Professional Documents
Culture Documents
توطئة :
أحد ال تبارك وتعال ،وأصلي وأسلم على رسوله وخيته من خلقه ،ومصطفاه من رسله سيدنا ممد رسول
ال ،بعثه بالق بشيا ونذيرا ،فبلغ الرسالة ،وَأدّى المانة ،ونصح المة ،وجعلنا على الحجة البيضاء ،ليلها
كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك ،صلى ال وسلم وبارك عليه ،وعلى آله الطيبي الطاهرين ،وعلى أزواجه أمهات
الؤمني وعلى أصحابه أجعي والتابعي ومن تبعهم بإحسان إل يوم الدين أما بعد :
هذه كلمات ف أدب الوار مُشت ِم َلةٌ العناصر التالية :تعريف الوار وغايته ،ث تهيد ف وقوع اللف ف
الرأي بي الناس ،ث بيان لُجمل أصول الوار ومبادئه ،ث بسط لدابه وأخلقياته .
تعريف :
الغاية من الوار إقامةُ الجة ،ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي .فهو تعاون من الُتناظرين على معرفة القيقة
والتّوصّل إليها ،ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها ،والسي بطرق الستدلل الصحيح للوصول إل الق .
يقول الافظ الذهب ( :إنا وضعت الناظرة لكشف ال ّق ،وإفاد ِة العالِم الذكى العلمَ لن دونه ،وتنبيهِ الغفلَ
()2
. الضعفَ )
هذه هي الغاية الصلية ،وهي جليّة بيّنة ،وثَمّت غايات وأهداف فرعية أو مُمهّدة لذا الغاية منها :
-إياد حلّ وسط يُرضي الطراف .
-التعرّف على وجهات نظر الطرف أو الطراف الخرى ،وهو هدف تهيدي هام .
-البحث والتنقيب ،من أجل الستقصاء والستقراء ف تنويع الرّؤى والتصورات التاحة ،من أجل الوصول
إل نتائج أفضل وأمْكَنَ ،ولو ف حوارات تالية .
)11
-جع في التعريف :تعريفات الجرجاني :مادة ( جدل ) .والمصباح المنير مادتي :حور وجدل .
()2
-راجع شرح المواهب للزرقاني . 390 / 5
أصول الوار وآدابه ف السلم ..بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد
( ) 19
اللف واقع بي الناس ف متلف العصار والمصار ،وهو سنّة ال ف خلقه ،فهم متلفون ف ألوانم وألسنتهم
وطباعهم ومُدركاتم ومعارفهم وعقولم ،وكل ذلك آية من آيات ال ،نبّه عليه القرآن الكري ف قوله تعال َ { :ومِنْ
آيَاِتهِ َخلْقُ السّمَاوَاتِ وَاْلَأ ْرضِ وَاخْتِلفُ َألْسِنَتِ ُك ْم وَأَْلوَانِ ُكمْ ِإنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ ِل ْلعَالِمِيَ } (الروم)22:
وهذا الختلف الظاهريّ دالّ على الختلف ف الراء والتاهات والعراض .وكتاب ال العزيز يقرر هذا ف غي ما
جعَلَ النّاسَ ُأ ّمةً وَا ِحدَ ًة وَل َيزَالُو َن مُخَْت ِلفِيَ ( )118إِلّا مَنْ رَ ِح َم رَّبكَ
آية ؛ مثل قوله سبحانه { :وََلوْ شَاءَ رَّبكَ َل َ
َوِلذَِلكَ َخ َل َق ُهمْ } (هود. )119:
يقول الفخر الرازي ( :والراد اختلف الناس ف الديان والخلق والفعال ) .
ومن معن الية :لو شاء ال جعل الناس على دين واحد بقتضى الغريزة والفطرة ..ل رأي لم فيه ول اختيار ..وِإذَنْ
لا كانوا هذا النوع من اللق الُسمّى البشر ؛ بل كانوا ف حيلتهم الجتماعية كالنحل أو كالنمل ،ولكانوا ف الرّوح
كاللئكة ؛ مفطورين على اعتقاد القّ والطاعة ؛ ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ،ل يقع بينهم اختلف
ول تنازع .ولك ّن ال خلقهم بقتضى حكمته كاسبي للعلم ل ُم ْلهَمي .عاملي بالختيار ،وترجيح بعض الُمْكنات
التعارضات على بعض ؛ ل مبورين ول مضطرين .وجعلهم متفاوتي ف الستعداد وكسب العلم واختلف الختيار .
