You are on page 1of 72

‫< ‪>3‬‬

‫مقدمة‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والعاقبة للمتقين‪ ،‬ال عدواف إال على الظالمين‪ .‬وأشهد أف ال إلو إال اهلل وحده ال‬
‫شريك لو‪ ،‬وأشهد أف محمداً عبده ورسولو‪ ،‬وعلى آلو وأصحابو وأزواجو أمهات المؤمنين‪ ،‬وعلى كل من سار‬
‫على نهجو وسلك سبيلو إلى يوـ الدين‪ ،‬وعنا معهم بعفوؾ وكرمك وإحسانك يا رب العالمين‪.‬‬
‫وبعد‪..‬‬
‫فمنذ أف أشرقت شمس اإلسالـ على الدنيا وعطاؤه ال ينفد من القدوات الصالحات في شتى المجاالت‪ ،‬وىو‬
‫ما أشار إليو النبي المصطفى صلى اهلل عليو وسلم بقولو‪" :‬ال تزاؿ طائفة من أمتي ظاىرين على الحق‪ ،‬ال‬
‫(‪)1‬‬
‫يضرىم من خذلهم حتى يأتي أمر اهلل وىم كذلك"‬
‫(‪ )2‬ومع كثرة ىذه القدوات في كل عصر ومصر‪ ،‬فإف جيل الصحابة ‪ -‬رضواف اهلل عليهم ‪ -‬يبقى دائما ىو‬
‫أفضل تلك القدوات‪ ،‬وأسعدىا بطاعة اهلل‪ ،‬وأكثرىا عمالً باإلسالـ‪ ،‬وىم أصحاب فضل على كل من دخل في‬
‫اإلسالـ بعدىم‪ ،‬فبجهادىم عم نور اهلل على‬
‫< ‪>4‬‬
‫أفواجا‪ ،‬وما من مكرمة وال مصلحة يعود فضلها إلى أحد من‬
‫ً‬ ‫العالمين‪ ،‬وبدعوتهم دخل الناس في دين اهلل‬
‫البشر‪ -‬بعد رسوؿ اهلل صلى اهلل وسلم‪ -‬إال والصحابة الكراـ يحوزوف قصب السبق فيها‪ ،‬وقد عناىم الشاعر‬
‫بقولو‪:‬‬
‫َوَما المج ُد إِال َما بَ ْنوهُ فَ ُ‬
‫شيٍّدا‬ ‫العز لِ ِْل ْس َالِـ إِال بِ ِظلٍّ ِه ْم‬
‫فَما ِ‬
‫َ‬
‫وقد شهد لهذا الجيل رب العزة‪ -‬تبارؾ وتعالى‪ -‬في أكثر من موضع بكتابو الكريم‪ ،‬ومن ذلك قولو‪ -‬تعالى‬
‫ضالً ِم َن اهلل َوِر ْ‬
‫ض َوانا‬ ‫كعا ُسج ًدا ْيبتَػغُو َف فَ ْ‬ ‫اى ْم ُر ً‬
‫نهم تَػ َر ُ‬
‫ين َم َعوُ أَشداء َعلَى الْكفار ُر َح َماءُ بَػ ْي ْ‬
‫(محمد رس ُ ِ ِ‬
‫وؿ اهلل والذ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ (‪) 2‬‬ ‫ِ ِ‬
‫السجود)‬ ‫اى ْم في ُو ُجوى ِهم م ْن أَثَ ِر ُ‬‫سيم ُ‬
‫َ‬
‫كما شهد لهذا الجيل كذلك رسوؿ الدعوة ومبلغها األوؿ صلى اهلل عليو وسلم في العديد من األحاديث‪ ،‬ومن‬
‫ذلك قولو صلى اهلل عليو وسلم حين سئل‪ :‬أي الناس خير؟ قاؿ‪ :‬قرنى‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم‬

‫‪)1‬أخرجو مسلم‪ ،‬واللفظ لو جػ‪ ،3‬ص ‪ ،3533‬كتاب اإلمارة‪ ،‬باب قولو صلى اهلل عليو وسلم‪" :‬ال تزاؿ طائفة من أمتي‬
‫ظاىرين على الحق ال يضرىم من خالفهم؛ وأخرجو البخاري بنحوه جػ ‪ ،2‬ص ‪ ,286‬كتاب المناقب‪ ،‬الباب األخير منو‪ ،‬وىو‬
‫بدوف عنواف‬
‫‪ )2‬سورة الفتح‪ -‬آية رقم ‪29‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يجيء قوـ تسبق شهادة أحدىم يمينو‪ ،‬ويمينو شهادتو "‬
‫يضاؼ إلى ىذا شهادة الواقع لهذ ا الجيل‪ ،‬من حيث تمكين اهلل لهم في األرض‪ ،‬وتحقيق الغلبة لهم على‬
‫أعدائهم رغم قلة عددىم وعتادىم‪ ،‬مما يعد شهادة ضمنية من اهلل لهم بأنهم على الحق‪ ،‬فإف اهلل‪ -‬تعالى‬
‫ين)(‪ ، )2‬وىو‬ ‫ِِ‬ ‫قاؿ‪( :‬إِف اللو ال ي ِ‬
‫صل ُح َع َم َل ال ُْم ْفسد َ‬ ‫َ ُْ‬
‫< ‪>5‬‬
‫ص ُرهُ إِف الل َو لََق ِو ٌّ‬
‫ي َع ِز ٌيز)(‪ )3‬وإلى جانب تلك الشهادات كانت شهادة‬ ‫ص َرف اللوُ َم ْن يَػ ْن ُ‬
‫القائل سبحانو‪َ ( :‬ولَيَػ ْن ُ‬
‫أعدائهم لهم كذلك‪ ،‬ويكفينا في ىذا المقاـ قوؿ اإلماـ "مالك بن أنس" ‪ -‬رضي اهلل عنو ‪" : -‬بلغني أف‬
‫النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشاـ يقولوف‪ :‬واهلل لهؤالء خير من الحواريين فيما بلغنا"(‪ )4‬وإزاء‬
‫ىذا الفضل العظيم الذي حباه اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬لصحابة النبي صلى اهلل عليو وسلم يجب على األمة أف تبقى‬
‫موصولة بهذا المنبع الصافي‪ ،‬تنهل من معينو الذي ال ينضب‪ ،‬وتغترؼ من بحره الذي ال ينفد‪.‬‬
‫وقد تناوؿ علماء اإلسالـ في القديم والحدي ث حياة ىؤالء الصحابة الكراـ بالتفصيل الدقيق‪ ،‬وعمرت المكتبة‬
‫اإلسالمية بمؤلفاتهم التي أبرزت فضائلهم وجهودىم‪ ،‬وجهادىم في سبيل نصرة اإلسالـ‪.‬‬
‫(‪ ) 4‬مع كثرة ما ألف حوؿ الصحابة نرى قلة قليلة من ىذه المؤلفات تناولت حياة النساء منهم على وجو‬
‫االستقالؿ‪ ،‬والذين تحدثوا عنهن ‪ -‬ضمن مؤلفاتهم أو خصوىن بالتأليف ‪ -‬ركزوا على ما تتميز بو كل‬
‫ف يجمع مواقف ىؤالء الصحابيات في سياؽ‬ ‫شخصية منهن على حدة‪ ،‬وخلت المكتبة اإلسالمية من م َؤل ٍ‬
‫ُ‬
‫موضوعي‪ ،‬بحيث يتم التركيز على قيمة من القيم‪ ،‬وتساؽ عليها األمثلة العديدة من حياة ىؤالء الصحابيات‬
‫الكراـ‪ ،‬وذلك على غرار ما فعلو الشيخ "محمد يوسف الكاندىلوي‪ - ،‬رحمو اهلل ‪ -‬في كتابو "حياة‬
‫الصحابة"‪.‬‬
‫< ‪>6‬‬
‫ومن ىنا استعنت باهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬في إعداد ىذا البحث‪ ،‬والذي أسميتو "صفحات مشرقات من حياة‬
‫الصحابيات" حاولت فيو أف أركز على المبادئ والقيم بالتعريف بها‪ ،‬وبياف أىميتها ‪ -‬وبخاصة للنساء ‪ -‬ثم‬

‫‪)1‬أخرجو البخاري بهذا اللفظ جػ‪ ، 4‬ص ‪ ،353‬كتاب األيماف والنذور‪ ،‬باب إذا قاؿ أشهد باهلل أو شهدت باهلل‪ ،‬وأخرجو‬
‫مسلم جػ‪ 4‬ص‪ 3963،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضل الصحابة‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‬
‫‪)2‬سورة يونس‪ -‬اآلية رقم ‪83‬‬
‫‪)3‬سورة الحج ‪ -‬اآلية ‪.44‬‬
‫‪)4‬تفسير القرآف العظيم ‪ -‬الحافظ بن كثير جػ ‪ ،4‬ص ‪ - 244‬طبعة عيسى الحلبي‬
‫أتبع ذلك بسوؽ العديد من مواقف الصحابيات التي تدعم ىذا المبدأ أو تلك القيمة‪ ،‬وأقدمها قدوة صالحة‬
‫أضعها بين يدي نساء األمة في العصر الحاضر؟ لتقتفي أثر ىذا الجيل المبارؾ‪ ،‬فإف من تشبو بقوـ فهو منهم‪،‬‬
‫ومن أحبهم حشر معهم‪ ،‬وصدؽ من قاؿ‪:‬‬
‫َوَم ْن تَػ ْقتَ ِفي ُخطَى َحمالَ ِة الْ َحطَ ِ‬
‫ب‬ ‫َشتا َف بَػ ْي َن َم ِن الزْى َراءُ أُ ْس َوتُهاَ‬

‫(‪ )5‬وإلف كانت الغاية من ىذا البحث تقديم القدوات الصالحات لنصلح بذلك من أمر النساء المسلمات؛‬
‫فإف ذلك ال يعنى عدـ انتفاع الرجاؿ بمثل تلك القدوات الصالحات؛ فإف المرأة إما أف تكوف أما أو زوجة أو‬
‫بنتا أو أختا‪ ،‬فإذا صلحت انعكس ذلك باإليجاب على حاؿ الرجاؿ‪ ،‬كما أف مطالعة الرجاؿ لتلك القدوات‬
‫الصالحات تولد فيهم اإلحساس بالغيرة من تفوؽ النساء عليهم‪ ،‬مما يدفعهم إلى مزيد من الجهد والعطاء‪،‬‬
‫وىو ما نتمناه من الرجاؿ والنساء على السواء‪.‬‬
‫(‪ )6‬ىذا؛ وقد تم تقسيم البحث إلى‪ :‬مقدمة‪ ،‬وتمهيد‪ ،‬وأربعة فصوؿ‪ ،‬وخاتمة‪.‬‬
‫أما المقدمة فقد اشتملت على بياف أىمية الموضوع‪ ،‬وسبب اختياره‪ ،‬وعناصر البحث فيو‪.‬‬
‫وأٍا اىرَهيذ فقذ اشرَو عيى تياُ ٍناّح اىَشأج في اإلسالً‪ ،‬وٍظاهش اىعْايح تها‪.‬‬
‫< ‪>7‬‬
‫وأما الفصل األوؿ فقد جاء بعنواف (العبادة في حياة الصحابيات)‪ ،‬وقد اشتمل على ثالثة مباحث‪-:‬‬
‫(‪ )3‬ترؾ المعصية‪ ،‬والورع عن مواقعة الشبهات‪.‬‬
‫(‪ )2‬المحافظة على أداء الفرائض‪ ،‬واإلكثار من النوافل‪.‬‬
‫(‪ )3‬اإلكثار من ذكر اهلل تعالى‪.‬‬
‫وأما الفصل الثاني فقد جاء بعنواف (الجانب االجتماعي في حياة الصحابيات) وقد اشتمل على أربعة‬
‫مباحث‪-:‬‬
‫(‪ )3‬مع الزوج‬
‫(‪ )2‬مع األوالد‬
‫(‪ )3‬مع األخوات المسلمات‬
‫(‪ )4‬في مواجهة أعداء اإلسالـ‬
‫وأما الفصل الثالث فقد جاء بعنواف (العفة في حياة الصحابيات) وقد اشتمل على مبحثين‪-:‬‬
‫(‪ )3‬المحافظة على ارتداء الحجاب‪.‬‬
‫(‪ )2‬البعد عن االختالط بالرجاؿ‪.‬‬
‫وأما الفصل الرابع فقد جاء بعنواف (العلم في حياة الصحابيات) وقد اشتمل على مبحثين‪-:‬‬
‫(‪ )3‬الحرص على طلب العلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬توظيف العلم في خدمة الدعوة‪.‬‬
‫< ‪>8‬‬
‫وأما الخاتمة فقد اشتملت على نتائج البحث‪ ،‬وأىم التوصيات‪.‬‬
‫خالصا لوجهو الكريم‪ ،‬وأف يجزى عنا نبينا صلى اهلل‬
‫ً‬ ‫وختاما أسأؿ اهلل ‪ -‬تبارؾ وتعالى ‪ -‬أف يجعل ىذا العمل‬
‫ً‬
‫عليو وسلم وصحابتو الكراـ‪ -‬رجاال كانوا أو نساء‪ -‬خير ما يجزى بو عباده الصالحين‪ ،‬وأف يرزقنا حسن‬
‫التأسي بهم والسير على دربهم‪ ،‬وأف يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا‪ ،‬وأف يبارؾ لنا في زوجاتنا وذرياتنّا‪ ،‬إنو ولى‬
‫ذلك والقادر عليو‪ ،‬وىو سبحانو وتعالى المستعاف وعليو التكالف‪.‬‬
‫وصل اللهم وسلم وبارؾ على سيدنا محمد النبي األمي وعلى آلو وصحبو وسلم‬
‫المؤلف‬
‫أ ‪ .‬د‪ /‬طلعت محمد عفيفي سالم‬
‫عميد كلية الدعوة اإلسالمية بالقاىرة‬
‫جامعة األزىر‬
‫< ‪>9‬‬
‫تمهيد‬
‫(‪ ) 3‬لم تحظ المرأة في شريعة من الشرائع‪ ،‬وال في دين من األدياف‪ ،‬بمثل ما حظيت بو من مكانة في ظل‬
‫اإلسالـ وتعاليمو السمحة‪.‬‬
‫ويكفي للتدليل على ذلك أف نعقد مقارنة بين ما كانت عليو المرأة قبل اإلسالـ وما صارت إليو بعد مجيئو؛‬
‫وذلك ألف حسن األشياء يبدو بأضدادىا‪.‬‬
‫(‪ )2‬لقد حدثنا القرآف الكريم عما كاف يتعامل بو العربي إذا زفت إليو البشرى بوالدة أنثى‪ ،‬فقاؿ ‪ -‬تعالى ‪: -‬‬
‫(وإذَا بشر أَح ُدىم بِاألنثَى ظَل وجهوُ مسودًّا و ُىو َك ِظيم يػتَوارى ِمن الْ َقوِـ ِمن سوء ما بشر بو أَيم ِس ُكو َعلَى ُى ٍ‬
‫وف‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫اء َما يَ ْح ُك ُمو َف)‬
‫التراب أَال َس َ‬
‫أ َْـ يَ ُدسوُ في َ‬

‫‪)1‬سورة النحل‪ -‬آية رقم ‪4 59 ،58‬‬


‫وفي ىذه اإلشارة القرآنية ما يغني عن أي حديث آخر‪ ،‬حيث ال ينتظر في من يتعامل مع األنثى عند والدتها‬
‫بهذا األسلوب أف تكوف محل تكريم أو إعزاز من أحد‪.‬‬
‫وقد أشار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي اهلل عنو ‪ -‬في عبارة موجزة إلى وضع النساء في مجتمع ما‬
‫قبل اإلسالـ فقاؿ‪ " :‬واهلل إنا كنا في الجاىلية ما نعد للنساء أمرا حتى أنزؿ اهلل فيهن ما أنزؿ‪ ،‬وقسم لهن ما‬
‫(‪)1‬‬
‫قسم "‬
‫<‪>34‬‬
‫(‪ )3‬ولم تكن المرأة في المجتمعات األخرى غير العربية أحسن حاال‪ ،‬سواء منها ما لو صلة باألدياف‪ ،‬أو ما‬
‫ىو نتاج فكر بشرى‪.‬‬
‫وفيما يلي نتعرؼ على بعض األقواؿ الواردة في ىذا الشأف‪:‬‬
‫أ‪ -‬يقوؿ "سقراط" الفيلسوؼ اليوناني المعروؼ مصوراً نظرة الحضارة اليونانية القديمة إلى المرأة‪" :‬إف وجود‬
‫المرأة ىو أ كبر منشأ ومصدر لألزمة واالنهيار في العالم‪ ،‬إف المرأة تشبو شجرة مسمومة‪ ،‬ظاىرىا جميل‪،‬‬
‫ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حاال"‪)3( 2‬‬
‫معبرا عن وضع المرأة في الديانة البوذية‪ " :‬في نظر البوذيين أف‬
‫ب‪ -‬ويقوؿ المؤرخ المعروؼ "وستر مارؾ " ً‬
‫جميع النساء كالمصيدة‪ ،‬وضعن إلغواء وفتنة الرجاؿ‪ ،‬وأف ىذه القوة تجسدت بأخطر األشكاؿ في أصل‬
‫(‪)3‬‬
‫المرأة بحيث تغوى الرجاؿ‪ ،‬وىذا اإلغواء ىو الذي يعمى أفكار العالم)‬
‫ت النساء في‬ ‫ج‪ -‬يصور الشيخ "أبو الحسن الندوى" وضع المرأة في المجتمع الهندي فيقوؿ‪" :‬لقد نػُزلَ ْ‬
‫المجتمع الهندي منزلة اإلماء‪ ،‬وكاف الرجل قد يخسر امرأتو في القمار‪ ،‬وإذا مات صارت كالموءودة ال تتزوج‪،‬‬
‫وتكوف ىدؼ اإلىانات والتجريح‪ ،‬وكانت أمة في بيت زوجها المتوفى وخادـ األحماء وقد تحرؽ نفسها على‬
‫(‪) 4‬‬
‫إثر وفاة زوجها تفاديًا من عذاب الحياة وشقاء الدنيا"‬
‫<‪>33‬‬
‫د‪ -‬وفي الحضارة الرومانية المتألقة قبل اإلسالـ سلبت المرأة جميع حقوقها‪ ،‬فهي محرومة من كل حقوقها‬

‫‪)1‬المرأة ومكانتها في اإلسالـ ص ‪ ،23‬أحمد عبد العزيز الحصين‪ ،‬طبعة ثانية ‪ 3983‬ـ‪ ،‬مكتبة اإليماف ‪4‬‬
‫‪)2‬المرأة في التصور اإلسالمي ص ‪ ،357 -355‬د‪ /‬عبد المتعاؿ الجبري‪ ،‬طبعة عاشرة ‪3994‬ـ‪ ،‬مكتبة وىبة‪.‬‬
‫‪)3‬نفس المرجع السابق ص ‪.377 -355‬‬
‫‪)4‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين (ص ‪ -64‬ص ‪ -)63‬طبعة عاشرة ‪ -3977‬دار األنصار بالقاىرة‪.‬‬
‫المدنية والقانونية واألخالقية واالجتماعية والمالية‪ ،‬وكاف األب ىو السلطاف الحاكم على زوجتو وأوالده‪ ،‬ولو‬
‫أف يحكم على زوجتو باإلعداـ في بعض التهم‪ ،‬كما أف لو الحق في بيع أوالده أو قتلهم أو تعذيبهم‪ ،‬وأف يضم‬
‫(‪)1‬‬
‫‪4‬‬ ‫إلى أسرتو من غير صلبو‪ ،‬أو ينفي من شاء من أبنائو عنو‬
‫ىػ‪ -‬والمرأة عند اليهود تكوف فى أثناء حيضها نجسة‪ ،‬وكل ما تلمسو من طعاـ أو كساء أو إنساف أو حيواف‬
‫ينجس‪ ،‬ولذلك يعزلونها بعي ًدا عنهم‪ ،‬ويروف أف كل ما يفعلو الرجل من أعماؿ ال أخالقية مرده إلى المرأة‪.‬‬
‫وأما في النصرانية فالمرأة ىي الباعثة على خطيئة آدـ ‪ -‬عليو السالـ ‪ -‬ولذا فإف الفضيلة لديهم ىي في‬
‫الفرار منها‪ ،‬وعدـ االقتراف بها‪ ،‬ومن اقترف بها فهو يتعاطى شراً‪ ،‬البد منو‪.‬‬
‫يقوؿ "كدائى سوستاـ" ‪ -‬الذي يعد من أكبر أولياء الديانة المسيحية ‪ -‬في شأف المرأة‪" :‬ىي شر البد منو‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ووسوسة جبلية‪ ،‬وآفة مرغوب فيها‪ ،‬وخطر على األسرة والبيت‪ ،‬ومحبوبة فتاكة‪ ،‬ورزء مطلى مموه"‬
‫واألقواؿ والمواقف في ىذا كثيرة‪ ،‬لكنني أكتفي بما ذكرت‪ ،‬وأحيل من أراد االستزادة من ىذا إلى من أفاضوا‬
‫في الكتابة فيها‪4‬‬
‫<‪>32‬‬
‫(‪ )4‬فلما جاء اإلسالـ‪ ،‬وعم نور اهلل العالمين‪ ،‬تغير كل شيء‪ ،‬ونالت المرأة في ظل تعاليمو من التكريم‬
‫والتقديس ما رفع قدرىا‪ ،‬وأعلى مقامها‪ ،‬ودفع بها إلى البذؿ والعطاء‪ ،‬شأنها في ذلك كشأف الرجاؿ‪ .‬وكدليل‬
‫على تكريم اإلسالـ وتقديره للمرأة نذكر ىذه المالحظات الجديرة باالعتبار‪:.‬‬
‫أ‪ -‬تسمية اهلل‪ -‬تعالى‪ -‬لسورة من سور القرآف الكريم باسم سورة النساء وسورة أْخرى باسم امرأة منهن وىى‬
‫السيدة مريم‪ -‬عليها السالـ‪.-‬‬
‫ب‪ -‬لم يذكر القرآف الكريم صفة صالحة في الرجاؿ إال ذكر مثلها في النساء‪ ،‬وسوى اهلل بينهما في األجر‬
‫سيِ َِيَِ‬‫على ذلك آية سورة األحزاب‪( :‬إَُِّ ا ْى َُ ْ‬ ‫على األعماؿ الصالحة‪ ،‬ومن أجمع اآليات الدالة ِ‬
‫صاتِ ِشيَِ‬ ‫خ َواى َّ‬ ‫صا ِدقَا ِ‬
‫صا ِدقِيَِ َواى َّ‬ ‫خ َواى َّ‬ ‫خ َوا ْىقَاِّرِيَِ َوا ْىقَاِّرَا ِ‬ ‫خ َوا ْى َُ ْؤ ٍِِْيَِ َوا ْى َُ ْؤ ٍَِْا ِ‬ ‫َوا ْى َُ ْ‬
‫سيِ ََا ِ‬
‫خ‬
‫صا ِئ ََا ِ‬ ‫صائِ َِيَِ َواى َّ‬ ‫خ َواى َّ‬ ‫ص ِّذقَا ِ‬ ‫ص ِّذقِيَِ َوا ْى َُرَ َ‬ ‫خ َوا ْى َُرَ َ‬ ‫ش ِعيَِ َوا ْى َخا ِ‬
‫ش َعا ِ‬ ‫خ َوا ْى َخا ِ‬ ‫صاتِ َشا ِ‬ ‫َواى َّ‬
‫َّللاُ ىَهُ ٌْ ٍَ ْغفِ َشجً َوأَ ْج ًشا‬
‫خ أَ َع َّذ َّ‬
‫اىزا ِم َشا ِ‬‫َّللا َمثِي ًشا َو َّ‬ ‫اىزا ِم ِشيَِ َّ َ‬‫خ َو َّ‬‫وجهُ ٌْ َوا ْى َحافِظَا ِ‬ ‫َوا ْى َحافِ ِظيَِ فُ ُش َ‬
‫(‪)3‬‬
‫َع ِظي ًَا)‪.‬‬

‫‪)1‬المرأة ومكانتها في اإلسالـ ص ‪ ،384‬أحمد عبد العزيز الحصين‪.‬‬


‫‪)2‬نفس المرجع والصفحة‪.‬‬
‫‪ )3‬سورة األحزاب‪ -‬آية ‪35‬‬
‫ج‪ -‬لكي يزيل اهلل من النفوس شبهة انتقاص المرأة قدمها على األوالد في الذكر عندما بين فضلو على عباده‬
‫ة ىِ ََِْ يَشَا ُء إَِّاثًا‬ ‫خ َو ْاْلَ ْس ِ‬
‫ض يَ ْخيُ ُ‬
‫ق ٍَا يَشَا ُء يَ َه ُ‬ ‫في ىبتو بالذرية‪ ،‬فقاؿ سبحانو‪َّّ ِ ( :‬لِلِ ٍُ ْي ُل اى َّ‬
‫س ََا َوا ِ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ة ىِ ََِْ يَشَا ُء ُّ‬
‫اىز ُمى َس)‬ ‫َويَ َه ُ‬
‫<‪>33‬‬
‫د‪ -‬اىتم القرآف الكريم ‪ -‬ضمن ما اىتم بو ‪ -‬بكثير من األحكاـ التي تخص النساء‪ ،‬وأفرد لذلك العديد من‬
‫اآليات‪ ،‬كما اىتم بقضايا تخص بعضهن‪ ،‬كتزويج اهلل لنبيو بالسيدة "زينب بنت جحش"‪ ،‬ونزؿ القرآف بذلك‪،‬‬
‫وحين افترى المنافقوف على السيدة "عائشة" ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬واتهموىا بما ىي منو براء‪ ،‬وذلك في قصو‬
‫اإلفك‪ ،‬نزؿ القرآف الكريم ببراءتها مما اتهموىا بو‪ ،‬وذلك في آيات تتلى إلى يوـ القيامة‪.‬‬
‫ىػ‪ -‬وكما اىتم القرآف الكريم بشأف النساء اىتمت السنة بذلك‪ ،‬وورد على لساف النبي المصطفي صلى اهلل‬
‫عليو وسلم من األحاديث التي تتعلق بهن الكثير‪ ،‬كما وردت وصيتو بإحساف المعاملة معهن في أكثر من‬
‫موقف‪ ،‬ومن أشهر تلك المواقف ما ورد في خطبتو لو في حجة الوداع‪ ،‬حيث جاء فيها كما في صحيح‬
‫(‪)2‬‬
‫وفي روايات‬ ‫مسلم‪" :‬اتقوا اهلل في النساء‪ ،‬فإنكم أخذتموىن بأماف اهلل‪ ،‬واستحللتم فروجهن بكلمة اهلل"‬
‫خيرا‪ ،‬فإنهن عندكم عواف‪ ،" ...‬وما ورد على لساف النبي ‪ -‬صلى‬
‫أخرى لغير اإلماـ مسلم‪( :‬استوصوا بالنساء ً‬
‫اهلل عليو وسلم ‪ -‬من تكريم النساء‪ ،‬سواء كن أمهات وزوجات أو أخوات أو بنات؛ من الشهرة والوضوح‬
‫بمكاف‪.‬‬
‫يقوؿ المفكر والقانوني الفرنسي المعاصر "مارسيل بوازار"‪" :‬أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد أنها حامية‬
‫(‪)3‬‬
‫حقوؽ المرأة التي ال تكل "‬
‫<‪>34‬‬
‫(‪ )5‬وقد انعكس ىذا االىتماـ بشأف النساء في وجود القدوات الصالحات منهن في كافة المجاالت‪ ،‬ويكفينا‬
‫‪ -‬على سبيل المثاؿ ال الحصر ‪ -‬أف نعلم أف أوؿ من آمن برسوؿ اهلل محمد صلى اهلل عليو وسلم على‬
‫اإلطالؽ أـ المؤمنين "خديجة" ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬وأف أوؿ من استشهد في سبيل اهلل السيدة "سمية" أـ‬
‫"عمار بن ياسر" ‪ -‬رضي اهلل عنها‪.-‬‬
‫وقد أبلت النساء بالء حسنًا في كثير من المواقف‪ ،‬وما من مكرمة أو فضيلة إال وكانت فيها مع الرجاؿ سواء‬

‫‪)1‬سورة الشورى‪ -‬آية رقم ‪49‬‬


‫‪)2‬أخرجو مسلم جػ‪ ،2‬ص‪ ،889‬كتاب الحج‪ ،‬باب حجة النبي صلى اهلل عليو وسلم‪4‬‬
‫‪)3‬قالوا عن اإلسالـ ص ‪ ،434‬د‪ /‬عماد الدين خليل‪ ،‬طبعة أولى ‪3992‬ـ‪ .‬الندوة العالمية للشباب اإلسالمي‪ ،‬الرياض‪4‬‬
‫بسواء‪ ،‬ولم تمنعها أنوثتها من التضحية في سبيل دينها‪ ،‬والحرص على مرضاة ربها‪ ،‬وسنرى من مواقفهن‬
‫الكثير والكثير في الصفحات التالية بإذف اهلل تعالى‪.‬‬
‫(‪ ) 6‬وقد غاظ أعداء اإلسالـ أف تتمتع المرأة بهذه الميزات‪ ،‬وأف تعيش على مبادئ اإلسالـ فتنجب أمثاؿ‬
‫خالد بن الوليد‪ ،‬وصالح الدين‪ ،‬فعملوا على إفسادىا بكل الوسائل الممكنة وصوال إلى إفساد اإلسالـ نفسو‪،‬‬
‫ومن أقوالهم في ىذا‪:‬‬
‫تماما أننا لسنا منتصرين‬
‫أ‪ -‬يقوؿ أحد كبراء الماسونية‪ ،‬وىى منظمة صهيونية عالمية‪ ،‬واسمو "بولة"‪( :‬تأكدوا ً‬
‫(‪)1‬‬
‫على الدين إال يوـ تشاركنا المرأة فتمشى في صفوفنا"‬
‫ب‪ -‬وقالوا كذلك في مؤتمر عقد سنة ‪ 3899‬ـ في بولونيا‪" :‬يجب علينا أف نكسب المرأة‪ ،‬فأي يوـ تمد‬
‫(‪)2‬‬
‫إلينا يدىا نفوز بالمراد‪ ،‬ويتبدد جيش المنتصرين للدين "‬
‫<‪>35‬‬
‫ج‪ -‬وتقوؿ المبشرة " آف ميلغياف" ‪" :‬لقد استطعنا أف نجمع في صفوؼ كلية البنات في القاىرة بنات آباؤىن‬
‫باشوات وبكوات‪ ،‬وال يوجد مكاف آخر يمكن أف يجتمع فيو مثل ىذا العدد من البنات المسلمات تحت‬
‫(‪)3‬‬
‫النفوذ المسيحي‪ ،‬وبالتالي ليس ىناؾ من طريق أقرب إلى تقويض حصن اإلسالـ من ىذه المدرسة"‬
‫(‪ )7‬وىكذا يتضح لنا ‪ -‬وبما ال يدع مجاال للشك ‪ -‬أف المرأة مستهدفة من أعداء اإلسالـ إلفسادىا في‬
‫ذاتها‪ ،‬وإشاعة الفساد عن طريقها‪ ،‬وصوال إلى ىدـ اإلسالـ وتقويض بنيانو‪.‬‬
‫وإف أبلغ رد على تلك المحاوالت الخبيثة أف نضع بين يدي نسائنا نماذج وأمثلة من نساء صالحات سبقوىن‬
‫دائما يتأثر بمن سبقو‪ ،‬ويسعى إلى‬
‫على الطريق في حمل رسالة اإلسالـ والتضحية في سبيلو‪ ،‬فإف اإلنساف ً‬
‫تقليده والتشبو بو‪ ،‬وفي ىذا يقوؿ اإلماـ "ابن القيم" ‪ -‬رضي اهلل عنو‪" :‬النفس تأنس بالنظائر واألشباه األنس‬
‫(‪) 4‬‬
‫التاـ‪ ،‬وتنفر من الغربة والوحدة وعدـ النظير‪،‬‬
‫وفي ىذا البحث سنتعرؼ على القدوات الصالحات فيمن كن حوؿ رسوؿ اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليو وسلم ‪ -‬من‬
‫الصحابيات‪ ،‬سائلين اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬أف يجمع بيننا وبينهن في الجنة‪ ،‬مع رسولنا وقدوتنا سيدنا محمد‪،‬‬
‫وأصحابو األطهار األبرار‬

‫‪)1‬المرأة ومكانتها في اإلسالـ ص ‪ ،384‬أحمد عبد العزيز الحصين ‪4‬‬


‫‪)2‬نفس المرجع والصفحة‪.‬‬
‫‪)3‬قادة الغرب يقولوف‪ :‬دمروا اإلسالـ أبيدوا أىلو ص ‪ ،64‬جالؿ العالم‪ ،‬طبعة دار االعتصاـ‪ ،‬بدوف التاريخ‪4‬‬
‫‪)4‬أعالـ الموقعين جػ‪ ،3‬ص ‪ 293‬طبع مكتبة عبد السالـ شقروف‪4‬‬
‫<‪>36‬‬
‫الفصل األوؿ‪:‬‬
‫(العبادة في حياة الصحابيات)‬
‫ويشتمل على المباحث التالية‪:‬‬
‫(‪ )3‬ترؾ المعصية‪ ،‬والورع عن مواقعة الشبهات‪.‬‬
‫(‪ )2‬المحافظة على أداء الفرائض‪ ،‬واإلكثار من النوافل‪.‬‬
‫(‪ )3‬اإلكثار من ذكر اهلل تعالى‪.‬‬
‫<‪>37‬‬
‫(‪ )3‬توضح آيات القرآف الكريم أف الغاية التي ألجلها خلق اهلل اإلنساف ىي عبادة اهلل وحده ال شريك لو‪،‬‬
‫س إِال لِيَػ ْعبُ ُدوف)‬
‫ِ (‪) 1‬‬ ‫ِ‬ ‫وفي ذلك يقوؿ ربنا تبارؾ وتعالى بأسلوب يفيد الحصر‪( :‬وما َخلَ ْق ُ ِ‬
‫ت الْجن َو ْاألنْ َ‬ ‫ََ‬
‫ين آمنوا‬ ‫ِ‬
‫أيها الذ َ‬ ‫والنجاح في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وفي ذلك يقوؿ رب العزة‪( :‬يَا َ‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )2‬وىذه العبادة ىي مناط الفالح‬
‫(‪)2‬‬
‫اسج ُدوا َوا ْعب ُدوا َرب ُك ْم َوافْػ َعلُوا الْ َخ َير لَ َعل ُك ْم تُفلِ ُحو َف)‬
‫ْارَكعُوا َو ُ‬
‫(‪ )3‬والتكليف من اهلل تعالى للنساف بأداء تلك العبادة ال يقتصر على زمن دوف آخر‪ ،‬وال يعفى منها اإلنساف‬
‫ك الْيَ ِقين)(‪ )3‬أي‬‫بك َحتى يَأتِيَ َ‬ ‫(وا ْعب ْد ر َ‬
‫طالما نبض قلبو بالحياة وتمتع بعقل واع مدرؾ‪ ،‬وصدؽ اهلل إذ يقوؿ‪َ :‬‬
‫الموت‪.‬‬
‫(‪ )4‬وقد أشار القرآف الكريم إلى أف المرأة في وجوب القياـ بتلك العبادات شأنها كشأف الرجاؿ‪ ،‬وفي ىذا‬
‫يقوؿ رب العزة لنساء النبي صلى اهلل عليو وسلم ِومن ورائهن كافة النساء‪( :‬وأَقِمن الصال َة وءاتِين الزَكاةَ وأ ِ‬
‫َط ْع َن‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َْ‬
‫(‪)4‬‬
‫ور ُسولَوُ ‪)....‬‬
‫اهللَ َ‬
‫(‪ )5‬وفي الوقت نفسو تؤكد آيات القرآف الكريِم على أف الخيرية في‬
‫<‪>38‬‬
‫النساء ال تتحقق بماؿ وفير‪ ،‬أو كماؿ وحسن‪ ،‬أو بحسب ونسب‪ ،‬أو غير ذلك من عطاءات الدنيا‪ ،‬وإنما‬
‫(عسى ربوُ إِف طَل َقكن أَف ِ‬
‫يبدلَوُ أَ ْزَواجا‬ ‫تتحقق بقدر ما تبذلو الواحدة منهن في طاعة ربها‪ ،‬وفي ىذا يقوؿ ربنا‪َ :‬‬

