You are on page 1of 11

‫الجلسة الخامسة‪ :‬بحث العصمة (القوال في العصمة)‬

‫أعوذ بال من الشيطان الرجيم‬


‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫وأفضل الصلة وأزكى التسليم على أشرف الرسلي ممد وآله الطاهرين‪ ،‬واللعن الدائم على أعدائهم‬
‫أجعي إل قيام يوم الدين‪.‬‬
‫تكلمنا ف العصمة‪ ،‬وبينّا حقيقة العصمة وما يرتبط بتوضيح مفهوم العصمة الت نقول بثبوتا للنبياء‬
‫والئمة عليهم السلم‪ ،‬وقد بينّا أن العصمة وإن كانت فضلً من ال وهي أمر موهوب للئمة‬
‫والنبياء‪ ،‬إل أنا مع ذلك فضيلة لم وهذا كسائر العطايا الربانية والنح الربانية كالنبوة والرسالة‬
‫وأمثالما‪ ،‬فالنب نبّ بكرم من ال سبحانه‪ ،‬ورغم أن النبوة ثابتة له على نو العطية إل أن النبوة تعد‬
‫من الفضائل باتفاق جيع السلمي‪ .‬وأما القول بأن العصمة جبية فل يثاب عليها العصوم‪ ،‬فجوابه‬
‫‪-‬قد اتضح ما مر‪ :-‬أن العصمة جبية ول يثاب عليها العصوم ولكن العصمة ليست جابرة‪ ،‬ويثاب‬
‫العصوم على طاعته كما يثاب غيه على الطاعة‪ ،‬وفرق بي جبية نفس العصمة وجابرية العصمة‪.‬‬
‫ل منوحا للمعصوم كالنبوة تاما‪ ،‬فالنبوة‬
‫الذي نقول به أن العصمة ليست جابرة‪ ،‬وإن كانت فض ً‬
‫منحة من ال تعال وعطية منه جل وعل للنب‪ ،‬فهو ل يثاب على نفس النبوة‪ ،‬ولكنه يثاب‬
‫‪-‬كغيه‪ -‬على الطاعات الت يفعلها‪ .‬من خلل معرفة حقيقة العصمة الت نقول با يسقط‬
‫العتراض على القائلي بالعصمة بأن العصمة لو كانت ثابتة ل يستحق العصوم الثواب والعقاب لنه‬
‫يفعل الطاعات مقسورا مبولً ول يفعلها كما يفعلها سائر البشر‪.‬‬
‫كما أنه قد اتضح ف بيان حقيقة العصمة ضعف ما يورد على الشيعة " من أن العصمة الت نقول با‬
‫مستلزمة لسقوط التكليف‪ ،‬لن النسان لو كان مقسورا على الطاعة ول يستطيع أن يعصي فإن هذا‬
‫الكلف غي قادر على فعل الطاعة‪ ،‬لن القدرة على الشيء ل تتحقق إل أن يكون القادر إن شاء فعل‬
‫وإن شاء ترك‪ .‬وأما العصوم فحيث أنه مبور على الطاعة فليس له أن يفعل إن شاء ويترك إن شاء‪،‬‬
‫وإنا هو مبور على الفعل ف الواجبات ومبور على الترك ف الحرمات‪ ،‬فليس قادرا‪ ،‬وإذا ل يكن‬
‫قادرا فالشيعة يقولون إن تكليف غي القادر مستحيل‪ ،‬وإذا كان التكليف لغي القادر مستحيل فكيف‬
‫يكلف النب إذا بسائر التكليفات الشرعية"‪ .‬والواب هو الواب‪ ،‬فإن العصوم قادر على الفعل ف‬
‫الحرمات وقادر على الترك ف الواجبات إل أنه مع قدرته فإنه ل يفعل الحرمات ول يترك‬
‫الواجبات‪ ،‬إذن فالعصمة عندنا ليست جابرة حت يبطل التكليف‪ ،‬بل هي حافظة للقدرة وبذا‬
‫صرح جع من علمائنا ‪-‬أعز ال مقدارهم‪ -‬من الشيخ الفيد ‪-‬رحه ال‪ -‬التوف سنة ‪ 413‬هـ إل‬
‫العلماء العاصرين‪ ،‬فإنم يصرّحون بأن العصوم قادرة على العصية إل أنه ل توجد عنده دعوى‬
‫نفسانية إل ارتكاب العصية‪ .‬وقد أوضحنا منشأ عدم وجود هذه الدعوة النفسانية إل مالفة‬
‫التكاليف الشرعية‪ ،‬وقلنا أنم اختلفوا ف ذلك ‪-‬وهذا الختلف أيضا قدي‪ :-‬ما هو منشأ العصمة ؟‬
‫وقلنا أن الذي يترجح أن منشأ العصمة أمران‪ :‬الطهارة النفسانية والعلم با يترتب على التيان‬
‫بالواجبات من النافع وعلى فعل الحرمات من التبعات السيئة‪ .‬فالعلم بعواقب العصية والعلم‬
‫بعواقب الطاعة مضافا إل الطهارة النفسانية ها منشأ هذه العصمة هذا ملخص لا مر‪.‬‬
‫وقد بينّا أن الشيعة ‪-‬أنار ال برهانم‪ -‬يقولون بعصمة العصومي من الئمة والنبياء ف أمور شت‬
‫منها‪ :‬الطأ والنسيان والغفلة والعصية والكفر بل يقولون بعصمتهم حت ف ارتكاب منافيات الروة‪.‬‬
‫ويُضرب مثا ٌل عادةً ف فعل منافيات الروءة بالكل ف الطريق‪ ،‬فإن هذا الثال مثالٌ قدي وهو موجود‬
‫ف كتب الشيعة وكتب غيهم أيضا‪ ،‬فإن الكل ف الطريق من منافيات الروءة‪ ،‬وربا يعترض‬
‫معترض بأنه توجد روايتان فيهما بيان أن النب (ص) كان يسي مع بلل وف يده قطعة من البز‬
‫وكان يغطها ف اللب ويأكل ف الطريق فهذا منافٍ للمروءة‪ ،‬والظاهر أن مقصود الفقهاء من الكل‬
