دروس ،وصايا ،وعبرٌ ،وعظات
تأليف الفقير إلى ال تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
بسم ال الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد ل ،نحمده ،ونستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ بال من شرور أنفسنا ،وسيئات أعمالنا ،من يهده ال فل
مضلّ له ،وممن يُضلل فل هادي له ،وأشهمد أن ل إله إل ال وحده ل شريمك له ،وأشهمد أن محمدا عبده
ورسوله ،صلى ال عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،وسلم تسليما كثيرا .أما بعد:
فهذه الر سالة مخت صرة في وداع ال نبي الكر يم والر سول العظ يم صلّى ال عل يه و سلّم لم ته ،بي نت ف يه
باخت صار :خل صة ن سب ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم ،وولد ته ،ووظيف ته ،واجتهاده وجهاده ،وخ ير أعماله،
ووداعه لمته في عرفات ،ومنى ،والمدينة ،ووداعه للحياء والموات ،ووصاياه في تلك المواضع ،ثم بداية
مرضمه ،واشتداده ،ووصماياه لمتمه ووداعمه لهمم عنمد احتضاره ،واختياره الرفيمق العلى ،وأنمه مات شهيدا،
ومصيبة المسلمين بموته ،وميراثه ،ثم حقوقه على أمته ،وذكرت الدروس والفوائد والعبر والعظات المستنبطة
في آخر كل مبحث من هذه المباحث.
وال أ سأل أن يجعله عملً مقبولً نافع ًا لي ولخوا ني الم سلمين؛ فإ نه ولي ّ ذلك والقادر عل يه ,وأن يعلم نا
جميع ًا ما ينفعنا ,ويوفق جميع المسلمين إلى الهتداء بهدي سيد المرسلين .وصلى ال وسلم وبارك على عبده
ورسوله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا وقدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد ال وعلى آله و أصحابه وسلم تسليمًا
كثيرًا.
المؤلف
حرر في ليلة الخميس 21/3/1416هـ
المبحث الول :خلصة نسبه ووظيفته صلّى ال عليه وسلّم
هو محمد بن عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن ك ِلَب بن مرة بن كعب بن
لؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مُ ضر بن نزار بن
معدَ بن عدنان( ،)1فهو عليه الصلة والسلم من قريش ،وقريش من العرب ،والعرب من ذرية إسماعيل بن
إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلة والسلم(.)2
ولد صلّى ال عل يه و سلّم عام الف يل بم كة في ش هر رب يع الول( )3يوم الثن ين( )4الموا فق 571م( ،)5وتو في
صملّى ال عليمه وسملّم وله ممن العممر ثلث وسمتون سمنة ،منهما :أربعون قبمل النبوة ،وثلث وعشرون نمبيّا
رسولً ،نُبّئَ بإقرأ ،وأرسل بالمدثر ،وبلده مكة ،وهاجر إلى المدينة ،بعثه ال بالنذارة عن الشرك ،ويدعو إلى
التوحيمد ،أخمذ على هذا عشمر سمنين يدعمو إلى التوحيمد ،وبعمد العشمر عُرج بمه إلى السمماء ،وفرضمت عليمه
الصلوات الخمس ،وصلى في مكة ثلث سنين ،وبعدها أُمِر بالهجرة إلى المدينة ،فلما استقر بالمدينة( )6أُمِر
ببقية شرائع السلم مثل :الزكاة ،وال صيام ،والحج ،والجهاد ،والذان ،والمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
وغير ذلك ،أخذ على هذا عشر سنين وبعدها توفي صلّى ال عليه وسلّم ،ودينه باقٍ وهذا دينه ،ل خير إل دلّ
أمته عليه ،ول شر إل حذّرها منه ،وهو خاتم النبياء والمرسلين ل نبي بعده ،وقد بعثه ال إلى الناس كافة،
وافترض ال طاعته على الجن والنس ،فمن أطاعه دخل الجنة ،ومن عصاه دخل النار(.)7
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر والعظات في هذا المبحث كثيرة منها:
-1إن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم خيار من خيار من خيار ،ف هو أح سن الناس وخير هم ن سبا،
وأر جح العالم ين عقلً ،وأف ضل الخلق منزلة في الدن يا والخرة ،وأر فع الناس ذكرا ،وأك ثر
النبياء أتباعا يوم القيامة.
البخاري مع الفتح ،كتاب مناقب النصار ،باب مبعث النبي صلّى ال عليه وسلّم .7/162 )(1
انظر نسب النبي صلّى ال عليه وسلّم إلى آدم :البداية والنهاية لبن كثير ،2/195وسيرة ابن هشام .1/1 )(2
هذا هو الصحيح المشهور أنه ولد صلّى ال عليه وسلّم عام الفيل في شهر ربيع الول ،وقد نقل بعضهم الجماع على ذلك، )(3
انظر :تهذيب السيرة للمام النووي ص .20
التحديد بيوم الثنين ثابت؛ لقوله صلّى ال عليه وسلّم حينما سئل عن صومه" :فيه ولدت وفيه أُنزِل عليّ" مسلم .2/820أما )(4
تحديد تاريخ اليوم ففيه عدة أقول :فقيل في اليوم الثاني ،وقيل لثماني ،وقيل لعشر ،وقيل :لسبعة عشر ،وقيل في الثاني عشر،
وقيل غير ذلك ،وأشهر وأقرب القوال قولن :الول :أنه ولد لثماني مضين من ربيع الول ،ورجحه ابن عبد البر عن أصحاب
التأريخ :انظر :البداية والنهاية 2/260وقال" :هو أثبت" .القول الثاني :أنه ولد في الثاني عشر من ربيع الول ،قال ابن كثير في
البداية والنهاية" :وهذا هو المشهور عند الجمهور" ،2/260وجزم به ابن إسحاق :انظر :سيرة ابن هشام .1/171
انظر :الرحيق المختوم ص .53 )(5
وصل إلى المدينة صلّى ال عليه وسلّم يوم الثنين من شهر ربيع الول وحدده بعضهم باليوم الثاني عشر من ربيع الول، )(6
انظر :فتح الباري .7/224
انظر :الصول الثلثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ص .76 ،75 )(7
-2إن إقامة الحتفالت بمولد النبي صلّى ال عليه وسلّم كل عام في اليوم الثاني عشر من ربيع
الول بدعمة منكرة؛ لن النمبي صملّى ال عليمه وسملّم لم يفعمل ذلك فمي حياتمه ،ولم يفعله
الصحابة من بعده رضي ال عنهم ،ول التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة ،ومع ذلك
جزَم بمه ،وإنمما فيمه خلف
فإن تحديمد ميلد النمبي باليوم الثانمي عشمر ممن ربيمع الول لم يُ ْ
وح تى ولو ث بت فالحتفال به بد عة ل ما تقدم؛ ولقوله صلّى ال عل يه و سلّم ” :من أحدث في
ل ليس عليه أمرنا فهو
أمرنا هذا ماليس منه فهو رد”( .)1وفي رواية لمسلم” :من عمل عم ً
رد”(.)2
-3إن وظيفمة النمبي صملّى ال عليمه وسملّم همي الدعوة إلى التوحيمد ،وإنقاذ الناس ممن ظلمات
الشرك إلى نور التوحيمد ،وممن ظلمات المعاصمي والسميئات إلى نور الطاعات والعمال
الصالحات ،ومن الجهل إلى المعرفة والعلم ،فل خير إل دلّ أمته عليه ،ول شر إل حذّرها
منه صلّى ال عليه وسلّم.
البخاري برقم ،2697ومسلم .1718 )(1
انظر :رسالة التحذير من البدع لسماحة شيخنا العلمة عبد العزيز بن عبد ال ابن باز. )(2
المبحث الثاني :جهاده واجتهاده وأخلقه
سوَةٌ
كان صلّى ال عليه وسلّم أسوة وقدوة وإماما يُقتدى به؛ لقوله تعالىَ { :لقَ ْد كَا نَ َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ هِ أُ ْ
حَ سَ َنةٌ لّمَن كَا نَ َيرْجُو اللّ هَ وَالْ َيوْ مَ الخِ َر وَ َذكَرَ اللّ َه كَثِيرًا}()1؛ ولهذا كان صلّى ال عل يه و سلّم ي صلي ح تى
تفطّرت قدماه وانتفخت وورمت فقيل له :أتصنع هذا وقد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال” :أفل
أكون عبدا شكورا”( .)2وكان ي صلي من الل يل إحدى عشرة رك عة ،ورب ما صلى ثلث عشرة رك عة( ،)3وكان
يصلي الرواتب اثنتي عشرة ركعة( )4وربما صلها عشر ركعات( ،)5وكان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد
ما شاء ال( ،)6وكان يط يل صلة الل يل فرب ما صلى ما يقرب من خم سة أجزاء في الرك عة الواحدة( ،)7فكان
ورده من الصلة كل يوم وليلة أكثر من أربعين ركعة منها الفرائض سبع عشر ركعة(.)8
وكان ي صوم غ ير رمضان ثل ثة أيام من كل ش هر( )9ويتحرّى صيام الثن ين والخم يس( ،)10وكان ي صوم
شعبان إل قليلً ،بل كان ي صومه كله( ،)11ورغّ ب في صيام ست من شوال( ،)12وكان صلّى ال عل يه و سلّم
يصوم حتى يقال :ل يفطر ،ويفطر حتى يقال :ل يصوم( ،)13وما استكمل شهر غير رمضان إل ما كان منه
في شعبان ،وكان يصوم يوم عاشوراء( ،)14وروي عنه صوم تسع ذي الحجة( ،)15وكان يواصل الصيام اليومين
والثلثة وينهى عن الوصال ،وبيّن أنه صلّى ال عليه وسلّم ليس كأمته؛ فإنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه(،)16
سورة الحزاب ،الية .21 )(1
البخاري برقم ،1130ومسلم برقم .2819 )(2
البخاري برقم ،1147ومسلم برقم .737 )(3
مسلم برقم .728 )(4
مسلم برقم ،729والبخاري برقم .1172 )(5
مسلم برقم .719 )(6
مسلم برقم .772 )(7
كتاب الصلة لبن القيم ص .140 )(8
مسلم برقم .1160 )(9
الترمذي برقم ،745والنسائي 4/202وغيرهما. )(10
البخاري رقم 1969و ،1970ومسلم برقم 1156و .1157 )(11
مسلم برقم .1164 )(12
البخاري برقم ،1971ومسلم .1156 )(13
البخاري برقم ،2007 – 2000ومسلم برقم .1125 )(14
النسائي ،4/205وأبو داود برقم ،2437وأحمد ،6/288وانظر صحيح النسائي رقم .2236 )(15
البخاري برقم 1964 - 1961ومسلم .1103 - 1102 )(16
وهذا على الصحيح :ما يجد من لذة العبادة والنس والراحة وقرة العين بمناجاة ال تعالى؛ ولهذا قال” :يا بلل
أرحنا بالصلة”( ،)1وقال” :وجُعِلَتْ قرة عيني في الصلة”(.)2
-4وكان يك ثر ال صدقة ،وكان أجود بالخ ير من الر يح المر سلة حين ما يلقاه جبر يل عل يه ال صلة
والسلم()3؛ فكان يعطي عطاء من ل يخشى الفاقة؛ ولهذا أعطى رجلً غنما بين جبلين فرجع
الر جل إلى قو مه وقال :يا قو مي أ سلموا فإن محمدا يع طي عطاءً ل يخ شى الفا قة( ،)4فكان
صلّى ال عليه وسلّم أكرم الناس ،وأشجع الناس( ،)5وأرحم الناس وأعظمهم تواضعا ،وعدلً،
وصبرا ،ورفقا ،وأناة ،وعفوا ،وحلما ،وحياءً ،وثباتا على الحق.
-5وجاهد صلّى ال عليه وسلّم في جميع ميادين الجهاد :جهاد النفس وله أربع مراتب :جهادها
على تعلم أمور الد ين ،والع مل به ،والدعوة إل يه على ب صيرة ،وال صبر على مشاق الدعوة،
وجهاد الشيطان وله مرتبتان :جهاده على دفمع مما يلقمي ممن الشبهات ،ودفمع مما يلقمي ممن
الشهوات ،وجهاد الكفار وله أر بع مرا تب :بالقلب ،والل سان ،والمال ،وال يد .وجهاد أ صحاب
الظلم وله ثلث مرا تب :بال يد ،ثم بالل سان ،ثم بالقلب .فهذه ثلث عشرة مرت بة من الجهاد،
وأكمل الناس فيها محمد صلّى ال عليه وسلّم؛ لنه كمل مراتب الجهاد كله ،فكانت ساعاته
موقو فة على الجهاد :بقل به ،ول سانه ،ويده ،وماله؛ ولهذا كان أرفمع العالميمن ذكرا وأعظم هم
عند ال قدرا( .)6وقد دارت المعارك الحربية بينه وبين أعداء التوحيد ،فكان عدد غزواته التي
قادها بنفسه سبع وعشرون غزوة ،وقاتل في تسع منها ،أما المعارك التي أرسل جيشها ولم
يقدها فيقال لها سرايا فقد بلغت ستة وخمسين سرية(.)7
-6وكان صلّى ال عليه وسلّم أحسن الناس معاملة ،فإذا استسلف سلفًا قضى خيرا منه؛ ولهذا
جاء رجل إلى النبي صلّى ال عليه وسلّم يتقاضاه بعيرا فأغلظ له في القول ،فهم به أصحابه
فقال ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم” :دعوه فإن ل صاحب ال حق مقالً” فقالوا :يا ر سول ال :ل
ن جد إل سنّا هو خ ير من سنّه فقال صلّى ال عل يه و سلّم” :أعطوه” فقال الر جل :أوفيت ني
أوفاك ال ،فقال صلّى ال عل يه و سلّم” :إن خ ير عباد ال أح سنهم قضاءً”( .)8واشترى من
أبو داود برقم ،8549وأحمد .5/393 )(1
النسائي ،7/61وأحمد ،3/128وانظر :صحيح النسائي .3/827 )(2
البخاري برقم ،6ومسلم رقم .2308 )(3
مسلم .4/1806 )(4
البخاري مع الفتح ،10/455ومسلم .4/1804 )(5
زاد المعاد .12 ،10 ،3/5 )(6
انظر :شرح النووي ،12/95وفتح الباري ،281 - 7/279و .8/153 )(7
البخاري رقم ،2305ومسلم .1600 )(8
جابر بن عبد ال رضي ال عنه بعيرا ،فلما جاء جابر بالبعير قال له صلّى ال عليه وسلّم:
”أتراني ماكستك”؟ قال :ل يا رسول ال ،فقال” :خذ الجمل والثمن”(.)1
-7وكان صلّى ال عل يه و سلّم أحسـن الناس خلقا؛ لن خل قه القرآن ،لقول عائ شة ر ضي ال
عنهمما” :كان خلقـه القرآن”()2؛ ولهذا قال صلّى ال عل يه وسملّم” :إنمـا بعثـت لتمـم مكارم
الخلق”(.)3
-8وكان صلّى ال عل يه و سلّم أز هد الناس في الدن يا ،ف قد ث بت ع نه صلّى ال عل يه و سلّم أ نه
اضطجع على الحصير فأث ّر في جنبه ،فدخل عليه عمر بن الخطاب رضي ال عنه ،ولما
استيقظ جعل يمسح جنبه فقال :رسول ال لو اتخذت فراشا أوثر من هذا؟ فقال صلّى ال عليه
و سلّم” :مالي وللدن يا ،ما مثلي وم ثل الدن يا إل كرا كب سار في يوم صائف فا ستظل ت حت
شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها”( .)4وقال” :لو كان لي مثلُ أُحُدٍ ذهبا ما يَسُرّني أن
ل يمر عليّ ثلثٌ وعندي منه شيء ،إل شيءٌ أرصُدُهُ لدين”(.)5
وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال" :ما شبع آل محمد من طعام ثلثة أيام حتى قبض"( .)6والمقصود أنهم
لم يشبعوا ثلثة أيام بلياليها متوالية ،والظاهر أن سبب عدم شبعهم غالبا كان بسبب قلة الشيء عندهم على أنهم
قد يجدون ولكن يؤثرون على أنفسهم()7؛ ولهذا قالت عائشة رضي ال عنها" :خرج النبي صلّى ال عليه وسلّم
من الدن يا ولم يش بع من خ بز الشع ير"( .)8وقالت " :ما أ كل آل مح مد صلّى ال عل يه و سلّم أُكلت ين في يوم إل
إحداهما تمر"( .)9وقالت" :إنا لننظر إلى الهلل ثلثة أهلة في شهرين وما أُوقدت في أبيات رسول ال صلّى
ال عليه وسلّم نار .فقال عروة :ما كان يقيتكم؟ قالت :السودان :التمر والماء"( .)10والمقصود بالهلل الثالث:
وهو يُرى عند انقضاء الشهرين .وعن عائشة رضي ال عنهما قالت” :كان فراشُ رسول ال صلّى ال عليه
البخاري مع الفتح ،3/67ومسلم .3/1221 )(1
مسلم .1/513 )(2
البيهقي بلفظه ،10/192وأحمد ،2/381وانظر :الصحيحة لللباني رقم .45 )(3
الترمزي وغيره ،وانظر :الحاديث الصحيحة برقم ،439وصحيح الترمذي .2/280 )(4
البخاري برقم ،2389ومسلم برقم .991 )(5
البخاري مع الفتح 9/517و .549 )(6
انظر فتح الباري 9/517و 549برقم ،5374ومن حديث عائشة رضي ال عنها برقم .5416 )(7
البخاري مع الفتح .9/549 )(8
البخاري مع الفتح .11/283 )(9
البخاري مع الفتح .11/283 )(10
ُهـ ليفـٌ”( .)1وممع هذا كان يقول صملّى ال عل يه وسملّم” :اللهـم اجعـل رزق آل محمدٍ
وسـلّم مـن أدَم وحشو ُ
قوتا”(.)2
-9وكان صلّى ال عل يه و سلّم من أورع الناس؛ ولهذا قال” :إ ني لنقلب إلى أهلي فأ جد التمرة
ساقطة على فراشي أو في بيتي فأرفعها لكلها ثم أخشى أن تكون من الصدقة فألقيها”(.)3
وأخذ الحسن بن علي تمرة من ت مر الصدقة فجعلها في فيه فقال ر سول ال صلّى ال عليه
وسلّمَ ِ” :كخْ ِكَخْ ارمِ بها أما علمت أنّا ل نأكل الصدقة”؟(.)4
-10ومع هذه العمال المباركة العظيمة فقد كان صلّى ال عليه وسلّم يقول” :خذوا من العمال
مـا تطيقون فإن ال ل يملّ حتـى تملّوا ،وأحـب الع مل إلى ال مـا داوم عل يه صاحبه وإن
قل” وكان آلُ مح مد صلّى ال عل يه و سلّم إذا عَمِلُوا عملً أثبتوه(” .)5وكان صلّى ال عل يه
و سلّم إذا صلى صلة داوم علي ها”( .)6و قد تقالّ عبادة ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم ن فر من
أصحابه صلّى ال عليه وسلّم وقالوا :وأين نحن من النبي صلّى ال عليه وسلّم؟ وقد غفر ال
له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،فقال بعضهم :أما أنا فأنا أصلي الليل أبدًا ،وقال بعضهم :أنا
أصموم ول أفطمر ،وقال بعضهمم :أنما أعتزل النسماء فل أتزوج أبدا [وقال بعضهمم :ل آكمل
اللحم] فبلغ ذلك النبي صلّى ال عليه وسلّم فجاء إليهم فقال” :أن تم الذين قلتم كذا وكذا؟ أ ما
وال إني لخشاكم ال أتقاكم له ،لكني أصوم وأفطر ،وأصلي وأرقد ،وأتزوج النساء فمن
رغـب عـن سـنتي فليـس منـي”( .)7والمراد بالسمنة الهدي والطريقمة ل التمي تقابمل الفرض،
والرغبة عن الشيء العراض عنه إلى غيره .ومع هذه العمال الجليلة فقد كان يقول عليه
الصلة والسلم ” :سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله” قالوا :ول أنت يا
ر سول ال؟ قال” :ول أ نا إل أن يتغمد ني ال برحمةٍ م نه وف ضل” .و في روا ية ” :سددوا
وقاربوا ،واغدوا وروحوا ،وشيءٌ من الدّلجة ،والقَصْ َد القَصْ َد تبلغوا”( .)8وكان يقول” :يا
البخاري برقم .6456 )(1
البخاري برقم ،6460ومسلم برقم 1055والقوت :هو ما يقوت البدن من غير إسراف وهو معنى الرواية الخرى عند مسلم )(2
"كفافا" ويكف عن الحاجة ،وقال أهل اللغة :القوت :هو ما يسد رمق ،وفي الكفاف سلمة من آفاق الغنى والفقر جميعا وال أعلم.
