You are on page 1of 17

‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..

‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬


‫( ‪) 19‬‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬

‫توطئة ‪:‬‬

‫أحد ال تبارك وتعال ‪ ،‬وأصلي وأسلم على رسوله وخيته من خلقه ‪ ،‬ومصطفاه من رسله سيدنا ممد رسول‬

‫ال ‪ ،‬بعثه بالق بشيا ونذيرا ‪ ،‬فبلغ الرسالة ‪ ،‬وَأدّى المانة ‪ ،‬ونصح المة ‪ ،‬وجعلنا على الحجة البيضاء ‪ ،‬ليلها‬

‫كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك ‪ ،‬صلى ال وسلم وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله الطيبي الطاهرين ‪ ،‬وعلى أزواجه أمهات‬

‫الؤمني وعلى أصحابه أجعي والتابعي ومن تبعهم بإحسان إل يوم الدين أما بعد ‪:‬‬

‫أيها الخوة ‪:‬‬

‫هذه كلمات ف أدب الوار مُشت ِم َلةٌ العناصر التالية ‪ :‬تعريف الوار وغايته ‪ ،‬ث تهيد ف وقوع اللف ف‬

‫الرأي بي الناس ‪ ،‬ث بيان لُجمل أصول الوار ومبادئه ‪ ،‬ث بسط لدابه وأخلقياته ‪.‬‬

‫سائلً الول العلي القدير التسديد والقبول ‪..‬‬


‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬

‫تعريف ‪:‬‬

‫‪ :‬من الُحاورة ؛ وهي الُراجعة ف الكلم ‪.‬‬ ‫الوار‬


‫‪ :‬من َجدَلَ البل إذا فََتلَه ؛ وهو مستعمل ف الصل لن خاصم با يشغل عن ظهور الق ووضوح الصواب ‪،‬‬ ‫الدال‬
‫ث استعمل ف مُقاَبلَة الدلة لظهور أرجحها ‪.‬‬
‫والوار والدال ذو دللة واحدة ‪ ،‬وقد اجتمع اللفظان ف قوله تعال ‪َ { :‬قدْ سَمِ َع ال ّل ُه َقوْلَ الّتِي ُتجَادُِلكَ فِي َزوْ ِجهَا‬
‫َوتَشْتَكِي ِإلَى ال ّل ِه وَال ّلهُ يَسْمَ ُع تَحَا ُورَكُمَا إِنّ ال ّلهَ سَمِي ٌع َبصِيٌ } (الجادلة‪)1:‬‬
‫جةٍ ‪،‬‬
‫ويراد بالوار والدال ف مصطلح الناس ‪ :‬مناقشة بي طرفي أو أطراف ‪ ،‬يُقصد با تصحيح كلمٍ ‪ ،‬وإظهار ح ّ‬
‫وإثبات حقٍ ‪ ،‬ودفع شبهةٍ ‪ ،‬وردّ الفاسد من القول والرأي ‪.‬‬
‫وقد يكون من الوسائل ف ذلك ‪ :‬الطرق النطقية والقياسات الدليّة من القدّمات والُسلّمات ‪ ،‬ما هو مبسوط ف كتب‬
‫النطق وعلم الكلم وآداب البحث والناظرة وأصول الفقة ‪. ) 1 1‬‬

‫غاية الوار ‪:‬‬

‫الغاية من الوار إقامةُ الجة ‪ ،‬ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي ‪ .‬فهو تعاون من الُتناظرين على معرفة القيقة‬
‫والتّوصّل إليها ‪ ،‬ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها ‪ ،‬والسي بطرق الستدلل الصحيح للوصول إل الق ‪.‬‬
‫يقول الافظ الذهب ‪ ( :‬إنا وضعت الناظرة لكشف ال ّق ‪ ،‬وإفاد ِة العالِم الذكى العلمَ لن دونه ‪ ،‬وتنبيهِ الغفلَ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الضعفَ )‬
‫هذه هي الغاية الصلية ‪ ،‬وهي جليّة بيّنة ‪ ،‬وثَمّت غايات وأهداف فرعية أو مُمهّدة لذا الغاية منها ‪:‬‬
‫‪-‬إياد حلّ وسط يُرضي الطراف ‪.‬‬
‫‪-‬التعرّف على وجهات نظر الطرف أو الطراف الخرى ‪ ،‬وهو هدف تهيدي هام ‪.‬‬
‫‪-‬البحث والتنقيب ‪ ،‬من أجل الستقصاء والستقراء ف تنويع الرّؤى والتصورات التاحة ‪ ،‬من أجل الوصول‬
‫إل نتائج أفضل وأمْكَنَ ‪ ،‬ولو ف حوارات تالية ‪.‬‬

‫‪)11‬‬
‫‪ -‬جع في التعريف ‪ :‬تعريفات الجرجاني ‪ :‬مادة ( جدل ) ‪ .‬والمصباح المنير مادتي ‪ :‬حور وجدل ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ -‬راجع شرح المواهب للزرقاني ‪. 390 / 5‬‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬

‫وقوع اللف بي الناس ‪:‬‬

‫اللف واقع بي الناس ف متلف العصار والمصار ‪ ،‬وهو سنّة ال ف خلقه ‪ ،‬فهم متلفون ف ألوانم وألسنتهم‬
‫وطباعهم ومُدركاتم ومعارفهم وعقولم ‪ ،‬وكل ذلك آية من آيات ال ‪ ،‬نبّه عليه القرآن الكري ف قوله تعال ‪َ { :‬ومِنْ‬
‫آيَاِتهِ َخلْقُ السّمَاوَاتِ وَاْلَأ ْرضِ وَاخْتِلفُ َألْسِنَتِ ُك ْم وَأَْلوَانِ ُكمْ ِإنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ ِل ْلعَالِمِيَ } (الروم‪)22:‬‬
‫وهذا الختلف الظاهريّ دالّ على الختلف ف الراء والتاهات والعراض ‪ .‬وكتاب ال العزيز يقرر هذا ف غي ما‬
‫جعَلَ النّاسَ ُأ ّمةً وَا ِحدَ ًة وَل َيزَالُو َن مُخَْت ِلفِيَ (‪ )118‬إِلّا مَنْ رَ ِح َم رَّبكَ‬
‫آية ؛ مثل قوله سبحانه ‪ { :‬وََلوْ شَاءَ رَّبكَ َل َ‬
‫َوِلذَِلكَ َخ َل َق ُهمْ } (هود‪. )119:‬‬
‫يقول الفخر الرازي ‪ ( :‬والراد اختلف الناس ف الديان والخلق والفعال ) ‪.‬‬
‫ومن معن الية ‪ :‬لو شاء ال جعل الناس على دين واحد بقتضى الغريزة والفطرة ‪ ..‬ل رأي لم فيه ول اختيار ‪ ..‬وِإذَنْ‬
‫لا كانوا هذا النوع من اللق الُسمّى البشر ؛ بل كانوا ف حيلتهم الجتماعية كالنحل أو كالنمل ‪ ،‬ولكانوا ف الرّوح‬
‫كاللئكة ؛ مفطورين على اعتقاد القّ والطاعة ؛ ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ‪ ،‬ل يقع بينهم اختلف‬
‫ول تنازع ‪ .‬ولك ّن ال خلقهم بقتضى حكمته كاسبي للعلم ل ُم ْلهَمي ‪ .‬عاملي بالختيار ‪ ،‬وترجيح بعض الُمْكنات‬
‫التعارضات على بعض ؛ ل مبورين ول مضطرين ‪ .‬وجعلهم متفاوتي ف الستعداد وكسب العلم واختلف الختيار ‪.‬‬
‫أما قوله تعال ‪ { :‬وَِل َذِلكَ َخ َل َق ُهمْ } (هود‪. )119:‬‬
‫فلتعلموا أن اللم ليست للغاية ؛ فليس الُراد أنه سبحانه خلقهم ليختلفوا ‪ ،‬إذ من العلوم أنه خلقهم لعبادته وطاعته ‪.‬‬
‫وإنا اللم للعاقبة والصّيْرورة ؛ أي لثمرة الختلف خلقهم ‪ ،‬وثرته أن يكونوا فريقي ‪ :‬فريقا ف النة ‪ ،‬وفريقا ف‬
‫السعي ‪.‬‬
‫وقدّ تُحْملُ على التعليل من وجه آخر ‪ ،‬أي خلقهم ليستعدّ ك ٌل منهم لشأنٍ وعمل ‪ ،‬ويتار بطبعه أمرا وصنعة ‪ ،‬ما‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫يَسْتَِتبّ به نظام العال ويستقيم به أمر العاش ‪ ،‬فالناس مامل لمر ال ‪ ،‬ويتخذ بعضهم يعضا سخريا‬
‫خلقوا مستعدين للختلف والتفرق ف علومهم ومعارفهم وآرائهم ومشاعرهم ‪ ،‬وما يتبع ذلك من إراداتم واختيارهم‬
‫ف أعمالم ‪ ،‬ومن ذلك اليان ‪ ،‬والطاعة والعصية ( ‪. ) 4‬‬