‫الناف للمروءة هو وضع سفرة ‪-‬مثلً‪ -‬على قارعة الطريق بنحو تناف حق الارّة‪ ،‬لنه إذا كانت هذه‬
‫السفرة منافية لق الارة فإنه يكون مرما‪ ،‬وهم يريدون التمثيل بأمر غي مرم‪ ،‬فإن وضع سفرة ف‬
‫الطريق بنحو ل تناف حق الارة أمر ملٌ بالداب الجتماعية وإن ل يكن مرما ف نفسه‪ ،‬هذا هو‬
‫القصود بالكل ف الطريق‪ ،‬وليس القصود أن يتعجل الرجل ف خروجه من بيته وف يده قطعة من‬
‫البز فل يأكلها وهو سائر‪ ،‬فإن هذا ل يعد من النافيات للمروءة والخلت بالداب الجتماعية‪،‬‬
‫وأما ف زماننا فالمد ل سقطت هذه الداب الجتماعية وصار الكل ف الطريق ربا ل يعد من‬
‫منافيات الروءة بنحو أوسع وإن كان يعد من منافيات الروءة بدائرة أضيق من هذه الدائرة‪ ،‬ولكن‬
‫على أي حال ‪-‬توسع المر ف هذا الانب‪ -‬وكيف ما كان‪ ،‬الذي يعنينا هو الشارة إل الروايتي‬
‫وبي الواب عنهما‪ ،‬هذا مع أننا بينّا القاعدة الاكمة ف مثل هذه السائل‪ ،‬فإن هاتي الروايتي إذا‬
‫كانتا صحيحتي من ناحية السند ول ند لما تريا كهذا التخريج الذي ذكرناه فإن القاعدة ف مثل‬
‫ذلك‪ :‬أن نقول بطرح هاتي الروايتي وإن صح سندها‪ ،‬لنما ليستا متواترتي‪ ،‬وعندنا قاعدة عقلية‬
‫بأن العصوم ‪-‬النب والمام‪ -‬معصومٌ عن ارتكاب منافيات الروءة‪ ،‬فإذا ل ند مرجا لاتي الروايتي‬
‫‪-‬أي تأويلً‪ -‬صحيحا وتوجيها صالا كالتوجيه الذي ذكرناه ‪-‬لو ل ند مثل هذا التخريج‬
‫والتأويل‪ -‬فإننا نطرح هاتي الروايتي على أي حال‪.‬‬
‫بقي شي ٌء وهو أننا ذكرنا أن العصمة ل تعد جابرة‪ ،‬وهذا ينبغي تصيصه بالعصمة عن الكفر‬
‫والعصمة عن ارتكاب العصية‪ ،‬وأما العصمة عن الطأ والعصمة عن النسيان والعصمة عن الغفلة‬
‫فهذه جابرة‪ ،‬ول مذور ف أن تكون جابرة‪ ،‬فإن النسان ل يثاب على أنه أصاب حت يقال كيف‬
‫يثاب النب على أنه أصاب والال أنه مبور على الصواب‪ ،‬وكذلك التذكر فإن النسان ل يثاب على‬
‫التذكر حت يقال كيف يثاب النب على تذكره والال أنه مبور على التذكر‪ ،‬نعم ربا أثيب الرجل‬
‫على مقدمات التذكر مثل أن يتحفظ الرجل على الشيء فل ينساه فإنه يثاب على هذا التحفظ ولكن‬
‫هذا التحفظ ‪-‬أي معاودة ذكر الشيء‪ -‬هذا التحفظ ليس التذكر بالعن القيقي وإنا هو مقدمة‬
‫للتذكر‪ .‬وبالملة فإن النب مبور على أن ل ينسى ول مذور ف ذلك‪ ،‬مبور على أن ل يطأ ول‬
‫مذور ف ذلك‪ ،‬مبور على أن ل يسهو ول يغفل ول مذور ف ذلك‪ ،‬نعم ليس مبورا على أن ل‬
‫يعصي ‪ ،‬ل ؟ لن الب على ترك العصية فيه مذور ف الطاب وف العقاب‪ :‬ف الطاب أي ف صحة‬
‫توجيه التكاليف إل العصوم لنه إذا كان مبورا فل يصح أن يوجه إليه التكليف باعتبار أنه غي‬
‫قادر‪ ،‬وكذلك ف العقاب فإن العقاب على ما ل اختيار فيه قبيح‪.‬‬
‫‪ #‬القوال ف العصمة‪:‬‬
‫اللقة الثانية من حلقات بث العصمة ترتبط بالقوال ف مسألة العصمة‪ ،‬وقد بينا قول الشيعة ‪-‬أنار‬
‫ال برهانم‪ -‬ف هذه السألة‪ ،‬وهناك أقوال لغينا ف هذه السألة متلف ٌة اختلفا شديدا‪ ،‬فمن قائلٍ‬
‫بواز الكفر على النبياء ‪-‬والعياذ بال‪ -‬ومن قائلٍ بواز ارتكاب الكبية عليهم‪ ،‬ومن قائلٍ بواز‬
‫ارتكاب الصغائر عليهم ولو عمدا‪ ،‬ومن قائلٍ بواز ارتكاب الصغائر عليهم سهوا ل عمدا‪ ،‬ومن‬
‫قائلٍ بواز ارتكاب الذنوب عليهم قبل النبوة دون حال بعد النبوة‪.‬‬
‫القول الول‪:‬‬
‫وهو القول بواز صدور الكفر من النبياء‪ .‬فإن هذا القول من الشناعة بكانٍ يستبعد الباحث ف‬
‫هذه السألة أن يتجرأ أحدٌ من أهل القبلة بالتصريح ف هذا القول‪ ،‬وهذا استبعادٌ ف مله‪ .‬ولكن‬
‫القائلون بذا الكفر ل يصرّحوا به ولكنهم صرّحوا بلزمه‪ ،‬والقائلون بذلك فريقان‪:‬‬
‫‪-1‬الفريق الول‪ :‬فريقٌ قال بواز صدور الكبائر من النبياء‪ ،‬وهو يقول أن صدور الكبائر‬
‫من أحد من الناس موجبٌ لكفر ذلك الرتكب للكبية‪ ،‬فإذن‪ ،‬النب يرتكب الكبية‬
‫ومرتكب الكبية كافر‪ ،‬وهؤلء فريقٌ من الوارج كفّروا جعا من الناس منهم أمي‬
‫الؤمني (ع) وهؤلء قالوا بكفره وكفر من معه‪ ،‬متجي بأنم قد ارتكبوا الكبية‬
