كان أبلغ رد المام على ذلك الجواب العجيب حين قال‪ ..:‬لقد نسي هذا‬
‫المدير أن تلفاز مصر ليس ملكا ً له ول هو غرفة من منزله ليستقبل فيها من‬
‫يشاء ويقصي عنها من يشاء‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن في رد المام أبي زهرة رحمه الله منطقا ً ل يفقهه أولو الهواء‪..‬‬
‫وعن أهم الحداث التي عاصرها وتأثر بها فضيلته‪ ،‬وأبعد الرجال أثرا ً في‬
‫تكوينه الفكري‪ ،‬تأتي إجابته تصويرا ً للواقع المأسوي الذي عايشه‪ ،‬وتحليل ً‬
‫للعوامل التي ساقت إلى الحداث المسئول عنها‪.‬‬
‫يقول‪ :‬إن من أهم الحداث تأثيرا ً في نفسه وتفكيره ما يراه من شعارات‬
‫إسلمية ترفعها بعض الدول في حين ترى واقعا ً حافل ً بشتى المتناقضات‬
‫لتلك الشعارات‪ ،‬والمفكر الذي سبق أن وثق بتلك المبادئ سرعان ما يعتريه‬
‫التمزق النفسي عندما تفاجئه أجهزة الدولة بالحساب العسير على التزامه‬
‫إياها وبذلك يدرك الحقيقة وهي أنه يعيش في وجود مزيف ل صلة بين‬
‫مقدماته وعواقبه‪ ،‬فينتهي إلى أحد المرين‪ ..‬إما أن يتعامل مع الشعارات‬
‫الجميلة على حذر فينال نصيبه الحتم من البلء‪ ,‬وإما أن يكون تعامله مع‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الواقع القبيح على علته فيتخلى عن مقتضيات إيمانه‪ ،‬وأحلى المرين مر‪..‬‬
‫ومن هذه المقدمة الفكرية ينطلق الشيخ إلى الكلم عن صلته بالخوان‬
‫المسلمين‪ ،‬والحداث التي واجهتها الجماعة على أيدي الطغيان‪ ،‬الذي هو‬
‫قمة ذلك التناقض‪.‬‬
‫لقد عرف الطريق إلى مركز الجماعة من أيام الدراسة البتدائية‪ ،‬إذ كان‬
‫مسكن أسرته في الحلمية بنفس الحي الذي يقوم فيه المركز‪ ،‬وقد اجتذبته‬
‫أحاديث المرشد العام الستاذ حسن البنا‪ ،‬فثابر على حضورها مساء كل‬
‫ثلثاء‪ ،‬دون أن يسجل انتماءه إلى الجماعة‪ ،‬على الرغم من وثيق ارتباطه‬
‫بأفكارها وتقديره لمامها‪ ،‬وإنما منعه من ذلك ـ فيما يقول ـ نسبته الزهرية‪،‬‬
‫التي كانت تلقي في روعه أن الزهر هو المرشح أبدا ً لمامة الدعوة‪ ،‬فليس‬
‫لمثله أن ينحاز إلى سواه من المؤسسات العاملة للسلم‪ ...‬وهكذا ظل‬
‫منقسم الرأي بين الزهر والخوان‪ ،‬فهو في أعماق مشاعره إخواني‪ ،‬ومن‬
‫حيث النتماء أزهري‪ ..‬وقد استمر في هذا التنازع حتى وقع القدر باستشهاد‬
‫المام البنا واحتجاب الجماعة رسميا ً عن الساحة‪ ،‬ثم جاء دور البلء فكان‬
‫النكال الرهيب الذي صب على أقطابها وشبابها‪ ،‬ول سيما أولئك البطال‬
‫الذين خاضوا ملحم الجهاد للدفاع عن الرض المقدسة‪ ،‬ويقول الشيخ‪ :‬لقد‬
‫رأيت من ذلك ما يثير الدهشة ويحير اللباب‪ ،‬إذ كيف يلقي مستحقو التكريم‬
‫مثل هذا العذاب الليم !‪ .‬وأدركت باقتناع تام أن وراء المحن أعداء السلم‬
‫وخالب الستعمار‪ ،‬الذي لم يزل جاثما ً على صدر الكنانة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ويتابع الشيخ‪ :‬لقد كان لتلك الحداث الشاذة أثر بعيد في إعداد النفوس‬
‫لقبول ثورة الضباط عام ‪ ،1952‬فلما استوت على سوقها‪ ،‬وقضت على‬
‫جميع الحزاب السياسية‪ ،‬إل أن جماعة الخوان الذين فسحت لهم مجال‬
‫الدعوة إلى نشاطهم‪ ،‬بادرت إلى تجديد اتصالي بهم وفي صدري أمل قوي‬
‫بأن العهد الجديد سيفضي حتما ً إلى تطبيق الشريعة السلمية‪ ،‬وتحقيق‬
‫المجتمع المثالي الذي يحلم به الخوان‪ ،‬وذات مساء‪ ،‬وفي أعقاب الحديث‬
‫السبوعي‪ ،‬أعلن عن حديث خاص للمرحوم الدكتور عبد القادر عودة وكيل‬
