You are on page 1of 31

‫جدلية المركز والهامش‬

‫وإشكال الهوية في السودان‬

‫أبكر أدم إسماعيل‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫لقللد ظلللت قضللية الهويللة فللي السللودان‪ ،‬تطللرح فللي الللرواق‬
‫المثقفاتي من أيام المجادلت حول مللا إذا كللان )شللعب السللودان(‬
‫"شعب عربي كريم" أم "شعب سوداني كريم" في مباراة سليمان‬
‫شلة وعللى عبلد اللطيلف‪ ،‬كقضلية فكريلة سياسلية‪ .‬وقلد أخلذت‬ ‫كِ ّ‬
‫المسألة بعد ذلك منحى أدبيللا يمكللن تلمسلله فللي محللاولت حمللزة‬
‫الملك طمبل لتأسيس خطاب )سوداني( مللوازِ أو مقابللل للخطللاب‬
‫العروبي السللائد‪ ،‬المتمثللل فللي مللذهب البنللا والعباسللي وغيرهمللا‪.‬‬
‫واستمرت المسألة حتى الستينات‪ ،‬إذ ظهر جيل أكثر حداثة‪ ،‬حيللث‬
‫ذهب هؤلء النتلجنسلليا إلللى افللتراض خيللارات لهويللة )السللودان(‪.‬‬
‫فمنهم من نزع إلى العروبة‪ ،‬ومنهم من نزع إلى الفريقيللة‪ ،‬ومنهللم‬
‫من مضى فللي سللبيل التوفيللق بيللن الثنيللن ليصللل إلللى مللا عللرف‬
‫بمدرسللة الغابللة والصللحراء أو الفروعروبيللة‪ .‬وقللد آثللر آخللرون‬
‫غموض السللودانوية‪ .‬وانصللب جللل أبنللاء هللذا الجيللل أخيللرا فيمللا‬
‫أسماه محمد جلل هاشم بالسودانوعروبية‪ .‬ولكللن القضللية عللادت‬
‫إلى حقل السياسللة مللرة أخللرى مللؤخرا‪ ،‬وهللذه المللرة مللن خللارج‬
‫)الخطاب الرسمي( أي خطاب أيديولوجيا المركللز‪ ،‬وفرضللت عليلله‬
‫بأجنللدتها الحربيللة‪ ،‬وبللذلك تجللاوز سللؤال الهويللة إطللاره الدبللي‬
‫المثقفللاتي وسلياقه الللذاتي‪ ،‬وأخلذ طابعلا ً شللعبيا ً وبعللدا ً موضللوعيا‪،‬‬
‫واعتلى سلم الولويات في حلبة الشجار الدائر في السودان‪.‬‬
‫إن الهوية ل في رأينا ل قضية أيديولوجية في المقللام الول‪ .‬لنهللا‬
‫في الواقع جزء من محددات تحقيق المصللالح الماديللة أو المعنويللة‬
‫أو الثنيللن معللا‪ .‬لللذلك مهمللا تللدثر النللاس حولهللا بالكاديميللة أو‬
‫المدرسية والدرجات العلميللة أو المناهللج النقديللة لل وكللل ذلللك للله‬
‫قيمتلله ل ل إل أن المسللألة تبقللى فللي جوهرهللا هللي هللي‪ ،‬ول تكللون‬
‫‪1‬‬
‫الفضلية لباحث أو كاتب في هذا الموضوع إل بمقدار ما يزودنللا بلله‬
‫من معرفة )بالواقع( وما يتميز به من شجاعة في الطرح‪.‬‬
‫لكن يا ترى‪ ،‬ما هي هذه الهوية؟ وما مشكلتها في السودان؟‬
‫فبالرغم من ولع الكتاب السودانيين بالتعريفات‪ ،‬وولع العروبيين‬
‫منهم "بالمناجد" و"التأصيل"‪ ،‬فقد خاب مسعانا في الحصول علللى‬
‫تعريف‪ .‬وتبقى الحقيقة‪ ،‬وهي أن )الهوية( ليسللت بللأي حللال مللن‬
‫الحوال )شيئا( واضللحا و)متفللق عليلله(‪ ،‬ومعللروف سلللفا ً للدرجللة‬
‫التي ل تستدعي تعريفه‪ .‬ومن هنا‪ ،‬توكلنا على الله‪ ،‬وحملنللا فأسللنا‬
‫وقلنا نحتطب بالقدر الذي يضلليء لنللا البعللاد الضللرورية للمفهللوم‪،‬‬
‫وعلقته بالقضية في السودان‪.‬‬

‫مقاربة مفهومية‪:‬‬
‫عتبيية أولييى‪ :‬إنسييان‪/‬حيييوان‪ :‬يقللوم فعللل الحيللوان علللى‬
‫الفطرة‪ ،‬والسد ل يحتاج إلى مشروعية ليأكل الخروف‪ ،‬بل يكتفللي‬
‫بدافع الحاجللة لكللله وكفللى‪ ،‬ولكللن النسللان كنللوع بيولللوجي تأهللل‬
‫تاريخيا لمتلك الوعي بنفسه وبالعللالم مللن حللوله‪ .‬ربمللا كللان هللذا‬
‫الوعي هو الدافع لختلق )أسطورة آدم( للتأكيللد المعنللوي علللى‬
‫وقائعية تميزه عن الحيوانات الخرى‪ ،‬وبالتالي مشروعية تسخيرها‪،‬‬
‫والمشروعية هي التبرير العقلي للفعل‪ ،‬إذ ل تكفي الحاجة لوحللدها‬
‫كمبرر في وجود )العقل( و)الوعي(‪ .‬لمللاذا وكيللف؟؟ فعنللدما يذبللح‬
‫الخروف مثل فإن ذلك يبدو عاديا ً بالنسبة لغالبية النللاس‪ ،‬ولكللن إن‬
‫ذبح شخص‪ ،‬فللإن المسللألة تأخللذ طابعلا ً آخللر‪ ،‬وتنشللأ سلسلللة مللن‬
‫المواقللف والفعللال تجللاه هللذا الفعللل الخيللر تبللدأ مللن الشللعور‬
‫بالفظاعة‪ ،‬وتنتهي بالنتقام‪ .‬ومن مقاربة الحللالتين يظهللر اللمفكللر‬
‫فيه‪ ،‬وهو أن اللم الذي يحسلله الخلروف مسللاوٍ علللى القلل لللذلك‬
‫الذي يحسه "الشخص" وأن الخروف يحب الحياة كما نحبهللا‪ .‬وهللذا‬
‫ما يورطنا فيه وعينا‪ .‬فالسد ل يفكللر فللي ذلللك مطلقللا‪ .‬إذن كيللف‬
‫نجرؤ على ذبح الخروف؟ لجل ذلك لبد من تغييب جزء من الوعي‬
‫بآلية "اللتفكير" في الموضوع لل أي ألللم الخللروف وحبلله للحيللاة لل‬

‫‪2‬‬
‫حللتى تسلللك المسللألة وتأخللذ مشللروعيتها المعنويللة بالضللافة‬
‫للمشللروعية الماديللة )الحاجللة( أو الحيوانيللة ‪ ،‬سللمها كمللا شللئت‪،‬‬
‫واستساغة ذلك بحكم العادة‪ .‬وما يشجع على ذلك كله هللو الفللارق‬
‫النوعي بين النسان والحيوان‪.‬‬
‫عتبة ثانية‪ :‬الشخص والقرابيية‪ :‬ففللي حالللة ذبللح الشللخص‬
‫يتكون لدى الناس "شعور" بالفظاعة‪ ،‬ويبدون درجات متفاوتة مللن‬
‫ردود الفعال‪ ،‬بمقدار القرابة بمعناها العللام‪ .‬وهللذه القرابللة إمللا أن‬
‫تكون انتماءا أساسيا ً في علقللة إثنيللة ثقافيللة بكللل مللا تحمللله مللن‬
‫مضللامين؛ أو انتمللاًء ثانويللا عرضلليا ً فللي علقللة العمللل والمهنللة أو‬
‫السكن أو القليم أو الطبقة الجتماعية؛ أو انتماًء وضعيا في علقللة‬
‫المواطنة والدولة‪.‬‬
‫عتبة ثالثة‪ :‬تعقيدات الييوعي الجمعييي‪ :‬وقياس لا ً علللى مللا‬
‫سبق‪ ،‬وفللي أمللور أخللرى فقللد تطللورت علقللات البشللر باتجاهللات‬
‫مختلفة ونشللأت تقسلليمات وفللوارق عديللدة‪ .‬ففللي وقللت مللا كللان‬
‫الناس ينقسمون إلى أحرار وعبيد‪ ،‬ونسللاء ورجللال يهيمللن بعضللهم‬
‫على البعض ويسخره‪ ،‬وقد تصل المسألة في النظر إلى الخر إلللى‬
‫ما يقارب وضعية الخروف في مثالنا ل كما في النظريللات العرقيللة‪،‬‬
‫مثل شعب الله المختللار والجنللس الري والرجللل البيللض والنازيللة‬
‫والفاشية والعروبة والبراهمية‪ ..‬إلخ لل وهكللذا حللاول البعللض إعللادة‬
‫إنتلللاج )أسلللطورة آدم( فلللي الحقلللل النسلللاني لتأكيلللد تفلللوقه‬
‫الثني‪/‬الثقافي‪ .‬وفي كللل ذلللك هنللاك "لمفكللر فيلله" وهللو )كينونللة‬
‫الخللر وحللاجته النسللانية(‪ .‬هللذا اللمفكللر فيلله أدى إلللى خلللق‬
‫)المشروعيات( عبر آليات التغييب وترسخها بحكم العللادة أو الرث‬
‫حيث تشرعنت الفوارق بمرور الزمن في الوعي الجمعي‪.‬‬
‫ومن أمثلة اللمفكر فيه فللي الللوعي الجمعللي؛ العقللائد الدينيللة؛‬
‫فالمسلللمون مثل‪ ،‬ل يللرون فللي بقللرة الهنللدوس )المعبللودة( إل‬
‫مضحكة‪ ،‬ولكن الهندوس يرونها بمقدار )الله( عند المسلمين‪ .‬كمللا‬
‫يرون )الله( من زاويتهم هم كما )البقرة( في عيللن المسلللمين‪ .‬أي‬