‫ومرتكب الكبية كافر‪ ،‬فيلزم هذا الفريق أنم حي جوّزوا ارتكاب الكبية من النبياء‬
‫أنم يوزون صدور الكفر من النبياء‪ ،‬وهذا الفريق من القائلي بشرعية إمامة الثلثة‪،‬‬
‫فإذن‪ ،‬هؤلء ليسوا من الشيعة‪.‬‬
‫‪-2‬الفريق الثان‪ :‬فريقٌ جوّزوا صدور بعض الفعال من النب‪ ،‬بل قالوا بصدورها مثل‪:‬‬
‫الشك بالرسالة وهؤلء هم جهور من يتسمّون بأهل السنة ‪-‬وإنا قلنا المهور لن‬
‫الذين يقولون بصحة ما ف البخاري ويدينون ال به‪ ،‬هم جهورهم‪ -‬ول ننسب ذلك‬
‫إل الميع‪ ،‬فكل من يقول بصحة كل ما ف البخاري وبصحة كل ما ف صحيح مسلم‬
‫فإنه يوّز على النب أن يشك ف رسالته‪ ،‬وتويز ذلك تويز للكفر عليه (ص)‪.‬‬
‫فإذن‪ ،‬هناك فريقان من أهل القبلة ل يصرّحا بواز الكفر على النب (ص) أو على النبياء‪ ،‬ولكنهم‬
‫قالوا بأمور يلزمها اللتزام بواز الكفر على النبياء‪.‬‬
‫القول الثان‪:‬‬
‫وهو القول بواز صدور الكبائر من النبياء‪ .‬والفريق القائل بواز صدور الكبائر من النبياء لنا‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬وقفة مع هذا الفريق‪ .‬هؤلء صرّحوا بذلك‪ ،‬ولبد أولً أن نشي إل أن هذا القائل بواز‬
‫صدور الكبائر من النبياء ‪-‬أيضا‪ -‬على طائفتي‪ ،‬الطائفة الول‪ :‬طائفة مصرّحة بذا القول الشنيع‪.‬‬
‫والطائفة الثانية‪ :‬طائفة غي مصرّحة بذلك‪.‬‬
‫أما الطائفة الصرّحة فلنا معهم وقفة‪ ،‬نسأل هذه الطائفة‪ :‬أليس من الواجب ف الشرع المر بالعروف‬
‫و النهي عن النكر ؟ ل يكنهم نكران ذلك‪ ،‬فنسألم‪ :‬فما هو حكم النب إذا صدرت منه الكبية أو‬
‫علم الناس أنه عازم على ارتكاب كبية ؟ الواب عن ذلك أنه يب عليهم أن يأمروه بالعروف‬
‫وينهوه عن النكر‪ ،‬فنقول‪ :‬أن للمر بالعروف والنهي عن النكر مراتب‪ ،‬أشدها باليد‪ ،‬فإذا كان‬
‫الناس قادرين على أن يأمروا هذا النب بالعروف وينهوه عن النكر فإنه يب عليهم بقتضى القاعدة‬
‫الولية‪ ،‬فهل تقولون بواز أمره بالعروف ونيه عمن النكر باليد ؟ فلو أن النب ‪-‬مثلً‪ -‬عزم على‬
‫سرقة بيت ورآه أحد الناس‪ ،‬فهل يوز له أن يدفعه وأن ينعه بيده حت وإن اقتضى ذلك ضربه‬
‫وإيذاءه ؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬لن ف ذلك إذلل للنب‪ ،‬فأي قيمة لنب يُضرب‪ ،‬فإذن‪ ،‬إذا رأيتم النب على كبية‬
‫من الكبائر فليس لكم أن تنعوه فإن ف ذلك إذلل له‪.‬‬
‫فنضرب مثالً آخر فنقول لم‪ :‬ماذا إذا كان هذا النب أراد أن يتطاول على عرض أحد من السلمي ؟‬
‫قالوا‪ :‬ليس لحدٍ أن ينعه فليفعل ما يلوا له ‪-‬هنيئا لم بثل هذا النب‪ ،-‬بل يرتقي المر فوق ذلك‬
‫أن صاحب العرض ليس له أن ينع النب أن يتطاول على عرضه‪ ،‬بل إنه ليس للمرأة أن تنعه‪ ،‬لن‬
‫ذلك إذلل له‪ ،‬وهذه التوال الفاسدة ف حد ذاتا لو ألقيت إل البسطاء من الناس فإنم تقشعر أبدانم‬
‫وشعورهم من هذه القوال الكاذبة وهذه الراء الفاسدة‪ .‬ويكفينا هذا عن البحث ف صحة هذا‬
‫القول أو فساده‪ ،‬فإن هذا القول من القوال الشنيعة الفظيعة الت ل يقرّها أبسط العقلء فضل عن‬
‫الكماء‪.‬‬
‫أما الطائفة الثانية من القائلي بواز صدور الكبائر من النبياء‪ ،‬الطائفة غي الصرحة بذلك‪ .‬وهذه‬
‫الطائفة هي جهور أهل السنة‪ ،‬بل جيع أهل السنة القائلي بصحة الروايات التضمنة بكذب إبراهيم‬
‫(ع) غي الؤوّلي لذه الروايات‪ ،‬فإن هذه الروايات متواترة عندهم وردت ف البخاري ومسلم وف‬
‫غيها من الكتب العتبة عندهم‪ ،‬ودونك الب التضمن لقضية الستشفاع يوم القيامة‪ ،‬فإن الناس‬
‫يأتون إل آدم فيطلبون منه أن يشفع لم فيعتذر آدم لنه صدرت منه معصية‪ ،‬ث يأتون إل إبراهيم‬
‫(ع) ‪-‬وأنا أذكر الب من غي ترتيب وإنا أذكره لجل الفقرة الت أريد الستشهاد با‪ -‬ث يأتون إل‬
‫ن قد كذبت ثلث مرات ولجل هذا ل أنفعكم ف الشفاعة اذهبوا إل‬ ‫إبراهيم (ع) فيعتذر إبراهيم بأ ّ‬
‫غيي ليشفع لكم‪ ،‬إل أن يصل المر إل النب (ص) فيشفع‪ ،‬وكيفما كان‪ ،‬الفقرة الت نريد‬
‫الستشهاد با هي هذه الفقرة‪" :‬أن إبراهيم يعتذر عن الشفاعة لنه كذب ثلث مرات"‪ ،‬وأنتم‬