الفتح ،11/293وشرح النووي ,7/152والبي .3/537
مسلم .2/751 )(3
مسلم .2/751 )(4
البخاري مع الفتح ،11/294 ،4/213ومسم 1/541برقم ،782و .2/811 )(5
البخاري مع الفتح ،4/213وانظر :صحيح البخاري حديث رقم .6467 – 6461 )(6
البخاري مع الفتح ،9/104ومسلم 2/1020وما بين المعكوفين من رواية مسلم. )(7
البخاري برقم ،6464 ،6463ومسلم .4/2170 )(8
مقلّب القلوب ثب ّت قلبي على دينك”( .)1ويقول” :اللهم مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على
طاعتك”(.)2
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر والعظات في هذا المبحث كثيرة منها:
.1إن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم قدوة كل م سلم صادق مع ال تعالى
ن َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ ِه أُ سْوَةٌ
في كل المور؛ لقوله تعالىَ { :لقَدْ كَا َ
حسَ َنةٌ ّلمَن كَانَ َي ْرجُو الّلهَ وَالْ َي ْومَ الخِ َر وَ َذكَرَ الّل َه كَثِيرًا}(.)3
َ
.2إن النمبي صملّى ال عليمه وسملّم أحسمن الناس خَلْقا ،وخُلُقا ،وألينهمم
كفّا ،وأطيب هم ريحا ،وأكمل هم عقلً ،وأح سنهم عشرة ،وأعلم هم بال
وأشد هم له خش ية( ،)4وأش جع الناس ،وأكرم الناس ،وأح سنهم قضاء،
وأسممحهم معاملة ،وأكثرهمم اجتهادا فمي طاعمة ربمه ،وأصمبرهم
وأقواهمم تحمّلً ،وأشدهمم حياء ،ول ينتقمم لنفسمه ،ول يغضمب لهما،
ولكنه إذا انتُهِكت حرمات ال ،فإنها ينتقم ال تعالى ،وإذا غضب ال
لم يقم لغضبه أحد ،والقوي والضعيف ،والقريب والبعيد ،والشريف
وغيره عنده في ال حق سواء ،و ما عاب طعاما قطا إن اشتهاه أكله،
وإن لم يشت هه تر كه ،ويأ كل من الطعام المباح ما تي سر ول يتكلف
في ذلك ،ويق بل الهد ية ويكا فئ علي ها ،ويخ صف نعل يه وير قع ثو به,
ب شاته ,ويخدِ مُ نفسه ،وكان أشد الناس
ويخدم في مهنة أهله ,ويحلِ ُ
تواضعا ،ويج يب الدا عي :من غ ني أو فق ير ،أو دن يء أو شر يف،
وكان يحمب المسماكين ويشهمد جنائز هم ويعود مرضاهمم ،ول يح قر
فقيمر لفقره ,ول يهاب مَلكاً لملكمه ,وكان يركمب الفرس ,والبعيمر,
مه(.)5
مي خلفم
مه ,ول يدع أحداً يمشم
والحمار ,والبغلة ,ويردف خلفم
وخاتمه فضة وفصه منه ,يلبسه في خنصره اليمن وربما يلبسه في
اليسمر ،وكان يعصمب على بطنمه الحجمر ممن الجوع ،وقمد آتاه ال
مفاتيح خزائن الرض ،ولكنه اختار الخرة ،وكان يكثر الذكر ،دائم
الترمزي 5/238وغيره ،وانظر :صحيح الترمزي .3/171 )(1
مسلم .4/2045 )(2
سورة الحزاب ،الية.21 : )(3
ولهذا قال عبد ال بن الشّخّير :أتيت رسول ال صلّى ال عليه وسلّم وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيز المِرجل من البكاء، )(4
أبو داود برقم ،904وصححه اللباني في مختصر الشمائل برقم ,276ومعنى :أزير المرجل :أي غليان القدر.
أحمد ،3/398وابن ماجه برقم ,246والحاكم ،4/481وابن حبان موارد , 2099وانظر :الحاديث الصحيحة برقم .1557 )(5
الفكر ،ويقل اللغو ،ويطيل الصلة ،ويقصر الخطبة ،ويحب الطيب
ول يرده ،ويكره الروائح الكريهة ،وكان أكثر الناس تبسما ،وضحك
فمي أوقات حتمى بدت نواجذه( )1ويمزح ول يقول إل حقّا ،ول يجفمو
أحدا ،ويقبل عذر المعتذر إليه ،وكان يأكل بأصابعه الثلث ويلعقهن،
ويتنفمس فمي الشرب ثلثا خارج الناء ،ويتكلم بجواممع الكلم ،وإذا
صملٍ ،يحفظمه ممن جلس إليمه ،ويعيمد الكلم
نم فَ ْ
تكلم تكلّم بكلم بيّ ٍ
ثلثا إذا لم تفهم حتى تُفهم عنه ،ول يتكلم من غير حاجة ،وقد جمع
ال له مكارم الخلق ومحاسمن الفعال ،فكانمت معاتبتمه تعريضا،
وكان يأ مر بالر فق ويح ثّ عل يه ،وين هي عن الع نف ،وي حث على
العفمو والصمفح ،والحلم ،والناة ،وحسمن الخلق ومكارم الخلق،
وكان يحمب التيممن فمي طهوره وتنعّله ،وترجّله ،وفمي شأنمه كله،
وكانت يده اليسرى لخلئه وما كان من أذى ،وإذا اضطجع اضطجع
على جنبمه اليممن ،ووضمع كفمه اليمنمى تحتمه خده اليممن ،وإذا
عرّس( )2قُبيل الصبح نصب ذرا عه ووضع رأسه على كفه ،وكان
مجلسمه :مجلس علم ،وحلم ،وحياء ،وأمانمة ,وصميانة ,وصمبر,
وسمكينة ,ول ترفمع فيمه الصموات ،ول تنتهمك فيمه الحرمات،
يتفاضلون فممي مجلسممه بالتقوى ،ويتواضعون ،ويًوقّرون الكبار،
ويرحَمُون ال صغار ،ويؤثرون المحتاج ،ويخرجون دعاة إلى الخ ير،
وكان يجلس على الرض ،ويأكمل على الرض ،وكان يمشمي ممع
الرملة والمسمكين ،والعبمد ،حتمى يقضمي له حاجتمه .وممر على
الصبيان يلعبون فسلّم عليهم ،وكان ل يصافح النساء غير المحارم.
وكان يتألف أصحابه ويتفقدهم ،ويكرم الكريم كل قوم ،ويقبل بوجهه
وحديثمه على ممن يحادثمه ،حتمى على أشرّ القوم يتألفهمم بذلك ،ولم
يكن فاحشا ول متفحشأ ول صخّابا( ،)3ول يجزي بالسيئة السيئة بل
يعفمو ويصمفح ويحلم ,ولم يضرب خادما ول امرأة ول شيئا قمط ,إل
أن يجاهمد فمي سمبيل ال تعالى ,ومما خُيّرم بيمن شيئيمن إل اختار
النواجذ :النياب. )(1
التعريس :نزول مسافة آخر الليل نزلةً للنوم والستراحة .انظر :النهاية في غريب الحديث .3/206 )(2
الصّخّاب :الصخب والسخب :الضجة واضطراب الصوات للخصام ،فهو صلّى ال عليه وسلّم لم يكن صخّابا في السواق )(3
ول في غيرها .النهاية .3/14
أيسرهما ما لم يكن إثما ,فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه.
وقد جمع ال له كمال الخلق ومحا سن الشيم وآتاه من العلم والفضل وما ف يه النجاة والفوز والسعادة في
الدنيا والخرة ما لم يؤت أحدا من العالمين ,وهو أمي ل يقرأ ول يك تب ,ول معلم له من البشر ،واختاره ال
على جم يع الول ين والخر ين ،وج عل دي نه لل جن والناس أجمع ين إلى يوم الد ين ،ف صلوات ال و سلمه عل يه
صلةً وسلما دائمين إلى يوم الدين؛ فإن خلقه كان من القرآن.
فينبغمي القتداء بمه صملّى ال عليمه وسملّم والتأسمي فمي جميمع أعماله ،وأقواله ،وجده واجتهاده ،وجهاده،
وزهده ،وورعه ،وصدقه وإخلصه ،إل في ما كان خاصّا به ،أو ما ل يُقدر على فعله؛ لقوله صلّى ال عليه
و سلّم” :خذوا من العمال ما تطيقون فإن ال ل ي مل ح تى تملوا()2(”)1؛ ولقوله ” :ما نهيت كم ع نه فاجتنبوه،
وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم”(.)3
المبحث الثالث :خير أعماله وخواتمها
كان صلّى ال عليه وسلّم إذا عمل عملً أثبته وداوم عليه؛ ولهذا قال” :إن أحب العمال إلى ال تعالى ما
داوم عليه صاحبه وإن قل”( .)4وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال” :كان النبي صلّى ال عليه وسلّم يعتكف
في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما ،وكان يعرض عليه القرآن في
كل عام مرة ،فلما كان العام الذي قُبض فيه عرض القرآن مرتين”(.)5
وعمن عائشمة رضمي ال عنهما قالت :كان رسمول ال صملّى ال عليمه وسملّم يكثمر القول قبمل أن يموت:
”سـبحانك اللهـم وبحمدك ،أسـتغفرك وأتوب إليـك” .قالت :قلت :يما رسمول ال ،مما هذه الكلمات التمي أراك
أحدثتها تقولها؟ قال” :جُعلت لي علمةٌ في أمتي إذا رأيتها قلتها {إِذَا جَاءَ نَ صْ ُر اللّ ِه وَا ْلفَتْ حُ}( .)6وقد قال ابن
صرُ اللّهِ وَا ْلفَتْحُ} إنها :أجل رسول ال صلّى ال عليه وسلّم
عباس رضي ال عنهما لعمر عن هذه{ :إِذَا جَا َء نَ ْ
أعلمه إياه ,فقال :ما أعلم منها إل ما تعلم”( .)7وقيل :نزلت {إِذَا جَا َء نَصْ ُر اللّهِ وَا ْلفَتْحُ} يوم النحر والنبي صلّى
ال عليمه وسملّم فمي منمى بحجمة الوداع( ،)8وقيمل :نزلت أيام التشريمق( ،)9وعنمد الطمبراني أنهما لمما نزلت هذه
تقدم تخريجه. )(1
انظر :تهذيب السيرة النبوية للمام النووي ص ،56ومختصر السيرة النبوية للحافظ عبد الغني المقدسي ص ،77وحقوق )(2
المصطفى للقاضي عياض ،215 – 1/77ومختصر الشمائل المحمدية للترمذي ص .188-112
البخاري برقم ،7288ومسلم برقم .2619 )(3
البخاري مع الفتح ،9/43برقم ،4998و ،4/213ومسلم 2/811وتقدم تخريجه. )(4
البخاري برقم ،4433ومسلم .2450 )(5
مسلم .1/351 )(6
البخاري مع الفتح .8/130 )(7
انظر :الفتح ،8/734وقيل :عاش بعدها إحدى وثمانين يوما .فتح .8/734 )(8
انظر :المرجع السابق .8/130 )(9
السورة أخذ رسول ال صلّى ال عليه وسلّم أشدّ ما كان اجتهادا في أمر الخرة()1؛ ولهذا قالت عائشة رضي
ال عنه ما :كان ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم يك ثر أن يقول في ركو عه و سجوده ” :سبحانك الل هم رب نا
حمْدِ
وبحمدك ،اللهم اغفر لي” يتأول القرآن( .)2ومعنى ذلك أنه يفعل ما أمر به فيه وهو قوله تعالى{ :فَ سَ ّبحْ ِب َ
ك وَاسْتَ ْغفِرْهُ إِ ّن ُه كَانَ َتوّابًا}(.)3
رَبّ َ
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر المستنبطة من هذا المبحث كثيرة ،ومنها:
1م ال حث على المداو مة على الع مل ال صالح ،وأن قليلً دائما خ ير من كث ير منق طع؛ لن بدوام الع مل
الصالح القليل تدوم الطاعة والذكر ،والمراقبة ،والنية ،والخلص ,والقبال على الخالق ،والقليل الدائم يثمر؛
لنه يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة(.)4
خشِيَ عليه أن يمل فيفضي ذلك إلى تركه(.)5
2م من أجهد نفسه في شيء من العبادات ل يطيق العمل به ُ
3م النسان المسلم كلما تقدم في العمر اجتهد في العمل على حسب القدرة والطاقة ،ليلقى ال على خير
أحواله؛ ولن العمال بالخواتيم ،وخير العمال الصالحة خواتيمها(.)6
المبحث الرابع :وداعه لمته ووصاياه في حجة الوداع
1ـ أذانه في الناس بالحج:
1م بعد أن بلّغ صلّى ال عليه وسلّم البلغ المبين وأدى المانة ،ونصح المة ،وجاهد في ال حق جهاده،
أعلن في الناس وأذّن في هم وأعلم هم أ نه حاج في ال سنة العاشرة – ب عد أن م كث في المدي نة ت سع سنين كل ها
معمورة بالجهاد والدعوة والتعل يم – وب عد هذا النداء العظ يم الذي ق صد به صلّى ال عل يه و سلّم إبلغ الناس
فري ضة ال حج ،ليتعلموا المنا سك م نه صلّى ال عل يه و سلّم؛ وليشهدوا أقواله ،وأفعاله ،ويو صيهم ليبلغ الشا هد
الغائب ،وتشيع دعوة السلم ،وتبلغ الرسالة القريب والبعيد( .)7قال جابر رضي ال عنه :إن رسول ال صلّى
ال عل يه و سلّم م كث ت سع سنين لم ي حج ثم أذّن في الناس في العاشرة أن ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم
حاجّ ،فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول ال صلّى ال عليه وسلّم ،ويعمل مثل عمله ...وساق
الحديث وفيه :حتى إذا استوت به ناقته على البيداء( )8نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وما شٍ ،وعن
انظر :فتح الباري .8/130 )(1
البخاري برقم ،794ومسلم برقم .484 )(2
انظر :شرح النووي .4/447 )(3
انظر :فتح الباري ،1/103وشرح النووي .6/318 )(4
انظر :فتح الباري .4/215 )(5
انظر :فتح الباري ،4/285و .9/46 )(6
انظر :شرح النووي على صحيح مسلم , 8/422وشرح البي .4/244 )(7
البيداء :اسم للمفازة والصحراء التي ل شيء فيها ،وهي هنا موضع بذي الحليفة .فتح الملك المعبود .2/9 )(8
يمي نه مثل ذلك ،وعن يساره مثل ذلك ،ومن خلفه مثل ذلك( ,)1ورسول ال صلّى ال عليه وسلّم ب ين أظهرنا
وعل يه ينزل القرآن و هو يعلم تأويله و ما ع مل به من ش يء عمل نا به ...و ساق الحد يث وقال :ح تى إذا أ تى
عرفة فوجد القبة قد ضُرِبت له بنمرة فنزل بها.
2ـ وداعه ووصيته لمته في عرفات:
قال جابر رضي ال عنه :حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس
وقال” :إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ،في شهركم هذا ،في بلدكم هذا ،أل كل شيء من
أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع( )2ودماء الجاهلية موضوعة ،وإن أول د مٍ أضع من دمائنا دم ابن ربيعة
بن الحارث كان م سترضعا في ب ني سعد فقتل ته هذ يل ،ور با الجاهل ية موضوع ،وأول ربا أ ضع ربا نا ر با
عباس بـن عبـد المطلب فإنـه موضوع كله( )3فاتقوا ال فـي النسـاء فإنكـم أخذتموهـن بأمان ال ،واسـتحللتم
فروجهـن بكلمـة ال( )4ولكـم عليهـن أن ل يوطئن فراشكـم( )5أحدا تكرهونـه فإن فعلن ذلك فاضربوهـن ضربا
غير مبرّح( )6ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ،وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به
كتاب ال( ,)7وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون”؟ قالوا :نشهد أنك قد بلغت ،وأديت ,ونصحت .فقال بإصبعه
قيل كان عددهم تسعين ألفا ،وقيل مائة وثلثين ألفا .انظر :المرجع السابق ،2/9و .105 )(1
والمعنى أنه أبطل كل شيء من أمور الجاهلية وصار كالشيء الموضوع تحت القدمين فل يعمل به في السلم ،فجعله )(2
كالشيء الموضوع تحت القدم من حيث إهماله وعدم المبالة به .انظر :شرح النووي ،8/432وشرح البي ،4/255وفتح الملك
المعبود .2/18
والمعنى الزائد على رأس المال باطل أما رأس المال فلصاحبه بنص القرآن ،انظر :شرح النووي .8/433 )(3
قيل :الكلمة هي :المر بالتسريح بالمعروف أو المساك بإحسان ،وقيل :هي ل إله إل ال ،وقيل :اليجاب والقبول ،وقيل: )(4
هي قوله تعالى{ :فَانكِحُواْ مَا طَابَ َلكُم مّنَ النّسَاءِ} ،سورة النساء ،الية .3 :قال النووي ،8/433وشرح البي ،4/256وفتح
الملك المعبود .2/19
والمعنى ل يأذن لحد من الرجال أو النساء تكرهون أن يدخل منازلكم ،وليس المراد من ذلك الزنا؛ لنه حرام سواء كرهه )(5
الزوج أو لم يكرهوه؛ ولن فيه الحد .شرح النووي ،8/433والبي ,4/257وفتح الملك المعبود .2/20
غير المبرّح :ل شديد ول شاق ،انظر :فتح الملك المعبود ،2/19وشرح النووي .8/434 )(6
والمعنى قد تركت فيكم أمرا لن تخطئوا إن تمسكتم به في العتقاد والعمل وهو كتاب ال الذي ل يأتيه الباطل من بين يده )(7
ول من خلفه ،وسكت عن السنة؛ لن القرآن هو الصل في الدين ،أو لن القرآن أمر باتباع السنة كما قال سبحانه{ :يَا أَ ّيهَا
خذُوهُ وَمَا َنهَا ُكمْ عَنْهُ
اّلذِينَ آ َمنُواْ َأطِيعُواْ اللّ َه وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ} .سورة النساء ،الية .59 :وقال{ :وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَ ُ
فَان َتهُوا} .سورة الحشر ,الية .7 :انظر :فتح الملك المعبود ،2/20وقد جاء عند الحاكم من حديث ابن عباس رضي ال عنهما
الوصية ب " ...كتاب ال وسنة نبيه "..وصححه اللباني في صحيحه الترغيب برقم .36
السبّابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس” :اللهم اشهد ،اللهم اشهد” ثلث مرات( .)1وقد كان في الموقف
جمّ غفير ل يُحصي عددها إل ال تعالى(.)2
وأُنزل على ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم في يوم عر فة يوم الجم عة قوله تعالى{ :الْ َيوْ َم أَ ْكمَلْ تُ َلكُ مْ دِي َنكُ مْ
لمَ دِينًا}( )3وهذه أكبر نعم ال تعالى على هذه المة حيث أكمل تعالى
ت َلكُ مُ الِ سْ َ
َوأَ ْت َممْ تُ عَلَ ْيكُ مْ ِن ْعمَتِي وَرَضِي ُ
ل هم دين هم فل يحتاجون إلى د ين غيره ,ول إلى نبي غ ير نبيهم صلّى ال عل يه و سلّم؛ ولهذا جعله ال خا تم
النبياء ,وبعثه إلى الجن والنس فل حلل إل ما أحلّه ،ول حرام إل ما حرّمه ،ول دين إل ما شر عه ,وكل
ت كَ ِلمَ تُ رَبّ كَ صِدْقًا وَعَ ْدلً}( )4أي صدقا في
ش يء أ خبر به ف هو حق و صدق ,ل كذب ف يه ول خلف{ ,وَ َتمّ ْ
الخبار وعدلً في الوامر والنواهي ,فلما أكمل ال لهم الدين تمت عليهم النعمة(.)5
وقد ذُ كر أن عمر بكى عندما نزلت هذه الية في يوم عرفة ,فقيل له :ما يبكيك؟ قال :أبكاني أنا كنا في
زيادة من ديننا ,فأما إذا أُكمل فإنه لم يكمل شيء إل نقص( ,)6وكأنه رضي ال عنه توقع موت النبي صلّى ال
عليه وسلّم قريبا.
3ـ وداعه ووصيته لمنه عند الجمرات:
قال جابر رضي ال عنه :رأيت النبي صلّى ال عليه وسلّم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول” :لتأخذوا
مناسككم فإني ل أدري لعلّي ل أحُجّ بعد حجتي هذه”(.)7
و عن أم الح صين ر ضي ال عن ها قالت :حج جت مع ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم فرأي ته ح ين ر مى
جمرة العق بة وان صرف و هو على راحل ته وم عه بلل وأ سامة ...فقال ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم قولً
كثيرا ثم سمعته يقول” :إن أُمّر عليكم عبد مجدّع أسود يقودكم بكتاب ال تعالى فاسمعوا له وأطيعوا”(.)8
4ـ وصيته ووداعه لمته يوم النحر:
عن أ بي بكرة ر ضي ال ع نه أن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم ق عد على بعيره وأم سك إن سان بحطا مه – أو
بزمامه – وخطب الناس فقال” :أتدرون أيّ يوم هذا”؟ قالوا :ال ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه
بغير اسمه ,فقال” :أليس بيوم النحر”؟ قلنا :بلى يا رسول ال! قال” :فأي شهر هذا”؟ قلنا :ال ورسوله أعلم
أخرجه مسلم برقم .1218 )(1
قيل :مائة وثلثون ألفا .انظر :فتح الملك المعبود .2/105 )(2
سورة المائدة ,الية ,3 :والحديث أخرجه البخاري برقم ,45ومسلم برقم .3017 ,3016 )(3
سورة النعام ,الية.115 : )(4
تفسير ابن كثير .2/12 )(5
ذكره ابن كثير في تفسيره 2/12وعزاه بإسناده إلى تفسير الطبري .وهذا يشهد له قوله صلّى ال عليه وسلّم” :بدأ السلم )(6
غريبا وسيعود غريبًا كما بدأ.”...
مسلم برقم .1297 )(7
مسلم برقم .1298 )(8
[فسكت] حتى ظننا أنه سيسمه بغير اسمه ,فقال” :أليس بذي الح جة”؟ قلنا بلى يا رسول ال .قال” :فأي بلد
هذا”؟ قلنا ال ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه .قال” :أليست البلدة الحرام”؟ قلنا :بلى
يا ر سول ال ,قال” :فإن دماء كم ,وأموال كم ,وأعراض كم ,وأبشار كم علي كم حرام كحر مة يوم كم هذا ,في
شهركم هذا ,في بلدكم هذا [وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ,فل ترجعوا بعدي كفارا [أو ضُلّلً يضرب
()1
بعضكم رقاب بعض ,أل ليبلغ الشاهد [منكم] الغائب [فَرُب ّ مُبلّغ أوعى من سامع] أل هل بلّ غت [ثم انكفأ
إلى كبشين أملح ين فذبحه ما )2(”..قال ابن عباس رضي ال عنهما :فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته
فليبلغ الشاهد الغائب(.)3
وسكوته صلّى ال عليه وسلّم بعد كل سؤال من هذه السئلة الثلثة كان لستحضار فهومهم ,وليقبلوا عليه
بكليتهم ,وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه(.)4
وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال" :وقف النبي صلّى ال عليه وسلّم يوم النحر بين الجمرات ...وقال:
”هذا يوم الحج الكبر” وطَفِق( )5النبي يقول” :اللهم اشهد” وودع الناس فقالوا :هذه حجة الوداع"(.)6
وقد فتح ال أسماع جميع الحجاج بمنى حتى سمعوا خطبة النبي صلّى ال عليه وسلّم يوم النحر ,هذا من
معجزاته أن بارك في أسماعهم وقوّاها حتى سمعها القاضي الداني حتى كانوا يسمعون وهم في منازلهم (.)7
ف عن ع بد الرح من بن معاذ التي مي ر ضي ال ع نه قال" :خطب نا ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم ون حن بم نى
فَ ُفتِحت أسماعُنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا.)8("..