‫‪)1‬سورة الذاريات اآلية (‪4)56‬‬


‫‪)2‬سورة الحج اآلية (‪4)77‬‬
‫‪)3‬سورة الحجر اآلية (‪4)99‬‬
‫‪)4‬سورة األحزاب اآلية (‪4)33‬‬
‫(‪)1‬‬
‫كارا)‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ ٍ ِ ٍ ِ ٍ‬ ‫ات ْ ٍ‬ ‫َخ ْيػرا ِمن ُكن مسلم ٍ‬
‫مؤمنَات قَانتَات تَائبَات َعاب َدات َسائ َحات ثَػيَبات َوأَبْ ً‬ ‫ُْ َ‬ ‫ً‬
‫(‪ ) 6‬وقد ضربت الصحابيات المثل األعلى في عبادة اهلل تبارؾ وتعالى ومحبتو والتضحية في سبيل ذلك بكل‬
‫غاؿ ورخيص‪ ،‬فلم يكن عندىن أغلى من اإلسالـ‪ ،‬ولم يكن في حسبانهن شيء يفوؽ مرضاة اهلل تبارؾ‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫ولننظر في ىذه األمثلة من حياتهن للتدليل بها على تلك الحقيقة‪.‬‬
‫(‪ ) 3‬عن أنس بن مالك رضي اهلل عنو قاؿ‪" :‬خطب أبو طلحة أـ سليم‪ ،‬فقالت‪ :‬واهلل‪ ،‬ما مثلك يا أبا طلحة‬
‫رد‪ ،‬ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة‪ ،‬وال يحل لي أف أتزوجك‪ ،‬فإف تسلم فذاؾ مهري‪ ،‬وما أسألك غيره‪،‬‬
‫يُ ُ‬
‫فأسلم فكاف ذلك مهرىا"‪.‬‬
‫قاؿ ثابت (را وى الحديث عن أنس)‪ " :‬فما سمعت بامرأة قط كانت أكرـ مهرا من أـ سليم‪ :‬اإلسالـ‪ ،‬فدخل‬
‫(‪)2‬‬
‫بها فولدت لو "‬
‫(ب) عن أنس رضي اهلل عنو قاؿ‪" :‬لما انقضت عدة زينب (أي بنت جحش رضي اهلل عنها) قاؿ رسوؿ اهلل‬
‫صلى اهلل عليو وسلم لزيد‪ :‬فاذكرىا علي‪ .‬قاؿ‪ :‬فانطلق زيد حتى أتاىا وىي تخمر عجينها‪ ،‬قاؿ‪ :‬فلما رأيتها‬
‫<‪>39‬‬
‫عظمت في صدري حتى ما أستطيع أف أنظر إليها وأف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ذكرىا‪ ،‬فوليتها ظهري‪،‬‬
‫ونكصت على عقبي‪ ،‬فقلت‪ :‬يا زينب‪ ،‬أرسل رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم يذكرؾ‪ .‬قالت‪ :‬ما أنا بصانعة‬
‫شيئا حتى أوامر ربى (أي أستخير ربى ألرى أمره)‪ ،‬فقامت إلى مسجدىا‪ ،‬ونزؿ القرآف (أي بتزويجها للنبي‬
‫صلى اهلل عليو وسلم في سورة‪ -‬األحزاب)‪ ،‬وجاء رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ‪،‬فدخل عليها بغير إذف‪. . .‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ .‬إلخ الحديث "‬
‫(جػ) ومما يقع في ىذا المجاؿ ىجرة الصحابيات األوؿ إلى الحبشة ثم إلى المدينة رغبة منهن في المحافظة‬
‫على دينهن‪.‬‬
‫فلنتأمل في ىذه المواقف‪ ،‬وذلك لنستجلي حقيقة ىذا الجيل العظيم الذي آثرت نساؤه طاعة اهلل تبارؾ‬
‫وتعالى على كل شيء سواه‪.‬‬
‫(‪ )7‬ومع كل ىذا االجتهاد والتفاني في الطاعة لم يتسرب الغرور أو العجب إلى ىؤالء الصالحات القانتات‪،‬‬

‫‪)1‬سورة التحريم اآلية (‪4)5‬‬


‫‪)2‬أخرجو النسائي (جػ‪ 6‬ص ‪ )93‬كتاب النكاح‪ -‬باب التزويج على اإلسالـ‪4‬‬
‫‪)3‬أخرجو مسلم (جػ ‪ -2‬ص ‪ -)3448‬باب زواج زينب بنت جحش ونزوؿ الحجاب‪ ،‬وإثبات وليمة العرس‪.‬‬
‫وإنما عبرت مواقفهن عن التواضع في جنب اهلل‪ ،‬واإلحساس بالتقصير في حقو‪ ،‬ولننظر في ىذا الموقف‪-:‬‬
‫عن ابن أبي مليكة قاؿ‪ " -:‬كانت أسماء تصدع؛ أي يصيبها الصداع في رأسها) فتضع يدىا على رأسها‬
‫(‪)1‬‬
‫وتقوؿ‪ -:‬بذنبي‪ ،‬وما يغفر اهلل أكثر"‪.‬‬
‫وننتقل اآلف بعد ىذا اإلجماؿ إلى التفصيل في مظاىر تلك الطاعة‬
‫<‪>24‬‬
‫وذلك في المباحث التالية‪:‬‬
‫أ) ترؾ المعصية‪ ،‬والورع عن مواقعة الشبهات‪.‬‬
‫ب) المحافظة على أداء الفرائض واإلكثار من النوافل‪.‬‬
‫جػ) اإلكثار من ذكر اهلل تعالى‪.‬‬
‫وفيما يلى نتعرؼ أىمية كل عنصر منها في مبحث خاص بو‪ ،‬ونؤيده بنماذج من حياة الصحابيات يتعلق بو‪،‬‬
‫ويدؿ عليو‪.‬‬
‫<‪>23‬‬
‫المبحث األوؿ‬
‫ترؾ المعصية والورع عن مواقعة الشبهات‬
‫ال يحوؿ بين اإلنساف وبين الوصوؿ إلى اهلل تعالى شيء كفعل المعاصي‪ ،‬ويكفي للتدليل على ذلك قوؿ الحق‬
‫حدوده يُ ْد ِخلْو نَارا َخالِ ًدا فِ َيها َولَو َع َذاب م ِهين)(‪ )2‬وقولو صلى اهلل‬
‫َ‬ ‫(وَمن يَعص اهللَ َوَر ُسولو َويَػتَػ َعد‬
‫جل وعز‪َ :‬‬
‫عليو وسلم في وصيتو لمعاذ بن جبل ‪ -‬رضي اهلل عنو‪" :-‬إياؾ والمعصية‪ ،‬فإف بالمعصية حل سخط اهلل عز‬
‫(‪)3‬‬
‫وجل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ومن ىنا تبدو أىمية البعد عن المعاصى‪ ،‬والتخلى عن مواقعة الذنوب‪ ،‬وىو ما أكدتو أـ المؤمنين‬
‫عائشة‪ -‬رضي اهلل عنها‪ -‬حيث قالت‪" :‬إنكم لن تلقوا اهلل بشيء خير لكم من قلة الذنوب‪ ،‬فمن سره أف‬
‫(‪) 4‬‬
‫يسبق الدائب المجتهد فليكف نفسو عن كثرة الذنوب"‬

‫‪)1‬صالح األمة في علو الهمة (جػ ‪ -7‬ص ‪ )366‬د‪ .‬سيد حسين العفاني‪ -‬طبع ثانية سنة ‪ -3999‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬

‫‪)2‬سورة النساء اآلية (‪.)34‬‬


‫‪)3‬أخرجو أحمد في مسنده (جػ ‪ 5‬ص ‪ )338‬طبعة المكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ )4‬صفة الصفوة (جػ ‪ -2‬ص ‪.)32‬‬
‫وتقوؿ في رسالة لها إلى معاوية بن أبى سفياف ‪ -‬رضي اهلل عنو ‪( : -‬أما بعد‪ ،‬فإف العبد إذا عمل بمعصية اهلل‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ -‬عز وجل ‪ -‬عاد حامده من الناس ذاما"‬
‫(‪ )3‬وقد أثمرت ىذه التوجيهات ثمرتها في مجتمع النساء‬
‫<‪>22‬‬
‫الصحابيات‪ ،‬ف ُكن من أطهر الناس ذيالً‪ ،‬وأخلصهم قلوبا‪ ،‬وأحرصهم على طاعة اهلل تعالى والبعد عن معصيتو‪.‬‬
‫ونبدأ بهذا المثل من حياة أمهات المؤمنين ‪ -‬رضي اهلل عنهن‪. -‬‬
‫أخرج البخاري في صحيحو عن أـ المؤمنين عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬أف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‬
‫جاءىا حين أمر اهلل أف يخير أزواجو‪ ،‬فبدأ صلى اهلل عليو وسلم بالسيدة عائشة وقاؿ لها‪ :‬إني ذاكر لك أمرا‬
‫فال عليك أف تستعجلي حتى تستأمري أبويك‪ ،‬وقد علم أف أبوي لم يكونا يأمراني بفراقو قالت‪ :‬ثم قاؿ‪ :‬إف‬
‫اهلل قاؿ‪" :‬يا أيها النبي قل ألزواجك‪ .....‬إلى تماـ اآليتين‪ ،‬فقلت لو‪ :‬ففي أي ىذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد اهلل‬
‫(‪)2‬‬
‫ورسولو والدار اآلخرة‪ .‬قالت‪ :‬ثم فعل أزواج النبي صلى اهلل عليو وسلم مثلما فعلت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬وتشير األدلة التي بين أيدينا إلى أف من كانت تقع من الصحابيات في معصية ما ‪ -‬وىو أمر وارد ‪-‬‬
‫كانت تبادر إلى التوبة‪ ،‬ولو أدى ذلك إلى أف يكوف ثمن ىذه التوبة ىو التضحية بحياتها‪.‬‬
‫وفي ىذا المقاـ نذكر قصة المرأة الغامدية التي وقعت في جريمة الزنا‪ ،‬وجاءت بنفسها إلى النبي ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليو وسلم ‪ -‬قائلة لو‪ :‬إني قد زنيت فطهرني‪ ،‬فردىا رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬فعادت إليو ثانية‪،‬‬
‫وأخبرتو بحملها من ىذا الزنا‪ ،‬فتركها حتى وضعت حملها وأرضعت صبيها‪ ،‬ثم أقاـ عليها الحد وقتلها‪ ،‬وقاؿ‬
‫عليو الصالة والسالـ في حقها‪ :‬لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أىل المدينة لوسعتهم‪،‬‬
‫<‪>23‬‬
‫وىل وجدت توبة أفضل من أف جادت بنفسها هلل تعالى"‪ )3(4‬وفي قصة المرأة المخزومية التي أمر النبي صلى‬
‫اهلل عليو وسلم بقطع يدىا حين ثبتت عليها جريمة السرقة‪ ،‬وتم تنفيذ الحد عليها ورد في نهاية ىذه القصة‬
‫عبارات للسيدة عائشة‪ ،‬جديرة بالتوقف عندىا لما لها من داللة في موضوعنا ىذا‪ ،‬فقد ورد عن عروة بن‬
‫الزبير عن أـ المؤمنين عائشة قالت بعد أف ساقت القصة بكاملها‪( :‬فحسنت توبتها بعد‪ ،‬وتزوجت‪ ،‬وكانت‬

‫‪)1‬نفس المرجع والصفحة‪.‬‬


‫‪)2‬أخرجو البخاري (جػ ‪ -3‬ص ‪ )375‬كتاب التفسير ‪ -‬باب سورة األحزاب‪.‬‬
‫‪)3‬أخرجو مسلم (جػ ‪ -3‬ص ‪ -3323‬ص ‪ )3324‬كتاب الحدود ‪ -‬باب من اعترؼ على نفسو بالزنا‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تأتيني بعد ذلك‪ ،‬فأرفع حاجتها إلى رسولو اهلل صلى اهلل عليو وسلم"‪4‬‬
‫(‪ )5‬وإذا ضعفت نفس امرأةٍ ما أماـ إغراء المعصية كانت تجد في ىذا المجتمع من يردىا إلى صوابها‪،‬‬
‫ويذكرىا باهلل تعالى‪.‬‬
‫ومن األمثلة الشهيرة على ىذا قصة المرأة التي قالت البنتها‪( :‬قومي إلى اللبن فاخلطيو بالماء‪ ،‬فذكرتها بوصية‬
‫أمير المؤمنين عمر ‪ -‬رضي اهلل عنو ‪ -‬بأال يخلط أحد اللبن بالماء‪ ،‬فقالت األـ‪ :‬قومي إلى اللبن فاخلطيو‬
‫بالماء‪ ،‬فإنك في موضع ال يراؾ عمر وال منادي عمر‪ ،‬فقالت ابنتها‪ :‬ما كنت ألطيعو في المأل وأعصيو في‬
‫الخالء"‪.‬‬
‫وقد سمع سيدنا عمر ىذا الحوار بين األـ وابنتها‪ ،‬وحين علم أف‬
‫<‪>24‬‬
‫البنت ال زوج لها عرضها على أوالده‪ ،‬فتزوج بها ولده عاصم‪ ،‬وولدت ىذه البنت بنتا أنجبت فيما بعد الخليفة‬
‫(‪)2‬‬
‫الراشد عمر بن عبد العزيز ‪ -‬رضي اهلل عنو –‬
‫(‪ )6‬وأما الورع فهو‪ -‬كما عرفو العلماء‪ -‬جعل اإلنساف بينو وبين الحراـ جانبا من الحالؿ‪ ،‬فيدع ما فيو شبهة‬
‫خشية أف يكوف حراما‪ .‬يقوؿ النبي صلى اهلل عليو وسلم "ال يبلغ العبد أف يكوف من المتقين حتى يدع ما ال‬
‫(‪)3‬‬
‫بأس بو حذرا لما بو البأس" ‪4‬‬
‫وفي فضل االتصاؼ بالورع يقوؿ اإلماـ الحسن البصري ‪ -‬رضي اهلل عنو ‪ :-‬مثقاؿ ذرة من الورع خير من‬
‫(‪)4‬‬
‫كف مثقاؿ من الصوـ والصالة"‬
‫وجاء رجل إلى عبد اهلل بن عبد العزيز العمري‪ ،‬وقاؿ لو‪ :‬عظني‪ .‬فأخذ العمري حصاة من األرض وقاؿ‪" :‬زنة‬
‫(‪)5‬‬
‫ىذه من الورع يدخل قلبك خير لك من صالة أىل األرض"‪4‬‬
‫(‪ )7‬ومن أمثلة الورع في حياة الصحابيات نختار ىذين المثلين‪-:‬‬
‫(أ) عن عائشة أـ المؤمنين ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬قالت‪" - :‬كنت أدخل بيتي الذي دفن فيو رسوؿ اهلل صلى‬

‫‪)1‬أخرجو مسلم جػ ‪ -3‬ص ‪ )3335‬كتاب الحدود‪ -‬باب قطع السارؽ الشريف وغيره‪ ،‬والنهي عن الشفاعة في الحدود‪.‬‬
‫‪)2‬انظر (صفة الصفوة) ‪ -‬ابن الجوزي (جػ‪ - 2‬ص‪ ،243‬ص ‪. )244‬‬
‫‪ )3‬أخرجو الترمذي وحسنو (جػ‪ - 4‬ص‪ )634‬كتاب صفة القيامة ‪ -‬باب رقم ‪ 93‬منو وأخرجو بن ماجو(ج‪)3449- 2‬‬
‫كتاب الزىد باب الورع والتقوى‪.‬‬
‫‪)4‬مدارج السالكين (جػ‪ - 2‬ص‪ -)36‬ابن قيم الجوزية ‪،‬طبعة أولى ‪،‬دار التراث العربى‪.‬‬
‫‪)5‬صفة الصفوة (جػ‪ - 2‬ص ‪.)383‬‬
‫اهلل عليو وسلم وأبي فأضع ثوبي فأقوؿ‪ :‬إنما‬
‫<‪>25‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ىو زوجي وأبي‪ ،‬فلما دفن عمر معهم‪ ،‬فو اهلل ما دخلت إال وأنا مشدودة على ثيابي حياء من عمر"‪4‬‬
‫(ب) عن أـ المؤمنين حبيبة رملة بنت أبى سفياف‪ -‬رضي اهلل عنها‪ -‬أنو لما جاءىا نعى أبيها دعت بطيب‪،‬‬
‫فمسحت ذراعيها وقالت‪" :‬مالي بالطيب من حاجة‪ ،‬لوال أنى سمعت النبي صلى اهلل عليو وسلم يقوؿ‪ :‬ال يحل‬
‫(‪)3‬‬
‫المرأة تؤمن باهلل واليوـ اآلخر تُ ِحد(‪ )2‬على ميت فوؽ ثالث إال على زوج أربعة أشهر وعشرا"‬
‫<‪>26‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫المحافظة على أداء الفرائض‬
‫واإلكثار من النوافل‬
‫مواقعة الشبهات‪،‬‬
‫(‪ )3‬إلى جانب ما أمر بو المسلم والمسلمة من البعد عن المعاصي‪ ،‬والتحل ِي بالورع عن َ‬
‫وىو ما يسمى لدى بعضهم بالتخلية؛ تأتي أىمية االلتزاـ بالطاعات فرائضها ونوافلها ‪ -‬وىو ما يطلق عليو‬
‫لفظ التحلية‪ ،‬وب ذلك يكوف المسلم أىال لمعونة اهلل تعالى وتوفيقو‪ .‬يقوؿ اهلل تعالى في الحديث القدسي‪" :‬من‬
‫عادى لي وليا فقد آذنتو بالحرب‪ ،‬وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليو‪ ،‬وما يزاؿ عبدي‬
‫يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبو‪ ،‬فإذا أحببتو كنت سمعو الذي يسمع بو‪ ،‬ويصره الذي يبصر بو‪ ،‬ويده التي‬
‫(‪)4‬‬
‫يبطش بها‪ ،‬وإلف سألني ألعطينو‪ ،‬ولئن استعاذني ألعيذنو"‬
‫(‪ )2‬ولسائل أف يسأؿ‪ :‬إذا كانت الفرائض ىي أحب األعماؿ إلى اهلل تعالى فلماذا كانت محبة اهلل تعالى ‪-‬‬
‫بنص الحديث ‪ -‬لمن يكثروف من النوافل ولم تكن على أداء اإلنساف للفرائض فقط؟ والجواب أف اإلنساف‬
‫قد يحملو على أداء الفرائض خوفو من العقوبة‪ ،‬لكنو حين يكثر من النوافل يدفعو إلى ذلك مزيد من الحب هلل‬
‫تعالى‪ ،‬والرغبة في ثوابو‪ ،‬فيكوف الجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫<‪>27‬‬

‫‪)1‬أخرجو اإلماـ أحمد في مسنده (جػ‪ - 6‬ص‪.)242‬‬


‫‪)2‬اإلحداد‪ :‬ترؾ المرأة للزينة عند وفاة أحد األشخاص الذين يمتوف لها بصلة‪.‬‬
‫‪)3‬أخرجو البخاري في صحيح (جػ‪ -3‬ص‪ )285‬كتاب الطالؽ ‪ -‬باب والذين يتوفوف منكم ويذروف أزواجا ‪ ..‬إلى قولو‪ :‬بما‬
‫تعملوف خبيرا‪.‬‬
‫‪)4‬أخرجو البخاري‪ ،‬واللفظ لو (جػ‪ -4‬ص ‪ )329‬كتاب الرقاؽ‪ -‬باب التواضع " وأخرجو أحمد بنحو‪( .‬جػ‪ - 6‬ص‪4)256‬‬
‫(‪ ) 3‬وإذا كاف الحديث قد أشار إلى أف اإلكثار من النوافل يحقق محبة اهلل لعبده‪ ،‬فإف ىناؾ حديثا آخر يشير‬
‫فيو النبي صلى اهلل عليو وسلم إلى أف النوافل تجبر ما قد يكوف في الفريضة من نقص‪ ،‬وفي ىذا يقوؿ النبي‬
‫صلى اهلل عليو وسلم‪" :‬إف أوؿ ما يحاسب بو العبد يوـ القيامة من عملو صالتو‪ ،‬فإف صلحت فقد أفلح‬
‫وأنجح‪ ،‬وإف فسدت فقد خاب وخسر‪ ،‬فإف انتقص من فريضتو شيء قاؿ الرب عز وجل‪ :‬انظروا ىل لعبدي‬
‫(‪)1‬‬
‫فيكم ُل بها ما انتقص من الفريضة‪ ،‬ثم يكوف سائر عملو على ذلك"‬
‫من تطوع؟ َ‬
‫(‪ )4‬وانطالقا من ىذه المعاني حفلت حياة الصحابيات بالكثير من األمثلة على أداء الفرائض‪ ،‬واالستكثار من‬
‫النوافل‪ ،‬وفيما يلي نتعرؼ بعض ىذه األمثلة في فرائض اإلسالـ وأركانو‪ ،‬واحدا بعد اآلخر‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الصالة‪:‬‬
‫ال يخفى على أحد ما للصالة من منزلة في اإلسالـ‪ ،‬فهي عماد اإلسالـ وىي الصلة بين العبد وربو‪ ،‬وىي أوؿ‬
‫ما يحاسب عليو العبد يوـ القيامة‪ ،‬وىي الفريضة الوحيدة التي فرضت في السماء‪ ،‬وىي ‪ -‬كذلك‪ -‬الفريضة‬
‫الوحيدة التي ال تسقط في مرض‪ ،‬وال تتعطل في سفر‪ ،‬وال تتوقف في قتاؿ‪.‬‬
‫<‪>28‬‬
‫وىذا كلو يؤكد عظم منزلة الصالة وأىميتها في دين اإلسالـ‪.‬‬
‫والذي يطالع القرآف الكريم والسنة النبوية المطهرة يدرؾ إلى أي مدى حظيت الصالة بالعناية‪ ،‬سواء في األمر‬
‫بإقامتها‪ ،‬أو التحذير من التهاوف فيها‪ ،‬أو الكيفية التي تؤدى بها‪ ،‬ويكفي أف نشير إلى أف الصالة ذكرت في‬
‫القرآف الكريم بهذا اللفظ ‪ 67‬مرة‪ ،‬وىذا عدا ذكرىا في صور أخرى غير المصدر‪.‬‬
‫ومن ىنا أشار العلماء إلى أف الصالة ىي دليل الخير في العبد من عدمو‪ ،‬وأف من حافظ على الصالة‬
‫سيكوف‪ -‬في الغالب األعم‪ -‬محافظا على ما سواىا من أعماؿ اإلسالـ‪.‬‬
‫يقوؿ اإلماـ أحمد بن حنبل ‪ -‬رضي اهلل عنو ‪" : -‬قد جاء في الحديث "ال حظ في اإلسالـ لمن ترؾ‬
‫الصالة"(‪ )2‬فكل مستخف بالصالة مستهين بها‪ ،‬ىو مستخف باإلسالـ ومستهين بو‪ ،‬وإنما حظهم من اإلسالـ‬
‫(‪)3‬‬
‫على قدر حظهم من الصالة‪ ،‬ورغبتهم في اإلسالـ على قدر رغبتهم في الصالة"‬

‫‪)1‬أخرجو الترمذي بهذا اللفظ‪ ،‬وحسنو (جػ ‪ - 2‬ص‪ )274‬كتاب الصالة ‪ -‬باب ما جاء أف أوؿ ما يحاسب بو العبد يوـ‬
‫القامة الصالة وقاؿ عنو‪ :‬حسن غريب‪ ،‬وأخرجو كذلك النسائي وابن ماجو وأحمد بألفاظ متقاربة‪.‬‬
‫‪)2‬الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (جػ‪ -3‬ص ‪ )295‬بلفظ‪ :‬ال حق في اإلسالـ لمن ترؾ الصالة على أنو كالـ‬
‫سيدنا عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي اهلل عنو ‪ -‬وقاؿ عنو‪ :‬رواه الطبراني في األوسط‪ ،‬ورجالو رجاؿ الصحيح‪.‬‬
‫‪)3‬رسالة الصالة (ص ‪ )35‬اإلماـ أحمد بن حنبل‪ -‬طبعة ثالثة سنة ‪ 3396‬ىػ ‪ -‬المكتبة السلفية‪.‬‬
‫وفى ضوء ىذه المعانى حرص المسلموف األوائل على االىتماـ بأمر الصالة ‪ ،‬وفى طليعة ىؤالء نذكر ما يتعلق‬
‫بموضوع بحثنا ‪ ،‬وىو الصحابيات‪4‬‬
‫<‪>29‬‬
‫ففي الداللة على اىتماـ الصحابيات بأداء الصالة المفروضة وحرصهن على ذلك نسوؽ ىذه األدلة‪-:‬‬
‫(‪ )3‬عن أـ المؤمنين عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬أف نساء المؤمنات كن يصلين الصبح مع النبي صلى اهلل‬
‫(‪)1‬‬
‫عليو وسلم ثم يرجعن متلفعات بمروطهن‬
‫(‪)2‬‬
‫ال يعرفهن أحد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬عن أـ سلمى ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬قالت‪" :‬كاف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم إذا سلَم قاـ النساء حين‬
‫يقضي تسليمو‪ ،‬وىو يمكث في مقامو يسيراً قبل أف يقوـ‪ ،‬قالت أـ سلمة‪ :‬نرى ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬أنو ذلك كاف‬
‫(‪)3‬‬
‫لكي ينصرؼ النساء قبل أف يدركهن الرجاؿ"‬
‫وقد اشتهر منذ جاءت الرسالة بأف صفوؼ الصالة تبدأ بالرجاؿ أوالً ثم الصبياف‪ ،‬ثم النساء‪ ،‬وأنو كاف في‬
‫مسجد رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم باب خاص للنساء يدخلن منو ويخرجن‪ ،‬وال يزاؿ ىذا الباب موجودا‬
‫حتى اآلف‪.‬‬
‫ومن األحاديث التي ذكرناىا ‪ -‬وأحاديث أخرى غيرىا ‪ -‬يتضح لنا مدى حرص الصحابيات على أداء فريضة‬
‫الصالة‪ ،‬وصار ىذا الحرص رمزا تتحدث عنو كتب السنة‪ ،‬وقدوة وأسوة تصلح لكل زماف ومكاف‪ .‬لكن‬
‫الصحابيات ‪ -‬رضواف اهلل عليهن ‪ -‬لم يكتفين بأداء الفرائض‪،‬‬
‫<‪>34‬‬
‫بل زدف على ذلك الحرص على أداء النوافل بأنواعها‪ ،‬وأوردت لنا كتب السنة بعضا من األخبار تتعلق بهذا‪،‬‬
‫ونختار منها ما يلي‪-:‬‬
‫(‪ )3‬عن أنس ‪ -‬رضي اهلل عنو ‪ -‬قاؿ‪" :‬دخل النبي صلى اهلل عليو وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين‪،‬‬
‫فقاؿ‪ :‬ما ىذا الحبل؟ قالوا ىذا حبل لزينب‪ ،‬فإذا فترت (أي تعبت في صالتها) تعلقت (أي بو) فقاؿ النبي‬

‫‪)1‬متلفعات بمروطهن‪ :‬أي متلففات بأكيستهن‪ ،‬واحدىا ِمرط بكسر الميم‪4‬‬


‫‪)2‬أخرجو مسلم‪ ،‬واللفظ لو ( جػ‪ - 3‬ص ‪ )445‬كتاب المساجد ومواضع الصالة استحباب التبكير بالصبح في أوؿ وقتها‪،‬‬
‫وىو التغليس‪ ،‬وأخرجو البخاري بنحوه (جػ‪ - 3‬ص‪ )357‬كتاب الصالة باب ‪ -‬باب في كم تصلي المرأة من الثياب‪4‬‬
‫‪)3‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص‪ )357‬كتاب األذاف ‪ -‬باب صالة النساء خلف لرجاؿ‬
‫(‪) 1‬‬
‫صلى اهلل عليو وسلم ال‪ ،‬حلوه‪ ،‬ليصل أحدكم نشاطو‪ ،‬فإذا فتر فليقعد"‪4‬‬
‫والحديث يدؿ على االجتهاد في الصالة‪ ،‬والتفاني في الطاعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقد مر بنا في حديث سابق أف السيدة زينب ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬حدثها سيدنا زيد بن حارثة بشأف زواج‬
‫النبي صلى اهلل عليو وسلم منها فقالت‪" :‬ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي (أي أستخير ربي ألرى أمره)‬
‫فقامت إلى مسجدىا‪ .‬وىو دليل على حرص الصحابيات على صالة االستخارة‪ ،‬التي تعلموىا من رسوؿ اهلل‬
‫صلى اهلل عليو وسلم كما كن يتعلمن السورة من القرآف‪.‬‬
‫(‪ )3‬وعن تطويلهن في الصالة‪ ،‬وتدبرىن للقرآف الكريم؛ ورد عن القاسم أنو قاؿ‪" :‬كنت إذا غدوت بدأت‬
‫(‪)2‬‬
‫اب السموـ)‬
‫ببيت عائشة أسلم عليها‪ ،‬فغدوت يوما فإذا ىي قائمة تسبح وتقرأ‪( :‬فَ َمن اهلل َعلَينا َوَوقَانَا َع َذ َ‬
‫وتدعو وتبكي وترددىا‪ ،‬فقمت حتى مللت القياـ‪ ،‬فذىبت إلى السوؽ لحاجتي‪ ،‬ثم رجعت فإذا ىي قائمة كما‬
‫(‪)3‬‬
‫ىي‪ ،‬تصلي وتبكي"‬
‫<‪>33‬‬
‫صوامة قوامة‪ ،‬وىما لفظاف يدالف‬
‫(‪ )4‬وجاء في وصف أـ المؤمنين حفصة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬أنها كانت ّ‬
‫على المبالغة‪ ،‬بمعنى أنها كانت كثيرة الصياـ كثيرة القياـ‪.‬‬
‫لقد كانت المرأة المسلمة في ىذه العصور‪ -‬والتي تلتها‪ -‬نموذجا يحتذى في االجتهاد والتبتل في العبادة‬
‫واإلخالص هلل تعالى‪ ،‬مع قيامها بسائر واجباتها نحو زوجها وأوالدىا‪ ،‬ومما ورد في ىذا الشأف أف المرأة‬
‫المسلمة كاف إذا جنها الليل تسأؿ زوجها‪ :‬ىل لك حاجة تريدىا منى؟ فإف كاف لو حاجة لم تتأخر في قضائها‬
‫طاعة لربها‪ ،‬فإف لم تكن لو حاجة استأذنتو في أف تقوـ ليلها عابدة لربها‪ ،‬وخلت بمحبوبها‪ ،‬تتلو كتابو‪ ،‬وتَصف‬
‫قدمها في محرابو‪ ،‬وترسل دموعها خشية منو‪ ،‬حتى يظنها الظاف أف جريمة وقعت منها فهي تجتهد في‬
‫االستغفار والبكاء‪ ،‬ولننظر في ىذا الموقف‪-:‬‬
‫روى أف حفصة بنت سيرين اشترت جارية من السند‪ ،‬فقيل للجارية‪ :‬كيف رأيت موالتك؟ فذكرت كالماً‬
‫(‪)4‬‬
‫بالفارسية‪ ،‬تفسيره‪ :‬إنها امرأة صالحة‪ ،‬إال أنها أذنبت ذنبا عظيما‪ ،‬فهي الليل كلو تبكي وتصلي‬

‫‪)1‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص ‪ )244‬كتاب التهجد ‪ -‬باب ما يكره من التشديد في العبادة ‪4‬‬
‫‪)2‬سورة الطور اآلية‪)27( :‬‬
‫الجوزي‪.‬‬
‫‪)3‬صفة الصفوة (جػ‪ -2‬ص‪ )33‬ابن َ‬

‫‪)4‬صالح األمة في علو الهمة (جػ‪ - 7‬ص ‪ )376‬د‪ /‬سيد حسين العفاني‪.‬‬
‫<‪>32‬‬
‫ثانيا‪ :‬الزكاة والصدقة‪:‬‬
‫(‪ )3‬الزكاة ىي الركن الثالث من أركاف اإلسالـ‪ ،‬وقد ذكرت مقرونة بالصالة في أكثر المواضع التي وردت في‬
‫كتاب اهلل تعالى‪ ،‬وىو ما يدؿ على أىميتها كالصالة في ضرورة االىتماـ بها‪ ،‬وأف الصالة التي ال تثمر في‬
‫سلوؾ صاحبها رحمة بالفقراء والمساكين‪ ،‬وقياماً بحق اهلل في الماؿ ىي صالة ال يقيم اهللُ لها وزنا‪ ،‬وال تفيد‬
‫صاحبها شيئا‪.‬‬
‫يقوؿ سيدنا عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنو‪" -:‬أمرتم بإقامة الصالة وإيتاء الزكاة‪ ،‬ومن لم يزؾ فال صالة‬
‫(‪)1‬‬
‫لو"‬
‫وقاؿ ابن زيد "افترضت الصالة والزكاة جميعا‪ ،‬لم يفرؽ بينهما‪ ،‬وقرأ‪( -:‬فإف تَابوا َوأَقَ ُاموا الصالةَ وآتَوا الزَكاةَ‬
‫فَِإ ْخ َوانُ ُك ْم في الدي ِن)(‪ )2‬وأبى أف يقبل الصالة إال بالزكاة‪ ،‬وقاؿ‪( :‬رحم اهلل أبا بكر ما كاف أفقهو يعنى بذلك‬
‫(‪)3‬‬
‫قولو‪ :‬ال أفرؽ بين شيئين جمعهما اهلل"‬
‫(‪ )2‬إف النفس اإلنسانية مولعة بحب الماؿ‪ ،‬وىو ما أشار القرآف الكريم إليو في أكثر من موضع فقاؿ‬
‫ب الْ َخ ْي ِر لَ َش ِديد)(‪ )5‬ولكن القرآف الكريم والسنة النبوية يضعاف‬
‫لح ِ‬ ‫(‪)4‬‬
‫اؿ حبا َجما) وقاؿ‪( :‬وإنو ُ‬
‫(وتُحبو َف الْ َم َ‬
‫َ‬
‫أيدينا على جملة من الحقائق تجعل اإلنساف يبذؿ مما بيده‪ ،‬وينفق مما لديو‪ ،‬طيعة بذلك نفسو‪ ،‬ومن أىم‬
‫ىذه الحقائق‪-:‬‬
‫<‪>33‬‬
‫وىم‬
‫(أ) أف الماؿ الذي بأيدينا في األصل إنما ىو ماؿ اهلل‪ ،‬ونحن مستخلفوف فيو‪ ،‬وفي ىذا يقوؿ ربنا‪( -:‬وآتُ ُ‬
‫ِ ِ (‪) 7‬‬
‫ين فيو)‬ ‫ِ‬ ‫الذي آتَا ُكم)(‪ )6‬وقاؿ‪ِ -:‬‬ ‫ِمن م ِ‬
‫اؿ اهلل ِ‬
‫(وأَنف ُقوا مما َج َعلَ ُكم مست ْخلَف َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫(ب) إف كثرة الماؿ بيد بعضنا وقلتها بيد بعضنا اآلخر لوف من االبتالء اقتضتو حكمة اهلل تعالى‪ ،‬ليرى شكر‬

