Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
الحمد هلل رب العالمين ،والعاقبة للمتقين ،ال عدواف إال على الظالمين .وأشهد أف ال إلو إال اهلل وحده ال
شريك لو ،وأشهد أف محمداً عبده ورسولو ،وعلى آلو وأصحابو وأزواجو أمهات المؤمنين ،وعلى كل من سار
على نهجو وسلك سبيلو إلى يوـ الدين ،وعنا معهم بعفوؾ وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
وبعد..
فمنذ أف أشرقت شمس اإلسالـ على الدنيا وعطاؤه ال ينفد من القدوات الصالحات في شتى المجاالت ،وىو
ما أشار إليو النبي المصطفى صلى اهلل عليو وسلم بقولو" :ال تزاؿ طائفة من أمتي ظاىرين على الحق ،ال
()1
يضرىم من خذلهم حتى يأتي أمر اهلل وىم كذلك"
( )2ومع كثرة ىذه القدوات في كل عصر ومصر ،فإف جيل الصحابة -رضواف اهلل عليهم -يبقى دائما ىو
أفضل تلك القدوات ،وأسعدىا بطاعة اهلل ،وأكثرىا عمالً باإلسالـ ،وىم أصحاب فضل على كل من دخل في
اإلسالـ بعدىم ،فبجهادىم عم نور اهلل على
< >4
أفواجا ،وما من مكرمة وال مصلحة يعود فضلها إلى أحد من
ً العالمين ،وبدعوتهم دخل الناس في دين اهلل
البشر -بعد رسوؿ اهلل صلى اهلل وسلم -إال والصحابة الكراـ يحوزوف قصب السبق فيها ،وقد عناىم الشاعر
بقولو:
َوَما المج ُد إِال َما بَ ْنوهُ فَ ُ
شيٍّدا العز لِ ِْل ْس َالِـ إِال بِ ِظلٍّ ِه ْم
فَما ِ
َ
وقد شهد لهذا الجيل رب العزة -تبارؾ وتعالى -في أكثر من موضع بكتابو الكريم ،ومن ذلك قولو -تعالى
ضالً ِم َن اهلل َوِر ْ
ض َوانا كعا ُسج ًدا ْيبتَػغُو َف فَ ْ اى ْم ُر ً
نهم تَػ َر ُ
ين َم َعوُ أَشداء َعلَى الْكفار ُر َح َماءُ بَػ ْي ْ
(محمد رس ُ ِ ِ
وؿ اهلل والذ َ ُ ُ
ِ () 2 ِ ِ
السجود) اى ْم في ُو ُجوى ِهم م ْن أَثَ ِر ُسيم ُ
َ
كما شهد لهذا الجيل كذلك رسوؿ الدعوة ومبلغها األوؿ صلى اهلل عليو وسلم في العديد من األحاديث ،ومن
ذلك قولو صلى اهلل عليو وسلم حين سئل :أي الناس خير؟ قاؿ :قرنى ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم ،ثم
)1أخرجو مسلم ،واللفظ لو جػ ،3ص ،3533كتاب اإلمارة ،باب قولو صلى اهلل عليو وسلم" :ال تزاؿ طائفة من أمتي
ظاىرين على الحق ال يضرىم من خالفهم؛ وأخرجو البخاري بنحوه جػ ،2ص ,286كتاب المناقب ،الباب األخير منو ،وىو
بدوف عنواف
)2سورة الفتح -آية رقم 29
()1
يجيء قوـ تسبق شهادة أحدىم يمينو ،ويمينو شهادتو "
يضاؼ إلى ىذا شهادة الواقع لهذ ا الجيل ،من حيث تمكين اهلل لهم في األرض ،وتحقيق الغلبة لهم على
أعدائهم رغم قلة عددىم وعتادىم ،مما يعد شهادة ضمنية من اهلل لهم بأنهم على الحق ،فإف اهلل -تعالى
ين)( ، )2وىو ِِ قاؿ( :إِف اللو ال ي ِ
صل ُح َع َم َل ال ُْم ْفسد َ َ ُْ
< >5
ص ُرهُ إِف الل َو لََق ِو ٌّ
ي َع ِز ٌيز)( )3وإلى جانب تلك الشهادات كانت شهادة ص َرف اللوُ َم ْن يَػ ْن ُ
القائل سبحانوَ ( :ولَيَػ ْن ُ
أعدائهم لهم كذلك ،ويكفينا في ىذا المقاـ قوؿ اإلماـ "مالك بن أنس" -رضي اهلل عنو " : -بلغني أف
النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشاـ يقولوف :واهلل لهؤالء خير من الحواريين فيما بلغنا"( )4وإزاء
ىذا الفضل العظيم الذي حباه اهلل -تعالى -لصحابة النبي صلى اهلل عليو وسلم يجب على األمة أف تبقى
موصولة بهذا المنبع الصافي ،تنهل من معينو الذي ال ينضب ،وتغترؼ من بحره الذي ال ينفد.
وقد تناوؿ علماء اإلسالـ في القديم والحدي ث حياة ىؤالء الصحابة الكراـ بالتفصيل الدقيق ،وعمرت المكتبة
اإلسالمية بمؤلفاتهم التي أبرزت فضائلهم وجهودىم ،وجهادىم في سبيل نصرة اإلسالـ.
( ) 4مع كثرة ما ألف حوؿ الصحابة نرى قلة قليلة من ىذه المؤلفات تناولت حياة النساء منهم على وجو
االستقالؿ ،والذين تحدثوا عنهن -ضمن مؤلفاتهم أو خصوىن بالتأليف -ركزوا على ما تتميز بو كل
ف يجمع مواقف ىؤالء الصحابيات في سياؽ شخصية منهن على حدة ،وخلت المكتبة اإلسالمية من م َؤل ٍ
ُ
موضوعي ،بحيث يتم التركيز على قيمة من القيم ،وتساؽ عليها األمثلة العديدة من حياة ىؤالء الصحابيات
الكراـ ،وذلك على غرار ما فعلو الشيخ "محمد يوسف الكاندىلوي - ،رحمو اهلل -في كتابو "حياة
الصحابة".
< >6
ومن ىنا استعنت باهلل -تعالى -في إعداد ىذا البحث ،والذي أسميتو "صفحات مشرقات من حياة
الصحابيات" حاولت فيو أف أركز على المبادئ والقيم بالتعريف بها ،وبياف أىميتها -وبخاصة للنساء -ثم
)1أخرجو البخاري بهذا اللفظ جػ ، 4ص ،353كتاب األيماف والنذور ،باب إذا قاؿ أشهد باهلل أو شهدت باهلل ،وأخرجو
مسلم جػ 4ص 3963،كتاب فضائل الصحابة ،باب فضل الصحابة ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم
)2سورة يونس -اآلية رقم 83
)3سورة الحج -اآلية .44
)4تفسير القرآف العظيم -الحافظ بن كثير جػ ،4ص - 244طبعة عيسى الحلبي
أتبع ذلك بسوؽ العديد من مواقف الصحابيات التي تدعم ىذا المبدأ أو تلك القيمة ،وأقدمها قدوة صالحة
أضعها بين يدي نساء األمة في العصر الحاضر؟ لتقتفي أثر ىذا الجيل المبارؾ ،فإف من تشبو بقوـ فهو منهم،
ومن أحبهم حشر معهم ،وصدؽ من قاؿ:
َوَم ْن تَػ ْقتَ ِفي ُخطَى َحمالَ ِة الْ َحطَ ِ
ب َشتا َف بَػ ْي َن َم ِن الزْى َراءُ أُ ْس َوتُهاَ
( )5وإلف كانت الغاية من ىذا البحث تقديم القدوات الصالحات لنصلح بذلك من أمر النساء المسلمات؛
فإف ذلك ال يعنى عدـ انتفاع الرجاؿ بمثل تلك القدوات الصالحات؛ فإف المرأة إما أف تكوف أما أو زوجة أو
بنتا أو أختا ،فإذا صلحت انعكس ذلك باإليجاب على حاؿ الرجاؿ ،كما أف مطالعة الرجاؿ لتلك القدوات
الصالحات تولد فيهم اإلحساس بالغيرة من تفوؽ النساء عليهم ،مما يدفعهم إلى مزيد من الجهد والعطاء،
وىو ما نتمناه من الرجاؿ والنساء على السواء.
( )6ىذا؛ وقد تم تقسيم البحث إلى :مقدمة ،وتمهيد ،وأربعة فصوؿ ،وخاتمة.
أما المقدمة فقد اشتملت على بياف أىمية الموضوع ،وسبب اختياره ،وعناصر البحث فيو.
وأٍا اىرَهيذ فقذ اشرَو عيى تياُ ٍناّح اىَشأج في اإلسالً ،وٍظاهش اىعْايح تها.
< >7
وأما الفصل األوؿ فقد جاء بعنواف (العبادة في حياة الصحابيات) ،وقد اشتمل على ثالثة مباحث-:
( )3ترؾ المعصية ،والورع عن مواقعة الشبهات.
( )2المحافظة على أداء الفرائض ،واإلكثار من النوافل.
( )3اإلكثار من ذكر اهلل تعالى.
وأما الفصل الثاني فقد جاء بعنواف (الجانب االجتماعي في حياة الصحابيات) وقد اشتمل على أربعة
مباحث-:
( )3مع الزوج
( )2مع األوالد
( )3مع األخوات المسلمات
( )4في مواجهة أعداء اإلسالـ
وأما الفصل الثالث فقد جاء بعنواف (العفة في حياة الصحابيات) وقد اشتمل على مبحثين-:
( )3المحافظة على ارتداء الحجاب.
( )2البعد عن االختالط بالرجاؿ.
وأما الفصل الرابع فقد جاء بعنواف (العلم في حياة الصحابيات) وقد اشتمل على مبحثين-:
( )3الحرص على طلب العلم.
( )2توظيف العلم في خدمة الدعوة.
< >8
وأما الخاتمة فقد اشتملت على نتائج البحث ،وأىم التوصيات.
خالصا لوجهو الكريم ،وأف يجزى عنا نبينا صلى اهلل
ً وختاما أسأؿ اهلل -تبارؾ وتعالى -أف يجعل ىذا العمل
ً
عليو وسلم وصحابتو الكراـ -رجاال كانوا أو نساء -خير ما يجزى بو عباده الصالحين ،وأف يرزقنا حسن
التأسي بهم والسير على دربهم ،وأف يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ،وأف يبارؾ لنا في زوجاتنا وذرياتنّا ،إنو ولى
ذلك والقادر عليو ،وىو سبحانو وتعالى المستعاف وعليو التكالف.
وصل اللهم وسلم وبارؾ على سيدنا محمد النبي األمي وعلى آلو وصحبو وسلم
المؤلف
أ .د /طلعت محمد عفيفي سالم
عميد كلية الدعوة اإلسالمية بالقاىرة
جامعة األزىر
< >9
تمهيد
( ) 3لم تحظ المرأة في شريعة من الشرائع ،وال في دين من األدياف ،بمثل ما حظيت بو من مكانة في ظل
اإلسالـ وتعاليمو السمحة.
ويكفي للتدليل على ذلك أف نعقد مقارنة بين ما كانت عليو المرأة قبل اإلسالـ وما صارت إليو بعد مجيئو؛
وذلك ألف حسن األشياء يبدو بأضدادىا.
( )2لقد حدثنا القرآف الكريم عما كاف يتعامل بو العربي إذا زفت إليو البشرى بوالدة أنثى ،فقاؿ -تعالى : -
(وإذَا بشر أَح ُدىم بِاألنثَى ظَل وجهوُ مسودًّا و ُىو َك ِظيم يػتَوارى ِمن الْ َقوِـ ِمن سوء ما بشر بو أَيم ِس ُكو َعلَى ُى ٍ
وف َ َ ُْ َ َ َ ْ َْ َ َ َْ َ ُ َ َ
() 1
اء َما يَ ْح ُك ُمو َف)
التراب أَال َس َ
أ َْـ يَ ُدسوُ في َ
)1المرأة ومكانتها في اإلسالـ ص ،23أحمد عبد العزيز الحصين ،طبعة ثانية 3983ـ ،مكتبة اإليماف 4
)2المرأة في التصور اإلسالمي ص ،357 -355د /عبد المتعاؿ الجبري ،طبعة عاشرة 3994ـ ،مكتبة وىبة.
)3نفس المرجع السابق ص .377 -355
)4ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين (ص -64ص -)63طبعة عاشرة -3977دار األنصار بالقاىرة.
المدنية والقانونية واألخالقية واالجتماعية والمالية ،وكاف األب ىو السلطاف الحاكم على زوجتو وأوالده ،ولو
أف يحكم على زوجتو باإلعداـ في بعض التهم ،كما أف لو الحق في بيع أوالده أو قتلهم أو تعذيبهم ،وأف يضم
()1
4 إلى أسرتو من غير صلبو ،أو ينفي من شاء من أبنائو عنو
ىػ -والمرأة عند اليهود تكوف فى أثناء حيضها نجسة ،وكل ما تلمسو من طعاـ أو كساء أو إنساف أو حيواف
ينجس ،ولذلك يعزلونها بعي ًدا عنهم ،ويروف أف كل ما يفعلو الرجل من أعماؿ ال أخالقية مرده إلى المرأة.
وأما في النصرانية فالمرأة ىي الباعثة على خطيئة آدـ -عليو السالـ -ولذا فإف الفضيلة لديهم ىي في
الفرار منها ،وعدـ االقتراف بها ،ومن اقترف بها فهو يتعاطى شراً ،البد منو.
يقوؿ "كدائى سوستاـ" -الذي يعد من أكبر أولياء الديانة المسيحية -في شأف المرأة" :ىي شر البد منو،
()2
ووسوسة جبلية ،وآفة مرغوب فيها ،وخطر على األسرة والبيت ،ومحبوبة فتاكة ،ورزء مطلى مموه"
واألقواؿ والمواقف في ىذا كثيرة ،لكنني أكتفي بما ذكرت ،وأحيل من أراد االستزادة من ىذا إلى من أفاضوا
في الكتابة فيها4
<>32
( )4فلما جاء اإلسالـ ،وعم نور اهلل العالمين ،تغير كل شيء ،ونالت المرأة في ظل تعاليمو من التكريم
والتقديس ما رفع قدرىا ،وأعلى مقامها ،ودفع بها إلى البذؿ والعطاء ،شأنها في ذلك كشأف الرجاؿ .وكدليل
على تكريم اإلسالـ وتقديره للمرأة نذكر ىذه المالحظات الجديرة باالعتبار:.