5ـ وصيته صلّى ال عليه وسلّم لمته في أوسط أيام التشريق:
وخطب صلّى ال عليه وسلّم الناس في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة وهو ثاني أيام التشريق ويقال له:
يوم الرؤوس؛ لن أهل مكة يسمونه بذلك؛ لكلهم رؤوس الضاحي ف يه ,وهو أوسط أيام التشريق( ,)9فعن أبي
نجيح عن رجلين من أصحاب النبي صلّى ال عليه وسلّم ,وهما من بني بكر ,قال :رأينا رسول ال صلّى ال
انكفأ :أي انقلب .انظر :شرح النووي .11/183 )(1
البخاري 3/26برقم ,7447 ,7078 ,5550 ,4662 ,4406 ,3197 ,1741 ,105 ,67ومسلم برقم 1679واللفاظ من )(2
هذه المواضع.
البخاري برقم .1739 )(3
انظر :فتح الباري .1/159 )(4
طفق :جعل وشرع بقول. )(5
البخاري برقم .1742 )(6
انظر :عون المعبود ,5/436وفتح الملك المعبود .2/106 )(7
أبو داود برقم 1957وفي آخره قصة تدل على أنه يوم النحر ,والحديث صححه اللباني في صحيح سنن أبي داود برقم )(8
.1/369 ,1724
انظر :عون المعبود شرح سنن أبي داود ,5/432وفتح الملك المعبود تكملة المنهل العذب المورود ,2/100وفتح الباري )(9
.3/574
عليه وسلّم يخطب بين أوسط أيام التشريق ,ونحن عند راحلته ,وهي خطبة رسول ال صلّى ال عليه وسلّم
ال تي خ طب( )1بم نى( ,)2و عن أ بي نضرة قال :حدث ني من سمع خط بة ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم و س ْطَ أيام
التشر يق فقال ” :يا أي ها الناس إن ربكم وا حد ,وإن أباكم وا حد ,أل ل فضل لعر بي على أعج مي ول لعج مي
على عربي ،ول لحمر على أسود ,ول لسود على أحمر على أحمر إل بالتقوى ,أبلغت”؟ قالوا :بلّغ رسول
ال صلّى ال عل يه وسملّم .ثمم قال” :أي يوم هذا”؟ قالوا :يوم حرام .ثمم قال” :أيّـ شهـر هذا”؟ قالوا :شهمر
حرام .ثم قال” :أي بلد هذا”؟ قالوا :بلد حرام .قال” :فإن ال قد حرّم بينكم دماءكم ,وأموالكم ,وأعراضكم,
كحرمة يومكم هذا ,في شهركم هذا ,في بلدكم هذا ،أبلغت”؟ قالوا بلّغ رسول ال صلّى ال عليه وسلّم .قال:
”ليبلغ الشاهد الغائب”(.)3
وهناك جمل من خطبه صلّى ال عليه وسلّم في حجة الوداع في الماكن المقدسة منها حديث ابن عباس
رضي ال عنهما أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم خطب الناس في حجة الوداع فقال” :إن الشيطان قد يئس
أن يُع بد بأرض كم ول كن ر ضي أن يُطاع في ما سوى ذلك م ما تحاقرون من أعمال كم فاحذروا ,إ ني قد تر كت
فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا ,كتاب ال وسنة نبيه ”...الحديث( .)4وحديث أبي أمامة رضي ال
عنه قال :سمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يقول وهو يخطب الناس على ناقته الجدعاء في حجة الوداع
يقول ” :يا أي ها الناس أطيعوا رب كم ,وصـلّوا خمسـكم ,وأدّوا زكاة أموالكـم ،وصـوموا شهركـم ,وأطيعوا ذا
أمركم تدخلوا جنة ربكم”(.)5
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر المستنبطة من هذا المبحث كثيرة ,ومنها:
1م إن كل من قدم المدينة إجابة لذان النبي صلّى ال عليه وسلّم بالحج فقد حج مع النبي صلّى ال عليه
وسلّم؛ لقول جابر رضي ال عنه" :فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتمّ برسول ال صلّى ال عليه وسلّم
ويعمل مثل عمله"(.)6
2م استحباب نزول الحاج إلى عرفات بعد زوال الشمس إن تيسر ذلك.
ومعنى قوله" :وهي خطبته التي خطب بمنى" أي مثل الخطبة التي خطبها يوم النحر بمنى ,فالخطبتان :في يوم النحر ,وفي )(1
ثاني أيام التشريق اليوم الثاني عشر متحدتان في المعنى .انظر :عون المعبود ،5/431وفتح الملك المعبود .2/100
أبو داود برقم 1952ويشهد له حديث سرّاء بنت نبهان برقم 1953وصحح حديث أبي نجيح اللباني في صحيح سنن أبي )(2
داود 1/368برقم .1720
أحمد بترتيب عبد الرحمن البناء 12/226وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال :رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح )(3
.3/266وانظر :حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه قال :كنت آخذ بزمام ناقة رسول ال صلّى ال عليه وسلّم في أوسط أيام
التشريق أذود عنه الناس ...وذكر فيه جملً تراجع ويراجع سند الحديث في مسند أحمد .5/72
ذكره المنذري في الترغيب وعزاه إلى الحاكم ,وحسنه اللباني صحيح الترغيب 1/21برقم 36وله أصل في صحيح مسلم. )(4
انظر :حديث رقم ,2812وانظر :مسند أحمد 2/368والحاديث الصحيحة برقم .472
الحاكم 1/473وصحيحه على شرط مسلم ,ووافقه الذهبي. )(5
تقدم تخريجه من حديث جابر رضي ال عنه. )(6
3م ا ستحباب خط بة المام بالحجاج بعرفات ,يبين في ها للناس ما يحتاجون إل يه ،ويعت ني ببيان التوح يد,
وأصول الدين ,ويحذر فيها من الشرك والبدع والمعاصي ,ويوصي الناس بالعمل بالكتاب والسنة.
و قد ث بت أن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم خ طب في ح جة الوداع ثلث خ طب :خط بة يوم عر فة ,والخط بة
الثانية يوم النحر في منى ,والخطبة الثالثة في منى يوم الثاني عشر من ذي الحجة .ومذهب الشافعي أن المام
يخ طب يوم السمابع من ذي الحجمة كذلك( ,)1ويعلم المام الناس فمي كل خط بة ما يحتاجون إل يه إلى الخط بة
لخرى.
4م تأكيد غلظ تحريم الدماء ,والعراض ,والموال ,والبشار الجلدية.
5م استخدام ضرب المثال وإلحاق النظير بالنظير؛ لقوله صلّى ال عليه وسلّم” :كحرمة يومكم هذا في
شهركم هذا في بلدكم هذا”.
6م إبطال أفعال الجاهلية ,وربا الجاهلية ,وأنه ل قصاص في قتلى الجاهلية.
7م إن المام ومن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يجب أن يبدأ بنفسه وأهله؛ لنه أقرب لقبول قوله,
وطيب نفس من قرب عهده بالسلم.
8م الموضوع من الربا هو الزائد على رأس المال ,أما رأس المال فلصاحبه.
9مم مراعاة حمق النسماء ,ومعاشرتهمن بالمعروف ,وقمد جاءت أحاديمث كثيرة بذلك جمعهما النووي أو
معظمها في رياض الصالحين.
10م وجوب نفقة الزوجة وكسوتها ،وجواز تأديبها إذا أ تت بما يقتضي التأديب لكن بالشروط والضوابط
التي جاءت بالكتاب والسنة ،وأن ل يحصل منكر من أجل ذلك التأديب.
11م الوصية بكتاب ال تعالى وسنة نبيه صلّى ال عليه وسلّم.
12م قوله” :لتأخذوا ع ني منا سككم فإ ني ل أدري لعلي ل أ حج ب عد حج تي هذه” ف في ذلك لم ال مر,
والمعنى خذوا مناسككم ,وهكذا وقع في رواية غير مسلم ,وتقديره :هذه المور التي أتيت بها في حجتي من
القوال ،والفعال ،والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها ,واحفظوها واعملوا
بها ،وعلموها الناس ,وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج ,فهو كقوله صلّى ال عليه وسلّم” :صلوا كما
رأيتموني أصلي”(.)2
13م وفي قوله صلّى ال عليه وسلّم” :لعلي ل أحج بعد حجتي هذه” إشارة إلى توديع هم ,وإعلمهم
بقرب وفاته صلّى ال عليه وسلّم ,وحثهم على الخذ عنه ,وانتهاز الفرصة وملزمته ,وبهذا سميت
حجة الوداع.
انظر :فتح الملك المعبود في تكملة المنهل المورود .2/20 )(1
البخاري برقم .7246 )(2
14م الحث على تبليغ العلم ونشره ,وأن الفهم ليس شرطا في الداء ,وأنه قد يأتي في الخر من يكون
أفهمم مممن تقدم ولكمن بقلة ,وأن الفضمل أن يكون الخطيمب على مكان مرتفمع؛ ليكون أبلغ فمي سمماع الناس
ورؤيتهم له.
15م استخدام السؤال ثم السكوت والتفسير يدل على التفخيم ,والتقرير والتنبيه.
16مم الممر بطاعمة ولي الممر مادام يقود الناس بكتاب ال تعالى ,وإذا ظهرت منمه بعمض المعاصمي
عظَ َو ُذكّر بال وخُوّف به لكن بالحكمة والسلوب الحسن.
والمنكرات ,وُ ِ
17م الوصية بطاعة ال ,والصلة ,والزكاة ,والصيام ,وأنه ل فرق بين أصناف الناس إل بالتقوى.
18مم معجزة النمبي صملّى ال عليمه وسملّم الظاهرة الدالة على صمدقه ,وذلك بسمماع الناس لخطبتمه يوم
النحر وهم في منازلهم( )1فقد فتح ال لسماعهم كلهم لها.
19م الضحية سنه مؤكدة على الصحيح من أقوال أهل العلم ,وهي في حق الحاج وغير الحاج فل يجزئ
عنها الهدي ,وإنما هي سنة مستقلة؛ لنه صلّى ال عل يه وسلّم بعد أن خطب الناس بمنى انقلب فذ بح كبش ين
أملحين( )2وهذا غير الهدايا التي نحرها بيده وأشرك عليّا في الهدي وأمره بنحر الباقي من البدن.
المبحث الخامس :توديعه للحياء والموات
عن عائشة رضي ال عنها قالت :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلّم كلما كان ليلتها من رسول ال صلّى
ال عليه وسلّم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول” :السلم عليكم دار قول مؤمنين ,وآتاكم ما توعدون,
غدا مؤجلون وإ نا إن شاء ال بكم لحقون ,اللهم اغفر لهل بق يع الغر قد”( .)3وفي رواية أنه قال صلّى ال
عل يه و سلّم” :فإن جبر يل أتا ني ..فقال إن ر بك يأمرك أن تأ تي أ هل البق يع فت ستغفر ل هم” قالت عائ شة :يا
رسمول ال ,كيمف أقول لهمم؟ قال” :قولي :السـلم عليكـم أهـل الديار مـن المؤمنيـن والمسـلمين ويرحـم ال
المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء ال بكم لحقون”(.)4
وقد ذكر المام البي رحمه ال تعالى أن خروجه هذا كان في آخر عمره صلّى ال عليه وسلّم( )5وهذا وال
أعلم يدل على توديعه للموات كما فعل مع شهداء أحد؛ ولهذا وال أعلم كان يخرج في الليل ويقف في البقيع
البخاري ,ومسلم برقم 1679وتقدم تخريجه. )(1
انظر :فتح الباري ,577 ,3/574وشرح النووي 434 – 8/422و 52-51/ 9و ,11/182وفتح الملك المعبود في تكملة )(2
المنهل المورود شرح سنن أبي داود 2/20و .206-2/99 ,2/54
البقيع هو مدفن أهل المدينة ,وسمي بقيع الغرقد ,لغرقد كان فيه ,وهو ما عظم من العوسج .انظر :شرح النووي ,7/46 )(3
وشرح البي على مسلم .3/390
أخرجه مسلم برقم .974 )(4
انظر :شرح البي على صحيح مسلم ,3/388وفتح الباري .7/349 )(5
يدعو لهم كما قالت عائشة رضي ال عنها” :ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع
يديه ثلث مرات ثم انحرف.)1(”...
وعن عقبة بن عامر رضي ال عنه أن النبي صلّى ال عليه وسلّم خرج يوما فصلى على قتلى أُحد صلة
الميت( )2بعد ثماني سنين كالمودع للحياء والموات ثم طلع علي المنبر فقال” :إني بين أيديكم فرط لكم ,وأنا
شهيد عليكم ,وإن موعدكم الحوض ,وإني وال لنظر إلى حوضي الن مقامي هذا ,وإني قد أعطيت مفاتيح
خزائن الرض ,أو مفاتيح الرض ،وإني وال ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي( ,)3ولكني أخاف عليكم الدنيا
أن تناف سوا في ها [وتقتتلوا فتهلكوا ك ما هلك من كان قبل كم] قال عق بة :فكا نت آ خر نظرة نظرت ها إلى ر سول
ال صلّى ال عليه وسلّم [على المنبر]”(.)4
فتوديعه صلّى ال عليه وسلّم للحياء ظاهر؛ لن سياق الحاديث يشعر أن ذلك كان آخر حياته صلّى ال
عليه وسلّم ,وأما توديعه للموات فباستغفاره لهل البقيع ودعائه لهل أحد ,وانقطاعه بجسده عن زيارتهم(.)5
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر المستنبطة من هذا المبحث كثيرة ,منها:
1م حرص النبي صلّى ال عليه وسلّم على نفع أمته ,والنصح لهم في الحياة ,وبعد الممات؛ ولهذا صلى
على شهداء أحد بعد ثمان سنوات ،وزار أهل البقيع ودعا لهم ,وأوصى الحياء ونصحهم ,ووعظهم وأمرهم
ونهاهم فما ترك خيرا إل دلهم عليه ,ول شرًا إل حذرهم منه.
2م التحذ ير من فت نة زهرة الدن يا ل من فت حت عل يه ,فينب غي له أن يحذر سوء عاقبت ها ,ول يطمئن إلى
زخارفها ,ول ينافس غيره فيها ,ويستخدم ما عنده منها في طاعة ال تعالى(.)6
المبحث السادس :بداية مرضه صلّى ال عليه وسلّم وأمره لبي بكر أن يصلي بالناس
ر جع صلّى ال عل يه و سلّم من ح جة الوداع في ذي الح جة فأقام بالمدي نة بق ية الش هر ,والمحرم ,و صفرا,
وج هز ج يش أ سامة بن ز يد ر ضي ال ع نه ,فبين ما الناس على ذلك ابتدئ ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم
بشكواه في ليال بقين من صفر :قيل في الثاني والعشرين منه ,وقيل :في التاسع والعشرين ,وقيل :بل في أول
شهر ربيع الول ,وقد صلى على شهداء أحد فدعا لهم كما تقدم ,وذهب إلى أهل البقيع وسلم عليهم ودعا لهم
مسلم برقم .974 )(1
الحاديث الصحيحة دلت أن شهداء المعركة ل يصلى عليهم ,أما هذا الحديث فكأنه صلّى ال عليه وسلّم دعا لهم واستغفر لهم )(2
حين علم قرب أجله مودعا لهم بذلك ,كما ودع أهل البقيع بالستغفار لهم .انظر :فتح الباري 3/210و 7/349ورجح ذلك
العلمة ابن باز في تعليقه على فتح الباري .6/611
أي ل أخاف على مجموعكم؛ لن الشرك قد وقع من بعض أمته بعده صلّى ال عليه وسلّم .فتح الباري .3/211 )(3
البخاري من اللفاظ في جميع المواضع ,برقم ،6590 ,6426 ،4085 ,4042 ,3596 ,1344ومسلم برقم ,2296وما بين )(4
المعكوفين من صحيح مسلم.
الفتح .7/349 )(5
انظر :فتح الباري . 11/245 )(6
مودعا لهم ,ثم رجع مرة من البقيع فوجد عائشة وهي تشتكي من صداع برأسها وهي تقول :وارأساه .فقال:
”بل أنا وال يا عائشة وارأساه” .قالت عائشة رضي ال عنها :ثم قال” :وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك
وكفنتك ,وصليت عليك ,ودفنتك” قالت :قلت :وال لكأني بك لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست
بب عض ن سائك .قالت” :فتب سم ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم”( )1وتتام به وج عه ح تى ا ستعزبه( )2و هو في
بيت ميمونة ,فدعا نساءه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي(.)3
وأول ما اشتدّ برسول ال صلّى ال عليه وسلّم وجعه في بيت ميمونة رضي ال عنها فاستأذن أزواجه أن
يمرض في بيت عائشة رضي ال عنها( ,)4فعن عائشة رضي ال عنها قالت :لما ثقل رسول ال صلّى ال عليه
و سلّم واش تد به وج عه ا ستأذن أزوا جه أن يمرض في بي تي فأذن ّ له فخرج و هو ب ين رجل ين ت خط رجله في
الرض ب ين عباس بن ع بد المطلب وب ين ر جل آ خر( )5وكا نت عائ شة ر ضي ال عن ها تحدث أن ر سول ال
صلّى ال عليه وسلّم لما دخل بين واشتد به وجعه قال” :هَرِيقوا( )6علي ّ من سبع قرب( )7لم تُحْ َل ْل أوكيتهن
()10
لعلي أع هد( )8إلى الناس ,فأجل سناه في مِخض َب( )9لحف صة زوج ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم ثم طفق نا
نصـب عليـه مـن تلك القرب ,حتـى طفـق يشيـر إلينـا بيده أن قـد فعلتـن ,ثـم خرج إلى الناس فصـلى بهـم
وخطبهم”(.)11
ابن هشام بسند ابن إسحاق ,انظر :سيرة ابن هشام ,4/320وانظر :البداية والنهاية لبن كثير ,5/224وفتح الباري 129 /8 )(1
,130 -وأخرجه أحمد 6/144و 228لبن ماجه ,والبيهقي ,وقال اللباني :إن ابن إسحاق قد صرح بالتحديث في رواية ابن
هشام فثبت الحديث والحمد ل .أحكام الجنائز ص .50
استعزبه :اشتد عليه وغلبه على نفسه. )(2
انظر :سيرة ابن هشام 4/320والبداية والنهاية ل بن كثير ,231 - 5/223وقيل :كان ذلك في التاسع والعشرين من شهر )(3
صفر يوم الربعاء ,فبقي في مرضه ثلثة عشر يوماً وهذا قول الكثر.
انظر :الفتح .8/129
صحيح مسلم برقم ,418وانظر :فتح الباري .8/129 )(4
هو علي بن أبي طالب رضي ال عنه كما قال ابن عباس في آخر حديث البخاري رقم 687ومسلم .418 )6(5
وفي رواية :أهريقوا :أي أريقوا وصبوا .الفتح .1/303 )(6
هذا من باب التداوي؛ لن لعدد السبع دخولً في كثير من أمور الشريعة ,وأصل الخلقة ,وفي رواية لهذا الحديث عند )(7
الطبراني ...” :من آبار شتى” .الفتح 1/303و .8/141
أعهد :أي أوصي .الفتح .1/303 )(8
المخضب :هو إناء نحو المركن الذي يغسل فيه وتغسل فيه الثياب من أي جنس كان .النووي 4/379والفتح 1/301و )(9
.303
طفقنا :أي شرعنا :يقال :طفق يفعل كذا إذا شرع في فعل واستمر فيه .الفتح .3/303 )(10
البخاري برقم 198وذكر هنا له ستة عشر موضعا ,وقد جمع بين هذه المواضع اللباني في مختصر البخاري ,1/170 )(11
ومسلم برقم .418
وعن ها ر ضي ال عن ها قالت" :ث قل ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم فقال” :أ صلى الناس”؟ قل نا :ل هم
ينتظرو نك يا ر سول ال! قال” :ضعوا لي ماء في المخ ضب” قالت :ففعل نا .فاغت سل فذ هب لينوءَ( )1فأُغ مي
عليه ,ثم أفاق فقال صلّى ال عليه وسلّم” :أصلى الناس”؟ قلنا :ل هم ينتظرونك يا رسول ال! فقال” :ضعوا
لي ماء فـي المخضـب” قالت :ففعلنما [فقعـد] فاغتسمل .ثمم ذهمب لينوء فأُغممي عليمه .ثمم أفاق فقال” :أصـلى
الناس”؟ فقلنا :ل ,هم ينتظرونك يا رسول ال! فقال” :ضعوا لي ماء في المخضب” ففعلنا [فقعد] فاغتسل ثم
ذهب لينوء فأغمي عليه ,ثم أفاق فقال” :أصلى الناس”؟ فقلنا :ل هم ينتظرونك يا رسول ال! قالت :والناس
عكوف في المسجد ينتظرون النبي صلّى ال عليه وسلّم لصلة العشاء الخرة ,قالت :فأرسل رسول ال صلّى
ال عليه وسلّم إلى أبي بكر؛ ليصلي بالناس ,فأتاه الرسول( )2فقال :إن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يأمرك
أن تصلي بالناس .فقال أبو بكر – وكان رجلً رقيقا – يا عمر! صلّ بالناس .فقال له عمر :أنت أحق ّ بذلك.