‫‪)1‬تفسير الطبري (جػ‪ 34‬ص ‪ )353‬طبعة دار المعارؼ ‪ -‬نقال عن (فقو الزكاة) للدكتور يوسف القرضاوى‪4‬‬
‫‪)2‬سورة التوبة‪ -‬اآلية‪4)33( ،‬‬
‫‪)3‬المرجع السابق‪4‬‬
‫‪)4‬سورة الفجر‪ -‬اآلية (‪)24‬‬
‫‪)5‬سورة العاديات‪ -‬اآلية (‪)8‬‬
‫‪)6‬سورة النور ‪ -‬اآلية (‪)33‬‬
‫‪)7‬سورة الحديد‪ -‬اآلية (‪.)7‬‬
‫ويقوؿ اإلماـ الحسن البصري‬ ‫(ونبلوُكم بِالش ِر َوالْ َخ ْير فِ ْتػنَة)‬
‫(‪)1‬‬
‫الغنى وصبر الفقير‪ ،‬وصدؽ اهلل إذ يقوؿ‪َ -:‬‬
‫رضي اهلل عنو‪ " -:‬لو شاء اهلل لجعلكم أغنياء ال فقير فيكم‪ ،‬ولكنو ابتلى بعضكم ببعض"‪.‬‬
‫(جػ) أف مردود الصدقة ‪ -‬وإف بدا أف عائده على الفقير ‪ -‬يعود في الحقيقة إلى صاحبو‪ ،‬وىو ما أشار إليو‬
‫تنف ُقوا ِم ْن‬
‫َنفس ُكم وما تُ ِنف ُقو َف إال ابتِغَاء وجو اللًو وما ِ‬
‫ََ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ْ ََ‬
‫تنفقوا ِمن َخير فَأل ِ‬
‫ْ ْ‬
‫القرآف الكريم في ق ِولو تعالى‪( -:‬وما ِ‬
‫ََ‬
‫(‪)2‬‬
‫َخ ْير يُوؼ إِلَْي ُك ْم َوأنتُ ْم ال تظلَ ُمو َف)‬
‫وفي الوقت نفسو أشار القرآف الكريم إلى أف مردود البخل بماؿ اهلل على عباد اهلل يكوف على أصحابو أيضا‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫َنتم الْ ُف َق َراءُ)‬ ‫ِِ‬
‫وفي ىذا يقوؿ ربنا‪َ ( :‬وَمن ْيب َخ ْل فإنً َما يب َخل َعن ن ْفسو َواهللُ الْغَني َوأ ُ‬
‫وقد أشار اإلماـ الشعبي رضي اهلل عنو إلى ىذا المعنى فقاؿ‪" -:‬من لم ير نفسو إلى ثواب الصدقة أحوج من‬
‫الفقير إلى صدقتو‪ ،‬فقد أبطل‬
‫<‪>34‬‬
‫ض ِرب بها وجهو "‪.‬‬
‫صدقتو‪ُ ،‬‬
‫(‪ )3‬وفي ضوء ىذه المعاني والمفاىيم التي تحدد العالقة بين اإلنساف ونعمة الماؿ ينطلق المرء المسلم إلى‬
‫مجاالت الخير بشتى أنواعها‪ ،‬فيبذؿ من مالو وثرواتو طيبة بها نفسو‪ ،‬فيكوف هلل شاكراً‪ ،‬وبتوجيهات القرآف‬
‫الكريم والسنة عامالً‪ ،‬وبحق إخوانو من المسلمين المبتلين قائما‪ ،‬وبأخالؽ اإلسالـ من السخاء والجود‬
‫واإليثار متحليا‪ ،‬وعن أخالؽ أصحاب السوء من البخل والشح مترفعا‪.‬‬
‫(‪ )4‬والمرأة المسلمة شأنها في ذلك كشأف الرجل‪ -‬إف لم يكن أكثر ‪ -‬فهي مفطورة على حب الماؿ كباقي‬
‫خلق اهلل‪ ،‬وتزيد على ذلك محبتها للزينة والحلي‪ ،‬ومن ثم كانت دعوة النبي صلى اهلل عليو وسلم إلى كل امرأة‬
‫مسلمة بضرورة اإلكثار من الصدقة لتفك بذلك رقبتها من النار‪ ،‬ولتحمى نفسها من الوقوع في أسر المحبة‬
‫للزينة والمتاع الذي قد يحملها على البخل بالواجب‪ ،‬وفي ىذا يقوؿ صلى اهلل عليو وسلم‪" -:‬يا معشر النساء‬
‫تصدقن‪ ،‬فإني رأيتكن أكثر أىل الن ار‪ .‬فقلن‪ :‬ولم ذلك يا رسوؿ اهلل؟ قاؿ‪ :‬تكثرف اللعن‪ ،‬وتكفرف العشير‪ ،‬وما‬
‫(‪)4‬‬
‫رأيت من ناقصات عقل ودين أذىب للب الرجل الحازـ منكن ‪" .‬‬

‫‪)1‬سورة األنبياء‪ -‬اآلية (‪.)35‬‬


‫‪)2‬سورة البقرة‪ -‬اآلية (‪.)272‬‬
‫‪)3‬سورة محمد‪ -‬اآلية (‪.)38‬‬
‫‪)4‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص‪ )255‬كتاب الزكاة ‪ -‬باب الزكاة على األقارب‪ ،‬وأخرجو مسلم (جػ‪ - 3‬ص ‪ )86‬كتاب‬
‫اإليماف ‪ -‬باب بياف نقصاف اإليماف بنقص الطاعات‪ ،‬وبياف إطالؽ لفظ الكفر على غير الكفر باهلل‪ ،‬ككفر النعمة والحقوؽ‪.‬‬
‫فلو لم يكن للصدقة من خصوصية في إفادة النساء في النجاة من‬
‫<‪>35‬‬
‫النار لما كاف ألمر النبي صلى اهلل عليو وسلم النساء بها وتوجيههن إلى العناية بشأنها ما يقتضي تخصيصها‬
‫بالذكر دوف سائر األعماؿ‪.‬‬
‫(‪ )5‬وبعد ىذا العرض الموجز ألىمية العناية بالزكاة والصدقة في حياة المرأة المسلمة ننظر في سيرة‬
‫الصحابيات الجليالت رضواف اهلل عليهن‪ ،‬فنجد أنفسنا أماـ نماذج رائعة حرصت على البذؿ والعطاء‪ ،‬ومألت‬
‫سيرتهن العطرة اآلفاؽ‪ ،‬ولندع األمثلة تتكلم‪ ،‬والوقائع تتحدث‪.‬‬
‫(أ) أوؿ ما يلفت نظرنا في ىذا المجاؿ ما كانت تفعلو أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬حيث ورد أنها‬
‫كانت تطيب الدراىم‪ ،‬وتضع فيها المسك قبل أف تتّصدؽ بها‪ ،‬قيل لها‪ :‬يا أـ المؤمنين لم تفعلين ىذا؟‬
‫(‪)1‬‬
‫فقالت‪" :‬إف الدراىم تقع في يد اهلل قبل أف تقع في يد السائل"‬
‫وىذا موقف يدؿ على فقو في دين اهلل‪ ،‬تتعامل صاحبتو مع الغيب على أنو واقع مشاىد‪ ،‬ومن ثم ال يحملها‬
‫ذلك على استكثار ما تعطى‪ ،‬ألف اآلخذ ىو اهلل‪ ،‬كما يحملها ذلك على حب الفقير والترحيب بو ؛ألنو يحمل‬
‫زادىا إلى اهلل تعالى‪ ،‬وفي ذلك ما يحافظ على تواضع الغنى‪ ،‬وحفظ كرامة الفقير‪.‬‬
‫(ب) وثاني ما يلفت نظرنا ىو إخالص ىؤالء الصحابيات عند اإلنفاؽ؛ فال حرص منهن على شهرة‪ ،‬وال رغبة‬
‫منهن في سمعة‪.‬‬
‫<‪>36‬‬
‫ومما يُ ْذ َك ُر في ىذا المقاـ أف زينب الثقفية امرأة عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنهما كانت صناعا تبيع من‬
‫صناعتها‪ ،‬فقالت لعبد اهلل‪ :‬واهلل إنك شغلتني أنت وولدؾ عن الصدقة في سبيل اهلل (أي ألنها تعطيهم ما‬
‫تك تسبو ال تنفق)‪ ،‬فسل النبي صلى اهلل عليو وسلم فإف كاف لي في ذلك أجر وإال تصدقت في سبيل اهلل‪،‬‬
‫فقاؿ ابن مسعود‪ :‬وما أحب أف تفعلي إف لم يكن لك في ذلك أجر‪ .‬فسألت النبي صلى اهلل عليو وسلم‪،‬‬
‫(‪) 2‬‬ ‫فقاؿ‪( -:‬أنفقي عليهم فإف ِ‬
‫لك أجر ما أنفقت عليهم)‬
‫(جػ) وثالث ما يلفت نظرنا ىو ىذا التنافس بينهن على اإلنفاؽ في سبيل اهلل تعالى‪ ،‬فقد ورد أف النبي صلى‬
‫اهلل عليو وسلم قاؿ لنسائو‪" -:‬أولكن يتبعني أطولكن يدا‪ ،‬قالت السيدة عائشة رضي اهلل عنها‪ -:‬فكنا إذا‬

‫‪)1‬لهذا الموقف شاىد من حديث عبد اهلل بن مسعود قاؿ‪ " -:‬إف الصدقة تقع في يد اهلل قبل أف تقع في يد االسائل‪ ،‬ثم‬
‫قرأ‪" :‬وىو الذي يقبل التوبة عن عباده" ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (جػ‪ - 3‬ص‪.)333‬‬
‫‪2‬حلية األولياء (جػ‪ - 2‬ص‪ )69‬أبو نعيم‪.‬‬
‫اجتمعنا بعد وفاة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم نمد أيدينا في الحائط نتطاوؿ‪ ،‬فلم نزؿ نفعل ذلك حتى‬
‫توفيت زينب بنت جحش‪ ،‬وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا يدا‪ ،‬فعرفت أف النبي صلى اهلل عليو وسلم إنما‬
‫(‪)1‬‬
‫أراد بطوؿ اليد الصدقة‪ ،‬وكانت زينب امرأة صناع اليدين‪ ،‬فكانت تدبغ وتخرز وتتصدؽ بو فى سبيل اهلل"‬
‫(د) وأما عن كثرة ما أنفقن في سبيل اهلل من أموالهن فاألمثلة كثيرة‪ ،‬ونختار منها ما يلي‪-:‬‬
‫(‪ )3‬عن أـ ذرة ‪ -‬وكانت تغشى عائشة ‪ -‬قالت‪" -:‬بعث إليها ابن الزبير بماؿ في غرارتين (جوالين) قالت‪:‬‬
‫أراه ثمانين ومائة ألف‪،‬‬
‫<‪>37‬‬
‫فدعت بطبق ‪ -‬وىي يومئذ صائمة ‪ -‬فجعلت تقسمو بين الناس‪ ،‬فأمست وما عندىا من ذلك درىم‪ ،‬فلما‬
‫أمست قالت‪ :‬يا جارية ىلمي فطرى‪ ،‬فجاءتها بخبز وزيت‪ ،‬فقالت لها أـ ذرة‪ :‬أما استطعت مما قسمت اليوـ‬
‫(‪)2‬‬
‫أف تشترى لنا بدرىم لحما نفطر عليو؟ فقالت لها‪ :‬ال تعنفيني‪ ،‬لو كنت ذكرتني لفعلت‪4‬‬
‫(‪ ) 2‬ولم يكن ىذا التصرؼ من أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها لمرة واحدة فلم يتكرر‪ ،‬بل الثابت أنها‬
‫كانت دائما تتصدؽ بكل ما لديها‪ ،‬فعن عروة بن الزبير رضي اهلل عنهما قاؿ‪" -:‬كانت عائشة رضي اهلل عنها‬
‫(‪)3‬‬
‫ال تمسك شيئا مما جاءىا من رزؽ اهلل إال تصدقت بو"‬
‫(‪ )3‬وإلى جوار السيدة عائشة توجد أختها أسماء بنت أبى بكر رضي اهلل عنها‪ ،‬وىي نموذج آَخر في الجود‬
‫والسخاء‪ ،‬يدؿ على مدى تنافس ىذا الجيل الصالح من نساء األمة في البذؿ والعطاء‪.‬‬
‫فعن عبد اهلل بن الزبير رضي اهلل عنهما قاؿ‪ -:‬ما رأيت امرأتين قط أجود من عائشة وأسماء‪ ،‬وجودىما‬
‫مختلف‪ :‬أما عائشة فكانت تجمع الشيء حتى إذا اجتمع عندىا قسمت‪ ،‬وأما أسماء فكانت ال تمسك شيئا‬
‫(‪)4‬‬
‫لغد"‬
‫<‪>38‬‬
‫(‪ )4‬قاؿ محمد بن كعب‪" :‬كاف عطاء زينب (أي بنت جحش) رضي اهلل عنها اثنى عشر ألف درىم ‪،‬ولم‬
‫تأخذه إال عاما واحدا‪ُ ،‬ح ِم َل إليها فقسمتو في أىل رحمها وفي أىل الحاجة حتى أتت عليو‪ ،‬فبلغ ذلك عمر‬
‫فقاؿ‪" -:‬ىذه امرأة يراد بها خير"‪ .‬فوقف على بابها‪ ،‬وأرسل بالسالـ وقاؿ‪ -:‬لقد بلغني ما فرقت" فأرسل‬

‫‪)1‬صفة الصفوة (جػ‪ -2‬ص ‪ )49‬ابن الجوزي‪.‬‬


‫‪)2‬نفس المرجع (جػ‪ -2‬ص‪.)29‬‬
‫‪)3‬أخرجو البخاري ‪ -‬كتاب المناقب ‪ -‬باب مناقب قريش (جػ ‪ -‬ص)‬
‫‪)4‬ابن الجوزي ‪ -‬مرجع سابق (جػ‪ - 2‬ص‪.)85‬‬
‫(‪)1‬‬
‫إليها بألف درىم لتنفقها‪ -،‬فسلكت بها طريق ذلك الماؿ"‪4‬‬
‫(‪ )6‬لقد تربت ىذه األجياؿ على إيثار مرضاة اهلل تبارؾ وتعالى على كل شيء‪ ،‬وبذا ىانت الدنيا عليهم‪،‬‬
‫فأخرجوىا من أيديهم طائعين؟ وانطلقت أقوالهم وأفعالهم تحكى ىذا‪ ،‬وتتوارثو األجياؿ؛ ولذا ال نعجب أف‬
‫تنزؿ آيات القرآف الكريم‪ ،‬وتتوارد أحاديث النبي األمين صلى اهلل عليو وسلم في ضرورة اقتفاء آثارىم‪،‬‬
‫(والسابُِقو َف األولُو َف ِم َن‬ ‫والسير على دربهم؛ ألف إيمانهم ىو النموذج‪ ،‬وسلوكهم ىو القدوة‪ ،‬وصدؽ اهلل‪َ -:‬‬
‫ٍ‬ ‫لذين اتبَػعُ ُ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ار‬ ‫لهم َجنات تَ ْج ِري تَ ْحتَػ َها األ ً‬
‫َنه ُ‬ ‫عنه ْم َوَرضوا َع ْنوُ َوأَعد ْ‬
‫رضي اهللُ ُ‬
‫ساف َ‬
‫وىم بإ ْح َ‬ ‫َنصا ِر َوا َ‬ ‫ين َواأل َ‬ ‫ال ُْم َهاج ِر َ‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫يم)‬ ‫ين فِ َيها أَبَ ًدا َذلِ َ‬
‫ك الْ َف ْوُز ال َْعظ ُ‬
‫ِِ‬
‫َخالد َ‬
‫<‪>39‬‬
‫ثالثا‪ :‬الصياـ والحج‪:‬‬
‫(‪ )3‬الصياـ لوف من ألواف الطاعة تَػ َعب َدنا اهلل تعالى بو‪ ،‬يساعد المرء على أف يكوف قوى اإلرادة‪ ،‬وأف يضبط‬
‫نفسو أماـ تيار الشهوات‪ ،‬وينمى فيو ملكة المراقبة هلل تبارؾ وتعالى‪ ،‬ويحقق صورة من صور الوحدة بين‬
‫المسلمين في مشارؽ األرض ومغاربها‪ ،‬حين يلزمهم جميعا بالصياـ من مطلع الفجر إلى غروب الشمس‪،‬‬
‫إضافة إلى دروس أخرى يستفيدىا المسلموف بعبادة الصياـ‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬ومن أىم المعاني التي يتضمنها الصياـ أنو عبادة يتحقق فيها اإلخالص الكامل هلل تعالى‪ ،‬ويتجرد فيها‬
‫المرء من الرياء والنفاؽ‪ ،‬ألف تجويع المرء نفسو وحرمانو من شهواتو ال يتصور أف يرائى بها أحداً من خلق اهلل‪،‬‬
‫يتزلف بها إليها‪ ،‬أو يطلب منزلة لديو‪ ،‬ولذا قاؿ اهلل تعالى في الحديث القدسي‪" -:‬كل عمل ابن آَدـ لو إال‬
‫(‪)3‬‬
‫الصوـ‪ ،‬فإنو لي وأنا أجزى بو "‬
‫ومن ثم جوزى الصائموف بأف جعل اهلل لهم بابا في الجنة خاصا بهم اسمو الرياف‪ ،‬فإذا دخلوا أغلق دونهم‪،‬‬
‫وثبت في السنة ما يفيد شفاعة الصياـ ألصحابو يوـ القيامة‪.‬‬
‫(‪ ) 3‬إزاء ىذه المعاني حرص سلف األمة الصالح على اإلكثار من الصياـ‪ ،‬فلم تخل أيامهم‪ -‬إال في النادر‬
‫القليل‪ -‬من الصياـ هلل رب العالمين‪.‬‬
‫<‪>44‬‬

‫‪)1‬اإلصابة في تمييز الصحابة (جػ‪ - 7‬ص‪ )689‬بتصرؼ يسير ‪4‬‬


‫(‪)344‬‬ ‫‪)2‬سورة التوبة ‪ -‬اآلية‬
‫‪)3‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 4‬ص‪ )42‬كتاب اللباس ‪ -‬باب ما يذكر في المسك‪ ،‬وأخرجو مسلم (جػ‪ - 2‬ص ‪ )846‬كتاب‬
‫الصياـ ‪ -‬باب فضل الصياـ‪.‬‬
‫ونسوؽ فيما يلي بعض األمثلة على ذلك من حياة الصحابيات حتى يتأيد المقاؿ بالمثاؿ‪.‬‬
‫(أ) عن عثماف بن القاسم قاؿ‪ :‬خرجت أـ أيمن مهاجرة إلى رسوؿ اهلل صلى اهلل وسلم من مكة إلى المدينة‬
‫وىي ماشية ليس معها زاد‪ ،‬وىي صائمة في يوـ شديد الحر‪ ،‬فأصابها عطش شديد حتى كادت تموت من شدة‬
‫العطش‪ .‬قاؿ‪ :‬وىي بالروحاء أو قريبا منها‪ .‬قالت‪ :‬فلما غابت الشمس إذا أنا بحفيف شيء فوؽ رأسي‪،‬‬
‫فرفعت رأسي فإذا أنا بدلو من السماء مدلى برشاء‪ )1(4‬أبيض‪ .‬قالت‪ :‬فدنا منى حتى إذا كاف بحيث أستمكن‬
‫منو تناولتو‪ ،‬فشربت منو حتى رويت‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫قالت‪ :‬فلقد كنت بعد ذلك في اليوـ الحار أطوؼ في الشمس كي أعطش فما عطشت بعدىا"‬
‫وىذا الموقف جدير بالتأمل‪ ،‬لندرؾ إلى أي مدى كاف الحرص على الصياـ رغم انعداـ الزاد ومشقة الطريق‬
‫ومطاردة األعداء لهذه الصحابية الجليلة التي خرجت بمفردىا‪ ،‬رغبة في مرضات اهلل‪ ،‬وفرارا بدينها من الفتن‪،‬‬
‫ومن ثم كانت ىذه الكرامة التي ساقها اهلل إليها‪ ،‬تقديرا من اهلل تعالى لتضحياتها وجهادىا في سبيل دينها‪.‬‬
‫(جػ) وفي الداللة على دعوة ىؤالء الصحابيات أبناءىن إلى صياـ النوافل ثبت عن الربيع بنت معوذ قولها‪" :‬‬
‫كنا نصومو (أي يوـ عاشوراء) ونصوـ صبياننا الصغار‪ ،‬ونجعل لهم اللعبة من العهن‬
‫<‪>43‬‬
‫(‪)3‬‬
‫(الصوؼ)‪ ،‬فإذا بكى أحدىم على الطعاـ أعطيناه ذاؾ حتى يكوف عند اإلفطار" ‪4‬‬
‫وبهذا توارثت األجياؿ حب الصياـ‪ ،‬وبدا الحرص عليو من الرجاؿ والنساء‪ ،‬والكبار والصغار على السواء‪.‬‬
‫(‪ )4‬وأما عن الحج وحرص الصحابيات على القياـ بو فيكفي أف نتأمل في ىذه األخبار‪-:‬‬
‫(أ) عن أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬قلت للنبي صلى اهلل عليو وسلم‪ .‬أال نغزو نجاىد معكم؟‬
‫فقالت‪ -‬قاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ِ‬
‫"لكن أحسن الجهاد وأجملو‪ :‬الحج‪ ،‬حج مبرور‪ .‬قالت عائشة‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫فال أدع الحج بعد إذ سمعت ىذا من رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم"‪4‬‬
‫(ب) عن عبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهما أف امرأة من خثعم قالت يا رسوؿ اهلل‪ :‬إف فريضة اهلل على عباده‬
‫(‪)5‬‬
‫في الحج أدركت أبى شيخا كبيرا ال يثبت على الراحلة‪ ،‬أفأحج عنو؟ قاؿ‪ :‬نعم‪ ،‬وذلك في حجة الوداع‪4‬‬

‫‪)1‬الرشاء ىو الحبل ‪4‬‬


‫‪)2‬صفة الصفوة جػ‪ -2‬ص‪.54‬‬
‫‪)3‬أخرجو البخاري (جػ‪.)335 -3‬‬
‫‪)4‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص‪ )339‬كتاب الحج ‪ -‬باب حج النساء‪ .‬وأخرجو أحمد بهذا اللفظ (جػ‪ - 6‬ص ‪.)39‬‬
‫‪)5‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص‪ )564‬كتاب الحج ‪ -‬باب وجوب الحج وفضلو‪ ،‬وأخرجو مسلم (جػ‪ - 2‬ص‪ )972‬كتاب‬
‫فهذه امرأة شاركت بنفسها في أداء الحج‪ ،‬وزادت على ذلك أف‬
‫<‪>42‬‬
‫سألت عن إمكاف حجها عن والدىا الذي ال يستطيع الحج بنفسو‪ ،‬وىو موقف يدؿ على مدى حرص‬
‫الصحابيات على أداء ىذه الفريضة‪ ،‬ومساعدة اآلخرين على أدائها‪.‬‬
‫(جػ) عن ابن ع باس رضي اهلل عنهما أف امرأة رفعت إلى رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم صبيا‪ ،‬فقالت‪ :‬ألهذا‬
‫(‪)1‬‬
‫حج؟ قاؿ‪ :‬نعم‪ ،‬ولك أجر‪4‬‬
‫وىذا الموقف يتضمن حرص الصحابيات على أف يورثوا أبناءىن الصالح والتقى في صورة من صوره وىي‬
‫الحج‪ ،‬رغم أنهم الزالوا صغاراً لم يجب عليهم الحج بعد‪ ،‬وىو ما يؤكد حرصهن على ىذا الخير‪ ،‬كما ىو‬
‫شأنهن مع سائر أعماؿ اإلسالـ‪.‬‬
‫ونكتفي بهذا القدر من الحديث عن محافظة الصحابيات على أداء الفرائض واإلكثار من النوافل‪ ،‬وننتقل إلى‬
‫النقطة التالية" وىي اإلكثار من ذكر اهلل تعالى‪.‬‬
‫<‪>43‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫اإلكثار من ذكر اهلل تعالى‬
‫(‪ )3‬إذا كنا قد أشرنا إلى أركاف اإلسالـ الرئيسة‪ ،‬وضربنا أمثلة من حياة الصحابيات على المحافظة على ما ىو‬
‫مفروض منها‪ ،‬واالستكثار من النوافل المتعلقة بها‪ ،‬فإنها تبقى عبادات قد حددت بأوقات معلومة وأزماف‬
‫محدودة‪ ،‬ال تستوعب صفة األوقات‪ ،‬وال تنتظم جميع األزماف‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬فإذا علمنا أف حاجة اإلنساف إلى خالقو دائمة‪ ،‬وافتقاره إلى معونتو دوف انقطاع وجدنا التوجيو اإللهي‬
‫للنساف بضرورة أف يستعين اإلنساف على ذلك باإلكثار من ذكر اهلل تعالى في جميع األحواؿ واألوقات‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫يتم الصال َة فَاذْ ُكروا اهللَ ِقيَ ًاما َوقعودا َو َعلَى جنُوبِ ُك ْم)‪4‬‬
‫ض ُ‬ ‫يقوؿ اهلل تعالى‪( -:‬فَِإذَا قَ َ‬
‫قاؿ ابن عباس رضي اهلل عنهما في تعليق لو على ىذه اآلي ْة‪" .‬أي بالليل والنهار‪ ،‬في البر والبحر‪ ،‬والسفر‬

‫الحج ‪ -‬باب الحج عن العاجز لزمانة وىرـ ونحوىما‪ ،‬أو للموت‪.‬‬


‫‪)1‬أخرجو مسلم (جػ‪ - 2‬ص‪ )974‬كتاب الحج ‪ -‬باب صحة حج الصبي‪ ،‬وأجر من حج معو‪.‬‬

‫‪)2‬سورة النساء‪ -‬اآلية (‪4 )343‬‬


‫(‪)1‬‬
‫والحضر‪ ،‬والغنى والفقر‪ ،‬والسقم والصحة‪ ،‬والسر والعالنية‪ ،‬وعلى كل حاؿ"‪4‬‬
‫ض َوابْػتَػغُوا ِم ْن فَ ْ‬
‫ض ِل الل ِو َواذْ ُك ُروا اللوَ َكثِيراً لَ َعل ُك ْم‬ ‫ت الصالةُ فَانْػتَ ِش ُروا فِي ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ضي ِ‬
‫وقْاؿ تعالى‪ ( -:‬فَِإذَا قُ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫تُػ ْف ِل ُحو َف)‬
‫<‪>44‬‬
‫ومن مجموع اآليتين الكريمتين نجد أف أمر اهلل لنا بالذكر ال يتحدد بزماف وال مكاف‪ ،‬وىو ما يحقق الصلة‬
‫الدائمة بين العبد ومواله‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقد أشارت آيات القرآف الكريم وأحاديث النبي األمين صلى اهلل عليو وسلم إلى أىمية الذكر في تحقيق‬
‫الصلة الدائمة بين العبد ومواله‪ ،‬وما يترتب على ذلك من حياة القلب في ظل طاعة اهلل‪.‬‬
‫كم)(‪ .)3‬وفي الحديث القدسي‪" -:‬أنا مع عبدي حيثما ذكرني وتحركت بي‬ ‫يقوؿ رب العزة‪( -:‬فَاذ ِ‬
‫ْكروني أَذ ْ‬
‫ْكر ْ‬ ‫ُ‬
‫(‪)5‬‬
‫شفتاه"(‪ .)4‬ويقوؿ عليو الصالة والسالـ‪" -:‬مثل الذي يذكر ربو والذي ال يذكره مثل الحي والميت"‪4‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ويقوؿ اإلماـ ابن تيمية‪" -:‬الذكر للقلب مثل الماء للسمك‪ ،‬فكيف يكوف حاؿ السمك إذا فارؽ الماء"‪4‬‬
‫(‪ )4‬بقى أف نشير إلى أف الذكر بأنواعو المختلفة من تسبيح وتهليل وقراءة للقرآف الكريم ودعاء‪ ...‬إلخ؛ كاف‬
‫دأب نساء السلف الصالح عامة‪ ،‬والصحابيات الجليالت خاصة‪.‬‬
‫وفيما يلي نتعرؼ بعض النماذج التي تدؿ على اجتهادىن في ىذا المجاؿ‪-:‬‬
‫<‪>45‬‬
‫(أ) أخرج مسلم في صحيحو عن أـ المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي اهلل عنها أف النبي صلى اهلل عليو‬
‫وسلم خرج من عندىا بكرة حين صلى الصبح وىي في مسجدىا (أي موضع صالتها)‪ ،‬ثم رجع بعد أف‬
‫أضحى (وفي رواية ألحمد قريبا من نصف النهار) وىي جالسة‪ ،‬فقاؿ‪ :‬مازلت على الحاؿ التي فارقتك عليها؟‬
‫قالت‪ :‬نعم‪ .‬قاؿ النبي صلى اهلل عليو وسلم‪" -:‬لقد قلت بعدؾ أربع كلمات ثالث مرات‪ ،‬لو وزنت بما قلت‬

‫‪)1‬تفسير ابن كثير (جػ‪ - 3‬ص ‪.)495‬‬


‫‪)2‬سورة الجمعة ‪ -‬اآلية (‪.)34‬‬
‫‪)3‬سورة البقرة‪ -‬اآلية (‪)352‬‬
‫‪)4‬أخرجو البخاري (جػ‪ -4‬ص‪ )344‬كتاب التوحيد‪ -‬باب قوؿ اهلل تعالى‪ :‬ال تحرؾ بو لسانك ‪ -‬وأخرجو أحمد جػ‪-2‬‬
‫‪)544‬‬
‫‪)5‬أخرجو البخاري (جػ‪ -4‬ص ‪ )338‬كتاب الدعوات‪ -‬باب فضل ذكر اهلل عز وجل‪4‬‬
‫‪)6‬الوابل الصيب من الكلم الطيب (‪ )39‬ابن قيم الجوزية‪ -‬طبعة خامسة سنة ‪ 3444‬ىػ ‪ -‬مكتبة الدعوة اإلسالمية‪4‬‬
‫(‪)1‬‬
‫منذ اليوـ لوزنتهن‪ :‬سبحاف اهلل وبحمده‪ ،‬عدد خلقو ورضا نفسو وزنة عرشو ومداد كلماتو "‪4‬‬
‫فهذا نموذج من نماذج االجتهاد في تسبيح اهلل تعالى في وقت من األوقات الفاضلة‪ ،‬وىو أوؿ النهار عقب‬
‫صالة الصبح‪.‬‬
‫(ب) وعن عائشة بنت سعد بن أبى وقاص عن أبيها رضي اهلل عنهما أنو دخل مع رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو‬
‫وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح بو‪ ،‬فقاؿ‪" -:‬أخبرؾ بما ىو أيسر عليك من ىذا أو أفضل؟‬
‫فقاؿ‪ :‬سبحاف اهلل عدد ما خلق في السماء‪ ،‬وسبحاف اهلل عدد ما خلق في األرض‪ ،‬وسبحاف اهلل عدد ما خلق‬
‫بين ذلك‪ ،‬وسبحاف اهلل عدد ما ىو خالق‪ ،‬واهلل أكبر مثل ذلك‪ ،‬والحمد هلل مثل ذلك‪ ،‬وال إلو إال اهلل مثل‬
‫(‪)2‬‬
‫ذلك‪ ،‬وال حوؿ وال قوة إال باهلل مثل ذلك"‬
‫<‪>46‬‬
‫وىو نموذج آخر ‪ -‬يضم إلى السابق ‪ -‬في الداللة على االجتهاد في التسبيح والذكر هلل تعالى‪ ،‬واالستعانة‬
‫على إنجاز األعداد الكبيرة منو باستخداـ النوى أو الحصى‪.‬‬
‫(ب) ومن النماذج ما سبق ذكره بشأف أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها فيما رواه عنها القاسم قاؿ‪ :‬كنت إذا‬
‫غدوت بدأت ببيت عائشة أسلم عليها‪ ،‬فغدوت يوما فإذا ىي قائمة تسبح وتقرأ‪" -:‬فمن اهلل علينا ووقانا‬
‫عذاب السموـ‪ ،‬وتدعو وتبكى وترددىا‪ ،‬فقمت حتى مللت القياـ‪ ،‬فذىبت إلى السوؽ لحاجتي‪ ،‬ثم رجعت‬
‫فإذا ىي قائمة كما ىي‪ ،‬تصلى وتبكى"(‪ )3‬وىذا نموذج يدؿ على الحرص على قراءة القرآف الكريم وتدبره في‬
‫أفضل عمل وىو الصالة‪ ،‬مع الجمع بين ىذه القراءة والتسبيح والدعاء كما تدؿ على ذلك الرواية‪.‬‬
‫(‪ )4‬لقد عاشت ىذه األجياؿ عصر نزوؿ القرآف الكريم‪ ،‬واستمعوا إلى آياتو وىي تدعوىم إلى كثرة ذكر اهلل‬
‫تعالى في جميع األحواؿ‪ ،‬كما شاىدوا رسوؿ اهلل وىو يطبق ما جاء في اآليات على نفسو‪ ،‬فكاف ال يفتر‬
‫لسانو عن ذكر ربو‪ ،‬كما تقوؿ لنا أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها‪" -:‬كاف النبي صلى اهلل عليو وسلم يذكر‬
‫(‪)4‬‬
‫اهلل على كل أحيانو"‬

‫‪)1‬أخرجو مسلم (جػ‪ - 4‬ص‪ )2494‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ‪ -‬باب التسبيح أوؿ النهار وعند النوـ‪/‬‬
‫وأخرجو أحمد (جػ‪ - 6‬ص ‪.)325‬‬