أ -تسمية اهلل -تعالى -لسورة من سور القرآف الكريم باسم سورة النساء وسورة أْخرى باسم امرأة منهن وىى
السيدة مريم -عليها السالـ.-
ب -لم يذكر القرآف الكريم صفة صالحة في الرجاؿ إال ذكر مثلها في النساء ،وسوى اهلل بينهما في األجر
سيِ َِيَِعلى ذلك آية سورة األحزاب( :إَُِّ ا ْى َُ ْ على األعماؿ الصالحة ،ومن أجمع اآليات الدالة ِ
صاتِ ِشيَِ خ َواى َّ صا ِدقَا ِ
صا ِدقِيَِ َواى َّ خ َواى َّ خ َوا ْىقَاِّرِيَِ َوا ْىقَاِّرَا ِ خ َوا ْى َُ ْؤ ٍِِْيَِ َوا ْى َُ ْؤ ٍَِْا ِ َوا ْى َُ ْ
سيِ ََا ِ
خ
صا ِئ ََا ِ صائِ َِيَِ َواى َّ خ َواى َّ ص ِّذقَا ِ ص ِّذقِيَِ َوا ْى َُرَ َ خ َوا ْى َُرَ َ ش ِعيَِ َوا ْى َخا ِ
ش َعا ِ خ َوا ْى َخا ِ صاتِ َشا ِ َواى َّ
َّللاُ ىَهُ ٌْ ٍَ ْغفِ َشجً َوأَ ْج ًشا
خ أَ َع َّذ َّ
اىزا ِم َشا َِّللا َمثِي ًشا َو َّ اىزا ِم ِشيَِ َّ َخ َو َّوجهُ ٌْ َوا ْى َحافِظَا ِ َوا ْى َحافِ ِظيَِ فُ ُش َ
()3
َع ِظي ًَا).
)1صالح األمة في علو الهمة (جػ -7ص )366د .سيد حسين العفاني -طبع ثانية سنة -3999مؤسسة الرسالة.
)1أخرجو مسلم جػ -3ص )3335كتاب الحدود -باب قطع السارؽ الشريف وغيره ،والنهي عن الشفاعة في الحدود.
)2انظر (صفة الصفوة) -ابن الجوزي (جػ - 2ص ،243ص . )244
)3أخرجو الترمذي وحسنو (جػ - 4ص )634كتاب صفة القيامة -باب رقم 93منو وأخرجو بن ماجو(ج)3449- 2
كتاب الزىد باب الورع والتقوى.
)4مدارج السالكين (جػ - 2ص -)36ابن قيم الجوزية ،طبعة أولى ،دار التراث العربى.
)5صفة الصفوة (جػ - 2ص .)383
اهلل عليو وسلم وأبي فأضع ثوبي فأقوؿ :إنما
<>25
()1
ىو زوجي وأبي ،فلما دفن عمر معهم ،فو اهلل ما دخلت إال وأنا مشدودة على ثيابي حياء من عمر"4
(ب) عن أـ المؤمنين حبيبة رملة بنت أبى سفياف -رضي اهلل عنها -أنو لما جاءىا نعى أبيها دعت بطيب،
فمسحت ذراعيها وقالت" :مالي بالطيب من حاجة ،لوال أنى سمعت النبي صلى اهلل عليو وسلم يقوؿ :ال يحل
()3
المرأة تؤمن باهلل واليوـ اآلخر تُ ِحد( )2على ميت فوؽ ثالث إال على زوج أربعة أشهر وعشرا"
<>26
المبحث الثاني
المحافظة على أداء الفرائض
واإلكثار من النوافل
مواقعة الشبهات،
( )3إلى جانب ما أمر بو المسلم والمسلمة من البعد عن المعاصي ،والتحل ِي بالورع عن َ
وىو ما يسمى لدى بعضهم بالتخلية؛ تأتي أىمية االلتزاـ بالطاعات فرائضها ونوافلها -وىو ما يطلق عليو
لفظ التحلية ،وب ذلك يكوف المسلم أىال لمعونة اهلل تعالى وتوفيقو .يقوؿ اهلل تعالى في الحديث القدسي" :من
عادى لي وليا فقد آذنتو بالحرب ،وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليو ،وما يزاؿ عبدي
يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبو ،فإذا أحببتو كنت سمعو الذي يسمع بو ،ويصره الذي يبصر بو ،ويده التي
()4
يبطش بها ،وإلف سألني ألعطينو ،ولئن استعاذني ألعيذنو"
( )2ولسائل أف يسأؿ :إذا كانت الفرائض ىي أحب األعماؿ إلى اهلل تعالى فلماذا كانت محبة اهلل تعالى -
بنص الحديث -لمن يكثروف من النوافل ولم تكن على أداء اإلنساف للفرائض فقط؟ والجواب أف اإلنساف
قد يحملو على أداء الفرائض خوفو من العقوبة ،لكنو حين يكثر من النوافل يدفعو إلى ذلك مزيد من الحب هلل
تعالى ،والرغبة في ثوابو ،فيكوف الجزاء من جنس العمل.
<>27
)1أخرجو الترمذي بهذا اللفظ ،وحسنو (جػ - 2ص )274كتاب الصالة -باب ما جاء أف أوؿ ما يحاسب بو العبد يوـ
القامة الصالة وقاؿ عنو :حسن غريب ،وأخرجو كذلك النسائي وابن ماجو وأحمد بألفاظ متقاربة.
)2الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (جػ -3ص )295بلفظ :ال حق في اإلسالـ لمن ترؾ الصالة على أنو كالـ
سيدنا عمر بن الخطاب -رضي اهلل عنو -وقاؿ عنو :رواه الطبراني في األوسط ،ورجالو رجاؿ الصحيح.
)3رسالة الصالة (ص )35اإلماـ أحمد بن حنبل -طبعة ثالثة سنة 3396ىػ -المكتبة السلفية.
وفى ضوء ىذه المعانى حرص المسلموف األوائل على االىتماـ بأمر الصالة ،وفى طليعة ىؤالء نذكر ما يتعلق
بموضوع بحثنا ،وىو الصحابيات4
<>29
ففي الداللة على اىتماـ الصحابيات بأداء الصالة المفروضة وحرصهن على ذلك نسوؽ ىذه األدلة-:
( )3عن أـ المؤمنين عائشة -رضي اهلل عنها -أف نساء المؤمنات كن يصلين الصبح مع النبي صلى اهلل
()1
عليو وسلم ثم يرجعن متلفعات بمروطهن
()2
ال يعرفهن أحد".
( )2عن أـ سلمى -رضي اهلل عنها -قالت" :كاف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم إذا سلَم قاـ النساء حين
يقضي تسليمو ،وىو يمكث في مقامو يسيراً قبل أف يقوـ ،قالت أـ سلمة :نرى -واهلل أعلم -أنو ذلك كاف
()3
لكي ينصرؼ النساء قبل أف يدركهن الرجاؿ"
وقد اشتهر منذ جاءت الرسالة بأف صفوؼ الصالة تبدأ بالرجاؿ أوالً ثم الصبياف ،ثم النساء ،وأنو كاف في
مسجد رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم باب خاص للنساء يدخلن منو ويخرجن ،وال يزاؿ ىذا الباب موجودا
حتى اآلف.
ومن األحاديث التي ذكرناىا -وأحاديث أخرى غيرىا -يتضح لنا مدى حرص الصحابيات على أداء فريضة
الصالة ،وصار ىذا الحرص رمزا تتحدث عنو كتب السنة ،وقدوة وأسوة تصلح لكل زماف ومكاف .لكن
الصحابيات -رضواف اهلل عليهن -لم يكتفين بأداء الفرائض،
<>34
بل زدف على ذلك الحرص على أداء النوافل بأنواعها ،وأوردت لنا كتب السنة بعضا من األخبار تتعلق بهذا،
ونختار منها ما يلي-:
( )3عن أنس -رضي اهلل عنو -قاؿ" :دخل النبي صلى اهلل عليو وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين،
فقاؿ :ما ىذا الحبل؟ قالوا ىذا حبل لزينب ،فإذا فترت (أي تعبت في صالتها) تعلقت (أي بو) فقاؿ النبي
)1أخرجو البخاري (جػ - 3ص )244كتاب التهجد -باب ما يكره من التشديد في العبادة 4
)2سورة الطور اآلية)27( :
الجوزي.
)3صفة الصفوة (جػ -2ص )33ابن َ
)4صالح األمة في علو الهمة (جػ - 7ص )376د /سيد حسين العفاني.
<>32
ثانيا :الزكاة والصدقة:
( )3الزكاة ىي الركن الثالث من أركاف اإلسالـ ،وقد ذكرت مقرونة بالصالة في أكثر المواضع التي وردت في
كتاب اهلل تعالى ،وىو ما يدؿ على أىميتها كالصالة في ضرورة االىتماـ بها ،وأف الصالة التي ال تثمر في
سلوؾ صاحبها رحمة بالفقراء والمساكين ،وقياماً بحق اهلل في الماؿ ىي صالة ال يقيم اهللُ لها وزنا ،وال تفيد
صاحبها شيئا.
يقوؿ سيدنا عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنو" -:أمرتم بإقامة الصالة وإيتاء الزكاة ،ومن لم يزؾ فال صالة
()1
لو"
وقاؿ ابن زيد "افترضت الصالة والزكاة جميعا ،لم يفرؽ بينهما ،وقرأ( -:فإف تَابوا َوأَقَ ُاموا الصالةَ وآتَوا الزَكاةَ
فَِإ ْخ َوانُ ُك ْم في الدي ِن)( )2وأبى أف يقبل الصالة إال بالزكاة ،وقاؿ( :رحم اهلل أبا بكر ما كاف أفقهو يعنى بذلك
()3
قولو :ال أفرؽ بين شيئين جمعهما اهلل"
( )2إف النفس اإلنسانية مولعة بحب الماؿ ،وىو ما أشار القرآف الكريم إليو في أكثر من موضع فقاؿ
ب الْ َخ ْي ِر لَ َش ِديد)( )5ولكن القرآف الكريم والسنة النبوية يضعاف
لح ِ ()4
اؿ حبا َجما) وقاؿ( :وإنو ُ
(وتُحبو َف الْ َم َ
َ
أيدينا على جملة من الحقائق تجعل اإلنساف يبذؿ مما بيده ،وينفق مما لديو ،طيعة بذلك نفسو ،ومن أىم
ىذه الحقائق-:
<>33
وىم
(أ) أف الماؿ الذي بأيدينا في األصل إنما ىو ماؿ اهلل ،ونحن مستخلفوف فيو ،وفي ىذا يقوؿ ربنا( -:وآتُ ُ
ِ ِ () 7
ين فيو) ِ الذي آتَا ُكم)( )6وقاؿِ -: ِمن م ِ
اؿ اهلل ِ
(وأَنف ُقوا مما َج َعلَ ُكم مست ْخلَف َ
َ ْ
(ب) إف كثرة الماؿ بيد بعضنا وقلتها بيد بعضنا اآلخر لوف من االبتالء اقتضتو حكمة اهلل تعالى ،ليرى شكر
)1تفسير الطبري (جػ 34ص )353طبعة دار المعارؼ -نقال عن (فقو الزكاة) للدكتور يوسف القرضاوى4
)2سورة التوبة -اآلية4)33( ،
)3المرجع السابق4
)4سورة الفجر -اآلية ()24
)5سورة العاديات -اآلية ()8
)6سورة النور -اآلية ()33
)7سورة الحديد -اآلية (.)7
ويقوؿ اإلماـ الحسن البصري (ونبلوُكم بِالش ِر َوالْ َخ ْير فِ ْتػنَة)
()1
الغنى وصبر الفقير ،وصدؽ اهلل إذ يقوؿَ -:
رضي اهلل عنو " -:لو شاء اهلل لجعلكم أغنياء ال فقير فيكم ،ولكنو ابتلى بعضكم ببعض".
(جػ) أف مردود الصدقة -وإف بدا أف عائده على الفقير -يعود في الحقيقة إلى صاحبو ،وىو ما أشار إليو
تنف ُقوا ِم ْن
َنفس ُكم وما تُ ِنف ُقو َف إال ابتِغَاء وجو اللًو وما ِ
ََ ْ َ ْ ْ ََ
تنفقوا ِمن َخير فَأل ِ
ْ ْ
القرآف الكريم في ق ِولو تعالى( -:وما ِ
ََ
()2
َخ ْير يُوؼ إِلَْي ُك ْم َوأنتُ ْم ال تظلَ ُمو َف)
وفي الوقت نفسو أشار القرآف الكريم إلى أف مردود البخل بماؿ اهلل على عباد اهلل يكوف على أصحابو أيضا،
()3
َنتم الْ ُف َق َراءُ) ِِ
وفي ىذا يقوؿ ربناَ ( :وَمن ْيب َخ ْل فإنً َما يب َخل َعن ن ْفسو َواهللُ الْغَني َوأ ُ
وقد أشار اإلماـ الشعبي رضي اهلل عنو إلى ىذا المعنى فقاؿ" -:من لم ير نفسو إلى ثواب الصدقة أحوج من
الفقير إلى صدقتو ،فقد أبطل
<>34
ض ِرب بها وجهو ".
صدقتوُ ،
( )3وفي ضوء ىذه المعاني والمفاىيم التي تحدد العالقة بين اإلنساف ونعمة الماؿ ينطلق المرء المسلم إلى
مجاالت الخير بشتى أنواعها ،فيبذؿ من مالو وثرواتو طيبة بها نفسو ،فيكوف هلل شاكراً ،وبتوجيهات القرآف
الكريم والسنة عامالً ،وبحق إخوانو من المسلمين المبتلين قائما ،وبأخالؽ اإلسالـ من السخاء والجود
واإليثار متحليا ،وعن أخالؽ أصحاب السوء من البخل والشح مترفعا.