‫الجماعة آنذاك يلقيه يوم الخميس في المركز العام‪ ..‬وحضرت ذلك الجتماع‬
‫وكان تقديري السابق أن الدكتور عودة كاتب ومفكر أكثر منه متحدثًا‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فقد استهواني حديثه ذاك وترك في نفسي من التأثير ما جعلني أعتقد‬
‫أن تغيير الفكر أساس لتغيير السلوك‪ ..‬وكان مما قاله يومئذ‪:‬‬
‫" نحن في بلد يحكمه نظام دستوري‪ ،‬أساسه سلطة الغلبية‪ ،‬فإذا استطعنا‬
‫أن نحشد الكثرية تحت شعار " ل حكم إل بالقرآن " فذلك هو السبيل‬
‫الدستوري لتطبيق الشريعة السلمية‪."...‬‬
‫بهذه الكلمات الموجزات تحققت أن الزهر يعلم ويفقه وينشر دعاته ووعاظه‬
‫وخطباءه في كل مكان‪ ،‬ولكنه ل يهتم بمبدأ تجميع الغلبية للمناداة بالمطلب‬
‫الواحد الذي هو تطبيق النظام السلمي الحاكم‪ ،‬على حين يصب الخوان‬
‫الرأي العام في قوالب دستورية أخذا ً بالسباب الموصلة إلى ذلك الهدف‪،‬‬
‫دون التفات إلى أهواء الناس‪ ،‬بل التزاما ً بقول الله تعالى‪] :‬إنما كان قول‬
‫المؤمنون إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا‬
‫وأولئك هم المفلحون[سورة النور ‪.51‬‬
‫في هذه الليلة فقط أحسست أن ما مضى من عمر اتصالي بجماعة الخوان‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمين لم أكن فيه إل سلبيا ً أسمع ول أرى داعيا ً للنتماء إلى هذه‬
‫الجماعة‪ ،‬على الرغم من إعجابي الكبير بروحانية المام الشهيد أما الن فقد‬
‫تحولت طاقتي كلها للعمل على دعوة الناس للنتظام في سلك الجماعة‪.‬‬
‫ووفقني الله فأحدثت في مركز إمبابة الجيزة أكثر من عشرين شعبة‪،‬‬
‫وانتخبني إخواني رئيسا ً بمركز الجهاد بهرمس‪ ،‬واختارني إخواني في كلية‬
‫اللغة العربية بالزهر مسئول ً عن نشاط الجماعة فيها‪..‬‬
‫ثم يقول فضيلة الشيخ‪ :‬في هذا الجو المواتي لمسيرة الدعوة انفجرت‬
‫صاعقة جمال عبد الناصر في صفوف الجماعة‪ ..‬وكأنه قد فرغ لهم بعد‬
‫تخلص من الحزاب الخرى‪ ،‬فسلط علهم ضروب الرهاب فمل بهم السجون‬
‫والمعتقلت‪ ،‬ووكل بهم عيونه وأجهزته في كل موقع‪ ،‬ثم لم يكتف بهذا‬
‫فأصدر قراره بمنع المعتقلين‪ ،‬منذ يوليو ‪ 1952‬إلى يوم صدور دستوره‪ ،‬من‬
‫ترشيح أنفسهم لعضوية السلطة التشريعية‪ ،‬ثم عزل من لم يشمله العتقال‬
‫عن طريق اللجان المكلفة فحص طلبات الترشيح‪ ..‬وبذلك عزله مرتين‬
‫أولهما بالقانون والثانية بأساليب المباحث‪ .‬وقد ترتب على ذلك شطب‬
‫اسمي من دفاتر الناخبين في بلدتي وعزلي سياسيًا‪ ،‬وكل ذنبي أني أنادي‬
‫بتطبيق شريعة الله !‪ .‬وقد زعمت مباحث الطاغية أنها ل تحارب الخوان‬
‫كدعوة بل كتنظيم‪ ،‬والواقع أنها إنما تحاربهم تنظيما ً ودعوة‪ ،‬ول أدل على ذلك‬
‫من أن تطبيق الشريعة ظل أمل ً يراود الجماهير حتى الساعة دون أن‬
‫تستجيب له هذه الثورة‪ ،‬التي ما زالت تتجربه وتدأب في تقويضه ومطاردة‬
‫دعاته‪ .‬وحسبنا أن نتذكر أنها ضربت الخوان عام ‪ 54‬وضربت القضاء‬
‫الشرعي عام ‪ 56‬ودمرت الزهر باسم تطويره عام ‪ 61‬واغتصبت أوقاف‬
‫الزهر ومساجده عندما قررت التحول الشتراكي‪ ،‬ثم ضربت الخوان أخيرا ً‬
‫تزلقا ً إلى روسية بقرار أصدره الطاغوت من موسكو عام ‪ 65‬يقضي باعتقال‬
‫كل من سبق احتجازه من الخوان‪ ،‬ثم ضربت كل تجمع إسلمي بعد ذلك‬
‫تحت مختلف العناوين والشعارات‪ ،‬ومن ثم قبضت يدها فمنعت رواتب‬
‫العاملين في بعض المعاهد الزهرية‪ ،‬ولم تبن معهدا ً أزهريا ً واحدًا‪ ،‬بل ولم‬
‫ترع ما بناه الشعب من مئات المعاهد الدينية‪ ،‬اللهم إل على طريقة ذر الرماد‬