قالت :فصلّى بهم أبو بكر تلك اليام .ثم إن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم وجد من نفسه خِف ّة فخرج بين
رجلين – أحدهما العباس( –)3لصلة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس ,فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر ,فأومأ إليه
النبي صلّى ال عليه وسلّم بأن ل يتأخر ,وقال لهما” :أجلساني إلى جنبه” فأجلساه إلى جنب أبي بكر ,فجعل
أبو بكر يصلي وهو قائم يأتم بصلة النبي صلّى ال عليه وسلّم والناس يصلون بصلة أبي بكر والنبي صلّى
ال عليه وسلّم قاعد”( .)4وهذا صريح في أن هذه الصلة هي صلة الظهر( .)5وقد كان صلّى ال عليه وسلّم
حريصا على أن يكون أبو بكر هو المام وردد المر بذلك مرارا ,فمن عائشة رضي ال عنها قالت :لما ثَقُل
ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم جاء بلل يؤذ نه بال صلة ,فقال” :مروا أ با ب كر فلي صلّ بالناس” فقلت :يا
رسول ال إن أبا بكر رجل أسيف( )6وإنه متى يقم مقامك ل يسمع الناس فلو أمرت عمر؟ فقال” :مروا أبا بكر
فليصلّ بالناس” قالت :فقلت لحفصة :قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك ل يسمع الناس فلو
لينوء :أي لينهض بجهد .الفتح .2/174 )(1
أي الذي أرسله إليه النبي صلّى ال عليه وسلّم ليصلي بالناس. )(2
والخر علي رضي ال عنه كما تقدم. )(3
البخاري برقم 687ومسلم برقم 418وقد اخترت بعض اللفاظ من البخاري وبعضها من مسلم. )(4
وزعم بعضهم أنها الصبح ,واستدل برواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس” :وأخذ رسول ال صلّى ال عليه وسلّم القراءة )(5
من حيث بلغ أبو بكر ,وهذا لفظ ابن ماجه وإسناده حسن؛ لكن في الستدلل به نظر؛ لحتمال أن يكون صلّى ال عليه وسلّم
سمع لما قرب من أبي بكر الية التي انتهى إليها أبو بكر خاصة ,وقد كان هو يسمع الية أحيانا في الصلة السرية كما في
حديث أبي قيادة ,ثم لو سلم لم يكن فيه دليل على أنها الصبح بل يحتمل أن تكون المغرب فقد ثبت في الصحيحين من حديث أم
الفضل قالت" :سمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يقرأ في المغرب بالمرسلت عرفا ,ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه ال"
البخاري برقم 763و ,4429ومسلم برقم 462قال ابن حجر :لكن وجدت في النسائي أن هذه الصلة التي ذكرتها أم الفضل
كانت في بيته وقد صرح الشافعي أنه صلّى ال عليه وسلّم لم يصلّ بالناس في مرض موته في المسجد إل مرة واحدة وهي هذه
التي صلى فيها قاعدا وكان أبو بكر فيها أولً إماما ثم صار مأموما يسمع الناس التكبير .انظر :الفتح .2/175
أسيف :شديد الحزن :والمراد أنه رقيق القلب إذا قرأ غلبه البكاء فل يقدر على القراءة .فتح .203 ,165 ,2/152 )(6
أمرت ع مر ,فقالت له فقال ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم” :إنكنّـ لنتـن صـواحب يوسـف مروا أبـا بكـر
فلي صلّ بالناس” فقالت حف صة لعائ شة [ :ما ك نت ل صيب م نك خيرا] .قالت عائ شة :فأمروا أ با ب كر ي صلي
بالناس فل ما د خل في ال صلة و جد ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم من نف سه خ فة ,فقام يهادى ب ين رجل ين
ورجله تخطان في الرض ،حتى دخل المسجد ،فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر ,فأومأ إليه رسول ال
صلّى ال عليه وسلّم” :قم مكانك” فجاء رسول ال صلّى ال عليه وسلّم حتى جلس عن يسار أبي بكر ,فكان
رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي أبو بكر بصلة النبي صلّى ال عليه
وسلّم ويقتدي الناس بصلة أبي بكر”(.)1
والسبب الذي جعل عائشة رضي ال عنها تراجع النبي صلّى ال عليه وسلّم في إمامة أبي بكر بالصلة هو
ما بيّ َنتْه في رواية أخرى قالت رضي ال عنها” :لقد راجعت رسول ال صلّى ال عليه وسلّم في ذلك وما
ل قام مقا مه أبدا ,ول ك نت أرى
حمل ني على كثرة مراجع ته إل أ نه لم ي قع في قل بي أن ي حب الناس بعده رج ً
أ نه لن يقوم أحد مقامه إل تشاءم الناس به ,فأردت أن يعدل ذلك رسول ال صلّى ال عليه و سلّم عن أ بي
بكر”()2؛ ولهذا قال صلّى ال عليه وسلّم لها ولحفصة” :إنكن لنتن صواحب يوسف”(.)3
قال ابن كثير رحمه ال تعالى" :وتقديمه صلّى ال عليه وسلّم لبي بكر معلوم بالضرورة من دين السلم
()4
وتقديمه له دليل على أ نه أعلم الصحابة ,وأقرؤهم لما ث بت في الصحيح” :يؤم القوم أقرؤ هم لكتاب ال”..
الحديث .نعم قد اجتمعت في أبي بكر هذه الصفات رضي ال عنه.)5(...
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة ,ومنها:
1مم اسمتحباب زيارة قبور الشهداء بأحمد وقبور أهمل البقيمع والدعاء لهمم بشرط عدم شمد الرحال ,وعدم
إحداث البدع.
2م جواز تغسل الرجل زوجته وتجهيزها والزوجة كذلك.
3م جواز ا ستئذان الر جل زوجا ته أن يُمرّض في ب يت إحدا هن كان النتقال ي شق عل يه ,وإذا لم يأذن ّ
فحينئذ يقرع بينهن.
البخاري برقم 2/204 , 713ومسلم برقم ,418قول حفصة رضي ال عنها :ما كنت لصيب منك خيرا .البخاري برقم )(1
.679
البخاري برقم ,198و ,4445ومسلم برقم 418رواية .93 )(2
البخاري برقم ,713مسلم برقم 418وتقدم تخريجه. )(3
مسلم برقم .673 )(4
البداية والنهاية 5/234وروى البيهقي عن أنس رضي ال عنه أنه كان يقول” :آخر صلة صلها رسول ال صلّى ال عليه )(5
وسلّم مع القوم في ثوب واحد ملتحفاً به خلف أبي بكر” قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية ” :5/234وهذا إسناد جيد
على شرط الصحيح” ورجح العلمة ابن باز حفظه ال أن النبي صلّى ال عليه وسلّم لم يصلّ خلف أحد من أمته إل عبد
الرحمن بن عوف .قلت :أما الصلة التي صلها مع أبي بكر فإنه هو المام كما تقدم وال أعلم.
4م جواز المرض والغماء على ال نبياء بخلف الجنون فإ نه ل يجوز علي هم؛ ل نه ن قص ,والحملة من
مرض النبياء؛ لتكثير أجرهم ،ورفع درجاتهم ,وتسلية الناس بهم؛ ولئل يفتتن الناس بهم فيعبدونهم؛ لما يظهر
على أيديهم من المعجزات واليات البينات ,وهم مع ذلك ل يملكون لنفسهم ضرّا ول نفعاً إل ما شاء ال.
5م استحباب الغسل من الغماء؛ لنه ينشط ويزيل أو يخفف الحرارة.
6م إذا تأخر المام تأخراً يسيراً ينتظر ,فإذا شق النتظار صلى أعلم الحاضرين.
7م ف ضل أ بي ب كر وترجي حه على جم يع ال صحابة ر ضي ال عن هم ,وت نبيهه وت نبيه الناس أ نه أ حق
بالخل فة من غيره؛ لن ال صلة بالناس للخلي فة؛ ولن ال صحابة ر ضي ال عن هم قالوا” :رضي نا لدنيا نا من
رضيه رسول ال صلّى ال عليه وسلّم لديننا”.
8م إذا عرض للمام عارض أو شغل بأمر ل بد منه منعه من حضور الجماعة فإنه يستخلف من يصلي
بهم ويكون أفضلهم.
9م فضل عمر رضي ال منه؛ لن أبا بكر وثق به ,ولهذا أمره أن يصلي ولم يعدل إلى غيره.
10م جواز الثناء والمدح في الوجه لمن أُمِ نَ عليه العجاب والفتنة؛ لقول عمر رضي ال عنه” :أنت
أحق بذلك”.
11م دفع الفضلء المور العظيمة عن أنفسهم إذا كان هناك من يقول بها على وجه مقبول.
12م يجوز للمستخلف في الصلة ونحوها أن خلف غيره من الثقات لقول أبي بكر” :صلّ يا عمر”.
13م الصلة من أهم ما يسأل عنه.
14م فضل عائشة رضي ال عنها على جميع أزواج النبي صلّى ال عليه وسلّم الموجودات ذلك الوقت
وهن تسع إحداهن عائشة رضي ال عنهن.
15م جواز مراجعة ولي ال مر على سبيل العرض والمشاورة والستشارة بما يظهر أنه م صلحة ,لكن
بعبارة لطيفة تحمل الحكمة وحسن السلوب.
16م جواز وقوف المأموم بج نب المام لحا جة أو م صلحة :كإ سماع المأموم ين الت كبير في ال جم الغف ير
الذ ين ل ي سمعون ال صوت ,أو ض يق المكان ,أو علة أخرى ك صلة المرأة بالن ساء ,أو المنفرد مع المام ،أو
إمام العراة.
17م جواز رفع الصوت بالتكبير فينقل المبلغ للناس صوت المام إذا لم يسمع الناس تكبير المام.
18م التنبيه على الحرص على حضور الصلة مع الجماعة إل عند العجز التام عن ذلك.
19م العلم والفضل أحق بالمامة من العالم والفاضل.
20م إنما جعل المام ليؤتم به فإذا صلى جالسا صلي الناس جلوسا ,وإذا صلى قائما صلوا قياما.
21م البكاء في ال صلة من خش ية ال ل حرج ف يه ل كن ل يتكلف ذلك ول يطل به ,فإذا غل به البكاء في
الصلة بدون اختياره فل حرج(.)1
المبحث السابع :خطبته العظيمة ووصيته للناس
خ طب عل يه ال صلة وال سلم أ صحابه في يوم الخم يس ق بل أن يموت بخم سة أيام خط بة عظي مة بي ّن في ها
فضل الصدّيق من سائر الصحابة ,مع ما قد كان نص عليه أن يؤم الصحابة أجمعين ,ولعل خطبته هذه كانت
عوضا أراد يكتبه في الكتاب ,وقد اغتسل عليه الصلة والسلم بين يدي هذه الخطبة العظيمة ,فصبوا عليه من
سبع قرب لم تُحلل أوكيت هن ,وهذا من باب ال ستشفاء بعدد ال سبع ك ما وردت به الحاد يث( )2والمق صود أ نه
صلّى ال عليه وسلّم اغتسل ثم خرج وصلى بالناس ثم خطبهم .قال جندب رضي ال عنه :سمعت رسول ال
صلّى ال عليه وسلّم قبل أن يموت بخمس وهو يقول” :إني أبرأ إلى ال أن يكون لي منكم خليل()3؛ فإن ال
تعالى قد اتخذ ني خليلً ,ك ما ات خذ إبراه يم خليلً ,ولو ك نت متخذا من أم تي خليلً لتخذت أ با ب كر خليلً ,أل
وأل وإن من كان قبل كم كانوا يتخذون قبور أ نبيائهم و صالحيهم مسـاجد ,أل فل تتخذوا القبور م ساجد إ ني
أنهاكم عن ذلك”( .)4وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال :خطب النبي صلّى ال عليه وسلّم فقال” :إن
ال خيّر عبدا بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عند ال” ,فبكى أبو بكر رضي
ال عنه وقال :فديناك بآبائنا وأُمهاتنا ,فعجبنا له ,وقال الناس :انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول ال صلّى ال
عليمه وسملّم عمن عبدٍ خيّرَه ال بيمن أن يؤتيمه ممن زهرة الدنيما وبيمن مما عنمد ال ،وهمو يقول :فديناك بآبائنما
وأمهاتنا ,فكان رسول ال صلّى ال عليه وسلّم هو [العبد] المخيّر ,وكان أبو بكر أعلمنا .فقال رسول ال صلّى
ال عليه وسلّم[” :يا أبا بكر ل تبكي] إن من أمن ّ الناس علي ّ في صحبته وماله( )5أبو بكر ,ولو كنت متخذا
خليلً من أمتي لتخذت أبا بكر ,ولكن أُخوّ ُة السلم ,ومودته ,ل يَ ْبقَينّ في المسجد باب إل سد إل باب أبي
بكر”(.)6
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة ,ومنها:
انظر :شرح النووي , 386 – 4/379وشرح البي ,302 -2/301وفتح الباري 164 ,152 ,151 /2و ,173 ,166 )(1
.206 ,203
انظر :البداية والنهاية لبن كثير .5/228 )(2
الخُلّة :الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خِلله؛ أي في باطنه ,وهي أعلى المحبة الخالصة ,والخليل :الصديق )(3
الخالص؛ وإنما قال ذلك صلّى ال عليه وسلّم؛ لن خلته كانت مقصوره على حب ال تعالى فليس فيها لغيره متسع ول شركة من
محاب الدنيا والخرة .انظر :النهاية في غريب الحديث ,2/72والمصباح المنبر ,1/180وشرح النووي ,5/16شرح البي
.2/426
مسلم برقم .532 )(4
معناه :أكثرهم جودا لنا بنفسه وماله ,انظر :فتح الباري ,1/559وشرح النووي .15/160 )(5
البخاري برقم ,3904 ,3654 ,466ومسلم برقم .2382 )(6
1م أمر النبي صلّى ال عليه وسلّم بسد البواب إل باب أبي بكر من جملة الشارات التي تدل على أنه
هو الخليفة.
2م فضل أبي بكر رضي ال عنه وأنه أعلم الصحابة رضي ال عنهم ,و من كان أرفع في الفهم استحق
أن يطلق عليه أعلم ,وأنه أحب الصحابة إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلّم.
3م الترغيب في اختيار ما في الخرة على ما في الدنيا ,وأن الرغبة في البقاء في الدنيا وقتا من الزمن
إنما هي للرغبة في رفع الدرجات في الخرة وذلك بالزدياد من الحسنات لرفع الدرجات.
4م شكر المحسن والتنويه بفضله وإحسانه والثناء عليه؛ لن من لم يشكر الناس ل يشكر ال تعالى.
5م التحذير من اتخاذ المساجد على القبور وإدخال القبور في المساجد أو وضع الصور فيها ,ولعن من
فعل ذلك ,وأنه من شرار الخلق عند ال كائنا من كان(.)1
6م حب الصحابة لرسول ال صلّى ال عليه وسلّم أكثر من النفس والولد والوالد والناس أجمعين ولهذا
يفدونه بآبائهم وأمهاتهم.
المبحث الثامن :اشتداد مرضه صلّى ال عليه وسلّم ووصيته في تلك الشدة
()2
عن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات
وينفث فلما اشتد [الذي توفي فيه] كنت أقرأ [وفي رواية أنفث] عليه بهن وأمسح بيده نفسه رجاء بركتها .قال
ابن شهاب” :ينفث على يديه ثم يمسح يهما وجهه”( .)3وفي صحيح مسلم قالت” :كان رسول ال صلّى ال
عليه وسلّم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه
وأمسحه بيد نفسه؛ لنها كانت أعظم بركة من يدي”( .)4وعن عائشة رضي ال عنها قالت :اجتمع نساء النبي
صلّى ال عليه وسلّم فلم يغادر منهن امرأة فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول ال صلّى ال عليه
وسلّم .فقال” :مرحباً بابنتي” فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ,ثم إنه أسرّ إليها حديثاً فبكت فاطمة .ثم إنه
سارّها فضحكت أيضاً ,فقل تُ لها ما يبك يك؟ فقالت :ما كن تُ لف شي سرّ ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم.
فقلت :ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حُزْنٍ ،فقلت حين بكت أخصّك رسول ال صلّى ال عليه وسلّم بحديثه
دون نا ثم تبك ين؟ و سألتها ع ما قال :فقالت :ما ك نت لف شي سرّ ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم ,فل ما تو في
رسول ال صلّى ال عليه وسلّم قلت :عزمتُ عليك بمالي من الحق لما حدثتيني ما قال لك رسول ال صلّى
انظر :فتح الباري ,16 ,7/14 ,1/559والنووي .15/16 )(1
المراد بالمعوذات :قل هو ال أحد ,وقل أعوذ برب الفلق ,وقل أعوذ برب الناس .انظر :الفتح 8/131و .9/62 )(2
البخاري برقم ,5751 ,5735 ,5016 ,4439ومسلم برقم 2192وكان يفعل ذلك صلّى ال عليه وسلّم أيضاً إذا أوى إلى )(3
فراشه "فيقرأ بقل هو ال أحد ,وبالمعوذتين جميعاً ثم يمسح يهما وجهه وما بلغت من جسده يفعل ذلك ثلث مرات" البخاري برقم
.5748
مسلم برقم .2192 )(4
ال عل يه و سلّم؟ فقالت :أ ما الن فن عم :أ ما ح ين سارّني في المرة الولى فأ خبرني أن جبر يل كان يعار ضه
القرآن كل عام مرة وإنه عارضه به في العام مرتين ول أُراني( )1إل قد حضر أجلي فاتقي ال واصبري فإنه
ن عم ال سلف أ نا لك ,قالت :فبك يت بكائي الذي رأ يت ,فل ما رأى جز عي سارني الثان ية فقال ” :يا فاط مة أ ما
()2
ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ,أو سيدة نساء هذه المة”؟ قالت :فضحكت ضحكي الذي رأيت"
وفي رواية” :فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت”(.)3
و سبب ضحك ها ر ضي ال عن ها أن ها سيدة ن ساء المؤمن ين ,وأول من يل حق به من أهله ,و سبب الكباء أ نه
أخبرهما بموتمه صملّى ال عليمه وسملّم ,قال ابمن حجمر رحممه ال تعالى" :وروى النسمائي فمي سمبب الضحمك
المر ين"( )4أي بشارت ها بأن ها سيد ة ن ساء هذه ال مة ,وكون ها أول من يل حق به من أهله .و قد اتفقوا على أن
فاطمة رضي ال عنها أول من مات من أهل بيت النبي صلّى ال عليه وسلّم بعده حتى من أزواجه(.)5
وعمن عائشمة رضمي ال عنهما قالت" :مما رأيمت أحدا أشدّ عليمه الوجمع( )6ممن رسمول ال صملّى ال عليمه
وسلّم"(.)7
()8
و عن ع بد ال بن م سعود ر ضي ال ع نه قال :دخلت على ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم و هو يو عك
فم سسته بيدي فقلت :يا ر سول ال إ نك تو عك وعكا شديدا ,فقال ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم” :أ جل إ ني
أُو عك ك ما رَجُلن من كم” قال :فقلت :ذلك أن لك أجر ين .فقال ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم” :أ جل ذلك
كذلك ما من م سلم ي صيبه أذى من مرض ف ما سواه [شو كة ف ما فوق ها] إل حط ال ب ها سيئاته ك ما ت حط
الشجرة ورقها”(.)9
أي ل أظن. )(1
البخاري برقم ,4434 ,4433ومسلم برقم ,2450واللفظ لمسلم. )(2
البخاري برقم ,4434 ,4433ومسلم .2450 )(3
انظر :فتح الباري .8/138 )(4
انظر :فتح الباري .8/136 )(5
المراد بالوجع :المرض ,والعرب تسمي كل مرض وجعا .انظر :الفتح ,10/111وشرح النووي .16/363 )(6
البخاري برقم ,5646ومسلم .2570 )(7
يوعك :قيل الحمى ,وقيل ألمها ,وقيل إرعادها الموعوك وتحريكها إياه .الفتح .10/111 )(8
البخاري مع الفتح 10/111برقم ,5667 ,5661 ,5660 ,5648 ,5647ومسلم 4/1991برقم 2571واللفظ له إل ما بين )(9
المعكوفين.
()2
وعن عائشة وعبد ال بن عباس رضي ال عنهم قال :لما نُزِلَ( )1برسول ال صلّى ال عليه وسلّم طفق
يطرح خميصمة( )3له على وجهمه فإذا اغتمم( )4كشفهما عمن وجهمه وهمو كذلك يقول” :لعنـة ال على اليهود
والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” يُحذرُ ما صنعوا(.)5
وعن عائشة رضي ال عنها أنهم تذاكروا عند رسول ال صلّى ال عليه وسلّم في مرضه فذكرت أمّ سلمة
وأم ّ حبيبة كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصوير ،فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم” :إن أولئك إذا كان فيهم
الرجـل الصـالح فمات بنوا على قـبره مسـجداً وصـوّروا فيـه تلك الصـور ،أولئك شرار الخلق عنـد ال يوم
القيامة”(.)6
وعن عائشة رضي ال عنها أيضاً قالت" :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم في مرضه الذي لم يقم منه:
”لعن ال اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” قالت :فلول ذلك لبرزوا قبره ,غير أني أخشى أن
يُتخذ مسجدا"(.)7
و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه عن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم أ نه قال” :ل تجعلوا بيوت كم قبورا ,ول
تجعلوا قبري عيدا ,وصلوا عليّ فإن صلتكم تبلغني حيث كنتم”(.)8
وعن أنس رضي ال عنه قال :لما ثقل النبي صلّى ال عليه وسلّم جعل يتغشاه ( ,)9فقالت فاطمة رضي ال
فقال لها” :ليس على أبيك كرب بعد اليوم” فلما مات قالت :يا أبتاه أجاب ربّا دعاه ,يا ()10
عنها :واكرب أباه
لبتاه من جنة الفردوس مأواه ,يا أبتاه إلى جبريل ننعاه( .)11فلما دُ فن قالت فاطمة رضي ال عنها :يا أنس!
أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول ال صلّى ال عليه وسلّم التراب”؟(.)12
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة ومنها:
نُزِل :أي لما حضرت المنية والوفاة .انظر :شرح السنوسي على صحيح مسلم بهامش البي ,2/425وفتح الباري .1/532 )(1
طفق :أي شرح وجعل ,انظر :شرح النووي ,5/16وشرح البي ,2/425حاشية السنوسي ,وفتح الباري .1/532 )(2
خميصة :كساء له أعلم. )(3
اغتم :تسخن بالخميصة وأخذ بنفسه من شدة الحرارة. )(4
البخاري مع الفتح 8/140برقم ,4444 ،4443ومسلم برقم .531 )(5
البخاري برقم 427و ,3878 ,1341 ,434ومسلم برقم .528 )(6
شيَ” ,وعند
البخاري برقم ,5815 ,4443 ,4441 ,3453 ,1390 ،1330 ,435ومسلم برقم 529ولفظ مسلم ”غير أنه خُ ِ )(7
شيَ”.