( )4والمرأة المسلمة شأنها في ذلك كشأف الرجل -إف لم يكن أكثر -فهي مفطورة على حب الماؿ كباقي
خلق اهلل ،وتزيد على ذلك محبتها للزينة والحلي ،ومن ثم كانت دعوة النبي صلى اهلل عليو وسلم إلى كل امرأة
مسلمة بضرورة اإلكثار من الصدقة لتفك بذلك رقبتها من النار ،ولتحمى نفسها من الوقوع في أسر المحبة
للزينة والمتاع الذي قد يحملها على البخل بالواجب ،وفي ىذا يقوؿ صلى اهلل عليو وسلم" -:يا معشر النساء
تصدقن ،فإني رأيتكن أكثر أىل الن ار .فقلن :ولم ذلك يا رسوؿ اهلل؟ قاؿ :تكثرف اللعن ،وتكفرف العشير ،وما
()4
رأيت من ناقصات عقل ودين أذىب للب الرجل الحازـ منكن " .
)1لهذا الموقف شاىد من حديث عبد اهلل بن مسعود قاؿ " -:إف الصدقة تقع في يد اهلل قبل أف تقع في يد االسائل ،ثم
قرأ" :وىو الذي يقبل التوبة عن عباده" ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (جػ - 3ص.)333
2حلية األولياء (جػ - 2ص )69أبو نعيم.
اجتمعنا بعد وفاة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم نمد أيدينا في الحائط نتطاوؿ ،فلم نزؿ نفعل ذلك حتى
توفيت زينب بنت جحش ،وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا يدا ،فعرفت أف النبي صلى اهلل عليو وسلم إنما
()1
أراد بطوؿ اليد الصدقة ،وكانت زينب امرأة صناع اليدين ،فكانت تدبغ وتخرز وتتصدؽ بو فى سبيل اهلل"
(د) وأما عن كثرة ما أنفقن في سبيل اهلل من أموالهن فاألمثلة كثيرة ،ونختار منها ما يلي-:
( )3عن أـ ذرة -وكانت تغشى عائشة -قالت" -:بعث إليها ابن الزبير بماؿ في غرارتين (جوالين) قالت:
أراه ثمانين ومائة ألف،
<>37
فدعت بطبق -وىي يومئذ صائمة -فجعلت تقسمو بين الناس ،فأمست وما عندىا من ذلك درىم ،فلما
أمست قالت :يا جارية ىلمي فطرى ،فجاءتها بخبز وزيت ،فقالت لها أـ ذرة :أما استطعت مما قسمت اليوـ
()2
أف تشترى لنا بدرىم لحما نفطر عليو؟ فقالت لها :ال تعنفيني ،لو كنت ذكرتني لفعلت4
( ) 2ولم يكن ىذا التصرؼ من أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها لمرة واحدة فلم يتكرر ،بل الثابت أنها
كانت دائما تتصدؽ بكل ما لديها ،فعن عروة بن الزبير رضي اهلل عنهما قاؿ" -:كانت عائشة رضي اهلل عنها
()3
ال تمسك شيئا مما جاءىا من رزؽ اهلل إال تصدقت بو"
( )3وإلى جوار السيدة عائشة توجد أختها أسماء بنت أبى بكر رضي اهلل عنها ،وىي نموذج آَخر في الجود
والسخاء ،يدؿ على مدى تنافس ىذا الجيل الصالح من نساء األمة في البذؿ والعطاء.
فعن عبد اهلل بن الزبير رضي اهلل عنهما قاؿ -:ما رأيت امرأتين قط أجود من عائشة وأسماء ،وجودىما
مختلف :أما عائشة فكانت تجمع الشيء حتى إذا اجتمع عندىا قسمت ،وأما أسماء فكانت ال تمسك شيئا
()4
لغد"
<>38
( )4قاؿ محمد بن كعب" :كاف عطاء زينب (أي بنت جحش) رضي اهلل عنها اثنى عشر ألف درىم ،ولم
تأخذه إال عاما واحداُ ،ح ِم َل إليها فقسمتو في أىل رحمها وفي أىل الحاجة حتى أتت عليو ،فبلغ ذلك عمر
فقاؿ" -:ىذه امرأة يراد بها خير" .فوقف على بابها ،وأرسل بالسالـ وقاؿ -:لقد بلغني ما فرقت" فأرسل
)1أخرجو مسلم (جػ - 4ص )2494كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار -باب التسبيح أوؿ النهار وعند النوـ/
وأخرجو أحمد (جػ - 6ص .)325
)2أخرجو أبو داود واللفظ لو (جػ - 2ص )376كتاب الوتر -باب التسبيح بالحصى وأخرجو الترمذي وحسنو (جػ - 5ص
)562كتاب الدعوات -باب في دعاء النبي صلى اهلل عليو وسلم كل صالة.
)3صفة الصفوة (جػ -2ص )33ابن الجوزي.
)4أخرجو البخاري (جػ - 3ص )338كتاب األذاف -باب ىل يتتبع المؤذف فاه ىنا وىناؾ ،وىل يلتفت في األذاف .وأخرجو
كما استمعوا إلى توجيهات نبيهم صلى اهلل عليو وسلم وىو يوجو أصحابو إلى
<>47
االىتماـ في حياتهم بذكر اهلل ،باعتباره من أفضل األعماؿ وأجلٍّها ،كهذا الرجل الذي قاؿ لرسوؿ اهلل صلى اهلل
عليو وسلم " -:يا رسوؿ اهلل ،إف شرائع اإلسالـ قد كثرت على ،فأخبرني بشيء أتشبث بو .قاؿ :ال يزاؿ
() 1
لسانك رطبا من ذكر اهلل"4
وقد تفاعل المجتمع كلو -برجالو ونسائو -مع ىذه التوجيهات القرآنية والنبوية ،فغدا المجتمع بأسره حريصا
على ذكر اهلل تعالى بصورة ال تقتصر على حركة اللساف بو فحسب ،ولكن ثناء على اهلل باللساف ،وتصفية
النفس والقلب من األدراف ،واجتهادا في فعل الخير باألبداف ،وذلك في كل زماف ومكاف.
<>48
الفصل الثاني:
الجانب االجتماعي في حياة الصحابيات
ويشتمل على أربعة مباحث :
( )3مع الزوج4
( )2مع األوالد4
( )3مع األخوات المسلمات4
( )4في مواجهة أعداء اإلسالـ4
<>49
المبحث األوؿ
مع الزوج
( )3من العالقات المه مة التي يوليها اإلسالـ عنايتو العالقة القائمة بين الزوجين ،ويتضح ذلك من خالؿ
اىتماـ القرآف الكريم والسنة النبوية بكل جزئية في ىذه الحياة منذ بدء تكوينها ،وفي كل مرحلة من مراحلها.
( )2وقد أشار القرآف الكريم إلى منة اهلل تعالى على الخالئق بنعمة الزوجية ،وبين أنها طريق إلى االستقرار
(وِم ْن آيَاتِِو أَ ْف َخلَ َق لَ ُكم ِم ْن
والسكن الذي ينشده اإلنساف -رجال كاف أو امرأة ،-وفي ىذا يقوؿ رب العزةَ :
وأخرجو مسلم (جػ - 3ص ،)282كتاب الحيض -باب ذكر اهلل تعالى في حاؿ الجنابة وغيرىا.
)1أخرجو الترمذي وحسنو ( -جػ - 5ص )458كتاب الدعوات -باب ما جاء في فضل الذكر 4
()1
كرو َف) ٍ ِ كم أَ ْزَوا ًجا لِتَ ْس ُكنُوا إِلَْيػ َها َو َج َع َل بينَ ُكم مودةً َوَر ْح َموًّ إِف في ذَلِ َ ِ
ك آليَات ل َقوـ يَػتَػ َف ُ أَن ُفس ْ
( )3ولضماف تحقيق السكن المشار إليو -كهدؼ من أىداؼ الحياة الزوجية -وضع اإلسالـ أيدينا على
الواجبات التي يلزـ كل طرؼ أف يقوـ بها ،والحقوؽ التي لو في مقابل أداء ىذا الواجب ،وصدؽ اهلل إذ يقوؿ:
(ولَ ُه ًن ِمثْ ُل الذي َعلَْي ِهن بِال َْم ْع ُروؼ َولِل ِر َجاؿ َعلَْي ِهن َد َر َجة َواهللُ َعزيز َحكيم)
ِ ()2
َ
( )4ولسنا في مقاـ التفصيل لتلك الحقوؽ والواجبات المتبادلة بين الزوجين لكننا -ونحن نتحدث عن حياة
الصحابيات -في حاجة إلى
<>54
التأكيد على دور المرأة المسلمة في تحقيق ىذا السكن ،وأنها تتحمل العبء الكبير في تهيئة الجو المناسب
داخل البيت لزوجها الذي يكوف مثقالً بأعبائو خارجو.
وقد أكدت السنة النبوية على ذلك في أكثر من حوار بين رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ونساء الصحابة.
ونختار من ىذه الحوارات النماذج التالية:
(أ) عن الحصين بن محصن أف عمة لو أتت النبي صلى اهلل عليو وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها ،فقاؿ
لها النبي صلى اهلل عليو وسلم( :أذات زوج أنت؟ قالت :نعم .قاؿ( :كيف أنت لو)؟ قالت :ما آلوه (أي ما
أقصر في حق لو) إال ما عجزت عنو .قاؿ( :فانظري أين أنت منو ،فإنما ىو جنتك ونارؾ)( )3والحديث غنى
عن التعليق ،وىو يشير إلى أف الباب الذي ستلج منو المرأة المسلمة إلى الجنة ىو ما تفعلو في سبيل رضا
زوجها ابتغاء مرضات اهلل تبارؾ وتعالى.
(ب) عن أسماء بنت يزيد األنصارية رضي اهلل عنها أنها أتت رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ،فقالت :يا
رسوؿ اهلل :إف اهلل بعثك للرجاؿ والنساء ،فآمنا بك واتبعناؾ ،ونحن معاشر النساء مقصورات مخدرات ،قواعد
بيوت ،ومواضع شهوات الرجاؿ ،وحامالت أوالدىم ،وإف الرجاؿ فضلوا بالجماعات وشهود الجنائز والجهاد،
وإذا خرجوا للجهاد حفظنا
<>53
لهم أموالهم ،وربينا لهم أوالدىم ،أفنشاركهم في األجر يا رسوؿ اهلل ،فالتفت رسوؿ اهلل عنها بوجهو إلى
أصحابو ،وقاؿ :ىل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤاال عن دينها من ىذه؟
)1كره الهيثمي في مجمع الزوائد (جػ - 4ص -346ص )347وقاؿ عنو :رواه البزار ،وفيو حين بن قيس المعروؼ بحنش
وىو ضعيف ،وقد وثقو حين بن نمير ،وبقية رجالو ثقات.
)2أخرجو النسائي (جػ - 2ص )72وأخرجو أحمد (جػ - 2ص - 432 - 253ص.)438
)3صفات المسلمة الملتزمة (ص )37محمد حسين يعقوب -طبعة أولى سنة -3996مكتبة سوؽ اآلخرة.
والمرأة المسلمة -فوؽ ما ذُكِ َر -ترعى زوجها فتحسن استقبالو عند قدومو عليها ،وتتعهد شئونو.
وكلها -معاف حرصت عليها الصحابيات الجليالت رضواف اهلل تعالى عليهن.
ففي الداللة على حسن استقباؿ المرأة لزوجها عند قدومو عليها أسوؽ ىذين الخبرين-:
( ) 3روى الفاكهي في كتاب (أخبار مكة) عن أنس رضي اهلل عنو أف النبي صلى اهلل عليو وسلم كاف عند أبي
طالب ،فاستأذنو أف يتوجو إلى خديجة فأذف لو ،وبعث بعده جارية يقاؿ لها نبعة ،فقاؿ لها :انظري ما تقوؿ لو
خديجة .قالت نبعة :فرأيت عجبا ،ما ىو إال أف سمعت بو خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمتها
إلى صدرىا ونحرىا ،ثم قالت :بأبي وأمي ،واهلل ما أفعل ىذا لشيء،ومني أرجو أف تكوف أنت النبي الذي
()1
ستبعث .. . .إلخ.
( )2قصة امرأة الحطاب التي تعد نموذجا في حسن معاشرة المرأة
<>55
لزوجها ،ويتضح ذلك من خاللة كالمها وأسلوب تعاملها معو ،فهي تقوؿ" -:إف زوجي إذا خرج يحتطب
(يجمع الحطب من الجبل ليبيعو وينتفع بثمنو) أحس بالعناء الذي لقيو في سبيل رزقنا ،وأحس بحرارة عطشو
في الجبل تكاد تحرؽ حلقي ،فأعد لو الماء البارد حتى إذا ما قدـ وجده ،وقد نسقت متاعي وأعددت لو
طعامو ،ثم وقفت أنتظره في أحسن ثيابي ،فإذا ما ولج الباب (أي دخل) استقبلتو كما تستقبل العروس زوجها
الذي عشقتو ،مسلمة نفسي إليو ،فإف أراد الراحة أعنتو عليها ،وإف أرادني كنت بين ذراعيو كالطفلة الصغيرة
()2
أ .ىػ . يتلهى بها أبوىا.
وفي الداللة على تعهد المرأة المسلمة لشئوف زوجها أسوؽ ىذين الخبرين-:
ترجل رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم (أي تسرح لو
( )3عن أـ المؤمنين عائشة -رضي اهلل عنها -أنها كانت ُ
()3
شعره وتزينو) ،وىو حينئذ مجاور في المسجد ،يدنى لها رأسو وىي في حجرتها.
( )2وعنها رضي اهلل عنها قالت" -:كنت أطيب رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم
<>56
)1أخبار مكة (جػ - 5ص -)246باب ذكر شيء من خبر خديجة قبل زواجها من النبي صلى اهلل عليو وسلم.
)2أورد ىذه القصة األستاذ عبد المتعاؿ الجبري في كتابو (المرأة في التصور اإلسالمي) ص ،53وذكرىا مرفوعة إلي رسوؿ
اهلل صلى اهلل عليو وسلم ،لكن لما لم أعثر لها على سند اكتفيت بذكر الشق الذي يعبر عن حسن معاشرة المرأة لزوجها
وأضربت صفحا عن الباقي4
)3أخرجو البخاري ( -جػ - 3ص )63كتاب الحيض -باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيلو.
