بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ،وفيق مين شياء لهيدايته ،وأبيان للسيالكين طرييق
جنته ،وحييذر السييائرين أسييباب نقمتييه ،والصييلة والسييلم علييى ميين جيياء
بالدوية الشافية ،والجوبة الكافية ،فما مات صلى الله عليه وسلم لحييتى
ترك المة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك أما بعد :
فل تزال ي بحمد الله تعالى ي قوافل العائدين إلى اللييه يي تعييالى يي ميين
هذه الصحوة الميمونة تعيود إلييى المعييين الصييافي ،والمنبييع الييوافي ،إلييى
كتاب ربها وسنة نبيها؛ صلى الله عليه وسلم لتنهييل ميين معينهمييا ،وتغييرف
من بركاتهما ،كل ذلك بعزم وتصييميم ،وهميية وصييلت إلييى الصيميم ،وإنييك
لتشعر من عزم شبابها ،ووعيهم لضرورة الجد في استدراك مييا فييات ،مييا
يجعلك تتفاءل بعييودة تباشييير الصييباح ،وتجييزم بييإذن اللييه يي تعييالى يي بييأن
المستقبل لهذا الدين ولو كره المشركون .
وصحوة هذا شأنها وتلييك عزمتهييا ميين حقهييا علينييا أن تبييادر بالرعاييية ،وأن
تحاط بالتربية الجادة ،حتى تصل إلى المرتقى المنشييود ،وتبلييغ المسييتوى
المحمود .
ولقد كان لعلماء السلم قديما ً وحديثا قدم صييدق فييي ميييدان التربييية
ورعاية المة من سائر الشرور ،ولعل المام ابن القيم ي رحمه الله ييي يييأتي
في طليعة أولئك ،حيث دبجت براعتييه تشييخيص الييداء ،وتوصيييف الييدواء ،
ومن تلك الكتب العظيمة التي كتبها في هييذا المضييمار) الجواب الكككافي
لمن سأل عن الدواء الشافي ( ،وهذا الكتاب بحق يحتيياجه كييل مسييلم
فهو يعالج قضايا خطيرة من أهمها قضية الشهوة ،وموقف المسييلم منهييا ؟
و علجها ..ونحوها من الموضوعات التي أجاد فيها المام ابن القيم ي رحمييه
الله ي وكتبها بعبارات بليغة ،مع غزارة المنفعة.
ولقد كان من اجتهادي القيام بالنتقاء من هييذا الكتيياب مييا يحتيياجه الشييباب
فإن كان صوابا فمن الله ،وإن كان خطييأ فمنييي والشيييطان واسييتغفر اللييه
العظيم .
منهج هذا النتقاء
حرصت في هذا النتقاء على تخليص الكتاب من الستطرادات التي
استرسل فيها المؤلف ،والتي تقطع على القارئ استرساله واندماجه
القلبي مع المعاني الوعظية ،فحذفت الستطرادات الفقهية،وبعض القضايا
العقدية ،والثار السرائيلية،والحاديث الضعيفة ) ،(1والمعاني المكررة
،وكنت أحذف أحيانا لمجرد الختصار في مواضع التطويل .
وقد حرصت على أن يكون الكتاب بأسلوب مؤلفه وأل أدخل عليه
شيئا وإن اضطررت إلى ذلك وضعته بين قوسين ،وقد وضعت عنوانات
1
)( واعتمدت في هذا على كلم العلماء في التصحيح والتضعيف .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
2 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
جانبية جعلتها بين قوسين ] [ توضح للقارئ المعاني الساسية ،وقد زاد هذا
الوضوح بعض تقديم وتأخير لجأت إليه ومناقلت من موضع إلى
موضع،جمعت المعاني المتماثلة في مكان واحد ).(1
وقمت بتخريج أحاديث الكتاب وبعض الثار الواردة عن السلف
الصالح ،وبيان درجة كل حديث ،وقد استفدت كثيرا ً من تحقيق الستاذ
عامر بن علي بن ياسين لكتاب الجواب الكافي ،وكذا استفدت منه
العنوانات الجانبية التي وضعها للتوضيح وهذا في الغالب ي فجزاه الله عني
خيرا ي .
وهكذا فإني أظن أن كتاب ) الجواب الكافي ( الذي تعثر الكثير من
شبابنا في قراءته والستفادة منه ؛ قد أصبح بهذا النتقاء ،كتابا ً لطيفا ً
سلسا ً قريبا ً من الجميع ،وصار أهل ً أن أقدمه ليقرأ على مجموعات الشباب
في المكتبات الخيرية ،والمراكز الصيفية ،والرحلت الخلوية ،كما أنه يعتبر
موردا رئيسا ً ،ورافدا ً ثريا يعين الواعظ ،وخطيب الجمعة ،وإمام المسجد .
هذا وإن العناية بهذا الكتاب ،وحفظ ما تيسر مما ورد من الشواهد
والحكم والقوال الجميلة لمن أعظم ما يعين المربي على معرفة الدواء
وعلجها ،والجابة عن كثير من أسئلة الحائرين .
وأخيرا ً..فقد بذلت جهدي ،وأفرغت وسعي وأرجو أن أكون قد وفقت
لقدم للمكتبة السلمية شيئا جديدا ينفع الله به المة ،كما إني ل أنسى
في نهاية المطاف أن أشكر الخوة الفضلء والدعاة النبلء الذين أتحفوني
بتنبيهاتهم التي هي محل التقدير والهتمام). (2
وإني آمل من الجميع إبداء النصيحة لخيهم فالخطأ والتقصير وارد
يي عيوبي وستر عل ّ والمعصوم من عصمه الله ،ورحم الله من أهدى إل ّ
عواري اسأل المولى القدير أن ينفع بهذا النتقاء كاتبه وقارئه وأن يجعله
حجة لنا ل علينا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم .
وككتكبكه
محمد بن عبدالله بن صالح الهبدان
ص.ب 68298:الرمز 11527 :
alhabdan@email.com
جوال 055203538 :
هاتف وفاكس 2321410 :
() 1وفي موطن واحد أضفت كلما لبن القيم ـ رحمه ال ـ استقيته من كتابه زاد المعاد .
( ) 2خاصة فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد وفقه ال تعالى فقد قرأ الكتاب وأفادني بتنبيهات حسان فله مني الشكر
والمتنان واسأل المنان أن يجعله من أهل الجنان .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
3 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
بسم الله الرحمن الرحيم ،وبه نستعين .
] بيان سبب تأليف الكتاب [
سئل الشيخ العلمة ابن القيم رحمه الله تعالى :
ما تقول :في رجل ابتلككى ببليككة )(1وعلككم أنهككا إن اسككتمرت بككه
أفسدت دنياه وآخرته ،وقد اجتهد فككي دفعهككا عككن نفسككه بكككل
طريق فما يزداد إل توقدا ً وشدة فمككا الحيلككة فكي دفعهككا ؟ ومككا
الطريق إلى كشفها ؟ فرحم الله مككن أعككان مبتلككى ،واللككه فككي
عون العبد ما كان العبد في عون أخيه أفتونا مأجورين .
فكتب الشيخ رحمه الله الجواب :
] بيان أن الله لم ينيزل داًء إل وأنيزل له دواء [
الحمد لله ؛ أما بعد :فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " :ما أنزل الله داء إل أنزل له
شفاء ")، (2وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " :لكل داء دواء ؛ فإذا أصيب دواء الداء ؛ برأ
بإذن الله " ).. (3وهذا يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها .
جعَل َْناهُوقد أخبر ي سبحانه ي عن القرآن أنه شفاء فقال الله تعالى )):وَل َوْ َ
قاُلوا ل َوَل فُصل َت آيات َ َ َ
مُنوا نآ َ ذي َل هُوَ ل ِل ّ ِ
ي قُ ْ
ي وَع ََرب ِ ّ
م ّ
ج ِ
ه أأع ْ َّ ْ َ ُ ُ ْ مي ّا ً ل ّ َ
ج ِ قُْرآنا ً أع ْ َ
فاء (( ]فصلت [44:وقال )) :وننيزل من القرآن ما هو شفاء ش َدى وَ ِ هُ ً
ورحمة للمؤمنين ((]السراء .[82:
و من هاهنا لبيان الجنس ل للتبعيض ؛فإن القرآن كله شفاء ؛ فلم
ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعم ول أنفع ول أعظم ول أْنجع في
إزالة الداء من القرآن .
فصيل
] هل لمرض الشهوة علج ؟ [
فإن قيل مع هذا كله ؛ فهل من دواء لهذا الداء العضال ،ورقية لهذا السحر
القتال ؟
وما الحتيال لدفع هذا الخبال ؟ وهل من طريق قاصد إلى التوفيق ؟ وهل
يمكن السكران بخمرة الهوى أن ُيفيق ؟ وهل يملك العاشق قلبه والعشق
قد وصل إلى سويدائه ؟ وهل للطبيب بعد ذلك حيلة في برئه من
سويدائه ؟ وهو إن لمه لئم ؛ التذ بملمه لذكره لمحبوبه ،وإن عذله عاذل ؛
أغراه عذله وسار به في طريق مطلوبه.
() 1لم يبين السائل ول المؤلف ما هذه البلية التي وقع فيها هل هي داء العشق ؟ أم داء اللواط ؟ والذي يظهر من صنيع المام ابن
القيم ـ رحمه ال ـ أنه لم يخصص هذا أو ذاك بل جعل كلمه على داء الشهوة والتي يدخل فيها مرض العشق واللواط وغيرها من
المراض ـ عافنا ال وإياكم من ذلك .فتكلم على الجميع وال أعلم .
() 2أخرجه :البخاري ). (5678
() 3أخرجه :مسلم ) . (2204
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
4 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
] علج مرض الشهوة [
قيل :نعم .الجواب من أصل ":ما أنزل الله من داء ؛ إل جعل له دواء ؛
علمه من علمه وجهله من جهله " ) (1والكلم في دواء هذا الداء من
طريقين :
أحدهما :حسم مادته قبل حصولها .
والثاني :قلعها بعد نزولها .
وكلهما يسير على من يسره الله عليه ،ومتعذر على من لم يعنه الله ؛
فإن أزمة المور بيديه .
] التدابير العملية الواقية من مرض الشهوة [
وأما الطريق المانع من حصول هذا الداء ] فهي أربعة أمور[ :
أحدهما غض البصر :فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ،
ومن أطلق لحظاته ؛ دامت حسراته .
فاللحظات :هي رائد الشهوة ورسولها ،وحفظها أصل حفظ الفرج ؛
فمن أطلق نظره أورده موارد الهلك .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " :يا على ل تتبع النظرة
النظرة ؛ فإنما لك الولى ،وليست لك الخرى "). (2
وقال " :إياكم والجلوس على الطريق " .قالوا :يا رسول الله !
مجالسنا ،مالنا بد منها !! قال " :فإن كنتم ل بد فاعلين ؛
فأعطوا الطريق حقه "قالوا :وما حقه ؟ قال " :غض البصر ،
وكف الذى ،ورد السلم " ).(3
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب النسان ؛ فإن النظرة تولد
خطرة ،ثم تولد الخطرة فكرة ،ثم تولد الفكرة شهوة ،ثم تولد الشهوة
إرادة ،ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة ،فيقع الفعل ،ول بد ،ما لم يمنع
منه مانع .
ض البصر أيسُر من الصبر على ألم ما بعده . وفى هذا قيل :الصبر على غ ّ
قال الشاعر :
شيرِر مستصَغر ال ّ ن ُ م ْ م النارِ ِ معظ َ ُو ُ ث مبداها من النظييرِ ل الحواد ِ ك ّ
س والوتير ن القو ِ كمبلِغ السْهم بي َ ب صاحِبها ن قل ْ ِ م نظرةٍ بل ََغت م ْ ك ْ
رَ
خط ِ ف على ال َ موقو ٌ عين الغي ْد ِ َ في أ ُ ّ
قلييُبه ف يُ َ َ
والعبد ُ ما دام ذا طْر ٍ
ضييرِر سرورٍ عاد َ بال ّ مْرحبا ً ب ِ ُ ل َ جيييَتهمهْ َ ضّر ُ ه ما َقل َت َ ُ
م ْ
سّر ُ يَ ُ
ومن آفات النظر :أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات ،فيرى
العبد ما ليس قادرا ً عليه ول صابرا عنه ،وهذا من أعظم العذاب :أن ترى
ما ل صبر لك عنه ،ول عن بعضه ،ول قدرة لك عليه ول عن بعضه .قال
الشاعر :
ك المناظ ُِر ً
ك يوما أتعبت ْ َ ْ
لقلب َ ً ك راِئدا َ
ت طْرفَ َ ْ
ت متى أرسل َ وك ُن ْ َ
()1أخرجه :أحمد ) (4/278من حديث أسامة بن شريك رضي ال عنه ،وصححه اللباني في السلسلة ). (451
2
)( أخرجه :أبو داود ) (2148والترمذي ) (2776وأحمد ) (5/353وقد حسنه اللباني في جلباب المرأة المسلمة ص . 77
3
)( أخرجه :البخاري ) (2465ومسلم ) (2121عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
5 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ت صابُرن بعضهِ أن َعليهِ ول ع ْ ت قادٌر ت الذي ل ك ُل ّ ُ
ه أن َ رأي َ
وقد قيل :إن حبس اللحظات أيسُر من دوام الحسرات .
وفي غض البصر عدة منافع :
أحدها :أنه امتثال لمر الله ،الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه
ومعاده ؛ وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك
وتعالى ،وما سعد من سعد في الدنيا و الخرة إل بامتثال أوامره ،وما
شقي من شقي في الدنيا والخرة إل بتضييع أوامره .
الثانية :أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلكه إلى
قلبه .
الثالثة :أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعّية على الله ؛ فإن إطلق البصر
يفرق القلب ،ويشتته ،ويبعده عن الله ،وليس على القلب شيء أضر من
إطلق البصر ؛ فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه .
الرابعة :أنه يقوي القلب ويفرحه كما أن إطلق البصر يضعفه ويحزنه .
الخامسة :أنه يكسب القلب نورا ً كما أن إطلقه يكسبه ظلمة ،وإذا
استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل ناحية كما أنه إذا أظلم
أقبلت سحائب البلء والشر عليه من كل مكان فما شئت من بدع ،
وضللة ،واتباع هوى ،واجتناب هدى ،وإعراض عن أسباب السعادة ،
واشتغال بأسباب الشقاوة ؛ فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب
قد ذلك النور بقى صاحبه كالعمى الذي يجوس) (1في حنادس فإذا فُ ِ
)(2
الظلمات .
السادسة :أنه يورث فراسة صادقة يميز بها بين الحق والباطل والصادق
والكاذب .
وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول ) :من عمر ظاهره باتباع السنة ،
وباطنه بدوام المراقبة ،وغض بصره عن المحارم ،وكف نفسه عن
الشهوات ،واغتذى بالحلل لم تخطئ له فراسة (). (3
)(4
وكان ]ابن [ شجاع هذا ؛ ل تخطيء له فراسة .
والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله ،ومن ترك لله
شيئا عوضه الله خيرا ً منه .
وضه الله بأن يطلق نور بصيرته فإذا غض بصره عن محارم الله ؛ ع ّ
عوضا ً عن حبس بصره لله ،ويفتح عليه باب العلم واليمان والمعرفة
والفراسة الصادقة المصيبة التي إنما تنال ببصيرة القلب .
وضد ّ هذا ما وصف الله به اللوطية من العمه الذي هو ضد البصيرة ،فقال
تعالى )) :لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون (( ]الحجر [72:فوصفهم
مه الذي هو فساد البصيرة . بالسكرة التي هي فساد العقل ،والعَ َ
جْوس :طلب الشيء باستقصاء ،والتردد والطواف خلل البيوت والدور في الغارة . ()1ال َ
2
حْندس :الظلمة ،والليل المظلم .
)( ال ِ
3
)( انظر :حلية الولياء ). (10/237
4
)( انظر :حلية الولياء ). (10/237
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
6 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
مه البصيرة وسكر القلب ؛كما قال فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وع َ َ
القائل :
كران س ْ ن به ِ ُ م ْ ة َ ومتى إفاق ُ مة ٍ مدا َ سك َْر ُ سك ُْر هوىً و ُ ن ُ كرا ِ س َْ
وقال الخر :
مجانين ما بال َ م ّ م ِ العشقُ أعظ ُ ت ل َهُ ْ
م ن تهوى فقل ُ م ْ جنْنت ب ِ َ قالوا ُ
ن في الحين مجنو ُ صرع ُ ال َ ه وإّنما ي ُ ْ حب ُ ُهيَر صا ِ العشقُ ل يستفيقُ الد ّ ْ
ً
السابعة :إنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة .
فجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة .
ل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها نذ ّ م ْ وضد هذا تجده في المتبع هواه ِ
وحقارتها وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه ،كما قال الحسن):إنهم وإن
ل المعصية ل يفارق طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين ؛إن ذ ّ
قلوَبهم ،أبى الله إل أن يذل من عصاه (). (1
وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته :فقال تعالى:
)) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين (( ]المنافقون [8:وقال تعالى )) ول
تهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون إن كنتم مؤمنين (( ]آل عمران .[139:
ْ
ريد ُ العِّزةَ ن يُ ِ من َ
كا َ واليمان :قول وعمل ،ظاهر وباطن ،وقال تعالىَ )) :
ن ذي َه َوال ّ ِ ح ي َْرفَعُ ُ صال ِ ُل ال ّم ُ ب َوال ْعَ َ م الط ّي ّ ُ صعَد ُ ال ْك َل ِ ُ ميعا ً إ ِل َي ْهِ ي َ ْ ج ِفَل ِل ّهِ ال ْعِّزة ُ َ
ك هُوَ ي َُبوُر (( ]فاطر [10: مك ُْر أ ُوْل َئ ِ َ ديد ٌ وَ َ ش ِ ب َ ذا ٌ م عَ َ ت ل َهُ ْ سي َّئا ِن ال ّ مك ُُرو َ يَ ْ
أي :من كان يريد العزة ؛ فليطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب
والعمل الصالح .
)(2
وفي دعاء القنوت " :إنه ل يذل من واليت ول يعز من عاديت "
ومن أطاع الله ؛ فقد واله فيما أطاعه فيه،وله من العز بحسب
طاعته،ومن عصاه ؛ فقد عاداه فيما عصاه فيه ،وله من الذل بحسب
معصيته .
الثامنة :أنه يسد على الشيطان مدخله إلى القلب ؛فإنه يدخل مع
النظرة ،وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي ؛
فيمثل له صورة المنظور إليه ،ويزينها ،ويجعلها صنما ً يعكف عليه القلب
ده ،ويمّنيه ،ويوقد على القلب نار الشهوة ،ويلقى عليه حطب ،ثم ي َعِ ُ
المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة ،فيصير القلب في
اللهيب ؛ فمن ذلك اللهيب تلك النفاس التي يجد فيها وهج النار ،وتلك
الزفرات والحرقات ؛ فإن القلب قد أحاطت به النيران من كل جانب؛ فهو
في وسطها كالشاة في وسط التنور.
جِعل ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات للصور المحرمة :أن ُ
لهم في البرزخ تنور من نار ،وأودعت أرواحهم فيه إلى يوم حشر
1
)( انظر :الحلية ) . (2/149والطقطقة :صوت حوافر البغال .والهملجة :النقياد والذل .والبراذين :الدواب .
2
)( أخرجه :أبو داود ) (1425والترمذي ) (464والنسائي ) (1744وابن ماجه ) (1178من حديث الحسن بن علي رضي
ال عنهما .قال الترمذي :هذا حديث حسن .وصححه أحمد شاكر واللباني .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
7 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
أجسادهم ؛ كما أراها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في المنام في
الحديث المتفق على صحته ).(3
التاسعة :أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والشتغال بها ،وإطلق
البصر ينسيه ذلك ويحول بينه وبينه ؛ فينفرط عليه أمره ،ويقع في اتباع
عنه َ ن أ َغ ْ َ
فل َْنا قَل ْب َ ُ هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه .قال تعالى )) وََل ت ُط ِعْ َ
م ْ
مُره ُ فُُرطا ً (( ]الكهف .[28:وإطلق النظر يوجب كا َ
نأ ْواه ُ وَ َ َ
ذ ِك ْرَِنا َوات ّب َعَ هَ َ
هذه المور الثلثة بحبسه .
العاشرة :أن بين العين والقلب منفذا ً و طريقا ً يوجب اشتغال أحدهما عن
الخر ،وأن يصلح بصلحه ،ويفسد بفساده ؛ فإذا فسد القلب ؛فسد
النظر ،وإذا فسد النظر؛ فسد القلب ،وكذلك في جانب الصلح .
فإذا خربت العين وفسدت خرب القلييب وفسييد وصييار كالمزبليية الييتي
هي محل النجاسات والقاذورات والوسيياخ ؛فل يصيلح لسييكنى معرفيية اللييه
ومحبته و النابة إليه والنس به والسرور بقربييه ،وإنمييا يسييكن فيييه أضييداد
ذلك .
فهذه إشارة إلى بعض فوائد غض البصر تطلعك على ما ورائها .
الطريق الثاني المانع من حصول تعلق القلب :اشتغال القلب
بما يصده عن ذلك ويحول بينه وبين الوقوع فيه ،وهو إما خوف مقلق أو
حب مزعج ،فمتى خل القلب من خوف ما فواته أضر عليه من حصول هذا
المحبوب ،أو خوف ما حصوله أضر عليه من فوات هذا المحبوب ،أو محبة
ما هو أنفع له وخير له من هذا المحبوب ،و فواته أضر عليه من فوات هذا
المحبوب ،لم يجد ب ُد ّا ً من عشق الصور .
وشرح هذا :أن النفس ل تترك محبوبا ً إل لمحبوب أعلى منه ،أو خشية
مكروه حصوله أضر عليه من فوات هذا المحبوب .
وهذا يحتاج صاحبه إلى أمرين ،إن فقدهما أو أحدهما لم ينتفع
بنفسه :
أحدهما :بصيرة صحيحة يفرق بها بين درجات المحبوب والمكروه ،
فيؤثر أعلى المحبوبين على أدناهما ،ويحتمل أدنى المكروهين ليخلص من
أعلهما .
ة العقل ،ول ُيعد عاقل ً من كان بضد ذلك ،بل قد تكون البهائم وهذا خاص ُ
أحسن حال ً منه .
الثاني :قوة عزم وصبر يتمكن بهما من هذا الفعل والترك .
فكثيرا ً ما يعرف الرجل قدر التفاوت ولكن يأبى له ضعف نفسه ،وهمته
،وعزيمته على إيثار النفع من خسته وحرصه ووضاعة نفسه وخسة همته .
ومثل هذا ل ينتفع بنفسه ول ينتفع به غيره .
3
)( أخرجه :البخاري ) (7047ومسلم ) (2275من حديث سمرة بن جندب رضي ال عنه .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
8 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وقد منع الله سبحانه إمامة الدين إل من أهل الصبر واليقين ،فقال تعالى ي
َ وبقوله يهتدي المهتدون ي )) :وجعل ْنا منه َ
صب َُروا
ما َ مرَِنا ل َ ّ ن ب ِأ ْدو َ ة ي َهْ ُم ًم أئ ِ ّ َ َ َ َ ِ ُْ ْ
ن (( ] السجدة [24: كاُنوا ِبآَيات َِنا ُيوقُِنو َ وَ َ
وهذا هو الذي ينتفع بعلمه وينتفع به الناس ،وضد ذلك ل ينتفع بعلمه ،ول
ينتفع به غيره .
ومن الناس من ينتفع بعلمه في نفسه ول ينتفع به غيره .
فالول :يمشي في نوره ويمشي الناس في نوره .
ئ نوره فهو ؛ يمشي في الظلمات ومن تبعه في ف َ والثاني :قد ط ُ ِ
ظلمته .
والثالث :يمشي في نوره وحده .
] والطريق الثالث المانع من حصول تعلق القلب :حفظ
الخطرات [ وشأنها أصعب ؛ فإنها مبدأ الخير والشر ،ومنها تتولد الرادات
والهمم والعزائم .
فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه ،ومن غلبته خطراته فهواه
ونفسه له أغلب ،ومن استهان بالخطرات ؛ قادته قهرا ً إلى الهلكات .
ى باطلة قال تعالى: من ً ول تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير ُ
َ
جاءهُذا َ حّتى إ ِ َ ماء َ ن َمآ ُ ه الظ ّ ْ سب ُ ُح َ قيعَةٍ ي َ ْب بِ ِسَرا ٍ م كَ َ مال ُهُ ْ فُروا أع ْ َ ن كَ َذي َ ))َوال ّ ِ
ب (( سا ِ ح َ ريعُ ال ْ ِ س ِه َ ه َوالل ّ ُ ساب َ ُح َ عند َه ُ فَوَّفاه ُ ِ جد َ الل ّ َ
ه ِ شْيئا ً وَوَ َ جد ْه ُ َم يَ ِ لَ ْ
]النور .[39:
وأخس الناس همة ،و أوضعهم نفسا ً من رضي من الحقائق بالماني الكاذبة
،واستجلبها لنفسه ،وتحلى بها .
وهي ي لعمر الله ي رؤوس أموال المفلسين ومتاجر الباطلين ،وهي أضر
ط والحسرة شيء على النسان ،وتتولد من العجز والكسل،وُتوّلد التفري َ
والندامة .
ول صورتها في قلبه ، والمتمّني لما فاته مباشرة الحقيقة بجسمه ،ح ّ
ورها فكره،وذلك ص ّوعانقها ،وضمها إليه ،فقنع بوصال صورةٍ وهمية خالية َ
ل يجدي عليه شيئا ً ،وإنما مثله مثل الجائع والظمآن ؛يصور في وهمه
صورة الطعام والشراب،وهو ل يأكل ول يشرب .
والسكون منه إلى ذلك واستجلبه يدل على خساسة النفس ووضاعتها .
خطرة ل وإنما شرف النفس وزكاؤها وطهارتها وعلوها بأن ينفى عنها كل َ
خطرها بباله ،ويأنف لنفسه منها . حقيقة لها ،ول يرضى أن ي ُ ْ
ثم الخطرت ك بعد ك أقسام تدور على أربعة أصول :
ي خطرات يستجلب بها العبد منافع دنياه .
ي وخطرات يستدفع بها مضار دنياه .
ي وخطرات يستجلب بها مصالح آخرته .
ي وخطرات يستدفع بها مضار آخرته .
فليحصر العبد خطراته وأفكاره وهمومه في هذه القسام الربعة.
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
9 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
فإذا انحصرت له فيها ؛ فما أمكن اجتماعه منها ؛لم يتركه لغيره ،وإذا
تزاحمت عليه الخطرات كتزاحم متعلقاتها قدم الهم فالهم الذي يخشى
فوته .
والتحكيم في هذا الباب :للقاعدة الكبرى التي يكون عليها مدار الشرع
والقدر وإليها يرجح الخلق والمر ،وهي :إيثار أكبر المصلحتين
وأعلهما وإن فاتت المصلحة التي هي دونها ،والدخول في
صل ة ل ُِيح ّ
ت مصلح ٌ و ُ
أدنى المفسدتين لدفع ما هو أكبر منها .فتف ّ
ما هو أكبر منها ،ويرتكب مفسدة لدفع ما هو أعظم منها .
فخطرات العاقل وفكره ل يتجاوز ذلك ،وبذلك جاءت الشرائع ،ومصالح
الدنيا والخرة ل تقوم إل على ذلك .
كر وأجّلها وأنفعها ما كان لله والدار الخرة . ف َوأعلى ال ِ
فما كان لله ؛ فهو أنواع :
أحدها :الفكرة في آياته المنيزلة ،وتعقلها ،وفهم مراده منها ،ولذلك
أنزلها الله تعالى ،ل لمجرد تلوتها بل التلوة وسيلة ،قال بعض السلف :
أنزل القرآن ليعمل به فاتخذوا تلوته عمل ً .
الثاني :الفكرة في آياته المشهودة ،والعتبار بها ،والستدلل بها على
أسمائه وصفاته وحكمته وإحسانه وبره وجوده .
وقد حث الله سبحانه عباده على التفكر في آياته وتدبرها وتعقلها،وذم
الغافل عن ذلك .
الثالث :الفكرة في آلئه ،وإحسانه ،وإنعامه على خلقه بأصناف النعم،
وسعة مغفرته ورحمته وحلمه .
وهذه النواع الثلثة تستخرج من القلب معرفة الله ومحبته وخوفه ورجاءه.
ودوام الفكرة في ذلك مع الذكر َيصبغ القلب في المعرفة والمحبة صبغة
تامة .
الرابع :الفكرة في عيوب النفس وآفاتها وفى عيوب العمل .
وهذه الفكرة عظيمة النفع ،وهي باب لكل خير ،وتأثيرها في كسر النفس
سرت ؛ عاشت النفس المطمئنة ،وانتعشت ،وصار المارة بالسوء ،ومتى ك ُ ِ
الحكم لها ،فحيي القلب ،ودارت كلمته في مملكته ،وبث أمراءه وجنده
في مصالحه .
الخامس :الفكرة في واجب الوقت ،ووظيفته ،وجمع الهم كله عليه .
فالعارف ابن وقته فإن أضاعه ؛ضاعت عليه مصالحه كلها .
فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت ،فمتى أضاع الوقت لم يستدركه
أبدا ،قال الشافعي رضى الله عنه :صحبت الصوفية فلم أستفد منهم
سوى حرفين :أحدهما قولهم :الوقت سيف ؛ فإن لم تقطعه قطعك ،
وذكر الكلمة الخرى :ونفسك إن أشغلتها بالحق وإل؛ شغلتك بالباطل .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
10 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
فوقت النسان هو عمره في الحقيقة وهو مادة حياته البدية في النعيم
المقيم ،ومادة المعيشة الضنك في العذاب الليم ،وهو يمر أسرع من مر
السحاب .
فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره ،وغير ذلك ليس محسوبا ً
من حياته وإن عاش فيه عاش عيش البهائم .
فإذا قطع وقته في الغفلة والشهوة والماني الباطلة ،وكان خير ما قطعه
بالنوم والبطالة فموت هذا خير له من حياته .
وإذا كان العبد ي وهو في الصلة ي ليس له من صلته إل ما عقل منها ؛
فليس له من عمره إل ما كان فيه بالله وله .
وما عدا هذه القسام من الخطرات والفكر؛ فإما وساوس
شيطانية ،و إما أماني باطلة وخدع كاذبة ،بمنيزلة خواطر المصابين
في عقولهم من السكارى والموسوسين ،ولسان حال هؤلء يقول عند
انكشاف الحقائق :
ت أّيامي ضّيع ُ
ت فقد ْ َ ما قد ْ لقي ُ م من ْزَِلتي في الحشرِ ِ
عْندك ُ ُ ن َ ن كا َ إ ْ
حلمثأ ْضغا َ م أحسُبها أ ْ فسي بها َزمينا ً واليو َ تن ْ
ظـفر ْة َ من ِي ّ ٌ
أ ْ
واعلم أن ورود الخاطر ل يضر ،وإنما يضر استدعاؤه ومحادثته .
فالخاطر كالمار على الطريق ؛فإن لم تستدعه وتركته مر وانصرف عنك ،
وإن استدعيته سحرك بحديثه وخدعه وغروره .وهو أخف شيء على النفس
الفارغة بالباطلة ،وأثقل شيء على القلب والنفس الشريفة السماوية
المطمئنة .
فصل
] الطريق الرابع المانع من حصول تعلق القلب الدعاء [
والدعاء من أنفع الدوية ،وهو عدو البلء ؛ ويعالجه ويمنع نزوله ،
ويرفعه أو يخففه إذا نزل ،وهو سلح المؤمن .وقد روى الحاكم في
صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :قال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم " :ل ُيغني حذر من قدر ،والدعاء ينفع مما نزل ،ومما لم
يْنزل ،وإن البلء ليْنزل ،فيلقاه الدعاء ،فيتعلجان إلى يوم القيامة " ). (1
فصل
] استعجال الستجابة يفوت أثر الدعاء [
ومن الفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه :أن يستعجل العبييد ،
ويستبطئ الجابة ،فيستحسر ،ويدع الدعاء ..وفى البخاري من حييديث أبييي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ":يستجاب لحدكم ما لييم
)(2
يعجل يقول :دعوت فلم يستجب لي"
()1أخرجه :الحاكم ) (1/492وصححه .وقد حسنه اللباني في صحيح الجامع ). (7739وقوله " :يعتلجان :أي يصطرعان .
()2أخرجه :البخاري ). (6340
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
11 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
فصل
] متى يستجاب الدعاء ؟ [
إذا جمع مع الدعاء :حضور القلب وجمعيتييه بكليتييه علييى المطلييوب ،
وصادف وقتا ً من أوقات الجابككة السككتة وهككي :الثلييث الخييير ميين
الليل ،وعند الذان ،وبييين الذان والقاميية ،وأدبييار الصييلوات المكتوبييات ،
وعند صعود المام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلة ،وآخر ساعة
بعد العصر من ذلك اليوم .
وصادف :خشوعا ً في القلب وانكسارا ً بين يدي الرب وذل ً له وتضرعا ورقة
،واستقبل الداعي القبلة ،وكان على طهييارة ،ورفع يييديه إلييى اللييه
تعالى ،وبدأ بحمد الله والثناء عليه ،ثم ثنى بالصلة على محمد عبده ،
ثم قدم بين يدي حاجته التوبككة والسييتغفار ،ثككم دخككل علككى اللككه
وألح عليه في المسألة وتملقه ودعاه رغبيية ورهبيية وتوسييل إليييه بأسييمائه
وصفاته وتوحيده ،وقدم بين يدي دعائه صدقة .
فإن هذا الدعاء ل يكاد يرد أبدا ً .
فصل
] بين سلطان الشهوة وسلطان العقل واليمان [
إن العبد ل يترك ما يحب ويهواه إل لما يحبه ويهواه ،ولكن يترك أضييعفهما
محبة لقواهما محبة ،كما أنه يفعل ما يكرهه لحصول ما محبته أقوى عنييده
من كراهة ما يفعله ،أو لخلص من مكروه كراهته عنده أقوى من كراهة مييا
يفعله .
وخاصية العقل إيثار أعلى المحبوبين علييى أدناهمييا ،وأيسيير المكروهييين
على أقواهما .وهذا من كمال قوة الحب والبغض .
ول يتم له هذا إل بأمرين :قوة الدراك ،وشجاعة القلب .
فإن التخلف عن ذلك والعمل بخلفه يكون :إما لضعف الدراك ؛بحيث إنه
لم يدرك مراتب المحبوب والمكروه على ما هي عليه ،و إما لضعف في
النفس وعجز في القلب ؛ بحيث ل يطاوعه إيثار الصلح له مع علمه بأنه
الصلح .
فإذا صح إدراكه ،وقويت نفسه وتشجع القلب على إيثار المحبوب العلى
والمكروه الدنى فقد وُّفق لسباب السعادة .
فمن الناس من يكون سلطان شهوته أقوى من سلطان عقله
وإيمانه ،فيقهر الغالب الضعيف .
ومنهم من يكون سلطان إيمانه وعقله أقوى من سلطان شهوته .
وإذا كان كثير من المرضى يحميه الطبيب عما يضره ،فتأبى عليه نفسه
وشهوته إل تناوله ،ويقدم شهوته على عقله ،وتسميه الطباء :عديم
المروءة ؛ فهكذا أكثر مرضى القلوب ؛ يؤثرون ما يزيد مرضهم لقوة
شهوتهم له .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
12 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
فأصل الشر من ضعف الدراك ،وضعف النفس ودناءتها ،وأصل الخير
الدراك وقوة النفس وشرفها وشجاعتها . من كمال
فالحب والرادة أصل كل فعل ومبدؤه ،والبغض والكراهة أصل كل ترك
ومبدؤه .وهاتان القوتان في القلب أصل سعادته وشقاوته .
فصل
] الطريق النفع للوصول إلى السعادة [
وكل واحد مين الفعيل واليترك الختيياريين إنمييا ييؤثره الحييي لميا فييه مين
حصول المنفعة التي يلتذ بحصيولها أو زوال الليم اليذي يحصييل ليه الشييفاء
بزواله ،ولهذا يقال:شفاء صدره وشفاء قلبه ،وقال :
وليس منها شفاُء الداِء مبذو ُ
ل ت بها
هي الشفاُء لدائي لو ظفر ُ
وهذا مطلوب يؤثره العاقل ،حتى الحيوان البهيم ،ولكن يغلط فيه أكثر
الناس غلطا ً قبيحا ً ،فيقصد حصول اللذة بما يعقب عليه أعظم اللم ،فيؤلم
نفسه من حيث يظن أنه يحصل لذتها ،ويشفي قلبه بما يعقب عليه غاية
المرض .
وهذا شأن من قصر نظره على العاجل ولم يلحظ العواقب .
ة العقل النظر في العواقب :فأعقل الناس من آثر لذته وراحته ص ُ
وخا ّ
ه الخلق من باع نعيم س َ َ
ف ُ الجلة الدائمة على العاجلة المنقضية الزائلة ،وأ ْ
البد وطيب الحياة الدائمة واللذة العظمى التي ل تنغيص فيها ،ول نقص
بوجه ما بلذة منقضية مشوبة باللم والمخاوف ،وهي سريعة الزوال
وشيكة النقضاء .
قال بعض العلماء :فكرت في سعي العقلء ،فرأيت سعيهم كله في
مطلوب واحد ،وإن اختلفت طرقهم في تحصيله ،رأيتهم جميعا ً إنما يسعون
في دفع الهم والغم عن نفوسهم ؛ فهذا في الكل والشرب ،وهذا بالتجارة
والكسب ،وهذا بالنكاح ،وهذا بسماع الغناء والصوات المطربة ،وهذا باللهو
واللعب ،فقلت :هذا المطلوب مطلوب العقلء ،ولكن الطرق كلها غير
موصلة إليه ،بل لعل أكثرها إنما يوصل إلى ضده ،ولم أر في جميع هذه
ة إليه إل القبال على الله ،ومعاملته وحده وإيثار الطرق كلها طريقا موصل ً
مرضاته على كل شيء ،فإن سالك هذا الطريق :
إن فاته حظه من الدنيا فقد ظفر بالحظ العالي الذي ل فوت معه .
وإن حصل للعبد حصل له كل شيء ،وإن فاته فاته كل شيء ،وإن ظفر
بحظه من الدنيا ناله على أهنأ الوجوه ،فليس للعبد أنفع من هذا
الطريق ،ول أوصل منها إلى لذاته وبهجته وسعادته ،وبالله التوفيق .
فيصل
] عشق الصور وأضراره [
]هذا[ الفصل متعلق بعشق الصور ،وما فيه من المفاسد العاجلة والجلة ،
وإن كانت أضعاف ما يذكره ذاكر فإنه يفسد القلب بالذات ،وإذا فسد
فسدت الرادات والقوال والعمال ،وفسد ثغر التوحيد .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
13 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
والله سبحانه وتعالى إنما حكى هذا المرض عن طائفتين من
الناس ،وهم :اللوطية ،والنساء .
] الطائفة الولى :النساء [
فأخبر عن عشق امرأة العزيز ليوسف وما راودته وكادته به ،وأخبر
عن الحال التي صار إليها يوسف بصبره وعفته وتقواه ،مع أن الذي ابتلي
به أمر ل يصبر عليه إل من صّبره الله عليه ؛ فإن موافقة الفعل بحسب
قوة الداعي وزوال المانع .
] الدواعي التي تهيأت ليوسف عليه السلم لفعل الزنى [
وكان الداعي ها هنا في غاية القوة ،وذلك لوجوه :
أحدها :ما ركبه الله سبحانه في طبع الرجل من ميله إلى المرأة ؛كما
يميل العطشان إلى الماء والجائع إلى الطعام ،حتى إن كثيرا ً من الناس
يصبر عن الطعام والشراب ول يصبر عن النساء .
وهذا ل يذم إذا صادف حلل ً ،بل يحمد .
ن يوسف عليه السلم كان شابا ً ،وشهوة الشباب وحد ُّته أقوى . الثاني :أ ّ
سيّريّية تكسر شدة الشهوة . الثالث :أنه كان عزبا ل زوجة له ول ُ
الرابع :أنه كان في بلد غربة يتأ َّتى للغريب فيها من قضاء الوطر ما ل
يتأتى لغيره في وطنه وأهله ومعارفه .
الخامس :أن المرأة كانت ذات منصب وجمال ؛ بحيث إن كل واحد من
هذين المرين يدعو إلى موافقتها .
السادس :أنها غير ممتنعة ول أبّية ؛ فإن كثيرا ً من الناس يزيل رغبته في
المرأة إباؤها وامتناعها ؛لما يجد في نفسه من ذل الخضوع والسؤال لها .
مؤنة الطلب،وذل الرغبة جهْد َ ؛ فكفته ُ ت ال ُ ت وبذل ِ ت وأراد ْ السابع :أنها طلب ْ
إليها ،بل كانت هي الراغبة الذليلة ،وهو العزيز المرغوب إليه .
الثامن :أنه في دارها ،وتحت سلطانها وقهرها ؛بحيث يخشى إن لم
يطاوعها من أذاها له؛ فاجتمع داعي الرغبة والرهبة .
م عليه هي ول أحد ٌ من جهتها ؛فإنها هي الطالبة التاسع :أنه ل يخشى أن ت َن ِ ّ
والراغبة ،وقد غلقت البواب وغ َي َّبت الرقباء .
العاشر :أنه كان مملوكا ً لها في الدار ؛ بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها
كر عليه ،وكان النس سابقا ً على الطلب ،وهو من أقوى الدواعي ؛ ول ي ُن ْ َ
كما قيل لمرأة شريفة من أشراف العرب ما حملك على الزنى ؟ قالت :
سواد ؛ تعني :قرب وساد الرجل من وسادتي وطول قرب الوساد وطول ال ّ
السواد بيننا .
)(1
الحادي عشر :أنها استعانت عليه بأئمة المكر والحتيال ،فأرته إياهن
وشكت حالها إليهن لتستعين بهن عليه ،فاستعان هو بالله عليهن فقال)) :
َ
عّنيف َ ر ْ وإ ِل ّ ت َ ْ
ص ِ ه َ عون َِني إ ِل َي ْ ِ ما ي َدْ ُ م ّي ِب َ إ ِل َ ّح ّنأ َ ج ُ س ْ
ب ال ّ ل َر ّ قا َ َ
َ
ن (( ]يوسف . [33: هِلي َ جا ِ ن ال ْ َم َكن ّ وأ ُن َ ه ّ ص ُ َ
ب إ ِلي ْ ِ نأ ْ ه ّ ك َي ْدَ ُ
1
) ( وهن النساء اللتي قطعن أيديهن .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
14 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
عدته بالسجن والصغار ،وهذا نوع إكراه ؛ إذ هو تهديد الثاني عشر :أنها تو ّ
ممن يغلب على الظن وقوع ما هدد به ؛ فيجتمع داعي الشهوة وداعي
السلمة من ضيق السجن والصغار.
الثالث عشر :أن الزوج لم ي ُظ ْهِْر من الغيرةِ والنخوة ما يفرق به بينهما
ويبعد ْ ك ُل ً منهما عن صاحبه ،بل كان غاية ما خاطبهما به أن قال ليوسف:
ن(( خاط ِِئي َن ال ْ َم َ
ت ِ كن ِك ُ ك إ ِن ّ ِذنب ِ ِ ري ل ِ َ ف ِست َغْ ِ)) أعرض عن هذا (( وللمرأة ))َوا ْ
] يوسف [29:وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع ،وهنا لم يظهر منه
غيرة .
ومع هذه الدواعي كلها ؛ فقد آثر مرضاة الله وخوفه ،وحمله
حبه لله على أن اختار السجن على الزنى فقال )) :قال رب
السجن أحب إلي مما يدعونني إليه (( ]يوسف [33:وعلم أنه ل
يطيق صرف ذلك عن نفسه ،وأن ربه تعالى إن لم يعصمه ويصرف عنه
كيدهن ؛صبا إليهن بطبعه وكان من الجاهلين ،هذا من كمال معرفته بربه
وبنفسه .
كم ما يزيد على ألف ح َ وفي هذه القصة من العبر والفوائد وال ِ
فائدة لعلنا إن وفقنا الله أن نفردها في مصنف مستقل .
فيصل
والطائفة الثانية الذين حكى الله عنهم العشق هم :اللوطية .
ن
ل إِ ّقا َ ن}َ {67 شُرو َ ست َب ْ ِ ة يَ ْ دين َ ِ م ِ ل ال ْ َ ه ُ جاء أ َ ْ و َ كما قال تعالى َ )) :
ن}{69 خُزو ِ ول َ ت ُ ْه َ قوا الل ّ َ وات ّ ُ
ن}َ {68 حو ِ ض ُ ف َ فل َ ت َ ْ في َ ضي ْ ِؤلء َ ه ُ
َ
َ
م ؤلء ب ََناِتي ِإن ُ
كنت ُ ْ ه ُ ل َ قا َ ن}َ {70 مي َ عال َ ِ ن ال ْ َ ع ِ ك َ ه َ م ن َن ْ َول َ ْقاُلوا أ َ َ
ن (( ]الحجر -67: هو َ م ُ ع َ م يَ ْ ه ْسك َْرت ِ ِ في َ م لَ ِ ه ْ ك إ ِن ّ ُمُر َ ع ْن} {71ل َ َ عِلي َ
فا ِ َ
[72فهذا من العشق .
حّرم عليه من الصور ، شقَ كل منهما ما ُ فحكاه سبحانه عن طائفتين ؛ ع َ ِ
ولم يبال بما في عشقه من الضرر .
] عظم داء العشق وأقسام أصحابه [
وهذا داء أعي الطباء دواؤه ،وعز عليهم شفاؤه ،وهو لعمر الله
الداء العضال والسم القتال ،الذي ما علق بقلب ؛ إل وعّز على
ره ،ول اشتعلت ناره في مهجة ؛ إل الورى استنقاذه من إسا ِ
وصعب على الخلق تخليصها من ناره .
وهو أقسام :
تارة يكون كفرا ً ،كمن اتخذ معشوقه ِندا ً ،يحبه كما يحييب اللييه ؛فكيييف
؟ فهذا عشق ل يغفر لصاحبه إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه
؛ فإنه من أعظم الشرك ،والله ل يغفيير أن يشييرك بييه ،وإنمييا يغفيير بالتوبيية
الماحية ما دون ذلك .
وعلمة هذا العشق الشركي الكفري :أن يقدم العاشق رضى
ظه وحق ربه معشوقه على رضى ربه ،وإذا تعارض عنده حقّ معشوقه و ح ّ
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
15 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وطاعته؛ قدم حق معشوقه على حق ربه وآثر رضاه على رضاه ،وبذل
لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه ،وبذل لربه ي إن بذل ي أردأ ما عنده
،واستفرغ وسعه في مرضاة معشوقه وطاعته والتقرب إليه ،وجعل لربه ي
إن أطاعه ي الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته .
فتأمل حال أكثر عشاق الصور ؛هل تجدها إل مطابقككة لككذلك ؟!
ثم ضع حالهم في كفة ،وتوحيدهم وإيمانهم في كفة،ثم زن وزنا يرضى اللييه
به ورسوله ويطابق العدل! وربما صرح العاشق منهييم بييأن وصييل معشييوقه
أحب إليه من توحيد ربه كما قال الفاسق الخبيث ):(1
ن الّتوحيدِ م َحلى فيه ِ نأ ْ هُ ّ تشفا ٍ ن َفمي َر َ م ْن ِ ف َي ََترش ْ
وكما صرح الخبيث الخر بأن وصل معشوقه أشهى إليه من رحمة ربه
فعياذا ً بك اللهم من هذا الخذلن ومن هذا الحال قال الشاعر :
ل
ق الجلي ِ ن رحمةِ الخال ِ م ْ ك أشهى إلى فؤادي وصل ُ َ
ول ريب أن هذا العشق من أعظم الشرك .
وكثير من العشاق يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه البتة
،بل قد ملك معشوُقه عليه قلبه كّله ،فصار عبدا ً مخلصا ً من كل وجه
لمعشوقه !
فقد رضي هذا من عبودية الخالق جل جلله بعبودية المخلوق مثله ؛ فإن
العبودية هي كمال الحب والخضوع ،وهذا قد استغرق قوة حبه
وخضوعه وذله لمعشوقه؛ فقد أعطاه حقيقة العبودية .
ول نسبة بين مفسدة هذا المر العظيم ومفسدة الفاحشة ؛ فإن تلك ذنب
كبير لفاعله حكمه حكم أمثاله ،ومفسدة هذا العشق مفسدة الشرك !
ي ُ
وكان بعض الشيوخ يقول :لئن أبتلى بالفاحشة مع تلك الصورة أحب إل ّ
من أن ُأبتلى فيها بعشق يتعبد لها قلبي ويشغله عن الله .
فصل
] علج العشق [
ودواء هذا الداء القتال :
أن يعرف أن ما ابتلي به من هذا الداء المضاد للتوحيد إنما هو من جهله
وغفلة قلبه عن الله ،فعليه :
أن يعرف توحيد ربه و سننه وآياته أول ً .
ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بم يشغل قلبه عن دوام الفكر فيه .
ويكثر الّلجأ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه وأن يرجع بقلبه
إليه.
وليس له دواء أنفع من الخلص لله .
ه
ف ع َن ْ ُصرِ َك ل ِن َ ْوهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال )) :ك َذ َل ِ َ
ن (( ] يوسف [24:؛فأخبر سبحانه صي َخل َ ِ
م ْعَباد َِنا ال ْ ُ
ن ِ
م ْ
ه ِشاء إ ِن ّ ُ ح َ سوَء َوال ْ َ
ف ْ ال ّ
أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلصه .
1
)( هو أبو الطيب المتنبي !! والبيت في ديوانه ). (2/40
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
16 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
خِلص عمله لله ؛لم يتمكن منه عشق الصور ؛فإنه خُلص وأ ُ ْفإن القلب إذا َ
إنما يتمكن من قلب فارغ ؛كما قال :
ف قلبا ً خاليا ً فتم ّ
كنا فصاد َ ف الهوى ن أعرِ َ لأ ْ أتاني هواها قب َ
وليعلم العاقل أن العقل والشرع قد يوجبان تحصيل المصالح وتكميلها
وإعدام المفاسد وتقليلها ؛فإذا عرض للعاقل أمر يرى فيه مصلحة
ومفسدة ؛وجب عليه أمران :أمر علمي ،وأمر عملي .
فالعلمي :طلب معرفة الراجح من طرفي المصلحة والمفسدة ؛فإذا تبين
له الرجحان وجب عليه إتيان الصلح له .
ومن المعلوم :أنه ليس في عشق الصور مصلحة دينية ول دنيوية ،بل
مفسدته الدينية والدنيوية أضعاف أضعاف ما يقدر فيه من المصلحة ،وذلك
من وجوه :
أحدها :الشتغال بذكر المخلوق وحبه عن حب الرب تعالى وذكره ؛فل
يجتمع في القلب هذا وهذا إل ويقهر أحدهما صاحبه ويكون السلطان
والغلبة له .
الثاني :عذاب قلبه بمعشوقه؛فإن من أحب شيئا غير الله عذب به ول بد
كما قيل :
ق
مذا ِ حل ْوَ ال َ جد الهوى ُ ن وَ َ وإ ْ بح ّ م ِ ن ُ ض أشقى م ْ فما في الر ِ
ة فُْرقةٍ أو لشتييييا ِ
ق مخاف ََ ن
ل حيييي ٍ َتراه ُ باكيا ً في ك ُ ّ
والعشق ؛ وإن استلذ به صاحبه فهو من أعظم عذاب القلب .
الثالث :أن العاشق قلبه أسير في قبضة معشوقه يسومه الهوان ،ولكن
لسكرة العشق ل يشعر بمصابه ،فقلبه :
ب ل ي َلهو ويلع ُْ ض الّردى والطف ُ حيا َ مها ِ ل َيسو ُ ف طف ٍ كعصفورةٍ في ك ّ
ش المسيب ي عي ُ ش الخل ّ ش السير الموثق ،وعي ُ فيعيش العاشق عي َ
المطلق .
والعاشق كما قيل:
ك َيدوُرب الهل ِ ل على ُقط ِ علي ٌ َ ي العِين وهو أسيييُر طليقٌ برأ ِ َ
ه حتى الّنشورِ ُنشيوُر وليس ل َ ُ ي غاديا ً ت ُيرى في صورةِ الح ّ مي ْ ٌ
و َ
ت حيضوُر ه حتى المما ِ َ
سل ُ َفلي َ ه
ن قليب ُ ُت ضاع َ فيه ّ أخو غمرا ٍ
الرابع :أنه يشتغل به عن مصالح دينه ودنياه ؛فليس شيء أضيع لمصالح
الدين والدنيا من عشق الصور :
م شعث القلب وإقباله على الله أما مصالح الدين ؛ فإنها منوطة بل ّ
،وعشق الصور أعظم شيٍء تشعيثا ً وتشتيتا له .
وأما مصالح الدنيا ؛ فهي تابعة في الحقيقة لمصالح الدين ؛ فمن
انفرطت عليه مصالح دينه وضاعت عليه ؛ فمصالح دنياه أضيع وأضيع .
الخامس :أن آفات الدنيا والخرة أسرع إلى عشاق الصور من النار في
يابس الحطب .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
17 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وسبب ذلك :أن القلب كلما قرب من العشق قوى اتصاله به ؛ ب َُعد من
ب عشاق الصور ،وإذا بعد القلب من الله الله ؛ فأبعد ُ القلوب من الله قلو ُ
طرقته الفات ،وتوله الشيطان من كل ناحية ،ومن توله عدوه واستولى
عليه ؛لم يدع أذى يمكنه من إيصاله إليه إل أوصله .
فما الظن من قلب تمكن منه عدوه ،وأحرص الخلق على غّيه
وفساده ،وبعده من وليه ومن ل سعادة له ول فلح ول سرور إل بقربه ول
وليته ؟!
السادس :أنه إذا تمكن من القلب واستحكم وقوى سلطانه ؛أفسد الذهن
،وأحدث الوساوس ،وربما التحق صاحبه بالمجانين الذين فسدت عقولهم
فل ينتفعون بها .
وأخبار العشاق في ذلك موجودة في مواضعها ،بل بعضها يشاهد بالعيان .
وأشرف ما في النسان عقله ،وبه يتميز عن سائر الحيوانات ،فإذا عدم
عقله ؛التحق بالبهائم ،بل ربما كان حال الحيوان أصلح من حاله .
وهل أذهب عقل مجنون ليلى وأضرابه إل العشق ؟!
وربما زاد جنونه على جنون غيره كما قيل :
نم مما بالمجاني ِ العشقُ أعظ ُ ت لهم ت بمن َتهوى فقل ُ جِنن َ
قالوا ُ
ن في الحين وإنما ُيصرع ُ المجنو ُ ستفيقُ الدهَر صاحُبهالعشقُ ل ي َ ْ
السابع :أنه ربما أفسد الحواس أو أنقصها ،إما فسادا ً معنويا ً أو صوريا ً .
أما الفساد المعنوي :فهو تابع لفساد القلب ،فإن القلب إذا فسد
فسدت العين والذن واللسان فيرى القبيح حسنا ً منه ومن معشوقه .
فهو يعمي عين القلب عن رؤية مساوي المحبوب وعيوبه ؛فل ترى العين
ذلك ،ويصم أذنه عن الصغاء إلى العذل فيه ؛فل تسمع الذن ذلك .
والرغبات تستر العيوب ؛فإن الراغب في الشيء ل يرى عيوبه ،حتى إذ
زالت رغبته فيه ؛أبصر عيوبه ،فشدت الرغبة غشاوة على العين تمنع من
رؤية الشيء على ما هو عليه كما قيل :
مها فسي ألو ُ ت نَ ْت قَط ّعْ ُ
ما انجل ْ
فل ّ هويت ُ َ
ك إذ ْ ع َْينى عليها غشاوة ٌ
والداخل في الشيء ل يرى عيوبه ،والخارج منه الذي لم يدخل فيه ل يرى
عيوبه ول يرى عيوبه ،إل من دخل فيه ثم خرج منه .
ولهذا كان الصحابة الذين دخلوا في السلم بعد الكفر خير من الذين ولدوا
في السلم ،قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :إنما تنقض عرى
السلم عروة عروة إذا ولد في السلم من ل يعرف الجاهلية .
وأما فساده للحواس ظاهرا ً :فإنه يمرض البدن وينهكه وربما أدى إلى
تلفه ؛كما هو المعروف في أخبار من قتله العشق .
ً
وقد رفع إلى ابن عباس وهو بعرفة شاب قد انتحل حتى عاد جلدا على
عظم ،فقال :ما شأن هذا ؟ قالوا :به العشق ،فجعل ابن عباس يتعوذ
بالله من العشق عامة يومه .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
18 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
الثامن :أن العشق و هو الفراط في المحبة ؛ بحيث يستولي المعشوق
على قلب العاشق ،حتى ل يخلو من تخيله وذكره والتفكر فيه ،بحيث ل
يغيب عن خاطره وذهنه ،فعند ذلك تشتغل النفس بالخواطر النفسانية
،فتتعطل تلك القوى ،فيحدث بتعطيلها من الفات على البدن والروح ما يعّز
دواؤه ويتعذر ،فتتغير أفعاله وصفاته ومقاصده ،ويختل جميع ذلك ،فتعجز
البشر عن صلحه كما قيل :
يأتي بها وتسوُقه القداُر ة
ج ٌن لجا َ ل ما يكو ُ ب أو َ الح ُ
كباُر
ج الهوى جاءت أموٌر ل ُتطاقُ ِ ض الفتى لج َ حتى إذا خا َ
والعشق مبادئه سهلة حلوة ،وأوسطه هم وشغل قلب وسقم ،
وآخره عطب وقتل ،إن لم تتداركه عناية من الله كما قيل :
لم وآخره ُ قت ُ ق ٌ
س ْه ُ ه عنى وأوسط ُ ُ ب أول ُ ُ ش خاليا ً فالح ُ وع ْ
وقال آخر :
طق م يُ ِ
ل به ل ْ ما استق ّ فل ّ ق حتى عشقْ َتولعَ بالعش ِ
ق
ن منها غير ْ فلما تمك َ ة
وجي ً م ْة ظّنها َرأى ُلج ً
ب له ،وهو الجاني على نفسه ،وقد قعد تحييت المثييل السييائر :يييداك والذ ّن ْ ُ
)(1
أوكتا وفوك نفخ .