أما قوله تعال { :وَِل َذِلكَ َخ َل َق ُهمْ } (هود. )119:
فلتعلموا أن اللم ليست للغاية ؛ فليس الُراد أنه سبحانه خلقهم ليختلفوا ،إذ من العلوم أنه خلقهم لعبادته وطاعته .
وإنا اللم للعاقبة والصّيْرورة ؛ أي لثمرة الختلف خلقهم ،وثرته أن يكونوا فريقي :فريقا ف النة ،وفريقا ف
السعي .
وقدّ تُحْملُ على التعليل من وجه آخر ،أي خلقهم ليستعدّ ك ٌل منهم لشأنٍ وعمل ،ويتار بطبعه أمرا وصنعة ،ما
()3
. يَسْتَِتبّ به نظام العال ويستقيم به أمر العاش ،فالناس مامل لمر ال ،ويتخذ بعضهم يعضا سخريا
خلقوا مستعدين للختلف والتفرق ف علومهم ومعارفهم وآرائهم ومشاعرهم ،وما يتبع ذلك من إراداتم واختيارهم
ف أعمالم ،ومن ذلك اليان ،والطاعة والعصية ( . ) 4
()3
-راجع روح المعاني مجلد 4جزء 12ص . 164تفسير القاسمي جزء 9ص . 182
()4
-تفسير المنار جزء 12ص . 194
أصول الوار وآدابه ف السلم ..بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد
( ) 19
وعلى الرغم من حقيقة وجود هذا التّبايُن بي الناس ؛ ف عقولم ومُدركاتم وقابليتهم للختلف ،إل أن ال وضع
على ال ّق معالَ ،وجعل على الصراط الستقيم منائرَ ..وعليه حُمِ َل الستثناء ف الية ف قوله ِ { :إلّا مَ ْن رَ ِحمَ َرّبكَ }
(هود. )119:
وهو النصوص عليه ف الية الخرى ف قوله { :فَ َهدَى ال ّلهُ اّلذِينَ آ َمنُوا لِمَا اخَْت َلفُوا فِي ِه مِنَ الْحَ ّق ِبِإذِْنهِ } (البقرة:
. )213
وذلك أن النفوس إذا ترّدت من أهوائها ،وجدّت ف َتلَمّس ال ّق فإنا َمهْدّيةٌ إليه ؛ بل إ ّن ف فطرتا ما يهديها ،وتأمّل
خلْ ِق ال ّل ِه ذَِلكَ الدّي ُن اْلقَّيمُ
ذلك ف قوله تعال َ { :فَأقِ ْم وَ ْج َهكَ لِلدّينِ حَنِيفا فِ ْط َرتَ ال ّلهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ َعلَ ْيهَا ل تَ ْبدِيلَ لِ َ
َولَكِنّ أَكَْثرَ النّاسِ ل َي ْعلَمُونَ } (الروم. )30:
ومنه الديث النبوي (( :ما من مولود إل يُولدُ على الفِطْرة ،فأبواه يُهوّدانه ،ويَُنصّرانه ،ويُمجّسانه ،كما تنتج
البهيمة بيمة جعاء ،هل تُحِسّون فيها من َجدْعاء حت أنتم تدعونا ؟ )) .
ويُوضح ذلك ،أن أصول الدين ،وأمّهات الفضائل ،وأمّهات الرذائل ،ما يتفق العال الرشيد العاقل على حُسْن
مموده وحده ،والعتراف بعظيم نفعه ،وتقبيح سيّئه وذمّه .كل ذلك ف عبارات جليّة واضحة ،ونصوصِ بينّة ل
تقبل صرفا ول تأويلً ول جدلً ول مراءا .وجعلها أمّ الكتاب الت يدور عليها وحولا كل ما جاء فيه من أحكام ،
ول يُع َذرْ أحد ف الروج عليها ،و َحذّر من التلعب با ،وتطويعها للهواء والشهوات والشبهات بتعسف التأويلت
والُسوّغات ،ما سنذكره كأصل من أصول الوار ،ورفع الرج عنهم ،بل جعل للمخطيء أجرا وللمصيب أجرين
تشجيعا للنظر والتأمل ،وَتلَمّس القّ واستجلء الصال الراجحة للفراد والماعات .ولربك ف ذلك الكمة البالغة
والشيئة النافذة .