()1
إلحرامو حين يحرـ ،ولحلو قبل أف يطوؼ بالبيت "
وبعد ذلك فلتتأمل األخت المسلمة في مثل ىذه الصور الجميلة من حسن معاشرة المرأة لزوجها لتكوف
نبراسا تستضيء بو في حياتها ،وبذلك تستديم عشرتها معو ،وتطوؿ صحبتها لو في إطار من المودة والرحمة
والمحبة.
(ب) خدمة الزوجة لزوجها:
من مظاىر حسن العشرة من الزوجة لزوجها أف تقوـ بخدمتو في بيتو ،فتعد لو طعامو ،وتنظف لو ثيابو ،وترتب
لو فراشو ....إلخ ،وىي أمور -إف حرصت المرأة المسلمة عليها -كاف لها أجر المجاىد في سبيل اهلل ،كما
سبق وأف أشرنا في التمهيد لهذا المبحث.
وقَد حرصت الصحابيات رضواف اهلل عليهن -على التفاني في ىذا الجانب ونسوؽ -للتدليل على ذلك -
ىذين المثلين:
-3ذكر ابن الجوزي في (صفة الصفوة)( )2عن ابن أعبد قاؿ :قاؿ علي رضي اهلل عنو :يا بن أعبد ،أال أخبرؾ
عنى وعن فاطمة؟ كانت ابنة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم وأكرـ أىلو عليو ،وكانت زوجتي فجرت بالرحى
<>57
حتى أثرت الرحى بيدىا ،واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرىا ،وقمت البيت (أي كنستو) حتى اغبرت
ثيابها ،وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها ،وأصابها من ذلك ضر.
وعن عطاء بن أبي رباح قاؿ :إف كانت فاطمة ابنة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم لتعجن ،وإف قصتها (مقدـ
شعرىا) لتضرب األرض والجفنة .أ .ىػ
-2أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أسماء بنت أبي بكر رضي اهلل عنهما قالت :تزوجني الزبير
ومالو في األرض من ماؿ وال مملوؾ وال شئ غير فرسو .قالت :فكنت أعلف فرسو وأكفيو مؤنتو ،وأسوسو،
وأدؽ النوى لناضحو ،وأعلفو وأستقى الماء وأخرز غربو
( أي أمأل دلوه ) ،وأعجن . . .وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعو رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو
وسلم ،وىي على ثلث فرسخ .". . . .
وفي رواية أخرى لمسلم في نفس القصة" -:قالت أسماء :كنت أخدـ الزبير خدمة البيت ،وكاف لو فرس . .
)1أخرجو البخاري (جػ - 3ص )268كتاب الحج -باب الطيب عند اإلحراـ ،وأخرجو مسلم بنحوه (جػ - 2ص)846
كاب الحج -باب الطيب للمحرـ عند اإلحراـ.
)2المرجع المذكور (جػ - 2ص - 33ص )34
()1
".
فإذا كانت السيدة فاطمة بنت رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ،والسيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي
اهلل عنهما لم تمنع إحداىما مكانتها من أبيها ،وال شرفها في قومها أف تقوـ بخدمة زوجها خدمة شاملة (وإف
صح
<>58
التعبير :خدمة شاقة لقلة اإلمكانات المتاحة) أفال يحمل ذلك المسلمة اليوـ -وقد توفرت لديها كل
األسباب الميسرة ،فلم تعد في حاجة إلى أف تعجن أو تعلف فرساً أو تدير رحى بيدىا -أفال يحملها ذلك
على أف تقر عين زوجها بخدمتها لو في بيتو ،إذا كانت بالفعل تبغي مرضات ربها من خالؿ رضا زوجها عنها؟
(ج) حرص الزوجة على إدخالها السرور على زوجها ،وبعدىا عن المنغصات:
من المفترض في الحياة الزوجية أف يسعى كل طرؼ إلدخاؿ السرور على اآلخر ،وجلب السعادة لو .وعلى
الزوجة المسلمة أف تنظ ر بعين الحكمة إلى ما يجلب السرور لزوجها فتسعى إلى القياـ بو والحرص عليو ،وإف
أدى ذلك إلى تضحيتها بما تحبو في سبيل مرضاة زوجها ،ولننظر معا في ىذه األمثلة:
-3أـ المؤمنين خديجة رضي اهلل عنها حين رأت حب رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم لموالىا زيد بن حارثة
وىبتو لو في الحاؿ دوف تردد ،كما قامت بكفالة ابن عمو على بن أبي طالب حين وجدت رغبة من رسوؿ اهلل
صلى اهلل عليو وسلم في أف يخفف عن عمو أعباء المعيشة بكفالة بعض أبنائو ،فإذا بقلب وبيت السيدة
خديجة يتسع لسيدنا على بن أبي طالب كأحد أبنائها أو يزيد-
وما حملها على مثل ىذا التصرؼ إال إدخاؿ السرور على حبيبها
<>59
رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم.
-2حين اشتد برسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم المرض؟ كانت إحدى زوجاتو وىي السيدة صفية بنت حيي
رضي اهلل عنها تأسى لمرضو ،وتفتديو بروحها وحياتها وتقوؿ لو( :وددت أف الذي بك بي).
-3أخرج مسلم في صحيحو عن السيدة أسماء رضي اهلل عنها قالت ( -جاء لي رجل فقاؿ :يا أـ عبد اهلل،
إني رجل فقير ،أردت أف أبيع في ظل دارؾ .قالت :إني إف رخصت لك أبى ذاؾ الزبير ،فتعاؿ فاطلب إلي
)1أخرجو مسلم واللفظ لو (جػ - 4ص )3736كتاب السالـ -باب جواز إرداؼ المرأة األجنبية إذا أعيت في الطريق،
وأخرجو البخاري (جػ - 3ص )364كتاب النكاح -باب الغيرة.
والزبير شاىد .فجاء فقاؿ :يا أـ عبد اهلل ،إني رجل فقير أردت أف أبيع في ظل دارؾ.
قالت :مالك بالمدينة إال ظل داري؟ فقاؿ لها الزبير :مالك أف تمنعي رجالً فقيرا يبيع ،فكاف يبيع إلى أف
()1
كسب ". . . .
فهذا موقف يعبر عن تقدير السيدة أسماء لزوجها الزبير بن العواـ رضي اهلل عنهما ،وىو يدؿ على سعيها إلى
مرضاتو ،وعدـ اتخاذ مواقف من شأنها أف تحدث صداما بينو وبينها.
فإذا حدث للزوج ما يكدر صفوه ،أو يعكر عليو حرصت الزوجة الصالحة على التلطف في ىذا الموقف حتى
تمر األزمة بسالـ ،ولننظر معا في ىذا الموقف:
<>64
عن أنس بن مالك رضي اهلل عنو قاؿ :مات ابن ألبي طلحة من أـ سليم ،فقالت ألىلها :ال تحدثوا أبا طلحة
بابنو حتى أكوف أنا أحدثو .قاؿ :فجاء فقربت لو عشاء ،فأكل وشرب .فقاؿ :ثم تصنعت لو أحسن ما كانت
تصنع قبل ذلك ،فوقع بها .فلما رأت أنو قد شبع وأصاب منها قالت :يا أبا طلحة أرأيت لو أف قوما أعاروا
عاريتهم أىل بيت فطلبوا عاريتهم ،اللهم أف يمنعوىم؟ قاؿ :ال .قالت :فاحتسب ابنك .فانطلق حتى أتى
رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم فأخبره بما كاف ،فقاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم( :بارؾ اهلل لكما في
غابر ليلتكما)(.)2
وقد استجاب اهلل دعاء نبػيو ،فولدت أـ سليم من حملها في تلك الليلة ولدا سماه النبي صلى اهلل عليو وسلم
عبد اهلل ،فكاف من ذرية عبد اهلل ىذا تسعة كلهم يحملوف العلم والقرآف.
فلتأخذ الزوجة الصالحة من ىذه المواقف زادا يجعلها تستجلب السعادة والسرور لزوجها وأوالدىا ،وأف تكوف
حكيمة في معالجة األمور التي من شأنها أف تدخل الحزف على أىل البيت ،وليس من المعقوؿ أو المنطقي
أف تتحوؿ الزوجة إلى أف تكوف ىي المشكلة في حياة زوجها ،فتثير المشكالت ألتفو األسباب ،وتحوؿ بيتها
وحياتها إلى جحيم ال يطاؽ ،ولن يكوف نصيبها ٍ
وقتئذ إال الدعاء عليها .فعن معاذ
<>63
ابن جبل رضي اهلل عنو قاؿ :قاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم "ال تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إال قالت
()3
زوجتو من الحور العين :ال تؤذيو -قاتلك اهلل -فإنما ىو عندؾ دخيل ،يوشك أف يفارقك إلينا"4
)1أخرجو مسلم (جػ - 4ص )3737كتاب السالـ -باب جوار إرداؼ المرأة األجنبية إذا أعيت في الطريق.
)2أخرجو مسلم (جػ - 8ص ،3949كتاب فضائل الصحابة -باب من فضائل أبي طلحة األنصاري رضي اهلل تعالى عنو.
)3أخرجو الترمذي ،وحسنو (جػ - 3ص )468كتاب الرضاع -باب رقم ( ،)39وأخرجو ابن ماجو (جػ - 3ص )649
(د) وقوؼ الزوجة وراء زوجها من أجل نصرة الحق ،وعلو راية اإلسالـ-:
إف العمل للسالـ ىي رسالة كل مسلم في ىذه الحياة -رجالً كاف أو امرأة -وبقياـ كل منهما بهذه المهمة
يتحقق العز ،وتتحصل السعادة في الدنيا واآلخرة ،وصدؽ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اهلل عنو حين
()1
قاؿ" :إنا كنا أذؿ قوـ ،فأعزنا اهلل باإلسالـ ،فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا اهلل بو أذلنا اهلل"4
والمتتبع لتاريخ نشر اإلسالـ يجد أف الصحابيات -رضواف اهلل عليهن -وقفن خلقو الرجاؿ ،يشددف من
أزرىم ،ويقوين من عزمهم ،حتى عم نور اهلل على العالمين.
وقد مر بنا حديث السي دة أسماء بنت يزيد في حديثها عن رعاية النساء في ىذا العصر ألبناء المجاىدين،
وقيامهن على شئونهم ،وقوؿ النبي صلى اهلل عليو وسلم لها( :إف حسن تبعل إحداكن لزوجها ،وطلبها
لمرضاتو ،واتباعها لموافقتو يعدؿ كل ما ذكرت للرجاؿ ".
<>62
وىذا موقف عاـ تشترؾ فيو كل الصحابيات دونما استثناء.
لكن الذي نود تأكيده ىنا ىو دور آخر -فوؽ ما ذكر -يتمثل في مساعدة الزوجة لزوجها في العمل على
نصرة الحق ،وعلو راية اإلسالـ ،وذلك من خالؿ النماذج التالية من حياة الصحابيات:
-3من أروع النماذج في ىذا المجاؿ أـ المؤمنين خديجة رضي اهلل عنها ،والتي كانت مالذا آمنا لرسوؿ اهلل
صلى اهلل عليو وسلم ،قامت قبل الدعوة وتبليغ الوحي بمساعدة النبي صلى اهلل عليو وسلم على التعبد بغار
ك ،وجاء يرجف فؤاده قائالً لها :لقد خشيت على
الملَ ُ
حراء بما كانت تزوده بو مما يحتاج إليو ،وحين جاءه َ
نفسي ،قالت لو كلمتها المشهورة :كال ،واهلل ال يخزيك اهلل أبداً ،إنك لتصل الرحم ،وتحمل الكل ،وتكسب
المعدوـ ،وتقرى الضيف ،وتعين على نوائب الحق .وأخذت بيده -رضي اهلل عنها -إلى ابن عمها ورقة بن
نوفل ،وحكى لو ما حدث ،فبشره بأف ىذا ىو الناموس (الوحي) الذي كاف يأتي إلى موسى ،وبشره بأنو
سيكوف نبي ىذه األمة ،وبادرت السيدة خديجة رضي اهلل عنها قبل غيرىا باإليماف بو ،فكانت أوؿ من آمن
من الرجاؿ والنساء على السواء .وبذلت السيدة خديجة من مالها ونفسها في صالح الدعوة الكثير والكثير،
بست مع زوجها رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم في شعب أبي طالب ثالث وتحملت األذى في سبيلها ،فح ِ
ُ
سنوات كاملة حتى أكلوا أوراؽ الشجر من الجوع والجهد ،وظلت تنافح عن رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم
وتشد من أزره ،فكانت نعم المعين والسند.
)1سيرة ابن ىشاـ (جػ - 3ص -)254بتحقيق محمد فهمي السرجاني -المكتبة التوفيقية.
)2سورة الكهف -اآلية (.)34
فلم يأتمروا .فأشارت عليو -رضي اهلل عنها -بأف يخرج إلى الناس ،ويقوـ أمامهم بحلق شعره ونحر ىديو،
وال يتكلم أمامهم بشيء .وأخذ النبي صلى اهلل عليو وسلم بمشورتها4
<>65
()1
فبادر الناس إلى الحلق والذبح حين رأوا رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم فعل ذلك4
وىكذا بمشاركة ىذه الزوجة الصالحة ومشورتها أقاؿ اهلل المسلمين من عثرتهم ،وفرج عنهم كربتهم.
وىكذا ينبغي أف تكوف الزوجة المسلمة عونا لزوجها على الخير ،وسندا لو على تحمل مسئولياتو في الدعوة
إلى اهلل تبارؾ وتعالى ،وذلك حتى تشاركو في األجر ،فإف من جهز غازيا فقد غزا ،كما علمتنا ذلك السنة
النبوية ،ولن يجد الرجل من يعينو على أداء مهماتو الدعوية أفضل من زوجتو التي ىي أقرب الناس إليو ،وألصق
الناس بو.
ىذا وال تزاؿ ىناؾ بعض الجوانب المهمة التي تتعلق بالزوجة مع زوجها ،ونشير إليها ىنا بإجماؿ مع تأييدىا
ببعض النماذج من حياة الصحابيات.