فييصل
] مقامات العاشق ،ومراحل العشق [
والعاشق له ثلث مقامات :مقام ابتداء ،ومقام توسط ،ومقام انتهاء .
فأما مقام ابتدائه :فالواجب عليه مدافعته بكل ما يقدر عليه إذا كان
الوصول إلى معشوقه متعذرا قدرا ً وشرعا .
فإن عجز عن ذلك وأبى قلبه إل السفر إلى محبوبه وهذا مقام التوسط
والنتهاء :
فعليه كتمانه ذلك ،وأن ل يفشيه إلى الخلق ،ول ُيشّبب بمحبوبه ويهتكه بين
الناس ،فيجمع بين الشرك والظلم .
] ألوان الظلم التي يسببها العيشق [
فإن الظلم في هذا الباب من أعظم أنواع الظلم ،وربما كان أعظم ضررا ً
على المعشوق وأهله من ظلمه في ماله ؛ فإنه يعرض المعشوق ي بهتكه
في عشقه ي إلى وقوع الناس فيه وانقسامهم إلى مصدق ومكذب ،وأكثر
الناس يصدق في هذا الباب بأدنى شبهة ،وإذا قيل :فلن فعل بفلن أو
ذبه واحد وصدقه تسع مائة وتسعة وتسعون . بفلنه ؛ك ّ
وخبر العاشق المتهتك عند الناس في هذا الباب يفيد القطع اليقيني ،بل إذا
أخبرهم المفعول به عن نفسه كذبا ً وافتراًء على غيره ؛ جزموا بصدقة
جزما ل يحتمل النقيض ،بل لو جمعهما مكان واحد اتفاقا ؛لجزموا أن ذلك
عن وعد واتفاق بينهما ،وجزمهم في هذا الباب على الظنون والتخّيل
والشبهة والوهام والخبار الكاذبة كجزمهم بالحسيات المشاهدة .
() 1الوكاء :رباط القربة ونحوها .وهذا مثل يضرب لمن يجنى على نفسه بفعله .انظر مجمع المثال ) (2/414للميداني .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
19 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وبذلك وقع أهل الفك في الطيبة المطيبة ،حبيبة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،المبرأة من فوق سبع سموات ؛ بشبهة مجيء صفوان بن
المعطل بها وحده خلف العسكر ،حتى هلك من هلك ،ولول أن تولى الله
)(1
سبحانه براءتها والذب عنها وتكذيب قاذفها لكان أمرا ً آخر .
ن
م ْ
ن ل يحل له التصال به ِ م ْوالمقصود :أن في إظهار المبتلى عشقَ َ
ظلمه وأذاه ما هو عدوان عليه وعلى أهله ،وتعريض لتصديق كثير من
الناس ظنونهم فيه.
فإن استعان عليه بمن يستميله إليه إما برغبة أو رهبة ؛تعدى الظلم
وانتشر ،وصار ذلك الواسطة ديوثا ً ظالما ً .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد لعن الرائش )(2ي وهو الواسطة بين
الراشي والمرتشي في إيصال الرشوة ي فما ظنك بالديوث؛الواسطة
بين العاشق والمعشوق في الوصل ؟! فيتساعد العاشق والديوث على
ظلم المعشوق وغيره ممن يتوقف حصول غرضهما على ظلمه في نفس أو
مال أو عرض ؛فإن كثيرا ً ما يتوقف حصول المطلوب فيه على قتل نفس
ل ) (3دمه بهذا السبب من زوج تكون حياتها مانعة من غرضه ،وكم قتيل ط َ ّ
ة وعبد ٌ على سيدهما ، خب ِّبت ) (4امرأة على بعلها،وجاري ٌ وسيد وقريب ،وكم ُ
)(5
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك وتبرأ منه وهو
من أكبر الكبائر .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يخطب الرجل على خطبة
أخيه وأن يستام )(6على سومه ) (7؛فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين
امرأته وأمته حتى يتصل بهما ؟!
ً
دياثّية ل يرون ذلك ذنبا !! وعشاق الصور ومساعدوهم من ال ّ
ن طلب العاشق وصل معشوقه ومشاركة الزوج والسيد ففي ذلك من فإ ْ
ب عليها . إثم ظلم الغير ما لعله ل يقصر عن إثم الفاحشة إن لم ير ُ
ول يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة ؛ فإن التوبة وإن أسقطت حق
الله؛ فحق العبد باق ،له المطالبة به يوم القيامة ؛ فإن من ظلم الوالد
بإفساد ولده وفلذة كبده ومن هو أعز عليه من نفسه ،وظلم الزوج
بإفساد حبيبه والجناية على فراشه أعظم من ظلمه بأخذ ماله كله ،ولهذا
يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه أخذ ماله ،ول يعدل ذلك عنده إل سفك دمه .
فيا له من ظلم أعظم إثما ً من فعل الفاحشة !
1
)( انظر :قصة الفك في صحيح البخاري ) (2661ومسلم ). (2770
2
)( أخرجه :الترمذي ) (1336وأحمد ) (2/387من حديث أبي هريرة رضي ال عنه وقد صحح اللباني هذا الحديث دون
زيادة " الرائش " انظر :السلسلة الضعيفة ) (3/381وإرواء الغليل ). (8/243
3
ل دمه يطل ُ :أهدر ؛ فل ُيثأر له .
)( ط ّ
4
خّببت :خدعت وأفسدت . )( ُ
5
)( أخرجه :أبو داود ) (5170وأحمد ) (2/397وابن حبان ) (568عن أبي هريرة رضي ال عنه.
6
)( يستام على سوم أخيه :هو أن يتجادل المتبايعان في ثمن سلعة ،حتى إذا قاربا التفاق ؛ جاء رجل ثالث يريد أن يشتري
السلعة ويخرجها من يد المشتري الول بزيادة على ما استقر عليه المر بين المتساومين ورضيا به قبل النعقاد .
7
)( أخرجه مسلم ) (1408من حديث أبي هريرة رضي ال عنه .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
20 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
فإن كان ذلك حقا ً لغاز في سبيل الله وقف له الجاني الفاعل يوم
القيامة ،وقيل له " :خذ من حسناته ما شئت " كما أخبر بذلك النبي صلى
الله عليه وسلم ثم قال صلى الله عليه وسلم " :فما ظنكم؟! ") (1أي :
فما تظنون يبقى له من حسناته ؟ !
فإن انضاف إلى ذلك أن يكون المظلوم جارا ً أو ذا رحم محرم ؛ تعدد
الظلم وصار ظلما ً مؤكدا ً لقطيعة الرحم وأذي الجار "،ول يدخل الجنة
قاطع رحم " ) (2ول " من ل يأمن جاره بوائقه " ).(3
فإن استعان العاشق على وصال معشوقه بشياطين الجن ي إما
بسحر أو استخدام أو نحو ذلك ي ضم إلى الشرك والظلم كفر السحر .
فإن لم يفعله هو ورضي به كان راضيا ً بالكفر غير كاره لحصول مقصوده به
،وهذا ليس ببعيد من الكفر .
والمقصود :أن التعاون في هذا الباب تعاون على الثم والعدوان .
وأما ما يقترن بحصول غرض العاشق من الظلم المنتشر
المتعدي ضرره ؛ فأمر ل يخفى :فإنه إذا حصل له مقصوده من
المعشوق ؛فللمعشوق أمور أخر يريد من العاشق إعانته عليها ،فل يجد من
إعانته بد ّا ً ،فيبقى كل منهما يعين الخر على الظلم والعدوان ،فالمعشوق
يعين العاشق على ظلم من اتصل به من أهله وأقاربه وسيده وزوجه ،
والعاشق يعين المعشوق على ظلم من يكون غرض المعشوق متوقفا
على ظلمه ؛فكل منهما يعين الخر على أغراضه التي يكون فيها ظلم
الناس ،فيحصل العدوان والظلم للناس بسبب اشتراكهما في القبح
لتعاونهما بذلك على الظلم ؛ وكما جرت به العادة بين العشاق والمعشوقين
من إعانة العاشق لمعشوقه على ما فيه ظلم وعدوان وبغي حتى ربما
ل من غير يسعى له في منصب ل يليق به ول يصلح لمثله ،وفي تحصيل ما ٍ
حله ،وفي استطالته على غيره ،فإذا اختصم معشوقه وغيره أو تشاكيا لم
يكن إل في جانب المعشوق ظالما ً كان أو مظلوما ً .
هذا إلى ما ينضم إلى ذلك من ظلم العاشق للناس بالتحيل على أخذ
أموالهم والتوصل بهما إلى معشوقه بسرقة أو غصب أو خيانة أو يمين
كاذبة أو قطع طريق ونحو ذلك وربما أدى ذلك إلى قتل النفس التي حرم
الله ليأخذ ماله ليتوصل به إلى معشوقه .
فكل هذه الفات وأضعافها وأضعاف أضعافها تنشأ من عشق
الصور ،و تحمل على الكفر الصريح .
وقد تنصر جماعة ممن نشؤوا في السلم بسبب العشق ؛كما جرى لبعض
المؤذنين حين أبصر وهو على سطح مسجد امرأة جميلة ،ففتن بها ،فنزل
ودخل عليها وسألها نفسها ،فقالت :هي نصرانية ؛إن دخلت في ديني
1
)( أخرجه :مسلم ) (1897من حديث بريدة رضي ال عنه .
2
)( أخرجه :البخاري ) (5984ومسلم ) (2556من حديث جبير بن مطعم رضي ال عنه .
3
)( أخرجه :البخاري ) (6016ومسلم ) (46من حديث أبي هريرة رضي ال عنه .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
21 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
تزوجت بك ،ففعل؛ فرقي في ذلك اليوم على درجة عندهم فسقط منها ،
فمات .ذكر هذا عبدالحق في كتاب " العاقبة " له.
وإذا أراد النصارى أن ينصروا السير ؛ أروه امرأة جميلة وأمروها أن تطمعه
في نفسها ،حتى إذا تمكن حبها من قلبه ؛ بذلت له نفسها إن دخل في
ت ِفي ل الّثاب ِ ِقو ْ ِ مُنوا ْ ِبال ْ َنآ َ ذي َه ال ّ ِ
ت الل ّ ُ دينها؛ فهنالك قال تعالى )) :ي ُث َب ّ ُ
شاُء ((ما ي َ َه َ ل الل ّ ُ فعَ ُ ن وَي َ ْ
مي َظال ِ ِه ال ّ ل الل ّ ُ ض ّ خَرةِ وَي ُ ِ ال ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ
]إبراهيم .[27:
وفي العشق من ظلم كل واحد من العاشق والمعشوق لصاحبه
لمعاونته له على الفاحشة وظلمه لنفسه ما فيه ،وكل منهما ظالم لنفسه
وصاحبه ،وظلمهما متعد إلى الغير .
وأعظم من ذلك ظلمهما بالشرك .
فقد تضمن العشق أنواع الظلم كلها .
والمعشوق إذا لم يتق الله ؛فإنه يعرض العاشق للتلف ،وذلك ظلم منه ؛
أن يطمعه في نفسه ويتزين له ويستميله بكل طريق حتى يستخرج منه
ماله ونفعه ول يمكنه من نفسه ،لئل يزول غرضه بقضاء وطره منه ؛ فهذا
يسومه سوء العذاب ،والعاشق ربما قتل معشوقه ليشفي نفسه منه ،ول
سيما إذا جاد بالوصال لغيره .
وكم للعشق من قتيل من الجانبين !! وكم قد زال من نعمة !!وأفقر
ى !! وأسقط من مرتبة !! وشتت من شمل !! وكم أفسد من أهل من غن ً
الرجل وولده ،فإن المرأة إذا رأت بعلها عاشقا لغيرها اتخذت هي معشوقا ً
قيادة ) ،(1فمن لنفسها فيصير الرجل مترددا ً بين خراب بيته بالطلق وبين ال ِ
الناس من يؤثر هذا ،ومنهم من يؤثر هذا .
] التدابير العملية التي تقي من الصابة بداء العشق [
فعلى العاقل أن يحكم على نفسه سد عشق الصور لئل يؤذيه ويؤديه ذلك
إلى الهلك وإلى هذه المفاسد وأكثرها أو بعضها ؛ فمن فعل ذلك فهو
المفرط بنفسه والمغرر بها ،فإذا هلكت فهو الذي أهلكها ؛ فلول تكراره
النظر إلى وجه معشوقه وطمعه في وصاله لم يتمكن عشقه من
قلبه :
فإن أول أسباب العشق الستحسان سواء تولد عن نظر أو سماع .
فإن لم يقارنه طمع في الوصال وقارنه الياس من ذلك ؛لم يحدث له
العشق .
فإن اقترن به الطمع :
فصرفه عن فكره ولم يشغل قلبه به لم يحدث له ذلك .
فإن أطال مع ذلك الفكر في محاسن المعشوق ،وقارنه خوف
ما هو أكبر عنده من لذة وصاله :إما خوف ديني ؛كدخول النار وغضب
1
)( أي :يكون ديوثا يقر الخبث في أهله ول حول ول قوة إل بال .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
22 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
الجبار واحتقاب الوزار، 2وغلب هذا الخوف على ذلك الطمع والفكر ؛لم
يحدث له ذلك العشق .
فإن فاته هذا الخوف وقارنه خوف دنيوي ؛كخوف إتلف
نفسه ،أو ماله ،وذهاب جاهه،وسقوط مرتبته عند الناس ،وسقوطه من عين
من يعز عليه ،وغلب هذا الخوف لداعي العشق ؛دفعه .
وكذلك إذا خاف من فوات محبوب هو أحب إليه وأنفع له من ذلك
المعشوق وقدم محبته على محبة المعشوق ؛ اندفع عنه العشق .
فإذا انتفى ذلك كله ،و غلبت محبة المعشوق لذلك ؛ انجذب إليه
القلب بكليته ،ومالت إليه النفس كل الميل .
] العشق بين المنافع والمضار [
فإن قيل :قد ذكرتككم آفككات العشككق ومضككاره ومفاسككده ،فهل
ذكرتم منافعه وفوائده ؟
فالجواب وبالله التوفيق :
إن الكلم في هذا الباب ل بد فيه من التمييز بييين الحييرام والجييائز والنييافع
والضار ،ول يسييتعجل عليييه بالييذم والنكييار ول بالمييدح والقبييول ميين حيييث
الجملة ،وإنما يتبين حكمه وينكشف أمييره بييذكر متعلقييه ،وإل فالعشييق ميين
حيث هو ل يحمد ول يذم.
ونحن نذكر النافع من الحب ،والضار ،والجائز ،والحرام :
] أنواع المحبة [
ل مكن ع من المحبة يجب التفريق بينها،وإنما ضك ّ هاهنا أربعة أنوا ٍ
ل بعدم التمييز بينها : ض ّ
أحدهما :محبة الله ؛ ول تكفي وحدها في النجاة من الله من عذابه
والفوز بثوابه؛ فإن المشركين وعّباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله .
الثاني :محبة ما يحب الله ؛ وهذه هي التي تدخله في السلم وتخرجه
مهم بهذه المحبة وأشدهم فيها . من الكفر ،وأحب الناس إلى الله أقو ُ
الثالث :الحب لله وفيه ؛ وهي من لوازم محبة ما يحب الله ،ول
يستقيم محّبة ما يحب الله إل بالحب فيه وله .
ً
ب شيئا مع الرابع :المحبة مع الله ؛ وهي المحبة الشركية ،وكل من أح ّ
الله ،ل لله ،ول من أجله ،ول فيه ،فقد اتخذه ندا ً من دون الله ،وهذه
محبة المشركين .
وبقي قسم خامس ليس مما نحن فيه وهى المحبة الطبيعية :
وهي ميل النسان إلى ما يلئم طبعه ؛كمحبة العطشان للماء ،والجائع
ت عن للطعام ،ومحبة النوم والزوجة والولد؛ فتلك ل تذم إل إذا أله ْ
مُنوا لَ َ
نآ َ ذكر الله وشغلت عن محبته ،كما قال تعالىَ )) :يا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
عن ذ ِك ْرِ الل ّهِ (( ]المنافقون [9:وقال تعالى)) : َ تل ْهك ُ َ
م َ م وََل أوَْلد ُك ُ ْ وال ُك ُ ْ
م َمأ ُْ ِ ْ
عن ذ ِك ْرِ الل ّهِ (( ]النور .[37:
جاَرة ٌ وََل ب َي ْعٌ َ ل ّل ت ُل ِْهيهِ ْ
م تِ َ جا ٌ
رِ َ
2
) ( احتقاب الوزار :ادخارها حتى تتراكم عليه فتصبح كالجبال يوم القيامة .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
23 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
] أعظم أنواع المحبة وأنفعها هي محبة الله تعالى [
واعلم أن أنفع المحبة على الطلق وأوجبها وأعلهييا وأجلهييا محبيية
من جبلت القلوب على محبتييه وفطييرت الخليقيية علييى تييأليهه ،وبهييا قييامت
الرض والسموات ،وعليها فطر المخلوقات ،وهي سيير شييهادة أن ل إلييه إل
الله ،فإن الله هو الذي تألهه القلوب بالمحبة والجلل والتعظيم والييذل لييه
والخضوع والتعبد ،والعبييادة ل تصييح إللييه وحييده ،والعبادة هككي كمككال
الحب مع كمال الخضوع والذل ،والشرك في هذه العبودية ميين أظلييم
الظلييم الييذي ل يغفييره اللييه ،والله سككبحانه ُيحككب لككذاته مككن سككائر
الوجوه ،وما سواه فإنما يحب تبعا ً لمحبته .
وقد دل على وجوب محبته سبحانه :جميع كتبه المنزلة،ودعييوة جميييع
رسييله أجمعييين ،وفطرتييه الييتي فطيير عليهييا عبيياده ،ومييا ركييب فيهييا ميين
العقول ،وما أسبغ عليهم من النعم ،فإن القلككوب مفطككورة مجبولككة
علككى محبككة مككن أنعككم عليهككا وأحسككن إليهككا ؛ فكيككف بمككن كككل
الحسان منككه ،ومككا بخلقككه جميعهككم مككن نعمككة فمنككه وحككده ل
م س يك ُ ُ م ّ ذا َ م إِ َ ن الل ّيهِ ث ُي ّ مي َ م ية ٍ ف َ ِ
من ن ّعْ َ كم ّ ما ب ِ ُ شريك له كما قال تعالى )) :وَ َ
ن (( ] النحل [53:وما تعّرف به إليى عبياده مين أسيمائه الضر فَإل َيه ت َ
جأُرو َ ّ ّ ِ ْ ِ َ ْ
الحسنى وصفاته العل ،وما دلت عليه آثار مصنوعاته من كماله ونهاية جلله
وعظمته .
والمحبة لها داعيان :الجلل ،والجمال .
والرب تعالى له الكمال المطلق من ذلك ؛ فييإنه جميييل يحييب الجمييال ،بييل
الجمال كله له ،والجلل كله منه ؛فل يستحق أن ُيحب لذاته ميين كييل وجييه
هم الل ّي ُ حب ِب ْك ُي ُه فَييات ّب ُِعوِني ي ُ ْ ن الل ّي َ حّبو َ م تُ ِ كنت ُ ْل ِإن ُ سواه :قال الله تعالى )) :قُ ْ
م (( ] آل عمران .[31:وقال تعالىَ)) :يا حي ٌ فوٌر ّر ِ ه غَ ُ م َوالل ّ ُ م ذ ُُنوب َك ُ ْ فْر ل َك ُ ْ وَي َغْ ِ
ْ َ
م حب ُّهي ْ قيوْم ٍ ي ُ ِ ه بِ َف َييأِتي الل ّي ُ سيوْ َ م ع َيين ِديِنيهِ فَ َ كي ْ من ُ من ي َْرَتيد ّ ِ مُنوا ْ َ نآ َ ذي َ أي َّها ال ّ ِ
ه (( الية ]المائدة .[54: حّبون َ ُ وَي ُ ِ
والوليككة أصككلها الحككب ؛ فل مييوالة إل بحييب ،كمييا أن العييداوة أصييلها
البغض.
والله ولي الذين آمنوا وهم أولياؤه ؛ فهم يوالونه بمحبتهم له ،وهييو يييواليهم
بمحبته لهم ؛ فالله يوالي عبده المؤمن بحسب محبته له .
ولهذا أنكر سبحانه على من اتخذ من دونه أولياء ؛ بخلف من والى أولياءه ؛
فإنه لم يتخذهم من دونه ،بل موالته لهم من تمام موال ته .
وى بينه وبين غيره في المحبيية ،وأخييبر أن ميين فعييل وقد أنكر على من ُيس ّ
ن م َ ذلك ؛فقد اتخذ من دون الله أندادا ً يحبونهم كحب الله ،قال تعالى )) :وَ ِ
ش يد ّ من ُييوا ْ أ َ َ نآ َ ذي َ ب الل ّيهِ َوال ّي ِ ح ّم كَ ُ حّبون َهُ ْ دادا ً ي ُ ِ َ
ن الل ّهِ أن َ دو ِ من ُ خذ ُ ِ من ي َت ّ ِ س َ الّنا ِ
وي بينييه وبييين النييداد فييي الحييب حب ّا ً ل ّل ّهِ (( ]البقرة .[165:وأخبر عمن ُيس ّ ُ
ل ضيَل ٍ فييي َ أنهم يقولون في النار لمعبييوديهم قييال تعييالى )) :ت َييالل ّهِ ِإن ك ُن ّييا ل َ ِ
ن(( ]الشعراء .[98-97: مي َ ب ال َْعال َ ِ كم ب َِر ّ وي ُس ّ ن} {97إ ِذ ْ ن ُ َ مِبي ٍ ّ
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
24 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ب أرسل الله سبحانه جميع رسله ،وأنزل جميع كتبه ، وبهذا التوحيد في الح ّ
وأطبقت عليه دعوة جميع الرسل ي عليهم الصلة والسلم ي من أولهييم إلييى
آخرهم ،ولجله خلقت السموات و الرض ،والجنة والنار ،فجعل الجنة لهييل
هذا التوحيد ،والنار للمشركين به وفيه .
وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ":ل يؤمن عبييد حييتى يكييون هييو
أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين "). (1
فكيف بمحبة الرب جل جلله ؟ !
وقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه " :ل ؛ حييتى أكييون أحييب إليييك ميين
)(2
ي إلى هذه الغاية . نفسك " أي ل تؤمن حتى تصل محبتك ل ّ
وإذا كان النبي صككلى اللككه عليككه وسككلم أولككى بنككا مككن أنفسككنا
بالمحبة ولوازمها ؛ أفليس الرب جل جلله ،وتقدست أسككماؤه ،
ده ،ول إلككه غيككره أولككى بمحبككة عبكاده وتبارك اسمه ،وتعالى ج ّ
من أنفسهم ؟!
وكل ما وصل منه إلى عبده المؤمن يدعوه إلييى محبتييه و محبيية مييا يحبييه ،
وكراهة ما يكرهه .
فعطيياؤه ومنعييه ،ومعافيياته وابتلؤه ،وقبضييه وبسييطه ،وعييدله وفضييله ،
وإماتته وإحياؤه ،ولطفييه ،وبييره ،ورحمتييه ،وإحسييانه ،وسييتره ،وعفييوه ،
وحلمه ،وصبره على عبده ،وإجابته لدعائه ،وكشييف كربييه ،وإغاثيية لهفتييه
،وتفريج كربته ؛ من غير حاجة منه إليه ،بل مع غنيياه التييام عنييه ميين جميييع
الوجوه ،كل ذلك داع للقلييوب إلييى تييألهه ومحبتييه ،بييل تمكينييه عبييده ميين
معصيته ،وإعانته عليها ،وستره حتى يقضي وطره منها ،وكلءته وحراسييته
له ،وهو يقضي وطره من معصيته ،وهو يعينه ويستعين عليهييا بنعمييه :ميين
أقوى الدواعي إلى محبته .
فلو أن مخلوقا ً فعييل بمخلييوق أدنييى شيييء ميين ذلييك ؛لييم يملييك قلبييه عيين
محبته ؛ فكيف ل يحب العبد بكل قلبه وجوارحه من يحسن إليه على الييدوام
بعدد النفاس مع إساءته؛ فخيره إليه نازل ،وشره إليه صاعد ،يتحبييب إليييه
بنعمه ،وهو غني عنه ،والعبد يتبغض إليييه بالمعاصييي ،وهييو فقييير إليييه ؛ فل
إحسانه وبره وإنعامه عليييه يصييده عيين معصيييته ،ول معصييية العبييد ولييؤمه
يقطع إحسان ربه عنه ؟!
م اللؤم تخل ّ ُ َ َ
ف القلوب عن محبة من هذا شأنه وتعلقها بمحبة سواه !! فَأل ُ
وأيضا ً :فكل من تحبه من الخلككق أو يحبككك إنمككا يريككدك لنفسككه
وغرضهِ منك ،والييرب سييبحانه وتعييالى يريييدك لييك ،فكيف ل يسككتحيي
العبد أن يكون ربه له بهذه المنكزلة ؛وهو معرض عنه ،مشككغول
بحب غيره؛وقد استغرق قلبه محبة ما سواه ؟!
1
)( أخرجه البخاري ) (15ومسلم ) (44من حديث أنس رضي ال عنه .
2
)( أخرجه البخاري ) (6632من حديث عبد ال بن هشام رضي ال عنه .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
25 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ن لككم يربككح عليككك لككم وأيضكا ً :فكككل مككن تعككامله مككن الخلككق :إ ْ
يعاملك ،ولبد له من نوع من أنواع الربح ،والرب تعالى إنما يعاملك ؛لتربييح
أنت عليه أعظم الربح وأعله فالدرهم بعشرة أمثيياله إلييى سييبعمائة ضييعف
إلى أضعاف كثيرة ،والسيئة بواحدة وهي أسرع شيء محوًا.
وأيضا ً :فهو سبحانه خلقككك لنفسككه وكككل شككيء خلككق لككك فككي
الدنيا والخرة فمن أولى منه باستفراغ الوسع في محبته وبذل الجهد في
مرضاته ؟!
وأيضًا:فمطالبك ك بل مطالب الخلق كلهم جميعا ً ك لديه وهييو أجييود
الجييودين ،وأكييرم الكرمييين ،ويعطييي عبييده قبييل أن يسييأله فييوق مييا
يييؤمله،يشييكر علييى القليييل ميين العمييل وينميييه ،ويغفيير الكييثير ميين الزلييل
ويمحوه ،ويسيأله مين فيي السيموات والرض كيل ييوم هيو فيي شيأن ،ل
يشغله سمع عن سمع،ول ُتغلطه كثرة المسائل ،ول يتبرم بإلحاح الملحين ،
بل يحب الملحييين فييي الييدعاء ،ويحييب أن ُيسييأل ،ويغضييب إذا لييم ُيسييأل
،يستحي من عبده حيث ل يستحي العبد منه،ويستره حيث ل يسييتر نفسييه ،
ويرحمه حيث ل يرحم نفسه .
دعاه بنعمه وإحسانه ،وناداه إلى كرامته ورضوانه ،فأبى !
فأرسل رسله في طلبه ،وبعث معهم إليه عهده .
ثم نزل سككبحانه بنفسككه وقككال ":مككن يسككألني فككأعطيه ؟ مككن
يستغفرني فأغفر له ") (1كما قيل :أدعككوك للوصككل فتككأبى !!
أبعث رسلي فككي الطلككب !! أنككزل إليككك بنفسككي!! ألقككاك فككي
النوم !!
وكيككف ل تحككب القلككوب :ميين ل يييأتي بالحسيينات إل هييو ،ول يييذهب
بالسيئات إل هو ،ول يجيب الييدعوات ويقيييل العييثرات ،ويغفيير الخطيئات ،
ويستر العورات ،ويكشف الكربات ،ويغيث اللهفات ،وُينيل الطلبات سواه
؟!
كر ،وأحييق ميين حمييد ،وأحييق ميين عبييد ، فهو أحق من ذكر ،وأحق ميين ُ
شي ِ
سئل ،وأوسع مين أعطييى ، وأنصر من ابُتغي ،وأرأف من ملك ،وأجود من ُ
سترحم ،وأكرم من ُقصد ،وأعز من الُتجيء إليييه ،وأكفييى ميين وأرحم من ا ُ
توكل عليه ،أرحم بعبده من الوالدة بولدها ،وأشككد فرحكا ً بتوبككة
(2 )
التككائب مككن الفاقككد لراحلتككه الككتي عليهككا طعككامه وشككرابه فككي
الرض المهلكة إذا يئس من الحياة ثم وجدها ).(3
وهو الملك فل شريك له ،والفرد فل ند له ،كل شيء هالييك إل وجهييه ،ليين
يطيياع إل بييإذنه ،وليين يعصييي إل بعلمييه ،يطيياع فيشييكر ،وبتييوفيقه ونعمتييه
ُأطيع ،ويعصي فيغفر ،ويعفو وحقه ُأضيع .
1
)( أخرجه :البخاري ) (1145ومسلم ) (758من حديث أبي هريرة رضي ال عنه .
2
)( أخرجه :البخاري ) (5999ومسلم ) (2754من حديث عمر بن الخطاب رضي ال عنه .