()5
-أصول الحوار ص . 46
()6
-تنبيه أولى البصار د .صالح السحيمي ص 28بتصرف .
أصول الوار وآدابه ف السلم ..بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد
( ) 19
()7
-الحياء ج . 1
أصول الوار وآدابه ف السلم ..بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد
( ) 19
من الطأ أن يتصدى للدفاع عن الق من كان على الباطل .
من الطأ أن يتصدى للدفاع عن الق من ل يعرف الق .
من الطأ أن يتصدى للدفاع عن الق من ل ييد الدفاع عن الق .
من الطأ أن يتصدى للدفاع عن الق من ل يدرك مسالك الباطل .
إذن ،فليس كل أحد مؤهلً للدخول ف حوار صحي صحيح يؤت ثارا يانعة ونتائج طيبة .
والذي يمع لك كل ذلك ( :العلم ) ؛ فل بد من التأهيل العلمي للمُحاور ،ويقصد بذلك التأهيل العلمي الختص .
إن الاهل بالشيء ليس كفؤا للعال به ،ومن ل يعلم ل يوز أن يادل من يعلم ،وقد قرر هذه القيقة إبراهيم عليه
صرَاطا َسوِيّا}(مري.)43:
السلم ف ماجّته لبيه حي قال {:يَا أََبتِ ِإنّي َقدْ جَاءَنِي مِنَ اْل ِع ْل ِم مَا َل ْم َيأِْتكَ فَاتِّبعْنِي َأ ْهدِكَ ِ
وإن من البلء ؛ أن يقوم غي متص ليعترض على متص ؛ فيُخَطّئه وُي َغلّطه .
وإن حق من ل يعلم أن يسأل ويتفهم ،ل أن يعترض ويادل بغي علم ،وقد قال موسى عليه السلم للعبد الصال :
{ قَالَ َلهُ مُوسَى هَلْ َأتِّبعُكَ َعلَى أَ ْن ُت َعلّمَنِ مِمّا ُعلّ ْمتَ رُشْدا } (الكهف. )66:
فالستحسن من غي الختص ؛ أن يسأل ويستفسر ،ويفكر ويتعلم ويتتلمذ ويقف موقف موسى مع العبد الصال .
وكثي من الوارات غي النتجة مردّها إل عدم التكافؤ بي التحاورين ،ولقد قال الشافعي رحه ال ( :ما جادلت
عالا إل وغلبته ،وما جادلن جاهل إل غلبن ! ) .وهذا التهكم من الشافعي رحه ال يشي إل الدال العقيم ؛ الذي
يري بي غي التكافئي .
()8
-علم الجدل ص 14
أصول الوار وآدابه ف السلم ..بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد
( ) 19
()9
-علم الجدل ص . 13
أصول الوار وآدابه ف السلم ..بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد
( ) 19
ومن الفيد أن تعلم ؛ أن أغلب أسباب الطالة ف الكلم ومقاطعة أحاديث الرجال يرجع إل ما يلي :
-1إعجاب الرء بنفسه .
-2حبّ الشهرة والثناء .
-3ظ ّن التحدث أن ما يأت به جديد على الناس .
ِ -4قلّة البالة بالناس ف علمهم ووقتهم وظرفهم .
ف ف صرفهم ،وصدودهم ،مللهم ،واستثقالم لحدّثهم
والذي يبدوا أن واحدا منها إذا استقر ف نفوس السامعي كا ٍ
.
وأنت خبي بأن للسامع حدّا من القدرة على التركيز والتابعة إذا تاوزها أصابه اللل ،وانتابه الشّرود الذّهن .ويذكر
بعضهم أن هذا الد ل يتجاوز خس عشرة دقيقة .
ومن الي للمتحدث أن يُنهي حديثه والناس متشوفة للمتابعة ،مستمتعة بالفائدة .هذا خي له من أن تنتظر الناس
انتهاءه وقفل حديثه ،فال الستعان .