(أ) فمن ذلك أف الزوجة ال تأذف ألحد بالدخوؿ لبيت زوجها إال بإذنو ،ومما يروى في ذلك أنو لما مرضت
السيدة فاطمة الزىراء رضي اهلل عنها أتى سيدنا أبو بكر رضي اهلل عنو يستأذف عليها ،فقاؿ علي رضي اهلل
عنو :يا فاطمة ،ىذا أبو بكر يستأذف عليك ،فقالت :أتحب
<>66
() 2
أف آذف لو؟ قاؿ :نعم ،قاؿ :فأذنت لو ). . . . .
(ب) ومن الواجب على الزوجة المسلمة أف تصوف عرضها ،وتحفظ زوجها في غيبتو ،وأف تقدر غيرتو عليها،
فال تتعرض للرجاؿ بما يخدش حياءىا ،أو ينغص على زوجها.
ومما يروى في ىذا أف السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي اهلل عنها كانت تحمل النوى على رأسها ،فلقيها
رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ومعو أصحابو ،فهم أف ينيخ ناقتو لتركب خلفو .قالت -رضي اهلل عنها:-
فاستحييت أف أسير مع الرجاؿ ،وذكرت الزبير وغيرتو ،وكاف أغير الناس ،فعرؼ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو
وسلم أني قد استحييت( 4)3ونكتفي بهذا القدر من الحديث عن المرأة مع زوجها ،وننتقل إلى المبحث التالي
)1الحديث بطولو في صلح الحديبية أخرجو األماـ البخاري (جػ - 2ص 339وما بعدىا) كتاب الشروط -باب الشروط في
الجهاد ،والمصالحة مع أىل الحرب وكتابة الشروط.
)2رواه البيهقي في السنن الكبرى (جػ - 6ص )343حديث رقم .32535
)3أخرجو البخاري (جػ - 3ص ،264كتاب النكاح -باب الغيرة وأخرجو مسلم بنحوه (جػ - 4ص )3736كتاب السالـ -
عن المرأة مع أوالدىا.
واهلل تعالى ولي التوفيق
<>67
المبحث الثاني
مع األوالد
( )3تعد مرحلة الطفولة من أىم مراحل العمر في حياة اإلنساف ،ولهذا كانت ىذه المرحلة في عالم اإلنساف
طويلة بالنسبة لسائر المخلوقات ،وذلك لعدة أسباب:
أ -أنها المرحلة التي يسهل فيها التوجيو والتربية ،وصدؽ من قاؿ:
ب ين إِذَا قَػوْمتَػ َها الْ ُخ ُ ِ إِف الغُصو َف إِذا َميػ ْلتَهاَ ا ْعتَ َدلَ ْ
ش ُ َوَال تَل ُ ت
ب -أف ما يتعلمو اإلنساف في صغره ،وما يتلقاه من توجيو وتهذيب خاللو يحدد شخصيتو في مستقبلو ،فإف
من شب على شيء شاب عليو.
ج -أف أثر التوجيو والتربية إلنساف في صغره يمتد معو طيلة حياتو ،فغالبا ما يكوف المرء في مستقبلو على
نحو ما كاف في ماضيو ،فإذا تعرض لهزة ما من الهزات ،فسرعاف ما يعود إلى أصولو ،وينتمي إلى جذوره.
وقد شبو بعض العلماء مراحل اإلنساف العمرية بالشجرة ،لها جذور وفروع وأغصاف ،فإذا تعرضت للذبوؿ
بسبب نقص الماء مثالً ،فإف األغصاف والفروع تذبل قبل الجذور ،وإذا أدركناىا بالماء عادت إلى
<>68
االنتعاش ،وسرت الحياة من جديد في كل أجزاء الشجرة.
إذا علمنا ذلك أدركنا أىمية مرحلة الطفولة ،وضرورة االعتناء بها ،حتى يشب األبناء في مستقبلهم رجاال
يمألوف سمع الدنيا وبصرىا.
( )2ولألـ في ىذا المجاؿ دور مهم ورئيس ،باعتبار أف معظم ما يقضيو الطفل في مراحلو األولى يكوف بين
يدي أمو ،فهو يتربى على يديها أكثر مما يتربى على يدي والده ،ولهذا قالوا:
ت َش ْعباً طَيب اْألَ ْعر ِ
اؽ أَ ْع َد ْد َ األُـ َم ْد َر َسةٌ إِذاَ أَ ْع َد ْدتَػ َها
َ َ
واعترافا بفضل األـ ودورىا المهم في ىذا المجاؿ يقوؿ سيدنا معاوية رضي اهلل عنو -وىو أحد دىاة العرب
)1ما قل ودؿ (ص - )33قاسم عاشور -طبعة أولى سنة 2442دار ابن حزـ – ببيروت4
)2ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (جػ - 3ص .)273
وقالت يوما لرسوؿ اهلل :يا رسوؿ اهلل :أنس خادمك ،ادع اهلل لو ،فقاؿ؟ اللهم أكثر مالو وولده وبارؾ لو فيما
()1
أعطيتو.
لقد أحسنت ىذه الصحابية صنعا مع ولدىا منذ نعومة أظفاره ،فحرصت على أف تلقنو الشهادة مع أوؿ عهده
بالنطق ،ثم حرصت على أف يبلغ مبلغ الرجاؿ ،ويقوـ بتزويج أمو بعد إذنو ،وىو ما فعلو أنس حين زوج أمو
ألبي طلحة بعد أف أسلم ،ثم أضافت ىذه المرأة بعدا آخر في تربيتها البنها وىو حرصها على اختيار الصحبة
الصالحة لو ،فوىبتو لرسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ليخدمو ،ويرتشف من معين األدب
<>73
النبوي بمالزمتو لو ،وخدمتو إياه ،ثم أضافت -رضي اهلل عنها -بعدا آخر في حرصها على تنشئة ولدىا
نشأة صالحة ،وذلك بطلبها الدعاء لو من رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم.
وبهذا فتحت ىذه الصحابية لولدىا جميع أبواب الخير ،ال بالكالـ وإنما بالفعاؿ ،وقد انعكس ذلك كلو
بالخير على ىذا الصحابي الجليل ،فروى من األحاديث الكثير ،وامتد بو العمر -استجابة لدعوة الرسوؿ
صلى اهلل عليو وسلم ينشر الخير ىو وذريتو التي جاوزت المائة ،وىو فضل يذكر فيشكر لهذه األـ ،التي نرجو
من كل امرأة مسلمة أف تقفو أثرىا ،وتحذو حذوىا في عنايتها بأبنائها ،وحسن تربيتها لهم.
(ب) حرص الصحابيات على تربية أبنائهن على حب اإلسالـ والدفاع عنو واالتصاؼ بالشجاعة في مواجهة
الخصوـ:
إف مواقف الشجاعة والبطولة في الدفاع عن اإلسالـ والذود عن حياضو كثيرة جدا ،وقد قامت الصحابيات
في كثير من ىذه المواقف بدور فعاؿ في دفع أبنائهن دفعا إلى نصرة اإلسالـ ،وأصيب منهم -في سبيل
ذلك -من أصيب ،وقتل منهم من قتل ،دوف أف يتسلل إلى نفوسهن اليأس ،أو يبتلين بالعجز ،والمواقف
شاىدة على ذلك ،ونختار منها ما يلي:
( )3من ىؤالء الصحابيات خنساء بنت عمرو بن الحارث ،المشهورة بالخنساء ،والتي شهدت حرب القادسية
بقيادة سعد بن أبى
<>72
وقاص ومعها أبناؤىا األربعة الذين بقوا لها من الدنيا ،بعد أف امتد بها العمر ،وطاؿ بها السن.
ويحفظ التاريخ ما قالتو الخنساء ألبنائها قبل المعركة ،ويقف إجالال وإكبارا لتلك المرأة العظيمة التي ربت
)1أخرجو البخارى (جػ - 4ص )334كتاب الدعوات -باب الدعاء بكثرة الماؿ مع البركة ،وأخرجو مسلم (جػ- 4
ص )3928كتاب فضائل الصحابة -باب من فضائل أنس بن مالك رضي اهلل عنو.
أوالدىا على العزة والكرامة :يا بني أسلمتم طائعين ،وىاجرتم مختارين ،وواهلل الذي ال إلو إال ىو إنكم بنو
امرأة واحدة ،ما خنت أباكم ،وال فضحت خالكم ،وال ىجنت حسبكم ،وال غيرت نسبكم ،وقد تعلموف ما
أعد اهلل للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين ،واعلموا أف الدار الباقية خير من الدار الفانية،
اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا اهلل لعلكم تفلحوف ،فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها فيمموا وطيسها،
وجالدوا رئيسها ،تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة.
وانطلق األبناء األربعة على ىدى ىذه الكلمات النيرات التي سمعوىا من أمهم ،وأبلوا في المعركة بالء حسنا،
حتى استشهدوا واحدا وراء اآلَخر.
وحين علمت السيدة الجليلة باستشهاد أبنائها األربعة لم تجزع ولم تلن ،وإنما قالت كلمات ال تزاؿ تتردد في
مسامع الدنيا إلى يومنا ىذا ،وىي" :الحمد هلل الذي شرفني بقتلهم ،وأرجو من ربي أف يجمعني بهم في مستقر
()1
رحمتو"
<>73
( ) 2والموقف الثاني للسيدة أسماء بنت أبي بكر رضي اهلل عنهما مع ولدىا عبد اهلل بن الزبير حين حاقت بو
المكاره ،وحوصر بواسطة الحجاج بن يوسف داخل مكة ،وتفرؽ عنو أكثر من كاف معو -وقد كاف بويع قبل
ذلك بالخالفة وظل ينادى بأمير المؤمنين فترة من الزمن في كثير من البلداف اإلسالمية -وحين رأى عبد اهلل
ى وأىلي ،فلم يبق معي إال
بن الزبير ىذا الذي حدث دخل على أمو وقاؿ لها .يا أماه خذلني الناس حتى ولد ّ
اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة ،والقوـ يعطونني ما أردت من الدنيا ،فما ترين؟
قالت لو األـ الصبورة ذات القلب الكبير .أنت -واهلل -يا بنى أعلم بنفسك ،إف كنت تعلم أنك على حق
وإليو تدعو فامض لو ،فقد قتل عليو أصحابك ،وال تمكن من رقبتك غلماف بنى أمية يلعبوف بها ،وإف كنت
إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت ،أىلكت نفسك وأىلكت من قتل معك ،وإف قلت :كنت على حق ،فلما
وىن أصحابي ضعفت ،فهذا ليس فعل األحرار وال أىل الدين ،وكم خلودؾ في الدنيا؟ القتل أحسن.
وجعلت تذكره بأبيو الزبير ،وجده أبى بكر الصديق ،وجدتو صفية بنت عبد المطلب ،وخالتو عائشة زوج رسوؿ
اهلل صلى اهلل عليو وسلم ،وترجيو القدوـ عليهم إذا ىو قتل شهيداً فسرت ىذه الكلمات في نفس ولدىا
كالماء السلسبيل يتخلل جميع أجزاء النبات ،فقاـ وقبل رأسها ،واستودعا
<>74
)1أنظر (اإلصابة في تمييز الصحابة) (جػ - 7ص )636واالستيعاب (جػ - 4ص ،3829ص 4 )3337
اهلل سبحانو وتعالى ،وقاؿ لها -ليزداد يقينو من صبرىا وثباتها :-أخاؼ أف يمثلوا بجثتي بعد موتى؟ فنطق
لسانها بكلمة صارت مثالً يضرب في مواطن الشجاعة والثبات ،وقالت :يا بني ،إف الشاة ال يضرىا سلخها
() 1
بعد ذبحها4
وىكذا نتعلم من ىذا الموقف والذي قبلو أف األخت المسلمة تقتفى أثر ىؤالء الصحابيات في تربية أبنائهن
على حياة الجد والتضحية ألجل اإلسالـ ،وأنو ال مكاف -في ىذا المجاؿ -للميوعة والدعة التي ال تثمر
سوى أجياؿ ىشة ،ال تقوى على الثبات ،فضال عن التضحية.
(ج) رعاية الصحابيات للعدؿ بين أوالدىن حتى تكوف األلفة والمحبة سائدة بينهم:
أخرج أبو نعيم عن الشعبي قاؿ :تزوج سيدنا على أسماء بنت عميس بعد أبي بكر -رضي اهلل عنهم جميعا
-فتفاخر ابناىا محمد بن أبي بكر وعبد اهلل بن جعفر ،فقاؿ كل واحد منهما :أنا خير منك ،وأبي خير من
أبيك .فقاؿ على ألسماء :اقضي يبنهما .فقالت البن جعفر :أما أنت يا بني فما رأيت شابا من العرب كاف
خيرا من أبيك ،وأما أنت يا بني -تعنى محمد بن أبي بكر -فما رأيت كهال من العرب خيرا من أبيك.
<>75
()2
فقاؿ لها :ما تركت لنا شيئا ،ولو قلت غير ىذا لمقتك.
وىنا تعطينا تلك الصحابية الجليلة رضي اهلل عنها نموذجا في الحكمة عند التعامل مع األوالد ،بحيث ال
يشعر أحدىم بتفضيل والديو لغيره عليو ،فإف ذلك من شأنو -إذا روعى -أف يحدث تآلفا وانسجاما بين كل
األبناء ،ولو لم يراع ذلك ألحدث صدعا في محيط األسرة ،ونشبت الخالفات بين أطرافها.
فما أعظم ىذه اللفتات التربوية التي تستفيدىا األخت المسلمة لتربي أبناءىا على أساسها ،فتسعد كما سعد
ىذا الجيل ،الذي قل أف يجود الزماف بمثلو.
(د) رعاية الصحابيات ألبنائهن في أمر الطاعات ،واألخذ بأيديهم نحو الخيرات:
( ) 3عن الربيع بنت معوذ رضي اهلل عنها قالت :في شأف صيامهم يوـ عاشوراء "كنا نصوـ ،ونصوـ صبياننا
الصغار ،ونجعل لهم اللعبة من العهن (أي الصوؼ) ،فإذا بكى أحدىم على الطعاـ أعطيناه ذاؾ حتى يكوف
عند اإلفطار"(،)3وبالتأمل في ىذا الخير القليل في مبناه ،الكثير في معناه ،يتضح لنا
)1أخرجو مسلم (جػ - 2ص )974كتاب الحج -باب صحة حج الصبي ،وأجر من حج بو .