‫في العيون‪.‬‬
‫وتتلحق ذكريات الشيخ دون ترتيب حتى تطل به على تجاربه النفسية في‬
‫المعتقل الول الذي واجهه سنة ‪ 1954‬عقيب حل جماعة الخوان‪..‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لقد تداولته سجون إمبابة بمحافظة الجيزة والسجن الحربي وغياهب‬


‫العامرية‪ ..‬فأحدث كل منها في نفسه جراحات ل تندمل‪ ،‬وكان أكبر ما يعانيه‬
‫منها ذكر والدته وشقيقته اللتين لبثتا وحيدتين في المنزل‪ ،‬حتى أدركه الله‬
‫ببعض العزاء حين قيض له أحد الحرس الطيبين ينقل إليهما بعض رسائله‬
‫المختلسة‪ ،‬تذكرهما بما لقيه أولو العزم من الرسل‪ ،‬وما عاناه إمامهم‪،‬‬
‫صلوات الله وسلمه عليه وعليهم‪ ،‬في شعب أبي طالب وما تحمله من‬
‫عدوان السفهاء‪ ،‬وما سبق ذلك من المحن التي ابتلي بها يوسف منذ قذف‬
‫في الجب‪ ،‬حتى سنوات السجن السبع‪ ..‬رجاء أن تسري عنهما من وحشة‬
‫الوحدة وثقل الفراق‪ ..‬ومع ذلك فقد وقع ما كان يحذر‪ ،‬إذ أصيبت الوالدة‬
‫بمرض السكر الذي ما زال يتفاقم بها لقيت وجه ربها‪ ..‬على أن رحمة الله لم‬
‫تتخل عنه قط ‪ ،‬فعلى الرغم من نعومة النشأة التي اكتنفته معظم حياته‪ ،‬قد‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استطاع أخيرا ً أن يروض نفسه على قبول الواقع تأسيا ً بما يراه من عظيم‬
‫البلء ‪ ،‬الذي يواجهه إخوانه على أيدي مخلوقين ينتسبون بهويتهم إلى السلم‬
‫وهو منهم براء‪ ،‬واهتداًء بمضمون الحديث النبوي القائل " أشد الناس بلًء‬
‫النبياء ثم المثل فالمثل " ثم هبت عليه وعلى إخوانه النفحات اللهية‬
‫فأحالت ظلمات السجن في معتقل العامرية نوعا ً من رياض الجنة‪ ..‬إذ كان‬
‫في ذلك السجن ما يزيد على اللف من قادة الجماعة‪ ،‬فما لبثوا أن نظموا‬
‫للمعتقلين برامج ثقافية ملت فراغهم ووفرت لهم زادا ً كريما ً من الثقافة‬
‫السلمية‪ ،‬عن طريق محاضرات يلقيها منهم متخصصون في مختلف‬
‫الفنون‪ ..‬وقد استمر هذا الخير طوال المدة التي قضوها بعد مرحلة التعذيب‪،‬‬
‫التي توقفت على أثر صدور الحكام التي أملها الطاغوت على المحاكم‬
‫الصورية‪..‬‬
‫ً‬
‫س‪ :‬لو تفضلتم فحدثتمونا عن أعمق الرجال تأثيرا في تكوينكم الفكري‬
‫والروحي‪..‬‬
‫ج‪ :‬ل أعلم ـ بعد رسول الله صلوات الله وسلمه عليه وآله ـ وخلفائه‬
‫الراشدين ثم بعد شيوخ أسرتي ـ أحدا ً أعمق أثرا ً في تفكيري وتصوري‬
‫السلمي من ثلثة رجال‪.‬‬
‫أما أحدهم فهو المام حسن البنا تغمده الله برحمته‪ ،‬وقد سبقت الشارة إلى‬
‫بعض أثره في رؤيتي الفكرية والروحية‪ ،‬ويأتي بعده خليفته الول الستاذ‬
‫حسن الهضيبي ذو الشخصية الصلبة الباهرة والنظرة العميقة‪ ،‬والخلص‬
‫الذي جعله خير عوض عن الفقيد الشهيد‪ ،‬ثم نائبه المفكر العالم الدكتور عبد‬
‫القادر عودة الذي أسلفت الشارة إلى أثره الفكري في انتزاعي من التردد‬
‫بين الزهر والخوان‪..‬‬
‫ً‬
‫وإذا كان النسان ابن بيئته حقا فل عجب أن تمنح هذه البيئة فضيلة الشيخ‬
‫كل الزاد الروحي والعقلي الذي جعل منه ذلك البطل المنافح الذي نهض‬
‫بعبء الواجب بعد أن ناءت بحمله كواهل العلماء‪ ،‬الذين أسكتهم الرعب‬
‫وحب الدنيا عن الصدع بكلمة الحق‪ ..‬ورحم الله شوقي لقوله‪:‬‬
‫رتب الشجاعة في الرجال قليلة وأجلهن شجاعة الراء‬
‫وقد بقي من السؤال ما يتعلق بالعمال التي وليها حتى الن زيادة على ما‬
‫سبق ذكره منها‪..‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬لقد استغرقني عملي في التدريس ما بين العامين ‪،1955‬‬