‫‪3‬‬
‫أن اللهة متساوين بعيون عابديهم‪ ،‬في الللوعي الجمعللي بللاللمفكر‬
‫فيه‪ .‬ولكنهم غير متساوين بالمفكر فيه وبالحكام‪.‬‬
‫عتبة رابعة‪ :‬المواطنة والدولة‪ :‬فالسللوداني عنللدما يللذهب‬
‫إلى أي بلد آخر‪ ،‬فلنقل مصر مثلن فإنه يجلد معامللة مختلفلة علن‬
‫المصريين في أمور كثيرة‪ ،‬فمثل ل يمكن أن يجد نفسه في كشللف‬
‫المتقدمين للخطة السكانية لعتبارات وضعيته الجنبية‪.‬‬
‫وفي كل ما سبق ذكره‪ ،‬فإن الشخص )هو( أو الجماعة )هم(‬
‫بضمير الكينونة هذا ل يتحددون إل إزاء )آخر( أو )آخرين(‪ ،‬وإل ل‬
‫يكون هناك معنى لهذا الضمير في الواقع‪ ،‬ما لم يوجد فارق‬
‫موضوعي‪ .‬وإذا جردنا الضمير بإرجاعه إلى المصدر )الهوية(‬
‫فيمكن أن نعرفها في هذا السياق بأنها‪ :‬كينونة وانتماء مبنيان‬
‫على أساس فارق موضوعي يكون مبررا للتحيز )مع أو‬
‫ضد( بلمفكر فيه أحيانا ً وبمفكر فيه أحيانا أو بالثنين‬
‫معا في أحيان أخرى‪ .‬وقد يكون هذا الفارق‬
‫الموضوعي‪:‬‬
‫‪1‬ي نوعيًا‪ :‬كما في حالة إنسان‪/‬حيوان‪ .‬أو؛‬
‫‪2‬ي أساسيا‪ :‬كما في حال كيان إثني ثقافي‪/‬كيان إثني‬
‫ثقافي آخر‪ .‬أو؛‬
‫‪3‬ي عرضيا ً ثانويًا‪ :‬كما في حال علقات العمل‪ ،‬السكن‬
‫والطبقة الجتماعية‪ .‬أو؛‬
‫‪4‬ي وضعيًا‪ :‬كما في علقة مواطنين‪/‬أجانب أي مواطن‬
‫دولة‪ /‬دولة أخرى‪.‬‬
‫وفي الحالة الخيرة؛ فطالما أن المريكان أمريكان‪ ،‬والمصريين‬
‫مصريون‪ ،‬والسودانيين سودانيون‪ ،‬فما هي المشكلة في‬
‫السودان؟‬
‫المشكلة في السودان هي أن علقة المواطن بللدولته مأزومللة‪،‬‬
‫فهي قائمة في داخلها على أساس فارق )أساسللي( بتحيزهللا ل ل أي‬
‫الدولللة ل ل لكيللان إثنللي ثقللافي يقللوم باسللتثمارها إقصللائيا ويفللرض‬
‫توجهاته ضد كيانات إثنية ثقافية أخرى‪ .‬وهذا لب موضوع بحثنا‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫خلفية تاريخية‪:‬‬
‫السودان بحيزه الجغرافي‪ ،‬وحللدوده السياسللية القائمللة اليللوم‪،‬‬
‫كان ل وما يزال لل فضللاءا تقطنلله مجموعللات إثنيللة ثقافيللة متنوعللة‬
‫عرقي لا ً وثقافيللا ومتفاوتللة تاريخيللا ومتوزعللة فللي أرجللائه‪ .‬ومللا زال‬
‫بعضها يعيش في بيئاتلله الطبيعيللة التاريخيللة بنمللط عيشلله الخللاص‬
‫وتركيباته الجتماعية وقيمه وعاداته ولغاته وعقللائده‪ .‬وقللد تطللورت‬
‫بعض الكيانات النيلية وأسست لها نظما حضارية متقدمة كمللا فللي‬
‫الدولة المرويللة فلي شلمال السللودان‪ .‬وعللى هللذا السللاس‪ ،‬كللان‬
‫مفهوم الدولة جزءا من ثقافة تلك الكيانات‪ ،‬وهللو وجلله مللن وجللوه‬
‫التفاوت التاريخي مع الكيانات الخرى التي لللم تصللل إلللى مرحلللة‬
‫الدولة بعد‪ .‬ويمكن افتراض تخالط تلك الكيانات مع بعضها بدرجات‬
‫متفاوتللة‪ ،‬كمللا يمكللن افللتراض انشللقاق وتفللرع بعضللها واسللتقللها‬
‫تاريخيا‪ ،‬وقد ل يكون ذلللك متأكللدا ً منلله )تاريخيللا( ولكللن الدراسللات‬
‫الثنوغرافية والتحليلت الثقافية تدعو لخللذ هللذه الفتراضللات فللي‬
‫الحسبان في سياق الحديث عن )تاريخ السودان القللديم(‪ ،‬وخاصللة‬
‫في العصور المسيحية‪.‬‬
‫أما في العهللد السلللمي‪ ،‬فقللد دخلللت إلللى السللودان الكيانللات‬
‫والثقافة العربية السلمية علللى شللاكلة )السللتعمار السللتيطاني(‪،‬‬
‫وظلت تكتسب لهللا مواقلع فيلله ضلمن كيانللاته وثقافللاته المتعلددة‪.‬‬
‫وهي في ذلك مسنودة بخلفيتها المبراطورية من الناحيللة الماديللة‪،‬‬
‫ومللن الناحيللة المعنويللة بمللا يعللرف بللل)المللد الحضللاري( العربللي‬
‫السلمي‪ ،‬الذي من أهدافه بالطبع إعادة إنتاج الخر داخل )الهوية(‬
‫السلموعربية أو على القل إلحاقه بسياقها الحضللاري‪ .‬هللذا النهللج‬
‫الستتباعي قد يبدو عاديا ومفهوما ومعقول فللي إطللاره العللام فللي‬
‫ذلك الوقت‪ ،‬ولكن استمراره بعد انهيار الحضارة العربية السلللمية‬
‫أصبح إشكاليا ً بالضافة لشكاليات أخرى في بنية ومحددات الثقافة‬
‫العربية السلمية نفسها وكيانها الجتمللاعي فللي السللودان‪ ،‬مضللافا‬
‫إلللى ذلللك الملبسللات التاريخيللة الللتي جعلللت مللن هللذه الثقافللة‬

‫‪5‬‬
‫)المأزومة( )مركزيللة( فللي الوضللعية التاريخيللة للدولللة السللودانية‪.‬‬
‫ويمكن مناقشة هذه الشكاليات في البعاد التالية‪:‬‬
‫أول‪ :‬الشيييييكاليات الداخليييييية أو أزمييييية الثقافييييية‬
‫السلموعربية‪ :‬المتمثلة في نزعة الهيمنللة والقصللاء المتشللددة‬
‫وتجليها في‪:‬‬
‫أ‪ /‬البطرياركية البوية القائمة علييى التشييدد العرقييي‪:‬‬
‫فعللبر ميكللانيزم النفللي الللبيولوجي للرجللال فللي معادلللة الللتزاوج‬
‫الحادية التجاه‪ ،‬التي يأخذ فيها الكيان العربي ول يعطي‪ ،‬تللم طبللع‬
‫أجزاء عديدة من شمال وأواسط السودان بالطللابع العربللي عرقيللا‬
‫وثقافيللا‪ ،‬وعللبر السلللمة لل أي التحللرك عللبر المقللدس لل تللم ويتللم‬
‫التوسع‪.‬‬
‫ويقلللوم ميكلللانيزم النفلللي اللللبيولوجي للرجلللال )السلللتعراب‬
‫العرقللي‪/‬الثقللافي( علللى تللزوج الرجللال العللرب بنسللاء )الخريللن(‪،‬‬
‫وتكون الذرية وفق البطريركية البوية )عربية( ول يعللترف بمكونهللا‬
‫الخر‪ .‬البنات يتزوجن حصريا في الكيان العروبي‪ ،‬أما البناء الذكور‬
‫فيواصلللون طريللق السلللف‪ ،‬وهكللذا بمللرور الزمللن ينمللو الكيللان‬
‫العربللي علللى حسللاب الكيانللات الخللرى الللتي تتآكللل فللي نهايللة‬
‫المطاف‪.‬‬
‫أمللا السلللمة‪ ،‬فعللبر الللدعاة للل الفكللي‪ ،‬والطريقللة الصللوفية‬
‫ومؤسسات التعليم الحديثللة لحقللا ل ل يللدخل النللاس السلللم‪ ،‬وهللو‬
‫بالطبع يتضمن "أيديولوجيا العروبة" خاصللة فللي تفسلليراته السللنية‬
‫ومسللوغاته لعلويللة المللؤمن والعربللي وتشللريعاته فللي حصللر زواج‬
‫المسلمة‪ .‬وتلقائيا يصبح العرب )أو بالحد الدنى يتم تصويرهم على‬
‫أنهم( أعلى شللأنا عرقيلا ً باعتبللارهم علللى القللل "حللاملي الرسللالة‬
‫الصليين"‪ ،‬وهكذا يواصل الكيان العربللي تغلغللله‪ .‬وتبقللى المشللكلة‬
‫فيما يولللده هللذا النهللج مللن وقللائع السللتعلء العرقللي والجتمللاعي‬
‫خاصة في وجود التعددية والتباين العرقي والثقافي في ظل هيمنللة‬
‫الكيان السلموعروبي على جهاز الدولة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ب‪ /‬نمييط القتصيياد الريعييي العشييائري )الطفيلييي(‪:‬‬
‫ومعروف تاريخيللا عللن العللرب والثقافللة العربيللة ومللن ثللم الثقافللة‬
‫السلللموعربية احتقللار المهللن والحللرف والعمللل اليللدوي باعتبللاره‬
‫عمل العبيد أو الموالي‪ .‬فحتى القطاع الحضللري لل غيللر الرعللوي لل‬
‫يتبنللى هللذا النمللط مللن القتصللاد القللائم علللى اسللتثمار السلللطة‬
‫والتجارة التي ل تعنى بالنتاج‪ .‬ومن ثم التمسللك بللالجوهر العبللودي‬
‫في تقسيم العمل‪ .‬وهذا النمللط يتطلللب بللالطبع فللرض )هويييات(‬
‫جزئية في المجتمع أي سادة )أحرار( وعبيد‪.‬‬
‫ج‪ /‬النزعة الستبدادية المتشددة‪ :‬فبسبب نظام التراتبية‬
‫الجتماعية القائمة على التشدد العرقي‪ ،‬ونمط القتصاد الطفيلي‬
‫الذي يستلزم ليس فقط امتلك السلطة بل الستبداد بها‪ ،‬فقد كان‬
‫وما يزال وعي السلطة في هذه الثقافة وعيا ً استبداديًا‪ ،‬والستبداد‬
‫لزيم القصاء‪ ،‬والقصاء يتطلب في الواقع فرض هويات جزئية‬
‫حتى في المجتمع الواحد لتحجيم وعي التنافس على السلطة مثل‬
‫ما كان يوضع من أحاديث لتبرير ذلك كل)الئمة من قريش(‪.‬‬

‫ثانيييييا‪ :‬الشييييكاليات المتعلقيييية بصيييييروة الكيييييان‬


‫السلموعروبي في السودان‪:‬‬
‫فيما يختص بسؤال الهوية‪ ،‬فإن أهللم الشللكاليات‪ ،‬هللي آثللار مللا‬
‫نسلللميه بلللل)عقييدة النقييص( تجلللاه العروبلللة للللدى الكيانلللات‬
‫السلموعربية في السودان‪ .‬وهذه ل في رأينللا لل مرتبطللة بظللروف‬
‫تاريخيللة معينللة؛ حيللث أن الغالبيللة السللاحقة مللن النللاقلين للثقافللة‬
‫السلموعربية للسودان هم من )العراب( الذين يمثلون الكيانللات‬
‫الهامشية بين العلرب‪ ،‬وهلم ليسلوا ذوي جلاه ول عللم‪ ،‬فكلان ملن‬
‫الطللبيعي أن ينقلللوا معهللم واقعهللم مؤسللطرًا‪ ،‬وبالتللالي اختلط‬
‫الحقيقة بالدعاء على مستوى الفكر والنساب‪ .‬ومع مللرور الزمللن‬
‫وإعادة إنتاج "النوستالجيا" لذلك الزمان وذلك المكللان المللاورائيين‬
‫المقدسين أصل و)مركز( الثقافللة السلللوموعربية التللاريخي‪ ،‬كللان‬
‫الناتج تضخم الوعي السطوري‪ .‬بيد أن تطللور العلللوم فللي العصللر‬

‫‪7‬‬
‫الحديث كشف الحقائق المتعلقللة بهللم ممللا أدى فللي تقللديرنا إلللى‬
‫خلق عقدة النقص تجاه العروبة‪ ،‬ومن ثم التشدد فيمللا ل يسللتدعي‬
‫تشددًا‪ ،‬خاصة في قضية "الهوية السودانية" ومحاولة التأكيللد علللى‬
‫)عروبة( السللودان بمناسللبة وبللدونها‪ .‬وهنللاك طبعللا أسللباب أخللرى‬
‫لذلك سنناقشها لحقًا‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬أيديولوجيا الصالة‪:‬‬


‫فبعد انهيار الحضارة العربية السلمية‪ ،‬وظهللور حضللارة الغللرب‬
‫كمنافس وهيمنتها مؤخرا‪ ،‬تمت الستعاضة عللن العللتراف بللالواقع‬
‫والسللعي للتقللدم بمحاولللة إعللادة إنتللاج الزمللن الحضللاري العربللي‬
‫السلللمي المقللدس ل ل بللواكير السلللم وأيللام المللد ل ل أي )الزمللن‬
‫المستعاد( لسترجاعه في الوعي على أمل استرجاعه في الواقللع‪.‬‬
‫وقد تلقف الكيان السلموعروبي في السودان هذه الزمة وزادهللا‬
‫من عنده بوعيه السطوري وعقدة نقصلله المللذكورة‪ ،‬وصللار المللر‬
‫كالتللالي‪ :‬فبللالرغم مللن مركزيللة الكيانللات السلللموعروبية فللي‬
‫السودان‪ ،‬إل أنها تعي نفسها وتتصرف كهامش لمركز ثقللافي آخللر‬
‫يمثله زمانيا )الزمن المستعاد( ومكاني لا ً الجزيللرة العربيللة‪ .‬فنشللأت‬
‫المركزية المركبة للسلموعروبية فللي السللودان‪ .‬ومللن هنللا يقللوم‬
‫عدم العتراف بمحصول الواقع‪ ،‬حتى المؤسلم والمستعرب نفسه‪،‬‬
‫والسللعي لتأصيييله هللو الخللر علللى أسللاس )الزمللن المسللتعاد‬
‫والجزيرة العربية(‪ .‬وتصبح نزعللة السللتتباع فللي السللودان مركبللة‪،‬‬
‫فهي ليست استتباعا ً لواقع حضاري مشكوك في حضاريته فحسب‪،‬‬
‫وإنما محاولة الستتباع للماضي أيضا‪.‬‬