3
)( أخرجه :البخاري ) (6308ومسلم ) (2744من حديث ابن مسعود رضي ال عنه .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
26 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ل حفيييظ ،وأوفييى بالعهييد ،وأعييدل قييائم بالقسييط ، فهو أقرب شهيد ،وأج ّ
حال دون النفوس ،وأخذ بالنواصي ،وكتب الثار،ونسخ الجال ،فييالقلوب لييه
مفضييية ،والسيير عنييده علنييية ،والغيييب لييديه مكشييوف ،وكييل أحييد إليييه
ملهوف ،وعنت الوجوه لنور وجهه ،وعجزت العقول عن إدراك كنهه)،(1ودلت
الفطيير والدليية كّلهييا علييى امتنيياع مثلييه وشييبهه ،أشييرقت لنييور وجهييه
الظلميييات ،واسيييتنارت ليييه الرض والسيييموات ،وصيييلحت علييييه جمييييع
المخلوقات .
ل ينام ول ينبغي له أن ينام ،يخفض القسط ويرفعه ُ،يرفع إليييه عمييل الليييل
قبل عمل النهار ،وعمل النهار قبل عمل الليل ،حجابه النييور ،لييو كشييفه ؛
ت )(2وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ):(3 لحرقت سبحا ُ
ره . س ِك الوجود َ بأ ْ مل َ َ ض ولو َ عو ٍ ِ ن
م ْ سواه ُ ِ حب ّهِ ل ِ ل ُض باذ ِ ُ عتا َ ما ا ْ
فييصل
] نعيم القلب والروح تبع لكمال المحبوب وكمال المحبة [
وهاهنا أمر عظيم يجب على اللبيب العتناء بككه ،وهككو أن
كمال اللذة والسرور والفرح ونعيم القلب وابتهككاج الككروح تككابع
لمرين :
أحدهكمكا :كمال المحبوب في نفسه وجماله ،وأنه أولى بإيثار المحبة ميين
كل ما سواه .
حبييه ،وإيثييار قربييه والمر الثاني :كمال محبته ،واسييتفراغ الوسييع فييي ُ
والوصول إليه على كل شيء .
وكل عاقل يعلم أن اللذة بحصول المحبوب بحسييب قييوته ومحبتييه ،فكلمييا
كانت المحبة أقوى كانت لذة المحب أكمل ،فلذة من اشتد ظمييؤه بييإدراك
ي ونظائر ذلك على حسييب الماء الزلل ومن اشتد جوعه بأكل الطعام الشه ّ
شوقه وشدة إرادته ومحبته .
رف هذا ؛ فاللذة والسرور والفرح أمر مطلوب في نفسه ،بل هييو ع ِ
وإذا ُ
مقصود كل حي وعاقل .
م منهييا ، وإذا كانت اللذة مطلوبة لنفسها ؛ فهي تذم إذا أعقبت أليما ً أعظي َ
ت أعظككم الحسككرات ، ل ؛ فكيف إذا أعقب ك ْ أو منعت لذة ً خيرا ً منها وأج ّ
د إذا أعييانت علييى لييذةٍ عظيميية وفوتت أعظم اللذات والمسرات ؟! وُتحم ُ
مهييا ، دائمة مستقرة ل تنغيص فيها ول نكد َ بوجه ما ،وهي لييذة الخييرة ونعي ُ
وطيب العيش فيها ،قال تعالى )) :بل تييؤثرون الحييياة الييدنيا .والخييرة خييير
وأبقى (( ]العلى . [17-16:وقال السحرة لفرعون لمييا آمنييوا )) :فَيياقْ ِ
ض
َ
من ّييا ب َِرب ّن َييا ل ِي َغْفِيَر ل َن َييا
حي َيياة َ اليد ّن َْيا} {72إ ِن ّييا آ َ ضي هَيذ ِهِ ال ْ َ ق ِما ت َ ْ
ض إ ِن ّ َ ٍ ت َقا ما أن َ َ
َ ّ َ َ َ
قى (( ]طه 72 :ي . [73 خي ٌْر وَأب ْ َه َ
حرِ َوالل ُس ْ ن ال ّ م َما أك َْرهْت ََنا ع َلي ْهِ ِ خطاَياَنا وَ َ َ
1
)( أي :إدراك كيفية صفاته سبحانه وتعالى .
2
سُبحات وجهه :أنواره .
)( ُ
3
)( كما جاء في حديث عند مسلم ) (179من حديث أبي موسى رضي ال عنه .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
27 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
والله سبحانه وتعالى خلق الخلق ليبتليهم وينيل من أطاعه هذه اللييذة
الدائمة في دار الخلد ،وأما الدنيا فمنقطعة ،ولذاتها ل تصفو أبدا ً ول تدوم
؛ بخلف الخرة فإن لذاتها دائمة ونعيمها خالص من كل كييدر وألييم ،وفيهييا
ما تشتهيه النفس وتلذ العين مع الخلود أبدا ً ،ول تعلم نفس ما أخفى اللييه
لعباده فيها من قييرة أعييين ،بييل فيهييا مييا ل عييين رأت ول أذن سييمعت ول
خطر على قلب بشر .
حي َيياةُ ْ
هيذ ِهِ ال َ
ميا َ وهذا المعنى الذي قصده الناصح لقومه بقوله )) :ي َييا َقيوْم ِ إ ِن ّ َ
قيَرارِ (( ]غييافر . [39-38:فييأخبرهم أن داُر ال ْ َ
ي َ ن اْل ِ
خيَرة َ ه ِي َ مت َيياع ٌ وَإ ِ ّ
اليد ّن َْيا َ
الدنيا متاع ُيتمتع بها إلى غيرها ،وأن الخرة هي المستقر .
عرف أن لذات الدنيا ونعيمها متاع ووسيلة إلييى ليذات الخييرة ،وليذلك وإذا ُ
خلقت الدنيا و لييذاُتها ،فكل لككذة أعككانت علككى لككذة الخككرة وأوصييلت
إليها ؛لم يذم تناولها ،بل ُيحمد لحسب إيصالها إلى لذة الخرة .
عرف هذا فأعظم نعيم الخرة ولذاتها :النظر إلى وجه اللككه إذا ُ
جل جلله ،وسماع كلمه والقرب منه ،كما ثبت في الصحيح فييي حييديث
ب إليهييم ميين النظيير إليييه ") ، (1وفييي الرؤية ":فوالله ؛ما أعطاهم شيئا ً أح ي ّ
النسائي ومسند المام أحمد من حديث عمار بن ياسر رضي اللييه عنييه عيين
النبي صلى الله عليه وسييلم فييي دعييائه ":أسييألك لييذة النظيير إلييى وجهييك
)(2
الكريم ،والشوق إلى لقائك "
صل هذه اللذة هو أعظككم عرف هذا ؛ فأعظم السباب التي ُتح ّ فإذا ُ
لذات الدنيا على الطلق ،وهي لذة معرفة الله سبحانه وتعككالى
ولذة محبته ؛ فإن ذلك هو لذة الدنيا ونعيمها العالي ،ونسبة لذاتها الفانييية
خِلق لذلك ؛ فأطيب مييا فل َةٍ في بحر ،فإن الروح والقلب والبدن إنما ُ إليه كت ْ
في الدنيا معرفته سبحانه ومحبتييه ،وألييذ مييا فييي الجنيية رؤيتييه ومشيياهدته ؛
فمحبته ومعرفته قرة العيييون ،ولييذة الرواح ،وبهجيية القلييوب ،ونعيييم الييدنيا
ة عيين ذليك تتقلييب آلميا ً وعييذابا ً ،ويبقييى وسرورها ،بل لذات الدنيا القاطع ُ
صاحبها في المعيشة الضنك ؛ فليست الحياة الطيبة إل بالله .
وكان بعض المحبين تمر به أوقات فيقول :إن كان أهككل الجنككة
في نعيم مثل هذا؛ إنهم لفي عيش طيب .
وكان غيره يقول :لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحككن فيككه ؛
لجالدونا عليه بالسيوف .
وإذا كان صاحب المحبة الباطلة التي هي عييذاب علييى قلييب المحييب يقييول
في حاله :
ق
ب وي َْعش ُ ح ُن ل يُ ِ خيَر فِْيم ْ فل َ ذوو اليَهوى ن َس إل العاشقو َ وما الّنا ُ
فكيف بالمحبة التي هي حياة القلوب وغذاء الرواح ؟ وليس للقلب لييذة ول
نعيم ول فلح ول حياة إل بها ،وإذا فقدها القلب ؛كان أليمه أعظيم مين أليم
1
)( أخرجه :مسلم ) (181من حديث صهيب رضي ال عنه .
2
)( أخرجه :النسائي ) (1304وأحمد ) (4/264وصححه اللباني في الكلم الطيب ص . 66-65
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
28 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
العين إذا فقدت نورهييا ،والذن إذا فقييدت سييمعها ،والنييف إذا فقييد شييمه ،
واللسان إذا فقد نطقه ؟!
م ميين
بل فساد القلب إذا خل ميين محبيية فيياطره وبييارئه وإلهييه الحييق أعظي ُ
فساد البدن إذا خل منه الروح ،وهذا المر ل يصد ّقُ به إل من في قلبه حياة
ت إيلم .
،وما لجرح بمي ّ ٍ
ة
والمقصود :أن أعظم لذات الدنيا هي السيبب الموصيل إليى أعظييم ليذ ٍ
في الخرة .
] أنواع لذات الدنيا [
ولذات الدنيا ثلثة أنواع :
فأعظمها وأكملها :ما أوصل إلى لذة الخرة ،ويثاب النسان
على هذه اللذة أتم ثواب .
قصد به وجه الله من أكلييه ،وشييربه، ولهذا كان المؤمن يثاب على ما ي َ ِ
ولبسه ،ونكاحه ،وشفاء غيظه بقهر عييدو اللييه وعييدوه ،فكيييف بلييذة إيمييانه
ومعرفته بالله ومحبته له وشوقه إلى لقائه وطمعه في رؤييية وجهييه الكريييم
في جنات النعيم ؟!
النوع الثاني :لذة تمنع لذة الخرة وتعقب آلما أعظم منها :
ذة الذين اتخذوا من دون الله أوثانا مودة بينهم في الحياة الدنيا ؛ يحبونهم كل ّ
كحب اللييه ،ويسييتمع بعضييهم ببعييض ؛فييإنهم يقولييون فييي الخييرة إذا لقييوا
ت ل ََنا قَييا َ َ َ
ل الن ّيياُر جل ْ َجل ََنا ال ّذ ِيَ أ ّض وَب َل َغَْنا أ َ ضَنا ب ِب َعْ ٍ مت َعَ ب َعْ ُ
ست َ ْ))َرب َّنا ا ْ ربهم :
ك ن ُوَّلي م} {128وَك َذ َل ِ َ علي ٌم َ كي ٌ ح ِ ن َرب ّ َ
ك َ ه إِ ّشاء الل ّ ُ ما َ ن ِفيَها إ ِل ّ َ دي َ
خال ِ ِ واك ُ ْ
م َ مث ْ َ
َ
ن (( ] النعام . [129-128: سُبو َ ْ ْ
ما كاُنوا ي َك َِ ً
ن ب َْعضا ب ِ َ مي َ ّ
ض الظال ِ ِ ب َعْ َ
ولذة أصحاب الفواحش والظلم والبغي في الرض والعلو بغير الحق.
وهذه اللذات في الحقيقة إنما هي استدراج من الله لهم ؛
ليذيقهم بها أعظم اللم ،ويحرمهم بهككا أكمككل اللككذات ؛ بمنزليية
من قدم لغيره طعاما ً لذيذا ً مسموما ً يستدرجه به إلى هلكه .
قال تعالى )) سنستدرجهم من حيث ل يعملون .وأملي لهم إن كيييدي
متين (( ]العييراف [183-182:قييال بعييض السييلف فييي تفسيييرها :كّلمييا
أحدثوا ذنبا ً ؛أحدثنا لهم نعمة )) حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخييذناهم بغتيية فييإذا
هم مبلسون .فقطع دابر القوم الييذين ظلمييوا والحمييد للييه رب العييالمين((
]النعام .[45-44:
وقال تعالى لصحاب هذه اللذة )) أيحسبون أنما نمييدهم بييه ميين مييال
وبنين .نسارع لهم في الخيرات بل ل يشعرون(( ]المؤمنون [56-55:وقييال
في حقهم )) :فل تعجبك أموالهم ول أولدهم إنما يريييد اللييه ليعييذبهم بهييا
في الحياة الدنيا (( ]التوبة [55:الية .
وهذه اللذة تنقلب آلما من أعظم اللم ؛كما قيل :
عذابا معاد ِ َ ت في ال َ عذابا ً فصار ْ ِ هلِها ت في الحياةِ ل ْ ب كان ْ مآرِ ُ
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
29 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
النوع الثالث :لذة ل تعقب لذة في دار القرار ول ألما يمنييع وصييول
لذة دار القرار ،وإن منعت كمالها .
وهذه اللذة المباحة التي ل ُيستعان بها على لذة الخرة ؛فهييذه زمانهييا
يسير ،وليس لتمتع النفس بها قدر ،ول بد أن تشغل العبد عما هييو خييير لييه
وأنفع منها .
وهذا القسم هو الذي عناه النبي صلى اللييه عليييه وسييلم بقييوله ":
ه بقوسه ،وتأديبه فرسه ،وملعبته كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل ؛ إل رمي ُ
امرأته ؛ فإنهن من الحق " ). (1
ن عليهييا فهيو فما أعان على اللذة المطلوبةِ ليذاتها فهيو حيق ،وميا ليم يعي ْ
باطل .
فصل
] بعض أنواع المحبة التي فيها منافع العشق ومزاياه [
فهذا الحب ل ينكر ول يذم بل هو أحد أنواع الحب،وكذلك حييب رسييول اللييه
صلى الله عليييه وسييلم وإنما نعني بالمحبككة الخاصككة ،وهككي الككتي
تشغل قلب المحب وفكره وذكره بمحبككوبه ،وإل فكييل مسييلم فييي
قلبه محبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ،والييتي ل يييدخل السييلم إل
بها ،والناس متفاوتون في درجات هذه المحبيية تفاوتييا ل يحصيييه إل اللييه ،
فبين محبة الخليلين صلى الله عليهما وسلم ومحبة غيرهما ما بينهما .
فهذه المحبة هي التي ت َُلطييف وتخفييف أثقييال التكيياليف ،وتسييخي البخيييل ،
وتشييجع الجبييان ،وتصييفي الييذهن ،وتييروض النفييس ،وتطيييب الحييياة علييى
الحقيقة ،ل محبة الصور المحرمة ،وإذا ب ُِليت السييرائر يييوم اللقيياء ؛كييانت
سريرة صاحبها من خير سرائر العباد ؛كما قيل :
ب يوم تبلى السرائُر ح ّسريرة ُ ُ مضمرِ القْلب والحشا م في ُ
سيبقى لك ْ
وهذه المحبة هي التي ُتنور الوجه ،وتشرح الصدر ،وتحيي القلب .
وكذلك محبة كلم الله ؛ فإنها من علمة محبة الله .
وإذا أردت أن تعلم ما عندك وعند غيرك من محبة الله ؛فانظر محبة القرآن
من قلبك ،والتييذاذك بسييماعه أعظييم ميين التييذاذ أصييحاب الملهييي والغنيياء
بسماعهم ؛ فإنه من المعلوم أن من أحييب حبيبيا ً كييان كلمييه وحييديثه أحييب
شيٍء إليه ؛كما قيل :
ت كتابي م هجر َ فل ْ حّبيم ُت َتزع ُ ُ إن ُ
كن َ
خطابي ن لذيذ ِ ِ م ْيه ِ ت ما فيي أما تأمل َ
ت قيلوبُنا لما شييبعت ميين وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه :لو ط َهَُر ْ
كلم الله ) .(2وكيف يشبع المحب من كلم محبوبة وهو غاية مطلوبه ؟
وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوما لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
"اقرأ علييي " فقييال :أقييرأ عليييك وعليييك أنييزل ؟ فقييال " :إنييي أحييب أن
() 1أخرجه :أبو داود ) (2513والترمذي ) (1673والنسائي ) (3146وأحمد ) (4/114من حديث عقبة بن عامر الجهني
رضي ال عنه .قال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح .
2
)( أخرجه :أحمد في الزهد ص . 159
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
30 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
أسييمعه ميين غيييري" فاسييتفتح فقييرأ سييورة النسيياء حييتى إذا بلييغ قييوله :
)) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلء شهيدا (( ]النساء
[41:قال " :حسبك الن " فرفع رأسه فييإذا عينييا رسييول اللييه صييلى اللييه
عليه وسلم تذرفان من البكاء ).(1
وكان الصحابة إذا اجتمعوا وفيهم أبو موسى ؛ يقولون :يا أبا موسييى ! اقييرأ
علينا فيقرأ ،وهم يستمعون ).(2
محبي القرآن من الوجييد والييذوق واللييذة والحلوة والسييرور أضييعاف مييا فل ِ ُ
حبي السماع الشيطاني . م ِ لِ ُ
فإذا رأيت الرجل ذوقه وشدة وجده وطربه وشوقه إلى سماع البيات دون
سماع اليات ،و سماع اللحان دون سماع القرآن ؛ كما قيل :تقرأ عليككك
ش كدُ فتميككل الختمككة وأنككت جامككد كككالحجر ،وبيككت مككن الشككعر ي ُن ْ َ
كالنشوان فهذه من أقوى الدلة على فراغ قلبييه ميين محبيية اللييه وكلمييه
،وتعلقه بمحبة سماع الشيطان ،والمغرور يعتقد أنه على شيء !!
ففي محبة الله وكلمه ورسوله صلى الله عليه وسلم أضييعاف أضييعاف مييا
ذ ُك َِر من فوائد العشق ومنافعه ،بل ل حب على الحقيقة أنفع منه ،وكل حب
ن عليه ويسوق المحب إليه . سوى ذلك باطل ،إن لم ُيع ْ
فيصل
] ل تثريب في حب النساء إن كان بالوجه الشرعي [
وأما محبة الزوجات :فل لوم على المحب فيها ،بل هي من كماله .
ن الله سبحانه بها على عباده فقال )) :ومن آياته أن خلق لكم ميين وقد امت ّ
أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكييم مييودة ورحميية (( الييية ]الييروم :
[21؛ فجعل المرأة سكنا للرجل ؛ يسيكن إليهيا قلبيه وجعيل بينهميا خيالص
الحب ،وهو المودة المقرونة بالرحمة .
وقد قال تعالى عقيب ذكره ما أحل لنا من النساء وما حرم منهيين )) :يريييد
الله ليبين لكن ويهديكم سنن الذين ميين قبلكييم ويتييوب عليكييم واللييه عليييم
حكيم .والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعييون الشييهوات أن تميلييوا
ميل عظيما .يريد الله أن يخفف عنكم و خلق النسان ضعيفا (( ] النساء :
.[28-26
وفي الصحيح من حديث جابر عيين النييبي صييلى اللييه عليييه وسييلم أنييه رأى
امرأة فأتى زينب ،فقضى حاجته منها وقال " :إن المرأة ُتقبييل فييي صييورة
شيطان وتدبر في صورة الشيطان فإذا رأى أحدكم امرأة ،فأعجبته ؛فليأت
أهله ؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه "). (3
ففي هذا الحديث عدة فوائد منها :
منها :الرشاد إلى التسلي عن المطلوب بجنسه ؛ كما يقوم الطعييام مكييان
الطعام والثوب مقام الثوب .
1
)( أخرجه :البخاري ) (4582ومسلم ). (800
2
)( أخرجه :أبو نعيم في الحلية ). (1/258
3
)( أخرجه :مسلم ). (1403
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
31 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ومنها :المر بمداواة العجاب بالمرأة المورث لشهوتها بأنفع الدوية ،وهييو
قضاء وطره من أهله ،وذلك ينقض شهوته لها ،وهييذا كمييا أرشييد المتحييابين
إلى النكاح كما في سنن ابن ماجه مرفوعا ً " :لم ير للمتحابين مثييل النكيياح
)(1
"
فنكاحه لمعشوقه هو دواء العشق الذي جعله الله دواًء شرعا ً وقدرا ً .
حّبب إليه النساء؛كما فييي الصييحيح ول ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم ُ
حب ّييب إلييي ميين دنييياكم النسيياءعن أنييس عنييه صييلى اللييه عليييه وسييلم ُ ":
والطيب وجعلت قرة عيني في الصلة "). (2
وقد حسده أعداء الله اليهود على ذلك وقييالوا :مييا همييه إل النكيياح ! فييرد
الله سبحانه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونافح عنه فقييال )) :أم
يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله (( الية ]النساء .[54:
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحيب النياس إليييه فقيال " وقد ُ
)(4 )(3
حبها " . عائشة " رضى الله عنها وقال عن خديجة " إني ُرِزقت ُ
فمحبة النساء من كمال النسان .
] أقسام عشق النساء [
فعشق النساء ثلث أقسام :
قسم هو قربككة وطاعككة :وهييو عشييق الرجييل امرأتييه وجيياريته ،وهييذا
العشق نافع فإنه ادعى إلى المقاصييد الييتي شييرع اللييه لهييا النكيياح ،وأكييف
للبصر والقلب عن التطلع إلى غير أهله ،ولهذا يحمد هذا العاشق عنييد اللييه
وعند الناس .
وعشق هو مقت عند الله وبعد من رحمته ،وهو أضر شيء على
العبد في دينه ودنياه ،وهككو عشككق المككردان ؛ فمككا ابتلككي بككه إل
من سقط من عين الله ،وطرد عن بابه ،وأبعد قلبككه عنككه ،وهييو
من أعظم الحجب القاطعة عيين اللييه ؛كمييا قييال بعييض السييلف :إذا سييقط
العبد من عين الله ابتله بمحبة المردان .
وهذه المحبة هي التي جلبت على قوم لوط ما جلبت ،فما أوتوا إل من هييذا
العشق قال الله تعالى )) :لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون (( ]الحجيير :
.[72
ودواء هككذا الككداء :السييتغاثة بمقلييب القلييوب ،وصييدق اللجييأ إليييه ،
والشتغال بذكره ،والتعوض بحبه وقربه ،والتفكر باللم الييذي يعقبييه هييذا
العشق بييل واللذة الييتي تفييوته بييه ،فييترتب عليييه فييوات أعظييم محبييوب
وحصول أعظم مكروه .
1
)( أخرجه :ابن ماجه ) (1847وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة ورقمه ). (625
2
)( أخرجه :النسائي ) (3949وأحمد ) (285-199-3/128وحسن إسناده ابن حجر في التلخيص ) (3/116وتابعه اللباني
في تخريج المشكاة ) . (2561-3/1448
3
)( أخرجه :البخاري ) (3662ومسلم ) (2384من حديث عمرو بن العاص رضي ال عنه .
4
)( أخرجه :البخاري ) (3816ومسلم ) (2435من حديث عائشة رضي ال عنها .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
32 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
فإذا أقدمت نفسه على هذا وآثرته ؛ فليكبر عليها تكبير الجنازة
،وليعلم أن البلء قد أحاط بها .
ت لييهور ْ
ص ِ
والقسم الثالث من العشق :العشق المباح ،كعشق من ُ
امرأة جميلة أو رآها فجأة من غير قصد فتعلق قلبه بها ،ولم يحدث له ذلك
العشق معصية ؛ فهييذا ل يملييك ول يعيياقب عليييه ،والنفع لككه مككدافعته
والشتغال بما هييو أنفييع لييه منييه ،ويجب علكى هكذا :أن يكتييم ويعييف
ويصييبر علييى بلييواه ،فيييثيبه اللييه علييى ذلييك ،ويعوضييه علييى صييبره للييه ،
وعفته ،وترك طاعته هواه ،وإيثار مرضاة الله وما عنده .
فييصيل
] أقسام العشاق [
والعشاق ثلثة أقسام :
منهم :من يعشق الجمال المطلق .
ومنهم :من يعشق الجمال المقيد ؛ سواء طمع بوصاله أو ل .
ومنهم :من ل يعشق إل من يطمع في وصاله .
ت في القوة والضعف . وبين هذه النواع الثلثة تفاو ٌ
فعاشق الجمال المطلق :يهيم قلبه في كييل واٍد ،ولييه فييي كييل صييورة
جميلة مراد ..فهذا عشقه أوسع ،ولكنه غير ثابت كثير التنقل :
ح
ن ُيصب ُن وقتهِ حي َ
مم ْ شقُ غ َي َْره ُ وَيسلهُ ُ م بهذا ث ُ ّ
م ي َعْ َ َيهي ُ
وعاشق الجمال المقيد :أثبت على معشيوقهِ وأدوم محبية ليه ،ومحبتيه
ن يضييعفهما عيدم الطمييع أقوى من محبة الول ؛ لجتماعهما في واحد ،ولكي ْ
في الوصال .
مع في وصككاله أعقييل العشيياق وأعرفهييم ، ْ
وعاشق الجمال الذي ي ُط ُ
ويه .
وحبه أقوى ؛لن الطمع يمده ويق ّ
فيصل
] بيان أن خبر " :من عشق فعف "..موضوع [
] ول يغتر بالحديث الموضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..أنه
قال " :من عشق فعف فمات فهو شهيد " وفي رواية " ميين عشييق وكتييم
وعف وصبر غفر الله له و أدخله الجنة " ). (1
فإن هذا الحديث ل يصح عن رسول الله ول يجوز أن يكون من كلمييه فييإن
الشهادة درجة عالية عند الله مقرونة بدرجة الصديقية ولها أعمييال وأحييوال
هي شرط في حصولها .
وهي نوعان :عامة وخاصة :
فالخاصة :الشهادة في سبيل الله .
ً
والعامة :خمس مذكورة في الصحيح ليس العشق واحدا منها .
وكيف يكون العشق الذي هو شرك في المحبية ،وفيراغ القليب عين الليه ،
وتمليك القلب والروح والحب لغيره ؛ تنال به درجة الشهادة ؟!
1
)( أخرجه ابن حبان في المجروحين ) (1/349وانظر :السلسلة الضعيفة ). (1/587
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
33 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
هذا من المحال ؛ فإن إفساد عشق الصور للقلب فوق كل إفسيياد ،بييل هييو
خمر الروح الييذي يسييكرها ويصييدها عيين ذكيير اللييه وحبييه والتلييذذ بمناجيياته
والنييس بييه ،ويييوجب عبودييية القلييب لغيييره ؛ فييإن قلييب العاشييق متعبييد
لمعشوقه ،بل العشق لييب العبودييية ؛ فإنهييا كمييال الييذل والحييب والخضييوع
والتعظيم .
فكيف يكون تعبد القليب لغيير الليه مميا تنيال بيه درجية أفاضيل الموحيدين
وساداتهم وخواص الولياء ؟!
فلو كان إسناد هذا الحديث كالشمس ؛كان غلطا ووهما .
ول يحفظ عن رسييول الليه صيلى الليه علييه وسيلم لفييظ ) العشيق ( فيي
حديث صحيح ألبته .
ثم إن العشق منه حلل ومنه حييرام ؛فكيييف يظيين بييالنبي صييلى اللييه عليييه
وسلم أنه يحكم على كل عاشق يكتم ويعف بأنه شهيد ؟!
فترى من يعشق امرأة غيره أو يعشق المردان والبغايا ينييال بعشييقه درجيية
الشهداء؟! وهييل هييذا إل خلف المعلييوم ميين دينييه صييلى اللييه عليييه وسييلم
بالضرورة ؟!
كيف والعشق مرض من المراض التي جعل الله سبحانه لها الدوييية شييرعا
وقدرا ،والتداوي منه إما واجب ي إن كان عشقا حراما ي وإما مستحب ؟!
وأنت إذا تأملت المراض والفات التي حكييم رسييول اللييه صييلى اللييه عليييه
وسييلم لصييحابها بالشييهادة ؛ وجييدتها ميين المييراض الييتي ل علج لهييا ؛
كالمطعون ،والمبطون ،والمجنون ،والحريق ،والغريق ،وموت المرأة يقتلهييا
ولدها في بطنها ؛ فإن هذه بليا من الله ل صنع للعبييد فيهييا ،ول علج لهييا ،
وليست أسبابها محرمة ،ول يترتب عليها من فساد القلب وتعبده لغير اللييه
ما يترتب على العشق . (1) [..
فصل
] عظيم مفسدة اللواط وشدة فحشه [
ولما كانت مفسدة اللواط من أعظم المفاسد كانت عقوبته في الدنيا
والخرة من أعظم العقوبات .
ً
فذهب جمهور المة وحكاه غير واحد إجماعا للصحابة :ليس في المعاصي
مفسدة أعظم من مفسدة اللواط وهى تلي مفسدة الكفر ،وربما كانت
أعظم من مفسدة القتل .
ً
قالوا :ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدا من
العالمين .
وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمة غيرهم ،وجمع عليهم أنواعا ً من العقوبات
من الهلك ،وقلب ديارهم عليهم ،والخسف بهم ،ورجمهم بالحجارة من
السماء ،وطمس أعينهم ،وعذبهم وجعل عذابهم مستمرا ً ،فنكل بهم نكال
لم ينكله بأمة سواهم .
1
)( هذا المقطع أخذته من كلم ابن القيم ـ رحمه ال ـ في زاد المعاد ) (4/275لهميته .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
34 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة ،التي تكاد الرض تميد من جوانبها إذا
عملت عليها ،وتهرب الملئكة إلى أقطار السموات والرض إذا شهدوها
خشية نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم ،وتعج الرض إلى ربها تبارك
وتعالى ،وتكاد الجبال تزول عن أماكنها .