‫‪)2‬أخرجو أبو داود واللفظ لو (جػ‪ - 2‬ص‪ )376‬كتاب الوتر‪ -‬باب التسبيح بالحصى وأخرجو الترمذي وحسنو (جػ‪ - 5‬ص‬
‫‪ )562‬كتاب الدعوات‪ -‬باب في دعاء النبي صلى اهلل عليو وسلم كل صالة‪.‬‬
‫‪)3‬صفة الصفوة (جػ‪ -2‬ص ‪ )33‬ابن الجوزي‪.‬‬
‫‪)4‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص‪ )338‬كتاب األذاف‪ -‬باب ىل يتتبع المؤذف فاه ىنا وىناؾ‪ ،‬وىل يلتفت في األذاف‪ .‬وأخرجو‬
‫كما استمعوا إلى توجيهات نبيهم صلى اهلل عليو وسلم وىو يوجو أصحابو إلى‬
‫<‪>47‬‬
‫االىتماـ في حياتهم بذكر اهلل‪ ،‬باعتباره من أفضل األعماؿ وأجلٍّها‪ ،‬كهذا الرجل الذي قاؿ لرسوؿ اهلل صلى اهلل‬
‫عليو وسلم ‪" -:‬يا رسوؿ اهلل‪ ،‬إف شرائع اإلسالـ قد كثرت على‪ ،‬فأخبرني بشيء أتشبث بو‪ .‬قاؿ‪ :‬ال يزاؿ‬
‫(‪) 1‬‬
‫لسانك رطبا من ذكر اهلل"‪4‬‬
‫وقد تفاعل المجتمع كلو ‪ -‬برجالو ونسائو ‪ -‬مع ىذه التوجيهات القرآنية والنبوية‪ ،‬فغدا المجتمع بأسره حريصا‬
‫على ذكر اهلل تعالى بصورة ال تقتصر على حركة اللساف بو فحسب‪ ،‬ولكن ثناء على اهلل باللساف‪ ،‬وتصفية‬
‫النفس والقلب من األدراف‪ ،‬واجتهادا في فعل الخير باألبداف‪ ،‬وذلك في كل زماف ومكاف‪.‬‬
‫<‪>48‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫الجانب االجتماعي في حياة الصحابيات‬
‫ويشتمل على أربعة مباحث ‪:‬‬
‫(‪ )3‬مع الزوج‪4‬‬
‫(‪ )2‬مع األوالد‪4‬‬
‫(‪ )3‬مع األخوات المسلمات‪4‬‬
‫(‪ )4‬في مواجهة أعداء اإلسالـ‪4‬‬
‫<‪>49‬‬
‫المبحث األوؿ‬
‫مع الزوج‬
‫(‪ )3‬من العالقات المه مة التي يوليها اإلسالـ عنايتو العالقة القائمة بين الزوجين‪ ،‬ويتضح ذلك من خالؿ‬
‫اىتماـ القرآف الكريم والسنة النبوية بكل جزئية في ىذه الحياة منذ بدء تكوينها‪ ،‬وفي كل مرحلة من مراحلها‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقد أشار القرآف الكريم إلى منة اهلل تعالى على الخالئق بنعمة الزوجية‪ ،‬وبين أنها طريق إلى االستقرار‬
‫(وِم ْن آيَاتِِو أَ ْف َخلَ َق لَ ُكم ِم ْن‬
‫والسكن الذي ينشده اإلنساف ‪ -‬رجال كاف أو امرأة ‪ ،-‬وفي ىذا يقوؿ رب العزة‪َ :‬‬

‫وأخرجو مسلم (جػ‪ - 3‬ص ‪ ،)282‬كتاب الحيض‪ -‬باب ذكر اهلل تعالى في حاؿ الجنابة وغيرىا‪.‬‬
‫‪)1‬أخرجو الترمذي وحسنو ‪( -‬جػ‪ - 5‬ص‪ )458‬كتاب الدعوات ‪ -‬باب ما جاء في فضل الذكر ‪4‬‬
‫(‪)1‬‬
‫كرو َف)‬ ‫ٍ ِ‬ ‫كم أَ ْزَوا ًجا لِتَ ْس ُكنُوا إِلَْيػ َها َو َج َع َل بينَ ُكم مودةً َوَر ْح َموًّ إِف في ذَلِ َ‬ ‫ِ‬
‫ك آليَات ل َقوـ يَػتَػ َف ُ‬ ‫أَن ُفس ْ‬
‫(‪ )3‬ولضماف تحقيق السكن المشار إليو‪ -‬كهدؼ من أىداؼ الحياة الزوجية‪ -‬وضع اإلسالـ أيدينا على‬
‫الواجبات التي يلزـ كل طرؼ أف يقوـ بها‪ ،‬والحقوؽ التي لو في مقابل أداء ىذا الواجب‪ ،‬وصدؽ اهلل إذ يقوؿ‪:‬‬
‫(ولَ ُه ًن ِمثْ ُل الذي َعلَْي ِهن بِال َْم ْع ُروؼ َولِل ِر َجاؿ َعلَْي ِهن َد َر َجة َواهللُ َعزيز َحكيم)‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫َ‬
‫(‪ )4‬ولسنا في مقاـ التفصيل لتلك الحقوؽ والواجبات المتبادلة بين الزوجين لكننا‪ -‬ونحن نتحدث عن حياة‬
‫الصحابيات‪ -‬في حاجة إلى‬
‫<‪>54‬‬
‫التأكيد على دور المرأة المسلمة في تحقيق ىذا السكن‪ ،‬وأنها تتحمل العبء الكبير في تهيئة الجو المناسب‬
‫داخل البيت لزوجها الذي يكوف مثقالً بأعبائو خارجو‪.‬‬
‫وقد أكدت السنة النبوية على ذلك في أكثر من حوار بين رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ونساء الصحابة‪.‬‬
‫ونختار من ىذه الحوارات النماذج التالية‪:‬‬
‫(أ) عن الحصين بن محصن أف عمة لو أتت النبي صلى اهلل عليو وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها‪ ،‬فقاؿ‬
‫لها النبي صلى اهلل عليو وسلم‪( :‬أذات زوج أنت؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬قاؿ‪( :‬كيف أنت لو)؟ قالت‪ :‬ما آلوه (أي ما‬
‫أقصر في حق لو) إال ما عجزت عنو‪ .‬قاؿ‪( :‬فانظري أين أنت منو‪ ،‬فإنما ىو جنتك ونارؾ)(‪ )3‬والحديث غنى‬
‫عن التعليق‪ ،‬وىو يشير إلى أف الباب الذي ستلج منو المرأة المسلمة إلى الجنة ىو ما تفعلو في سبيل رضا‬
‫زوجها ابتغاء مرضات اهلل تبارؾ وتعالى‪.‬‬
‫(ب) عن أسماء بنت يزيد األنصارية رضي اهلل عنها أنها أتت رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬فقالت‪ :‬يا‬
‫رسوؿ اهلل‪ :‬إف اهلل بعثك للرجاؿ والنساء‪ ،‬فآمنا بك واتبعناؾ‪ ،‬ونحن معاشر النساء مقصورات مخدرات‪ ،‬قواعد‬
‫بيوت‪ ،‬ومواضع شهوات الرجاؿ‪ ،‬وحامالت أوالدىم‪ ،‬وإف الرجاؿ فضلوا بالجماعات وشهود الجنائز والجهاد‪،‬‬
‫وإذا خرجوا للجهاد حفظنا‬
‫<‪>53‬‬
‫لهم أموالهم‪ ،‬وربينا لهم أوالدىم‪ ،‬أفنشاركهم في األجر يا رسوؿ اهلل‪ ،‬فالتفت رسوؿ اهلل عنها بوجهو إلى‬
‫أصحابو‪ ،‬وقاؿ‪ :‬ىل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤاال عن دينها من ىذه؟‬

‫‪)1‬سورة الروـ ‪ -‬اآلية (‪4)24‬‬


‫‪)2‬سورة البقرة ‪ -‬اآلية (‪4)228‬‬
‫‪)3‬أخرجو أحمد في مسنده (جػ ‪ -4‬ص ‪.)343‬‬
‫قالوا‪ :‬ال يا رسوؿ اهلل‪.‬‬
‫فقاؿ‪( :‬انصرفي يا أسماء وأعلمي من وراءؾ من النساء‪ :‬إف حسن تبعل إحداكن لزوجها‪ ،‬وطلبها لمرضاتو‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫واتباعها لموافقتو‪ ،‬يعدؿ كل ما ذكرت للرجاؿ)‪4‬‬
‫وقد حدد النبي المصطفى صلى اهلل عليو وسلم في ىذا الحديث الشريف الكيفية التي ترقى بها المرأة إلى‬
‫أرفع الدرجات وأسمى المراتب‪ ،‬وذلك في ثالث نقاط‪:‬‬
‫‪ -3‬حسن تبعلها لزوجها‪.‬‬
‫‪ -2‬طلبها لمرضاتو‪.‬‬
‫‪ -3‬اتباعها لموافقتو‪.‬‬
‫وأكد صلى اهلل عليو وسلم أف قياـ المرأة بتلك المهاـ يجعلها تناؿ ثواب الجماعة في المسجد وإف لم‬
‫تحضرىا‪ ،‬وثواب الجهاد وإف لم تشارؾ فيو‪.‬‬
‫وىو دليل يضاؼ إلى ما سبق في مدى ما تتحملو المرأة من مسئولية في تحقيق السكن واالستقرار في البيت‪،‬‬
‫وىو ما ينبغي على كل امرأة‬
‫<‪>52‬‬
‫مسلمة أف توليو عنايتها‪ ،‬وتجعلو محط نظرىا‪.‬‬
‫(ج) وعلى سبيل التأكيد لعظم حق الزوج على زوجتو جعل النبي صلى اهلل عليو وسلم طاعتها لزوجها في غير‬
‫معصية اهلل في سياؽ واحد مع صالتها وصيامها وسائر طاعاتها‪ ،‬فقاؿ‪( :‬إذا صلت المرأة خمسها‪ ،‬وصامت‬
‫(‪)2‬‬
‫شهرىا‪ ،‬وحفظت فرجها‪ ،‬وأطاعت زوجها‪ ،‬قيل لها ادخال لجنة من أي األبواب شئت)‪4‬‬
‫وأشار صلى اهلل عليو وسلمَ إِلى أف السجود ال يجوز لغير اهلل‪ ،‬ولو كاف جائزاً ألحد من الخلق لكاف ذلك من‬
‫المرأة لزوجها‪ ،‬والحديث في ىذا معروؼ‪ ،‬وىي إشارة نبوية إلى عظم حق الزوج على زوجتو‪ ،‬وتأكيده في نفس‬
‫كل امرأة مسلمة ترجو اهلل واليوـ اآلخر‪.‬‬
‫‪ -5‬ىذا وقد أشارت أحاديث أخرى إلى ب عض تلك الحقوؽ على سبيل التفصيل‪ ،‬ومن ذلك ما أخرجو البزار‬
‫عن ابن عباس أف امرأة من خثعم أتت رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪،‬فقالت‪ :‬يا رسوؿ اهلل‪ ،‬أخبرني ما حق‬
‫الزوج على الزوجة؛ فإني امرأة أيم‪ ،‬فإف استطعت وإال جلست أيما‪ .‬قاؿ‪( :‬فإف حق الزوج على زوجتو إف سألها‬
‫نفسها وىي على ظهر بعير ال تمنعو‪ ،‬ومن حق الزوج على الزوجة أف ال تصوـ تطوعا‪ ،‬فإف فعلت جاعت‬

‫‪1‬أخرجو البيهقي في شعب اإليماف (جػ ‪ - 6‬ص ‪.)423‬‬


‫‪)2‬أخرجو أحمد في مسنده (جػ‪ - 3‬ص ‪.)393‬‬
‫وعطشت وال يقبل منها‪ ،‬وال تخرج من بيتها إال بإذنو‪ ،‬فإف فعلت لعنتها مالئكة الرحمة ومالئكة العذاب حتى‬
‫(‪)1‬‬
‫ترجع‪ ،‬قالت ال جرـ‪ ،‬ال أتزوج أبدا‪4‬‬
‫‪ -6‬وبعد ىذه التقدمة نعود إلى حياة الصحابيات لنرى كيف كانت‬
‫<‪>53‬‬
‫الواحدة منهن لزوجها‪ ،‬وسنجد أنفسنا أماـ قدوات صالحات‪ ،‬ضربن في ىذا المجاؿ‪ -‬كما في غيره‪ -‬أعظم‬
‫المثل في جعل بيت الزوجية واحة يستنشق من خاللها الزوج ما يعينو على القياـ بأعبائو وتحمل مسئولياتو‪ ،‬ال‬
‫ما يعكر صفوه‪ ،‬أو يثقل كاىلو‪.‬‬
‫ولندلف معا إلى األمثلة والنماذج من حياة الصحابيات‪ ،‬ونحن ننحني إجالال وإكبارا لهن‪ ،‬وذلك في النقاط‬
‫التالية‪:‬‬
‫(أ) عناية الزوجة بنفسها وبيتها‪ ،‬وحسن استقبالها لزوجها‪:‬‬
‫إف السنة النبوية تعلمنا أف أفضل النساء ىي التي تروؽ في نظر زوجها‪ ،‬فإذا نظر إليها سرتو‪ ،‬وفي ىذا يقوؿ‬
‫النبي المصطفى صلى اهلل عليو وسلم‪( :‬خير النساء التي تسره إذا نظر‪ ،‬وتطيعو إذا أمر‪ ،‬وال تخالفو في نفسها‬
‫(‪)2‬‬
‫وال مالها بما يكره)‪4‬‬
‫ويستلزـ ىذا من المرأة المسلمة أف تكوف حريصة على النظافة والنظاـ والجماؿ في نفسها وبيتها‪ ،‬وأف تعمل‬
‫على التجديد والتحسين دائما في حياتها ليزداد تعلق زوجها بها‪" ،‬فليس معنى أف األخت الملتزمة ارتدت‬
‫النقاب واإلسداؿ أف تظل في بيتها كذلك‪ ،‬وإنما ىي بين يدي زوجها ملكة جماؿ متوجة‪ ،‬تتزين وتتجمل‪ ،‬تغير‬
‫في المالبس وتبدؿ‪ ،‬تغير في ترتيب أثاث بيتها وتلقى زوجها كل يوـ بجديد‪ .‬نعم‪ ،‬ال بأس أف تلقى الزوجة‬
‫زوجها في يوـ وفي يدىا وردة لطيفة‪ ،‬وفي اليوـ اآلخر وبين يديها ثوب لو جميل‪ ،‬واليوـ الثالث وبين يديها‬
‫أكلة شهية يحبها‪ ،‬وفي‬
‫<‪>54‬‬
‫اليوـ الرابع مقابلة لطيفة من نوع جديد‪ ،‬وىكذا فتشعر زوجها بالجديد كل يوـ في حياتها‪ ،‬فيحبها وال تفتنو‬
‫(‪)3‬‬
‫بنات الشوارع فعنده في بيتو األطهر واألنظف واألتقى واألجمل واألرؽ واألحسن)‪4‬‬

‫‪)1‬كره الهيثمي في مجمع الزوائد (جػ‪ - 4‬ص ‪ -346‬ص‪ )347‬وقاؿ عنو‪ :‬رواه البزار‪ ،‬وفيو حين بن قيس المعروؼ بحنش‬
‫وىو ضعيف‪ ،‬وقد وثقو حين بن نمير‪ ،‬وبقية رجالو ثقات‪.‬‬
‫‪)2‬أخرجو النسائي (جػ‪ - 2‬ص‪ )72‬وأخرجو أحمد (جػ‪ - 2‬ص‪ - 432 - 253‬ص‪.)438‬‬
‫‪)3‬صفات المسلمة الملتزمة (ص ‪ )37‬محمد حسين يعقوب‪ -‬طبعة أولى سنة ‪ -3996‬مكتبة سوؽ اآلخرة‪.‬‬
‫والمرأة المسلمة ‪ -‬فوؽ ما ذُكِ َر ‪ -‬ترعى زوجها فتحسن استقبالو عند قدومو عليها‪ ،‬وتتعهد شئونو‪.‬‬
‫وكلها‪ -‬معاف حرصت عليها الصحابيات الجليالت رضواف اهلل تعالى عليهن‪.‬‬
‫ففي الداللة على حسن استقباؿ المرأة لزوجها عند قدومو عليها أسوؽ ىذين الخبرين‪-:‬‬
‫(‪ ) 3‬روى الفاكهي في كتاب (أخبار مكة) عن أنس رضي اهلل عنو أف النبي صلى اهلل عليو وسلم كاف عند أبي‬
‫طالب‪ ،‬فاستأذنو أف يتوجو إلى خديجة فأذف لو‪ ،‬وبعث بعده جارية يقاؿ لها نبعة‪ ،‬فقاؿ لها‪ :‬انظري ما تقوؿ لو‬
‫خديجة‪ .‬قالت نبعة‪ :‬فرأيت عجبا‪ ،‬ما ىو إال أف سمعت بو خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمتها‬
‫إلى صدرىا ونحرىا‪ ،‬ثم قالت‪ :‬بأبي وأمي‪ ،‬واهلل ما أفعل ىذا لشيء‪،‬ومني أرجو أف تكوف أنت النبي الذي‬
‫(‪)1‬‬
‫ستبعث ‪.. . .‬إلخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬قصة امرأة الحطاب التي تعد نموذجا في حسن معاشرة المرأة‬
‫<‪>55‬‬
‫لزوجها‪ ،‬ويتضح ذلك من خاللة كالمها وأسلوب تعاملها معو‪ ،‬فهي تقوؿ‪" -:‬إف زوجي إذا خرج يحتطب‬
‫(يجمع الحطب من الجبل ليبيعو وينتفع بثمنو) أحس بالعناء الذي لقيو في سبيل رزقنا‪ ،‬وأحس بحرارة عطشو‬
‫في الجبل تكاد تحرؽ حلقي‪ ،‬فأعد لو الماء البارد حتى إذا ما قدـ وجده‪ ،‬وقد نسقت متاعي وأعددت لو‬
‫طعامو‪ ،‬ثم وقفت أنتظره في أحسن ثيابي‪ ،‬فإذا ما ولج الباب (أي دخل) استقبلتو كما تستقبل العروس زوجها‬
‫الذي عشقتو‪ ،‬مسلمة نفسي إليو‪ ،‬فإف أراد الراحة أعنتو عليها‪ ،‬وإف أرادني كنت بين ذراعيو كالطفلة الصغيرة‬
‫(‪)2‬‬
‫أ‪ .‬ىػ ‪.‬‬ ‫يتلهى بها أبوىا‪.‬‬
‫وفي الداللة على تعهد المرأة المسلمة لشئوف زوجها أسوؽ ىذين الخبرين‪-:‬‬
‫ترجل رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم (أي تسرح لو‬
‫(‪ )3‬عن أـ المؤمنين عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها‪ -‬أنها كانت ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫شعره وتزينو)‪ ،‬وىو حينئذ مجاور في المسجد‪ ،‬يدنى لها رأسو وىي في حجرتها‪.‬‬
‫(‪ )2‬وعنها رضي اهلل عنها قالت‪" -:‬كنت أطيب رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‬
‫<‪>56‬‬

‫‪)1‬أخبار مكة (جػ‪ - 5‬ص ‪ -)246‬باب ذكر شيء من خبر خديجة قبل زواجها من النبي صلى اهلل عليو وسلم‪.‬‬
‫‪)2‬أورد ىذه القصة األستاذ عبد المتعاؿ الجبري في كتابو (المرأة في التصور اإلسالمي) ص ‪ ،53‬وذكرىا مرفوعة إلي رسوؿ‬
‫اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬لكن لما لم أعثر لها على سند اكتفيت بذكر الشق الذي يعبر عن حسن معاشرة المرأة لزوجها‬
‫وأضربت صفحا عن الباقي‪4‬‬
‫‪)3‬أخرجو البخاري ‪( -‬جػ‪ - 3‬ص ‪ )63‬كتاب الحيض‪ -‬باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيلو‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫إلحرامو حين يحرـ‪ ،‬ولحلو قبل أف يطوؼ بالبيت "‬
‫وبعد ذلك فلتتأمل األخت المسلمة في مثل ىذه الصور الجميلة من حسن معاشرة المرأة لزوجها لتكوف‬
‫نبراسا تستضيء بو في حياتها‪ ،‬وبذلك تستديم عشرتها معو‪ ،‬وتطوؿ صحبتها لو في إطار من المودة والرحمة‬
‫والمحبة‪.‬‬
‫(ب) خدمة الزوجة لزوجها‪:‬‬
‫من مظاىر حسن العشرة من الزوجة لزوجها أف تقوـ بخدمتو في بيتو‪ ،‬فتعد لو طعامو‪ ،‬وتنظف لو ثيابو‪ ،‬وترتب‬
‫لو فراشو‪ ....‬إلخ‪ ،‬وىي أمور‪ -‬إف حرصت المرأة المسلمة عليها‪ -‬كاف لها أجر المجاىد في سبيل اهلل‪ ،‬كما‬
‫سبق وأف أشرنا في التمهيد لهذا المبحث‪.‬‬
‫وقَد حرصت الصحابيات رضواف اهلل عليهن‪ -‬على التفاني في ىذا الجانب ونسوؽ‪ -‬للتدليل على ذلك ‪-‬‬
‫ىذين المثلين‪:‬‬
‫‪ -3‬ذكر ابن الجوزي في (صفة الصفوة)(‪ )2‬عن ابن أعبد قاؿ‪ :‬قاؿ علي رضي اهلل عنو‪ :‬يا بن أعبد‪ ،‬أال أخبرؾ‬
‫عنى وعن فاطمة؟ كانت ابنة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم وأكرـ أىلو عليو‪ ،‬وكانت زوجتي فجرت بالرحى‬
‫<‪>57‬‬
‫حتى أثرت الرحى بيدىا‪ ،‬واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرىا‪ ،‬وقمت البيت (أي كنستو) حتى اغبرت‬
‫ثيابها‪ ،‬وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها‪ ،‬وأصابها من ذلك ضر‪.‬‬
‫وعن عطاء بن أبي رباح قاؿ‪ :‬إف كانت فاطمة ابنة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم لتعجن‪ ،‬وإف قصتها (مقدـ‬
‫شعرىا) لتضرب األرض والجفنة‪ .‬أ‪ .‬ىػ‬
‫‪ -2‬أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أسماء بنت أبي بكر رضي اهلل عنهما قالت‪ :‬تزوجني الزبير‬
‫ومالو في األرض من ماؿ وال مملوؾ وال شئ غير فرسو‪ .‬قالت‪ :‬فكنت أعلف فرسو وأكفيو مؤنتو‪ ،‬وأسوسو‪،‬‬
‫وأدؽ النوى لناضحو‪ ،‬وأعلفو وأستقى الماء وأخرز غربو‬
‫( أي أمأل دلوه ) ‪ ،‬وأعجن ‪ . . .‬وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعو رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو‬
‫وسلم‪ ،‬وىي على ثلث فرسخ ‪.". . . .‬‬
‫وفي رواية أخرى لمسلم في نفس القصة‪" -:‬قالت أسماء‪ :‬كنت أخدـ الزبير خدمة البيت‪ ،‬وكاف لو فرس ‪. .‬‬

‫‪)1‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص ‪ )268‬كتاب الحج ‪ -‬باب الطيب عند اإلحراـ‪ ،‬وأخرجو مسلم بنحوه (جػ‪ - 2‬ص‪)846‬‬
‫كاب الحج ‪ -‬باب الطيب للمحرـ عند اإلحراـ‪.‬‬
‫‪)2‬المرجع المذكور (جػ ‪ - 2‬ص ‪ - 33‬ص ‪)34‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪".‬‬
‫فإذا كانت السيدة فاطمة بنت رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬والسيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي‬
‫اهلل عنهما لم تمنع إحداىما مكانتها من أبيها‪ ،‬وال شرفها في قومها أف تقوـ بخدمة زوجها خدمة شاملة (وإف‬
‫صح‬
‫<‪>58‬‬
‫التعبير‪ :‬خدمة شاقة لقلة اإلمكانات المتاحة) أفال يحمل ذلك المسلمة اليوـ ‪ -‬وقد توفرت لديها كل‬
‫األسباب الميسرة‪ ،‬فلم تعد في حاجة إلى أف تعجن أو تعلف فرساً أو تدير رحى بيدىا ‪ -‬أفال يحملها ذلك‬
‫على أف تقر عين زوجها بخدمتها لو في بيتو‪ ،‬إذا كانت بالفعل تبغي مرضات ربها من خالؿ رضا زوجها عنها؟‬
‫(ج) حرص الزوجة على إدخالها السرور على زوجها‪ ،‬وبعدىا عن المنغصات‪:‬‬
‫من المفترض في الحياة الزوجية أف يسعى كل طرؼ إلدخاؿ السرور على اآلخر‪ ،‬وجلب السعادة لو‪ .‬وعلى‬
‫الزوجة المسلمة أف تنظ ر بعين الحكمة إلى ما يجلب السرور لزوجها فتسعى إلى القياـ بو والحرص عليو‪ ،‬وإف‬
‫أدى ذلك إلى تضحيتها بما تحبو في سبيل مرضاة زوجها‪ ،‬ولننظر معا في ىذه األمثلة‪:‬‬
‫‪ -3‬أـ المؤمنين خديجة رضي اهلل عنها حين رأت حب رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم لموالىا زيد بن حارثة‬
‫وىبتو لو في الحاؿ دوف تردد‪ ،‬كما قامت بكفالة ابن عمو على بن أبي طالب حين وجدت رغبة من رسوؿ اهلل‬
‫صلى اهلل عليو وسلم في أف يخفف عن عمو أعباء المعيشة بكفالة بعض أبنائو‪ ،‬فإذا بقلب وبيت السيدة‬
‫خديجة يتسع لسيدنا على بن أبي طالب كأحد أبنائها أو يزيد‪-‬‬
‫وما حملها على مثل ىذا التصرؼ إال إدخاؿ السرور على حبيبها‬
‫<‪>59‬‬
‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬حين اشتد برسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم المرض؟ كانت إحدى زوجاتو وىي السيدة صفية بنت حيي‬
‫رضي اهلل عنها تأسى لمرضو‪ ،‬وتفتديو بروحها وحياتها وتقوؿ لو‪( :‬وددت أف الذي بك بي)‪.‬‬
‫‪ -3‬أخرج مسلم في صحيحو عن السيدة أسماء رضي اهلل عنها قالت ‪( -‬جاء لي رجل فقاؿ‪ :‬يا أـ عبد اهلل‪،‬‬
‫إني رجل فقير‪ ،‬أردت أف أبيع في ظل دارؾ‪ .‬قالت‪ :‬إني إف رخصت لك أبى ذاؾ الزبير‪ ،‬فتعاؿ فاطلب إلي‬

‫‪)1‬أخرجو مسلم واللفظ لو (جػ ‪ - 4‬ص ‪ )3736‬كتاب السالـ‪ -‬باب جواز إرداؼ المرأة األجنبية إذا أعيت في الطريق‪،‬‬
‫وأخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص ‪ )364‬كتاب النكاح‪ -‬باب الغيرة‪.‬‬
‫والزبير شاىد‪ .‬فجاء فقاؿ‪ :‬يا أـ عبد اهلل‪ ،‬إني رجل فقير أردت أف أبيع في ظل دارؾ‪.‬‬
‫قالت‪ :‬مالك بالمدينة إال ظل داري؟ فقاؿ لها الزبير‪ :‬مالك أف تمنعي رجالً فقيرا يبيع‪ ،‬فكاف يبيع إلى أف‬
‫(‪)1‬‬
‫كسب ‪". . . .‬‬
‫فهذا موقف يعبر عن تقدير السيدة أسماء لزوجها الزبير بن العواـ رضي اهلل عنهما‪ ،‬وىو يدؿ على سعيها إلى‬
‫مرضاتو ‪،‬وعدـ اتخاذ مواقف من شأنها أف تحدث صداما بينو وبينها‪.‬‬
‫فإذا حدث للزوج ما يكدر صفوه‪ ،‬أو يعكر عليو حرصت الزوجة الصالحة على التلطف في ىذا الموقف حتى‬
‫تمر األزمة بسالـ‪ ،‬ولننظر معا في ىذا الموقف‪:‬‬
‫<‪>64‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي اهلل عنو قاؿ‪ :‬مات ابن ألبي طلحة من أـ سليم‪ ،‬فقالت ألىلها‪ :‬ال تحدثوا أبا طلحة‬
‫بابنو حتى أكوف أنا أحدثو‪ .‬قاؿ‪ :‬فجاء فقربت لو عشاء‪ ،‬فأكل وشرب‪ .‬فقاؿ‪ :‬ثم تصنعت لو أحسن ما كانت‬
‫تصنع قبل ذلك‪ ،‬فوقع بها‪ .‬فلما رأت أنو قد شبع وأصاب منها قالت‪ :‬يا أبا طلحة أرأيت لو أف قوما أعاروا‬
‫عاريتهم أىل بيت فطلبوا عاريتهم‪ ،‬اللهم أف يمنعوىم؟ قاؿ‪ :‬ال‪ .‬قالت‪ :‬فاحتسب ابنك‪ .‬فانطلق حتى أتى‬
‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم فأخبره بما كاف‪ ،‬فقاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪( :‬بارؾ اهلل لكما في‬
‫غابر ليلتكما)(‪.)2‬‬
‫وقد استجاب اهلل دعاء نبػيو‪ ،‬فولدت أـ سليم من حملها في تلك الليلة ولدا سماه النبي صلى اهلل عليو وسلم‬
‫عبد اهلل‪ ،‬فكاف من ذرية عبد اهلل ىذا تسعة كلهم يحملوف العلم والقرآف‪.‬‬
‫فلتأخذ الزوجة الصالحة من ىذه المواقف زادا يجعلها تستجلب السعادة والسرور لزوجها وأوالدىا‪ ،‬وأف تكوف‬
‫حكيمة في معالجة األمور التي من شأنها أف تدخل الحزف على أىل البيت‪ ،‬وليس من المعقوؿ أو المنطقي‬
‫أف تتحوؿ الزوجة إلى أف تكوف ىي المشكلة في حياة زوجها‪ ،‬فتثير المشكالت ألتفو األسباب‪ ،‬وتحوؿ بيتها‬
‫وحياتها إلى جحيم ال يطاؽ‪ ،‬ولن يكوف نصيبها ٍ‬
‫وقتئذ إال الدعاء عليها‪ .‬فعن معاذ‬
‫<‪>63‬‬
‫ابن جبل رضي اهلل عنو قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم "ال تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إال قالت‬
‫(‪)3‬‬
‫زوجتو من الحور العين‪ :‬ال تؤذيو ‪ -‬قاتلك اهلل ‪ -‬فإنما ىو عندؾ دخيل‪ ،‬يوشك أف يفارقك إلينا"‪4‬‬

‫‪)1‬أخرجو مسلم (جػ‪ - 4‬ص ‪ )3737‬كتاب السالـ ‪ -‬باب جوار إرداؼ المرأة األجنبية إذا أعيت في الطريق‪.‬‬
‫‪)2‬أخرجو مسلم (جػ‪ - 8‬ص ‪ ،3949‬كتاب فضائل الصحابة ‪ -‬باب من فضائل أبي طلحة األنصاري رضي اهلل تعالى عنو‪.‬‬
‫‪)3‬أخرجو الترمذي‪ ،‬وحسنو (جػ‪ - 3‬ص ‪ )468‬كتاب الرضاع‪ -‬باب رقم (‪ ،)39‬وأخرجو ابن ماجو (جػ‪ - 3‬ص ‪)649‬‬
‫(د) وقوؼ الزوجة وراء زوجها من أجل نصرة الحق‪ ،‬وعلو راية اإلسالـ‪-:‬‬
‫إف العمل للسالـ ىي رسالة كل مسلم في ىذه الحياة ‪ -‬رجالً كاف أو امرأة ‪ -‬وبقياـ كل منهما بهذه المهمة‬
‫يتحقق العز‪ ،‬وتتحصل السعادة في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وصدؽ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اهلل عنو حين‬
‫(‪)1‬‬
‫قاؿ‪" :‬إنا كنا أذؿ قوـ‪ ،‬فأعزنا اهلل باإلسالـ‪ ،‬فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا اهلل بو أذلنا اهلل"‪4‬‬
‫والمتتبع لتاريخ نشر اإلسالـ يجد أف الصحابيات‪ -‬رضواف اهلل عليهن ‪ -‬وقفن خلقو الرجاؿ‪ ،‬يشددف من‬
‫أزرىم‪ ،‬ويقوين من عزمهم‪ ،‬حتى عم نور اهلل على العالمين‪.‬‬
‫وقد مر بنا حديث السي دة أسماء بنت يزيد في حديثها عن رعاية النساء في ىذا العصر ألبناء المجاىدين‪،‬‬
‫وقيامهن على شئونهم‪ ،‬وقوؿ النبي صلى اهلل عليو وسلم لها‪( :‬إف حسن تبعل إحداكن لزوجها‪ ،‬وطلبها‬
‫لمرضاتو‪ ،‬واتباعها لموافقتو يعدؿ كل ما ذكرت للرجاؿ "‪.‬‬
‫<‪>62‬‬
‫وىذا موقف عاـ تشترؾ فيو كل الصحابيات دونما استثناء‪.‬‬
‫لكن الذي نود تأكيده ىنا ىو دور آخر ‪ -‬فوؽ ما ذكر ‪ -‬يتمثل في مساعدة الزوجة لزوجها في العمل على‬
‫نصرة الحق‪ ،‬وعلو راية اإلسالـ‪ ،‬وذلك من خالؿ النماذج التالية من حياة الصحابيات‪:‬‬
‫‪ -3‬من أروع النماذج في ىذا المجاؿ أـ المؤمنين خديجة رضي اهلل عنها‪ ،‬والتي كانت مالذا آمنا لرسوؿ اهلل‬
‫صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬قامت قبل الدعوة وتبليغ الوحي بمساعدة النبي صلى اهلل عليو وسلم على التعبد بغار‬
‫ك‪ ،‬وجاء يرجف فؤاده قائالً لها‪ :‬لقد خشيت على‬
‫الملَ ُ‬
‫حراء بما كانت تزوده بو مما يحتاج إليو‪ ،‬وحين جاءه َ‬
‫نفسي‪ ،‬قالت لو كلمتها المشهورة‪ :‬كال‪ ،‬واهلل ال يخزيك اهلل أبداً‪ ،‬إنك لتصل الرحم‪ ،‬وتحمل الكل‪ ،‬وتكسب‬
‫المعدوـ‪ ،‬وتقرى الضيف‪ ،‬وتعين على نوائب الحق‪ .‬وأخذت بيده ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬إلى ابن عمها ورقة بن‬
‫نوفل‪ ،‬وحكى لو ما حدث‪ ،‬فبشره بأف ىذا ىو الناموس (الوحي) الذي كاف يأتي إلى موسى‪ ،‬وبشره بأنو‬
‫سيكوف نبي ىذه األمة‪ ،‬وبادرت السيدة خديجة رضي اهلل عنها قبل غيرىا باإليماف بو‪ ،‬فكانت أوؿ من آمن‬
‫من الرجاؿ والنساء على السواء‪ .‬وبذلت السيدة خديجة من مالها ونفسها في صالح الدعوة الكثير والكثير‪،‬‬
‫بست مع زوجها رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم في شعب أبي طالب ثالث‬ ‫وتحملت األذى في سبيلها‪ ،‬فح ِ‬
‫ُ‬
‫سنوات كاملة حتى أكلوا أوراؽ الشجر من الجوع والجهد‪ ،‬وظلت تنافح عن رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‬
‫وتشد من أزره‪ ،‬فكانت نعم المعين والسند‪.‬‬