‫جدلية المركز والهامش‪:‬‬


‫هي منهجيًا‪ ،‬الوضعية التاريخية للدولة الللتي تجمللع فيهللا كيانللات‬
‫)ماقبل برجوازيللة =مللا قبللل رأسللمالية( متنوعللة ثقافيللا ومتمللايزة‬
‫عرقيا ومختلفة دينيا ومتفاوتة تاريخيا‪ ،‬فللي شللكل الدولللة الحديثللة‪.‬‬
‫وتقول الفرضية أنه غالبا ما تقوم بعللض هللذه الكيانللات بالسلليطرة‬

‫‪8‬‬
‫علللى جهللاز الدولللة وتسللتثمره إقصللائيا علللى مسللتويات عديللدة‪،‬‬
‫وتتحول المحددات الثقافية من لغة وآداب وفنون وعللادات وتقاليللد‬
‫وعقللائد وتراتبيللات اجتماعيللة إلللى أسلللحة أيديولوجيللة‪ ،‬ويتمفصللل‬
‫العرق واللون مع الطبقة وتقسيم العمل‪ ،‬والللديني مللع السياسللي‪،‬‬
‫والمذهبي واللغوي مع الجتماعي‪ ،‬وتكون النتيجللة وضللعية تاريخيللة‬
‫مأزومللة ويكللون الصللراع فيهللا صللراعا شللامل‪ ،‬صللراع هويللات ضللد‬
‫هويات‪ ،‬صراع كللل ضللد كللل‪ ،‬صللراع ثللوابت ومتحللولت عنللد كيللان‬
‫اجتماعي ما ضد ثوابت ومتحللولت عنللد كيللان آخللر‪ .‬هلذه الوضلعية‬
‫نسميها جدلية المركز والهامش التي هي ليسللت بالضللرورة قائمللة‬
‫علللى البعللد الجغرافلي‪ ،‬بللل هللي جوهريللا تمركللز وتهميللش عرقللي‬
‫وثقافي وسياسي واقتصادي وديني‪ .‬وقللد تأخللذ أبعللادا مذهبيللة فللي‬
‫الللدين الواحللد‪ ،‬وتتطللور بإعللادة إنتللاج نفسللها فللي شللكل أزمللات‬
‫متصلللاعدة‪ .‬وتتعلللارض هلللذه الوضلللعية التاريخيلللة جوهريلللا ملللع‬
‫الديمقراطية والتنميللة ممللا يقللود إلللى أقصللى تجليللات أزمتهللا فللي‬
‫الحروب الهلية وأزمات الهوية‪.‬‬
‫فبعد صللنع الدوللة الحديثلة فلي السللودان‪ ،‬مللع عهلد السلتعمار‬
‫اللتركي المصلري ‪1820‬لل ‪1885‬م‪ ،‬نشللأت فيله مركزيلة الكيانللات‬
‫السلموعربية بسبب تفوقها النسبي على الكيانات الخرى وبسبب‬
‫توجهات الستعمار في التعاون مع هذه الكيانات‪ ،‬وخاصة الحضللرية‬
‫منها‪ ،‬بالضافة لرغبتها هي في التعاون معلله لتمكيللن وضللعها‪ .‬وقللد‬
‫ملكهللا السللتعمار أهللم أدوات السلليطرة‪ ،‬أل وهللي جهللاز الدولللة‬
‫الحديثللة وفتللح شللهيتها مللن خلل تطللوير السللواق والتجللارة علللى‬
‫شللاكلة القتصللاد الطفيلللي‪ .‬وبسللبب انتشللار بعللض أبنللاء الكيللان‬
‫السلموعروبي من التجار المعروفين بالجلبة في أصقاع السودان‬
‫واسللتنزاف ثرواتلله لمصلللحة )أوطييانهم( الطبيعيللة فللي أواسللط‬
‫وشللمال السللودان عللبر تجللارة الرقيللق وجلللب العبيللد وتسللخيرهم‬
‫كأيدي عاملة‪ ،‬بالضافة لشكال التجارة الخرى غير المتكافئة‪ ،‬ممللا‬
‫زاد تفوق هذه الكيانات التي أسست لمللا يمكللن أن نسللميه قوميللة‬
‫عربيللة فللي السللودان‪ .‬وتدشللن ذلللك فللي زمللن المهديللة بسللبب‬

‫‪9‬‬
‫التحولت الديموغرافية التي أحدثتها حروبها وأيديولوجيتها ومن ثللم‬
‫انكبللاب الكيانللات الخللرى فللي مللاعون السلللموعروبية بشللروطه‬
‫القصائية المللذكورة آنفللا‪ .‬وبسللبب ضللآلة الللوعي السياسللي لهللذه‬
‫الكيانات والتزام أغلبهللا أنمللاط القتصللاد الكتفللائي البسلليط‪ ،‬فقللد‬
‫ظلللت "مفعللول بلله" وآلللت إلللى مللا هللي عليلله الن فيمللا يعللرف‬
‫بل"الكيانات المهمشة" أو الهامش‪.‬‬

‫التطورات‪:‬‬
‫ولن الستعمار عادة ل يكون معنيا بتطللوير المسللتعمرات علللى‬
‫أسس )العدالة( كما يدعي‪ ،‬وإنما على أسللس السللتغلل حسللبما‬
‫يقتضي الظرف‪ ،‬فإنه بالتللالي تمسللك بالسللير مللع التوجهللات الللتي‬
‫كلللانت تفرزهلللا اللللديناميات الداخليلللة )السلللتغللية أصلللل( فلللي‬
‫المسللتعمرات مللع إجللراء بعللض التعللديلت الللتي تخللدم مصللالحه‬
‫بالدرجة الولى‪.‬‬
‫ولن الرأسمالية الغربية قد بلغت سن الرشد في نهايات القرن‬
‫التاسللع عشللر‪ ،‬فكللان مللن اسللتراتيجياتها تعللديل توجهللات النسللان‬
‫بشكل من الشكال بما يتوافق مللع مصللالحها علللى المللدى البعيللد‪.‬‬
‫وبما أن النظمة العبودية تتنللاقض مللع توجهللات الرأسللمالية )الللتي‬
‫تستلزم أفرادا ً مستقلين لسوق العمل ولسوق السلع(‪ ،‬فكللان لبللد‬
‫مللن )تحرير العبيييد( ل ل ليللس مللن أجللل سللواد عيللونهم طبعللا ل ل‬
‫وتأسيس نمط الدولة الوطنية )شكل الدولة الحديثة( الللذي يتللواءم‬
‫مع تلك التوجهلات كقنلاة تسللكها إجرائيلا عللى القلل‪ .‬فكلان ملن‬
‫أولويات الستعمار النكليزي في السودان أن قام بإلغللاء مؤسسللة‬
‫الرق‪ .‬وقد كان لللذلك وقع لا ً صللعبا ً علللى الكيانللات السلللموعروبية‬
‫بمساواتها ضربة لزب هكذا مع العبيد ل شكليا ً علللى القللل ل ل أمللام‬
‫الدولة والقانون‪ .‬وهذا في رأينا من أهم السباب الللتي قللادت إلللى‬
‫تشدد الخطاب في التأكيد على عروبة السللودان ونفللي الخريللن ل ل‬
‫أي العبيد ل من )السيرة( و)الييذات( السللودانية )الرسييمية(؛ أي‬
‫الكيان المسلليطر اجتماعيللا فطالمللا ل مفللر مللن )سللودان( الدولللة‬

‫‪10‬‬
‫فليكن الشعب السوداني )شللعب عربللي كريللم(‪ ،‬وليللس فقللط لن‬
‫الستعمار النكليزي "هزم ثورتهم ]المهدية[ واغتصب بلدهللم وكللاد‬
‫أن يحتويهم بحضارته الوروبية" كما يقول يوسف فضل‪ ،‬فهللم فللي‬
‫ذلك متعاونون لحد كبير في عهده‪.‬‬
‫وقللد ظللل خطللاب المركزيللة السلللموعروبية المعللبر عللن‬
‫أيديولوجيتها مواصل تشدده في تعابير مثللل "شللعب عربللي كريللم"‬
‫ليللواجه بالخطللاب الخللر )شللعب سللوداني كريللم( ويسللتمر فللي‬
‫مشاتمات أولد الهاشماب )محمللد أحمللد محجللوب وأحمللد يوسللف‬
‫هاشللم ومحمللد عبللد الحليللم( لولد المللوردة ل ل أو عبيللد المللوردة‬
‫بالمسكوت عنه ل )محمد وعبد الله عشري الصللديق وآخريللن( بعللد‬
‫النشقاق ومواجهة الخيريللن لخطللاب التشللدد )الرومللي( بخطللاب‬
‫الموهبة‪ .‬وقد اندثرت سيرة هؤلء الخيريللن بسللبب هيمنللة خطللاب‬
‫المركزية ومآلت أصحابه بعد ذلك‪ .‬فقد أصبح محمد أحمد محجوب‬
‫رئيسا للللوزراء وأحمللد يوسللف هاشللم اعتلللى رئاسللة القضللاء‪ ،‬أمللا‬
‫محمد عبد الحليم فوصل إلى رئاسة التحاد الفريقي لكللرة القللدم‬
‫ممثل للسللودان ممللا يكشللف دور النتمللاءات الثنيللة الثقافيللة فللي‬
‫عملية الل ‪.Access to Power‬‬
‫وقد ثار الجدال مرة أخرى في مجال الدب‪ ،‬وقللد انللبرى حمللزة‬
‫الملك طمبل لمواجهة الخطاب العروبي الذي يمثله العباسي والبنا‬
‫كما ذكرنا‪ ،‬في مقالته التي جمعها في كتابه )الدب السوداني ومللا‬
‫يجب أن يكون عليه‪1928 ،‬م( في محاولة للجللم الغلللو‪ .‬ول ننسللى‬
‫الخلفيات الجتماعية القتصادية والسياسية التي تعبر عنها خطابات‬
‫الدب‪ ،‬فكل التعبيرات الهويوية هي في الواقع نابعة من الحراكللات‬
‫الجتماعيللة‪ .‬ويمكللن أن نقللول أن الخطللاب المللوازي أو اللجللم‬
‫للخطاب العروبي هو نتاج صحوة الكيانات الخرى )المدينية خاصة(‬
‫التي ل يعبر عنها خطاب العروبة‪ .‬ولكن بالضافة لسطوة الكيانللات‬
‫العروبيللة وغيللاب التللوازن الكمللي للخريللن‪ ،‬فيمكللن عللزو ضللعف‬
‫الخطاب )السوداني( الموازي لعوامل أخللرى‪ .‬فأصللحابه لللم يجللدوا‬
‫في الواقع سندا ً حضاريا ً أو ماضويا ً يتكئون عليلله للتبللاهي‪ .‬فمبللادئ‬