‫‪ ،1972‬ثم نقلت كما قدمت إلى مكتب شيخ الزهر لكون مديرا ً له مدة‬
‫عشرة أشهر‪ ،‬أيام كان المام الكبر هو الدكتور محمد محمد الفحام‪ ،‬وقد‬
‫أتاح لي ذلك العمل فرصة الطلع على العجائب‪ .‬لقد كنت ألوم الزهر‬
‫وأتهمه بالسلبية والصمت إلى أن واجهت واقعه المذهل بنفسي‪ ،‬وهو أن‬
‫الزهر ل يحظى شيء من عمله بالنشر إل ما يطلب منه‪ ،‬أما ما يمثل راية‬
‫الحق وما يتفاعل به داخله فل سبيل له إلى النور‪ ..‬وكذلك اكتشفت أن رجاله‬
‫ليسوا سواء‪ ،‬لن منهم المجاهدين بحق ومنهم دون ذلك السلبيون الذين‬
‫يعدون أياما ً ليقبضوا راتبًا‪...‬‬
‫وأنا الن باحث فني في مجمع البحوث السلمية‪ ،‬وعضو في مجلس‬
‫الشعب‪...‬‬
‫والحوار مع مثل الشيخ ل ينبغي أن يغفل جانب العمل السياسي بنظر‬
‫الوسط الخاص بعلماء السلم‪ ،‬فالدعاية الشيطانية التي حملها بعض أذناب‬
‫الغرب في هذا الصدد تحاول عزلهم عن ميدان الحكم‪ ،‬ليخلو الجو للجهلة‬
‫الكبار‪ ،‬الذين ل يعرفون من غاية للسياسة إل ترديد ما قرأوه وما سمعوه من‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أفكار التلموديين والصلبيين‪ ،‬وما يملى عليهم من وراء الستار‪ ،‬مع الغفلة‬
‫المطبقة عن حقائق السلم‪.‬‬
‫والشيخ حين يتحدث عن السياسة فحديث المجرب الذي اكتوى بنارها‪،‬‬
‫وعارك تقلباتها‪ ،‬واكتشف الخبئ من ألعيبها‪ ،‬وبخاصة في ظل ذلك الكابوس‬
‫الساداتي الذي لم يتورع عن استخدام كل الوسائل لخنق كل صوت حر داخل‬
‫المجلس وخارجه حتى في بيوت الله ‪ ،‬التي أراد إخضاع منابرها لموحيات‬
‫كامب ديفيد‪ ،‬وألزم كل تجمع يريد الشتغال بالسياسة أن يقر اتفاقيته‪ ..‬أول ً‬
‫حتى كادت الساحة أن تخلو من المجاهرين بكلمة الحق‪ .‬إل بعض المغامرين‬
‫من النواب‪ ،‬وفي مقدمتهم هذا الشيخ الذي كان وجوده بينهم فرصة مباركة‬
‫لطلق كلمة السلم المظلوم‪ ،‬في كل مناسبة صلحت للتذكير بشريعة الله ‪،‬‬
‫فكان شاهد الحق على المتنكرين لها يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى‬
‫الله بقلب سليم‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وما أحوجنا هذه اليام إلى استعادة ذلك الماضي الرهيب الذي كان الباب‬
‫الخلفي لكل الفواجع التي أعقبت اتفاقيتي كامب ديفيد‪ ،‬من غزو إسرائيل‬
‫لبنان‪ ،‬إلى مذابح صبرا وشاتيل‪ ،‬إلى المجزرة الكبرى التي ينزلها اليوم القتلة‬
‫القربون في الشمال اللبناني‪ ،‬فتكتسح بلهيبها اللف من أولئك المساكين‬
‫الذين شاء لهم الستعمار والخيانة أن يتيهوا في الرض لجئين ومشردين‪.‬‬
‫س‪ :‬ممارستكم للسياسة البرلمانية ظاهرة تكاد تكون جديدة في مصر‬
‫بالنسبة إلى علماء السلم فكيف وجدتم هذه التجربة‪ ..‬وهل من شأنها‬
‫تشجيع العلماء على اقتحام هذه الحلبة ؟‪.‬‬
‫ج‪ :‬اشتغال العلماء بالدعوة ل بد منه لتوعية الجماهير‪ ،‬ولكن أثره ل يمتد إلى‬
‫صنع القوانين‪ ،‬التي نرجو لها أن تكون قوالب للشريعة السلمية‪ ،‬وهذه‬
‫القوانين ل تصنع إل في صميم السلطة التشريعية‪ ،‬وقد ل يرى معظم الناس‬
‫ارتباط الرخاء باليمان وارتباط النعيم الخروي باليمان‪ ،‬بل هناك من ل يرى‬
‫ارتباط السلم بالحياة‪ ،‬ولذلك كان اعتقادي راسخا ً أن على علماء السلم أن‬
‫يقتحموا هذا الميدان‪ ..‬أما كيف وجدت هذه التجربة‪ ،‬فإني أسوق ما يأتي‬
‫على سبيل المثال‪:‬‬
‫أ ـ خضت المعركة النتخابية في المرتين الولى والثانية سنة ‪1979 ،1976‬‬