)2لكن ىذا ال يغني عن حجة اإلسالـ ،التي يشترط فيها البلوغ ،فإذا بلغ الصبي فعليو أف يؤدي فرض الحج عليو
إذا كانت المرأة المسلمة ذات زوج تقوـ بأداء حقوقو ،وذات أوالد تقوـ على تعهدىم وتربيتهم - ()3
على النحو الذي سبقت اإلشارة إليو -فإف ثمة حقوقا أخرى لباقي أفراد المجتمع ،والبد للمرأة
المسلمة -سواء كانت زوجة أو بال زوج -أف تقوـ بدورىا في أداء الحقوؽ الالزمة ألخواتها
المسلمات ،وقد أشارت السنة النبوية إلى ىذه الحقوؽ ،ومما جاء فيها -على سبيل المثاؿ -
قولو صلى اهلل عليو وسلم" -:حق المسلم على المسلم ست .قيل ما ىن يا رسوؿ اهلل -:إذا
()1
لقيتو فسلم عليو ،وإذا دعاؾ فأجبو ،وإذا استنصحك فانصح لو ،وإذا عطس فحمد اهلل فسمتو
()2
وإذا مرض فعده ،وإذا مات فاتبعو"4
والحديث -وإف تناوؿ حق المسلم الرجل على أخيو -فإف المرأة تؤدى من ىذه الحقوؽ ما يتناسب مع
طبيعتها ،وما يتفق وتعاليم الشرع ،وال تعفى بأية حاؿ من حقوؽ في عنقها تؤديها.
<>79
( )2وفي ضوء ىذه المعاني تنطلق المرأة المسلمة -المحبة لدينها ،الراغبة في طاعة ربها -وىي حريصة
على أف تقدـ الخير لكل أفراد المجتمع بحب ٍ
وتفاف وإخالص.
وقد وصفت المرأة المسلمة الملتزمة على لساف أحد الدعاة المعاصرين بقولو" -:األخت الملتزمة الخير منها
مأموؿ ،والشر عنها معزوؿ ،كاألـ في الحناف ،وكالبنت في الطاعة ،والوالد في السعي ،وكالشقيقة في
الصحبة.
األخت الملتزمة الناس من ها في راحة ،ونفسها منها في تعب ،أعمالها أكثر من أوقاتها ،شعارىا :فإذا فرغت
فانصب ،وإلى ربك فارغب.
األخت الملتزمة كالنحلة العاملة ،ال تأكل إال طيبا ،وال تعطى إال طيبا ،وإذا حطت على عود ال تخدشو وال
تكسره ،لها شوكة ولكن شوكتها على األعداء.
األخت الملتزمة تصل من قطعها ،وتعطي من منعها ،وتعفو عمن ظلمها ،وتدعو ألخواتها بظهر الغيب.
األخت الملتزمة تكوف ألخواتها كاألرض الذلوؿ تحتمل الكبير والصغير ،وكالسحاب يظل القريب والبعيد،
وكالمطر يسقى من يحب ومن ال يحب.
األخت الملتزمة ىينة لينة سمحة ،تعرؼ كيف تقوؿ للنساء :أنا
)1ىكذا في رواية مسلم (فسمتو) وفي رواية أحمد (فشمتو) وىما بمعنى واحد ،أي تقوؿ للعاطس -يرحمك اهلل4
)2أخرجو مسلم (جػ - 4ص )3745كتاب السالـ -باب من حق المسلم للمسلم رد السالـ ،وأخرجو أحمد (جػ - 2ص
. )372
<>84
أحبكن في اهلل .ليست فظة وال غليظة وال صخابة وال نمامة وال كذابة ،وإنما محبة هلل ،أمة لو"()1أ4ىػ
إف األخت المسلمة -بحرصها على ىذه المعاني -تناؿ عند اهلل تعالى عظيم األجر ،وتبوئ ()3
نفسها في أعلى الدرجات وأرفع المنازؿ ،وتدخر لنفسها عند اهلل أعظم الثواب بخدمتها للناس،
وسعيها في قضاء حوائجهم ،وصدؽ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم" -:من نفس عن مؤمن كربة
من كرب الدنيا ،نفس اهلل عنو كربة من كرب يوـ القيامة ،ومن يسر على معسر ،يسر اهلل عليو في
الدنيا واآلخرة ومن ستر مسلما ستره اهلل في الدنيا واآلخرة ،واهلل في عوف العبد ما كاف العبد في
()2
عوف أخيو " . . .
ىذا فضال عما يحصلو المسلم -بمثل ىذه األعماؿ -من طيب الذكر ،وجميل األحدوثة في الحياة
وبعد الممات.
وصدؽ من قاؿ-:
ات َوأَ ْوقَ ٌ
ات اع ٌ
َوالّعُ ْس ُر َوالْيُ ْس ُر َس َ ػاس َما َد َاـ الْ َحيَاءُ بِهػ ْم
اس بِالنّ ِ
النّ ُ
ت اش قَػ ْوٌـ َو ُى ْم فِي الن ِ
اس أَ ْمواَ ُ َو َع َ ت َم َكا ِرُم ُه ْم
وما َماتَ ْات قَػ ْوٌـ َ
قَ ْد َم َ
( )4وفيما يلي نتعرؼ بعض النماذج المضيئة في خدمة المرأة المسلمة ألخواتها من خالؿ سلوؾ
الصحابيات رضواف اهلل عليهن-:
<>83
(أ) أخرج أبو نعيم عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قاؿ -.لما زوج رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم فاطمة عليا
دخل ،فلما رآه النساء وثبن وبينهن وبين رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم سترة ،فتخلفت أسماء بنت عميس
رضي اهلل عنهما؟ فقاؿ لها رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم :كما أنت على رسلك ،من أنت؟ قالت :التي
أحرس ابنتك ،فإف الفتاة ليلة يبنى بها ،البد لها من امرأة تكوف قريبة منها ،إف عرضت لها حاجة أو أرادت
فسر النبي صلى اهلل عليو وسلم من ذلك ،ودعا لها بأف يحرسها اهلل عز وجل فقاؿ-:
شيئا أفضت بذلك إليها ُ
()3
فإني أسأؿ إلهي أف يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطاف الرجيم"4
وفي الداللة على النوايا الخبيثة لدى أعداء اإلسالـ من وراء ىذه
<>93
)1أخرجو البخاري (جػ - 3ص )297كتاب النكاح -باب ما يتقى من شؤـ المرأة وأخرجو مسلم واللفظ لو (جػ - 4ص
ص )2497كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار -باب أكثر أىل الجنة الفقراء . . .إلخ.
)2سورة األعراؼ -اآلية (.)27
)3المرأة ومكانتها في اإلسالـ (ص )9أحد عبد العزيز الحصين -طبعة سنة .3983
)4قضية المساواة بين الجنسين في الفكر الوضعي المعاصر (ص )53رسالة ماجستير مخطوطة للباحث /حشمت فايز أبو
أبو المجد -كلية الدعوة اإلسالمية بالقاىرة.
)5أحمد عبد العزيز الحصين (ص 98مرجع سابق).
الدعوة يقوؿ محمد طلعت حرب باشا في كتاب لو بعنواف (المرأة والحجاب)" :إف رفع الحجاب واالختالط،
تتمناىا أوروبا من قديم الزماف لغاية في النفس ،يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا بالعالم
كالىما أمنية َ
()1
اإلسالمي"4
( )3ولم يكتف أعداء اإلسالـ بهذا الكالـ النظري ،وإنما شجعوا -بكل الوسائل الممكنة -على التمكين
للرذيلة ،والتشجيع على العرى والفضيحة ،وذلك من خالؿ قنوات عديدة ،تصب جميعها في ىذا اإلطار.
فداعيات التحرر وزعيمات النهضة في المجتمعات المسلمة من النساء الالتي بادرف بخلع الحجاب وإعالف
السفور ،وقد أطلقت أسماؤىن -تكريما لهن -على أكبر الشوارع وأعظم الميادين.
وبيوت األزياء العالمية تتفنن في إغراؽ البالد اإلسالمية بأحدث موضات المالبس لشتى المناسبات ،وتفسح
وسائل اإلعالـ المختلفة مساحات واسعة لهذه الجهات.
والمصايف التي تمتد على طوؿ بالد المسلمين وعرضها -دوف رقيب أو حسيب -وسيلة من الوسائل التي
تشجع النساء على التخلص من ثيابهن ،حتى يظهرف شبو عاريات ،وتعرض مثل ىذه الصور في أفالـ
ومسلسالت لتصبح واقعا يقر بو الجميع.
<>94
( )4وأخيراً -وليس آخرا -استخدموا السياسة للوصوؿ إلى تحقيق أغراضهم الخبيثة ،فعقدت األمم
المتحدة عدة مؤتمرات للمرأة والسكاف وانصبت أعماؿ ىذه المؤتمرات على إقرار كل ما يخالف تعاليم
اإلسالـ بشأف المرأة واألسرة.
( ) 5وقد ترتب على ىذا الواقع المر أف انتشرت الفواحش ،وتعددت أشكاؿ العالقات اآلثمة بين الذكور
واإلناث ،ما بين مخادنة أو مخاللة أو زواج عرفي ،وتعالت األصوات من كثرة حوادث االغتصاب ،وانتشرت
في مجتمعاتنا بصورة غير مسبوقة ظاىرة اللقطاء وأوالد الزنا.
والسبب في ذلك كلو يرجع -باألصالة -إلى تخلي المرأة عن حجابها ،ولجوئها إلى االختالط الحر
بمجتمع الرجاؿ ،مما أفقدىا خصوصيتها ،وأشاع الفوضى واالضطراب في كافة أنحاء المجتمع.
( ) 6ومن ىنا كانت دعوة اإلسالـ إلى ضرورة التزاـ المرأة المسلمة بالعفة ،وبعدىا عن إثارة الفتن بين الرجاؿ
بملبسها أو صوتها أو مشيتها ،وىو ما صرحت بو آيات القرآف الكريم ،وأحاديث النبي األمين صلى اهلل عليو
وسلم.
)1ذكر ىذا األثر الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة النور ،وأسنده إلى ابن حاتم (جػ - 3ص ،)284وقد رواه أبو داود
مختصرا (جػ - 2ص )435كتاب اللباس -باب في قوؿ اهلل تعالى (يدنين عليو من جالبيبهن).
)2أخرجو البخاري (جػ - 3ص )369كتاب التفسير -باب تفسير سورة النور.
)3الغلس -:ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح4
)4أخرجو البخاري (جػ - 3ص )349كتاب الصالة -باب وقت الفجر وأخرجو مسلم واللفظ لو (جػ - 3ص )446
كتاب المساجد ومواضع الصالة -باب استحباب التبكير بالصبح في أوؿ وقتها . . . .إلخ.
)5أخرجو أحمد في مسنده (جػ - 6ص .)242
المسلمين إلى الصائغ فقتلو ،فعمد اليهودي إلى قتل ىذا المسلم ،فغضب رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم
<>344
والمسلموف ،وقاموا بإجالء ىذا الفريق من اليهود عن المدينة.
(جػ) عن ثابت بن قيس رضي اهلل عنو قاؿ" -:جاءت امرأة إلى النبي صلى اهلل عليو وسلم يقاؿ لها أـ خالد
-وىى منتقبة -تسأؿ عن ابنها وىو مقتوؿ ،فقاؿ لها بعض أصحاب النبي صلى اهلل عليو وسلم جئت تسألين
()2
عن ابنك وأنت منتقبة! فقالت" :إف أرزأ( )1ابني فلن أرزأ حيائي"4
جر ثوبو خيالء لم
وسلم" -:من َ
(د) عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قاؿ .قاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو َ
ينظر اهلل إليو يوـ القيامة ،فقالت أـ سلمة رضي اهلل عنها .فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قاؿ :يريخين شبراً،
()3
فقالت إذف تنكشف أقدامهن ،قاؿ .فيرخينو ذراعا ال يزدف عليو"4
والشاىد من الحديث حرص أـ سلمة رضي اهلل عنها أف تسأؿ عما يتعلق بثياب المرأة من حيث الطوؿ ،حتى
ال تقع في دائرة الكبر الذي يمقت اهلل صاحبو إذا جر ثوبو خيالء ،فقالت :فكيف يصنع النساء لذيولهن؟
قاؿ :يرخين شبرا ،أي ترخي من ثوبها شبرا بعد منتصف الساؽ ،لكنها رضي اهلل عنها وجدت أف ىذا القدر لن
يكفي لستر
<>343
أقداـ المرأة -وىي الحريصة على أال ينكشف منها شيء -فقالت .إذف تنكشف أقدامي ،فقاؿ عليو الصالة
والسالـ .فيرخينو ذراعا ال يزدف عليو.
وىو موقف يدؿ على مدى حرص الصحابيات الجليالت على أال يرى أحد منهن شيئا.
(ىػ) عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أف السيدة فاطمة الزىراء بنت النبى صلى اهلل عليو وسلم لما مرضت
مرض الموت ،وكانت عندىا أسماء بنت عميس رضي اهلل عنها تعودىا ،قالت فاطمة رضي اهلل عنها" :إني قد
استقبحت ما يصنع بالنساء بعد موتهن ،إنو يطرح على المرأة الثوب فيصفها ،وأني سأموت ،وأستحي أف
أحمل في جنازتي على السرير ظاىرة أماـ الناس ،ويعرؼ الناس طولي وعرضي -وكانت النعوش لم تُعرؼ بعد
-فقالت أسماء" -:إني رأيت الناس في الحبشة يصنعوف نعوشا يحملوف فيها النساء لئال يظهر منهن شيء،
وبوسعي أف أصنع لك واحدا تحملين فيو ،فقالت فاطمة؟ فأرينيو ،فأتت أسماء ببعض من جريد النخل الرطب،
)1الطرؽ الحكمية في السياسة الشرعية (ص )447بتحقيق د /محمد جميل غازي -مطبعة المدني -بدوف تاريخ
)2نقال عن (روائع البياف في تفسير آيات األحكاـ) (ص )394 -389طبعة ثانية سنة 3977ـ -منشورات مكتبة الغزالي
-دمشق.
)3ليس لكن أف تحققن الطريق -:أي ليس لكن أف تمشيين في وسطها
)4أخرجو أبو داود (جػ - 2ص )733كتاب األدب -باب في مشي النساء مع الرجاؿ في الطريق.