‫(‪)3‬‬
‫‪ -‬راجع روح المعاني مجلد ‪ 4‬جزء ‪ 12‬ص ‪ . 164‬تفسير القاسمي جزء ‪ 9‬ص ‪. 182‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ -‬تفسير المنار جزء ‪ 12‬ص ‪. 194‬‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬

‫وضوح الق وجلؤه ‪:‬‬

‫وعلى الرغم من حقيقة وجود هذا التّبايُن بي الناس ؛ ف عقولم ومُدركاتم وقابليتهم للختلف ‪ ،‬إل أن ال وضع‬
‫على ال ّق معالَ ‪ ،‬وجعل على الصراط الستقيم منائرَ ‪ ..‬وعليه حُمِ َل الستثناء ف الية ف قوله ‪ِ { :‬إلّا مَ ْن رَ ِحمَ َرّبكَ }‬
‫(هود‪. )119:‬‬
‫وهو النصوص عليه ف الية الخرى ف قوله ‪ { :‬فَ َهدَى ال ّلهُ اّلذِينَ آ َمنُوا لِمَا اخَْت َلفُوا فِي ِه مِنَ الْحَ ّق ِبِإذِْنهِ } (البقرة‪:‬‬
‫‪. )213‬‬
‫وذلك أن النفوس إذا ترّدت من أهوائها ‪ ،‬وجدّت ف َتلَمّس ال ّق فإنا َمهْدّيةٌ إليه ؛ بل إ ّن ف فطرتا ما يهديها ‪ ،‬وتأمّل‬
‫خلْ ِق ال ّل ِه ذَِلكَ الدّي ُن اْلقَّيمُ‬
‫ذلك ف قوله تعال ‪َ { :‬فَأقِ ْم وَ ْج َهكَ لِلدّينِ حَنِيفا فِ ْط َرتَ ال ّلهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ َعلَ ْيهَا ل تَ ْبدِيلَ لِ َ‬
‫َولَكِنّ أَكَْثرَ النّاسِ ل َي ْعلَمُونَ } (الروم‪. )30:‬‬
‫ومنه الديث النبوي ‪ (( :‬ما من مولود إل يُولدُ على الفِطْرة ‪ ،‬فأبواه يُهوّدانه ‪ ،‬ويَُنصّرانه ‪ ،‬ويُمجّسانه ‪ ،‬كما تنتج‬
‫البهيمة بيمة جعاء ‪ ،‬هل تُحِسّون فيها من َجدْعاء حت أنتم تدعونا ؟ )) ‪.‬‬
‫ويُوضح ذلك ‪ ،‬أن أصول الدين ‪ ،‬وأمّهات الفضائل ‪ ،‬وأمّهات الرذائل ‪ ،‬ما يتفق العال الرشيد العاقل على حُسْن‬
‫مموده وحده ‪ ،‬والعتراف بعظيم نفعه ‪ ،‬وتقبيح سيّئه وذمّه ‪ .‬كل ذلك ف عبارات جليّة واضحة ‪ ،‬ونصوصِ بينّة ل‬
‫تقبل صرفا ول تأويلً ول جدلً ول مراءا ‪ .‬وجعلها أمّ الكتاب الت يدور عليها وحولا كل ما جاء فيه من أحكام ‪،‬‬
‫ول يُع َذرْ أحد ف الروج عليها ‪ ،‬و َحذّر من التلعب با ‪ ،‬وتطويعها للهواء والشهوات والشبهات بتعسف التأويلت‬
‫والُسوّغات ‪ ،‬ما سنذكره كأصل من أصول الوار ‪ ،‬ورفع الرج عنهم ‪ ،‬بل جعل للمخطيء أجرا وللمصيب أجرين‬
‫تشجيعا للنظر والتأمل ‪ ،‬وَتلَمّس القّ واستجلء الصال الراجحة للفراد والماعات ‪ .‬ولربك ف ذلك الكمة البالغة‬
‫والشيئة النافذة ‪.‬‬