‫تعلمون أن الكذب من الكبائر بل من أكبها وقد ورد ف حق الكذب { يَفْتَرِي ٱلْكَذ ِ َ‬
‫ب‬
‫َ‬
‫ن }‪ ،‬وقد ورد عن النب (ص)‪ :‬الؤمن يسرق ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قيل له‪ :‬الؤمن‬ ‫منُو َ‬ ‫ٱل ّذِي َ‬
‫ن ل َ يُؤ ْ ِ‬
‫يزن ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قيل له‪ :‬الؤمن يكذب ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬والروايات البينة لشناعة وعظم الكذب كثية‬
‫متواترة عندنا وعند غينا‪ ،‬فالكذب الذي هو من الكبائر نسب إل إبراهيم خليل الرحن‪ .‬فإذن‪ ،‬كل‬
‫من يقول بصحة هذه الرواية ول يؤوّلا وإن كان التأويل باطلً‪ ،‬تأويل هذه الرواية باطلٌ‪ ،‬ل ؟ لن‬
‫تأويل الكذب بالتورية مآله أن إبراهيم (ع) قد فعل ما هو جائزٌ شرعا وهو التورية‪ ،‬بأن يقول مثلً‬
‫بل فعلهم كبيهم هذا ويشي إل إصبعه الكب باعتبار أن له الثر الكب ف التحطيم‪ ،‬هذا ليس‬
‫بكذب‪ ،‬أو غي ذلك من أناء التورية‪ ،‬إذا كان قد ورّى فإذن ل يكذب‪ ،‬وإذا ل يكذب فليس من‬
‫ن استخدمت التورية‪ ،‬ومن قال إن رسول ال (ص) ل‬ ‫الناسب أن يعتذر إنّ ل أصلح للشفاعة ل ّ‬
‫يستخدم التورية ؟ ل علم لنا بذلك‪ ،‬وليس استخدام التورية منّا يوجب بُعد العبد عن ال وينع العبد‬
‫من الشفاعة‪ ،‬ولكن لو أن أحدا اعتذر عن هذه الب بذا العتذار فإنّا نقبل منه هذا العتذار‪ ،‬الهم‬
‫أن ل يقبل على إبراهيم (ع) أنه ارتكب الكذب‪ ،‬وأمّا من يقبل ذلك على إبراهيم فإنه يوّز على‬
‫النبياء ارتكاب الكبائر بل ينسب الكبائر وهذا فوق التكذيب العقلي‪ ،‬لن بثنا ف العصمة بث ف‬
‫أنه يوز أو ل يوز‪ ،‬وربا امتنع النسان عن ما يوز ف حقه‪ ،‬فربا يوز علينا جيعا ‪-‬مثلً‪ -‬أن نقتل‬
‫أطفالنا ولكن ل يقع أحد منا ف مثل هذا المر الشنيع‪ ،‬وهكذا الال ف قتل الباء مثلً وغيها من‬
‫الذنوب الكبية الت ل يقع فيها أغلب الناس‪.‬‬
‫فإذن‪ ،‬ليس القول بواز ارتكاب الكبية قول بفعلي ِة ارتكاب الكبية من العصوم ولكن هذه الطائفة‬
‫من القائلي بواز ارتكاب الكبية من العصوم ‪-‬أعن الطائفة الت ل تصرح بواز ذلك‪ -‬فإنا‬
‫صرّحت با هو أشنع وهو صدور الكبية من النبياء بل من شيخهم وهو إبراهيم (ع)‪ .‬فهؤلء أيضا‬
‫كالطائفة الول قائلون بواز صدور الكبية من العصوم‪ ،‬وأصحاب هذا القول كأصحاب القول‬
‫الول قولم بكانٍ من الشناعة ل يستأهل ردا‪ ،‬ول يستحق أن نعله طرفا ف النقاش والوار‪ ،‬فهؤلء‬
‫دون مستوى العقلء فضلً عن مستوى الكماء‪ .‬فل يبحث النسان مع أمثال هؤلء ف جواز‬
‫صدور العصية من العصوم أو عدم صدورها‪ .‬ولعل الفريق الذي يستحق ‪-‬والستحقاق هنا نسب‪-‬‬
‫منّا النقاش هو الفريق القائل بواز صدور العصية الصغية سهوا من النبياء‪ .‬وهذا القول يأت ‪-‬إن‬
‫شاء ال‪ -‬الديث عنه ف اللقة القادمة الت نتعرض فيها إل أدلة القائلي بالعصمة ولدلة منكريها‪.‬‬
‫والمد ل أول وآخرا‪.‬‬
‫‪-----‬‬
‫‪ ##‬أسئلة ف الندوة ‪##‬‬
‫س‪ :‬كيف نصِف الصديقة الزهراء (ع) بالعصمة‪ ،‬وهي ليست إمام‪ ،‬فل يوجد دليل عقلي على‬
‫لزوم عصمتها ؟‬
‫نعم‪ ،‬ل مذور ف أن َنصِف عصمة غي النبياء وغي الئمة بدليل شرعي‪ ،‬كما مثّلنا بري (ع)‬
‫َ‬
‫نٱٱٱٱلل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫وفاطمة (ع)‪ .‬فإن مري ثبتت عصمتها بقول ال تعال‪ {:‬ي َ‬
‫مْري َ ُ‬
‫ك }‪ ،‬والزهراء (ع) ثبتت عصمتها بأدلة كثية منها‪ :‬آية التطهي‪ ،‬ومنها‬ ‫ك وَطَهََّر ِ‬
‫صطَفَا ِ‬
‫ٱ ْ‬
‫ما تواتر عن النب (ص)‪ :‬أنه يغضب لغضبها ويرضى لرضاها‪ ،‬وما صحّ عن النب (ص)‪ ( :‬أن ال‬
‫يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ) وغي ذلك أيضا‪ ،‬حت غي هؤلء ولكن العبة بقيام الدليل‪ .‬ل‬
‫يوجد عندنا مثل هذا الدليل بق أناس بعنوان عام‪ ،‬ربا وجد بق بعض الناس ولكن إذا وجد فإنا‬
‫يصح أن يثبت ذلك إذا ثبت بدليل متواتر أو ثبت برواية مفوفة بقرينة تفيد اليقي بصدورها‪.‬‬
‫‪-----‬‬
‫س‪ :‬ورد ( عمار مع الق ) هل ف هذه الرواية دللة على عصمة عمار ؟‬