‫كتاب النكاح ‪ -‬باب في المرأة تؤذى زوجها‪.‬‬


‫‪1‬أخرجو الحاكم في المستدرؾ (جػ‪ - 3‬ص ‪ )334‬حديث رقم (‪.)247‬‬
‫<‪>63‬‬
‫قاؿ ابن إسحاؽ‪ -:‬وآمنت بو خديجة بنت خويلد‪ ،‬وصدقت بما جاءه من اهلل‪ ،‬ووازرتو على أمره"‪ :‬كانت أوؿ‬
‫من آمن باهلل سبحانو وبرسولو‪ ،‬وصدؽ بما جاء منو‪ ،‬فخفف اهلل بذلك عن نبيو صلى اهلل عليو وسلم ‪ ،‬ال‬
‫يسمع شيئا مما يكرىو من رد عليو وتكذيب لو‪ ،‬فيحزنو ذلك‪ ،‬إال فرج اهلل عنو بها إذا رجع إليها‪ ،‬تثبتو‬
‫وتخفف عليو‪ ،‬وتصدقو وتهوف عليو أمر الناس "(‪ )1‬وشاء اهلل تعالى أف ترحل السيدة خديجة رضي اهلل عنها من‬
‫الدنيا بعد خروج المسلمين من الحصار بثالثة أياـ فقط‪ ،‬فحزف النبي صلى اهلل عليو وسلم لفراقها أشد‬
‫الحزف‪ ،‬وسمى العاـ الذي توفيت فيو مع عمو أبي طالب بعاـ الحزف‪ ،‬حيث كاف عمو سنداً لو في الخارج‪،‬‬
‫والسيدة خديجة سنده في الداخل‪ ،‬فما إف ماتا حتى ناؿ المشركوف منو ما لم يكن بإمكانهم فعلو من قبل‪.‬‬
‫فما أجمل أف تترسم كل أخت مسلمة خطى ىذه السيدة الفاضلة التي طوقت أعناؽ الرجاؿ والنساء‬
‫بمعروفها‪ ،‬حين بذلت النفس والنفيس في سبيل دعوة الحق‪ ،‬وقدمت كل شيء لنصرة دين اهلل تعالى‪،‬‬
‫فاستحقت الثناء الجميل من اهلل تعالى‪ ،‬والذكر الطيب على ألسنة الناس حتى يرث اهلل األرض ومن عليها‪،‬‬
‫ِ‬
‫وصدؽ ربنا عز وجل‪( :‬إِنا ال نُض ُ‬
‫(‪) 2‬‬
‫َح َس َن َع َمالً)‬
‫َج َر َم ْن أ ْ‬
‫يع أ ْ‬
‫<‪>64‬‬
‫‪ -2‬ولئن كانت السيدة خديجة رضي اهلل عنها قد أسهمت في نصرة الدعوة عند ظهورىا‪ ،‬فإف النموذج الثاني‬
‫في نصرة اإلسالـ ‪ -‬حين أينعت ثماره ‪ -‬ىي أـ المؤمنين السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق رضي اهلل‬
‫عنها‪ ،‬وذلك من خالؿ تبليغها للسالـ‪ ،‬ونقلها ألحاديث النبي المصطفي سيد األناـ‪ .‬وقد حوت كتب السنة‬
‫الكثير والكثير م ن األحاديث المسندة إلى أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬كما حفلت كتب السير بالكثير‬
‫مما اختص بو النبي صلى اهلل عليو وسلم مما نقل إلينا عن طريقها أيضا‪ ،‬فأسهمت بذلك ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪-‬‬
‫في إقامة الدعائم لهذا الدين‪ ،‬حتى وصلت أنواره إلى العالمين‪.‬‬
‫‪ -3‬ومما يندرج في ىذا السياؽ أيضا ما تعمل فيو الزوجة المسلمة فكرىا مع زوجها لصالح الدعوة والتشاور‬
‫معا للوصوؿ إلى أفضل النتائج في ىذا المضمار‪.‬‬
‫ويدؿ على ذلك ما أشارت بو السيدة أـ سلموّ رضي اهلل عنها في صلح الحديبية‪ ،‬حين وق َع المسلموف الصلح‬
‫بينهم وبين الكفار‪ ،‬ودعا النبي أصحابو إلى نحر ىديهم وحلق رءوسهم‪ ،‬فلم يلتفت إلى ىذا األمر أحد‪،‬‬
‫ودخل رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم على السيدة أـ سلمة حزينا‪ ،‬يقوؿ لها‪ :‬ىلك الناس‪ ،‬لقد أمرتهم بأمر‬

‫‪)1‬سيرة ابن ىشاـ (جػ‪ - 3‬ص‪ -)254‬بتحقيق محمد فهمي السرجاني ‪ -‬المكتبة التوفيقية‪.‬‬
‫‪)2‬سورة الكهف‪ -‬اآلية (‪.)34‬‬
‫فلم يأتمروا‪ .‬فأشارت عليو ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬بأف يخرج إلى الناس‪ ،‬ويقوـ أمامهم بحلق شعره ونحر ىديو‪،‬‬
‫وال يتكلم أمامهم بشيء‪ .‬وأخذ النبي صلى اهلل عليو وسلم بمشورتها‪4‬‬
‫<‪>65‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فبادر الناس إلى الحلق والذبح حين رأوا رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم فعل ذلك‪4‬‬
‫وىكذا بمشاركة ىذه الزوجة الصالحة ومشورتها أقاؿ اهلل المسلمين من عثرتهم‪ ،‬وفرج عنهم كربتهم‪.‬‬
‫وىكذا ينبغي أف تكوف الزوجة المسلمة عونا لزوجها على الخير‪ ،‬وسندا لو على تحمل مسئولياتو في الدعوة‬
‫إلى اهلل تبارؾ وتعالى‪ ،‬وذلك حتى تشاركو في األجر‪ ،‬فإف من جهز غازيا فقد غزا‪ ،‬كما علمتنا ذلك السنة‬
‫النبوية‪ ،‬ولن يجد الرجل من يعينو على أداء مهماتو الدعوية أفضل من زوجتو التي ىي أقرب الناس إليو‪ ،‬وألصق‬
‫الناس بو‪.‬‬
‫ىذا وال تزاؿ ىناؾ بعض الجوانب المهمة التي تتعلق بالزوجة مع زوجها‪ ،‬ونشير إليها ىنا بإجماؿ مع تأييدىا‬
‫ببعض النماذج من حياة الصحابيات‪.‬‬
‫(أ) فمن ذلك أف الزوجة ال تأذف ألحد بالدخوؿ لبيت زوجها إال بإذنو‪ ،‬ومما يروى في ذلك أنو لما مرضت‬
‫السيدة فاطمة الزىراء رضي اهلل عنها أتى سيدنا أبو بكر رضي اهلل عنو يستأذف عليها‪ ،‬فقاؿ علي رضي اهلل‬
‫عنو‪ :‬يا فاطمة‪ ،‬ىذا أبو بكر يستأذف عليك‪ ،‬فقالت‪ :‬أتحب‬
‫<‪>66‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫أف آذف لو؟ قاؿ‪ :‬نعم‪ ،‬قاؿ‪ :‬فأذنت لو ‪). . . . .‬‬
‫(ب) ومن الواجب على الزوجة المسلمة أف تصوف عرضها‪ ،‬وتحفظ زوجها في غيبتو‪ ،‬وأف تقدر غيرتو عليها‪،‬‬
‫فال تتعرض للرجاؿ بما يخدش حياءىا‪ ،‬أو ينغص على زوجها‪.‬‬
‫ومما يروى في ىذا أف السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي اهلل عنها كانت تحمل النوى على رأسها‪ ،‬فلقيها‬
‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ومعو أصحابو‪ ،‬فهم أف ينيخ ناقتو لتركب خلفو‪ .‬قالت ‪ -‬رضي اهلل عنها‪:-‬‬
‫فاستحييت أف أسير مع الرجاؿ‪ ،‬وذكرت الزبير وغيرتو‪ ،‬وكاف أغير الناس‪ ،‬فعرؼ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو‬
‫وسلم أني قد استحييت(‪ 4)3‬ونكتفي بهذا القدر من الحديث عن المرأة مع زوجها‪ ،‬وننتقل إلى المبحث التالي‬

‫‪)1‬الحديث بطولو في صلح الحديبية أخرجو األماـ البخاري (جػ‪ - 2‬ص‪ 339‬وما بعدىا) كتاب الشروط ‪ -‬باب الشروط في‬
‫الجهاد‪ ،‬والمصالحة مع أىل الحرب وكتابة الشروط‪.‬‬
‫‪)2‬رواه البيهقي في السنن الكبرى (جػ‪ - 6‬ص ‪ )343‬حديث رقم ‪.32535‬‬
‫‪)3‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص‪ ،264‬كتاب النكاح‪ -‬باب الغيرة وأخرجو مسلم بنحوه (جػ‪ - 4‬ص‪ )3736‬كتاب السالـ ‪-‬‬
‫عن المرأة مع أوالدىا‪.‬‬
‫واهلل تعالى ولي التوفيق‬
‫<‪>67‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫مع األوالد‬
‫(‪ )3‬تعد مرحلة الطفولة من أىم مراحل العمر في حياة اإلنساف‪ ،‬ولهذا كانت ىذه المرحلة في عالم اإلنساف‬
‫طويلة بالنسبة لسائر المخلوقات‪ ،‬وذلك لعدة أسباب‪:‬‬
‫أ‪ -‬أنها المرحلة التي يسهل فيها التوجيو والتربية‪ ،‬وصدؽ من قاؿ‪:‬‬
‫ب‬ ‫ين إِذَا قَػوْمتَػ َها الْ ُخ ُ‬ ‫ِ‬ ‫إِف الغُصو َف إِذا َميػ ْلتَهاَ ا ْعتَ َدلَ ْ‬
‫ش ُ‬ ‫َوَال تَل ُ‬ ‫ت‬
‫ب‪ -‬أف ما يتعلمو اإلنساف في صغره‪ ،‬وما يتلقاه من توجيو وتهذيب خاللو يحدد شخصيتو في مستقبلو‪ ،‬فإف‬
‫من شب على شيء شاب عليو‪.‬‬
‫ج‪ -‬أف أثر التوجيو والتربية إلنساف في صغره يمتد معو طيلة حياتو‪ ،‬فغالبا ما يكوف المرء في مستقبلو على‬
‫نحو ما كاف في ماضيو‪ ،‬فإذا تعرض لهزة ما من الهزات‪ ،‬فسرعاف ما يعود إلى أصولو‪ ،‬وينتمي إلى جذوره‪.‬‬
‫وقد شبو بعض العلماء مراحل اإلنساف العمرية بالشجرة‪ ،‬لها جذور وفروع وأغصاف‪ ،‬فإذا تعرضت للذبوؿ‬
‫بسبب نقص الماء مثالً‪ ،‬فإف األغصاف والفروع تذبل قبل الجذور‪ ،‬وإذا أدركناىا بالماء عادت إلى‬
‫<‪>68‬‬
‫االنتعاش‪ ،‬وسرت الحياة من جديد في كل أجزاء الشجرة‪.‬‬
‫إذا علمنا ذلك أدركنا أىمية مرحلة الطفولة‪ ،‬وضرورة االعتناء بها‪ ،‬حتى يشب األبناء في مستقبلهم رجاال‬
‫يمألوف سمع الدنيا وبصرىا‪.‬‬
‫(‪ )2‬ولألـ في ىذا المجاؿ دور مهم ورئيس‪ ،‬باعتبار أف معظم ما يقضيو الطفل في مراحلو األولى يكوف بين‬
‫يدي أمو‪ ،‬فهو يتربى على يديها أكثر مما يتربى على يدي والده‪ ،‬ولهذا قالوا‪:‬‬
‫ت َش ْعباً طَيب اْألَ ْعر ِ‬
‫اؽ‬ ‫أَ ْع َد ْد َ‬ ‫األُـ َم ْد َر َسةٌ إِذاَ أَ ْع َد ْدتَػ َها‬
‫َ َ‬

‫واعترافا بفضل األـ ودورىا المهم في ىذا المجاؿ يقوؿ سيدنا معاوية رضي اهلل عنو ‪ -‬وىو أحد دىاة العرب‬

‫باب جواز إرداؼ المرأة األجنبية إذا أعيت في الطريق‪.‬‬


‫وساستها‪( -‬أنا الذي ربتني ىند)‪ ،‬ويعني بذلك أمو‪ ،‬وىو في ىذا ال ينكر دور األب‪ ،‬ولكنو يشير إلى أف‬
‫جذور التربية قد بدأت مع أمو في بيتها‪ ،‬فأعاد األمور إلى أصولها‪.‬‬
‫وقد أشار إلى ىذا المعنى كذلك الحاكم الفرنسي المشهور نابليوف فقاؿ‪" :‬إنني مدين ألمي بكل ما حزتو من‬
‫(‪)1‬‬
‫الفخار‪ ،‬وما فزت بو من العظمة‪ ،‬ألف نجاحي كاف ثمرة مبادئها القويمة‪ ،‬وآدابها السامية"‪4‬‬
‫(‪ )3‬ومن خالؿ ما عرضناه يتضح لنا دور األـ في تربية وإعداد‬
‫<‪>69‬‬
‫أوالدىا‪ ،‬وحمايتهم أماـ كيد األعداء والمتربصين بهم من دعاة الشر ورفقاء السوء من شياطين اإلنس والجن‪،‬‬
‫فهي تقف على ثغرة من ثغور اإلسالـ‪ ،‬وكلما حاوؿ أعداء اإلسالـ المساس بفلذات أكبادىا وثمرات فؤادىا‬
‫لم يظفروا بمرادىم‪ ،‬ألف أمهم ربتهم على مكارـ األخالؽ‪ ،‬وأخذت بأيديهم إلي معالي األمور‪.‬‬
‫والمرأة المسلمة في ىذا المقاـ ىمتها عالية‪ ،‬وتنظر إلى طفلها تستشرؼ فيو المستقبل‪ ،‬فلعل طفلها ىذا‬
‫يكوف مركب اإلنقاذ ألمة طاؿ تعثرى ا أو يكوف عالما يبدد ظلمات الجهل التي أحاطت بها‪ ،‬أو يكوف داعية‬
‫ىدى لمن ضلوا عن الطريق‪ ،‬ولذلك تبذؿ قصارى جهدىا في تربية أبنائها‪ ،‬فتقدـ أعظم خدمة ألمتها‪.‬‬
‫(‪ )4‬وقد ضربت الصحابيات أعظم المثل في عنايتهن بأبنائهن‪ ،‬وفيما يلي نتعرؼ على جوانب ىذه العناية مع‬
‫تدعيمها باألمثلة من حياتهن‪.‬‬
‫(أ) حرص الصحابيات على أف يبلغ أبناؤىن مبلغ الرجاؿ‪ ،‬وتضحياتهن في سبيل ذلك بكل شيء‪-:‬‬
‫أورد ابن سعد في الطبقات عن أـ سليم رضي اهلل عنها قالت‪ :‬آمنت برسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم فجاء‬
‫صبوت‪ ،‬ولكني آمنت‪ .‬وجعلت تلقن أنسا‪ :‬قل‪ :‬ال إلو‬
‫ُ‬ ‫أبو أنس ‪ -‬وكاف غائبا ‪ -‬فقاؿ‪ :‬أصبوت ؟ فقالت‪ :‬ما‬
‫إال اهلل‪ .‬قل‪ :‬أشهد أف محمداً رسوؿ اهلل ‪ ..‬ففعل‪ ،‬فقاؿ لها أبوه‪ :‬ال‬
‫<‪>74‬‬
‫تفسدي على ابني‪ .‬فتقوؿ‪ :‬إني ال أفسده‪ .‬فخرج أبو أنس فلقيو عدو لو فقتلو‪ .‬فقالت‪ :‬ال جرـ‪ ،‬ال أفطم أنسا‬
‫حتى يدع الثدي‪ ،‬وال أتزوج حتى يأمرني أنس‪.‬‬
‫وىذه المرأة الصالحة نفسها ىي التي أخذت ولدىا أنسا إلى النبي صلى اهلل عليو وسلم وىو ابن عشر سنين‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬يا رسوؿ اهلل إنو لم يبق رجل وال امرأة من األنصار إال قد أتحفك بتحفة‪ ،‬وإني ال أقدر على ما أتحفك‬
‫(‪)2‬‬
‫بو إال ابني ىذا‪ ،‬فخذه فيخدمك ما بدا لك‪.‬‬

‫‪)1‬ما قل ودؿ (ص ‪ - )33‬قاسم عاشور ‪ -‬طبعة أولى سنة ‪ 2442‬دار ابن حزـ – ببيروت‪4‬‬
‫‪)2‬ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (جػ‪ - 3‬ص ‪.)273‬‬
‫وقالت يوما لرسوؿ اهلل ‪ :‬يا رسوؿ اهلل‪ :‬أنس خادمك‪ ،‬ادع اهلل لو‪ ،‬فقاؿ؟ اللهم أكثر مالو وولده وبارؾ لو فيما‬
‫(‪)1‬‬
‫أعطيتو‪.‬‬
‫لقد أحسنت ىذه الصحابية صنعا مع ولدىا منذ نعومة أظفاره‪ ،‬فحرصت على أف تلقنو الشهادة مع أوؿ عهده‬
‫بالنطق‪ ،‬ثم حرصت على أف يبلغ مبلغ الرجاؿ‪ ،‬ويقوـ بتزويج أمو بعد إذنو‪ ،‬وىو ما فعلو أنس حين زوج أمو‬
‫ألبي طلحة بعد أف أسلم‪ ،‬ثم أضافت ىذه المرأة بعدا آخر في تربيتها البنها وىو حرصها على اختيار الصحبة‬
‫الصالحة لو‪ ،‬فوىبتو لرسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ليخدمو‪ ،‬ويرتشف من معين األدب‬
‫<‪>73‬‬
‫النبوي بمالزمتو لو‪ ،‬وخدمتو إياه‪ ،‬ثم أضافت ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬بعدا آخر في حرصها على تنشئة ولدىا‬
‫نشأة صالحة‪ ،‬وذلك بطلبها الدعاء لو من رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪.‬‬
‫وبهذا فتحت ىذه الصحابية لولدىا جميع أبواب الخير‪ ،‬ال بالكالـ وإنما بالفعاؿ‪ ،‬وقد انعكس ذلك كلو‬
‫بالخير على ىذا الصحابي الجليل‪ ،‬فروى من األحاديث الكثير‪ ،‬وامتد بو العمر ‪ -‬استجابة لدعوة الرسوؿ‬
‫صلى اهلل عليو وسلم ينشر الخير ىو وذريتو التي جاوزت المائة‪ ،‬وىو فضل يذكر فيشكر لهذه األـ‪ ،‬التي نرجو‬
‫من كل امرأة مسلمة أف تقفو أثرىا‪ ،‬وتحذو حذوىا في عنايتها بأبنائها‪ ،‬وحسن تربيتها لهم‪.‬‬
‫(ب) حرص الصحابيات على تربية أبنائهن على حب اإلسالـ والدفاع عنو واالتصاؼ بالشجاعة في مواجهة‬
‫الخصوـ‪:‬‬
‫إف مواقف الشجاعة والبطولة في الدفاع عن اإلسالـ والذود عن حياضو كثيرة جدا‪ ،‬وقد قامت الصحابيات‬
‫في كثير من ىذه المواقف بدور فعاؿ في دفع أبنائهن دفعا إلى نصرة اإلسالـ‪ ،‬وأصيب منهم ‪ -‬في سبيل‬
‫ذلك ‪ -‬من أصيب‪ ،‬وقتل منهم من قتل‪ ،‬دوف أف يتسلل إلى نفوسهن اليأس‪ ،‬أو يبتلين بالعجز‪ ،‬والمواقف‬
‫شاىدة على ذلك‪ ،‬ونختار منها ما يلي‪:‬‬
‫(‪ )3‬من ىؤالء الصحابيات خنساء بنت عمرو بن الحارث‪ ،‬المشهورة بالخنساء‪ ،‬والتي شهدت حرب القادسية‬
‫بقيادة سعد بن أبى‬
‫<‪>72‬‬
‫وقاص ومعها أبناؤىا األربعة الذين بقوا لها من الدنيا‪ ،‬بعد أف امتد بها العمر‪ ،‬وطاؿ بها السن‪.‬‬
‫ويحفظ التاريخ ما قالتو الخنساء ألبنائها قبل المعركة‪ ،‬ويقف إجالال وإكبارا لتلك المرأة العظيمة التي ربت‬

‫‪)1‬أخرجو البخارى (جػ‪ - 4‬ص ‪ )334‬كتاب الدعوات‪ -‬باب الدعاء بكثرة الماؿ مع البركة‪ ،‬وأخرجو مسلم (جػ‪- 4‬‬
‫ص‪ )3928‬كتاب فضائل الصحابة ‪ -‬باب من فضائل أنس بن مالك رضي اهلل عنو‪.‬‬
‫أوالدىا على العزة والكرامة‪ :‬يا بني أسلمتم طائعين‪ ،‬وىاجرتم مختارين‪ ،‬وواهلل الذي ال إلو إال ىو إنكم بنو‬
‫امرأة واحدة‪ ،‬ما خنت أباكم‪ ،‬وال فضحت خالكم‪ ،‬وال ىجنت حسبكم‪ ،‬وال غيرت نسبكم‪ ،‬وقد تعلموف ما‬
‫أعد اهلل للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين‪ ،‬واعلموا أف الدار الباقية خير من الدار الفانية‪،‬‬
‫اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا اهلل لعلكم تفلحوف‪ ،‬فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها فيمموا وطيسها‪،‬‬
‫وجالدوا رئيسها‪ ،‬تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة‪.‬‬
‫وانطلق األبناء األربعة على ىدى ىذه الكلمات النيرات التي سمعوىا من أمهم‪ ،‬وأبلوا في المعركة بالء حسنا‪،‬‬
‫حتى استشهدوا واحدا وراء اآلَخر‪.‬‬
‫وحين علمت السيدة الجليلة باستشهاد أبنائها األربعة لم تجزع ولم تلن‪ ،‬وإنما قالت كلمات ال تزاؿ تتردد في‬
‫مسامع الدنيا إلى يومنا ىذا‪ ،‬وىي‪" :‬الحمد هلل الذي شرفني بقتلهم‪ ،‬وأرجو من ربي أف يجمعني بهم في مستقر‬
‫(‪)1‬‬
‫رحمتو"‬
‫<‪>73‬‬
‫(‪ ) 2‬والموقف الثاني للسيدة أسماء بنت أبي بكر رضي اهلل عنهما مع ولدىا عبد اهلل بن الزبير حين حاقت بو‬
‫المكاره‪ ،‬وحوصر بواسطة الحجاج بن يوسف داخل مكة‪ ،‬وتفرؽ عنو أكثر من كاف معو ‪ -‬وقد كاف بويع قبل‬
‫ذلك بالخالفة وظل ينادى بأمير المؤمنين فترة من الزمن في كثير من البلداف اإلسالمية‪ -‬وحين رأى عبد اهلل‬
‫ى وأىلي‪ ،‬فلم يبق معي إال‬
‫بن الزبير ىذا الذي حدث دخل على أمو وقاؿ لها‪ .‬يا أماه خذلني الناس حتى ولد ّ‬
‫اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة‪ ،‬والقوـ يعطونني ما أردت من الدنيا‪ ،‬فما ترين؟‬
‫قالت لو األـ الصبورة ذات القلب الكبير‪ .‬أنت ‪ -‬واهلل ‪ -‬يا بنى أعلم بنفسك‪ ،‬إف كنت تعلم أنك على حق‬
‫وإليو تدعو فامض لو‪ ،‬فقد قتل عليو أصحابك‪ ،‬وال تمكن من رقبتك غلماف بنى أمية يلعبوف بها‪ ،‬وإف كنت‬
‫إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت‪ ،‬أىلكت نفسك وأىلكت من قتل معك‪ ،‬وإف قلت‪ :‬كنت على حق‪ ،‬فلما‬
‫وىن أصحابي ضعفت‪ ،‬فهذا ليس فعل األحرار وال أىل الدين‪ ،‬وكم خلودؾ في الدنيا؟ القتل أحسن‪.‬‬
‫وجعلت تذكره بأبيو الزبير‪ ،‬وجده أبى بكر الصديق‪ ،‬وجدتو صفية بنت عبد المطلب‪ ،‬وخالتو عائشة زوج رسوؿ‬
‫اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬وترجيو القدوـ عليهم إذا ىو قتل شهيداً فسرت ىذه الكلمات في نفس ولدىا‬
‫كالماء السلسبيل يتخلل جميع أجزاء النبات‪ ،‬فقاـ وقبل رأسها‪ ،‬واستودعا‬
‫<‪>74‬‬

‫‪)1‬أنظر (اإلصابة في تمييز الصحابة) (جػ‪ - 7‬ص ‪ )636‬واالستيعاب (جػ‪ - 4‬ص ‪ ،3829‬ص ‪4 )3337‬‬
‫اهلل سبحانو وتعالى‪ ،‬وقاؿ لها ‪ -‬ليزداد يقينو من صبرىا وثباتها ‪ :-‬أخاؼ أف يمثلوا بجثتي بعد موتى؟ فنطق‬
‫لسانها بكلمة صارت مثالً يضرب في مواطن الشجاعة والثبات‪ ،‬وقالت‪ :‬يا بني‪ ،‬إف الشاة ال يضرىا سلخها‬
‫(‪) 1‬‬
‫بعد ذبحها‪4‬‬
‫وىكذا نتعلم من ىذا الموقف والذي قبلو أف األخت المسلمة تقتفى أثر ىؤالء الصحابيات في تربية أبنائهن‬
‫على حياة الجد والتضحية ألجل اإلسالـ‪ ،‬وأنو ال مكاف ‪ -‬في ىذا المجاؿ ‪ -‬للميوعة والدعة التي ال تثمر‬
‫سوى أجياؿ ىشة‪ ،‬ال تقوى على الثبات‪ ،‬فضال عن التضحية‪.‬‬
‫(ج) رعاية الصحابيات للعدؿ بين أوالدىن حتى تكوف األلفة والمحبة سائدة بينهم‪:‬‬
‫أخرج أبو نعيم عن الشعبي قاؿ‪ :‬تزوج سيدنا على أسماء بنت عميس بعد أبي بكر ‪ -‬رضي اهلل عنهم جميعا‬
‫‪ -‬فتفاخر ابناىا محمد بن أبي بكر وعبد اهلل بن جعفر‪ ،‬فقاؿ كل واحد منهما‪ :‬أنا خير منك‪ ،‬وأبي خير من‬
‫أبيك‪ .‬فقاؿ على ألسماء‪ :‬اقضي يبنهما‪ .‬فقالت البن جعفر‪ :‬أما أنت يا بني فما رأيت شابا من العرب كاف‬
‫خيرا من أبيك‪ ،‬وأما أنت يا بني ‪ -‬تعنى محمد بن أبي بكر ‪ -‬فما رأيت كهال من العرب خيرا من أبيك‪.‬‬
‫<‪>75‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فقاؿ لها‪ :‬ما تركت لنا شيئا‪ ،‬ولو قلت غير ىذا لمقتك‪.‬‬
‫وىنا تعطينا تلك الصحابية الجليلة رضي اهلل عنها نموذجا في الحكمة عند التعامل مع األوالد‪ ،‬بحيث ال‬
‫يشعر أحدىم بتفضيل والديو لغيره عليو‪ ،‬فإف ذلك من شأنو ‪ -‬إذا روعى ‪ -‬أف يحدث تآلفا وانسجاما بين كل‬
‫األبناء‪ ،‬ولو لم يراع ذلك ألحدث صدعا في محيط األسرة‪ ،‬ونشبت الخالفات بين أطرافها‪.‬‬
‫فما أعظم ىذه اللفتات التربوية التي تستفيدىا األخت المسلمة لتربي أبناءىا على أساسها‪ ،‬فتسعد كما سعد‬
‫ىذا الجيل‪ ،‬الذي قل أف يجود الزماف بمثلو‪.‬‬
‫(د) رعاية الصحابيات ألبنائهن في أمر الطاعات‪ ،‬واألخذ بأيديهم نحو الخيرات‪:‬‬
‫(‪ ) 3‬عن الربيع بنت معوذ رضي اهلل عنها قالت‪ :‬في شأف صيامهم يوـ عاشوراء "كنا نصوـ‪ ،‬ونصوـ صبياننا‬
‫الصغار‪ ،‬ونجعل لهم اللعبة من العهن (أي الصوؼ)‪ ،‬فإذا بكى أحدىم على الطعاـ أعطيناه ذاؾ حتى يكوف‬
‫عند اإلفطار"(‪،)3‬وبالتأمل في ىذا الخير القليل في مبناه‪ ،‬الكثير في معناه‪ ،‬يتضح لنا‬

‫‪)1‬انظر (البداية والنهاية) للحافظ ابن كثير (جػ‪ - 8‬ص ‪4 )334‬‬


‫‪)2‬حلية األولياء (جػ‪ - 2‬ص‪ )75‬أبو نعيم‪4‬‬
‫‪)3‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص ‪ )335‬كتاب الصوـ ‪ -‬باب صوـ الصبياف‪ ،‬وأخرجو مسلم (جػ‪ - 2‬ص ‪ )798‬كتاب الصوـ‬
‫‪ -‬باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومو‪4‬‬
‫<‪>76‬‬
‫أف تعهد النساء المسلمات من ىذا الجيل ألوالدىن حتى يشبوا على الطاعة كاف أمرا شائعا بينهن‪ ،‬وداللة‬
‫الخبر على ذلك من عدة وجوه‪:‬‬
‫أ‪ -‬قوؿ الربيع رضي اهلل عنها (كنا) بصيغة الجمع‪ ،‬وىو ما يدؿ على أف ذلك لم يكن تصرفا خاصا بها‪.‬‬
‫ب‪ -‬قولها (كنا نصوـ يوـ عاشوراء ‪ ). . .‬وىو من قبيل صياـ التطوع‪ ،‬فإذا أعانت المرأة ولدىا على صياـ‬
‫التطوع دؿ ذلك على حبها الخير لهم‪ ،‬وقيامهم بما فرضو اهلل من طاعات؛ وما سنو رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو‬
‫وسلم من نوافل ومستحبات‪.‬‬
‫ج‪ -‬ذكرىا للصياـ يدؿ على ما سواه من أبواب الخير كالصالة واإلنفاؽ وسائر الطاعات‪ ،‬إذ ال خصوصية‬
‫للقياـ تستدعى االىتماـ بو دوف سواه‪.‬‬
‫د‪ -‬لجوء الصحابيات إلى صنع ألعاب من الصوؼ يتلهى بها األوالد حتى ال يشعروا بالجوع ويتموا صومهم‪،‬‬
‫دليل على أف اللعب عندىم لم يكن مقصودا لذاتو‪ ،‬وإنما إلعانة ىؤالء األوالد على اعتياد الطاعات‬
‫وممارستها في صغرىم‪ ،‬ليشبوا عليها في كبرىم‪ ،‬فال يجدوف صعوبة في االلتزاـ بها‪.‬‬
‫(‪ )2‬ولم يكن الصياـ فقط ىو مجاؿ تعويد األطفاؿ على فعل الخيرات‪ ،‬فقد دلت السنة على أف امرأة رفعت‬
‫للنبي صلى اهلل عليو‬
‫<‪>77‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وسلم صبيا لها‪ ،‬فقالت‪ .‬ألهذا حج؟ قاؿ‪ :‬نعم‪ ،‬ولك أجر‪4‬‬
‫‪ .‬فهذه امرأة تبغي مشاركة صبيها لها في الخير بأداء الحج‪ ،‬فسألت النبي صلى اهلل عليو وسلم عن مدى‬
‫(‪)2‬‬
‫وزادىا بقولو‪ :‬ولك أجر؟ ليدفع بذلك صلى اهلل عليو‬ ‫جواز الحج لمثل ىذا الصبي‪ ،‬فأجابها بجواز حجو‬
‫وسلم كل أـ أف تقوـ بدورىا في داللة أبنائها على وجوه الخيرات جميعها‪ ،‬وأف ذلك يعد ثقال في موازين‬
‫حسناتها‪ ،‬فإف الداؿ على الخير كفاعلو‪ ،‬ومن دعا إلى ىدى كاف لو من األجر مثل أجور من تبعو من غير أف‬
‫ينقص من أجورىم شيء‪.‬‬
‫<‪>78‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫مع األخوات المسلمات‬

‫‪)1‬أخرجو مسلم (جػ‪ - 2‬ص‪ )974‬كتاب الحج ‪ -‬باب صحة حج الصبي‪ ،‬وأجر من حج بو ‪.‬‬
‫‪)2‬لكن ىذا ال يغني عن حجة اإلسالـ‪ ،‬التي يشترط فيها البلوغ‪ ،‬فإذا بلغ الصبي فعليو أف يؤدي فرض الحج عليو‬
‫إذا كانت المرأة المسلمة ذات زوج تقوـ بأداء حقوقو‪ ،‬وذات أوالد تقوـ على تعهدىم وتربيتهم ‪-‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫على النحو الذي سبقت اإلشارة إليو ‪ -‬فإف ثمة حقوقا أخرى لباقي أفراد المجتمع‪ ،‬والبد للمرأة‬
‫المسلمة ‪ -‬سواء كانت زوجة أو بال زوج ‪ -‬أف تقوـ بدورىا في أداء الحقوؽ الالزمة ألخواتها‬
‫المسلمات‪ ،‬وقد أشارت السنة النبوية إلى ىذه الحقوؽ‪ ،‬ومما جاء فيها‪ -‬على سبيل المثاؿ ‪-‬‬
‫قولو صلى اهلل عليو وسلم‪" -:‬حق المسلم على المسلم ست‪ .‬قيل ما ىن يا رسوؿ اهلل‪ -:‬إذا‬
‫(‪)1‬‬
‫لقيتو فسلم عليو‪ ،‬وإذا دعاؾ فأجبو‪ ،‬وإذا استنصحك فانصح لو‪ ،‬وإذا عطس فحمد اهلل فسمتو‬
‫(‪)2‬‬
‫وإذا مرض فعده ‪ ،‬وإذا مات فاتبعو"‪4‬‬
‫والحديث ‪ -‬وإف تناوؿ حق المسلم الرجل على أخيو ‪ -‬فإف المرأة تؤدى من ىذه الحقوؽ ما يتناسب مع‬
‫طبيعتها‪ ،‬وما يتفق وتعاليم الشرع‪ ،‬وال تعفى بأية حاؿ من حقوؽ في عنقها تؤديها‪.‬‬
‫<‪>79‬‬
‫(‪ )2‬وفي ضوء ىذه المعاني تنطلق المرأة المسلمة ‪ -‬المحبة لدينها‪ ،‬الراغبة في طاعة ربها‪ -‬وىي حريصة‬
‫على أف تقدـ الخير لكل أفراد المجتمع بحب ٍ‬
‫وتفاف وإخالص‪.‬‬
‫وقد وصفت المرأة المسلمة الملتزمة على لساف أحد الدعاة المعاصرين بقولو‪" -:‬األخت الملتزمة الخير منها‬
‫مأموؿ‪ ،‬والشر عنها معزوؿ‪ ،‬كاألـ في الحناف‪ ،‬وكالبنت في الطاعة‪ ،‬والوالد في السعي‪ ،‬وكالشقيقة في‬
‫الصحبة‪.‬‬
‫األخت الملتزمة الناس من ها في راحة‪ ،‬ونفسها منها في تعب‪ ،‬أعمالها أكثر من أوقاتها‪ ،‬شعارىا‪ :‬فإذا فرغت‬
‫فانصب‪ ،‬وإلى ربك فارغب‪.‬‬
‫األخت الملتزمة كالنحلة العاملة‪ ،‬ال تأكل إال طيبا‪ ،‬وال تعطى إال طيبا‪ ،‬وإذا حطت على عود ال تخدشو وال‬
‫تكسره‪ ،‬لها شوكة ولكن شوكتها على األعداء‪.‬‬
‫األخت الملتزمة تصل من قطعها‪ ،‬وتعطي من منعها‪ ،‬وتعفو عمن ظلمها‪ ،‬وتدعو ألخواتها بظهر الغيب‪.‬‬
‫األخت الملتزمة تكوف ألخواتها كاألرض الذلوؿ تحتمل الكبير والصغير‪ ،‬وكالسحاب يظل القريب والبعيد‪،‬‬
‫وكالمطر يسقى من يحب ومن ال يحب‪.‬‬
‫األخت الملتزمة ىينة لينة سمحة‪ ،‬تعرؼ كيف تقوؿ للنساء‪ :‬أنا‬