(ج) كاف من ى دى النبي صلى اهلل عليو وسلم إذا انتهي من صالتو أف يمكث في مقامو بعض الوقت قبل أف
يقوـ ،لتتمكن النساء من االنصراؼ قبل أف يختلط بهن الرجاؿ ،وفي ىذا تقوؿ " أـ المؤمنين أـ سلمة رضي
اهلل عنها" -:كاف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم إذا سلم قاـ النساء حين يقضى تسليمو ،وىو يمكث في
مقامو يسيرا قبل أف يقوـ ،قالت -:نرى -واهلل أعلم -أف ذلك كاف لكي ينصرؼ النساء قبل أف يدركهن
()1
الرجاؿ "
<>348
(د) وفى المسجد أيضا خصص رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم للنساء بابا يدخلن منو ويخرجن بعيدا عن
اختالطهن بالرجاؿ ,وحرص الرجاؿ من جانبهم على عدـ الدخوؿ من ىذا الباب.
عن نافع عن بن عمر قاؿ :قاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم" - :لو تركنا ىذا الباب للنساء؛ قاؿ نافع فلم
()2
يدخل منو بن عمر حتى مات "4
(ج)ومع كل ىذه االحتياطات التى تحوؿ دوف اختالط النساء بالرجاؿ فى أطهر األماكن وأشرفها أكدت
السنة على أف صالة المرأة فى بيتها أفضل ,ووردت فى ذلك عدة أحاديث
(و)أخرج البخارى فى صحيحو أف أـ المؤمنين عائشة رضى اهلل عنها كانت تطوؼ حرجة من الرجاؿ ,ال
تخالطهم( .)3أى معتزلة فى مكاف بعيد عن الرجاؿ ال تختلط فيو معهم.
()8ومن خالؿ ما سقناه من أدلة ومواقف نجد أف االختالط يمنع فى أماكن الطاعة والعبادة ,ففى غيرىا من
األماكن أولى ,من أجل أف نحافظ على العفة التى تتأثر -ال محالة-بجو االختالط الحر ,وقد قاؿ أحد
()4
الحكماء فى ىذا" -:العفة حجاب يمزقو االختالط"
<>349
وسمعت أحد الدعاة المعاصرين يتكلم عن ىذه القضية ،وىو الشيخ إبراىيم عزت رحمو اهلل ،فكاف مما
قاؿ" -:إف المرأة إذا خرجت إلى المجتمعات المختلطة عادت وعواطفها مستهلكة".
( )9ومن البدىي أننا ال نعني بهذا الكالـ أف تظل المرأة حبيسة الجدراف ،بل لها أف تحرج لمالها إليو حاجة
ال تستغني عنها إذا راعت في الخروج التستر والحشمة ،والبعد عن اإلغراء والفتنة ،وابتعدت عن مخالطة
)1أخرجو البخاري (جػ - 3ص )357كتاب الصالة -باب صالة النساء خلف الرجاؿ4
)2أخرجو أبو داود(ج-3ص )324كتاب الصالة -باب اعتزاؿ النساء المساجد عن الرجاؿ4
)3أخرجو البخارى (ج-3ص)283كتاب الحج -باب طوؼ النساء مع الرجاؿ4
)4المرأة فى التصور اإلسالمى (ص )342عبد المتعاؿ الجبرى -طبعة عاشرة سنة -3994مكتبة وىبة 4
الرجاؿ على النحو الذي يخدش حياءىا.
ولعل فيما ورد في القرآف الكريم من قصة سيدنا موسى مع المرأتين في سورة القصص ما يوضح مثل ىذه
سقُىَُ َو َو َج َذ ٍِِْ س يَ ْ األمور ،وفيها يقوؿ رب العزةَ ( -:وىَ ََّا َو َس َد ٍَا َء ٍَ ْذيََِ َو َج َذ َعيَ ْي ِه أ ُ ٍَّحً ٍَِِ اىَّْا ِ
ش ْي ٌخ َمثِي ٌش ص ِذ َس اى ِّشعَا ُء َوأَتُىَّا َ سقِي َحرَّى يُ ْ طثُ ُن ََا قَاىَرَا ََل َّ ْ دُوِّ ِه ٌُ ا ٍْ َشأذَ ْي ِِ ذَ ُزودَا ُِ قَا َه ٍَا َخ ْ
شي سقَى ىَ ُه ََا ثُ ٌَّ ذَ َىىَّى إِىَى اىظِّ ِّو فَقَا َه َس ِّب إِِّّي ِى ََا أَ ّْ َز ْىدَ إِىَ َّي ٍِِْ َخ ْي ٍش فَقِي ٌش فَ َجا َء ْذهُ إِ ْحذَاهُ ََا ذَ َْ ِ
فَ َ
َ ()1
سقَ ْيدَ ىَْا) .وال يتسع ،المجاؿ للتفصيل فيما سرِ ْحيَا ٍء قَاىَدْ إَُِّ أَتِي يَ ْذعُى َك ىِيَ ْج ِزيَ َل أَ ْج َش ٍَا َ َعيَى ا ْ
تحويو القصة ،ولكن الروح العامة التى يسيطر عليها ىو ما نؤكده من ضرورة محافظة المرأة على سترىا
وحيائها ،وأف تبتعد عن مزاحمة الرجاؿ ،فإذا دعت إلى
<>334
محادثة الرجاؿ أو التعامل معهم ضرورة ،فينبغي أال تنسى أنها امرأة ،وأنو قد يطمع فيها بعض ذوي النفوس
الضعيفة ،فلتحافظ على نفسها وعلى غيرىا ،وذلك حتى ال تحدث فتنة تتجرع مرارتها النساء قبل الرجاؿ.
<>333
الفصل الرابع
العلم في حياة الصحابيات
ويشتمل على مبحثين
( )3الحرص على طلب العلم4
( )2توظيف العلم في خدمة الدعوة4
<>332
تمهيد
( )3ال يوجد دين أشاد بالعلم ،ورفع من قدره وأعلى من منزلتو مثل الدين اإلسالمي.
ويتضح ذلك -جليا -من خالؿ النصوص الكثيرة التي وردت في كتاب اهلل تعالى وسنة رسولو صلى اهلل عليو
وسلم ويكفي أف نشي ر في ىذا المقاـ إلي أف كلمة (علم) وردت بتصريفاتها المختلفة في عدد من آيات
القرآف الكريم ي قترب من التسعمائة آية ،في الوقت الذي وردت فيو عدة آيات تذـ الجهل وتحذر منو ،وكاف
()2 ك ِ
الذي َخلَ َق) النداء األوؿ الذي ربط األرض بوحي السماء أمرا من اهلل بالقراءة (اقرأ باسم َربِ َ
<>333
( )2من ىنا فقد وردت نصوص كثيرة تحث المسلم على أف يستكثر من العلم ،ويستزيد منو ،فإذا تَحصل لو
شيء منو علمو لغيره ،وأفاد اآلخرين.
() 2
قاؿ تعالى( -:وقل رب ِزدني علما)
وقاؿ سبحانو وتعالىَ ( -:و ٍَا َماَُ ا ْى َُ ْؤ ٍُِْىَُ ىِيَ ْْفِ ُشوا َمافَّحً فَيَ ْى ََل َّفَ َش ٍِِْ ُم ِّو فِ ْشقَ ٍح ٍِ ْْهُ ٌْ طَائِفَحٌ
()3
ىِيَرَفَقَّهُىا فِي اىذِّي ِِ َوىِيُ ْْ ِز ُسوا قَ ْى ٍَهُ ٌْ إِ َرا َس َجعُىا إِىَ ْي ِه ٌْ ىَ َعيَّهُ ٌْ يَ ْح َز ُسوَُ )
وعن أنس بن مالك رضي اهلل عنو عن رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم قاؿ" -:من خرج في طلب العلم كاف
()4
في سبيل اهلل حتى يرجع"4
وفي التعليل لكوف طلب العلم لونا من ألواف الجهاد -بل ىو في قمتو -يقوؿ اإلماـ ابن القيم" -:إنما ُج ِع َل
طلب العلم من سبيل اهلل ألف بو قواـ اإلسالـ كما أف قوامو بالجهاد ،فقواـ الدين بالعلم والجهاد ،ولهذا كاف
الجهاد نوعين :جهاد باليد والسناف ،وىذا المشارؾ فيو كثير ،والثانى الجهاد بالحجة والبياف ،وىذا جهاد
الخاصة من أتباع
<>334
()5
الرسل ،وىو جهاد األئمة ،وىو أفضل الجهادين ،لعظم منفعتو ،وشدة مئونتو ،وكثرة جهاد أعدائو ). . . .
( )3والمالحظ في ىذا المجاؿ أف اإلسال ـ جعل طلب العلم فريضة الزمة على كل منتسب إليو ،رجال كاف أو
)1لمزيد من االطالع على عناية اإلسالـ بالعلم يراجع كتاب (مفتاح دار السعادة) للماـ ابن القيم ،ومقدمة كتاب (المجموع
شرح المهذب) للماـ النووي ،وكتاب (إحياء علوـ الدين) للماـ أبي حامد الغزالي ،وغير ذلك كثير.
)2سورة طو اآلية ()334
)3سورة التوبة -اآلية)322( :
)4أخرجو الترمذي ،وحسنو (جػ - 5ص )29كتاب العلم -باب فضل طلب العلم.
)5مفتاح دار السعادة (جـ - 1ص )07نشر مكتبة الفاروق احلديثة -بدون تاريخ
()1
امرأة حرا كاف أو عبدا ،ففي الحديث" -:طلب العلم فريضة على كل مسلم"
ولئن كانت كلمة (مسلم) تعني كل من أقر باإلسالـ -ذكراً كاف أو أنثى -فإف ثمة روايات تذكر اآلتي
بالنص ،ومن ذلك قولو صلى اهلل عليو وسلم " -:ثالثة لهم أجراف :رجل من أىل الكتاب ،آمن بنبيو وآمن
بمحمد صلى اهلل عليو وسلم والعبد المملوؾ إذا أدى حق اهلل وحق مواليو ،ورجل كانت عنده أمة ،فأدبها
()2
فأحسن تأديبها ،وعلمها فأحسن تعليمها ،ثم أعتقها فتزوجها ،فلو أجراف "
وبالتأمل في ىذا الحديث نجد أف اإلسالـ قد بلغ في أمر تعليم النساء العلم مبلغا عظيما ،وذلك حين تجاوز
تعليم الحرائر إلى الحث على تعليم اإلماء ،وقرف أجر تعليمهن بأجر عتقهن والتزوج بهن ،ولفت النظر بذكر
اإلماء إلى أىمية العناية بتعليم النساء بصفة عامة ،ولذا ترجم اإلماـ البخاري لهذا الحديث حين أورده بقولو :
باب تعليم الرجل أمتو وأىلو".
<>335
( )4وقد أثمرت ىذه التوجيهات القرآنية والنبوية ثمرتها في مجتمع الصحابيات الجليالت رضواف اهلل عليهن،
فالتف الجميع -رجاال ونساء -حوؿ النبي صلى اهلل عليو وسلم يتعلموف منو ،ويستفتونو في أمور دينهم
ودنياىم.
وفيما يلي نتعرؼ على اىتماـ الصحابيات بهذا الجانب المهم في اإلسالـ ،وذلك في المبحثين التاليين-:
(أ) الحرص علي طلب العلم4
(ب) توظيف العلم في خدمة الدعوة4
<>336
المبحث األوؿ
الحرص على طلب العلم
( )3تتعدد المظاىر الدالة على اىتماـ الصحابيات عامة بطلب العلم والحرص عليو ،ويمكن إجماؿ ىذه
المظاىر فيما يلي-:
( ) 3ما ورد من كثرة األسئلة التي وردت منهن لرسوؿ صلى اهلل عليو وسلم ،وبعض ىذه األسئلة يتعلق بأمور
عامة ،وبعضها يتعلق بأمور خاصة جدا ،كسؤاؿ إحداىن عن كيفية غسلها من المحيض ،وسؤاؿ األخرى عن
)1أخرجو ابن ماجو (جػ - 3ص )83المقدمة -باب فضل العلماء والحث على طلب العلم ،وقد روي ىذا الحديث من
عدة طرؽ تبلغ رتبة الحسن كما قاؿ الشيخ جماؿ /الدين المزي.
)2أخرجو البخاري (جػ - 3ص )29كتاب العلم -باب تعليم الرجل أمتو وأىلو .
وجوب الغسل على المرأة إذا احتلمت . . .الخ وأمثاؿ ىذا في السنة كثير.
وقد أثنت السيدة عائشة رضواف اهلل عليها على الصحابيات من األنصار ،والالتي لم يمنعهن حياؤىن من الفقو
في دين اهلل ،فقالت( -:نعم النساء نساء األنصار ،لم يمنعهن الحياء أف يتفقهن في الدين"(.)1
(ب) ما ثبت من رغبة النساء في أف يحدد لهن رسوؿ صلى اهلل عليو وسلم وقتا خاصا بهن ،وذلك حين
الحظن استئثار الرجل بمعظم وقتو صلى اهلل عليو وسلم.
<>337
رضي اهلل عنو قاؿ" -:قالت النساء للنبي صلى اهلل عليو وسلم" -:غلبنا عليك
فعن أبي سعيد الخدري َ
الرجاؿ ،فاجعل لنا يوما من نفسك ،فوعدىن يوما لقيهن فيو ،فوعظهن وأمرىن؟ فكاف فيما قاؿ لهن -:ما
()2
منكن امرأة تقدـ ثالثة من ولدىا إال كاف حجابا من النار ،فقالت امرأة :واثنتين؟ فقاؿ :واثنتين"
(أ ) ما ورد من أف الصحابية كانت تنتظر عودة زوجها أو وليها لتسألو :ماذا أنزؿ اهلل من اآليات في ىذا اليوـ،
وماذا تعلمت من حديث رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم؟
وقد مر بنا منذ صفحات قالئل ما ورد بشأف آيات الحجاب في سورة النور ،وما ذكر من أف الرجاؿ حين
سمعوا اآليات رجعوا إلى ذويهم ،فقرأوا عليهن ما أنزؿ اهلل تعالى من اآليات ،فأصبحن خلف رسوؿ اهلل صلى
اهلل عليو وسلم متلففات بأكسيتهن في صالة الصبح ما يعرفهن أحد.