‫بذا اللفظ ( عمار مع الق ) ؟!‪ ،‬ربا توجد رواية ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية‪ ،‬يدعوهم إل النة‬
‫ويدعونه إل النار )‪ ،‬ومثل هذا ظاهر ف الدعوة للقتال‪ ،‬فإن عمار صار داعي ًة ف الرب لن أمي‬
‫الؤمني (ع) أرسله يدعو ف الرب‪ ،‬فصار عمار يدعو إل القتال‪ ،‬فدعوته تلك دعوة إل النة‪ ،‬ولذا‬
‫كانت دعوة عمار هذه معصومة‪ ،‬وليس معن هذا أن كل ما يفعله عمار موافق للشرع‪ ،‬بأن يكون‬
‫معصوما ف كل فعل من أفعاله‪ ،‬والدليل على ذلك أن لو أخذنا ف القابل ( ويدعونه إل النار ) فإنه‬
‫ليس كل ما فعله خصوم عمار ‪-‬أي الدعاة‪ -‬ما هو مرم شرعا بل دعوتم هذه دعوة إل النار وأما‬
‫أفعالم فليست كلها مرمةً شرعا‪ ،‬فإن استنشاقهم للهواء أو شربم للماء أو أكلهم للطعام بعنوانه‬
‫ليس مرما شرعا‪ ،‬نعم قد يكون معنونا بعنوانٍ آخر‪ ،‬مثل الباغي حيث إنم بغاة خارجون عن المام‬
‫حيث يكم بعدم حلية كل شيء عليهم ‪-‬ول مذور ف ذلك‪ -‬كما هو الال ف الضطر فإن الباغي‬
‫الارج على العصوم ل يوز له أن يأكل من اليتة مع أنه يوز لسائر الناس أن يأكلوا من اليتة باعتبار‬
‫أنم مضطرين إل الباغي الارج عن المام فإنه ل يوز له ذلك‪ ،‬ل مذور ف أن يقال برمة‬
‫استنشاقهم للهواء وحرمة شربم للماء وأكلهم للطعام الذي يقتاتون به باعتبار أنم خارجي عن‬
‫العصوم‪ ،‬بل ربا أمكن ذلك بعنوان آخر‪ ،‬ولكن الديث بعنوان الكل والشرب واستنشاق الواء‬
‫بالعنوان الول فإن هذا ليس من الحرمات بل هو من الباحات‪ .‬إذن‪ ،‬ليس جيع ما يفعلون من‬
‫الحرم‪ ،‬وف القابل ليس جيع ما يفعله عمار من الق‪ ،‬وإنا الديث ف هذه الرواية عن الدعوتي‪:‬‬
‫عن دعوة عمار إل القتال‪ ،‬وعن دعوة خصم عمار إل القتال‪ ،‬هذه دعوة إل النة وتلك دعوة إل‬
‫النار‪.‬‬
‫‪-----‬‬
‫س‪ :‬وما هو الدليل على أن النب معصومٌ عن ارتكاب ما يناف الروءة ؟ خصوصا مع وجود هاتي‬
‫الروايتي التضمنتي لكل النب (ص) ف الطريق وهذا الفعل ما يناف الروءة ؟‬
‫قلنا ينبغي تأويلهما أو طرحهما‪ .‬نعم‪ ،‬من أين جئنا بأن النب والمام معصومان عن منافيات الروءة ؟‬
‫ما هو مدركنا ف هذا القول ؟ وهذا يأت ف أدلة القوال ف اللقة القادمة‪ .‬ولكن با أنك سألت ل‬
‫بأس أن نشي إل دليل ف هذا‪ .‬لنا على ذلك أدلة منها‪ :‬أن النب لو فعل منافيات الروءة للزم من ذلك‬
‫تنفر الناس عنه‪ ،‬وإذا تنفروا عنه ل يسمعوا قوله ول يعبؤا بديه ورشده‪ ،‬وبالتال فإن الغاية الت‬
‫لجلها بُعث وهي هداية الناس لن تتحقق ف حق من رآه يفعل منافيات الروءة‪ ،‬لن ذلك يوجب‬
‫تنفر الناس وابتعادهم عنه‪ ،‬وقد أشار القرآن الكري إل هذه القضية ف مسألة لي الطباع‪ ،‬فإن لي‬
‫الطباع أخف من منافيات الروءة‪ ،‬فأن يكون النسان لي العريكة ‪-‬إذا جئته تسأله فإنه يهش ف‬
‫وجهك ويبش‪ -‬فإن مثل ذلك أعظم من أن يكون النسان متنبا لنافيات الروءة‪ ،‬ومع ذلك فإن النب‬
‫َ‬
‫ت‬‫ن ٱلل ّهِ لِن َ‬ ‫مة ٍ م َ‬‫ح َ‬
‫ما َر ْ‬‫(ص) متصف بذا الوصف‪ ،‬لاذا ؟ راجع القرآن الكري ‪{ :‬فَب ِ َ‬
‫ك } فإذن‪ ،‬هذه نتيجة‬ ‫حوْل ِ َ‬‫ن َ‬ ‫ضوا ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ظ ٱلْقَل ْ ِ‬
‫ب لَنْفَ ُّ‬ ‫ت فَظّا ً غَلِي َ‬ ‫لَهُ ْ‬
‫م وَلَوْ كُن ْ َ‬
‫طبيعية لفظاظة النسان أن ينفض الناس من حوله‪ ،‬والنب (ص) معصوم حت ف مثل هذه‪ ،‬فكيف‬
‫بنافيات الروءة الت هي أشد تنفيا‪ ،‬والناس عند رؤية أحد يرتكب منافيات الروءة أشد انفضاضا‬
‫منهم من الرجل الذي ليس بلي العريكة‪ ،‬فإذن‪ ،‬هذا دليل على أنه يب أن ل يكون النب مرتكبا‬
‫لنافيات الروءة‪.‬‬
‫‪-----‬‬
‫س‪ :‬ما معن كون النب (ص) أميّا ؟‬
‫كلمة (أُميّ) يتمل فيها وجوه منها‪ ،‬أن يكون منسوبا إل الم‪ ،‬وهذا ف حد ذاته يتمل وجوها‬
‫أيضا‪ ،‬فإن الم تارة يراد با‪ :‬الم الت ولدت‪ ،‬وتارة يراد با أم القرى‪.‬‬
‫والنب (ص) وُصف ف القرآن بأنه (أُميّ) ويتمل ف ذلك أن يكون بعن الكي‪ ،‬النب المي بعن‬