‫تحت شعار " أعطني صوتك لنصلح الدنيا بالدين " وقلت لجماهير الناخبين‪:‬‬
‫لو أن شيوخ السلم بعثوا من قبورهم‪ ،‬وانضموا إلى المعاصرين‪ ،‬وملوا‬
‫الدنيا خطابة ومناداة بتطبيق الشريعة السلمية‪ ،‬ما استطاعوا غير تعبئة‬
‫الرأي العام‪ ،‬وللرأي العام قوته وأثره‪ ،‬ولكن ل سبيل إلى تغيير القوانين‬
‫الوضعية لتكون شرعية إل عن طريق مجلس الشعب‪ ،‬الذي له وحده سلطة‬
‫التشريع‪ ،‬واستجاب الناخبون بما يشبه الجماع المنقطع النظير وبحماسة‬
‫متدفقة على الرغم من موقف السلطات التي كانت تستهدف إسقاطي في‬
‫النتخابات بتخطيط ظالم‪.‬‬
‫ب ـ ودخلت مجلس الشعب‪ ،‬وقلت‪ " :‬هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم‬
‫أكفر " وكنت أتصور المجتمع المسلم بعد أن نص دستوره على قداسة‬
‫السلم‪ ،‬واعترف أن الشريعة السلمية هي المصدر الرئيسي للتشريع في‬
‫مصر‪ ،‬فيكفي أن أتقدم بمشروعات القوانين السلمية‪ ،‬وأدعو المجلس إلى‬
‫الموافقة عليها‪ ..‬فتقدمت بمشروعات قوانين تغطي النواحي الجنائية‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمدنية والجتماعية والقتصادية وإجراءات التقاضي‪ ،‬وأحيلت إلى اللجان‬


‫المختصة‪ ،‬وألقيت بين يديها كلمات‪ ،‬قابلها المجلس بالستحسان البالغ‪ ،‬وكان‬
‫قد حدد لكل كلمة زمن ل تتعداه‪ ،‬ولكن المهندس سيد مرعي رئيس مجلس‬
‫الشعب أعلن أن وقت الكلم قد انتهى‪ ،‬ففوجئ المجلس بهذا التنبيه‪ ،‬وقرر‬
‫العضاء بالجماع منحي الوقت اللزم استثناًء من القاعدة فكان هذا قرار‬
‫مجلس وهو ثابت في المضابط ‪ ،‬واستبشرت خيرًا‪ ،‬وقلت هذه فاتحة تبشر‬
‫بتحقيق المل‪ ،‬جمعت بعدها ثلثمائة وأربعين توقيعا ً من أعضاء المجلس‬
‫البالغ " ‪ " 360‬وكان هؤلء العشرون بين غائب ومسيحي وإن كنت قد بينت‬
‫في كلمتي‪،‬أنه ل ضمان لحقوق غير المسلمين إل بتطبيق الشريعة السلمية‬
‫تطبيقا ً صحيحًا‪.‬‬
‫فماذا جرى بعد هذه المقدمات الرائعة ؟‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ج‪ :‬لعبت الثورة في مصر بأجهزتها المختلفة دورا خطيرا‪ ،‬جعل إرادة العضاء‬
‫تابعة لرادة القيادة الحزبية‪ ،‬ولو في هذه المور التي ترتبط بالسلم‪،‬‬
‫وسرعان ما تراجع هؤلء العضاء عن التأييد باسم اللتزام الديني‪ ،‬ومع ذلك‬
‫لم أيأس ومضيت في محاولتي حتى قرر ما يقرب من ثلثمائة عضو القيام‬
‫بعمرة وزيارة في طريق عودتهم من الخرطوم للقاهرة في يناير ‪ ،1979‬بعد‬
‫انتهاء أعمال المؤتمر المشترك لمجلسي الشعب المصري والسوداني‪،‬‬
‫فانتهزت الفرصة وبايعتهم هناك وبايعوني في الحرمين الشريفين‪ ،‬على أن‬
‫تكون أصواتهم لشرع الله ‪ ،‬ل يغلبهم على ذلك انتماء حزبي‪ ..‬وتمت البيعة‬
‫قاطعة واضحة‪ ،‬فما كان من الرئيس أنور السادات‪ ،‬بعد أن ظفر بموافقة هذا‬
‫المجلس باستثناء خمسة عشر عضوا ً ـ كنت أحدهم ـ على اتفاقيتي كامب‬
‫ديفيد‪ ،‬ما كان منه إل أن أصدر قرارا ً بحل مجلس الشعب بعد استفتاء ملفق‪،‬‬
‫وأسقط معظم هؤلء الذين تعاهدنا معهم في الحرمين الشريفين‪.‬‬
‫د‪ :‬لجأت إلى سياسة الستجواب‪ ،‬وهو اتهام ل بد فيه من حشد الدلة الدامغة‬
‫للجام الخصم وتعرية موقفه أمام الرأي العام‪ ،‬وكان استجوابي لرئيس‬
‫الوزراء عن تصريح السادات بأل سياسة في الدين ول دين في السياسة‪ .‬وقد‬
‫حشدت في هذا الستجواب البينات القاطعة على كمال السياسة السلمية‬
‫وتفوقها على كل نظام في تأمين العدالة والوحدة والمن لصناف البشر‬
