You are on page 1of 2

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫‪2015/3/27‬‬

‫في ظل "عاصفة الحزم" ‪ ..‬اليمن وحاجتنا إلعادة التوازن‬

‫د‪.‬هتون أجواد الفاسي‬

‫تقود المملكة العربية السعودية منذ يوم الخميس فجرا ً (الثانية عشرة صباحا ً ‪ )2015/3/26‬تحالفا ً خليجيا ً‬
‫عربيا ً دوليا ً أطلق عليه "عاصفة الحزم" الستعادة السلطة المنتخبة في اليمن من أيادي الحوثيين الذين تمادوا‬
‫خالل األشهر الماضية في تمددهم في المدن اليمنية وزحفهم على العاصمة وإسقاطها وإحكام السيطرة على‬
‫مؤسسات الدولة ووضع رئيسها تحت اإلقامة الجبرية مع رئيس الوزراء وتصفية العديد من رموز الحوار‬
‫العقالني في اليمن ومعارضيهم‪ ،‬وقد رصد المرصد األورومتوسطي لحقوق اإلنسان في تقريره في ديسمبر‬
‫الماضي "أن اليمن شهدت ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق اإلنسان من قبل وحدات الجيش‪ ،‬ومن قبل‬
‫ميليشيات الحوثيين خالل الفترة من ‪ 16‬سبتمبر وحتى ‪ 10‬أكتوبر ‪ .2014‬وقال إن االنتهاكات تنوعت بين‬
‫أعمال قتل واختطاف‪ ،‬واحتجاز للحريات السياسية واإلعالمية والمجتمع المدني‪ ،‬وانتهاكات بحق الممتلكات‬
‫الخاصة والعامة والمؤسسات التعليمية والطبية"‪ ،‬ناهيك عما قامت به بعد ذلك التاريخ من احتالل للعاصمة‬
‫وما تال ذلك من هرب الرئيس من اإلقامة الجبرية إلى عدن ومن ثم مالحقته هناك بعد أن دعا ألن تتبنى‬
‫الرياض حوارا ً وطنياً‪ ،‬ثم الزحف على عدن وقصف القصر الرئاسي فيه واستنجاد الرئيس بالسعودية‬
‫والدول العربية إلنقاذ اليمن من الزحف الحوثي عليها‪ .‬ولم يعد خافيا ً التعاون اإليراني‪ -‬الحوثي الذي أصبح‬
‫علنيا ً في اآلونة األخيرة من تزويد بالسالح‪ ،‬ويتوقع بالرجال أيضا ً من خالل الرحالت الجوية التي بدأها‬
‫الحوثيون مع إيران بعد أن وضعوا أيديهم على الخطوط الجوية اليمنية ووقعوا مذكرة تفاهم مع الخطوط‬
‫اإليرانية ماهان لتسيير ‪ 28‬رحلة أسبوعية في فبراير الماضي‪ ،‬على الرغم من عدم وجود جالية يمنية تعيش‬
‫في إيران والخسائر التي تعاني منها الخطوط‪.‬‬

‫هذا كان من جانب‪ ،‬ومن جانب آخر يبرز في التحالف الحوثي الرئيس اليمني السابق علي عبدهللا صالح‪،‬‬
‫الذي يلعب على التحالف مع الحوثيين من جهة والقاعدة من جهة أخرى‪ ،‬والذي بقي موتورا ً من الربيع‬
‫العربي الذي أخرجه من الحكم وفوت الفرصة عليه لتوريث ابنه‪ ،‬ووقع مضطرا ً على االتفاقية الخليجية التي‬
‫منحته حصانة رغما ً من الثورة اليمنية‪ ،‬ولم تكفه‪ ،‬ولم تكفه المليارات التي ثبت أنه مختلس لها من أموال‬
‫الشعب‪ ،‬فخرج يهدد ويتوعد األسبوع الماضي الرئيس هادي ويعلن بكل غطرسة منحه مخرجا ً واحدا ً للهرب‬
‫إلى جيبوتي‪ ،‬مستخدما ً في زحفه على عدن سالح الجيش الذي أنفقت عليه دول مجلس التعاون الكثير لتقوية‬
‫اليمن عسكرياً‪ ،‬ليقوم اليوم برفعه على بني وطنه‪.‬‬