‫حولَهَا} فمكة حيث‬ ‫ن َ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ٱلْقَُرى َو َ‬ ‫النب الكي‪ ،‬ل ؟ لن مكة أم القرى{وَلِتُنذَِر أ ُ َّ‬
‫إنا أم القرى‪ ،‬فالنسوب إليها ( الكي ) يسمى أميّا‪ ،‬هذا هو الوجه الول‪.‬‬
‫الوجه الثان‪ :‬أن يكون منسوبا إل الم الت ولدت‪ ،‬وقلنا ف هذا وجوه أيضا‪ .‬من هذه الوجوه أن‬
‫يكون القصود أنه ل يعلم‪ ،‬باعتبار أن النسان عندما يولد ول يعلم يقال أن هذا على ما أنشأته عليه‬
‫أمه ‪-‬أي أنه ل يدرّس‪ -‬وهذا أيضا يتمل أن النب (ص) وُصف بأنه (أُميّ) أي‪ :‬أنه ل يدرّس‪ ،‬وهذا‬
‫طبيعيّ صحيح‪ ،‬لن النب (ص) ل يتلقَ تعليما من أحد‪ ،‬فالم ّي بذا العن أيضا ل مذور فيه ول‬
‫بث‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬هناك معنيان ف كلمة (أُميّ) ل بث ف صحة وصف النب (ص) بما‪ ،‬وها‪ :‬الميّ بعن الكي‪،‬‬
‫والم ّي بعن الذي ل يدرّس‪.‬‬
‫العن الثالث ‪-‬ونن نتصر من أجل الوصول إل ما نريد السؤال عنه‪ ،-‬الميّ‪ :‬بعن الذي ل يقرأ‬
‫ول يكتب‪ ،‬هل يصح وصف النب (ص) أنه أميّ بعن أنه ل يقرأ ول يكتب ؟ قد يقال نعم‪ ،‬ولكن ل‬
‫يصح ذلك والسبب ف أنه ل يصح وصفه بأنه ل يقرأ ول يكتب هو أن عدم إحسان النسان للقراءة‬
‫والكتابة منقصة‪ ،‬والنب (ص) منه عن النقائص‪ ،‬فإذن‪ ،‬ل يصح أن يوصف بأنه أمي ل يسن القراءة‬
‫والكتابة‪ .‬ويكن الجابة عن هذا بأن القراءة والكتابة ل موضوعية لما ‪-‬ليستا مطلوبتي ف‬
‫نفسيهما‪ -‬وإنا تطلب القراءة والكتابة للتوصل بما إل العارف الكتوبة‪ ،‬فلكي يتمكن النسان من‬
‫تصيل العارف الكتوبة لبد أن يكون قادرا على القراءة وإل سيكون مروما‪ ،‬وحيث أن النب (ص)‬
‫يكنه أن ينال هذه العارف بطريقٍ إعجازي‪ ،‬فعدم إتقانه للقراءة والكتابة كمال فيه وليس نقص‪ ،‬فإنه‬
‫(ص) قد اطلع على الرسالة الت كتبها ذلك الرجل الذي كان ف السلمي ‪-‬كتب رسالة إل حلفائه‬
‫ف قريش يبهم بأن النب (ص) عازمٌ على كذا وكذا ووصف القدرة العسكرية للنب (ص) لقريش‪-‬‬
‫والرسول (ص) اطلع على ما ف الرسالة مع أنه ل يسن القراءة والكتابة ومع أنه ل يقف وقوفا‬
‫حسيا بسب ما تعطيه المور العادية بسب السباب الت نعهدها‪ ،‬ل يطلع على الورقة فإنه ل تكن‬
‫الورقة عنده ولكنه (ص) علم با ف الورقة وعلم با ف تفاصيلها وعلم با ف ورقة الصالة أو‬
‫العاهدة مع قريش‪ ،‬فأي حاجة له بالقراءة والكتابة‪ ،‬القراءة والكتابة يتاجها القاصر أمثالنا‪ ،‬وأما النب‬
‫(ص) فعنده من الوسائل ما هو فوق القراءة والكتابة فليس ذلك منقصة‪ ،‬ولكن مع ذلك ل تيل‬
‫النفس إل هذا القول‪ ،‬مع أن القول بأن النب (ص) ل يسن القراءة والكتابة ل يستلزم منقصة من‬
‫هذا الانب‪ ،‬لنه ل يُحرم من العلوم‪ ،‬ولكن النفس ل تيل إل هذا القول‪ ،‬فإن القول بأن عدم‬
‫إحسان القراءة والكتابة وإن ل يكن منقصة فإنه ما من شك بأن الطلع على القراءة والكتابة خي‬
‫من عدم الطلع‪ ،‬ونن نؤمن بأنه ما من كمال ف عال المكان إل وقد حازه رسول ال (ص)‪،‬‬
‫فلجل ذلك تيل نفوسنا إل القول بأن الرسول صلى ال عليه وآله وسلم كان يسن القراءة‬
‫ُ‬
‫ك } غي "ما كنت تقدر أن‬ ‫مين ِ َ‬ ‫خط ّ ُ‬
‫ه بِي َ ِ‬ ‫والكتابة‪ ،‬وأما اليات النافية فإنا نافية للفعلية {وَل َ ت َ ُ‬
‫ُ‬
‫ك } أي ما كنت تكتب‪ ،‬ونن نقول‬ ‫مين ِ َ‬ ‫خط ّ ُ‬
‫ه بِي َ ِ‬ ‫تطه بيمينك" فرق بي المرين‪ { .‬وَل َ ت َ ُ‬
‫بأن النب (ص) ل يكن يكتب‪ ،‬ولكن ل يكن يكتب شيء ول يكن يقدر ويسن الكتابة شيء‬
‫آخر !‪ ،‬ث إن هذه الية تعرضت إل الكتابة ول تتعرض للقراءة‪ ،‬فالية إذن‪ ،‬ل تنفي مقدرة النب‬
‫(ص) للقراءة والكتابة‪ ،‬هذا وال العال‪.‬‬
‫‪-----‬‬
‫س‪ :‬ما هو واجبنا تاه اليات والروايات الت تالف بعض اليقينيات الثابتة عندنا ؟‬
‫قلنا بأن القاعدة اليقينية إذا ثبتت فإنا ل نرفع اليد عن هذه القاعدة مع وجود رواية وإن صح سندها‪،‬‬
‫وإذا وردت رواية صحيحة السند يب علينا أن نؤوّلا ‪-‬بعن أن نملها على معن غي العن الذي‬
‫ل صحيحا وتأويلً مقبولً لذه الرواية‪ ،‬حلنا الرواية عليه‪ ،‬وإن ل ند‬ ‫يظهر منها‪ -‬فإن وجدنا مم ً‬