‫على اختلف معتقداتهم‪ ،‬وبلغت صفحاته العشرين‪ ،‬قدمته إلى رئيس مجلس‬
‫الشعب ليدرجه في أعمال أقرب جلسة‪ .‬غير أنه جبن عن مجرد تقديمه‪،‬‬
‫فذهبت به إلى القصر الجمهوري حيث قدمته بنفسي إلى الدكتور زكريا‬
‫البري ـ وزير الوقاف آنذاك ـ ليبلغه إلى رئيس الجمهورية‪ ،‬وضمنته كذلك‬
‫التنديد بقول السادات‪ :‬إن قدوته مصطفى كمال أتاتورك‪ ..‬ثم كان ما كان‬
‫من تصادم مع الحزب الوطني والغالبية المؤيدة للحكومة بالحق والباطل‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وهناك استجواب آخر وجهته إلى جمال الناظر وزير الساحة والطيران المدني‬
‫عن تقريره الخمر في المدرسة الفندقية التابعة لوزارته في بلد دينه الرسمي‬
‫السلم‪ ،‬والشريعة السلمية هي المصدر الرئيسي للتشريع‪.‬‬
‫وكان لي استجواب كذلك ذد عربدة العلم‪ ،‬ومن قبل كان لي استجواب ضد‬
‫الستاذ عبد المنعم الصاوي وزير العلم عن تصريحه في أمريكا بأن الشريعة‬
‫السلمية لن تطبق في مصر‪.‬‬
‫وكان لي استجواب موجه إلى الدكتور عبد المنعم النمر عن تفريطه كوزير‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للوقاف في استرداد نحو ثلثة وسبعين ألف فدان‪ ،‬كانت البقية الباقية من‬
‫أراضي الوقاف المغتصبة من الزهر والمساجد عام ‪ 1961‬إبان التحول‬
‫ت بردها لوزارة الوقاف‬ ‫الشتراكي‪ ،‬وقد قضى فيها القضاء بحكم نهائي وبا ٍ‬
‫سنة ‪ ،1973‬وفرط وزراء الوقاف المتعاقبون في المطالبة بتنفيذ هذا‬
‫الحكم‪.‬‬
‫وكان لي استجواب موجه إلى وزير العدل حين خالف المفتي الشيخ جاد‬
‫الحق علي جاد الحق آنذاك قرار مجمع البحوث السلمية‪ ،‬الذي يقضي بأن‬
‫ثبوت هلل رمضان في بلد يوجب على جميع البلد السلمية المشتركة مع‬
‫بلد الرؤية في جزء ولو يسيرا ً من الليل أن تصوم‪ ،‬وقد ثبت الهلل عاما ً من‬
‫العوام في العراق والكويت واليمن‪ ،‬فلم يعتمد المفتي هذا الثبوت‪.‬‬
‫وكذلك شهدت قبة مجلس الشعب معاركي ضد قانون السادات للحوال‬
‫الشخصية‪ ،‬وهي معارك خضتها ضد الثلثة الكبار محمد عبد الرحمن بيصار‬
‫شيخ الزهر السابق‪ ،‬وجاد الحق علي جاد الحق مفتي مصر السابق‪ ،‬وعبد‬
‫المنعم النمر وزير الوقاف سنة ‪ ..1979‬هذه الستجوابات وغيرها من‬
‫المواقف البرلمانية‪ ،‬كانت تحتاج إلى مستمعين يقدسون السلم‪ ،‬وإلى‬
‫أعضاء يعرفون للقرآن حرمته وللسنة حجتها‪ ،‬ول يغلبهم على انتمائهم‬
‫للسلم انتماؤهم الحزبي‪ ..‬ولكنني لم أجد في مجلس الشعب إل أعضاء‬
‫يأتمرون بأمر الحكومة‪ ،‬ول يأتمرون بأوامر الله ‪ ،‬ومن هنا أقرر أنه يجب على‬
‫العلماء أن يرشحوا أنفسهم لعضوية مجلس الشعب باعبار أن الهيئة‬
‫التشريعية هي المجال الدستوري الوحيد لتغيير القوانين‪ ،‬وإصلح السلطة‬
‫القضائية والتنفيذية‪ ،‬والحكم بما أنزل الله ‪.‬‬
‫ول بد أن أشير إلى أن سلطة الرقابة التي وضعها الدستور في يد عضو‬
‫مجلس الشعب كفيلة بإصلح الداة الحاكمة‪ ،‬لو كانت هذه السلطة في يد‬
‫عضو صالح‪ .‬ول أنسى أن استجوابي للستاذ عبد المنعم الصاوي بسبب قولته‬
‫في أمريكة‪ " :‬لن تطبق الشريعة السلمية في مصر" كان سببا ً في إخراجه‬
‫من الوزارة اتقاء للحرج البالغ الذي كانت ستتعرض له الدولة لو نظر هذا‬
‫الستجواب‪ ،‬ومما هو جدير بالذكر أن الستجواب يسقط إذا أخرج من الحكم‬
‫الوزير المستجوب‪ ،‬كذلك أذكر أن المرحوم المستشار أحمد سميح طلعت‬
‫الذي كان وزيرا ً للعدل‪ ،‬أنذرته في يناير ‪ ،1977‬بأنه إذا لم يقدم ما عند وزارة‬