شيَ أو خُ ِ
البخاري برقم ” 1390غير أنه خَ ِ
أبو داود ,2/218وأحمد ,2/367وانظر صحيح أبي داود .1/383 )(8
يتعشاه :يغطيه ما اشتدّ به من مرض فيأخذ بنفسه ويغمه. )(9
لم ترفع صوتها رضي ال عنها بذلك ,وإل لنهاها صلّى ال عليه وسلّم .انظر :الفتح .8/149 )(10
ننعاهَ :نعَى الميت إذا أذاع موته وأخبر به. )(11
البخاري برقم .4462 )(12
1م ا ستحباب الرق ية بالقرآن ,وبالذكار ,وإن ما جاءت الرق ية بالمعوذات؛ لن ها جام عة لل ستعاذة من كل
المكروهات جملة وتفصيلً ,ففيها الستعاذة من شر ما خلق ال عز وجل ,فيدخل في ذلك كل شيء ,ومن شر
النفاثات في العقد ,ومن شر السواحر ,ومن شر الحاسدين ,ومن شر الوسواس الخناس(.)1
2م عنا ية ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم ببن ته فاط مة ومحب ته ل ها؛ ولهذا قال” :مرحبا بابن تي” و قد جاءت
الخبار أنها كانت إذا دخلت عليه قام إليها وقبّلها ,وأجلسها في مجلسه ,وإذا دخل عليها فعلت ذلك رضي ال
عنها ,فلما مرض دخلت عليه وأكتب عليه تقبله(.)2
3م يؤخذ من قصة فاطمة رضي ال عنها أنه ينبغي العناية بالبنات ,والعطف عليهن ,والحسان إليهن,
ورحمتهمن ,وتربيتهمن التربيمة السملمية ,اقتداء بالنمبي صملّى ال عليمه وسملّم ,وأن يختار لهما الزوج الصمالح
المناسب.
4م عناية الولد بالوالد كما فعلت فاطمة رضي ال عنها ,فيجب على الولد أن يحسن إلى والديه ,ويعتني
ببرهما ,ول يعقهما ,فيتعرض لعقوبة ال تعالى.
5م معجزة النبي صلّى ال عليه وسلّم التي تدل على صدقه وأنه رسول ال صلّى ال عليه وسلّم ,ومن
ذلك أنه أخبر أن فاطمة أول من يلحقه من أهله ,فكانت أول من مات من أهله بالتفاق.
6مم سمرور أهمل اليمان بالنتقال إلى الخرة ,وإيثارهمم حمب الخرة على الدنيما لحبهمم للقاء ال تعالى,
ولكنهمم ل يتمنون الموت لضمر نزل بهمم؛ لرغبتهمم فمي الكثار ممن العمال الصمالحة؛ لن النسمان إذا مات
انقطع عمله إل من ثلث كما بين النبي عليه الصلة والسلم.
7م المريض إذا قرب أجله ينبغي له أن يوصي أهله بالصبر؛ لقوله صلّى ال عليه وسلّم لفاطمة” :فاتقي
ال واصبري”.
8م فضل فاطمة رضي ال عنها وأنها سيدة نساء المؤمنين.
9م المرض إذا احتسب المسلم ثوابه ,فإنه يكفر الخطايا ,ويرفع الدرجات ,ويزاد به الحسنات ,وذلك عام
في السقام ,والمراض ومصائب الدنيا ,وهمومها وإن قلت مشقتها ,والنبياء عليهم الصلة والسلم هم أشد
الناس بلء ,ثم الم ثل فالمثال؛ لن هم مخ صوصون بكمال ال صبر والحت ساب ،ومعر فة أن ذلك نع مة من ال
تعالى لي تم ل هم الخ ير ويضا عف ل هم ال جر ,ويظ هر صبرهم ورضا هم ,ويُل حق بال نبياء المثال فالم ثل من
أتباعهم؛ لقربهم منهم وإن كانت درجتهم أقل ,السر في ذلك وال أعلم أن البلء في مقابلة النعمة ,فمن كانت
نعمة ال عليه أكثر كان بلؤه أشد؛ ولهذا ضوعف حد الحر على حد العبد ,وقال ال تعالى{ :يَا نِ سَا َء النّبِيّ
ض ْعفَيْنِ}( .)3والقوي يُحمّل ما حمل ,والضيبف يرفق به ,إل
ف َلهَا ا ْلعَذَابُ ِ
شةٍ مّبَيّ َنةٍ يُضَاعَ ْ
ح َ
مَن يَأْتِ مِنكُنّ ِبفَا ِ
انظر :شرح النووي ,14/433والبي .7/375 )(1
انظر :فتح الباري .136 ,8/135 )(2
سورة الحزاب ،الية ,30 :وانظر :شرح النووي ,5/14 ,366 ,365 ,16/238والبي .8/326 )(3
أ نه كل ما قو يت المعر فة هان البلء ,ومن هم من ين ظر إلى أ جر البلء فيهون عل يه البلء ,وأعلى من ذلك من
يرى أن هذا تصرف المالك في ملكه فيسلم ويرضى ول يعترض(.)1
10م التحذير من بناء المساجد على القبور ومن إدخال القبور والصور في المساجد ,ولعن من فعل ذلك,
وأنه من شرار الخلق عند ال تعالى يوم القيامة ,وهذا من أعظم الوصايا التي أوصى بها رسول ال صلّى ال
عليه وسلّم قبل موته بخمسة أيام(.)2
المبحث التاسع :وصايا النبي صلّى ال عليه وسلّم عند موته
عن ابن عباس رضي عنهما قال :يوم الخميس وما يوم الخميس( )3اشتد برسول ال صلّى ال عل يه وسلّم
وجعه فقال” :ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا” فتنازعوا ول ينبغي عند نبي التنازع [فقال بعضهم:
إن رسمول ال صملّى ال عليمه وسملّم قمد غلبمه الوجمع وعندكمم القرآن حسمبنا كتاب ال[ ],فاختلف أهمل البيمت
واختصموا فمنهم من يقول :قرّبوا يكتب لكم كتابا ل تضلوا بعده ,ومنهم من يقوم غير ذلك ,فلما أكثروا اللغو
والختلف قال ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم[" :قوموا] و في روا ية” :دعو ني فالذي أ نا ف يه خ ير( )4م ما
تدعون ني إل يه] أو صيكم بثلث :أخرجوا المشرك ين من جزيرة العرب ,وأجيزوا الو فد بن حو ما ك نت أجيز هم
به”( )5و سكت عن الثال ثة أو قال فأن سيتها"( )6قال ا بن ح جر رح مه ال تعالى" :وأو صاهم بثلث" أي في تلك
الحالة ,وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتبه صلّى ال عليه وسلّم لم يكن أمرا متحتماً؛ لنه لو كان مما أُ مر
بتبليغه لم يتركه لوقوع اختلفهم ولعاقب ال من حال بي نه وبين تبليغه ,ولبلّغه لهم لفظا كما أوصاهم بإخراج
المشرك ين وغير ذلك ،وقد عاش بعد هذه المقالة أياما وحفظوا عنه أشياء لفظا فيحت مل أن يكون مجموعها ما
أراد أن يكتبه وال أعلم(.)7
انظر :فتح الباري ,8/136و ,10/112و .3/208 )(1
انظر :فتح الباري ,8/136و ,10/112و .3/208 )(2
يوم الخميس وما يوم الخميس؛ معناه :تفخيم أمره في الشدة والمكروه ,والتعجب منه ,وفي رواية في أواخر كتاب الجهاد عند )(3
البخاري” :ثم بكى حتى خضب دمعه الحصى” .وفي رواية لمسلم” :ثم جعلت تسيل دموعه حتى رأيتها على خديه ”...انظر:
فتح الباري ،8/132وشرح النووي على صحيح مسلم.
المعنى :دعوني من النزاع والختلف الذي شرعتم فيه فالذي أنا فيه من مراقبة ال تعالى والتأهب للقائه ,والفكر في ذلك )(4
خير مما أنتم فيه ,أو فالذي أعانيه من كرامة ال تعالى الذي أعدها لي بعد فراق الدنيا خير مما أنا فيه من الحياة ..وقبل غير
ذلك .انظر :فتح الباري ,8/134وشرح النووي.
وأجيزوا الوفد :أي أعطوهم ,والجائزة العطية ,وهذا أمر منه صلّى ال عليه وسلّم بإجازة الوفود وضيافتهم وإكرامهم تطييبا )(5
لنفوسهم وترغيبا لغيرهم من المؤلفة قلوبهم ونحوهم ,وإعانة لهم على سفرهم .انظر :فتح الباري 7/135وشرح النووي.
البخاري برقم ,4432 ,4431ومسلم برقم .1637 )(6
فتح الباري .8/134 )(7
والوصية الثالثة في هذا الحديث يحتمل أن تكون الوصية بالقرآن ,أو الوصية بتنفيذ جيش أسامة رضي ال
عنه .أو الوصية بالصلة وما ملكت اليمان ,أو الوصية وما ملكت اليمان ،أو الوصية بأن ل يتخذ قبره صلّى
ال عليه وسلّم وثنا يُعبد من دون ال ,وقد ثبتت هذه الوصايا عنه صلّى ال عليه وسلّم(.)1
وعن عبد ال بن أبي أوْفَى رضي ال عنه أنه سئل هل أوصى رسول ال صلّى ال عليه وسلّم؟ ...قال:
”أو صى بكتاب ال عز و جل”( .)2والمراد بالو صية بكتاب ال :حف ظه ح سّا ومع نى ,فيكرم وي صان ,ويت بع ما
فيه :فيعمل بأوامره ,ويجتنب نواهيه ,ويداوم على تلوته وتعلمه وتعليمه ونحو ذلك(.)3
وأمر عليه الصلة والسلم وأوصى بإنفاذ جيش أسامة رضي ال عنه ,وقد ذكر ابن حجر رحمه ال تعالى
أ نه كان تجه يز ج يش أ سامة يوم ال سبت ق بل موت ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم بيوم ين ,وكان ابتداء ذلك ق بل
مرض النمبي صملّى ال عليمه وسملّم ,فندب الناس لغزو الروم فمي آخمر صمفر ,ودعما أسمامة وقال” :سـر إلى
موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل ,فقد وليتك هذا الجيش ”...فبدأ برسول ال صلّى ال عليه وسلّم وجعه في
اليوم الثالث فع قد ل سامة لواء بيده فأخذه أ سامة ,وكان م من انتدب مع أ سامة كبار المهاجر ين والن صار ,ثم
اشتد برسول ال صلّى ال عليه وسلّم وجعه فقال” :أنفذوا جيش أسامة” فجهزه أبو بكر بعد أن استخلف فسار
عشرين ليلة إلى الجهة التي أمر بها ,وقتل قاتل أبيه ورجع الجيش سالما وقد غنموا.)4(”..
عن عبد الله بن عمر رضي ال عنه قال :بعث النبي صلّى ال عليه وسلّم بعثا وأم ّر عليهم أسامة بن زيد
فطعن بعض الناس في إمارته فقال النبي صلّى ال عليه وسلّم” :إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في
إمارة أبيه من قبل ,وايم ال إن كان لخليقا للمارة( )5وإن كان لمن أحب ّ الناس إلي ّ ,وإن ّ هذا لمن أح بّ
الناس إلي ّ بعده”( .)6وقد كان عُمْرُ أسامة رضي ال عنه حين توفي النبي صلّى ال عليه وسلّم ثمان عشر
سنة(.)7
وأوصي صلّى ال عليه وسلّم بالصلة وما مكلت اليمان ,فعن أنس رضي ال عنه قال :كانت عامة وصية
رسول ال صلّى ال عليه وسلّم حين حضره الموت” :الصلة الصلة وما ملكت أيمانكم” حتى جعل رسول
ال صلّى ال عليه وسلّم يغرغر صدره ول يكاد يفيض بها لسانه”(.)8
المرجع السابق .8/135 )(1
مسلم برقم ,1634البخاري برقم .5022 ,4460 ,2740 )(2
الفتح .9/67 )(3
انظر :فتح الباري ,8/152وسيرة ابن هشام .4/328 )(4
خليقاً :حقيقا بها .النووي .15/205 )(5
البخاري ,7/86برقم ,7187 ,6627 ,4469 ,4468 ,4250 ,3730ومسلم برقم .2426 )(6
انظر :شرح النووي على صحيح مسلم .15/205 )(7
أحمد بلفظه ,3/117وإسناده صحيح ,ورواه ابن ماجه ,2/900وانظر صحيح ابن ماجه .2/109 )(8
و عن علي ر ضي ال ع نه قال :كان آ خر كلم ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم” :ال صلة ال صلة و ما مل كت
أيمانكم”(.)1
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة ومنها:
1م وجوب إخراج المشركين من جزيرة العرب؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلّم أوصى بذلك عند موته,
وقد أخرجهم عمر رضي ال عنه في بداية خلفته ,أما أبو بكر فقد انشغل بحروب الردة.
2م إكرام الوفود وإعطاؤهم ضيافتهم كما كان النبي عليه الصلة والسلم يفعل؛ لن النبي صلّى ال عليه
وسلّم أوصى بذلك.
3م وجوب العنا ية بكتاب ال ح سّا ومع نى :فيكرم ,وي صان ,ويت بع ما ف يه في فيع مل بأوامره ويجت نب
نواه يه ,ويداوم على تلو ته ,وتعل مه وتعلي مه ون حو ذلك؛ لن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم أو صى به في عدة
مناسبات ,فدل ذلك على أهميته أهمية بالغة مع سنة النبي صلّى ال عليه وسلّم.
4م أهمية الصلة؛ لنها أعظم أركان السلم بعد الشهادتين؛ ولهذا أوصى بها النبي صلّى ال عليه وسلّم
عند موته أثناء الغرغرة.
5م القيام بحقوق الممال يك والخدم و من كان ت حت الول ية؛ لن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم أو صى بذلك
فقال” :الصلة الصلة وما ملكت أيمانكم”.
6مم فضمل أسمامة بن زيمد حيمث أمّره النمبي صملّى ال عليمه وسملّم على جيمش عظيمم فيمه الكثيمر ممن
المهاجرين والنصار ,وأوصى بإنفاذ جيشه(.)2
7م فضل أبي بكر حيث أنفذ وصية رسول ال صلّى ال عليه وسلّم في جيش أسامة فبعثه؛ لقوله تعالى:
ب أَلِيمٌ}(.)3
ن َأمْرِ ِه أَن تُصِي َب ُهمْ فِتْ َن ٌة َأوْ يُصِي َب ُهمْ عَذَا ٌ
ن ُيخَا ِلفُونَ عَ ْ
{فَلْ َيحْذَ ِر الّذِي َ
المبحث العاشر :اختياره صلّى ال عليه وسلّم الرفيق العلى
عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت :ك نت أ سمع أ نه ل يموت نبي ح تى يخي ّر ب ين الدن يا والخرة ,ف سمعت
ن أَنْعَمَ اللّ ُه عَلَ ْيهِم
النبي صلّى ال عليه وسلّم في مرضه الذي مات فيه وأخذته بُحّ ٌة([ )4شديدة] يقول{ :مَ َع الّذِي َ
حسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا}( )5قالت فظننته خير حينئذ(.)6
ن َو َ
شهَدَاء وَالصّا ِلحِي َ
مّنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَال ّ
أخرجه ابن ماجه ,2/901وأحمد برقم ,585وانظر :صحيح ابن ماجه .2/109 )(1
انظر :فتح الباري 135 - 8/134و .9/67 )(2
سورة النور ،الية.63 : )(3
البُحةُ :غِلظٌ في الصوت .انظر :شرح النووي .15/219 )(4
سورة النساء ،الية.69 : )(5
البخاري برقم ,6509 ,6348 ،4586 ,4463 ,4437 ,4436ومسلم برقم .2444 )(6
وفي رواية عنها رضي ال عنها أنها قالت :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلّم وهو صحيح يقول” :إنه
()1
لم يقبض نبي قط حتى يُرى مقعده من الجنة ثم يخي ّر” قالت :فلما نزل برسول ال صلّى ال عليه وسلّم
ورأسه على فخذي غُشِيَ عليه ساعة ثم أفاق فأشخص بصرهُ إلى السقف ثم قال” :اللهم في الرفيق العلى”
فقلت :إذاً ل يختارنا ,وعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح ,قالت :فكان آخر كلمة تكلم بها رسول
ال صلّى ال عليه وسلّم” :اللهم مع الرفيق العلى”( .)2وقالت رضي ال عنها :سمعت النبي صلّى ال عليه
و سلّم و هو م سند إلي ّ ظهره يقول” :الل هم اغ فر لي وارحم ني ,وألحق ني بالرف يق العلى”( )3وكان صلّى ال
عل يه و سلّم مت صل بر به وراغباً في ما عنده ,ومحبّا للقائه ,ومحبّا ل ما يح به سبحانه ,و من ذلك ال سواك؛ ل نه
مطهرة لل فم مرضاة للرب ،ف عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت" :إن من ن عم ال علي ّ أن ر سول ال صلّى ال
عليه وسلّم توفي في بيتي ,وفي يومي ,وبين سحري( ,)4ونحري( ،)5وأن ال جمع بين ريقي وريقه عند موته,
()6
دخل عليّ عبد الرحمن [بن أبي بكر] وبيده السواك وأنا مسندة رسول ال صلّى ال عليه وسلّم [إلى صدري]
فرأي ته ين ظر إل يه وعر فت أ نه ي حب ال سواك ,فقلت :آخذه لك؟ ”فأشار برأ سه أن ن عم” فتناول ته فاش تد عل يه,
وقل تُ أُليّ نه لك؟ ”فأشار برأ سه أن ن عم” فلين ته [و في روا ية :فق صمته ,ثم مضغ ته([ )7و في روا ية فقضم ته
ثم دفعته إلى النبي صلّى ال عليه وسلّم فاستنّ به( )9فما رأيت رسول ال صلّى ال عليه ()8
ونفضته وطيبته
في ها ماء ,فج عل يد خل يده في الماء ()12
أو عل بة ()11
وب ين يد يه ركوة ()10
و سلّم ا ستن ا ستناناً قَ طْ أح سن م نه]
فيمسح بها وجهه ويقول” :ل إله إل ال إن للموت سكرات” ثم نصب يده فجعل يقول” :في الرفيق العلى”
صلّى ال عليه وسلّم. ()13
حتى قبض ومالت يده"
وفي البخاري ”فلما اشتكى وحضره القبض” رقم .4437 )(1
البخاري برقم 4463 ,4437ومسلم .2444 )(2
البخاري برقم .5664 ,4440 )(3
سحري :هو الصدر ,وهو في الصل :الرئة وما تعلق بها .الفتح ,8/139والنووي .15/218 )(4
ونحري :النحر هو موضع النحر .الفتح .8/139 )(5
في البخاري رقم .4438 )(6
في البخاري برقم .980 )(7
طيبته :بالماء ,ويتحمل أن يكون تطييبه تأكيداً للينه ,الفتح .8/139 )(8
أي استاك به وأمره على أسنانه. )(9
في البخاري برقم .4438 )(10
الركوة :إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء .انظر :النهاية في غريب الحديث .2/260 )(11
شك بعض الرواة وهو عمر ,انظر :الفتح .8/144 )(12
البخاري ,2/377برقم ,890وأخرجه البخاري في تسعة مواضع ,انظر ,2/377 :ومسلم برقم .2444 )(13
وقالت عائشة رضي ال عنها :مات النبي صلّى ال عليه وسلّم وإنه لبين حاقنتي( )1وذاقنتي( ,)2فل أكره شدة
الموت لحد أبداً بعد النبي صلّى ال عليه وسلّم(.)3
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة ,ومنها:
1م إن الرفيق العلى :هم الجماعة المذكورون في قوله تعالىَ { :ومَن ُيطِ عِ اللّ هَ وَالرّ سُولَ َفُأوْلَـ ِئكَ مَ عَ
ن َوحَ سُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا}( )4فالصحيح الذي
شهَدَاء وَال صّا ِلحِي َ
الّذِي نَ أَ ْنعَ مَ اللّ هُ عَلَ ْيهِم مّ نَ النّبِيّي نَ وَال صّدّيقِينَ وَال ّ
عل يه جمهور أ هل العلم أن المراد بالرف يق العلى هم ال نبياء ال ساكنون أعلى علي ين .ولف ظة رف يق تطلق على
حسُنَ أُولَـ ِئكَ رَفِيقًا}(.)5
الواحد والجمع؛ لقوله تعالىَ { :و َ
2م إن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم اختار الرف يق العلى ح ين خُيّ ر حبّا للقاء ال تعالى ,ثم حبّا للرف يق
العلى ،وهو الذي يقول صلّى ال عليه وسلّم” :من أحب لقاء ال أحب الله لقاءه”(.)6
3م فضل عائشة رضي ال عنها حيث نقلت العلم الكثير عنه صلّى ال عليه وسلّم ,وقامت بخدمته حتى
مات بين سحرها ونحرها؛ ولهذا قالت” :إن من نعم ال علي ّ أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم توفي في
بيتي وفي يومي ,وبين سحري ونحري”.
4م عنا ية ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم بال سواك ح تى و هو في أ شد سكرات الموت ,وهذا يدل على تأ كد
استحباب السواك؛ لنه مطهرة للفم مرضاة للرب.
5م قول ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم في سكرات الموت” :ل إله ال إن للموت سكرات” و هو الذي قد
ح قق ل إله إل ال ,يدل على تأكّدِ استحبابها والعناية بها والكثار من قولها وخاصة في مرض الموت؛ لن
”من كان آخر كلمه ل إله إل ال دخل الجنة”.
6م حرص النبي صلّى ال عليه وسلّم على مرافقة النبياء ودعاؤه بذلك يدل على أن المسلم ينبغي له أن
يسأل ال تعالى أن يجمعه بهؤلء بعد الموت في جنات النعيم ,اللهم اجعلنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
7م شدة الموت وسكراته العظيمة للنبي صلّى ال عليه وسلّم وقد غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر,
فما بالنا بغيره.