‫‪11‬‬
‫المساواة المفترضة ضمنا في الهويللة )السودانية( علللى أسللاس‬
‫الدولة الوطنية ل تجد لها سندا ً إل في خطاب التنللوير الغربللي وهللو‬
‫فللي ذلللك الللوقت يمثللل السللتعمار موضللوعيا‪ ،‬ول )يجييوز( تبنللي‬
‫نظرياته أو على القل يصعب تبنيها علنًا‪ .‬أما التجاه نحو السييلم‬
‫مجردا ً هكذا فغير ممكن لنه ملغللم بللالعتراف بالتقسلليم العبللودي‬
‫والستعلء العروبي اجتماعيًا‪ ،‬على القللل علللى مسللتوى تفسلليراته‬
‫الفقهية‪ .‬لقد كان هذا التعقيد هو السبب وراء تبني النخب المدينيللة‬
‫لشعار )وحدة وادي النيل( في محاولة لسقاط صللورة مصللر علللى‬
‫سودان متخيل أو التطلع لصورة مصر كسللقف لللوعي ذلللك الجيللل‬
‫باعتبار أن المسائل العرقية لللم تعللد ذات وزن كللبير‪ ،‬قللدر مللا هللي‬
‫الحال في السودان‪ ،‬بالضللافة للسللطوة )الحضللارية( لمصللر علللى‬
‫مثقفي السودان‪ .‬وقد ظهرت في تلك الفترة تنظيمات مثللل اتحللاد‬
‫القبائل الذي كان على عبد اللطيف عضوا فيه‪ ،‬والتحاد السللوداني‬
‫واللواء البيض‪ ،‬والكتلة السللوداء فيمللا بعللد‪ ،‬تلللك التنظيمللات الللتي‬
‫كان يغذيها شعبيا كيان المنبتين قبليا ً ل أي الجيال الولى مللن أبنللاء‬
‫العبيد المحرريللن لل بالدرجللة الولللى‪ ،‬تلللك التنظيمللات الللتي كللانت‬
‫تبحللث عللن هويتهللا ضللمن هويللة )شللعب السللودان( خللارج الطللر‬
‫العشائرية الطائفية السائدة اللتي تمثلل المركزيللة السللموعربية‪،‬‬
‫وهذا البحللث مللن قبللل المنبللتين قبليلا ً لبللد أنلله نللابع مللن ومللدفوع‬
‫بوضعيتهم الشاذة كأبناء عبيد محررين‪ ،‬تعلموا واكتسبوا وعيا ً جديدا‬
‫بذواتهم تجاوز عتبة التحرير الشكلية في وسللط سللادتهم القللدامى‬
‫المهيمنين اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا‪.‬‬
‫وعلى هذا الساس يمكننا افتراض عللدم وضللوح الرؤيللة بالقللدر‬
‫الكافي بالنسبة لخطاب )السودانية( المللوازي لخطللاب )العروبيللة(‬
‫مما أوقعه في ماعونه في نهاية المطاف‪ ،‬المر الذي دفللع البللاحث‬
‫محمللد جلل هاشللم إلللى تصللنيفه )جوهريللا( كامتللداد للخطللاب‬
‫السلللموعروبي‪ .‬وذلللك لعللدم تللوفر الشللروط التاريخيللة لكتمللال‬
‫)خطاب مواز أو مقابل( في ذلك الوقت‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫أما فيمللا يتعلللق ببعللض الكيانللات الثنيللة الثقافيللة الخللرى‪ ،‬فللي‬
‫جنوب السودان وجبلال النوبلة‪ ،‬فقلد خضلعت لسياسلات المنلاطق‬
‫المقفولة ‪ Closed District Policies‬في الفترة مللن ‪22‬ل ل ‪1947‬م‪.‬‬
‫وفي تقييمنا لللذلك‪ ،‬فنحللن لسللنا مللن أنصللار )جملللة وتفصلليل( لن‬
‫الستعمار هو جوهريا استغلل مادي وإعادة إنتاج ثقللافي أو إلحللاق‬
‫واستتباع حضاري‪ ،‬أي علقة تابع بمتبلوع‪ .‬وبهللذا الفهللم فإننلا ننظللر‬
‫إلللى المسللألة علللى أسللاس أن الكيانللات الثنيللة الثقافيللة غيللر‬
‫السلللموعربية فللي السللودان‪ ،‬كللانت تتعللرض لسللتعمار مللزدوج؛‬
‫السلللتعمار النكليلللزي الخلللارجي‪ ،‬والسلللتعمار السللللموعروبي‬
‫الللداخلي‪ .‬وبالتللالي‪ ،‬فللإذا كللان لبللد مللن )نظر( للمسللألة فليكللن‬
‫بمنظللور هللذه الكيانللات المقفولللة نفسللها ‪The Closed Entities‬‬
‫‪ Paradigm‬وليلللس بمنظلللور المركزيلللة الروبيلللة ‪Eurocentric‬‬
‫‪ Paradigm‬أو منظور المركزية السلللموعربية ‪Islamoarabocentric‬‬
‫‪ . Paradigm‬فبمنظور الل ‪ ، Closed Entities‬وبعبر النتائج‪ ،‬فإن أهم‬
‫)إيجابيللات( السللتعمار النكليللزي فللي السللودان‪ ،‬أنلله قللام بإلغللاء‬
‫مؤسسة الرق أول ً ثم ألحقهلا بسياسلات المنلاطق المقفوللة‪ ،‬مملا‬
‫ساهم في محافظة هذه الكيانات على هوياتها‪ .‬والمنطق فللي ذلللك‬
‫هو أنه إذا كان لبد مللن )مسللرحية الثعلللب فللي حظيللرة الللدجاج(‪،‬‬
‫فالقل سوءا ً هو )ثعلب واحد( وليس ثعلبين أو أكثر‪ ،‬خاصة إذا كان‬
‫هذا الثعلب الواحد على شاكلة )العدو العاقل( وهو بكل تأكيللد خيللر‬
‫من )العدو الجاهل(‪ .‬ولنترك المنطق )الصرف( جانبلًا‪ ،‬لنتجلله إلللى‬
‫ماهية هذه السياسات الخاصة بالمنللاطق المقفولللة الللتي أصللبحت‬
‫شماعة الخطاب الرسمي يعلق عليها أخطائه فللي إدارة مشللكلت‬
‫السودان وتسببه فيها‪ .‬وتتلخص أهم ثلثة بنود منها في‪:‬‬
‫‪1‬ل محاصللرة تجللارة الرقيللق‪ .‬مللع العلللم بللأن )الجلبة( الللذين‬
‫التزموا بهذا البند سمح لهم بالعمل فللي المنللاطق المقفولللة طيلللة‬
‫سريانها‪.‬‬
‫‪2‬ل الحفاظ على هويات الكيانات المقفولة باعتبار واقعها‪،‬‬
‫وتوجيهها )غربًا( في أسوأ الحوال‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪3‬ل منع تسرب المراض التناسلية ‪ Venereal Diseases‬المتفشية‬
‫في شمال السودان إلى الجنوب )العذري( في ذلك الوقت‪ .‬ونأمللل‬
‫أن نجد من بين البحاثة الشجعان من يستطيع أن يفتح لنا صللفحات‬
‫من تاريللخ الدعارة فللي السللودان وعلقتلله بأركيولوجيللا الللثروات‬
‫المسكوت عنها‪ ،‬حتى نستبين أهمية هذا البند في الواقع‪.‬‬
‫وبالطبع ظل الخطاب الرسمي يغّيب مضمون هذه البنود ويصر‬
‫علللى أن سياسللات المنلاطق المقفولللة هلي السلبب فلي مشللاكل‬
‫السودان ويعتبرها أساس أسس المنطق )التبريري(‪ .‬ولكن الواقللع‬
‫هللو أن هللذه السياسللات قللد عييوقت مشللروع السلللموعروبية‬
‫الستغللي وفي لحظة حاسمة مللن لحظللات نهوضلله السللترجاعي‬
‫لبناء الدولة العبودية بآليات الحداثللة‪ .‬لللذلك كللان التبللاكي والعويللل‬
‫والصراخ‪ ،‬وتحميل هذه القوانين ما ل يمكن أن تحتمله‪ .‬فإذا سلللمنا‬
‫جدل ً بأحقية المركزية السلموعروبية في فرض هويتها علللى هللذه‬
‫الكيانات وحسب مزاجها؛ وهي التي احتاجت لمللا يزيللد عللن الثنللي‬
‫عشر قرنا ً لتعريب وأسلمة شللمال السللودان فحسللب‪ ،‬وقللد كللانت‬
‫هذه المناطق المقفولة مفتوحة أمامها في ظل الدولة الحديثة من‬
‫‪ 1821‬وحتى ‪1922‬م‪ ،‬ولمدى قللرن مللن الزمللان كللانت تقيللم فيلله‬
‫الللزرائب والديللام مثللل ديم زبييير ولللم تعللرب ولللم تأسلللم تلللك‬
‫المناطق والكيانات‪ ،‬فما الذي يجعلها قادرة على أسلمتها وتعريبهللا‬
‫في ‪ 25‬عاما ً هي عمر هللذه السياسللات كقللوانين ومللا ل يزيللد عللن‬
‫‪15‬عاما تنفيذًا؟ ثم ها هي الن كيانات ومنللاطق أخللرى فللي شللرق‬
‫السللودان وغربلله وأقصللى شللماله تقللف نفللس موقللف المنللاطق‬
‫المقفولة وكياناتها‪ ،‬في الحرب وفي السلم‪ ،‬فهل كانت هللذه أيضللا ً‬
‫مقفولة بقوانين سرية لم نسمع عنها؟ )الله أعلم(‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فأنه بعد تأسيس نللوع مللن الحيللاة الحضللرية وانتشللار‬ ‫على ك ٍ‬
‫التعليم وتخّرج أجيال جديدة من أبناء الكيانللات المهمشللة ودخولهللا‬
‫معترك الحياة المدينيللة‪ ،‬تللم اكتشللاف الفللوارق وأسللس السلليطرة‬
‫وربما أبعادها التاريخية وأشكال الهيمنة والقصاء المادي والمعنوي‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫فكللان الجنوبيللون البللدر صللحوة بعللد كيللان المنبللتين قبلي لا ً وأبنللاء‬
‫العشائر غير العربية من المدينيين والنتلجنسيا‪.‬‬
‫وأثنللاء ذلللك المخللاض جللاء السللتقلل‪ ،‬الللذي يمكللن أن نسللميه‬
‫"هجمة البدو"‪ ،‬فقد ورثللت المركزيللة السلللموعربية جهللاز الدولللة‬
‫وهشمت جو )العدالة النسبية( التي كللانت توفرهللا دولللة الحكللم‬
‫النكليللزي )السللتعمار( وبللدأت تسللتثمره إقصللائيا ً علللى كافللة‬
‫المستويات )المر الذي كان يمنعها منه الستعمار النكليزي نسبيا(‬
‫وفرضت سيطرتها مللن خلل نخبهللا وطوائفهللا‪ .‬أمللا علللى مسللتوى‬
‫الهوية فقد سعت لفللرض هويتهللا علللى السللودان عللبر مؤسسللات‬
‫التعليللم وأجهللزة العلم مللن خلل مشللروع بوتقللة النصللهار علللى‬
‫أساس الثقافة السلموعربية التي تغلف بإسم "القومية" بللالمعنى‬
‫السوداني للمصطلح كمصطلح من مصللطلحات الللترميز التضللليلي‬
‫للخطاب‪ .‬وفي البداية كان لغيللاب التللوازن الكمللي والنللوعي علللى‬
‫مستوى الوعي أثره في اكتساح هذا التوجه الملغم ل بتعللبير الناقللد‬
‫حسلللن موسلللى لللل فقلللد كلللانت الغالبيلللة السلللاحقة للمتعلميلللن‬
‫والمسللليطرين عللللى مفاصلللل الدوللللة هلللم أبنلللاء المركزيلللة‬
‫السلللموعروبية ومللواليهم‪ .‬ولكللن كللان لليسللار دورا ً لجم لا ً للغلللو‬
‫والتطرف نسبة لوعيه بل)ديالكتيك( المسللألة الللذي يمكللن أن يولللد‬
‫النقائض التي ستطيح بوضعية المركزية‪ .‬ولكن هذا اليسار المنتمي‬
‫اجتماعيا ً لهذه المركزيلة المهيمنلة كلان متلواطئا ً أيلديولوجيا‪ ،‬إذ أن‬
‫مللوقفه مللن فللرض الهيمنللة السلللموعربية هللو موقللف تكللتيكي‬
‫وإجرائي متستر )بالممية( وليس موقفا مبدئيا‪.‬‬
‫وبالرغم من كل شيء‪ ،‬فلم يكف الخطاب المتشدد عن الطلل‬
‫برأسه من هنا وهناك‪ .‬وها هو السلليد إسللماعيل الزهللري لل رئيللس‬
‫الدولة ل يدلي بشهادته‪ … " :‬أشعر في هذا المنعطف بأنني مضطر‬
‫لعلن أننا نعتز بأصلنا العربي‪ ،‬بعروبتنا‪ ،‬وبكوننا مسلمون ‪ ..‬العللرب‬
‫جاءوا إلى هذه القارة كلرواد‪ ،‬لنشلر ثقافلة أصللية‪ ،‬وإعلزاز مبلادئ‬
‫سامية‪ ،‬أشاعت العلم والحضارة في كل بقاع أفريقيللا‪ ،‬وفللي وقللت‬
‫كللانت فيلله أوروبللا غارقللة فللي ديللاجير الظلم والجهللل والكهنللوت‬