‫مواطن التفاق ‪:‬‬

‫شوّ روح التفاهم ‪ .‬ويصي به الوار هادئا وهادفا ‪.‬‬


‫إنّ ِب ْدءَ الديث والوار بواطن التفاق طريق إل كسب الثقة وفُ ُ‬
‫الديث عن نقاط التفاق وتقريرها يفتح آفاقا من التلقي والقبول والقبال ‪ ،‬ما يقلّل الفوة ويردم ا ُلوّة ويعل فرص‬
‫الوفاق والنجاح أفضل وأقرب ‪ ،‬كما يعل احتمالت التنازع أقل وأبعد ‪.‬‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬
‫والال ينعكس لو استفتح الُتحاورون بنقاط اللف وموارد الناع ‪ ،‬فلذلك يعل ميدان الوار ضيقا وأمده قصيا ‪،‬‬
‫ومن ث يقود إل تغي القلوب وتشويش الواطر ‪ ،‬ويمل كل طرف على التحفّز ف الرد على صاحبه مُتتبّعا لثغراته‬
‫وزَلته ‪ ،‬ومن ث ينبي لبرازها وتضخيمها ‪ ،‬ومن ث يتنافسون ف الغلبة أكثر ما يتنافسون ف تقيق الدف ‪.‬‬
‫وما قاله بعض الُتمرّسي ف هذا الشأن ‪:‬‬
‫دَعْ صاحبك ف الطرف الخر يوافق وييب بـ ( نعم ) ‪ ،‬وحِ ْل ما استطعت بينه وبي ( ل ) ؛ لن كلمة ( ل ) عقبة‬
‫كؤود يصعب اقتحامها وتاوزها ‪ ،‬فمت قال صاحبك ‪ ( :‬ل ) ؛ أو َجَبتْ عليه كبياؤه أن يظ ّل مناصرا لنفسه ‪.‬‬
‫إن التلفظ بـ ( ل ) ليس تفوّها مردا بذين الرفي ‪ ،‬ولكنه تَحفّز لكيان النسان بأعصابه وعضلته وغدده ‪ ،‬إنه‬
‫اندفاع بقوة نو الرفض ‪ ،‬أما حروف ( نعم ) فكلمة سهلة رقيقة رفيقة ل تكلف أي نشاط جسمان ( ‪. ) 5‬‬
‫ويُعي على هذا السلك ويقود إليه ؛ إشعارك مُحدثّك بشاركتك له ف بعض قناعاته ؛ والتصريح بالعجاب بأفكاره‬
‫الصحيحة وأدلته اليدة ومعلوماته الفيدة ‪ ،‬وإعلن الرضا والتسليم با ‪ .‬وهذا كما سبق يفتح القلوب ويُقارب الراء ‪،‬‬
‫وتسود معه روح الوضوعية والتجرد ‪.‬‬
‫‪ :‬إن أكثر الهل إنا يقع ف النفي ؛ الذي هو الحود والتكذيب ؛ ل ف الثبات ‪ ،‬لن إحاطة‬ ‫وقد قال علماؤنا‬
‫النسان با يُثْبتُه أيسر من إحاطته با ينفيه ؛ لذا فإن أكثر اللف الذي يُورث الوى نابع ؛ من أن كل واحد من‬
‫الختلفي مصيب فيما يُثْبته أو ف بعضه ‪ ،‬مطيء ف نفي ما عليه الخر ( ‪. ) 6‬‬

‫(‪)5‬‬
‫‪ -‬أصول الحوار ص ‪. 46‬‬
‫(‪)6‬‬
‫‪ -‬تنبيه أولى البصار د‪ .‬صالح السحيمي ص ‪ 28‬بتصرف ‪.‬‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬

‫أصول الوار ‪:‬‬

‫الصل الول ‪:‬‬


‫سلوك الطرق العلمية والتزامها ‪ ،‬ومن هذه الطرق ‪:‬‬
‫‪-1‬تقدي الدلة الُثبِتة أو الرجّحة للدعوى ‪.‬‬
‫‪-2‬صحة تقدي النقل ف المور النقولة ‪.‬‬
‫ل فالصحة ‪ ،‬وإن كنت مدّعيّا فالدليل ) ‪.‬‬
‫وف هذين الطريقي جاءت القاعدة الوارية الشهورة ‪ ( :‬إن كنت ناق ً‬
‫وف التنيل جاء قوله سبحانه ‪ { :‬قُ ْل هَاتُوا ُب ْرهَانَ ُكمْ إِنْ كُنُْت ْم صَادِقِيَ } وف أكثر من سورة ‪:‬البقرة ‪ ، 111:‬والنمل‬
‫‪ { . 64‬قُ ْل هَاتُوا ُب ْرهَانَ ُكمْ َهذَا ذِ ْك ُر مَنْ َمعِ َي َوذِ ْكرُ مَ ْن قَ ْبلِي } (النبياء‪ { . )24:‬قُ ْل َفأْتُوا بِالّت ْورَا ِة فَاْتلُوهَا إِنْ كُ ْنُتمْ‬
‫صَادِقِيَ } (آل عمران‪. )93:‬‬

‫الصل الثان ‪:‬‬


‫سلمة كلمِ الناظر ودليله من التناقض ؛ فالتناقض ساقط بداهة ‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما ذكره بعض أهل التفسي من ‪:‬‬
‫‪ -1‬وصف فرعون لوسى عليه السلم بقوله ‪ { :‬سَا ِحرٌ َأ ْو مَجْنُونٌ } (الذريات‪. )39:‬‬
‫وهو وصف قاله الكفار – لكثي من النبياء با فيهم كفار الاهلية – لنبينا ممد صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وهذان‬
‫الوصفان السحر والنون ل يتمعان ‪ ،‬لن الشأن ف الساحر العقل والفطنة والذكاء ‪ ،‬أما الجنون فل عقل معه‬
‫البته ‪ ،‬وهذا منهم تافت وتناقض بيّن ‪.‬‬
‫‪ -2‬نعت كفار قريش ليات ممد صلى ال عليه وسلم بأنا سحر مستمر ‪ ،‬كما ف قوله تعال ‪ { :‬وَإِ ْن َي َروْا آَيةً‬
‫ح ٌر مُسْتَ ِم ّر } (القمر‪. )2:‬‬
‫ُيعْرِضُوا وََيقُولُوا سِ ْ‬
‫وهو تناقض ؛ فالسحر ل يكون مستمرا ‪ ،‬والستمر ل يكون سحرا ‪.‬‬

‫الصل الثالث ‪:‬‬


‫‪ ،‬لنه إذا كان كذلك ل يكن دليلً ‪ ،‬ولكنه اعادة للدعوى بألفاظ‬ ‫أل يكون الدليل هو عي الدعوى‬
‫وصيغ أخرى ‪ .‬وعند بعض الُحاورين من الباعة ف تزويق اللفاظ وزخرفتها ما يوهم بأنه يُورد دليلً ‪ .‬وواقع الال أنه‬
‫إعادة للدعوى بلفظ مُغاير ‪ ،‬وهذا تايل ف أصول لطالة النقاش من غي فائدة ‪.‬‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬
‫الصل الرابع ‪:‬‬
‫ُمسَلّمة ‪ .‬وهذه الُ َ‬
‫سلّمات والثوابت قد يكون مرجعها ؛ أنا‬ ‫التفاق على منطلقات ثابتة وقضايا‬
‫ح الكذب ‪ ،‬وشُكر الُحسن ‪ ،‬ومعاقبة‬
‫عقلية بتة ل تقبل النقاش عند العقلء التجردين ؛ كحُسْنِ الصدق ‪ ،‬وقُب ِ‬
‫الُذنب ‪.‬‬
‫سلّمات دينية ل يتلف عليها العتنقون لذه الديانة أو تلك ‪.‬‬
‫أو تكون مُ َ‬
‫سلّمات ‪ ،‬والنطلق منها يتحدد مُريد الق من ل يريد إل الراء والدل‬
‫وبالوقوف عند الثوابت والُ َ‬
‫والسفسطة ‪.‬‬
‫ففي السلم اليان بربوبية ال وعبوديّته ‪ ،‬واتّصافه بصفات الكمال ‪ ،‬وتنيهه عن صفات النقص ‪ ،‬ونبوة ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والقرآن الكري كلم ال ‪ ،‬والكم با أنزل ال ‪ ،‬وحجاب الرأة ‪ ،‬وتعدد الزوجات ‪ ،‬وحرمة‬
‫الربا ‪ ،‬والمر ‪ ،‬والزنا ؛ كل هذه قضايا مقطوع با لدى السلمي ‪ ،‬وإثباتا شرعا أمر مفروغ منه ‪.‬‬
‫إذا كان المر كذلك ؛ فل يوز أن تكون هذه مل حوار أو نقاش مع مؤمن بالسلم لنا مسومة ‪.‬‬
‫جرَ بَيَْن ُهمْ ‪} ...‬‬
‫فقضية الكم با أنزل ال منصوص عليها بثل ‪ { :‬فَل َورَّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ حَتّى ُيحَكّمُو َك فِيمَا شَ َ‬
‫ك ُهمُ الظّالِمُونَ } (الائدة‪. )45:‬‬
‫(النساء‪َ { . )65:‬ومَنْ َلمْ يَحْ ُكمْ ِبمَا أَْنزَلَ ال ّلهُ َفأُولَِئ َ‬