‫العدل من تشريعات إسلمية خلل خمسة أشهر‪ ،‬فإني سأستجوبه فلما‬
‫استجوبته‪ ،‬أجرى تعديل وزاري لم يخرج بمقتضاه من الوزارة سوى وزير‬
‫العدل ليسقط الستجواب‪ ،‬وقد لقيني رحمه الله وأخبرني بالخلفيات التي‬
‫وراء خروجه من الوزارة‪ ،‬وهي تدل على اتجاهات غير إسلمية‪ ،‬ول مجال‬
‫لتفصيل القول فيها الن‪ ،‬وآخر ما أذكره من أمثلة ذلك‪ ،‬وقد سبقت بعض‬
‫الشارة إليه‪،‬‬
‫أن المعاهد الدينية الزهرية كانت قد أهملت من قبل الدولة‪ ،‬وبدأت الشكوى‬
‫من المعاهد الموجودة في دائرتي‪ ،‬وهي ثلثون معهدا ً دينيا ً أزهريًا‪ ،‬منها‬
‫خمسة تئن من الهمال‪ ،‬فلما اتصلت بإدارة المعاهد الزهرية علمت أن‬
‫الهمال قد انتظم مئتي معهد على مستوى الجمهورية المصرية‪ ،‬فأعلنت في‬
‫جريدة " الهالي " أنني سأقدم استجوابا ً لرئيس الوزراء الدكتور فؤاد محي‬
‫الدين باعتباره الوزير الذي يسأل دستوريا ً عن الزهر‪ ،‬إلى جانب وضعه‬
‫كرئيس للوزراء‪ ،‬وما إن أعلن هذا الستجواب في جريدة الهالي يوم ‪/ 19‬‬
‫‪ 1983 / 10‬حتى نشرت الهرام يوم ‪ 10 / 25‬ما يفيد أن اللجنة الوزارية قد‬
‫اتجهت إلى تحقيق الكثير من المطالب التي طالت مساعينا وراءها‪ .‬وليس‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا التجاوب سوى الثر الناطق بأثر الرقابة على الدولة‪ .‬إذا استخدمها نائب‬
‫حر ل يخشى في الله لومة لئم‪.‬‬
‫س‪ :‬كان لمواقفكم المشرفة في قضية تحكيم الشريعة المطهرة رد فعل‬
‫عميق في مختلف أنحاء العالم السلمي‪ ،‬فيرجى تزويد قراء هذا الكتاب‬
‫بالمعلومات التالية حول الموضوع‪:‬‬
‫أـ هل تجدون لصوتكم في هذا الصدد صداه المنشود في أوساط‬
‫المسئولين ؟‬
‫ب ـ هل تأملون أن يكون لهذا المطلب الشعبي العام استجابة في أوساط‬
‫المسئولين ؟‬
‫ج ـ هل تعتقدون أن للسياسة الدولية علقة بتأخير الستجابة حتى اليوم ؟‬
‫د ـ هل تتوقعون أن يكون لخطوة السودان في هذا المجال تأثيرها اليجابي‬
‫في مصر ؟‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ج‪ :‬أ‪ :‬قبل دخولي مجلس الشعب لم يكن هناك نص دستوري على أن‬
‫الشريعة السلمية هي المصدر الرئيسي للقوانين‪ ،‬ولم تكن هناك لجان‬
‫لتقنين الشريعة السلمية‪ ،‬وكان صوتي ينطلق في مجلس الشعب فيجد‬
‫الصدى ول يجد القرار‪ ،‬ثم تجمعت عوامل أدت إلى النص في المادة الثانية‬
‫من الدستور أن السلم دين الدولة الرسمي‪ ،‬وهذا ليس بجديد‪ ،‬ولكن الجديد‬
‫هو النص على أن الشريعة السلمية هي المصدر الرئيسي للتشريع‪ ،‬وجزى‬
‫الله الزملء الذين أبلوا في هذا بلء حسنا ً خير جزاء‪.‬‬
‫ولجنة تقنين الشريعة السلمية في مجلس الشعب على الرغم من كل ما‬
‫صادفها من عقبات قد أنجزت عملها تمامًا‪ ،‬بل وأتمت طباعته في التشريعات‬
‫القتصادية والجتماعية والمدنية والجنائية‪ ،‬وفي التقاضي ولم يبق سوى‬
‫التطبيق‪ .‬وهذا يؤكد علينا ضرورة المضي في هذا الطريق‪ ،‬ويؤكد على‬
‫العلماء ضرورة القدام لطلب عضوية مجلس الشعب لرغام المسئولين على‬
‫الستجابة المنشودة‪.‬‬
‫ب ـ نعم آمل أن يكون لهذا المطلب الشعبي العام استجابة قريبة‪ ،‬ولن‬
‫يموت حق وراءه مطالب والشعب كله يطالب‪ ،‬وإن كبتله قوانين الطوارئ‬
‫للعام الثالث على التوالي‪ ،‬وإن حيل بين طلئعه والدعوة والجهاد‪ ،‬وإن زج‬
‫بأبطاله في السجون والمعتقلت‪ ..‬والظلم الكثيف يبدده النور الخفيف فكيف‬
‫بالنور الوهاج‪ ،‬والله متم نوره ولو كره الكافرون‪.‬‬
‫ص‪ :‬ج ـ ل شك أن عالمنا العربي والسلمي‪ ،‬وقد مني بالستعمار الزاحف‬