‫رددنا علمها إل أهلها‪ ،‬هذا إذا كانت الرواية معلومة الصدور‪ .‬وإن كانت الرواية غي معلومة‬
‫الصدور بأن كانت صحيحة السند فقط ول تكن مفوفة بقرينة تفيد اليقي بصدورها أو ل متواترة‬
‫فإن نطرح هذه الرواية‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬إذا وجدت آية ظاهرها مالف لقتضى القاعدة اليقينية‪ ،‬مثل‪ :‬اليات الت تنسب إل ال سبحانه‬
‫الداع أو اليات الت تنسب ل تعال النسيان‪ ،‬فإنّا ل نأخذ با وإن كانت يقينية الصدور ‪-‬هذه آية‬
‫ل مكنا يصلح‬ ‫قرآنية معلومة الصدور‪ -‬ولكنا نؤوّلا فنقول القصود بالنسيان الترك‪ ،‬فإن وجدنا تأوي ً‬
‫أن نمل الية عليه حلنا الية عليه‪ ،‬وإن ل ند قلنا نرد علمها إل عالها وهو ال سبحانه‬
‫والراسخون ف العلم‪ .‬وأما الروايات‪ ،‬فإذا وجدنا رواية مالفة لكتاب ال سبحانه وتعال أو مالفة‬
‫لقاعدة يقينية فإنا نطرحها‪.‬‬
‫‪-----‬‬
‫س‪ :‬من خلل قراءتنا ليات القرآن الكري ف مثل الهاجرين والنصار ‪-‬الصحابة على وجه‬
‫ح التعبي‪ -‬ويرى القائلون بذلك‪،‬‬
‫العموم‪ -‬نرى توجها لوصفهم بالعصمة النسبية ‪-‬إذا ص ّ‬
‫استحالة صدور بعض الخطاء من الصحابة‪ ،‬فكيف يرد على هؤلء من خلل ما استدلوا‬
‫واستشهدوا من اليات ؟‬
‫أولً‪ :‬الذي يأخذ بذه اليات ويترك اليات الت صرحت بصدور بعض العاصي من بعض الصحابة‬
‫فهذا يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض‪ ،‬القرآن كله حجة ول يص ّح الخذ ببعض اليات وترك‬
‫سقُ بِنَبَإ ٍ فَتَبَيَّن ُ ۤ‬
‫واْ‬ ‫م فَا ِ‬ ‫جآءَك ُ ْ‬
‫بعضها‪ ،‬فالقرآن الكري صرّح بأن ف الصحابة فاسقا { إِن َ‬
‫َ‬
‫ن } هذا الذي‬ ‫مي َ‬ ‫ما فَعَلْت ُ ْ‬
‫م نَاد ِ ِ‬ ‫حوا ْ ع َلَى َ‬ ‫ج َهالَةٍ فَت ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬ ‫صيببُوا ْ قَوْ َ‬
‫ما ب ِ َ‬ ‫أن ت ُ ِ‬
‫وصفه القرآن الكري بأنه فاسق هو الوليد أخو عثمان بن عفان لمه وصفه القرآن الكري بأنه فاسق‪،‬‬
‫فالذي يقول بأن الصحابة معصومي بل من يقول بأن الصحابة عدول مكاب ٌر للقرآن الكري الذي‬
‫يصرح بأن بعض الصحابة فاسق‪ ،‬كما أنه مالفٌ ليات أخرى ف القرآن الكري تصرّح بأن الؤمني‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ٱنفُِروا ْ فِي‬ ‫ل لَك ُ ُ‬ ‫ما لَك ُ ْ‬
‫م إِذ َا قِي َ‬ ‫منُوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬‫قد تثاقلوا { ي أيُّهَاٱٱٱٱل ّذِي َ‬
‫حيَاةِ ٱلدُّنْيَا }‬
‫أي‬ ‫م ب ِلٱلللل ْ َ‬‫ضيت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ض أَر ِ‬ ‫َ‬ ‫ل ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْت ُ ْ َ‬
‫م إِلى ٱلْر ِ‬ ‫سبِي ِ‬
‫َ‬
‫تثاقلتم ووجدت الروج ثقيل‪ ،‬كما أنه قد تواتر أن بعض نساء النب (ص) قد تظاهرن عليه وها‬
‫اثنتان‪ ،‬والقرآن الكري قد نزل بآيات تتلى إل قيام الساعة يهدد هاتي الرأتي اللتي تظاهرتا على‬
‫النب (ص)‪ ،‬بل إن المر فوق ما تدركه عقولنا إن القرآن الكري قد توعد هاتي بأن ال سبحانه‬
‫سوف ينصر الرسول (ص) وأن الؤمني سوف ينصرونه وأن اللئكة بعد ذلك ظهي { إِن تَتُوبَآ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫موْل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه هُوَ َ‬ ‫ما وَإِن تَظَاهََرا ع َلَيْهِ فإ ِ ّ‬ ‫ت قُلُوبُك ُ َ‬ ‫صغَ ْ‬ ‫إِلَى ٱلل ّهِ فَقَد ْ َ‬
‫ك ظَهِيٌر } ال أكب‪ ،‬وهذا‬ ‫ة بَعْد َ ذَل ِ َ‬ ‫ن وَال ْ َ‬
‫ملَئِك َ ُ‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫منِي َ‬ ‫صال ِ ُ‬
‫ل وَ َ‬ ‫جبْرِي ُ‬
‫وَ ِ‬
‫التهديد ل نده حت ف حق الكافرين‪ ،‬ف حق مشركي قريش ل يوجد تديد ووعيد بذا الستوى‪،‬‬
‫وقد بيّن عمر بن الطاب كما ف صحيح البخاري ‪-‬ليس ف رواياتنا‪ -‬هاتي الرأتي اللتي تظاهرتا‬
‫على رسول ال‪ ،‬فلياجع من أراد معرفتهما وها من الصحابة‪ .‬فمن يقول بأن الصحابة معصومي أو‬
‫أن الصحابة عدول فهو مكابرٌ للقرآن الكري‪ ،‬بل إنه مكذبٌ للثوابت التاريية العلومة بنحو اليقي‪،‬‬