‫‪15‬‬
‫والتخلف المريللع‪ ..‬أن أجدادنا هللم الللذين حملللوا المشللعل عالي لا ً‬
‫وقادوا قافلة التحرر والتقللدم‪ "..‬أمللا التجللاني عللامر فيكللون أكللثر‬
‫إفصاحا‪ ،‬وفي تبريره لعروبة السودان يقول "كللان الغللزو السلللمي‬
‫للقبائل العربية منتشرا ً في كل أرجاء السودان الشمالي والشرقي‬
‫والغربللي بالنسللبة الللتي اقتضللتها حيللاة العللرب وطريقللة عيشللهم‪.‬‬
‫فسكن المستقرون والزراع على ضفاف النيل‪ .‬وانتشر الرعاة فللي‬
‫شرق البلد وغربها وقد ظلوا كما ذكرنا ]يكرر هنللا مللدخل مقللالته[‬
‫يحررون ويعربون بين السللت المحلية حتى صار السودان‬
‫كله عربيا ً في ثقافته ومسلما ً فللي عقيللدته"‪ .‬ومللا بهللذه المقللولت‬
‫من مغالطات تاريخية هو جللزء ل يتجللزأ مللن إكليشلليهات الخطللاب‬
‫الرسمي‪ .‬وتنفضح هنا نزعة الستعلء المسكوت عنها عند أطللراف‬
‫أخرى‪ .‬ولكن المشكلة كمللا يللرى د‪ .‬موسللى الخليفللة هللي أنلله "إذا‬
‫كانت ثقافة قد افترضت أن لغتها هي الحسن‪ ،‬ودينها هو الحسللن‪،‬‬
‫وعنصلللرها هلللو الحسلللن ]وهلللذا ملللا ظللللت تشللليعه المركزيلللة‬
‫السللللموعربية فلللي مؤسسلللات التعليلللم وأجهلللزة العلم فلللي‬
‫السودان[ فإنها تربي مواطنها بالسقاط بأن الثقافات الخرى أقل‪.‬‬
‫وعند النظر للمشاكل الموجللودة فللي السللودان‪ ،‬خاصللة المشللاكل‬
‫العنصرية‪ ،‬نجد أنها ناجمة عن هيمنة ثقافة معينة والنظر إليها علللى‬
‫أنها متقدمة ومختارة‪ .‬وهذا يتأسللس علللى مفهللوم أن هنللاك ثقافللة‬
‫أعلى ‪ Superior‬وثقافة أدنى ‪ ،Inferior‬وبالتالي صار هناك مفهوم‬
‫اجتماعي باختلف درجة بين العناصر المختلفة"‪.‬‬
‫وفي سياق التأرجح بين التشدد ولجماته‪ ،‬برزت فللي السللتينات‬
‫خطابات داعية )للعتراف( بالمكون الفريقي للللذات السللودانية‪.‬‬
‫وسنحاول تلمس الظروف الللتي تسللاوقت لللبروز هللذه الخطابللات‪،‬‬
‫والخلفيات التي شحذت همللم "المثقفاتيللة" للنللدفاع لهللذا التجللاه‬
‫الذي تبدى توفيقيًا؟‬
‫هناك في رأينا عدة أسباب لذلك‪ ،‬منها ما هو داخلي في الحراك‬
‫الجتماعي‪ ،‬ومنها ما هو خارجي‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫على الصعيد الداخلي‪ ،‬فقد تنامى نوع من الوعي )القومي( لدى‬
‫أبنللاء الكيانللات المهمشللة خاصللة فيمللا يعللرف )سللابقا( بمشللكلة‬
‫الجنوب وبروز إشكالت الحرب الهلية‪ .‬وقد شهدت الستينات أيضا ً‬
‫تنللامي وعللي كيانللات إثنيللة ثقافيللة )غيللر جنوبيللة( كقللوى سياسللية‬
‫تجاوزت حللاجز التخويللف اليللديولوجي المجهّللز فللي الللدمغ وأختللام‬
‫التهام بالعنصرية‪ ،‬الذي كان وما يزال من أهللم أسلللحة أيللديولوجيا‬
‫الهيمنللة المركزيللة السلللموعروبية‪ .‬وقللد خاضللت تلللك الكيانللات‬
‫النتخابات في فترة الديمقراطية الستينية مثل مللؤتمر البجللا الللذي‬
‫تأسس عام ‪1958‬م‪ ،‬واتحاد جبال النوبة‪ ،‬ووحللدة غللرب السللودان‪،‬‬
‫هذا من جانب‪ ،‬ومن جانب آخر‪ ،‬فإنه كمللا ذكرنللا‪ ،‬مللن خلل توسللع‬
‫قاعدة التعليم والحيللاة الحضللرية والللتراكم الكمللي والنللوعي لبنللاء‬
‫الهوامش في حلبة الصراع فقد تطللور وعيهللم بلذاتهم وبمصللالحهم‬
‫في ظل الهيمنة الثقافية والقصاء المادي والمعنللوي المتمثللل فللي‬
‫العنصرية الجتماعية والسللتعلء العرقللي‪ ،‬وتجلللي ذللك فللي توزيللع‬
‫الثروة وتقسلليم العمللل‪ ،‬ومللن ثللم بينونللة الطبقيللات ذات الطوابللع‬
‫العرقيللة‪ .‬هللذا بالضللافة لطلع المتعلميللن منهللم علللى فلسللفات‬
‫التقدم عامة‪ .‬ولما لتطور أجهزة التصللال مللن أدوار‪ ،‬وممللا ل شللك‬
‫فيلله أن كللان لللذلك دور فللي محاصللرة اليللديولوجيا المركزيللة‬
‫وشللروطها القصللائية وإكسللاب الخريللن مسللاحة للتحللرك‪ .‬ولكنهللا‬
‫بالطبع لها خبرة تاريخية كبيرة في المواجهة‪ ،‬فكان تنامي التيللارات‬
‫الدينيللة الللتي أصللبحت تهللدد الجنللاح العلمللاني داخللل اليللديولوجيا‬
‫المركزية نفسها‪ ،‬مما دفع هذا الجناح للتجاه الخر سواء تكتيكيللا ل ل‬
‫على القل في سعيه للجم الجناح الديني من جهة‪ ،‬واحتللواء نهضللة‬
‫الكيانللات الثنيللة الثقافيللة الخللرى مللن جهللة ثانيللة‪ .‬وبللالطبع لكللل‬
‫أيديولوجيا نظام خطابها القادر على التوسع والمتداد دون أن يفقد‬
‫اتصاله بمحللوره مللتى مللا تعللرض للضللغوط الداخليللة أو الخارجيللة‪.‬‬
‫وذلك من خلل )فضفضة( المعايير عبر سلسلللة مللن الللترميزات‬
‫التضليلية لمجابهة التكاثر الكمي والنوعي )الواعي( للذين ل تنطبق‬
‫عليهم أو يعدون خارج هذه المعايير اليديولوجية السائدة في حلبللة‬

‫‪17‬‬
‫الصراع كاستراتيجية خطاب تمهد الطريق لعادة النتاج)في بوتقللة‬
‫النصهار على الساس السلموعروبي فللي حالللة السللودان( ومنللع‬
‫الستقطاب الللذي يمكللن أن يطيللح بمشللروع الهيمنللة برمتلله وبمللا‬
‫يستضمنه من مصالح مادية ومعنوية‪.‬‬
‫ولما كان ما هو)أفريقي( فللي الواقللع مصللدر )إشانة(‪ ،‬بسللبب‬
‫احتقار اللون السود‪ ،‬وبسللبب تاريللخ مؤسسللة الللرق قريبللة العهللد‬
‫الللتي ل تتيللح أي فرصللة )للتبيياهي( بأصللل أفريقللي‪ ،‬أو كسللب‬
‫الوجاهللة أو تحقيللق مصلللحة ماديللة علللى هللذا السللاس لعتبللارات‬
‫مرتبطة بالتقسيم العبودي في الوعي السلموعروبي السائد؛ فلللم‬
‫يكن ممكنللا بهللذا الشللرط التللاريخي العللتراف بأفريقيللة )العللرب(‬
‫و)أولد العرب( أي )أولد السلراري بالمسلكوت عنله(‪ ،‬ناهيلك علن‬
‫الندغام في أفريقية العبيد أولد العبيد أولد الخديم "في بلللد يتللبرأ‬
‫فيه الناس من العرق الزنجي تبرؤهم من الجذام" كمللا يقللول عبللد‬
‫الله بول‪.‬‬
‫ولكللن علللى الصللعيد الخللارجي‪ ،‬فقللد كللانت السللتينات فللترة‬
‫للتحولت‪ .‬فظهور نماذج القادة الفارقللة )المحللترمين( أمثللال الب‬
‫جوليوس نلايريري‪ ،‬وجومللو كينياتللا‪ ،‬ونكرومللا ولوممبللا الللذين ملت‬
‫سيرهم الناشيد التي باتت تغنيهم في أرجاء الدنيا‪ ،‬في أيام صللعود‬
‫المميللة‪ ،‬وبللاتوا مصللدر احللترام أكللثر مللن غالبيللة قللادة العللرب‬
‫والمسلمين والبيض‪ ،‬فكان لبد أن يكون لذلك أثللرا‪ ،‬ودافعللا نفسلليا‬
‫ومعنويا للوعي )الفريقي( المكبوت للتعبير عن نفسه‪ .‬خاصللة بعللد‬
‫انفتلللاح السللللموعروبيين السلللودانيين عللللى العلللالم واكتشلللاف‬
‫هامشلليتهم ومنقصللة عروبتهللم بالنسللبة للعللرب وحللتى فللي مصللر‬
‫القريبة حيث يعتللبرهم )الشللارع( ليللس أكللثر مللن )سللمارات(‪ .‬ثللم‬
‫تنامي خطاب الخصوصيات في مواجهة الهيمنللة الحضللارية الغربيللة‬
‫وأثره حتى في الخطاب العربي‪ .‬وفي هذا الجو كان لبد من إيجللاد‬
‫مخارج من هذه الورطة وردم الهوة النفسية‪ ،‬إما بالتشدد الخطابي‬
‫لتأكيد الدعللاء )العروبللة( لل وهللذا مللا حللدث علللى مسللتوى الللوعي‬
‫الجمعي السلموعروبي في السودان ل أو العتراف بمنطق الواقع‬

‫‪18‬‬
‫بالنسبة لقليللة مللن المثقفيللن ل تسللتطيع تنكللب طريللق المغالطللة‬
‫)بالظاهر والمشكوف( في حال وضعيتها الجهيرة‪ .‬وقد كانت تلك ل ل‬
‫في رأينا ل هي الظروف التي تساوقت لبروز خطاب الفروعروبية‪،‬‬
‫تكتيكيا على القل كمحاولة لرسم الطريق لعادة التوازن النفسللي‬
‫للكيان السلموعروبي‪ .‬وهذا يعني في الساس العتراف بمكونهم‬
‫)هم( الفريقي‪ ،‬وليس بأفريقية الفارقللة فلي السللودان‪ .‬ويشللاركنا‬
‫في هذا الرأي الباحث محمد جلل هاشم الذي ذهب إلى ذلللك مللن‬
‫قبل‪ .‬هذا هو الساس الذي قللام عليلله الللوعي الفروعروبللي الللذي‬
‫تلقفلله الخللرون مللن المثقفيللن المتحلقيللن حللول حلبللة الخطللاب‬
‫الرسمي واعتبروه تنازل )ول حتى تحلم بيه( وتعلقللوا بلله )والغريللق‬
‫يتعلق بالقشة(‪ .‬وكانت النتيجللة هزيمللة الللوعي القللومي )الللوطني(‬
‫وإعادة إنتاج الزمة‪ .‬وبعبرة النتائج فقد كانت الفروعروبيللة ليسللت‬
‫أكثر من شكل من أشكال التواطؤ اليديولوجي مللع المركللز محللور‬
‫الزمة في الوضعية التاريخيللة للدولللة السللودانية ل ل جدليللة المركللز‬
‫والهامش‪ .‬فمواقف أصحاب اللمعية صلللح أحملد إبراهيلم ومحمللد‬
‫المكي إبراهيم المؤيلدة للنقلاذ‪ ،‬وتللوجه د‪ .‬محمللد عبللد الحلي نحللو‬
‫حللزب المللة وعللودته فللي أواخللر أيللامه للحظيللرة السلللموعربية‬
‫وتحّفظ النور عثمان أبكر عن إكمال إفادته في قوله "لست عربيللا ً‬
‫مللل الدللللة‪ ،‬أي التمهيللد )الرصللين( لسللير الهيمنللة‬ ‫… ولكللن!" تك ّ‬
‫السلموعربية التي آلت في النهاية إلى )المشروع الحضاري(‪.‬‬
‫أما المتحلقون حول خطاب الفروعروبية من دعاة السللودانوية‬
‫فقد تاهوا في سللديم صللنعوه بأنفسللهم بتجللاوزهم للواقللع وأسللس‬
‫إشللكالته‪ ،‬وتغاضلليهم عللن ذكللر حقللائقه المتعقلللة بآليللات الهيمنللة‬
‫والقصاء‪ ،‬إذ لم يمتلكوا الشللجاعة فللي قللول أن )أم المللك عزبللاء(‬
‫بالسوداني أي )ثّيب( بالعربي الفصيح‪ .‬أو أن )البغلة فللي البريللق(‪،‬‬
‫واكتفوا بالحلم وبل)الذاتي( في المسألة وتركوا مللا هللو موضللوعي‪،‬‬
‫فلم تأخذهم الرجل الواحدة بعيدا باتجاه الحلم‪.‬‬
‫ولكن الواقع اليوم تجاوز أطروحللات الفروعروبيللة بالللذات‪ ،‬لن‬
‫قضية الهوية في السودان لم تعد مسللالة "ذاتيللة" سللودانية يبحللث‬