المبحث الحادي عشر :موت النبي صلّى ال عليه وسلّم شهيدا
الحاقنة :ما سفل من الذقن وقيل غير ذلك ,الفتح .8/139 )(1
والذاقنة :ما عل من الذقن وقيل غير ذلك ,الفتح ,8/139والحاصل أن ما بين الحاقنة والذاقنة :هو ما بين السحر والنحر, )(2
والمراد أنه مات ورأسه بين حنكها وصدرها .الفتح .8/139
البخاري برقم , 4446ومسلم برقم .2443 )(3
سورة النساء ،الية.69 : )(4
انظر :فتح الباري ,8/138وشرح النووي .15/219 )(5
البخاري برقم ,6507ومسلم برقم .2683 )(6
عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت" :كان ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم يقول في مر ضه الذي مات ف يه ” :يا
عائشة ما أزال أجد ألم الطعام( )1الذي أكلت بخيبر( ,)2فهذا أوان وجدت انقطاع أبْهَري( )3من ذلك السم”(.)4
وقد عاش صلّى ال عليه وسلّم بعد أكله من الشاة المسمومة بخيبر ثلث سنين حتى كان وجعه الذي قُبض
فيه( )5وقد ذُ ِكرَ أن المرأة التي أعطته الشاة المسمومة أسلمت حينما قالت :من أخبرك؛ فأخبر صلّى ال عليه
ل ثم قتلها بعد ذلك
وسلّم أن الشاة المسمومة أخبرته ,وأسلمت وعفى عنها رسول ال صلّى ال عليه وسلّم أو ً
قصاصا ببشر بن البراءة بعد أن مات رضي ال عنه( )6وقد ثبت الحديث متصلً أن سبب موته صلّى ال عليه
و سلّم هو ال سم ,ف عن أ بي سلمة قال :كان ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم يق بل ول يأ كل ال صدقة فأهدت له
يهودية بخيبر شاة مصلية سمّتها ,فأكل رسول ال صلّى ال عليه وسلّم منها وأكل القول فقال” :ارفعوا أيديكم
فإنها أخبرتني أنها مسمومة” فمات بشر بن البراء معرور النصاري ,فأرسل إلى اليهودية” :ما حملك على
الذي صـنعت”؟ قالت :إن كنمت نمبيّا لم يضرك الذي صمنعت ,وإن كنمت ملكا أرحمت الناس منمك ”فأمـر بهـا
رسول ال صلّى ال عليه وسلّم فقتلت” ثم قال في وجعه الذي مات فيه” :ما زلت أجد من الكلة التي أكلت
بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري”( .)7وقالت أم بشر للنبي صلّى ال عليه وسلّم في مرضه الذي مات فيه :ما
يتهم بك يا رسول ال؟ فإني ل أتهم بابني إل الشاة المسمومة التي أكل معك بخيبر .وقال النبي صلّى ال عليه
وسلّم” :وأنا ل أنهم بنفسي إل ذلك فهذا أوان انقطاع أبهري”(.)8
وقمد جزم ابمن كثيمر رحممه ال تعالى أن النمبي صملّى ال عليمه وسملّم مات شهيداً( ,)9ونقمل” :وإن كان
المسلمون ليرون أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم مات شهيداً مع ما أكرمه ال به من النبوة”( .)10وقال
ما أزال أجد ألم لطعام :أي أحس اللم في جوفي بسبب الطعام .الفتح .8/131 )(1
وذلك أنه عندما فتح خيبر أُهديت له صلّى ال عليه وسلّم شاة مشوية فيها سم ,وكانت المرأة اليهودية سألت :أي عضو من )(2
الشاة أحب إليه؟ فقيل لها الذراع فأكثرت فيها من السم ,فلما تناول الذراع لك منها مضغة ولم يسغها ,وأكل معه بشر بن البراء
فأساع لقمته ,ومات منها ,وقال لصحابه :أمسكوا عنها فإنها مسمومة ,وقال لها :ما حملك على ذلك؟ فقالت :أردت إن كنت نبيّا
فيطلعك ال ,وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك ...انظر :فتح الباري ,7/197والقصة في البخاري برقم ,3169و ,4249
,5777والبداية والنهاية لبن كثير .4/208
البهر عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه .الفتح .8/131 )(3
البخاري مع الفتح 8/131برقم 4428وقد وصله الحاكم والسماعيلي .انظر :الفتح .8/131 )(4
انظر :الفتح 8/131فقد ساق آثارا موصولة عند الحاكم وابن سعد .الفتح .8/131 )(5
انظر :التفصيل في ففتح الباري ,7/497والبداية والنهاية لبن كثير .212 -4/208 )(6
أبو داود برقم ,4512وقال اللباني :حسن صحيح .انظر :صحيح سنن أبي داود .3/855 )(7
أبو داود برقم 4513وصحح إسناده اللباني .انظر :صحيح سنن أبي داود .3/855 )(8
انظر :البداية والنهاية 4/210و 211و 212 – 4/210و .244 – 5/223 )(9
انظر :المرجع السابق .4/211 )(10
ا بن م سعود ر ضي ال ع نه" :لئن أحلف ت سعاً أن ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم ق تل قتلً أ حب إلي من أن
أحلف واحدة أنه لم يقتل ,وذلك؛ لن ال اتخذه نبيّا واتخذه شهيداً”(.)1
وعن أنس رضي ال عنه أن أبا بكر رضي ال عنه كان يصلي بهم في وجع النبي صلّى ال عليه وسلّم
الذي توفي فيه حتى إذا كلن يوم الثنين وهم صفوف [في صلة الفجر] ففجأهم النبي صلّى ال عليه وسلّم وقد
ثم ()2
كشف سِترَ حجرةِ عائشة رضي ال عنها [وهم في صفوف الصلة] وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف
تبسم رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يضحك [وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلتهم فرحا] [برؤية رسول ال
صلّى ال عليه وسلّم] [فنكص( )3أبو بكر رضي ال عنه على عقبيه ليصل الصف ,وظن ّ أن رسول ال صلّى
ال عل يه و سلّم خارج إلى ال صلة] [فأشار إلي هم ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم [بيده] أن أتموا صلتكم [ ثم
دخل رسول ال صلّى ال عليه وسلّم] [الحجرة] وأرخى الستر فتوفي رسول ال صلّى ال عليه وسلّم من يومه
ذلك.
و في روا ية[ :وتو في من آ خر ذلك اليوم]( .)4و في روا ية[ :لم يخرج ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم ثلثا](.)5
فأقيمت الصلة فذهب أبو بكر يتقدم ,فقال نبي ال صلّى ال عليه وسلّم بالحجاب فرفعه فلما وضح وجه النبي
صلّى ال عل يه وسلّم ما نظرنا منظرا كان أع جب إلينا من و جه النبي صلّى ال عل يه وسلّم ح ين وضح ل نا,
فأو مأ ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم بيده إلى أ بي ب كر أن يتقدم وأر خى ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم الحجاب فلم
يُقدر عليه حتى مات(.)6
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة ,ومنها:
1م موت النبي صلّى ال عليه وسلّم وانتقاله إلى الرفيق العلى شهيداً؛ لن ال اتخذه نبيّا واتخذه شهيداً
صلّى ال عليه وسلّم.
2م عداوة اليهود للسلم وأهله ظاهرة من قديم الزمان فهم أعداء ال ورسله.
3م عدم انتقام ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم لنف سه ,بل يع فو وي صفح؛ ولهذا لم يعا قب من سم ّت الشاة
المصلية ,ولكنها قُتِلتْ بعد ذلك قصاصاً ببشر بن البراء بعد أن مات بِصُنعها.
ذكره ابن كثير وعزاه بإسناده إلى البيهقي .انظر :البداية والنهاية .5/227 )(1
كأن وجهه ورقة مصحف :عبارة وكناية عن الجمال البارع وحسن البشرة وصفاء الوجه واستنارته .شرح البي على )(2
صحيح مسلم .2/310
فنكص على عقبيه :أي رجع القهقرى فتأخر ,لظنه أن النبي صلّى ال عليه وسلّم خرج ليصلي بالناس ,الفتح .2/165 )(3
وقد ذكر ابن إسحاق أنه صلّى ال عليه وسلّم مات حين اشتد الضحى ,ويجمع بينهما بأن إطلق الخير بمعنى :ابتداء الدخول )(4
في أول النصف الثاني من النهار وذلك عند الزوال واشتداد الضحي يقع قبل الزوال ويستمر حتى يتحقق زوال الشمس ,وقد جزم
موسى بن عقبة عن ابن شهاب بأنه صلّى ال عليه وسلّم مات حين زاغت الشمس .الفتح .144- 8/143
ابتداء من صلته بهم قاعد الخميس كما تقدم .انظر :فتح الباري ,2/165والبداية .5/235 )(5
البخاري برقم ,4448 ,1205 ,754 ,681 ,608ومسلم برقم 419واللفاظ مقتبسة من جميع المواضع ,وانظر :مختصر )(6
صحيح المام البخاري لللباني 1/174برقم .374
4م معجزة من معجزاته صلّى ال عليه وسلّم وهي أن لحم الشاة المصلية نطق وأخبر النبي صلّى ال
عليه وسلّم أنه مسموم.
5م ف ضل ال تعالى على عباده أ نه لم يق بض نبيهم إل ب عد أن أك مل به الد ين وترك أم ته على المح جة
البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك.
6م مح بة ال صحابة ر ضي ال عن هم ل نبيهم صلّى ال عل يه و سلّم ح تى أن هم فرحوا فرحا عظيما عند ما
كشف الستر في صباح يوم الثنين وهو ينظر إليهم وصلتهم فأدخل ال بذلك السرور في قلبه صلّى ال عليه
وسلّم؛ لنه ناصح لمته يحب لهم الخير؛ ولهذا ابتسم وهو في شدة المرض فرحا وسرورا بعملهم المبارك.
المبحث الثاني عشر :من يعبد ال فإن ال حي ل يموت
ك ا ْلخُلْدَ أَفَإِن مّتّ َفهُ مُ ا ْلخَالِدُو نَ}(.)2
جعَلْنَا لِ َبشَ ٍر مّن قَبِْل َ
قال ال تعالى{ :إِنّ كَ مَيّ تٌ َوإِ ّنهُم مّيّتُو نَ}(َ { .)1ومَا َ
خلَ ا ْلجَ ّنةَ َفقَدْ فَازَ وَ ما
ن النّا ِر َوأُدْ ِ
ن ُأجُو َركُ مْ َيوْ مَ ا ْلقِيَا َمةِ فَمَن ُزحْزِ حَ عَ ِ
ت َوإِنّمَا ُتوَ ّفوْ َ
{ ُكلّ َنفْ سٍ ذَآ ِئ َقةُ ا ْل َموْ ِ
ك ذُو ا ْلجَللِ وَا ِلكْرَامِ}(.)4
جهُ رَبّ َ
ن عَلَ ْيهَا فَانٍ ،وَيَبْقَى َو ْ
ع ا ْلغُرُورِ}(ُ { .)3كلّ مَ ْ
ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا ِإلّ مَتَا ُ
مات مح مد بن ع بد ال أف ضل ال نبياء والمر سلين صلّى ال عل يه و سلّم وكان آ خر كل مة تكلم ب ها ع ند
الغرغرة كما قالت عائشة رضي ال عنها :أنه كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء ,فجعل يدخل يده صلّى ال
عل يه و سلّم في الماء فيم سح ب ها وج هه ويقول” :ل إله إل ال إن للموت سكرات” ثم ن صب يده فج عل يقول:
”في الرفيق العلى” حتى قبض ومالت يده( .)5فكان آخر كلمة تكلم بها” :اللهم في الرفيق العلى”(.)6
وعن عائشة رضي ال عنها زوج النبي صلّى ال عليه وسلّم أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم مات وأبو
بكر بالسّنح( )7فقام عمر يقول :وال ما مات رسول ال صلّى ال عليه وسلّم .قالت :وقال :وال ما كان يقع في
نفسمي إل ذاك ,وليبعثن ّه ال فلقطمع أيدي رجال وأرجلهمم( ,)8فجاء أبمو بكمر رضمي ال عنمه [على فرسمه ممن
مسكنه بالسّنْح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي ال عنها فتي مم( )9رسول
سورة الزمر ,الية.30 : )(1
سورة النبياء ,الية.34 : )(2
سورة آل عمران ,الية.185 : )(3
سورة الرحمن ,اليتان.27 ,26 : )(4
البخاري برقم 890وما بعدها من المواضع ,ومسلم .2444 )(5
البخاري برقم ,463 ,4437ومسلم .2444 )(6
السّنح :العالية وهو مسكن زوجة أبي بكر رضي ال عنه وهو منازل بني الحارث من الخزرج بيته وبين المسجد النبوي )(7
ميل .الفتح 8/145و .29 ,7/19
أي يبعثه في الدنيا ليقطع أيدي القائلين بموته .انظر :الفتح .7/29 )(8
أي قصد .الفتح .3/115 )(9
ال صلّى ال عليه وسلّم وهو مغشّى بثوب حِبرة( )1فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله([ )2ثم بكى] فقال :بأبي
أنت وأمي [يا نبي ال] [طبت حيّا وميتًا والذي نفسي بيده] [ل يجمع ال عليك موتتين]([ )3أبداً] [أما الموتة التي
كُت بت عل يك قد ُمتّ ها] [ ثم] [خرج وع مر ر ضي ال ع نه يكلم الناس فقال[ :أي ها الحالف على ر سلك] [اجلس]
[فأبى فقال :اجلس فأبى] [فتشهد أبو بكر] [فلما تكلم أبو بكر جلس عمر] [ومال إليه الناس وتركوا عمر] [فحمد
ال أبو بكر وأثنى عليه] وقال[ :أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا صلّى ال عليه وسلّم فإن محمدا قد مات,
حمّدٌ ِإلّ
ت َوإِنّهُم مّيّتُو نَ}( )4وقال{ :وَمَا ُم َ
و من كان يع بد ال فإن ال حيّ ل يموت ,وقال ال تعالى{ :إِنّ كَ مَيّ ٌ
عقِبَيْ هِ فَلَن يَضُ ّر اللّ هَ
عقَا ِبكُ مْ َومَن يَنقَلِ بْ عَ َلىَ َ
علَى أَ ْ
ت َأوْ قُ ِت َل انقَلَبْتُ مْ َ
سلُ أَفَإِن مّا َ
ت مِن قَبْلِ هِ الرّ ُ
رَ سُولٌ قَدْ خَلَ ْ
شَيْئًا وَ سَ َيجْزِي اللّ ُه الشّاكِرِي نَ}([ )5فوا ل لكأن الناس لم يكونوا يعلموا أن ال أنزل هذه ال ية ح تى تل ها أ بو
بكر رضي ال عنه فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمع بشراً من الناس إل يتلوها [وأخبر سعيد بن المسيب] [أن
عمر قال :وال ما هو إل أن سمعت أبا بكر تلها فعقرت( )6حتى ما تقلني رجلي وحتى أهويت إلى الرض
حيمن سممعته تلهما علممت أن النمبي صملّى ال عليمه وسملّم قمد مات] [قال :ونشمج الناس( )7يبكون ,واجتمعمت
النصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا :من ّا أمير ومنكم أمير( ,)8فذهب إليهم أبو بكر وعمر
بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ,فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر ,وكان عمر يقول :وال ما أردت بذلك
إل أ ني قد هيّأت كلما قد أعجب ني خش يت أن ل يبل غه أ بو ب كر .ثم تكلم أ بو ب كر فتكلم أبلغ الناس فقال في
كل مه :ن حن المراء وأن تم الوزراء ,فقال حباب بن المنذر :ل وال ل نف عل من ّا أم ير ومن كم أم ير ,فقال أ بو
بكر :ل ولكنا المراء وأنتم الوزراء ,هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا( )9فبايعوا عمر أو أبا عبيدة فقال
وفي رواية للبخاري :وهو مسجّى ببرد حبرة .البخاري برقم ,1241ومعنى مغشى ومسجى أي مغطى ,وبرد حبرة :نوع )(1
من برود اليمن مخططة غالية الثمن .الفتح .3/115
أي قبله بين عينيه كما ترجم له النسائي .انظر :الفتح ,3/115وانظر :ما نقله ابن حجر من الروايات في أنه قبل جبهته. )(2
الفتح .8/147
قوله :ل يجمع ال عليك موتتين :فيه أقوال :قيل هو على حقيقته وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي )(3
رجال..؛ لنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى ..وهذا أوضح الجوبة وأسلمها ,وقيل أراد ل يموت موته أخرى في القبر
كغيره إذ يحيا ليسئل ثم يموت ,وهذا أحسن من الذي قبله؛ لن حياته صلّى ال عليه وسلّم ل يعقبها موت بل يستمر حيّا والنبياء
حياتهم برزخية ل تأكل أجسادهم الرض ,ولعل هذا هو الحكمة في تعريف الموتتين ...أي المعروفتين المشهورتين الواقعتين
لكل أحد غير النبياء .انظر :فتح الباري 3/114و .7/29
سورة الزمر ،الية.30 : )(4
سورة آل عمران ,الية.144 : )(5
عقِرت :دهشت وتحيرت ,أما بضم العين فالمعنى هلكت .الفتح .8/146 )(6
نشج الناس :بكوا بغير انتحاب ,والنشج ما يحصل للباكي من الغصة .انظر :الفتح .7/30 )(7
إنما قالت النصار رضي ال عنهم :منا أمير ومنكم أمير على ما عرفوه من عادة العرب أنه ل يتأمر على القبيلة إل من )(8
يكون منها فلما سمعوا حديث الئمة من قريش رجعوا إلى ذلك وأذعنوا .الفتح .7/32
أي قريش .انظر :الفتح .7/30 )(9
عمر :بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلّم ,فأخذ عمر بيده فبايعه
وبايعه الناس ,فقال قائل :قتلتم سعد بن عبادة ,فقال عمر :قتله ال(.)1
قالت عائشة رضي ال عنها :في شأن خطبة أبي بكر وعمر في يوم موت النبي صلّى ال عليه وسلّم :فما
كان من خطبته ما من خط بة إل ن فع ال ب ها ,فل قد خوّف ع مر الناس وإن في هم لنفاقا فرد هم ال بذلك ,ثم ل قد
ت مِن
حمّدٌ ِإلّ رَ سُولٌ قَ ْد خَلَ ْ
ب صّر أ بو ب كر الناس الهُدى وعرّف هم الحق الذي علي هم وخرجوا به يتلون {وَمَا ُم َ
ضرّ اللّ َه شَيْئًا وَ سَ َيجْزِي اللّ هُ
عقِبَيْ هِ فَلَن يَ ُ
ب عَ َلىَ َ
عقَا ِبكُ مْ َومَن يَنقَلِ ْ
ت َأوْ قُ ِت َل انقَلَبْتُ مْ عَلَى أَ ْ
سلُ أَفَإِن مّا َ
قَبْلِ هِ الرّ ُ
الشّاكِرِينَ}( .)2وخطب عمر ثم أبو بكر يوم الثلثاء خطبة عظيمة مفيدة نفع ال بها والحمد ل.
قال أنس بن مالك رضي ال عنه :لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر ,وقام
ع مر فتكلم ق بل أ بي ب كر ,فح مد ال وأث نى عل يه ب ما هو أهله ,ثم قال :أي ها الناس إ ني ك نت قلت ل كم بال مس
ما كانت وما وجدتها في كتاب ال ,ول كانت عهدا عهدها إليّ رسول ال صلّى ال عليه وسلّم ,ولكني ()3
مقالة
كنت أرى أن رسول ال سيدبر أمرنا – يقول :يكون آخرنا – وإن ال قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسول
ال ,فإن اعت صمتم به هدا كم ال ل ما كان هداه ال له ,وإن ال قد ج مع أمر كم على خير كم صاحب ر سول ال
صلّى ال عليه وسلّم ,وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه ,فبايع الناس أبا بكر رضي ال عنه البيعة
العامة بعد بيعة السقيفة .ثم تكلم أبو بكر ,فحمد ال وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال” :أما بعد ,أيها الناس فإني
ول يت عليكمم ولسمت بخيركمم( )4فإن أحسمنت فأعينونمي ,وإن أسمأت فقوّمو ني ،الصمدق أمانمة ،والكذب خيانمة,
والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته( )5إن شاء ال ,والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء
ال ,ل يدع قوم الجهاد فمي سمبيل ال إل ضربهمم ال بالذل ,ول يشيمع قوم قمط الفاحشمة إل عمهمم ال بالبلء,
أطيعو ني ما أط عت ال ور سوله ,فإذا ع صيت ال ور سوله فل طا عة لي علي كم ,قوموا إلى صلتكم يرحم كم
ال”( )6ثم استمر المر لبي بكر والحمد ل.
و قد ُبعِ ثَ صلّى ال عل يه و سلّم فب قي بم كة يد عو إلى التوح يد ثلث عشرة سنة يُو حى إل يه ,ثم ها جر إلى
المدينة وبقي بها عشر سنين ,وتوفي وهو ابن ثلث وستين سنة صلى ال عليه وآله وسلم(.)7
البخاري برقم ,3/113 ,142 ,1141و 7/19 ,3668 ,3667و .8/145 ,4454 ,4453 ,4452وقد جمعت هذه اللفاظ )(1
من هذه المواضع لتكتمل القصة وأسأل ل أن يجعل ذلك صوابا.