ل المفعول به خير له من أن يؤتى فإنه إذا وطأه الرجل ؛ قتله قتلًً ًً ولن ُيقت َ
ٌ
ل ترجى الحياة معه ؛ فإنه يفسد فسادا ً ل ُيرجى له بعده صلح أبدا ً ،ويذهب
خيره كله ،وتمص الرض ماء الحياء من وجهه ،فل يستحي بعد ذلك من الله
ة الفاعل ما يعمل السم في ول من خلقه ،وتعمل في قلبه وروحه نطف ُ
البدن بخلف قتله؛ فإنه مظلوم شهيد ،وربما ينتفع به في آخرته .
] بيان عقوبة اللوطي [
]عقوبة اللوطي القتل حدا[ كما أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم ودلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصحيحة الصريحة ،التي ل معارض لها ،بل عليها عمل أصحابه وخلفائه
الراشدين رضي الله عنهم أجمعين .
وقد ثبت عن خالد بن الوليد ) :أنه وجد في بعض نواحي العرب رجل ً ُينكح
كما ُتنكح المرأة ،فكتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه؟ فاستشار
ي بن أبي طالب أشدهم ة رضي الله عنهم ،فكان عل ّ أبو بكر الصديق الصحاب َ
قول فيه ،فقال :ما فعل هذا إل أمة من المم واحدة ،وقد علمتم ما فعل
الله بها ،أرى أن يحرق بالنار .فكتب أبو بكر إلى خالد فحرقه (). (1
وقال عبد الله بن عباس :يُنظر أعلى ما في القرية ،فيرمى اللوطي منها
كسا ،ثم يتبع بالحجارة ) . (2وأخذ ابن عباس هذا الحد من عقوبة الله من ّ
لّلوطّية .
وابن عباس هو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " :من
وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ؛ فاقتلوا الفاعل والمفعول به ") (3رواه أهل
السنن وصححه ابن حبان وغيره واحتج المام أحمد بهذا الحديث وإسناده
على شرط البخاري .
قالوا :وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ":لعن الله من عمل
عمل قوم لوط ،لعن الله من عمل عمل قوم لوط ،لعن الله من عمل
)(4
عمل قوم لوط "
ولم يجىء عنه صلى الله عليه وسلم لعنة الزاني ثلث مرات في حديث
واحد ،وقد لعن جماعة من أهل الكبائر فلم يتجاوز بهم في اللعن مرة
واحدة ،وكرر لعن اللوطية و أكده ثلث مرات .
()1أخرجه :ابن أبي الدنيا ،ومن طريقه البيهقي في السنن ) (8/232وجود إسناده المنذري في الترغيب ). (3/251
()2أخرجه :ابن أبي شيبة في المصنف ). (5/493
()3أخرجه :أبو داود ) (4462والترمذي ) (1456وابن ماجه ) (2561من حديث ابن عباس رضي ال عنهما وصححه الحاكم
والذهبي واللباني في الرواء ). (8/16
()4أخرجه :أحمد ) (1/309وابن حبان ) (4417والحاكم ) (4/356من حديث ابن عباس رضي ال عنهما وصححه الحاكم
وحسنه اللباني في أحكام الجنائز ص . 203
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
35 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وأطبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله ،لم
يختلف منهم فيه رجلن ،وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله
،فظن بعض الناس أن ذلك اختلف منهم في قتله ،فحكاها مسألة نزاع بين
الصحابة ،وهي بينهم مسألة إجماع ل مسألة نزاع .
قالوا :ومن تأمل قوله سبحانه )) ول تقربوا الزنى إنه كان فاحشة ومقتا
وساء سبيل (( ]السراء [32:وقوله في اللواط )) أتأتون الفاحشة ما
سبقكم بها من أحد من العالمين (( ]العراف [80:تبين له تفاوت ما بينهما
ة من الفواحش كر الفاحشة في الزنى ؛ أي :هو فاحش ٌ ،فإنه سبحانه ن ّ
،وعّرفها في اللواط ،وذلك يفيد أنه جامعٌ لمعاني اسم الفاحشة ؛كما
تقول :زيد الرجل ،ونعم الرجل زيد ؛ أي أتأتون الخصلة التي استقر
ُفحشها عند كل أحد ،وهي لظهور ُفحشها وكماله غنية عن ِذكرها بحيث ل
ينصرف السم إلى غيرها .
وهذا نظير قول فرعون لموسى )) وفعلت فعلتك التي فعلت ((
]الشعراء [19:؛ أي :الفعلة الشنعاء الظاهرة المعلومة لكل أحد .
كد سبحانه شأن ُفحشها بأنها لم يعملها أحد ٌ من العالمين قبلهم ،فقال ثم أ ّ
)) ما سبقكم بها من أحد من العالمين (( ] العراف .[80:
ثم زاد في التأكيد بأن صرح بما تشمئز منه القلوب ،وتنبو عنها السماع
ح
حه كما ينك ِ ُوتنفر منه الطباع أشد النفور ،وهو إتيان الرجل رجل ً مثله ينك ِ ُ
النثى فقال )) :إنكم لتأتون الرجال (( ]العراف . [81:
ثم نبه على استغنائهم عن ذلك ،وأن الحامل لهم عليه ليس إل مجرد
الشهوة ل الحاجة التي لجلها مال الذكر إلى النثى ؛ من :قضاء الوطر ،
ولذة الستمتاع ،وحصول المودة والرحمة التي تنسى المرأة لها أبيها وتذكر
بعلها ،وحصول النسل الذي هو حفظ هذا النوع الذي هو أشرف
المخلوقات ،وتحصين المرأة ،وقضاء وطرها ،وحصول علقة المصاهرة
التي هي أخت النسب ،وقيام الرجال على النساء ،وخروج أحب الخلق
إلى الله من جماعهن كالنبياء والولياء والمؤمنين ومكاثرة النبي صلى الله
عليه وسلم النبياء بأمته …إلى غير ذلك من مصالح النكاح ،والمفسدة
التي في اللواط تقاوم ذلك كله ،وُتربي عليه بما ل يمكن حصر فساده ،ول
يعلم تفصيله إل الله عز وجل .
ثم أكد سبحانه ُقبح ذلك بأن اللوطية عكسوا فطرة الله التي فطر عليه
الرجال ،وقلبوا الطبيعة التي ركبها الله في الذكور ،وهي شهوة النساء
دون الذكور ،فقلبوا المر ،وعكسوا الفطرة والطبيعة ،فأتوا الرجال شهوة
من دون النساء ،ولهذا قلب الله سبحانه عليهم ديارهم ،فجعل عاليها
كسوا في العذاب على رؤسهم . سافلها ،وكذلك قُِلبوا هم ون ُ ِ
ثم أكد سبحانه ُقبح ذلك بأن حكم عليهم بالسراف ،وهو مجاوزة الحد،
فقال )) :بل أنتم قوم مسرفون(( ]العراف . [81:
فتأمل ؛ هل جاء مثل ذلك أو قريبا ً منه في الزنى
؟!
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
36 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وأكد سبحانه ذلك عليهم بقوله ))ونجيناه من القرية التي كانت تعمل
الخبائث (( ]النبياء . [74:
ثم أكد سبحانه عليهم الذم بوصفين في غاية القبح ،فقال )) إنهم كانوا قوم
سوء فاسقين (( ]النبياء . [74:
وسماهم مفسدين في قول نبيهم )) فقال رب انصرني على القوم
المفسدين (( ]العنكبوت . [30:
وسماهم ظالمين في قول الملئكة لبراهيم عليه السلم )) :إنا مهلكوا
أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين (( ]العنكبوت [31:
فتأمل من عوقب بمثل هذه العقوبات ،ومن ذمه الله بمثل هذه الذمات .
ولما جادل فيهم خليله إبراهيم الملئكة ؛وقد أخبروه بإهلكهم ؛ قيل له :
)) يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير
مردود (( ]هود . [76:
ً
وتأمل خبث اللوطية وفرط تمردهم على الله ؛ حيث جاؤا نبيهم لوطا لما
سمعوا بأنه قد طرقه أضياف ،هم من أحسن البشر صورا ،فأقبل اللوطية
إليهم يهرعون فلما رآهم قال لهم )) يا قوم هؤلء بناتي هن أطهر لكم ((
]هود [78:ففدى أضيافه ببناته يزوجهم بهم خوفا ً على نفسه وعلى أضيافه
من العار الشديد ،فقال )) :يا قوم هؤلء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله
ول تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد (( ]هود [78:فردوا عليه ،
ولكن رد جبار عنيد )) لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما
نريد (( ]هود ! [79:فنفث نبي الله نفثة مصدور خرجت من قلب
مكروب ،فقال )) :لو أن لي بكم قوة أو أوي إلى ركن شديد (( ]هود [80:
فكشف له رسل الله عن حقيقة الحال ،وأعلموه أنهم ممن ليس يوصل
ن عليك ،فقالوا إليهم ول إليه بسببهم ،فل تخف منهم ول تعبأ بهم وهوّ ْ
)) يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك (( ]هود [81:وبشروه بما جاءوا به
من الوعد له ولقومه من الوعيد المصيب فقالوا )) فأسر بأهلك بقطع من
الليل ول يلتفت منكم أحد إل امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم
الصبح أليس الصبح بقريب (( ]هود . [81:
عجل من هذا. فاستبطأ نبي الله ي عليه السلم ي موعد هلكهم،وقال :أريد أ ْ
فقالت الملئكة )) :أليس الصبح بقريب (( ] هود .[81:
فوالله ما كان بين إهلك أعداء الله ونجاة نبيه وأوليائه إل ما بين السحر
وطلوع الفجر ،وإذا بديارهم قد اقتلعت من أصولها ،ورفعت نحو السماء ،
حتى سمعت الملئكة نباح الكلب ونهيق الحمير ،فبرز المرسوم الذي ل
يرد من الرب الجليل على يدي عبده ورسوله جبرائيل بأن يقلبها عليهم كما
أخبر به في محكم التنزيل ،فقال عّز من قائل )) :فلما جاء أمرنا جعلنا
عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل (( ]هود . [82:
فجعلهم آية للعالمين ،وموعظة للمتقين ،ونكال ً وسلفا ً لمن شاركهم في
أعمالهم من المجرمين ،وجعل ديارهم بطريق السالكين )) إن في ذلك
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
37 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ليات للمتوسمين .وإنها لبسبيل مقيم .إن في ذلك لية للمؤمنين ((
]الحجر . [77-75:
سه وهم في سكرتهم يعمهون ، أخذهم على غرة وهم نائمون ،وجاءهم بأ ُ
فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ،تقلبوا على تلك اللذات طويل ً ،فأصبحوا
بها يعذبون :
عذابا ت َت في المما ِعذابا ً فصار ْ ِ ت في الحياةِ لهِلهاب كان ْ مآر ُ
ذهبت اللذات وأعقبت الحسرات ،وانقضت الشهوات وأورثت
الشقوات ،تمتعوا قليل ً وعذبوا طويل ً ،رتعوا مرتعا ً وخيما ً
فأعقبهم عذابا ً أليما ً ،أسكرتهم خمرة تلك الشهوات فما
استفاقوا منها إل في ديار المعذبين ،وأرقدتهم تلك الغفلة
فما استيقظوا منها إل وهم في منازل الهالكين ،فندموا ك
والله ك أشد الندامة حين ل ينفع الندم ،وبكوا على ما أسلفوه
بدل الدموع بالدم .
فلو رأيت العلى والسفل من هذه الطائفة ،والنار تخرج من
منافذ وجوههم وأبدانهم وهم بين أطباق الجحيم ،وهم
يشربون بدل لذيذ الشراب كؤوس الحميم ،ويقال لهم وهم
على وجوههم ُيسحبون )) ذوقوا ما كنتم تكسبون اصلوها
فاصبروا أو ل تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم
تعملون (( ]الطور .[16:
ة العذاب بين هذه المة وبين ولقد قرب الله سبحانه مساف َ
فا ً لهم بأعظم الوعيد ))وما هي إخوانهم في العمل ،فقال مخو ّ
من الظالمين ببعيد(( ]هود.[83:
] توبة اللوطي هل تقبل ؟ [
وقد اختلف الناس هل يدخل الجنة مفعول به ؟
ن تيياب المبتلييى بهييذا البلء التحقيق فككي هككذه المسككألة أن يقككال :إ ْ
وأناب ،ورزق توبية نصيوحا ً وعمل ً صيالحا ً ،وكيان فيي كيبره خييرا ً منيه فيي
ل عييار ذلييك عنييه بييأنواع الطاعييات صييغره ،وبييدل سيييئاته بحسيينات ،وغس ي َ
والقربات ،وغض بصييره ،وحفييظ فرجييه عيين المحرمييات ،وصييدق اللييه فييي
معاملته فهذا مغفور له،وهو من أهل الجنة ؛فإن الله يغفر الذنوب جميعا ً .
ل ذنب ،حتى الشرك بالله ،وقتل أنبيييائه وأوليييائه ، وإذا كانت التوبة تمحو ك ّ
حو هذا الذنب . م ْ
صُر عن َ ق ُ والسحر ،والكفر ،وغير ذلك فل ت َ ْ
وقد استقرت حكمة الله به عدل ً وفضل ً أن التائب ميين الييذنب كميين ل ذنييب
ن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتييل النفييس والزنييى أنييه م َ
ض ِ
له .وقد َ
ل سيئاته حسنات ،وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب . ُيبد ّ ُ
وقد قال تعالى )) :قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطييوا ميين
رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هييو الغفييور الرحيييم (( ]الزميير :
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
38 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
[53فل يخرج من هييذا العمييوم ذنييب واحييد ،ولكيين هييذا فييي حييق التييائبين
خاصة.
وأما المفعول به :إن كان في كبره شرا ً مما كان في صغره ؛لم
يوفق لتوبة نصوح ،ول لعمل صالح،ول استدرك ما فات و أحيا ما
دل السيئات بالحسنات؛ فهذا بعيد أن يوفق عند الممات مات،ول ب ّ
ة له على عمله؛ فإن الله سبحانه يعاقب على لخاتمةٍ يدخل الجنة،عقوب ً
السيئة بسيئة أخرى ،وتتضاعف عقوبة السيئات بعضها ببعض ؛كما يثيب
على الحسنة بحسنة أخرى .
] فصل [
] حرمة الزنى [
] بين [سبحانه حرمت ] الزنى [ بقوله )) :والييذين ل يييدعون مييع اللييه إلهييا
آخر ول يقتلون النفس التي حرم الله إل بالحق ول يزنيون ومين يفعيل ذليك
يلق أثاما .يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا .إل ميين تيياب ((
]الفرقان [70- 68:الية.
فقرن الزنى بالشرك وقتل النفس وجعل جزاء ذلييك الخلييود َ فييي النييار فييي
العذاب المضاعف المهين ،ما لم يرفع العبد مييوجب ذلييك بالتوبيية واليمييان
ة وساء والعمل الصالح .وقد قال تعالى )) :ول تقربوا الزنى إنه كان فاحش ً
سبيل (( ]السراء [32:فأخبر عن ُفحشه في نفسه ،وهو القبيييح الييذي قييد
تناها قبحه حتى استقر ُفحشه في العقييول ،ثييم أخيبر عين غيايته بيأنه سيياء
ب وخزي ونكال في سبيل ؛ فإنه سبيل هلكة وبوار و افتقار في الدنيا ،وعذا ٍ
الخرة.
ولما كان نكاح أزواج الباء من أقبحه ؛خصه بمزيد ذم ،فقييال )) :إنييه كييان
فاحشة ومقتا وساء سبيل (( ]النساء. [22:
وعلق سبحانه فلح العبد على حفظ فرجييه منييه ؛ فل سييبيل لييه إلييى الفلح
بدونه فقال )) :قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلتهم خاشعون .والييذين
هم عن اللغو معرضون .والذين هم للزكاة فاعلون .والذين هييم لفروجهييم
حافظون .إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملييومين .فميين
ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون(( ]المؤمنون .[7-1:
وهذا يتضمن ثلثة أمور :أن من لم يحفظ فرجه ؛ لم يكن من
المفلحين ،وأنه من الملومين ،ومن العادين ؛ ففاته الفلح ،واستحق اسم
العدوان ،ووقع في اللوم؛ فمقاساة ألم الشهوة ومعاناتها أيسر من بعض
ذلك .
خِلق هلوعا ً ل يصبر على سراء ول ونظير هذا :أنه ذم النسان ،وأنه ُ
زع إل من استثناه ج ِسه الشر َ منع وَبخل ،وإذا م ّضراء ،بل إذا مسه الخير َ
بعد ذلك من الناجين من خلقه ،فذكر منهم )) :والذين هم لفروجهم
حافظون .إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين .فمن
ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (( ] المعارج . [31-29:
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
39 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
فصل
] عظم مفسدة الزنى [
مفسدة الزنى من أعظم المفاسد ،وهى منافية لمصلحة نظام العالم فييي:
حفظ النساب ،وحماية الفروج ،وصيانة الحرمات ،وتوقى ما يوقع أعظييم
العداوة والبغضاء بين الناس من إفساد كل منهم امرأة صاحبه وابنته وأختييه
وأمه ،وفى ذلك خراب العالم .
فإن المرأة إذا زنت ؛ أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها ونكست
رؤسهم بين الناس .
وإن حملت من الزنى :فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنى والقتل ،
وإن حملته على الزوج أدخلت على أهله وأهلها أجنبيا ً ليس منهم ،فورثهم
وليس منهم ،ورآهم وخل بهم ،وانتسب إليهم وليس منهم إلى غير ذلك
من مفاسد زناها .
ً
وأما زنا الرجل :فإنه يوجب اختلط النساب أيضا ،وإفساد المرأة
المصونة ،وتعريضها للتلف والفساد .
ففي هذه الكبيرة خراب الدنيا والدين ،وإن عمرت القبور في البرزخ والنار
في الخرة ،فكم في الزنى من استحلل محرمات ،وفوات حقوق ،ووقوع
مظالم !!
ومن خاصيته أنه:يوجب الفقر ،ويقصر العمر ،ويكسو صاحبه سواد
الوجه ،وثوب المقت بين الناس .
ومن خاصيته أيضا :أنه يشتت القلب ،ويمرضه إن لم ُيمته ،ويجلب
الهم والحزن والخوف ،ويباعد صاحبه من الملك ،ويقربه من الشيطان .
فليس بعد مفسدة القتل أعظم من مفسدته ،ولهذا شرع فيه القتل على
أشنع الوجوه وأفحشها وأصعبها .
ولو بلغ العبد أن امرأته أو حرمته قُت َِلت ؛كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها
زنت .وقال سعد بن عبادة رضي الله عنه :لو رأيت رجل مع امرأتي
لضربته بالسيف غير مصفح )(1فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال " :أتعجبون من غيرة سعد ؟ والله ؛ لنا أغير منه ،والله أغير مني ،
)(2
ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " متفق عليه ،
وفى الصحيحين أيضا عنه " :إن الله يغار ،وإن المؤمن يغار ،وغيرة الله أن
يأتي العبد ما حرم عليه ") ، (3وفى الصحيحين في خطبته صلى الله عليه
مة محمد ! والله ؛ إنه ل أحد َ أغيُروسلم في صلة الكسوف أنه قال " :يا أ ّ
من الله أن يزنى عبده أو تزني أمته ،يا أمة محمد ! والله لو تعلمون ما
أعلم ؛ لضحكتم قليل ً ،ولبكيتم كثيرا " ثم رفع يديه فقال " :اللهم ! هل
)(4
بلغت ؟ "
1
يعني :بحده ل بصحفته . )(
2
أخرجه :البخاري ) (6846ومسلم ) (1499من حديث المغيرة بن شعبة رضي ال عنه . )(
3
أخرجه :البخاري ) (5223ومسلم ) (2761من حديث أبي هريرة رضي ال عنه . )(
4
أخرجه :البخاري ) (1044ومسلم ) (901من حديث عائشة رضي ال عنها . )(
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
40 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ع
ة الكسوف سر بدي ٌ ب صل ِ ق َع ِ
وفى ذكر هذه الكبيرة بخصوصها َ
لمن تأمله ،وظهور الزنى من أمارات خراب العالم ،وهو من أشراط
الساعة .
كما في الصحيحين عن أنس بن مالك أنه قال :لحدثنكم حديثا ً ل يحدثكموه
أحد ٌ بعدي ،سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ":من أشراط
الساعة :أن يقل العلم ،ويظهر الجهل ،ويظهر الزنى ،ويقل الرجال ،وتكثر
)(1
النساء ،حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد "
وقد جرت سنة الله سبحانه في خلقه أنه عند ظهور الزنى
يغضب الله سبحانه وتعالى ويشتد غضبه ،فلبد أن ي ُؤ َث َّر غضُبه في الرض
عقوبة ،قال عبد الله بن مسعود :ما ظهر الربا والزنى في قرية إل أذن
الله بإهلكها ).(2
فصل
] التشديد والتشنيع في حد الزنى وأسبابه [
وخص سبحانه حد الزنى من بين سائر الحدود بثلث خصائص :
أحدها :القتل فيه بأشنع القتلت ،وحيث خففه ؛فجمع فيه بين العقوبة
على البدن بالجلد وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة .
الثاني :أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه ؛بحيث تمنعهم من
إقامة الحد عليهم ؛ فإنه سبحانه من رأفته بهم ورحمته بهم شرع هذه
العقوبة ؛ فهو أرحم منكم بهم ،ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة ؛
فل يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره .
ن ذ ُك َِر في حد الزنى خاصة وهذا وإن كان عاما ً في سائر الحدود ،ولك ْ
لشدة الحاجة إلى ذكره ؛ فإن الناس ل يجدون في قلوبهم من الغلطة
والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر ؛
فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم غيره من أرباب الجرائم ،والواقع
شاهد بذلك ،فنهوا أن تأخذهم هذه الرأفة ،وتحملهم على تعطيل حد الله
عز وجل .
ب يقع من الشراف والوساط وسبب هذه الرحمة :أن هذا ذن ٌ
والراذل ،وفي النفوس أقوى الدواعي إليه ،والمشارك فيه كثير ،وأكثر
أسبابه العشق ،والقلوب مجبولة على رحمة العاشق ،وكثير من الناس يعد
مساعدته طاعة وقربة ،وإن كانت الصورة المعشوقة محرمة عليه .
سَتنك َُر هذا المر ؛ فهو مستقر عند من شاء الله من أشباه النعام . ول ي ُ ْ
ي لنا من ذلك شيء كثير عن ناقصي العقول ؛كالخدام والنساء . حك ِ َ
ولقد ُ
()1أخرجه :البخاري ) (81-80ومسلم ). (2671
()2أخرجه :أبو يعلى في المسند )(4981قال الهيثمي في المجمع ) (4/121والمنذري في الترغيب ) (2/621روه أبو يعلى ،
وإسناده جيد " والحديث بمجموع طرقه ل ينـزل عن رتبة الحسن ،وقد حسنه اللباني في غاية المرام ص 203رقم . 344
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
41 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ب غالبا ً ما يقع مع التراضي من الجانبين ؛فل يقع فيه وأيضا ً :فإن هذا ذن ٌ
)(1
من العدوان والظلم والغتصاب ما تنفر النفوس منه ،وفيها شهوة غالبة
له ،فُيصور ذلك لها ،فتقوم بها رحمة تمنع إقامة الحد .
وهذا كله من ضعف اليمان .
ة َيرحم بها المحدودوكمال اليمان أن تقوم به ُقوة ٌ ُيقيم بها أمر الله ،ورحم ٌ
،فيكون موافقا ً لربه تعالى في أمره ورحمته .
دهما بمشهد من المؤمنين ،فل يكون الثالث :أنه سبحانه أمر أن يكون ح ّ
في خلوة بحيث ل يراهما أحد ،وذلك أبلغ في مصلحة الحد وحكمة الزجر .
وحدّ الزاني المحصن :مشتق من عقوبة الله تعالى لقوم لوط بالقذف
بالحجارة ،وذلك لشتراك الزنى واللواط في الفحش ،وفى كل منهما فساد
يناقض حكمة الله في خلقه وأمره .
فصل] آثار الذنوب والمعاصي [
مما ينبغي أن يعلم :
أن الذنوب والمعاصي تضر ،ول شك أن ضررها في القلوب كضرر السموم
في البدان على اختلف درجاتها في الضرر ،وهل في الدنيا و الخرة
شرور وداء إل سببه الذنوب والمعاصي ؟!
فما الذي أخرج البوين من الجنة ي دار اللذة والنعيم والبهجة والسروري
إلى دار اللم والحزان والمصائب ؟
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء ،وطرده ،ولعنه،ومسخ
ظاهره وباطنه؟ وما الذي أغرق أهل الرض كلهم حتى عل الماء فوق
رأس الجبال ؟
وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على
وجه الرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ودمرت ما مر عليه من ديارهم
وحروثهم وزروعهم ودوابهم حتى صاروا عبرة للمم إلى يوم القيامة ؟
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في
أجوافهم ،وماتوا عن آخرهم ؟
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملئكة نبيح كلبهم ،ثم
قلبها عليهم ،فجعل عاليها سافلها ،فأهلكهم جميعا ،ثم أتبعهم حجارة من
السماء أمطرها عليهم ،فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة
غيرهم ،ولخوانهم أمثالها ،وما هي من الظالمين ببعيد ؟
وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ،فلما صار
فوق رؤسهم ؛ أمطر عليهم نارا ً تلظى ؟
حهم إلى جهنم ؛ قَلت أروا ُ
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ،ثم ن ُ ِ
فالجساد للغرق والرواح للحرق ؟
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله ؟
1
)( الضمير يعود على النفوس .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
42 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها
تدميرا ً ؟
وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم ؟
وما الذي بعث على بنى إسرائيل قوما ً أولي بأس شديد ،فجاسوا
خلل الديار ،وقتلوا الرجال ،وسبوا الذراري والنساء ،وأحرقوا الديار ،ونهبوا
الموال ،ثم بعثهم عليهم مرة ثانية ،فاهلكوا ما قدروا عليه ،وتبروا )(1ما علو
تتبيرا ؟
ع العقوبات ؛ مرة ً بالقتل والسبي وخراب وما الذي سلط عليهم أنوا َ
البلد ،ومرة بجور الملوك ،ومرة بمسخهم قردة وخنازير ،وآخر ذلك أقسم
الرب تبارك وتعالى )) ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء
العذاب ((]العراف [167:؟ وعن جبير بن نفير قال ) :لما فتحت قبرص
ُفرق بين أهلها ،فبكى بعضهم إلى بعض ؛ فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده
يبكى ،فقلت :يا أبا الدرداء !ما يبكيك في يوم أعز الله فيه السلم
وأهله ؟! فقال :ويحك يا جبير !! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا
أضاعوا أمره ،بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك ،تركوا أمر الله
)(2
فصاروا إلى ما ترى (
وفي مسند أحمد ؛من حديث أم سلمة؛ قالت :سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول " :إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب
من عنده" فقلت :يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون ؟ قال :
"بلى" ،قلت :كيف يصنع باؤلئك ؟ قال " :يصيبهم ما أصاب الناس ثم
)(3
يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان "
وفي سنن ابن ماجه من حديث عبدالله بن عمر بن الخطاب قال :كنت
عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال ":يا معشر
المهاجرين خمس خصال وأعوذ بالله أن تدركوهن ما ظهرت الفاحشة في
قوم حتى أعلنوا بها إل ابتلوا بالطواعين والوجاع التي لم تكن في أسلفهم
الذين مضوا ،ول نقص قوم المكيال والميزان ،إل ابتلوا بالسنين وشدة
المؤنة وجور السلطان ،وما منع قوم زكاة أموالهم إل منعوا القطر من
السماء ،فلول البهائم ؛لم يمطروا ،ول خفر قوم العهد إل سلط الله عليهم
عدوا من غيرهم ،فاخذوا بعض ما في أيديهم ،وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل
)(4
الله عز وجل في كتابه ؛ إل جعل الله بأسهم بينهم "
وعن ابن عمر قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :إذا
ظن الناس بالدينار والدرهم ،وتبايعوا بالعينة ،وتبعوا أذناب البقر ،وتركوا
1
طم .
)( َتّبر :أهلك وح ّ
2
)( أخرجه :أحمد في الزهد ص . 179
3
)( أخرجه :أحمد ) (6/294والحديث صححه اللباني في السلسلة ). (3/359
4
)( أخرجه :ابن ماجه ) (4019وقال اللباني بعد أن أطال في تخريج الحديث وذكر طرقه وشواهده في السلسلة ): (1/216
وبالجملة ؛ فالحديث بهذه الطرق والشواهد صحيح بل ريب "
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
43 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلء فل يرفعه عنهم حتى ُيراجعوا دينهم
")(1ورواه أبو داود بإسناد حسن .
وقال العمري الزاهد) ) : (2من ترك المر بالمعروف والنهي عن
ت منه الطاعة ،ولو أمر ولده زع ْ المنكر مخافة من المخلوقين ،ن ُ ِ
أو بعض مواليه لستخف بحقه ( .