‫‪)1‬ىكذا في رواية مسلم (فسمتو) وفي رواية أحمد (فشمتو) وىما بمعنى واحد‪ ،‬أي تقوؿ للعاطس ‪ -‬يرحمك اهلل‪4‬‬
‫‪)2‬أخرجو مسلم (جػ‪ - 4‬ص ‪ )3745‬كتاب السالـ‪ -‬باب من حق المسلم للمسلم رد السالـ‪ ،‬وأخرجو أحمد (جػ‪ - 2‬ص‬
‫‪. )372‬‬
‫<‪>84‬‬
‫أحبكن في اهلل‪ .‬ليست فظة وال غليظة وال صخابة وال نمامة وال كذابة‪ ،‬وإنما محبة هلل‪ ،‬أمة لو"(‪)1‬أ‪4‬ىػ‬
‫إف األخت المسلمة ‪ -‬بحرصها على ىذه المعاني‪ -‬تناؿ عند اهلل تعالى عظيم األجر‪ ،‬وتبوئ‬ ‫(‪)3‬‬
‫نفسها في أعلى الدرجات وأرفع المنازؿ‪ ،‬وتدخر لنفسها عند اهلل أعظم الثواب بخدمتها للناس‪،‬‬
‫وسعيها في قضاء حوائجهم‪ ،‬وصدؽ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪" -:‬من نفس عن مؤمن كربة‬
‫من كرب الدنيا‪ ،‬نفس اهلل عنو كربة من كرب يوـ القيامة‪ ،‬ومن يسر على معسر‪ ،‬يسر اهلل عليو في‬
‫الدنيا واآلخرة ومن ستر مسلما ستره اهلل في الدنيا واآلخرة‪ ،‬واهلل في عوف العبد ما كاف العبد في‬
‫(‪)2‬‬
‫عوف أخيو ‪" . . .‬‬
‫ىذا فضال عما يحصلو المسلم‪ -‬بمثل ىذه األعماؿ ‪ -‬من طيب الذكر‪ ،‬وجميل األحدوثة في الحياة‬
‫وبعد الممات‪.‬‬
‫وصدؽ من قاؿ‪-:‬‬
‫ات َوأَ ْوقَ ٌ‬
‫ات‬ ‫اع ٌ‬
‫َوالّعُ ْس ُر َوالْيُ ْس ُر َس َ‬ ‫ػاس َما َد َاـ الْ َحيَاءُ بِهػ ْم‬
‫اس بِالنّ ِ‬
‫النّ ُ‬
‫ت‬ ‫اش قَػ ْوٌـ َو ُى ْم فِي الن ِ‬
‫اس أَ ْمواَ ُ‬ ‫َو َع َ‬ ‫ت َم َكا ِرُم ُه ْم‬
‫وما َماتَ ْ‬‫ات قَػ ْوٌـ َ‬
‫قَ ْد َم َ‬
‫(‪ )4‬وفيما يلي نتعرؼ بعض النماذج المضيئة في خدمة المرأة المسلمة ألخواتها من خالؿ سلوؾ‬
‫الصحابيات رضواف اهلل عليهن‪-:‬‬
‫<‪>83‬‬
‫(أ) أخرج أبو نعيم عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قاؿ‪ -.‬لما زوج رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم فاطمة عليا‬
‫دخل‪ ،‬فلما رآه النساء وثبن وبينهن وبين رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم سترة‪ ،‬فتخلفت أسماء بنت عميس‬
‫رضي اهلل عنهما؟ فقاؿ لها رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪ :‬كما أنت على رسلك‪ ،‬من أنت؟ قالت‪ :‬التي‬
‫أحرس ابنتك‪ ،‬فإف الفتاة ليلة يبنى بها‪ ،‬البد لها من امرأة تكوف قريبة منها‪ ،‬إف عرضت لها حاجة أو أرادت‬
‫فسر النبي صلى اهلل عليو وسلم من ذلك‪ ،‬ودعا لها بأف يحرسها اهلل عز وجل فقاؿ‪-:‬‬
‫شيئا أفضت بذلك إليها ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫فإني أسأؿ إلهي أف يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطاف الرجيم"‪4‬‬

‫‪)1‬صفات المسلمة الملتزمة (ص ‪ - 44‬ص ‪ )43‬بتصرؼ يسير ‪ -‬محمد حسين يعقوب‪4‬‬


‫‪)2‬أخرجو مسلم (جػ‪ - 4‬ص ‪ )2474‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ‪ -‬باب فضل االجتماع على تالوة القرآف‬
‫وعلى الذكر‪.‬‬
‫‪)3‬حلية األولياء (جػ‪ - 2‬ص ‪.)75‬‬
‫ولئن كانت القصة قد وردت في مساعدة المرأة ألختها ليلة عرسها حتى ال تستوحش‪ ،‬فإف الحكم ينسحب‬
‫على جميع األحواؿ التي تحتاج المرأة المسلمة فيها إلى أختها لتكوف إلى جوارىا‪ ،‬وما أكثر ىذه األحواؿ‬
‫التي تبين أصالة المعدف‪ ،‬وصدؽ المحبة فيما بين المسلمة وأخواتها‪.‬‬
‫ومن الواجب على المرأة المسلمة في ىذا المقاـ أال تسمح للشيطاف بأف يفسد عليها محبتها‬ ‫(‪)5‬‬
‫ومودتها لسائر أخواتها المسلمات‪ ،‬ولتتأكد بأف الشيطاف لن يدع متحابين حتى يحاوؿ جاىدا أف‬
‫(إنما ي ِريد الشيطاف أَف يوقع‬
‫يوقع بينهما‪ ،‬وصدؽ اهلل العظيم إذ يقوؿ‪َ -:‬‬
‫<‪>82‬‬
‫(‪)2‬‬
‫َحسن إف الشيطَا َف ينزغ بينهم)‬ ‫ِِ‬ ‫(‪)1‬‬
‫البغضاء) ويقوؿ سبحانو‪( -:‬وقل لعبادي يقولوا التي ىي أ َ‬
‫َ‬ ‫بينَكم العداوة َو‬
‫ويستلزـ ىذا من المرأة المسلمة أف تبني عالقتها مع سائر األخوات المسلمات على التسامح والتغافر وإقالة‬
‫العثرات والتماس األعذار‪.‬‬
‫ولنتأمل في ىذا الموقف‪-:‬‬
‫قالت السيدة عائشة رضي اهلل عنها‪ -:‬دعتني أـ حبيبة عند موتها فقالت‪ :‬قد كاف يكوف بيننا ما يكوف بين‬
‫الضرائر‪ ،‬فغفر اهلل لي ولك ما كاف من ذلك‪ ،‬فقلت‪ :‬غفر اهلل لك ذلك كلو‪ ،‬وتجاوز وحلَك من ذلك كلو؟‬
‫(‪)3‬‬
‫فقالت؟‪ -‬سررتني سرؾ اهلل‪ ،‬وأرسلت إلى أـ سلمة فقالت لها مثل ذلك‪4‬‬
‫<‪>83‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫في مواجهة أعداء اإلسالـ‬
‫(‪ )3‬أشار القرآف الكريم إلى نوايا أعداء اإلسالـ بشأف اإلسالـ والمسلين في كثير من اآليات‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثاؿ يقوؿ اهلل تعالى في نيتهم نحو اإلسالـ‪-:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ره ال َكافِرو َف)‬
‫بأفواى ِهم َويَأبى اهلل إال أف يتم نوره ولو َك َ‬ ‫ِ‬
‫(ي ِريدو َف أَف يطفئوا َ‬
‫نور اهلل َ‬
‫ِ (‪)5‬‬ ‫ِ‬
‫أموالهم ليصدوا َعن ِ‬
‫سبيل اهلل)‬ ‫ويقوؿ‪( -:‬إف الذي َن ك َفروا ينفقوف َ‬

‫‪)1‬سورة المائدة ‪ -‬اآلية (‪)93‬‬


‫‪)2‬سورة اإلسراء ‪ -‬اآلية (‪.)53‬‬
‫‪)3‬صفة الصفوة (جػ‪ - 2‬ص ‪)46‬‬
‫‪)4‬سورة التوبة ‪ -‬اآلية (‪.)32‬‬
‫‪)5‬سورة األنفاؿ ‪ -‬اآلية (‪.)36‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫وفي نيتهم نحو المسلمين يقوؿ ربنا‪( -:‬وال يزالو َف ي َقاتلونكم حتى يردوكم َعن ِدينِكم ِ‬
‫إف استطَاعوا)‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪ )2‬وتتَعدد أسلحة ىؤالء األعداء في الوصوؿ إلى مرادىم‪ ،‬ما بين غزو عسكري‪ ،‬وتضليل فكرى‪ ،‬وحصار‬
‫اقتصادي‪ ،‬وتدمير أخالقي ‪ . . .‬إلخ"‪.‬‬
‫<‪>84‬‬
‫ولسنا بصدد التعرض لجواب ىذا الغزو ومظاىره في حياتنا المعاصرة‪ ،‬فهو أظهر من الشمس في ضحاىا ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ويتحمل المسلموف جميعا ‪ -‬رجاال ونساء ‪ -‬مسئولية وأمانة الدفاع عن اإلسالـ في مواجهة ىذه‬
‫الحمالت الشرسة‪ ،‬التي تريد أف تستأصل اإلسالـ من جذوره‪ ،‬وترفع راية الجاىلية في بالد اإلسالـ‪.‬‬
‫(‪ )4‬وبخصوص بحثنا عن الصحابيات ودورىن في مواجهة أعداء اإلسالـ نشير إلى جهادىن في ىذا المجاؿ‬
‫قد سار في اتجاىين رئيسين‪-:‬‬
‫االتجاه األوؿ‪ :‬تمثل في محافظة ىؤالء الصحابيات ‪ -‬رضواف اهلل عليهن ‪ -‬على دينهن‪ ،‬والتضحية في سبيل‬
‫ذلك بكل شيء‪.‬‬
‫ومن أروع األمثلة على ذلك السيدة سمية بنت خياط أـ عمار بن ياسر رضي اهلل عنهم جميعا‪ ،‬ىذه المرأة‬
‫المسلمة التي تحملت العذاب مع عائلتها من مشركي مكة في صدر الدعوة‪ ،‬ثم كاف مسك الختاـ في حياتها‬
‫أف قتلت بيد عدو اهلل أبي جهل‪ ،‬لتتبوأ الصدارة في شهداء ىذه األمة‪ ،‬فهي أوؿ شهيدة في اإلسالـ على‬
‫اإلطالؽ‪.‬‬
‫"ولعلها رسالة مبعوثة من ىذا الزمن البعيد‪ ،‬من سمية ‪ -‬وىي امرأة ‪ -‬إلى بنات جنسها من النساء حتى ال‬
‫يفرطن في دينهن‪ ،‬وال يتنازلن عن أية جزئية منو‪ ،‬فأعداء اإلسالـ ال يستخدموف سالحا فتاكا وال معوال ىداما‬
‫أشد من المرأة لهدـ اإلسالـ وتفتيت صرحو والقضاء‬
‫<‪>85‬‬
‫عليو‪ ،‬فالمرأة المسلمة المؤمنة حينما ترى على رأس الشهداء في اإلسالـ امرأة مثلها‪ ،‬فإنها ستخجل وتستحي‬
‫أف تصبح أداة في يد الشياطين واألبالسة لتهدـ دينا جاء إلى الحياة على أجساد الشهداء‪ ،‬وبنى صرحو بدـ‬
‫الصادقين من أىل التضحية والفداء والشهداء‪ ،‬وعلى رأس ىؤالء جميعا‪ :‬امرأة ىي "سمية" أوؿ الشهداء في‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلسالـ"‬
‫ويقع في ىذا االتجاه أيضا مشاركة الصحابيات للمسلمين في ىجرتهم من مكة إلى الحبشة مرتين‪ ،‬ثم إلى‬

‫‪)1‬سورة البقرة ‪ -‬اآلية (‪.)237‬‬


‫‪)2‬الصفوة يف حياة خيار النسوة (ص ‪ )492‬خالد عبد العليم‪.‬‬
‫المدينة المنورة فرارا بدينهن‪ ،‬وحفاظا على إسالمهن‪.‬‬
‫االتجاه الثاني‪ :‬ويتمثل في الوقوؼ أماـ ىؤالء األعداء في مواجهة صريحة وحاسمة للدفاع عن ىذا الدين‪،‬‬
‫ويتضح ذلك جليا من خالؿ المشاركات المتعددة للصحابيات في معارؾ المسلمين األولى‪ ،‬وإظهار بعضهن‬
‫لبطوالت أسهمت في نصر اإلسالـ والمسلمين‪.‬‬
‫ونضرب لذلك بعض األمثلة‪-:‬‬
‫أوؿ ما يطالعنا في ىذا المجاؿ موقف السيدة نسيبة بنت كعب أـ عمارة رضي اهلل عنها‪ ،‬وندعها‬ ‫(أ)‬
‫تحكى ما حدث منها يوـ أحد‪ ،‬فهي تقوؿ‪" :‬رأيتني وقد انكشف الناس عن رسوؿ اهلل صلى اهلل‬
‫عليو وسلم‪ ،‬فما بقى إال في نفر ما يتموف عشرة‪ ،‬وأنا وابناي وزوجي بين يديو‪ ،‬نذب عنو والناس‬
‫يمروف بو منهزمين‪ ،‬ورآني ال ترس معي‪ ،‬فرأى رجال موليا‬
‫<‪>86‬‬
‫معو ترس‪ ،‬فقاؿ لصاحب الترس‪ :‬ألق ترسك إلى من يقاتل‪ ،‬فألقى ترسو فأخذتو‪ ،‬فجعلت أترس بو عن رسوؿ‬
‫اهلل‪ ،‬صلى اهلل عليو وسلم فيقبل رجل على فرس فيضربني‪ ،‬وترست لو‪ ،‬فلم يصنع سيفو شيئا وولى‪ ،‬فأضرب‬
‫عرقوب فرسو‪ ،‬فوقع على ظهره‪ ،‬فجعل النبي صلى اهلل عليو وسلم يصيح‪ -:‬يا بن أـ عمارة‪ :‬أمك أمك‪،‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫فقالت‪ :‬فعاونني عليو حتى أوردتو شعوب (أي المنية)‪" .‬‬
‫(ب) والنموذج الثاني للسيدة أسماء بنت يزيد بن السكن‪ ،‬والتي شاركت المسلمين في معركة اليرموؾ‪ ،‬وقتلت‬
‫(‪)2‬‬
‫(جػ) ومن األمثلة ‪ -‬كذلك ‪ -‬ما قامت بو‬ ‫بعمود خيمتها ‪ -‬الذى لم تجد أمامها سواه ‪ -‬تسعة من الروـ "‬
‫السيدة صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى اهلل عليو وسلم حين أراد أحد اليهود الذين نقضوا العهد مع‬
‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم في غزوة الخندؽ‪ ،‬أراد أف يصعد الحصن الذي بو نساء المسلمين وذراريهم‬
‫‪ -‬مستغال انشغاؿ المسلمين بمواجهة المشركين عند الخندؽ ‪ -‬فإذا بالسيدة صفية بنت عبد المطب رضي‬
‫اهلل عنها تتصدى لهذا اليهودي بعمود من أعمدة الحصن‪ ،‬وتضربو بو ضربة يخر من ىولها ميتا‪ ،‬فأثارت الرعب‬
‫(‪)3‬‬
‫في نفوس اليهود الذين جاءوا من خلفو‪ ،‬وارتدوا على أعقابهم مذعورين"‬
‫<‪>87‬‬

‫‪)1‬انظر (سير أعالـ النبالء) (جػ‪4 2‬‬


‫ص‪ )279‬والطبقات الكبرى البن سعد (جػ‪ 8‬ص‪.)9433‬‬
‫‪)2‬ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (جػ‪ - 6‬ص‪( ،)233‬جػ‪ 9‬ص‪4)264‬‬
‫‪)3‬أنظر (صالح األمة في علو الهمة) (جػ‪ - 7‬ص ‪ - )368‬د‪ .‬سيد حسين العفاني‪4‬‬
‫(د) ومن المجاىدات في سبيل اهلل أـ حراـ بنت ملحاف خالة أنس بن مالك رضي اهلل عنها‪ ،‬وقد خرجت مع‬
‫زوجها عبادة بن الصامت رضي اهلل عنو في غزو المسلمين لقبرص‪ ،‬وىناؾ ماتت ودفنت‪ ،‬وقبرىا معروؼ في‬
‫(‪)1‬‬
‫جزيرة قبرص يقولوف ىذا قبر المرأة الصالحة ‪ -‬رحمها اهلل‪"-‬‬
‫وإلى جانب مشاركة الصحابيات في قتاؿ أعداء اإلسالـ ‪ -‬إذا لزـ األمر ‪ -‬كما اتضح لنا من األمثلة السابقة‬
‫شاركت الصحابيات بدور أكبر في عملية إمداد المجاىدين بما يحتاجوف إليو من طعاـ أو شراب‪ ،‬ومداواة‬
‫جرحاىم‪ ....‬إلخ‪ ،‬وفي الداللة على ذلك نورد ىذين الخبرين‪-:‬‬
‫(أ) عن أنس بن مالك رضي اهلل عنو قاؿ‪" -:‬لما كاف يوـ أحد انهزـ الناس عن النبي صلى اهلل عليو وسلم‬
‫قاؿ‪ :‬ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأـ سليم‪ ،‬وإنهما لمشمرتاف أرى خدـ سوقهما‪ ،‬وقاؿ غيره‪ :‬تنقالف‬
‫(‪)2‬‬
‫القرب عن متونها‪ ،‬ثم تفرغانو في أفواه القوـ ثم ترجعاف فتمألنها‪ ،‬ثم تجيئاف فتفرغانها في أفواه القوـ"‪4‬‬
‫(ب) عن أـ عطية رضي اهلل عنها قالت‪" :‬غزوت مع رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم سبع غزوات‪ ،‬أخلفهم‬
‫في رجالهم فأصنع لهم الطعاـ‪ ،‬وأداوى‬
‫<‪>88‬‬
‫(‪)3‬‬
‫الجرحى‪ ،‬وأقوـ على المرضى"‪4‬‬
‫لقد اشتهر جهاد الصحابيات في الدفاع عن اإلسالـ‪ ،‬وىو ما حمل اإلمامين البخاري ومسلم على إفراد‬
‫العديد من األبواب للداللة على ذلك‪ ،‬ومن ىذه األبواب في صحيح البخاري‪ :‬باب جهاد النساء‪ ،‬وباب غزو‬
‫المرأة في البحر‪،‬وباب غزو النساء وقتالهن مع الرجاؿ‪ ،‬وباب مداواة الجرحى في الغزو‪ ،‬وباب حمل النساء‬
‫القرب في الغزو ‪ . .‬إلخ‪ ،‬ومنها في صحيح مسلم‪ :‬باب غزوة النساء مع الرجاؿ‪ ،‬وباب النساء الغازيات‪.‬‬
‫(‪ ) 5‬إف أعداء اإلسالـ ال يخفوف نواياىم نحو استخداـ المرأة المسلمة المعاصرة كسالح ىداـ للقيم‬
‫والمبادئ اإلسالمية‪ ،‬وقد ذكرنا طرفا من أقوالهم بهذا الشأف في التمهيد لهذا البحث‪.‬‬
‫ألف مطالعة المرأة المسلمة لجهاد ىؤالء الصحابيات الفضليات ليؤكد في نفسها أىمية اتخاذ نفس الخط‪،‬‬
‫والسير على نفس المنهاج‪ ،‬حتى تكتب في عداد المقبولين‪.‬‬
‫ولئن كاف جهاد األعداء بالسالح قد انسحب ‪ -‬نسبيا ‪ -‬من أرض المعركة‪ ،‬فهناؾ ما ىو أشد خطورة منو في‬

‫‪)1‬انظر (صفة الصفوة) (جػ‪ - 2‬ص‪4)74‬‬


‫‪)2‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 2‬ص ‪ )354‬كتاب الجهاد والسير ‪ -‬باب غزو النساء وقتالهم مع الرجاؿ‪4‬‬
‫‪)3‬أخرجو مسلم (جػ‪ - 3‬ص ‪ )3447‬كتاب الجهاد والسير ‪ -‬باب النساء الغازيات يوضخ لهن وال يسهم‪ ،‬والنهي عن قتل‬
‫صبياف أىل الحرب‪.‬‬
‫الواقع المعاصر‪ ،‬ويتمثل ذلك في الغزو الفكري واإلعالمي وغيرىما من الفتن التي وصفها اهلل تعالى في كتابو‬
‫بأنها أشد وأكبر من القتل‪.‬‬
‫<‪>89‬‬
‫وإف المرأة المسلمة مطالبة أف تحذو حذو سمية وأـ عمارة في التمسك بدينها‪ ،‬ومقاومة حمالت التغريب‬
‫والتشكيك التي يقودىا أعداء اإلسالـ ومن يدور في فلكهم من المتأسلمين‪ ،‬وفي الوقت نفسو تؤدى دورا‬
‫إيجابيا في مجتمعها بحماية أبنائها وبنات جنسها من ىذه الضالالت‪ ،‬وذلك بما تقدمو لهم من علم نافع‬
‫وعمل صالح‪ ،‬وىي على يقين من أف جهدىا محفوؼ بعناية اهلل‪ ،‬ومحروس بتوفيق اهلل‪ ،‬وأف جهد أعداء‬
‫اء َوأ َْما َما‬
‫الزبَذ فيَذىب ج َف ً‬
‫(فأما ْ‬
‫اإلسالـ ‪ -‬مهما كاف عظيما ‪ -‬مآلو الخسراف والبوار‪ ،‬وصدؽ اهلل إذ يقوؿ‪ْ -:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫الناس فَػيَمكث في األ ِ‬
‫َرض)‬ ‫ينفع َ‬
‫ومن ثم ال تدخر وسعا في فعل الخير والدعوة إليو رجاء أف يهدي اهلل الخلق‪ ،‬ويأخذ بأيديهم إليو‪.‬‬
‫<‪>94‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫العفة في حياة الصحابيات‬
‫ويشتمل على مبحثين‬
‫(أ) المحافظة على ارتداء الحجاب‬
‫(ب) البعد عن االختالط بالرجاؿ‬
‫<‪>93‬‬
‫تمهيد‬
‫(‪ )3‬إذا كاف أعداء اإلسالـ قد اجتهدوا على المرأة المسلمة لتكوف أداة إفساد وتخريب في المجتمع‬
‫المسلم‪ ،‬فإف أولى ال خطوات التي اتخذت في ىذا الطريق كانت دعوتهم إلى تبرج المرأة وإظهار مفاتنها أماـ‬
‫الرجاؿ األجانب بحيث تصبح سلعة رخيصة يتهافت عليها الجياع‪ ،‬ويشيع من ورائها كل فساد‪ ،‬وصدؽ رسوؿ‬
‫اهلل صلى اهلل عليو وسلم وىو يحذرنا من ىذا المصير ‪ -‬فيقوؿ‪ " -:‬اتقوا الدنيا واتقوا النساء‪ ،‬فإف أوؿ فتنة‬
‫(‪)2‬‬
‫بني إسرائيل كانت في النساء"‪4‬‬

‫‪)1‬سورة الرعد ‪ -‬اآلية (‪.)37‬‬


‫‪)2‬أخرجو مسلم (جػ‪ - 4‬ص‪ )2498‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ‪ -‬باب أكثر أىل الجنة الفقراء‪ ،‬وأكثر أىل‬
‫النار النساء‪ ،‬وبياف الفتنة بالنساء‬
‫(‪)1‬‬
‫ويقوؿ ‪" -:‬ما تركت بعدي فتنة ىي أضر على الرجاؿ من النساء"‬
‫(‪ )2‬وقد تعاوف شياطين الجن واإلنس على كشف سوأة المسلمة‪ ،‬وصوال إلى أغراضهم الخبيثة‪ ،‬وىو ما‬
‫أخبرنا بو القرآف الكريم‪ ،‬وما نطقت بو ألسنتهم‪ ،‬وانطلقت بو كلماتهم‪.‬‬
‫ففي القرآف الكريم ما يشير إلى دور الشيطاف في الدعوة إلى كشف العورات‪ ،‬والتحذير من االنصياع لو في‬
‫ىذا المجاؿ‪ ،‬فيقوؿ رب‬
‫<‪>92‬‬
‫وءات ِه َما‬ ‫ِ‬ ‫آدـ ال يفتِنَنكم الشيطاف َكما‬
‫هما َس َ‬
‫اسهما ليريَ َ‬
‫أخرج أبَػ َويكم من الجنة ينزع عنهما لبَ َ‬
‫َ‬ ‫العزة‪( -:‬يا بَني َ‬
‫ْذين ال ِ‬
‫الشياطين أَولِي ِ ِ‬
‫ِ‬
‫يؤمنوف)(‪)2‬وأما دعاة الشيطاف‬ ‫اء لل َ‬‫ََ‬ ‫إنو يَراكم ىو وقَبيِلو في َحيث ال تَرونهم إنا َ‬
‫جعلنا‬
‫وأبواقو من اإلنس فقد انطلقت كلماتهم تحكى ما في قلوبهم ونواياىم من دعوة المرأة المسلمة إلى خلع‬
‫حجابها وإظهار مفاتنها‪.‬‬
‫ومن أقوالهم في ىذا الشأف "لن تستقيم حالة الشرؽ‪ ،‬ما لم يرفع الحجاب عن وجو المرأة ويغطى بو‬
‫(‪)3‬‬
‫القرآف"‪4‬‬
‫ومن أقوال هم كذلك " ليس ىناؾ طريق لهدـ اإلسالـ أقصر مسافة من خروج المرأة سافرة ومتبرجة"(‪ )4‬ويقوؿ‬
‫ويقوؿ أحد شعرائهم ‪ -‬وىو محمد صادؽ الزىاوي ‪ -‬يخاطب المرأة المسلمة العراقية فيقوؿ‪-:‬‬
‫َوأَ ْس ِفري فَالْ َحيَاةُ تَػ ْبغي انِْقالَبَاَ‬ ‫راؽ ِ‬
‫الح َجاباَ‬ ‫م ٍّزقي يا بنةَ الْ ِع ِ‬
‫َ‬
‫(‪)5‬‬
‫فَػ َق ْد َكػا َف َحا ِرساً ك َذابَاَ‬ ‫ث‬‫م ٍّزقِيػ ِو وأَ ْح ِرقِ ِيو بِالَ ريْ ٍ‬
‫َ َ‬

‫وفي الداللة على النوايا الخبيثة لدى أعداء اإلسالـ من وراء ىذه‬
‫<‪>93‬‬

‫‪)1‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص ‪ )297‬كتاب النكاح ‪ -‬باب ما يتقى من شؤـ المرأة وأخرجو مسلم واللفظ لو (جػ‪ - 4‬ص‬
‫ص ‪ )2497‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ‪ -‬باب أكثر أىل الجنة الفقراء ‪ . . .‬إلخ‪.‬‬
‫‪)2‬سورة األعراؼ ‪ -‬اآلية (‪.)27‬‬
‫‪)3‬المرأة ومكانتها في اإلسالـ (ص ‪ )9‬أحد عبد العزيز الحصين ‪ -‬طبعة سنة ‪.3983‬‬
‫‪)4‬قضية المساواة بين الجنسين في الفكر الوضعي المعاصر (ص ‪ )53‬رسالة ماجستير مخطوطة للباحث‪ /‬حشمت فايز أبو‬
‫أبو المجد ‪ -‬كلية الدعوة اإلسالمية بالقاىرة‪.‬‬
‫‪)5‬أحمد عبد العزيز الحصين (ص ‪ 98‬مرجع سابق)‪.‬‬
‫الدعوة يقوؿ محمد طلعت حرب باشا في كتاب لو بعنواف (المرأة والحجاب)‪" :‬إف رفع الحجاب واالختالط‪،‬‬
‫تتمناىا أوروبا من قديم الزماف لغاية في النفس‪ ،‬يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا بالعالم‬
‫كالىما أمنية َ‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلسالمي"‪4‬‬
‫(‪ )3‬ولم يكتف أعداء اإلسالـ بهذا الكالـ النظري‪ ،‬وإنما شجعوا ‪ -‬بكل الوسائل الممكنة‪ -‬على التمكين‬
‫للرذيلة‪ ،‬والتشجيع على العرى والفضيحة‪ ،‬وذلك من خالؿ قنوات عديدة‪ ،‬تصب جميعها في ىذا اإلطار‪.‬‬
‫فداعيات التحرر وزعيمات النهضة في المجتمعات المسلمة من النساء الالتي بادرف بخلع الحجاب وإعالف‬
‫السفور‪ ،‬وقد أطلقت أسماؤىن ‪ -‬تكريما لهن ‪ -‬على أكبر الشوارع وأعظم الميادين‪.‬‬
‫وبيوت األزياء العالمية تتفنن في إغراؽ البالد اإلسالمية بأحدث موضات المالبس لشتى المناسبات‪ ،‬وتفسح‬
‫وسائل اإلعالـ المختلفة مساحات واسعة لهذه الجهات‪.‬‬
‫والمصايف التي تمتد على طوؿ بالد المسلمين وعرضها ‪ -‬دوف رقيب أو حسيب ‪ -‬وسيلة من الوسائل التي‬
‫تشجع النساء على التخلص من ثيابهن‪ ،‬حتى يظهرف شبو عاريات‪ ،‬وتعرض مثل ىذه الصور في أفالـ‬
‫ومسلسالت لتصبح واقعا يقر بو الجميع‪.‬‬
‫<‪>94‬‬
‫(‪ )4‬وأخيراً ‪ -‬وليس آخرا ‪ -‬استخدموا السياسة للوصوؿ إلى تحقيق أغراضهم الخبيثة‪ ،‬فعقدت األمم‬
‫المتحدة عدة مؤتمرات للمرأة والسكاف وانصبت أعماؿ ىذه المؤتمرات على إقرار كل ما يخالف تعاليم‬
‫اإلسالـ بشأف المرأة واألسرة‪.‬‬
‫(‪ ) 5‬وقد ترتب على ىذا الواقع المر أف انتشرت الفواحش‪ ،‬وتعددت أشكاؿ العالقات اآلثمة بين الذكور‬
‫واإلناث‪ ،‬ما بين مخادنة أو مخاللة أو زواج عرفي‪ ،‬وتعالت األصوات من كثرة حوادث االغتصاب‪ ،‬وانتشرت‬
‫في مجتمعاتنا بصورة غير مسبوقة ظاىرة اللقطاء وأوالد الزنا‪.‬‬
‫والسبب في ذلك كلو يرجع ‪ -‬باألصالة ‪ -‬إلى تخلي المرأة عن حجابها‪ ،‬ولجوئها إلى االختالط الحر‬
‫بمجتمع الرجاؿ‪ ،‬مما أفقدىا خصوصيتها‪ ،‬وأشاع الفوضى واالضطراب في كافة أنحاء المجتمع‪.‬‬
‫(‪ ) 6‬ومن ىنا كانت دعوة اإلسالـ إلى ضرورة التزاـ المرأة المسلمة بالعفة‪ ،‬وبعدىا عن إثارة الفتن بين الرجاؿ‬
‫بملبسها أو صوتها أو مشيتها‪ ،‬وىو ما صرحت بو آيات القرآف الكريم‪ ،‬وأحاديث النبي األمين صلى اهلل عليو‬
‫وسلم‪.‬‬

‫‪)1‬المرجع السابق (‪.)386‬‬


‫وقد ضربت الصحابيات الجليالت ‪ -‬رضواف اهلل عليهن ‪ -‬أروع األمثلة في االلتزاـ بهذه الواجبات‪ ،‬وىو ما‬
‫سنحاوؿ إلقاء الضوء عليو في المبحثين التاليين إف شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫<‪>95‬‬
‫أوال‪ :‬المحافظة على ارتداء الحجاب‬
‫(‪ )3‬ورد األمر في كتاب اهلل تعالى وفي سنة رسولو صلى اهلل عليو وسلم بضرورة التزاـ المرأة المسلمة‬
‫بحجاب يحوؿ فيما بينها وبين افتتاف اآلخرين بها‪.‬‬
‫وقد اقترنت دعوة اإلسالـ إلى الحجاب ببياف الفضائل المرتبطة بو‪ ،‬والنتائج اإليجابية المترتبة عليو‪.‬‬
‫(أ) ففي سورة األحزاب يأمر اهلل تعالى نبيو صلى اهلل عليو وسلم بدعوة أزواجو وبناتو ونساء المؤمنين إلى‬
‫ين َعلَْي ِهن ِم ْن‬‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ك ونِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ارتداء الحجاب‪ ،‬فيقوؿ تعالى‪(-:‬يا أَيػ َها النبِي قُل ِألَ ْزو ِ‬
‫ين يُ ْدن َ‬
‫ساء ال ُْم ْؤمن َ‬
‫ك َوبَػنَات َ َ َ‬
‫اج َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫َج َالبِيبِ ِهن ذَلِ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ك أَ ْدنَى أَ ْف يُػ ْع َرفْ َن فَ َال يػُ ْؤذَيْ َن ‪ )4444‬وبالتأمل في ىذه اآلية الكريمة نجد أف األمر بالحجاب‬
‫ال فرؽ فيو بين بيت النبي صلى اهلل عليو وسلم وسائر بيوت المسلمين‪ ،‬وأف ىذا الحجاب ىو عنواف العفة‬
‫(ذلك أدنى أف يعرفن) أي بأنهن عفائف مصونات‪ ،‬وىو طريق الصيانة والمحافظة على صاحبتو (فال يؤذين)‬
‫أي ال يتعرض لهن فاسق أو فاجر بأذى‪ ،‬فتحمى نفسها وغيرىا‪.‬‬
‫(ب) وفي سورة النور يقوؿ رب العزة‪-:‬‬
‫<‪>96‬‬
‫ين ِزينَتَػ ُهن إِال َما ظَ َه َر ِم ْنػ َها َولْيَ ْ‬
‫ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِىن‬ ‫ِ‬
‫وج ُهن َوَال يػُْبد َ‬
‫ضن ِمن أَب ِ‬
‫صا ِرىن َويَ ْح َفظ َ‬
‫ْن فُػ ُر َ‬ ‫ض َْ ْ ْ َ‬ ‫ات يَػغْ ُ‬ ‫(وقُل لِلْم ْؤِمنَ ِ‬
‫َ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ِزينَتَػ ُهن إِال لِبُػعُولَتِ ِهن أ َْو آبَائِ ِهن أ َْو آبَاء بػُعُولَتِ ِهن أ َْو أَبْػنَائِ ِهن أ َْو أَبْػنَاء بػُعُولَتِ ِهن أ َْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعلَى ُجيُوب ِهن َوَال يػُْبد َ‬
‫اإل ْربَِة ِم َن‬
‫ين غَْي ِر أُولِي ِْ‬ ‫ِِ‬
‫ت أَيْ َمانػُ ُهن أَ ِو التابع َ‬ ‫سائِ ِهن أ َْو َما َملَ َك ْ‬ ‫ِ‬ ‫إِ ْخوانِ ِهن أَو بنِي إِ ْخوانِ ِهن أَو بنِي أ َ ِ‬
‫َخ َوات ِهن أ َْو ن َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ين ِم ْن ِزينَتِ ِهن َوتُوبُوا‬ ‫ِ‬ ‫ات النٍّس ِاء وَال ي ْ ِ ِ ِ‬ ‫اؿ أَ ِو الطٍّْف ِل ال ِذين لَم يظْهروا َعلَى َعور ِ‬ ‫الر َج ِ‬
‫ض ِربْ َن بأ َْر ُجل ِهن ليُػ ْعلَ َم َما يُ ْخف َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ َ َُ‬ ‫ٍّ‬
‫(‪)2‬‬
‫إِلَى الل ِو َج ِم ًيعا أَيػ َها ال ُْم ْؤِمنُو َف لَ َعل ُك ْم تُػ ْف ِل ُحو َف)‬
‫وبالتأمل في ىذه اآلية نجد أف األمر في بدايتها توجو بو اهلل إلى المؤمنات‪ ،‬مما يدؿ على أف الحجاب دليل‬
‫اإليماف‪ ،‬كما قرف اهلل تعالى بين األمر بغض البصر وحفظ الفرج وبين األمر بارتداء المسلمة الحجاب‪ ،‬وىو ما‬
‫يدؿ على أف الحجاب يعين على ىذه الفضائل ويوصل إليها‪ ،‬وفي تذييل اآلية بقولو (لَعلكم تفلحوف) تأكيد‬
‫على أف التزاـ الحجاب ىو طريق الفالح والنجاح‪.‬‬