‫‪19‬‬
‫لها عن متكأ عربي أو أفريقي أو آفروعروبي أو سودانوي‪ .‬كمللا لللم‬
‫تعد مشكلتها محصورة في الللترميزات السللتفزازية مثللل إكليشلليه‬
‫"منذ دخللول العللرب السللودان" فلي الجابلة علللى طلللب الجنسلية‬
‫السودانية‪ ،‬أو تسمية شارع فللي العاصللمة )القوميللة( باسللم الزبيللر‬
‫باشا أكبر تاجر رقيللق فللي السللودان‪ ،‬ول حللتى فللي تجللاوز قللوانين‬
‫الجدوى القتصادية واختيار مسقط رأسه )الجيلللي( لنشللاء محطللة‬
‫تكرير البترول المجلوب من آباره في الجنوب كما سبق وتم جلللب‬
‫العبيد‪ .‬ولكن المسألة تبدت أبعادها في الواقع المادي المتعين‪ :‬في‬
‫التراتبية الجتماعية‪ ،‬والل ‪ ، Access to Power‬وفي تقسيم العمللل‪،‬‬
‫وفي تجليات ما يسميه د‪ .‬منصور خالد بالتعالي العنصري المسللتتر‬
‫والبرتهايد الديني‪.‬‬
‫وقد )جاهد( د‪ .‬فرنسيس دينق لبراز هذا الجانب ولكنه حصللره‬
‫خطيا في علقة )شمال ل جنوب( مما أنقلص خطلابه الماضلي فلي‬
‫سللبيل الكشللف عللن الشللكالت الحقيقيللة للهويللة فللي السللودان‬
‫المتعددة الخطوط‪.‬‬
‫وسنحاول أن نسرد هنا بعض المثلة على ما ذهبنا إليه‪:‬‬
‫فبالرغم من إلغاء مؤسسة الرق )رسميا( إل أنها ظلت‬
‫ممارسة شعبية في الكثير من المجالت‪.‬‬
‫فاجتماعيا؛ ما زالت معادلة التزاوج الحادية مستمرة لحد كللبير‪.‬‬
‫وإذا كللانت المسللألة مفهومللة ومقللدرة فللي القطاعللات الريفيللة‬
‫المغلقة‪ ،‬فإنها ما زالت تفعل فعلها في القطاعللات المدينيللة وكللان‬
‫من آثارها الطبقيللة العرقيللة البائنللة‪ .‬واسللتمرار الللوعي الجتمللاعي‬
‫على أساس التقسيم العبللودي عللبر مللا أسللميناه بميكللانيزم النفللي‬
‫البيولوجي للرجال في معادلت التخالط الجتماعي‪ .‬هللذا بالضللافة‬
‫للتدجين المتصاعد للمرأة في السودان كأثر مباشر لهذا النمط من‬
‫الوعي الجتماعي‪.‬‬
‫أما اقتصاديًا؛ فما زال تقسلليم العمللل العبللودي واقعلًا‪ ،‬فقللد تللم‬
‫إعلء العمل الذهني على العمل اليدوي‪/‬الجسماني ل باعتباره عمل‬
‫العبيد ل بما ل يقاس ووزع على كل فريق حظه‪ .‬وممللا ل يمكللن أن‬

‫‪20‬‬
‫تخطئه العين هو تجلي هذا الوعي فللي الواقللع‪ .‬فالغالبيللة السللاحقة‬
‫من )الخدامين( و)الخدامات( أي )العبيد بالمسكوت عنله( هلم مللن‬
‫أبنللاء الكيانللات السللوداء الللتي كللانت مصللدرا لتجللارة الرقيللق‬
‫وللسللتغلل العبللودي‪ .‬وكللذلك الغسللالين والكناسللين ومنظفللي‬
‫المراحيض فللي كللل مكللان‪ ،‬والعمللال الحللرة الشللاقة فللي تشللييد‬
‫المباني والخفراء فغالبيتهم من الكيانات السوداء )جنوبيللون ونوبللة‬
‫وغّرابة وبقارة(‪ .‬في الوقت الذي نجد فيه أن الغالبية الساحقة مللن‬
‫)أصللحاب الياقللات البيضللاء( وخاصللة المراكللز العليللا‪ ،‬هللم مللن‬
‫المنللدوكروز ‪) Mandocoroos‬جمللع منللدكورو للل أي أصللحاب الذان‬
‫الحمراء ل بتعبير أهلنا في الجنوب(‪ ،‬بالضافة للمنتمين إليهم قيميللا ً‬
‫وثقافيا ً )مواليهم(‪.‬‬
‫وفللي نفللس السللياق تللدخل اللغللة واللللون فللي تقسلليم العمللل‬
‫)الرسمي( فكل من لللديه )لكنللة( محللروم مللن العمللل فللي أمللاكن‬
‫معينللة مثللل الجهللزة العلم والعلقللات العامللة بسللبب )الحاديللة‬
‫الرسمية للغة العربية( واحتقار اللغات الخرى خوفا ً من إبراز وجلله‬
‫السودان )غير الحضاري!( وهذا بالضافة لتقلص أعداد )الملكونين(‬
‫عامة في مؤسسللات التعليللم العللالي ومللا يسللتتبعها مللن وظللائف‪،‬‬
‫بسبب اشتراط النجاح في اللغة العربية لمنللح الشللهادة السللودانية‬
‫ومن ثم تضاؤل فرص هؤلء في عملية الل ‪.Access to Power‬‬
‫أما موضوع اللون‪ ،‬فسواد لون النسان السللوداني ]كللذا[ كفيللل‬
‫بإبعاده عن العمل في جهللاز مثللل التلفزيللون!! فهنللاك تواطللؤ غيللر‬
‫معلن على )الحد الدنى مللن اللللون( للعمللل كمللذيع أو مذيعللة فللي‬
‫البللد السلمه السلودان‪ .‬هلذا بالضلافة للتوجهلات العشلائرية فلي‬
‫الخدمة العامة طبعًا‪.‬‬
‫أما على مستوى الملكية وتوزيع الثروة في السودان‪ ،‬فمثل في‬
‫مشروع الجزيرة تم توزيع الراضي الزراعيللة فللي المشللروع علللى‬
‫أبناء الكيانات ذات الصول العربية بحجة أنهم ملك سابقين للرض‬
‫قبل قيام المشروع‪ .‬بينما ترك أبناء الكيانات الخرى يعيشللون فللي‬
‫الكنابي كعمال منذ تأسيسه في العشرينات‪ .‬وقد ظل هللذا التللوجه‬

‫‪21‬‬
‫مستمرا بعد الستقلل وحتى الن دون أن تقوم الدولة )المستقلة(‬
‫التي غيللرت كللل شلليء بمراجعللة وضللعية توزيللع وتمليللك الراضللي‬
‫الزراعية ومراعاة ظروف سكان الكنللابي )المزارعيللن الحقيقييللن(‬
‫المسللتقرين منللذ ذلللك الللوقت‪ .‬وقللد ظللل هللذا التللوجه قائمللا عنللد‬
‫تأسيس امتداد المناقل بعللد السللتقلل‪ .‬ولكللن الحجللج الللتي كللانت‬
‫تسللاق لتللبرير عمليللة توزيللع الراضللي وتمليكهللا فللي الجزيللرة‪ ،‬تللم‬
‫التخلي عنها عندما تعلق المللر بمنللاطق الزراعللة الليللة فللي جبللال‬
‫النوبة والنيل الزرق وأعالي النيل‪ .‬بل قامت الدولللة بإزالللة القللرى‬
‫وطرد المللواطنين لقامللة المشللاريع الللتي تللم توزيعهللا علللى تجللار‬
‫المللدن وكبللار )البيروقراطييية( المدنيللة والنظاميللة‪ ،‬الللذين فللي‬
‫غالبيتهم ليسوا من تلك المناطق‪.‬‬
‫أما تجليللات القضللية فللي السللكن وتركيللب المدينللة السللودانية‪،‬‬
‫فواضح للعيان وزيارة واحدة إلللى الحيللاء )الراقيللة( ذات الطوابللق‬
‫وأخرى للغيتوهات ‪ Ghettos‬أي الحياء الشعبية جدا ً تكفي للتأكد من‬
‫الزمة وتغني عن المجادلت‪ .‬ومن أمثلللة التوجهللات المنحللازة مللن‬
‫قبل الدولة‪ ،‬عندما تم ترحيللل كرتللون شللمبات إلللى الحللاج يوسللف‬
‫الجديدة‪ ،‬فقللد قسللمت الراضللي ووزعللت إلللى أسللر كللبيرة وأسللر‬
‫صغيرة ودرجة رابعة فيما سمي بل)الوحدة الوطنية( ل وهذه واحللدة‬
‫من الترميزات التضللليلية لل كللان التقسلليم فللي الواقللع قللائم علللى‬
‫أسس عرقية وجهوية‪ ،‬إذ احتللل أبنللاء المنللاطق المهمشللة )الزنللوج‬
‫والبقارة( الذين هم في الواقع السر الكبيرة لل بالمعيللار العللددي لل‬
‫مساكن الدرجة الرابعة ذات المسللاحات الضلليقة )‪200‬مللتر مربللع(‬
‫والتي تخلو من خدمات الكهرباء والماء‪ .‬بينما وزعت منللازل السللر‬
‫الكبيرة وغالبية السر الصغيرة )الوسع والفضل المزودة بخدمات‬
‫الكهرباء والماء( لناس آخرين ذوي أصول عرقية وجهوية مختلفة‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بما يسمى بالسكن العشللوائي‪ ،‬فبللالرغم مللن أن‬
‫معظم الحياء السكنية فللي العاصللمة مثل‪ ،‬غيللر مخططللة وينطبللق‬
‫عليهللا عملي لا ً تعريللف السللكن العشللوائي‪ ،‬إل أن التكسللير والزالللة‬
‫تطللال غالبللا ً المنللاطق الللتي يقطنهللا أبنللاء المنللاطق والكيانللات‬