حت إذا كانت الليلة الثانية ،عاد كل رجل منهم إل ملسه ،فباتوا يستمعون له ،حت إذا طلع الفجر تفرقوا ،
فجمعتهم الطريق ،فقال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة ،ث انصرفوا .حت إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل
ملسه ،فباتوا يستمعون له ،حت إذا طلع الفجر تفرقوا ،فجمعتهم الطريق ،فقال بعضهم لبعض :ل نبح حت
نتعاهد ل نعود .فتعاهدوا على ذلك .ث تفرقوا .فلما أصبح الخنس بن شريق أخذ عصاه ث خرج ،حت أتى أبا
سفيان بن حرب ف بيته فقال :أخبن يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سعت من ممد ؟ قال :يا أبا ثعلبه ،وال لقد سعت
أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد با ،وسعت أشياء ما عرفت معناها ول ما يُراد با .قال ألنس :وأنا والذي َح َل ْفتَ به !
.قال :ث خرج من عنده حت أتى أبا جهل ،فدخل عليه بيته فقال :يا أبا الكم ما رأيك فيما سعت من ممد ؟ قال
:ماذا سعت ! تنازعنا نن وبنو عبدمناف الشرف ؛ أطعموا فأطعمنا ،وحلوا فحملنا ،وأعطوا فأعطينا ،حت إذا
تاثينا على الرّكَب وكنّا كفرسيّ رهان ،قالوا منّا نب يأتيه الوحي من السماء ! فمت نُدرك هذا ؟! وال ل نؤمن به ول
نصدقه .قال :فقام عنه الخنس وتركه .
– 6الخلص :
هذه الصلة من الدب متمّمة لا ذكر من أصل التجرد ف طلب الق ،فعلى الُحاور ان يوطّن نفسه ،ويُروّضها على
الخلص ل ف كل ما يأت وما يذر ف ميدان الوار وحلبته .
ومن أجلى الظاهر ف ذلك :أن يدفع عن نفسه حب الظهور والتميّز على القران ،وإظهار الباعة وعمق الثقافة ،
والتعال على النظراء والنداد .إن َقصْدَ انتزاع العجاب والثناء واستجلب الديح ،مُفسد للمر صارف عن الغاية .
وسوف يكون فحص النفس دقيقا وناجحا لو أن الُحاور توجه لنفسه بذه السئلة :
-هل ثّت مصلحة ظاهرة تُرجى من هذا النقاش وهذه الشاركة .؟
-هل يقصد تقيق الشهوة أو اشباع الشهوة ف الديث والشاركة .؟
-وهل يتوخّى أن يتمخض هذا الوار والدل عن نزاع وفتنة ،وفتح أبواب من هذه اللوان حقهّا أن تسدّ
.؟
ومن التحسس الدقيق والنصح الصادق للنفس أن يذر بعض التلبيسات النفسية والشيطانية فقد تتوهم بعض النفوس
أنا تقصد إحقاق الق ،وواقع دخيلتها أنا تقف مواقف إنتصا ِر ذاتٍ وهوى .ويدخل ف باب الخلص والتجرد
توطي النفس على الرضا والرتياح إذا ظهر الق على لسان الخر ورأيه ،ويعينه على ذلك أن يستيقن أن الراء
أصول الوار وآدابه ف السلم ..بقلم فضيلة الشيخ صال بن عبد ال بن حيد
( ) 19
والفكار ومسالك الق ليست ملكا لواحد أو طائفة ،والصواب ليس حكرا على واحد بعينه .فهمّ الخلص ومهمته
ي فم .
ي وعاء ،وعلى أ ّ
ي مكان ،ومن أ ّ
أن ينتشر الق ف كل مكان ،ومن أ ّ
إن من الطأ البيّن ف هذا الباب أن تظن أ ّن الق ل يغار عليه إل أنت ،ول يبه إل أنت ،ول يدافع عنه إل أنت ،ول
يتبناه إل أنت ،ول يلص له إل أنت .
ومن الميل ،وغاية النبل ،والصدق الصادق مع النفس ،وقوة الرادة ،وعمق الخلص ؛ أن تُوقِفَ الوار إذا
ت ف مسارب اللجج والصام ،ومدخولت النوايا .
وجدْت نفسك قد تغي مسارها ودخل ْ