‫وحجاب الرأة مسوم بملة نصوص ‪:‬‬


‫{ يَا َأّيهَا النِّبيّ قُ ْل ِلَأ ْزوَا ِجكَ َوبَنَاِتكَ َونِسَاءِ الْ ُم ْؤمِنِيَ ُي ْدنِيَ َعلَ ْيهِ ّن مِنْ جَلبِيِبهِ ّن } (الحزاب‪. )59:‬‬
‫وقد يسوغ النقاش ف فرعيات من الجاب ؛ كمسألة كشف الوجه ‪ ،‬فهي مل اجتهاد ؛ أما أصل الجاب‬
‫فليس كذلك ‪.‬‬
‫الربا مسوم ؛ وقد يري النقاش والوار ف بعض صوره وتفريعاته ‪.‬‬
‫ومن هنا فل يكن لسلم أن يقف على مائدة حوار مع شيوعي أو ملحد ف مثل هذه القضايا ؛ لن النقاش معه ل يبتدئ‬
‫سلّمة ‪ ،‬ولكن يكون النقاش معه ف أصل الديانة ؛ ف ربوبيّة ال ‪ ،‬وعبوديّة‬
‫من هنا ‪ ،‬لن هذه القضايا ليست عنده مُ َ‬
‫صدْق القرآن الكري وإعجازه ‪.‬‬
‫ونبوّة ممد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬و ِ‬
‫ولذا فإننا نقول إن من الطأ – غي القصود – عند بعض الثقفي والكاتبي إثارة هذه القضايا ‪ ،‬أعن ‪ :‬تطبيق‬
‫الشريعة – الجاب – تعدد الزوجات – وأمثالا ف وسائل العلم ‪ ،‬من صحافة وإذاعة على شكل مقالت أو ندوات‬
‫بقصد إثباتا أو صلحيتها ‪ .‬أما إذا كان القصود ‪ :‬النظر ف حِكَمِها وأسرارها وليس ف صلحيتها وملءمتها فهذا ل‬
‫}(الحزاب‪)36:‬‬ ‫خَيرَ ُة مِنْ َأمْ ِر ِه ْم‬
‫حرج فيه ‪ ،‬إذْ ‪َ {:‬ومَا كَا َن لِ ُم ْؤمِنٍ وَل ُم ْؤمِنَةٍ ِإذَا َقضَى ال ّل ُه َورَسُوُلهُ َأمْرا أَنْ َيكُونَ َل ُهمُ الْ ِ‬
‫وأخيا فينبن على هذا الصل ؛ أن الصرار على إنكار الُسلّمات والثوابت مكابرة قبيحة ‪ ،‬وماراة منحرفة‬
‫عن أصول الوار والناظرة ‪ ،‬وليس ذلك شأن طالب الق ‪.‬‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬
‫الصل الامس ‪:‬‬
‫التجرّد ‪ ،‬وقصد الق ‪ ،‬والبعد عن التعصب ‪ ،‬واللتزام بآداب الوار ‪:‬‬
‫إن إتباع الق ‪ ،‬والسعي للوصول إليه ‪ ،‬والرص على اللتزام ؛ وهو الذي يقود الوار إل طريق مستقيم ل عوج فيه‬
‫ول التواء ‪ ،‬أو هوى المهور ‪ ،‬أو التْباع ‪ ..‬والعاقل – فضلً عن السلم – الصادق طالبٌ حقّ ‪ ،‬باحثٌ عن القيقة ‪،‬‬
‫ينشد الصواب ويتجنب الطأ ‪.‬‬
‫يقول الغزالّ أبو حامد ‪ ( :‬التعاون على طلب الق من الدّين ‪ ،‬ولكن له شروط وعلمات ؛ منها أن يكون‬
‫ف طلب الق كناشد ضالّة ‪ ،‬ل يفرق بي أن تظهر الضالّة على يده أو على يد معاونه ‪ .‬ويرى رفيقه معينا ل خصما ‪.‬‬
‫ويشكره إذا عرّفه الطأ وأظهره له ) ‪ ..‬الحياء ج ‪. 1‬‬
‫الحفوظة ‪ ( :‬ما كلمت أحدا ق ّ‬
‫ط إل أحببت أن يُوفّق ويُسدّد ويُعان ‪،‬‬ ‫ومن مقولت المام الشافعي‬
‫وتكون عليه رعاية ال وحفظه ‪.‬‬
‫ج ُة على لسانه أو لسان ) ‪.‬‬
‫ت ! أَ َظ َه َرتِ ال ّ‬
‫وما ناظرن فبالَيْ ُ‬
‫وف ذ ّم التعصب ولو كان للحق ‪ ،‬يقول الغزال ‪:‬‬
‫( إن التعصّب من آفات علماء السوء ‪ ،‬فإنم يُبالغون ف التعصّب للحقّ ‪ ،‬وينظرون إل الخالفي بعي الزدراء‬
‫والستحقار ‪ ،‬فتنبعث منهم الدعوى بالكافأة والقابلة والعاملة ‪ ،‬وتتوفر بواعثهم على طلب نُصرة الباطل ‪ ،‬ويقوى‬
‫غرضهم ف التمسك با نُسبوا إليه ‪ .‬ولو جاؤوا من جانب اللطف والرحة والنصح ف اللوة ‪ ،‬ل ف معرض التعصب‬
‫والتحقي لنحوا فيه ‪ ،‬ولكن لّا كان الاه ل يقوم إل بالستتباع ‪ ،‬ول يستميل التْباع مثلُ التعصّب واللعن والتّهم‬
‫للخصوم ‪ ،‬اتذوا التعصب عادتم وآلتهم ) ( ‪. ) 7‬‬
‫والقصود من كل ذلك أن يكون الوار بريئا من التعصّب خالصا لطلب الق ‪ ،‬خاليا من العنف والنفعال ‪،‬‬
‫بعيدا عن الشاحنات النانية والغالطات البيانيّة ‪ ،‬ما يفسد القلوب ‪ ،‬ويهيج النفوس ‪ ،‬ويُولد النّفرة ‪ ،‬ويُوغر الصدور ‪،‬‬
‫وينتهي إل القطيعة ‪.‬‬
‫وهذا الوضوع سوف يزداد بسطا حي الديث عن آداب الوار إن شاء ال ‪.‬‬

‫الصل السادس ‪:‬‬


‫أهلية الحاور ‪:‬‬
‫إذا كان من الق أل ينع صاحب الق عن حقه ‪ ،‬فمن الق أل يعطى هذا الق لن ل يستحقه ‪ ،‬كما أن من الكمة‬
‫والعقل والدب ف الرجل أل يعترض على ما ليس له أهلً ‪ ،‬ول يدخل فيما ليس هو فيه كفؤا ‪.‬‬