‫‪)1‬سورة األحزاب ‪ -‬اآلية (‪.)59‬‬


‫‪)2‬سورة النور ‪ -‬اآلية (‪.)33‬‬
‫(وقَرف في بُيوتكن َوال‬
‫(جػ) وفي سورة األحزاب يقوؿ رب العزة في النهي عن التبرج ‪ -‬وىو ضد الحجاب ‪َ -:‬‬
‫اىلِ ْية األولَى)(‪ . )1‬فيصف التبرج بأنو جاىلية تنفيرا منو‪ ،‬والقاعدة أف النهي عن الشيء أمر‬
‫تَبرجن تَػبرج الج ِ‬
‫َْ َ َ َ‬
‫(ويطَ ِه َركم تَط ِه ًيرا) للتدليل على أف الحجاب‬
‫بضده‪ ،‬فتكوف اآلية دعوة إلى الحجاب‪ ،‬وقد ختمت بقولو تعالى َ‬
‫‪ -‬مع‬
‫<‪>97‬‬
‫سائر األوامر الواردة في اآلية ‪ -‬ىو طريق الطهر وسبيل العفاؼ‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬وإذا كانت للحجاب ىذه الفضائل واإليجابيات‪ ،‬فإف التبرج مدعاة إلى الفساد واإلفساد‪ ،‬فساد المرأة‬
‫في نفسها‪ ،‬وإفسادىا ألخالؽ الرجاؿ من حولها‪ ،‬وىو عالمة على قلة الحياء‪ ،‬وانعداـ الغيرة‪ ،‬وموت‬
‫اإلحساس‪ ،‬ومن ثم أوضحت السنة شدة عقوبة من تسوؿ لها نفسها التخلق بو‪ ،‬واالرتماء في أحضانو‪ ،‬فقاؿ‬
‫عليو الصالة والسالـ‪" -:‬صنفاف من أىل النار لم أرىما‪ :‬قوـ معهم سياط كأذناب البقر يضربوف بها الناس‪،‬‬
‫ونساء كاسيات عاريات‪ ،‬مميالت مائالت‪ ،‬رءوسهن كأسنمة البخت المائلة(‪ ،)2‬ال يدخلن الجنة‪ ،‬وال يجدف‬
‫(‪)3‬‬
‫ريحها‪ ،‬وإف ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"‪4‬‬
‫(‪ )3‬وبعد ىذا العرض ألىمية التزاـ الحجاب نسوؽ من حياة الصحابيات ما يدؿ على التزامهن بو‪ ،‬وحرصهن‬
‫عليو‪.‬‬
‫(‪ )3‬عن صفية بنت شيبة قالت‪" -:‬بينما نحن عند عائشة قالت فذكرنا نساء قريش وفضلهن‪ ،‬فقالت عائشة‬
‫رضي اهلل عنها‪ :‬إف لنساء قريش فضال‪ ،‬وإني واهلل ما رأيت أفضل من نساء األنصار أشد تصديقا لكتاب اهلل‬
‫وال إيمانا بالتنزيل‪ ،‬لقد أنزلت سورة النور‬
‫<‪>98‬‬
‫ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِىن َعلَى ُجيُوبِ ِهن) انقلب رجالهن إليهن يتلوف عليهن ما أنزؿ اهلل إليهم فيها‪ ،‬ويتلو الرجل على‬
‫(ولْيَ ْ‬
‫َ‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫فاعتجرت بو‬ ‫امرأتو وابنتو وأختو وعلى كل ذي قرابتو‪ ،‬فما منهن امرأة إال قامت إلى مرطها المرحل "‬

‫‪)1‬سورة األحزاب ‪ -‬اآلية (‪4)33‬‬


‫‪)2‬أسنمة البخت‪ :‬البخت نوع من اإلبل‪ ،‬والسناـ أعلى ما فيها‪ ،‬وىو تشبيو لما تصنعو المتبرجات برءوسهن من أشكاؿ‬
‫وصور تشبو ما يعلو الجمل من شعر ‪4‬‬
‫‪)3‬أخرجو مسلم (جػ‪ - 3‬ص ‪ )3684‬كتاب اللباس والزينة ‪ -‬باب النساء الكاسيات العاريات المائالت المميالت‪.‬‬
‫‪)4‬المرط ىو الكساء والمرحل الذي نقشت فيو تصاوير الرحاؿ‬
‫‪)5‬فاعتجرت بو‪ -:‬أي لفتو على رأسها‪ ،‬وردت طرفو على وجهها ‪،‬‬
‫تصديقا وإيمانا بما أنزؿ اهلل من كتابو‪ ،‬فأصبحن وراء رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم معتجرات‪ ،‬كأف على‬
‫(‪)1‬‬
‫وفي رواية أخرى للبخاري عن عروة عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪" -:‬يرحم اهلل نساء‬ ‫رءوسهن الغرباف"‬
‫المهاجرات األوؿ‪ ،‬لما أنزؿ اهلل (وليضربن بخمرىن على جيوبهن) شققن مروطهن فاختمرف بها"(‪ )2‬وبالنظر في‬
‫الروايتين نجد أف نساء األنصار (كما في الرواية األولى) ونساء المهاجرين (كما في الرواية الثانية) ‪ -‬وىن‬
‫يشكلن مجموع النساء في عصر النبوة ‪ -‬ىذا المجموع لم تتخلف واحدة منهن عن المبادرة إلى ارتداء‬
‫الحجاب حي ن نزلت آياتو‪ ،‬وكاف للرجاؿ دورىم في دعوة النساء إلى ذلك بتالوة ما أنزؿ اهلل في كتابو بشأف‬
‫الحجاب‪ ،‬ودعوة كل ذي قرابة لهم إلى تطبيقو والعمل بو‪.‬‬
‫(خ) وعن أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها قالت‪" -:‬إف كاف‬
‫<‪>99‬‬
‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ليصلى الصبح‪ ،‬فينصرؼ النساء متلفعات (وفي رواية متلففات) بمروطهن‪ ،‬ما‬
‫(‪)4( )3‬‬
‫يعرفن من الغلس "‬
‫(‪ ) 4‬وإلى جوار ىذا السلوؾ العاـ وردت مواقف فردية تعكس اىتماـ مجتمع الصحابيات بشأف الحجاب‪،‬‬
‫ونختار منها ما يلي‪-:‬‬
‫(أ) ما سبق ذكره في شأف السيدة عائشة رضي اهلل عنها حين قالت‪-:‬‬
‫"كنت أدخل بيتي الذي دفن فيو رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم وأبي‪ ،‬فأضع ثيابي وأقوؿ‪ :‬إنما ىو زوجي‬
‫(‪)5‬‬
‫وأبي‪ ،‬فلما دفن عمر معهم فواهلل ما دخلت إال وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر"‪4‬‬
‫(ب) ما عُرؼ في سيرة النبي صلى اهلل عليو وسلم من أنو أجلى يهود بني قينقاع من المدينة بسبب امرأة‬
‫مسلمة ذىبت إلى سوقهم لشراء ذىب‪ ،‬فجعل اليهود يريدونها على كشف وجهها فأبت‪ ،‬فعمد الصائغ إلى‬
‫طرؼ ثوبها فعقده إلى ظهرىا‪ ،‬فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا منها فصاحت‪ ،‬فوثب رجل من‬

‫‪)1‬ذكر ىذا األثر الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة النور‪ ،‬وأسنده إلى ابن حاتم (جػ‪ - 3‬ص ‪ ،)284‬وقد رواه أبو داود‬
‫مختصرا (جػ‪ - 2‬ص ‪ )435‬كتاب اللباس ‪ -‬باب في قوؿ اهلل تعالى (يدنين عليو من جالبيبهن)‪.‬‬
‫‪)2‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص ‪ )369‬كتاب التفسير ‪ -‬باب تفسير سورة النور‪.‬‬
‫‪)3‬الغلس‪ -:‬ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح‪4‬‬
‫‪)4‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص ‪ )349‬كتاب الصالة ‪ -‬باب وقت الفجر وأخرجو مسلم واللفظ لو (جػ‪ - 3‬ص ‪)446‬‬
‫كتاب المساجد ومواضع الصالة ‪ -‬باب استحباب التبكير بالصبح في أوؿ وقتها ‪ . . . .‬إلخ‪.‬‬
‫‪)5‬أخرجو أحمد في مسنده (جػ‪ - 6‬ص ‪.)242‬‬
‫المسلمين إلى الصائغ فقتلو‪ ،‬فعمد اليهودي إلى قتل ىذا المسلم‪ ،‬فغضب رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‬
‫<‪>344‬‬
‫والمسلموف‪ ،‬وقاموا بإجالء ىذا الفريق من اليهود عن المدينة‪.‬‬
‫(جػ) عن ثابت بن قيس رضي اهلل عنو قاؿ‪" -:‬جاءت امرأة إلى النبي صلى اهلل عليو وسلم يقاؿ لها أـ خالد‬
‫‪-‬وىى منتقبة ‪ -‬تسأؿ عن ابنها وىو مقتوؿ‪ ،‬فقاؿ لها بعض أصحاب النبي صلى اهلل عليو وسلم جئت تسألين‬
‫(‪)2‬‬
‫عن ابنك وأنت منتقبة! فقالت‪" :‬إف أرزأ(‪ )1‬ابني فلن أرزأ حيائي"‪4‬‬
‫جر ثوبو خيالء لم‬
‫وسلم‪" -:‬من َ‬
‫(د) عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قاؿ‪ .‬قاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو َ‬
‫ينظر اهلل إليو يوـ القيامة‪ ،‬فقالت أـ سلمة رضي اهلل عنها‪ .‬فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قاؿ‪ :‬يريخين شبراً‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فقالت إذف تنكشف أقدامهن‪ ،‬قاؿ‪ .‬فيرخينو ذراعا ال يزدف عليو"‪4‬‬
‫والشاىد من الحديث حرص أـ سلمة رضي اهلل عنها أف تسأؿ عما يتعلق بثياب المرأة من حيث الطوؿ‪ ،‬حتى‬
‫ال تقع في دائرة الكبر الذي يمقت اهلل صاحبو إذا جر ثوبو خيالء‪ ،‬فقالت‪ :‬فكيف يصنع النساء لذيولهن؟‬
‫قاؿ‪ :‬يرخين شبرا‪ ،‬أي ترخي من ثوبها شبرا بعد منتصف الساؽ‪ ،‬لكنها رضي اهلل عنها وجدت أف ىذا القدر لن‬
‫يكفي لستر‬
‫<‪>343‬‬
‫أقداـ المرأة ‪ -‬وىي الحريصة على أال ينكشف منها شيء ‪ -‬فقالت‪ .‬إذف تنكشف أقدامي‪ ،‬فقاؿ عليو الصالة‬
‫والسالـ‪ .‬فيرخينو ذراعا ال يزدف عليو‪.‬‬
‫وىو موقف يدؿ على مدى حرص الصحابيات الجليالت على أال يرى أحد منهن شيئا‪.‬‬
‫(ىػ) عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أف السيدة فاطمة الزىراء بنت النبى صلى اهلل عليو وسلم لما مرضت‬
‫مرض الموت‪ ،‬وكانت عندىا أسماء بنت عميس رضي اهلل عنها تعودىا‪ ،‬قالت فاطمة رضي اهلل عنها‪" :‬إني قد‬
‫استقبحت ما يصنع بالنساء بعد موتهن‪ ،‬إنو يطرح على المرأة الثوب فيصفها‪ ،‬وأني سأموت‪ ،‬وأستحي أف‬
‫أحمل في جنازتي على السرير ظاىرة أماـ الناس‪ ،‬ويعرؼ الناس طولي وعرضي ‪ -‬وكانت النعوش لم تُعرؼ بعد‬
‫‪ -‬فقالت أسماء‪" -:‬إني رأيت الناس في الحبشة يصنعوف نعوشا يحملوف فيها النساء لئال يظهر منهن شيء‪،‬‬
‫وبوسعي أف أصنع لك واحدا تحملين فيو‪ ،‬فقالت فاطمة؟ فأرينيو‪ ،‬فأتت أسماء ببعض من جريد النخل الرطب‪،‬‬

‫‪)1‬الرزء‪ :‬المصيبة ‪4‬‬


‫‪)2‬أخرجو أبو داود (جػ‪ -2‬ص ‪ )6‬كتاب الجهاد ‪ -‬باب فضل قتاؿ الروـ على غيرىم من األمم‪.‬‬
‫‪)3‬أخرجو الترمذي‪ ،‬وقاؿ عنو حسن صحيح (جػ‪ - 4‬ص ‪ )223‬كتاب اللباس ‪ -‬باب ما جاء في جر ذيوؿ النساء ‪.‬‬
‫وجعلت على السرير نعشا‪ ،‬فأتت فاطمة رضي اهلل عنها‪ ،‬وقالت‪ -:‬ما أحسن ىذا وأجملو ‪ ". .‬فكانت رضي‬
‫اهلل عنها أوؿ من ُحملت في نعش في اإلسالـ‪.‬‬
‫(‪ )5‬وال يملك المرء إال أف ينحني إجالال وإكبارا لهذه المواقف‬
‫<‪>342‬‬
‫العظيمة التي تدؿ على حياء نساء الصحابة‪ ،‬سواء كن أحياء أو أمواتا‪ -،‬كما في ىذا الموقف األخير ‪-‬‬
‫وسواء كاف األجنبي عنهن حيا أو ميتا ‪ -‬كما في موقف أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها حين كانت ترعى‬
‫حرمة عمر وىو ميت كما كانت ترعى حرمتو وىو حي ‪ -‬وسواء كانت في ظروؼ عادية أو استثنائية كما في‬
‫حالة أـ خالد رضي اهلل عنهن جميعا‪.‬‬
‫فما أجمل أف تترسم األخت المسلمة خطى ىؤالء السلف الصالح‪ ،‬حتى تكوف يوـ القيامة في زمرتهم‪ ،‬فإف‬
‫منَ تشبو بقوـ فهو منهم‪ ،‬ومن أحبهم حشر معهم‪.‬‬
‫<‪>343‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫البعد عن االختالط بالرجاؿ‬
‫(‪ ) 3‬سبقت اإلشارة في التمهيد إلى نوايا أعداء اإلسالـ تجاه المرأة المسلمة‪ ،‬وحرصهم على إفسادىا وصوال‬
‫إلى إفساد المجتمع اإلسالمي كلو‪ ،‬ومن ثم كاف تشجيعهم لها على التبرج واالختالط بمجتمع الرجاؿ دوف‬
‫قيود أو حدود‪.‬‬
‫وقد رأينا موقف اإلسالـ من رذيلة التبرج‪ ،‬واستعرضنا ما جاء في الكتاب والسنة من أدلة تدعو إلى الحجاب‪،‬‬
‫وسقنا من حياة الصحابيات ما يدعم ىذا الخلق ويؤكده في نفس كل امرأة مسلمة ترجو اهلل واليوـ اآلخر‪.‬‬
‫(‪ )2‬وكما كاف للسالـ موقفو الواضح من التبرج‪ ،‬فلو ‪ -‬كذلك ‪ -‬موقفو الواضح من إشاعة االختالط بحيث‬
‫تزوؿ الحدود الفاصلة بين الرجاؿ والنساء‪ ،‬وىو ما يسعى أعداء اإلسالـ ومؤيدوىم إلى إشاعتو وسط‬
‫المسلمين‪ ،‬وىو ما سنحاوؿ أف نلقى الضوء عليو في السطور القادمة‪ ،‬ونعقب على ذلك بذكر مواقف‬
‫الصحابيات الجليالت‪ ،‬تأييدا للمقاؿ بالمثاؿ‪.‬‬
‫(‪ )3‬لقد اقتضت حكمة الخالق تبارؾ وتعالى أف يتنوع الجنس‬
‫<‪>344‬‬
‫اإلنساني إلى ذكر وأنثى‪ ،‬وذلك لما يرتبط بهذا التنوع من مصالح تعود على الطرفين‪ ،‬وألقى في قلب كل نوع‬
‫محبة اآلخر واألنس بو والقرب منو‪ ،‬وفي ىذا يقوؿ رب العزة‪-:‬‬
‫فجعل على رأس الشهوات المحببة إلى النفس‬ ‫(‪) 1‬‬
‫ين‪). . . . .‬‬‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫(زين لِ ِ‬
‫النساء َوالبن َ‬
‫الشه َوات من َ‬
‫لناس حب َ‬
‫شهوة الجنس‪.‬‬
‫وحتى يبقى االرتباط قويا بين الذكر واألنثى ‪ -‬تحقيقا للمصالح المرتبطة بذلك ‪ -‬أضفى اهلل على المرأة من‬
‫مالمح الجماؿ والحسن ما يميزىا عن الرجل‪ ،‬وما يجعلو يميل إليها ويهواىا‪ ،‬لكنها ‪ -‬في الوقت نفسو ‪ -‬أقل‬
‫قوة من الرجل وأضعف جسما‪ ،‬وىذا من شأنو أف يجعلها دائما مفتقرة إلى حماية الذكور لها‪ ،‬وقد أودع اهلل‬
‫في قلب الرجاؿ الغيرة على ما تحت أيديهم من النساء‪ ،‬وبهذا يتكامل الخلق‪ ،‬ويتحقق التكاثر‪ ،‬وتبنى األسر‪،‬‬
‫وتنمو المجتمعات‪.‬‬
‫(‪ )4‬وحتى يبقى ىذا االرتباط في إطار من المشروعية رغب اإلسالـ في الزواج‪ ،‬ويسر أسبابو‪ ،‬وبارؾ خطواتو‬
‫ٍ‬
‫لسبب ما من األسباب‬ ‫من أوؿ لبنة توضع في بنائو حتى يكتمل ويرتفع بإذف اهلل تعالى‪ ،‬ومن عجز عن الزواج‬
‫فليتجمل بالصبر‪ ،‬وليتخلق بالعفاؼ حتى يجعل اهلل لو من ضيقو مخرجا‪ ،‬وصدؽ اهلل إذ يقوؿ‪َ ( -:‬و ْىيَ ْ‬
‫سرَ ْعفِ ِ‬
‫ف‬
‫ضيِ ِه)(‪.)2‬‬
‫َّللاُ ٍِِْ فَ ْ‬
‫احا َحرَّى يُ ْغِْيَهُ ٌُ َّ‬
‫اىَّ ِزيَِ ََل يَ ِجذُوَُ ِّ َن ً‬
‫<‪>345‬‬
‫(‪ )5‬وحتى تبقى ىذه الرابطة المقدسة ‪ -‬أعني رابطة الزوجية ‪ -‬دوف أف يمسها سوء يجب أف يطمئن كل‬
‫طرؼ من أطرافها إلى اآلخر‪ ،‬وأال يتطلع أحد منها إلى عالقات أخرى ال يقرىا شرع اهلل وراء ىذا االرتباط‪،‬‬
‫وذلك ال يتأتى إال في جو من البعد عن اإلثارة والفتنة التي تحدث نتيجة االختالط الحر بين الرجاؿ والنساء‪،‬‬
‫مع ما يصاحب ذلك من تبرج المرأة وإظهارىا لمفاتنها‪.‬‬
‫يقوؿ األستاذ سيد قطب رحمو اهلل‪" :‬إف من حق الزوج كما أف من حق المرأة أف يطمئن كالىما إلى رفيقو‪ ،‬وأال‬
‫يتعرض لل غراء الذي تنحرؼ معو عواطفو نحو شريكو‪ ،‬إف لم يقده االنحراؼ إلى االنزالؽ والخطيئة‪ ،‬مما‬
‫يهدد ذلك الرباط المقدس‪ ،‬ويطير عن جوه الثقة الكاملة واالطمئاف‪.‬‬
‫ىذا االنحراؼ في العواطف‪ ،‬واالنزالؽ إلى ما ىو أبعد‪ ،‬واقع كل يوـ وكل لحظة في المجتمعات التي ينطلق‬
‫(‪)3‬‬
‫فيها االختالط"‪4‬‬
‫(‪ )6‬ألجل ذلك تحدث العلماء عن ضرر شيوع االختالط‪ ،‬وتكلموا عن اآلثار السيئة المترتبة عليو‪.‬‬
‫يقوؿ اإلماـ ابن القيم‪" -:‬ال ريب أف تمكين النساء من اختالطهن بالرجاؿ‪ :‬أصل كل بلية وشر‪ ،‬وىو من‬

‫‪)1‬آؿ عمراف ‪ -‬اآلية (‪4)34‬‬


‫‪)2‬سورة النور ‪ -‬اآلية (‪. )33‬‬
‫‪)3‬السالـ العالمي واإلسالـ (‪ - )56‬دار الشروؽ‪4‬‬
‫أعظم أسباب نزوؿ العقوبات العامة‪ ،‬كما أنو من أسباب فساد أمور العامة والخاصة‪ ،‬واختالط‬
‫<‪>346‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫الرجاؿ بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا ‪4". .‬‬
‫والواقع يؤيد ىذا الكالـ بشهادة من عاينوا ثمرات االختالط في بالدىم‪.‬‬
‫تقوؿ الصحفية األمريكية ىيلسياف ستانسبري‪" -:‬امنعوا االختالط فقد عانينا منو في أمريكا الكثير‪ .‬لقد أصبح‬
‫المجتمع األمريكي مجتمعا معقدا‪ ،‬مليئا بكل صور اإلباحية والخالعة ‪ . . . .‬إف االختالط واإلباحية والحرية‬
‫في المجتمع األوربي واألمريكي ىدد األسر‪ ،‬وزلزؿ القيم واألخالؽ‪ ،‬فالفتاة الصغيرة تحت سن العشرين في‬
‫المجتمع الحديث تخالط الشباف‪ ،‬وترقص‪ ،‬وتشرب الخمر‪ ،‬وتتعاطى المخدرات باسم المدنية والحرية‬
‫واإلباحية‪ . . .‬وىي تلهو وتعاشر من تشاء تحت سمع عائلتها وبصرىا‪ ،‬بل تتحدى والديها ومدرسيها‬
‫(‪)2‬‬
‫والمشرفين عليها ‪ . .‬تتحداىم باسم الحرية واالختالط‪ ،‬تتحداىم باسم اإلباحية واالنطالؽ ‪" . . .‬‬
‫(‪ )7‬وبعد ىذه المقدمة ندلف إلى حياة الصحابيات لنرى كيف كاف سلوكهن فيما يتعلق بهذا األمر‪-:‬‬
‫(أ) عن حمزة بن أبي أسيد األنصاري عن أبيو أنو سمع رسوؿ اهلل‬
‫<‪>347‬‬
‫صلى اهلل عليو وسلم يقوؿ ‪ -‬وىو خارج من المسجد فاختلط الرجاؿ مع النساء في الطريق ‪ -‬فقاؿ رسوؿ‬
‫(‪)3‬‬
‫الطريق‪ ،‬عليكن بحافات الطريق‪،‬‬ ‫اهلل صلى اهلل عليو وسلم للنساء‪ .‬استأخرف‪ ،‬فإنو ليس لكن أف تحققن‬
‫(‪)4‬‬
‫فكانت المرأة تلتصق بالجدار‪ ،‬حتى إف ثوبها ليتعلق بالجدار‪ :‬من لصوقها بو"‪4‬‬
‫(ب) في المسجد الذي ىو مجمع الصالحين‪ ،‬وفي الصالة التي ىي صلة بين العبد وربو‪ ،‬ال يحل للنساء أف‬
‫يصلين أماـ الرجاؿ أو في محاذاتهم‪ -‬إذا لم يكن لهن مكاف خاص ‪ -‬وإنما يقف الرجاؿ أوال ثم الصبياف‪ ،‬ثم‬
‫النساء‪ ،‬وكلما كانت المرأة أبعد عن الرجاؿ فهي أقرب إلى اهلل تعالى‪ ،‬فخير صفوؼ الرجاؿ أولها‪ ،‬وخير‬
‫صفوؼ النساء آخرىا‪.‬‬

‫‪)1‬الطرؽ الحكمية في السياسة الشرعية (ص‪ )447‬بتحقيق د‪ /‬محمد جميل غازي ‪ -‬مطبعة المدني ‪ -‬بدوف تاريخ‬
‫‪)2‬نقال عن (روائع البياف في تفسير آيات األحكاـ) (ص ‪ )394 -389‬طبعة ثانية سنة ‪3977‬ـ ‪ -‬منشورات مكتبة الغزالي‬
‫‪ -‬دمشق‪.‬‬
‫‪)3‬ليس لكن أف تحققن الطريق‪ -:‬أي ليس لكن أف تمشيين في وسطها‬
‫‪)4‬أخرجو أبو داود (جػ‪ - 2‬ص ‪ )733‬كتاب األدب ‪ -‬باب في مشي النساء مع الرجاؿ في الطريق‪.‬‬
‫(ج) كاف من ى دى النبي صلى اهلل عليو وسلم إذا انتهي من صالتو أف يمكث في مقامو بعض الوقت قبل أف‬
‫يقوـ‪ ،‬لتتمكن النساء من االنصراؼ قبل أف يختلط بهن الرجاؿ‪ ،‬وفي ىذا تقوؿ " أـ المؤمنين أـ سلمة رضي‬
‫اهلل عنها‪" -:‬كاف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم إذا سلم قاـ النساء حين يقضى تسليمو‪ ،‬وىو يمكث في‬
‫مقامو يسيرا قبل أف يقوـ‪ ،‬قالت‪ -:‬نرى‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬أف ذلك كاف لكي ينصرؼ النساء قبل أف يدركهن‬
‫(‪)1‬‬
‫الرجاؿ "‬
‫<‪>348‬‬
‫(د) وفى المسجد أيضا خصص رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم للنساء بابا يدخلن منو ويخرجن بعيدا عن‬
‫اختالطهن بالرجاؿ‪ ,‬وحرص الرجاؿ من جانبهم على عدـ الدخوؿ من ىذا الباب‪.‬‬
‫عن نافع عن بن عمر قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪" - :‬لو تركنا ىذا الباب للنساء؛ قاؿ نافع فلم‬
‫(‪)2‬‬
‫يدخل منو بن عمر حتى مات "‪4‬‬
‫(ج)ومع كل ىذه االحتياطات التى تحوؿ دوف اختالط النساء بالرجاؿ فى أطهر األماكن وأشرفها أكدت‬
‫السنة على أف صالة المرأة فى بيتها أفضل‪ ,‬ووردت فى ذلك عدة أحاديث‬
‫(و)أخرج البخارى فى صحيحو أف أـ المؤمنين عائشة رضى اهلل عنها كانت تطوؼ حرجة من الرجاؿ‪ ,‬ال‬
‫تخالطهم(‪ .)3‬أى معتزلة فى مكاف بعيد عن الرجاؿ ال تختلط فيو معهم‪.‬‬
‫(‪)8‬ومن خالؿ ما سقناه من أدلة ومواقف نجد أف االختالط يمنع فى أماكن الطاعة والعبادة‪ ,‬ففى غيرىا من‬
‫األماكن أولى‪ ,‬من أجل أف نحافظ على العفة التى تتأثر ‪ -‬ال محالة‪-‬بجو االختالط الحر‪ ,‬وقد قاؿ أحد‬
‫(‪)4‬‬
‫الحكماء فى ىذا‪" -:‬العفة حجاب يمزقو االختالط"‬
‫<‪>349‬‬
‫وسمعت أحد الدعاة المعاصرين يتكلم عن ىذه القضية‪ ،‬وىو الشيخ إبراىيم عزت رحمو اهلل‪ ،‬فكاف مما‬
‫قاؿ‪" -:‬إف المرأة إذا خرجت إلى المجتمعات المختلطة عادت وعواطفها مستهلكة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬ومن البدىي أننا ال نعني بهذا الكالـ أف تظل المرأة حبيسة الجدراف‪ ،‬بل لها أف تحرج لمالها إليو حاجة‬
‫ال تستغني عنها إذا راعت في الخروج التستر والحشمة‪ ،‬والبعد عن اإلغراء والفتنة‪ ،‬وابتعدت عن مخالطة‬

‫‪)1‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص‪ )357‬كتاب الصالة ‪ -‬باب صالة النساء خلف الرجاؿ‪4‬‬
‫‪)2‬أخرجو أبو داود(ج‪-3‬ص‪ )324‬كتاب الصالة‪ -‬باب اعتزاؿ النساء المساجد عن الرجاؿ‪4‬‬
‫‪)3‬أخرجو البخارى (ج‪-3‬ص‪)283‬كتاب الحج‪ -‬باب طوؼ النساء مع الرجاؿ‪4‬‬
‫‪)4‬المرأة فى التصور اإلسالمى (ص‪ )342‬عبد المتعاؿ الجبرى‪ -‬طبعة عاشرة سنة ‪ -3994‬مكتبة وىبة ‪4‬‬
‫الرجاؿ على النحو الذي يخدش حياءىا‪.‬‬
‫ولعل فيما ورد في القرآف الكريم من قصة سيدنا موسى مع المرأتين في سورة القصص ما يوضح مثل ىذه‬
‫سقُىَُ َو َو َج َذ ٍِِْ‬ ‫س يَ ْ‬ ‫األمور‪ ،‬وفيها يقوؿ رب العزة‪َ ( -:‬وىَ ََّا َو َس َد ٍَا َء ٍَ ْذيََِ َو َج َذ َعيَ ْي ِه أ ُ ٍَّحً ٍَِِ اىَّْا ِ‬
‫ش ْي ٌخ َمثِي ٌش‬ ‫ص ِذ َس اى ِّشعَا ُء َوأَتُىَّا َ‬ ‫سقِي َحرَّى يُ ْ‬ ‫طثُ ُن ََا قَاىَرَا ََل َّ ْ‬ ‫دُوِّ ِه ٌُ ا ٍْ َشأذَ ْي ِِ ذَ ُزودَا ُِ قَا َه ٍَا َخ ْ‬
‫شي‬ ‫سقَى ىَ ُه ََا ثُ ٌَّ ذَ َىىَّى إِىَى اىظِّ ِّو فَقَا َه َس ِّب إِِّّي ِى ََا أَ ّْ َز ْىدَ إِىَ َّي ٍِِْ َخ ْي ٍش فَقِي ٌش فَ َجا َء ْذهُ إِ ْحذَاهُ ََا ذَ َْ ِ‬
‫فَ َ‬
‫َ (‪)1‬‬
‫سقَ ْيدَ ىَْا) ‪ .‬وال يتسع‪ ،‬المجاؿ للتفصيل فيما‬ ‫سرِ ْحيَا ٍء قَاىَدْ إَُِّ أَتِي يَ ْذعُى َك ىِيَ ْج ِزيَ َل أَ ْج َش ٍَا َ‬ ‫َعيَى ا ْ‬
‫تحويو القصة‪ ،‬ولكن الروح العامة التى يسيطر عليها ىو ما نؤكده من ضرورة محافظة المرأة على سترىا‬
‫وحيائها‪ ،‬وأف تبتعد عن مزاحمة الرجاؿ‪ ،‬فإذا دعت إلى‬
‫<‪>334‬‬
‫محادثة الرجاؿ أو التعامل معهم ضرورة‪ ،‬فينبغي أال تنسى أنها امرأة‪ ،‬وأنو قد يطمع فيها بعض ذوي النفوس‬
‫الضعيفة‪ ،‬فلتحافظ على نفسها وعلى غيرىا‪ ،‬وذلك حتى ال تحدث فتنة تتجرع مرارتها النساء قبل الرجاؿ‪.‬‬
‫<‪>333‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫العلم في حياة الصحابيات‬
‫ويشتمل على مبحثين‬
‫(‪ )3‬الحرص على طلب العلم‪4‬‬
‫(‪ )2‬توظيف العلم في خدمة الدعوة‪4‬‬
‫<‪>332‬‬
‫تمهيد‬
‫(‪ )3‬ال يوجد دين أشاد بالعلم‪ ،‬ورفع من قدره وأعلى من منزلتو مثل الدين اإلسالمي‪.‬‬
‫ويتضح ذلك ‪ -‬جليا‪ -‬من خالؿ النصوص الكثيرة التي وردت في كتاب اهلل تعالى وسنة رسولو صلى اهلل عليو‬
‫وسلم ويكفي أف نشي ر في ىذا المقاـ إلي أف كلمة (علم) وردت بتصريفاتها المختلفة في عدد من آيات‬
‫القرآف الكريم ي قترب من التسعمائة آية‪ ،‬في الوقت الذي وردت فيو عدة آيات تذـ الجهل وتحذر منو‪ ،‬وكاف‬
‫(‪)2‬‬ ‫ك ِ‬
‫الذي َخلَ َق)‬ ‫النداء األوؿ الذي ربط األرض بوحي السماء أمرا من اهلل بالقراءة (اقرأ باسم َربِ َ‬

‫‪)1‬سورة القصص ‪ -‬اآليات (‪.)25 :23‬‬


‫‪)2‬سورة العلق ‪ -‬اآلية (‪. )3‬‬
‫وتال ىذا األمر اإللهي آيات محدودات تسمو بقيمة العلم‪ ،‬وتشيد بالقلم‪.‬‬
‫قسم كاف في كتاب اهلل تعالى كاف قَ َسما بالقلم‪ ،‬وذلك في سورة تسمى باسمو‪ ،‬وىي سورة القلم ‪ .‬وإلى‬
‫وأوؿ َ‬
‫جانب ما ورد في القرآف الكريم بشأف العلم ال يخلو كتاب من كتب السنة في القديم أو الحديث إال وىو‬
‫(‪)1‬‬
‫يشتمل على جزء كبير منو يحوى أقواؿ النبي صلى اهلل عليو وسلم المشتملة على مسائل العلم وآدابو‬