‫والقرار السعودي بالحرب‪ ،‬والذي أيده عدد من الدول الخليجية والعربية والدولية‪ ،‬يرتبط بمحاولة إعادة‬
‫التوازن السياسي للمنطقة التي بدأت تفقده في ظل الضغط اإليراني على المنطقة بشكل غير مسبوق منذ‬
‫العصر الصفوي في القرن السابع عشر عندما مدوا نفوذهم إلى بغداد والبصرة‪ .‬فمنذ الغزو واالحتالل‬
‫‪1‬‬
‫األمريكي للعراق عام ‪ 2003‬وقياد العراق تحول طائفيا ً شيعيا ً على يد الرئيس المالكي تحت تأييد ورعاية‬
‫أمريكية سمحت بالنفوذ اإليراني من التسلل تدريجيا ً إلى العراق حتى أصبح واقعا ً في وضح النهار والقواد‬
‫اإليرانيون يشتركون في العمليات العسكرية التي تشنها القوات العراقية مع التحالف الدولي على السرطان‬
‫المستعظم من التطرف السني الذي أنتج داعشاً‪ .‬وفي ظل ترك الساحة العراقية تتطرف دون تدخل عاقل من‬
‫الدول العربية المجاورة نتج عن ذلك تطرفا ً مضادا ً أخذ شكالً سنيا ً استفاد مما يجري على الساحة السورية‬
‫من استقطاب لجميع أشكال التطرف والعنف دون تدخل عربي أو دولي حقيقي ليوقف الفظائع األسدية على‬
‫شعبه‪ ،‬مما ترك الساحة خالية لتتصارع فيها القوى أشكاالً أفرزت صورة وحشية لمدعي الدفاع عن أهل‬
‫السنة‪.‬‬

‫وكما يبدو أن القوى السنية المتطرفة تقوم بمحاولة لتطويق السعودية‪ ،‬ما بين داعش في الشمال وأحالفها‬
‫ومبايعيها في الجنوب‪ ،‬من خالل ما شاهدناه في الهجومين اللذين شنتهما داعش على منفدي الوديعة الجنوبي‬
‫في يوليو ‪ 2014‬وعرعر الشمالي في يناير ‪ . 2015‬أي أن السعودية تتعرض بشكل أو بآخر إلى محاصرة‬
‫متطرفة من كال المذهبين السني والشيعي في ظاهرة غريبة‪ ،‬تجعلنا نطرح سؤالين رئيسين‪ :‬كيف حدث‬
‫هذا؟ وماذا نفعل إزاءه؟‬

‫ما أراه كأحد أهم أسباب التطرف‪ ،‬هو التضييق على الحريات وعلى التعبير عن االختالف من جانب‪،‬‬
‫واإلحساس بالظلم في أشكاله المتعددة‪ ،‬االجتماعية واالقتصادية والثقافية والتي يجسدها الفساد بكل ألوانه‪،‬‬
‫فضالً عن تسييس شؤون الحياة السيما التعليمية والدينية‪ .‬وهذه رؤوس أقالم‪ .‬وما يمكن أن نفعله إزاءها هو‬
‫ما قامت به الدولة من فعل عسكري بالتحالف الدولي الذي دعت له والذي يستهدف القوة العسكرية الحوثية‬
‫والصالحية وشل توسعهم وتهديدهم للحدود السعودية‪ ،‬من جانب‪ .‬ولكني أرى أنه يتبقى علينا فع ٌل آخر‬
‫داخلياً‪ ،‬من جانب آخر‪ ،‬أال وهو إتاحة الفرصة لظهور أصوات معتدلة وطنية يمكنها أن تمالً الصراخ‬
‫الفكري الذي يعبئه التطرف بأشكاله المختلفة‪ ،‬الفكرية والدينية‪ ،‬والذي تتبناه كثير من القوى في العالم‬
‫اإلسالمي بدعوى أنها صادرة من أرض الحرمين الشريفين‪.‬‬

‫وندعو هللا أن تحسم الحرب في أسرع وقت‪ ،‬فخسائر الحروب في الهزيمة أو النصر‪ ،‬فادحة‪.‬‬

‫‪2‬‬

You might also like