‫بل إن القرآن الكري قد صدق هذه الثوابت التاريية مثل فرار السلمي الذين كانوا مع النب (ص) ف‬
‫َ‬
‫م }‪ ،‬ف حني ف ّر وذهب‬ ‫م كَثَْرتُك ُ ْ‬ ‫جبَتْك ُ ْ‬
‫ن إِذ ْ أع ْ َ‬ ‫حنَي ْ ٍ‬
‫م ُ‬ ‫غي واحدة من العارك‪ { :‬وَيَوْ َ‬
‫بعضهم با عريضة ‪-‬فرّ فلم يدوه إل بعدها بثلثة أيام‪ -‬ماذا تصنع ؟ أل يفعل هذا كبية من الكبائر‬
‫وهي الفرار يوم الزحف‪ ،‬وهؤلء الذين فرّوا والرسول (ص) يدعوهم ف أخراهم وهم ل يلوون على‬
‫شيء يسبون كل صيحة عليهم ‪-‬إذا وقعت حجرة على حجرة‪ ،‬أو اصطكت حوافر اليل بجارة‬
‫حسبوا أن العدو وراءهم‪ ،-‬هؤلء أل يرتكبوا كبية من الكبائر بتركهم النب (ص)‪ ،‬ث إن جلة من‬
‫الصحابة قد اتموا عرض رسول ال (ص) وطعنوا فيه وف صحيح البخاري ما يرشد إل أن حسان‬
‫بن ثابت هو الذي تول كب هذه الفرية‪ .‬وهل يليق هذا بعصوم أن يطعن عرض رسول ال (ص) ؟!‬
‫ف للعدالة فضلً عن العصمة‪ .‬فالقول بعصمة الصحابة بل‬ ‫وهل يليق هذا بعادل ؟! فإذن‪ ،‬هذا منا ٍ‬
‫القول بعدالتهم ل يقرّه القرآن ول تقرّه الثوابت التاريية‪ ،‬ودونك واقعة صفي فإنا تفضح هذا القول‬
‫فضحا ما بعده فضح‪ ،‬فالرسول (ص) بي للمسلمي قاطبةً أن الفرقة الت تاصم علي بن أب طالب‬
‫وتقاتله‪ ،‬والت تدعوا دعوة مالفة لدعوة عمار فرقة تدعوا إل النار‪ ،‬وإمام هذه الفرقة الداعية إل النار‬
‫هو من الصحابة بسب التسمية والصطلح‪ ،‬وهذا الذي هو من الصحابة ‪-‬وهو إمام الفرقة الداعية‬
‫إل النار باتفاق السلمي‪ -‬كيف يقال بقه أنه معصوم عصمة نسبية أو يقال بقه أنه عادل ؟! فهذا‬
‫القول قول ل يقرّه عقل فضلً عن النقل‪.‬‬
‫‪-----‬‬
‫س‪ :‬أين يوجد اللطف اللي ف مسألة العصمة ؟‬
‫اللطف اللي ف الركيزتي بيّنٌ‪ .‬أما ف الطهارة النفسية فإن اللطف اللي ف هذه الركيزة قد‬
‫أوضحته اليات الكرية الت بينت الصطفاء ‪-‬أي أخذ الصفوة‪ ،-‬وكذلك اليات البينة للتطهي فإنا‬
‫مصرّحة بالتفضل بذه الركيزة الت تنشأ منها العصمة‪ ،‬التطهي مبيٌ ف حق مري ف الية الت مر‬
‫َ‬
‫ما يُرِيد ُ ٱلل ّ ُ‬
‫ه لِيُذْه ِ َ‬
‫ب‬ ‫ذكرها‪ ،‬ومبيٌ ف حق رسول ال (ص) ومن معه تت الكساء { إِن َّ َ‬
‫م تَطْهِيللرا ً } فهذا إذن ف جانب‬ ‫ت وَيُطَهَرك ُ ْ‬
‫ل ٱلْبَي ْ ِ‬‫س أَهْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫م ٱلر ْ‬ ‫ع َنكُل ُ‬
‫الطهارة النفسانية‪ .‬وأما جانب العلم فإنه يعلم من خلل أدلة أخرى مثل‪ :‬الدلة البينة لتعليم آدم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مآءَ كُل ّهَا }‪ ،‬والدلة البينة لتعليم النب (ص) ما ل تيط به النبياء‬ ‫س َ‬ ‫م ٱل ْ‬ ‫(ع){وَع َل ّ َ‬
‫م آد َ َ‬
‫َ‬
‫ن تَعْلَم } فإن كل ما ل يكن النب (ص) يعلمه بذاته قد علمه ال‬ ‫م تَك ُ ْ‬‫ما ل َ ْ‬ ‫ك َ‬‫م َ‬ ‫{ وَع َل ّ َ‬
‫إياه‪ ،‬وهذا تعليم مطلق‪ ،‬وهذا أحد أدلتنا على أن النب (ص) الغيب‪ ،‬أن النب (ص) قد علمه ال كل‬
‫ما ل يكن يعلم والغي مندرج ف هذا‪ ،‬ويندرج ف هذا ما يترتب على العمال الصالة والعمال‬
‫الطالة من التبعات وذلك أيضا ما ل يكن يعلمه بذاته‪ ،‬هذا مضافا إل أنا نزم بسب ما نعرفه من‬
‫مفهوم العصمة الذي بينّاه ف اللقة السابقة أن هذا المتناع عن القبائح والرذائل ل يتحقق من دون‬
‫علم‪ ،‬ولذلك مثّلنا بالثال الذي ذكرناه ف اللسة السابقة أن النسان الذي تنجر نفسه من أكل‬
‫الضفادع والنافس مثلً فإنه قد يرتكب ذلك وقد يأكلها إذا ل يكن يعلم بأن الطبق الذي يأكله‬
‫مكون من الضفادع‪ ،‬فإذا المتناع ل يتكون بسب مفهوم العصمة‪ ،‬ل يتحقق المتناع ما ل يكن‬
‫المتنع عالا با يتنع عنه وبا يترتب عليه‪ ،‬فإذا هذا أمر تقتضيه العصمة ‪-‬أي العلم با يترتب على‬
‫الطاعات من الثواب وعلى ما يترتب على العاصي من العقاب وعلى قبح العاصي ف نفسها‪ ،‬العلم‬
‫بذلك ما يقتضيه مفهوم العصمة وما تقتضيه طبيعة العصمة والمتناع‪ ،-‬كما أنه دل عليه أيضا الدليل‬
‫الشرعي‪.‬‬
‫‪-----‬‬
‫والمد ل أولً وآخرا‬

You might also like