‫(‪)7‬‬
‫‪ -‬الحياء ج ‪. 1‬‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬
‫من الطأ أن يتصدى للدفاع عن الق من كان على الباطل ‪.‬‬
‫من الطأ أن يتصدى للدفاع عن الق من ل يعرف الق ‪.‬‬
‫من الطأ أن يتصدى للدفاع عن الق من ل ييد الدفاع عن الق ‪.‬‬
‫من الطأ أن يتصدى للدفاع عن الق من ل يدرك مسالك الباطل ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬فليس كل أحد مؤهلً للدخول ف حوار صحي صحيح يؤت ثارا يانعة ونتائج طيبة ‪.‬‬
‫والذي يمع لك كل ذلك ‪ ( :‬العلم ) ؛ فل بد من التأهيل العلمي للمُحاور ‪ ،‬ويقصد بذلك التأهيل العلمي الختص ‪.‬‬
‫إن الاهل بالشيء ليس كفؤا للعال به ‪ ،‬ومن ل يعلم ل يوز أن يادل من يعلم ‪ ،‬وقد قرر هذه القيقة إبراهيم عليه‬
‫صرَاطا َسوِيّا}(مري‪.)43:‬‬
‫السلم ف ماجّته لبيه حي قال ‪ {:‬يَا أََبتِ ِإنّي َقدْ جَاءَنِي مِنَ اْل ِع ْل ِم مَا َل ْم َيأِْتكَ فَاتِّبعْنِي َأ ْهدِكَ ِ‬
‫وإن من البلء ؛ أن يقوم غي متص ليعترض على متص ؛ فيُخَطّئه وُي َغلّطه ‪.‬‬
‫وإن حق من ل يعلم أن يسأل ويتفهم ‪ ،‬ل أن يعترض ويادل بغي علم ‪ ،‬وقد قال موسى عليه السلم للعبد الصال ‪:‬‬
‫{ قَالَ َلهُ مُوسَى هَلْ َأتِّبعُكَ َعلَى أَ ْن ُت َعلّمَنِ مِمّا ُعلّ ْمتَ رُشْدا } (الكهف‪. )66:‬‬
‫فالستحسن من غي الختص ؛ أن يسأل ويستفسر ‪ ،‬ويفكر ويتعلم ويتتلمذ ويقف موقف موسى مع العبد الصال ‪.‬‬
‫وكثي من الوارات غي النتجة مردّها إل عدم التكافؤ بي التحاورين ‪ ،‬ولقد قال الشافعي رحه ال ‪ ( :‬ما جادلت‬
‫عالا إل وغلبته ‪ ،‬وما جادلن جاهل إل غلبن ! ) ‪ .‬وهذا التهكم من الشافعي رحه ال يشي إل الدال العقيم ؛ الذي‬
‫يري بي غي التكافئي ‪.‬‬

‫الصل السابع ‪:‬‬


‫قطعية النتائج ونسبيّتها ‪:‬‬
‫من الهم ف هذا الصل إدراك أن الرأي الفكري نسبّ الدللة على الصواب أو الطأ ‪ ،‬والذي ل يوز عليهم الطأ هم‬
‫النبياء عليهم السلم فيما يبلغون عن ربم سبحانه وتعال ‪ .‬وما عدا ذلك فيندرج تت القولة الشهورة ( رأيي صواب‬
‫يتمل الطأ ‪ ،‬ورأي الخر خطأ يتمل الصواب ) ‪.‬‬
‫وبناء عليه ؛ فليس من شروط الوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفي إل قول الطرف الخر ‪ .‬فإن تقق هذا واتفقنا على‬
‫رأي واحد فنعم القصود ‪ ،‬وهو منتهى الغاية ‪ .‬وإن ل يكن فالوار ناجح ‪ .‬إذا توصل التحاوران بقناعة إل قبول كلٍ‬
‫من منهجيهما ؛ يسوغ لكل واحد منهما التمسك به ما دام أنه ف دائرة اللف السائغ ‪ .‬وما تقدم من حديث عن غاية‬
‫الوار يزيد هذا الصل إيضاحا ‪.‬‬
‫وف تقرير ذلك يقول ابن تيمية رحه ال ‪ ( :‬وكان بعضهم يعذر كل من خالفه ف مسائل الجتهادية ‪ ،‬ول يكلفه أن‬
‫يوافقه فهمه ) ا هـ ‪ .‬من الغن ‪.‬‬
‫ولكن يكون الوار فاشلً إذا انتهى إل نزاع وقطيعة ‪ ،‬وتدابر ومكايدة وتهيل وتطئة ‪.‬‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬
‫الصل الثامن ‪:‬‬
‫الرضا والقبول بالنتائج الت يتوصل إليها التحاورون ‪ ،‬واللتزام الادّ با ‪ ،‬وبا يترتب عليها ‪.‬‬
‫وإذا ل يتحقق هذا الصل كانت الناظرة ضربا من العبث الذي يتنه عنه العقلء ‪.‬‬
‫يقول ابن عقيل ‪ ( :‬وليقبل كل واحد منهما من صاحبه الجة ؛ فإنه أنبل لقدره ‪ ،‬وأعون على إدراك الق وسلوك‬
‫سبيل الصدق ‪.‬‬
‫قال الشافعي رضي ال عنه ‪ :‬ما ناظرت أحدا فقبل من الجّة إل عظم ف عين ‪ ،‬ول ردّها إل سقط ف عين ) ( ‪. ) 8‬‬

‫(‪)8‬‬
‫‪ -‬علم الجدل ص ‪14‬‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬

‫آداب الوار ‪:‬‬

‫‪ -1‬التزام القول السن ‪ ،‬وتنب منهج التحدي والفحام ‪:‬‬


‫إن من أهم ما يتوجه إليه الُحاور ف حوار ‪ ،‬التزام الُسن ف القول والجادلة ‪ ،‬ففي مكم التنيل ‪َ { :‬وقُلْ ِلعِبَادِي‬
‫َيقُولُوا الّتِي هِيَ أَحْسَن }(السراء ‪ { . )53:‬وَجَادِْل ُهمْ بِالّتِي هِ َي أَحْسَن } (النحل‪. )125 :‬‬
‫{ َوقُولُوا لِلنّاسِ حُسْنا }(البقرة ‪. )83:‬‬
‫فحق العاقل اللبيب طالب الق ‪ ،‬أن ينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح والزء والسخرية ‪ ،‬وألوان الحتقار‬
‫والثارة والستفزاز ‪.‬‬
‫ومن لطائف التوجيهات اللية لنبينا ممد صلى ال عليه وسلم ف هذا الباب ‪ ،‬النصراف عن التعنيف ف الردّ على‬
‫أهل الباطل ‪ ،‬حيث قال ال لنبيه ‪َ { :‬وإِنْ جَادَلُو َك فَقُ ِل ال ّلهُ أَ ْع َلمُ بِمَا َتعْ َملُونَ) (‪ )68‬ال ّلهُ يَحْ ُكمُ بَ ْينَ ُكمْ َي ْومَ اْلقِيَامَ ِة فِيمَا‬
‫كُ ْنُتمْ فِيهِ تَخَْت ِلفُو َن } (الج ‪. ) 69-68 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّا َأ ْو إِيّا ُكمْ َل َعلَى هُدىً َأ ْو فِي ضَل ٍل مُبِيٍ }(سـبأ‪ . )24:‬مع أن بطلنم ظاهر ‪ ،‬وحجتهم داحضة ‪.‬‬
‫ويلحق بذا الصل ‪ :‬تنب أسلوب التحدي والتعسف ف الديث ‪ ،‬ويعتمد إيقاع الصم ف الحراج ‪ ،‬ولو كانت‬
‫الجة بينه والدليل دامغا ‪ ..‬فإن كسب القلوب مقدم على كسب الواقف ‪ .‬وقد ُتفْحِم الصم ولكنك ل تقنعه ‪ ،‬وقد‬
‫تُسْكِته بجة ولكنك ل تكسب تسليمه وإذعانه ‪ ،‬وأسلوب التحدي ينع التسليم ‪ ،‬ولو وُ ِجدَت القناعة العقلية ‪.‬‬
‫والرص على القلوب واستلل السخائم أهم وأول عند النصف العاقل من استكثار العداء واستكفاء الناء ‪ .‬وإنك‬
‫لتعلم أن إغلظ القول ‪ ،‬ورفع الصوت ‪ ،‬وانتفاخ الوداج ‪ ،‬ل يولّد إل غيظا وحقدا وحَنَقا ‪ .‬ومن أجل هذا فليحرص‬
‫الحاور ؛ أل يرفع صوته أكثر من الاجة فهذا رعونة وإيذاء للنفس وللغي ‪ ،‬ورفع الصوت ل يقوّي حجة ول يلب‬
‫دليلً ول يقيم برهانا ؛ بل إن صاحب الصوت العال ل َيعْلُ صوته – ف الغالب – إل لضعف حجته وقلة بضاعته ‪،‬‬
‫فيستر عجزه بالصراخ ويواري ضعفه بالعويل ‪ .‬وهدوء الصوت عنوان العقل والتزان ‪ ،‬والفكر النظم والنقد‬
‫الوضوعي ‪ ،‬والثقة الواثقة ‪.‬‬
‫على أن النسان قد يتاج إل التغيي من نبات صوته حسب استدعاء القام ونوع السلوب ‪ ،‬لينسجم‬
‫الصوت مع القام والسلوب ‪ ،‬استفهاميا كان ‪ ،‬أو تقريريا أو إنكاريا أو تعجبيا ‪ ،‬أو غي ذلك ‪ .‬ما يدفع اللل والسآمة‬
‫‪ ،‬ويُعي على إيصال الفكرة ‪ ،‬ويدد التنبيه لدى الشاركي والتابعي ‪.‬‬
‫على أن هناك بعض الالت الستثنائية الت يسوغ فيها اللجوء إل الفحام وإسكات الطرف الخر ؛ وذلك‬
‫فيما إذا استطال وتاوز الد ‪ ،‬وطغى وظلم وعادى الق ‪ ،‬وكابر مكابرة بيّنة ‪ ،‬وف مثل هذا جاءت الية الكرية ‪:‬‬
‫{ وَل تُجَادِلُوا َأهْ َل الْكِتَابِ إِلّا بِالّتِي هِيَ أَحْسَ ُن إِلّا اّلذِي َن َظلَمُوا مِ ْن ُهمْ } (العنكبوت‪. )46 :‬‬
‫ج ْهرَ بِالسّو ِء مِنَ اْل َقوْلِ إِلّا مَ ْن ُظلِم } (النساء‪ :‬من الية ‪)148‬‬
‫حبّ ال ّلهُ الْ َ‬
‫{ ل يُ ِ‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬
‫ففي حالت الظلم والبغي والتجاوز ‪ ،‬قد يُسمح بالجوم الادّ الركز على الصم وإحراجه ‪ ،‬وتسفيه رأيه ؛ لنه يثل‬
‫الباطل ‪ ،‬وحَسَنٌ أن يرى الناس الباطل مهزوما مدحورا ‪.‬‬
‫وقبل مغادرة هذه الفقرة من الدب ‪ ،‬ل بد من الشارة إل ما ينبغي من العبد من استخدام ضمي التكلم أفرادا أو جعا‬
‫؛ فل يقول ‪ :‬فعلتُ وقلتُ ‪ ،‬وف رأيي ‪ ،‬و َدرَسْنا ‪ ،‬وف تربتنا ؛ فهذا ثقيل ف نفوس التابعي ‪ ،‬وهو عنوان على‬
‫العجاب بالنفس ‪ ،‬وقد يؤثر على الخلص وحسن القصد ‪ ،‬والناس تشمئز من التعال التعال ‪ ،‬ومن اللئق أن يبدلا‬
‫بضمي الغيبة فيقول ‪ :‬يبدوا للدارس ‪ ،‬وتدل تارب العاملي ‪ ،‬ويقول الختصون ‪ ،‬وف رأي أهل الشأن ‪ ،‬ونو ذلك ‪.‬‬
‫وأخيا فمن غاية الدب واللباقة ف القول وإدارة الوار أل َيفَْت ِرضَ ف صاحبه الذكاء الفرط ‪ ،‬فيكلمه بعبارات متزلة ‪،‬‬
‫وإشارات بعيدة ‪ ،‬ومن ث فل يفهم ‪ .‬كما ل يفترض فيه الغباء والسذاجة ‪ ،‬أو الهل الطبق ؛ فيبالغ ف شرح مال يتاج‬
‫إل شرح وتبسيط مال يتاج إل بسط ‪.‬‬
‫ول شك أن الناس بي ذلك درجات ف عقولم وفهومهم ‪ ،‬فهذا عقله متسع بنفس رَحْبة ‪ ،‬وهذا ضيق العَطَ ْن ‪ ،‬وآخر‬
‫ييل إل الحوط ف جانب التضييق ‪ ،‬وآخر ييل إل التوسيع ‪ ،‬وهذه العقليات والدارك تؤثر ف فهم ما يقال ‪ .‬فذو‬
‫العقل اللمّاح يستوعب ويفهم حرفية النص وفحواه ومراد التكلم وما بي السطور ‪ ،‬وآخر دون ذلك بسافات ‪.‬‬
‫ول الكمة البالغة ف اختلف الناس ف ماطباتم وفهومهم ‪.‬‬

‫‪ -2‬اللتزام بوقت مدد ف الكلم ‪:‬‬


‫ينبغي أن يستقر ف ذهن الُحاور أل يستأثر بالكلم ‪ ،‬ويستطيل ف الديث ‪ ،‬ويسترسل با يرج به عن حدود اللباقة‬
‫والدب والذوق الرفيع ‪.‬‬
‫يقول ابن عقيل ف كتابه فن الدل ‪ ( :‬وليتناوبا الكلم مناوبة ل مناهبة ‪ ،‬بيث ينصت العترض للمُسَتدِ ّل حت يفرغ‬
‫من تقريره للدليل ‪ ،‬ث الُستدِ ّل للمعترض حت يُقرر اعتراضه ‪ ،‬ول يقطع أحد منها على الخر كلمه وإن فهم مقصوده‬
‫من بعضه ) ‪.‬‬
‫وقال ‪ ( :‬وبعض الناس يفعل هذا تنبيها للحاضرين على فطنته وذكائه وليس ف ذلك فضيلة إذ العان بعضها مرتبط‬
‫ببعض وبعضها دليل على بعض ‪ ،‬وليس ذلك علم غيب ‪ ،‬أو زجرا صادقا ‪ ،‬أو استخراج ضمي حت يفتخر به ) ( ‪. ) 9‬‬
‫والطول والعتدال ف الديث يتلف من ظرف إل ظرف ومن حال إل حال ‪ ،‬فالندوات والؤترات تُحدّد فيها فرص‬
‫الكلم من قبل رئيس اللسة ومدير الندوة ‪ ،‬فينبغي اللتزام بذلك ‪.‬‬
‫والندوات واللقاءات ف العسكرات والنتزهات قد تقبل الطالة أكثر من غيها ‪ ،‬لتهيؤ الستمعي ‪ .‬وقد يتلف ظرف‬
‫السجد عن الامعة أو دور التعليم الخرى ‪.‬‬