‫‪22‬‬
‫المهمشة بالدرجة الولى‪ .‬وبطريقة مهينة‪ ،‬وبللدون تعويضللات علللى‬
‫الخسائر المادية‪ .‬في الوقت الذي تترك فيه مناطق أخرى مجللاورة‬
‫تنطبق عليها كل المعايير الموضوعية‪ ،‬ل لسبب إل الصول العرقية‬
‫والجهوية لقاطنيها‪.‬‬
‫ويتجلللى تحيللز الدولللة علللى السللاس العرقللي فللي ظللاهرة‬
‫)الكشات( )خاصة في أيام النميري(‪ ،‬حيث كللان يتللم القبللض علللى‬
‫المواطنين )السود( وترحيلهم )عللراة إل مللن سللراويلهم الداخليللة(‬
‫إلى أقاليمهم بحجة تفريغ المدن من المتبطلين‪.‬‬
‫وأخيرًا‪ ،‬المماحكة في إيجاد حلول للحرب الهلية لنهللا ببسللاطة‬
‫تدور في المناطق المهمشللة‪ ،‬ويتضللرر منهللا بالدرجللة الولللى أبنللاء‬
‫هللذه المنللاطق‪ .‬بللل واتجللاه الدولللة إلللى سياسللة الخلء والتنزيللح‬
‫القسري بمد نطاق الحرب إلى مناطق كللان فللي إمكللان الحكومللة‬
‫السلليطرة عليهللا ولكنهللا تتركهللا كمنللاطق علميللات وتمنللع وصللول‬
‫المسللاعدات النسللانية إليهللا )بسللبب مركزيللة الطللرق لل حيللث أن‬
‫الطرق دائما ً تبدأ من المركز ل وسيطرتها عليها( وكللل ذلللك بهللدف‬
‫تهشللليم السلللياق الثنلللي الثقلللافي والجغرافلللي الطلللبيعي لهلللذه‬
‫المجموعات بغرض مسح هويتها بواسطة سياسات هوامش المدن‬
‫عللبر المنظمللات السلللمية‪ .‬وتكشللف ذلللك التقللارير والدراسللات‬
‫المتعلقة بالحرب في جبال النوبة وإثارة الحكومات للفتللن العرقيللة‬
‫فللي غللرب السللودان‪ ،‬وأخيللرا بالهيكلللة المبتدعللة للدارة الهليللة‬
‫وتحيزها لبعض القبائل ضد الخرى‪.‬‬
‫الصيييدام القيييومي وميييأزق السيييلموعروبية فيييي‬
‫السودان‪:‬‬
‫إن الوضعية التاريخية للدولة السودانية ل كما ذكرنا ل هي وضعية‬
‫مأزومة بسبب ميكانيزمات التمركز والتهميش القائمة على التحيللز‬
‫على أساس الفارق الثني الثقافي‪ ،‬ومن ثم اسللتثمار جهللاز الدولللة‬
‫إقصائيا وتمفصل العرق واللون مع الطبقة وتقسيم العمل‪ ،‬والديني‬
‫واللغوي والجهوي مللع السياسللي‪ ،‬فمللن الطللبيعي أن ينشللأ صللراع‬
‫الهويللات‪ .‬ولن هللذه الوضللعية تتنللاقض جوهريللا مللع الديمقراطيللة‬

‫‪23‬‬
‫والتنمية‪ ،‬فكان لبد من أن تتولد المضادات اليديولوجيلة للمركزيلة‬
‫المسيطرة‪ .‬والن‪ ،‬بعد تتويج مشروع المركزية السلموعربية فللي‬
‫السودان نفسه في نظام الجبهة السلللمية )المشللروع الحضللاري(‬
‫الذي أخرج المسكوت عنلله إلللى حيللز الممارسللة العلنيللة‪ ،‬وتشللديد‬
‫الخطاب في قمة تجلياته الدينية لمواجهة نهوض القوميات وخاصللة‬
‫المسلمة منها‪ ،‬وبعد تفشي الحللروب الهليللة‪ ،‬فقللد وصلللت الزمللة‬
‫إلى قمة تجلياتها‪ .‬والواقع هو أن مللا تفعللله الجبهللة السلللمية كللان‬
‫دافعه وعيهلا الحقيقلي بمهلددات هلذا النهللوض القلومي للمركزيلة‬
‫السلللموعربية وهيمنتهللا ومكاسللبها التاريخيللة‪ .‬إن الشللراهة فللي‬
‫النهب والتفكيك والستيلء والعنف الزائد هللي فللي الواقللع محاولللة‬
‫لنقاذ مللا يمكللن إنقللاذه لل لللذلك سللمو أنفسللهم "ثللورة النقللاذ" لل‬
‫لحسللاس النخبللة السلللموية باحتمللالت مللا يمكللن أن تللؤول إليلله‬
‫الحداث وحللتى ل تخللرج مللن المولللد بللدون حمللص قبللل )التحللول‬
‫التاريخي( فهي كانت تسابق الزمن للخللروج بأقللل الخسللائر عامللة‬
‫وبأكبر المكاسب الحزبية خاصة‪ ،‬لذلك أقنعت نفسها بللدور الوصللي‬
‫على الكيان‪ .‬وجملة القول‪ ،‬أن السلموعروبية فللي السللودان فللي‬
‫مأزق خطير‪ ،‬فالتاريخ قد كشف عورتها التاريخية‪ ،‬والواقع قللد أنتللج‬
‫أو في طريقه إلى إنتاج مضاداتها اليديولوجية المكافئة قوة ووعيًا‪،‬‬
‫وهللي مللن جللانب آخللر عللاجزة عللن التخلللي عللن مكاسللبها غييير‬
‫المشروعة في سياق الدولة الوطنية في السودان‪.‬‬
‫الريتوريكا وازدواجييية الخطيياب السييلموعروبي فييي‬
‫السودان‪:‬‬
‫ففي سللياق تللأرجحه بيللن )السلللمي( و )العروبللي( مللن جهللة‪،‬‬
‫و)اللللوطني( و)المملللي( ملللن جهلللة أخلللرى‪ ،‬فلللإن الخطلللاب‬
‫السلللموعروبي ظللل مسللتندا ً فللي جللله علللى النزعللة البلغيللة‬
‫والنشلللائية العاطفيلللة )الريتوريكلللا( المسلللتترة وراء اللللترميزات‬
‫التضللليلية كالقوميللة‪ ،‬والمللة السللودانية والوحللدة الوطنيللة وبقيللة‬
‫المصطلحات المذكورة‪ ،‬بالضافة لستضللمان إكليشلليهات التعدديللة‬
‫والتنللوع كللديكور خطللابي يقللوم بطلء برنامللج )بوتقللة النصللهار(‬

‫‪24‬‬
‫التذويبي سبب المشاكل في السللودان‪ .‬وبللذلك فهللو محللدد بللوعي‬
‫)الهيمنة والقصاء(‪ .‬ول ننسى تضامن جميع أطرافه فللي المغالطللة‬
‫إزاء وقائع السترقاق التي تدور في السودان هذه اليام‪.‬‬
‫من جانب آخر هو أيضا خطللاب مللزدوج ومتنللاقض ويقللوم علللى‬
‫مبدأ الكيل بمكيالين؛ ففي مواجهللة )الغللرب( يسللتعمل كللل أدوات‬
‫النبذ للهيمنة والقهللر الثقللافي وإلحللاق الحضللاري بحجللج خصوصللية‬
‫القيم الثقافيللة والللدفاع عللن الهويللات الحضللارية والدينيللة‪ ،‬ورفللض‬
‫آليللات القصللاء القائمللة علللى اللتكللافؤ بيللن المركزيللة )الغربيللة(‬
‫وهوامشللها فللي العللالم الثللالث‪ ،‬والللدعوة إلللى إعطللاء الفرصللة‬
‫للثقافللات والحضللارات المختلفللة للمسللاهمة )بعدالللة( فللي تحديللد‬
‫ملمح الحضارة النسانية؛ وكل ذلك صحيح في رأينللا؛ لنلله بللالرغم‬
‫مللن أن حيللاة البشللر فللي تحللولت مسللتمرة‪ ،‬وأن مسللألة النتمللاء‬
‫والهوية "قابلة للتغير والتبدل وهي مع ذلك مفهوم دينللاميكي قللادر‬
‫على التكيف" إل أن المسألة ل تتأتى بضللربة لزب أو بللالكراه لن‬
‫منظومات القيم التي تشكل معنللى حيللاة النسللان فللي مجتمعلله ل‬
‫يمكن إزالتها جزافا ً وبمبررات )برانية( بل هي عزيزة ول تشترى إل‬
‫بعملللة )التاريللخ(‪ .‬ولكللن هللؤلء السلللموعروبيين أمرهللم عجللب!‬
‫فبمجرد النتهاء من الخطب الموجهة إلللى الخللارج‪ ،‬واللتفللات إلللى‬
‫الداخل‪ ،‬يدعون ذلك دبر آذانهم وأعينهللم ويصللادرون حللق الخريللن‬
‫بل)التلّفظ بهذا المنطق( مدخلين أياديهم فللي جيللوبهم اليديولوجيللة‬
‫مخرجين الدمغ والختام والسكاكين‪ .‬فكل داعية لحقوق خصوصللية‬
‫ثقافيللة وإثنيللة فللي السللودان عنصللري‪ .‬وكللل متكلللم عللن حقللوق‬
‫سياسللية للقوميللات الخللرى وشللائر إلللى حقيقللة هيمنللة ومركزيللة‬
‫السلموعروبية‪ ،‬معاد ٍ وكائد للعروبة والسلم‪ ،‬وربما عميل للغرب‪.‬‬
‫وكل مطالب بعدالة اقتصادية للقاليم )المهمشة( داعيللة للتشللرذم‬
‫وتفتيت وحدة الوطن‪ .‬والجهللة الوحيللدة المصللرح لهللا بللالكلم هللي‬
‫)العترافية الرسللمية( أي مركزيللة الللذات السلللموعروبية الللتي ل‬
‫يتجاوز اعترافها العور ل الذي يسكت عللن ممارسللاتها التاريخيللة ل ل‬
‫تسويد أوراق المؤتمرات والدساتير والقوانين التي ل تساوى قيمللة‬

‫‪25‬‬
‫الحبر الذي تكتب به‪ .‬ويظل هذا )العتراف( في حد ذاته شكل مللن‬
‫أشكال الستعلء‪ ،‬طالما هناك جهللة )ترانسللدنتال=أوليللة ومسلللمة‬
‫سللابقة لجللراءات المنطللق( )تعللترف( )كللاعتراف الب ببنللوة إبللن‬
‫الحرام تفاديا ً للمشاكل( وتفترض في نفسها أنها هي الللتي )تللوزع(‬
‫الحقوق دون أن تسمح بمناقشة المصدر الذي )اشترت منه ملكيللة‬
‫الدولة( الذي أعطاها هذا الموقع العترافي التوزيعي المعطاء‪.‬‬

‫المآلت المحتملة وآفاق الحلول‪:‬‬


‫كما ذكرنا‪ ،‬أن جدلية المركز والهامش‪ ،‬هذه الوضللعية التاريخيللة‬
‫المأزومللة قللد وصلللت أزمتهللا )فللي السللودان( إلللى قمللة تجلياتهللا‬
‫بتفشللي الحللروب الهليللة‪ .‬ومنهجيلًا‪ ،‬ليللس بمقللدورها إعللادة إنتللاج‬
‫نفسللها واسللتمرارها مللرة أخللرى‪ ،‬وتبقللى مآلتهللا فللي الحتمللالت‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪1‬ي قيام الثورة‪ :‬وذلك بتشكل كتلة تاريخيللة ‪Historical Mass‬‬
‫عللبر تحللالف الكيانللات المهمشللة مللع قللوى الللوعي والتقللدم فللي‬
‫)المركز( للطاحة بهذه الوضعية التاريخية التي بللاتت تضللر بغالبيللة‬
‫الناس في السودان بمن فيهم السللواد العظللم مللن أبنللاء المركللز‬
‫أنفسهم‪ .‬وبالتلالي تأسليس الوضلاع بشلروط جديلدة تسلتند عللى‬
‫حقيقللة التعدديللة وتلللتزم بتوجهللات العدالللة والمسللاواة والتعللايش‬
‫السلمي‪ ،‬والرتفاع بقضية الهوية المشتركة ل ل هويللة الدولللة ل ل مللن‬
‫الظرفية إلى التاريخ )أي لكل هويته والدولللة للجميللع( حللتى يحكللم‬
‫التاريخ في مسألة )الذاتية السودانية( جيل بعد جيل‪ .‬أو؛‬
‫‪2‬يي التسييوية التاريخييية‪ :‬إن لللم يتيسللر قيللام كتلللة تاريخيللة‬
‫ناضللجة وقللادرة علللى إنجللاز فعللل الثللورة لي أسللباب أو تللداخلت‬
‫أخرى‪ ،‬فتبقى المسللألة مرهونللة بمقللدار التنللازلت الللتي يمكللن أن‬
‫تقللدمها النخبللة السلللموعربية )يمينهللا ويسللارها( واسللتعداد قللوى‬
‫الوعي والمهمشين للتضحية للتفللاق علللى برنامللج حللد أدنللى مثللل‬
‫)ميثاق أسمرا للقضايا المصيرية( واللتزام به مما قد يؤدي ل علللى‬