‫<‪>333‬‬
‫(‪ )2‬من ىنا فقد وردت نصوص كثيرة تحث المسلم على أف يستكثر من العلم‪ ،‬ويستزيد منو‪ ،‬فإذا تَحصل لو‬
‫شيء منو علمو لغيره‪ ،‬وأفاد اآلخرين‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫قاؿ تعالى‪( -:‬وقل رب ِزدني علما)‬
‫وقاؿ سبحانو وتعالى‪َ ( -:‬و ٍَا َماَُ ا ْى َُ ْؤ ٍُِْىَُ ىِيَ ْْفِ ُشوا َمافَّحً فَيَ ْى ََل َّفَ َش ٍِِْ ُم ِّو فِ ْشقَ ٍح ٍِ ْْهُ ٌْ طَائِفَحٌ‬
‫(‪)3‬‬
‫ىِيَرَفَقَّهُىا فِي اىذِّي ِِ َوىِيُ ْْ ِز ُسوا قَ ْى ٍَهُ ٌْ إِ َرا َس َجعُىا إِىَ ْي ِه ٌْ ىَ َعيَّهُ ٌْ يَ ْح َز ُسوَُ )‬
‫وعن أنس بن مالك رضي اهلل عنو عن رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم قاؿ‪" -:‬من خرج في طلب العلم كاف‬
‫(‪)4‬‬
‫في سبيل اهلل حتى يرجع"‪4‬‬
‫وفي التعليل لكوف طلب العلم لونا من ألواف الجهاد ‪ -‬بل ىو في قمتو ‪ -‬يقوؿ اإلماـ ابن القيم‪" -:‬إنما ُج ِع َل‬
‫طلب العلم من سبيل اهلل ألف بو قواـ اإلسالـ كما أف قوامو بالجهاد‪ ،‬فقواـ الدين بالعلم والجهاد‪ ،‬ولهذا كاف‬
‫الجهاد نوعين‪ :‬جهاد باليد والسناف ‪ ،‬وىذا المشارؾ فيو كثير ‪ ،‬والثانى الجهاد بالحجة والبياف‪ ،‬وىذا جهاد‬
‫الخاصة من أتباع‬
‫<‪>334‬‬
‫(‪)5‬‬
‫الرسل‪ ،‬وىو جهاد األئمة‪ ،‬وىو أفضل الجهادين‪ ،‬لعظم منفعتو‪ ،‬وشدة مئونتو‪ ،‬وكثرة جهاد أعدائو ‪). . . .‬‬
‫(‪ )3‬والمالحظ في ىذا المجاؿ أف اإلسال ـ جعل طلب العلم فريضة الزمة على كل منتسب إليو‪ ،‬رجال كاف أو‬

‫‪)1‬لمزيد من االطالع على عناية اإلسالـ بالعلم يراجع كتاب (مفتاح دار السعادة) للماـ ابن القيم‪ ،‬ومقدمة كتاب (المجموع‬
‫شرح المهذب) للماـ النووي‪ ،‬وكتاب (إحياء علوـ الدين) للماـ أبي حامد الغزالي‪ ،‬وغير ذلك كثير‪.‬‬
‫‪)2‬سورة طو اآلية (‪)334‬‬
‫‪)3‬سورة التوبة ‪ -‬اآلية‪)322( :‬‬
‫‪)4‬أخرجو الترمذي‪ ،‬وحسنو (جػ‪ - 5‬ص ‪ )29‬كتاب العلم‪ -‬باب فضل طلب العلم‪.‬‬
‫‪)5‬مفتاح دار السعادة (جـ‪ - 1‬ص‪ )07‬نشر مكتبة الفاروق احلديثة ‪ -‬بدون تاريخ‬
‫(‪)1‬‬
‫امرأة حرا كاف أو عبدا‪ ،‬ففي الحديث‪" -:‬طلب العلم فريضة على كل مسلم"‬
‫ولئن كانت كلمة (مسلم) تعني كل من أقر باإلسالـ ‪ -‬ذكراً كاف أو أنثى ‪ -‬فإف ثمة روايات تذكر اآلتي‬
‫بالنص‪ ،‬ومن ذلك قولو صلى اهلل عليو وسلم ‪" -:‬ثالثة لهم أجراف‪ :‬رجل من أىل الكتاب‪ ،‬آمن بنبيو وآمن‬
‫بمحمد صلى اهلل عليو وسلم والعبد المملوؾ إذا أدى حق اهلل وحق مواليو‪ ،‬ورجل كانت عنده أمة‪ ،‬فأدبها‬
‫(‪)2‬‬
‫فأحسن تأديبها‪ ،‬وعلمها فأحسن تعليمها‪ ،‬ثم أعتقها فتزوجها‪ ،‬فلو أجراف "‬
‫وبالتأمل في ىذا الحديث نجد أف اإلسالـ قد بلغ في أمر تعليم النساء العلم مبلغا عظيما‪ ،‬وذلك حين تجاوز‬
‫تعليم الحرائر إلى الحث على تعليم اإلماء‪ ،‬وقرف أجر تعليمهن بأجر عتقهن والتزوج بهن‪ ،‬ولفت النظر بذكر‬
‫اإلماء إلى أىمية العناية بتعليم النساء بصفة عامة‪ ،‬ولذا ترجم اإلماـ البخاري لهذا الحديث حين أورده بقولو ‪:‬‬
‫باب تعليم الرجل أمتو وأىلو"‪.‬‬
‫<‪>335‬‬
‫(‪ )4‬وقد أثمرت ىذه التوجيهات القرآنية والنبوية ثمرتها في مجتمع الصحابيات الجليالت رضواف اهلل عليهن‪،‬‬
‫فالتف الجميع ‪ -‬رجاال ونساء ‪ -‬حوؿ النبي صلى اهلل عليو وسلم يتعلموف منو‪ ،‬ويستفتونو في أمور دينهم‬
‫ودنياىم‪.‬‬
‫وفيما يلي نتعرؼ على اىتماـ الصحابيات بهذا الجانب المهم في اإلسالـ‪ ،‬وذلك في المبحثين التاليين‪-:‬‬
‫(أ) الحرص علي طلب العلم‪4‬‬
‫(ب) توظيف العلم في خدمة الدعوة‪4‬‬
‫<‪>336‬‬
‫المبحث األوؿ‬
‫الحرص على طلب العلم‬
‫(‪ )3‬تتعدد المظاىر الدالة على اىتماـ الصحابيات عامة بطلب العلم والحرص عليو‪ ،‬ويمكن إجماؿ ىذه‬
‫المظاىر فيما يلي‪-:‬‬
‫(‪ ) 3‬ما ورد من كثرة األسئلة التي وردت منهن لرسوؿ صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬وبعض ىذه األسئلة يتعلق بأمور‬
‫عامة‪ ،‬وبعضها يتعلق بأمور خاصة جدا‪ ،‬كسؤاؿ إحداىن عن كيفية غسلها من المحيض‪ ،‬وسؤاؿ األخرى عن‬

‫‪)1‬أخرجو ابن ماجو (جػ‪ - 3‬ص‪ )83‬المقدمة ‪ -‬باب فضل العلماء والحث على طلب العلم‪ ،‬وقد روي ىذا الحديث من‬
‫عدة طرؽ تبلغ رتبة الحسن كما قاؿ الشيخ جماؿ‪ /‬الدين المزي‪.‬‬
‫‪)2‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص ‪ )29‬كتاب العلم ‪ -‬باب تعليم الرجل أمتو وأىلو ‪.‬‬
‫وجوب الغسل على المرأة إذا احتلمت ‪ . . .‬الخ وأمثاؿ ىذا في السنة كثير‪.‬‬
‫وقد أثنت السيدة عائشة رضواف اهلل عليها على الصحابيات من األنصار‪ ،‬والالتي لم يمنعهن حياؤىن من الفقو‬
‫في دين اهلل‪ ،‬فقالت‪( -:‬نعم النساء نساء األنصار‪ ،‬لم يمنعهن الحياء أف يتفقهن في الدين"(‪.)1‬‬
‫(ب) ما ثبت من رغبة النساء في أف يحدد لهن رسوؿ صلى اهلل عليو وسلم وقتا خاصا بهن‪ ،‬وذلك حين‬
‫الحظن استئثار الرجل بمعظم وقتو صلى اهلل عليو وسلم‪.‬‬
‫<‪>337‬‬
‫رضي اهلل عنو قاؿ‪" -:‬قالت النساء للنبي صلى اهلل عليو وسلم‪" -:‬غلبنا عليك‬
‫فعن أبي سعيد الخدري َ‬
‫الرجاؿ‪ ،‬فاجعل لنا يوما من نفسك‪ ،‬فوعدىن يوما لقيهن فيو‪ ،‬فوعظهن وأمرىن؟ فكاف فيما قاؿ لهن‪ -:‬ما‬
‫(‪)2‬‬
‫منكن امرأة تقدـ ثالثة من ولدىا إال كاف حجابا من النار‪ ،‬فقالت امرأة‪ :‬واثنتين؟ فقاؿ‪ :‬واثنتين"‬
‫(أ ) ما ورد من أف الصحابية كانت تنتظر عودة زوجها أو وليها لتسألو‪ :‬ماذا أنزؿ اهلل من اآليات في ىذا اليوـ‪،‬‬
‫وماذا تعلمت من حديث رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم؟‬
‫وقد مر بنا منذ صفحات قالئل ما ورد بشأف آيات الحجاب في سورة النور‪ ،‬وما ذكر من أف الرجاؿ حين‬
‫سمعوا اآليات رجعوا إلى ذويهم‪ ،‬فقرأوا عليهن ما أنزؿ اهلل تعالى من اآليات‪ ،‬فأصبحن خلف رسوؿ اهلل صلى‬
‫اهلل عليو وسلم متلففات بأكسيتهن في صالة الصبح ما يعرفهن أحد‪.‬‬
‫وىذه المظاىر تشترؾ فيها عامة الصحابيات دوف استثناء واحدة منهن‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬وإلى جانب ىذه المظاىر العامة التي تدؿ علي عناية الصحابيات بطلب العلم‪ ،‬توجد روايات تخص‬
‫بعضهن بالذكر‪ ،‬ونختار منها ما يلي ‪-:‬‬
‫(أ) ما ورد من كثرة مرويات عدد من الصحابيات عن رسوؿ‬
‫<‪>338‬‬
‫اهلل صلى اهلل عليو وسلم ألحاديثو الشريفة‪ ،‬وعلى رأس ىؤالء أمهات المؤمنين رضواف اهلل عليهن‪ ،‬والسيدة‬
‫أسماء بنت أبى بكر‪ ،‬وغيرىن كثير‪.‬‬
‫وقد خصص اإلماـ أحمد بن حنبل الجزء األخير من مسنده لروايات النساء عن رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو‬
‫وسلم‪ ،‬فبلغت سدس ما حواه المسند من األحاديث‪ ،‬والتي يبلغ عددىا قرابة أربعين ألف حديث‪ ،‬وبذلك تبلغ‬

‫‪)1‬أخرجو البخاري (ج‪ - 3‬ص ‪ )37‬كتاب العلم ‪ -‬باب الحياء في العلم‪ ،‬وأخرجو مسلم (جػ‪ - 3‬ص ‪ )263‬كتاب‬
‫الحيض‪ -‬باب استحباب استعماؿ المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدـ‬
‫‪)2‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 3‬ص‪ )34‬كتاب العلم ‪ -‬باب ىل يجعل للنساء يوـ على حدة في العلم؟‪.‬‬
‫مرويات النساء ما يقارب سبعة آالؼ حديث‪ ،‬وقد بلغت مرويات السيدة عائشة وحدىا‪ :‬عشرة ومائتاف وألفاف‬
‫(‪ )2234‬حديث؟ وتع د من المكثرين في الرواية عن رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬وىم الذين زادت‬
‫مروياتهم عن ألف حديث‪ ،‬ويليها في المرتبة الثانية السيدة أـ سلمة رضي اهلل عنها‪ ،‬ولها من األحاديث‪ :‬ثمانية‬
‫وسبعوف وثالثمائة (‪.)378‬‬
‫(ب) ومن األمثلة البارزة من النساء الصحابيات في مجاؿ العلم بشتى صنوفو وألوانو أـ المؤمنين عائشة ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنها ‪ -‬والتي شهد لها بهذا التفوؽ الكثير من مشاىير الصحابة ومن تالىم‪.‬‬
‫وفيما يلي نتعرؼ على بعض ما قيل في غزارة علم السيدة عائشة رضي اهلل عنها‪-:‬‬
‫(‪ ) 3‬فعن غزارة علمها بالنسبة لنساء عصرىا يقوؿ سمعاف بن عيينة قاؿ الزىرى‪" :‬لو جمع علم عائشة إلى‬
‫علم جميع أزواج النبي صلى اهلل عليو وسلم وجميع النساء كاف علم عائشة رضي اهلل عنها أكثر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬وعن علمها بالحديث روي عن أبي موسى األشعري رضي اهلل‬
‫<‪>339‬‬
‫عنو قولو‪" -:‬ما ِ‬
‫أشك َل علينا أصحاب رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم حديث قط‪ ،‬فسألنا عائشة عنو إال‬
‫وجدنا عندىا منو علما"‬
‫(‪ )3‬وعن علمها بالفرائض (أي المواريث) عن مسروؽ قاؿ‪" -:‬نحلف باهلل لقد رأينا األكابر من أصحاب‬
‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم يسألوف عائشة عن الفرائض"‪.‬‬
‫(‪ ) 4‬وعن علمها بالطب روى عن ىشاـ بن عروة قاؿ‪ .‬كاف عروة يقوؿ لعائشة‪ :‬يا أمتا ال أعجب من فقهك‪،‬‬
‫أقوؿ زوجة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم وابنة أبي بكر‪ ،‬لكن أعجب من علمك بالطب ‪ -‬قاؿ‪ :‬فضربت‬
‫على منكبو وقالت‪ :‬أي عروة‪ .‬إف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم كاف يسقم في آخر عمره‪ ،‬فكانت تقدـ عليو‬
‫وفود العرب من كل وجو فتنعت لو األنعات (أي تضع لو الوصفات الطبية) فكنت أعالجها فمن ثم (أي كنت‬
‫أقوـ بعملها‪ ،‬فتعلمت الطب من ذلك)‪.‬‬
‫(‪ )5‬وعن علمها بالفقو قاؿ عطاء بن أبي رباح‪" -:‬كانت عائشة أفقو الناس"‪.‬‬
‫(‪ ) 6‬وعن علمها بالشعر ورد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيو قاؿ‪" -:‬ما رأيت أحدا أروى لشعر من‬
‫عروة فقيل لو‪ :‬ما أرواؾ يا أبا عبد اهلل؟ قاؿ‪ :‬وما روايتي من رواية عائشة؟ ما كاف ينزؿ بها شيء إال أنشدت‬
‫فيو شعرا"‪.‬‬
‫وىكذا لم تدع أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها بابا من أبواب العلم إال وطرقتو‪ ،‬ولم يكن ما تعلمو في كل‬
‫مجاؿ منها محدودا أو‬
‫<‪>324‬‬
‫قليالً بل فاؽ غيرىا بكثير‪ ،‬وىا ىو عروة بن الزبير ابن أختها أسماء بنت أبي بكر يقوؿ عنها‪" -:‬لقد صحبت‬
‫عائشة‪ ،‬فما رأيت أحد ا قط كاف أعلم بآية نزلت‪ ،‬وال بفريضة‪ ،‬وال بسنة‪ ،‬وال بشعر‪ ،‬وال أروى لو‪ ،‬وال بيوـ من‬
‫أياـ العرب‪ ،‬وال بنسب‪ ،‬وال بكذا‪ ،‬وال بكذا وال بقضاء‪ ،‬وال طب منها"(‪.)1‬‬
‫(جػ) ولم تكن السيدة عائشة وحدىا صاحبة السبق في مجاؿ العلم ‪ -‬وإف تفوقت على من سواىا ‪ -‬بل إف‬
‫ىناؾ من النساء من اشتهرف بالفتيا والحديث كثيرات أمثاؿ‪ :‬السيدة أـ سلمة‪ ،‬والسيدة حفصة‪ ،‬والسيدة‬
‫أسماء بنت أبي بكر‪ ،‬والسيدة أـ سليم‪ ،‬والسيدة فاطمة بنت قيس‪ ،‬والسيدة أـ أيمن‪ ،‬والسيدة زينب بنت أبي‬
‫سلمة ‪ . . .‬إلخ"‪.‬‬
‫وىكذا نجد أف نساء الصحابة لم يقل اىتمامهن بالعلم عن الرجاؿ‪ ،‬ألف اإلماـ لم يفرؽ في ىذا بالعلم عن‬
‫الرجاؿ ألف اإلسالـ لم يفرؽ فى ىذا األمر بين ذكر وأنثى‪.‬‬
‫وقد استمر عطاء ا لنساء في المجاؿ العلمي على مدار األجياؿ من غير انقطاع‪ ،‬وإنما اكتفينا بما يتعلق ببحثنا‬
‫من ذكر الصحابيات رضواف اهلل عليهن‪.‬‬
‫واألمل معقود في نساء األمة أف يسلكن طريق أمهات المؤمنين وصالحات خير القروف في االىتماـ بتعلم‬
‫العلوـ الشرعية‪ ،‬والدخوؿ من ىذا الباب إلى خدمة اإلسالـ في جميع المجاالت‪ ،‬فإنو لن يصلح آخر ىذه‬
‫األمة إال بما صلح بو أولها‪.‬‬
‫<‪>323‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫توظيف العلم فى خدمة الدعوة‬
‫(‪ )3‬العلم فى اإلسالـ ليس مقصودا لذاتو‪ ،‬فلن يسأؿ اهلل أحدا عن القدر الذي َع ِل َموُ‪ ،‬أو الكم الذي حصلو‪،‬‬
‫وإنما العبرة بالعمل والتطبيق‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ظ‪ ،‬العلم ما نفع "‬
‫يقوؿ اإلماـ الشافعي رحمو اهلل‪" -:‬ليس العلم ما حف َ‬
‫ويقوؿ سفياف بن عيينة رضي اهلل عنو‪" -:‬إف أنا عملت بما أعلم فأنا أعلم الناس‪ ،‬وإف لم أعلم بما أعمل‬

‫‪1‬راجع ىذه اآلثار في (اإلصابة في تمييز الصحابة) البن حجر‪ ،‬وراجع (صفة الصفوة) البن الجوزي وغيرىما من الكتب التي‬
‫ترجمت ألـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها‬
‫‪)2‬الجامع ألخالؽ الراوي وآداب السامع (جػ‪ - 3‬ص‪ )94‬الخطيب البغدادي ‪.‬‬
‫فليس في الدنيا أحد أجهل مني"(‪ )1‬وقد ذـ اهلل تعالى في كتابو اليهود حين حملوا التوراة علما وأىملوىا‬
‫تطبيقا‪ ،‬وقاؿ عنهم‪ -‬وعمن يسير سيرتهم‪( :-‬مثل الذين حملوا ال ْتػ ْوَرا َة ثم لم يَحملوىا َك َمثَ ِل َ‬
‫الحمار يحمل‬
‫(‪)2‬‬
‫أَس َف ًارا )‬
‫<‪>322‬‬
‫(‪ )2‬ومن ىنا وجب على من يتصدى لطلب العلم أف يكوف ىدفو ومقصده مرضاة اهلل تبارؾ وتعالى‪ ،‬وىذا لن‬
‫يكوف إال إذا استهدؼ اإلنساف من وراء ذلك العمل وليس الشهرة أو تحقيق المنزلة الدنيوية‪.‬‬
‫وقد قيل في ىذا‪" -:‬من خرج إلى العلم يريد العلم لم ينفعو العلم‪ ،‬ومن خرج إلى العلم يريد العمل بو نفعو‬
‫(‪)3‬‬
‫قليل العلم"‬
‫وقيل أيضا‪" -:‬ليس العالم من يعرؼ الحالؿ من الحراـ‪ ،‬وإنما العالم من يعرؼ الحالؿ فيلتزمو‪ ،‬ويعرؼ‬
‫الحراـ فيجتنبو"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقد فهمت الصحابيات الجليالت رضواف اهلل عليهن ىذا المعنى‪ ،‬فلم يسألن رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو‬
‫وسلم تكثرا من العلم فقط‪ ،‬وإنما للوصوؿ بهذا العلم إلى الجنة‪.‬‬
‫ويتضح ذلك من خالؿ الكثير مما سقناه من أمثلة‪ ،‬والتي كاف يتضح فيها حرصهن على اكتساب األجر‬
‫وتحصيل الثواب‪.‬‬
‫ومما يدؿ على عمق ىذا المفهوـ لدى الصحابيات الجليالت ما ورد عن عطاء قاؿ‪" :‬كاف فتى يختلف إلى‬
‫أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬فيسألها وتحدثو‪ ،‬فجاء ذات يوـ يسألها فقالت‪ :‬يا بني ىل عملت بعد ما‬
‫سمعت مني؟ فقاؿ؟ ال واهلل يا أمة‪ .‬ففالت‪ :‬يا بني فبما‪ )2( 4‬تستكثر من حجج اهلل علينا وعليك؟(‪" )5‬‬
‫<‪>323‬‬
‫(‪ )4‬وتحقق صالح اإلنساف في نفسو ‪ -‬على ضوء ما تعلمو من العلم ‪ -‬ىو أوؿ ىدؼ من أىداؼ الدعوة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وىو دليل النجاح وطريق الفالح إلى إصالح الغير‪ ،‬فإف فاقد الشيء ال يعطيو‪.‬‬

‫‪)1‬اقتضاء العلم العمل ص ‪ )37‬الخطيب البغدادي‪.‬‬


‫‪)2‬سورة الجمعة ‪ -‬اآلية (‪.)5‬‬
‫‪)3‬المرجع السابق (ص ‪.)33‬‬
‫‪)4‬ىكذا في األصل‪ ،‬ولعلها (فلم)‬
‫‪)5‬نفس المرجع (ص ‪.)64‬‬
‫ولذلك جمع اهلل تعالى بين الدعوة إليو واالستقامة على منهجو فقاؿ‪( -:‬فَل َذلِ َ‬
‫ك فَادع َواستَ ِقم َك َما أمرت)‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )5‬لكن ىذا الصالح الذاتي ال يكفي‪ ،‬بل البد وأف تضم إليو المرأة المسلمة جهودىا في إصالح غيرىا ممن‬
‫حولها‪ ،‬وىو ما أمرنا بو ربنا‪ ،‬وما دعانا إليو نبيا دوف أف يفرؽ في ذلك بين رجل وامرأة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫اهلل َعلَى ب ِ‬
‫ص َيرة أَنَا َوَم ِن اتبَعني)‬ ‫يقوؿ اهلل تعالى‪( -:‬قل ىذه سبيلي أَدعو إلَى ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ولم تقل اآلية‪ :‬أنا والرجاؿ فقط‪ ،‬فيصبح ىذا التكليف عاما للرجاؿ والنساء على السواء‪.‬‬
‫المنكر َويقيمو َف‬ ‫ويقوؿ تعالى‪( -:‬والمؤمنو َف والمؤمناَت بعضهم أَولياء بعض يأمرو َف بالم ِ‬
‫عروؼ َويَنهو َف َع ِن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫ك َس َيرحمهم اللًو إف الل َْو َع ِزيز َحكيم)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصال َة َويؤتَو َف ال ًزَكا َة َويطيعو َف اللْوَ َوَرسولو أولئ َ‬
‫وقد نصت اآلية الكريمة على وجوب الدعوة إلى اهلل على الرجاؿ والنساء وبشكل واضح‪ ،‬وليس استنتاجا من‬
‫النص‪.‬‬
‫<‪>324‬‬
‫وفي الحديث‪" -:‬بلغوا عني ولو آية"(‪ .)4‬وىو أمر يشمل الجميع دوف تفريق‪.‬‬
‫(‪ )6‬وإلى جانب ىذه األوامر العامة بالقياـ بواجب الدعوة نجد أمرا خاصا للنساء‪ ،‬وذلك في قولو تعالى ‪-‬‬
‫ِ (‪)5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كمة)‬
‫(واذكرف َما يتلى في بيوتكن من آيَات اللْو َوالح َ‬
‫َ‬
‫فهذا التوجيو لنساء النبي صلى اهلل عليو وسلم ينسحب على كل امرأة مسلمة بعدىن‪ ،‬فتجتهد الواحدة في أف‬
‫تكوف داعية خير‪ ،‬وداللة ىدى‪ ،‬فإف الداؿ على الخير كفاعلو‪.‬‬
‫(‪ )7‬وبعد ىذا التأصي ل لبياف أىمية القياـ بالدعوة في حياة المرأة المسلمة ندلف إلى األمثلة والمواقف من‬
‫حياة الصحابيات لنرى كيف حافظت نساء ىذا الجيل على أف يصل نور اهلل إلى العالمين‪.‬‬
‫(‪ )3‬من أدلة حب الصحابيات لدعوة الناس إلى الخير‪ ،‬وداللتهم على الهدى ما سبقت اإلشارة إليو من أف‬
‫السيدة أـ سليم رضي اهلل عنها حين خطبها أبو طلحة رغبت في إسالمو‪ ،‬وقالت لو‪ :‬ما مثلك يػُ َرد‪ ،‬ولكنك‬
‫امرؤ مشرؾ‪ ،‬فإف أسلمت فذلك مهري ‪ . . . .‬إلخ"‪.‬‬
‫ما أجمل أف تترسم األخت المسلمة خطى ىذه المرأة الصالحة في اغتناـ الفرص‪ ،‬وذلك كحب الناس لها‪ ،‬أو‬

‫‪)1‬سورة الشورى‪ -‬اآلية (‪.)35‬‬


‫‪)2‬سورة يوسف ‪ -‬اآلية (‪)348‬‬
‫‪)3‬سورة التوبة ‪ -‬اآلية (‪)73‬‬
‫‪)4‬أخرجو البخاري (جػ‪ - 2‬ص ‪ )258‬كتاب أحادث األنبياء ‪ -‬باب ما ذكر عن بني إسرائيل‬
‫‪)5‬سورة األحزاب ‪ -‬اآلية (‪. )34‬‬
‫حاجة الناس إليها لتأخذ بأيديهم إلى الطاعة‪ ،‬وتدلهم على االستقامة‪.‬‬
‫<‪>325‬‬
‫(ب) إذا كانت الدعوة تستلزـ التضحية‪ ،‬وتستوجب الصبر على تحمل المكاره‪ ،‬فإف الصحابيات ‪ -‬رضواف‬
‫اهلل عليهن ‪ -‬أخذف بنصيب موفور من ىذا الجانب‪ ،‬وقد سبقت اإلشارة إلى أف أوؿ شهيدة في اإلسالـ ىي‬
‫السيدة سمية بنت خي اط‪ ،‬أـ عمار بن ياسر رضي اهلل عنهم جميعا‪ ،‬وقد قتلها أبو جهل حين جهرت بالحق‬
‫في وجهو‪ ،‬واستمسكت بدينها رغم التعذيب الذي نالها وزوجها وولدىا‪.‬‬
‫وال ننسى في مجاؿ التضحية تحمل الصحابيات لألذى والتعذيب النفسي والجسدي بالحصار الظالم في‬
‫شعب أبي طالب لثالث سنوات متوالية‪ ،‬وىجرة بعضهن إلى الحبشة مرتين ثم إلى المدينة‪ ،‬فرارا بدينهن من‬
‫الفتن‪.‬‬
‫ولننظر معا في ىذا الموقف الذي يجمع بين حب المرأة المسلمة لدعوة غيرىا إلى اإلسالـ‪ ،‬وتحملها األذى‬
‫في سبيل اهلل عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قاؿ‪" -:‬وقع في قلب أـ شريك اإلسالـ فأسلمت وىي بمكة‪،‬‬
‫وكانت تحت أبي العسكر الدوسي‪ ،‬ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرا‪ ،‬فتدعوىن وترغبهن في اإلسالـ‪،‬‬
‫حتى ظهر أمرىا ألىل مكة‪ ،‬فأخذوىا وقالوا‪ :‬لوال قومك لفعلنا بك وفعلنا‪ ،‬لكنا سنردؾ إليهم‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فحملوني على بعير ليس تحتي شيء‪ ،‬ثم تركوني ثالثا ال يطعمونني‪ ،‬وال يسقونني‪ ،‬وكانوا إذا نزلوا منزال‬
‫أوثقوني في الشمس واستظلوا ىم منها‪ ،‬وحبسوني عن الطعاـ والشراب‪ ،‬فبينما ىم قد‬
‫<‪>326‬‬
‫نزلوا منزال وأوثقوني في الشمس إذا أنا ببرد شيء على صدري‪ ،‬فتناولتو فإذا ىو دلو من ماء‪ ،‬فشربت منو‬
‫قليال ثم نزع مني ف رفع‪ ،‬ثم عاد فتناولتو فشربت ثم رفع‪ ،‬ثم عاد فتناولتو ثم رفع مرارا‪ ،‬ثم تركت فشربت حتى‬
‫رويت‪ ،‬ثم أفضت سائره على جسدي وثيابى‪ ،‬فلما استيقظوا إذا ىم بأثر الماء‪ ،‬ورأوني حسنة الهيئة‪ ،‬فقالوا‬
‫لي‪ :‬انحللت فأخذت سقاءنا فشربت منو؟ قلت‪ :‬ال واهلل‪ ،‬ولكنو كاف من األمر كذا وكذا‪ -‬قالوا‪ :‬لئن كنت‬
‫(‪) 1‬‬
‫صادقة لدينك خير من ديننا‪ ،‬فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوىا كما تركوىا‪ ،‬فأسلموا عند ذلك "‬
‫وىكذا تكوف بركة الدعوة والتضحية في سبيلها‪.‬‬
‫(جػ) وإذا كانت الدعوة تستلزـ لسانا عذبا يجيد عرض مبادئها‪ ،‬ويحسن داللة الناس عليها‪ ،‬فإف من األمثلة‬
‫الرائدة من الصحابيات في ىذا المجاؿ أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬والتي تدؿ النصوص على امتالكها‬

‫‪)1‬صفة الصفوة (جػ‪ - 2‬ص‪ )53‬ابن الجوزي‪.‬‬


‫لزماـ البياف‪ ،‬وقدرتها على انتقاء أطيب الكالـ‪.‬‬
‫عن األحنف بن قيس قاؿ‪" -:‬سمعت خطب ة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثماف بن عفاف وعلي بن‬
‫(‪)1‬‬
‫أبي طالب؟ فما سمعت الكالـ من في مخلوؽ أحسن وال أفخم من في عائشة‪ ،‬رحمة اهلل عليهم أجمعين"‬
‫وعن سفياف قاؿ‪ :‬سأؿ معاوية زيادا‪ :‬أي الناس أبلغ قاؿ‪ :‬أنت يا‬
‫<‪>327‬‬
‫أمير المؤمنين؟ قاؿ‪ :‬أعزـ عليك‪ .‬قاؿ‪ .‬إذا عزمت على فعائشة‪ .‬فأيده معاوية وصدقو‪ ،‬وقاؿ "ما فتحت بابا‬
‫قط تريد أف تغلقو إال أغلقتو‪ ،‬وال أغلقت بابا قط تريد أف تفتحو إال فتحتو"(‪.)2‬‬
‫فما أجمل ‪ -‬أختي المسلمة ‪ -‬أف تعيشي للسالـ‪ ،‬وتعتبري نفسك وقفا هلل تعالى‪ ،‬فتجتهدي في إصالح‬
‫نفسك‪ ،‬وتعملي على إصالح غيرؾ‪ ،‬وبذلك تنالين السعادة في الدارين‪ ،‬مع الذين أثنى اهلل عليهم في كتابو‬
‫ْج َر المحسنِين)(‪.)3‬‬ ‫الصالة إنْا ال ِ‬ ‫فقاؿ‪ِ -:‬‬
‫نضيع آ ْ‬ ‫ين يمسكو َف بالكتاب َوأقَاموا ْ‬
‫(والذ َ‬
‫َ‬
‫<‪>328‬‬
‫الخاتمة‬
‫وبعد‪-:‬‬
‫فهذا آخر ما يسره اهلل تبارؾ وتعالى لي من الكتابة حوؿ (حياة الصحابيات) وال شك أف في اإلمكاف توسعة‬
‫الموضوع وإثرائو بصورة أكبر مما ىي عليو‪ ،‬ولكن ضيق الوقت وكثرة األسماء لم تسمح بأكثر من ىذا‪.‬‬
‫وقد حاولت في ىذه الدراسة أف أجمع بين التأصيل النظري والتطبيق الفعلى من حياة ىؤالء الصحابيات‬
‫الجليالت‪ ،‬وىو ما أحسبو نافعا بإذف اهلل تعالى‪.‬‬
‫وأدعو اهلل عز وجل أف يقيل عثراتنا‪ ،‬وأف يغفر زالتنا‪ ،‬وأف يرحم آباءنا وأمهاتنا ومشايخنا‪ ،‬وأف يبارؾ في‬
‫زوجاتنا وأوالدنا‪ ،‬وأف يتقبل منا أعمالنا‪ ،‬ويجعلها خالصة لوجهو الكريم‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أف الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫المهندسين ‪ -‬جيزة‬
‫‪ 34‬شواؿ سنة ‪ 3434‬ىػ الموافق ‪ 2443 /33 /3‬ـ‬
‫المؤلف‬

‫‪)1‬نفس المرجع (جػ ‪ -2‬ص‪. )36‬‬


‫‪)2‬نفس المرجع والصفحة‬
‫‪)3‬سورة األعراؼ ‪ -‬اآلية (‪)37‬‬
‫أ‪ .‬د‪ /‬طلعت محمد عفيفي سالم‬
‫عميد كلية الدعوة اإلسالمية بالقاىرة‬
‫جامعة األزىر‬

‫<‪>329‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫المقدمة‪3 ........................................................................................‬‬
‫التمهيد‪9 .......................................................................................‬‬
‫الفصل األوؿ‪( -:‬العبادة في حياة الصحابيات)‬
‫ويشتمل على ثالثة مباحث ‪36.........................................‬‬
‫المبحث األوؿ‪ -:‬ترؾ المعصية؟ والورع عن مواقعة الشبهات ‪23..................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ -:‬المحافظة على أداء الفرائض‪ ،‬واإلكثار من النوافل‪26 ........................... .‬‬
‫المبحث الثالث‪ -:‬اإلكثار من ذكر اهلل تعالى ‪43 .................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪( -:‬الجانب االجتماعي في حياة الصحابيات)‬
‫ويشتمل على أربعة مباحث ‪48 .................................................................‬‬
‫المبحث األوؿ‪ -:‬مع الزوج ‪49 .................................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ -:‬مع األوالد ‪67 .................................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ -:‬مع األخوات المسلمات‪78 ....................................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ -:‬في مواجهة أعداء اإلسالـ ‪83 ..................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪( -:‬العفة في حياة الصحابيات)‬
‫ويشتمل على مبحثين‪94 .................................................................... -:‬‬
‫المبحث األوؿ‪ -:‬المحافظة على ارتداء الحجاب‪95 ................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬البعد عن االختالط بالرجاؿ‪343 ................................................‬‬
‫الفصل الرابع‪( -:‬العلم في حياة الصحابيات)‬
‫ويشتمل على مبحثين ‪333 .....................................................................‬‬
‫المبحث األوؿ‪( -:‬الحرص على طلب العلم)‪336.................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪( -:‬توظيف العلم في خدمة الدعوة)‪323 .........................................‬‬
‫الخاتمة‪328 .....................................................................................‬‬
‫الفهرس‪329 ................................................................................. :‬‬
‫وما توفيقي إال باهلل‪ ،‬عليو توكلت وإليو أنيب‬

You might also like