‫(‪)9‬‬
‫‪ -‬علم الجدل ص ‪. 13‬‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬
‫ومن الفيد أن تعلم ؛ أن أغلب أسباب الطالة ف الكلم ومقاطعة أحاديث الرجال يرجع إل ما يلي ‪:‬‬
‫‪-1‬إعجاب الرء بنفسه ‪.‬‬
‫‪-2‬حبّ الشهرة والثناء ‪.‬‬
‫‪-3‬ظ ّن التحدث أن ما يأت به جديد على الناس ‪.‬‬
‫‪ِ -4‬قلّة البالة بالناس ف علمهم ووقتهم وظرفهم ‪.‬‬
‫ف ف صرفهم ‪،‬وصدودهم ‪ ،‬مللهم ‪ ،‬واستثقالم لحدّثهم‬
‫والذي يبدوا أن واحدا منها إذا استقر ف نفوس السامعي كا ٍ‬
‫‪.‬‬
‫وأنت خبي بأن للسامع حدّا من القدرة على التركيز والتابعة إذا تاوزها أصابه اللل ‪ ،‬وانتابه الشّرود الذّهن ‪ .‬ويذكر‬
‫بعضهم أن هذا الد ل يتجاوز خس عشرة دقيقة ‪.‬‬
‫ومن الي للمتحدث أن يُنهي حديثه والناس متشوفة للمتابعة ‪ ،‬مستمتعة بالفائدة ‪ .‬هذا خي له من أن تنتظر الناس‬
‫انتهاءه وقفل حديثه ‪ ،‬فال الستعان ‪.‬‬

‫‪ -3‬حسن الستماع وأدب النصات وتنب القاطعة ‪:‬‬


‫كما يطلب اللتزام بوقت مدد ف الكلم ‪ ،‬وتنب الطالة قدر المكان ‪ ،‬فيطلب حُسن الستماع ‪ ،‬واللباقة ف‬
‫الصغاء ‪ ،‬وعدم قطع حديث الُحاور ‪ .‬وإ ّن من الطأ أن تصر هّك ف التفكي فيما ستقوله ‪ ،‬ول تُلقي با ًل لُحدثك‬
‫ومُحاورك ‪ ،‬وقد قال السن بن علي لبنه ‪ ،‬رضي ال عنهم أجعي ‪:‬‬
‫( يا بنّ إذا جالست العلماء ؛ فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ‪ ،‬وتعلًم حُسْنَ الستماع كما تتعلم‬
‫حسن الكلم ‪ ،‬ول تقطع على أحد حديثا – وإن طال – حت يُمسك ) ‪.‬‬
‫ويقول ابن القفع ‪:‬‬
‫( تَع ّلمْ حُسن الستماع كما تتعلم حسن الكلم ؛ ومن حسن الستماع ‪ :‬إمهال التكلم حت ينقضي حديثه ‪ .‬وقلة‬
‫التلفت إل الواب ‪ .‬والقبال بالوجه ‪ .‬والنظر إل التكلم ‪ .‬والوعي لا يقول ) ‪.‬‬
‫ل ب ّد ف الوار اليّد من ساع جيّد ؛ والوار بل حُسْن استماع هو ( حوار ُطرْشان ) كما تقول العامة ‪ ،‬كل من طرفيه‬
‫منعزل عن الخر ‪.‬‬
‫إن السماع اليّد يتيح القاعدة الساسية للتقاء الراء ‪ ،‬وتديد نقاط اللف وأسبابه ‪ .‬حسن الستماع يقود إل فتح‬
‫ش ِع ُر بدّية الُحاور ‪،‬‬
‫القلوب ‪ ،‬واحترام الرجال وراحة النفوس ‪ ،‬تسلم فيه العصاب من التوتر والتشنج ‪ ،‬كما يُ ْ‬
‫وتقدير الُخالف ‪ ،‬وأهية الوار ‪ .‬ومن ث يتوجه الميع إل تصيل الفائدة والوصول إل النتيجة‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬

‫‪ -4‬تقدير الصم واحترامه ‪:‬‬


‫ينبغي ف ملس الوار التأكد على الحترام التبادل من الطراف ‪ ،‬وإعطاء كل ذي حق حقه ‪ ،‬والعتراف بنلته‬
‫ومقامه ‪ ،‬فيخاطب بالعبارات اللئقة ‪ ،‬واللقاب الستحقة ‪ ،‬والساليب الهذبة ‪.‬‬
‫إن تبادل الحترام يقود إل قبول الق ‪ ،‬والبعد عن الوى ‪ ،‬والنتصار للنفس ‪ .‬أما انتقاص الرجال وتهيلها فأمر مَعيب‬
‫مُحرّم ‪.‬‬
‫وما قيل من ضرورة التقدير والحترام ‪ ،‬ل يناف النصح ‪ ،‬وتصحيح الخطاء بأساليبه الرفيعة وطرقه الوقورة ‪ .‬فالتقدير‬
‫والحترام غي ا َللَقِ الرخيص ‪ ،‬والنفاق الرذول ‪ ،‬والدح الكاذب ‪ ،‬والقرار على الباطل ‪.‬‬
‫وما يتعلق بذه الصلة الدبية أن يتوجه النظر وينصرف الفكر إل القضية الطروحة ليتم تناولا بالبحث والتحليل‬
‫والنقد والثبات والنّقص بعيدا عن صاحبها أو قائلها ‪ ،‬كل ذلك حت ل يتحول الوار إل مبارزة كلمية ؛ طابعها‬
‫الطعن والتجريح والعدول عن مناقشة القضايا والفكار إل مناقشات التصرفات ‪ ،‬والشخاص ‪ ،‬والشهادات ‪،‬‬
‫والؤهلت والسي الذاتية ‪.‬‬