‫‪26‬‬
‫المدى الطويل ل إلى التحولت الضرورية‪ ،‬وإنجاز ما كان يمكللن أن‬
‫ينجزه فعل الثورة‪ .‬أو؛‬
‫‪3‬ي النهيار‪ :‬فإذا استمرت المساومات السياسية التي ل تعنى‬
‫بجوهر المشكلة‪ ،‬واستمر العجز عن تشكيل كتلللة تاريخيللة ناضللجة‬
‫)وعيللا وقللوة( وعجللزت المركزيللة عللن تقللدير الواقللع حللق قللدره‬
‫وأصللرت علللى مشللروعها‪ ،‬فيبقللى احتمللال النهيللار علللى شللاكلة‬
‫الصوملة أو تفتت الدولة السودانية إلى أقاليم متحاربة‪ .‬ول تستبعد‬
‫التللدخلت الخارجيللة كنتيجللة طبيعيللة لللذلك‪ .‬وقللد يكللون انفصللال‬
‫الجنوب البداية لهذا النهيار‪ ،‬وربملا سللاعد ذلللك فلي إعللادة النتللاج‬
‫للزمة في السودان الشللمالي واسللتمرار الوضللعية فيلله إلللى حيللن‬
‫اكتمللال نهللوض قوميللات الخللرى والللدخول فللي مللأزق جديللد‪ .‬مللع‬
‫احتمال نشوء نفس الزمة فللي الجنللوب إن لللم يسللتفد الجنوبيللون‬
‫من الدرس التاريخي‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫إذن فقضية الهوية في السودان‪ ،‬معقدة للغاية‪ .‬ول يمكللن حلهللا‬
‫بآليللات الحسللم الظرفللي والطلء التنظيللري المثقفللاتي‪ .‬ولللم يعللد‬
‫ممكنللا التحايللل علللى الواقللع بللدعاوى الحللرص علللى وحللدة أو‬
‫مشتركات واقعية أم مفترضة‪ .‬وأن المشكلة فللي جوهرهللا ليسللت‬
‫في نظللام الجبهللة السلللمية فحسللب بللل فللي الوضللعية التاريخيللة‬
‫وهيمنللة )المركزيللة السلللموعروبية( برمتهللا‪ .‬وبالتللالي بللات مللن‬
‫الضروري مناقشة هذا الواقع بوضوح حتى تقوم علقات المستقبل‬
‫ل إن أريدت ل على الحقائق الكاملللة والللوعي الكامللل وليللس علللى‬
‫)التلغيم( بالجندة السرية أو الغش والتللدليس‪ ،‬لن مللن هللو جاهللل‬
‫بالحقائق اليوم لبد عارف بها غدًا‪ .‬ومن ل يملك سلحا ً اليوم يدافع‬
‫به عن هويته وحقه المستلب تاريخيًا‪ ،‬فلبد مالكه غللدًا‪ .‬وقللد يكللون‬
‫سلحا ً ذريا ً فليللس ذلللك بمتعللذر فللي عللالم اليللوم‪ .‬وهنللا لللن تغنللي‬
‫المجادلت عن الحق في شيء‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫وإن أردنا أن نبقى سويا ً فلبد من العمل على إعادة تأسيييس‬
‫)الدولللة( علللى )شييرعية الختلف(‪ .‬ولتبقللى المشللتركات زادا ً‬
‫للمسير‪ .‬وعلى رأي عبلد اللله عللي إبراهيلم "فأهلدى السلبل إللى‬
‫السلم والنهضة الثقافية في السودان هو القرار بقللوامين أو أكللثر‬
‫للثقافة السودانية" ولسياسات الدولة السودانية‪ .‬وعلللى حللد قللوله‬
‫"أن يكف أبناء الشمال العربي المسلم عن خلع حضللارتهم بللدعوى‬
‫الهجنة" ولكن الهم في رأينا هو أن يكف )هؤلء( ومعهم عبللد الللله‬
‫على إبراهيم عن فرض هويتهم على )الدولة السودانية( وأن يقللروا‬
‫بحقائق التاريخ‪ .‬وهي )نعم( أن الحضللارة العربيللة السلللمية كللانت‬
‫في يوم من حضارة عظيمة‪ ،‬ولكنهللا أكملللت دورتهللا وانهللارت كمللا‬
‫انهار )التحاد السوفيتي(‪ .‬ونرجو من الدكتور عبد الله على إبراهيم‬
‫أن يبصر أهله بأن التاريخ ليس )بعيرًا( يمكن قيادته إلى حيث نشاء‬
‫)الّرجعى(‪ .‬وأن )النهر ل يمكن عبوره مرتين(‪ .‬ولهم بعللد كللل ذلللك‬
‫مطلق الحرية في تنكب هذا الطريق‪ .‬لكن دون أن يحاولوا سللوقنا‬
‫معهم فيه‪ .‬وأنه كما للهجناء الحللق فللي أن يكونللوا عربلا ً أقحاحلا ً أو‬
‫دعون‪ ،‬فللخرين أيضا ً حرية أن يكونوا دينكا ونوبا وفور وبجللا‪ .‬وأن‬ ‫ي ّ‬
‫دعوا النجلوساكسللونية والفرانكوفونيللة والمريكانيللة والكنغوليللة‬ ‫يل ّ‬
‫دعى العروبللة‪ ،‬وأن ينضللموا إلللى الكمونولثيللة وحلللف‬ ‫والرية كما ت ُ ّ‬
‫شمال الطلنطي كما هم منضمون إلى جامعة الدولة العربية‪ ،‬دون‬
‫أن يصادرهم السلموعروبيون عبر أجهزة الدولة بادعاءات الحفاظ‬
‫على هوية حضارية )للسودان(‪.‬‬

‫القاهرة ي ديسمبر ‪1999‬م‬

‫من ثقافة بالمعنى السوداني )‪ ،(Intellectuality‬أي كيان‬


‫النتلجنسيا‪) ،‬الفندية( في الماضي و)المثقفين( فيما بعد‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫في ذلك أنظر‪ :‬د‪ .‬يوشيكو كوريتا؛ على عبد اللطيف وثورة‬
‫‪1924‬م‪ :‬بحث في مصادر الثورة السودانية‪ ،‬مركز‬
‫الدراسات السودانية‪ ،‬القاهرة‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫محمد جلل هاشم؛ "السودانوعروبية أو تحالف الهاربين‪:‬‬
‫المشللروع الثقللافي لعبللد الللله علللي إبراهيللم فللي السللودان"‪،‬‬
‫‪1998‬م‪،‬ورقة غيللر منشللورة قللدمت فللي نللدوة التنميللة‪ ،‬القللاهرة‪،‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫"الفروعروبية في نظر دعاتها هي عمل واع لسللتعادة الللدم‬
‫الزنجي ودراسة الجانب في ميراثنا الللذي أهمللل لمللدة طويلللة …‬
‫)وهي( كمشللروع حضللاري‪ ،‬هللو المشللروع الللذي رمللزو للله بالغابللة‬
‫والصحراء فللي دللللة التصللالح بيللن الللدغل والباديللة‪ ،‬بيللن الثقافللة‬
‫العربية والثقافة الفريقية فللي السللودان"‪ .‬فللي د‪ .‬عبللد الللله علللي‬
‫إبراهيم؛ الثقافة والديمقراطية في السودان‪ ،‬مقللال‪ :‬الفروعروبيللة‬
‫أو تحالف الهاربين‪ ،‬دار المين‪ ،‬القاهرة‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫السودانوية كمللا عرفللت فللي خطللاب د‪ .‬أحمللد الطيللب زيللن‬
‫العابدين يعبر عنها د‪ .‬نور الدين ساتي بقوله "السودانوية يمكللن أن‬
‫تعرف بأنها ذلك الوجود وذلك الحساس الذي يجعل كل فرد يعيش‬
‫داخل الحدود الدارية للدولة السودانية‪ ،‬يحس بأنه ينتمي إلللى أمللة‬
‫فللي طريقهللا إلللى التكللوين ‪ ،‬دون تمييللز بيللن أفرادهللا مهمللا كللان‬
‫انتماؤهم العرقي أو اللغوي أو الديني… السودانوية فاحمة السللواد‬
‫وصللفراء اللللون‪ ،‬فللي الللوقت ذاتلله دينكاويللة وهدندويللة ودنقلويللة‬
‫ونويراوية‪ ،‬تتحدث لغة الزانللدي والتبللداوي والعربيللة والنوبيللة تللدين‬
‫بالسلم والوثنية فللي الللوقت ذاتلله" مقللال الحللوار بيللن المكونللات‬
‫الثقافيللة للمللة السللودانية‪ :‬مجلللة الثقافللة السللودانية‪ ،‬السللنة‬
‫الخامسة‪ ،‬العدد ‪ ،17‬فبراير ‪1981‬م ص ‪ .11‬نقل عللن محمللد جلل‬
‫هاشم‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫يعرفهللا محمللد جلل هاشللم نللاحت المصللطلح بأنهللا إيللديولوجيا‬
‫واتجاه "يقوم على سودنة السلم والعروبة‪ ،‬وبالتللالي رسللم هويللة‬
‫إسلموعربية خاصة بالسودان ودونما عداه مللن دول أخللرى ضللمن‬
‫المنظومة السلمية عامة وتلك الناطقللة بالعربيللة خاصللة" مرجييع‬
‫سابق‪.‬‬
‫لتفاصيل أوفى‪ :‬أنظر‪ :‬موريس دوفيرجيه؛ مدخل إلى علم‬
‫السياسة‪ ،‬دار دمشق‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫حسب إحصاء ‪1956‬م؛ بالسودان ما يزيد عن ‪ 25‬مليون من‬
‫البشر‪ ،‬يتحدثون ‪ 115‬لغة ولهجة‪ ،‬ويتوزعون على ‪ 65‬مجموعة‬
‫إثنية مقسمة بدورها إلى ‪ 597‬جماعة فرعية‪.‬‬
‫في ذلك راجع‪ :‬د‪ .‬فرنسيس دينق؛ مشكلة الهوية في‬
‫السودان‪:‬أسس التكامل القومي‪ ،‬مركز الدراسات‬
‫السودانية‪ ،‬القاهرة‪.1999 ،‬‬
‫وقد أورد د‪ .‬منصور خالد في ذلك "أن هذا الرهط ل ينطلق في‬
‫أحكامه المشتطة هذه إل من عقللدة نقللص‪ ،‬فحللاكم مصللر وسللوريا‬
‫ومليللك الردن ليسللوا مطللالبين بللأن يثبتللوا للنللاس عروبتهللم لنهللا‬
‫حقيقة يرونهللا فللي سللحنتهم ويعللبرون عنهللا بلسللانهم‪ .‬أمللا هجللائن‬
‫السودان ومهاجينه فقد أوهموا النفس بأن ل سبيل لثبات عروبتهم‬
‫إل بأن يكونوا عربا أكثر من أهل نجد وتهامة"‪ ،‬النخبة السودانية‬
‫وإدمان الفشييل‪ ،‬الجللزء الثللاني‪ ،‬ص ‪ .184‬بللل حللاولوا تأسلليس‬
‫نظرية لونية للعرب بأن الصل فيهم هو لللون السللودانيين‪ .‬راجللع ‪،‬‬
‫محمد جلل هاشم؛ "السودانوعروبية"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫أبكر آدم إسماعيل؛ جدلية المركز والهامش‪ :‬قراءة‬
‫جديدة في دفاتر الصراع في السودان‪ ،‬مخطوطة كتاب‪.‬‬
‫في ذلك أنظر مقال خالد حسين الكد؛ "الفندية ومفهوم‬
‫القومية في الثلثين سنة التي أعقبت الفتح في السودان ‪1898‬ل‬

‫‪30‬‬
‫‪1928‬م"‪ ،‬مجلة الدراسات السودانية‪ ،‬العدد الول‪ ،‬المجلد‬
‫الثاني عشر‪1992 ،‬م‪ ،‬صل صل ‪44‬ل ‪.76‬‬
‫ذلك في أنظر د‪ .‬يوشيكو كوريتا؛ مرجع سابق‪.‬‬
‫د‪ .‬فرانسيس دينق؛ مشكلة الهوية في السودان‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫التجاني عامر؛ مجلة القلم‪1967 ،‬م‪.‬‬
‫د‪ .‬موسى الخليفة؛ "مقابلة"‪ ،‬مجلة الخرطوم‪1981 ،‬م‪.‬‬
‫د‪ .‬حيدر إبراهيم علي؛ المجتمع المدني والتحول‬
‫الديمقراطي في السودان‪ ،‬مركز بن خلدون‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1996‬م‪ ،‬ص ‪.147‬‬
‫محمد جلل هاشم؛ "السودانوعروبية"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫د‪ .‬منصور خالد‪" ،‬النخبة السودانية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫في ذلك أنظر‪ :‬د‪ .‬منصور خالد‪ ،‬النخبة السودانية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪ 485‬وما بعدها‪.‬‬
‫د‪ .‬فرنسيس دينق؛ مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.8‬‬

‫‪31‬‬

You might also like