وذكر المام أحمد في مسنده من حديث قيس بن أبي حازم قال :قال أبو
بكر الصديق ) :يا أيها الناس ! إنكم تتلون هذه الية وإنكم تضعونها على
غير موضعها )) يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ل يضركم من ضل إذا
اهتديتم ((]المائدة [105:وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول " :إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه " وفي لفظ " إذا
رأوا المنكر فلم يغيروه " أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ") (3وفي
صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال :إنكم لتعملون أعمال هي أدق في
أعينكم من الشعر وإنا كنا لنعدها على زمن رسول الله صلى الله عليه
وسلم من الموبقات (4).وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر :أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :عذبت امرأة في هرة ،سجنتها
حتى ماتت ،فدخلت النار ،ل هي أطعمتها ول سقتها ،ول هي تركتها تأكل
)(5
من خشاش الرض "
ومن هاهنا قال بعض السلف :المعاصي بريد الكفر ،كما أن القبلة
بريد الجماع ،والغناء بريد الزنى ،والنظر بريد العشق ،والمرض بريد
الموت .
وقال بلل بن سعد :ل تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت
).(6
وقال الفضيل بن عياض :بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله ،وبقدر
ما يعظم عندك يصغر عند الله .
وفي المسند وجامع الترمذي من حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن المؤمن إذا أذنب ذنبا نكت في
قلبه نكتة سوداء ،فإذا تاب ونزع واستغفر ؛صقل قلبه ،وإن زاد زادت ،حتى
تعلو قلبه،فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل )) كل بل ران على قلوبهم
)(7
ما كانوا يكسبون (( ]المطففين " [14:
1
)( أخرجه :أحمد ) (2/42وأبو داود ) (3462قال شيخ السلم ابن تيمية ) : (29/30وقد روى أحمد وأبو داود بإسنادين
جيدين عن ابن عمر )..فذكره ( .وصححه اللباني في السلسلة ). (1/42
2
)( هو :عبدال بن عبدالعزيز بن عبدال بن عبدال بن عمر بن الخطاب المتوفى سنة 184هـ .
انظر :السير ). (8/375
3
)( أخرجه :أحمد ) (1/7و أبو داود ) (4338والترمذي ) (3057وابن ماجه ) (4005وقال الترمذي :هذا حديث حسن
صحيح .
4
)( أخرجه :البخاري ). (6492
5
)( أخرجه :البخاري ) (2365ومسلم ). (2242
6
)( أخرجه :أحمد في الزهد ص . 460
7
)( أخرجه :الترمذي ) (3334وابن ماجه ) (4244وأحمد ) (2/297وقال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
44 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
قال الترمذي هذا حديث ]حسن [صحيح .
وذكر عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لبيه عن محمد بن سيرين :أنه لما
ركبه الدين اغتم لذلك ،فقال :إني لعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين
سنة ). (1
وهاهنا نكتة دقيقة يغلط فيها الناس في أمر الذنب ،وهي أنهم
ل يرون تأثيره في الحال وقد يتأخر تأثيره فينسي ،ويظن
غكّبر بعد ذلك ؟!!وأن المر كما قال القائل : العبد أنه ل ي ُ َ
س له بعد َ الوقوِع غباُر فلي َ عهط في وقو ِ إذا لم ُييغّبر حائ ٌ
ت هذه النكتة من الخلق ؟! وكم أزالت من وسبحان الله !! كم أهلك ْ
نعمة ؟! وكم جلبت من نقمة ؟! وما أكثر المغترين بها من العلماء والفضلء
ض ي ولو بعد حين ي كما ق ّ؛ فضل ً عن الجهال ! ولم يعلم المغتر أن الذنب ي َن ْ َ
ينقض السهم وكما ينقض الجرح المندمل على الغش والدغل .
دوا
وقد ذكر المام أحمد عن أبي الدرداء :اعبدوا الله كأنكم ترونه ،وع ُ ّ
أنفسكم في الموتى ،واعلموا أن قليل ً ُيغنيكم خيٌر من كثير ُيطغيكم
،واعلموا أن البر ل يبلى وأن الثم ل ُينسى ).(2
ي في منامه،وقيل ُ
ونظر بعض العباد إلى صبي ،فتأمل محاسنه،فأت ِ َ
ن ِغّبها بعد أربعين سنة ).(3 له:لتجد ّ
هذا مع أن للذنب نقدا ً معجل ً ل يتأخر عنه :
قال سليمان التيمي :إن الرجل ليصيب الذنب في السر ،فيصبح وعليه
مذلته ).(4
فيصل
] آثار المعاصي على العبد في دينه ودنياه وآخرته [
وللمعاصي من الثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبككدن
في الدنيا والخرة ما ل يعلمه إل الله :
فمنها:حرمان العلم فإن العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية
تطفئ ذلك النور .
ولما جلس المام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من
وفور فطنته ،وتوقد ذكائه ،وكمال فهمه ،فقال :إني أرى الله قد ألقى على
قلبك نورًا؛ فل تطفئه بظلمة المعصية .وقال الشافعي :
ك المعاصي فأرشدني إلى تر ِ ت إلى وكيٍع سوَء حفظي شكو ُ
صل اللهِ ل ُيؤتاه ُ عا ِ وفض ُ ل م َفيي ْ
ض ٌ ن العل َ م بأ ّوقال أعل ْ
ومنها :حرمان الرزق :فكما أن تقوى الله مجلبة للرزق ؛فترك التقوى
)(5
ب رزقٌ بمثل ترك المعاصي . ستجل ِ َة للفقر ؛فما ا ُ مجلب ٌ
1
انظر :الحلية ). (2/271 )(
2
الزهد ص . 168 )(
3
هو ابن الجلء .وانظر الخبر في :صفوة الصفوة ) . (444-2/443قوله ):غّبها ( أي عاقبتها. )(
4
أنظره في :الحلية ). (3/31 )(
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
45 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ومنها :الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس ،ولسيما أهل الخير منهم ؛
ن
م ْ
فإنه يجد وحشة بينه وبينهم ،وكلما قويت تلك الوحشة ،بعد منهم و ِ
ب من حزب الشيطان بقدر ما م بركة النتفاع بهم ،وقَُر َ
حرِ َ
مجالستهم ،و ُ
ب َعُد َ من حزب الرحمن ،وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم ؛فتقع بينه وبين
امرأته وولده وأقاربه،وبينه وبين نفسه ،فتراه مستوحشا ً من نفسه .
خلق دابتي وامرأتي وقال بعض السلف :إني لعصي الله ،فأرى ذلك في ُ
).(1
ومنها :تعسير أموره عليه ؛ فل يتوجه لمر إل يجده مغلقا ً دونه أو
متعسرا ً عليه .وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا ً ؛ فمن
عطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا .
ويالله العجب !! كيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه
متعسرة عليه وهو ل يعلم من أين ُأتي ؟!
ومنها :أن المعاصي توهن القلب والبدن :
أما وهنها للقلب فأمر ظاهر ،بل ل تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية
.
وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته من قلبه ،وكلما قوى قلبه قوى
بدنه .
وأما الفاجر ؛ فإنه وإن كان قوي البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة ،
فتخونه قوته عند أحوج ما يكون إلى نفسه .
وتأمل قوة أبدان فارس والروم كيف خانتهم عند أحوج ما كانوا إليها ،
وقهرهم أهل اليمان بقوة أبدانهم وقلوبهم ؟
ومنها :حرمان الطاعة ؛ فلو لم يكن للذنب عقوبة إل أنه يصد عن
طاعة تكون بادية ،ويقطع طريق طاعة أخرى ،فينقطع عليه طريق ثالثة ثم
رابعة وهلم جرا ،فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة ،كل واحدة منها خير له
ة طويلة منعته ة أوجبت له مرض ً من الدنيا وما عليها .وهذا كرجل أكل أكل ً
من عدة أكلت أطيب منها والله المستعان .
ومنها :أن المعاصي تزرع أمثالها ،وُيولد بعضها بعضا ً ،حتى يعز على
العبد مفارقتها والخروج منها ؛كما قال بعض السلف :إن من عقوبة السيئة
السيئة بعدها ،وأن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها .
فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جنبها :اعملني أيضا ،فإذا عملها
قالت الثالثة كذلك وهلم جرا ،فتضاعف الربح ،وتزايدت الحسنات وكذلك
تة ،وصفا ٍ ت راسخ ً كانت السيئات أيضا ً حتى تصير الطاعات والمعاصي هيئا ٍ
ة.
ت ثابت ًة وملكا ٍ
لزم ً
ومنها :ي وهو من أخوفها على العبد ي أنها ُتضعف القلب عن إرادته ؛
فتقوى إرادة المعصية ،وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا ،إلى أن تنسلخ من
)( كما في قوله تعالى :ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والرض ولكن كذبوا فأخذناهم 5
بما كانوا يكسبون ]العراف [96:
1
)( هو الفضيل بن عياض ؛ كما جاء في الحلية ). (8/109
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
46 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
قلبه إرادة التوبة بالكلية ؛ فلو مات نصفه لما تاب إلى الله ،فيأتي
بالستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيء كثير ،وقلبه معقود بالمعصية ،
صٌر عليها ،عازم على مواقعتها متى أمكنه . م ِ
ُ
وهذا من أعظم المراض وأقربها إلى الهلك .
ومنها :أنه ينسلخ من القلب استقباحها ،فتصير له عادة فل يستقبح من
نفسه رؤية الناس له ول كلمهم فيه !
وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التهتك وتمام اللذة ،حتى يفتخر أحدهم
بالمعصية ،ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها ،فيقول :يا فلن !عملت كذا
وكذا!! وهذا الضرب من الناس ل يعافون ،وُيسد عليهم طريق التوبة ،
وُتغلق عنهم أبوابها في الغالب ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " :
كل أمتي معافى ؛ إل المجاهرون ،وإن من الجهار أن يستر الله على العبد
،ثم يصبح يفضح نفسه ويقول :يا فلن! عملت يوم كذا وكذا وكذا ! فيهتك
نفسه ،وقد بات يستره ربه "). (1
ومنها :أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه ،قال
الحسن البصري :هانوا عليه فعصوه ،ولو عزوا عليه لعصمهم .
وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد كما قال الله تعالى )) ومن يهن الله
فماله من مكرم (( ]الحج [18:وإن عظمهم الناس في الظاهر ؛لحاجتهم
إليهم ،أو خوفا ً من شرهم ؛فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه .
ومنها :أن العبد ل يزال يرتكب الذنوب حتى يهون عليه ويصغر في
م عند صغَُر في عين العبد؛ ع َظ ُ َ قلبه ،وذلك علمة الهلك ؛ فإن الذنب كلما َ
الله .
وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال ":إن المؤمن يري ذنوبه
كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه ،وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع
)(2
على أنفه فقال به هكذا فطار"
ومنها :أن المعصية تورث الذل ول بد ،فإن العز كل العز في طاعة الله
تعالى ،قال تعالى )) من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ((]فاطر [10:
أي :فليطلبها بطاعة الله ؛ فإنه ل يجدها إل في طاعته ،قال الحسن
البصري :إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين ؛ فإن ذل
المعصية ل يفارق قلوبهم ،أبى الله إل أن يذل من عصاه .
وقال عبد الله بن المبارك :
ل إدماُنها ث الذ ّ ّب وقد ْ ُيورِ ُ َ ت القلو ب ُتمي ُ ذنو َت ال ّرأي ُ
ك عصييياُنها س َ
ب وخيٌر لنف ِ ِ ب حياة ُ القلو ذنو ِك ال ّوَتر ُ
ومنها :أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من
الغافلين ،كما قال بعض السلف في قوله تعالى )) كل بل ران على قلوبهم
ما كانوا يكسبون (( ]المطففين [14:قال :هو الذنب بعد الذنب .
1
)( أخرجه :البخاري ) (6069ومسلم ) (3990من حديث أبي هريرة رضي ال عنه .
2
)( أخرجه :البخاري ). (6308
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
47 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وقال الحسن :هو الذنب على الذنب حتى يعمي القلب .
)(1
وقال غيره :لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم ؛ أحاطت بقلوبهم .
وأصل هذا :أن القلب يصدأ من المعصية ؛ فإذا زادت غلب الصدأ حتى
ب في غشاوة يصير رانًا ،ثم يغلب حتى يصير طْبعا ً وقفل ً وختما ً ،فيصير القل ُ
وغلف ،فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة ؛ انتكس ،فصار أعله
أسفله ،فحينئذ يتوله عدوه ويسوقه حيث أراد .
ومنها :حرمان دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوة
الملئكة :
فإن الله سبحانه أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات وقال تعالى
ه
ن بِ ِ مُنو َ م وَي ُؤ ْ ِ مد ِ َرب ّهِ ْ ح ْ ن بِ َ حو َ سب ّ ُ ه يُ َ حوْل َ ُ ن َ م ْ ش وَ َ ن ال ْعَْر َ مُلو َ ح ِ ن يَ ْ ذي َ )) ال ّ ِ
ن ذي َ فْر ل ِل ّ ِ عْلما ً َفاغ ْ ِ ة وَ ِ م ً ح َ يٍء ّر ْ ش ْ ل َ ت كُ ّ سعْ َ مُنوا َرب َّنا وَ ِ نآ َ ذي َ ن ل ِل ّ ِ فُرو َ ست َغْ ِ وَي َ ْ
ن ال ِّتي َ
ت ع َد ْ ٍ جّنا ِ م َ خل ْهُ ْ م}َ {7رب َّنا وَأد ْ ِ ِ حي ج ِ ب ال ْ َ ذا َ م عَ َ ك وَقِهِ ْ سِبيل َ َ َتاُبوا َوات ّب َُعوا َ
ْ ْ َ م إ ِن ّ َ َ َ
م} كي ُ ح ِ زيُز ال َ ت العَ ِ ك أن َ م وَذ ُّرّيات ِهِ ْ جه ِ ْ م وَأْزَوا ِ ن آَبائ ِهِ ْ م ْ ح ِ صل َ من َ عدت ُّهم وَ َ وَ َ
فوُْز ك هُوَ ال ْ َ ه وَذ َل ِ َ مت َ ُ ح ْ قد ْ َر ِ مئ ِذ ٍ فَ َ ت ي َوْ َ سي َّئا ِ ق ال ّ من ت َ ِ ت وَ َ سي َّئا ِ م ال ّ {8وَقِهِ ُ
م (( ]غافر . [9-7: ظي ُ ال ْعَ ِ
فهذا دعاء الملئكة للمؤمنين التائبين ،المتبعين لكتابه وسنة رسوله ،الذين ل
سبيل لهم غيرهما ،فل يطمع غير هؤلء بإجابة هذه الدعوة ؛ إذ لم يتصف
بصفات المدعو له بها ،والله المستعان .
ومن عقوبات المعاصي :ما رواه البخاري في صحيحه من حديث
َ
ما ي ُك ْث ُِر أ ْ
ن م ّ ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ِ سو ُ ن َر ُ كا َ لَ : ب َقا َ جن ْد ُ ٍ ن ُ مَرة ُ ب ْ ُ س ُ َ
ن َ َ َ
ن ُرؤ َْيا ؟ " قال :في َ ُ َ ُ َ َ ْ َ َ
م ْ ص ع َلي ْهِ َ ق ّ م ْ م ِ من ْك ْ حد ٌ ِ حاب ِهِ " :هَل َرأى أ َ ص َ قول ِل ْ يَ ُ
ص. َ ّ َ
ق ّ ن يَ ُ هأ ْ شاَء الل ُ
ما َقاَل ه أَتاِني الل ّي ْل َ َ َ
ما اب ْت َعََثاِني ،وَإ ِن ّهُ َ ن ،وَإ ِن ّهُ َ ة آت َِيا ِ داةٍ " :إ ِن ّ ُ ت غَ َ ذا َ ل َ ه َقا َ وَإ ِن ّ ُ
َ
خُر ذا آ َ جٍع ،وَإ ِ َ ضط َ ِ م ْ ل ُ ج ٍ ما ،وَإ ِّنا أت َي َْنا ع ََلى َر ُ معَهُ َ ت َ ق ُ ِلي ان ْط َل ِقْ ! وَإ ِّني ان ْط َل َ ْ
غ)ْ (2 سهِ ،فَي َث ْل َ ُ ْ
ه فَي َت َهَد ْهَد ُ س ُ َرأ َ خَرةِ ل َِرأ ِ ص ْ وي ِبال ّ ِ ْ ذا هُوَ ي َه خَرةٍ ،وَإ ِ َ ص ْ َ م ع َل َي ْهِ ب ِ َقائ ِ ٌ
ْ ْ
ن
كا َما َ ه كَ َ س ُ ح َرأ ُ ص ّ حّتى ي َ ِ جعُ إ ِل َي ْهِ َ خذ ُه ُ ،فََل ي َْر ِ جَر فَي َأ ُ ح َ ها هَُنا فَي َت ْب َعُ ال ْ َ جُر َ ح َ )(3ال ْ َ
ل ال ْمرة َ ا ْ ُ
ما : ت ل َهُ َ ل " :قُل ْ ُ لوَلى " َقا َ َ ّ ما فَعَ َ ل َ مث ْ َ ل ب ِهِ ِ فعَ ُ م ي َُعود ُ ع َل َي ْهِ فَي َ ْ ،ثُ ّ
ق ان ْط َل ِقْ ! ِ ل َ :قاَل ِلي ان ْط َل ِ ن؟ َقا َ ذا ِ ما هَ َ ن الل ّهِ ! َ حا َ سب ْ َ ُ
ّ َ َ ْ َ َ َ َ
خُر َقائ ِ ٌ فاه ُ ،وَإ ِ َ قَنا فَأت َي َْنا ع َلى َر ُ َفان ْطل ْ
)(4
نم ْ ِ بم ع َلي ْهِ ب ِكلو ٍ ذا آ َ ق َ ق لِ َ ست َل ٍ م ْ ل ُ ج ٍ
د، دي ٍ ح ِ َ
َ ه إ ِلى قَ َ َ َ ْ
شد ْقَ ُ جهِهِ ،فَي ُ َ وَإ ِ َ
)(5
خَره ُ إ ِلى من ْ ِ فاه ُ ،وَ َ شُر ِ شْر ِ ي وَ ْ ق ْ ش ّ حد َ ِ ذا هُوَ ي َأِتي أ َ
ما فَعَ َ
ل ل َ مث ْ َ ل ب ِهِ ِ فعَ ُ خرِ ،فَي َ ْ ب اْل َ جان ِ ِ ل إ َِلى ال ْ َ حو ّ ُ م ي َت َ َ فاه ُ ،ث ُ ّ ه إ َِلى قَ َ ه ،وَع َي ْن َ ُ فا ُ قَ َ
ك ال ْ َ ك ال ْ َ َ
ما ب كَ َ جان ِ ُ ح ذ َل ِ َ ص ّ حّتى ي َ ِ ب؛ َ جان ِ ِ ن ذ َل ِ َ م ْ فُرغ ُ ِ ما ي َ ْ ل ،فَ َ ب اْلوّ ِ جان ِ ِ ِبال ْ َ
1
انظر :الدر المنثور ). (6/541 )(
2
يثلغ :يشدخ . )(
3
يتدهده :أي ينحط من علو إلى أسفل . )(
4
كّلوب :خطاف ،حديدة معوجه الرأس لتعليق الشياء . )(
5
فيشرشر شدقه :أي يقطع جانب الفم . )(
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
48 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ل ال ْمرة َ ا ْ ُ
ت: ل " :قُل ْ ُ لوَلى " َقا َ َ ّ ما فَعَ َ ل َ مث ْ َ ل ِ فعَ ُ م ي َُعود ُ ع َل َي ْهِ فَي َ ْ ن ،ثُ ّ كا َ َ
ق ان ْط َل ِقْ ! ِ قاَل ِلي :ان ْط َل ِ ن؟ ف َ ذا ِ ما هَ َ ن الل ّهِ ! َ حا َ سب ْ َ ُ
َ قو ُ َ َ َ َ
ل الت ّّنورِ " قا َ َ َ َ َفان ْطل َْ َ
ه
ذا ِفي ِ ل " :فإ ِ َ ن يَ ُ ه كا َ ب أن ّ ُ س ُ ح ِ ل :وأ ْ مث ْ ِ قَنا فأت َي َْنا ع َلى ِ
ذاساٌء ع َُراة ٌ ،وَإ ِ َ جا ٌ ل َ " :فاط ّل َعَْنا ِفيهِ ؛ فَإ ِ َ ت " َقا َ ل َغَ ٌ )َ (1
ل وَن ِ َ ذا ِفيهِ رِ َ وا ٌ ص َ ط ْ وَأ ْ
ل منهم ،فَإ َ َ هُم يأِتيهم ل َهب م َ
ل: وا )َ "(2قا َ ض ْ ضو ْ َ ب؛ َ ك الل ّهَ ُ م ذ َل ِ َ ذا أَتاهُ ْ ِ ف َ ِ ُْ ْ س َ نأ ْ ْ َ ِ ْ َ ٌ ِ ْ
ق ان ْط َل ِقْ ! ِ ل َ" :قاَل ِلي :ان ْط َل ِ ما هَؤ َُلِء ؟" َقا َ ما َ : ت ل َهُ َ " قُل ْ ُ
َ َ َ
ل الد ّم ِ ،وَإ ِ َ
ذا مث ْ ِ مَر ِ ح َ ل(:أ ْ قو ُ ن يَ ُ كا َ ه َ ت أن ّ ُ سب ْ ُ ح ِ قَنا فَأت َي َْنا ع ََلى ن َهَرٍ ) َ َفان ْط َل َ ْ
عن ْد َهُ معَ ِ ج َ ل قَد ْ َ ج ٌ ط الن ّهَرِ َر ُ ش ّ ذا ع ََلى َ ح ،وَإ ِ َ سب َ ُ ح يَ ْ ساب ِ ٌ ل َ ج ٌ ِفي الن ّهَرِ َر ُ
ْ
معَ ج َ ذي قَد ْ َ ك ال ّ ِ م ي َأِتي ذ َل ِ َ ح ،ثُ ّ سب َ ُ ما ي َ ْ ح َ سب َ ُ ح يَ ْ ساب ِ ُ ك ال ّ ذا ذ َل ِ َ جاَرة ً ك َِثيَرة ً ،وَإ ِ َ ح َ ِ
َ
جعُ إ ِلي ْهِ ، م ي َْر ِ ح ،ثُ ّ سب َ ُ جًرا ،فَي َن ْطل ِقُ ي َ ْ َ ح َ ه َ م ُ ق ُ ْ
ه َفاه ُ فَي ُل ِ فغَُر ل ُ َ جاَرة َ ،فَي َ ْ ح َ ْ
عن ْد َه ُ ال ِ ِ
ن ؟ َقا َ َ ْ ْ َ َ َ ّ ُ
ل: ذا ِ ما هَ َ ما َ : ت له ُ َ جًرا .قُل ُ ح َ ه َ م ُ ق َ ه ،فَأل َ ه َفا ُ جعَ إ ِلي ْهِ ؛ فَغََر ل ُ ما َر َ كل َ
ق ان ْط َل ِقْ ! ِ َقاَل ِلي :ان ْط َل ِ
جًل َ َ َ
مْرآةِ ك َأك َْرهِ َ ريهِ ال ْ َ ل كَ ِ قَنا فَأت َي َْنا ع ََلى َر ُ ل َ :فان ْط َل َ ْ َقا َ
)(3
ت َراٍء َر ُ ما أن ْ َ ج ٍ
ما هَ َ ت ل َهُ َ ل :قُل ْ ُ حوْل ََها َ .قا َ ح ّ مْرآة ً ،وَإ ِ َ
( 4 )
ذا ؟ ما َ : سَعى َ شَها وَي َ ْ عن ْد َه ُ َناٌر ي َ ُ ذا ِ َ
ق ان ْطل ِقْ ! َ َ
َقال :قال ِلي :ان ْطل ِ َ َ َ
ِ َ
ن الّرِبيِع ،وَإ ِ َ ل ل َوْ ِ ن كُ ّ قَنا فَأت َي َْنا ع ََلى َروْ َ َفان ْط َل َ ْ
)(5
نذا ب َي ْ َ ِفيَها م ْ مة ٍ معْت َ ّ ضة ٍ ُ
ْ ل َ ،ل أ َ َ َ
حو ْ َ
ل ذا َ ماِء ،وَإ ِ َ س َ طوًل ِفي ال ّ ه ُ س ُ كاد ُ أَرى َرأ َ وي ٌ ل ط َ َِ ج ٌ ضةِ َر ُ ي الّروْ َ ِ ظ َهَْر
ما هَؤ َُلِء ؟ الرجل م َ
ذا ؟ َ ما هَ َ ما َ : ت ل َهُ َ ل :قُل ْ ُ ط َ .قا َ م قَ ّ ن َرأي ْت ُهُ ْ دا ٍ ن أك ْث َرِ وِل ْ َ ّ ُ ِ ِ ْ
ق! ق ان ْطل ِ ْ َ ل َ :قاَل ِلي :ان ْطل ِ
َ َقا َ
َ َ ِ
من َْها وََل م ِ ط أع ْظ َ َ ة قَ ّ ض ً م أَر َروْ َ مة ٍ ل َ ْ ظي َ ضة ٍ ع َ ِ قَنا َفان ْت َهَي َْنا إ َِلى َروْ َ َفان ْط َل َ ْ
َ
ة
مب ْن ِي ّ ٍ دين َةٍ َ م ِ قي َْنا ِفيَها َفان ْت َهَي َْنا إ َِلى َ ل َ :قاَل ِلي :اْرقَ ِفيَها ! َفاْرت َ َ ن َ .قا َ َ سح َ أ ْ
َ
ها خل َْنا َ ح ل ََنا ،فَد َ َ فت ِ َ حَنا ،فَ ُ فت َ ْ ست َ ْ دين َةِ َ ،فا ْ م ِ ب ال ْ َ ضةٍ فَأت َي َْنا َبا َ ن فِ ّ ِ ب وَل َب ِ ٍ ن ذ َهَ ِ ب ِل َب ِ
َ ت َراٍء ،وَ َ ْ َ َ
ماح َ شطٌر ك َأقْب َ ِ ما أن ْ َ ن َ س ِ ح َ م ك َأ ْ قه ِ ْ خل ْ ِ ن َ م ْ شط ٌْر ِ ل؛ َ جا ٌ قاَنا ِفيَها رِ َ فَت َل َ ّ
َ
ذا ن َهٌَر ل :وَإ ِ َ ك الن ّهَرِ َ.قا َ قُعوا ِفي ذ َل ِ َ م :اذ ْهَُبوا فَ َ ل َ :قاَل ل َهُ ُ ت َراٍء َ ،قا َ أن ْ َ
ض)ِ (6في ال ْ ماَءه ُ ال ْ معترض يجري ،ك َأ َ
مض ،فَذ َهَُبوا فَوَقَُعوا ِفيهِ ،ث ُ ّ ِ ياَ َ ب ُ حْ م
َ َ نّ ُ ْ َ ِ ٌ َ ْ ِ
َ
ن
س ِ ح َ صاُروا ِفي أ ْ ] فَ َ م. سوُء ع َن ْهُ ْ ب ذ َل ِك ال ّ َ جُعوا إ ِل َي َْنا ؛ قَد ْ ذ َهَ َ َر َ
ك. من ْزِل ُ َ ك َ ذا َ ن وَهَ َ ة ع َد ْ ٍ جن ّ ُ صوَرةٍ [ َقاَل ِلي :هَذ ِهِ َ ُ
ضاِء . ة الب َي ْ َ ْ )(8
ل الّرَباب َ ِ مث ْ ُ صٌر ِ ذا قَ ْ دا ؛ فَإ ِ َ )(7
صعُ ً ري ُ ص ِ ما ب َ َ س َ ل :فَ َ َقا َ
ما ؛ ذ ََراِني ه ِفيك ُ َ ك الل ّ ُ ما َ :باَر َ ت ل َهُ َ ل :قُل ْ ُ ك َ .قا َ من ْزِل ُ َ ذا َ ل َ :قاَل ِلي :هَ َ َقا َ
َ َ َ
ه. خل َ ُ دا ِ ت َ ن ؛ فََل ،وَأن ْ َ ما اْل َ هَ .قاَل :أ ّ خل َ ُ فَأد ْ ُ
َ َ
ت؟ ذي َرأي ْ ُ ذا ال ّ ِ ما هَ َ جًبا ؛ فَ َ من ْذ ُ الل ّي ْل َةِ ع َ َ ت ُ ما :فَإ ِّني قَد ْ َرأي ْ ُ ت ل َهُ َ قُل ْ ُ
1
اللغط :الضجيج غير المفهوم . )(
2
ضوضوا :رفعوا أصواتهم مختلطة . )(
3
المرآة :المنظر . )(
4
يحش :يوقد . )(
5
معتمة :كثيرة النبت غطاها الخصب . )(
6
المحض :اللبن الخالص الذي ل شائبة فيه . )(
7
صعدا :صاعدا في ارتفاع كثير . )(
8
الربابة :السحابة . )(
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
49 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
َ
ك. خب ُِر َ سن ُ ْ ما إ ِّنا َ ل َ :قاَل ِلي :أ َ َقا َ
خذ ُ ا ل ْ ُ ْ ْ َ َ َ
ن
قْرآ َ ل ي َأ ُ ج ُ ه الّر ُ ر؛ فَإ ِن ّ ُ ج ِ ح َ ه ِبال ْ َ س ُ ت ع َل َي ْهِ ي ُث ْل َغُ َرأ ُ ذي أت َي ْ َ ل ال ّ ِ ل اْلوّ ُ ج ُ ما الّر ُ أ ّ
ة. مك ُْتوب َ ِ ة ال ْ َ صَل ِ ن ال ّ عَ ِ م َ وي ََنا ُ ه َ ض ُ فَي َْرفُ ُ
خُره ُ إ َِلى قَ َ ه إ َِلى قَ َ ت ع َل َي ْهِ ي ُ َ َ
فاه ُ ، من ْ ِفاه ُ ،وَ َ شد ْقُ ُ شُر ِ شْر َ ذي أت َي ْ َ ل ال ّ ِ ج ُ ما الّر ُ وَأ ّ
ة ت َب ْل ُ ُ
غ ب ال ْك َذْب َ َ ذ ُ في َك ْ ِ ه َ ن ب َي ْت ِ ِ م ْ دو ِ غ ُ
ل يَ ْ ج ُ ه الّر ُ فإ ِن ّ ُ فاه ُ َ ، ه إ َِلى قَ َ وَع َي ْن ُ ُ
فاقَ . اْل َ
َ
م الّزَناةُ ل ب َِناِء الت ّّنورِ ؛فَإ ِن ّهُ ُ مث ْ ِ ن ِفي ِ ذي َ ساُء ال ْعَُراة ُ ال ّ ِ ل َوالن ّ َ جا ُ ما الّر َ وَأ ّ
َوالّزَواِني .