‫عليه من الخارج بعد أن أصيب بالتمزق الذي بعثر صفوفه‪ ،‬وفرق كلمته داخل‬
‫الدوائر العربية والسلمية‪ ،‬قد أصبح في وضع دولي تبخرت منه العزة‬
‫السلمية‪ ،‬لن الذين ينسون الله ينسيهم الله أنفسهم‪ ،‬فالذين يدورون في‬
‫فلك الغرب‪ ،‬والذين يدورون في فلك الشرق‪ ،‬إنما يدورون جميعا ً في أفلك‬
‫قوى عالمية لم تتفق إل على محاربة السلم‪ ،‬وهذا هو السر في تأخير‬
‫الستجابة حتى اليوم للمطلب الشعبي على مستوى العالم السلمي المتمثل‬
‫في تطبيق الشريعة السلمية‪ ..‬و ]إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما‬
‫بأنفسهم[‪.‬‬
‫د ـ خطوة السودان في مجال تطبيق الشريعة السلمية لها تأثيرها اليجابي‬
‫في شعب مصر‪ ،‬ومصر بلد الزهر‪ ،‬ولول التعتيم العلمي الكثيف على اتجاه‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ ،‬ولكن هناك قوانين‬ ‫السودان نحو تطبيق الشريعة السلمية لوجدنا الثر فعا ً‬
‫الطوارئ‪ .‬والقوانين المقيدة للدعوة في المساجد‪ ،‬والمباحث والمخابرات‬
‫وتثاقل المسئولين و‪] ..‬عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا‬
‫على ما أسروا في أنفسهم نادمين[‬
‫س‪ :‬يلحظ أن بادرة السودان بالنسبة إلى تطبيق الشريعة السلمية تكاد‬
‫تكون مقصورة على السلبيات إذ تقوم على منع المخالفات لروح السلم‬
‫ومعاقبة مقترفيها‪ ،‬ولم تتعرض للنواحي اليجابية التي من شأنها تقديم‬
‫الحلول الحاسمة لمشكلت المجتمع في نطاق القتصاد والتعليم والعدالة‬
‫الجتماعية وما إلى ذلك‪ ،‬فما رأيكم في هذا ؟ وما توقعاتكم بشأنه ؟‪.‬‬
‫ج‪ :‬الحكم على الشيء فرع من تصوره‪ ،‬والمبادرة السودانية بالنسبة إلى‬
‫تطبيق الشريعة السلمية لم تتضح ملمحها عندي‪ ،‬ولكنني أقول إن إذعان‬
‫ل‪ ،‬وأعتقد أنه سينمو وسيتكامل ما‬ ‫الشعب والدولة لله يجب أن يكون متكام ً‬
‫دامت روح اليمان والذعان مهيمنة‪ ،‬وهذا هو العنصر الذي انفصل عن‬
‫التصديق‪ ،‬فقد كان الكفار يعرفون صدق الرسول كما يعرفون أبناءهم‪،‬‬
‫ولكنهم مع التصديق القلبي كانوا يكتمون الحق ويجحدون بآيات الله ‪ ،‬فإذا‬
‫وجد الذعان والنقياد لرب العالمين‪ ،‬فإن المستقبل كله خير بإذن الله ‪ ،‬وما‬
‫أروع قول الشاعر‪:‬‬
‫إن الهلل إذا رأيت نموه أيقنت أنه سيصير بدرا ً كامل ً‬
‫م‪ :‬التمزق الذي ينتاب العرب هذه اليام قد بلغ أشده بالمحن الضخمة التي‬
‫زلزلت كيانهم وأطمعت بهم أعدائهم‪ ،‬فما السبيل إلى إصلح هذه‬
‫الكوارث ؟‪.‬‬
‫ً‬
‫ص‪ :‬ل بد من وضع خطة تشارك فيها جميع القوى وتتكاتف بدءا من منبر‬
‫المسجد إلى ميكروفون الذاعة إلى شاشة التلفزيون‪ ،‬إلى الكلمة المكتوبة‬
‫في الجرائد اليومية‪ ،‬إلى التصالت النشيطة بين الحكام والدول‪ .‬ول بد أن‬
‫يجري ذلك على نهج إسلمي بأمل ل يعرف اليأس‪ ،‬وهمة ل تعرف الملل‬
‫والكلل‪ ،‬ل بد أن يعرف الناس أن الوحدة إيمان وأن الفرقة كفر‪ ،‬على حد‬
‫تعبير القرآن الكريم في سورة " آل عمران " ]يا أيها الذين أمنوا إن تطيعوا‬
‫فريقا ً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين[ ـ أي بعد وحدتكم‬
‫متفرقين ـ ]وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن‬
‫يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم[ آل عمران ‪.101 ، 100‬‬
‫م‪ :‬ما الكلمة التي توجهونها إلى الجيل السلمي الجديد ؟‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪202‬‬

You might also like