وىذه المظاىر تشترؾ فيها عامة الصحابيات دوف استثناء واحدة منهن.
( ) 2وإلى جانب ىذه المظاىر العامة التي تدؿ علي عناية الصحابيات بطلب العلم ،توجد روايات تخص
بعضهن بالذكر ،ونختار منها ما يلي -:
(أ) ما ورد من كثرة مرويات عدد من الصحابيات عن رسوؿ
<>338
اهلل صلى اهلل عليو وسلم ألحاديثو الشريفة ،وعلى رأس ىؤالء أمهات المؤمنين رضواف اهلل عليهن ،والسيدة
أسماء بنت أبى بكر ،وغيرىن كثير.
وقد خصص اإلماـ أحمد بن حنبل الجزء األخير من مسنده لروايات النساء عن رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو
وسلم ،فبلغت سدس ما حواه المسند من األحاديث ،والتي يبلغ عددىا قرابة أربعين ألف حديث ،وبذلك تبلغ
)1أخرجو البخاري (ج - 3ص )37كتاب العلم -باب الحياء في العلم ،وأخرجو مسلم (جػ - 3ص )263كتاب
الحيض -باب استحباب استعماؿ المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدـ
)2أخرجو البخاري (جػ - 3ص )34كتاب العلم -باب ىل يجعل للنساء يوـ على حدة في العلم؟.
مرويات النساء ما يقارب سبعة آالؼ حديث ،وقد بلغت مرويات السيدة عائشة وحدىا :عشرة ومائتاف وألفاف
( )2234حديث؟ وتع د من المكثرين في الرواية عن رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم ،وىم الذين زادت
مروياتهم عن ألف حديث ،ويليها في المرتبة الثانية السيدة أـ سلمة رضي اهلل عنها ،ولها من األحاديث :ثمانية
وسبعوف وثالثمائة (.)378
(ب) ومن األمثلة البارزة من النساء الصحابيات في مجاؿ العلم بشتى صنوفو وألوانو أـ المؤمنين عائشة -
رضي اهلل عنها -والتي شهد لها بهذا التفوؽ الكثير من مشاىير الصحابة ومن تالىم.
وفيما يلي نتعرؼ على بعض ما قيل في غزارة علم السيدة عائشة رضي اهلل عنها-:
( ) 3فعن غزارة علمها بالنسبة لنساء عصرىا يقوؿ سمعاف بن عيينة قاؿ الزىرى" :لو جمع علم عائشة إلى
علم جميع أزواج النبي صلى اهلل عليو وسلم وجميع النساء كاف علم عائشة رضي اهلل عنها أكثر".
( )2وعن علمها بالحديث روي عن أبي موسى األشعري رضي اهلل
<>339
عنو قولو" -:ما ِ
أشك َل علينا أصحاب رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم حديث قط ،فسألنا عائشة عنو إال
وجدنا عندىا منو علما"
( )3وعن علمها بالفرائض (أي المواريث) عن مسروؽ قاؿ" -:نحلف باهلل لقد رأينا األكابر من أصحاب
رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم يسألوف عائشة عن الفرائض".
( ) 4وعن علمها بالطب روى عن ىشاـ بن عروة قاؿ .كاف عروة يقوؿ لعائشة :يا أمتا ال أعجب من فقهك،
أقوؿ زوجة رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم وابنة أبي بكر ،لكن أعجب من علمك بالطب -قاؿ :فضربت
على منكبو وقالت :أي عروة .إف رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم كاف يسقم في آخر عمره ،فكانت تقدـ عليو
وفود العرب من كل وجو فتنعت لو األنعات (أي تضع لو الوصفات الطبية) فكنت أعالجها فمن ثم (أي كنت
أقوـ بعملها ،فتعلمت الطب من ذلك).
( )5وعن علمها بالفقو قاؿ عطاء بن أبي رباح" -:كانت عائشة أفقو الناس".
( ) 6وعن علمها بالشعر ورد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيو قاؿ" -:ما رأيت أحدا أروى لشعر من
عروة فقيل لو :ما أرواؾ يا أبا عبد اهلل؟ قاؿ :وما روايتي من رواية عائشة؟ ما كاف ينزؿ بها شيء إال أنشدت
فيو شعرا".
وىكذا لم تدع أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها بابا من أبواب العلم إال وطرقتو ،ولم يكن ما تعلمو في كل
مجاؿ منها محدودا أو
<>324
قليالً بل فاؽ غيرىا بكثير ،وىا ىو عروة بن الزبير ابن أختها أسماء بنت أبي بكر يقوؿ عنها" -:لقد صحبت
عائشة ،فما رأيت أحد ا قط كاف أعلم بآية نزلت ،وال بفريضة ،وال بسنة ،وال بشعر ،وال أروى لو ،وال بيوـ من
أياـ العرب ،وال بنسب ،وال بكذا ،وال بكذا وال بقضاء ،وال طب منها"(.)1
(جػ) ولم تكن السيدة عائشة وحدىا صاحبة السبق في مجاؿ العلم -وإف تفوقت على من سواىا -بل إف
ىناؾ من النساء من اشتهرف بالفتيا والحديث كثيرات أمثاؿ :السيدة أـ سلمة ،والسيدة حفصة ،والسيدة
أسماء بنت أبي بكر ،والسيدة أـ سليم ،والسيدة فاطمة بنت قيس ،والسيدة أـ أيمن ،والسيدة زينب بنت أبي
سلمة . . .إلخ".
وىكذا نجد أف نساء الصحابة لم يقل اىتمامهن بالعلم عن الرجاؿ ،ألف اإلماـ لم يفرؽ في ىذا بالعلم عن
الرجاؿ ألف اإلسالـ لم يفرؽ فى ىذا األمر بين ذكر وأنثى.
وقد استمر عطاء ا لنساء في المجاؿ العلمي على مدار األجياؿ من غير انقطاع ،وإنما اكتفينا بما يتعلق ببحثنا
من ذكر الصحابيات رضواف اهلل عليهن.
واألمل معقود في نساء األمة أف يسلكن طريق أمهات المؤمنين وصالحات خير القروف في االىتماـ بتعلم
العلوـ الشرعية ،والدخوؿ من ىذا الباب إلى خدمة اإلسالـ في جميع المجاالت ،فإنو لن يصلح آخر ىذه
األمة إال بما صلح بو أولها.
<>323
المبحث الثاني
توظيف العلم فى خدمة الدعوة
( )3العلم فى اإلسالـ ليس مقصودا لذاتو ،فلن يسأؿ اهلل أحدا عن القدر الذي َع ِل َموُ ،أو الكم الذي حصلو،
وإنما العبرة بالعمل والتطبيق.
()2
ظ ،العلم ما نفع "
يقوؿ اإلماـ الشافعي رحمو اهلل" -:ليس العلم ما حف َ
ويقوؿ سفياف بن عيينة رضي اهلل عنو" -:إف أنا عملت بما أعلم فأنا أعلم الناس ،وإف لم أعلم بما أعمل
1راجع ىذه اآلثار في (اإلصابة في تمييز الصحابة) البن حجر ،وراجع (صفة الصفوة) البن الجوزي وغيرىما من الكتب التي
ترجمت ألـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها
)2الجامع ألخالؽ الراوي وآداب السامع (جػ - 3ص )94الخطيب البغدادي .
فليس في الدنيا أحد أجهل مني"( )1وقد ذـ اهلل تعالى في كتابو اليهود حين حملوا التوراة علما وأىملوىا
تطبيقا ،وقاؿ عنهم -وعمن يسير سيرتهم( :-مثل الذين حملوا ال ْتػ ْوَرا َة ثم لم يَحملوىا َك َمثَ ِل َ
الحمار يحمل
()2
أَس َف ًارا )
<>322
( )2ومن ىنا وجب على من يتصدى لطلب العلم أف يكوف ىدفو ومقصده مرضاة اهلل تبارؾ وتعالى ،وىذا لن
يكوف إال إذا استهدؼ اإلنساف من وراء ذلك العمل وليس الشهرة أو تحقيق المنزلة الدنيوية.
وقد قيل في ىذا" -:من خرج إلى العلم يريد العلم لم ينفعو العلم ،ومن خرج إلى العلم يريد العمل بو نفعو
()3
قليل العلم"
وقيل أيضا" -:ليس العالم من يعرؼ الحالؿ من الحراـ ،وإنما العالم من يعرؼ الحالؿ فيلتزمو ،ويعرؼ
الحراـ فيجتنبو".
( )3وقد فهمت الصحابيات الجليالت رضواف اهلل عليهن ىذا المعنى ،فلم يسألن رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو
وسلم تكثرا من العلم فقط ،وإنما للوصوؿ بهذا العلم إلى الجنة.
ويتضح ذلك من خالؿ الكثير مما سقناه من أمثلة ،والتي كاف يتضح فيها حرصهن على اكتساب األجر
وتحصيل الثواب.
ومما يدؿ على عمق ىذا المفهوـ لدى الصحابيات الجليالت ما ورد عن عطاء قاؿ" :كاف فتى يختلف إلى
أـ المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها ،فيسألها وتحدثو ،فجاء ذات يوـ يسألها فقالت :يا بني ىل عملت بعد ما
سمعت مني؟ فقاؿ؟ ال واهلل يا أمة .ففالت :يا بني فبما )2( 4تستكثر من حجج اهلل علينا وعليك؟(" )5
<>323
( )4وتحقق صالح اإلنساف في نفسو -على ضوء ما تعلمو من العلم -ىو أوؿ ىدؼ من أىداؼ الدعوة
اإلسالمية ،وىو دليل النجاح وطريق الفالح إلى إصالح الغير ،فإف فاقد الشيء ال يعطيو.
( )5لكن ىذا الصالح الذاتي ال يكفي ،بل البد وأف تضم إليو المرأة المسلمة جهودىا في إصالح غيرىا ممن
حولها ،وىو ما أمرنا بو ربنا ،وما دعانا إليو نبيا دوف أف يفرؽ في ذلك بين رجل وامرأة.
()2 اهلل َعلَى ب ِ
ص َيرة أَنَا َوَم ِن اتبَعني) يقوؿ اهلل تعالى( -:قل ىذه سبيلي أَدعو إلَى ِ
َ ْ
ولم تقل اآلية :أنا والرجاؿ فقط ،فيصبح ىذا التكليف عاما للرجاؿ والنساء على السواء.
المنكر َويقيمو َف ويقوؿ تعالى( -:والمؤمنو َف والمؤمناَت بعضهم أَولياء بعض يأمرو َف بالم ِ
عروؼ َويَنهو َف َع ِن
َ َ َ َ َ َ
()3 ِ
ك َس َيرحمهم اللًو إف الل َْو َع ِزيز َحكيم) ِ ِ
الصال َة َويؤتَو َف ال ًزَكا َة َويطيعو َف اللْوَ َوَرسولو أولئ َ
وقد نصت اآلية الكريمة على وجوب الدعوة إلى اهلل على الرجاؿ والنساء وبشكل واضح ،وليس استنتاجا من
النص.
<>324
وفي الحديث" -:بلغوا عني ولو آية"( .)4وىو أمر يشمل الجميع دوف تفريق.
( )6وإلى جانب ىذه األوامر العامة بالقياـ بواجب الدعوة نجد أمرا خاصا للنساء ،وذلك في قولو تعالى -
ِ ()5 ِ ِ
كمة)
(واذكرف َما يتلى في بيوتكن من آيَات اللْو َوالح َ
َ
فهذا التوجيو لنساء النبي صلى اهلل عليو وسلم ينسحب على كل امرأة مسلمة بعدىن ،فتجتهد الواحدة في أف
تكوف داعية خير ،وداللة ىدى ،فإف الداؿ على الخير كفاعلو.
( )7وبعد ىذا التأصي ل لبياف أىمية القياـ بالدعوة في حياة المرأة المسلمة ندلف إلى األمثلة والمواقف من
حياة الصحابيات لنرى كيف حافظت نساء ىذا الجيل على أف يصل نور اهلل إلى العالمين.
( )3من أدلة حب الصحابيات لدعوة الناس إلى الخير ،وداللتهم على الهدى ما سبقت اإلشارة إليو من أف
السيدة أـ سليم رضي اهلل عنها حين خطبها أبو طلحة رغبت في إسالمو ،وقالت لو :ما مثلك يػُ َرد ،ولكنك
امرؤ مشرؾ ،فإف أسلمت فذلك مهري . . . .إلخ".
ما أجمل أف تترسم األخت المسلمة خطى ىذه المرأة الصالحة في اغتناـ الفرص ،وذلك كحب الناس لها ،أو
<>329
فهرس الموضوعات
المقدمة3 ........................................................................................
التمهيد9 .......................................................................................
الفصل األوؿ( -:العبادة في حياة الصحابيات)
ويشتمل على ثالثة مباحث 36.........................................
المبحث األوؿ -:ترؾ المعصية؟ والورع عن مواقعة الشبهات 23..................................
المبحث الثاني -:المحافظة على أداء الفرائض ،واإلكثار من النوافل26 ........................... .
المبحث الثالث -:اإلكثار من ذكر اهلل تعالى 43 .................................................
الفصل الثاني( -:الجانب االجتماعي في حياة الصحابيات)
ويشتمل على أربعة مباحث 48 .................................................................
المبحث األوؿ -:مع الزوج 49 .................................................................
المبحث الثاني -:مع األوالد 67 .................................................................
المبحث الثالث -:مع األخوات المسلمات78 ....................................................
المبحث الرابع -:في مواجهة أعداء اإلسالـ 83 ..................................................
الفصل الثالث( -:العفة في حياة الصحابيات)
ويشتمل على مبحثين94 .................................................................... -:
المبحث األوؿ -:المحافظة على ارتداء الحجاب95 ................................................
المبحث الثاني :البعد عن االختالط بالرجاؿ343 ................................................
الفصل الرابع( -:العلم في حياة الصحابيات)
ويشتمل على مبحثين 333 .....................................................................
المبحث األوؿ( -:الحرص على طلب العلم)336.................................................
المبحث الثاني( -:توظيف العلم في خدمة الدعوة)323 .........................................
الخاتمة328 .....................................................................................
الفهرس329 ................................................................................. :
وما توفيقي إال باهلل ،عليو توكلت وإليو أنيب