َ َ
ل الّرَبا. ه آك ِ ُ جَر فَإ ِن ّ ُ ح َ م ال ْ َ ق ُ ح ِفي الن ّهَرِ وَي ُل ْ َ سب َ ُ ت ع َل َي ْهِ ي َ ْ ذي أت َي ْ َ ل ال ّ ِ ج ُ ما الّر ُ وَأ ّ
َ
مال ِ ٌ
ك ه َ حوْل ََها فَإ ِن ّ ُ سَعى َ شَها وَي َ ْ ح ّ عن ْد َ الّنارِ ي َ ُ ذي ِ مْرآةِ ال ّ ِ ه ال ْ َ ري ُ ل ال ْك َ ِ ج ُ ما الّر ُ وَأ ّ
م. جهَن ّ َ ن َ خازِ ُ َ
َ َ
حوْل َ ُ
ه ن َ ذي َ ن ال ّ ِ دا ُ ما ال ْوِل ْ َ م وَأ ّ هي ُ ه إ ِب َْرا ِ ضةِ فَإ ِن ّ ُ ذي ِفي الّروْ َ ل ال ّ ِ وي ُ ل الط ّ ِ ج ُ ما الّر ُ وَأ ّ
فطَرةِ . ْ ْ
ت ع َلى ال ِ َ ما َ موْلود ٍ َ ُ ل َ ؛ فَك ُ ّ
َ
لسو ُ ل َر ُ قا َ ن ؟ فَ َ كي َ شرِ ِ م ْ ل الل ّهِ ! وَأوَْلد ُ ال ْ ُ سو َ ن َ :يا َر ُ مي َ سل ِ ِ م ْ ض ال ْ ُ ل ب َعْ ُ قا َ فَ َ
َ
ن. كي َ شرِ ِ م ْ الل ّهِ صلى الله عليه وسلم وَأوَْلد ُ ال ْ ُ
خل َ ُ َ
طوا م َ م قَوْ ٌ حا ؛ فَإ ِن ّهُ ْ شط ٌْر قَِبي ً سًنا وَ َ ح َم َ من ْهُ ْ شط ٌْر ِ كاُنوا َ ن َ ذي َ م ال ّ ِ قو ْ ُ ما ال ْ َ وَأ ّ
جاوََز الل ّ ُ سي ًّئا ت َ َ مًل َ
)(1
م" ه ع َن ْهُ ْ خَر َ حا َوآ َ صال ِ ً عَ َ
ومن آثار الذنوب والمعاصي :إنها تحدث في الرض أنواعا ً من
الفساد في المياه والهوى والزرع والثمار والمساكن قال تعالى )) ظهر
الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا
لعلهم يرجعون (( ]الروم . [41:
ومن تأثير معاصي الله في الرض :ما يحل بها من الخسف والزلزل
ويمحق بركتها وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود
فمنعهم من دخول ديارهم ؛ إل وهم باكون ،ومن شرب مياههم ،ومن
الستسقاء من آبارهم ،حتى أمر أن ل ُيعلف العجين الذي عجن بمياههم
لنواضح البل ؛ لتأثير شؤم المعصية في الماء .
وكذلك شؤم تأثير الذنوب في نقص الثمار وما ترى به من الفات .
وأخبرني جماعة من شيوخ الصحراء إنهم كانوا يعهدون الثمار أكبر مما هي
الن ،وكثير من هذه الفات التي تصيبها لم يكونوا يعرفونها ،وإنما حدثت
من قرب .
ومن عقوبات الذنوب :أنها تطفي من القلب نار الغيرة التي هي لحياته
وصلحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن ؛ فإن الغيرة حرارته وناره
التي تخرج ما فيه من الخبث والصفات المذمومة ؛كما يخرج الكير خبث
ة أشدهم غيرة على الذهب والفضة والحديد .وأشرف الناس وأعلهم هم ً
نفسه وخاصته وعموم الناس .
1
)( أخرجه :البخاري ) (7047ومسلم ). (2275
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
50 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أغيَر الخلق على المة ،والله سبحانه
أشد ّ غيرة منه ؛كما ثبت في الصحيح عنه أنه قال ":أتعجبون من غيرة سعد
لنا أغير منه والله أغير مني ") (1والمقصود :أنه كلما اشتدت ملبسته
للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة على نفسه وأهله وعموم الناس ،وقد
تضعف في القلب جدا ً ل يستقبح بعد ذلك القبيح ل من نفسه ول من
غيره ،وإذا وصل إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهلك .
وكثير من هؤلء ل يقتصر على عدم الستقباح بل يحسن
الفواحش والظلم لغيره ،ويزينه له ،ويدعوه إليه ،ويحثه عليه ،و
يسعى له في تحصيله .
ولهذا كان الديوث أخبث خلق الله ،والجنة عليه حرام .
وكذلك محلل الظلم والبغي لغيره ومزينه لغيره ،فانظر ما الذي حملت
عليه قلة الغيرة .
وهذا يدلك على أن أصل الدين الغيرة ومن ل غيرة له ل دين
له .
فالغيرة تحمي القلب ،فتحمي له الجوارح ،فتدفع السوء والفواحش .
وعدم الغيرة تميت القلب ،فتموت الجوارح ،فل يبقى عندها دفع البتة .
ومثل الغيرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه ؛فإذا ذهبت
كن ،فكان الهلك . القوة وجد الداء المحل قابل ً ،ولم يجد دافعا ً ،فتم ّ
ومثلها مثل صياصي الجاموس )(2التي تدفع بها عن نفسه وولده ؛فإذا
ت طمع فيه عدوه . سر ْكُ ِ
ومن عقوبات الذنوب :أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلله
،وتضعف وقاره في قلب العبد ،ولبد شاء أم أبى ،ولو تمكن وقار الله
وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه .
وكفى بالعاصي عقوبة أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلله ،وتعظيم
حرماته ،ويهون عليه حقه .
ومن بعض عقوبة هذا :أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب
الخلق ،ويهون عليهم ،ويستخفون به ؛كما هان عليه أمره واستخف به ؛
فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس ،وعلى قدر خوفه من الله يخافه
الخلق ،وعلى قدر تعظيمه الله وحرماته يعظمه الناس .
وكيف ينتهك عبد حرمات الله ويطمع أن ل ينتهك الناس حرماته
؟!
أم كيف يهون عليه حق الله ول يهونه الله على الناس ؟!
أم كيف يستخف بمعاصي الله ول يستخف به الخلق ؟ ! ولهذا
قال تعالى في آية سجود المخلوقات له )) ومن يهن الله فماله من
مكرم (( ]الحج [18:فإنهم لما هان عليهم السجود له ،واستخفوا به ،ولم
1
)( أخرجه :البخاري ) (6846ومسلم ). (1499
2
)( صياصي الجاموس :قرونه ،مفردها صيصة .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
51 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
يفعلوه ؛ أهانهم الله ؛ فلم يكن لهم من مكرم بعد إن أهانهم ،ومن ذا يكرم
ن من أكرمه الله ؟ ! من أهانه الله ؟! أو ُيهي ُ
ومن عقوباتها :أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه
وبين نفسه وشيطانه ،وهنالك الهلك الذي ل يرجى معه نجاة .
قال الله تعالى )) :يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد
واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون .ول تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم
أنفسهم أولئك هم الفاسقون (( ]الحشر . [19-18:
فترى العاصي مهمل لمصالح نفسه ،مضيعا لها ،قد أغفل الله قلبه عن
ذكره ،واتبع هواه ،وكان أمره فرطا ؛ قد انفرطت عليه مصالح دنياه
وآخرته ،وقد فّرط في سعادته البدية ،واستبدل بها أدنى ما يكون من
لذة ،إنما هي سحابة صيف أو خيال طيف :
خد َعُب بمثِلها ل ي ُ ْ ن اللبي َ إ ّ ل
ل زائ ٍم نوم ٍ أو كظ ّ أحل ُ
ة حظها ن العبد ِ لنفسه ،وإهمال لها ،وإضاع ُ وأعظم العقوبات :نسيا ُ
ونصيبها من الله ،وبيعها ذلك بالغبن والهوان وأبخس الثمن ،فضّيع من ل
غنى له عنه ،ول عوض له منه ،واستبدل به من عنه كل الغنى ،أو منه كل
العوض :
ض
عو َ ُ ه ِ ضي ّعْت َ ُ
ن َ وما من الله إ ْ ض
عو َ ٌ ه ِ ل شيٍء إذا ضي ّعْت َ ُنك ّ م ْ
وض منه شيء ل ما سواه ،ول يع ّ وض عن ك ّ فالله سبحانه وتعالى :يع ّ
،ويغني عن كل شيء ،ول يغني عنه شيء ،ويمنع من كل شيء ،ول يمنع
منه شيء ،وُيجير من كل شيء ول ُيجير منه شيء ،فكيف يستغني العبد
عن طاعة من هذا شأنه طرفة عين ؟ !
مهاه فيخسَرها ويظل ِ َ س ُوكيف ينسى ذكره ،ويضيع أمره حتى ينسيه نف َ
أعظم الظلم ؟ !
سه ،وما ظلمه رّبه ،ولكن هو الذي ظلم فما ظ ََلم العبد ُ رّبه ،ولكن ظلم نف َ
نفسه !
ف سير القلب إلى الله والدار الخرة ،أو ضع ُومن عكقكوبكاتكهكا :أنها ت ُ ِ
تعوقه وتوقفه وتعطفه عن السير ؛ فل تدعه يخطوا إلى الله خطوة ،هذا إن
لم ترده عن وجهته إلى ورائه !
س الطالب . فالذنب يحجب الواصل ،ويقطع السائر ،وي ُن َك ّ ُ
والقلب إنما يسير إلى الله بقوته ؛ فإذا مرض بالذنوب ؛ ضعفت تلك القوة
التي تسيره ؛ فإن زالت بالكلية ؛انقطع عن الله انقطاعا ً يبعد تداركه والله
المستعان .
ل النقم ،فما زالت عن ح ّ
ومن عقوبات الذنوب :أنها تزيل النعم وت ُ ِ
العبد نعمة إل بسبب ذنب ،ول حلت به نقمة إل بذنب ،كما قال علي بن
أبي طالب رضي الله عنه :ما نزل بلء إل بذنب ول رفع بلء إل بتوبة .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
52 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وقد قال تعالى )) :وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن
كثير (( ]الشورى ، [30:وقال تعالى )) :ذلك بأن الله لم يك مغيرا ً نعمة
أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ((]الرعد [11:وقد أحسن القائل :
م
ل الّنع ْ ن المعاصي ُتزي ُ فإ ّ عهات في نعمةٍ فاْر َ كن َ إذا ُ
م
ب العباد ِ سريعُ الّنق ْ ب العباد ِ فَر ّ طها بطاعةِ َر ّ ح ْ و ُ
ومن عقوباتها :ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب
العاصي ؛ فل تراه إل خائفا ً مرعوبا ً .
صن الله العظم ،الذي من دخله كان من المنين من عقوبة ح ْ فإن الطاعة ِ
ف من كل جانب؛ فمن ت به المخاو ُ الدنيا والخرة ،ومن خرج عنه أحاط ْ
ً
أطاع الله انقلبت المخاوف في حقه أمانا ،ومن عصاه ؛انقلبت مآمنه
مخاوف .
ح الباب ؛ ت الري ُ حّرك َ ِن َ فل تجد العاصي إل وقلبه كأنه بين جناحي طائر :إ ْ
ً
قال :جاء الطلب ! وإن سمع وقع قدم خاف أن يكون نذيرا بالعطب ،
ن كل صيحةٍ عليه ،وكل مكروه قاصدا ً إليه . يحسب أ ّ
فمن خاف الله آمنه من كل شيء ،ومن لم يخف الله أخافه من كل
شيء .
ومن عقوباتها :أنها توقع الوحشة العظيمة في القلب ،فيجد المذنب
نفسه مستوحشا ً ؛قد وقعت الوحشة بينه وبين ربه ،وبين الخلق وبين نفسه
،وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة .
ب العيش عيش َ
ش المستوحشين الخائفين ،وأطي ُ ش عي ُ مّر العي ِ وأ َ
المستأنسين .
فلو نظر العاقل ووازن بين لذة المعصية وما توقعه من الخوف والوحشة
،لعلم سوء حاله ،وعظيم غبنه ؛ إذ باع أنس الطاعة وأمنها وحلوتها بوحشة
المعصية وما توجبه من الخوف والضرر الداعي له كما قيل :
ْ ت قد ْ أوحشت ْ َ ن ُ
ت واستأِنس شئ ْ َ
عها إذا ِ فد َ ْ بذنو ُ ك ال ّ كن َ فإ ْ
فيصل
] العقوبات الشرعية موعظة لمن لم يتعظ بالقدرية [
ت ،ولم تجككد لهككا تككأثيرا ً فككي قلبككك ؛ ك هذه العقوبا ُ ع َ فإن لم ت َُر ْ
فاستحضر العقوبات الشرعية التي شككرعها اللككه ورسككوله علككى
الجرائم :
كما قطع السارق في ثلثة دراهم .
وقطع اليد والرجل في قطع الطريق على معصوم المال والنفس .
وشق الجلد بالسوط على كلمة قذف بها المحصيين ،أو قطييرة خميير يييدخلها
جوفه.
وقتل بالحجارة أشنع قتلة في إيلج الحشفة في فييرج حييرام ،وخفييف هييذه
العقوبة عمن لم تتم عليه نعمة الحصان بمائة جلدة ،وبنفي سنة عن وطنييه
وبلده إلى بلد الغربة .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
53 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
حيّرم ٍ منييه ،أو تييركم َحيم ٍ ُ
وفرق بين رأس العبد وبدنه إذا وقييع علييى ذات َر ِ
الصلة المفروضة ،أو تكلم بكلمة كفر .
وأمر بقتل من وطئ ذكرا ً مثله وقتل المفعول به .
وأمر بقتل من أتى بهيمة ،وقتل البهيمة معه .
وعزم على تحريق بيوت المتخلفين عن الصلة في الجماعة .
وغير ذلك من العقوبات التي رتبها على الجرائم ،وجعلها بحكمته على
حسب الدواعي إلى تلك الجرائم ،وحسب الوازع عنها .
فعقوبات الشارع جاءت على أتم الوجوه ،وأوفقها للعقل ،وأقومها
بالمصلحة .
والمقصود :أن الذنوب إنما تترتب عليها العقوبات الشرعية ،أو القدرية
،أو يجمعهما الله للعبد ،وقد يرفعهما عمن تاب وأحسن .
] سوء الخاتمة وخشية الصالحين منها [
وإذا نظرت إلى حال كثير من المحتضرين ؛وجدتهم ُيحال بينهم وبين حسن
الخاتمة؛ عقوبة لهم على أعمال السيئة .
فربما تعذر عليه النطق بالشهادة ؛كما شاهد الناس كثيرا ً من المحتضرين
أصابهم ذلك حتى قيل :
لبعضهم قل :ل إله إل الله ! فقال :آه ! آه ! ل أستطيع أن أقولها !
وقيل لخر :قل :ل إله إل الله ! فقال :شاه رخ )،(1غلبتك ! ثم قضى .
وقيل لخر :قل :ل إله إل الله ! فجعل يهذي بالغناء ويقول تاتا
..ننتنتا ..حتى قضى !!
وقيل لخر ذلك ،فقال :ما ينفعني ما تقول ؛ولم أدع معصية إل ركبتها ! ثم
قضى ولم يقلها !
وقيل لخر ذلك ،فقال :وما يغني عني ؛وما أعلم أني صليت لله
تعالى صلة ثم قضى ولم يقلها !!!
وقيل لخر ذلك ،فقال :هو كافر بما تقول !! وقضى !
وقيل لخر ذلك ،فقال :كلما أردت أن أقولها فلساني يمسك عنها !!
وسبحان الله !! كم شاهد الناس من هذا عبرا ! والذي يخفي عليهم من
أحوال المحتضرين أعظم وأعظم .
وإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه ؛ قد
تمكن منه الشيطان واستعمله بما يريده من معاصي الله ،وقد
أغفل قلبه عن ذكر الله ،وعطل لسانه من ذكره وجوارحه عن
طاعته ،فكيف الظن به عند سقوطه قواه واشتغال قلبه
ونفسه بما هو فيه من ألم النزع ،وجمع الشيطان له كل قوته
وهمته وحشده عليه بجميع ما يقدر عليه ؛ لينال منه فرصته ؟!
()1شاه ورخ قطعتان من قطع الشطرنج ،والمحتضر يذكرهما لنهما أخذا عليه لبه وعقله من كثرة اللعب فنسأل ال حسن
الخاتمة .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
54 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
فإن ذلك آخر العمل؛ فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت ،وأضعف
ما يكون هو في تلك الحالة؟! فمن ترى يسلم على ذلك ؟!
فهناك )) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة
ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء (( ]إبراهيم . [27:
فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره ،واتبع
هواه ،وكان أمره فرطا؟!!
ن قلُبه بعيد ٌ من الله تعالى ،غافل عنه ،متعبد لهواه ،أسير
م ْ
فبعيد ٌ َ
لشهواته ،ولسانه يابس من ذكره ،وجوارحه معطلة من طاعته ،مشتغلة
بمعصيته أن يوفق لحسن الخاتمة .
ولقد قطع خوف الخاتمة ظهور المتقين ..وكأن المسيئين الظالمين قد
أخذوا توقيعا ً بالمان )) ..أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم
لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم (( ]القلم .[40-39:
قال الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الشبيلي رحمه الله :
واعلم أن لسوء الخاتمة ي أعاذنا الله منها ي أسبابا ً ولها طرقٌ وأبواب :
أعظمها النكباب على الدنيا ،والعراض عن الخرة ،والقدام والجرأة على
معاصي الله عز وجل ،وربما غلب على النسان ضرب من الخطيئة ،ونوع
من المعصية ،وجانب من العراض ،ونصيب من الجرأة والقدام ،فملك
قلبه وسبى عقله ،وأطفأ نوره ،وأرسل عليه حجبه ؛ فلم تنفع فيه تذكرة ،
ول نجعت فيه موعظة ،فربما جاءه الموت على ذلك ،فسمع النداء من
مكان بعيد ،فلم يتبين له المراد ،ول علم ما أراد ،وإن كرر عليه الداعي
وأعاد .
ل :ل إله إل الله .فجعل يقول : قال عبد الحق :وقيل لخر ممن أعرفه :ق ْ
الدار الفلنية أصلحوا فيها كذا ،والبستان الفلني افعلوا فيه كذا .
وقال :وفيما أذن لي أبو طاهر السلفي أن أحدث به عنه :أن رجل نزل به
الموت فقيل له :قل :ل إله إل الله .فجعل يقول بالفارسية :ده يازده ده
وازداه ،تفسيره عشرة بأحد عشر .
وقيل لخر :قل :ل إله إل الله فجعل يقول :
أين الطريق إلى حمام منجاب ؟
قال :وهذا الكلم له قصة :وذلك أن رجل كان واقفا بازاء داره ،وكان
بابها يشبه باب الحمام ،فمرت به جارية لها منظر،فقالت:أين الطريق إلى
حمام منجاب ؟ فقال :هذا حمام منجاب! فدخلت الدار ودخل وراءها ،فلما
ت نفسها في داره ،وعلمت أنه قد خدعها ؛ أظهرت له البشر والفرح رأ ْ
باجتماعها معه ،وقالت له :يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا وتقر به
عيوننا .فقال لها :الساعة آتيك بكل ما تريدين وتشتهين .وخرج وتركها في
الدار ولم يغلقها ،فأخذ ما يصلح ،ورجع ،فوجدها قد خرجت وذهبت ولم
تخنه في شيء ،فهام الرجل ،وأكثر الذكر لها ،وجعل يمشي في الطرق
والزقة ويقول :
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
55 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ب
مْنجا ِ مام ِ ِح ّ
ف الطريقُ إلى َ كي َ ب قائ ِل َةٍ يوما ً وقد ْ ت َعِب َ ْ
ت يا ُر ّ
فبينما هو يقول ذلك ،وإذا بجاريةٍ أجابته :
فل ً على الباب دارِ أو قُ ْ حْرزا ً على ال ّ ِ ت بها فْر َ سريعا ً إذ ْ ظ َ ِ
ت َ جَعل َ هَل ّ َ
ل على ذلك ،حتى كان هذا البيت آخر فازداد هيمانه ،واشتد هيجانه ،ولم يز ْ
كلمه من الدنيا ! فعياذا بالله من سوء العاقبة وشؤم الخاتمة .
ولقد بكى سفيان الثوري ليلة إلى الصباح ،فلما أصبح ؛ قيل له :كل هذا
ة من الرض ،وقال :الذنوب أهون من هذا خوفا من الذنوب ؟ فأخذ ت ِب ْن َ ً
،وإنما أبكى خوفا ً سوء الخاتمة .
)(1
ه ذنوبه عند الموت خذ ُل َ ُ وهذا من أعظم الفقه :أن يخاف الرجل أن ت َ ْ
،فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى .
ضَر ؛جعل ُيغمى عليه ثم وقد ذكر المام أحمد عن أبى الدرداء :أنه لما احت ُ ِ
ُيفيق ويقرأ )) ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم
)(2
في طغيانهم يعمهون (( ]النعام .[110:
ن هذا خاف السلف من الذنوب ؛ أن تكون حجابا بينهم وبين الخاتمة فم ْ
الحسنى.
قال :وأعلم أن سوء الخاتمة ك أعاذنا الله تعالى منهاك ل تكون
مع بهذا ول ع ُِلم به ولله س ِ
لمن استقام ظاهره وصلح باطنه ،ما ُ
الحمد ،وإنما تكون لمن له فساد في الصل أو إصرار على الكبيرة وإقدام
على العظائم ،فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة ،
فيأخذه قبل إصلح الطوية ويصطلم) (3قبل النابة ،فيظفر به الشيطان عند
تلك الصدمة ،ويختطفه عند تلك الدهشة ،والعياذ بالله .
ل يلزم مسجدا ً للذان والصلة ،وعليه بهاء قال :ويروى أنه كان بمصر رج ٌ
ي يوما ً المنارة على عادته للذان ،وكان تحت الطاعة ونور العبادة فََرقِ َ
ن بهاطلع فيها ،فرأى ابنة صاحب الدار ،فافُْتيت ِ َ المنارة داٌر لنصران،ي فا ّ
،فترك الذان ،ونزل إليها ،ودخل الدار عليها ،فقالت له :ما شأنك ؟! وما
ت بمجامع تريد ؟! قال :أريدك ! قالت :لماذا ؟ قال :قد سلبت ل ُّبي وأخذ ِ
جك .قالت :أنت مسلم وأنا قلبي .قالت :ل أجيبك إلى ريبة أبدا .قال :أتزو ُ
ل،نصرانية ،وأبي ل يزوجني منك ،قال :اتنصر .قالت :إن فعلت أفع ُ
صر الرجل ليتزوجها ،وأقام معهم في الدار ،فلما كان في أثناء ذلك اليوم فتن ّ
ح كان في الدار ،فسقط منه ،فمات ،فلم يظفر بها ،وفاته ي إلى سط ٍ ؛َرقِ َ
دينه .
فصل
] ترتيب الله تعالى الخير والشر على أسباب [
قد دل العقل والنقل والفطككرة وتجككارب المككم كك علككى اختلف
أجناسها ومللها ونحلها ك علككى أن التقككرب إلككى رب العككالمين ،
1
)( انظر :الحلية ). (7/12
2
)( أخرجه :ابن المبارك ،وأحمد في الزهد .انظر :الدر المنثور ). (3/73
3
طِلم :اسُتؤصل .
صُ
)( ا ْ
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
56 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وطلككب مرضككاته ،والككبر والحسككان إلككى خلقككه ؛ مككن أعظككم
السباب الجالبة لكل خير ،وأضدادها من أكبر السككباب الجالبككة
فعت نقمه بمثل طككاعته م الله واست ُدْ ِ ع ُجِلبت ن ِ َ لكل شر ؛ فما است ُ ْ
والتقرب إليه والحسان إلى خلقه .
وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والخرة ،وحصول الشرور
في الدنيا والخرة في كتابه على العمال ،وهذا في القرآن يزيد على ألف
موضع كقوله تعالى )) :فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة
خاسئين (( ]العراف .[166:
وكقوله تعالى )) :إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيآتكم
ويغفر لكم (( ]النفال . [29:
وبالجملة :فالقرآن من أوله إلى آخره صريح في ترتب الجزاء بالخير
والشر والحكام الكونية والمرية على السباب ،بل ترتيب أحكام الدنيا
هما على السباب والعمال . والخرة ومصالحهما ومفاسد ِ
قه هذه المسألة وتأملها حق التأمل انتفع بها غاية النفع . ومن فَ ِ
ة ي فيكون توكله ل على القدر ي جهل ً منه وعجزا ً وتفريطا ً وإضاع ً ومن يّتك ُ
عجزا ً ،وعجزه توكل ً .
بل الفقيه ي كل الفقيه ي الذي يرد ّ القدر بالقدر ،ويدفع القدر بالقدر ،
ش إل بذلك ؛ فإن الجوع ن أن يعي َ ن النسا َ ويعارض القدر بالقدر ،بل ل يمك ُ
والعطش والبرد وأنواع المخاوف والمحاذير هي من القدر ،والخلق كلهم
ساعون في دفع هذا القدر بالقدر.
شده يدفع قدر العقوبة الخروية بقدر التوبة ن وّفقه الله وألهمه ُر ْ م ْوهكذا ؛ َ
ن القدرِ المخوف في الدنيا وما يضاده واليمان والعمال الصالحة ؛ فهذا ِوزا ُ
ضها بعضًا،ول
ب الدارين واحد ،وحكمُته واحدة ،ل يناقض بع ُ سواء ؛ فر ّ
يبطل بعضها بعضًا .فهذه المسألة من أشرف المسائل لمن عرف قدرها
ورعاها حق رعايتها ،والله المستعان.
] أسباب سعادة النسان وفلحه [
لكن يبقى عليه أمران بهما تتم سعادُته وفلحه :
ب الشر والخير ،وتكون له بصيرة ٌ في أحدهما :أن يعرف تفاصيل أسبا ِ
ذلك ؛ بما يشاهده في العالم ،وما جربه في نفسه وغيره ،وما سمعه من
أخبار المم قديما وحديثا .
ومن أنفع ما في ذلك :
تدبر القرآن :فإنه كفيل بذلك على أكمل الوجوه ،وفيه أسباب الخير
والشر جميعا مفصلة مبينة .
ثم الكسنكة :فإنها شقيقة القرآن ،وهي الوحي الثاني .
ومن صرف إليهما عنايته اكتفى بهما من غيرهما ،وهما يريانك الخير والشر
وأسبابهما حتى كأنك تعاين ذلك عيانا .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
57 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وبعد ذلك ؛ إذا تأملت أخبار المم وأيام الله في أهل طاعته وأهل
معصيته ؛طابق ذلك ما علمته من القرآن والسنة ،ورأيته بتفاصيل ما أخبر
الله به ووعد به ،وعلمت من آياته في الفاق ما يدلك على أن القرآن
حق ،وأن الرسول حق ،وأن الله ينجز وعده ل محالة ؛ فالتاريخ تفصيل
ه ورسوله من السباب الكلية للخير والشر . لجزئيات ما عّرفنا الل ُ
فصل
المر الثاني :أن يحذر مغالطة نفسه على هذه السباب .
وهذا من أهم المور فإن العبد يعرف أن المعصية والغفلة من السباب
المضرة له في دنياه وآخرته ولبد ،ولكن تغالطه نفسه بالتكال على
عفو الله ومغفرته تارة ،وبالتسويف بالتوبة تارة ،وبالستغفار باللسان تارة
،وبفعل المندوبات تارة ،وبالعلم تارة ،وبالحتجاج بالقدر تارة ،وبالحتجاج
بالشباه والنظائر تارة ،وبالقتداء بالكابر تارة أخرى .