البخاري برقم ,3671 ,3669والية من سورة آل عمران.144 , )(2
هي خطبته التي خطب يوم الثنين حينما قال :إن النبي صلّى ال عليه وسلّم لم يمت. )(3
وهذا من باب التواضع منه رضي ال عنه وإل فهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضي ال عنه .البداية والنهاية )(4
.5/248
والمعنى :الضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له وأنصره وأعينه. )(5
البداية والنهاية 5/248وساق سند بن إسحاق قال :حدثني الزهري ,حدثني أنس بن مالك قال :لما بويع أبو بكر ...الحديث. )(6
قال ابن كثير :وهذا إسناد صحيح .5/248
انظر :البخاري مع الفتح 8/15برقم ,4466وفتح الباري 8/151مختصر الشمائل للترمذي لللباني ص .192 )(7
ورجح المام ابن كثير رحمه ال تعالى أن آخر صلة صلها صلّى ال عليه وسلّم مع أصحابه رضي ال
عن هم هي صلة الظ هر يوم الخم يس ,و قد انق طع عن هم عل يه ال صلة وال سلم يوم الجم عة ,وال سبت ,وال حد،
وهذه ثلثة أيام كوامل(.)1
وب عد مو ته صلّى ال عل يه و سلّم وخط بة أ بي ب كر ر ضي ال ع نه دارت مشاورات – ك ما تقدم – وبا يع
الصحابة رضي ال عنهم أبا بكر في سقيفة بني ساعدة ,وانشغل الصحابة ببيعة الصديق بقية يوم الثنين ,ويوم
الثلثاء ,ثم شرعوا في تجهيز رسول ال صلّى ال عليه وسلّم( )2وغُسل من أعلى ثيابه ,وكفن في ثلثة أثواب
بيض سحولية ليس فيها قميص ول عمامة ,ثم صلى عليه الناس فرادى لم يؤمهم أحد ,وهذا أمر مجمع عليه:
صلى عل يه الرجال ,ثم ال صبيان ,ثم الن ساء ,والعب يد والماء ,وتو في يوم الثن ين على المشهور( ,)3ود فن ليلة
الربعاء ,أُلحد لحدا صلّى ال عليه وسلّم ونصب عليه اللبن نصبا( ,)4ورُفع قبره من الرض نحوا من شبر(,)5
وكان قبره صلّى ال عل يه و سلّم م سنما( ,)6و قد تواترت الخبار أ نه د فن في حجرة عائ شة ر ضي ال عن ها
شرقي مسجده صلّى ال عليه وسلّم في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة ,ووسع المسجد النبوي الوليد بن عبد
الملك عام 86ه م وقد كان نائبه بالمدينة عمر بن عبد العزيز فأمره بالتوسعة فوسعه حتى من ناحية الشرق
فدخلت الحجرة النبوية فيه(.)7
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة ،ومنها:
1م إن ال نبياء والر سل أ حب الخلق إلى ال تعالى و قد ماتوا؛ ل نه ل يب قى على و جه الكون أ حد من
المخلوقات ,وهذا يدل على أن الدن يا متاع زائل ,ومتاع الغرور الذي ل يدوم ,ل يب قى للن سان من تع به وماله
إل ما كان يبتغي به وجه ال تعالى ,وما عدا ذلك يكون هباءً منثورا.
2مم حرص النمبي صملّى ال عليمه وسملّم أن يكون ممع الرفيمق العلى؛ ولهذا سمأل ال تعالى ذلك مرات
متعددة ،وهذا يدل على عظم هذه المنازل لنبيائه وأهل طاعته.
3م ا ستحباب تغط ية الم يت ب عد تغم يض عين يه ,و شد لحي يه؛ ولهذا سجّي وغ طي ال نبي صلّى ال عل يه
وسلّم بثوب حبرة.
انظر :البداية والنهاية لبن كثير.5/235 , )(1
انظر :المرجع السابق .5/245 )(2
توفي صلّى ال عليه وسلّم سنة إحدى عشرة للهجرة في ربيع الول يوم الثنين ,أما تاريخ اليوم فقد اختلف فيه :فقيل لليلتين )(3
خلتا من ربيع الول ,وقيل لليلة خلت منه ,وقيل غير ذلك ,وقيل مرض في التاسع والعشرين من شهر صفر ,وتوفي يوم الثنين
في الثاني عشر من ربيع الول سنة إحدى عشرة من الهجرة ,فكان مرضه ثلثة عشر يوما ,وهذا قول الكثر .انظر :البداية
والنهاية لبن كثير ,256 – 5/255وتهذيب السير للنووي ص ,25وفتح الباري .130-8/129
مسلم برقم .966 )(4
ابن حبان في صحيحه ،14/602وقال الرنؤوط :إسناده صحيح. )(5
كما قال سفيان التمار في البخاري مع الفتح .30/255 )(6
انظر :البداية والنهاية ،273-5/271وفتح الباري .130-8/129 )(7
4م الدعاء للم يت ب عد مو ته؛ لن الملئ كة يؤمنون على ذلك؛ ولهذا قال أ بو ب كر ر ضي ال ع نه لل نبي
صلّى ال عليه وسلّم” :طبت حيّا وميتا”.
5م إذا أ صيب الم سلم بم صيبة فلي قل” :إ نا ل وإ نا إل يه راجعون ,الل هم أجر ني في م صيبتي واخلف لي
خيرا منها”.
6م جواز البكاء بالدمع والحزن بالقلب.
7مم النهمي عمن النياحمة وشمق الجيوب وحلق الشعمر ونتفمه والدعاء بدعوى الجاهليمة وكمل ذلك معلوم
تحريمه بالدلة الصحيحة.
8م إن الر جل وإن كان عظيما قد يفو ته ب عض الش يء ويكون ال صواب مع غيره ,و قد يخ طئ سهوا
ونسيانا.
9م فضل أبي أبو بكر وعلمه وفقهه؛ ولهذا قال” :من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ,ومن كان يعبد
ال فإن ال حي ل يموت”.
10م أدب عمر رضي ال عنه وأرضاه وحسن خلقه؛ ولهذا سكت عندما قام أبو بكر يخطب ولم يعارضه
بل جلس يستمع مع الصحابة رضي ال عن الجميع.
11م حكمة عمر العظيمة في فض النزاع في سقيفة بني ساعدة ,وذلك أنه بادر فأخذ بيد أبي بكر فبايعه
فانصب الناس وتتابعوا في مبايعة أبي بكر ,وانفض النزاع والحمد ل تعالى.
12م بلغة أبي بكر فقد تكلم في السقيفة فأجاد وأفاد حتى قال عمر عنه” :فتكلم أبلغ الناس”.
13م قد نفع ال بخطبة عمر يوم موت البني صلّى ال عليه وسلّم قبل دخول أبي بكر فخاف المنافقون،
ثم نفع ال بخطبة أبي بكر فعرف الناس الحق.
14م ظهرت حكمة أبي بكر وحسن سياسته في خطبته يوم الثلثاء بعد الوفاة النبوية ,وبين أن الصدق
أمانة والكذب خيانة ,وأن الضعيف قوي عنده حتى يأخذ له الحق ,والقوي ضعيف عنده حتى يأخذ منه الحق,
وطالب الناس بالطاعة له إذا أطاع ال ورسوله ,فإذا عصى ال ورسوله فل طاعة لهم عليه.
15م حكمة عمر رضي ال عنه وشجاعته العقلية والقلبية حيث خطب الناس قبل أبي بكر ورجع عن
قوله بال مس واعتذر ,و شد من أزر أبي ب كر ،وب ين أن أ با ب كر صاحب ر سول ال وأ حب الناس إل يه ,وثا ني
اثنين إذ هما في الغار.
16م استحباب بياض الكفن للميت ,وأن يكون ثلثة أثواب ليس فيها قمص ول عمامة ,وأن يلحد لحدا,
وأن ينصب عليه اللبن نصبا ,وأن يكون مسنما بقدر شبر فقط.
المبحث الثالث عشر :مصيبة المسلمين بموته صلّى ال عليه وسلّم
من المعلوم يقينا أن محبة النبي صلّى ال عليه وسلّم محبة كاملة من أعظم درجات اليمان الصادق؛ ولهذا
قال صلّى ال عليه وسلّم” :ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ,ووالده ,والناس أجمعين”( .)1فإذا
ف قد الن سان أهله ,أو والده ,أو ولده ,ل شك أن هذه م صيبة عظي مة من م صائب الدن يا ,فك يف إذا فقد هم كلّ هم
جميعا في وقت واحد؟
ول شك أن مصيبة موت النبي صلّى ال عليه وسلّم أعظم المصائب على المسلمين؛ ولهذا جاءت الحاديث
الصحيحة بذلك ,فعن عائشة رضي ال عنها قالت :فتح رسول ال صلّى ال عليه وسلّم بابا بينه وبين الناس,
أو كشف سترا فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر ,فحمد ال على ما رآه من حسن حالهم ,ورجاء أن يخلفه ال
فيهم بالذي رآهم ,فقال” :يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أُصيب بمصيبة فلْيتعزّ بمصيبته
بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري؛ فإن أحدا من أُمتي لن يُصاب بمصيبة أشدّ عليه من مُصيبتي”(.)2
وعن أنس رضي ال عنه قال" :لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول ال صلّى ال عليه وسلّم المدينة أضاء
منها كل شيء( ,)3فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء ,وما نفضنا عن رسول ال صلّى ال عليه
وسلّم اليدي( )4وإنا لفي دفنه( )5حتى أنكرنا( )6قلوبنا"(.)7
وعن أنس رضي ال عنه قال :قال أبو بكر رضي ال عنه – بعد وفاة رسول ال صلّى ال عليه وسلّم –
لعمر :انطلق بنا إلى أمّ أيمن نزورها كما كان رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يزورها ،فلما انتهيا إليها بكت
فقال ل ها :ما يبك يك؟ ف ما ع ند ال خ ير لر سوله صلّى ال عل يه و سلّم .قالت :إ ني لعلم أن ما ع ند ال خ ير
لرسوله صلّى ال عليه وسلّم ,ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء ,فهيجتهما على البكاء فجعل يبكيان
معها(.)8
وما أحسن ما قال القائل:
واعلم بأن المرء غير مخلّد ل مصيبة وتجلد
اصبر لك ّ
البخاري مع الفتح 1/58برقم ,5ومسلم .1/67 )(1
أخرجه ابن ماجه برقم ,1599وغيره وصححه اللباني في صحيح ابن ماجه ,1/267والحاديث الصحيحة برقم ,1106 )(2
وانظر :البداية والنهاية .5/276
أضاء منها كل شيء :أشرق من المدينة كل شيء .انظر :تحفة الحوذي .10/87 )(3
وما نفضنا :من النفض :وهو تحريك الشيء ليزول ما عليه من التراب والغبار ونحوهما .انظر تحفة الحوذي .10/88 )(4
وإنا لفي دفنه :أي مشغولون بدفنه بعد .انظر :تحفة الحوذي .10/88 )(5
حتى أنكرنا قلوبنا :يريد أنهم لم يجدوا قلوبهم على ما كانت عليه من الصفاء واللفة لنقطاع مادة الوحي وفقدان ما كان )(6
يمدهم من الرسول صلّى ال عليه وسلّم من التأييد والتعليم ,ولم يرد أنهم لم يجدوها على ما كانت عليه من التصديق؛ فإن
الصحابة رضي ال عنهم أكمل الناس إيمانا وتصديقا .انظر :تحفة الحوذي .10/88
الترمذي وصححه ,5/589وأحمد ,3/68وابن ماجه برقم ,1631وقال ابن كثير في البداية والنهاية :إسناده صحيح على )(7
شرط الصحيحين ,5/274وانظر :صحيح ابن ماجه .1/273
مسلم برقم ,2454وابن ماجه برقم ,1635واللفظ من المصدرين .وانظر :شرحه في النووي .16/242 )(8
فاذكر مصابك بالنبي محمد فإذا ذكرت مصيبة تسلو بها
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر المستفاد هذا المبعث كثيرة ,ومنها:
1م موت النبي صلّى ال عليه وسلّم أعظم مصيبة أصيب بها المسلمون.
2م إنكار ال صحابة قلوب هم ب عد موت ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم؛ لفراق هم نزول الو حي وانقطا عه من
السماء.
3م النبي صلّى ال عليه وسلّم أحب إلى المسلمين من النفس ,والولد ,والوالد ,والناس أجمعين ,وقد ظهر
ذلك عند موته بين القريب والبعيد من أصحاب النبي صلّى ال عليه وسلّم ,بل وجميع المسلمين.
4م محبة الصحابة للقتداء والتأسي برسول ال صلّى ال عليه وسلّم في كل شيء من أمور الدين حتى
في زيارة النساء كبار السن ,كما فعل أبو بكر وعمر رضي ال عنهما.
المبحث الرابع عشر :ميراثه صلّى ال عليه وسلّم
عن عمرو بن الحارث رضي ال عنه قال" :ما ترك رسول ال صلّى ال عليه وسلّم عند موتهِ :درْهما ,ول
دينارا ,ول عبدا ,ول أمَةً ,ول شيئا ,إل بغلته البيضاء [التي كان يركبها] وسلحه[ ,وأرضا بخيبر] جعلها [لبن
ال سبيل] صدقة"( .)1و عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت :ما ترك ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم دينارا ،ول
درهما ،ول شاة ،ول بعيرا ،ول أوصى بشيء(.)3(")2
وقال صلّى ال عل يه و سلّم” :ل نورث ما ترك نا ف هو صدقة”( )4وذلك ل نه لم يب عث صلّى ال عل يه و سلّم
جابيا للموال وخازنا إنمما بعمث هاديا ,ومبشراًً ،ونذيرا ,وداعيا إلى ال بإذنمه ,وسمراجا منيرا ,وهذا همو شأن
أنمبياء ال ورسمله عليهمم الصملة والسملم؛ ولهذا قال صملّى ال عليمه وسملّم” :إن العلماء ورثـة النـبياء ,إن
النبياء لم يورثوا دينارا ول درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظّ وافر”(.)5
وقد فهم الصحابة رضي ال عنهم ذلك ,فعن سليمان بن مهران :بينما ابن مسعود رضي ال عنه يوما معه
ن فر من أ صحابه إذ مرّ أعرا بي فقال :على ما اجت مع هؤلء؟ قال ا بن م سعود ر ضي ال ع نه" :على ميراث
محمد صلّى ال عليه وسلّم يقسّمونه"(.)6
البخاري ,5/356برقم ,4461 ،3098 ,2912 ,2873 ,2739واللفظ من هذه المواضع. )(1
مسلم برقم .1635 )(2
أي لم يوص بثلث ماله ول غيره إذ لم له مال ,أما أمور الدين فقد تقدم أنه أوصى بكتاب ال وسنه نبيه ,وأهل بيته ,وإخراج )(3
المشركين من جزيرة العرب ,وبإجازة الوفد ,والصلة وملك اليمين وغير ذلك .انظر :شرح النووي .11/97
البخاري في عدة مواضع من حديث عائشة ومالك بن أوس ,وأبي بكر رضي ال عنهم ,برقم ,4036 ,3712 ,3093 )(4
,6726 ,5358 ,4240و .7305 ,6727ومسلم برقم ,757و ,1759 ,1758و ,1761واللفظ لعائشة عند مسلم.
أبو داود ,3/317والترمذي ,5/49وابن ماجه ,1/80وصححه اللباني في صحيح سنن ابن ماجه .1/43 )(5
أخرجه الخطيب البغدادي بسنده في شرف أصحاب الحديث ص .45 )(6
فميراث ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم هو الكتاب وال سنة والعلم والهتداء بهد يه صلّى ال عل يه و سلّم؛ ولهذا
تو في صلّى ال عل يه و سلّم ولم يترك درهما ,ول دينارا ,ول عبدا ,ول أ مة ,ول بعيرا ,ول شاة ,ول شيئا ,إل
بغلته وأرضا جعلها صدقة لبن السبيل.
وعن عائشة رضي ال عنها قالت" :توفي النبي صلّى ال عليه وسلّم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلثين
صاعا من شعير"( .)1وهذا يبين أن النبي صلّى ال عليه وسلّم كان يتقلل من الدنيا ,ويستغني عن الناس؛ ولهذا
لم ي سأل ال صحابة أموال هم أو يقترض من هم؛ لن ال صحابة ل يقبلون ره نه ورب ما ل يقبضوا م نه الث من ,فعدل
إلى معاملة اليهودي؛ لئل يضيّق على أحد من أصحابه صلّى ال عليه وسلّم( .)2وقد كان صلّى ال عليه وسلّم
يصيبه الجوع وهو حي؛ ولهذا يمر ويمضي الشهر والشهران وما أوقدت في أبيات رسول ال صلّى ال عليه
وسلّم نار ,قال عروة لعائشة رضي ال عن الجميع :ما كان يقيتكم؟ قالت" :السودان :التمر والماء .)3( "...ومع
هذا كان يقول صملّى ال عليمه وسملّم” :مالي وللدنيـا مـا مثلي ومثـل الدنيـا إل كراكـب سـار فـي يوم صـائف
فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها”(.)4
وخلصة القول :أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة ,ومنها:
1مم النمبياء عليهمم الصملة والسملم لم يبعثوا لجممع الموال وإنمما بعثوا لهدايمة الناس وإخراجهمم ممن
الظلمات إلى النور؛ لهذا لم يورثوا دينارا ول درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
2م ز هد ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم في الدن يا وحطام ها الفا ني؛ وإن ما هو كالر كب الذي ا ستظل ت حت
شجرة ثم راح وتركها.
3م استغناء النبي صلّى ال عليه وسلّم عن سؤال الناس فهو يقترض ويرهن حتى ل يكلف لي أصحابه؛
ولهذا مات ودرعه مرهونة في ثلثين صاعا من شعير.
4م شدة الحال وقلة ما في اليد عند النبي صلّى ال عليه وسلّم؛ ولهذا يمضي الشهر والشهران ولم توقد
في أبياته نار ,وإنما كان يقيتهم السودان.
فصلوات ال وسلمه عليه ما تعاقب الليل والنهار ,وأسأل ال العلي العظيم أن يجعلنا من أتباعه المخلصين,
وأن يحشرنا في زمرته يوم الدين.