‫‪ -5‬حصر الناظرات ف مكان مدود ‪:‬‬


‫يذكر أهل العلم أن الُحاورات والدل ينبغي أن يكون ف خلوات مدودة الضور ؛ قالوا ‪ :‬وذلك أجع للفكر‬
‫والفهم ‪ ،‬وأقرب لصفاء الذهن ‪ ،‬وأسلم لسن القصد ‪ ،‬وإن ف حضور المع الغفي ما يرك دواعي الرياء ‪ ،‬والرص‬
‫على الغلبة بالق أو بالباطل ‪.‬‬
‫وما استدل به على ذلك قوله تعال ‪ { :‬قُلْ ِإنّمَا أَعِظُ ُكمْ ِبوَا ِحدَةٍ أَ ْن َتقُومُوا ِل ّل ِه مَثْنَى َو ُفرَادَى ُثمّ تََتفَ ّكرُوا } (سبأ‪. )46:‬‬
‫قالوا ‪ :‬لن الجواء الماهيية والجتمعات التكاثرة تُغطي الق ‪ ،‬وتُشوّش الفكر ‪ ،‬والماهي ف الغالب فئات غي‬
‫متصة ؛ فهي أقرب إل الغوغائية والتقليد العمى ‪ ،‬فََيلْتَبسُ الق ‪.‬‬
‫أما حينما يكون الديث مثن وفرادى وأعدادا متقاربة يكون أدعى إل استجماع الفكر والرأي ‪ ،‬كما أنه أقرب إل أن‬
‫يرجع الخطيء إل الق ‪ ،‬ويتنازل عما هو فيه من الباطل أو الشتبه ‪.‬‬
‫بلف الال أمام الناس ؛ فقد يعزّ عليه التسليم والعتراف بالطأ أما مُؤيّديه أو مُخالفيه ‪.‬‬
‫ولذا وُجّه نبينا ممد صلى ال عليه وسلم ف هذه الية أن ياطب قومه بذا ؛ لن اتامهم له كانت اتامات غوغائية ‪،‬‬
‫كما هي حال الل الستكبين مع النبياء السابقي ‪.‬‬
‫وما يوضح ذلك ما ذكرته كتب السي أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام ‪ ،‬والخنس بن شريق بن عمرو بن‬
‫وهب الثقفي ‪ ،‬خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو يصلي بالليل ف بيته ‪ ،‬فأخذ كل واحد‬
‫منهم ملسا يستمع فيه ‪ ،‬وكلٌ ل يعلم بكان صاحبه ‪ ،‬فباتوا يستمعون له ‪ ،‬حت إذا طلع الفجر تفرقوا ‪ ،‬حت إذا‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬
‫جعتهم الطريق تلوموا ؛وقال بعضهم لبعض ل تعودوا ‪ ،‬فلو رآكم بعض سفهائكم لوقعتم ف نفسه شيئا ‪،‬ث انصرفوا‬
‫‪.‬‬

‫حت إذا كانت الليلة الثانية ‪ ،‬عاد كل رجل منهم إل ملسه ‪ ،‬فباتوا يستمعون له ‪ ،‬حت إذا طلع الفجر تفرقوا ‪،‬‬
‫فجمعتهم الطريق ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة ‪ ،‬ث انصرفوا ‪ .‬حت إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل‬
‫ملسه ‪ ،‬فباتوا يستمعون له ‪ ،‬حت إذا طلع الفجر تفرقوا ‪ ،‬فجمعتهم الطريق ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬ل نبح حت‬
‫نتعاهد ل نعود ‪ .‬فتعاهدوا على ذلك ‪ .‬ث تفرقوا ‪ .‬فلما أصبح الخنس بن شريق أخذ عصاه ث خرج ‪ ،‬حت أتى أبا‬
‫سفيان بن حرب ف بيته فقال ‪ :‬أخبن يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سعت من ممد ؟ قال ‪ :‬يا أبا ثعلبه ‪ ،‬وال لقد سعت‬
‫أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد با ‪ ،‬وسعت أشياء ما عرفت معناها ول ما يُراد با ‪ .‬قال ألنس ‪ :‬وأنا والذي َح َل ْفتَ به !‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬ث خرج من عنده حت أتى أبا جهل ‪ ،‬فدخل عليه بيته فقال ‪ :‬يا أبا الكم ما رأيك فيما سعت من ممد ؟ قال‬
‫‪ :‬ماذا سعت ! تنازعنا نن وبنو عبدمناف الشرف ؛ أطعموا فأطعمنا ‪ ،‬وحلوا فحملنا ‪ ،‬وأعطوا فأعطينا ‪ ،‬حت إذا‬
‫تاثينا على الرّكَب وكنّا كفرسيّ رهان ‪ ،‬قالوا منّا نب يأتيه الوحي من السماء ! فمت نُدرك هذا ؟! وال ل نؤمن به ول‬
‫نصدقه ‪ .‬قال ‪ :‬فقام عنه الخنس وتركه ‪.‬‬

‫‪ – 6‬الخلص ‪:‬‬
‫هذه الصلة من الدب متمّمة لا ذكر من أصل التجرد ف طلب الق ‪ ،‬فعلى الُحاور ان يوطّن نفسه ‪ ،‬ويُروّضها على‬
‫الخلص ل ف كل ما يأت وما يذر ف ميدان الوار وحلبته ‪.‬‬

‫ومن أجلى الظاهر ف ذلك ‪ :‬أن يدفع عن نفسه حب الظهور والتميّز على القران ‪ ،‬وإظهار الباعة وعمق الثقافة ‪،‬‬
‫والتعال على النظراء والنداد ‪ .‬إن َقصْدَ انتزاع العجاب والثناء واستجلب الديح ‪ ،‬مُفسد للمر صارف عن الغاية ‪.‬‬

‫وسوف يكون فحص النفس دقيقا وناجحا لو أن الُحاور توجه لنفسه بذه السئلة ‪:‬‬
‫‪-‬هل ثّت مصلحة ظاهرة تُرجى من هذا النقاش وهذه الشاركة ‪ .‬؟‬
‫‪-‬هل يقصد تقيق الشهوة أو اشباع الشهوة ف الديث والشاركة ‪ .‬؟‬
‫‪-‬وهل يتوخّى أن يتمخض هذا الوار والدل عن نزاع وفتنة ‪ ،‬وفتح أبواب من هذه اللوان حقهّا أن تسدّ‬
‫‪.‬؟‬
‫ومن التحسس الدقيق والنصح الصادق للنفس أن يذر بعض التلبيسات النفسية والشيطانية فقد تتوهم بعض النفوس‬
‫أنا تقصد إحقاق الق ‪ ،‬وواقع دخيلتها أنا تقف مواقف إنتصا ِر ذاتٍ وهوى ‪ .‬ويدخل ف باب الخلص والتجرد‬
‫توطي النفس على الرضا والرتياح إذا ظهر الق على لسان الخر ورأيه ‪ ،‬ويعينه على ذلك أن يستيقن أن الراء‬
‫أصول الوار وآدابه ف السلم ‪ ..‬بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد‬
‫( ‪) 19‬‬
‫والفكار ومسالك الق ليست ملكا لواحد أو طائفة ‪ ،‬والصواب ليس حكرا على واحد بعينه ‪ .‬فهمّ الخلص ومهمته‬
‫ي فم ‪.‬‬
‫ي وعاء ‪ ،‬وعلى أ ّ‬
‫ي مكان ‪ ،‬ومن أ ّ‬
‫أن ينتشر الق ف كل مكان ‪ ،‬ومن أ ّ‬
‫إن من الطأ البيّن ف هذا الباب أن تظن أ ّن الق ل يغار عليه إل أنت ‪ ،‬ول يبه إل أنت ‪ ،‬ول يدافع عنه إل أنت ‪ ،‬ول‬
‫يتبناه إل أنت ‪ ،‬ول يلص له إل أنت ‪.‬‬

‫ومن الميل ‪ ،‬وغاية النبل ‪ ،‬والصدق الصادق مع النفس ‪ ،‬وقوة الرادة ‪ ،‬وعمق الخلص ؛ أن تُوقِفَ الوار إذا‬
‫ت ف مسارب اللجج والصام ‪ ،‬ومدخولت النوايا ‪.‬‬
‫وجدْت نفسك قد تغي مسارها ودخل ْ‬

‫ل التوفيق ‪ ،‬وصلى ال على ممد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬


‫وهذا ما تيسر تدوينه وال و ّ‬

‫صال بن عبدال بن حيد‬


‫مكة الكرمة‬

You might also like