وكثير من الناس يظن أنه لو فعل ما فعل ،ثم قال :أستغفر الله ؛ زال
أثر الذنب وراح هذا بهذا !!
وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص من الرجاء ،واتكل عليها ،وتعلق
بها بكلتا يديه ،وإذا عوتب على الخطايا والنهماك فيها ؛ سرد لك ما يحفظه
من سعة رحمة الله ومغفرته ونصوص الرجاء .
وللجهال من هذا الضرب من الناس في هذا الباب غرائب وعجائب
كقول بعضهم :
م على كريم ِ دو ُ ق ُن ال ُ إذا كا َ خطايا ن ال َ م َ ت ِ ست َط َعْ َ وك َث ّْر ما ا ْ
فتأمل هذا الموضع ،وتأمل شدة الحاجة إليه .
وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بأنه ملق الله ،وأن الله يسمع كلمه ،
ويرى مكانه ،ويعلم سره وعلنيته ،ول يخفى عليه خافية من أمره؛ وأنه
موقوف بين يديه ،ومسؤول عن كل ما عمل ؛ وهو مقيم على مساخطه ،
مضيع لوامره ،معطل لحقوقه ،وهو مع هذا يحسن الظن به !!
وهل هذا إل من خدع النفوس ،وغرور الماني ؟!!
ن الّزب َي ْرِ ع ََلى َ َ ُ
ت أَنا وَع ُْروَة ُ ب ْ ُ خل ْ ُ سْهل بن حنيف :د َ َ ة َ م َ ما َ وقد قال أِبو أ َ
ما رسول الل ّهِ صلى الله عليه َ
ت :ل َوْ َرأي ْت ُ َ قال َ ْة رضي الله عنها ،فَ َ ش َعائ ِ َ َ
َ َ مَرض له ،وَ َ
مَرِني ة ،فَأ َ سب ْعَ ٌ ة د ََناِنيَر أوْ َ ست ّ ُ
ده ِ عن ْ ِ
كاَنت ِ ٍ ت ي َوْم ٍ ِفي َ ذا َ وسلم َ
ُ َ
ن أفَّرقََها . رسول الل ّهِ صلى الله عليه وسلم أ ْ
ه ،ثُ ّ
م عاَفاه ُ الل ّ ُ حّتى َ جعُ رسول الل ّهِ صلى الله عليه وسلم َ شغَل َِني وَ َ ت :فَ َ َقال َ ْ
ت َ :ل قل ْ ُة دنانير ؟ " ف ُ ست ّ ُت ال ّ ت فرق ِ ت ؟ أكن ِ ما فَعَل َ ِ ل َ ": قا َ سأ َل َِني ع َن َْها ،فَ َ َ
ل ": قا َ فه ِ ،ف َ َضعَها ِفي ك َ ّ م فو َ عا ب َِها ث ُ ّ ت :فَد َ َ كَ .قال َ ْ جعُ َ شغَل َِني وَ َ قد ْ َ َوالل ّهِ ؛ ل َ َ
ن
عن ْد َه ُ ؟ " وفي لفظ " :ما ظ ّ ل وَهَذ ِهِ ِ ج ّ ه ع َّز وَ َ ي الل ّ َ ق َ ي الل ّهِ ل َوْ ل َ ِ ما ظ َ ّ
ن ن َب ِ ّ َ
)(1
ه وهذه عنده " محمد ٍ برب ّهِ لو لقي الل َ
فيا لله !!
1
)( أخرجه :أحمد ) (182-86-6/49وقد صححه اللباني في السلسلة ). (3/12
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
58 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله إذا لقوه ومظالم العباد
عندهم ؟!
سّنا ظنوننا بك أنك لن تعذب ظالما ً ح ّ
فإن كان ينفعهم قولهم َ :
ول فاسقا ً ؛ فليصنع العبد ما شاء ،وليرتكب كل ما نهاه الله
عنه ،وليحسن ظنه بالله ،فإن النار ل تمسه !!
فسبحان الله !! ما يبلغ الغرور بالعبد ؟!
وقد قال إبراهيم لقومه )) أإفكا آلهة دون الله تريدون .فما ظنكم برب
العالمين (( ]الصافات [87-86:أي ما ظنكم أن يفعل بكم إذا لقيتموه وقد
عبدتم غيره ؟!
ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل ؛ علم أن حسن الظن بالله
هو حسن العمل نفسه ؛ فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل ظنه
بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه ؛فالذي حمله على
ن عمله ،وإل فحسن س َح ُالعمل حسن الظن ،فكلما حسن ظنه بربه َ
الظن مع اتباع الهوى عجز .
وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة ،وأما مع
انعقاد أسباب الهلك ؛ فل يتأتى إحسان الظن .
فإن قيل :بل يتأتى ذلك ،ويكون مستند حسن الظن سعة
مغفرة الله ورحمته وعفوه وجوده ،وأن رحمته سبقت غضبه ،
وأنه ل تنفعه العقوبة ،ول يضره العفو ؟
قيل :المر هكذا ،والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم ،ولكن
إنما يضع ذلك في محله اللئق به ؛ فإنه سبحانه موصوف بالحكمة والعزة
والنتقام وشدة البطش وعقوبة من يستحق العقوبة ؛ فلو كان معوّ ُ
ل
حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه ؛ لشترك في ذلك البر والفاجر
،والمؤمن والكافر ،ووليه وعدوه ،فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته ؛ وقد
باء بسخطه وغضبه ،وتعرض للعنته ،ووقع في محارمه ،وانتهك حرماته ؟!
بل حسن الظن ينفع من تاب ،وندم ،وأقلع ،وبدل السيئة
بالحسنة ،واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ،ثم أحسن
الظن ؛ فهذا هو حسن ظن ،والول غرور .والله المستعان .
ول تستطل هذا الفصل ؛ فإن الحاجة إليه شديدة لكل أحد يفرق بين حسن
الظن بالله وبين الغرور به .
قال الله تعالى )) :إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله
أولئك يرجون رحمة الله (( ]البقرة [218:فجعل هؤلء أهل الرجاء ،ل
الظالمين ول الفاسقين ،وقال تعالى )) :ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد
ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم (( ] النحل :
[110فأخبر سبحانه أنه بعد هذه الشياء غفور رحيم لمن فعلها .
فالعالم يضع الرجاء مواضعه ،والجاهل المغتر يضعه في غير مواضعه .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
59 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
فيصل
] شدة عقابه جل شأنه لمن اجترأ عليه بالمعاصي [
وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه ،وضيعوا أمره
ونهيه ،ونسوا أنه شديد العقاب ،وأنه ل يرد بأسه عن القوم المجرمين .
ومن اعتمد على العفو مع الصرار على الذنب فهو كالمعاند .
قال معروف :رجاؤك لرحمة من ل تطيعه من الخذلن والحمق .
وقال بعض العلماء :من قطع عضوا منك في الدنيا بسرقة ثلثة دراهم؛ ل
تأمن أن تكون عقوبته في الخرة على نحو هذا .
وسأل رجل الحسن فقال :يا أبا سعيد ! كيف نصنع بمجالسة أقوام
يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تنقطع ؟ فقال :والله ؛ لن تصحب أقواما ً
يخوفونك حتى تدرك أمنا ً ،خير لك من أن تصحب أقواما ً يؤمنونك حتى
تلحقك المخاوف .
ل اللهِ صلى الله عليه ّ سو ُ ل َ :قا َ ك َقا َ َ
ل َر ُ مال ِ ٍ ن َ س بْ ِ ن َ أن َ ِ مسلم ع َ ْ وفي صحيح
َ َ
صب َغُ ِفي مةِ [فَي ُ ْ قَيا َ م ال ْ ِ ل الّنارِ ] ي َوْ َ ن أهْ ِ م ْ ل الد ّن َْيا ِ وسلم ":ي ُؤ َْتى ب ِأن ْعَم ِ أهْ ِ
مّر ب ِ َ ط ؟ هَ ْ خي ًْرا قَ ّ َ م ! هَ ْ قا ُ ة ثُ ّ
)(1
ك ل َ ت َ ل َرأي ْ َ ن آد َ َ َ ل له َ :يا اب ْ م يُ َ صب ْغَ ً الّنارِ َ
َ ّ َ قو ُ م قَط ؟ فَي َ ُ ّ
ن
م ْ سا ِفي الد ّن َْيا ِ س ب ُؤ ْ ً شد ّ الّنا ِ ب ! وَي ُؤ َْتى ب ِأ َ ل :ل َواللهِ َيا َر ّ ن َِعي ٌ
َ َ
سا ت ب ُؤ ْ ًل َرأي ْ َ م هَ ْ ن آد َ َ ه َ :يا اب ْ َ ل لَ ُ قا ُ جن ّةِ ،فَي ُ َ ة ِفي ال ْ َ صب ْغَ ً صب َغُ َ جن ّةِ ،فَي ُ ْ ل ال ْ َ أهْ ِ
سمّر ِبي ب ُؤ ْ ٌ ما َ ب ! َ ل َ :ل َوالل ّهِ َيا َر ّ قو ُ ط ؟ فَي َ ُ شد ّة ٌ قَ ّ ك ِ مّر ب ِ َ ل َ ط ؟ هَ ْ قَ ّ
شد ّة ً قَ ّ َ
ط ،وََل َرأي ْ ُ قَ ّ
)(2
ط" ت ِ
ل الل ّهِ صلى الله عليه سو ُ ل َر ُ جاب ِرٍ قال َ :قا َ وفي صحيح مسلم من حديث َ
ب شَر ُ ن يَ ْ م ْ دا ل ِ َ ل ع َهْ ً ج ّ ن ع ََلى الل ّهِ ع َّز وَ َ م ،و إ ِ ّ حَرا ٌ سك ِرٍ َ م ْ ل ُ وسلم ":ك ُ ّ
ة ال ْ َ طين َةِ ال ْ َ َ
ل": ل ؟ َقا َ خَبا ِ طين َ ُما ِ ل " َقيل :وَ َ خَبا ِ ن ِ م ْ ه ِ قي َ ُ س ِ ن يَ ْ سك َِر أ ْ م ْ ال ْ ُ
)(3
ل الّنارِ " َ َ َ
صاَرة ُ أهْ ِ ل الّنارِ أوْ ع ُ َ ع ََرقُ أهْ ِ
َ
سو َ
ل ن َر ُ ضي الّله ع َْنه أ ّ خد ْرِيّ َر ِ سِعيد ٍ ال ْ ُ وفي صحيح البخاري من حديث أبي َ
َ
ل ع َلى جا ُ ملَها الّر َ َ حت َ َ جَناَزة ُ َ،وا ْ ْ
ت ال ِ ضعَ ِ ذا وُ ِ ل ":إ ِ َ م َقا َ سل ّ َ صّلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َ الل ّهِ َ
َ
تحةٍ ؛ َقال َ ْ صال ِ َ ت غ َي َْر َ كان َ ْ ن َ موِني ،وَإ ِ ْ ت :قَد ّ ُ ة َقال َ ْ ح ً صال ِ َ ت َ كان َ ْ ن َ م ؛ فَإ ِ ْ أع َْناقِهِ ْ
َ
ه
معَ ُ س ِن ،وَل َوْ َ سا َ يٍء إ ِّل اْل ِن ْ َ ش ْ ل َ صوْت ََها ك ُ ّ معُ َ س َ ن ب َِها ؟ ي َ ْ ن ي َذ ْهَُبو َ َ :يا وَي ْل ََها أي ْ َ
)(4
صعِقَ " َ
وفي الصحيحين عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ":إن
)(5
المصورين يعذبون يوم القيامة ،ويقال لهم :احيوا ما خلقتم "
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم " :من كانت عنده لخيه مظلمة في مال أو عرض؛ فليأته ،
فليستحلها منه قبل أن يؤخذ وليس عنده دينار ول درهم :فإن كانت له
1
أي :يدخل فيها إدخالة سريعة للحظات قليلة . )(
2
أخرجه :مسلم ). (2807 )(
3
أخرجه :مسلم ). (2002 )(
4
أخرجه :البخاري ). (1314 )(
5
أخرجه :البخاري )) (4951ومسلم ). (2108 )(
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
60 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
حسنات ؛أخذ من حسناته فُأعطيها هذا ،وإل أخذ من سيئات هذا ،فطرحت
)(1
عليه ثم طرح في النار "
وفي الصحيحين عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ":ناركم
هذه التي يوقد بنوا آدم ،جزء واحد من سبعين جزءا ً من نار جهنم " قالوا :
والله ؛إن كانت الكافية.قال " :فإنها قد فضلت عليها بتسعة وستين
)(2
جزءا ً ،كلهن مثل حرها "
والحاديث في هذا الباب أضعاف أضعاف ما ذكرنا ؛فل ينبغي لمن نصح
نفسه :أن يتعامى عنها ،ويرسل نفسه في المعاصي ،ويتعلق بحسن
الرجاء وحسن الظن .قال أبو الوفاء بن عقيل :احذره ،ول تغتر به ؛فإنه
قطع اليد في ثلثة دراهم ،وجلد الحد في مثل رأس البرة من الخمر ،وقد
ن غّلها وقد قُِتل دخلت امرأة النار في هرة ،واشتعلت الشملة نارا ً على َ
م ْ
شهيدا ً .
] اغترار العبد بإنعام الله عليه وهو مقيم على معصيته [
وربما اتكل بعض المغترين على ما يرى من نعم الله عليه في الدنيا ،وأنه
ل يغير ما به ،ويظن أن ذلك من محبة الله له ،وأنه يعطيه في الخرة
أفضل من ذلك ،وهذا من الغرور .
فعن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :إذا رأيت الله
عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب ؛ فإنما هو استدراج "
ثم تل قوله عز وجل )) :فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل
شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون (( ]النعام :
.(3) [44
وقال بعض السلف :إذا رأيت الله عز وجل يتابع عليك نعمة ،وأنت مقيم
على معاصيه ؛ فاحذره ؛ فإنما هو استدراج منه يستدرجك به .
وقد قال تعالى )) ولول أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر
بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون .ولبيوتهم أبوابا
وسررا عليها يتكئون .وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والخرة
عند ربك للمتقين (( ]الزخرف .[35-33:
وقد رد سبحانه على من يظن هذا الظن بقوله )) :فأما النسان إذا ما
ابتله ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن .وأما إذا ما ابتله فقدر عليه
ه
رزقه فيقول ربي أهانن .كل (( ]الفجر [17-15:أي :ليس كل من نّعمت ُ ُ
ت عليه رزَقه أكون قد أكرمته ،ول كل من ابتليُته وضيقت عليه رزقه سعْ ُ وو ّ
ُ
أكون قد اهنته ،بل أبتلي هذا بالنعم ،وأكرم هذا بالبتلء .
وفي ] مسند أحمد [ عنه صلى الله عليه وسلم ":إن الله يعطي الدنيا من
)(4
يحب ومن ل يحب ول يعطي اليمان إل من يحب "
1
أخرجه :البخاري ). (2449 )(
2
أخرجه :البخاري ) (3265ومسلم ). (2843 )(
3
أخرجه :أحمد ). (4/145وصححه اللباني في السلسلة ). (1/773 )(
4
أخرجه :أحمد ) (1/387قال اللباني في صحيح الدب المفرد ص : 119صحيح موقوف في حكم المرفوع . )(
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
61 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ب مفتون ج بنعم ِ الله عليه وهو ل يعلم ،وُر ّ
مسَتدر ٍ ب ُوقال بعض السلف ُ :ر ّ
بثناء الناس عليه وهو ل يعلم ،ورب مغرور بستر الله عليه وهو ل يعلم .
فصل
] الركون إلى الدنيا والغترار بعاجل نعيمها [
وأعظم الخلق غرورا ً من اغتر بالدنيا وعاجلها ،فآثرها على الخرة ،ورضييي
بها من الخرة :
)(1
حتى يقول بعييض هييؤلء :الييدنيا نقييد ،والخيير نسيييئة ،والنقييد أنفييع ميين
النسيئة! ويقول آخر منهم :لييذات الييدنيا متيقنيية ،ولييذات الخييرة مشييكوك
فيها ،ول أدع اليقين للشك ؟!
وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله !
والبهائم العجم أعقل من هؤلء ؛ فإن البهيمة إذا خافت مضرة شيء لم
ربت ،وهؤلء ُيقدم أحدهم على ما فيه عطبه وهو بين ض ِ
تقدم عليه ولو ُ
مصدق ومكذب .
فهذا الضرب :إن آمن أحدهم بالله ورسوله ولقائه والجزاء ؛ فهو من
أعظم الناس حسرة ؛ لنه أقدم على علم ،وإن لم يؤمن بالله ورسوله
فأبعد له.
وقول هذا القائل ) :النقد خير من النسيئة ( جوابه :
إنه إذا تساوي النقد والنسيئة ؛ فالنقد خير ،وإن تفاوتا ،وكانت
النسيئة أكثر وأفضل فهي خير .
فكيف والدنيا كلها من أولها إلى آخرها كنفس واحد من أنفاس
الخرة ؟!
كما في ]مسلم [من حديث المستورد بن شداد قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " :ما الدنيا في الخرة إل كما ُيدخل أحدكم إصبعه في اليم
؛فلينظر بم يرجع "). (2
فإيثار هذا النقد على هذه النسيئة من أعظم الغبن وأقبح الجهل !
وإذا كان هذا نسبة الدنيا بمجموعها إلى الخرة !! فما مقدار عمر النسان
بالنسبة إلى الخرة ؟!!
فأيما أولى بالعاقل :إيثار العاجل في هذه المدة اليسيرة وحرمان الخير
الدائم في الخرة ؟! أم ترك شيء حقير صغير منقطع عن قرب ؛ ليأخذ ما
ل قيمة له ]ول حصر له[ ول نهاية لعدده ول غاية لمده ؟!
وأما قول الخر ) :ل أترك متيقنا ً لمشكوك فيه (
فيقال له :إما أن تكون على شك من وعد اللييه ووعيييده وصييدق رسييله ،أو
تكون على اليقين من ذلك :
فإن كنت على اليقين من ذلك فما تركت إل ذرة عاجلة منقطعة فانييية
عن قرب لمر متيقن ل شك فيه ول انقطاع له .
1
)( أي :متأخرة .
2
)( أخرجه :مسلم ). (2858
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
62 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وإن كنت على شك :فتأمل آيات الرب تعالى الدالة على وجوده وقدرته
ومشيئته ووحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا به عنه ،وتجرد ،وُقم لله
ناظرا ً أو مناظرا ً ؛ حتى يتبين لك أن ما جاءت به الرسل عن الله ؛ فهو
الحق الذي لشك فيه ،وأن خالق هذا العالم هو رب السموات والرض
يتعالى ويتقدس ويتنزه عن خلف ما أخبرت به رسله عنه ،ومن نسبه إلى
غير ذلك فقد شتمه وكذبه وأنكر ربوبيته وملكه .
إذ من المحال الممتنع عند كل ذي فطرة سليمة أن يكون الملك الحق :
عاجزا ً ،أو جاهل ً ل يعلم شيئا ،ول يسمع ول يبصر ول يتكلم ،ول يأمر ول
ينهي ،ول يثيب ول يعاقب ،ول يعز من يشاء ول يذل من يشاء ،ول يرسل
رسله إلى أطراف مملكته ونواحيها ،ول يعتني بأحوال رعيته ،بل يتركهم
سدى ،ويخليهم همل !
ملك آحاد ملوك البشر ،ول يليق به ؛ فكيف يجوز نسبه ولهذا يقدح في ُ
الملك الحق المبين إليه ؟!
وإذا تأمل النسان حاله من مبدأ كونه نطفة إلى حين كماله واستوائه
قله إلى هذه الحوال ،وصرفه في ن من ع ُِني به هذه العناية ،ون ّ تبين له أ ّ
هذه الطوار ل يليق به أن يهمله ويتركه سدى ؛ ل يأمره ،ول ينهاه ،ول
يعرفه بحقوقه عليه،ول يثيبه ،ول يعاقبه.
] كيف يجتمع التفريط مع تيقن الحساب [
فإن قلت :كيف يجتمع التصديق الجييازم الييذي ل شيك فيييه بالمعياد والجنيية
والنار ويتخلف العمل ؟ وهل في الطباع البشرية أن يعلم العبد أنه مطلييوب
غدا ً إلى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبة ،أو يكرمييه أتييم كراميية ،
ل ،ل يتذكر مييوقفه بييين يييدي الملييك ،ول يسييتعد لييه ،ول ويبيت ساهيا ً غاف ً
يأخذ له أهبته ؟ !
قيل :هذا لعمر الله سؤال صحيح وارد على أكثر هذا الخلق ؛ واجتماع
هذين المرين من أعجب الشياء !
وهذا التخلف له عدة أسباب :
أحدها :ضعف العلم ،ونقصان اليقين .
فإذا اجتمع إلى ضعف العلم :عدم استحضاره ،أو غيبته عن القلب في
كثير من أوقاته ،أو أكثرها ؛ لشتغاله بما يضاده ،وانضم إلى ذلك :تقاضي
الطبع ،وغلبات الهوى ،واستيلء الشهوة ،وتسويل النفس ،وغرور
الشيطان ،واستبطاء الوعد ،وطول المل ،ورقدة الغفلة ،وحب العاجلة،
ورخص التأويل ،وإلف العوائد ،فهناك ل يمسك اليمان إل الذي يمسك
السموات والرض أن تزول .
وبهذا السبب يتفاوت الناس في اليمان والعمال ،حتى ينتهي إلى أدنى
مثقال ذرة في القلب .
وجماع هذه السباب :يرجع إلى ضعف البصيرة والصبر .
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
63 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
ولهذا مدح الله سبحانه أهل الصبر واليقين ،وجعلهم أئمة في الدين ،فقال
تعالى )) :وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ((
]السجدة .[24:
فصل
] بين أماني المفرطين ورجاء الصحابة والصالحين [
ومما ينبغي أن يعلم :أن من رجا شيئا ً ؛ استلزم رجاؤه ثلثة أمور :
أحدها :محبة ما يرجوه .
الثاني :خوفه من فواته .
الثالث :سعيه في تحصيله بحسب المكان .
وأما رجاء ل يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الماني ،
والرجاء شيء ،والماني شيء آخر .
فكل راج خائف ،والسائر على الطريق إذا خاف أسرع السي،ر
مخافة الفوات .وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :من خاف أدلج ،ومن أدلج) (1بلغ
الجنة " ). (2 المنزل ،إل إن سلعة الله غالية ،إل إن سلعة الله
وهو سبحانه كما جعل الرجاء لهل العمال الصالحة ،فكذلك جعل الخوف
لهل العمال الصالحة ،فعلم أن الرجاء والخوف النافع هو ما اقترن به
العمل .
قال الله تعالى ))إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون .والذين هم بآيات
ربهم يؤمنون .والذين هم بربهم ل يشركون .والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم
وجلة أنهم إلى ربهم راجعون .أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها
سابقون(( ]المؤمنون . [61-57:
وقد روى الترمذي في جامعه عن عائشة رضى الله عنها قالت :سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الية فقلت :أهم الذين يشربون
الخمر ويزنون ويسرقون ؟ فقال " :ل يا ابنة الصديق ! ولكنهم الذين
يصومون ويصلون ويتصدقون ،ويخافون أن ل يتقبل منهم ،أولئك
يسارعون في الخيرات "). (3
والله سبحانه وصف أهل السعادة بالحسان مع الخوف ووصف الشقياء
بالساءة مع المن .
ومن تأمل أحوال الصحابة رضى الله عنهم ؛ وجدهم في غاية
العمل مع غاية الخوف ،ونحن جمعنا بين التقصير ك بل التفريط
ك والمن !
جْنب عبد فهذا الصديق رضي الله عنه يقول :وددت أني شعرة في َ
مؤمن .ذكره أحمد عنه ).(4
1
الدلج :السير في أول الليل ،وهو كناية عن الهتمام والسعي في المر بجد . )(
2
أخرجه :الترمذي ) (2450وصححه اللباني في السلسلة ). (5/442 )(
3
أخرجه :الترمذي ) (3175وقد صححه اللباني لشواهده في السلسلة ). (1/304 )(
4
في الزهد ص . 135 )(
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
64 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
وهذا عمر بن الخطاب قرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله )) إن عذاب
ربك لواقع (( ]الطور [7:فبكى ،واشتد بكاؤه ،حتى مرض وعادوه .
وقال لبنه وهو في سياق الموت :ويحك ! ضع خدي على الرض؛ عساه
)(1
أن يرحمني .ثم قال :ويل أمي إن لم يغفر الله لي ؛ ثلثا ً ثم قضى .
وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه كان إذا وقف على القبر ؛ يبكى
حتى تبل لحيته ).(2
وقال :لو أنني بين الجنة والنار ،ل أدري إلى أيتهما يؤمر بي لخترت أن
أكون رمادا ً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير ).(3
وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبكاؤه وخوفه ،وكان يشتد
خوفه من اثنتين :طول المل ،واتباع الهوى .قال :فأما طول المل
فينسي الخرة ،وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ،أل وإن الدنيا قد ولت
مدبرة ،والخرة قد أسرعت مقبلة ،ولكل واحدة منهما بنون ،فكونوا من
أبناء الخرة ،ول تكونوا من أبناء الدنيا ،فإن اليوم عمل ول حساب ،وغدا ً
حساب ول عمل ).(4
وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية فلما أتى على هذه الية )) :أم
حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا
الصالحات (( ]الجاثية [21:جعل يرددها ويبكي حتى أصبح ).(5
وقال أبو عبيدة عامُر بن الجراح :وددت أني كبش ،فذبحني أهلي ،
وأكلوا لحمي وحسوا مرقي ). (6
وهذا باب يطول تتبعه .
قال البخاري في صحيحه ) باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو ل
ت قولي على عملي ؛إل خشيت يشعر ( .وقال إبراهيم التيمي :ما عرض ُ
ت ثلثين من أصحاب النبي صلى أن أكون مكذبًا .وقال بن أبي مليكة :أدرك ُ
الله عليه وسلم ؛كلهم يخاف النفاق على نفسه ،ما منهم أحد يقول :إنه
على إيمان جبريل وميكائيل !
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا ممن آثر
وابتغى حبه ورضاه على هواه بذلك قربه ورضاه آمين يا رب
العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين آمين .
* * *
تم النتقاء في يوم الحد الموافق 9/3/1421هي
محمد بن عبدالله الهبدان
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
1
الزهد لحمد ص 149و . 155 )(
2
أخرجه :الترمذي ). (2308 )(
3
أخرجه :أحمد في الزهد ص . 160 )(
4
أخرجه :أحمد في الزهد ص . 163-162 )(
5
أخرجه :أحمد في الزهد ص . 227 )(
6
أخرجه :أحمد في الزهد ص . 230 )(
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
65 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
فهرس الموضوعات
ي مقدمة الكتاب
ي بيان سبب تأليف الكتاب
ي بيان أن الله لم ينيزل داء إل وأنزل له دواء
ي هل لمرض الشهوة علج ؟
ي علج مرض الشهوة
ي التدابير العملية الواقية من مرض الشهوة
ي بين سلطان الشهوة وسلطان العقل واليمان
ي الطريق النفع للوصول إلى السعادة
ي عشق الصور وأضراره
ي عظم داء العشق وأقسام أصحابه
ي علج العشق
ي مقامات العاشق ومراحل العشق
ي ألوان الظلم التي يسببها العشق
ي التدابير العملية التي تقي من الصابة بداء العشق
ي العشق بين المنافع والمضار
ي أنواع المحبة .
ي أعظم أنواع المحبة وأنفعها هي محبة الله تعالى
ي نعيم القلب والروح تبع لكمال المحبوب وكمال المحبة
ي أنواع لذات الدنيا
ي بعض أنواع المحبة التي فيها منافع العشق ومزاياه
ي ل تثريب في حب النساء إن كان بالوجه الشرعي
ي أقسام عشق النساء
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net
66 المنتقى الشافي من الجواب الكافي
بيان أن خبر " :من عشق فعف "..موضوع ي
عظيم مفسدة اللواط وشدة فحشه ي
بيان عقوبة اللوطي ي
توبة اللوطي هل تقبل ؟ ي
حرمة الزنى ي
عظيم مفسدة الزنى ي
التشديد والتشنيع في حد الزنى وأسبابه ي
آثار الذنوب والمعاصي ي
آثار المعاصي على العبد في دينه ودنياه وآخرته ي
العقوبات الشرعية موعظة لمن لم يتعظ بالقدرية ي
سوء الخاتمة وخشية الصالحين منها ي
ترتيب الله تعالى الخير والشر على أسباب ي
أسباب سعادة النسان وفلحه ي
شدة عقابه جل شأنه لمن أجترئ عليه بالمعاصي ي
اغترار العبد بإنعام الله عليه وهو مقيم على معصيته ي
الركون إلى الدنيا والغترار بعاجل نعيمها ي
كيف يجتمع التفريط مع تيقن الحساب ؟ ي
بين أماني المفرطين ورجاء الصحابة والصالحين ي
الفهرس ي
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ /محمد بن عبد الله الهبدان
www.alhabdan.islamlight.net