المبحث الخامس عشر :حقوقه صلّى ال عليه وسلّم على أمته
) البخاري برقم 2068وكرره بفوائده في عشرة مواضع ,ومسلم برقم , 1603وانظر :جميعها في مختصر البخاري لللباني 1
.2/21
) انظر :شرح النووي .11/43 2
) انظر :البخاري مع الفتح .11/283 3
أحمد 6/154وقال ابن كثير في البداية والنهاية ,5/284وإسناده جيد ,وأخرجه الترمذي وغيره ,وانظر :الحاديث الصحيحة )(4
برقم ,439وصحيح الترمذي .2/280
لل نبي الكر يم صلّى ال عل يه و سلّم حقوق على أم ته و هي كثيرة ,من ها :اليمان ال صادق به صلّى ال عل يه
ل وفعلً وتصديقه في كل ما جاء به صلّى ال عليه وسلّم ,وجوب طاعته والحذر من معصيته صلّى
وسلّم قو ً
ال عليمه وسملّم ،ووجوب التحاكمم إليمه والرضمى بحكممه ,وإنزاله منزلتمه صملّى ال عليمه وسملّم بل غلو ول
تقصير ,واتبا عه واتخاذه قدوة وأسوة في جميع المور ,ومحب ته أكثر من الن فس ,ال هل والمال والولد والناس
جميعا ,واحترامه وتوقيره ونصر دينه والذب عن سنته صلّى ال عليه وسلّم ,والصلة عليه؛ لقوله صلّى ال
عليه وسلّم” :إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه :خلق آدم ,وفيه النفخة ,وفيه الصعقة ,فأكثروا عليّ من
الصلة فيه فإن صلتكم معروضة عليّ” فقال رجل :يا رسول ال! كيف تعرض صلتنا عليك وقد أرمت؟
يعني بليت .قال” :إن ال حرّم على الرض أن تأكل أجساد النبياء”(.)1
وإليك هذه الحقوق بالتفصيل واليجاز كالتالي:
1م اليمان ال صادق به صلّى ال عل يه و سلّم وت صديقه في ما أ تى به قال تعالى{ :فَآمِنُوا بِاللّ ِه وَرَ سُو ِلهِ
ن بِاللّ هِ َوكَ ِلمَاتِ هِ
ن خَبِيرٌ}({ ,)2فَآمِنُواْ بِاللّ هِ َورَ سُو ِلهِ النّبِيّ ا ُلمّيّ الّذِي ُي ْؤمِ ُ
وَالنّورِ الّذِي أَن َزلْنَا وَاللّ ُه ِبمَا َت ْعمَلُو َ
حمَتِ ِه وَ َيجْعَل ّلكُمْ
وَاتّبِعُوهُ َلعَّلكُمْ َتهْتَدُونَ}({ ,)3يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَآمِنُوا ِبرَسُو ِلهِ ُيؤْ ِتكُ ْم كِفْلَيْنِ مِن ّر ْ
ِينـ
ّهـ وَرَسـُو ِلهِ فَإِنّاـ أَعْتَدْنَا ِل ْلكَافِر َ
ّمـ ُيؤْمِن بِالل ِ
غفُورٌ ّرحِيمـٌ}({ ,)4وَمَن ل ْ
ّهـ َ
ُمـ وَالل ُ
ِهـ وَ َي ْغفِرْ َلك ْ
ُونـ ب ِ
نُورًا َت ْمش َ
سعِيرًا}( ,)5وقال صلّى ال عليه وسلّم” :أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل ال ويؤمنوا بي وبما
َ
جئت به”(.)6
واليمان به صلّى ال عليه وسلّم هو تصديق نبوته ,وأن ال أرسله للجن والنس ,وتصديقه في جميع ما
جاء بمه وقاله ,ومطابقمة تصمديق القلب بذلك شهادة اللسمان ,بأنمه رسمول ال ,فإذا اجتممع التصمديق بمه بالقلب
والنطق بالشهادة باللسان ثم تطبيق ذلك العمل بما جاء به تمّ اليمان به صلّى ال عليه وسلّم(.)7
2م وجوب طاعته صلّى ال عليه وسلّم والحذر من معصيته ,فإذا وجب اليمان به وتصديقه فيما جاء به
وج بت طاع ته؛ لن ذلك م ما أ تى به ,قال تعالى{ :يَا أَيّهَا الّذِي نَ آمَنُواْ َأطِيعُواْ اللّ َه وَرَ سُو َلهُ َولَ َتوَّلوْا عَنْ هُ
س َمعُونَ}(َ { ,)8ومَا آتَاكُ مُ الرّ سُولُ َفخُذُو هُ َومَا َنهَاكُ ْم عَنْ هُ فَان َتهُوا}(ُ { ,)9قلْ َأطِيعُوا اللّ هَ َوَأطِيعُوا الرّ سُولَ
َوأَنتُ مْ تَ ْ
أبو داود ,1/275وابن ماجه ,1/524والنسائي ,3/91وصححه اللباني في صحيح النسائي .1/197 )(1
سورة التغابن ,الية.8 : )(2
سورة العراف ,الية.158 : )(3
سورة الحديد ,الية.28 : )(4
سورة الفتح ,الية.13 : )(5
مسلم .1/52 )(6
انظر :الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلّى ال عليه وسلّم للقاضي عياض .2/539 )(7
سورة النفال ,الية.20 : )(8
سورة الحشر ,الية.7 : )(9
ن َأمْرِ هِ أَن
حمّلْتُ مْ َوإِن ُتطِيعُو هُ َتهْتَدُوا}({ ,)1فَلْ َيحْذَرِ الّذِي نَ ُيخَا ِلفُو نَ عَ ْ
ح ّملَ وَعَلَ ْيكُم مّا ُ
فَإِن َتوَلّوا َفإِ ّنمَا عَلَيْ هِ مَا ُ
ص اللّ هَ
عظِيمًا}(َ { ,)3ومَن َيعْ ِ
تُ صِي َب ُهمْ فِتْ َن ٌة َأوْ يُ صِي َب ُهمْ عَذَا بٌ أَلِي مٌ}(َ { ,)2ومَن ُيطِ ِع اللّ هَ َورَ سُو َلهُ َفقَدْ فَازَ َف ْوزًا َ
ت َتجْرِي مِن َتحْتِهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِي نَ
ض ّل ضَللً مّبِينًا}({ ,)4وَمَن ُيطِ ِع اللّ َه وَرَ سُو َلهُ يُ ْدخِلْ هُ جَنّا ٍ
وَرَ سُو َلهُ َفقَدْ َ
فِيهَا وَذَلِكَ ا ْل َفوْ ُز ا ْلعَظِيمَُ ،ومَن َيعْصِ الّل َه وَ َرسُو َلهُ وَيَ َتعَدّ حُدُودَ ُه يُ ْدخِ ْلهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَ َل ُه عَذَابٌ ّمهِينٌ}(.)5
و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال :قال ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم ” :من أطاع ني ف قد أطاع ال
ومن عصاني فقد عصى ال”( ,)6وعنه رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم” :كل الناس
يد خل الج نة إل من أ بى ,قالوا يا ر سول ال! و من يأ بى؟ قال :من أطاع ني د خل الج نة و من ع صاني ف قد
أبى”(.)7
وعن ابن عمر رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم” :بعثت بين يدي الساعة بالسيف
ح تى يع بد ال وحده ل شر يك له ,وجُ ِعلَ رز قي ت حت ظلّ رم حي ,وجُ ِعلَ الذّلّ وال صّغارُ على من خالف
أمري ,ومن تشبه بقول فهو منهم”(.)8
3م اتباعه صلّى ال عليه وسلّم واتخاذه قدوة في جميع المور والقتداء بهديه ,قال تعالىُ { :قلْ إِن كُن ُتمْ
ن َلكُمْ فِي َرسُولِ الّل ِه ُأسْوَةٌ
غفُورٌ ّرحِيمٌ}(َ { ,)9لقَدْ كَا َ
ُتحِبّونَ الّلهَ فَاتّ ِبعُونِي ُيحْبِ ْب ُكمُ الّلهُ وَ َي ْغفِرْ َل ُكمْ ذُنُو َب ُكمْ وَالّلهُ َ
فيجب ()11
حسَ َنةٌ ّلمَن كَانَ َي ْرجُو الّلهَ وَالْ َي ْومَ الخِ َر وَ َذكَرَ الّل َه كَثِيرًا}( ,)10وقال تعالى{ :وَاتّ ِبعُوهُ َلعَّلكُمْ َتهْتَدُونَ}
َ
السير على هديه والتزام سنته والحذر من مخالفته ,قال صلّى ال عليه وسلّم” :فمن رغب عن سنتي فليس
مني”(.)12
4م محب ته صلّى ال عل يه و سلّم أك ثر من ال هل والولد والوالد والناس أجمع ين ,قال ال تعالىُ { :قلْ إِن
شوْ نَ كَ سَادَهَا َومَ سَاكِنُ
خ َ
عشِيرَ ُتكُ مْ َوَأ ْموَالٌ اقْتَرَفْ ُتمُوهَا وَ ِتجَارَةٌ َت ْ
جكُ مْ وَ َ
خوَانُكُ مْ َوأَ ْزوَا ُ
كَا نَ آبَا ُؤكُ مْ َوأَبْنَآ ُؤكُ مْ َوِإ ْ
جهَادٍ فِي سَبِي ِلهِ فَ َترَبّ صُواْ حَتّى يَأْتِ يَ اللّ هُ بِ َأ ْمرِ ِه وَاللّ ُه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْ مَ
ن اللّ ِه وَرَ سُو ِلهِ َو ِ
ضوْ َنهَا َأحَبّ إِلَ ْيكُم مّ َ
تَرْ َ
سورة النور ,الية.54 : )(1
سورة النور ,الية.63 : )(2
سورة الحزاب ,الية.71 : )(3
سورة الحزاب ,الية.36 : )(4
سورة النساء ,اليتان.14 ,13 : )(5
البخاري مع الفتح 13/111برقم .7137 )(6
البخاري مع الفتح 13/249برقم .7280 )(7
أحمد في المسند ,1/92والبخاري مع الفتح معلقا ,6/98وحسنه العلمة ابن باز ,وانظر :صحيح الجامع .3/8 )(8
سورة آل عمران ,الية.31 : )(9
سورة الحزاب ,الية.21 : )(10
سورة العراف ,الية.158 : )(11
البخاري مع الفتح 9/104برقم .5063 )(12
سقِينَ}( ,)1وعن أنس رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم” :ل يؤمن أحدكم حتى أكون
ا ْلفَا ِ
أ حب إل يه من ولده ووالده والناس أجمع ين”( .)2و قد ث بت في الحد يث أن من ثواب محب ته الجتماع م عه في
الجنة وذلك عندما سأله رجل عن الساعة فقال” :ما أعددت لها”؟ قال يا رسول ال ما أعددت لها كبير صيام,
ول صلة ,ول صدقة ,ولك ني أ حب ال ور سوله .قال” :فأ نت مع من أحب بت”( .)3قال أ نس ف ما فرح نا ب عد
ال سلم فرحا أشد من قول ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم” :فإ نك مع من أحب بت” ,فأ نا أ حب ال ور سوله ,وأبا
بكر ,وعمر .فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم(.)4
ولما قال عمر بن الخطاب رضي ال عنه :يا رسول ال لنت أحب إلي ّ من كل شيء إل من نفسي فقال
النبي صلّى ال عليه وسلّم” :ل والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك” ,فقال له عمر فإنه الن
وال لنت أحب إليّ من نفسي فقال النبي صلّى ال عليه وسلّم” :الن يا عمر”( ,)5وعن ابن مسعود رضي ال
ع نه قال :جاء رجل إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلّم فقال :يا رسول ال كيف تقول في ر جل أحب قوما
ولم يلحق بهم؟ فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم” :المرء مع من أحب”(.)6
و عن العباس بن ع بد المطلب ر ضي ال ع نه أ نه سمع ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم يقول” :ذاق ط عم
اليمان من رضي بال ربا ,وبالسلم دينا ,وبمحمد رسولً”(.)7
وقال صلّى ال عليه وسلّم” :ثلث من كن فيه وجد بهن حلوة اليمان :من كان الُ ورسولهُ أحب إليه
مما سواهما ,وأن يحب المرء ل يحبه إل ل ,وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه ال منه كما يكره أن
يقذف في النار”(.)8
ول شك أن من وفّ قه ال تعالى لذلك ذاق ط عم اليمان وو جد حلو ته ,في ستلذ الطا عة ويتح مل المشا قة في
رضى ال عز وجل ورسوله صلّى ال عليه وسلّم ,ول يسلك إل ما يوافق شريعة محمد صلّى ال عليه وسلّم؛
لنه رضي به رسولً ,وأحبه ،ومن أحبه من قلبه صدقا أطاعه صلّى ال عليه وسلّم؛ ولهذا قال القائل:
هذا لعمري في القياسِ بديعُ تعصي الله وأنت تُظْهر حُبّهُ
إن المُحبّ لمن يُحِبّ مُطيعُ
()9
لو كان حُبّكَ صادقا لطعته
سورة التوبة ,الية.24 : )(1
البخاري مع الفتح 1/58برقم ,15مسلم .1/67 )(2
البخاري مع الفتح 10/557و ,13/131ومسلم .4/2032 )(3
مسلم .4/2032 )(4
البخاري مع الفتح .11/523 )(5
البخاري مع الفتح .10/557 )(6
مسلم في صحيحه .1/62 )(7
البخاري مع الفتح ,1/72ومسلم 1/66وتقدم تخريجه ص .66 )(8
الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلّى ال عليه وسلّم 2/549و .2/563 )(9
وعلمات محب ته صلّى ال عل يه و سلّم تظ هر في القتداء به صلّى ال عل يه و سلّم ,واتباع سنته ,وامتثال
أوامره ,واجتناب نواه يه ,والتأدب بآدا به ,في الشدة والرخاء ,و في الع سر والي سر ,ول شك أن من أ حب شيئا
آثره ,وآثر موافقته ,وإل لم يكن صادقا في حبه ويكون مدّعيا(.)1
ول شك أن من علمات محبته :النصيحة له؛ لقوله صلّى ال عليه وسلّم” :الدين النصيحة” قلنا لمن؟ قال:
”ل ,ولكتابه ,ولرسوله ,ولئمة المسلمين وعامتهم”( ,)2والنصيحة لرسوله صلّى ال عليه وسلّم :التصديق
بنبو ته ,وطاع ته في ما أ مر به ,واجتناب ما ن هى ع نه ,ومُؤازر ته ,ون صرته وحماي ته حيا وميتا ,وإحياء سنته
والعمل بها وتعلمها ,وتعليمها والذب عنها ,ونشرها ,والتخلق بأخلقه الكريمة ,وآدابه الجميلة(.)3
5م احترامه وتوقيره ونصرته كما قال تعالى{ :لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّ هِ وَرَ سُو ِل ِه وَ ُتعَزّرُو هُ وَ ُتوَقّرُو هُ}({ ,)4يَا أَ ّيهَا
جعَلُوا ُدعَاءَ الرّ سُولِ
سمِي ٌع عَلِي مٌ}({ ,)5ل َت ْ
ن يَدَ يِ اللّ هِ َورَ سُو ِل ِه وَاتّقُوا اللّ َه إِنّ اللّ َه َ
ن آمَنُوا ل ُتقَ ّدمُوا بَ ْي َ
الّذِي َ
ضكُم َبعْضًا}(.)6
بَيْ َنكُمْ كَدُعَاءِ َبعْ ِ
وحر مة ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم ب عد مو ته ,وتوقيره لزم كحال حيا ته وذلك ع ند ذ كر حدي ثه ,و سنته,
وسماع اسمه وسيرته ,وتعلم سنته ,والدعوة إليها ,ونصرتها(.)7
ي يَا أَ ّيهَا الّذِينَ
ن عَلَى النّبِ ّ
6م الصلة عليه صلّى ال عليه وسلّم قال الله تعالى{ :إِنّ الّل َه َومَل ِئكَ َتهُ يُصَلّو َ
آمَنُوا صَلّوا عَلَيْ هِ وَ سَّلمُوا تَ سْلِيمًا}( ,)8وقال صلّى ال عليه وسلّم ..” :من صلى عليّ صلة صلى ال عليه
بها عشرا”( ,)9وقال صلّى ال عليه وسلّم” :ل تجعلوا بيوتكم قبورا ,ول تجعلوا قبري عيدا وصلوا عليّ فإن
صلتكم تبلغني حيث كنتم”( ,)10وقال صلّى ال عليه وسلّم” :البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ”( ,)11وقال
صلّى ال عل يه و سلّم ” :ما جاس قوم مجل سا لم يذكروا ال ف يه ,ولم ي صلّوا على نبيهم إل كان علي هم ترة,
فإن شاء عذبهـم وإن شاء غفـر لهـم”( ,)12وقال صملّى ال عل يه وسملّم” :إن ل ملئكـة سـياحين فـي الرض
انظر :الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلّى ال عليه وسلّم .582– 2/571 )(1
مسلم .1/74 )(2
الشفاء بتعريف حقوق المصطفي صلّى ال عليه وسلّم للقاضي حياض .584- 2/582 )(3
سورة الفتح ,الية.9 : )(4
سورة الحجرات ,الية.1 : )(5
سورة النور ,الية.63 : )(6
الشفاء 2/595و .612 )(7
سورة الحزاب ,الية.56 : )(8
أخرجه مسلم عن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما .1/288 )(9
أبو داود ,2/218وأحمد ,2/367وانظر :صحيح أبي داود .1/383 )(10
الترمذي ,5/551وغيره ,وانظر :صحيح الترمذي .3/177 )(11
الترمذي ,وانظر :صحيح الترمذي .3/140 )(12
يبلغوني من أمتي السلم”( ,)1وقال جبريل عليه السلم للنبي صلّى ال عليه وسلّم” :رغم أنف عبد – أو بَعُد
– ذُكِرتَ عنده فلم يصلّ عليك” فقال صلّى ال عليه وسلّم” :آمين”( ,)2وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال
رسول ال صلّى ال عليه وسلّم” :ما من أحد يسلّم عليّ إل ردّ ال عليّ روحي حتى أردّ عليه السلم”(.)3
* وللصلة على النبي صلّى ال عليه وسلّم مواطن كثيرة ذكر منها المام ابن القيم رحمه ل تعالى واحدا
وأربعين موطنا منها على سبيل المثال :الصلة عليه صلّى ال عليه وسلّم عند دخول المسجد ,وعند الخروج
م نه ,وب عد إجا بة المؤذن ,وع ند القا مة ,وع ند الدعاء ,و في التش هد في ال صلة ،و في صلة الجنازة ،و في
ال صباح والم ساء ،و في يوم الجم عة ,وع ند اجتماع القوم ق بل تفرق هم ,و في الخ طب :كخطب تي صلة الجم عة,
وعند كتا بة ا سمه ,و في أثناء صلة العيد ين ب ين الت كبيرات ,وآ خر دعاء القنوت ,وعلى ال صفا والمروة ,وع ند
الوقوف على قبره ,وع ند ال هم والشدائد وطلب المغفرة ,وع قب الذ نب إذا أراد أن يك فر ع نه ,وغ ير ذلك من
المواطن التي ذكرها رحمه ال في كتابه(.)4
ولو لم يرد في ف ضل ال صلة على ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم إل حد يث أ نس ر ضي ال ع نه لك فى ” من
صلى علي ّ صلة واحدة صلى ال عليه عشر صلوات([ .)5كتب ال له بها عشرة حسنات]( )6وحط عنه بها
عشر سيئات ,ورفعه بها عشر درجات”(.)7
7م وجوب التحا كم إل يه والر ضي بحك مه صلّى ال عل يه و سلّم ،قال ال تعالى{ :فَإِن تَنَازَعْتُ مْ فِي شَيْءٍ
ّكـ لَ
ْسـنُ تَ ْأوِيلً}({ ,)8فَلَ َورَب َ
ِكـ خَيْ ٌر َوأَح َ
ْمـ الخِرِ ذَل َ
ّهـ وَالْ َيو ِ
ُونـ بِالل ِ
ُمـ ُت ْؤمِن َ
ّهـ وَالرّسـُولِ إِن كُنت ْ
ّوهـ إِلَى الل ِ
فَرُد ُ
ويكون ()9
ت وَيُسَّلمُو ْا تَسْلِيمًا}
ح َرجًا ّممّا قَضَيْ َ
سهِمْ َ
شجَ َر بَيْ َنهُمْ ُثمّ لَ َيجِدُواْ فِي أَنفُ ِ
ح ّكمُو كَ فِيمَا َ
ُي ْؤمِنُو نَ حَ ّتىَ ُي َ
التحاكم إلى سنته وشريعته بعده صلّى ال عليه وسلّم.
8م إنزاله مكان ته صلّى ال عل يه و سلّم بل غلو ول تق صير ف هو ع بد ل ور سوله ,و هو أف ضل ال نبياء
والمرسلين ,وهو سيد الولين والخرين ,وهو صاحب المقام المحمود والحوض المورود ,ولكنه مع ذلك بشر
ن اللّ هِ وَل
ل يملك لنفسه ول لغيره ضرا ول نفعا إل ما شاء ال كما قال تعالى{ :قُل ّل أَقُولُ َلكُ مْ عِندِي خَزَآئِ ُ
ك لِ َنفْ سِي َنفْعًا َولَ
ك إِ نْ أَتّبِ ُع ِإلّ مَا يُوحَى إِلَيّ}( ,)10وقال تعالى{ :قُل لّ َأمْلِ ُ
أَعْلَ مُ ا ْلغَيْ بَ وَل أَقُو ُل َلكُ ْم إِنّ ي مَلَ ٌ
النسائي ,3/43وصححه اللباني في صحيح النسائي .1/274 )(1
ابن خزينة ,3/192وأحمد ,2/254وصححه الرنؤوط في الفهام. )(2
أخرجه أبو داود 2/218برقم ,2041وحسنه اللباني في صحيح أبي داود .1/283 )(3
راجع كتاب جلء الفهام في الصلة واللم على خير النام صلّى ال عليه وسلّم للمام ابن القيم رحمه ل تعالى. )(4
السياق يقتضي "و". )(5
هذه الزيادة من حديث طلحة في مسند أحمد .4/29 )(6
أحمد ,3/261وابن حبان الرقم ( 2390موارد) ,والحاكم ،1/551وصححه الرنؤوط في تحقيقه لجلء الفهام ص .65 )(7
سورة النساء الية.59 : )(8
سورة النساء ,الية.65 : )(9
سورة النعام ,الية.50 : )(10
ن ا ْلخَيْرِ َومَا مَسّنِيَ السّو ُء إِنْ أَنَ ْا ِإلّ نَذِي ٌر وَ َبشِي ٌر ّل َقوْمٍ
ت مِ َ
ب لَسْتَكْثَرْ ُ
ضَرّا ِإ ّل مَا شَاءَ اللّ ُه وَ َلوْ كُنتُ أَعْلَ ُم الْغَيْ َ
ِهـ
َنـ َأجِدَ مِن دُون ِ
ّهـ َأحَدٌ وَل ْ
ِنـ الل ِ
ُمـ ضَرّا وَل َرشَدًاُ ،قلْ إِنّيـ لَن ُيجِيرَنِي م َ
ِكـ َلك ْ
ُي ْؤمِنُونـَ}(ُ { ,)1قلْ إِنّيـ ل َأمْل ُ
ت َوإِنّهُم
ك مَيّ ٌ
مُلْ َتحَدًا}( ,)2و قد مات صلّى ال عل يه و سلّم كغيره من ال نبياء ول كن دي نه با قٍ إلى يوم القيام {إِنّ َ
ك ا ْلخُلْدَ أَفَإِن مّتّ َفهُمُ ا ْلخَالِدُو نَُ ،كلّ َنفْسٍ ذَا ِئ َقةُ ا ْل َموْتِ}( ,)4وبهذا يعلم أنه
جعَلْنَا لِ َبشَرٍ مّن قَبْلِ َ
مّيّتُو نَ}(َ { ,)3ومَا َ
سكِي َو َمحْيَايَ َو َممَاتِي لِلّهِ رَبّ ا ْلعَا َلمِي نَ 162لَ
صلَتِي وَنُ ُ
ل يستحق العبادة إل ال وحده ل شريك له { ُقلْ إِنّ َ
ت َوأَنَاْ َأ ّولُ ا ْل ُمسْ ِلمِينَ}(.)5
ك َلهُ وَبِذَِلكَ ُأمِرْ ُ
شَرِي َ
وصلى ال وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
الفهـرس
الصفحة الموضوع
المقدمة
المبحث الول :خلصة نسبه وولدته ووظيفته صلّى ال عليه وسلّم
الدروس والعبر
المبحث الثاني :اجتهاده وجهاده صلّى ال عليه وسلّم وأخلقه
.1كان صلّى ال عليه وسلّم أسوة لكل مسلم
.2صلته صلّى ال عليه وسلّم
.3صومه صلّى ال عليه وسلّم
.4صدقته صلّى ال عليه وسلّم
.5جهاده صلّى ال عليه وسلّم
.6معاملته صلّى ال عليه وسلّم
.7خلقه صلّى ال عليه وسلّم
.8زهده صلّى ال عليه وسلّم
.9ورعه صلّى ال عليه وسلّم
.10توسطه صلّى ال عليه وسلّم
سورة العراف ,الية.188 : )(1
سورة الجن ,اليتان.22 ،21 : )(2
سورة الزمر ,الية.30 : )(3
سورة النبياء ,اليتان.35 ,34 : )(4
سورة النعام ,اليتان.163 ,162 : )(5
الدروس والعبر
المبحث الثالث :خير أعماله خواتمها
الدروس والعبر
المب حث الرا بع :ودا عه لم ته صلّى ال عل يه و سلّم وو صاياه في
حجة الوداع
•أذانه في الناس بالحج
•وداعه ووصاياه لمته في عرفات
•وداعه ووصاياه لمته عند الجمرات
•وداعه ووصيته لمته يوم النحر
•وداعه ووصيته لمته في أوسط أيام التشريق
الدروس والعبر
المبحث الخامس :توديعه للحياء والموات
الدروس العبر
المبحث السادس :بداية مرضه وأمره لبي بكر أن يصلي بالناس
الدروس والعبر
المبحث السابع :خطبته العظيمة ووصاياه للناس
الدروس والعبر
المبحث الثامن :اشتداد مرضه ووداعه ووصيته في تلك الشدة
الدروس العبر
المبحث التاسع :وصاياه صلّى ال عليه وسلّم عند وفاته
الدروس العبر
المبحث العاشر :اختياره للرفيق العلى
الدروس العبر
المبحث الحادي عشر :موته شهيدا صلّى ال عليه وسلّم
الدروس والعبر
المبحث الثاني عشر :من كان يعبد ال فإن ال حي ل يموت
الدروس والعبر
المبحث الثالث عشر :مصيبة المسلمين بموته صلّى ال عليه وسلّم
الدروس العبر
المبحث الربع :ميراثه صلّى ال عليه وسلّم
الدروس العبر
المبحث الخامس :حقوقه على أمته صلّى ال عليه وسلّم
•اليمان الصادق به صلّى ال عليه وسلّم
•وجوب طاعته صلّى ال عليه وسلّم والحذر من معصيته
•اتباعه واتخاذه قدوة صلّى ال عليه وسلّم
•محبته صلّى ال عليه وسلّم أكثر من الهل والولد والوالد
•احترامه وتوقيره ونصرته صلّى ال عليه وسلّم
•الصلة عليه صلّى ال عليه وسلّم
•وجوب التحاكم إليه والرضى بحكمه صلّى ال عليه وسلّم
•إنزاله مكانته بل غلو ول تقصير صلّى ال عليه وسلّم
الفهمرس
فقير إلى ال:
خـــــــيرالدين
nilkheireddine@yahoo.fr